شرح ألفية العراقي عبد الكريم الخضير شرح ألفية الحافظ
العراقي (8)
حكم قول الصحابي وقول التابعي من السنة أو أمرنا - المرسل
الشيخ/عبد الكريم الخضير
لكن حديثُ كان بابُ المصطفى ... يُقْرعُ بالأظفارِ مما وُقِفَا
حكماً. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
أي حكمه الوقف "لدى الحاكم" عند الحاكم "والخطيب" في جامعه
"والرفع" في هذا الحديث "عند الشيخ" ابن الصلاح "ذو تصويب"؛
لأنه إذا أمكن أن يقال في قول الصحابي كنا نفعل عدم اطلاع
النبي -عليه الصلاة والسلام- فمثل هذا لا يمكن أن يقال مثل هذا
الكلام، يقرعون بابه ولم يطلع، لو قالوا: كنا نقرع أبوابنا
لدخلت في المسألة التي قبلها، لكن كانوا يقرعون بابه بالأظافير
-عليه الصلاة والسلام-، فالشيخ ابن الصلاح الرفع عنده هو
الصواب؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- طرف في الموضوع، وقد
اطلع على صنيعهم هذا ولم ينكر عليهم ولم يثرب عليهم، من
المسائل يذكر الأثر يقول: الذي تريد هو أن أنهم لما سألوا ابن
عباس لماذا صلينا خلف المقيم نتم وإذا صلينا وحدنا قصرنا؟ قال
هكذا أمرنا، المسألة في المناسك، المسألة في المناسك وتأتي إن
شاء الله.
الفرع الثالث: نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما هو بالموطأ بمسلم، صحيح مسلم في درس مسلم.
الفرع الثالث يقول:
وَعَدُّ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابي ... رفعاً. . . . . . . . .
يعني مرفوعاً "فَمَحْمُوْلٌ عَلَى الأسْبَابِ" رفعاً مصدر
ويطلق المصدر ويراد به اسم المفعول كالحمل يراد به المحمول،
والرفع يراد به المرفوع،
وَعَدُّ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابي ... رفعاً فَمَحْمُوْلٌ
عَلَى الأسْبَابِ
(8/1)
المسألة جاءت من قبل الحاكم أبي عبد الله؛
حيث قرر في مستدركه أن تفسير الصحابي مرفوع، ونسبه للشيخين،
للبخاري ومسلم، قال مذهب الشيخين أنهم يحملون تفسير الصحابي
على أنه مرفوع، والسبب في ذلك ما عرفه الصحابة وسمعوه وسمعوه
من النبي -عليه الصلاة والسلام- من التشديد في شأن تفسير
القرآن بالرأي، وإذا ورد عنهم تفسير للقرآن مع هذا التشديد ومع
ورعهم وتحريهم وخشيتهم لا يظن بهم أنهم فسروه بالرأي، فالمظنون
بهم أنهم تلقوه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيثبت له حكم
الرفع، هذا كلام الحاكم ونسبه للشيخين، لكن ابن الصلاح يوجه
كلام الحاكم بأن مراده بذلك أسباب النزول أسباب النزول، فإذا
قال الصحابي هذه الآية نزلت في كذا فله حكم الرفع، له حكم
الرفع؛ لأن النزول لا بد أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام-
طرفاً فيه؛ لأن النزول عليه، والتنزيل -عليه عليه الصلاة
والسلام- لا بد أن يكون طرفاً فيه فيكتسب الرفع من هذا الحيثية
ومن هذه الجهة، "وعد ما فسره الصحابي رفعاً فمحمول على
الأسباب" يعني على أسباب النزول؛ مع أن في أسباب النزول مما
يروى عن أكثر صحابي ويدل على الاختلاف اختلاف المنقول من صحابي
إلى آخر، فالصحابي يرى أن الآية نزلت في كذا؛ لأن الحادثة التي
اطلع عليها تعقبها نزول الآية فجعلها سبباً فجعلها سبباً،
فيكون هذا اجتهاد من الصحابي أو ليس باجتهاد؟ نعم، اجتهاد أو
يسمع القصة يسمع الحديث مثلاً ويتلو النبي -عليه الصلاة
والسلام- مع هذا الحديث آية، فيظن أن قصة الحديث هي سبب نزول
الآية وهذا كثير، فعلى هذا حتى أسباب النزول يعني لو لم ترفع
إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- على كلامهم، ولو لم ترفع إلى
النبي -عليه الصلاة والسلام- أن لها حكم الرفع. لا شك أن
النزول عليه -عليه الصلاة والسلام- لكن كون هذا السبب هو
الباعث على نزول الآية يحتاج إلى ثبوت بدليل أن قد يذكر
الصحابة أكثر من سبب ولا يمتنع أن يتعدد السبب والنازل واحد،
لكن الإكثار من هذا، ومن نظر في كتب التفسير بالأثر أو كتب
أسباب النزول مع أن كثيراً منها يروى بأسانيد لا تسلم من مقال،
لكن ما صح منها يتفاوت أو تتباين فيه أقوال الصحابة وما أضيف
إليهم، طيب ما
(8/2)
الفائدة أن نبحث في سبب النزول هل هو مرفوع
أو موقوف؟ السبب لأن معرفة السبب مثلما قلنا في درس علوم
القرآن، نعم له اثر في معرفة المسبب، وإذا عرف السبب بطل
العجب، فإذا اعتمدنا على شيء ليس هو السبب في الحقيقة، إذا
عرفنا شيئاً ليس هو السبب في الحقيقة فيكون فهمنا على غير
أساس.
من ذلك أيضاً قولهم دخول السبب في العموم قطعي وهو فرد من
أفراد العام دخوله قطعي في المسبب، المقصود أن هناك فوائد
وأسباب النزول ينبغي أن يتثبت فيها، ولا شك أن لمعرفتها فوائد
كثيرة، وإطلاق أن كل سبب يذكره الصحابي يعني يجتهد يرى أن هذه
الحادثة مناسبة لهذه الآية فمثلاً {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ
يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ}
[(82) سورة الأنعام] الصحابة استشكلوا، استشكلوا وأينا لم يظلم
نفسه، قال: فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ
عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان]، وفي حديث آخر في الصحيح: ((ألم
تسمعوا إلى قول العبد الصالح {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ
عَظِيمٌ}))، فكون الصحابي يقول فأنزل، والنبي -عليه الصلاة
والسلام- ذكر فرداً من أفراد العام، وأحال إلى ما في سورة
لقمان الصحابي ظنه هو سبب النزول وإن كان دخول الشرك في الآية،
آية الأنعام دخوله قطعي، لكن لا ينفي أنواع الظلم مما دون
الشرك، لا ينفي ما دون الشرك من أنواع الظلم، ابن القيم وغيره
قالوا: إن الذي ينافي الأمن المطلق هو الشرك الأكبر وما دونه
فبنصيبه والحصة بالحصة، يعني أن الظلم ولو كان يسيراً يكون له
بقدره من الخوف، وأما الأمن المطلق فمقرون بالتوحيد
{وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا
يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة
النور]، فالأمن المطلق مع التوحيد الخالص مع انتفاء الشرك
ويأتي خوف بقدر ما عند الإنسان من ظلم لنفسه ولغيره، والفرع
الرابع
وَقَوْلُهُمْ يَرْفَعُهُ يَبْلُغُ بِهْ ... روَايَةً
يَنْمِيْهِ رَفْعٌ فَانْتَبِهْ
(8/3)
إذا قال التابعي بعد ذكر الصحابي عن أبي
هريرة يرفعه، عن أبي هريرة يبلغ به ينميه رواية، وفي الصحيح في
البخاري أمثلة على هذا، فإذا قال التابعي بعد ذكر الصحابي
يرفعه عن أبي هريرة يرفعه، يرفعه لمن؟ إلى من؟ إلى النبي -عليه
الصلاة والسلام- بلا إشكال ينميه إلى من؟ إلي النبي -عليه
الصلاة والسلام-، يبلغ به من؟ لا بد وأن يبلغ به النبي -عليه
الصلاة والسلام-، "وقولهم يرفعه يبلغ به رواية ينميه رفعٌ
فانتبه" هذا مرفوع بلا خلاف، مرفوع بلا خلاف، "فانتبه" لهذه
الألفاظ "وَإنْ يَقُلْ (عَنْ تَابعٍ) فَمُرْسَلٌ" عن سعيد ابن
المسيب يرفعه عن الحسن يبلغ به، عن ابن سيرين رواية، أو ينميه،
هل نقول إنه مرفوع، مرفوع مرسل أو نقول موقوف متصل؟ بمعنى أنه
إذا قال التابعي بعد التابعي يرفعه هل يرفعه إلى النبي -عليه
الصلاة والسلام- وهو لم يدرك النبي -عليه الصلاة والسلام-
فنقول مرفوع مرسل، أو يرفعه لمن فوقه، والمراد بذلك الصحابي
فيكون موقوف متصل، والتردد في هذا وارد، "وإن يقل عن تابع
فمرسلٌ" وقال ابن القيم: جزماً، يعني مرفوع مرسل جزماً، وبعضهم
نفى الخلاف في هذا، لكن الاحتمال أنه يحتمل أنه يرفعه إلى من
فوقه؛ لأن منزلة الصحابي بالنسبة للتابعي مرتفعة ورفيعة، فيصدق
أنه يقال رفعه يعني إلى من فوقه، وإن كان ما يضاف إلى الصحابي
موقوف فالعبارة وتخصيص هذه العبارة يرفعه لا شك أن لها نصيب من
الرفع، الذي هو في الأصل إلي النبي -عليه الصلاة والسلام-،
ولذا قال ابن القيم: جزماً، وقال بعضهم: بلا خلاف، كما لو قيلت
بعد الصحابي، لكنه مرسل، يقول: "إن يقل عن تابع فمرسلُ * قلت
من السنة عنه نقلوا
وَإنْ يَقُلْ (عَنْ تَابعٍ) فَمُرْسَلٌ ... قُلْتُ: مِنَ
السُّنَّةِ عَنْهُ نَقَلُوْا
تَصْحِيْحَ وَقْفِهِ وَذُو احْتِمَالِ ... نَحْوُ (أُمِرْنَا)
مِنْهُ (للغَزَالي)
(8/4)
يعني إذا قال التابعي: من السنة، إذا قال
التابعي: من السنة، "نقلوا تصحيح وقفه" على الصحابي فهو متصل
موقوف، يعني سنة الصحابي؛ لأنه ما أدرك النبي -عليه الصلاة
والسلام- ليرى سنته، والغالب أن السنة إنما تطلق على الطريقة
على الطريقة هذه حجة من قال: إنه متصل لكنه موقوف، فيريد بذلك
سنة الصحابة، سنة من أدركه من الصحابة، سنة من سلف، ومنهم من
قال: إنه مرفوع مرسل كسابقه، يعني موقوف متصل أو مرفوع مرسل
احتمالان وقال: "تصحيح وقفه وذو احتمال * نحو أمرنا منه
للغزالي" ولم يرجح أحد الاحتمالين.
