شرح ألفية العراقي عبد الكريم الخضير شرح ألفية الحافظ
العراقي (13)
(زيادة الثقات - الأفراد - المعلل)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يعني تصور هذه الزيادة إذا قارنا الروايتين عن الراوي نفسه، أو
قارنا رواية هذا الراوي بهذه الزيادة مع رواية غيره.
واقبل زيادات الثقات منهم ... ومن سواهم. . . . . . . . .
أي سوى الراوين بدونها فعليه المعظم، "فعليه المعظم"، وسواءٌ
كانت هذه الزيادة في اللفظ أو في المعنى، وسواء ترتب عليها
زيادة حكم شرعي أو لا، سواءٌ اتحد إعرابها أو اختلف، سواءٌ
ذكرها في مجلس أو في مجالس، المقصود أن هذه الزيادات مقبولة
وعليه المعظم؛ من المحدثين والفقهاء والأصوليين:
واقبل زيادات الثقات منهم ... ومن سواهم فعليه المعظم
وقيل: لا؛ يعني لا تقبل مطلقاً، وقيل: لا؛ يعني لا تقبل
مطلقاً، سواء كان هذا الذي زادها في مقابل نظيره الذي لم يزد
يعني ثقة زاد، وثقة لم يزد، يعني ثقة زاد وثقة نقص، القول
الثاني، القول الأول: تقبل الزيادة، القول الثاني: لا تقبل
الزيادة ولو كان المقابل له نظير واحد؛ لماذا؟ لأن ما اتفقا
عليه؛ القدر المتفق عليه بينهما متيقن، وهذه الزيادة مشكوك
فيها، مشكوك فيها، وقيل: لا؛ يعني لا تقبل مطلقاً، يعني ومن
باب أولى إذا كان الزائد واحد، ومن نقص أكثر من واحد، ومن نقص
أكثر من واحد، هذا القول الثاني، الأول: القبول مطلقاً،
والثاني: الرد مطلقاً.
(13/1)
وقيل: لا تقبل منهم، "وقيل: لا منهم" يعني
إذا جاء بالحديث مرة ناقصاً، ومرة تاماً فإن هذه الزيادة لا
تقبل منهم؛ أي ممن رواه بدونها مرة، ومرة بها؛ يعني مرة
بالزيادة، ومرة بدون الزيادة، ما الفرق بين هذا القول والذين
قبله؟ هذا القول الثالث فيه القبول، وفيه عدم القبول، فيه
القبول إذا كانت الزيادة من واحد والنقص من غيره، وفيه الرد
إذا كانت الزيادة والنقص من قبل راوٍ واحد، فهذا الراوي يروي
هذا الخبر مرة زائداً ومرة ناقصاً، وسبب الرد أنه لو كان
متأكداً منها، ضابطاً لها، متقناً لها؛ ما تركها في المرة
الثانية؛ يعني تركه لها في بعض الأحيان يشكك في ثبوتها، وفي
ضبطه لها، "وقيل: لا منهم" المسألة كم صار فيها من قول؟ القبول
مطلقاً، والرد مطلقاً، والتفصيل، فإن كانت الزيادة ممن رواه
ناقصاً؛ ردت وإلا قبلت، إذا أضفنا إلى ذلك القول المعروف عند
.. ، أو المحفوظ عن المتقدمين، وأنهم لا يحكمون بحكم عام مطرد
في مثل هذا بل يتركون الحكم للقرائن تكون الأقوال أربعة، في
تعارض الوصل والإرسال، الحكم للوصل مطلقاً، والحكم للإرسال
مطلقاً، وذكروا –أيضاً- الحكم للأكثر، وذكروا أن الحكم للأحفظ؛
يعني أربعة أقوال، إضافة إلى القول بما ترجحه القرائن.
