شرح ألفية العراقي عبد الكريم الخضير شرح ألفية الحافظ
العراقي (14)
(المعلل - المضطرب - المدرج)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ولذلك مشى على ظاهره جمع من الحفاظ وصححوه، والإمام البخاري
أدرك هذه العلة في قصة معروفة، ومحاورة مشهورة بين الإمامين
البخاري ومسلم، ومع ذلك الحافظ العراقي يشكك في هذه القصة إلا
أن ابن حجر وغيره من أهل العلم يثبتونها.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد،
وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: كيف نوجه تعليل بعض الأئمة لبعض الأحاديث بأحاديث
أخر، وردها إليها مع كوننا لا يظهر لنا وجه تشابه بين
الحديثين؟
إذا لم يظهر وجه التشابه، وثبت هذا التعليل عن إمام معتبر؛
فسببه التقصير، أو القصور؛ التقصير أو القصور في فهم كلام
الإمام.
يقول: ما ضابط تعليل الأحاديث باتحاد المخرج؛ فترد الأحاديث
إلى حديث واحد بناءً على اتحاد المخرج؛ فهل كلما اتحد مخرج
الأحاديث، وتشابهت في متونها حكمنا بأنها حديث واحد؟
إذا جاءت مسوقة سياقاً واحداً ولو مرة في كتاب معتبر فإنها تعد
حديثاً واحداً، وأما إذا فرقت؛ رويت مفرقة، وذكر لها مناسبات
متعددة؛ فإنها حينئذ تكون أحاديث، ولو اتحد مخرجها، وتقاربت
معانيها.
يقول: ما الجواب عما رواه الإمام مسلم في صحيحة برقم (68، 69،
70) حيث روى ثلاثة أحاديث كلها من طريق الشعبي عن جرير -رضي
الله عنه-، وساقها على أنها ثلاثة أحاديث، فالأول عن منصور عن
الشعبي عن جرير: أنه سمعه يقول: "أيما عبد أبق من مواليه، فقد
كفر حتى يرجع إليهم"، قال منصور: قد –والله- روي عن النبي -صلى
الله عليه وسلم-، ولكني أكره أن يروى ههنا بالبصرة.
لما يخشى من روايته، وإلقاءه على بعض الناس التي فيهم ميل إلى
مذهب الخوارج؛ لأن هذا يؤيد بدعتهم، ويدفعهم إلى الأمام،
ويحملون مثل هذا الكفر على الكفر المخرج، فمثل هذا لا يلقى إلا
مبيناً معناه في مثل هذا المجتمع، الذي أشار إليه في وقته؛
أعني البصرة.
(14/1)
وهكذا جميع النصوص؛ نصوص الكتاب والسنة هي
علاج لآفات تقع في المجتمعات الإسلامية، وللأفراد –أيضاً- فمن
شمت منه رائحة الزيادة والغلو، فإنها لا تلقى إليه أحاديث
الوعيد مجردة؛ بل لا بد أن يضاف إليها أحاديث الوعد، وأما من
كان بضد ذلك؛ عنده شيء من التفريط، عنده شيء من التراخي، عنده
شيء من التساهل، فإن أحاديث الوعد لا تلقى إليه مجردة؛ بل لا
بد أن يضاف إليها شيء من أحاديث الوعيد، أما من كان متوسطاً في
شئونه كلها، سالكاً الصراط المستقيم، والسبيل الأقوم؛ فإن مثل
هذا لا مانع أن تلقى إليه أحاديث الوعد وحدها، وأحاديث الوعيد
وحدها.
هذا الأول "والثاني: عن داود عن الشعبي عن جرير قال: قال رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيما عبد أبق فقد برئت منه
الذمة))، والثالث: عن مغيرة عن الشعبي قال: كان جرير بن
عبدالله يحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أبق
العبد لم تقبل له صلاة))، وقد ساق الإمام مسلم هذه الأحاديث
الثلاثة على أن كلاً منها حديث مستقل؛ مع أن مخرجها متحد،
ومتونها متشابهة، لكن الأول: ((فقد كفر))، والثاني: ((برئت منه
الذمة)) " هذا حكم آخر "والثالث: ((لم تقبل له صلاة))، فهي
أحاديث ثلاثة" وظاهر الاختلاف بينها.
يقول: سؤالي عن كيفية الجمع بين كتب السنة يقصد، هل يلزم من
ذلك أني أقرأ صحيح البخاري كاملاً ثم مسلم، ثم أخرج الطرق أم
أن هناك طريقة أخرى؟
الطريقة التي شرحناها تقرأ حديثاً حديثاً من البخاري، ثم تخرجه
حالاً من الكتب الأخرى الستة إلى أن تنتهي، وجاء من بعض الأخوة
أنهم هل يبدءون بهذه الطريقة، أويبدءون بالمتون الصغيرة؟
المسألة مفترضة في طالب علم قد أنهى المتون الصغيرة التي تحفظ؛
لأن هذه طريقة للتفقه في كتب السنة، وهذه من أنفع ما يكون
لطالب العلم لا سيما إذا كانت حافظته لا تسعفه للحفظ، فإن هذه
المتون ترسخ في ذهنه، بعد معاناتها ترسخ.
يقول: تحاشا الإمام مسلم حديث عكرمة مطلقاً، وأخرج في صحيحه
لسويد بن سعيد، ومعروف البون الكبير بين الرجلين؛ فكيف نفسر
ذلك؟
(14/2)
الإمام مسلم لا يلزم باجتهاد غيره، وإلا
عكرمة قد خرج له البخاري، ولم يخرج له مسلم، والإمام مسلم خرج
لأناس لم يخرج لهم البخاري، وكل له اجتهاده، وكل له نظره في
أحاديث ومرويات هؤلاء الرواة.
يقول: أرجو لو تذكر الطلاب بالعمل بالعلم فإني أرى على سبيل
المثال أن بعضهم قد هجر بعض السنن مثل السلام فلا يسلم إلا على
من يعرف، وهذا تجفيف لمنابع الأخوة والمحبة.
لا شك أن بذل السلام لمن يعرف ومن لا يعرف هذا هو السبيل
الوحيد لزرع المحبة بين المسلمين، وجاء في الحديث: ((لن تدخلوا
الجنة حتى تحابوا ألا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا
السلام بينكم))، ومن علامات قرب الساعة أن يكون السلام
للمعرفة، وجاء الأمر بإلقاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف.
يقول: كيف نجمع بين قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن
الطائفة المنصورة على الحق منصورة، نحن نرى حال أهل الحق اليوم
في ضعف، وأعداء الله يظلمونهمـ، ويبغون عليهم فما المقصود
بالنصر إذن؟
أولاً مسألة الابتلاء سنة إلهية يبتلى المرء تكفيراً لذنوبه،
ورفعاً لدرجاته، ولو كان منصوراً في حقيقة الأمر، ولو أدى ذلك
إلى قتله، فالنصر أعم من أن يكون انتصاراً في معركة، أو ظهور
كلمة، وقبول بين الناس، النصرة أعظم من ذلك، فالقتل نصر كما
جاء في قصة الغلام؛ لم يستطيعوا قتله حتى دلهم على ذلك، وعد
هذا نصر مبين، حيث دخل في دين الله أفواج لم يكونوا ليدخلوا
لولا أنه قتل، فقتله نصر.
يقول: ذكرت أن البوفية المفتوح حرام؛ لأن المشتري سيأخذ أكثر
من حقه ألا يشكل على هذا أن البائع قد رضي بذلك، فهو يعلم أن
المشتري قد يأخذ أكثر من حقه، فكأنه خفض له السعر، وقولك: إنه
ثمن معلوم بسلعة مجهولة؛ ألا يكون هذا مثل من يؤجر نفسه على
شبع بطنه، كما يؤجر أجدادنا؟
(14/3)
لا، لا؛ التنظير غير مطابق؛ أولاً: كون
البائع يرضى بذلك الرضا لا يكفي، لا بد من توافر شروط البيع
السبعة فلا يكفي الرضا، نعم الرضا شرط من شروط صحة البيع، لكن
–أيضاً- أن يكون الثمن معلوماً، والمثمن معلوم، هذان شرطان،
فلا بد من أن يكونا معلومين، ولا يرضى البائع بمثل هذا إلا إذا
طمع بأن أعداداً كبيرة سوف يأخذون من هذا الأكل أقل مما دفعوا،
أنتم ترون أن العقود المجهولة في التأمينات وغيرها من العقود
لا يقدمون عليها رحمة بالناس ولا رأفة بهم، إنما يقدمون لأن
واحداً من هؤلاء المتعاقدين، أو عشرة، أو مائة، أو ألف؛ يأخذون
أكثر مما أعطوا، ومائة ألف، أو أكثر من ذلك يأخذون أقل،
والجهالة ظاهرة في مثل هذا.
وقولك: إنه ثمن معلوم بسلعة مجهولة ألا يكون هذا مثل من يؤجر
نفسه على شبع بطنه، كما يفعل أجدادنا؟
أولاً: هو لا يؤجر نفسه على شبع بطنه، على الأكل، والأكل الذي
يتحكم فيه، الأكل الذي يتحكم فيه المطعم، المستأجر فلن يعطيه
أكثر مما يعمل عنده، وإذا جربه في اليوم الأول والثاني، ووجده
يأكل أكثر فسخ العقد، ولن يتردد بذلك.
ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه أن السائل لمسلم لتأليف كتابه
صاحب له اسمه أحمد بن سلمة؛ فهل هذا صحيح؟
نعم جاء ذكره؛ جاء ذكره أحمد بن سلمة في ثنايا الكتاب، لكنه
قليل، والراوي للكتاب هو إبراهيم بن سفيان.