"وذو احتمال" للإرسال والوقف، "نحو أمرنا منه" أي من التابعي
"للغزالي"، وأبدى هذين الاحتمالين ولم يرجح أحدهما على الآخر،
يعني احتمال للإرسال والوقف نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، استنباط، استنباط من السنة، استنباط من السنة ((إذا دخل
أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ... )) استنباط من هذا، وإن
كانت السنة الصحيحة مخالفة لهذا الاستنباط، فرقوا بين سعيد
وغيره، يعني مثلما قبلوا مراسيل سعيد لا سميا الشافعية الذين
نص إمامهم على أن إرسال ابن المسيب حسن عنده، فرقوا بينه وبين
غيره، فقالوا: إذا قال مثل سعيد من السنة، أو قال: أمرنا لا
يظن به إلا أنه يريد بذلك سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-
بخلاف غيره، نعم ..
طالب:. . . . . . . . .
سنة بلدهم، السنة عندهم، يعني في بلدهم الذي هو المدينة وهو
يحتفي بعمل أهل المدينة وهو أصل عنده.
الفرع السادس
وما أتى عن صاحب بحيث لا ... يقال رأياً حكمه الرفع على
ما قال في المحصول نحو من أتى ... فالحاكم الرفع لهذا أثبتا
"وما أتى عن صاحب" يعني عن صحابي "بحيث لا يقال رأياً حكمه
الرفع على". لما أخر ما أتى عن الصحابي عما أتى وما نقل عن
التابعي؟ وكذلك الذي بعده، وما رواه عن أبي هريرة، يعني أخر
الفرع السادس والسابع عن الفرع الخامس، وإن كان مضافاً إلى
التابعين، والأصل أن يقدم ما أضيف إلى الصحابة، أخر السادس
والسابع لكونهما من الزيادات من زيادات الناظم على ما عند ابن
الصلاح.
وما أتى عن صاحب بحيث لا ... يقال رأياً حكمه الرفع على
(8/5)
يعني مثل قول عائشة: "فرضت الصلاة ركعتين"
فرضت الصلاة ركعتين، هل يمكن أن تقوله عائشة استنباط؟ نعم، هذا
لا يمكن أن يدرك بالرأي، لكن ألا يمكن أن يقال إنها فهمت من
الآية: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ
الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] "، مثل ما فهمت
من قوله -جل وعلا-: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ
فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(158) سورة
البقرة] فهي ترى وجوب السعي من هذه الآية، ألا يقال إنها
استنبطت فرضية القصر من هذه الآية؟ نعم من أين أخذنا أن الأصل
في الصلاة ركعتين إلا من هذه الحديث، من قولها: "فرضت الصلاة
ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في الحضر"، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
والسعي، الآن هل السياق سياق آية القصر مطابق لسياق آية السعي؟
نعم كيف؟ بغض النظر عن السبب، {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ} لا لا،
هذه حجتها هي، لما ردت على عروة {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن
يَطَّوَّفَ} نعم؟ أنتم الآن فهمتم قصدي وإلا ما فهمتوه، هم
يقولون: ما يمكن تقول عائشة: "فرضت الصلاة ركعتين" من اجتهادها
وإحنا نقول: ردت على عروة الذي يرى أن السعي غير واجب
استدلالاً بالآية، استدلت بالآية على أن السعي واجب، {فَلاَ
جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ}، والآية في القصر نفس الشيء
يعني الآية ما فيها دلالة على وجوب القصر، أنت تعرف أن الحنفية
رأيهم عكس ما تقول في السعي والقصر، فالمسألة تحتاج إلى نظر
دقيق تحتاج إلى نظر دقيق، هم حينما مثلوا بقول عائشة: فرضت
الصلاة ركعتين قالوا: ما يمكن عائشة أن تثبت حكم شرعي يدل على
فرضية من تلقاء نفسها، ألا يمكن أن تستنبط فرضية القصر من
الآية كما استنبطت فرضية السعي من الآية والسياق واحد؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني رفع الجناح الذي هو التأثم.
إيه لا.
التأثم الحاصل من الصحابة أنهم كانوا يهلون للصنمين فوقع في
أنفسهم أن السعي مشابه لصنيعهم في الجاهلية فتأثموا من السعي
فجاءت الآية لرفع هذا الإثم.
. . . . . . . . . الصلاة .... تاريخي لا يمكن أن يكون. . . .
. . . . .
(8/6)
الآن الإيراد الذي أوردته ظاهر، مفهوم وإلا
ما هو بمفهوم، إحنا ما عندنا شك أن مثل عائشة في دينها وعلمها
وورعها ما يمكن أن تنسب فرضت من الذي يفرض؟ الله -جل وعلا-
الله -جل وعلا-، لا يمكن أن تنسب إليه بهذا اللفظ ما لم تسمعه
من الواسطة وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن من باب
التنظير، من باب التنظير، ومن باب فهم أس المسألة وأصلها نقول
مثل هذا الكلام، وإلا نقدر نمشيه، إحنا ما عندنا أدنى إشكال
كون فرضت الصلاة الذي يفرض هو الله -جل وعلا-، لكن لما يقرن نص
بنص تظهر المسألة، وتتضح المسائل، يعني حينما يوجب الحنفية
القصر من هذا الحديث: "فرضت"، طيب يا حنفية أنتم تقولون هل
القصر فرض وإلا واجب؟ أنتم تستدلون بهذا الحديث فرض وإلا واجب؟
يقولون: لا لا ما هي بفرض، ما هو بفرض القصر واجب، الجمهور
يقولون: "فرضت" يعني قدرت، والحنفية يقولون: فرضت أوجبت، لكن
يعدلون عن اللفظ المأثور إخضاعاً للأحكام لمصطلحاتهم
لمصطلحاتهم، وأيضاً مثل هذا حينما يقول الصحابي: "فرض رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر" فرض رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- زكاة الفطر، هل نشك في كونه الذي فرضها النبي
-عليه الصلاة والسلام- وليس استنباط من الصحابي؛ لأنه أضاف
الفرض إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أما قول عائشة فرضت
الذي نجزم به أنها تلقته عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وإن
كان الاحتمال الثاني لا ينفى من كل وجه.
"من خرج بعد الآذان فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-"
"من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-"،
يعني هل نقول أن الصحابي عنده نص في هذه المسألة بعينها؟ أو
نقول استنباط؟ الذي يظهر أن هذه المسائل الدقيقة التي ينص
عليها بعينها أنها متلقاة من مشكاة النبوة، ولو أغرقنا في بحث
مثل هذه الدقائق الظاهر ما تنتهي،
وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ بحَيْثُ لا ... يُقَالُ رَأياً
حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى
مَا قَالَ في المَحْصُوْلِ. . . . . . . . . ... . . . . . . .
. .
(8/7)
يعني كوننا نبحث على هذه الدقائق يدل على
أن لصاحب المحصول أيضاً أن يبحث نعم، وإلا مثل هذه المسائل
التي تدرك بالنظر ما يبحثها الإمام أحمد، ولا يبحثها ابن معين،
لكنها موجودة، لا بد من معالجتها. "حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى
مَا قَالَ في المَحْصُوْلِ نَحْوُ مَنْ أتَى" يعني ساحراً أو
عرافاً فقد كفر بما أنزل على محمد قاله ابن مسعود، لكن هل يمكن
أن يقول ابن مسعود فقد كفر باجتهاده؟ وإلا احتمال أنه رجع إلى
آية: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ} [(102) سورة
البقرة] نعم {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} لكن
مجرد الإتيان مجرد الإتيان هل يستنبط كفر من أتى مما جاء في
الآية؟ ما يمكن.