(13/2)
الطالب المبتدئ حينما يسمع هذه الأقوال لا
شك أنه يضطرب، ولا يدري ماذا يصنع؟ هل يقبل؟ أو يرد؟ أو يصنع
كما صنع الأئمة؟ يعني لا شك أن المرجح هو قول، هو ما عليه عمل
الأئمة وأن الحكم للقرائن، لكن هل لطالب العلم المبتدئ في علوم
الحديث الذي يدرس قواعد الحديث، ويطبق عليها؛ فيخرج الأحاديث،
ويجمع الطرق، وينظر في الأسانيد؟ هل له أن يحاكي المتقدمين،
فيحكم بالقرائن، ويترك هذه الأقوال؟ أو يحكم بحكم عام مطرد في
بداية الأمر، ثم بعد ذلك إذا تأهل، وساوى المتقدمين في
أحكامهم، وصارت لديه أهلية، وملكة يستطيع بها أن يرجح
بالقرائن؟ هذا هو الأصل، فطالب العلم عليه أن يتخرج، ويتمرن
على قواعد المتأخرين؛ فمثلاً في مثل هذا الباب يقبل الزيادات
مطلقاً، أو يردها مطلقاً، المقصود أنه يثبت يرسي على شيء في
طور التمرين؛ لتكون أحكامه مطردة، ثم بعد ذلك إذا أكثر من هذا
العمل؛ لماذا؟ لأننا نقول لأنه لن يعول على تخريجه، ولا على
تصحيحه؛ لأنه طالب علم مبتدئ، المسالة مفترضة في طالب علم
مبتدئ ما تمكن، لكن إذا تمكن، وأكثر من التخريج، وجمع الطرق
ودراسة الأسانيد، أكثر من ذلك؛ لا شك أن الأهلية تتكون لديه
تدريجياً، فإذا تأهل لذلك وصار لديه من الملكة ما يستطيع بها
بواسطتها أن يحكم بالقرائن هذا فرضه، وهذا ذكر في مناسبات
كثيرة، ونظير التفقه في الأحكام، نظير ذلك التفقه في الأحكام؛
يعني في بداية الأمر هل لطالب العلم المبتدئ أن يتفقه من
الكتاب والسنة؟ نقول: في علوم الحديث: المتقدمون هم الأصل،
والمتأخرون عالة عليهم؛ لماذا لا يحاكي المتقدمين؟ لأنه لا
يستطيع دونه خرط القتاد؛ لا يستطيع أن يحاكي المتقدمين، لكن
إذا تأهل هذا فرضه، التفقه من الكتاب والسنة؛ هذا هو الأصل لكن
بالنسبة لطالب علم مبتدئ دون ذلك خرط القتاد حتى يتمرن على
أقوال العلماء، وينظر في مذاهب علماء الأمصار، ويجمع أدلتهم،
ويوازن بينها، ثم إذا تأهل للاجتهاد؛ نقول: فرضه الاجتهاد، ولا
يجوز له التقليد، أما في البداية حكمه حكم العامي عليه أن يقلد
أهل العلم، فلا نضطرب في مثل هذه المسائل.
(13/3)
"وقد قسمه الشيخ" أي قسم ما ينفرد به الثقة
من الزيادات؛ الشيخ المراد به ابن الصلاح، من يذكرنا بأبيات
المقدمة؟
كقال أو أطلقت لفظ الشيخ ما ... أريد إلا ابن الصلاح مبهما
قسمه الشيخ إلى ثلاثة أقسام، "فقال: ما انفرد" ما انفرد برواية
دون الثقات سواءٌ كان جمعاً من الثقات أو واحداً على أن يكون
أحفظ منه، "ما انفرد دون الثقات ثقة خالفهم" يعني خالف الثقات
الجمع المتعددين، أو خالف الثقة الواحد ممن هو أوثق منه "ما
انفرد دون الثقات ثقة خالفهم فيه" أي فيما انفرد به "صريحاً"
المخالفة صريحة، صريحاً بأن لا يمكن الجمع بينهما، بأن لا يمكن
الجمع بينهما "فهو رد عندهم" أي مردود عندهم، أي المحدثين،
ويكون حينئذ من قبل الشاذ:
وذو الشذوذ ما يخالف الثقة ... فيه الملأ فالشافعي حققه
"ما انفرد دون الثقات ثقة خالفهم فيه صريحاً" أي فيما انفرد به
صريحاً بحيث لا يمكن الجمع بينهما فهو رد أي مردود كما مر في
الشاذ عندهم أي عند المحدثين، وهو ما حرره الإمام الشافعي
-رحمه الله تعالى-، هذا إذا خالف ما عندنا إشكال، إذا كانت هذه
الزيادة تتضمن مخالفة فحكمها الرد؛ لأنها من قبيل الشاذ "أو لم
يخالف" أو لم يخالف فيه أصلاً؛ يعني هذه الزيادة ما فيها أدنى
مخالفة "فاقبلنه" يعني هذا الراوي إذا جاء بحديث مستقل تفرد به
عن غيره، وهو ممن يحتمل تفرده؛ تقبل حديثه، يعني مثل الغرائب،
غرائب الصحيحين؛ كحديث: ((الأعمال بالنيات))، "أو لم يخالف
فاقبلنه" فإذا قبلت حديثه قبلت زيادته؛ لأنها لا تتضمن مخالفة،
لأنها لا تتضمن مخالفة، روى جملة زائدة في الخبر؛ كما لو روى
حديثاً مستقلاً، أو لم يخالف فيه أصلاً كما يتفرد بحديث وهو
ممن يحتمل تفرده فاقبلنه؛ لأنه جازم بما رواه، وهو ثقة، ولا
معارض له وحكمة حينئذٍ القبول.
