شرح ألفية العراقي عبد الكريم الخضير

شرح ألفية الحافظ العراقي (6)
تابع الحسن - الضعيف

الشيخ/عبد الكريم الخضير
هل معنى هذا أننا نضعف سالم ونافع؟ لا، فهم يستعملون أفعل التفضيل لا على بابها لكن العطف، عطف الضعيف على الأقوى يدل على أنه يريد بالأقوى القوي، اسم القوي، فهو يستعمل أفعل التفضل على بابها هنا، "والضعيف حيث لا يجد"، يخرج هذا ويخرج هذا، يخرج القوي، ويخرج الضعيف، ومما جاء في استعمال أفعل التفضيل لا على بابها قوله -جل وعلا-: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا} [(24) سورة الفرقان] يعني خير ممن؟ نعم، من أهل النار، وهل يشترك أهل الجنة وأهل النار في خير؟ لا، أهل النار لا يصل عندهم خير، نسأل الله السلامة والعافية، {وَأَحْسَنُ} [(24) سورة الفرقان] أفعل تفضيل أيضاً، وهل عند أهل النار حسن ليكون أهل الجنة أحسن منهم؟ لا، فهي ليست على بابها، "والضعيف حيث لا يجد" "حيث لا يجد في البَابِ غَيْرَهُ" في الباب لا يجد غير هذا الحديث، إذا لم يجد في الباب ترجم بترجمة بحكم شرعي، وما وجد مما يناسب هذا الحكم إلا حديث ضعيف، ما وجد فيه حديث صحيح ولا حسن في الباب غيره "فذاك عنده"، عند أبي داود هذا الحديث وإن كان ضعيفاً.
. . . . . . . . . فَذَاكَ عِنْدَهْ ... مِنْ رَأيٍ أقوى قَالهُ (ابْنُ مَنْدَهْ)

(6/1)


يعني نقل ابن مندة عن أبي داود أن الحديث الضعيف أقوى عنده من رأي الرجال، أقوى عند أبي داود من آراء الرجال، ولذلك قال: "فَذَاكَ عِنْدَهْ مِنْ رَأيٍ أقوى قَالهُ (ابْنُ مَنْدَهْ) "، وهو أيضاً مروي عن الإمام أحمد، وهو أن من الأصول التي يعتمد عليها الحديث الضعيف من المرسل وغيره، إذا لم يجد في الباب غيره؛ لأن الضعيف أقوى عنده من آراء الرجال، ونقل بعضهم من الحنفية رأي أبي حنفية هكذا، وهو موجود أيضاً في شرح المشكاة المولى علي قارن المنسوب لأبي حنيفة، أن الحديث الضعيف أقوى عندهم من رأي الرجال، لكن قد يستغرب مثل هذا، قد يستغرب بعض طلاب العلم على ما استصحبه من طريقة أبي حنيفة والحنفية في استعمالهم للرأي والقياس، وإكثارهم منه، وأما اعتمادهم على الأحاديث فهو أقل من غيرهم، أقل من غيرهم، فالرأي يظهر عندهم، ولذلك يلقبون بأصحاب الرأي، ولكن هذا معروف. الذهبي أيضا في ترجمة أبي حنيفة وصاحبيه، ذكر أن الحديث الضعيف أقوى عندهم من رأي الرجال، وهم معروف عن الإمام أحمد ومعروف عن تلميذه أبي داود، "والنسئي" بالقصر هو منسوب إلى نسأ، ويقال نسئي ونسائي، والنسئي أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي آخر أصحاب الكتب الستة وجوداً ووفاة، توفي سنة ثلاث وثلاثمائة.
يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا ... عَليْهِ تَرْكَاً، مَذْهَبٌ مُتَّسِع

(6/2)


وسننه سنن النسائي من الدين بالمنزلة المعروفة، ومن بين الكتب مكانته مرموقة، وفائدته عظيمة، لكنه يحتاج إلى خبير بهذا الفن بصير به، لماذا؟ لأن أكثر التراجم عنده اختلاف، نوع من أنواع العلل، ولذا تجدون الشراح قليل منهم من يعرج على بيانها لصعوبتها، تحتاج إلى الواحد من الألف ممن يهتم بهذا الشأن، فكتابه عظيم، علماً بأن تراجم النسائي فيها من الاختلاف بحث في رسائل، "والنسيء يخرج من لم يجمع عليه تركاً"، يخرج لمن لم يجمعوا عليه من الرواة، من يجمع عليه أهل العلم على تركه، الذي لا يتفق أهل العلم على تركه يخرج له الإمام النسائي، يعني لو وثقه واحد وضعفه عشرة يخرج له وإلا ما يخرج له؟ على كلامه يخرج له، وإذا ضعفه جميع الأئمة يخرج له أو لا؟ لا يخرج له، وهذا لا شك أنه مذهب متسع، كما قال الناظم -رحمه الله تعالى-، إلا أن يقصد بذلك إجماع خاص، إن كان يقصد إجماع خاص، يعني كالإجماع الذي ذكره مسلم، وإنما خرجت في كتاب ما أجمعوا عليه، مسلم قالوا عنه أنه يريد إجماع أربعة من الأئمة: " الإمام أحمد، ويحيى بن معين، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة"، المهم أنهم ذكروا أربعة، فهذا إجماع خاص يمكن حصر هؤلاء، ومعرفة رأيهم، أما من لم يجمعوا عليه تركاً، هذا إن كان مراده الإجماع المعروف وهو اتفاق الكل، لا شك أنه مذهب متسع، سعة سعة شديدة في الخطو، تساهل شديد مع أن الإمام النسائي عرف عنه من الناحية النظرية الشدة في التحري والنقد في الرجال، شديد، حتى قال بعضهم: إن شرطه أشد من شرط مسلم، لكن هذا الكلام حسب ما أُثر عنه، وروي عنه، ونقل عنه، يعني كلام نظري إذا طبقناه على كتابه تخلَّف هذا الشرط، فخرج أحاديث ضعيفة، خرج أحاديث ضعيفة، لكن إذا قارناه بين السنن الأربعة وجدناه أقلها ضعيفاً، وجدنا سنن النسائي أقل السنن ضعيفاً، "مذهب متسع ومن عليها أطلق الصحيحا فقد أتى تساهلاً صريحاً" الآن ذكر الناظم -رحمه الله تعالى- تبعاً لابن الصلاح من مضان الحديث الحسن سنن أبي داود، وأيضاً النسائي، ولم يتعرض للترمذي، الترمذي من مضان الحسن، وهو الذي شهره وأكثر من ذكره، والأحاديث الحسان فيه كثيرة جداً، وينص على حسن الأحاديث، ينص على صحتها، وعلى

(6/3)


غرابتها، فهو يحكم على الأحاديث، وإن كان بعض المتأخرين يستروح ويميل إلى أن ما حكم على الترمذي بالحسن فقط، أنه حسب الاصطلاح ضعيف، لكن هذا ليس بمضطرد، لكن هذا ليس بمضطرد، إنما يمشي على تعريفه هو، يمشي على تعريفه هو، فإن داخل الضعيف في تعريفه، قلنا: إن الضعيف داخل في تعريف الحسن عنده على ما تقدم في كونه لا يشترط الاتصال، ولا يشترط انتفاء ضعف الرواة بغير الاتهام بالكذب على ما تقدم تقريره. وعلى كل حال مثلما ذكرنا سابقاً أن كتاب الترمذي أنفع ما يتمرن عليه طالب العلم، أنفع ما يتمرن عليه طالب العلم، وفيه أنواع كثيرة من علوم الحديث، أنواع كثيرة من علوم الحديث، وفيه أيضاً نقل لمذاهب الأئمة من الفقهاء وغيرهم، والتنصيص على العمل وعدمه، هذا ينفع طالب العلم، ويستفيد منه فائدة كبيرة، فالكتاب من أنفع الكتب، وأما الكتاب الأخير وهو سنن أبن ماجة فهو أقلها، أقلها مرتبة ومنزلة وواقعة، ولذا اختلفوا في جعله السادس، أول من جعله سادس الكتب من؟ أبو الفضل بن طاهر في شروط الأئمة، وفي الأطراف هو أول من جعله السادس، ومنهم من يجعل السادس الدارمي، ولا شك أن الدارمي ليس فيه من الضعيف الشديد أو الرواية عن المتركوين مثلما في ابن ماجه، ابن ماجه فيه موضوعات قليلة، وفي ضعيف كثير وشديد الضعف، لكن الدارمي وإن كثرت فيه الآثار إلا أنه أنظف أسانيد ومتون من سنن ابن ماجه، وسنن ابن ماجه لا شك زوائده على الخمسة كثيرة جداً أكثر من الدارمي، وفيه فوائد إسنادية ومتنية، وفيه فوائد في الأحكام فيه كذا ثلاثة آلاف ترجمة بأحكام فقهيه، ويستدل على هذه التراجم بالنصوص هذا يفيد طالب العلم مما لا يوجد نظريه في سنن الدارمي، فبعضهم يقول السادس الدارمي وبعضهم يجعل السادس سنن ابن ماجة، وهو الذي استقر عليه العمل، ورزين العبدلي صاحب تجريد الأصول، ويتبعه ابن الأثير في جامع الأصول، جعلوا السادس الموطأ، جعلوا السادس الموطأ، والموطأ لا شك أنه أقوى أحاديث إذا نظرنا إلى جملة الكتاب، من سنن ابن ماجة، لكن إذا نظرنا إلى عدد الأحاديث، وكثرة كلام مالك في الموطأ، وكثرة الآثار والموقوفات والمقطوعات والمراسيل في الموطأ وجدنا أن المرفوع الصحيح في سنن

(6/4)


ابن ماجة كثير بالنسبة للموطأ، وإن كان كثير من المراسيل في الموطأ موصول في الصحيحين أو في أحدهما أو في غيرهما، المقصود أن هذا هو الخلاف في المراد بالكتاب السادس فإما أن يكون الموطأ، وعليه جرى بعضهم كصاحب تجريد الأصول وجامع الأصول، وإما أن يكون الدارمي هو والسبب ما ذكرنا، وإما أن يكون ابن ماجة هو الذي استقر عليه العمل.

