شرح ألفية العراقي عبد الكريم الخضير شرح ألفية الحافظ
العراقي (4)
حكم الصحيحين والتعليق - نقل الحديث من الكتب المعتمدة - الحسن
الشيخ/عبد الكريم الخضير
أن أحاديث الصحيحين تفيد القطع لأن هذه قرينة، ابن الصلاح ما
يرى أن خبر الواحد يفيد القطع؛ لأنه قال قبل ذلك الحافظ
العراقي تبع له: "وبالصحيح والضعيف قصدوا في ظاهر لا القطع"،
هذا الأصل في خبر الواحد، لكن إذا احتفت به قرينة كوجوده في
الصحيحين أو في أحدهما يعني لشدة تحري البخاري ومسلم وانتقاء
البخاري ومسلم من أحاديث الرواة هذه قرينة، أيضا لتلقي الأمة
لكتابيهما بالقبول هذه قرينة تقوم في مقابل الاحتمال الذي
أوردناه، لكن نأتي إلى أحاديث في الصحيحين أحاديث انتقدها
الحفاظ ما تلقوها بالقبول، أعني كل الحفاظ ما تلقوها بمجموعها
وإن كانت عند الأكثر مقبولة وانتقدها بعضهم كالدارقطني وغيره،
ولذلك استثناها ابن الصلاح من القول بالقطع قال: سوى أحرف
يسيرة تكلم فيها بعض الحفاظ، وهي مائتين وعشرة أحاديث، مائتين
وعشرة أحاديث في البخاري ثمانية وسبعين، وفي مسلم مائة واشتركا
في اثنين وثلاثين، هذه أحاديث تكلم فيها بعض الحفاظ
كالدارقطني، وتولى العلماء الرد عليه، والغالب أن الحق والصواب
مع الشيخين، ابن حجر تولى الرد على الدارقطني، فيما يتعلق
بالبخاري، تولاه في مقدمة فتح الباري، وفي ثنايا شرحه، والنووي
وغير النووي تولوا الرد على الدارقطني فيما يتعلق بمسلم تولوا
هذا، ما تركوا والغالب أن الإصابة مع الشيخين وهناك أحاديث عسر
الجواب عنها، وتلقي الأمة بالقبول لهذين الكتابين أكثر من مجرد
كثرة الطرق، كما يقرره أهل العلم.
من الأحاديث التي لا تفيد القطع وهي في الصحيين الأحاديث
المتعارضة، الأحاديث المتعارضة يعني البخاري يخرج الحديث على
وجه ويخرج طريقاً ثانياً يعارضه، فهل يمكن أن يكون الخبر وما
يعارضه كلاهما مفيد للقطع يمكن؟ ما يمكن فيستثنى مما يفيد
القطع عند أهل العلم.
(4/1)
على كل حال التطاول على الصحيحين سيما
المبتدعة الذين يريدون هدم السنة؛ لأنه إذا سهل التطاول على
الصحيحين سهل التطاول على بقية الكتب، ولذلك تجدون أكثر
الهجمات على صحيح البخاري لماذا؟ لأننا إذا تطاولنا عليه سهل
التطاول على غيره، هدم السنة سهل جداً إذا أزلنا الهيبة، هيبة
صحيح البخاري وهيبة ما صح من سنة المصطفى -عليه الصلاة
والسلام- في هذين الكتابين الذين هما أصح الكتب من السهل جداً
أن ينسب حديث في المسند أو في سنن أبي داود أو في غيره، ولذا
التطاول عليهما من سيما المبتدعة لا سيما من يتكلم فيهما
بالهوى، أما من يتكلم بعلم ويأوي إلى علم كالدارقطني وقصده
النصح لله ولرسوله هذا مأجور على كل حال سواء أصاب أم أخطأ،
لكن الإشكال فيمن يدرس الصحيحين على طريقة المستشرقين للطعن
فيهم، هذه طريق المنافقين أذيال المستشرقين فيدافع عن الصحيحين
ومع المدافع الحق؛ لأن الأمة أطبقت على قبول ما في الصحيحين،
هناك أحرف يسيرة فيها شيء من القلب أو فيها شيء من الوهم لبعض
الرواة لكن لا يعني أن هذا مسوغ لكل من أراد أن يتكلم في
الصحيحين، بعض الناس ليس لا في العير ولا في النفير، وليس لديه
ما يؤهله لقراءة الصحيحين قراءة صحيحة ومع ذلك يهجم على
الصحيحين ويردد كلام بعض المبتدعة الذين لا يرون العمل بالسنة،
أو يوجد في السنة ما يرد بدعهم، يردد هذه البدع وهو لا يدري ما
يترتب على هذا الترديد.
(4/2)
على كل حال أهل السنة أهل إنصاف، ومقام
الصحيحين معروف في الدين لكن لا يعني أنهما بمثابة القرآن،
هناك أحرف يسيرة وجد في بعض الأحاديث القلب واستثناها أهل
العلم من إفادة القطع، أما سائر ما في الصحيحين فهو على القبول
حتى قال القائل: أنه لو حلف رجل بالطلاق أن جميع ما في
الصحيحين صحيح ما بانت امرأته ولا طلقت؛ لأن الأمة تلقت الأحرف
اليسيرة التي تكلم فيها بعض الحفاظ، ومع ذلك الحق مع الشيخين
في كثير من هذه الأحاديث بقي أحاديث لم يستطع من أجاب عن
الصحيحين الجواب عنها والجواب ممكن، يعني تركوا فرص لمن جاء
بعدهم تركوا فرص لمن جاء بعدهم، فمثلاً حديث السبعة الذين
يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله تتابع العلماء وهو في
صحيح مسلم الذي منهم: ((ورجل تصدق بصدقة فأخافها حتى لا تعلم
يمينه ما تنفق شماله)) والذي في الصحيحين: ((حتى لا تعلم شماله
ما تنفق يمنيه))، أطبقوا على أن هذا مقلوب والمقلوب من قسم
الضعيف لكن يمكن الجواب عنه والجواب بسهولة، الجواب عن مثل هذا
بسهولة ولا نقول مقلوب بل ماشي على الجادة، كيف وهو معارض
للروايات الأخرى نقول: نعم الأصل أن ينفق باليمين، لكن قد
يقتضيه ويضطره الإخلاص؛ لأن الحديث سيق لمدح إخفاء الصدقة الذي
يدفع إليه الإخلاص قد يضطره الإخلاص أن ينفق بشماله بأن يكون
السائل عن شماله وبحضرته أناس عن يمينه فيضطر أن يعطي السائل
بشماله، أيضا قد يكون هذا مكثر من الصدقة، مكثر من الصدقة، وفي
الحديث الصحيح في البخاري وغيره: ((ما يسرني أن لي مثل أحد
ذهباً تأتي على ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين بل
أقول فيه هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن أمامه ومن
خلفه))، وما دام هذا قائم الحمد لله تنفق اليمين هذا هو الأصل
والأخذ والإعطاء باليمين لكن قد يضطر الإنسان أن يتصرف بالشمال
فالمقصود أن الباب مفتوح، وكم ترك الأول للآخر، ولا مطعن ولا
مجال، والآن من المغرضين ممن يكتب في الصحف ويتحدث في وسائل
الإعلام من يتفرغ لنقد الصحيحين لنقد الصحيحين، الأئمة مأجورون
الذين لهم يد في هذا العلم وهدفهم الدفاع عن سنة النبي -عليه
الصلاة والسلام- هؤلاء مأجورون لو أخطؤوا مثل الدارقطني وغيره،
(4/3)
لكن هؤلاء الذين هدفهم هدم السنة هؤلاء
عليهم الوزر والإثم العظيم ولو أصابوا، ولو أصابوا.
وفرق كما ذكرنا مراراً، فرق بين من يكون من علماء المسلمين
الذين شهد لهم بالعلم والفضل والخير والديانة بالمتانة،
والاستقامة والصيانة وهدفهم الحق ويخطئون في بعض المسائل التي
يترتب عليها بعض الآثار العملية ككشف الوجه بالنسبة للمرأة،
يعني الألباني -رحمة الله عليه- حينما يبحث ويتوصل إلى أن
الوجه ليس بعورة نقول هذا إمام وعرفت قدمه ورسوخه في الدين
ودفاعه عن السنة ودفاعه عن محارم المسلمين وعن أعراض المسلمين
هذا مأجور، وإن كان قوله مرجوحاً سيثبت له أجر الاجتهاد، لكن
الذي يريد أن يستمتع بمحاسن محارم المسلمين، ويورد من الأدلة
ما يورده الألباني وغيره نقول: ينطبق عليه قوله -جل وعلا-:
{لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [(60) سورة الأحزاب]
التي جاءت مباشرة بعد قوله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء
الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ
ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ
اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [(59) سورة الأحزاب] إلى أن قال:
{لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} هؤلاء هم الذين يريدون
إثارة الشبه والاستمتاع والتفكه في محارم المسلمين. ومن أوائل
الأهداف الإبليسية قبل نزول آدم من السماء ما الذي حصل أغراه
أن أكل من الشجرة ليبدي لهما ما ووري من سوأتهما، هذه من أهداف
الشيطان، من أهداف إبليس وأتباع إبليس من المنافقين، لكن فرق
بين من يبحث المسألة مريداً بذلك الحق، وبين من يبحثها مريداً
بذلك الباطل، وهذا نظير مسألتنا الدارقطني حينما بحث في أحاديث
في الصحيحين وتكلم فيها هل نتهم الدرقطني؟ إمام من أئمة
المسلمين لا يستطيع أحد أن يتطاول عليه، وهدفه بذلك الحق
والدفاع عن السنة، لكن يأتي من يتطاول ويقول: في البخاري
خمسمائة حديث ضعيف، من أنت حتى تقول في البخاري خمسمائة حديث
ضعيف والأمة كلها من يوم ألف الكتاب إلى يومنا هذا يضربون
المثل في البخاري.
واقطع بصحة لما قد أسندا ... . . . . . . . . .