(13/4)
"وادعى فيه" أي في القبول "الخطيب الاتفاق
مجمعاً" وادعى فيه الخطيب الاتفاق مجمعاً؛ يعني حال كونه
مجمعاً عليه، فيه أي في القبول الاتفاق من العلماء مجمعاً؛
يعني نقل عليه الخطيب الإجماع، لكن هل يسلم هذا الإجماع؟
أولاً: يقول السخاوي: عزو حكاية الاتفاق في مسألتنا ليس صريحاً
في كلام الخطيب، عزو حكاية الاتفاق في مسألتنا ليس صريحاً في
كلام الخطيب، يعني الخطيب يقول: اتفق جميع أهل العلم على أنه
لو انفرد الثقة بنقل حديث لم ينقله غيره وجب قبوله، لو انفرد
الثقة بنقل حديث لم ينقله غيره وجب قبوله، فكذلك سبيل الانفراد
بالزيادة، يعني نقل الاتفاق على الزيادة، وإلا على حديث مستقل؟
حديث مستقل، ثم بعد ذلك قاس الزيادة على الحديث، فنقل الاتفاق
إنما هو على الاستقلال بحديث، لا على الزيادة، فعزو الاتفاق،
أو عزو حكاية الاتفاق في مسألتنا بخصوصها ليس بصريح في كلام
الخطيب، إنما هو صريح في المقيس عليه، لا في المقيس، الكلام
ظاهر، وإلا ما هو بظاهر؟ ظاهر.
طالب:. . . . . . . . .
اتفق جميع أهل العلم على أنه لو انفرد الثقة بنقل حديث لم
ينقله غيره؛ وجب قبوله، هذا الاتفاق ظاهر، يعني حديث:
((الأعمال بالنيات))، أجمعت الأمة على قبوله، وهو متفرد به
واحد في أربع طبقات، لكن هل قبول زيادة جملة، أو كلمة في حديث
رواها من تفرد بحديث الأعمال بالنيات، وخالفه فيها غيره لم
يروها؟ بمعنى أنها لا توجد في رواية غيره؛ هل تقبل مثل قبول
حديث: ((الأعمال بالنيات))؟ لكنهم يقيسون هذا على هذا من باب
القياس، ولا يلزم أن يكون المقيس في قوة المقيس عليه، لا يلزم
أن يكون الفرع في قوة الأصل، بل المعروف أن الفرع أقل من
الأصل، الفرع أقل من الأصل، ولو كان مثله في القوة لما احتيج
إلى القياس، عرفنا أنه إن خالف؛ الرد، أو لم يخالف؛ القبول،
"أو خالف الإطلاق":
أو خالف الإطلاق نحو: ((جعلت ... تربة الأرض)) فهي فرد نقلت
يعني وافق من وجه وخالف من وجه:
أو خالف الإطلاق نحو: ((جعلت ... تربة الأرض)) فهي فرد نقلت
(13/5)
"خالف الإطلاق" كزيادة لفظة لم يذكره سائر
الرواة، وهذا اللفظ مؤثر، هذا اللفظ مؤثر؛ كزيادة التربة في
حديث الخصائص، رواية الأكثر: ((جعلت لي الأرض مسجداً،
وطهوراً))، في حديث الخصائص، ((وجعلت لي الأرض مسجداً،
وطهوراً))، في رواية عن مسلم تفرد بها أبو مالك الأشجعي عن
ربعي عن حذيفة: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً))، الآن الموافقة من
وجه باعتبار أن التربة من أجزاء الأرض؛ من أفراد الأرض، أو من
أوصاف الأرض، وننتبه لهذا؛ هذه هي الموافقة، والمخالفة؛ لأنَّ
الأرض تشتمل على تراب وغيره، تشتمل على تراب وغيره، "أو خالف
الإطلاق" وننتبه لكلمة الإطلاق هنا، "أو خالف الإطلاق نحو:
((جعلت تربة الأرض)) " يعني في حديث الخصائص "فهي فرد نقلت"
