شرح ألفية العراقي عبد الكريم الخضير شرح ألفية الحافظ
العراقي (7)
المرفوع والمسند والمتصل والموصول والموقوف والمقطوع
الشيخ: عبد الكريم الخضير
الحديث الذي يتخلف فيه شرط من شروط القبول يكون حكمه الرد؛ لأن
الشروط التي تذكر للقبول وللصحة صحة العقود وصحة العبادات، إذا
تخلف شرط منها تخلف الحكم، فإذا تخلف شرط من شروط القبول صار
الخبر في حيز المردود، والمردود هو الضعيف.
أما الضعيف فهو ما لم يبلغِ ... مرتبة الحسن وإن بسط بغي
يعني الآن كلما تخلف فيه شرط من شروط القبول التي تقدمت، اتصال
الأسانيد، عدالة الرواة، الضبط، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة
القادحة، عدم الجابر عند الاحتياج إليه؛ ليدخل في هذا جميع
أنواع المقبول، نعم، جميع أنواع المقبول نقول: الشروط ستة،
فإذا فقد الاتصال ضعيف، فقد عدالة الرواة بعض الرواة غير عدول
ضعيف، فقد الضبط عند بعض الرواة ضعيف، وجد الشذوذ وجدت العلة
احتجنا إلى جابر ولم نقف عليه ضعيف، كل واحد من هذه الشروط
الستة مسلك من مسالك الضعف إلى الخبر، ومسالك الضعف بسطها ابن
حجر، وجعل منها ما يتعلق بعدالة الرواة، ومنها ما يتعلق
بضبطهم، خمسة تتعلق بالعدالة، وخمسة تتعلق بالضبط، يعني فقد
العدالة ينشأ منه خمسة أوصاف، وفقد الضبط أو الخلل في الضبط
ينشأ منه خمسة أوصاف، وأوجه للطعن في الخبر، هذا على سبيل
الإجمال، يقول:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وإن بسط بغي
ففاقد شرط قبول قسمُ ... . . . . . . . . .
(7/1)
إذا فقد شرط واحد هذا قسم، فقد شرطين قسم،
في طريقة ذكرها ابن الصلاح أشار إليها، وأوردها الناظم -رحمه
الله تعالى- وبسطها في شرحه في كلام طويل جداً، وغيره بسطها،
وأوصلوا الأقسام إلى تسعة وأربعين نوعاً في كلام الترمذي،
وبعضهم إلى ثلاثة وستين، وبعضهم إلى مائة وعشرين، وبعضهم إلى
مائتين وخمسين، وبعضهم إلى خمسمائة وخمسين، وألف فيه رسائل،
لكن ماذا نستفيد من الطريقة التي ذكروا فيها وأوصلوا فيها
أقسام الضعيف إلى خمسمائة نوع، إلى خمسمائة قسم، ما الذي
نستفيده؟ يعني ابن حجر والسيوطي وغيرهما من أهل العلم يقولون:
إن هذا تعب ليس وراءه أرب، هل نستطيع أن نقول: إن ما فقد من
الشروط أكثر يكون أضعف فيرجح عليه غيره؟ نعم؟ يعني إذا فقد
الستة الشروط، إذا فقد الشروط الستة هل هو أضعف أنواع الضعيف؟
أضعف منه ما فقد شرط واحد وهو صدق الراوي، إذا كان الراوي كذاب
خلاص انتهى الإشكال، لو اجتمعت في رواته جميع الأوصاف المضعفة،
يكون أضعف منه لو فيه راوٍ واحد كذاب، فهذا البسط الذي ذكروه
كما قال السيوطي يقول: إن كان القصد به من أجل الترجيح -وسبقه
لنحوه الحافظ ابن حجر- ففاقد الصدق أرجح منه، في الضعف يعني،
أٌقوى منه ضعفاً، وإن كان القصد منه إيجاد أسماء لهذه الأحاديث
الضعيفة فلم يسمّ منها إلا القليل عند الأئمة، يعني خمسمائة
سمي منها المنقطع والمرسل والمدلس، وسمي منها المعل، ومنها
الشاذ، ومنها المضطرب، ومنها المنكر، ومنها المتروك، يعني
أقسام التي جاءت أسماؤها عن الأئمة، ولا بد من إتباعهم نخترع
أسماء لم يجدوها؟ هل نستطيع أن نوجد لأقسام الضعيف خمسمائة
قسم؟ لا يمكن، لا نزيد على ما سماه الأئمة، وإن كان الهدف من
وراء هذا البسط معرفة كم تصل الأقسام، كم يصل عدد الأقسام
تبعاً لهذا البسط، نقول: هذه غاية مرة لا تساوي تسويد الأوراق،
وبلا شك إن الذي أوصلها .. لو قرأتم في كيفية بسط مسالك الضعف
إلى الخبر بالاجتماع والافتراق فلا شك .. بطريقة مملولة، ولا
يمكن أن تطبق على أرض الواقع، لا سيما إذا أردنا أن نقتفي أثر
الأئمة.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وإن بسط بغي
ففاقد شرط قبول قسمُ ... . . . . . . . . .
(7/2)
فاقد اتصال الأسانيد قسم "واثنين قسم غيره"
فاقد الاتصال والعدالة قسم ثاني، فاقد الاتصال والضبط قسم
ثالث، فاقد الاتصال مع وجود علة قسم رابع، فاقد الاتصال مع
وجود الشذوذ قسم خامس، فاقد الاتصال ثم ارجع إلى .. ، اترك
الاتصال ثم ابدأ بعلة غير مبدوء بها، فاقد العدالة مع غيره،
فاقد العدالة مع الضبط، فاقد العدالة مع وجود العلة، فاقد
العدالة مع وجود الشذوذ، ثم انتهى من العدالة إلى آخره.
. . . . . . . . . ... واثنين قسم غيره وضموا
سِواهما فثالثٌ وهكذا ... وَعُدْ لشرطٍ غير مَبْدُوٍّ به فذا
قسم سواها. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني تأتي إلى الشرط الأول فتمرر عليه كل الشروط فنتج عندك
أقسام: عدم الاتصال مع عدم العدالة، عد الاتصال مع عدم الضبط،
عدم الاتصال مع وجود الشذوذ، عدم الاتصال مع وجود العلة، تنتهي
من الاتصال، عدم العدالة مع عدم الضبط، عدم العدالة مع وجود
الشذوذ، عدم العدالة مع وجود العلة، ثم تنتهي من العدالة،
وهكذا، ثم تضرب بعضها في بعض إلى أن يصل إلى أعداد كبيرة، ومن
راجع شرح الناظم وجد أقساماً لا داعي لذكرها، ولا تستحق أن
يسود بها الورق.
. . . . . . . . . ... وَعُدْ لِشَرْطٍ غَيْرَ مَبْدُوٍّ به
فذا
قسم سواها ثم زد غير الذي ... قدمته ثم على ذا فاحتذي
هناك رسائل في بيان أقسام الضعيف، رسائل في بيان أقسام الضعيف
ذُكر فيها هذا بالبسط، وحقيقةً يعني معاناتها وقراءتها ممل،
وليست وراءها نتيجة، بل هو تعب ليس وراءه أرب، كما قال
العلماء، حتى التقسيم الذي ذكره الحافظ العراقي في المنظومة
وبسطه في شرحه لا داعي له، إذا قلنا: لم تتوافر فيه شروط
القبول انتهى الإشكال، وأما بالنسبة للأقسام فما ذكره الأئمة،
وبالنسبة للتطرق الضعف إلى الخبر فهذا بتطبيق الشروط، وينتهي
الإشكال، فنحن لا نستطيع أن نسمي غير ما سماه الأئمة، ولا نوجد
من الأقسام غير ما مر عليهم في شروطهم اجتماعاً وافتراقاً.
. . . . . . . . . ثُمَّ زِدْ غَيْرَ الَّذِي ... قَدَّمْتُهُ
ثُمَّ عَلى ذَا فَاحْتَذِي
أي فاقتدي، والياء للضرورة وإلا فالأصل أن تحذف.
(7/3)
"وعده البستي" أبو حاتم محمد بن حبان
البستي "وعده البستي" عد أقسام الضعيف "فيما أوعى" فيما جمع
وحفظ "لتسعة وأربعين نوعا" خمسين إلا واحد، ولا يدرى أين عد
هذه الأنواع؟ لكنه ذكر في مقدمة المجروحين بعض الأسباب، وذكر
منها عشرين فقط، وأما التسعة والأربعين فلا يُعلم أين ذكرها؟
ولعله في مؤلفاته التي لم تصل إلينا.
وَعَدَّهُ (البُسْتِيُّ) فِيما أوْعَى ... لِتِسْعَةٍ
وَأرْبَعِيْنَ نَوْعَا
خمسين إلا واحد، وزادوا على ذلك، منهم من ذكر ثلاثة وستين،
ومنهم من قال: مائة وعشرين، ومنهم من قال: مائتين وأربعين،
وزادت نافت عند بعضهم على الخمسمائة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين.
سم.
الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وصلى
الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
المرفوع:
وَسَمِّ مَرْفُوْعاً مُضَافاً لِلنَّبي ... وَاشتَرَطَ
(الخَطِيْبُ) رَفْعَ الصَّاحِبِ
وَمَنْ يُقَابِلهُ بِذي الإرْسَالِ ... فَقَدْ عَنَى بِذَاكَ
ذَا اتِّصَالِ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله،
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "المرفوع" لما انتهى من
الأقسام الثلاثة التي هي عمدة هذا الفن وخلاصته ذكر تقسيماً
ثانياً للأخبار بحسب من يضاف إليه الخبر، فذكر المرفوع، وقدمه
على غيره لشرف النسبة؛ لأنه ينسب إلى النبي -عليه الصلاة
والسلام-، والمرفوع: اسم مفعول من الرفع، الذي هو المصدر،
تقول: رفع الحديث يرفعه رفعاً، فالذي ينسبه إلى النبي -عليه
الصلاة والسلام- رافع، والخبر مرفوع.