يقول: ما الراجح في رواية إبراهيم النخعي عن ابن مسعود؟ يعني
من حيث الاتصال والانقطاع، وما الراجح في رواية عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده، وهل اطلعتم على مخطوط لكتاب البلقيني أو
العلائي في الكلام على هذه السلسلة؟
(14/4)
على كل حال الكلام في الرواة والاتصال
والانقطاع أمر معروف عند أهل العلم، ومدون ومضبوط ومتقن، وأما
ما يتعلق برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فالخلاف فيها
طويل بين أهل العلم، وأيضاً مشهور ومتداول ومنهم من يضعفها
مطلقاً للاختلاف في عود الضمير في جده؛ هل يعود على عمرو؟
فيكون الجد محمد، أو يعود على الأب الذي هو شعيب؟ فيكون الجد
عبد الله بن عمرو، وهذا الخلاف لا شك أن له أثر، فإن قلنا إن
الجد محمد قلنا: مرسل، وإن قلنا: إن الجد عبد الله بن عمرو بن
العاص من أهل العلم من يرى أن شعيب لم يلق جده عبد الله بن
عمرو فيكون منقطع من هذه الجهة، وهذه حجة من ضعف السلسلة
مطلقاً، وأما من صححها فهو قول لبعض العلماء؛ يقول: إن الضمائر
معروفة، وجاء التصريح بالجد في روايات عند أحمد والنسائي
وغيرهما عن جده عبد الله بن عمرو، فتحرر الضمير، وأن الضمير في
جده يعود إلى شعيب، الذي هو الأب، أما رواية شعيب عن جده عبد
الله بن عمرو؛ فأثبتها جمع من أهل العلم، وقالوا: إنه تربى في
حجره، وروى عنه، وسمع منه، وحينئذ التوسط في أمر هذه السلسلة
أنها من قبيل الحسن.
الذي لا يستطيع أن يحفظ البلوغ، والمحرر، وكتب الحديث الستة؛
فهل يكفي أن يقرأ البلوغ مثلاً؛ حتى يمر على أحاديثه، أم أن
ذلك لا ينفعه فيقرأ شيئاً آخراً من كتب العلم، وما هو أفضل شرح
لبلوغ المرام؟
الذي لا يستطيع أن يحفظ عليه بالتعب، الذي لا يستطيع أن يحفظ
عليه بالتعب، في تحصيل العلم، يعني قد يتعب في الحفظ ولا
يستطيع، لكن إذا تعب وراء ذلك، وردد الحديث، وكتبه بيده
مراراً، وشرحه، ورجع في شرحه إلى كتب أهل العلم لا بد أن يقر
في ذهنه شيء، هذه طريقة المعاناة والحفر، لا بد أن يثبت في
ذهنه شيء، مهما بلغت حافظته من الضعف؛ فمثل هذا الذي لا يحفظ
بسرعة لا بد من المعاناة والتعب، فإذا كان لا يحفظ بمجرد
القراءة يكتب؛ يكتب الحديث مرة مرتين ثلاث عشر حتى يحفظه، وإذا
لم يستطيع –أيضاً- يشرح هذا الحديث، ويحلل هذا الحديث كلمة
كلمة بالرجوع إلى المصادر، وحينئذ لا بد أن يحفظ، مهما كان ضعف
حافظته.
(14/5)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم
وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال العراقي -رحمه الله تعالى-:
المعلل:
وسم ما بعلة مشمول ... معللا ولا تقل: معلول
وهي عبارة عن أسباب طرت ... فيها غموض وخفاء أثرت
تدرك بالخلاف والتفرد ... مع قرائن تضم يهتدي
جهبذها إلى اطلاعه على ... تصويب إرسال لما قد وصلا
أو وقف ما يرفع، أو متن دخل ... في غيره، أو وهم واهم حصل
ظن فأمضى، أو وقف فأحجما ... مع كونه ظاهره أن سلما
وهي تجيء غالبا في السند ... تقدح في المتن بقطع مسند
أو وقف مرفوع، وقد لا تقدح ... : كـ ((البيعان بالخيار)) صرحوا
بوهم يعلى بن عبيد أبدلا ... عمراً بعبد الله حين نقلا
وعلة المتن كنفي البسملة ... إذ ظن راو نفيها فنقله
وصح أن أنساً يقول: لا ... أحفظ شيئا فيه حين سئلا
وكثر التعليل بالإرسال ... للوصل إن يقوَ على اتصال
وقد يعلون بكل قدح ... فسق، وغفلة، ونوع جرح
ومنهم من يطلق اسم العلة ... لغير قادح كوصل ثقة
يقول: معلول صحيح كالذي ... يقول: صح مع شذوذ احتذي
والنسخ سمى الترمذي عله ... فإن يرد في عمل فاجنح له
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله
نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "وهي" يعني العلة الخفية
"تجيء غالباً في السند" يعني موضع العلة الغالب فيها أنها تكون
في سند الحديث، وقد تجيء في متنه، وقد تجيء في السند والمتن
معاً، وهي يعني العلة الخفية غالباً في السند، وقليلاً في
المتن، فالأحاديث المعلة متونها أقل بكثير من الأحاديث التي
أعلت في أسانيدها.
(14/6)
فالتي في السند إذا كانت العلة في السند
كما هو الغالب، العلل تقدح في المتن، تقدح في قبول المتن؛ لأن
المتن يتبع السند، والتي في المتن إذا كانت العلة تقدح في
السند، العلة الغالبة في السند، العلة الخفية وجودها في سند
الحديث، لا بد أن يكون لها أثر في متنه، وإذا كانت في متنه فقد
تؤثر في السند، وقد لا تؤثر؛ إلا أن ضعف المروي عموماً يؤثر في
الراوي، كما أن ضعف الراوي يؤثر في المروي، إذا كان الخبر لم
يرو إلا من طريق واحدة، أما إذا كانت له طرق فلا تلازم بين ضعف
السند وضعف المتن، لا تلازم بين ضعف السند وضعف المتن، فقد
يضعف السند، ويصح المتن لوروده من طرق أخرى، يضعف السند، ويصح
المتن لوروده من طرق أخرى، وقد يضعف المتن والرواة ثقات حفاظ
لا سيما إذا لم يكثر مثل هذا الضعف في متون أحاديثهم
ومروياتهم؛ لأن الخطأ من الراوي القليل النادر لا يؤثر فيه،
فلا تلازم كما قال أهل العلم بين السند والمتن من هذه الحيثية،
من هذه الحيثية، وإلا فالأصل التلازم والترابط؛ هذا الأصل، لكن
من هذه الحيثية بحيث يروى الخبر من طرق أخرى يصح بها، ولو ضعفت
رواته في بعض الأسانيد، وهي تجيء غالباً، يعني العلة تجيء
غالباً في السند، وقليلاً في المتن، فالتي في السند "تقدح في
المتن" تقدح في قبول المتن "بقطع مسند" يعني مسند متصل "أو وقف
مرفوع" بقطع مسند، بقطع سند متصل، فالمسند هنا يراد به السند
المتصل، وقد يراد به المرفوع، فالمسند –أحياناً- يقابل به
الموقوف، لكن هنا يراد به السند بدليل القطع، فالقطع إنما يكون
في الأسانيد "أو وقف مرفوع" وغير ذلك من موانع القبول، هذه
العلة الخفية التي لم يطلع عليها إلا الواحد من الجموع تقدح في
المسند الذي ظاهره الاتصال، ظاهره الاتصال، وكم من سند يحكم
عليه بعض أهل العلم بالاتصال، ويحكم عليه بعض الجهابذة الحفاظ
بالانقطاع، وأن الراوي الملازم الحافظ الضابط الملازم لهذا
الشيخ لم يسمعه من هذا الشيخ؛ يعني من يشك في رواية نافع عن
ابن عمر؟ نعم، ما يشك فيها، فإذا جاءنا في سند مالك عن نافع عن
ابن عمر لا نتردد في قبوله، لكن قد يقول بعض الحفاظ إن نافعاً
لم يسمع هذا الحديث من ابن عمر، فهذه علة خفية قدحت في
(14/7)
هذا المسند الظاهر إسناده واتصاله.
(14/8)
أو وقف مرفوع، أو وقف مرفوع، ذكرنا مثال في
المرفوع المخرج في صحيح البخاري، وهو حديث ابن عمر الذي يرويه
عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: أنه يرفع يديه إذا قام من
الركعتين، وحكم الإمام أحمد بوقفه، من يجرؤ أن يحكم بوقفه مع
أنه مرفوع في صحيح البخاري؟ يعني الإمام أحمد، إمام بلا إشكال
ولا منازع، وله أن يحكم بمثل هذا الحكم، وهذا الذي ترجح عنده
بالقرائن، وقد يكون ترجيحه عند الإمام أحمد بعلة لا يستطيع
التعبير عنها؛ لأن هذه العلل الخفية صرح جمع من الأئمة أن
بعضها لا يستطاع أن يعلل، أحكام لا يستطاع أن تعلل، فالذي في
نفسه شيء كما يدور بين المثقفين والمتعلمين في هذه الأوقات؛
أنه لا يمكن أن يقتنع بشيء حتى يراه كالشمس، حتى يراه كالشمس،
لا يمكن أن يقتنع، مناظرة، مجادلة، محاورة؛ لا يقتنع إلا
كالشمس، فأين هو من هذا الباب؟ الذي يأتي إلى الإمام، ويقول
لك: الحديث صحيح، أو يقول: الحديث ضعيف؛ طيب ما الدليل على أنه
ضعيف؟ قال: لا؛ هكذا الحكم، وثبت هذا عن الأئمة أن هناك
أحكاماً لا يستطاع تعليلها، طيب كيف نقلد إمام ما أبدى لنا وجه
لتضعيفه؟ يقول: اذهب إلى فلان، واسأله عن الحديث؛ يسأله عن
الحديث يقول: ضعيف فيه علة، ما هذه العلة؟ الله أعلم، ويذهب
إلى ثالث، ويقول له مثل هذا الكلام، ويتواطئون على مثل هذا
الكلام؛ لكن التعليل الله أعلم، ولذا هذا الباب وهذا النوع من
أنواع علوم الحديث أشبه ما يكون بالإلهام، وليس في مثل هذا
الكلام فتح لباب دعاوى الإلهام؛ لأن من الناس من يسهل عليه بأن
يحكم، ويصحح، ويضعف، ويقول: هذا إلهام، لكن متى يصل إلى هذه
المنزلة؟ هل بالإمكان أن طالب علم مبتدئ، أو متوسط يصل إلى هذه
المرحلة، ويقول: إلهام؛ يدعي أنه يوحى إليه، وهذا مهيع واسع،