(4/4)
تخريج الحديث في الصحيحين قرينة تدل على أن
الحديث محفوظ ومضبوط، ولا يتطرق إليه احتمال الخطأ الذي
أوردناه.
من القرائن التي أوردها أهل العلم ليفيد الخبر القطع من
القرائن قالوا: أن يكون إسناده مشتملاً على الأئمة، مثل الحديث
الذي أوردناه في أصح الأسانيد، حديث في المسند يرويه أحمد عن
الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، مالك احتمال يخطأ، نافع
احتمال يخطأ، فإذا أخطأ ابن عمر لا يوافقه نافع، وإن أخطأ نافع
نبه على خطئه مالك، وإن أخطأ مالك ووافقهم على خطأهم لن يفلت
هذا من الشافعي، وإن أفلت منه فلن يفلت من الإمام أحمد، يعني
فلاتر تصفي مثل هذه الأمور، فإذا مر من هذا ما يمر من هذا،
فكون الإسناد مشتمل على أئمة يستحيل أن يمر أن يفوت الخطأ
والوهم على الجميع، فإن فات على واحد ما فات على الثاني، هذه
قرينة تجعل الخبر يقيني، لا يحتمل النقيض.
(4/5)
من القرائن قالوا: أن يكون الحديث مروي
بطرق كثيرة متباينة سالمة من القوادح والعلل؛ لأنه إذا وجد
الوهم في طريق لن يوجد في الطريق الثاني، وإن وجد في الثاني ما
وجد في الثالث، هذه قرائن مما نص عليها في رفع إفادة خبر
الواحد إلى اليقين. "واقطع بصحة لما قد أسندا كذا له"، كذا له
يعني لابن الصلاح "وقيل ظناً ولدى"، "وقيل ظناً" يعني حتى ما
في الصحيحين لا يفيد إلا الظن، مع أن الأمة تلقت هذين الكتابين
بالقبول ولكن عرفنا أن تخريج الحديث في الصحيحين قرينة تدل على
أن هذا الخبر ضبط وأتقن وتقوم في مقابل الاحتمال الذي يورد
بهذا الصدد لكن يبقي أن الأحاديث المتعارضة في معناها تستثنى
من هذا، الأحاديث التي انتقدت من قبل بعض الحفاظ ولا يمكن
الجواب عليها تستثنى من هذا، "وقيل ضناً ولدى محققيهم قد عزاه
النووي" "ولدى محققيهم قد عزاه النووي" الإشكال أنه يحصل
اختلاط في مثل هذه المسألة يتكلم فيها شيخ الإسلام ابن تيمية،
يتكلم فيها ابن القيم، يتكلم فيها ابن رجب، ويشددون على
المبتدعة لالتزامهم باللازم، وقد يكون المقام مقام رد على بعض
المبتدعة ويخشى من الأثر المترتب على هذا القول، فيقال أن خبر
الواحد يفيد العلم مطلقاً، كما يفهم من بعض المواضع في الصواعق
لابن القيم، لكن المحرر عنده وعند شيخ الإسلام وعند ابن رجب
أنها إذا احتفت بها قرينة أفادت العلم، ومفهوم هذا أنها إذا لم
تحتف بها قرينة الاحتمال قائم، التصرفات ليس بمعصومين، ويبقى
أنه في مقام في مقام مثل ما يحصل للأئمة في مقام الرد على
المبتدعة لا يترك لهم فرصة أو مدخل يدخلون معه، لا يترك لهم
فرصة، ففي الأصل إذا بحثنا المسألة نقول: إن الراوي قد يخطئ
ويتفق على هذا أنه قد يخطئ، لكن إذا كنا في مقام رد على مبتدع
لا نترك له فرصة، فمثلا إذا كنا في مجال الرد على المعتزلة
الذين لا يقولون أو لا يقبلون خبر الواحد الثقة حتى يرد من
أكثر من طريق، ويشترطون هذا لقبول الخبر وعمدتهم في هذا على
ايش؟ حجتهم أن عمر -رضي الله تعالى عنه- رد خبر أبي موسى
الأشعري في الاستئذان حتى شهد له أبو سعيد، حجتهم حينما يحتجون
بهذا ما مرادهم أو ما مغزاهم ومقصدهم من الاحتجاج بمثل هذا؟
مرادهم
(4/6)
إبطال خبر الواحد ليتسنى لهم رد كثير من
مسائل الاعتقاد التي لا يقولون بها فنقول: صنيع عمر احتياط
وغيرة على السنة، ولا يعني أنه لا يقبل خبر الشخص بمفرده،
بدليل أنه قبل خبر قبل أخبار كثيرة لكن لا يمنع أنه في وقت من
الأوقات إذا خشي من تتابع الناس من الإكثار عن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- أن يتثبت ويش المانع؟ ولا يعني أنه يرد خبر
أبي سعيد أو خبر فلان أوعلان، فمثل هذه الأمور وهي من الدقائق
ينتبه لها، وسيأتينا في الخبر المعنعن مزيد بسط لهذه المسألة
في كون البخاري يشترط اللقاء وهذا المعروف عنه، ومسلم يكتفي
بالمعاصرة، وشنع مسلم في مقدمة الصحيح على من يشترط اللقاء،
وحتى قال القائل: إنه يستحيل أن يقول البخاري بهذا القول مع
تشنيع مسلم، ومسلم أعرف الناس بالبخاري، يستحيل أن يطلق مسلم
هذه الألفاظ الشنيعة في البخاري إذن البخاري لا يقول بهذا
القول، نقول: البخاري يقول بهذا القول، ومسلم لا يرد على
البخاري، وإنما يرد على مبتدع يريد أن يوظف كلام الإمام
البخاري في نصر بدعته ورد السنة، فإذا استغل القول قول إمام من
الأئمة استغله مبتدع ورددنا على المبتدع فإننا لا نرد على
الإمام الذي يريد أن يحتاط للسنة، كما إذا رددنا على أبي
الحسين البصري أو أبا علي الجبائي أو غيرهم من المعتزلة في
ردهم خبر الواحد، هل نحن نرد على عمر بن الخطاب نعم؟ لا نرد
على عمر بن الخطاب، فتوضع النقاط على الحروف في مثل هذا، وإذا
خشي من اللوازم القول لا سميا في مقام أو في مجال لا مانع من
التشديد فيه وتنفى اللوازم مع كوننا لا نلتزم بها، وفي وقت
السعة تبسط المسألة بذيولها، ولذلك تجد شيخ الإسلام أحياناً
إذا تحمس للرد على أحد نسف القول بلوازمه، وإذا بحث المسألة
بحث فيه شيء من السعة بسطها على أصولها.
"كذا له وقيل ظناً ولدى محققيهم قد عزاه النووي".
(4/7)
قد يقول قائل: عندما يقول النووي المحققين
وهو معروف في مسائل الاعتقاد عنده شيء من المخالفات فهو يرى
مثل إمام الحرمين محقق عنده، الباقلاني محقق، من يشابهه في
البدعة مع أنهم من أهل الرسوخ في العلم يدعي أنهم محققون، ونحن
ننازعه في هذا التحقيق، لكن لا نرد القول بمجرد أنه جاء عن
فلان أو عن فلان، الحق يقبل ممن جاء به ومسألة الوصف بالتحقيق
في الغالب يوظفها الناقل لنصرة ما يذهب إليه، أنت الآن في
المذهب معروف عن الإمام أحمد أنه يقول كذا، ثم تقف على قول
يخالفه لشيخ الإسلام وابن القيم، وتقول أهل التحقيق على كذا
يرى المحققون فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، طيب الإمام
أحمد ومالك وأبو حنيفة ليسوا من أهل التحقيق، لكن هذه الكلمة
في الغالب يوظفها قائلها لترجيح ما يذهب إليه، والنووي يقول عن
المحققين هؤلاء وهو قول الجويني وقول أبي المعالي، الجوني وقول
الغزالي في المنخول وقول الآمدي وقول .. ، لكن لا يمنع أن نقبل
مثل هذا إذا كان حقاً، يعني في أصل خبر الواحد أنه لا يفيد إلا
الظن لما ذكرنا، لكن إذا احتفت به قرينة ارتفع، ويش المانع ما
فيه، لا يوجد ما يمنع على أن لا نلتزم باللوازم الباطلة، مثل
ما نظرنا في المسائل السابقة، "ولدى محققيهم قد عزاه النووي
وَفي الصَّحِيْحِ بَعْضُ شَيءٍ قَدْ رُوِي" "بعض شيء" يعني شيء
يسير، "روي مضعف"، "قد روي مضعف" بالرفع صفة لبعض، "بعض شيء
مضعف"، وبالنصب أيضاً وهو موجود في بعض النسخ الموثقة وبالنصب
حال، حال كونه مضعفاً مثل ممرضاً في البيت الذي يليه "وَفي
الصَّحِيْحِ بَعْضُ شَيءٍ قَدْ رُوِيْ مُضَعَّفاً وَلَهُمَا
بِلا سَنَدْ" يعني هذا الكلام فيما أسنداه من الأحاديث الأصول
التي اعتمدوا عليها ولهما بلا سند، يوجد أحاديث في الصحيحين
بدون أسانيد، أو أسانيد ناقصة، "ولهما بلا سند أشياء" أما
بالنسبة لصحيح مسلم ففيه أربعة عشر حديث من هذا النوع أسانديها
غير متصلة، أربعة عشر حديث، ثلاثة عشر حديثاً موصولة في الصحيح
نفسه، يورد الحديث بالسند المتصل، ويورده مرة ثانية بدون
اتصال، هذه الثلاثة عشر حديث محل بحث وهي موصولة في الصحيح
نفسه ليست محل بحث، الحديث الرابع عشر ما وصل في الصحيح
(4/8)
نفسه، موصول في صحيح البخاري، موصول في
صحيح البخاري، هل نحتاج إلى بحث في معلقات مسلم أو الأحاديث
المقطوعة في صحيح مسلم، المنقطعة؟ نحتاج إلى بحثها؟ في صحيح
مسلم ما دام كلها موصولة في الصحيح نفسه إلا واحد وهو موصول في
البخاري، إذاً لا نحتاج أن نبحث في هذه الأحاديث التي في
أسانيدها شيء من الانقطاع في صحيح مسلم.