وعرفنا أنه تفرد بها أبو مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة، وهذه
رواها مسلم، ففيها مخالفة من وجه، وفيها موافقة من وجه،
والناظم -رحمه الله تعالى- ذكر الإطلاق، وهذه الكلمة في غاية
الأهمية؛ يعني ما قال: أو خالف العموم، أو خالف العموم؛ لأن
هذه اللفظة إذا قلنا أن الأرض جنس، والجنس من صيغ العموم، أل
هذه جنسية، وما دخلت عليه يكون عاماً شاملاً، والتربة فرد من
أفرادها، أو نقول: إن الأرض ذات أوصاف، والتراب وصف من
أوصافها، انتبهوا يا الإخوان ترى تقدم إشارة إلى شيء من هذا في
الباب الذي قبله؛ في لفظ الدباغ: ((أيما إهاب))، وفي لفظ:
((جلد الشاه))، وقلنا: إن هذا فرد من أفراد العام، وهذا لا
يقتضي التخصيص؛ لأن التنصيص على فرد من أفراد العام بحكم موافق
لحكمه لا يقتضي التخصيص، وهنا إذا قلنا أن التراب فرد من أفراد
الأرض؛ الأرض ذات أفراد، من أفرادها التراب، قلنا: إن هذا
يقتضي التخصيص، أو لا يقتضي؟ لا يقتضي؛ لأن الحكم في التراب،
وفي الأرض واحد: ((جعلت الأرض لنا مسجداً وطهوراً))، ((وجعلت
تربتها لنا طهوراً))؛ الحكم واحد ما يختلف، فإذا قلنا أن
التراب فرد من أفراد الأرض، قلنا: إن هذا لا يقتضي التخصيص،
إنما ذكر التراب للعناية به، والاهتمام بشأنه؛ فهو أولى ما
يتيمم به، أولى من غيره، وإذا قلنا أن التراب قيد إذ أنه وصف
من أوصاف الأرض، قيد يقيد به المطلق؛ لماذا؟ هناك لا يخص العام
للاتحاد في الحكم،
(13/6)
وهنا يقيد المطلق للاتحاد في الحكم،
انتبهوا يا الإخوان.
على كل حال هذه المسألة من دقائق المسائل، وتجدون الشراح مرة
يقولون .. ، حتى من شخص واحد يعني، مرة يجعلها من العام، ومرة
يجعلها من المطلق.
فالشافعي وأحمد احتجا بذا ... . . . . . . . . .
"فالشافعي وأحمد احتجا بذا" يعني قبلا هذه الزيادة، قبلا هذه
الزيادة؛ لما تضمنته من الموافقة "فالشافعي وأحمد احتجا بذا"
فخصا التيمم بالتراب؛ خلافاً لمالك، وأبي حنيفة، فيجوز التيمم
بكل أجزاء الأرض، قالوا: حتى بالصخرة الملساء المغسولة، فعندنا
الشافعي وأحمد قبلوا الحديث، قبلوا هذه الزيادة، قبلوا لفظ
التربة، وخصوا بالتراب التيمم، قالوا: لا يصح التيمم إلا بتراب
له غبار يعلق باليدين، عملوا بهذه اللفظة، وجعلوها من باب
المطلق والمقيد؟ وإلا من باب العام والخاص؟ انتبهوا يا
الإخوان؛ ترى المسألة من الدقائق، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
جعلوها من المطلق والمقيد، فقيدوا لفظ الأرض بالتراب، فقيدوا
لفظ الأرض بالتراب، والناظم -رحمه الله تعالى- باعتباره شافعي؛
قال: "أو خالف الإطلاق" ما قال خالف العام، فالشافعي وأحمد
احتجا بذا، فخصا التيمم بالتراب، وأما مالك وأبو حنيفة، فجوزوا
التيمم بكل أجزاء الأرض حتى الصخرة المغسولة.