يقول:
وَسَمِّ مَرْفُوْعاً مُضَافاً لِلنَّبي ... . . . . . . . . .
صلى الله عليه وسلم، هذا المرفوع، وكما سمعنا قدم لشريف
النسبة، أو لشرف النسبة، بخلاف الموقوف والمقطوع "سم مرفوعاً
مضاف للنبي" يعني من أقواله -عليه الصلاة والسلام- وأفعاله
وتقريراته وأوصافه، كل هذه إذا أضيفت للنبي -عليه الصلاة
والسلام- دخلت في المرفوع.
(7/4)
. . . ... واشترط الخطيب رفع الصاحبِ
الخطيب البغدادي اشترط لتسمية الخبر مرفوعاً أن يكون مما يرفعه
الصحابي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومفهومه أن ما يرفعه
التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو من دونه لا يكون
مرفوعاً، سم مرفوعاً مضافاً للنبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني
لو قال المتأخر منا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمى
مرفوعاً، ولو قاله قبلنا بقرون قال: رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- يسمى مرفوعاً، ولو قال البخاري: قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- يسمى مرفوعاً، ولو قال التابعي: قال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- يسمى مرفوعاً، ومن باب أولى إذا قال ذلك
الصحابي، اشترط الخطيب البغدادي رفع الصحابي، اشترط الخطيب رفع
الصاحب، أن يكون هذا الخبر مما يرفعه الصحابي إلى النبي -عليه
الصلاة والسلام-، فإذا رفعه التابعي لا يمسى مرفوعاً، لو قال:
سعيد بن المسيب: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يسمى
مرفوعاً، هذا الاشتراط يوحي ويشم من كلام الخطيب، لكن الحافظ
ابن حجر يرى أن كلامه لا على سيبل الاشتراط، وإنما هو على سبيل
الغالب، الغالب أن يكون المرفوع مما يصرح الصحابي برفعه إلى
النبي -عليه الصلاة والسلام-، والأحاديث المضافة إلى النبي
-عليه الصلاة والسلام- إنما جاءتنا عن طريق صحابته الذين سمعوا
كلامه وشاهدوا أفعاله فعليهم المعول في هذا، فالغالب أن الذي
يضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من شاهده أو سمعه، وإن
لم يكن ذلك شرط، لكن مرفوعات التابعين كثيرة جداً، مرفوعات من
دونهم من المصنفين المتأخرين أيضاً كثيرة، فكثيراً ما يقول
الفقهاء: الدليل على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-، لا
ينسبونه لأحد، فيضيفونه هم ولو تأخرت أزمانهم وإعصارهم، ومع
ذلك هو مرفوع، فقول الخطيب سواء كان صريح في الاشتراط، أو كونه
هو الغالب، حقيقة قول مرجوح، قال:
ومن يقابله بذي الإرسالِ ... فقد عنى بذاك ذا اتصالِ
(7/5)
من يقابل المرفوع بالمرسل، من يقابل
المرفوع بالإرسال، من يقابل الرفع بالإرسال فيريد بالرفع من
خلال المقابلة، يريد به الاتصال، فإذا قال: رفعه فلان وأرسله
فلان ماذا يريد؟ فيما يقابل المرسل، يعني أنه وصل إسناده، إذا
قال: رفعه زيد وأرسله عمر، فمرادهم برفعه؟ نعم؟ وصل إسناده إلى
النبي -عليه الصلاة والسلام-، والذي أرسله معناه قطع إسناده،
ولذا قال:
ومن يقابله بذي الإرسالِ ... فقد عنى بذاك ذا اتصالِ
لأن فهم الكلمة إنما يتم بمعرفة ضدها "فبضدها تتميز الأشياء"
إذا عرفنا المرسل عرفنا ما يقابله؛ لأنهم لا يقابلون بين شيئين
إلا وهما متقابلان من حيث المعنى، نعم.
الْمُسْنَدُ
وَالمُسْنَدُ المَرْفُوْعُ أوْ مَا قَدْ وُصِلْ ... لَوْ مَعَ
وَقفٍ وَهوَ في هَذَا يَقِلْ
وَالثالِثُ الرَّفْعُ مَعَ الوَصْلِ مَعَا ... شَرْطٌ بِهِ
(الحَاكِمُ) فِيهِ قَطَعَا
بعد أن أنهى الكلام على المرفوع المضاف إلى النبي -عليه الصلاة
والسلام- جزماً، أردفه بالمسند، ولم يردفه بالموقوف المضاف إلى
الصحابي على ما سيأتي؛ إنما أردفه بالمسند؛ لأن من معاني
المسند المرفوع، في قوله: "والمسند المرفوع" والمسند: اسم
مفعول من أسند الحديث يسنده فهو مسنِد والحديث مسنَد، وذكرنا
في المسانيد في الدرس الماضي أن المسند يطلق بإزاء الكتاب،
الذي رتب على المسانيد على مسانيد الصحابة، ويطلق ويراد به
الكتاب الذي تذكر فيه الأحاديث بالأسانيد، تذكر فيه الأحاديث
بالأسانيد، قلنا: من هذا تسمية الإمام البخاري كتابه الجامع
الصحيح: المسند، ويطلق بإزاء الخبر المرفوع، ويطلق بإزاء
الموصول على ما سيأتي.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "والمسند المرفوع" هذا قوله،
(أو) هذه لتنويع الخلاف.
. . . . . . . . . أو ما قد وصل ... لو مع وقف وهو في هذا يقل
هذان قولان.
والثالث: الرفع مع الوصل معا ... شرط به الحاكم فيه قطعا
(7/6)
"المسند المرفوع" يعني إذا قال: هذا حديث
مسند يعني مرفوع، سواء كان متصلاً أو منقطعاً، وبهذا قال
الإمام الحافظ ابن عبد البر في مقدمة التمهيد "المسند المرفوع"
سواء كان رفعه بسند متصل أو منقطع، المقصود أن تكون فيه النسبة
إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو مرادف عند ابن عبد البر
للمرفوع، هذا هو القول الأول في تعريف المسند.
. . . . . . . . . أو ما قد وصل ... لو مع وقف وهو في هذا يقل
(7/7)
الخطيب البغدادي أنتم تسمعون الخطيب في كل
باب من أبواب علوم الحديث، ويقول ابن نقطة: كل من صنف في علوم
الحديث بعد الخطيب فهم عيال على كتبه، وله عناية في هذا الباب،
وفي هذا الشأن، وهو إمام من أئمة المسلمين، وله مصنفات في أكثر
أنواع علوم الحديث، ومعول ابن الصلاح في شرح هذه الأنواع
بالدرجة الأولى على كتب الخطيب، ثم يأتي من يأتي من يقول: إن
الخطيب تأثر بعلم الكلام، ولوث هذا العلم الشريف بما تأثر به،
ما أدي ماذا يكون علوم الحديث لولا كتب الخطيب؟ واعتماد أهل
العلم بعده على كتبه، ومعولهم عليه، يعني كون الإنسان يتأثر
بشيء هل معنى هذا أنه انتهى بالكلية؟ هذا إذا سلمنا بأنه تأثر
بعلم الكلام، مع أن البيهقي متأثر بعلم الكلام، يعني نرد ما
جاء عن البيهقي؟ هل نرد ما جاء عن البيهقي؟ هل نقول: سنن
البيهقي ما نستفيد منها؛ لأنه تأثر بعلم الكلام؟ كلام ليس
بصحيح، وكذلك كتب الخطيب، معول الخطيب في كتبه على أئمة هذا
الشأن، وجمع أقوالهم في كتبه، ونفع الله بها نفعاً عظيماً، ثم
يأتي من يقول: إن الخطيب تأثر بعلم الكلام وأدخل بعض
المصطلحات. . . . . . . . .، إذاً لا ... ، ما هو بصحيح هذا،
وإذا قيل مثل هذا في الخطيب فسيأتينا النقل عن الغزالي، والنقل
عن الرازي، والنقل عن الجويني، كيف نقول بهذا؟ وهم أهل الكلام،
عمد أهل الكلام، هل نمسخ أقوالهم؟ وعلوم الحديث .. ، الحديث
رواية مبني على السماع وعلى الرواية والتلقي، ومثل هؤلاء لا
قيمة لهم في علم الرواية، حتى يصرحون أنهم بضاعتهم في الحديث
مزجاة، أعني مثل الغزالي، مثل الرازي، مثل الآمدي، مثل هؤلاء
المتكلمين، لكن لا نختلف، أو لا يختلف أحد في أن بعض أنواع
علوم الحديث تدرك بالرأي، يعني إذا نقلنا قول للإمام أحمد وقول
لكذا، وذكرنا مثال في بعض المناسبات أظنه في هذا الدرس، ذكرنا
مثال حينما قال ابن الصلاح: إن الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة
يفرقان بين السند المعنن والسند المأنن، فيحكمان للمعنعن
بالاتصال والمأنن بالانقطاع، من خلال خبر عن محمد بن الحنفية
عن عمار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر به فقال الإمام
أحمد ويعقوب بن شيبة: متصل، والرواية الأخرى عن محمد بن
الحنفية:
(7/8)
أن عماراً مر به النبي -عليه الصلاة
والسلام- فقال: منقطع، ابن الصلاح قال: مرده اختلاف الصيغة،
فهم غير ابن الصلاح أنه إذا قيل: عن محمد بن الحنفية عن عمار
أن هذا متصل، سببه أن محمد بن الحنفية يروي عن صاحب القصة،
وإذا قال: عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر به النبي -عليه
الصلاة والسلام- محمد بن الحنفية يروي قصة لم يشهدها، يحكي قصة
لم يشهدها، فهل مثل هذا الفهم يحتاج إلى نقل، أو يحتاج إلى
تأمل؟ نعم؟ يحتاج إلى تأمل، ولذا المسائل التي تحتاج إلى تأمل
يشترك فيها كل من لديه قدرة على هذا التأمل، سواء كان من أهل
الحديث أو من غيرهم، يعني أنت لما تنقل عني مثلاً تنقل عني عن
الشيخ فلان، شيخ أنت ما أدركته، أو أدركته ولم تجتمع به مثلاً،
تنقل عني عن الشيخ أنه قال كذا، أو حصل بيني وبينه كذا، عني
أنه حصل بيني وبين فلان كذا، حينما تنقل الكلام عني وأنا صحب
القصة يكون الكلام إيش؟ متصل، لكن لما تقول أنت: إن فلان قال
له فلان أو ذكر له فلان، أو حصل له مع فلان تحكي قصة ما
شهدتها، ولا حضرتها تكون إيش؟ منقطعة، فمثل هذه الأمور وكثير
من مباحث علم المصطلح يدرك بهذه الكيفية، يدرك بهذه الطريقة،
أما ما مرده إلى النقل فليسوا من أهل النقل، فينبغي أن يحرر
الكلام، ولذا لو أخلينا علم المصطلح من هذا الفهم الذي يبديه
بعضهم والحكمة ضالة المؤمن يأخذها ممن جاء بها ومن مباحث أصول
الفقه الذي لهم فيه اليد الطولى؛ لأنهم أهل نظر، وإن لم يكونوا
أهل أثر؛ نعم، لهم فيه اليد الطولى، من مباحثه ما يتعلق
بالسنة، وأبدوا فيه شيئاً من البراعة، لكن يبقى أن ما مرده إلى
النقل لا يعول عليهم فيه، والمسألة مسألة إنصاف، أما إذا سمعنا
أو عتبنا على شخص، أو نقمنا عليه شيء ننفسه بالكلية هذا ما هو
بمنهج، ما بمنهج سوي، ولا زال العلماء يَدْرُسون ويُدَرِسون
كتب المصطلح وفيها هذه الأقوال، بل جعلوا من مزايا توضيح
الأفكار للصنعاني وترجيحه على غيره؛ لأنه يجمع بين قواعد
المحدثين وقواعد الأصوليين، ثم يقول من يقول: إن الخطيب لوث
هذا العلم بما أدخل فيه وفعل وترك.