(4/9)
انتهينا من مسلم بقي عندنا البخاري، "ولهما
بلا سند أشياء" والكلام كله ينصَّب على البخاري؛ لأن مسلم خرج
الآن من موضوع البحث، خرج عن دائرة البحث؛ لأن كل ما فيه من
هذا النوع موصول، إذا ً لا نبحث فيه، يبقى ما في البخاري من
هذا النوع وهو كثير، ألف وثلاثمائة وواحد وأربعين، ألف
وثلاثمائة وواحد وأربعين، هذه تحتاج إلى بحث، كلها موصولة في
الصحيح نفسه باستثناء مائة وستين أو مائة وتسعة وخمسين، كما
قرر ذلك ابن حجر -رحمه الله- تعالى، فالغالب يحتاج إلى بحث وهو
موصول في الصحيح نفسه، ما الذي يحتاج للبحث من ألف وثلاثمائة
وواحد وأربعين؟ المائة والستين أو مائة وتسعة وخمسين، هذه التي
تحتاج إلى بحث، وما عداها لا يحتاج إلى بحث؛ لأنه موصول في
الصحيح، هذه لا تخلو إما أن تورد بصيغة الجزم أو بصيغة
التمريض، ولذا قال: "ولهما بلا سند أشياء، فإن يجزم فصحح"، "إن
يجزم" يعني جاء بصيغة الجزم، قال فلان، ذكر فلان، روى فلان،
هذا صحح، "أو ورد ممرضاً" يذكر يروى يقال "فلا" يعني فلا تصحح،
يبقى أنه إن جزم فقد ضمن لك من انحذف، ضمن لك من انحذف، اجزم
بصحته إلى من ذكره، ثم بعد ذلك من ذكره هل هو محل ثقة وعلى شرط
البخاري أو موثق عند غيره، ومن روى عنه هذا المجزوم بالخبر
إليه شيخه وشيخ شيخه، هؤلاء يحتاجون إلى نظر، وكثير منهم إذا
جزم على شرطه، وكثير منهم صحيح على شرط غيره، يعني قد يكون من
جزم بهم لا يكون على شرطه لكن على شرط مسلم خرج له مسلم، وقد
يكونون من الثقات الذين لم يخرج لهم في الصحيحين، وقد يكونون
من رواة الحسن، لكن المجزوم به أنه ثابت إلى من جزم به البخاري
إليه، وينظر في بقية من أُبرز من رجال السند، ولذا يقول: "فإن
يجزم فصحح"، مقتضى قوله: "فصحح" أنه إذا ورد الخبر بصيغة الجزم
فهو صحيح، لكن الذي حققه ابن حجر أنه لا يلزم من ذلك الصحة،
نعم يلزم بذلك الصحة إلى من جزم به إليه، ويبقى النظر في من
أبرز من رجال الإسناد، وحقق ابن حجر أن فيهم من يتقاصر عن
شرطه، من يتقاصر عن شرطه، وعلى كل حال إذا جزم فالذي يغلب على
جميع ما جزم به البخاري الصحة، ولا ينزل عن درجة الحسن، لم
يجزم البخاري بحديث ضعيف "أو ورد ممرضاً فلا"، يعني لا
(4/10)
تجزم بصحته، ولا تصححه ابتداء مع أنه أورد
بعض الأسانيد ممرضة، قيل ويذكر، فيما وصله في صحيحه هو، يعني
صيغة التمريض ليست مضطرة، الحكم فيها ليس بمضطرد، فقد يورد
بصيغة التمريض ما وصله في صحيحه بناء على خلل في الإسناد الذي
أبرزه، خلل في الإسناد الذي أبرزه، أو لاختلاف في كلمة في
متنه، المقصود أنه لا بد من نكتة عدل فيها الإمام البخاري من
الجزم إلى صيغة التمريض، وعلى كل حال الأحاديث التي أوردها من
المعلقات بصيغة التمريض منها ما هو صحيح على شرطه ومنها ما
وصله في صحيحه ومنها ما هو صحيح على شرط غيره، ومنها ما هو في
صحيح مسلم، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف وضعفه محتمل
قريب، وما ضعفه شديد يبينه، ويذكر عن أبي هريرة: ((لا يتطوع
الإمام في مكانه)) ولم يصح، يبين ما ضعفه شديد رحمه الله
تعالى.
أو ورد مُمَرَّضاً فَلا، وَلكِنْ يُشْعِرُ ... بِصِحَّةِ
الأصْلِ لَهُ كَـ (يُذْكَرُ)
يعني ذكر الخبر في كتاب التزمت صحته، لا شك أنه يشعر بأن له
أصل، يركن إليه ويؤنس به "وَلكِنْ يُشْعِرُ بِصِحَّةِ الأصْلِ
لَهُ كَـ يُذْكَرُ" ثم عرف التعليق بقوله: ـ
وَإنْ يَكُنْ أوَّلُ الإسناد حُذِفْ ... مَعْ صِيغَةِ الجَزْم
فَتَعليْقاً عُرِفْ
(4/11)
"وَإنْ يَكُنْ أوَّلُ الإسناد حُذِفْ مَعْ
صِيغَةِ الجَزْم فَتَعليْقاً عُرِفْ" التعليق ما ذكره هنا وهو
مأخوذ كما يقول ابن الصلاح من تعليق الجدار أو تعليق الطلاق،
من تعليق الجدار أو تعليق الطلاق، واستبعد الحافظ ابن حجر أخذه
من تعليق الجدار، والبلقيني عكس، استبعد أخذه من تعليق الطلاق،
وابن الصلاح جمع بينهما من تعليق الجدار أو من تعليق الطلاق
ورجح ابن حجر أن يكون من تعليق الطلاق لا من تعليق الجدار وعكس
السراج البلقيني فقال: إنه من تعليق الطلاق لا من تعليق
الجدار، لكن ما معنى تعليق الطلاق وما معنى تعليق الجدار؟
الأصل في المعلق أن يكون بحيث لا يصل إلى شيء يستند إليه،
مثلاً الجسر هذا، نقول جسر معلق لأنه لا يصل إلى الأرض، نعم ما
يرفع على شيء مرتفع بحيث لا يصل إلى الأرض نقول هذا معلق على
كذا، الثوب معلق على الجدار لكن ما معنى تعليق الجدار؟ هم ما
عندهم جسور، نعم، ما عندهم كأنه يرمي إلى التعليق على الجدار،
تعليق الشيء على الجدار، وأما تعليق الطلاق، تعليق الطلاق
المعروف تعليقه على شرط أو على وصف، إن تحقق وقع إن خرجتِ ...
، هذا التعليق اللغوي هذا هو، ولا يعرف غير هذ لكنني لا أرى
هذا ولا هذا كأن ابن الصلاح يريد تعليق المرأة ايش معنى تعليق
المرأة؟ لا يبت بطلاقها ولا يضمها إليه بإحسان، لا يمسكها
بإحسان ولا يسرحها، {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ
فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [(129) سورة النساء] كأنها شيء
لا مسكينة وقعت على الأرض لترتاح ولا انحملت على ما حملت عليه،
يعني من تعليق المرأة والآية نص في هذا، وأيضاً في حديث أم زرع
قالت: "إن أسكت أعلق وإن أنطق أطلق"، فالمراد به تعليق المرأة
لا تعليق الطلاق، كأنه أُخذ من هذا، والمراد به تعليق الشيء
بحيث لا يصل إلى ما يستقر عليه، "وإن يكن أول الإسناد حذف مع
صيغة الجزم"؛ فالمعلق ما حذف من مبادئ إسناده من جهة المصنف
راو أو أكثر من راو، فيحذف المصنف شيخه أو يحذف الشيخ مع شيخه
أو مع الشيخ الثالث أو الرابع ولو إلى آخره ولو إلى آخر
الإسناد، بأن يقول المصنف: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فيحذف جميع الإسناد، هذا تعليق، وإن نازع بعضهم في تسمية
(4/12)
هذا تعليقاً كالمزي في الأطراف لم يدخل هذا
النوع في التعاليق، لم يدخله في التعاليق ما حذف فيه جميع
الإسناد ولو إلى آخره، قد يقتصر يحذف جميع الإسناد وينسب الخبر
إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وقد يذكر معه الصحابي قال
أنس: "حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فخذه"، وقد يذكر
التابعي مع الصحابي، وقد يذكر الراوي عن التابعي إلى أن يصل
إلى شيخه فيحذفه كل هذا تعليق فالتعليق له صور: ما حذف منه
الشيخ فقط، أو مع شيخه، أو مع شيخ شيخه إلى أن يحذف إلى آخر
الإسناد، ولذا قال: "ولو إلى آخره"، لكن بقي معنا: "مع صيغة
الجزم" أحياناً يذكر البخاري القول غير منسوب إلى قائل، ينسب
الفعل إلى فاعله من غير نسبته إلى قائله، كانت أم الدر داء
تجلس في الصلاة جلسة الرجل وكانت فقيهة، ما قال: قال مكحول
كانت أم الدرداء، فما نسب القول إلى قائله، وإنما نسب الفعل
إلى فعاله مباشرة، هذا معلق داخل في قوله: "ولو إلى آخره"؛ لأن
الفعل مثل القول، وإن نازع المزي في مثل هذا.