(6/5)


"ومن عليها" يعني على الكتب الخمسة مجتمعة أو مفرقة، "وَمَنْ عَليها أطْلَقَ الصَّحِيْحَا" أما الصحيحان لا إشكال، وما ضاع البحث فيهما وأن جميع ما فيهما صحيح، "ومن عليها"، أما بالنسبة للصحيين فعرفنا منزلة الصحيحين، يبقى النظر في السنن، قال الصحاح الستة، أو كتب الإسلام، الأصول الخمسة كلها صحيحة، كل ما فيها صحيح، أو كلها صحيحة، كما قال الحافظ أبو طاهر السلفي في رسالته التي أملاها على مقدمة شرح الخطابي معالم السنن، ذكر أنها صحيحة، الأصول الخمسة، وذكر أن أصولها صحيحة في موضع قال: أصول هذه الكتب صحيحة، وقال مرة: أحاديثها صحيحة، فرق بين العبارتين كون أصل الخبر صحيح، غير كون لفظه صحيح، وقد يكون الحديث في السنن وفيه كلام، وأصله في الصحيحين، هذا لا يلزم منه صحة الفرع صحة الأصل لا تعني صحة الفرع، على كل حال كلامه فيه تجوز وتساهل، ومنهم من أطلق على سنن أبي داوود والترمذي صحيح أبي داود وصحيح الترمذي، ومنهم من قال صحيح النسائي، ومنهم من قال صحيح الترمذي على جهة الإفراد، المقصود أن من أهل العلم من أطلق على السنن الصحاح، وهذا فيه تساهل، تساهل شديد صريح كما قال الناظم: "ومن عليه أطلق الصحيحا فقد أتى تساهلاً صريحاً" وفيها الصحيح وهو كثير، وفيها ما دونه من الحسن، وفيها الضعيف، فلا يليق إطلاق الصحيح على هذه الكتب؛ لأن فيه تغريراً للقارئ، القارئ إذا سمع صحيح أبي داوود أو صحيح الترمذي أو صحيح النسائي، قد يغتر يعمل بجميع ما فيها إذا لم تكن لديه أهليه ولا خبرة، لكن من ميز أحاديث هذه الكتب، وجعل الصحيح على حدة، والضعيف على حدة، يحق له ويليق به أن يقول صحيح أبي داود وضعيف أبي داوود، لكن الكلام فيمن أطلق على سنن أبي داود بعجره وبجره صحيح أبي داود، أو وقل مثل هذا في الترمذي والنسائي، هذا تساهل أما من ميز الصحيح من الضعيف، وجعل الصحيح وتساهل في إدخال الحسن في الصحيح، هذا مقبول في الجملة؛ لأن من الأئمة السابقين من يجعل الحسن من أقسام الصحيح.
س/ هذا يقول ألا يكفي للرد على البغوي في تقسيمه للصحاح والحسان أن أبا داود نص على أنه ذكر الضعيف الشديد في كتابه وبين هذا؟

(6/6)


لكن يجاب عن هذا بأن البغوي بين أيضاً في مقدمة مصابيحه أنه ما كان منه من ضعف شديد أو نكارة أو شذوذ فإنه التزم بيانه، لكن كأن الناظم في قوله: وأبو داود بعد "كان أبو داوود أقو ما وجد * يرويه والضعيف حيث لا يجد" والنسائي بعده في البيت الذي يليه: "وَالنَّسَئي يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا* عَليْهِ تَرْكَاً" كأنه يريد أن يرد على البغوي بصنيع أبي داود والنسائي.
يقول: ما المقصود بالضعيف الذي يقدم على رأي الرجال؟ ما المقصود بالضعيف الذي يقدم على رأي الرجال؟
هو الضعيف الذي يقبله العلماء في الفضائل، هو ما كان ضعفه غير شديد هذا يقدمونه على رأي الرجال، ولا شك أنك إذا وقفت على حديث ولو كان فيه ما فيه، وما في المسألة إلى رأي مجرد، نعم ما فيه إلا رأي مجرد، نعم، ما فيه إلا رأي مجرد دون اعتماد على أصل شرعي، فالضعيف رده لعارض، والرأي رده أصلي، الرأي مردود في الدين من الأصل مردود، نعم، والخبر الضعيف رده لأمر عارض لضعف راويه فاحتمال أن يكون هذا الراوي قد ضبط فقبول الضعيف أولى من قبول الرأي، والمراد بالرأي المجرد الذي لا يستند على قاعدة كلية أو نصوص عامة.
يقول: ذكرت أن إطلاق الصحيح على السنن فيه تغرير للقارئ، فما القول على صحيح ابن خزيمة، وابن حبان مع أنها دون السنن في الرتبة؟
من قال أنها دون السنن في الرتبة، ما قال أحد أنها دون السنن في الرتبة، هي ذكرت في مضان الصحيح ما ذكرت في مضان الحسن، فليست دون السنن في الرتبة، على ما فيها من تساهل.
يقول: تحرير مسألة الأمس ألا وهي مسألة إذا كان الحديث حسن لغيره وله شواهد هل نقول صحيح، وما هو المترتب على ذلك من آثار؟

(6/7)


إذا كان الحديث حسن لغيره، يعني مفرداته ضعيفة، ثم وجدنا مما يشهد لها حديث في الصحيحين أو في أحدهما هل نرقيه درجة واحدة؟ أو نرقيه درجتين إلى الصحيح؟ هذه المسِألة مختلف فيها، والأكثر أنه يرتقي بها إلى الحسن لغيره، يرتقي بها إلى الحسن لغيره، إذ لا يرتقي درجتين، منهم وهذا يشم من تصرف الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث أنه لا مانع من ارتقائه درجتين، والمسألة فرق بين أن تحكم على ما في الصحيح، وأن تحكم على حديث خارج الصحيح، أنت الآن عندك كتاب نعم من كتب ابن أبي الدنيا مثلاً وورد فيه حديث من طريق ابن أبي الدنيا وفي سنده ضعيف، يشهد له حديث يعني حديث ابن أبي الدنيا افترض أنه من حديث ابن عمر وفي طريقه ضعيف يشهد له حديث أبي هريرة في البخاري، هل تستطيع أن تقول حديث ابن أبي الدنيا صحيح، أو تقول له شاهد عند البخاري يرتقي به إلى الحسن، الأكثر على هذا أنه ما يرتقي، لكن لو حكمت على حديث أبي هريرة لا تتردد في صحته ولو لم يوجد حديث ابن عمر، فرق بين أن تحكم على حديث خارج الصحيح وبين أن يكون الحديث في الصحيح.
يقول: لما نجد من كثرة الهجوم على المتقدمين والمتأخرين واتهامهم بالوهم خاصة ابن حجر؟ لما نجد من فروق بين أقواله في التقريب والفتح؟
على كل حال ابن حجر ليس بالمعصوم بشر، ويكفيه أنه اجتهد وحرر ونقح وتعب في ذلك، فأجره على الله، وأما من يقع فيه فكغيرهم من أهل العلم إذا أراد الله -جل وعلا- لإنسان منزلة في الجنة لا يبلغها بعمله، حرك ألسنة الناس للكلام فيه، فيكسب من رواء هذا الكلام الحسنات، ومع ذلك لا ننسى أن الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- بشر ليس بمعصوم، وأما مخالفاته العقدية معروفة، ويبقى أنه إمام وحافظ شاؤوا أم أبوا.
يقول: لو أرشدتنا إلى أحسن الشروح لكل من كتاب الترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة؟

(6/8)


الترمذي أحسن الشروح لكنه مفقود شرح ابن رجب، وما وجد منه يد على باقية، فهو من أفضل الشروح بل لو جزمنا بأنه أفضل الشروح على الإطلاق شرح ابن سيد الناس فهي موجودة وتكملته للحافظ العراقي ففيه نفس طويل، وتحريرات وتحقيقات في الحديث وعلومه وفي غيره في الفقه أيضاً لا توجد عند غيره، شرح ابن العربي فيه الناحية الفقهية طاغية على الصناعة الحديثية وفيه فوائد ونفع لكن سوء الطباعة قد يحول دون الاستفادة منه، ولعل الله -جل وعلا- أن ييسر من يجمع نسخ الكتاب ويحققه، عارضة الأحوذي، وأما تحفة الأحوذي فعلى اختصاره فهو نافع، نافع جداً.
النسائي هو من أفقر كتب السنة شروح، والعزوف عنه بسبب ما ذكرنا من هذه التراجم المحيرة التي فيها العلل، نعم تراجم محيرة؛ لأن عدم الترجيح بين هذا الاختلافات أثره على النص ظاهر، فكيف يستطيع شخص أن يشرح هذا النص وهو ما تصرف في الترجمة، كيف يرجح بين هذا وهذا وهو ما استطاع أن يرجح بين هذا الاختلاف الموجود في الترجمة، هذا الذي جعل الكثير يعزفون عن شرحه، وهناك شرح مختصر جداً للسيوطي اسمه زهر الرُبى، وهناك مختصر أيضاً حاشية للسندي، وهناك مختصر لشرح السيوطي على اختصاره اسمه عرف زهر الرُبى لشخص مغربي مطبوع قبل مائة سنة، مع بقية شروحه على الكتب الستة.
شروح ظهرت أخيراً مثل شرح الشيخ محمد علي آدم المطول جداً وفيه مادة وفيرة جداً، يقع الكتاب في أربعين جزء كتاب متعوب عليه ومصروف فيه أوقات وجهد، وهو كتاب في الجملة جيد يعني من نظر فيه كأن الشيخ جمع له المراجع، وفقه الله، هناك شرح للمختار الشنقيطي طبع منه أجزاء يسيرة والكتاب ناقص.
أما أبو داود فهناك شرح أبي سليمان الخطابي المعروف بمعالم السنن شرح نفيس جداً على اختصاره، وهناك أيضاً شرح لابن رسلان شرح مطول وجميل لكنه لم يطبعه محقق ولم يطبع، هناك عون المعبود والشرح جيد ومؤلفه غير متعصب ومعتمد اعتماد أغلبي على الخطابي وابن القيم، وهناك بذل المجهود شرح طيب وفيه فوائد، لكنه يتعصب لمذهبه الحنفي.