ما قال في المحصول نحو من أتى ... فالحاكم الرفع لهذا أثبتا
ابن حزم شن حملة كبيرة على هذا الكلام وقال: العبرة بصريح
الرفع، يعني بصريح النسبة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من
قال كلاماً لم يضفه إلى غيره فهو له، وفي مواضع من المحلى يرد
على أهل العلم بمثل هذا، وما دام قال ابن مسعود من أتى هذا
كلام ابن مسعود، طيب يا ابن حزم هل يمكن أن ابن مسعود يحكم
بكفر مسلم لمجرد هذا العمل إلا وعنده فيه توقيف من النبي -عليه
الصلاة والسلام-، هذا المظنون بالصحابي مع أنه جاء مصرحاً به،
مصرح برفعه، مصرح برفعه، وأنا أقول إن مثل هذه الأمور الدقائق
الذي يختلف فيها ينظر في طرق الحديث، ينظر في طرق الحديث،
"فالحاكم الرفع لهذا أثبتا"، أثبت له حكم الرفع، والفرع السابع
يقول الناظم -رحمه الله- تعالى:
وَمَا رَوَاهُ عَنْ (أبِي هُرَيْرَةِ) ... (مُحَمَّدٌ)
وَعَنْهُ أهْلُ البَصْرَةِ
(8/8)
"ما رواه عن أبي هريرة محمد وعنه أهل
البصرة" محمد ابن سيرين يروي عن أبي هريرة قال: قال في البخاري
عن حماد عن أيوب عن محمد يعني ابن سرين عن أبي هريرة قال: قال:
"أسلموا غفار وشيء من مزينة" هذا في الصحيح، وليس فيه صريح
النسبة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، إنما فيه تكرير قال،
وقال الأولى يعني هل نقول أن هذا تأكيد لفظي؟ وما الداعي لمثل
هذا التأكيد اللفظي؟ هذا تأكيد لفظي؟ ولماذا يكرر هذه اللفظة
في هذا الموضع في هذا الحديث قال: قال؟ هل يتصور أن أحد يبي
يشك التأكيد اللفظي متى تدعوا الحاجة إليه؟ إذا كان السامع
بصدد أن يشك فيه، نعم، لكن لفظة قال، معروف عن أبي هريرة قال،
يكفي وقال هذه تحتاج إلى فاعل، والفاعل ضمير مستتر يعود إلى
أبي هريرة. الثانية قال: تحتاج إلى فاعل والفاعل ضمير مستتر
يعود إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
وَمَا رَوَاهُ عَنْ (أبِي هُرَيْرَةِ) ... (مُحَمَّدٌ)
وَعَنْهُ أهْلُ البَصْرَةِ
أيوب ابن أبي تميم السختياني بصري، قال: قال، وهو عند مسلم
مصرح فيه بالرفع، وعنه أهل البصرة
كَرَّرَ (قَالَ) بَعْدُ، (فَالخَطِيْبُ ... رَوَى بِهِ
الرَّفْعَ وَذَا عَجِيْبُ
"رَوَى بِهِ الرَّفْعَ وَذَا عَجِيْبُ" روى عن موسى ابن هارون
الحمال أنه مرفوع، "وذا" أي تخصيص الحكم بالرفع فيما يأتي عن
ابن سيرين بتكرير قال؛ لأن ابن سيرين صرح بأن كل ما يرويه عن
أبي هريرة فهو مرفوع فلا يخص ما كرر فيه الصيغة دون ما أفرد
الصيغة فيه، يعني لو افترضنا أنه قال مرة واحدة عن أبي هريرة
قال: "أسلموا غفار" وقد نقل عنه وثبت عنه أنه قال: "كل ما
أرويه عن أبي هريرة فهو مرفوع" ولذا قال:
كَرَّرَ (قَالَ) بَعْدُ، (فَالخَطِيْبُ ... رَوَى بِهِ
الرَّفْعَ وَذَا عَجِيْبُ
(8/9)
يعني التخصيص، تخصيص الحكم في هذا التكرار
لكن التخصيص أليس له وجه من حيث اللفظ؟ يعني لو لم يرد قول ابن
سيرين أن كل ما حدث عن أبي هريرة فهو مرفوع، يكون التخصيص له
وجه وإلا ما له وجه؟، يكون له وجه؛ لأن قال الثانية تحتاج إلى
فاعل، وإذا كان الفاعل قال الأولى أبو هريرة فلا بد أن يكون
قال الثانية لها فاعل وهو غير أبي هريرة، وهو من يروي عنه أبو
هريرة، وهو -النبي عليه الصلاة والسلام-، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
عن أبي هريرة حاجة وعنه أهل البصرة؟
وَمَا رَوَاهُ عَنْ (أبِي هُرَيْرَةِ) ... (مُحَمَّدٌ)
وَعَنْهُ أهْلُ البَصْرَةِ
أما الشراح فكلهم يقول بكسر التاء للضرورة، يقولون هذا، ولو
عندنا سبورة قطعنا البيت، أما شفوي أنا ما أقطع.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين؛؛
السلام عليكم ورحمة وبركاته
يقول: بعض الأشجار تسقى بماء المجاري، أو تسمد بسماد نجس، فهل
يجوز أكل ثمرها أم هي في معنى الجلالة، وهل قياسها على الجلالة
قياس صحيح، أم هو قياس مع الفارق؟
أهل العلم يمنعون البول تحت شجرة لها ثمرة، تحت شجرة لها ثمرة،
فلا ينبغي أن تسقى أو تسمد بنجاسات، لكن إذا حصل فالذي يظهر أن
هناك فرقاً بين الجلالة وبين هذه الثمرة، فرق بين الجلالة وبين
هذه الثمرة؛ لأن الجلالة تلتقط النجاسة مباشرة، وهذه الثمرة ما
تسمد به أو تسقى به لا ينتقل إلى الثمرة مباشرة، وإنما ينتقل
إلى غصون وجذوع الشجر، أولاً في العروق، ثم في جذوع الشجر، وقد
يكون طويلاً ثم في الغصون، ثم بعد ذلك يصل إلى الثمرة بعد
مراحل، ويكون بذلك قد طاب، ولا يكون في الثمرة مباشرة كما تأكل
الجلالة النجاسة مباشرة، ففرق بين هذا وهذا، والأمر في سقي
الشجرة أسهل من كون الداجنة تأكل النجاسات؛ لأنها تبني عليها
جسدها، أما بالنسبة للشجرة، بالنسبة للثمرة فإن هذا الماء وهذا
السماد يمر بقنوات متعددة من العروق إلى الجذوع إلى الأغصان ثم
بعد ذلك يصل إلى هذه الثمرة.
ما الفرق بين تزكية المرء لنفسه، وحسن ظن المرء بالله -جل
وعلا-؟
(8/10)
الفرق بينهما واضح وجلي، فالذي يزكي نفسه
بمعنى أنه يمدحها، ويثني عليها، وينفي عنها المعايب، ويثبت لها
المحاسن، أما من يحسن الظن بالله -جل وعلا- فإنه يعترف بنقصان
نفسه، وبارتكابه ما يرتكب من معاصي وبتقصيره في الواجبات، فهو
منكسر بين يدي ربه، ومع ذلك علمه بسعة رحمة الله -جل وعلا-
يجعله يحسن الظن به، مع خوفه من ذنوبه وتقصيره فيما أوجب الله
عليه.
يقول: كيف يحصل طالب العلم في مصر على كتب الأصول القديمة
المضبوطة؟
إن كان يقصد بذلك الطبعات القديمة فمصدرها مصر، إن كان يقصد
الطبعات القديمة فمصدرها مصر في الغالب، وطبع أكثرها في مصر،
وطبعت في تركيا، وطبعت في الشام، طبعت في المغرب، طبعت في
الهند وهذا كثير جداً، لكن أكثر الكتب القديمة إنما تم طبعها
في مصر، وأكثر المطابع في مصر، وللكتب هذه سماسرة معرفون عند
الكتبيين لو اتصل بهم لدلوه على أماكن هذه الكتب، وهذه الكتب
إنما ترد إلينا وإلى غيرنا من مصر، هذا إذا كان يقصد الطبعات
القديمة، إذا كان يقصد كتب الأصول الذي هو علم الأصول القديمة
فهي موجودة في كل بلد ولا ينظر إلى نوعية الطبعات فما زالت
المطابع تطبع من الكتب القديمة.
هذا يقول: نريد معرفة أفضل الطبعات والتحقيقات في الكتب
التالية: (المنهاج ـ شرح صحيح مسلم ابن حجاج)؟
(8/11)
الطبعة المصرية الواقعة في ثمانية عشر
جزءاً الذي طبعت منذ أكثر من ما يقرب من ثمانين سنة، ألف
وثلاثمائة وسبعة وأربعين، أو ثمانية وأربعين في ثمانية عشر
جزءاً، طبعة طيبة فاخرة وجميلة، وما صور عنها يأخذ حكمها،
والذي لديه جلد في قراءة الكتب المطبوعة على الحواشي، فما طبع
على إرشاد الساري الطبعة الخامسة من شرح النووي طيبة جداً، فتح
الباري أفضل الطبعات رددناه مراراً وقلنا طبعة بولاق أفضل
الطبعات، فإن لم توجد فالطبعة السلفية الأولى إذا صححت
أخطاؤها؛ لأن فيها جداول في آخر كل مجلد للخطأ والصواب، كتب
السنن الأربعة أما سنن أبي داود فالطبعة الأخيرة طبعة محمد
عوامة، يعني من حيث ضبط النص جيدة ووقف على نسخ منها نسخة
الحافظ ابن حجر، وقابل مقابلة طيبة على أن فيه بعض التعليقات
شيء لا يسلم من شوب البدعة، وأما جامع الترمذي فطبعاته أجودها
طبعة الشيخ أحمد شاكر في المجلد الأول والثاني وبقية الكتاب
يأخذ من طبعة الشيخ الدكتور: بشار عواد معروف، وسنن النسائي
الكبرى طبعة شعيب الأرناؤوط طيبة متقنة، وأما بالنسبة للمجتبى
فالطبعة المصرية الواقعة في ثمانية مجلدات مع حاشية السندي
والسيوطي، ابن ماجة ذكرنا في درس ابن ماجة أن طبعة بشار عواد
معروف طيبة، وتلافى فيها كثيراً من الأخطاء الموجودة في
الطبعات السابقة.
يقول: هل السفر إلى بعض البلدان العربية والإسلامية التي تكثر
فيها المعاصي والفتن يكون محرماً مثل السفر إلى بلاد الكفار؟
يعني إذا صنف البلد بأنه دار حرب أو دار إسلام فدار الإسلام لا
يحرم السفر إليها، دار الإسلام لا يحرم السفر إليها، لكن لا
ينبغي أن ينتقل الإنسان من بلد محافظ، المعاصي والمنكرات فيه
قليلة ومختفية، إلى بلد تظهر فيه المعاصي والمنكرات، بل
المطلوب منه العكس.
يقول: في تحقيقكم لكتاب فتح المغيث إلى كم مرجع رجعتم؟
والله أنا بعيد العهد جداً، لكن تقرب من ستمائة كتاب، والذين
طبعوه لفقوا في الفهارس، فهارس المراجع، فجمعوا، أحياناً
تجدونهم يذكرون مراجع القسم الأول، ومراجع القسم الثاني وهي
كتاب واحد يردد مرتين أو ثلاث، فزادت المراجع على ألف، يمكن
تداخلها لتكون يمكن سبعمائة لتصل إلى سبعمائة.
(8/12)
هذا يقول: حديث: ((أفلح وأبيه إن صدق)) هل
يدل على جواز الحلف بغير الله؟ والحديث في صحيح مسلم وفي
رواية: ((بأبيك))؟ وكيف الجواب على هذا الحديث؟ وهل ما قاله
النووي عن هذا الحديث صحيح أي أنه كان مما يشتهر على ألسنة
العرب، كيف الجواب على ذلك؟
(8/13)
أولاً: الحلف بغير الله جاء النهي عنه
صراحة، ومن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك، ومعلوم أن المراد
بذلك الأصغر أن الشرك الأصغر، وليس الأكبر المخرج عن الملة إلا
إذا قصد من وراء ذلك الحلف تعظيم المحلوف به، كتعظيم الله -جل
وعلا-، فهذا أمره آخر، وجاء الحديث في النهي عن ذلك فقال: ((لا
تحلفوا بآبائكم)) وقال ابن مسعود: "لأن أحلف بالله كاذباً خير
من أحلف بغيره صادقاً"، إذا تقرر هذا؛ فالحلف بغير الله حرام،
بل شرك كما جاء في الحديث، والشرك الأصغر عند أهل العلم أعظم
من الكبائر، أعظم من الكبائر، نعم جاء في صحيح مسلم في
الروايات المتداولة: ((أفلح وأبيه إن صدق))، في حديث الرجل
الذي قال: "والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص" يعني على الفرائض.