"المسند المرفوع" هذا قول ابن عبد البر، يعني المسند يرادف
المرفوع
(7/9)
. . . أو ما قد وصل ... لو مع وقف وهو في
هذا يقل
فإذا قلنا: هو المرفوع قلنا: سواء كان بإسناد متصل أو منقطع،
وهذا ما صرح به ابن عبد البر بأنه سواء كان انقطع أو اتصل،
مالك عن نافع عن ابن عمر، هذا مالك عن نافع عن ابن عمر عن
النبي -عليه الصلاة والسلام- مسند مرفوع متصل، لكن مالك عن ابن
عمر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسند مرفوع، لكنه منقطع،
هذا يدخل في المسند عند ابن عبد البر، لكنه لا يدخل في المسند
عند الخطيب؛ لأنه يجعل المسند الموصول، المسند ما اتصل سنده،
سواء كان رفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو وقف على
الصحابي، أو من دونه، ولذا قال:
. . . . . . . . . ... لو مع وقف وهو في هذا يقل
يعني إطلاق المسند على الموقوف قليل، يعني أكثر ما يطلق المسند
عند الخطيب على إيش؟ على المتصل المرفوع، لكن لا يمنع الخطيب
من تسمية المتصل الموقوف مسنداً، وإن كان أقل من إطلاقهم
المسند على المرفوع المتصل، الحاكم جمع بين الأمرين، يقول: لا
يسمى مسنداً حتى يجتمع في الأمران، القول الأول قول ابن عبد
البر، والثاني قول الخطيب.
وَالثالِثُ الرَّفْعُ مَعَ الوَصْلِ مَعَا ... شَرْطٌ بِهِ
(الحَاكِمُ) فِيهِ قَطَعَا
وهذا يرجحه الحافظ ابن حجر أنه لا يسمى مسنداً حتى يكون
مرفوعاً بسند متصل، وهذا ما قطع به الحاكم.
المتصل والموصول
وَإنْ تَصِلْ بِسَنَدٍ مَنْقُوْلاَ ... فَسَمِّهِ مُتَّصِلاً
مَوْصُوْلا
سَوَاءٌ المَوْقُوْفُ وَالمَرْفُوْعُ ... وَلَمْ يَرَوْا أنْ
يَدْخُلَ المَقْطُوْعُ
اختلفوا لأن كل واحد نظر وسبر في إطلاقات الأئمة، جمع مجموعة
من إطلاق الأئمة فوجودهم يطلقونه على المرفوع، وجدهم يطلقونه
بإزاء المرفوع، ولم يتأخر الرفع في جميع ما رفعه، هذا من ابن
عبد البر، الخطيب جمع مجموعة من اطلاقات الأئمة مما يطلقونه في
المسند وجدهم يطلقونه على ما اتصل إسناده، بغض النظر عن الرفع
والوقف، والحاكم جمع مجموعة وجدهم يطلقونه بإزاء المتصل
المرفوع، فكل حسب ما وقع له نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لو مع وقفٍ، يعني ولو كان الخبر موقوفاً.
طالب:. . . . . . . . .
(7/10)
على الصحابي نعم، لكن إطلاقهم المسند على
المتصل الموقوف أقل من إطلاقهم المسند على المتصل المرفوع، ثم
أردف المسند الذي من معانيه المتصل، في تعريف الخطيب والحاكم
أردفه بالمتصل والموصول.
المتصل كذا بالإدغام، ويقال فيه: موصول، ويقال فيه أيضاً:
مؤتصل بالهمز، وهذه منقولة عن الإمام الشافعي، بل موجودة في
كتبه، يعبر عن المتصل بالمؤتصل، حتى قالوا: إنها لغة الإمام
الشافعي، ومنهم من يقول: إنها لغة أهل الحجاز، لغة الإمام
الشافعي، ابن الحاجب في تصريفه المسمى بالشافية، قال: مؤتعد
ومؤتسر لغة الإمام الشافعي، وهو بدلاً من أن يقول: متعد ومتزر
ومتصل، مؤتعد ومؤتز ومؤتصل بالهمز. يقول:
وإن تصل بسند منقولا ... فسمه متصلاً موصولا
قدم المسند على المتصل، وإن كان المسند يطلق على المرفوع، وإن
كان منقطعاً عند ابن عبد البر، وقدموه على المتصل، لماذا؟ لأن
المتصل ينظر فيه إلى الإسناد بغض النظر عن النسبة، وإما المسند
فالمنظور في إلى النسبة، والأكثر على أنه المرفوع، فألحق به،
وأما المتصل فينظر فيه إلى الإسناد بأن يكون كل راوٍ من رواته
قد تلقاه ممن فوقه بطريق معتبر من طرق التحمل، سواء كان
مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو موقوفاً على
الصحابي.
يقول:
وَإنْ تَصِلْ بِسَنَدٍ مَنْقُوْلاَ ... فَسَمِّهِ مُتَّصِلاً
مَوْصُوْلا
سواء قلت: هذا حديث موصول أو متصل معناه واحد، إذا اتصل
إسناده، بأن يكون كل راوٍ من رواته قد تلقاه ممن فوقه بطريق
معتبر، هم يقولون: قد سمعه من شيخه، لكن التلقي أعم من أن يكون
بطريق السماع، فإذا قلنا: بطريق معتبر من طرق التحمل ما ورد
علينا ما ورد على قولهم: سمعه.
وَإنْ تَصِلْ بِسَنَدٍ مَنْقُوْلاَ ... . . . . . . . . .
يعني متناً منقولاً بسند متصل.
. . . . . . . . . ... فَسَمِّهِ مُتَّصِلاً مَوْصُوْلا
فسمه متصل.
سَوَاءٌ المَوْقُوْفُ وَالمَرْفُوْعُ ... . . . . . . . . .
(7/11)
سواء الموقوف على الصحابي والمرفوع، يعني
يستوي في ذلك الموقوف والمرفوع، فإذا قال البخاري مثلاً: مالك
عن نافع عن ابن عمر من قوله قلنا: متصل، مالك عن نافع عن ابن
عمر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- متصل، إلا أن الأول موقوف،
والثاني مرفوع.