(6/9)


ابن ماجة أيضاً شروحه قليلة لكن منها شرح شرح مغلطاي، وهو ناقص يعني كل النسخ الموجودة ليست فيها شرح للمقدمة، والمقدمة من أولى من يعنى به طالب العلم في سنن ابن ماجة، هناك حاشية للسندي، وحواشي أيضاً كثيرة لبعض علماء الهند حواشي كثيرة طبعت مع ابن ماجة يستفاد منها.
يقول: ما رأيكم في كتاب تحرير علوم الحديث للجديع؟
هذا كتاب ما قرأته؟ وأنا لا أقرأ للمتأخرين.
ما هي أحسن طبعة لعمدة القاريء؟
أحسن طبعة إلى الآن هي طبعة الطبعة المنيرية وما صور عنها.
ما رأيكم في طبعة كتاب التقييد والإيضاح تحقيق أسامة الخياط؟
ما رأيته أنا عمدتي على الطبعة الأولى طبعة راغب الطباخ، والطبعة التي تليها، طبعة المكتبة السلفية في المدينة.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛؛
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- في القسم الثاني: (وهو الحسن)
وَدُوْنَهَا في رُتْبَةٍ مَا جُعِلاَ ... عَلى المَسَانِيْدِ، فَيُدْعَى الجَفَلَى
كَمُسْنَدِ (الطَّيَالَسِيْ) و (أحْمَدَا) ... وَعَدُّهُ (لِلدَّارِميِّ) انْتُقِدَا
والحُكْمُ لِلإسْنَادِ بِالصِّحَّةِ أوْ ... بِالْحُسْنِ دُوْنَ الحُكْمِ لِلمَتْنِ رَأَوْا
وَاقْبَلْهُ إنْ أَطْلَقَهُ مَنْ يُعْتَمَدْ ... وَلَمْ يُعَقِّبْهُ بضَعْفٍ يُنْتَقَدْ
وَاسْتُشْكِلَ الحسْنُ مَعَ الصِّحَّةِ في ... مَتْنٍ، فَإنْ لَفْظاً يَرِدْ فَقُلْ: صِفِ
بِهِ الضَّعِيْفَ، أوْ يَرِدْ مَا يَخْتَلِفْ ... سَنَدُهُ، فَكَيْفَ إنْ فَرْدٌ وصِفْ؟
وَ (لأبي الفَتْحِ) في الاقْترَاحِ ... أنَّ انفِرَادَ الحُسْنِ ذُوْ اصْطِلاَحِ
وَإنْ يَكُنْ صَحَّ فَليْسَ يَلْتَبِسْ ... كُلُّ صَحِيْحٍ حَسَنٌ لاَ يَنْعَكِسْ
وَأوْرَدوا مَا صَحَّ مِنْ أفْرَادِ ... حَيْثُ اشْتَرَطْنَا غَيْرَ مَا إسْنَادِ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(6/10)


أما بعد: فيقول الناظم -رحمه الله تعالى- في استكمال مضان الحديث الحسن، بعد أن ذكر السنن أعقبها بذكر المسانيد؛ لأن المصنفات في السنة تنوعت، وكثرت، واختلفت طرائق مؤلفيها، ومناهجهم فمنها الصحاح المذكورة في مضان الصحيح، ومنها السنن التي تقدم الحديث عليها وهي ما رتب على الأبواب من الأحاديث المرفوعة، ويقل فيها الموقوف فضلاً عن المقطوع، وهي مرتبة كما ذكرنا على الأبواب، ومنها المصنفات التي هي أشبه ما تكون بالسنن إلا أن الآثار والموقوفات تكثر فيها كمصنف ابن أبي شيبة، ومصنف عبد الرزاق، ومنها الموطأات وهي قريبة من تصنيف السنن، وفيها المرفوعات والموقوفات والمقاطيع، والمراسيل، ولذا لا تحلق بالسنن، ومنها المسانيد التي يأتي الحديث عنها في أول ما يشرح من كلام الناظم في هذا اليوم، ومنها المعاجم وهي قريبة جداً من المسانيد حيث تترتب على الشيوخ، ومنها المشيخات التي يرتبها المؤلف على شيوخه ويذكر فيها ما يرويه من طريقهم من طريق كل شيخ تحت ترجمته، وغير ذلك منها الفوائد أيضاً، والأجزاء المقصود أن المصنفات في السنة كثرت، وإذا كان الحديث عن الصحاح والسنن قد انتهى فحديث اليوم في المسانيد، ولذا يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "ودونها" يعني دون السنن "في رتبة ما جعلا، على المسانيد" يعني رتب على المسانيد، والمسانيد جمع مسند، والمسند يطلق ويراد به الكتاب الذي رتبت أحاديثه على أسماء الصحابة من رواته، وهو المراد هنا، كما أن المسند يطلق ويراد به الكتاب الذي تذكر فيه الأحاديث بالأسانيد، الكتاب الذي تذكر فيه الأحاديث بالأسانيد، ومن ذلك قول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في تسمية صحيحه: "الجامع الصحيح المسند"؛ لأنه تذكر في الأحاديث بالأسانيد، ومنها ما سيأتي من أنواع علوم الحديث المسند المرفوع أو ما قد وصل على ما سيأتي غداً إن شاء الله تعالى، فالمسند يطلق بإزاء إطلاقات متعددة، والذي يعنينا منها هو الإطلاق الأول، وهو الكتاب الذي رتبت فيه الأحاديث على مسانيد الصحابة، فالمؤلف مؤلف المسند يترجم باسم صحابي ثم يذكر تحت هذه الترجمة ما يقف عليه، أو يصل إليه من أحاديث هذا الصحابي، ويختلف ترتبيهم لأسماء الصحابة منهم

(6/11)


من يرتبهم على السابقة، كما فعل الإمام أحمد حيث بدأ بالعشرة، ثم بالمهاجرين، ثم بقية الأنصار، ثم من النساء إلى آخره، المقصود أن المسند المراد به الكتاب الذي ترتب أحاديثه على أسماء الصحابة، ويذكر تحت كل ترجمة من أسماء الصحابة ما وقف عليه المؤلف أو ما أراد أن يخرجه في كتابه أو ينتقيه من أحاديث الصحابة فهي دون السنن، والسبب في ذلك يقول الإمام الحافظ -رحمه الله-: "دونها في رتبة" السبب في ذلك وإن كانت منزلة مؤلفيها في الغالب أعظم من منزلة مؤلفي السنن؛ لأن تأليف المسانيد سابق على تأليف السنن، تأليف المسانيد سابق على تأليف السنن، ومؤلفوها أئمة جلة ممن ذكر منهم أئمة أعلام؛ فالسبب في كون المسانيد دون السنن في الرتبة أن المؤلف في السنن يرتب على الأبواب ويترجم بأحكام، يترجم بأحكام شرعية، فهو يورد تحت هذه الترجمة ما يستدل به لهذا الحكم الذي ترجم به ولم يستدل إلا بأقوى ما يقف عليه، لا يمكن أن يستدل أبو داوود على ترجمة هي عبارة عن حكم شرعي بحديث ضعيف، أو أقل منزلة مما عنده في مروياته، فتجده ينتخب تحت هذه الترجمة ليستدل على الحكم الذي ادعاه بأقوى ما يجد، بخلاف صاحب المسند، فإن صاحب المسند لا يترجم بحكم شرعي، إنما يترجم باسم صحابي، فتجده يذكر تحت اسم الصحابي ما يقف عليه أو يصل إليه من مروياته، ما المانع أن يذكر تحت ترجمة أبي بكر ما وقف عليه، أو ما بلغه مما يروى عن أبي بكر؛ لأنه لا يثبت بذلك حكماً شرعياً، بخلاف من يترجم بحكم شرعي فإنه يعمد ويقصد إلى أقوى ما عنده من الأحاديث، هذا هو السبب في كون المسانيد دون السنن في الرتبة، هذا من حيث الإجمال، من حيث الإجمال، وإلا لو نظرنا إليها تفصيلاً لوجدنا مسند الإمام أحمد من القوة وشدة التحري والانتقاء بحيث يكون ثلاثون ألف انتقيت على أنهم يقولون في عددها أربعون ألفاً، انتقيت من سبعمائة وخمسين ألف حديث، من سبعمائة وخمسين ألف حديث، التي هي محفوظات الإمام أحمد، وبعد أن كتبه وألفه ضرب على أحاديث، فهي أحاديث منتقات، وإن كانت على مسانيد الصحابة، وشرط الإمام أحمد كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إن لم يكن فوق شرط أبو داود فليس دونه، ليس دونه،

(6/12)


فالكلام الذي قالوه في تفضيل السنن على المسانيد كلام إجمالي تندرج فيه جميع السنن بالنسبة لجميع المسانيد، لكن لو نظرنا إليها تفصيلاً، وأنزلنا كل كتاب منزلته فإننا نجد من الفروق ما يجعل بعض المسانيد أفضل من بعض السنن، فعلى سبيل المثال مسند الطيالسي أفضل من سنن ابن ماجة، ومسند الإمام احمد أفضل من جامع أبي عيسى والنسائي، وهو في موازاة سنن أبي داود، لكن هم إذا تكلموا تكلموا بكلام إجمالي، يرجحون به من حيث الجملة.