أما رواية البخاري لهذا الحديث بعينه فليس فيه ((وأبيه))،
إنما: ((أفلح إن صدق))، والحافظ ابن حجر ينقل عن السهيلي أنه
وقف على نسخة عتيقة صحيحة من صحيح مسلم فيها: ((أفلح والله إن
صدق))، فكأن اللامين قصرتا فأشبهت في الصورة وأبيه، من حيث
الصورة الصورة واحدة إذا قصرت اللامان في لفظ الجلالة فرسمها
مثل رسم أبيه، والله مثل أبيه، إذا قصرت اللامان صارت الصورة
واحدة، فكلام السهيلي يدل على أن هذه مصحفة ولا توجد في الأصل؛
علماً بأن تخريج البخاري بدونها لا شك أنه إعلال لها وإعراض
عنها، ويدل على ذلك ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من
النهي، أهل العلم يجيبون عن مثل هذا فيقولون: لعله قبل النهي؛
لأنه لا يمكن أن يعارض قوله بفعله، ولو كانت المسألة مسألة نهي
((لا تحلفوا بآبائكم))، لقلنا: إن وروده في مثل هذا الحديث
دليل على أن النهي للكراهة، ويكون صارف من التحريم من الكراهة،
لكن إذا أخبر عنه بأنه شرك والشرك لا ينسخ ولا يصرف، الشرك
شرك، وهو داخل وإن كان صغيراً في قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ
اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء]، فهذه الآية شاملة
للشرك الأكبر والأصغر، إلا أن الفرق بينهما أن الأكبر يخلد في
النار، والأصغر لا يخلد؛ بل لا بد من عذابه، في قول جمع من أهل
العلم، وآخرون يرون أنه حكمه حكم كبائر الذنوب تحت
(8/14)
المشيئة.
يقول: ما رأيكم في جلسة الاستراحة في الصلاة؟
أولاً: تسميتها استراحة هذا تسمية حادثة لم يرد فيه نص يدل على
أنها استراحة، بل هي زيادة تكليف، زيادة تكليف؛ لأن قيام
الإنسان من السجود إلى القيام مباشرة أريح له من كونه يثني
رجله ثم يقوم، والشباب لا يدركون مثل هذا، يدركه من تقدمت به
السن أو ابتلي في ركبتيه، يجد أن القيام مباشرة أفضل له من أن
يثني ركبتيه، وأنتم ترون كيف يقوم كبار السن يقومون على أيديهم
ويرفعوا مقاعدهم قبل رؤوسهم، ولو كانوا يستطيعون مثل هذه
الجلسة ويحتاج إليها في الكبر، أنا أقول في الكبر يحتاج إلى
تركها، قد يحتاج الكبير إذا كبر تقدمت به السن يحتاج إلى ترك
هذه الجلسة؛ لأنها زيادة تكليف، وثبتت من فعله -عليه الصلاة
والسلام- في حديث مالك ابن الحويرث في البخاري، وفي بعض طرق
حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- كما
قال ذلك ابن القيم وابن حجر، وثبتت من أمره -عليه الصلاة
والسلام- للمسيء فأمره بها وأرشده إليها في كتاب الاستئذان من
صحيح البخاري، فشرعيتها ثابتة وهي مستمرة إلا من عجز عنها،
فابن القيم -رحمه الله تعالى- يقرر أنه إن احتيج إليها يعني
عند الحاجة، عند الحاجة تُجلس ولا نقول لا قد يحتاج إلى تركها
لا إلى فعلها؛ لأنه ليست جلسة على ما يقولون العوام تنقض التعب
لا هي مجرد ثني الرجلين وجلوس خفيف جداً ثم القيام، هذه زيادة
تكليف، فهي مشروعة لكل مصلٍ، مشروعة لكل مصلٍ، وقد يقول قائل:
إذا كان الإمام لا يجلس جلسة الاستراحة فهل نوافقه أو نخالفه؟
نقول لا، نخالفه مثل لو كان لا يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام
أو الركوع أو الرفع منه أو القيام من الركعتين، لا يتابع على
ترك السنة، لا يتابع على ترك السنة، وهي لا تخل بالمتابعة؛
لأنها خفيفة جداً ونحن نفعلها منذ أزمان ونستقيم وفي قيامنا
قبل بعض الناس الذين لا يفعلونها، يعني لا يلزم عليها تأخير عن
الإمام أبداً، ومن يقول أن فيها مخالفة للإمام نقول: قد يكون
الإمام ممن يفعلها، فإذا تركتها تكون خالفت الإمام وأنت لا
تشعر، فأنت لست بمطالب بموافقة الإمام في ترك السنة، فإذا تقرر
لنا أنها سنة فتفعل على كل حال.
(8/15)
يقول: هل يعمل بالحديث الضعيف إذا كان
معناه صحيح؟
نعم إذا كان معناه صحيح ثبت بأدلة أخرى أو بقواعد عامة يعمل
به، أما إذا كان معناه صحيح يعني لا يخالف عقل هذا لا يكفي، لا
يكفي في العمل به؛ لأنه لا بد أن يكون العمل قد سبقت له شرعية
من الكتاب أو السنة، عمل ليس عليه دليل من الكتاب ولا السنة،
ولو كان صحيحاً، يعني في نظر المكلف، فالصحة وعدمها إنما تتبع
الورود في الشرع، فما ورد في الشرع فهو صحيح، وما لم يرد في
الشرع فليس بصحيح ولو صححه العقل، فإن كان يشهد له دليل آخر من
الكتاب أو من السنة فالعبرة بالدليل الآخر، وإن كان يدخل تحت
قواعد عامة فالعمل بالقواعد العامة.
يقول: ما حكم سماع الأناشيد الإسلامية الموجودة الآن؟
اللي موجود الآن يتفاوت أحكامه، فبعضه بآلة فهذا لا يجوز بحال،
وبعضه يشتمل على ألفاظ ممنوعة في الشرع، وحينئذ لا يجوز بحال،
بعضه برأ من الألفاظ، وبرأ من الآلات لكنه يؤدى بطريقة الأعاجم
أو بلحون أهل الفسق حينئذ لا يجوز، كما قرر ذلك أهل العلم،
فإذا انتفت هذه المحظورات الثلاثة، برئت ألفاظه من المحظور
وسلم من الآلات المحرمة وأدي بلحون العرب فلا بأس به، وقد أنشد
بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- على أن الإكثار من الشعر
جاء فيه الحديث الصحيح: ((لأن يمتليء جوف أحدكم قيحاً حتى يريه
خير له من يمتليء شعراً)) والمراد بيمتليء بحيث لا يستوعب
غيره، فإذا كانت فيه مزاحمة من هذا الشعر، مزاحمة من هذا الشعر
لما هو أهم منه يمنع.
يقول: وما رأيك بها في دور القرآن؟
دور القرآن كغيرها، دور القرآن كغيرها، لكن المتجه لحفظ القرآن
ودراسة القرآن، قراءة القرآن، وإقراء القرآن ينبغي أن يكون همه
القرآن، همه القرآن وما يخدم القرآن، نعم لو كان في دور القرآن
الشاطبية مقررة، الشاطبية شعر تخدم القرآن والقراءات، هذه لا
بأس بها، لكن إذا كان لا علاقة لها بالقرآن فقارئ القرآن ينبغي
أن يتفرغ له، والله المستعان.
(8/16)
هذا يقول: بالنسبة للحديث الذي ذكرته في
الدرس الماضي حديث ابن عباس الذي هو قوله: لكنه استنبطه من آية
أو حديث، هل هو حديث ابن جريج قال: أخبرني عطاء، قال ابن عباس:
"لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل"، قلت: يا عطاء من أين
يقول ذلك؟ قال: من قوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى
الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [(33) سورة الحج]، قال، قلت: فإن ذلك
بعد المعرف فقال: كان ابن عباس يقول هو بعد المعرف وقبله، وكان
يأخذ ذلك من أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أمرهم أن
يحلوا قبل في حجة الوداع. أخرجه مسلم في الحج باب من طاف
بالبيت العتيق فقد حل. أخرجه البخاري في المغازي.
(8/17)
هذا الحديث ذكرت أني نسيته في الدرس الماضي
من درس الألفية، وأن ابن عباس قال: هكذا أمرنا رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-، وقلت: يحتمل أنه أمرهم بأمر خاص في المسألة
بعينها، ويحتمل أنه أخذه من أمر عام يندرج فيه هذا الأمر
الخاص، والإخوان أبدوا احتمالات بعضهم يجزم وبعضهم يستظهر،
وهذا ذكر حديث لكن الحديث الذي أريده حديث في صحيح مسلم قصة
كريب مولى ابن عباس لما صام مع معاوية والناس يوم الجمعة، وهم
في المدينة لم يصوموا إلا السبت لم يصوموا إلا السبت، فلما جاء
إلى المدنية قال: صمنا مع معاوية والناس الجمعة قال ابن عباس:
إنا لم نراه، وقد أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، أخذ
منهم من أخذ، واستدل بالحديث من يقول باختلاف المطالع، والحديث
نص في اختلاف المطالع، وأن لأهل الشام رؤية غير رؤية أهل
المدينة، وإلا لو كانت الرؤية واحدة للزم الناس كلهم الصوم،
فأخذ بهذا الخبر من قال باختلاف المطالع، وابن عباس قال هكذا
أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيحتمل أنه سمع أمراً
خاصاً من النبي -عليه الصلاة والسلام - في هذه المسألة بعينها،
وأنه إذا رآه أهل بلد أو إقليم بحيث لا يرى في غيره من
الأقاليم أن لكل أهل بلدٍ رؤيتهم، ويحتمل أنه أخذه من عموم
قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته))،
والحديث محتمل أن يكون خطاباً للأمة بكاملها وحينئذ تتحد
المطالع بحيث لو رئي في المغرب لزم أهل المشرق والعكس، ويحتمل
أنه ممن تتأتى منه الرؤية في البلد الذي تتأتى في الرؤية، أما
البلد الذي لا تتأتى فيه الرؤية، ولا تمكن رؤيته فيه حيث أن
الهلال لم يولد ولم يخلق في هذا البلد، هذا الحديث محتمل
للأمرين، ولذا يرى أهل العلم مع علمهم بحديث ابن عباس وقصة
كريب وهم من أهل التحقيق وهم من أهل الأثر يرون أن المسألة
فيها سعة وأن الأمة على مدى أربعة عشر قرناً ما حصل بينهم خلاف
في هذه المسألة وأن لكل رؤيته، سواء قيل باتحاد المطالع أو
باختلافها فالحديث يحتمل، وقول ابن عباس هكذا أمرنا رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- يحتمل أنه استنبطه من هذا الحديث الذي
يدل على القولين معاً، أن صوموا لرؤيته يحتمل أن يكون خطاباً
للأمة
(8/18)
بكاملها، يحتمل أن يكون خطاباً للأمة
بكاملها،
الاحتمال الأول: أن الرؤية الحقيقة البصرية، وأن من رآه يلزمه
الصيام، وأن من لم يره، ولو كان في بلد رؤي فيه لا يلزمه
الصيام؛ لأنه لم يتحقق أنه رآه، هذا إذا قلنا: إن الخطاب
للأفراد، لكن لم يقل به أحد من أهل العلم، وإن كان اللفظ
محتملاً؛ نعم لأنه قد يقال: ماذا عن من لم يستطيع الرؤيا،
كالأعمى مثلاً، فهو خطاب للمجموع لا للجميع، خطاب للمجموع لا
للجميع، فإذا رؤي في بلد، صح أنهم رأوه؛ فيلزمهم الصوم، وأما
على القول الثاني: وهو القول باختلاف المطالع فمعروف، اختلاف
المطالع حديث كريب دليل عليه، وإن كان وجه الاستنباط يعني فيه
دليل القصة صريح، لكن استدلال ابن عباس مثل ما قلنا: يحتمل أنه
أخذه من نص خاص، ويحتمل أنه أخذه من اللفظ العام، ولذا قول من
يقول: أن قول الصحابي: "أُمرنا"، أو "نُهينا" نعم يحتمل أنه
أمر خاص بمسألة بعينها، ويحتمل أنه استند إلى أمر شرعي، استند
إلى أمر شرعي يتناول هذه المسألة بعمومه، لكن ما يقال مثل ما
قال داو د الظاهري، وبعض المتكلمين: إن مثل هذا لا يحتج به
أصلاً؛ لأن الصحابي قد يسمع كلاماً يظنه أمراً، أو نهياً، وهو
في الحقيقة ليس بأمر، ولا نهي، هذا الكلام باطل، هذا الكلام
باطل؛ لأنه يلزم عليه أن الصحابة لا يفهمون مدلولات الألفاظ
الشرعية، وإذا لم يعرف الصحابي من يعرفها بعد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيه.