موقف الحنفية والمالكية من هذه الزيادة؛ هل معنى هذا أنهم ردوا
هذه الزيادة لما تضمنته من مخالفة؟ أو أنهم قبلوها، وجعلوها من
باب العام والخاص؟ يعني مقتضى قول الناظم -رحمه الله تعالى-:
"فالشافعي وأحمد احتجا بذا" أن غيرهما من الأئمة لم يحتجوا
بذا، ما هو بهذا الظاهر من كلامه؟ نعم، لكن لا يلزم أن يكون
السبب في التيمم بجميع أجزاء الأرض رداً لهذه اللفظة، نعم قد
ترد هذه اللفظة، قد يصرح بعضهم بردها؛ لما تضمنته من مخالفة،
لكن ليس مجرد ميلهم، وترجيحهم التيمم بجميع ما على وجه الأرض،
وبجميع أجزائها؛ يتضمن رد هذه الرواية، فمن جعلها من باب العام
والخاص؛ قال: يُتيمم بالتراب، وهو أفضل من غيره، ويتيمم بغيره
من الصعيد الطيب الطاهر، جميع ما تصاعد وعلا على وجه الأرض،
سواءً كان تراباً، أو غير تراب، ظاهر، وإلا ما هو بظاهر؟
(13/7)
فالشافعي وأحمد احتجا بذا ... والوصل
والإرسال. . . . . . . . .
يعني في تعارضهما "من ذا" أي: الزيادات "أخذا":
. . . . . . . . . ... والوصل والإرسال من ذا أخذا
(13/8)
وقل مثل هذا في تعارض الرفع مع الوقف
"الوصل والإرسال من ذا" أي من هذا الباب أخذا؛ لأن الوصل
زيادة، والإرسال زيادة وإلا نقص؟ نقص، وقل –أيضاً- في الباب
الثاني الرفع زيادة، والوقف نقص، فالذي يقبل الزيادات مطلقاً
يقبل الوصل، ويقبل الرفع، يقول: لأن مع من وصل زيادة خفيت على
من أرسل، ومع من رفع زيادة خفيت على من وقف، والذي يرد
الزيادات مطلقاً يرد الوصل، ويحكم بالإرسال ويرد الرفع ويحكم
بالوقف؛ لأن الإرسال والوقف متيقن، وما فوقه من الوصل والرفع
مشكوك فيه، ويكون داخلاً في القول الثاني في رد الزيادات،
"والوصل والإرسال من ذا أخذ"، "لكن في الإرسال جرحاً" في
الحديث، جرحاً في الحديث؛ يعني تضعيف للحديث "فاقتضى" ذلك، أي
ذلك الجرح تقديمه "فاقتضى تقديمه" من باب تقديم الجرح على
التعديل "فاقتضى تقديمه ورد" رد هذا، وهو تقديم الإرسال،
والحكم بأنه قدح في الوصل "ورد أن مقتضى هذا قبول الوصل" ورد
أن؛ يعني ورد تقديم الإرسال بأن مقتضى هذا قبول الوصل –أيضاً-،
قبول الوصل –أيضاً-؛ "إذ فيه" أي: في الوصل "وفي الجرح علم
زائد للمقتفي" علم زائد للمقتفي أي المتبع، فتعارضا، ظاهر
كلامه، وإلا مو بظاهر؟ فيه خفاء؟ الآن هو جعل الوصل والإرسال
من هذا الباب من باب الزيادات، وفي مقابلها النقص، فالوصل
زيادة والإرسال نقص، وقل مثل هذا في الرفع والوقف، الرفع
زيادة، والوقف نقص، فمن يقبل الزيادات؛ يقبل الوصل، ويقبل
الرفع، والذي يرد الزيادات؛ يرد الرفع، ويرد الوصل، قال: "لكن
في الإرسال جرحاً" في الحديث؛ يعني لا لذات الحديث، إنما هو
جرح في راويه مما يقتضي تضعيف الحديث "لكن في الإرسال جرحاً
فاقتضى" جرح في الراوي، ويتبع الجرح في الراوي الطعن في المروي