(4/13)
بقي معنا "مع صيغة الجزم": يعني ما يذكر عن
الشيوخ، عن شيخ الشيخ مع حذف الشيخ أو حذف شيخه بصيغة التمريض،
مثلاً: يذكر عن معاذ كذا، أو يذكر عن طاووس عن معاذ، هل هذا
تعليق ولا لا؟ يروى عن أبي هريرة تعليق ولا لا؟ مقتضى قوله أنه
ليس بتعليق، أنه ليس بتعليق، وتبع فيه هذا ابن الصلاح لكن
كلامه الأول "فَإنْ يَجْزِمْ فَصَحِّحْ، أو وَرَدْ
مُمَرَّضاً"، هو يتكلم على المنقطع عموماً في الكلام الأول وإن
كان يشعر بأنه يريد المعلقات؛ لأنه قال: "فإن يجزم" كيف يجزم
في سند منقطع، وإذا روى عن شيخه حدثنا محمد بن بشار ثم يسقط من
بعده ويطلع إلى شيخ الشيخ أو شيخ شيخه يسقط راوي، كيف نقول أنه
جزم به أو لم يجزم؟ إنما الجزم والتمريض في المعلقات، هذا
المعروف من خلال النظر في الصحيح، وقال: "فإن يجزم فصحح أو ورد
ممرضاً"، وهو أيضاً موجود عند ابن الصلاح، فكيف يقول في تعريف
المعلق "مع صيغة الجزم"؟ معناه أن ما يورد من المعلقات بصيغة
التمريض لا يسمى معلقاً، لا يسمى معلقاً عند ابن الصلاح ومشى
عليه في النظم لكن الصحيح أنه معلق مشى عليه، والنووي تبعهم،
لكنه في رياض الصالحين في رياض الصالحين خرج حديث: "أمرنا أن
ننزل الناس منازلهم، أمرنا أن ننزل الناس منازلهم" وقال: أخرجه
الإمام مسلم في مقدمة صحيحه تعليقاً، وقد علقه مسلم في مقدمة
الصحيح بصيغة التمريض، فدل على أن ما يعلق بصيغة التمريض يسمى
معلقاً، ولا فرق بين صيغة الجزم ولا صيغة التمريض من حيث
التسمية، أما من حيث الحكم فقد تقدم ما فيها "فتعليقاً عرف"،
وتعليقاً منصوب على ايش؟ إما على نزع الخافض، عرف بالتعليق هذا
الأصل، أو يكون مفعول مقدم بعد أن يضمن عرف بسمي نعم، أو يضمن
عرف بسمي ويكون مفعول مقدم.
ولو إلى أخره، أمَّا الَّذِي لِشَيْخِهِ عَزَا بـ (قالَ)
فَكَذِي
عَنْعَنَةٍ كخَبَرِ المْعَازِفِ ... لا تُصْغِ (لاِبْنِ
حَزْمٍ) المُخَالِفِ
(4/14)
"أما الذي لشيخه" أما الخبر الذي عزاه
المؤلف وهو يقصد بهذا البخاري لشيخه بقال، كثيراً ما يروي
البخاري عن شيوخه بصيغة التحديث حدثنا فلان، وأحياناً يقول:
قال فلان وهو شيخه لقيه، وأخذ عنه أحاديث وحدث عنه بالصيغة
الصريحة، لكن أحياناً يقول: قال فلان، خبر المعازف قال: قال
هشام بن عمار، قال الإمام البخاري قال: هشام بن عمار حدثنا
صدقة بن خالد عن يزيد بن جابر قال حدثني أبو مالك أو أبو عامر
الأشعري؟ قال: ((ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير
... )) إلى آخره، هشام بن عمار من شيوخ البخاري وحدث عنه
بأحاديث بصيغة التحديث أربعة أو خمسة، فكونه عدل عن التحديث
إلى القول جعل بعض العلماء يقول: إن هذا الحديث لم يسمعه
البخاري من هشام بن عمار، إنما سمعه بواسطة، ثم علقه عن هشام
بن عمار بصيغة الجزم، بصيغة الجزم، وصنيع المزي على هذا، حيث
علم على هذا الحديث في تحفة الأشراف بعلامة التعليل خاء - تاء،
فيميل إلى أنه معلق ونصره ابن حجر، والسخاوي مشى على هذا أنه
معلق؛ لأنه لو كان أخذه له مباشرة من غير واسطة لقال: حدثنا
كالجادة، والأكثر على أنه متصل، والأكثر على أنه متصل، وهو
الذي نصره المؤلف، "أما الذي لشيخه عزاء بقال فكذي عنعنة" يعني
غاية ما يقال في قال أنها مثل عن فلان، وهي محمولة على الاتصال
بالشرطين
وَصَحَّحُوا وَصْلَ مُعَنْعَنٍ سَلِمْ ... مِنْ دُلْسَةٍ
رَاويْهِ، والِلِّقَا عُلِمْ
يعني غاية ما يقال في قال إنها مثل عن، محكوم لها بالاتصال
بالشرطين المعروفين، أن يسلم الراوي من التدليس، وأن يثبت
اللقاء، وقد ثبت لقاء الإمام البخاري هشام بن عمار، والإمام
البخاري كما يقول ابن القيم أبعد خلق الله عن التدليس، ولو قال
ابن القيم من أبعد خلق الله، بل قال: أبعد خلق الله عن
التدليس، فتوافر الشرطان، إذن الخبر متصل، وحكم قال مثل
العنعنة، "فكذي عنعنة كخبر المعازف" الذي سقناه ((ليكونن من
أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ... )) إلى
آخر الحديث، فدل على أن المعازف حرام، والاستحلال إنما يكون
للحرام.
(4/15)
"لا تصغ لابن حزم المخالف" المخالف في هذه
المسألة الذي يبيح المعازف، يبيح الغناء فضعف الخبر، وضعف جميع
ما جاء في المعازف، بل حكم عليها كلها بالبطلان والوضع، ولذا
قال الناظم: "لا تصغ لابن حزم المخالف"، هنا قال: "لا تصغ"
بفتح التاء والغين كم في سائر النسخ أي تمل كما في الأصل، ومنه
قوله تعالى: {وَلِتَصْغَى} [(113) سورة الأنعام] ولتصغى صغى
يصغى، النهي هل هو من صغوت؟ أو أصيغت؟ من الثلاثي أو من
الرباعي؟، الأصل فيه الرباعي، ولذا يظم حرف المضارع، "لا تُصغ
لابن حزم المخالف".
(4/16)
قول ابن القيم أن الإمام البخاري أبعد خلق
الله عن التدليس يرد عليه ما قاله صاحب الخلاصة في ترجمة
الذهلي محمد بن يحي شيخ الإمام البخاري روى عنه أحاديث لكنه لم
يصرح باسمه الكامل، أحياناً يذكره مهملاً حدثنا محمد، وأحياناً
ينسبه إلى جده، وأحياناً ينسبه إلى جد أبيه، ولم يصرح باسمه
الكاشف له ولا في موضع واحد، ولذا يقول صاحب الخلاصة في
ترجمته: خرج له الإمام البخاري ويدلسه، ويدلسه، الذهلي قوله في
مسألة اللفظ بالقرآن معروف، واختلف مع الإمام البخاري، واشتد
الخلاف بينهما، والذهلي إمام حافظ ثقة لا تفوت أحاديثه بسبب
خلاف في مسألة، فروى عنه الإمام البخاري، وخرج أحاديث من طريقه
إنصافاً منه وحرصاً على السنة، وخشية من ضياع ما جاء من طريقه
إلا أنه خشي أن يصرح باسمه فيظن أنه يوافقه، فيظن أنه يوافقه،
وهذا مسلك سليم يسلكه أهل العلم، تجد فائدة مثلاً في تفسير
الكشاف، أو في تفسير الزمخشري، تجد فائدة يعظ عليها بالنواجذ
من استنباطهم، وليس كل ما يقوله أهل البدع كله باطل، لكن عندهم
باطل، وأحياناً يوجد عندهم بعض الفوائد، وقف مثلاً شخص على
فائدة، ابن كثير نقل عن الزمخشري ونقل عن الرازي ونقل عن
المبتدعة، لكن خشية أن يفتتن السامع لوجود مثل هذه الفائدة
وهذه الطريفة في هذا الكتاب الذي ضرره على المبتدأ بالغ فيدلس
مثل هذا، تقول: ذكر بعض المفسرين؛ لأنك لو تقول ذكر الزمخشري
وفائدة تعجب الحاضرين كل الطلاب ذهبوا ليرجعوا إلى الزمخشري
ويتضررون بمطالعته، أو تقول: ذكر الرازي في كلام يعجب الطلاب
لا شك أن الطلاب يبي يراجعون الرازي؛ لأن فيه فوائد شيخهم
الموثوق عندهم محل الثقة عندهم الذين يقتدون به يراجع الرازي،
إذاً لماذا لا نراجع الرازي، فتدليسه في مثل هذا الموضع وعدم
ذكره فيه فائدة، فعدم الذكر فيه مصلحة، وأحياناً يطوى اسم صاحب
الكتاب ليروج الكتاب، فمثلاً شارح الطحاوية ينقل كثيراً عن شيخ
الإسلام، وعن ابن القيم، وعن أهل التحقيق، ثم لا يذكر أسمائهم،
يقول: قال بعضهم يبهمهم، لماذا؟ لكي يروج الكتاب؛ لأنه عاش في
وقت لو صرح باسم شيخ الإسلام ما راج الكتاب، وأحياناً يروج
الكتاب بالذكر، بذكر من لا يرتضى ذكره، لا سيما إذا
(4/17)
كانت بدعته مخففة من وجهة نظر المؤلف، وكتب
الشوكاني والصنعاني مملؤة بذكر أسماء الزيدية والهادوية وغيرهم
من أهل المخالفة من أجل أن يروج الكتاب، غالب سكان اليمن في
وقتهم هادوية، فلو لم يذكر آراء الهادوية ما راجت الكتب، ومن
باب المصلحة ذكر هذا ويحذف غيره للمصلحة، لكن هناك أمور لا
يمكن قبولها، ترويج الكتاب ببدعة كبرى هذا لا يقبل، لا يقبل
ترويج الكتاب بذكر بدعة كبرى كما فعل الفيروز آبادي شارح
القاموس، شرح البخاري وأودع فيه كتب ابن عربي من القول بوحدة
الوجود لماذا؟ لأن هذه المقالة راجت في اليمن في وقت الفيروزي
آبادي فأراد أن يروج كتابه بذكر أقوال ابن عربي، هل مثل هذا
ترتكب هذه المفسدة العظماء من أجل أن ينتفع الناس بالكتاب، لكن
من فضل الله -جل وعلا- أن الكتاب من غلاف المجلد الأول إلى
غلاف المجلد الأخير أكلته الأرضة ما بقي منه ولا ورقة والحمد
لله على ذلك؛ فالعلماء والذي جرنا إلى هذا الكلام كون البخاري
لم يصرح باسم الذهلي لا لأنه مدلس؛ بل لمصلحة رآها وهي أنه لو
صرح باسمه لظن من يظن أن الذهلي أن الإمام البخاري يوافق
الذهلي في جميع ما يقول؛ لأنه معجب به ويروي عنه؛ لأن أفهام
الناس قد تتقاصر عن فهم المراد، وذكرنا لهذا نظائر. "لا تصغ
لابن حزم المخالف" وابن حزم خالف في مسائل الغناء والمعازف
ومسائل كثيرة، والإشكال أن قول ابن حزم هذا الذي هذا القول
الضعيف المرذول المهجور المخالف للسنن الصحيحة المروج لهذا
الغناء الذي هو مزامير الشيطان، والصاد عن ذكر الله، الآن وصل
إلى بيوت المسلمين في قعرها يسمعه كبير السن، يسمعه الطفل،
يسمعه الخير، يسمعه الفاسق، يسمعه كل أحد،
(4/18)
ومن عوام الناس من لا يقرأ، ولا يكتب؛ تسمع
النغمات الموسيقية في جواله، وإذا قلت له: هذه موسيقى، واللجنة
الدائمة أفتوا بتحريمها، وأنه يجب تغييرها، يقول لك: ابن حزم
إمام، الموسيقى جائزة عنده، والمعازف جائزة، طيب متى اطلعت على
رأي ابن حزم؟ تريد أن تكون حزمي تأخذ بجميع ما يقول، تعال؛ خذ
قوله بالموسيقى، لكن ما رأيك لو جاء ولدك، وأعطاك كف، ضربك؛
يعني على طرداً لقول ابن حزم ما فيه شيء، لكن لا يقول: أف،
ترضى بمثل هذا أن تقتدي به؟ لو بال شخص في إناء، وصبه على
الماء ما يتأثر، لكن لو بال على الماء مباشرة، تقبل أن يكون
هذا قدوتك؟ أو تريد ما تهواه، وتشتهيه، وتترك ما لا تريد؛ صار
الدين بالهوى، ما صار عبودية، وما صار هواك تبع لما جاء به
النبي -عليه الصلاة والسلام-، فمثل هذا خطر على الديانة، إذا
فتحت مثل هذه الأبواب؛ ما يبقى شيء، إذا أُسمع، أو أُطلع عوام
المسلمين على شواذ الأقوال ما يبقى شيء؛ لأن عقولهم ما تحتمل
مثل هذه الأمور.