. . . . . . . . . ... ولم يروا أن يدخل المقطوعُ
لكن إذا روينا بسند متصل، روى الإمام البخاري أو مسلم أو أبو
داود أو الترمذي أو الإمام أحمد بسند متصل عن الحسن البصري، أو
عن سعيد بن المسيب نقول: هذا منقطع أو متصل أو موصول؟ نقول:
متصل؟ يقول: لم يروا أن يدخل المقطوع.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو المقطوع سيأتي تعريفه أنه ما يضاف إلى التابعي، المقطوع:
ما يضاف إلى التابعي، فهل إذا روينا عن تابعي بسند متصل نقول:
متصل وإلا ما نقول: متصل؟ نعم؟ يعني متصل إلى سيعد، هو معروف
في الإسناد ما فيه فوق سعيد أحد، كما أنه ليس فيه فوق أبي
هريرة أحد، نستطيع أن نقول: هذا متصل إلى النبي -عليه الصلاة
والسلام-، ونستطيع أن نقول: هذا متصل إلى أبي هريرة، لكنهم لم
يروا أن يدخل المقطوع، أن نقول: متصل إلى الحسن أو متصل إلى
سعيد؛ لأن المقطوع ما يضاف إلى التابعي فمن دونه، ما روى أن
يدخل هذا في المتصل والموصول، لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما هي مسألة حجية، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
(7/12)
فيه إيش؟ فيه انقطاع هو؟ ما في انقطاع،
لكنهم يسمونه مقطوع، إذاً تنافر لفظي بين أن نقول: متصل مقطوع،
يعني نصف خبر مقطوع بأنه متصل، قالوا: هذا تنافر لفظي، لكن ما
المانع أنه إذا انفكت الجهة أن يوصف الشيء بلفظين متنافرين،
إذا انفكت الجهة يوصف بوصف باعتبار ويوصف بوصف منافٍ له
باعتبار آخر، {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ} [(4) سورة
الحج] ويش المانع؟ فيه مانع؟ ما في مانع، لكن من باب الحساسية
في التعبير والدقة فيه، لكن ما في ما يمنع، يعني لو قلت مثلاً:
جاء زيدٌ القصير الطويل، وأنت لاحظت انفكاك جهة، قصير في
قامته، طويل في عمره مثلاً، في شيء مدرك ما يوقع في لبس، يعني
دخل شخص قصير وعمره مائة سنة، فقلت: جاء زيد الطويل القصير، ما
في شك أن هذا فيه تنافي لفظي، لكن ما انفكاك الجهة وأمن اللبس
ويش المانع أن نصفه بالوصفين المتنافرين؟ لكن إذا وجد اللبس
جاء شخص عمره عشرون سنة، وقامته قصيرة، وقلنا: جاء زيد الطويل
القصير، كيف يفهم السامع ما يرفع عنه هذا التنافر؟ المتكلم
قاله باعتبار صحيح، قصير في قامته، وقصير في عمره الحسي
المحسوس، لكنه طويل في عمره المعنوي، عمر مبارك، أنجز في عشرين
السنة ما لم ينجز في مائة سنة، وطول العمر يكون بكثرة السنين،
ويكون أيضاً بالبركة فيه، كما قيل في حديث: ((من سره أن يبسط
له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه)) قالوا: إن طول
العمر هذا المراد به البركة فيه، لكن هذا يوقع في لبس، شيء لا
يراه المخاطب يوقع في لبس، لكن لو دخل شخص عمره مائة سنة وقصير
القامة، أو العكس طويل القامة وقصير العمر ممكن، يفهمه السامع
والمخاطب ولا يقع في لبس، أما الثاني يوقع في لبس، فمثل هذا هو
الذي ينفى للتنافر، أما أن يقال: متصل لأن كل واحد ممن رواه
وتحمله ممن فوقه بطريق معتبر متصل، وهو مقطوع باعتبار إضافته
إلى التابعي فمن دونه، هم عندهم هذه الحساسية للتنافر اللفظي
فقط، نعم.
الْمَوْقُوْفُ
وَسَمِّ بالمَوْقُوْفِ مَا قَصَرْتَهُ ... بِصَاحِبٍ وَصَلْتَ
أوْ قَطَعْتَهُ
وَبَعضُ أهْلِ الفِقْهِ سَمَّاهُ الأثَر ... وَإنْ تَقِفْ
بِغَيرِهِ قَيِّدْ تَبرْ
(7/13)
مما أنهى الناظم -رحمه الله تعالى- ما يضاف
إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- صراحة هو ما يحلق به، وما
اختلف في رفعه، ما اختلف في إطلاقه على المرفوع وغيره جاء بما
لم يختلف في عدم رفعه، وهو الموقوف، والموقوف اسم مفعول من
الوقف، وقف الخبر يقفه فهو واقف، والخبر موقوف.
يقول:
وَسَمِّ بالمَوْقُوْفِ مَا قَصَرْتَهُ ... بِصَاحِبٍ. . . . .
. . . .
يعني اقتصرت فيه في نسبته على الصحاب، والمراد بالصاحب الصحابي
وَسَمِّ بالمَوْقُوْفِ مَا قَصَرْتَهُ ... بِصَاحِبٍ. . . . .
. . . .
(7/14)
يعني ولم تتجاوزه إلى النبي -عليه الصلاة
والسلام- سمه بالموقوف "وصلت أو قطعته" يعني ما أضيف إلى
الصحابي موقوف سواء كان الإسناد متصل إلى هذا الصحابي أو فيه
انقطاع، كله يسمى موقوف، مثل ما مثلنا، مالك عن ابن عمر موقوف
منقطع، مالك عن نافع عن ابن عمر موقوف متصل، والعبرة بهذا كله
بالنسبة، فإذا نسب إلى الصحابي فهو موقوف، بغض النظر عن
الانقطاع والاتصال، واشترط الحاكم عدم الانقطاع لتسميته
موقوفاً، فالمنقطع لا يمسى موقوفاً، كما اشترط فيما تقدم في
المرفوع، واشترط الخطيب إيش؟ رفع الصاحب، أن يكون مما يرفعه
الصحابي، وهنا اشترط الحاكم عدم الانقطاع، لكن هذا الاشتراط
شاذ، فالعبرة بالنسبة إلى الصحابي، فإذا نسب إلى الصحابي من
قوله أو فعله فهو موقوف، ويختلفون في إضافة تقرير الصحابي
إليه، ما يقوله الصحابي وما ينطق به يضاف إليه، يقال: قال ابن
عمر كذا، قال أبو هريرة كذا، موقوف عليه، وكذلك ما يفعله، فعل
عمر كذا، وفعل أبو بكر كذا، كله موقوف، لكن إذا فعل بحضرته،
إذا فعل بحضرة الصحابي شيء من قبل غيره وسكت عنه، هل نضيفه إلى
الصحابي؟ فعلى سبيل المثال مروان دخل المقبرة وجلس، وأبو هريرة
حاضر ولم ينكر عليه، ودخل أبو سعيد وأنكر عليه، ننسب إلى أبي
سعيد الإنكار، لكن هل ننسب إلى أبي هريرة السكوت، التقرير باب
من أبواب السنة المرفوعة، يعني ما فعل بحضرته -صلى الله عليه
وسلم- وسكت عنه هذا تقرير، لكن ما فعل بحضرة الصحابي وسكت عنه
هل نقول: إنه أقره، وننسب إليه هذا؟ أو نقول: لعله سكت لأمر من
الأمور، لمصلحة راجحة مثلاً؟ نعم؟ هل نستطيع أن نقول: مذهب أبي
هريرة جواز الجلوس أو أنه أفضل؟ لا؛ لأنه أقر مروان وسكت عنه،
حتى ما نقول: أقر، هو سكت لأمر من الأمور، قد تكون المصلحة
راجحة في سوكته في تقديره، وهذا يحصل إلى وقتنا هذا، تجد مثلاً
يستدل بفعل شيخ من الشيوخ، عالم من العلماء فعل بحضرته أمر،
وسكت لما يترتب على هذا السكوت من مصلحة، أو لما يترتب على
الإنكار من مفسدة، فهل نستطيع أن نقول: هذا مذهب فلان؟ كما قيل
به في مسألة أثيرت قيل: فعل بحضرة الشيخ فلان ولا أنكر، وما
يدريك ما الذي يحتف بهذه المسألة؟ فلا ينسب التقرير إلا إلى
(7/15)
النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال من قال:
إن الموسيقى فعلت بحضرة الشيخ فلان وما أنكر، والطبول فعلت
بحضرة فلان من الناس، لا ينسب قولاً له، لماذا؟ لما يعتريه من
تقدير مصلحة راجحة في هذا الظرف؛ لأنه قد يكون في جعبته منكر
عظيم جداً يريد أن ينكره على هذا، فلو أنكر عليه منكره الخفيف
بالنسبة للمنكر الشديد يمكن فاته الكبير، أو بعد حمل في نفسه
عليه شيء، ورده رداً يمكن ما يقبل منه شيئاً بعد ذلك، فالمسألة
مسألة مصالح ومفاسد، والتقرير لا ينسب لغير النبي -عليه الصلاة
والسلام-، يعني هل نستطيع أن نقول: من مذهب أبي هريرة الجلوس
في المقبرة قبل أن توضع الجنازة لأنه أقر مروان أو سكت على
مروان؟ لا، عنده مصلحة راجحة، ولكن جاء أبو سعيد وأنكر أخذ
بيديه، أنكر بالفعل، والناس يتفاوتون في تقدير هذه الأمور، إلى
يومنا هذا وبعض الناس تفوت المصالح وهو ينتظر مصلحة، وبعض
الناس يرتكب مفاسد وهو يقدر مصلحة، لكن المصلحة بنظر من؟
المسألة مصلحة الدين والأمة بمجموعها، أما مصالح خاصة لا ينظر
إليها، المقصود أن مثل هذا التقرير لا يعلق عليه ولا يرتب عليه
حكم، هم غير معصومين من جهة، الأمر الثاني: أنهم قد يسكتون
لتقدير مصلحة راجحة، أو خشية مفسدة، لكن قد يأتي من يرتكب
العزيمة بغض النظر عن أي مصلحة؛ لأن هذه مفسدة محققة في تقدير
الثاني، مفسدة محققة، والمصلحة المرجوة، أو المفسدة المخوفة
مظنونة، وكثير ممن يناقش في بعض المسائل يقول: ما تدرون عن
شيء، أحنا ندرأ مفاسد أعظم، فلا شك أنهم أعرف بهذه الأمور،
وأكثر تقديراً للمصالح والمفاسد، لكن يبقى أن بعض المفاسد
مظنونة، وقد تكون من تسويل الشيطان وتثبيطه، على كل حال
التقرير لا يمكن أن ينسب إلا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛
لأنه هو الذي لا يَقر ولا يُقر على خطأ.
وَسَمِّ بالمَوْقُوْفِ مَا قَصَرْتَهُ ... بِصَاحِبٍ وَصَلْتَ
أوْ قَطَعْتَهُ
وَبَعضُ أهْلِ الفِقْهِ سَمَّاهُ الأثَر ... . . . . . . . . .