(6/13)


يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "ودونها في رتبة" في رتبت الأحاديث "ما جعلا" في رتبة من حيث الإجمال، وإلا قد يوجد أحاديث في المسانيد أقوى من بعض الأحاديث في السنن، كما تقدم نظيره في المفاضلة بين الصحيحين، وقلنا: إنه قد يوجد بعض الأحاديث في صحيح مسلم أقوى من بعض الأحاديث في صحيح البخاري، لكن التفضيل إجمالي، التفضيل إجمالي، "ودونها في رتبة ما جعلا" يعني ما صنف على المسانيد، مسانيد الصحابة "فيدعى" الحديث أو فتدعى الأحاديث في هذا المنصف الذي صنف على أسماء الصحابة "الجفلا" بالعموم تدعى الأحاديث بالعموم، والعادة أن الذي يدعو العموم لا ينتقي، لا ينتقي، والدعوة "الجفلا" التي تدعى إليها العامة، تدعى إليها العامة، كانت المناسبات قبل وجود بطاقات الدعوات يقف صاحب المناسبة بباب المسجد عندنا مناسبة كذا وكذا ليلة الجمعة أو ليلة السبت أو في يوم كذا، عندنا مناسبة فيدعوهم إليها، هذا يدعو كل من في المسجد، الكبير والصغير والشريف والوضيع، العالم والجاهل هذا لا ينتقي، لكن إذا كانت الدعوة خاصة نقراء الخاصة تجده في المناسبات سابقاً إذا دخل المسجد جلس عند فلان من الناس وذكر له أن عنده مناسبة، ثم انتقل منه وترك واحد اثنين ثلاثة وجلس عند الرابع، وقال عندنا مناسبة، ثم ذهب إلى العاشر وقال عندنا مناسبة، يترك مجموعة من الناس ينتقي أناس بأعيانهم، فهل المدعو في حال الجفلا العموم بمنزلة من يدعى بعينه وينتقى من بين غيره؟ هذا التنظير مطابق، هذا التنظير دقيق يدعى الجفلا، يدعو الأحاديث على أي وضع كان، فهو يضع هذه الأحاديث تحت هذه الترجمة، ولا أدل على ذلك من كون هذه الأحاديث مبعثرة وليست مرتبة تحت هذه الترجمة فتجده يذكر حديث في أول الترجمة في البيوع مثلاً، ثم يعود إلى حديث في الطهارة ثم يرجع إلى حديث في النكاح، ثم يعود إلى حديث في الزكاة، ثم الصلاة ثم ... ، من غير ترتيب، فكأنه وضعها بالجملة هكذا، من غير نظر في مفرداتها، وأما من ينتقي وهو صاحب الدعوة النقراء التي يدعى إليها الخاصة دون العامة، هذا لو وضع وشأن آخر، فتنظيره -رحمه الله- مطابق على المسانيد، مسانيد جمع مسند وتجمع أيضاَ على مساند، على ما سيأتي في

(6/14)


بابه المساند والمسانيد والمراسل والمراسيل والمقاطع والمقاطيع، مصابح والمصابيح كلها تجمع هكذا، "فيدعى الجفلا" يقول طرفة بن العبد: نحن في المشتات ندعو الجفلا ... لا نترك الآدب فينا ينتقر، ينتقر يعني يدعو الناس دعوة النقراء هذا يستدل به على كرمهم، ثم مثل لهذه المسانيد وذكر منها في قوله: "كمسند الطيالسي وأحمدا ... وعده للدارمي انتقدا".

(6/15)


ابن الصلاح مثل بهذه، قال كمسند الطيالسي، ومسند الإمام أحمد، ومسند الدارمي، مسند الطيالسي أقدم المسانيد بالنظر إلى من أضيف إليه؛ لأن الطيالسي توفي سنة أربعة ومائتين، أبو داود، سليمان بن داود الطيالسي، نسبة إلى الطيالسة التي تلبس فوق الرأس، توفي سنة أربعة ومائتين، والإمام أحمد سنة أحدى وأربعين ومائتين، فهو متقدم عليه من هذه الحيثية، من حيث النسبة، وإلا فمسند الطيالسي من حيث الوضع والتصنيف بعد مسند الإمام أحمد؛ لأنه صنف انتقاه بعضهم مما يرويه يونس بن حبيب عن الطيالسي، فإذا كان يونس بن حبيب متأخر عن الإمام أحمد، والذي صنف المسند وانتقاه من مروياته متأخر أيضاً، قد يقول قائل: إن الإمام أحمد مسنده من رواية ابنه عبد الله، من رواية ابنه عبد الله وهو متأخر، طرائق المتقدمين في التصنيف، يعني هل يشك شخص ممن له أدنى عناية بالسنة أن المسند للإمام أحمد؟ نعم، يشك أحد؟ كما أن الموطأ للإمام مالك؟ إذاً كيف يقال في الموطأ: حدثني يحيى عن مالك، وفي المسند حثني عبد الله قال: حدثني أبي، التصنيف عند المتقدمين يختلف عن التصنيف عند المتأخرين، الراوي عن المؤلف يذكر ويثبت اسمه، ولذا تجدون ذكر عبد الله بن الإمام أحمد يتكرر في جميع ما جاء عن طريقه، وما جاء من زوائد القطيعي يذكر فيها اسمه أيضاً، ولذا الذي لا يعرف طريقة المتقدمين يقول المصنف من بعد الإمام، من بعد عبد الله بن الإمام أحمد، من بعد عبد الله بن الإمام أحمد، لا يعقل أن يقول الإمام أحمد حدثني عبد الله قال حدثني أبي، إذاً الكتاب لغيره، وهذا ما جعل شخصاً لا علاقة بالعلم الشرعي يقول في الأم للإمام الشافعي أنها من تصنيف الربيع، وليست من تصنيف الشافعي، لما ذكرنا، ويؤلف رسالة اسمها إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي، الأم ليست للإمام الشافعي، وهي مقطوع بنسبتها إلى الإمام الشافعي، والمقصود أن الذي لا يعرف هذه التصانيف ولا طرائق المتقدمين في التأليف يشكك مثل هذا التشكيك "كمسند الطيالسي"، الطيالسي اشتهر بهذه النسبة اثنان هما: أبو داود الطيالسي صاحب المسند المذكور هنا، وأبو الوليد الطيالسي واسمه؟ اسمه إيش؟ لو كان ما روى إلا حديث واحد أو أحاديث

(6/16)


يسيرة أو ذكره لا يدور في الكتب المشهورة قلنا الإخوان معذورين، أبو الوليد الطيالسي، باسم خليفة من خلفاء المسلمين؟ هشام بن عبد الملك نعم الطيالسي "كمسند الطيالسي وأحمدا"، مسند الإمام أحمد من أعظم دواوين الإسلام، وأطلق عليه بعضهم الصحة، وذكر بعضهم أن الإمام أحمد قال إنه إنما فيه صحيح، وأن الحديث الذي لا يوجد فيه فليس بحديث، على كل حال قد يقول المؤلف مثل هذا الكلام للإغراء، للإغراء، على ما تقدم تقريره في مواضع، يقول مثل هذا الكلام ليغري طلاب العلم بكتابه، لا ليمتدح به، "وعده للدارمي انتقدا" عده للدارمي انتقدا، إذا كان المسند يطلق بإزاء إطلاقات متعددة فإن المقام يقتضي أن يكون المسند على إطلاق معين، ولا يحتمل غيره، وهو ما ألف على مسانيد الصحابة، وإذا نظرنا إلى الدارمي وجدنا الكتاب مرتب على الأبواب، قد يقال مسند بالإطلاق الثاني وهو أن الأحاديث فيه مسندة، لكن لا يرد هنا؛ لأن مراد الناظم تبعاً لابن الصلاح الكتب التي رتبت على مسانيد الصحابة، وكتاب الدارمي مرتب على الأبواب، ولذا قال الناظم -رحمه الله تعالى-: "وعده للدارمي انتقدا"؛ لأنه ليس على المسانيد وإنما هو على الأبواب، قد يقول قائل: إن ابن الصلاح لا يريد السنن المعروفة سنن الدارمي، لا يريد هذا المتداول بين الناس، فقد جاء في ترجمة الدارمي في تاريخ الخطيب صنف الجامع والتفسير والمسند، صنف الجامع والتفسير والمسند، فذكر المسند في ترجمته فلعله يريد هذا. من المسانيد مسند الحميدي، عبد الله بن الزبير، شيخ الإمام البخاري، شيخ الإمام البخاري، وهو مطبوع في مجلدين طبعة في الهند بعناية حبيب الرحمن الأعظمي، ثم طبع بعد ذلك محققاً،

(6/17)