سم.
نقل الحديث من الكتب المعتمدة:
وأخذ متن من كتاب لعمل ... أو احتجاج حيث ساغ قد جعل
عرضاً له على أصول يشترط ... وقال يحيى النووي: أصل فقط
قلت: ولابن خير امتناع جزم ... سوى مرويه إجماع
(4/19)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: نقل الحديث
من الكتب المعتمدة، وارتباط هذه المسألة بالتعليق ظاهر؛ لأنك
إذا اعتمدت على كتاب غير موثق، وغير مقابل فكأنك اعتمدت على
راو وجوده مثل عدمه، وإذا عملت، أو احتججت بحديث مأخوذ من كتاب
غير مقابل، أو ليست لك به رواية؛ فكأنك احتججت بخبر لا صلة لك
به؛ لا سند يصلك به إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو إلى
أول من يوجد من رواته، ففيها شبه من التعليق، ولذا قال: "أخذ
متن من كتاب لعمل" يعني تأتي إلى كتاب من الكتب؛ صحيح البخاري
مثلاً، وجدت نسخة تباع مخطوطة -هذا الأصل في وقتهم-، أو مطبوعة
في مطبعة ما عرفت بالتحري، والضبط، والإتقان، ومقابلة نسخ،
وعناية؛ تأخذ أدنى نسخة من الكتاب وتعتمد عليها؛ لا، لا بد أن
تعتني بكتبك، بالكتب المقابلة على الأصول، الكتب المحققة،
الكتب الذي يعتني طابعوها بما يطبعون، ومع الأسف أن مكتبات
المسلمين الآن مملوءة بطبعات مصحفة، ومحرفة، والإقبال عليها من
الشباب لعدم خبرتهم، وعدم علمهم، أو لرخص أقيامها كثير، لكن
على طالب العلم أن يعنى بكتابه، ولذا يقول:
وأخذ متن من كتاب لعمل ... أو احتجاج. . . . . . . . .
يعني تأخذ متناً، حديثاً من كتاب لتعمل به من نسخة غير موثوقة
أو تحتج به لتأييد رأيك في مسألة "حيث ساغ" لكونك من أهل النظر
في النصوص؛ لأنه لا يسوغ الاحتجاج بالأحاديث إلا لأهل النظر؛
لأنهم هم الذين يفهمون معاني النصوص.
. . . . . . . . . ... أو احتجاج حيث ساغ قد جعل
"قد جعل" جعل هذا فعل لواحد، والفاعل مستور:
حيث جاء الفعل والضمير ... لواحد ومن له مستور
يريد بلك ابن الصلاح "قد جعل"
عرضاً له على أصول يشترط ... . . . . . . . . .
عرضاً له على أصول يشترط، لا بد من مقابلة نسختك التي تريد أن
تعمل بما فيها، أو تحتج بما فيها على أصول، ولا يكفي أصل واحد
على رأي ابن الصلاح.
عرضاً له على أصول يشترط ... . . . . . . . . .
شرط، أصول، وعلى هذا إذا وجد كتاب نفيس ليست له إلا نسخة واحدة
في العالم؛ يحقق، ويخرج، وينشر بين الناس، أو ينتظر إلى أن
يوجد له أصول أخرى؟ على رأي ابن الصلاح؛ ينتظر فيه حتى يوجد
أصول أخرى.
(4/20)
عرضاً له على أصول يشترط ... وقال يحيى
النووي: أصل فقط
يكفي واحد؛ إذا كان هذا الأصل موثق، ومقروء من قبل الأئمة،
ومقابل على أصوله يكفي "وقال يحيى النووي: أصل فقط" وهذا شرط
عند ابن الصلاح لكنه على ما سيأتي في اختلاف نسخ الترمذي، نسخ
الترمذي كثيرة، فالكتاب انتشر في شرق الأرض، وغربها، ونسخت منه
ألوف مؤلفة من النسخ، وهذه النسخ تختلف في أحكام الترمذي على
الأحاديث، أحياناً تجد فيها حديث صحيح، وأحياناً تجد حسن،
وأحياناً يقول: حسن صحيح، والأحكام متباينة، فقال ابن الصلاح:
ينبغي أن تصحح أصلك من كتاب الترمذي على أصول، فقوله: "ينبغي"
ينبغي توافق قوله يشترط، أو أن ينبغي استحباب، ويشترط وجوب؟
نعم؛ فيه اختلاف؟ لكن أهل العلم يطلقون ينبغي فيما يجب، ولا
ينبغي فيما لا يجب، فيما يحرم، مثل ما مر علينا في كلام مالك
كثيراً، وأيضاً في كلام أحمد يتورعون عن اللفظ الصحيح، ومن ذلك
حديث: ((إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد))، كما جاء في بعض
الأحاديث، وفي بعضها: ((لا تحل)).
عرضاً له على أصول يشترط ... وقال يحيى النووي: أصل فقط
ولا شك أن المسألة مسألة طمأنينة، فإذا وجدت الطمأنينة، قرئ
الكتاب الذي ليس له إلا أصل واحد، ووجد عليه مقابلة، وعناية
بخطوط أئمة، وتعليقات، وتداوله الأئمة، والعلماء؛ يكفي الأصل
الواحد.
قلت: ولابن خير امتناع ... . . . . . . . . .
"ابن خير" الأموي، الأموي بفتح الهمزة؛ نسبة إلى بلد بالأندلس
اسمه "أمو"، وليس نسبة إلى أمية.
"ابن خير" هذا له برنامج، له فهرست، اعتنى فيه بالروايات،
وكتبه كلها مروية بالأسانيد عن مؤلفيها، وله عناية فائقة بهذا،
ولذا تغالى الناس في كتبه لما مات، اشتريت بأضعاف أضعاف
قيمتها، وإذا كان بهذه المثابة فكتبه لا شك أنها تستحق هذه
العناية "قلت" وهذا مما زاده الناظم على ابن الصلاح: "قلت:
ولابن خير" الأموي في فهرسته في أوائلها ..
. . . . . . . . . امتناع جزم ... سوى مرويه إجماع
هذا الكلام من ابن خير من معاناة، يعني اعتنى بالرواية، اعتنى
بالرواية، واتصال الأسانيد، وما في كتاب إلا ورواه عن شيوخه
الذين زادوا عن مائة، وأثبت ذلك في برنامجه الشهير، لكن كلامه
خطير، يقول:
(4/21)
قلت: ولابن خير امتناع جزم ... . . . . . .
. . .