طالب:. . . . . . . . .
يلزم حتى يُرى في البلد الذي هو فيه.
طالب:. . . . . . . . .
ولو صام، حتى يُرى؛ لأنه لا يصدق عليه أن يوم الواحد والثلاثين
يوم عيد في هذا البلد، هو من رمضان قطعاً، المقصود أنه يصام،
الأمر بالصيام حتى يرى الهلال، يشمله، ويشمل غيره، لكن لا يقل
الشهر عن تسعة وعشرين، لو كان العكس مثلاً، صام يوم السبت
بالمدينة، وأهل الشام صاموا يوم الجمعة، وذهب إلى الشام،
وأفطروا تسعة وعشرين، وهو ما صام إلا ثمانية وعشرين، نقول
الشهر لا ينقص عن تسعة وعشرين يوماً.
طالب:. . . . . . . . .
أي نعم يقضي يوماً، يقضي يوماً.
طالب:. . . . . . . . .
يفطر معهم ما يجو ز الصيام يوم العيد، يفطر معهم، ويقضي يوماً،
سم.
(8/19)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم
وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: قال الإمام الحافظ -رحمه الله تعالى-:
المرسل
مرفوع تابع على المشهور ... مرسل أو قيده بالكبير
أو سقط راو منه ذو أقوال ... والأول الأكثر في استعمال
واحتج مالك كذا النعمان ... وتابعو هما به ودانوا
ورده جماهر النقاد ... للجهل بالساقط في الإسناد
وصاحب التمهيد عنهم نقله ... ومسلم صدر الكتاب أصله
لكن إذا صح لنا مخرجه ... بمسند أو مرسل يخرجه
من ليس يروي عن رجال الأول ... نقبله قلت: الشيخ لم يفصل
والشافعي بالكبار قيدا ... ومن روى عن الثقات أبدا
ومن إذا شارك أهل الحفظ ... وافقهم إلا بنقص لفظ
فإن يقل: فالمسند المعتمد ... فقل: دليلان به يعتضد
ورسموا منقطعاً عن رجل ... وفي الأصول نعته بالمرسل
أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله
نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فمضى في الدرس السابق كلام على الفروع السبعة التي
يتردد في كونها مرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو
موقوفة على الصحابي، أو من دونه إذا كانت عن التابعي، ومنها ما
أتى عن الصحابي مما لا مجال للاجتهاد فيه، وهو الفرع السادس:
وما أتى عن صاحب بحيث لا ... يقال رأياً حكمه الرفع على
ما قال. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
(8/20)
إلى آخره، وتكملنا في المسألة في الدرس
السابق، لكن أهل العلم يقيدون ذلك بالصحابي الذي لم يعرف
بالأخذ عن أهل الكتاب، الصحابي الذي لم يعرف بالأخذ عن أهل
الكتاب؛ لأنه جاء الأمر بالتحديث عن بني إسرائيل ولا حرج:
((حدثوا عن بني إسرائيل، ولا حرج))، وجاء في بعض الروايات عند
البزار، وغيره: (( .. فإن فيهم الأعاجيب))، وثبت أن النبي
-عليه الصلاة والسلام- غضب على عمر -رضي الله تعالى عنه- لما
رأى بيده قطعة من التوراة، وعبد الله بن عمرو بن العاص في
اليرموك وقف على زاملة فيها صحف عن أهل الكتاب، وكان يحدث
منها، وكعب الأحبار كان يحدث في عصر الصحابة بما في كتب أهل
الكتاب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- غضب لما رأى في يد عمر
ما في يده: ((أفي شك يا ابن الخطاب))، المقصود أن مثل هذا الذي
يساق، ويتحدث به عن أهل الكتاب، مما لا مخالفة فيه لشرعنا، مما
لا مخالفة فيه لشرعنا، ولذا تجدون أهل العلم يتناقلون الأخبار
عن أهل الكتاب، وأما ما فيه مخالفة لشرعنا؛ فلا يجوز نقله، ولا
التحدث به إلا على سبيل النقد والتفنيد، وكتبهم المحرفة التي
فيها خلاف ما جاء عن الله -عز وجل-، هذه لا يجوز النظر فيها،
لا يجوز النظر فيها إلا لمن تأهل للرد عليهم، كما فعل شيخ
الإسلام ابن تيمية في الجواب الصحيح، أما من لم يتأهل؛ فلا
يجوز له النظر فيها وللسخاوي كتاب اسمه "الأصل الأصيل في
الإجماع على تحريم النقل من التوراة والإنجيل" استناداً إلى
نهي النبي -عليه الصلاة والسلام-، وغضبه على عمر -رضي الله
تعالى عنه-، أما ما يتداولونه لاسيما من ينتسب إلى العلم منهم
فيُسمع؛ إن كانت فيه مخالفة يرد على صاحبه، يرد على صاحبه كائن
من كان، على قائله، وإن كان فيهم موافقة لا مانع من ذكره،
والتحدث به لا على سبيل الاعتماد عليه، وإنما العمدة ما جاء في
شرعنا، وإن كان لا موافقة، ولا مخالفة، فمثل هذا يترخص فيه،
يترخص فيه مع التثبت، مع أنهم انقطعت صلتهم بأنبيائهم؛ فلا
أسانيد عندهم لا متصلة ولا منقطعة، ما عندهم أسانيد أصلاً؛
المتأخر منهم والمتقدم سوى في النقل عن أنبيائهم، واتصال
الأسانيد من خصائص هذه الأمة، فالمقصود أن ما يتداوله أهل
العلم في كتب التفسير،
(8/21)
وكتب التواريخ من ما يتلقى عن أهل الكتاب
كثير منه فيه مخالفة، وكثير منه لا حاجة إليه، وبعضه في ما ..
، فيه العجائب، وبعض الناس يستروح إلى مثل هذا الأخبار، وهذه
القصص التي تنقل عن أهل الكتاب، على طريقة القصاص؛ ولذا إذا
سمع بعض الأخبار في التفاسير، كتفسير ابن كثير مثلاً، أو ابن
جرير، أو غيرها، أو كتب التواريخ كابن كثير والطبري من قبله
يرتاح لمثل هذه الأمور باعتبارها ضرب من القصص المسلية لا
أكثر، ولا أقل، لكن في كثير من المخالفات قد يشعر بها، وقد لا
يشعر، وقد يكون لها أثرها اللاحق الذي لا يدركه القارئ في
وقته، المقصود أن في كتاب الله، وما صح من سنة نبيه -عليه
الصلاة والسلام- غنية عن هذا كله، لكن إذا جاء الخبر مما لا
يتضمن مخالفة؛ فلا مانع من قراءته وسماعه.
هذا يقول: إذا أتانا حديث له حكم الرفع عن عبد الله بن عمرو،
وغيره ممن عرف بالأخذ عن بني إسرائيل؛ فكيف نعرف أصلاً أن هذا
الخبر أنه عن بني إسرائيل، أو عن نبينا؟ ألا ترى أن المسألة
غير واقعة فكيف نميز؛ هل هذا عن الكتاب أو غيرهم؟
كثير من المتون متميز بنفسه، متميز بنفسه، يدرك، فمثلا قو ل
ابن مسعود: ((من أتى كاهناً، أو عرافاً؛ فقد كفر بما أنزل على
محمد))، هل يمكن أن يقول قائل: إن هذا ما تلقي عن أهل الكتاب؟
نعم؟ لا يمكن لكن لو ذكر ابن مسعود، أو غير ابن مسعود؛ عبد
الله بن عمرو، أو غيره، أو ابن عباس قصة تتعلق بأهل الكهف
مثلاً، قصة تتعلق بأهل الكهف، هذه متميزة بنفسها، ومعروفة أنها
متلقاة عنهم، يعني مما له صلة بالتاريخ، مما له صلة بالتاريخ،
هذا الذي يغلب على الظن أنه متلقى، والذي له صلة بالأحكام،
الذي يغلب على الظن أن الصحابي لا يقوله إلا وقد استند فيه إلى
من يلزم قوله، من يعتمد قوله في الشرع، فمن هذه الحيثية يتميز
هذا من هذا، لكن هم يقولون: إذا لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب،
وقال قولاً لا يدرك بالرأي، مثل هذا له حكم الرفع.