ومضيعة حصلت لبعض المنتسبين إلى العلم ممن فيه رائحة تصوف؛
تجده يقول: ألقي علي، أو ألقي في روعي، أو جاءني في المنام من
يقول: الحديث صحيح، الحديث ضعيف، لكن هذا الكلام مقبول وإلا
مردود؟ مردود، مِن مَن ينتسب إلى العلم من المكثرين في هذا
الباب؛ كالسيوطي مثلاً، يزعم أنه يرى النبي -عليه الصلاة
والسلام- يقظة، ويصحح له ويضعف، أما رؤية النبي -عليه الصلاة
والسلام-
(14/9)
في اليقظة هذه مستحيلة؛ لأنه -عليه الصلاة
والسلام- قد مات: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}
[(30) سورة الزمر]، من شك في موته؛ الموت الذي فيه مفارقة
الروح للبدن؛ هذا مكذب للقرآن، لكن حياته -عليه الصلاة
والسلام-، وحياة الأنبياء أكمل من حياة الشهداء، لكنها حياة
برزخية لا تضاهي حياة الأحياء الذين أرواحهم في أبدانهم،
يصححون، وبعضهم يرى النبي -عليه الصلاة والسلام- في المنام،
ويسأله عن أحاديث، ويجيبه، ويسأله عن أحكام ويجيبه، النبي
-عليه الصلاة والسلام- من رآه في المنام فقد رآه بالفعل؛ لأن
الشيطان لا يتلبس به، فهل نقبل مثل هذا التصحيح، ومثل هذا
التضعيف، ونقبل مثل هذه الأحكام المنقولة عنه -عليه الصلاة
والسلام- في المنام نجزم بأنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام-
في المنام؛ لأن الشيطان لا يتلبس به، فهل يقبل النقل عنه -عليه
الصلاة والسلام- في المنام؟ أما ما يخالف ما ثبت عنه، فالدين
كمل بموته -عليه الصلاة والسلام- فلا حكم يقبل في مثل هذه
الحالة، والتصحيح والتضعيف من شرطه أن يكون الناقل حافظاً
ضابطاً، والنائم ليست هذه صفته، تخلف فيه شرط الحفظ والضبط
والإتقان؛ لأن من شرط الراوي أن يكون يقظاً، أو يقُظاً كما
قالوا بضم القاف، والنائم لا يمكن أن يكون على هيئته التامة
كاليقظة أبداً، بدليل أنه يرى الرؤيا وإذا قام يقصها نسي
أكثرها، لا سيما إذا كانت ذات فصول ومراحل، فلا يقبل مثل هذا
الكلام البتة، وقد فتح بعض المتصوفة هذا الباب على مصراعيه
ولبسوا على الناس، ثم تدرجوا إلى أن وصلوا إلى حد يجتمعون فيه
على حد زعمهم مع النبي -عليه الصلاة والسلام- متى أرادوا، ولا
شك أن هذا ضلال، ووسيلة إلى تعطيل الدين، والتلبيس على
المسلمين -نسأل الله السلامة والعافية-، وفي تراجم من يدعى
فيهم الولاية وفي طبقاتهم أشياء لا تخطر على البال، وتبدأ من
أشياء يسيرة يدعيها الشخص لنفسه، أو تدعى له، ثم بعد ذلك
يستدرج إلى أن يدعي لنفسه ما ليس بواقع، وبعضهم كما قال الحافظ
الذهبي -رحمه الله- في السير: يجوع نفسه أياماً يصل بعضهم إلى
الأربعين -إن ثبت- إن لم يأكل خفية بعد، إن ثبت أنه يمكن أن
يعيش الإنسان مدة أربعين يوم بدون
(14/10)
أكل؛ يفعلون هذا فيما يدعونه، ثم بعد ذلك
يزعمون المكاشفات، والتجليات، والحافظ الذهبي يقول: هذه هلوسة،
سببها الجوع، سببها الجوع، وهذا صحيح، أذكر مرة خرجنا مسافرين
ومعنا الأكل، الأكل جاهز، وبعد صيام أفطرنا، وخرجنا، وقلنا
نأكل هذا الأكل في الطريق، صاحب السيارة يقول: ننتظر ننتظر،
ننتظر، فقال واحد معنا من الركاب من الإخوان: لماذا هؤلاء
الجماعة يصلون إلى جهة الشرق؟ قلت: كيف يصلون إلى جهة الشرق؟
ماذا يقصد بذلك؟ فيه آلات البنزين هذه التي يعبأ منها مصفوفة
إلى جهة الشرق مثلاً؛ يقول: إنهم يصلون إلى جهة، سببه إيش؟
الجوع، سببه الجوع، والإشكال أنهم يبنون على هذا أحكام،
ويحكمون على غيرهم من خلال هذه التجليات، وهذه المكاشفات،
وتدعى فيهم الولاية وينسب لهم أشياء لا تخطر على عاقل، فمنهم
من دخل في هذا الباب وصحح وضعف، ووهم الأئمة بمثل هذه
المكاشفات، وهذا لا شك أنه ضلال، نسأل الله السلامة والعافية.
"أو وقف مرفوع" يعني وغير ذلك من موانع القبول "وقد لا تقدح"
وقد لا تقدح في المتن بأن يتعدد السند، ويقوى الاتصال من جهة
أخرى، أو تكون هذه العلة مؤثرة بالنسبة لضبط الراوي لكن لا أثر
لها في واقع الخبر، مؤثرة في ضبط الراوي لكن لا أثر لها في
الخبر، يرد في السند مثلاً من الأسماء المهملة سفيان أو حماد؛
مثلاً، ولا يستطاع تمييزه، ولا يوصل إلى حقيقته؛ هل هو سفيان
الثوري، أو سفيان بن عيينة، أو حماد بن سلمة، أو حماد بن زيد؟
ويسأل الراوي، ويقال أيهما؟ فلا يدري، الراوي عنه، يقال: من
تريد بسفيان؟ يقول: نسيت، لا شك أن هذا فيه خلل في ضبطه، لكنها
لا تؤثر في الحديث؛ لأنه سواءٌ كان سفيان الثوري، أو ابن
عيينة؛ أينما دار فهو على ثقة، ونقول مثله في حماد.
(14/11)
والطريق لتمييز السفيانين والحمادين أشار
إليها الحافظ الذهبي -رحمه الله- في أواخر الجزء السابع من
السير، الجزء السابع من السير، وعلى كل حال إذا حصل مثل هذا
الاختلاف الذي لا يوصل إلى حقيقته، وفي رواة البخاري من هذا
النوع كثير، حدثنا محمد، ولا نستطيع أن نميز من محمد؛ لكن جميع
المحمدين في صحيح البخاري كلهم ثقات؛ فأينما دار فهو على ثقة؟
فعدم تعيين الراوي، وإهماله من قبل من روى عنه، ونسيانه ممن
بعده، أو من الراوي عنه؛ قد يحدث عن سفيان مثلاً، وبعد أربعين
سنة قال: -والله- أي سفيان؟ يقول: نسيت، نحن رأينا في كتب أهل
العلم أقوال منسوبة إلى سفيان، سفيان في مراتب العلم مثلاً
نسبها القرطبي إلى الثوري، وابن حجر قال: قال سفيان بن عيينة
مثل هذا لا شك أنه مؤثر؛ لأنه هو مصدر القول، هو مصدر القول،
ومن بركة العلم كما يقول العلماء إضافة القول إلى قائله، أما
إذا كان ينقله عن غيره، وليس بمصدر للقول، والخلاف بين الاثنين
غير مؤثر؛ فإن هذا لا يضر، وهذا هو الموجود في الأحاديث، أما
إذا كان القول منسوب إليه، وهو مصدره؛ فلا بد من تعيينه، أو
يلقى على الشك والتردد، فيقال: قال سفيان، ولا ندري أهو ابن
عيينة أو الثوري؟ فالمراتب التي يتتدرج فيها في التعلم؛ الست
التي ذكرت عن سفيان هي في الأصل سفيان مهمل، وقال الحافظ ابن
حجر: قال سفيان بن عيينة، والقرطبي يقول: قال سفيان الثوري،
وهذا الأمر –أيضاً- حينما ينسب إلى هؤلاء أمره أسهل من جهة أنه
كلام غير ملزم؛ كلام منسوب إلى متأخر، فليس بحجة وليس بملزم،
لكنه مفيد لطالب العلم، فهو من هذه الحيثية أسهل، ومن جهة أنه
هو مصدر الكلام، ولا بد من معرفة القائل لينسب إليه كلامه،
ويتحمل تبعات هذا الكلام، فإن تعيينه أشد حاجة من حاجة تعيينه
إذا ورد في إسناد؛ لأنه أينما دار فقد دار على ثقة.
أو ووقف مرفوع وقد لا تقدح ... كـ: ((البعيان بالخيار)) صرحوا
(14/12)
الكاف هذه جارة؛ جارة وإلا غير جارة؟ تجر
مدخولة، وإلا ما تجر؟ تجر؛ هي من حروف الجر، والبيعان؛ مجرور
وإلا مرفوع؟ مرفوع على إيش؟ الحكاية، فالناظم يحكي ما جاء في
الحديث: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)) فهو يحكي ما في
الحديث "كالبيعان بالخيار" كحديث: ((البيعان بالخيار ما لم
يتفرقا)) المروي عن عبد الله بن دينار، المروي عن عبد الله بن
دينار "صرحوا" يعني النقاد صرحوا بوهم راويه، "صرحوا بوهم"
راويه "يعلى بن عبيد" الطنافسي إذ "أبدلا" أبدلا ونقلا؛ الألف
هذه ألف إيش؟ التثنية:
وهي كل اثنين النحو التزما ... فمسلم مع البخاري هما
نعم، ألف الإطلاق؛ الأصل يعلى بن عبيد أبدل، باللام بدون ألف؛
ألف الإطلاق "بوهم" راويه "يعلى بن عبيد" الطنافسي إذ "أبدلا"
هذه ألف الإطلاق، وليست ألف التثنية، فلا نقول: أبدلا المراد
بهما البخاري ومسلم على ما جاء في الخطبة في المقدمة:
وهي كل اثنين النحو التزما ... فمسلم مع البخاري هما
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذه ألف إطلاق، والضمير يعود إلى واحد، وهو يعلى بن عبيد
"أبدلا عمراً" وهو ابن دينار "بعبد الله" بن دينار، أبدل عمرو
بعبد الله، الآن الحديث معروف بعبد الله بن دينار من روايته،
ويعلى بن عبيد أبدل عمراً بعبد الله، الباء هذه داخلة على إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
المتروك، إذا قلت: أبدلت هذا الكتاب بهذا الكتاب؛ فأيهما
المأخوذ، وأيهما المتروك؟ أبدلت صحيح مسلم بصحيح البخاري؛ نعم
أيهما المأخوذ؟ إذا قلت: أبدلت صحيح مسلم بصحيح البخاري؛
المأخوذ أيش؟
طالب:. . . . . . . . .
والمتروك؟
طالب:. . . . . . . . .