"فاقتضى تقديمه" فيقدم الإرسال على الوصل من باب تقديم الجرح
على التعديل، من باب تقديم الجرح على التعديل، من باب تقديم
الجرح على التعديل، الأصل أن هذا الراوي الذي وصل هذا الخبر
ثقة، لكن لما عورض برواية من أرسل، من أرسل؛ نستطيع أن نشكك
فيه، وإلا ما نشكك؟ الذي أرسل الخبر؟ متيقن؛ يعني ذكر الحد
المتيقَن المتفق عليه بينه وبين من وصل، لكن من وصل زاد؛ زاد
راوي على من أرسل، فالقدر المتفق
(13/9)
عليه هو الإرسال، القدر المشكوك فيه هو هذا
الراوي الذي يقتضي؛ الذي من خلاله حكم بالوصل، بعض أهل العلم
يُعِلُّ الخبر الموصول بالمرسل، يعله به؛ فيقتضي الطعن في
راويه، إذا أعل الخبر الموصول بالمرسل؛ اقتضى ذلك الطعن في
راويه، ولذا قال: "لكن في الإرسال جرحاً فاقتضى" فإذا كان
عندنا راو أرسل، وهذا لا يمكن أن يطعن فيه، وراو وصل وهذا محل
للطعن؛ لأنه زاد قدراً في الرواة لم يوافقه عليه الثاني،
فرواية من أرسل تطعن في رواية من وصل، هذا يقول به بعض أهل
العلم؛ لكن لو جئنا من ناحية أخرى؛ من ناحية ثانية، ورجحنا
رواية من وصل؛ لماذا؟ بأي وجه يمكن أن ترجح رواية الوصل؟ لأنها
زيادة ثقة، ومعه زيادة علم، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ،
والخطأ والنسيان معرض له الإنسان؛ فيكون احتمال أنه نسي،
والثاني ضبط، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ "لكن في الإرسال
جرحاً فاقتضى تقديمه" من باب تقديم الجرح على التعديل، لكن كون
الأكثر على ما سيأتي يقدمون الجرح؛ لأن الجارح معه زيادة علم
خفيت على المعدل، هل نقول بأن "لكن في الإرسال جرحاً فاقتضى
تقديمه" هذا قول الأكثر؟ يعني كما قلنا في تقديم الجرح على
التعديل القول الأكثر؟ أو نقول في هذه نظير ما قلنا في مسألة
اتفاق أهل العلم: على أنه لو تفرد الثقة بحديث؛ لا يلزمه منه
اتفاقهم على قبول الزيادة عند التفرد؛ لأن عندنا أصل، ومقيس
عليه، مقيس ومقيس عليه؛ أصل يقاس عليه، وفرع يقاس، فرواية
الراوي الثقة لحديث كامل يتفرد به؛ يتفق أهل العلم على قبوله،
زيادة يتفرد بها، وهو ثقة؛ هل نقول أنه يتفق أهل العلم على
قبولها مثل ما يتفقون على رواية الحديث كاملاً؟ لا؛ ولذا انتقد
نقل الاتفاق، وقال: "وادعى فيه الخطيب الاتفاق مجمعا" انتقد
هذا الكلام، ونظير ذلك المسألة الأخيرة "لكن في الإرسال جرحاً
فاقتضى تقديمه" يعني كما يقدم الجرح على التعديل، وإذا كان
تقديم الجرح على التعديل قول الأكثر؛ هل نقول: إن الطعن في
رواية من وصل، وإعلالها برواية من أرسل؛ قول الأكثر؟ لا، ما
يلزم، لا يلزم، نعم من أهل العلم من طعن بالإرسال؛ من قدح
الرواية الموصولة بالرواية المرسلة، ولكن لا يمكن أن يقال أن
هذا قول الأكثر؛ لأنه
(13/10)
مردود "وردَّ أن مقتضى"، "ورد أن مقتضى هذا
قبول الوصل" أيضاً، مقتضى هذا الكلام الذي هو الطعن في رواية