(8/22)
هناك أحاديث ذكرت في الواهيات، وذكرت في
كتب الموضوعات، ثم وجد في الواقع ما يصدقها، وجد في الواقع ما
يصدقها، لو قدر مثلاً أن حديثاً أن سمعته، ولم أقف عليه، سمعته
قبل سنين: ((إذا شق أبو قبيس فانتظر الساعة))، نعم هذا الحديث
من حيث الإسناد لا أصل له، لكن شق أبو قبيس، وقد قيل هذا قبل
أن يشق أبو قبيس، نعم هل نقول أن هذا الحديث يمكن أن يثبت؟ كون
الخبر يطابق الواقع، ويكون صدقاً لا يعني أنه تصح نسبته، ورفعه
إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلو قال واحد، ركب إسناد
على: الواحد نصف الاثنين، كلام صحيح، ولا يختلف فيه أحد، لكن
ليس كل كلام صحيح حديثاً، هناك أحاديث ذكرت في الموضوعات فيها
شيء من الواقع، بعضها يحكي العصر، أو الوقت الذي نعيشه بأحداثه
لكن لا يعني أننا نقول هذه تثبت، وهذا إذا طابقت الواقع فكيف
إذا كانت مطابقتها للواقع مظنونة، كمن ألف في مطابقة
الاختراعات العصرية لما جاء في الأحاديث النبوية، هو أشبه ما
يكون بالنظريات، نظرية يتلقاها عن الغرب عن الكفار، ويقول هذه
يشهد لها، قوله -عليه الصلاة والسلام-، ثم يظهر ما هو أقوى
منها في مطابقة الخبر، فيضطر إلى نفي الأولى، هناك نظريات غير
ثابتة عندهم، فيستطيع أن يؤصل هذه النظرية، ويقيمها بحديث، ثم
يظهر عندهم تكذيب هذه النظرية؛ فماذا يصنعوا بالنص؟ مثل هذه
الأمور يتحرى فيها، ولا يُجزم بشيء منها، ولا يُجزم بشيء منها،
فعلى طالب العلم أن يحتاط لهذا، أن يحتاط لهذا، وبعض الناس
يتساهل في هذا الأمر يتساهل في هذا الأمر، بحيث إنه تناقلت
وكالات الأنباء، والصحف، وغيرها من وسائل الإعلام: أن الروس
قبل كذا سنة يحفرون في الأرض كذا ميل، فسمعوا أصواتاً مزعجة،
وسجلوها، وبثوها بين الناس، وسارع بعض من ينتسب إلى العلم إلى
أن هذه أصوات المعذبين في قبورهم، ثم هم كتموها، ونفوها، لا
يكون ديننا ألعوبة للنفي والإثبات، الأمر هذا أمر عظيم مثل هذا
لا يسمعه البشر، يسمع كل مخلوق إلا الثقلين الجن والإنس، وفي
الحديث: ((لولا ألا تدافنوا))، وفي رواية: ((لولا أن تدافنوا
لأسمعتكم))، مثل هذا لا يمكن أن يسمع، لا يمكن أن يسمع، ولو
سمعه الإنسان لصعق، كوننا نتعلق بما يأتينا عن
(8/23)
غيرنا، عندي يقين أن الإنسان لو وضع آلة
تسجيل في مطار مثلاً، بين أزيز الطائرات، وجلبت الناس،
وأصواتهم، وسجل مثل هذه الأصوات؛ صارت أشد مما سجل في هذه
الأشرطة، وقل مثل هذا في من يصور ما جاء في أوصاف النار، أو ما
قبل النار والجنة، من يصورها في تصوير، يقول هذا الصراط، وهذه
القنطرة، وهذا كذا، وهذا كذا؛ لأن هذا يهون من هول تلك
المواقف، شيء لا يخطر على البال؛ كيف نصوره؟ نصور مثلاً الجنة
فيها أشجار مثل أشجارنا! إيش معنى هذا؟ أو النار فيها لهب نار
مثل نارنا هذه؟ هذه معناها الأمر سهل يعني، فمثل هذه الأمور
تتقى بقدر الإمكان، وليس لطالب العلم أن يزج نفسه فيها، يبقى
أن سماع النصوص الشرعية تقرع القلوب بأهوالها، ولا يمكن أن
يتصورها، ويخطر على قلب المسلم.
نأتي إلى موضوع الدرس، درس اليوم: "المرسل" الناظم -رحمه الله
تعالى- أنهى الكلام عن الأنواع الثلاثة، التقسيم الإجمالي، ثم
تكلم على الأحاديث، والأخبار باعتبار الإضافة، والنسبة، ثم ذكر
ما يحتمل من الإضافات، ثم ذكر ما يخل بالشرط الأول الذي هو
اتصال الإسناد، فبدأ بالمرسل، ثم ثنى بالمنقطع، والمعضل،
والعنعنة، ويأتي –أيضاً- التدليس، والمرسل الخفي فيما بعد، كل
هذه لها ارتباط بالدروس السابقة، فمما يختل فيه شرط الاتصال
المرسل، المرسل جمعه مراسيل بإثبات الياء، وحذفها: مراسل،
مثلما قيل في السابق: مساند ومسانيد، وهو مأخوذ من الإرسال
الذي هو الإطلاق: {أنا أرسلنا الشياطين} [(83) سورة مريم] يعني
أطلقناهم، {عَلَى الْكَافِرِينَ} [(83) سورة مريم]، وفي حديث
الاختلاف في القراءة: "فقال: أرسله" يعني أطلقه، فكأن المرسل،
الراوي الذي أرسل الخبر أطلقه، فلم يقيده براوي بعينه:
مرفوع تابع على المشهور ... . . . . . . . . .
(8/24)
"مرفوع تابع على المشهور" عند الأئمة
"مرسل" هذا تعريفه، المشهور عند الأئمة، كما نقله الحاكم، وابن
عبد البر عنه، هذا هو المرسل على القول المشهور عند الأئمة
"أو" هذه لتنويع الخلاف "أو قيده بالكبير" أو قيده بالكبير من
التابعين، فيكون المرسل ما يرفعه التابعي الكبير إلى النبي
-عليه الصلاة والسلام-، وعلى القول الأول: ما يرفعه التابعي،
بغض النظر عن كونه كبيراً، أو متوسطاً، أو صغيراً إلى النبي
-عليه الصلاة والسلام-، والقول الثاني مقيد بالكبير "أو" أيضاً
لتنويع الخلاف، وهو القول الثالث "أو سقط راوٍ منه" أو سقط
راوٍ منه، من أي موضع من سنده "ذو أقوال"، "أو سقط راو" من أي
موضع، فيكو ن على هذا مقابل للاتصال، فيشمل جميع أنواع
الانقطاع، جميع أنواع الانقطاع يقال لها مرسل، فهذا أوسع
الأقوال في تعريف المرسل، والذي قبله أضيق الأقوال، والقول
المشهور "مرفوع تابع" يعني ما رفعه التابعي إلى النبي -عليه
الصلاة والسلام-، هذا قول متوسط، يشمل التابعين بطبقاتهم، وهو
المشهور، وهو الذي جرى عليه العلماء،
أو سقط راو منه ذو أقوال ... . . . . . . . . .
يعني أقوال ثلاثة في المسألة:
. . . . . . . . . ... والأول الأكثر في استعمال
يعني في استعمال أهل الحديث هو الأكثر، أما إذا قابلوه
بالاتصال فيريدون به المنقطع، إذا قيل: وصله فلان، وأرسله
فلان، وصله فلان، وأرسله فلان، فالمراد بالإرسال –هنا-
الانقطاع، ولا يلزم منه رفع التابعي إلى النبي -عليه الصلاة
والسلام- الانقطاع، وبعضهم يفرق بين أرسل ومرسل، فيجعل الفعل
للانقطاع، والمرسل لما يرفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة
والسلام- هذا ما قيل في حد المرسل، لكن ماذا عن التعريف الذي
قال به بعض العلماء: ما سقط منه الصحابي ما سقط منه الصحابي،
يصح تعريف للمرسل، وإلا ما يصح؟ هذا منتقد، نعم منتقد؛ لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا؛ هذا بيجي في مسألة الاحتجاج، غيره.
طالب:. . . . . . . . .
(8/25)
نعم ممكن سقط منه صحابي، وبقي صحابي آخر،
سقط منه صحابي، ويسقط منه صحابي .. ، سقط منه واحد، وبقي واحد،
فهذا يصح أنه منه الصحابي سقط، لكنه مرسل الصحابي كما سيأتي في
آخر الباب، وهذا حكمه الوصل.
ماذا عما يرويه التابعي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-
مباشرة؟ وهل يتصور، أو لا يتصور؟ يعني هل نقيد القول الأول: ما
رفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ممن لم يسمع من
النبي -عليه الصلاة والسلام- نحتاج إلى هذا، أو ما نحتاج؟
نحتاج؛ لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا في المسند نعم، عن إيش؟ عن التنوخي رسول هرقل، الذي جاء
إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- في تبوك، وسمع منه بغير
واسطة، وهو كافر، ولم يسلم إلا بعد وفاة النبي -عليه الصلاة
والسلام-، فهو تابعي، ما لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمن
به، لكن ما في سقط، السند متصل، وهذا يلغزون به: حديث تابع
متصل، وسيأتي مرسل الصحابي، قولهم: ما يرفعه صحابي منقطع، ما
يرفعه تابعي متصل، وما يرفعه صحابي منقطع، عرفنا أن ما يرفعه
التابعي متصل، وهو في حديث التنوخي، ولا يعرف مثال آخر، نعم قد
يسمع الرجل الشخص من النبي -عليه الصلاة والسلام- خبر قبل أن
يسلم، ثم يسلم في حياته -عليه الصلاة والسلام-، هذا لا يقال
له: مرفوع تابعي، إنما مرفوع صحابي، كحديث جبير بن مطعم، حينما
جاء في فداء أسرى بدر، سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ
في صلاة المغرب بالطور قبل أن يسلم، ثم أدى هذه السنة بعد
إسلامه، وتحملها الناس عنه، وخرجت في الصحيحين، وغيرهما، لكن
التنوخي ما أسلم إلا بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-،
وحديثه في المسند:
واحتج مالك كذا النعمان ... وتابعوهما به ودانوا
(8/26)
"واحتج مالك كذا النعمان" الإمام مالك بن
أنس يحتج بالمرسل، والنعمان بن ثابت، الإمام أبو حنفية يحتج به
"وتابعوهما" من المالكية، والحنفية، يحتجون "به" يعني بالمرسل
"ودانوا" يعني تدينوا بمضمونه، وعملوا به، وأفتوا به، وقضوا
به، والموطأ شاهد على ذلك، كثير من المراسيل، وإن كانت
الأحاديث معروفة الاتصال، في غيره مما قد يتيسر للإمام مالك،
بل قد روي عن الإمام مالك متصل في غير الموطأ، وفي الموطأ
يرسله؛ لأنه لا يرى إشكالاً في الإرسال، فيعمل بالمرسل، فمالك،
وأبو حنيفة، وتابعوهما من المالكية، والحنفية يعملون
بالمراسيل، وهو حجة عندهم، وهل هي مثل المسانيد؟ أو أعلى منها؟
أو دونها؟ عند من يحتج بها أقوال: منهم من يقول: الإرسال
والإسناد واحد، ومنهم من يقول كلاهما يحتج به، لكن الإسناد
أقوى، وإن كان المرسل محتج به، ,ومنهم من يقول: المرسل أقوى من
المسند، وهذا نقله ابن عبد البر عن بعضهم في مقدمة التمهيد،
وقالوا: إن من أرسل فقد ضمن، بخلاف من أسند فقد أحال، من أرسل
ضمن، الذي حذفه يضمنه؛ لأنه لو لم يضمنه لكان غاشاً، والمسألة
مفترضة في خيار الناس بعد الصحابة، وهم القرن الثاني، الذين
جاءت النصوص بأنهم خير القرون بعد الصحابة، لكن هذا القول شاذ،
إذا كان المرسل مختلف في الاحتجاج به، وعدم الاحتجاج به؛ فيكف
يقول قائل: إنه أفضل، وأقو ى من المسند؟ "وتابعوهما به ودانوا"
ونقل ابن عبد البر عن جرير الطبري: أن التابعين بأسرهم، يعني
جميع التابعين نقل إجماع التابعين على الاحتجاج بالمرسل، وأنه
لا يعرف لهم مخالف إلى رأس المائتين، وأنه لا يعرف لهم مخالف
إلى رأس المائتين، يعني إلى أن جاء الإمام الشافعي، مع أن
القول برد المراسيل منسوب إلى سعيد بن المسيب، وبعض التابعين
معه، فهل يمكن تجاهل سعيد بالنسبة للتابعين؟ الذي هو أفضلهم
عند الإمام أحمد؟ يعني هل يرد رد سعيد بن المسيب للمراسيل على
الإجماع والاتفاق الذي ينقله الطبري عن التابعين، أو لا يرد؟
هل ينقض إجماعه بسعيد؛ لماذا؟ نعم؟ أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
(8/27)
نعم قول الأكثر نعده إجماعاً، وهذا معروف،
تداولته كتب الأصول: أن الطبري يرى الإجماع قول الأكثر، وعليه
يدل تصرفه في تفسيره، حينما ينقل حكم، أو معنى، أو قراءة، ينقل
قول الأكثر، ثم يذكر المخالف، ويرجح قول الأكثر، والصواب في
ذلك عندنا كذا؛ لإجماع القراءة على ذلك، وهو ساق الخلاف نفسه
لكنه يعد قول الأكثر إجماعاً، هو يعد قول الأكثر إجماعاً، فلا
يرد عليه سعيد، وقد لا يخفى عليه قول سعيد، وغير سعيد من
التابعين، لكنه يرى أن الإجماع قول الأكثر، وتصرفه في مصنفاته
يدل على هذا، وعلى رأسها التفسير، هذا بالنسبة لمن قال به،
مالك، وأبو حنفية، والمالكية عمومًا، والحنفية؛ لأن المسألة
مفترضة في رفع التابعين، الخبر للنبي -عليه الصلاة والسلام-،
وهم ممن يشملهم: ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين
يلونهم))، فهم خير القرون بعد الصحابة، ولا يتصور فيهم أنهم
يحذفون من لا يرضونه، وروايتهم عن الصحابة كثيرة، فالمظنون بهم
أن من حذفوه صحابي، أن الذي حذفوه صحابي، والقول الثاني في
المسألة وهو قول الجمهور، يشير إليه الحافظ العراقي -رحمه
الله- في قوله:
ورده جماهر النقاد ... . . . . . . . . .