(14/13)
يعني هل هذا هو الصحيح لغةً، أو من باب
القياس على ما عندنا؟ لأننا قلنا: إن الباء دخلت على المتروك،
فإذا قلنا بصحيح البخاري نظرنا هذه المسألة بهذا المثال قلنا:
إن المأخوذ صحيح مسلم، المتروك صحيح البخاري، مع أنه في الأصل
العكس، فرق بين التبديل والإبدال عندهم، هنا الباء داخلة على
المتروك؛ لأن الواقع يشهد بذلك، الحديث حديث مروي من طريق عبد
الله بن دينار، جعل عمرو بن دينار بدلاً من عبد الله بن دينار
يعلى بن عبيد، والباء هنا داخلة على المتروك؛ لأن الواقع هو
هذا، تشبيهاً للإبدال بالتبديل، أو بالتبدل، وهو خلاف ما عليه
أئمة اللغة من أنها تدخل على المأخوذ في الإبدال مطلقاً، إذا
قلت: أبدلت صحيح مسلم بصحيح البخاري؛ معناه أنني دفعت صحيح
مسلم، وأخذت صحيح البخاري، وهو خلاف ما عليه أئمة اللغة من
أنها تدخل على المأخوذ في الإبدال مطلقاً، وفي التبديل، وعلى
المتروك في الاستبدال والتبدل، وعلى المتروك في الاستبدال:
{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ
خَيْرٌ} فالمتروك الذي دخلت عليه الباء، ولو كان العكس لما
ذموا، لمدحوا لاستحقوا المدح لا الذم "بعبد الله" يعني بن
دينار "حين نقلا" هل هذه العلة مؤثرة، وإلا غير مؤثرة؟ غير
مؤثرة لماذا؟ لأن كلاً من عمرو وعبد الله ثقة، فهي في الحقيقة
غير مؤثرة، لكن كونها صدرت من هذا الراوي، وأبدل واحداً بواحد
هذا خطأ؛ يعني يحسب عليه، لو كثر الإبدال عنده في أسماء
الرواة؛ ولو لم تؤثر على الخبر لقدحت فيه، يعني إذا كثر الخطأ
عند الراوي، ولو لم يكن هذا الخطأ مؤثراً؛ لقدح في ضبطه، لكنه
لما صار قليلاً، خطأ؛ يعني يقبل القليل، ومن يعرو من الخطأ
والنسيان، ومالك نجم السنن حفظت عليه بعض الأوهام:
ومالك سمى ابن عثمان عمر ... . . . . . . . . .
والحفاظ كلهم على أنه عمرو بن عثمان؛ على ما تقدم في المنكر:
نحو كل البلح بالتمر الخبر ... ومالك سمى ابن عثمان عمر
قلت: فماذا بل حديث نزعه ... خاتمه عند الخلاء ووضعه
على ما تقدم في المنكر، ثم بعد هذا ذكر الناظم -رحمه الله
تعالى- العلة في المتن؛ لأنه قال:
وهي تجيء غالباً في السند ... . . . . . . . . .
(14/14)
وقليلاً في المتن، ذكر للمتن مثالاً:
وعلة المتن كنفي البسملة ... . . . . . . . . .
وعلة المتن القادحة فيه؛ كحديث نفي البسملة، نفي قراءة البسملة
في الصلاة المروي عن أنس في صحيح مسلم، نفي البسملة: "صليت خلف
أبي بكر وعمر وعثمان .. "، قبل ذلك قال: "صليت خلف رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكلهم يستفتحون
القراءة بالحمد لله رب العالمين"، في رواية في بعض روايات
الخبر: "لا يذكرون: بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة،
ولا في آخرها" هذه العلة لا شك أنها خلاف الواقع، منشأ هذه
العلة أن الراوي توهم من قول أنس: "يستفتحون القراءة بالحمد
لله رب العالمين" أنهم لا يذكرونها، إذا كانت القراءة تبدأ
بلفظ: "الحمد لله رب العالمين"، فمقتضاه أنها لا تذكر البسملة،
هو توهم هذا، ونقله على حسب وهمه، نقله على حسب وهمه:
وعلة المتن كنفي البسملة ... إذ ظن راو نفيها فنقله
(14/15)
"إذ ظن راو نفيها فنقله" ففهم من قول أنس:
"كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين"، "يستفتحون
الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين" فتوهم وظن
أنهم لا يذكرون "بسم الله الرحمن الرحيم" في أول القراءة، ولا
في آخرها "فنقله" نقل ما توهم، وننسبه إلى أنس، وقد أخطأ في
وهمه، وفي ظنه؛ لأن معنى "يستفتحون القراءة بالحمد لله رب
العالمين" أنهم يستفتحون القراءة بهذه السورة، بهذه السورة،
وليس فيه تعرض للبسملة؛ لا بنفي ولا إثبات، هذا عند من يقول:
بأن البسملة ليست بآية من الفاتحة، أما من يقول: إن البسملة
آية من الفاتحة، فجعل الحمد لله رب العالمين اسم السورة بما
فيها البسملة، أقول يا الإخوان: نفي البسملة المصرح به من قبل
الراوي الذي فهم الحديث على غير وجهه، فنفى البسملة، قال: "لا
يذكرون بسم الله"، هذه علة المتن التي فيها نفي الذكر،
والتنصيص على البسملة، أنس في حديثه يقول: "كانوا يستفتحون
الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين" ليس فيها
تعرض لنفي بسملة ولا إثبات، وكل على مذهبه، من يقول أن البسملة
آية من الفاتحة هذا ما عنده مشكلة، ولما وصف أنس -رضي الله
عنه- قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كانت قراءته
مداً"؛ فقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم"، لما سئل عن قراءته،
قال: "كانت قراءته مداً بسم الله الرحمن الرحيم، يمد بسم الله،
ويمد الرحمن، ويمد الرحيم، فدل على أنه يقرأ بسم الله الرحمن
الرحيم، على أن المسألة: السؤال هل هو عن القراءة داخل الصلاة،
أو خارج الصلاة؟ المسألة يطول بحثها المقصود أن الراوي فهم من
حديث: "يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" أنهم لا
يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، أنهم لا يذكرون بسم الله
الرحمن الرحيم، فصار يحدث به، يحدث على ضوء ما فهم، وهذه آفة
دخلت على هذا الراوي، ودخلت على كثير من طلاب العلم، تجده يفهم
من شيخه أو عن شيخ في حال من الأحوال لظرف من الظروف؛ يفهم منه
أنه لا يصلي تحية المسجد مثلاً، دخل مرة وهو مستعجل أو كذا، أو
فعل، أو نسي مثلاً؛ فصار ينقل عنه: إن الشيخ فلان مداوم على
عدم تحية المسجد، لا سيما في أوقات النهي مثلاً، فهو غلب، أو
(14/16)
فهم أنه لا يصلي؛ يعني توقع هذا منه لظرف
من الظروف حصل منه، فصار ينقله بإطلاق، فتبعاً لهذا الوهم صار
يشيعه بين الناس، وكم من قول أو فعل ألصق بشخص وهو منه بريء؛
بناء على فهم من نقله، على فهم من نقله.
"إذ ظن راو نفيها" أي البسملة "فنقله" تصريحاً.
وصح أن أنساً يقول: "لا ... أحفظ شيئاً فيه" حين سألا
الألف هذه للإطلاق، سأله أبو سلمة سعيد بن يزيد: أكان رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح بالحمد لله رب العالمين، أو
ببسم الله الرحمن الرحيم؟ فذكر أنه لا يحفظ شيئاً، وهذا السؤال
متأخر جداً؛ يعني بعدما كبرت سنه، ونسي -رضي الله عنه- وأرضاه،
وإلا الرواية الثابتة عنه: "أنهم كانوا يستفتحون القراءة
بالحمد لله رب العالمين" ومن مقتضى قراءة الحمد أنهم يذكرون
بسم الله الرحمن الرحيم؛ لإجماع الصحابة على ذكرها في أوائل
السور، فلا تقرأ السورة تبعاً لهذا الاتفاق إلا أن تقرأ معها
البسملة، وهذا قول جمهور أهل العلم، قول الجمهور، وأما بالنسبة
للمالكية فلا يرون في الصلاة لا استفتاح ولا استعاذة ولا
بسملة، كما هو معروف، الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-، وهو
الذي يسعى جاهداً لصيانة الصحيح وجه هذه الرواية على وجه
مقبول، فحمل نفي الذكر على نفي السماع، حمل نفي الذكر على نفي
السماع، فصحح هذه الرواية، وقال: كون أنس يقول: لا يذكرون؛
يعني أنه لم يسمع، ونفي السماع سببه نفي الجهر، نفي السماع
سببه نفي الجهر، فمقتضى الرواية أنهم لا يجهرون، لا يذكرون بسم
الله الرحمن الرحيم جهراً، لا في أول القراءة، ولا في آخرها،
ولا شك أن مثل هذا مبالغة في نفي ما أريد نفيه، إذ البسملة في
أول القراءة لا في آخرها، وقد يقول قائل: إن المراد بالقراءة
في آخرها للسورة التي تليها، وقد يقول قائل: عن هذا من باب
المبالغة في النفي كما جاء في حديث: ((إن الشمس والقمر آيتان
من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) يعني ما قال
أحد، ولا العرب في الجاهلية قالوا: إن الشمس تنكسف لحياة أحد،
وإنما تنكسف لموته قالوا، فمن باب المبالغة في النفي قيل: ((لا
ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)).
وصح أن أنس يقول لا ... أحفظ شيئاً فيه حين سألا
(14/17)
وكثر التعليل بالإرسال ... . . . . . . . .
.
لما قدم أن العلة الأصل فيها أن تكون خفية:
وهي عبارة عن أسباب طرت ... فيها غموض وخفاء أثرت
فالعلة هي السبب الخفي الغامض الذي يقدح في الحديث الذي ظاهره
السلامة منها، لكنهم لا يقتصرون في كتب العلل، وفي تعليل
الأخبار لا يقتصرون على الغامض، الغامض هو الأصل في هذا الباب،
لكن قد يعللون بالظاهر، والعلة من حيث معناها الأصلي تشمل
الظاهرة، وتشمل الخفية، تشمل الظاهرة، وتشمل الخفية، نظير
العلل التي تكون في الأبدان، منها الجرح الظاهر، والكسر
الظاهر، ومنها العلل الخفية الباطنية التي قد لا يصل إليها
كثير من الأطباء؛ كلها علل، كلها تقدح في صحة هذا الشخص،
والعلل الظاهرة، والخفية كلها تقدح في صحة المروي، لكنهم في
الأصل في هذا الباب الذي يعظم العلماء من شأنه إنما يقصدون به
العلل الخفية، ويجعلون الحد والتعريف للعلل قاصر على الخفية،
وهنا يقول: كثر التعليل بالإرسال الظاهر، فبعد أن قدم أن العلة
تكون خفية بين أنها قد تكون ظاهرة، فقال: "كثر" يعني من الأئمة
المتقدمين لا سيما من صنف في العلل تجدون في كتب العلل، العلل
الظاهرة كما تجدون العلل الخفية، "وكثر التعليل بالإرسال
للوصل" وأيضاً كثر التعليل بالوقف للرفع "إن يقوَ على الاتصال"
إن يقوى الإرسال والوقف حيث يرجح على ضده؛ "إن يقوَ" يعني على
ضده من الاتصال والرفع، إذا كان أقوى من ضده، بأن دلت القرائن
على رجحانه، أو كون رواته أكثر، أو أحفظ، أو أكثر ملازمة لشيوخ
"إن يقوَ على اتصال" فهم يعلون بالإرسال.