المقصود أنه من المسانيد المتقدمة شيخ الإمام البخاري، وهو مرتب على المسانيد ومنها مسند مسدد بن مسهرد، وهو أيضا من شيوخ الأئمة متقدم عليهم، وهناك مسانيد كثيرة، ومسند بقي بن مخلد، وهو متأخر عنهم، وهو فيما ذكر عنه من أعظم الكتب المصنفة في هذا الباب، وأخذوا عدة أحاديث أبي هريرة منه التي زادت على خمسة آلاف وأربع مائة حديث، فيدل على عظم هذا الكتاب، وكثرة محتوياته، والمسانيد مثلما ذكرنا كثيرة لكنه اقتصر على بعضها لتمثيل، ولبيان منزل أن هذه الكتب دون منزلة السنن التي رتبت على الأبواب، وذكرنا السبب.
والحكم للإسناد بالصحة أو ... بالحسن دون الحكم للمتن رأوا
إذا حكم إمام فقال هذا حديث إسناده صحيح، أو إسناده حسن؛ هل يلزم من هذا تصحيح الإمام للحديث، أو تحسين الإمام للحديث؟ وبعبارة أخرى: هل هناك تلازم بين صحة الإسناد، والمتن؟ أو ضعف الإسناد والمتن؟ الجواب لا، لا تلازم بين صحة الإسناد، وصحة متنه، ولا ضعف في الإسناد، وضعف في متنه، فقد يصح الإسناد، ويشتمل المتن على علة، أو شذوذ مخالفة، وإن كان الإسناد صحيحاً، رواته ثقات كل واحد منهم قد أخذ الخبر عمن فوقه بطريق معتبر، يعني مع الاتصال، فقد يكون الإسناد صحيحاً، والمتن فيه مخالفة، شذوذ فيه علة، فلا تلازم بين صحة الإسناد والمتن، وقل مثل هذا في التحسين، وقل مثل ذلك في التضعيف، قد يضعف الإسناد، ويصح المتن؛ لوروده من طرق أخرى صحيحة، وقد يكون الإسناد حسناً، والمتن صحيح، وقد يكون حسناً، والمتن ضعيف، المقصود أنه لا تلازم بينها، ولذا قال:
والحكم للإسناد بالصحة أو ... بالحسن دون الحكم للمتن رأوا
يعني الحكم للإسناد أمره سهل، يدركه متوسط الطلبة، فإذ وجد حديثاً بإسناده، أو استخرج حديثاً من السنن، ودرس إسناده من خلال كتب الرجال، وعرف أن كل واحد لقي الآخر، وأخذ عنه، أو عاصره مع إمكان اللقاء على القول الثاني، على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، حكم للحديث بأنه صحيح؛ إذا وجدهم كلهم ثقات، كل واحد روى عن الثاني؛ حكم للإسناد بالصحة، قال: إسناده صحيح، أو الحديث بهذا الإسناد صحيح، صحيح إسناده، لكن يبقى النظر في المخالفة، واستقامة المتن:

(6/18)


والحكم للإسناد بالصحة أو ... بالحسن دون الحكم للمتن رأوا
فإذ قال الإمام: إسناده صحيح، دون قوله: الحديث صحيح؛ لأنه إذا قال: الحديث صحيح، ضمنا صحة المتن، صحة المتن، فلا يمكن أن يقول الإمام: الحديث صحيح بمجرد صحة إسناده إلا وقد تم نظره في متنه، يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "واقبله" يعني اقبل هذا الحكم، إذا قال إمام من الأئمة ممن يعتمد قوله، ويعول عليه إذا قال: إسناده صحيح اقبله.
واقبله إن أطلقه من يعتمد ... . . . . . . . . .
يعني من الأئمة؛ أئمة هذا الشأن:
واقبله إن أطلقه من يعتمد ... ولم يعقبه بضعف ينتقد
قال إسناده صحيح، يعني حينما يقول الإمام احمد: هذا حديث إسناده صحيح، أو يقول الإمام البخاري: إسناده صحيح، أو يقول أبو حاتم: إسناده صحيح، هل يتصور من مثل هؤلاء الأئمة أنهم يغررون بالناس، ويقولون إسناده صحيح، ومتنه فيه علة؟ هذا ما جعل الناظم يقول:
واقبله إن أطلقه من يعتمد ... ولم يعقبه بضعف ينتقد

(6/19)


يعني ما قال إسناده صحيح، ومتنه فيه كذا، إذا أطلق صحة الإسناد، فاقبله؛ لأن إمامة أمثال هؤلاء، وورع أمثال هؤلاء من أن يغرروا بالقارئ، أو السامع لا يتركهم يتركون العلة التي يعرفون ما في المتن من مخالفة، ويقتصرون على تصحيح الإسناد، أو تحسينه، لكن يوجد في كلام المتأخرين تصحيح الإسناد؛ ليبرؤوا من عهدة المتن، ويوجد هذا كثيراً في البحوث التمرينية، التي يمرن عليها الطلاب، أنهم قد لا يدركون العلل، وقد لا يستطيعون استيعاب الطرق، ويجمعونها لينظروا المخالفة من الموافقة، فيمرنون على دراسة الإسناد الموجود "واستشكل الحسن مع الصحة" استشكل جمع الحسن مع الصحة "في متن" وهذا يستعمله الترمذي كثيراً في أحكامه على الأحاديث، يقول: هذا حديث حسن صحيح، هذا حديث حسن صحيح، يقوله الترمذي كثيراً، ووجد في تعبير غيره، لكن الذي أكثر منه الترمذي، هذا الإطلاق، أو هذا الحكم المزدوج من لفظين مختلفين مشكل؛ لأنه حينما يقول: هذا الحديث حسن، إثبات للحكم على الحديث بالدرجة الدنيا من درجات القبول، فإذا أردفها بالدرجة العلياء أشكل، أشكل؛ يعني أنت حينما تسمع الترمذي يقول: هذا حديث حسن، والحسن عنده أدنى درجات الحسن، فضلا عن أن يكون من أدنى رجات الصحيح، حسن، ثم بعد ذلك يرفعه إلى الدرجة العلياء، هذا إشكال يعني التنظير المطابق في حياة المتعلمين عموماً في الدراسات النظامية ممتاز، وجيد جداً؛ هل يستطيع طالب إذا سئل أن يقال له: ما تقديرك؟ يقول: جيد جداً ممتاز؛ لأن جيد جداً إثبات للقصور عن درجة الامتياز، جيد جداً إثبات للقصور عن درجة الامتياز، وإثبات الامتياز إثبات لبلوغها، فكيف ينفى عنه بلوغ الغاية، ثم يثبت له، نفي وإثبات في آن واحد، أما مع اتحاد الجهة، فلا يمكن، ومع اختلاف الجهة، وانفكاك الجهة يمكن، كيف مع اتحاد الجهة؟ لو كان تقدير هذا الطالب في التقدير العام جيد جداً، وتقديره في مواد تخصصه جيد جداً، فلا يمكن أن يقول: جيد جداً ممتاز؛ لأن الجهة متحدة، لفظان متنافران يطلقان على جهة واحدة! لا يمكن، إثبات ونفي يتجهان إلى جهة واحدة! هذا غير ممكن، لكن لو انفكت الجهة، فقال: جيد جداً، يقصد بذلك التقدير العام، وممتاز يقصد به

(6/20)


التقدير الخاص في مواد التخصص، انتهى الإشكال، ظاهر وإلا مو بظهار؟ طيب نأتي إلى ما عندنا: الترمذي حينما يصف الحديث بأنه حسن، يصفه بأنه لم يبلغ الدرجة العلياء، ثم إذا أطلق عليه الصحة، وصفه بأنه بلغها؛ فكيف ينفي البلوغ ويثبت البلوغ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الأجوبة بلغت خمسة عشر جواباً، الأجوبة عن هذا الإشكال بلغت خمسة عشر جواباً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إي، لا، الآن أنا أريد أن نقرر الإشكال؛ هل فيه إشكال، أو ما فيه إشكال؟ نعم؟ فيه إشكال؛ لأن فيه نفي عن بلوغ الغاية، ثم إثبات لبلوغ الغاية.
طالب:. . . . . . . . .

(6/21)