يسمون الموقوف على الصحابي الأثر الفقهاء من الشافعية ومنهم
أبو القاسم الفوراني حيث نسب إلى الفقهاء الخراسانيين أنهم
يسمون الموقوف الأثر.
(7/16)
وَبَعضُ أهْلِ الفِقْهِ سَمَّاهُ الأثَر
... . . . . . . . . .
وبعض أهل الفقه سماه الأثر، يعني في مقابل المرفوع الذي يسميه
الخبر، يسمون المرفوع الخبر، ويسمون الموقوف أثر، وأهل الحديث
يطلقون الأثر على المرفوع والموقوف،
وبعضهم يقول: الأثر المرفوع، والخبر هو الموقوف، الأثر ما يضاف
إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بإزاء الحديث، والخبر: هو ما
يضاف إلى غيره، خلاف ما يقوله بعض الفقهاء، هناك كتب سميت بهذا
الاسم: تهذيب الآثار للطبري، تهذيب الآثار للطبري، على مقتضى
قول بعض أهل الفقه: إنه يشمل آثاراً موقوفة على الصحابة، لكن
واقع الكتاب أنه في الأخبار المرفوعة، في الأخبار المرفوعة،
وقد يذكر شيئاً يسيراً من الآثار الموقوفة على الصحابة، لكن
الغالب فيه المرفوع، معرفة السنن والآثار للبيهقي فيه المرفوع،
وفيه الموقوف، لكن المرفوع أكثر، شرح معاني الآثار، ومشكل
الآثار للطحاوي كلها فيه المرفوع والموقوف مما يد على أن الأثر
يطلق عند أهل العلم، ويراد به المرفوع، والموقوف:
. . . . . . . . . ... وإن تقف بغيره قيِّد تبر
والأثر باعتبار إطلاقه على الحديث نسب إليه من يُعنى بالحديث،
من يُعنى بالحديث، فمثل ما تقدم في نسبة الحافظ العراقي إلى
الأثر:
يقول راجي ربه المقتدر ... عبد الرحيم بن حسين الأثري
وانتسب على الأثر جماعة من عهد السلف إلى يومنا هذا، وهم
ينتسبون، ولو قلت محمد ناصر الدين الألباني الأثري فيه شيء؟
لأنه ينتسب إلى الحديث، وابن باز الأثري، وفلان الأثري، وسمى
بعضهم نفسه ممن هو دونه بمراحل: الأثري؛ لأن عنده شيء من
الاهتمام بالحديث، لكن كون الإنسان يسمى نفسه، هذه فيه شيء من
التزكية، أما كونه يعرف بهذه بين الناس، بين الخاص والعام،
وينسب إليه، هذا شرف بلا شك؛ لأنه حينئذٍ ينسب إلى ما يعنى به
بحق إلى ما ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
. . . . . . . . . ... وإن تقف بغيره قيد تبر
(7/17)
"تقف بغيره قيد تبر" الأصل أن الموقوف ما
يضاف إلى الصحابي، لكن إذا أردت أن تصف بالموقوف ما تضيفه إلى
التابعي، فقيده، فقل: هذا موقوف على سعيد، موقوف على الحسن
وهكذا "وإن تقف بغيره" يعني بغير الصحابي، وفي نسخة "بتابع"،
"وإن تقف بتابع قيد تبر" تبر: يزكوا عملك، يكزوا عملك، فأعمال
البر هي التي تزكي الأعمال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذه المسألة .. ، فرق بين أن يسكت شخص فعل بحضرته شيءٌ، أو
عدد يسير فعل بحضرتهم شيء، أو يسكت الجميع، يسكت، يجتمع
العلماء كلهم، ويفعل منكر بين أيديهم، ولا ينكرون، اللهم إلا
إذا كانوا بين يدي ظالم يخشون سطوته، فهذا شيء آخر، الإجماع
السكوتي فيما إذا ذكر بعضهم حكماً شرعياً، ولم يعارض أحد، ولم
يعارض، هذا إجماع سكوتي، أما أن يسكت الجميع ما يكون إلا إذا
كان السكوت من أهل الإجماع، إذا كان من أهل الإجماع، يعني
افترضنا أن جميع أهل العلم وجدوا في مكان، وفعل بحضرتهم منكر
هذا إجماع، لكن لو وجد بعضهم ممن لا ينسب إليه الإجماع، وسكتوا
لتقدير مصلحة، أو خشية مفسدة، ما يعتبر إجماع.
طالب:. . . . . . . . .
يسمى إجماع؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا أنكر أبو سعيد هذا، أنكر أبو سعيد؛ لأن المسألة ورد فيها
نص، ويرويه أبو هريرة قال: هذا يعلم، نعم.
المقطوع
وسم بالمقطوع قول التابعي ... وفعله وقد رأى للشافعي
تعبيره به عن المنقطع ... قلت: وعكسه اصطلاح البردعي
(7/18)
تمام القسمة فيمن يضاف إليه الخبر المقطوع،
بعد أن ذكر المرفوع المضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-،
والموقوف المضاف إلى الصحابي، المقطوع ما يضاف إلى التابعي،
ومن دونه كما قرر ذلك ابن حجر، وغيره، يسمى مقطوع، والقطع هذا
مجرد اصطلاح، القطع هذا مجرد اصطلاح، والمقطوع اسم مفعول من
القطع، قطع يقطع قطعاً فهو قاطع، والخبر مقطوع, وجمعه مقاطع
ومقاطيع، مقاطع ومقاطيع، والبصريون سوى الجرمي يثبون الياء
جزماً، فيقولون: مقاطيع هذا رأي البصريين، يثبتون الياء، وأما
الكوفيون، وأما الكوفيون مع الجرمي -وهو بصري- في جواز الحذف،
يجيزون الحذف، وإن كان الأصل إثبات الياء، واختاره ابن مالك،
فيجيزون مقاطع ومقاطيع، مثل مساند ومسانيد، مفاتح ومفاتيح،
واختاره ابن مالك، وقال البلقيني: الأولى ألا تثبت، الأولى ألا
تثبت، يعني مثل مفاتح، مثل مفاتح، ومفاتح جاءت في القرآن
بالإثبات، أو بالحذف؟ بحذف الياء: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ
الْغَيْبِ} [(59) سورة الأنعام].
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
وسم بالمقطوع قول التابعي ... . . . . . . . . .
يعني ومن دونه على ما اختاره ابن حجر وغيره "وفعله"، "قول
التابعي وفعله" يعني إذا خلا عن قرينة إرادة الرفع، أو كان مما
يحتمله الرأي والاجتهاد على ما سيأتي في حكم ما لا يقال
بالرأي.
"وقد رأى" من الذي رأى؟ ابن الصلاح:
فحيث جاء الفعل والضمير ... لواحد ومن له مستور
يريد بذلك ابن الصلاح "وقد رأى" أي ابن الصلاح "للشافعي"
للإمام الشافعي، ومن بعده الطبراني، والدارقطني، والحميدي،
عبروا بالمقطوع عن المنقطع "وقد رأى للشافعي تعبيره به" يعني
بالمقطوع "عن المنقطع" الذي لم يتصل إسناده، مالك عن ابن عمر
مقطوع في تعبير الإمام الشافعي، ومن معه، الدارقطني، والحميدي،
والطبراني "تعبيره به عن المنقطع" الذي لم يتصل إسناده "قلت"
الحافظ العراقي، وهذا من زياداته، والزيادة مجرد التسمية،
تسمية القائل، تسمية صاحب الاصطلاح، وإلا فابن الصلاح أشار إلى
أن منهم من يستعمل المنقطع بإزاء المقطوع ما يضاف إلى التابعي:
. . . . . . . . . ... قلت وعكسه اصطلح البردعي
(7/19)
عكس تعبير الشافعي، ومن معه "اصطلاح
البردعي" أبو بكر أحمد بن هارون البرديجي البردعي، بردعة
وبرديجة متقاربتان، فيطلق البردعي البرديجي احمد بن هارون
المنقطع، ويريد به ما يضاف إلى التابعي، عكس ما أثر على الإمام
الشافعي، ومن معه، وقد اعترض بعضهم على إدخال المقطوع في علوم
الحديث، يقول: إذا أدخلنا الموقوف في علوم الحديث باعتبار أنه
يدخل في عموم ما يتحدث به، وسبق في توجيه ما يحفظه الإمام
البخاري:
وفيه ما فيه لقول الجعفي ... أحفظ منه عشر ألف ألف
وعله أراد بالتكرار ... لها وموقوف. . . . . . . . .
فالموقوف يجعله العلماء مع المرفوع، باعتبار أنه قد يحتاج إليه
في فهم الخبر؛ لأن الصحابي أعرف بفهم ما روى، فالموقوف قد
يحتاج إليه في فهم الخبر، وأيضاً قول الصحابي الخلاف بين أهل
العلم قوي في كونه مما يحتج به، أو لا يحتج به، أما قول
التابعي فلم يقل أحد بأنه يمكن أن يحتج به، ولذا اعترض بعضهم
إدخال المقطوع في مباحث علوم الحديث، وأجيب عن ذلك بأن بعض
المقطوعات المضافة إلى التابعين قد تكون مرفوعة؛ لأنها مما لا
تدرك بالرأي، لأنها مما لا تدرك بالرأي، وقد يحتاج إليها؛
لأنها أحد ما يعتضد به المرسل، على ما سيأتي في بابه، أحد ما
يعتضد به المرسل، على ما سيأتي في كلام الإمام الشافعي في باب
المرسل، أما الفروع فالأفضل أن تكون متتابعة، يعني الأفضل أن
نشرحها غداً -إن شاء الله تعالى- كلها الفروع السبعة التي تعي
ما ذكرنا.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله
وصحبه أجمعين.