وقد يعلون الحديث بكل قدح:
وقد يعلون بكل قدح ... . . . . . . . . .
يعلون الحديث بكل قدح، يعني ظاهر "فسق" في راويه "وغفلة" منه
"ونوع جرح":
وقد يعلون بكل قدح ... فسق وغفلة ونوع جرح
كسوء حفظ، وفحش غلط، ومخالفة ثقات، وما أشبه ذلك، يعلون بالعلل
القادحة، وإن كانت ظاهرة، مثل فسق الراوي، فتجدون في كتب العلل
تضعيف حديث؛ لأن فلان فاسق، راويه فاسق، يزاول معصية، ويعلونه
بأنه فيه غفلة، أن راويه فيه غفلة، وهذه العلل الظاهرة موجودة
في كتب العلل كوجود العلل الخفية، لكن الأصل في هذه الباب هو
العلل الخفية:
(14/18)
ومنهم من يطلق اسم العلة ... لغير قادح
كوصل ثقة
يطلقون اسم العلة، يعني الأصل أن تطلق على الخفية، ثم توسعوا،
فأطلقوها على الظاهرة، ثم توسعوا على غير القادح؛ توسعاً، وهذا
موجود في كلام أبي يعلى الخليلي في الإرشاد، أطلق العلة لغير
قادح، يعني على غير قادح، وزعم أن من الصحيح ما هو صحيح معلول،
صحيح معلول:
. . . . . . . . . ... لغير قادح كوصل ثقة
ضابط حيث "يقول: " الخليلي في الإرشاد "معلول صحيح" ومعلول
متفق عليه، وصحيح متفق عليه، وصحيح مختلف فيه "معلول صحيح
كالذي يقول" وهو الحاكم "صح مع شذوذ" يعني من الصحيح ما هو
شاذ، من الصحيح ما هو معلول، يعني بعلة غير قادحة، ومن الصحيح
ما هو شاذ، وإن كان مرجوحاً، وإن كان مرجوحاً، وقد تقدم في حد
الصحيح أن العلة التي أشير إليها في الحد هي العلة القادحة،
فدل على أن العلة غير القادحة لا تنافي الصحة:
. . . . . . . . . ... وعلة قادحة فتوذي
كما أشار الحافظ العراقي في أول الألفية، ومن الصحيح ما هو
صحيح شاذ، يعني الأحاديث الصحاح فيها ما هو صحيح، وما هو أصح،
الصحاح فيها ما هو صحيح، وما هو أصح، فمثلاً حديث قصة جمل جابر
حينما اشتراه النبي -عليه الصلاة والسلام-، أوردها البخاري في
عشرين موضع من صحيحه، واستنبط منها أحكام، وجاء في هذه المواضع
اشتراط الحُملان، وعدم اشتراطه، وجاء فيه –أيضاً-، جاء فيها
كون الثمن أوقية، وكون الثمن أقل، وكونه أكثر، والقصة واحدة،
وهذه كلها مروية بأسانيد صحيحة، رجح كون الثمن أوقية، رجح
اشتراط الحُملان، فما رجحه هو الأرجح، وما خرجه صحيح، فإذا
قلنا بأن ضابط الشاذ ما يخالف فيه الثقة من هو أوثق منه، نعم
هذه مخالفة لثقة من ثقة لمن هو أوثق منه، فعندنا حديث الأوثق
هو الأرجح، وحديث الثقة راجح صحيح، إذن نقول: حديث الثقة سالم
من الشذوذ، وحديث -الحديث المرجح- سالم من الشذوذ، وحديث الثقة
الذي صحح، وخرج في الصحيح نعم، صحيح لكنه شاذ لوجود المخالفة،
فمن الصحيح ما هو معلول في كلام أبي يعلى الخليلي، وفي الصحيح
ما هو صحيح شاذ في كلام الحاكم، وكل هذا مخرج في الصحيح.
(14/19)
وعلى كل حال الشذوذ علة، وكون الخبر مرجوح؛
مانع، إما من قبول الخبر عند من يرد الشاذ مطلقاً، أو مانع من
العمل به، مانع من العمل به عند من يقول إن الشاذ نوع من
الصحيح، لكن كونه شاذاً مانع من العمل به، ولا يعني أنه ما ثبت
عن راويه، عن راويه، مثلاً في الصحيح من حديث ابن عباس أن
النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوج ميمونة، وهو محرم، تزوج
ميمونة، وهو محرم، وفي الصحيح من حديث ميمونة أنه تزوجها، وهو
حلال، ومن حديث أبي رافع أن النبي تزوج ميمونة، وهو حلال، وهو
السفير بينهما، وصاحبة القصة أدرى من غيرها، وإن كان ابن
أختها، لكن هي أعرف بقصتها، والسفير بينهما الواسطة أعرف من
غيره بهذه القصة، إذن المرجح أن النبي -عليه الصلاة والسلام-
تزوج ميمونة، وهو حلال، وهو إيش؟ حلال، وحديث ابن عباس هل نقول
أنه ضعيف، وهو مخرج في الصحيح؟ لا، ليس بضعيف، لكنه مرجوح،
لكنه مرجوح، وثابت عن ابن عباس، ما أحد ينفي ثبوته عن ابن
عباس، لكن وهم ابن عباس في هذا، فصحته لا إشكال فيها، يعني
ثبوته عن ابن عباس لا إشكال فيها، لكن مخالفة ابن عباس لغيرها
شذوذ، والشذوذ مانع، إما من القبول -عند من يرد الشاذ مطلقاً-،
أو من العمل -عند من يقول أن الشاذ منه ما هو صحيح-، يعني نظير
ما يقال في المنسوخ، نظير ما يقال في المنسوخ، النسخ على ما
قال هنا:
والنسخ سمى الترمذي علة ... . . . . . . . . .
نأتي إليه، يقول: "كوصل ثقة"، يقول إيش؟
يقول معلول صحيح كالذي ... يقول صح مع شذوذ احتذي
احتذي: أي اقتدي، واخذ به، وقبل من قبل من شذ به "والنسخ"
مفعول مقدم "سمى الترمذي علة" يعني من علل الحديث:
والنسخ سمى الترمذي علة ... فإن يرد في عمل فاجنح له
يعني وافقه، النسخ علة، لكن هل هي علة قادحة في صحة الخبر، كون
الحديث منسوخاً؟ علة تقدح في صحته؟ لا، إنما تقدح في العمل به،
ولذا قال:
والنسخ سمى الترمذي علة ... فإن يرد في عمل فاجنح له
(14/20)
النسخ مفعول مقدم، سمى الترمذي علة من علل
الحديث؛ لأنه قال في حديث معاوية في قتل الشارب، قال: وهو حديث
منسوخ، وقال عن حديث: ((الماء من الماء)) منسوخ، في كتابه في
السنن، بين أن هذا كان في أول الأمر، ثم نسخ، ثم قال في العلل
التي بآخر جامعه: وقد بينا علة الحديث في الكتاب، يعني فيما
تقدم، فسمى النسخ الذي أشار إليه في الكتاب، سماه علة في علل
جامعه، فالترمذي سمى النسخ علة، لكن هذه العلة ليست مؤثرة في
صحته، الحديث الصحيح: ((الماء من الماء)) مخرج في الصحيح، ولا
أحد يقدح فيه، بل نجزم بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قاله،
لكنه في مرحلة، في أول الأمر، ثم نسخ، ثم نسخ في الآخر.
قال: وإنما كان: ((الماء من الماء)) في أول الإسلام، ثم نسخ
بعد ذلك، وقد صحح جملة من الأحاديث، الترمذي صحح جملة من
الأحاديث في كتابه، وأحاديث مخرجة في الصحيح في البخاري، ومسلم
أحاديث منسوخة، بل من القرآن ما هو منسوخ، فالنسخ ليس بقادح،
نعم إن كان القصد أنه يمنع من العمل بالخبر، الكلام صحيح، ولذا
قال الحافظ العراقي، مما زاده على ابن الصلاح: "فإن يرد" يعني
الترمذي "في عمل" لأنه منسوخ، والمنسوخ لا يعمل به "فاجنح له"
أي مل إلى هذا القول، ووافقه عليه، أما إن كان يريد أنه علة
مؤثرة في ثبوته فلا، نعم المضطرب.
المضطرب
مضطرب الحديث ما قد وردا ... مختلفاً من واحد فأزيدا
في متن أو في سند إن اتضح ... فيه تساوي الخلف أما إن رجح
بعض الوجوه لم يكن مضطرباً ... والحكم للراجح منها وجبا
كالخط للسترة جم الخلف ... والاضطراب موجب للضعف
(14/21)
بعد أن أنهى الحديث عن المُعل أتبعه
بالمضطرب؛ لأن الاضطراب علة، وبعض الأمثلة التي أوردها أهل
العلم في المضطرب أوردوها في المُعل، فالاضطراب نوع من أنواع
العلل، والمضطرب اسم فاعل من الاضطراب، وهو نوعٌ من المعل كما
أشرنا، والمضطرب من الحديث هو الحديث الذي يروى على أوجه
مختلفة متساوية، لا بد من هذه القيود، يروى على أوجه مختلفة
متساوية، فإن روي الحديث على وجه واحد يمكن أن يسمى مضطرباً؟
لا يمكن، إذا روي على وجه واحد لا يمكن أن يسمى مضطرباً، وإن
روي على أوجه متفقة غير مختلفة؛ يمكن أن يسمى مضطرباً؟ لا؛ لأن
المضطرب ما يروى على أكثر من وجه، وتكون هذه الأوجه مختلفة، لا
متفقة، وتكون هذه الأوجه المختلفة متساوية، بحيث لا يمكن
الترجيح بينها، فإن أمكن الترجيح بوجه من الوجوه المعروفة عند
أهل العلم في التعارض، والترجيح، فإنه حينئذٍ ينتفي الاضطراب،
هذا تعريف المضطرب عندهم.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
مضطرب الحديث ما قد وردا ... . . . . . . . . .