وفي بعض النسخ:
. . . . . . . . . نقل ... سوى مرويه إجماع
يعني أنت ما لك رواية في صحيح البخاري، ما لك سند متصل إلى
البخاري، ما لك سند متصل منك إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-
بحديث: ((الأعمال بالنيات))؟ لا، يمتنع أن تجزم بهذا الخبر،
ويمتنع عليك أن تنقل هذا الخبر، أو تحتج بهذا الخبر، أو تستدل
به:
قلت: ولابن خير امتناع جزم ... جزم سوى مرويه إجماع
ينقل الإجماع على هذا، ينقل الإجماع على هذا، فهذا يبين لنا
أهمية الأسانيد واتصال الأسانيد، لكن إذا نظرنا إلى هذه
الأسانيد من حيث الواقع العملي؛ هل لها هذا القيمة التي ذكرها
ابن خير؟ ما الذي يستفيد حديث: ((الأعمال بالنيات))، نعم سواءٌ
رويته بإسنادي، أو لم يتصل إسنادي إلى النبي -عليه الصلاة
والسلام- به، وهو موجود في دواوين الإسلام وجوداً قطعياً
ملزماً، اتفقت الأمة على صحته؛ هل يتضرر هذا الحديث بكوني لا
أرويه بإسنادي؟ أو يستفيد بكوني أرويه بإسناد متصل؟ لا يستفيد،
ولا يتضرر، لا يتقوى، ولا يضعف، فوجودي، وإسنادي مثل عدمي، وهو
يقول:
. . . . . . . . . ولابن خير امتناع جزم ... جزم سوى مرويه
إجماع
(4/22)
والإشكال في نقل الإجماع، لو كان رأيه ما
في إشكال؛ لأن الذي يتعب على الشيء يريد من الناس كلهم أن
يكونوا مثله، لو كان هذا رأيه سهل، لكن ينقل عليه الإجماع،
والذي في الأوسط لابن برهان، الاتفاق على خلاف ما ذكره، يقول:
الفقهاء كافة كلهم على أن لك أن تعمل بالحديث، وتستدل بالحديث،
وتنقل الحديث من الدواوين المعتبرة من دواوين الإسلام
المعروفة، وهذا هو الذي عليه العمل، الناس كلهم، كل الناس
عندهم أسانيد تربطهم بالأئمة، جل الناس على خلاف هذا، ندرة من
الناس يعتنون بالأسانيد، وبقية الناس بما في ذلك جمع من أهل
العلم ليست عندهم أسانيد؛ فهل معنى هذا أننا لا نستدل، ولا
نعمل، ولا نجزم بصحة حديث؛ سواءً كان في البخاري، أو في مسلم،
أو فيهما معاً، أو في المسانيد، أو في السنن إلا إذا كان
إسنادنا متصلاً إلى هذه الكتب؟ كلام ابن برهان يقول: الفقهاء
كافة على أن لك أن تنقل، وتحتج، وتعمل، وتستدل بما في الكتب
المعتبرة الثابت نسبتها إلى مؤلفيها، ولو لم يكن لك بها إسناد،
وهذا هو المرجح، والغريب أن ينقل الاتفاق على طرفي المسألة،
القولين المتناقضين، يعني مثل ما نقل عن قضاء الصلاة الفائتة
عمداً، يعني تعمد شخص بترك الصلاة إلى أن خرج وقتها؛ هل يلزمه
قضاء هذه الصلاة، أو لا يلزمه؟ ابن حزم نقل الإجماع على أنه لا
يقضي هذه الصلاة، ونُقل الإجماع على خلافه، الإجماع على أن هذه
الصلاة تقضى؛ لأنه إذا ألزم بالقضاء مع العذر؛ فلأن يلزم
بالقضاء مع غيره من باب أولى، وهذا قول عامة أهل العلم.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله
وصحبه أجمعين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله
نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
القسم الثاني: الحسن:
والحسن المعروف مخرجاً وقد ... اشتهرت رجاله بذاك حد
حمد وقال الترمذي: ما سلم ... من الشذوذ مع راو ما اتهم
بكذب ولم يكن فرداً ورد ... قلت: وقد حسن بعض ما انفرد
وقيل: ما ضعف قريب محتمل ... فيه وما بكل ذا حد حصل
وقال: بان لي بإمعان النظر ... أن له قسمين كل قد ذكر
(4/23)
قسماً وزاد كونه ما عللا ... ولا بنكر أو
شذوذ شملا
والفقهاء كلهم يستعمله ... والعلماء الجل منهم يقبله
وهو بأقسام الصحيح ملحق ... حجية وإن يكن لا يلحق
فإن يقل: يحتج بالضعيف ... فقل: إذا كان من الموصوف
رواته بسوء حفظ يجبر ... بكونه من غير وجه يذكر
وإن يكن لكذب أو شذا ... أو قوي الضعف فلم يجبر ذا
ألا ترى المرسل حيث أسندا ... أو أرسلوا كما يجيء اعتضدا
والحسن: المشهور بالعدالة ... والصدق راويه، إذا أتى له
طرق أخرى نحوها من الطرق ... صححته كمتن لولا أن أشق
إذ تابعوا محمد بن عمرو ... عليه فارتقى الصحيح يجري
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله
نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "القسم الثاني:
الحسن" الحسن: من الحُسن ضد القبح، من الحسن ضد القبح، فإذا
كان الكذب قبيحاً، فإن الصدق حسن، قد يقول قائل: إن الصحيح
أولى بهذه التسمية من الحسن، لكن إذا قلنا: إن هذا القسم حسن،
فلنقل في ذاك أحسن، إذا قلنا في هذا القسم: حسن، فهناك ما هو
أقوى من هذه اللفظة للصحيح، فهو أحسن، والكذب قبيح يقابل
الحسن، الحسن لما كان في مرتبة متوسطة بين الصحيح والضعيف بحيث
لا يمكن ضبط هذا التوسط؛ اختلف العلماء في تعريفه اختلافاً
كبيراً؛ لاختلاف تقديرهم للقدر الذي يتجاوز عنه في شرط الصحيح،
لا شك أن الحسن اختل فيه شرط تمام الضبط؛ فإلى أي حد يقبل
الضبط المتوسط؟ لأن هذه أمور معنوية، ويصعب قياسها، يصعب
قياسها، فمثلاً إذا قلنا: إن هذا الراوي يروي ألف حديث، وأخطأ
في مائة حديث؛ العُشر، هذا لا شك أن ضبطه أخف ممن يضبط تسعمائة
وتسعين حديث، ويخطئ في عشرة، وإذا قلنا: إن بعض الرواة يخطئ في
مائة، وبعضهم يخطئ في مائة وخمسين، هذا يضبط تسعمائة، وذاك
يضبط ثمانمائة وخمسين، لكن الذي يخطئ في المائة يخطئ في
الأحاديث الطويلة من مروياته، يخطئ في المرويات الطويلة، والذي
يخطئ في مائة وخمسين؛ أخطأ -ما نقول يخطئ- أخطأ في مائة
وخمسين، وضبط ثمانمائة وخمسين بما فيها الطوال، أمور لا يمكن
قياسها ليست أمور محسوسة تقاس بالمتر، وإلا بالكيلو، وإلا
بالصاع ما هي .. ، هذه أمور معنوية.
(4/24)
هذا القدر الذي يحصل فيه التفاوت في
الرواة؛ العلماء تتباين أنظارهم فيه، فمنهم من يقول: إن هذا
الخطأ يمكن تجاوزه؛ فلماذا لا يصل إلى درجة الصحيح؟ ومنهم من
يقول: إن هذا الخطأ فاحش، ينظر إليه من زاوية معينة، ويقيسه
بأحاديث رواة وقعت له لم تقع لمن تجاوز عن خطئه، فملا وازنها
وجدها أخطاء كبيرة فقال: يرد حديثه، هذا جعله من الصحيح، وهذا
رده، ثم يأتي من ينظر في الأمور بتوسط، وروية، وتؤدة، ثم يجعل
حديثه في هذه المرحلة، أقول: لوجود مثل هذا الكلام؛ وجد
الاضطراب الكبير في تعريف الحسن، حتى جزم بعضهم أنه لا مطمع في
تمييزه، لا مطمع في تمييز الحسن، ويقول الحافظ الذهبي في
الموقظة: "أنا على إياس من وجود حد جامع مانع للحسن"، ولذا نجد
في كلامهم مثلاً في التعريفات التي ذكرها الحافظ العراقي عن
هؤلاء العلماء ثم قال: "وما بكل ذا حد حصل" لوجود هذا التأرجح،
هذا التأرجح بين الصحيح والضعيف؛ جعل الحسن صعب جداً في غاية
الصعوبة.
يقول -رحمه الله تعالى-:
والحسن المعروف مخرجاً وقد ... اشتهرت رجاله بذاك حد
"حمدٌ" الحسن ما عرف مخرجه، واشتهرت رجاله، وقال الخطابي في
تعريف الصحيح: "ما اتصل سنده وعدلت نقلته"، ما اتصل سنده وعدلت
نقلته، وعرفنا ما في تعريفه من ملاحظات في تعريف الصحيح، وهنا
يعرف الحسن بقوله: "ما عرف مخرجه واشتهرت رجاله":
والحسن المعروف مخرجاً وقد ... اشتهرت رجاله. . . . . . . . .