(7/20)
نعم هذا فيه علاقة بالدرس، وأما القول
المعتمد، والصحيح في قول العلماء على شرط الشيخين، ومن القائل
بأن المقصود به رجال الصحيحين؟ ذكرنا فيما تقدم أقوال أهل
العلم في المراد بشرط الشيخين، ذكرنا قول ابن طاهر، والحازمي،
والقول الذي اعتمده أهل العلم، وتصرفات الحاكم تقويه، وهو أن
المراد بشرط الشيخين رجال الصحيحين، وعلى هذا الذهبي، وقبله
ابن الصلاح، والنووي، وابن حجر، والعراقي، وجمع من أهل العلم
كلهم اعتمدوا هذا القول، والسخاوي رجحه، وذكر له أمثلة من
المستدرك نفسه؛ لأن الذي شهر، وأكثر من ذكر هذه الكلمة هو
الحاكم، فيعتنى بكتابه لفهم كلامه، وذكرنا أن تصرف الحاكم في
المستدرك يقوي هذا القول بدليل أنه يذكر الحديث، ويذكر فيه
راوٍ، وهذا الراوي يحتمل أن يكون ممن خرج له الشيخان، أو
أحدهما، أو لا؛ لأنه يشتبه في النسبة، أوفي الكنية، أو في
الاسم بغيرهم ممن خرج له الشيخان، وقال في حديث من طريق أبي
عثمان، وقال أبو عثمان: هذا ليس هو النهدي، ولو كان النهدي
لقلت إنه على شرط الشيخين، فهذا دليل على أنه يريد بشرط
الشيخين رجال الشيخين، وقلنا في قوتها إنه يشكل على هذا قوله
في مقدمة المستدرك: وأنا استعين الله على إخراج أحاديث رواتها
ثقات، احتج بمثلها الشيخان، وقلنا أن الحافظ ابن حجر قال: إن
الحاكم استعمل المثلية في أعم من حقيقتها، ومجازها، فاستعملها
في حقيقتها حينما يخرج الأحاديث من طريق رواة لم يخرج لهم
الشيخان، وإنما هم بمنزلتهم، وبمثابتهم مثلهم يعني في القوة،
واستعمل المثلية في غير حقيقتها في مجازها عنده، حينما يخرج
الحديث من طريق رواة خرج لهم الشيخان بأعيانهم، فالمسألة كأن
القول هذا هو الراجح، وأما ما ذكره أبو الفضل ابن طاهر بأن شرط
الشيخين أن يخرجا لرجال اتفق على ثقتهم يعني مجمع على أنهم
ثقات، وعرفنا أن في رجال الشيخين رجال الصحيحين مما تكلم فيه
من قبل أهال العلم، وإن كان الغالب أن توثيق الشيخين للراوي
لاسيما إن كان الحديث ممن .. ؟ مما يدور على هذا الراوي، فهذا
توثيق عملي لهذا الراوي، ومع ذلك الشيخان ينتقيان من أحاديث
الراوي ولو كان فيه مغمز، أو مطعن، على قلة هؤلاء الرواة الذين
مسوا بضرب من
(7/21)
التجريح الخفيف، الشيخان ينتقيان من
أحاديثهم، وينظران فيما ووفق عليه هذا الراوي مما اختلف فيه،
فإذا غلب على الظن أن هذا الراوي ضبط هذا الحديث، ولو كان فيه
شيء؛ جرح خفيف يعود على حفظه وضبطه، فإن هذا لا يؤثر، ولهما
دقة نظر في هذا الباب لا يدانيهما، ولا يقاربهما غيرهم، ولو لم
يكن لهذين الكتابين إلا تلقي الأمة لهما بالقبول، ويكثر
الكلام، وكثرت المصنفات في العصر الحديث حول الصحيحين، ورجال
الشيخين، وترتيب الصحيحين، وتكرار البخاري، وكونه يورد أحاديث
في غير مظانها، وأنه يحتاج إلى ترتيب، فيه كلام لبعض الشراح
حينما يعجز الشارح عن الربط بين الحديث والترجمة؛ ينتقد
البخاري، فأحياناً يقول: إن الكتاب ما بيض، وأحياناً يقول: لعل
هذا تصرف من النساخ، حتى قال بعضهم في بعض المواضع: كذا، وهذا
تعجرف، والمسكين ما يدري أنه أتي من قصوره؛ لا أقول: من
تقصيره، أقول: من قصوره، وإلا التقصير يحصل، لكن التقصير ممن
يبرع في بعض المواضع، أما القصور فمعروف أنه سببه قصور الفهم.
يقول: البعض يجعل شرط الشيخين توفر شروط: أن يكون من رجال
الشيخين، أن يروي كل راوٍ عمن فوقه في الصحيحين، أن يكون من
الأصول، الخلو من الشذوذ؟
(7/22)
يعني إذا كان الحديث في المتابعات
والشواهد، لا من الأصول التي بنا عليها البخاري، أو مسلم
كتابه، هو ما في شك أن الرواة الذين تكلم فيهم جل رواياتهم في
الشواهد، وليست في الأصول، ومع ذلك تخريج البخاري لراوٍ من
الرواة، أو مسلم لراوي من الرواة، ولو كان في المتبعات
والشواهد، مثل ما قالوا في الحديث الذي تكلم فيه، ولو روي بغير
إسناد عند البخاري، ولو صدر بصيغة التمريض أن وجوده في مثل هذا
الكتاب الذي تلقته الأمة بالقبول يشعر بأن له أصلاً يركن إليه،
ويؤنس به، فكيف إذا جزم به، أو ذكر إسناده كاملاً على كل حال
المسألة معروفة عنده أهل العلم، والصحيحان صارا مثاراً، أو
مجالاً للأخذ والرد في العصر الأخير، تبعاً للدين بكاملة، الذي
صار بحيث تلوكه ألسنة السفهاء الذين لا علم لهم، وعندهم شيءٌ
من رقة الدين، وفي أنفسهم أشياء على الدين وأهله، فإذا هدموا
الصحيحين، أو تكلموا في الصحيحين، أو تطاولوا على الشيخين، فمن
دونهما أمره سهل؛ لأن الأمة لا تغار على حديث في غير الصحيحين
مثل ما تغار على ما في الصحيحين، فإذا تطاول هؤلاء السفهاء على
البخاري، أو على مسلم؛ يعني على كتابيهم فسهل أن يتطاولوا على
السنن، أو على المسند، أو غيره، والله المستعان، سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله
نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: قال الإمام الحافظ -رحمه الله تعالى-:
فروع
قول الصحابي: من السنة أو ... نحو: أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصر ... على الصحيح وهو قول الأكثر
وقوله: كنا نرى إن كان مع ... عصر النبي من قبيل ما رفع
وقيل: لا أو لا فلا كذاك له ... وللخطيب قلت: لكن جعله
مرفوعا الحاكم والرازي ... ابن الخطيب وهو القوي
لكن حديث: كان باب المصطفى ... يقرع بالأظفار مما وقفا
حكما لدى الحاكم والخطيب ... والرفع عند الشيخ ذو تصويب
وعد ما فسره الصحابي ... رفعا فمحمول على الأسباب
وقولهم: يرفعه يبلغ به ... رواية ينميه رفع فانتبه
وإن يقل عن تابع فمرسل ... قلت: من السنة عنه نقلوا
تصحيح وقفه وذو احتمال ... نحو: أمرنا منه للغزالي
(7/23)
وما أتى عن صاحب بحيث لا ... يقال رأيا
حكمه الرفع على
ما قال في المحصول نحو: من أتى ... فالحاكم الرفع لهذا أثبتا
وما رواه عن أبي هريرة ... محمد وعنه أهل البصرة
كرر قال بعد فالخطيب ... روى به الرفع وذا عجيب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله
نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
لما أنهى الناظم -رحمه الله تعالى- الكلام على ما صرح برفعه
إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما صرح بوقفه على الصحابي
أردف ذلك بما يحتمل الرفع والوقف، في فروع سبعة، ذكر فيها سبع
مسائل، أو سبعة فروع كلها يختلف في رفعها ووقفها، فهي متردية
في نظر أهل العلم للرفع والوقف، وهذه الأمور تعليلها، وحجة من
يقول بأنها لها حكم الرفع، وحجة من يقول: بأن لها حكم الوقف من
الأمور التي تدرك بالنظر، والتأمل ولذا أدخل في هذا الفصل
المتضمن هذه الفروع أقوال من لا علاقة لهم بعلم الحديث، بل ممن
صرح بعضهم بأن بضاعته في الحديث مزجاة، لكن الإنسان إذا تأمل
مثل هذه الفروع، ورأى أن سبب اختلافهم في الحكم له بالرفع أو
الوقف، رأى أنها تدرك بالنظر؛ لأن العلل التي أوردوها سواء من
قال بالرفع، أو من قال بالوقف كلها علل عقليه، يعني ليس فيها
شيئاً منقولاً عن الأئمة في هذا الباب، ومنها ما هو قريب من
الصريح، ومنها ما هو بعيد جداً عنه، ولذا ينتابها النظر نفياً
وإثباتاً، فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "فروع" عدتها سبعة
تأتي بالتفصيل، أولها:
قول الصحابي: من السنة أو ... نحو: أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصر ... على الصحيح وهو قول الأكثر
"على الصحيح وهو قول الأكثر" أولاً الحاكم، وابن عبد البر
نقلوا الاتفاق على أن قول الصحابي من السنة مسند، مسند، وابن
عبد البر، والحاكم كل منهما يرى أن المسند ايش؟ المرفوع
المرفوع، وإن كانا يختلفان في أن الحاكم يشترط فيه الاتصال،
وابن عبد البر لا يشترط، هذا الاتفاق الذي حكاه الحاكم، وابن
عبد البر، وإن كان مستدركاً، ومنقوضاً برأي من خالف في هذه
المسألة، وكذلك الحاكم قال في قول الصحابي: أمرنا بل نقل فيه
الاتفاق أنه مسند.