"وردا" هذه الألف للإطلاق "مختلفاً" حال "من واحد" يعني من
راوٍ واحد؛ بأن من رواه مرة على وجه، ورواه مرة أخرى على وجه
آخر، وثالثة على وجه مخالف، وهكذا، وتكون هذه الأوجه متساوية
مع اختلافها "مختلفاً من" راوٍ "واحدٍ فأزيدا" يعني أزيد من
راوي، سواءٌ كانت هذه الأوجه المختلفة المتساوية تروى عن راو
واحد، مرة يرويه على وجه، وأخرى يرويه على وجه، وثالثة يرويه
على .. ، وهكذا، وتروى عنه هذه الأوجه مع هذا الاختلاف
بالتساوي، يرويها عنه رواة متساوون في درجة واحدة بحيث لا يمكن
الترجيح بينهم، أو من أزيد من راو واحد، بحيث يرويه راو على
وجه، ويرويه آخر على وجه، ويرويه ثلاث على وجه، وهكذا.
مضطرب الحديث ما قد وردا ... مختلفا من واحد فأزيدا
في متن أو في سند. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
(14/22)
الاضطراب قد يكون في المتن، وقد يكون في
السند، وهو الغالب، وقد يكون في السند والمتن معاً "في متن، أو
في سند" وهو الغالب هذا "إن اتضح"، "إن اتضح فيه تساوي الخلف"
فيه تساوي الخلف، يعني تساوي الاختلاف، أما إن لم يتضح فيه
التساوي، بأن أمكن ترجيح بعض الوجوه على بعض، فإنه حينئذٍ
ينتفي الاضطراب "أما إن رجح" أما إن رجح "بعض الوجوه" بأي مرجح
من المرجحات بأكثرية، أو أحفظية، أو غيرهما "لم يكن مضطرباً"
يعني ينتفي الاضطراب عنه "والحكم للراجح منها" أي من الوجوه:
. . . . . . . . . ... والحكم للراجح منها وجبا
إذ لا عبرة للمرجوح، أو لا عبرة بالمرجوح، ولو كانت الأسانيد
ظاهرها الصحة، فإن الراجح يكون هو المحفوظ، والمرجوح يكون هو
الشاذ، والمرجوح يكون هو الشاذ، هذا إذا أمكن الترجيح.
ثم مثل للعلة في السند، ومضطرب السند، مثاله:
كالخط للسترة جم الخلف ... . . . . . . . . .
هذا اضطراب في سنده، بحيث يروى عن راويه إسماعيل بن أمية على
أكثر من عشرة أوجه، على أكثر من عشرة أوجه، وهذا المثال مثل به
ابن الصلاح للمضطرب، مثل به ابن الصلاح للمضطرب، لكن الحافظ
ابن حجر رجح بعض الوجوه على بعض، وقال في البلوغ: ولم يصب من
زعم أنه مضطرب، بل هو حديث حسن؛ لأنه رجح بعض الوجوه على بعض،
فإذا أمكن ترجيح بعض الوجوه على بعض، فإنه حينئذٍ ينتفي
الاضطراب، من أمثلته –أعني المضطرب- حديث: ((شيبتني هود،
وأخواتها))، فالاختلاف في أسانيده التي تروى عن أكثر من صحابي
كثيرة جداً، فمن أهل العلم من لم يستطع الترجيح، فحكم
باضطرابه، ومنهم من رجح بعض الطرق على بعض، فجعل الطريق
الراجحة مقبولة، يعني حسنة، والمرجوحة شاذة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا يعمل به؛ لأن الاضطراب موجب للضعف:
. . . . . . . . . ... والاضطراب موجب للضعف
(14/23)
المضطرب نوع من أنواع الضعيف لا يعمل به
"والاضطراب" سواءٌ كان في السند، أو في المتن "موجب للضعف"
موجب للضعف؛ لأن فيه قدح في ضبط راويه، الذي يرويه على أوجه،
وفيه –أيضاً- اختلاف مع عدم الترجيح، وإذا لم نستطع الترجيح،
يعني عملنا ببعض الوجوه دون بعض؛ هذا تحكم، هذا تحكم، كوننا
نعمل ببعض الوجوه دون بعض.
من الأحاديث التي أعلت بالاضطراب في سندها، ومتنها حديث
القلتين، والاضطراب فيه كثير في سنده، وفي متنه –أيضاً-، في
متنه من "فيه": ((إذا كان الماء قلتين))، وفيه: ((قلة))، وفيه:
((قلتين، أو ثلاث))، وفيه: ((أربعين قلة))، والاضطراب –أيضاً-
في معنى القلة، فمنهم من يفسرها بقلال هجر، وفي تحديد القلة،
حتى ولو كانت من قلال هجر، في تحديد القلة، يعني ابن جريج
يقول: رأيت القلة من قلال هجر تسع قربتين، وشيئاً، قالوا:
الاحتياط أن يجعل الشيء نصفاً، فالقلتان خمس قرب، ومنهم من
قال: المراد بالقلة قمة الجبل، فإذا كان الماء يبلغ قمم
الجبال، فإنه لا يحمل الخبث، يعني كالطوفان مثلاً، وما عداه
يحمل الخبث.
(14/24)
الكلام في مثل هذه الأحاديث لا شك أن هذا
مؤثر، يعني من يعمل بحديث القلتين، كالشافعية، والحنابلة، لا
شك أنهم يستندون على مثل هذا الحديث، والحديث فيه كلام كثير،
ثم بعد ذلك يجعلون الخمس القرب خمسمائة رطل، والقرب ليست
متناسبة، يعني ما هي باللتر تقاس، أو بشيء من هذا، لا، قربة،
قربة خروف، وقربة خروف ثاني، يعني من جلد خروف، ومن جلد خروف،
هل نقول: إن جلد هذا الخروف بقدر جلد هذا؟ ويقولون: هل
الخمسمائة رطل تحديداً، وإلا تقريباً؟ منهم من يقول: تحديداً،
لو نقص شيء يسير خلاص، يحمل الخبث، وكل هذا مبني على مثل هذا
الاضطراب، لا شك أن البناء على مثل هذا الحديث بناء هش، الحديث
صححه بعض الأئمة، صححه شيخ الإسلام ابن تيمية، صححه جمع من
الحفاظ، لكن مع ذلك، بناء الحكم على مثل هذا، لا شك أن فيه ما
فيه، ولذا شيخ الإسلام لما رأى مثل هذا الاضطراب؛ قال: يعمل
بمنطوقه، ولا يعمل بمفهومه، بمعنى أنه إذا بلغ القلتين لم يحمل
الخبث، لكن إذا قل عن القلتين؛ يحمل الخبث؟ لا؛ لأن مفهومه
معارض بمنطوق حديث: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء))، فألغى
المفهوم، نعم، ألغى المفهوم؛ لأنه معارض بمنطوق، وبسط هذه
المسألة له وقته، وبسطت في مناسبات.
مثلوا للاضطراب في المتن بحديث فاطمة بنت قيس: ((إن في المال
لحقاً سوى الزكاة))، ((إن في المال لحقاً سوى الزكاة))، مع
حديث عائشة، لفظ آخر للحديث، لفظ آخر لحديث فاطمة بنت قيس:
((ليس في المال حق سوى الزكاة))، اللفظان متفقان، وإلا
متعارضان؟
طالب: متعارضان.
متعارضان، لكن يمكن الجمع بين اللفظين، يمكن الجمع بين اللفظين
بحمل اللفظ الأول: ((إن في المال لحقاً سوى الزكاة)) على
المندوب المستحب، الصدقة المندوبة، واللفظ الثاني: ((ليس في
المال حق سوى الزكاة)) محمول على الواجبة، ويتحد الحديثان.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله
وصحبه أجمعين.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذا كله من حديث فاطمة بنت قيس، يعني إذا كان في حديث
واحد، أما إذا وقع في حديثين، فهو مختلف الحديث، يسمى مختلف
الحديث.
طالب:. . . . . . . . .
(14/25)
لا، لا أنا وهم، سبق لساني إلى عائشة، هو
من حديث فاطمة بنت قيس.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: هل من النصح لإخواني طلبة العلم أني إذا رأيت أحدهم
نائماً، أوقظه، أجيبوا مأجورين؟
إذا كان نائماً في الدرس، في حلقة الدرس يوقظ؛ لأنه إن كان
يريد المتابعة تابع، وإن كان لا يستطيع المتابعة، ينام نومة
مريحة تنفعه، أما الخفقات في الدرس، فهذه تحرمه من الاستماع،
والفائدة، ولكنها لا تريحه، ولا تفيد شيئاً في تعبه.
هذا يقول: سؤال بالغ الأهمية يحسم خلافاً بين الأخوة، يقول:
اختلف الأخوة في تسمية عالم، وطالب علم، هل يجوز أن يصف طلبة
العلم أحد المشتغلين بالعلم بأنه عالم، ولو لم يزكه أحد
العلماء؟
(14/26)
هذه التسميات لا ينتظر فيها أن تصدر من
جهات رسمية، أو يصدر فيها صك شرعي، كان العلماء يعطون إجازات
لطلابهم بأنهم بلغوا منزلة من العلم، وهذه بمثابة التزكية،
فإذا حصلت التزكية من أحد من العلماء المعتبرين، أو جمع من
العلماء المعتبرين لطالب من طلاب العلم بأنه أدرك علماً يستحق
أن يوصف به عالم، فهذا شيء جيد، لكن –أحياناً- لا يحصل ذلك،
فإذا استفاض أمره بين الناس، واشتهر فضله بين الناس، وعرف
بعلمه، وعدم شذوذه عن الجادة؛ هذا يستحق أن يسمى عالماً، شريطة
أن يكون علمه بالكتاب والسنة، أن يكون علمه بالكتاب والسنة؛
لأنه هو العلم الذي جاء مدحه في نصوص الكتاب والسنة، ما يتعلق
بهما، وما يعين على فهمهما، ويلاحظ أن طلاب العلم في هذه
العصور، بل وفيما تقدم من عصور، الذي يحدد عندهم المقدار الذي
يسمى به فلان عالم، أو طالب علم، وقد يزيدون، ويقولون: علامة،
كل هذا مثاره في كثير من الأحيان الإعجاب، يعجب بشخص من
الأشخاص، ثم يضفي عليه من الألقاب ما لا يستحقها، هذا شيء
مجرب، ومشاهد بينما يبخل على من هو أفضل من هذا الشخص بأدنى
لقب؛ لأنه لا يعجبه، والله المستعان، فالمسألة مسألة إنصاف، لو
زل الإنسان، أو أخطأ، أو هفا، أو شذ في مسألة، أو في مسائل
يسيرة، هذا يبقى عالماً، يعني إذا كان قصده في ذلك نصر الحق،
ولا يسلب اسمه، وأذكر أن شخصاً من شيوخ الأزهر ألف كتاباً
انتقد فيه، انتقد فيه من بقية الشيوخ، فأصدروا فتوىً مضمونها
أنه ليس من أهل العلم، سلبوا منه الوصف، سلبوا منه الوصف، فإذا
هفا هفوة لا تليق بأهل العلم، وأصر على ذلك، وعاند، ونوقش،
وبينت له الأدلة لا مانع من أن يسلب عنه الوصف؛ لئلا يغتر به
العامة، والله المستعان.