"المعروف مخرجاً" مخرجاً تمييز محول عن الفاعل، أو المفعول؟
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(4/25)
الأصل فيه مفعول، لكن "معروف" يحتاج إلى
نائب فاعل، فهو محول عن المفعولية في الأصل "والحسن المعروف
مخرجاً" مخرج الحديث رواته -على ما يقول أهل العلم-، يعني عرف
رواته الذين خرج منهم الحديث، قال: قالوا: "وبذلك يخرج المنقطع
بجميع أنواعه" المعروف مخرجاً معناه أنه عرف رواته الذين خرج
عن طريقهم، أو خرج منهم، ومنهم من يقول: المعروف مخرجاً بلد
الرواة، بلدان الرواة، أو بلدهم الذي يتفقون فيه، بمعنى أن
مخرجه من المدينة، أو من مكة، أو من البصرة، فيكون هذا حديث
مديني، أو بصري، أو مكي؛ مخرجه من هذا البلد، لكن البلد لا
قيمة له بالنسبة لمعرفة رواته بالأصالة، ثم البلد يتبع؛ لأن
البلد يستفاد منه كما سيأتي في أوطان الرواة، وبلدانهم، يستفاد
منه مسألة لقاء الرواة بعضهم ببعض، إمكانه وعدمه "معروف
مخرجاً" عرف رواته، بمعنى أن كل رواته معروفين، فلم يسقط منهم
أحد، ولا شك أن مثل هذا التفسير لكلام الخطابي لا يسلم من
تكلف، فليس صريحاً بالمراد، إذا قلنا أن مراد الخطابي المعروف
مخرجاً اتصال الرواة، اتصال السند بمعرفة جميع رواته من أولهم
إلى آخرهم؛ هل يريد بذلك "معروف مخرجاً" معروف الرواة بالثقة،
"وقد اشتهرت رجاله" اشتهرت رجاله بأي شيء؟ بالثقة؛ يدخل فيه
الصحيح، كما أنه الصحيح يدخل –أيضاً- في المعروف مخرجاً
"اشتهرت رجاله" بالثقة؛ لا؛ لماذا؟ لأنه جعله قسيماً للصحيح
الذي عدلت نقلته، فهو غير الصحيح، اشتهرت رجاله بالضعف؛ لا؛
لماذا؟ لأنه جعله قسيماً للضعيف؛ إذن اشتهروا بإيش؟ يعني
اشتهروا بالتوسط، يعني اشتهروا بالتوسط باعتبار أنه ذكر
الأقسام الثلاثة؟ على كل حال التعريف منتقد من كل وجه؛ لكلامه
بقية، لكلام الخطابي بقية، فقال مما يتصل بهذا الكلام:
"والفقهاء" عامتهم يستعملونه، "الفقهاء" أو وعامة الفقهاء
يستعملونه"، وجل العلماء يقبلونه، عامة الفقهاء يستعملونه،
الفقهاء يستعملونه في كتبهم، ويستدلون به، "والعلماء" ويريد
بذلك أهل الحديث جلهم يقبلونه، لا كلهم، لما سيأتي من ذكر
الخلاف في قبوله، أما الفقهاء فكلهم يذكرونه في كتبهم، بل كثير
منهم يزيد على ذلك، فيذكر الضعيف، كما سيأتي في قول الحافظ
العراقي:
(4/26)
والفقهاء كلهم يستعمله ... . . . . . . . .
.
إذا قلنا أن هذا تابع للحد قلنا: انكشف الحسن؛ لأن الحسن
موجود، وعليه مدار استعمال الفقهاء، ويستعملونه بكثرة "العلماء
الجل منهم" الأكثر منهم "يقبله" هذه الجملة تخرج الصحيح؛
لماذا؟ لأن العلماء كلهم يقبلونه، وتخرج الضعيف؛ لأن العلماء
كلهم لا يقبلونه إلا ما سيأتي في قسمه -إن شاء الله تعالى-؛
ظاهر، وإلا مو بظاهر؟
فإن قلنا: إن بقية كلامه، وقد فهم ذلك جمع من أهل العلم،
وجعلوه من تمام الحد، قلنا: انكشف الحسن، وإن كان تعريفه بأنه
المعروف مخرجاً "وقد اشتهرت رجاله" ما عرف مخرجه، واشتهر
رجاله، لا يميز الحسن من الصحيح؛ لأن الصحيح معروف المخرج،
مشهور الرجال، وقد يقول قائل: إنه لا يميز الضعيف، فقد يشتهر
رجال الضعيف بالضعف.
المقصود أن هذا الحد منتقد، فإن قلنا: الكلام الأخير ليس
تابعاً للحد، فليس فيه ما يميز الصحيح من الضعيف من الحسن،
وإذا قلنا: إن الكلام الملحق به تابع له، قلنا: فيه ما يميز
الصحيح، وما يميز الضعيف إلا إنه ليس على طريقة التعاريف، ليس
على طريقة الحدود عند أهل العلم؛ لأن الأصل في الحد أن لا يذكر
فيه الحكم، وهو ذكر حكمه، أن لا يذكر فيه الحكم "بذاك حد" يعني
عرف "حمدٌ" حمد بن محمد الخطابي البستي، المتوفى سنة ثمان
وثمانين وثلاثمائة، حمد، ومنهم من يقول: أحمد، وحذفها الناس
تسهيلاً ووافقهم على ذلك، وسكت، يسمعهم يقولون: حمد، والأكثر
على أنه سمي بهذا الاسم "حمد" مصدر حمد يحمد حمداً.
التعريف الثاني: للترمذي:
. . . . . . . . . وقال الترمذي: ما سلم ... بكذب ولم يكن
فرداً ورد
من الشذوذ مع راو ما اتهم ... . . . . . . . . .
(4/27)
يشترط الأمام الترمذي لتسمية الحديث حسناً
ثلاثة شروط؛ ذكرها الناظم -رحمه الله تعالى- بقوله: "وقال
الترمذي: ما سلم من الشذوذ" يشترط أن لا يكون الحديث شاذاً "مع
راو ما اتهم بكذب" أن لا يكون راويه متهماً بالكذب "ولم يكن
فرداً ورد" أن يروى من غير وجه، أن يسلم من الشذوذ؛ أن لا يتهم
راويه بالكذب أن يروى من غير وجه، الخطابي ذكر تعريفه في مقدمة
"المعالم"، مع ذكره لتعريف الصحيح، والترمذي ذكر تعريفه في
"علل الجامع"، في علله الصغير الملحق بالجامع، والتي شرحها
-تبعاً لشرح الجامع- الحافظ ابن رجب -رحمه الله-، وتكلم على
هذا التعريف بإفاضة، هذه الشروط التي يشترطها الترمذي لتسمية
الحديث حسناً يتكون منها تعريف، كما تقدم في تعريف الصحيح بذكر
شروطه:
فالأول المتصل الإسناد ... بنقل عدل ضابط الفؤاد
هذه الشروط، وتميز بها عن غيره، الشروط التي ذكرها الإمام
الترمذي الثلاثة: ما سلم من الشذوذ، طيب ما ذكر العلة، فهل
الحديث الذي اشتمل على علة يسمى حسن عند الترمذي؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، العلة غير الشذوذ، كما اشترطوها في الصحيح، اشترطوا انتفاء
العلة، وانتفاء الشذوذ، وهنا اقتصر على انتفاء الشذوذ، فيرد
عليه الحديث المعل، الترمذي ما اشترط انتفاء النكارة، ما اشترط
انتفاء النكارة، يرد عليه انتفاء النكارة؟ النكارة ما اشترطت
في الصحيح؛ لماذا؟ لأن اشتراط انتفاء الشذوذ يستلزم اشتراط
انتفاء النكارة؛ من أي وجه؟ نعم إذا لم تقبل مخالفة الثقة من
هو أوثق منه، فلأن لا تقبل مخالفة الضعيف من باب أولى، هذا على
القول بأن المنكر غير الشاذ، وأما على القول بأن المنكر هو
الشاذ؛ يكفي ذكر أحدهما عن الآخر "ما سلم"
. . . . . . . . . ... من الشذوذ مع راو ما اتهم
(4/28)
"بكذب" الاتهام اتهام الراوي بالكذب من
القوادح الشديدة؛ فهل اشتراط انتفاء اتهام الراوي بالكذب
يستلزم اشتراط انتفاء ما دونه من القوادح؟ نعم، لا يستلزم،
وبهذا قد يدخل في تعريفه الضعيف، الحديث الضعيف بسبب ضعف راويه
بما دون الاتهام بالكذب؛ لأن عندنا أعظم القوادح الكذب ثم يليه
الاتهام بالكذب، والاتهام بالكذب يكون سببه معرفة الراوي
بالكذب في كلامه العادي، وإن لم يعرف بكذبه في الحديث النبوي،
أما الكذب فيعرف بكذبه في الحديث النبوي -نسأل الله السلامة
والعافية-، واتهامه بالكذب أن يكون معروفاً بالكذب في كلامه
العادي، وإن لم يعرف بكذبه على النبي -عليه الصلاة والسلام-،
أو يأتي بحديث يتفرد به، ويكون مخالفاً لما علم من الدين؛
للقواعد العامة من الدين، أو مخالفاً لصريح القرآن، أو لصحيح
وصريح السنة، المقصود أن اشتراط انتفاء، اشتراط انتفاء الاتهام
بالكذب لا يعني اشتراط انتفاء ما دونه من أوجه الضعف "ولم يكن
فرداً ورد" الشرط الثالث أن يروى من غير وجه، يروى من وجوه؛
لماذا؟ ليجبر بعضها بعضاً، ليجبر بعضها بعضاً، الآن الترمذي
يشترط في الحسن أن يكون متصل الإسناد؟ في ما يدل على اشتراطه
اتصال الإسناد؟ لا يشترط اتصال الإسناد، فالمنقطع عنده يندرج
في الحسن.
الأمر الثاني: الضعيف المضعف بأحد رواته بما دون الاتهام
بالكذب؛ لا يكون حسناً، ما ورد من طريق واحد –هنا على شروطه
بلوازمها- ما ورد من طريق واحد، وإن كان أقوى مما ذكره من
الشروط؛ يسمى حسن، وإلا ما يسمى حسن؟ ما يسمى حسن على رأيه،
وانتقده الحافظ العراقي -رحمه الله-:
قلت: وقد حسن بعض من انفرد ... . . . . . . . . .
"وقد حسن بعض من انفرد" يريد أن يستدرك على قوله: "ولم يكن
فرداً ورد"، الترمذي يقول: حسن غريب، ويقول: حسن صحيح غريب؛
كيف يقول: غريب، وقد اشترط في الحسن أن يكون قد ورد من وجوه،
من غير وجه "لم يكن فرداً" يكن مروياً من أكثر من طريق؛ فكيف
يحسن؛ يصف الحديث بالحسن، ويصفه بالغرابة؟ كما سيأتي الاستشكال
في جمعه بين الصحة والحسن.