(7/24)
"قول الصحابي: في السنة" إذا قال الصحابي:
من السنة، إن كنت تريد السنة، ولم يقول سنة النبي -عليه الصلاة
والسلام- الصحيح من أقوال أهل العلم أنه له حكم الرفع؛ لأن
الصحابي لا يذكر السنة، ويطلق إلا ويريد بذلك سنة النبي -عليه
الصلاة والسلام-، وإن كان الاحتمال قائماً أنه يريد بذلك سنة
الخلفاء الراشدين التي جاء فيها قوله -عليه الصلاة والسلام-:
((عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين))، أو يريد بها سنة من
سلف، أو يريد السنة اللغوية الطريقة، يعني سنة أهل البلد
وطريقتهم، لكن الذي يغلب على الظن أنه لا يريد بذلك إلا سنة
النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن الأدلة على ذلك ما جاء في
حديث ابن عمر من قوله للحجاج: "إن كنت تريد السنة؛ فهجر
بالصلاة" يعني في يوم عرفة، في النهاية، قال سالم: ولا يريدنا
بذلك إلا سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-:
قول الصحابي: من السنة أو ... نحو: أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصر ... على الصحيح وهو قول الأكثر
(7/25)
فالذي يغلب على الظن أن المراد بالسنة سنة
النبي -عليه الصلاة والسلام-، لاسيما إذا قاله الصحابي محتج به
على حكم شرعي، إذ الحجة فيما يثبت عن النبي -صلى الله عليه
وسلم-، فلا يحتج بقول أحد كائن من كان، ولا بسنة بلد، ولا
طريقة بلد، ولا سنة من سلف، والمسألة شرعية، نعم إذا خلت
المسألة من المرفوع؛ فيمكن أن يحتج بسنة أحد الخلفاء الراشدين،
ولا مانع من أن يقال: إن صلاة الترويح من سنة عمر، أو الأذان
الأول يوم الجمعة من سنة عثمان، وهكذا، لكن الذي يغلب على الظن
أن الصحابي إذا ساق أمراً ونسبه إلى السنة محتجاً به؛ فإنه لا
يريد بذلك إلا الاحتجاج بمن يلزم قوله، الذي هو القدوة،
والأسوة، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام- "أو نحو: أمرنا حكمه
الرفع" أمرنا، يعني إذا قال الصحابي أمرنا في عصر النبي -عليه
الصلاة والسلام- الاحتمال غير وارد في كون الآمر غير النبي
-عليه الصلاة والسلام- في عصره، لكن بعد عصره، في عهد أبي بكر،
في عهد عمر، في عهد عثمان، في عهد معاوية، في عهد من تأخر، إذا
قال: أمرنا، والمسألة مفترضة في حكم شرعي، في حكم شرعي، إذا
قاله بعد عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكذالك عند الأكثر،
يكون حكمه الرفع، حكمه الرفع ولو:
بعد النبي قاله بأعصر ... على الصحيح وهو قول الأكثر
(7/26)
لأن الصحابي لا يطلق الأمر والنهي في
المسائل الشرعية إلا لمن له الأمر والنهي، إلا أمر من له الأمر
والنهي، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام- في مثل هذا، بعضهم
يقول: إن الصحابي قد يفهم من أمر في آية، أو حديث فهماً خاصاً
به؛ يجتهد، ويقول: أمرنا، لاندراج ما اجتهد فيه في هذا الأمر
الوارد في الآية، أو الحديث، لكن الجمهور على خلافه، الأكثر
على أنه حكمه الرفع: "أمرنا أن نخرج العواتق، والحيض، وذوات
الخدور" حيث أم عطية، "نهينا عن إتباع الجنائز" هذا قول أم
عطية، وهذا إذا لم يصرح بالآمر، بل جاء بالفعل مبنياً للمجهول،
فإذا قال: أمرنا، أو نهينا، فالجمهور على أن له حكم الرفع،
وخالف في هذا أبو بكر الإسماعيلي، وأبو الحسن الكرخي، فقالا:
يحتمل أن يكون الآمر غير النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا
يثبت له حكم الرفع إلا إذا صرح بالآمر، فإنه يكون مرفوعاً
حينئذٍ؛ لاحتمال أن يكون الآمر غير النبي -عليه الصلاة
والسلام-، ومن خلال تتبع ما جاء من أقوال الصحابة في دواوين
السنة، ما قالوا فيه: أمرنا، أو نهينا، أنه في أكثره صرح
بالآمر في مواضع: "أمرنا أن نُنَزِّل الناس منازلهم" حديث
عائشة، وفي رواية: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن
ننزل الناس منازلهم"، فصرح بالآمر في كثير منها مما يدل على أن
الصحابة لا يطلقون الأمر والنهي في المسائل الشرعية إلا لمن له
الأمر والنهي فيها، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا إذا
لم يصرح بالآمر، أما إذا صرح بالآمر، وقال: "أمرنا رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-"، أو: "نهانا رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-"، فهو مرفوع قطعاً اتفاقاً، مرفوع اتفاقاً، بلا نزاع؛ هل
يحتمل أن يكون الآمر غير النبي -عليه الصلاة والسلام- في قول
الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى لله عليه وسلم-"؟ لا يحتمل، لكن
دلالة مثل هذا اللفظ: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"
هل هي بمثابة افعلوا؟ هل هي بمثابة افعلوا؟ إذا قال الصحابي:
"أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هل إذا قاومها حديث
فيه التصريح بالأمر من لفظه -عليه الصلاة والسلام-؟ منهم من
يقول لا يحتج بقول الصحابي: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه
(7/27)
وسلم-"، ولا بقوله: "نهانا رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-"، وهذا منسوب لداود الظاهري، وبعض المتكلمين،
قالوا: لا نحتج به، ولا يلزمنا أن نأتمر، ولا أن ننتهي؛ لماذا؟
عامة أهل العلى على أنه بمثابة افعلوا في مسألة الأمر، وبمثابة
لا تفعلوا في مسألة النهي، لكن ينسب لداود الظاهري، وبعض
المتكلمين أنه لا يلزم، وليس بحجة؛ لاحتمال أن يسمع الصحابي
كلاماً يظنه أمراً أو نهياً، وهو في الحقيقة ليس بأمر، ولا
نهي، لكن هذا القول ضعيف، هذا القول ضعيف؛ لأن الصحابة الذين
عاشوا مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفهموا عنه، وهم العرب
الذين لم يختلطوا بغيرهم، إذا لم يفهموا مدلولات الألفاظ
الشرعية؛ من يفهمها بعدهم؟! وإذا قلنا بأن الصحابة لا يفهمون
مثل هذه الأمور؛ نحن على شك من ديننا؛ لأنه وصلنا من طريقهم،
وتجوز الرواية بالمعنى، فهم يعبرون عن اللفظ النبوي، وعلى هذا
لا نحتج بأي حديث ينقلونه إلا إذا صرحوا بأن النبي -عليه
الصلاة والسلام- قاله بلفظه، فكل من يجوز الرواية بالمعنى
يقول: إن مثل هذا ملزم، وجاء بهذه الصيغة أحاديث كثيرة، ثابتة
عن الصحابة، إذا قال الصحابي: قال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: أمرت أو نهيت، أمرت قال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم))، و: ((نهيت عن قتل
المصلين)) مثلاً، فهل يشك في أنه مرفوع؟ لا، وهل يشك في أنه
حجة ملزمة؟ هل نقول: إن الرسول بعد ما فهم، ما يمكن يقول هذا
أحد، هو حجة ملزمة، لكن يبقى أنه حديث قدسي، فالآمر والناهي
للرسول -عليه الصلاة والسلام- هو الله -جل وعلا-، هو الله -جل
وعلا-.