يقول: أتنصح بحفظ صحيح مسلم لطالب العلم المبتدئ؟
المبتدئ عليه أن يسلك الجادة في المتون الصغيرة، التي ألفت
لمثله في شتى الفنون، أما أن يتطاول على الكتب المطولة،
المسندة، التي ألفت للكبار فلا؛ لأن هذا يحرمه من الاستمرار في
طلب العلم.
هذا –أيضاً- من الإمارات يقول: هل نستطيع نحن طلاب العلم
الصغار أن نأخذ مقدمة صحيح مسلم، أو يجب علينا أن نتدرج بشيء
آخر، وإن كان فما هو؟
(14/27)
في إجابة السؤال السابق ما يغني عن إجابة
مثل هذا السؤال، على طالب العلم أن يحضر، يحضر الدرس، فإن كان
يستفيد تابع، وإن كان لا يستفيد بمعنى أن الكلام وجوده مثل
عدمه بالنسبة له، فمثل هذا ينصرف إلى دروس ينتفع منها، فلا
يضيع وقته بمثل هذه الدروس التي هي فوق مستواه، وفوق تحصيله،
علماً بأنه جرب، جربنا بعض الإخوة الصغار من المرحلة الثانوية،
أو قبل الثانوية ممن استمر معنا سنين، مشوا ولله الحمد؛ لأننا
بطبيعة الحال نكرر ما يقال في هذا الدرس، يمكن يقال في درس
ثاني، فإذا لم يستوعبه هذه المرة استوعبه مرة أخرى، ونلقي
المسألة على وجه، ونصورها على وجه آخر، ثم بعد ذلك بعض التصوير
يوضح بعض، والشيوخ مدارس –أحياناً- قد لا يستفيد طالب العلم من
أول شهر، أو شهرين أو ثلاثة، ثم بعد ذلك يحكم على أنه لن
يستفيد من هذا الشيخ، هذا الكلام ما هو بصحيح، العلم لا شك أنه
يوضح بعضه بعضاً، والعلوم المتعددة، والفنون المتعددة لا شك
أنه يبين بعضها بعضاً، وهي كالحلقة المتواصلة، بعضها مبني على
بعض، فإذا حضر هذا الدرس، وحضر درس ثاني، وألقيت عليه هذه
المسألة، صورت له على وجه لم يفهمها، ثم صورت من الغد فهمهما،
على كل حال شريطة أن يكون طالب العلم قد أخذ المتون التي هي
متون المبتدئين، متون المبتدئين لا بد من تحصيلها قبل حضور مثل
هذه الدروس.
يقول: هل حكم الإمام الترمذي على أحاديث الجامع تؤخذ على حالها
بدون أن يكون لها حكم بصحة، أو ضعف من علماء الحديث سواءٌ
المتقدمين، أو المتأخرين؟
(14/28)
أحكام الترمذي -رحمه الله تعالى-، على كل
حال هو إمام، لا يماري أحد في إمامته إلا ما قاله ابن حزم من
جهالته، أنه يجهله، وليس العيب بالترمذي، القصور، أو التقصير
من ابن حزم نفسه، فالترمذي أشهر من نار على علم، والخلاف في
اعتماد أقواله تصحيحاً، وتضعيفاً معروف عند أهل العلم، ورماه
جمع منهم بالتساهل، وذكر ذلك الحافظ الذهبي، وقال: إنه متساهل،
فعلى هذا لا بد أن يقرن حكمه بحكم غيره، والشيخ أحمد شاكر
-رحمه الله- يذكر أن الإمام الترمذي إمام من أئمة الحديث، وهذا
لا نختلف معه فيه، إلا أنه قال: وتصحيحه معتبر، وزاد على ذلك،
فقال: بل تصحيحه توثيق لرجاله، وهذا الكلام لا يمكن قبوله؛
لماذا؟ لأنه قد ينص على حديث بأنه حسن صحيح، وتجد في إسناده
ضعيفاً، تجد في إسناده منقطعاً، انقطاعاً، تجد في الإسناد راوٍ
ضعيف، فكيف يكون تصحيح الترمذي توثيق للرجال، نعم تصحيح
الترمذي لما يلحظهم، ولما يذكره في الشواهد؛ لأن ما يذكره
بقوله، يصدر بقوله: وفي الباب عن فلان، وفلان وفلان، ويذكر عدد
من الصحابة، هذه شواهد لهذا الحديث يرتقي بها إلى الصحة، ولا
يلزم أن يكون صحيحاً لذاته.
يقول: ما هو قصد الإمام الترمذي بكلمة غريب؟ مع ذكر مثال لكل
صيغة ترد فيها الكلمة، مثل: حسن صحيح غريب، صحيح غريب، حسن
غريب غريب، وجزاكم الله خيراً؟
على كل حال الغرابة هذه هي التفرد الذي سبق الحديث عنه،
ويفرقون بين الغرابة، فأكثر ما يطلقونها على النسبية، والتفرد
أكثر ما يطلقونه على المطلق، والترمذي قد يطلق الغرابة، ويريد
بها المطلق، وقد يطلقها ويريد بها النسبية، حديث حسن غريب لا
نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد يكون معروفاً، قد يكون معروفاً من
غير هذا الوجه، لكنه لا يعرفه إلا من هذا الوجه من طريق يصح،
أو عن هذا العالم، هذا الإمام، أو هذا الراوي على وجه الخصوص،
وأما حسن صحيح، فهذه فيها من الأقوال ما يزيد على ثلاثة عشر
قولاً، وتأتي مناسبتها -إن شاء الله تعالى-.
هذه أم إسماعيل من السعودية تقول: ما الفرق بين التفرد
والغرابة؟
(14/29)
مرت بنا مراراً، التي تكون من الثقة، من
ناحية القبول والرد، من يحتمل تفرده، من احتمل الأئمة تفرده
بالخبر الكامل هذا لا إشكال في قبول روايته، أما من لا يحتمل
الأئمة تفرده، فهذا يحكم على ما يتفرد به بأنه شاذ، هذا من لا
يحتمل تفرده، وقد يطلق عليه أنه منكر، وقد يسمى منكراً، وإذا
تفرد بجملة لا بحديث كامل فقد مضى الكلام فيها في زيادات
الثقات.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله
نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال العراقي -رحمه الله تعالى-:
المدرج
المدرج الملحق آخر الخبر ... من قول راو ما بلا فصل ظهر
نحو إذا قلت: التشهد وصل ... ذاك زهير وابن ثوبان فصل
قلت: ومنه مدرج قبل قلب ... كـ"أسبغوا الوضوء، ويل للعقب"
ومنه جمع ما أتى كل طرف ... منه بإسناد بواحد سلف
كوائل في صفة الصلاة قد ... أدرج ثم جئتهم وما اتحد
ومنه أن يدرج بعض مسند ... في غيره مع اختلاف السند
نحو ولا تنافسوا في متن لا ... تباغضوا فمدرج قد نقلا
من متن لا تجسسوا أدرجه ... ابن أبي مريم إذ أخرجه
ومنه متن عن جماعة ورد ... وبعضهم خالف بعضاً في السند
فيجمع الكل بإسناد ذكر ... كمتن أي الذنب أعظم الخبر
فإن عمراً عند واصل فقط ... بين شقيق وابن مسعود سقط
وزاد الأعمش كذا منصور ... وعمد الإدراج لها محظور
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله
نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
"المدرج" اسم مفعول من أدرج الشيء في غيره، فهو مدرج أي مُدخل،
ومنه أُدرج فلان في كفنه، أي أُدخل في كفنه، فالإدراج الإدخال،
فمعنى الإدراج إدخال شيء في شيء، وإدخال ما ليس من الحديث فيه،
فهو الزيادة في الخبر من غير فصل، هذا مدرج المتن، كما أنه
يكون –أيضاً- الإدراج في السند، فإدخال شيء في شيء هو الإدراج،
ويوجد الإدراج في المتن في أوله، في أثناءه، في آخره كما أنه
يوجد الإدراج في السند على صور ثلاث، أو أربع يأتي تفصيلها -إن
شاء الله تعالى-.
(14/30)
والسبب في الإدراج إما استنباط حكم، أو
تفسير غريب، أو غير ذلك، فتفسير الغريب يتسامحون فيه، يتسامحون
في تفسير الغريب، والتحنث التعبد، ومثال ذلك –أيضاً- تفسير
الشغار، وتفسير المزابنة، من غير ذكر لمن أدرج، من غير فصل بين
هذا المدرج، وبين الخبر الذي أدرج فيه، هذا تفسير إما تفسير
كلمة غريبة، أو تفسير لمعنى الحديث يلحق به، أو فهم واستنباط
يستنبط من الخبر على ما سيأتي في الأمثلة.
يقول -رحمه الله تعالى- في القسم الأول، وهو مدرج المتن:
المدرج الملحق آخر الخبر ... . . . . . . . . .
"المدرج" يعني في المتن "الملحق" يعني المدخل في الخبر مما ليس
منه في آخره:
المدرج الملحق آخر الخبر ... من قول راو ما. . . . . . . . .