نعم، يعني هذا من الأجوبة، يعني هذا من أصل الإشكال، قولهم: "استشكل"؛ هل هو مشكل، وإلا ما هو بمشكل؛ مشكل لأنه لما يقول: حسن، ينفي عنه بلوغ الغاية، ثم إذا قال: صحيح، أثبت له بلوغ الغاية، والنفي والإثبات في آن واحد، في جهة واحدة، من زاوية واحدة؛ لا شك أنه لا يمكن إطلاقاً، لا يمكن أن يتجه إلى ذات واحدة نفي، وإثبات لشيء واحد؛ هل تستطيع أن تقول: جاء زيد، وما جاء؟ تستطيع في آن واحد، يمكن؟ ما يمكن! نفي وإثبات، لا يمكن أن نثبت هذا، لكن لو قيل لك إن زيداً وصل جدة من الخارج، فبإمكانك أن تقول: جاء زيد، وما جاء؛ جاء إلى عموم البلد الذي هو المملكة، وما جاء إلى خصوص ما تريد اللي هو بلدك، فإذا انفكت الجهة؛ انتهى الإشكال، فهل تنفك الجهة في إطلاق الترمذي، أو لا تنفك؟ ليسوغ كلامه الأجوبة عند أهل العلم كثيرة جداً، وكل له جوابه، ونبدأ بما قرره الناظم -رحمه الله تعالى-: "فإن لفظاً يرد" فإن لفظاً يرد، يعني يرد، فإن يرد بإطلاق الحسن اللفظ يعني لفظه حسن، لفظه حسن باعتباره اشتمل على ما يسر المكلف من بشارة مثلاً، وهو في الحقيقة صحيح، حديث صحيح ألفاظه حسنة، بليغة، فصيحة، تطرب السامع "فإن لفظاً يرد" يعني إن يرد الحسن اللفظي "فقل: صفِ به الضعيف" هذا الرد لابن دقيق العيد، حينما قال ابن الصلاح: لا يبعد، ولا يستنكر أن يريد الترمذي بالحسن حسن اللفظ، وأما بالنسبة للحكم فهو صحيح، "فقل: صفِ به الضعيف" فقل صفِ به الضعيف، وهذا الجواب لابن دقيق العيد، لكن كيف يتجه كلام ابن دقيق العيد، والمسألة مفترضة فيما وصف بالصحة؛ هل يمكن أن يوصف هذا الحَسَن حُسْناً لغوياً يوصف به الضعيف، المسألة مفترضة في حُسْن اللغوي مع صحة الثبوت، مع صحة الثبوت؛ فكيف يقول: صفِ به الضعيف؟ نعم من الضعيف ما هو حسن الألفاظ، بل من الموضوعات ما يطرب السامع لذكره، هذا لو لم يكن هذا الحسن مقروناً بالصحة، واضح وإلا مو بواضح؟ هذا الكلام من ابن دقيق العيد يرده اقتران الحُسْن الذي حمله ابن الصلاح على الحسن اللغوي، بالحكم بالصحة، فلا يمكن أن يتصور أنه ضعيف مع وصفه بالصحة، إن كان يريد به الحسن اللغوي، ابن دقيق العيد يقول: "فقل: صفِ به الضعيف" عادة

(6/22)


القصاص حينما يعظون الناس بالأحاديث الضعيفة، أو الموضوعة؛ تجدهم ينتقون الألفاظ التي تجذب السامع، وتستهويه، فألفاظه حسن من هذه الحيثية، لكنها لا يمكنها أن توصف مع هذا الحُسْن بأنها صحيحة، فلا يرد انتقاد ابن دقيق العيد، لكن هل يراد به الحسن؛ حُسْن اللفظ؟ قد يروى حديث صحيح متفق عليه في الصحيحين لكن لفظه ليس بحسن على حد زعمهم؛ لأن الحسن ما فيه بشارة للمكلف، أو ما فيه فصاحة وبلاغة، قد يوجد صحيح في أعلى درجات الصحيح لكنه مع ذلك دون الضعيف، ودون الحسن من حيث الفصاحة والبلاغة، ومن حيث البشارة للمكلف بحيث يكون فيه نذارة للمكلف، والترمذي حينما عرف الحسن قال: هذا هو الحسن عندنا يعني أهل الحديث، والحسن عند أهل الحديث يريدون به الحُسْن الاصطلاحي، لا الحُسْن اللغوي، لا يريدون به الحسن اللغوي، وإن استحسن بعضهم كلام ابن الصلاح "أو يرد ما يختلف سنده" إن كان يريد الترمذي ما يختلف سنده "فكيف إن فرد وصف" يعني إن كان يريد الترمذي بقوله حسن صحيح بأن الحديث وَرَد أو روي من أكثر من طريق؛ بعضها صحيح، وبعضها حسن، فهو صحيح باعتبار، حسن باعتبار، وهنا تكون الجهة انفكت، الجهة انفكت من طريق حسن، ومن طريق صحيح؛ هذا الكلام مستقيم، وهو أحد الأجوبة لاسيما إذا تعددت الطرق، لكن يرد عليه:
. . . . . . . . . أو يُرد ما يختلف ... سنده فكيف إن فرد وصف

(6/23)


فكيف إن فرد وصف؟ يعني إذا أمكن حمله على ما تعددت طرقه، فيكون من طريق صحيح، ومن طريق حسن، وغاية ما في الأمر أن الواو حذفت، والأصل في التعبير أن يقول: حسن وصحيح، حسن باعتبار، وصحيح باعتبار، فحذف حرف العطف، وعلى هذا إذا وجد الحديث بإسناد حسن، ووجد بإسناد صحيح، كان أقوى مما يحكم عليه بالصحة فقط؛ فكيف إن فرد وصف، هذا يمكن يتجه إذا قال: حسن صحيح فحسب، لكن إذا قال: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، حسن صحيح غريب لا نعرفه من حديث فلان، "فكيف إن فرد وصف" ما الجواب عن هذا؟ هذا استدراك، أو رد على من يقول: بأنه حسن من طريق، صحيح من طريق آخر، والجواب صحيح، واعتمده جل أهل العلم فيما إذا تعددت طرق الحديث؛ صحيح باعتبار، حسن باعتبار آخر، وانفكت الجهة، وانتهى الإشكال، لكن إذا كان الحديث لا يُعرف إلا من هذا الوجه كما يقول: فالجواب عنه أن من أهل العلم من يراه قد بلغ الصحة، ومنهم من يراه قصر عن الصحة، فالحديث حديث حسن عند قوم، صحيح عند آخرين، أو يكون الإمام نفسه الترمذي تردد في بلوغه الصحة، تردد: هل بلغ أو لم يبلغ؟ فيقول: حسن صحيح، ويكون قد حذف حرف التردد، حذف حرف التردد، الذي هو الشك، وأصل العبارة أن تكون: "حسن أو صحيح"، حسن أو صحيح، وحذف حرف الشك، أو التردد، فعلى هذا ما يقول فيه: حسن صحيح، على هذا الاعتبار؛ أقوى مما يقال فيه صحيح فقط، أو أضعف؟ قلنا: إن الجواب الأول إذا ورد من طريقين أحدهما حسن، والثاني صحيح، أقوى مما يقال فيه صحيح فقط، وعلى هذا الاعتبار الأخير، والجواب الأخير: أن إرداف الكلمتين لبعض، والإتيان بهما معاً أن سببه تردد الناقد، سواء كان من أكثر من واحد، أو من واحد سواءٌ كان من الترمذي، أو من غيره، ترددوا في الحكم عليه؛ هل بلغ الصحة، أو لم يبلغ؟ حينئذ يقال: ما قيل فيه صحيح فقط أقوى مما يقول فيه حسن صحيح، ظاهر، وإلا مو بظاهر؟ وهذان الجوابان ارتضاهما ابن حجر في النخبة وشرحها، في النخبة وشرحها.

(6/24)


هناك جواب يقول -وهو قريب من مسألة التردد- يقول: ما يقول فيه حسن صحيح، يقول إنه حسن مشرب بالصحة، أو العكس صحيح مشرب بحسن، يعني نتيجته مزجية بين الحسن والصحة، يعني كما يقال: إذا أضفت على السكر ليمون؛ ويش تقول؟ السكر حلو، والليمون حامض؛ ماذا تقول إذا مزجتهما؟ حامض حلو، حامض حلو، حسن صحيح مثل حامض حلو، هذا كلام أبداه بعضهم، ومرده إلى أي الأجوبة؟ إلى الجواب الأخير، إلى الجواب الأخير، إذا قلنا: إنه متردد فيه، متردد فيه؛ هل بلغ الصحة، أو لم يبلغ؟ صار صحة مشربة بحسن، أو العكس؟
ولأبي الفتح في الاقتراح ... . . . . . . . . .
أبو الفتح ابن دقيق العيد "في الاقتراح" كتاب مشهور، كتاب مشهور نظمه العراقي –أيضاً-، وشرحه السخاوي، والنظم والشرح موجودان لكن ما بعد تم طبعهما، ولأبي الفتح في الاقتراح "أبي الفتح" ابن دقيق العيد في كتابه المعروف في الاقتراح، وهو في علوم الحديث، ومطبوع، ومتداول.
ولأبي الفتح في الاقتراح ... أن انفراد الحسن ذو اصطلاح
"أنَّ انفراد الحسن ذو اصطلاحي" يعني إطلاق الحسن هنا اصطلاح لا يرجع إلى اللفظ "أن انفراد الحسن ذو اصطلاحي" طيب كيف نقول: إنه اصطلاح، ويردف بما يعارضه، عندهم ما في مشكلة:
وإن يكن صح فليس يلتبس ... كل صحيح حسن لا ينعكس
يقول الحسن في اصطلاح الترمذي اصطلاحي، الحسن ليس بلفظي كما يقول أبن الصلاح، لا، اصطلاحي، إذا كان اصطلاحي، والحسن عنده منزلة دنية أدنى درجات القبول؛ فيكف يرد ف بأعلى درجات القبول، يقول:
وإن يكن صح فليس يلتبس ... كل صحيح حسن لا ينعكس

(6/25)


ابن دقيق العيد يقرر أن النسبة بين الصحة والحسن التباين، أو التداخل؟ التداخل "كل صحيح حسن لا ينعكس" يعني كل من بلغ الدرجة العلياء فقد مر بالدرجة الدنيا، يعني من طلع بالدور الثالث، ألا يكون قد مر بالدور الثاني حتماً؟ نعم، إذا افترضنا أن الضعيف مساوي للأرض، والحسن الدور الأول، والصحيح في الدور الثاني، أذا أراد أن يرقى الحديث إلى الصحيح يمكن أن يطلع إلى الدور الثاني من غير أن يمر بالدور الأول؟ هو يقول: بينهما التداخل، الآن لو قدم لوظيفة، واشترطوا في القبول جيد جداً، اشترطوا في القبول جيد جداً، صاحب الامتياز يمكن يقدم وإلا ما يمكن؟ لأنه جيد جداً وزيادة، مر بـ"جيد جداً" وتعداها، فإذا أطلقنا عليه الصحة، فالحسن حاصل لا محالة، الحسن حاصل لا محالة.
وقل مثل هذا في المسألة الحمارية، أو اليمِّية في الفرائض في مسألة الأخوة لأم مع الأخوة الأشقاء، يعني الأخوة الأشقاء أخوة لأم وزيادة، يعني أخوك الشقيق لو قيل هذا ما هو بأخ لك من أمك؛ تنكر وإلا ما تنكر؟ ألا يمكن أن يقال أنه أخ لأم؛ لأن أمك ولدته، أخ لأم وزيادة، فبينهما تداخل، وهنا يريد أن يقرر ابن دقيق العيد أن كل صحيح حسن، كل امتياز فيه جيد جداً:
. . . . . . . . . ... كل صحيح حسن لا ينعكس