"ورده جماهر النقاد" جماهر" جمع جمهور، جماهر وجماهير، أي معظم
النقاد، معظم النقاد ردوا المراسيل، منهم من ردها جملة
وتفصيلا، ومنهم من اشترط لقبولها شروطاً كالشافعي؛ لماذا قال:
. . . . . . . . . ... للجهل بالساقط في الإسناد
(8/28)
"للجهل بالساقط في الإسناد" الساقط مادام
الذي رفعه تابعي، فالذي يغلب على الظن أن التابعي يرويه عن
صحابي، والصحابة كلهم عدول، لكن الواقع يشهد بأن التابعي يروي
عن تابعي، والتابعي الثاني يرو ي عن ثالث تابعي، ورواية
التابعين عن بعض كثيرة جداً، يعني يروي في طبقة التابعين اثنان
ثلاثة بعضهم عن بعض، وهذا كثير، قد يروي أربعة، وهذا أقل، وقد
يروي خمسة من التابعين بعضهم عن بعض، وهذا قليل جداً، وأما
رواية ستة من التابعين بعضهم عن بعض فهذا نادر، وقد لا يوجد له
مثال إلا في حديث واحد يتعلق بفضل سورة الإخلاص، ستة من
التابعين يروي بعضهم عن بعض، وهو مخرج في المسند، والنسائي،
والنسائي يقول: أطول إسناد في الدنيا، في فضل سورة الإخلاص،
وهو: ((أنها تعدل ثلث القرآن))، وإلا الخطيب البغدادي فيه جزء،
جزء مطبوع، ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وإذا كان هذا
الاحتمال قائماً، والتابعون فيهم الثقة، وغير الثقة، فيهم
العدل، وغير العدل، وإذا احتمل .. ، أقول إذا كان الاحتمال
ضعيفاً في كبارهم، فمن دونه الاحتمال فيه قوي؛ لكثيرة
المخالفات بعد الصحابة، وجدت المخالفات في عصر الصحابة من
غيرهم، يعني ممن عاصرهم من التابعين فكيف بمن دونهم من صغار
التابعين، وإذا وجد هذا الاحتمال قوي فيمن بعده، وكان الاحتمال
أقوى فيمن بعدهم، فلا يقال بصحة المرسل مع وجود هذا الاحتمال،
الساقط يحتمل أن يكون تابعي، وقد يحتمل أن يكون أكثر من تابعي،
وما من واحد منهم إلا وقد يتطرق الخلل إلى الخبر من قِبَلِه؛
فهو مجهول، ولا بد من ثبوت العدالة لقبول الخبر، وإذا جهل حال
الراوي؛ لم تثبت العدالة، لا يكفي في أن لا يعرف بضعف، لكن لا
بد من معرفته بالعدالة:
. . . . . . . . . ... للجهل بالساقط في الإسناد
وصاحب التمهيد عنهم نقله ... . . . . . . . . .
"صاحب التمهيد" الإمام الحافظ أبو عمر ابن عبد البر، نقل في
مقدمة تمهيده عن أكثر أهل العلم: أنهم ردوا المراسيل للعلة
المذكورة "وصاحب التمهيد عنهم" يعني المحدثين "نقله" أي نقل
ضعف المرسل، وأنه من قبيل ومن قسم المردود.
. . . . . . . . . ... ومسلم صدر الكتاب أصله
(8/29)
"مسلم" الإمام مسلم بن الحجاج، مؤلف
الصحيح، مؤلف الجامع الصحيح، الذي سبق الكلام عنه، في مقدمة
الكتاب أورد على لسان خصمه أنه قال: والمرسل في أصل قولنا،
وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة، وأقره على هذا، وإن كان على
لسان خصمه، لكنه أقره عليه:
. . . . . . . . . ... ومسلم صدر الكتاب أصله
والعلة فيه ما ذكر من احتمال أن يكون التابعي ضعيفاً، أو من
يروي عنه ضعيفاً "لكن" هذا استدراك:
. . . . . . . . . إذا صح لنا مخرجه ... بمسند أو مرسل يخرجه
من ليس يروي عن رجال الأول ... نقبله قلت: الشيخ لم يفصل
"لكن إذا صح" إذا صح شرطية، فعل الشرط: صح، وجوابه: نَقْبَله،
والجزم هذا على أنه جواب الشرط، و"إذا" معروف أنها لا تجزم عند
الجمهور، لكن هي جازمة على مذهب الكوفيين، والأخفش، وصرح به عن
بعضهم ابن مالك في التسهيل، وأما على مذهب غيرهم أن هذا
للضرورة، لضرورة الشعر، للوزن، على أنه لو قال بدل "إذا"،
"متى"
لكن متى صح لنا مخرجه ... . . . . . . . . .
"نقبله" متى تجزم، أو ما تجزم؟ ها؟
طالب:. . . . . . . . .
تجزم؟
طالب: نعم.
من يجب مثال؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه؛ و:
متى أضع العمامة تعرفوني ... . . . . . . . . .
..
لكن إذا صح لنا مخرجه ... . . . . . . . . .
يعني يعتضد المرسل، ويُقبل بمجيئه من وجوه أخرى، بمجيئه من
وجوه أخرى "بمسند" بحيث يجيء هذا المسند من وجه آخر "أو
مرسلاً" آخر "يخرجه" يعني يرسله:
من ليس يروي عن رجال الأول ... . . . . . . . . .
شيوخ المرسل الأول، بحيث يكون له طريق آخر، مباين للطريق
الأولى، مباين للطريق الأولى، والطريق يذكر ويؤنث، تجدون في
كثير من كتب أهل العلم في التخاريج: طريق أخرى، وقد يقولون:
طريق آخر، ولعل التذكير أولى، وإن كان استعمالهم للتأنيث أكثر،
أهل الحديث يستعملون التأنيث أكثر: طريق أخرى، ولعل التذكير
أولى؛ لماذا؟ في القرآن؛ ويش هي؟ {طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ
يَبَسًا} [(77) سورة طه]، فهذا تذكير، المسألة فيها سعة، ونص
أهل العلم على أنه يذكر، ويؤنث.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . أو مرسل يخرجه
(8/30)
من ليس يروي عن رجال الأول ... نقبله. . .
. . . . . .
يعني إذا اعتضد بمجيئه من طريق أخرى، أو طريق آخر، سواءٌ كان
الطريق الآخر مرسلاً، أو مسنداً، فالعلماء نصوا على أن المرسل
يقبل الانجبار، يقبل الانجبار؛ لأن ضعفه ليس بشديد، فهو قابل
للانجبار، فإذا جاء مرسل آخر اعتضد، فيقبل إذا جاء مسند متصل
من وجه آخر يقبل، وسيأتي في قول الناظم -رحمه الله تعالى-:
فإن يقل فالمسند المعتمد ... فقل دليلان به يعتضد
يأتي هذا ..