يعني سواءٌ كان صحابياً، أو غير صحابي، ويكون الإدراج من
الصحابي، وأبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- أدرج، وغيره من
الصحابة أدرج، ويعرف الإدراج بأن يأتي مفصولاً في بعض طرق
الحديث، في بعض طرق الحديث، وقد يكون هذا المدرج حديثاً عن
النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه في غير هذا الموضع، وفي غير
هذه المناسبة: ((فأسبغوا الوضوء))، الأمر بإسباغ الوضوء مرفوع
إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في الحديث: ((أسبغوا
الوضوء، ويل للأعقاب من النار))، هذه الجملة: ((أسبغوا
الوضوء))، الأمر بالإسباغ ليست من هذا الحديث، وإن جاءت في طرق
أخرى، فمثل هذا يسمى إدراج، ((إن أمتي يبعثون يوم القيامة غراً
محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته، وتحجيله
فليفعل)) فيعرف الإدراج بوروده مفصولاً في طرق أخرى، أو مبيناً
منصوصاً عليه في طرق أخرى، كحديث: "أسبغوا الوضوء، فإن أبا
القاسم -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ويل للأعقاب من النار))
"، وقد يعرف الإدراج باستحالة إضافته إلى النبي -عليه الصلاة
والسلام- للمملوك، "للعبد المملوك أجران، ولولا الجهاد في سبيل
الله، وبر أمي، أمي .. إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
(14/31)
نعم لأحببت أن أموت، وأنا مملوك" فهذا لا
يمكن أن يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن أمه قد ماتت،
فبهذا نعرف أن هذا اللفظ مدرج، وإن وجه بعضهم هذا الكلام بكون
المراد من ذلك تعليم الأمة، تعليم الأمة في هذا، بأن الرق على
حساب بر الأم، فبر الأم أولى من الرق، يريد أن يعلم الأمة
-عليه الصلاة والسلام-، أو يكون المراد كما قال بعضهم أن
المراد بالأم هي أمه من الرضاعة، وعلى كل حال اللفظ مدرج،
اللفظ مدرج يستحيل أن يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل
هذا الكلام، كيف يتمنى أن يكون رقيقاً مما يعوقه دون تبليغ ما
أرسل به -عليه الصلاة والسلام-، فهذا لا يمكن أن يقوله النبي
-عليه الصلاة والسلام-، ولو تأولنا ما جاء في ذكر الأم في هذا
الخبر المدرج؛ لأن أمه قد ماتت.
المدرج الملحق آخر الخبر ... من قول راو ما. . . . . . . . .
يعني سواءً كان صحابياً، أو غير صحابي "بلا فصل ظهر" بلا فصل
ظهر بين الخبر، والملحق به، يعني من غير فاصل "نحو" قول ابن
مسعود:
.... إذا قلت التشهد وصل ... ذاك زهير وابن ثوبان فصل
"نحو" قول ابن مسعود: "إذا قلت" هذا "التشهد" الذي علمه إياه
النبي -صلى الله عليه وسلم- "فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم
فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد"، هذا مدرج، وليس من أصل الخبر
"وصل ذاك" بالخبر يعني أدرجه بالخبر "زهير" بن معاوية وصله،
وهو من قول ابن مسعود، وصله بالخبر المرفوع الذي هو التشهد
الذي يرويه ابن مسعود عن النبي -عليه الصلاة والسلام- زهير بن
معاوية، وأما عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، فقد فصله عن الخبر
"وصل ذاك زهير" ذاك يعني بالخبر زهير بن معاوية، وأما عبد
الرحمن بن ثابت بن ثوبان فصل ذلك عن الخبر.
(14/32)
يقول: قال ابن مسعود، يعني بعد أن أنهى
التشهد، وقبل السلام، يقول: قال ابن مسعود: إن شئت أن تقوم
فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد، واتفق الحفاظ كما قال النووي على
أنه مدرج، وليس من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه
معارض بما يدل على أن السلام ركن من أركان الصلاة لا بد منه،
معارض بحديث: ((تحليلها التسليم))، ((تحريمها التكبير،
وتحليلها التسليم))، فالتسليم لا بد منه، ومقتضى الخبر الذي
ألحق به ما ليس منه أنه إذا فرغ من التشهد له أن يقوم، وعلى
هذا عول الحنفية في عدم إيجاب التسليم، وأنه إذا انتهى من
التشهد، فقد انتهى من صلاته، فقد قضى صلاته، وتعرفون القصة
التي وقعت، والمناظرة التي وقعت بين يدي محمود بن سُبكتُكين،
وكان على مذهب أبي حنيفة، فجاء القفال من الشافعية، إن صحت
القصة؛ لأنهم يذكرونها في باب المناظرات، فجاء هذا الشافعي،
إمام من أئمة الشافعية، فأراد أن يحول الأمير محمود بن سبكتكين
إلى مذهبه، بدلاً، بعد أن كان حنفياً، يريد أن يكون شافعياً،
ولا شك أن المذهب يستفيد، إذا دعمته السلطة، وينتشر، وتيسر
أموره، وتعرفون أن انتشار المذاهب إنما تزداد، وتقوى، وتضعف
بحسب تبني الدول لها، محمود بن سبكتكين معروف بصلاحه، وحرصه
على الخير، جاء هذا الشافعي، إمام من أئمة الشافعية، وأظنه
القفال، فقال: أنت على مذهب أبي حنيفة، وأريد أن أصلي بين يديك
صلاةً صحيحة على مذهب أبي حنيفة، وهي باطلة عندنا، فإن أعجبك
مذهب أبي حنيفة، فاستمر عليه، فأتى بنبيذ، والجو حار، والنبيذ
حلو، والجو الحار تكثر فيه الذبان، يكثر فيه الذباب، فتوضأ
بهذا النبيذ، فاجتمعت عليه من كل جانب، ثم عمد إلى جلد ميتة
غير مدبوغ فلبسه بحيث جعل الشعر مما يليه، وسلخ هذه الشاة، أو
هذا الكبش غير متقن، فيه شيء من اللحم، والشحم، فازداد الأمر
سوءاً، فاجتمعت عليه الحشرات من كل صوب، ثم صلى صلاة بدون
طمأنينة؛ لأن الحنفية يجيزون الوضوء بالنبيذ، ويصلي في الجلد
غير المدبوغ، لكن لا يليه، والطمأنينة ليست بركن عندهم، فلما
فرغ من التشهد أحدث قبل أن يسلم، هذه الصلاة من يقبلها؟ هذه
الصلاة لا يقبلها عاقل، فجمع جميع مساوئ المذهب في صورة واحدة،
فمحمود بن
(14/33)
سبكتكين سأل الحنفي قال: هذه الصلاة صحيحة
عندكم؟ وش لون ما يقدر ينكر، الوضوء بالنبيذ معروف عندهم،
والسلام لا يلزم، وأيضاً الصلاة بالجلد غير المدبوغ عندهم إذا
لم يلي يباشر المصلي –أيضاً- فيه كلام عندهم، المقصود أن
محموداً لما رأى هذه الصورة انتقل من مذهب أبي حنيفة إلى مذهب
الإمام الشافعي.
وفي دائرة معارف القرن العشرين، محمد فريد وجدي تكلم على هذه
القصة، ووجهها توجيهاً عجيباً؛ لأنه هو حنفي، فقال: إن الوضوء
بالنبيذ، النبيذ كحول، والكحول مطهرة، فما المانع من أن .. ،
لأنها تزيد في التطهير أكثر من الماء العادي؛ لأن الأدوية
المطهرة، والعلاجات المطهرة فيها من هذا النوع الكحول، فهي
تستعمل في التطهير أقوى من الماء، لكن هذا الكلام ليس بصحيح،
العبرة بما جاء عن الشرع، وأن الوضوء بالماء لا بالنبيذ،
واعتمادهم على خبر ابن مسعود في ما حصل من النبي -عليه الصلاة
والسلام- ليلة الجن، وأنه توضأ بالنبيذ، وأنه قال: ((تمرة
طيبة، وماء طهور)) هذا الحديث في غاية الضعف.
الذي جرنا إلى هذا الكلام، هذا الإدراج من قول ابن مسعود: "فقد
قضيت صلاتك" يعني إذا قلت هذا التشهد "فقد قضيت صلاتك إن شئت
أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد" فلا يجب السلام حينئذٍ،
وعرفنا أنه عمدة الحنفية في عدم إيجابه، وإن كان الجمهور على
أنه واجب، بل ركن من أركان الصلاة، والخلاف بينهم هل الركن
التسليمة الأولى، أو التسليمتين؟ محل هذا كتب الفقه.
"وابن ثوبان فصل" هذا بالنسبة للإدراج في آخر الخبر، وهو أكثر
هذا النوع أمثلة، يعني كثير في، يعني أكثر المدرج يكون في آخر
الخبر: ((إن أمتي يبعثون يوم القيامة غراً محجلين من آثار
الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته، وتحجيله، فليفعل)) هذا
كلام أبي هريرة، وإن كان في كلام لبعض أهل العلم أنه يمكن أن
يثبت مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، مع أن الغرة لا
يمكن إطالتها، الغرة لا يمكن إطالتها، أما التحجيل الواقع في
اليدين، والرجلين هذا يكمن إطالته، والنبي -عليه الصلاة
والسلام- غسل يديه حتى أشرع في العضد، وغسل رجليه حتى أشرع في
الساق، فهذا ممكن أما الغرة، فلا يمكن إطالتها.
(14/34)
"قلت" الحافظ العراقي يقول:
قلت: ومنه مدرج قبل قُلِب ... . . . . . . . . .
أي من المدرج في المتن عكس ما تقدم، عكس ما تقدم، ما تقدم
الإدراج في آخر الخبر، وهنا يقول: "قلت: ومنه مدرج قبل" أي قبل
الآخر سواءٌ كان في أوله، أو أثناءه "قُلِب" يعني بدلاً من أن
يكون في آخر الخبر صار في أوله:
. . . . . . . . . ... كـ"أسبغوا الوضوء، ويل للعقب"
قلب بالنسبة للمدرج في آخره، يعني عكس، فصار في أوله بدلاً من
أن يكون في آخره، ومنه:
قلت: ومنه مدرج قبل قُلِب ... . . . . . . . . .
يعني قبل اللفظ النبوي "قلب" يعني عكس، بدلاً من أن يكون في
آخره كالأول هذا صار في أوله: كـ"أسبغوا" كخبر: أسبغوا أي
أكملوا، وأتموا:
. . . . . . . . . ... كـ"أسبغوا الوضوء، ويل للعقب"
يعني من النار، وهنا أفرد العقب للوزن، وإلا في الحديث في
الصحيحين، وغيرهما: ((ويل للأعقاب من النار))، ويل للأعقاب،
على أن الإفراد: ((ويل للعقب من النار)) جاء في رواية
الطيالسي، لكن عدوله عن رواية الصحيحين إنما هو للوزن.
(14/35)
|