(4/29)
أجيب عن الترمذي بأنه يعرف تعريفه للحسن:
ما يقول فيه: "حديث حسن" فقط، إذا قال: "حديث حسن" فقط، دون
حسن صحيح، ودون حسن غريب، ودون حسن صحيح غريب، فإنه إذا قال:
غير حسن، بهذا اللفظ، فإنه لا يندرج عليه هذا التعريف، ويكون
تعريفه وحده خاصاً لما يصفه بالحُسن فقط، قد يقول: "هذا حديث
حسن"، ثم يقول: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان، ما يرد عليه
مثل هذا؟ يرد عليه، وإلا ما يرد؟ وإلا مطابق؟ مطابق لثالث .. ،
لكنه سيأتي في الانتقاد الآخر:
. . . . . . . . . ولم يكن فرداً ورد ... قلت: وقد حسن بعض ما
انفرد
هذا تعريف الترمذي "وقيل" هذا تعريف ابن الجوزي في مقدمة
الموضوعات، ابن الجوزي في مقدمة الموضوعات، ونسبه الحافظ
العراقي في شرحه، وتبعه غيره إلى أنه ذكره في "العلل
المتناهية"، ولم أقف عليه في "العلل المتناهية" لكن هو موجود
في مقدمة الموضوعات:
وقيل: ما ضعف قريب محتمل ... فيه. . . . . . . . .
يعني ما فيه ضعف قريب محتمل، الحديث الذي فيه ضعف، لكنه ضعف
قريب، وليس ببعيد، وأيضاً محتمل يحتمله أهل العلم، لكن هل هذا
على طريقة التعاريف، والحدود التي تكون جامعة مانعة، جامعة
مانعة، ألفاظها مدخلة، ومخرجة؛ هذا ليس على طريقة التعاريف؛
لأنه لم يبين الدرجة التي يقرب فيها الضعف ويحتمل، ولهذه
التعاريف، وغيرها مما ذكره أهل العلم مما لا يستطاع به تمييز
الحسن "وما بكل ذا حد حصل" وما بكل ذا حد حصل، مثل الحسن، إذا
قلنا مثل هذا الكلام؛ هل معنى هذا أن الحسن الذي حكم به أهل
العلم على بعض الأحاديث، الذي حكم به بعض أهل العلم على بعض
الأحاديث، أنه لا يمكن الوصول إليه؟ لا يمكن الحكم على الحديث
بأنه حسن؛ لأننا ما عرفنا حقيقة الحسن؟ العلماء حكموا على
أحاديث بهذا الحكم، لكن يبقى أن الحكم على الأحاديث بالحسن
بإيش؟ من خلال الحدود الدقيقة المنضبطة، أو من خلال القرائن
التي تنقدح في ذهن الناقد بحيث ينظر إليه، ولا يصل إلى درجة
الصحيح، وينظر إليه من زاوية لا يهبط إلى درجة الضعيف؟
طالب:. . . . . . . . .
(4/30)
بالقرائن، أما على طريقة الحدود ما يمكن؛
لأن مثل هذا ما يمكن ضبطه بحد، ولذا الحكم على الأحاديث بالحسن
يعني إذا توفرت الشروط السابقة الخمسة؛ سهل، يحكم طالب العلم،
نعم، وإن كان يصعب عليه الحكم من خلال المتن، قد يحكم من خلال
السند؛ يقول: صحيح بهذا الإسناد، ما في إشكال؛ لأن الرواة كلهم
ثقات، والسند متصل، لكن قد يصعب عليه من خلال النظر في الموافق
والمعارض، ويصعب عليه –أيضاً- من خلال العلل والقوادح، يصعب
عليه، ومع ذلك الحكم بالصحة أسهل من الحكم بالحسن، نعم، مع
كثرة الممارسة لطالب العلم تتولد لديه ملكة يجزم من خلالها أن
هذا الحديث لا يمكن أن يصل إلى درجة حديث: ((إنما الأعمال
بالنيات))، ولا يمكن أن يصل إلى حد الأحاديث الضعيفة، إما لقوة
إسناده بالنسبة للضعف، أو لوجود طرق تدل على أن له أصلاً، وإن
لم يصل إلى درجة المجزوم به "وما بكل ذا حد حصل" ما حصل تعريف
إلى الآن؛ والنهاية وبعدين؟ نستمر على هذا؛ أنه ما له تعريف
الحسن؟ أو نقول لطالب العلم: أكثر من المران، اقرأ القواعد
النظرية، وطبق عليها، وخرج، وادرس الأسانيد، واستنر بأقوال
الأئمة، وانظر إلى إشاراتهم وافهمها، ثم بعد ذلك ينقدح في ذهنك
أن هذا الحديث متوسط لا يصل إلى درجة الصحيح، ولا إلى درجة
الضعيف، ولذلك إذا سمعنا كلام هؤلاء: إنه لا مطمع في تمييزه؛
ويش معناه؟ هل نقول لطالب العلم: تلغي الحسن خلاص ما في شيء
اسمه حسن؛ لأنك لن تصل إلى تعريفه؟ في أمور تنقدح في ذهن
الناقد لا يستطيع التعبير عنها، وجل العلل من هذا النوع، أمور
تنقدح في الذهن لا يمكن التعبير عنها، وقل مثل هذا فيما يقول
به بعض أهل العلم من الاستحسان، من الاستحسان في الأحكام
الشرعية، وإن كان بعضهم يشدد في هذا الباب، ويقول: من استحسن
فقد شرع، لكن العالم المحيط بنصوص الشريعة، وقواعد الشريعة
العامة، ومقاصد الشريعة؛ قد لا يستطيع أن يرجح أدلة على أدلة
من خلال قواعد التعارض والترجيح، لكن ينقدح في ذهنه ما يترجح
به هذا الخبر، ولذلكم تجدون –أحياناً- شيخ الإسلام ينزع منزع
ما يخطر على بالك، نعم لماذا؟ لإحاطته بنصوص الشريعة،
وقواعدها، ومقاصدها، لكن الطالب المبتدئ، أو حتى المتوسط، أو
بعض
(4/31)
أهل العلم -الذين ليسو بهذه المنزلة- قد
يقفون في الترجيح، وهذا يحتاج إلى إمام من الأئمة أو من سار
على دربهم، وحصل مثل تحصيلهم، مثل هذه الأمور تحتاج إلى مران،
وتعب، وليست بالأمر السهل، ولذا –أحياناً- بعض الطلاب يقول:
مادام "وما بكل ذا حد حصل" وبعدين خلاص نلغي الحسن؛ وليش ندرس
الحسن، حنا ما حنا مميزينه، ولا عارفينه، نقول: تدرس الحسن من
خلال قواعدهم، أنت الآن استنار لك شيء من الطريق، وإن كان عليه
ملاحظات، وما حصل بها حد معروف، جامع مانع، مخرج مدخل، يجمع
جميع الأقسام، ما وجدنا للحسن مثل هذا، لكن تدرس هذه القواعد
النظرية عندهم، وتنير لك شيئاً من الطريق، وإن لم يكن من
الوضوح بحيث تقطع بأن هذا التعريف ينطبق على هذا الحديث، وهذا
التعريف ينطبق على هذا الحديث، ما يلزم، أنت اقرأ القواعد
النظرية، وقل مثل هذا في كثير من أبواب المصطلح، يعني إذا
أردنا أن ننظر في أحكام الأئمة الكبار نجدهم –أحياناً- ما
يعللون، وصرحوا بأن معرفة العلل يظنها الجاهل كهانة، وهي إلهام
من الله -جل وعلا-؛ بسبب طول الممارسة؛ لأن مثل هذا الكلام
"وما بكل ذا حد حصل" وبعدين؟ يوقع في إشكال، الحسن معروف عند
أهل العلم، وحكموا على أحاديث بالحسن "وما بكل ذا حد حصل" ثم
ماذا؟ لكن ابن الصلاح نزل كلام الترمذي على نوع من أنواع
الحسن، ونزل كلام الخطابي على نوع، فنزل كلام الخطابي على
الحسن لذاته، ونزل كلام الترمذي على الحسن لغيره، يعني اللي
يعرف في اصطلاح المتأخرين بالحسن لذاته، يعني من طريق واحد،
فيه مستور لم تتحقق أهليته، ولا فيه مخالفة، ولا نكر، ولا
شذوذ، وليس ممن يرد تفرده، مثل هذا يعبر عنه بأنه الحسن لذاته
عند المتأخرين، وعليه يتنزل كلام الخطابي، لكن إذا كان الحديث
فيه من هو دون هذا من الرواة، ضعف بتضعيف يقبل الانجبار عندهم،
وجاء من أكثر من طريق؛ على هذا يتنزل كلام الترمذي، وهو ما عرف
في عرف المتأخرين، واصطلاحهم بالحسن لغيره، "وقال" يعني ابن
الصلاح "بان لي بإمعان النظر" بان لي بإمعان النظر، بتدقيق
النظر، ببعد النظر "أن له قسمين" ليس بقسم واحد، أن الحديث
الحسن له قسمين:
. . . . . . . . . ... أن له قسمين كل قد ذكر
(4/32)
"قسماً" كلٌ يعني من الخطابي، والترمذي ذكر
"قسماً" فالخطابي ذكر القسم الأول، وهو الحسن لذاته، والترمذي
ذكر القسم الثاني، وهو الحسن لغيره، ولذا قدم في النظم
الخطابي، قدم في النظم؛ لأن الحسن لذاته أقوى من الحسن لغيره،
الحسن لذاته فيه قوة بذاته، أما الحسن لغيره، فهو في الأصل فيه
ضعف، لكن باجتماع طرقه اكتسب القوة؛ لأنه قد يقول قائل: لماذا
يقدم الخطابي، ويؤخر الترمذي؟ مع أن إمامة الترمذي هي أعظم من
إمامة الخطابي، الأمر الثاني: أن الترمذي متقدم على الخطابي
فكيف يقدم قوله؟ قدم من هذه الحيثية؛ لأن الخطابي ذكر القسم
الأول من أقسام الحسن، والترمذي ذكر القسم الثاني، "وقال" يعني
ابن الصلاح "بان لي بإمعان النظر" يعني بتدقيق النظر، أو ببعد
النظر؛ لأنهم يقولون: أمعن الفرس في عدوه إذا أبعد,,
. . . . . . . . . بان لي بإمعان النظر ... أن له قسمين كل قد
ذكر
قسماً وزاد كونه ما عللا ... . . . . . . . . .
"ما عللا"، "وزاد كونه ما عللا" يعني هل انتفاء العلة موجود في
تعريف الخطابي؟
(4/33)
|