(6/26)


لكن إذا اشترطوا الامتياز، يأتي صاحب الجيد جداً، ويقدم؟ لا يمكن "لا ينعكس" يعني في الأخوة الأشقاء، في الأخوة الأشقاء إذا وجد من يحجب الأخوة لأم، والأخوة الأشقاء يرثون في صورة؛ هل يمكن أن يقول الأخوة لأم: نحن إخوانكم أشركونا معكم؟ لا، لكن في أرث الأخوة لأم يمكن يأتي الأشقاء، ويقولون: أمنا واحدة ما الذي يفرق بيننا، كما قالوا في المسألة المعروفة: هب أن أباهم حماراً، أو حجراً في اليم، نعم فإذا بلغ الدرجة العليا مروراً بالدنيا، فيتصور اجتماعهما، لكن لا يتصور اجتماعهما حينما يبلغ الدنيا فقط، فإنه لن يبلغ العليا، إذا قيل مثلاً: فلان سار، ذهب إلى مكة عن طريق البر، وفي طريقه بلد من البلدان، مع هذا الطريق المعتاد يمكن أن يصل إلى مكة دون أن يمر بهذا البلد؟ لا يمكن، لكن لو وقف عند هذا البلد، ورجع دون أن يصل إلى مكة يمكن أن يقال: إنه ذهب إلى كذا، ولم يصل إلى كذا، فـ "كل صحيح حسن لا ينعكس" فالنسبة بينهما ايش؟ التداخل عنده، لكن إذا نظرنا إلى واقع النوعين، هل يمكن أن يقال بهذا القول أو لا؟ هل النسبة بين الصحيح والحسن التبيان، أو التداخل؟ تباين وإلا تداخل، يعني إذا نظرنا إلى الأنواع الثلاثة، إذا نظرنا إلى الأنواع الثلاثة: الصحيح، والحسن، والضعيف؛ هل هي بمثابة تقسيم الكلمة إلى: اسم، وفعل، وحرف، أو بمثابة تقسيم العمر: شباب، وكهولة، وشيخوخة؟ النسبة بينها في الاسم، والفعل، والحرف؟ تباين وإلا تداخل؟ تباين، والنسبة بين مراحل العمر تداخل ما في واحد بصير شيخاً قبل أن يمر الشباب والكهولة، فالنسبة بينها هل نقول أنها تداخل وإلا تباين؟ نعم؟
طالب: بينهما.
يعني قسيم؟ لا هو إذا نظرنا إلى ..
طالب:. . . . . . . . .

(6/27)


لا هو فيه، كلام ابن دقيق العيد له وجه، لكنه ليس من كل وجه مقبول، منهم من قال بالتباين، ومنهم من قال: بالتداخل، ومنهم من قال: إنهما متباينان من وجه، ومتداخلان من وجه، متباينان من وجه، ومتداخلان من وجه، يعني ما النسبة بين الصحيح لذاته، والحسن لغيره؟ في تباين وإلا تداخل؟ الصحيح لذاته، والحسن لغيره تباين، وإلا تداخل؟ تباين، لكن ما بين الصحيح لغيره، والحسن لذاته؟ فيه تداخل؛ لأن الصحيح لغيره عبارة عن حسن لذاته تعددت طرقه، فهما من جهة متباينان، ومن جهة متداخلان، جهة التداخل بينهما، أولاً جهة التبيان؛ لأن عندنا مراتب أربع، أربع مراتب: صحيح لذاته، صحيح لغيره، حسن لذاته، حسن لغيره، المرتبة العليا مع الدنيا، صحيح لذاته مع حسن لغيره؛ هل يمكن أن يلتقيان؟ ما يمكن؛ تبيان لكن المرتبتين المتوسطتين: صحيح لغيره مع الحسن لذاته فيه .. ؟ فيه تداخل، فيه تداخل باعتبار أن الصحيح لغيره هو الحسن لذاته إذا تعددت طرقه، وتقدم الكلام فيه، نعم:
والحسن المشهور بالعدالة ... والصدق راويه إذا أتى له
طرق أخرى نحوها من الطرق ... صححته كمتن: ((لولا أن أشق))
هذا تقدم، وهذا هو المعتمد أنهما متباينان من وجه، متداخلان من وجه.
طالب:. . . . . . . . .

(6/28)


إيه، لكن عليه إيرادات، يعني إذا كان من طريقين ممكن إذا كان من طريق واحد، ولا اختلفوا فيه، في صحته؛ لأنه إذا كان من طريقين، افترض أنه من طريقين صحيحين؛ يرد كلامه؟ لا هذا يورد عليه، وإذا كان من طريقين كلاهما متفق عليه، على صحته يرد على الثاني، إذا كان من طريق واحد، واتفق الأئمة على تصحيحه؛ يرد على الجواب الثاني، وعلى كل حال مثل هذا الكلام؛ الحكم بالصحة والحسن من حيث الواقع العملي، من حيث الواقع العملي، إنما يحتاج إليه من أراد أن يقلد الترمذي، والكلام كله هذا جر إليه مذهب ابن الصلاح من قطع التصحيح والتضعيف، وإلا إذا أرنا أن ننظر في الأسانيد والمتون، ونحكم على كل حديث بما يليق به انتهى الإشكال، نُسَخ الترمذي، نسخ الترمذي من القدم، من القرن السادس فما دون يوجد فيه اختلاف كبير في الأحكام على الأحاديث، ولذلك كلهم يوصون أن العناية بجمع نسخ سنن جامع الترمذي، النسخ العتيقة الموثقة التي قرأها الأئمة، وتداولها، وقابلوها أمر لا بد منه لتصحح نسختك عليها؛ لأنها تتباين، لكن إذا قلنا أنه يكفينا أن المتن صحيح، قارناه بأكثر من نسخة وجدن المتن ما في إشكال، والسند كذلك، ما في تحريف، ولا تصحيف، ولا تقديم، ولا تأخير يكفينا أن ندرس الإسناد، وندرس المتن، ونجمع طرقه، وشواهده، ومتابعاته، ونحكم عليه بما يليق به عند التأهل، عند التأهل، على كلام ابن دقيق العيد: كل صحيح حسن، وقلنا إننا إذا اعتبرنا الضعيف على سطح الأرض، وقلنا: إن الحسن في الدور الأول، والصحيح في الدور الثاني، عادي طبيعي، أنك أول مرحلة الضعف، ثم يرتقي إلى الحسن، ثم بعد ذلك يرتقي إلى الصحيح، يعني إجراء طبيعي، اللفظ مناسب جداً.
طالب:. . . . . . . . .
نعم حسن لذاته.
طالب:. . . . . . . . .
صحيح لغيره؛ تريد هذا؟
طالب:. . . . . . . . .

(6/29)


هذا يمكن إذا كان مما يتعدى طرقه، يعني يمكن من الأوجه التي يمكن أن تقال: إذا أدت طرقه هو أحد الأجوبة، لكن يبقى أنه إذا قال: حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قد يقول: حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي الباب عن فلان وفلان وفلان؛ يجتمع وإلا ما يجتمع؟ يعني لا نعرفه إلا من هذا الوجه، يعني عن هذا الصحابي، يعني عن هذا الصحابي دون غيره من الصحابة.
طالب:. . . . . . . . .
هم قالوا، أوردوا عليه نعم، وذكره الناظم فيما تقدم، نعم:
وقال الترمذي: ما سلم ... من الشذوذ مع راو ما اتهم
بكذب ولم يكن فرداً ورد ... قلت: وقد حسن بعض ما انفرد
هذا أوردوه عليه فيما تقدم، أوردوا ابن سيد الناس، أبو الفتح اليعمري:
وأوردوا ما صح من أفرادي ... حيث اشترطنا غير ما إسنادي
ثم قلنا أن من الأجوبة أنه صحيح باعتبار إسناد، وحسن باعتبار إسناد، يورد عليه ..
. . . . . . . . . ما صح من إفرادي ... حيث اشترطنا غير ما إسنادي
كلام ابن دقيق العيد في الاقتراح، يعني كلام ابن سيد الناس له ارتباط بكلام ابن دقيق العيد، وإلا بكلام الترمذي، يعني أوردوا على ابن دقيق العيد، وإلا أردوا على الترمذي؟ نعم؟ الإيراد الأخير على الترمذي، وإلا على ابن دقيق العيد؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف يورد على ابن دقيق العيد، وما صح من أفراد؟ لأن كلام ابن دقيق العيد يقول: انفراد الحسن اصطلاحي، إطلاق الحسن اصطلاحي "وإن يكن صح" يعني إذا اقترن به، أي إذا وصف بالصحة بعد وصفه بالحسن "فليس يلتبس" ولو كان من طريق واحد؛ لأنه إذا أطلق عليه صحيح، فقد مر بدرجة الحسن، كل صحيح حسن "كل صحيح حسن لا ينعكس" وليس كل حسن صحيحاً:
وأوردوا ما صح من أفرادي ... حيث اشترطنا غير ما إسنادي
يعني يورد على الجواب الذي ارتضاه كثير من أهل العلم أنه حسن من طريق، صحيح من طريق آخر، إذا قيل: حسن صحيح في الأفراد، حسن صحيح في الأفراد، فكيف يقال أنه حسن من طريق، وصحيح من طريق، يعني لو جاء إلى حديث الأعمال بالنيات، وقال: حسن صحيح، وقلنا: إنه حسن من طريق، صحيح من طريق، وما له إلا طريق واحد:
وأوردوا ما صح من أفرادي ... حيث اشترطنا غير ما إسنادي