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . يخرجه
من ليس يروي عن رجال الأول ... نقبله قلت الشيخ لم يفصل
الشيخ من هو؟ ابن الصلاح "لم يفصل" يفصل في إيش؟ في التابعي؛
هل هو من الكبار، أو من الصغار؟ لكن "الشافعي بالكبار قيدا"
يعني بقي مما يعتضد به المرسل إضافة إلى ما ذكره الناظم مسند،
أو مرسل ما قاله، زاده بعضهم، بعض الآخذين عن الناظم، وله
زيادات على الألفية، والذي يغلب على الظن أنه برهان الدين
الحلبي، فقد ذكر في ترجمته من الضوء اللامع، وغيره أنه زاد عن
الألفية أبيات؛ فزاد هنا:
أو كان قول واحد من صحب ... خير الأنام عجم وعرب
أو كان فتوى جل أهل العلم ... وشيخنا أهمله في النظم
يعني مما يعتضد به المرسل أن يوافقه قول لصحابي موقوف عليه،
يعتضد بالمرسل قول صحابي، أو يفتي بمفاده عوام أهل العلم،
يقول:
. . . . . . . . . ... وشيخنا أهمله في النظم
(8/31)
فهذا مما يعتضد به المرسل، إذا كان الشيخ
ابن الصلاح لم يفصل بين مراسيل الكبار والصغار، فإن الإمام
الشافعي قيد التابعين بالكبار "والشافعي بالكبار" منهم يعني من
التابعين "قيدا" قيد المرسل المقبول إذا اعتضد، "ومن روى" ما
أرسله، أو مطلقاً "عن الثقات أبداً" يعني بحيث إذا روى لا يروي
إلا عن ثقة، بحيث يكون لا يروي إلا عن ثقة، بحيث إذا سمى من
روى عنه؛ لم يسم مجهولاً، ولا مرغوباً عن الرواية عنه، بحيث
إذا سمى من روى عنه، هو أرسل، لكن قيل له: عن من؟ فإذا قيل له:
عن من؟ وسمى من روى عنه، لم يسمي، كذا في الرسالة للإمام
الشافعي بالياء، والقاعدة: "لم يسم" بدون ياء "لم يسم" سم حذف
حرف العلة، لكن يستدرك على الإمام الشافعي؟ الإمام الشافعي
إمام، حجة في اللغة، حجة، والرسالة التي طبع عنها الشيخ أحمد
شاكر نسخة عتيقة جداً، صحيحة "لم يسمي مجهولاً، ولا مرغوباً عن
الرواية عنه، وإنما يسمي ثقة، يسمي من ثبتت ثقته:
. . . . . . . . . ... ومن روى عن الثقات أبداً
ومن إذا شارك أهل الحفظ ... . . . . . . . . .
يشارك الثقات، فإذا شاركهم في أحاديثهم "وافقهم" ولم يخالفهم
"إلا بنقص لفظ" إلا بنقص لفظ، نقص لفظ لا يتأثر به المعنى، مثل
هذا لا يسلم منه أحد، أما إذا خالفهم فيما يختلف فيه المعنى،
يترتب عليه اختلاف المعنى؛ فلا، هذا مخالف لأهل الحفظ، فيكون
بكثرة مخالفاته تخلف عنه شرط الضبط، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
بيجيك، ها:
فإن يقل: فالمسند المعتمد ... . . . . . . . . .
نعم؟ نفسه، نفس سؤالك، البيت الذي يليه،
ومن إذا شارك أهل الحفظ ... . . . . . . . . .
في أحاديثهم "وافقهم" ولم يخالفهم "إلا بنقص لفظ" يعني نقصا
يسير لا يتأثر به المعنى؛ لا بأس، لكن إذا كثرت مخالفته
للثقات؛ فإنه حينئذ يرد حديثه:
وإن يوافق غالباً ذا الضبط ... فضابط أو نادراً فمخطي
على ما سيأتي في ميزان الضبط عندهم.
(8/32)
الشافعي -رحمه الله- لما رد مراسيل
التابعين علل ذلك بأنهم أشد تجوزاً، لما رد المراسيل لصغار
التابعين؛ قال: لأنهم أشد تجوزاً فيمن يروون عنه، يعني صغار
التابعين ما هم في التحري، والتثبت مثل كبار التابعين الذين
كثرت مخالطتهم للصحابة، أما الصغار الذين رأوا الواحد،
والاثنين، والثلاثة من الصحابة؛ هؤلاء طال بهم العهد، والمعروف
أنه كلما طال العهد بالنبوة؛ كثر التساهل، كثر التساهل،
فالكبار الذين عاصروا الصحابة، وكثرت مخالطتهم للصاحبة؛
كبارهم، وصغارهم -يعني الصحابة- أشد تحرزاً، وتثبتاً فيمن
يروون عنه، وأما صغار التابعين الذين أكثروا مخالطتهم للتابعين
هؤلاء أشد تجوزاً فيمن يروون عنه، وأيضاً من الأسباب التي جعلت
الإمام الشافعي يرد مراسيل صغار التابعين: أنه وُجد الدلائل
فيما أرسلوا بضعف مخرجه، يعني وُجد فيما يرسلونه الشيء الضعيف،
وهذا كثير عندهم، والأمر الثالث: كثرة الإحالة، كثرة الإحالة
بالأخبار، وإذا كثرت الإحالة كان أمكن للوهم، وضعف من يُقبل
عنه، إيش معنى كثرة الوسائط، كثرة الإحالة، يعني إذا كان من
الكبار؛ فالاحتمال الأقوى أنه رواه عن صحابي؛ لأنه أدرك كثيراً
من الصحابة، ما يعوزه أن ينقل الخبر عن صحابي، وهذا هو الذي
يغلب على الظن، يحتمل –أيضاً- أنه رواه عن تابعي في سنه، كبير،
أو أكبر منه، وهذا الاحتمال قوي، لكن هل يحتمل أن تابعي كبير
يروي عن تابعي صغير، عن تابعي متوسط، عن تابعي كبير، عن صحابي
هذا قد لا يتصور، توجد رواية الأكابر عن الأصاغر، توجد رواية
صالح بن كيسان عن الزهري، وهو اكبر منه، لكن هذا نادر من جهة،
والأمر الثاني: أن السبب واضح؛ تأخر صالح بن كيسان في الطلب
حتى شاب قبل أن يطلب العلم، وعد من كبار الآخذين عن الزهري،
فهو –حكماً- صغير بالنسبة للزهري، وإن كانت حقيقته في سنة
كبير، لكنه في الطلب متأخر، إذا كثرت الوسائط، يعني إذا كان
الراوي كبيراً من كبار التابعين؛ احتمال أنه رواه عن صحابي، أو
عن تابعي كبير ثاني عن صحابي، الوسائط قليلة اثنان، يعني ما
يزيدون، وإن زادوا ثلاثة، لكن إن كان من صغار التابعين، وكثرت
الوسائط صار في طبقة التابعين أربعة، أو خمسة، ثم الصحابي،
كثرة الوسائط
(8/33)
لا شك أنها تُغَلِّب على الظن وجود الخلل؛
لأنه ما من راوٍ من الرواة إلا ويحتمل أن يتطرق الخلل إلى
الإسناد من قِبله، أقول إذا كثرت الوسائط، وطالت الأسانيد، صار
الاحتمال في تطرق الخلل إلى هذا الإسناد أقو ى، ولذا المفضل
عند أهل العلم العلو، علو الأسانيد، والنزول مفضول، على ما
تقدم في بحث المستخرجات، وسيأتي بحث مخصص للعالي والنازل،
والسبب في هذا أنه إذا قلت الوسائط، فمثلاً بين المصنف، وبين
النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاثة أو أربعة، أفضل من أن يكون
بينه سبعة أو ثمانية؛ لأن هؤلاء الوسائط ما من واحد منهم إلا
واحتمال الخطأ وارد عنده، فاحتمال الخطأ في ثلاثة، أو أربعة
أقل من وجود احتمال الخطأ في خمسة، أو ستة، أو سبعة، ولذا يقول
الشافعي في أسباب رده لمراسيل صغار التابعين كثرة الإحالة،
يعني الإحالة، إحالة الخطأ إلى هؤلاء الرواة، فما من راوٍ إلا
ويحتمل أن يحال عليه الخطأ، هذه الأسباب جعلت الإمام الشافعي
يرد مراسيل صغار التابعين، فالخلاصة أن الشافعي -رحمه الله
تعالى- يشترط لقبول المرسل شروطاً أربعة: أن يكون المرسِل من
كبار التابعين، وأن يكون لا يروي إلا عن ثقة، بحيث إذا سمى لم
يسم مجهولاً، ولا مرغوباً عن الرواية عنه، وإذا شرك أهل الحفظ
وافقهم، وأن يكون للحديث المرسل شاهد يقويه، إما مرسل آخر
يرويه غير رجال الأول، أو مسند، أو يفتي به عوام أهل العلم، أو
يسنده قول صحابي، هذه الأربعة الشروط التي ثلاثة منها في
المرسِل، والرابع في المرسَل، والرابع له فروع، هذه يشترطها
الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- لقبول المراسيل.
طالب:. . . . . . . . .
سنده حديث ضعيف؟ مرسل ثاني، ولو ضعيف الثاني، يدخل في كونه
مرسلاً ضعيفاً، المرسل ضعيف، وإذا كان المرسل خفيف الضعف يقبل
الانجبار، والضعيف الذي يسنده من غير رجال المرسل الأول، نعم
سواء كان متصلاً، وفيه من مُس بضرب من التجريح الخفيف، يكون
ضعيفاً ضعفاً محتملاً، يقبل الانجبار، فيرتقي للحسن لغيره، هذه
القاعدة.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
(8/34)
قلنا: إنه يشترط في الراوي ثلاثة شروط: أن
يكو ن من الكبار، أن لا يروي إلا عن ثقة، فإذا سمى من روى عنه
لم يسم مجهولاً، ولا مرغوباً عن الرواية عنه، ومن إذا شارك،
إذا شرك أحداً من الحفاظ لم يخالفه، وأن يكون للمرسل حديث مرسل
شاهد يقويه، من مرسل، أو مسند، أو يفتي به عوام أهل العلم، أو
يشهد له قول صحابي، في شروط الإمام الشافعي: له شاهد يقويه من
مسند، وتقدم قو ل الناظم -رحمه الله تعالى-:
لكن إذا صح لنا مخرجه ... بمسند أو مرسل يخرجه
جاء الاستدراك الذي سأله الأخ، يقول: ما حاجتنا إلى هذا
المرسل، ونحن وجدناه مسنداً متصلاً؟ كيف نحتاج إلى المرسل؟ يقو
ل الناظم -رحمه الله تعالى-: "فإن يقل" على وجه الخدش في
الاعتضاد بمسند، في اعتضاد المسند بالمرسل، قد يقول قائل:
"فالمسند المعتمد"، ولا حاجة لنا حينئذٍ بالمرسل، مو بهذا
سؤالك؟
فإن يقل فالمسند المعتمد ... فقل دليلان به يعتضد
"فقل دليلان به يعتضد" المسند دليل برأسه، والمرسل الذي اعتضد
بهذا المسند قويَ، وصار مقبولاً، فصار في المسألة أكثر من دليل
بدل دليل واحد، بحيث يرجح هذان الدليلان على ما إذا ما وجد ما
يخالفهما من دليل واحد، الآن المسند حجة برأسه، المرسل لما شهد
هذه المسند تقوى؛ فصار في المسألة دليل واحد، أو دليلان؟
(8/35)
|