الفرع الثاني: "وقوله" يعني الصحابي:
وقوله: كنا نرى إن كان مع ... عصر النبي من قبيل ما رفع
(7/28)
"وقوله كنا نرى" كنا نفعل، وفعلنا "كنا نرى
إن كان مع عصر النبي" -صلى الله عليه وسلم-، إن قال الصحابي:
كنا نفعل في عهد النبي-صلى الله عليه وسلم-، أو: كنا نرى، إن
أضافه إلى العصر النبوي "من قبيل ما رفع"، "وقيل: لا" وهذا
أيضا للإسماعيلي، ولو قال: كنا نرى، أو كنا نفعل على عهد
النبي-صلى الله عليه وسلم-، لا، ليس بمرفوع؛ لماذا؟ كنا نرى،
وكنا نفعل، من يقول بأنه من قبيل ما رفع، وهو المصحح في هذا
المسألة إذا أضافه إلى العصر النبوي، يقول: كونهم يفعلونه في
وقت التنزيل، ولا ينزل القرآن بالنهي عنه؛ يدل على جوازه: "كنا
نعزل، والقرآن ينزل، ولو كان شيئاً ينهى عنه؛ لنهانا عنه
القرآن"، "وقيل: لا" هذا قول الإسماعيلي؛ لاحتمال أن النبي
-عليه الصلاة والسلام- لم يطلع عليه، مرفوع مطلقاً، والثاني
قول الإسماعيلي ليس بمرفوع مطلقاً، ومنهم من يقول: إن كان مما
يخفى، ولا يطلع عليه؛ فهو موقوف، وإن كان مما يظهر، ويطلع عليه
غالباً؛ فهو مرفوع، ومنهم من يرفق بين: "كنا نرى"، "وكنا
نفعل"، "نرى" من الرأي، وهذا يدخل فيه الاجتهاد، و"كنا نفعل"
هذا مما يظهر على الجوارح، وينكر لو كان مما ينهى عنه، وأما
الرأي فمرده إلى الاجتهاد، ومثل هذا التفريق ضعيف؛ لأنه وإن
كان رأي ومرده إلى الاجتهاد، وينطق به، ويسمع كما أن العمل
يرى، منهم من يقول: إذا كان القائل من الصحابة له رأي، وله
اجتهاد، واستنباط؛ فمثل هذا يرجح أنه موقوف، وإلا فمرفوع، هذا
فيما إذا صرح، وأضاف إلى عهد النبي، أو عصر النبي -عليه الصلاة
والسلام-:
وقوله: كنا نرى إن كان مع ... عصر النبي من قبيل ما رفع
وقيل: لا. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
(7/29)
الأول كونه مرفوعاً بإطلاق، والثاني موقوف
بإطلاق، "أو لا" أو لا يقيد بالعصر النبوي: "كنا نرى"، "كنا
نفعل"، ولا يقول في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، "أو لا"
يعني لا يقيد بالعصر النبوي "فلا" يكون مرفوعا حينئذ "كذاك له"
أي لابن الصلاح، ابن الصلاح يرى أنه إذا لم يصرح بالعصر
النبوي، بعصر النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ فإنه لا يكون
مرفوعاً "كذاك له وللخطيب" له أي لابن الصلاح، وللخطيب
البغدادي، ونسب النووي الحكم بوقفه إلى الجمهور، يعني إذا لم
يضفه إلى العصر النبوي، إذا لم يضفه إلى العصر النبوي، فعرفنا
أنه إذا أضافه إلى العصر النبوي؛ فهو مرفوع "وقيل" يعني على
سبيل التضعيف، ليس بمرفوع؛ لاحتمال أن النبي -عليه الصلاة
والسلام- لم يطلع عليه، ولم يقره، أما إذا لم يقيده بالعصر
النبوي، فلا يكون مرفوعاً عند ابن الصلاح، وقبله الخطيب، ونسب
النووي -رحمه الله- الحكم بوقفه إلى الجمهور.
. . . . . . . . . ... وللخطيب قلت لكن جعله
(7/30)
"مرفوعاً" جعله مرفوعاً، وإن لم يضفه للعصر
النبوي "لكن جعله مرفوعاً" وإن لم يضفه إلى العصر النبوي
"الحاكم والرازي" يعني "كنا نفعل"، "كنا نقول"، "كنا نرى"،
"كنا نفضل" كقول ابن عمر، كل هذا من قبيل المرفوع عند "الحاكم
والرازي ابن الخطيب" لماذا ما قال الرازي فقط؟ احتمال أن يكون
أبا حاتم الرازي مثلاً؛ لكنه حدد، قال: "والرازي ابن الخطيب"
ابن الخطيب معروف محمد بن عمر الرازي، صاحب التفسير المشهور،
التفسير بالرأي، ومعروف منهجه، ومذهبه، ومخالفاته لأهل السنة
كبيرة، وكتابه عن التفسير من أخطر ما يوجد من الكتب على
العقائد؛ لأن فيه من الشبه القوية التي يضعف عن درها، فضلاً عن
الشبهة التي يتبناها، فالكتاب كتاب تنظير للبدعة، ومع ذلك ينقل
كلامه في المحصول، وغيره؛ لأن مثل هذه الأمور تخضع لشيء من
التأمل، يعني حينما يقول الإسماعيلي: ليس بمرفوع، ويقول غيره:
مرفوع؛ هل يقول الإسماعيلي: ليس بمرفوع؛ لأن الإمام أحمد قال:
ليس بمرفوع، أو قال: لأن يحيى بن معين قال: ليس بمرفوع؟ لا ما
يذكرون أقوال الأئمة، نعم إنما يذكرونها استناداً على علل
يستنبطونها هم، فمثل هذه الأمور خاضعة للنظر والتأمل، ولذلك
يذكرون أمثال الرازي ابن الخطيب، وأيضاً على ما سيأتي الغزالي،
ويذكرون رأي إمام الحرمين، والآمدي، وغيرهم ممن عندهم مخالفات؛
بل عندهم طوام في العقائد "قلت لكن جعله
مرفوعاً الحاكم والرازي ... ابن الخطيب. . . . . . . . .
ليميز الرازي الذي يريده، محمد بن عمر صحاب التفسير، المعروف
بابن الخطيب، المتوفى سنة ست وستمائة "وهو القوي" يعني من حيث
المعنى، هذا ترجيح من قبل الناظم -رحمه الله تعالى- تبعاً
للنووي في شرح المذهب "وهو القوي" لأننا لو تأملنا قول
الصحابي: "كنا نفعل"، "كنا نفعله" يعني: "كنا إذا صعدنا
كبارنا، وإذا هبطانا سبحانا" مثل هذا يقوله الصحابي من تلقاء
نفسه، نعم ولم يصرح بأنهم في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-،
وهو مخرج في البخاري، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(7/31)
كيف؟ لا، تستصحب الراجح معك، أنت تستصحب
الراجح، إن كنت ترجح أنه مرفوع؛ فهذا هو الأصل، إلا إذا وقفت
على نص يخالف هذا الأصل، وإن كنت تستصحب أنه موقوف، وهذا
الراجح عندك؛ فإن وقفت عليه مصرحاً برفعه أخذت به، وإلا فلا.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، ما في شك، في فرق بين أن يُحمل الآمر على أنه النبي -عليه
الصلاة والسلام-: "أُمرنا"، "كنا نُأْمر" يرجح أنه النبي -عليه
الصلاة والسلام- في المسائل الشرعية، وبين أن يكون: "أُمرنا"
بنص، لكن هذا النص يحتمل أنه جاء خاصاً في هذه المسألة، خاصاً
بهذه المسألة، وبين نص عام تندرج فيه هذه المسألة، تندرج فيه
هذه المسألة، فيكون من استنباط الصحابي، واجتهاد منه، أن هذه
المسألة فرع، أو فرد من أفراد العموم الذي يدل على هذا الحكم،
يعني أمر في القرآن؛ أمر عام، والصحابي يقول: "أُمرنا" بمسألة
بعينها، يقول" "أُمرنا" بمسألة بعينها، فالاحتمال قائم أن
الصحابي عنده نص صريح يدل على الأمر في هذه المسألة بعينها،
واحتمال أن يكون الصحابي يرى أن هذه المسألة تندرج في أمر ثابت
في القرآن، أو في السنة، فيكون هذا من اجتهاده، وفرق بين أن
ينص على المسألة بعينها بالأمر، أو بالنهي، وبين أن تكون
مندرجة تحت أمر عام، عندنا في المناسك من هذا النوع مثال بس
غاب عن ذهني الآن، يقول فيه ابن عباس: أَمرنا، أمرنا، نعم
أمرنا رسول .. ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ نص في الموضوع؛ لأنه معارض بأمر آخر يذكره ابن عمر،
وترددنا في وقته؛ هل ابن عباس يحفظ فيه أمراً خاصاً من النبي
-عليه الصلاة والسلام- في هذا المسألة، أو أنه يستنبطه من
الأمر العام؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(7/32)
لا، قال: من ترك نسكاً يرق دماً؟ لا، هو
يصرح بأنه مأمور من قبل النبي -عليه الصلاة والسلام-، المقصود
أن هذا الفرع الذي هو الثاني يتحصل فيه مذاهب أنه مرفوع
مطلقاً، أضافه إلى العصر النبوي، أو لم يضفه، موقوف مطلقاً،
التفصيل؛ فإن أضافه فمرفوع وإلا فموقوف، إن كان مما لا يخفى
فمرفوع، وإلا فلا، إن أورده في معرض الاحتجاج فمرفوع، وإلا
فموقوف، والقول السادس: إن كان قائله من أهل الاجتهاد فموقوف
وإلا فمرفوع، والسابع: التفريق بين "كنا نرى"، و"كنا نفعل" هذه
مرت بنا نعم.
لكن حديث: كان باب المصطفى ... يقرع بالأظفار مما وقفا
حكما لدى الحاكم والخطيب ... والرفع عند الشيخ ذو تصويب
"كان باب المصطفى يقرع بالأظفار" يعني إذا جاء الصحابة
يستأذنون على النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأظفار، وهذا من
تأدبهم مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإجلالهم له، وهكذا
ينبغي أنه إذا كان الاستئذان يتأدى بالأقل ما يلجأ إلى الأشد،
وبعض الناس من طبعه أنه سواءٌ كان صاحب البيت عند الباب، أو في
قعر الدار؛ ما يختلف، وإذا أراد أن يستأذن بالجرس؛ كأنه وراءه
سبع يريد أن يتخلص منه، بعض الناس يفعل هذا، لكن هذا ليس من
الأدب، الصحابة كانوا يقرعون بابه -عليه الصلاة والسلام-
بالأظفار هكذا، كونهم، هذا الخبر الذي يخبر بأنهم كانوا يقرعون
بابه بالأظفار؛ هل مرفوع، وإلا موقوف، يقرعونه عليه -عليه
الصلاة والسلام-، أو من بعده؟ نعم يقرعونه عليه، يقرعون بابه،
وهو موجود؛ تأدباً معه -عليه الصلاة والسلام-، فالرسول -عليه
الصلاة والسلام- طرف، كما قلنا في أسباب النزول، وكما سيأتي
–أيضاً-، الرسول -عليه الصلاة والسلام- طرف؛ هل يقال: إن هذا
مما يخفى عليه -عليه الصلاة والسلام-، هو من فعل الصحابة، لكن
يكتسب الشرعية من إقراره -عليه الصلاة والسلام-، ما قال لهم
زيدوا في الضرب، ولا لا تضربوا مثل هذا الضرب، فاكتسب الشرعية
من إقراره -عليه الصلاة والسلام-:
لكن حديث: كان باب المصطفى ... يقرع بالأظفار مما وقفا
(7/33)
|