(6/30)


حديث النهي عن بيع الولاء والهبة، ما صح إلا من طريق واحد، ((كلمتان خفيفتان على اللسان .. )) إلى آخر الحديث، ما صح إلا من طريق واحد، فإذا وصفناه بأنه حسن صحيح؛ كيف نوجه هذا؟ هل نستطيع أن نقول: إن حديث الأعمال بالنيات جاء من أكثر من طريق: حسن من بعضها، وصحيح من بعضها؟ لا، هل نستطيع أن نقول: إنه صحيح عند قوم، حسن عند قوم؟ لا يمكن؛ لأنه صحيح بالاتفاق؛ فماذا يجاب عما لو قال الترمذي: أنا لا أستحضر ما قال الترمذي، ما لو قال الترمذي في حديث من مثل هذا: حسن صحيح، ما فيه إلا كلام ابن دقيق العيد: إنه صحيح، والصحيح يمكن أن يقال له حسن؛ لأن آه ..
طالب:. . . . . . . . .

(6/31)


الألفاظ اللغوية ووصفها بالحسن لا يضطرد، قد يكون الحديث من أصح، وأعلى درجات الصحيح، لكن رواه أحد الرواة بالمعنى، والرواية بالمعنى جائزة، وأورد فيه شيئاً، بعض الكلمات أفصح مما أورد، يعني ما انتقى أفصح العبارات، وهذا موجود؛ يجاب عن هذا بكلام ابن دقيق العيد؛ لأنه تجاوز مرتبة الحسن فيمكن أن يوصف بالحسن؛ لأنه تجاوزها، ففيه حسن وزيادة، وهو الصحة، يعني يقارن قوله بأقوال غيره، هذا إذا فتحنا باب الاجتهاد، وأنا قلت: إن مثل هذا الكلام كله الكثير، الطويل، العريض الذي جر إليه كلام ابن الصلاح في قفل باب الاجتهاد، وأنه ليس لأحد أنـ .. ، عليك أن تقلد الترمذي، ولا تخرج، كل سنة يطلع جواب جديد، كل يلوح له شيء من خلال النظر في الكتاب، ومن خلال الإطلاقات؛ لأن فيها أحياناً يردف حسن صحيح بعبارات تزيد الإشكال، وكررنا مراراً: أن المتأهل إذا نظر في الحديث بسنده ومتنه، وجمع طرقه بشواهده ومتابعاته؛ يحكم عليه بما يليق به، ولو خالف الترمذي: وقال الترمذي: حسن صحيح، وخرجت النتيجة: ضعيف، ويش المانع؟ أو العكس، لاسيما إذا استنار بقول غيره من الأئمة، أما أن يطبقوا على تصحيحه، ثم يخرج بنتيجة، يأتي طالب علم متأخر، ويصحح لأئمة الحديث، وهو يضعفه باعتبار أنه اطلع فيه على علة لم يطلع عليها من سبق، أو العكس يضعفون حديثاً، ويصححه، ويقول: اطلعت على طرق ما اطلعوا عليها، هذا لا يمكن، لكن هو ينظر، وعنده مساحة واسعة للنظر، والاجتهاد مع استنارته بأقوال الأئمة وأحكامها، اصطلاح هو خاص بالترمذي، لكن كيف نتخلص من هذا الإشكال؟ هو إشكال كيف نتخلص منه؟ أوردنا كلام ابن حجر، وأنه إن كان من طريقين فهو محمول على أنه حسن من طريق، صحيح من طريق، وأودنا على هذا الإيراد: كيف لو أن الطريقين كلاهما متفق على صحته؟ ويش تقول؟
يرد على القولين لابن حجر، والإشكال ما زال باقياً، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ابن دقيق العيد ما ينفي الأفراد في كلامه، ما ينفي إطلاق الحسن والصحة على الأفراد، ما ينفيه؛ لأنه حديث واحد، ومن طريق واحد، يمكن أن يقال فيه: حسن صحيح، باعتبار أنه حاز الدرجة الدنيا، وتعداها إلى الدرجة الدنيا:

(6/32)


. . . ... كل صحيح حسن لا ينعكس
ما في إشكال، نعم.
القسم الثالث: الضعيف
أما الضعيف فهو ما لم يبلغ ... مرتبة الحسن وإن بسط بغي
ففاقد شرط قبول قسم ... واثنين قسم غيره وضموا
سواهما فثالث وهكذا ... وعد لشرط غير مبدوٍّ فذا
قسم سواها ثم زد غير الذي ... قدمته ثم على ذا فاحتذي
وعده البستي فيما أوعى ... لتسعة وأربعين نوعا
لما أنهى الناظم -رحمه الله تعالى- الكلام على النوعين: الصحيح والحسن، ثلث بالضعيف تمام القسمة التي بدأ بها:
وأهل هذا الشأن قسم السنن ... إلى صحيح وضعيف وحسن
فأنهى الكلام على الصحيح والحسن، وأخر الضعيف لتأخره في المرتبة عن قسيميه، فقال: القسم الثالث: الضعيف، وحد الضعيف، وعرفه بأنه ما لم يبلغ مرتبة الحسن، يعني ما قصر عن درجة الحسن:
وكل ما عن رتبة الحسن قصر ... فهو الضعيف وهو أقسام كثر
...
أما الضعيف فهو ما لم يبلغ ... مرتبة الحسن. . . . . . . . .
هل نحن بحاجة أن نقول: والصحة؟ لأن هذا الكلام له ارتباط بكلام ابن دقيق العيد؛ هل نقول: ما لم يبلغ مرتبة الحسن والصحيح؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .

(6/33)


ما وصل الصحيح، لا كابن الصلاح في تعريفه، وتبعه النووي، وابن كثير، ذكروا الصحيح في الحد، فقالوا: كل حديث لم تجتمع فيه شروط الحديث الصحيح، ولا شروط الحديث الحسن، فهو الضعيف، فهل نحتاج إلى ذكر الصحيح؟ أو نكتفي بالحسن لأن ما قصر عن رتبة الحسن، فهو عن رتبة الصحيح أقصر، ونعود لنقرر ما بين الأقسام الثلاثة من النسب على القول بالتباين، على القول بالتباين لابد أن نذكر الصحيح في الحد؛ لأن نفي الحسن عن الخبر لا يقتضي نفي الصحة، على القول بالتباين؛ لأنه قد يكون حسناً، قد يكون صحيحاً، ولا يكون حسناً، أو العكس على القول بالتباين، أما على القول بالتداخل، فلا إشكال يعني حينما يقولون: الحرف ما لا يقبل علامات الاسم، ولا علامات الفعل؛ هل يمكن أن يكتفي بالفعل بعلامات الفعل، فتنتفي علامات الاسم؟ يمكن وإلا ما يمكن؟ ما يمكن لأن النسبة بين الأقسام الثلاثة التبيان، وعلى هذا إذا قلنا النسبة بين الأقسام الثلاثة عندنا التباين؛ لابد من ذكر الصحيح، كما ذكره ابن الصلاح، ومن تبعه ممن اختصر كلامه، كالنووي وابن كثير، وإذا قلنا: النسبة التداخل، وأن كل صحيح حسن؛ نكتفي بانتفاء الحسن، وعدم بلوغ الحديث مرتبة الحسن، فإذا لم يبلغها، وقصر عنها، فهو عن رتبة الصحيح أقصر، وعلى هذا إذا قلنا الشاب من لم يبلغ سن الكهولة، فهو سن الشيخوخة أقصر، يعني ما قصر عن سن الكهولة، فهو عن سن الشيخوخة أقصر، وهذا على القول بالتداخل، وعرفنا فيما تقدم أنهما متباينان من وجه، ومتداخلان من وجه، ابن حجر -رحمه الله- أراد أن يخرج من هذا الإشكال؛ لأننا إذا قلنا بتعريف ابن الصلاح؛ ورد علينا مسألة التداخل الوجهي، وإذا قلنا بتعريف الحافظ العراقي في ألفيته؛ ورد علينا التباين الوجهي، يورد علينا التباين الوجهي، فالحافظ ابن حجر اختار كلمة تجمع النوعين، ويكون التعريف مانعاً، وإن لم يكن جامعاً، مانعاً لا يرد عليه ما يورد على تعريف ابن الصلاح، ولا على تعريف الحافظ العراقي.
فذكر في تعريف الضعيف بأنه: هو الحديث الذي لم تتوافر فيه شروط القبول، لم تتوافر فيه شروط القبول، والقبول يشمل الصحيح والحسن، فجمع بينهما بكلمة واحدة، فصار التعريف جامعاً، مانعاً، مختصراً، ليس فيه استعمالاً للفظين، وليس في إهدار لأحد اللفظين، ولا شك أن تعريف الحافظ ابن حجر قوي، فالحديث الذي يتخلف فيه شرط من شروط القبول يكون حكمه الرد ..

(6/34)