من وصل برواية من أرسل؛ يمكن تعكس القضية؛ لماذا لا يطعن في
رواية من أرسل برواية من وصل، وله وجه، له وجه وإلا ما له وجه؟
له وجه؛ لماذا؟ لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، ومن زاد معه
زيادة علم خفيت على من نقص، ورد أن مقتضى هذا قبول الوصل
–أيضاً-، فنجرح الراوي الذي أرسل لمخالفته رواية من وصل، يعني
كما ادعي عكس ذلك "أن مقتضى .. "
هذا قبول الوصل إذ فيه وفي ... الجرح علم زائد للمقتفي
يعني في الجرح زيادة، أو علم خفي على من عدل، فمن جرح الراوي
-على ما سيأتي-؛ يذكر فيه وصفاً خفي على من عدله، نعم، إذا قال
المعدل: أعرف هذا الجرح؛ لكنه تاب منه، أو نفاه بطريق يمكن
قبوله، نعم، يمكن قبوله، فيكون عنده –أيضاً- علم زائد،
المعدِّل عنده علم زائد على الجارح، يكون عند الجارح علم زائد
على المعدل من وجه، ويكون عند المعدل علم زائد على من جرح؛
يعني ننظر المسألة؛ لأن هذه المسألة تحتاج إلى شيء من الإعادة،
أنا أشوف بعض الأخوان كأنهم ..
التنظير في طعن الرواية؛ رواية الوصل برواية الإرسال بتقديم
الجرح على التعديل؛ لأن رواية الوصل يقدح فيها أو تعل برواية
الإرسال، تعل برواية الإرسال، وقلنا إن هذا الكلام ليس بأولى
من عكسه، ليس بأولى من عكسه؛ لأنه إذا قيل: إن من وصل أتى بقدر
زائد على المتفق عليه فهو مشكوك فيه؛ نقول –أيضاً-: من أرسل
احتمال أن يكون نسي هذه الزيادة؛ فتكون رواية من وصل هي
المرجحة، ونظير ذلك الجرح والتعديل، الجرح والتعديل، إذا قدمنا
قول الجارح، وهو قول الأكثر؛ لأن معه زيادة خفيت على من عدل،
الذي يقول: هذا ثقة، والذي يقول: ضعيف؛ لأنه يشرب الخمر؛
مثلاً، أو يترك بعض الواجبات؛ هذا يعرف عن هذا الراوي ما لا
يعرفه المعدَّل؛ لكن لو قال المعدل: أنا أعرف السبب الذي جرحه
من أجله، أنا أعرف السبب، الجرح مفسر يعني مقبول، لكن يبقى أن
يقول: أنا أعرف السبب، لكن أنا أعرف الرجل أنه تاب توبة
نصوحاً، والتوبة تجب ما قبلها، وتهدم ما كان قبلها، فيكون
حينئذٍ مع المعدل زيادة؛ زيادة علم خفيت على الجارح.
(13/11)
هذا قبول الوصل إذ فيه وفي ... الجرح علم
زائد للمقتفي
أي المتبع.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه
أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يسأل يقول: في منطقة من مناطق المملكة فيها أحناف يصلون
العصر في الخامسة والنصف؛ علماً أن العصر يؤذن لها في الثالثة
وخمس دقائق، والمغرب في السادسة والنصف مساءً؛ هل تجوز الصلاة
معهم في هذه الحالة؟
معروف مذهب الحنفية في دخول وقت صلاة العصر، وأنه مصير ظل
الشيء مثليه، ومذهب الجمهور أن وقت صلاة العصر يدخل بعد مصير
ظل الشيء مثله؛ مثل واحد، يعني بطوله، وعند الحنفية مثليه،
ويلزم على هذا أن الوقت لا يدخل إلا متأخر عند الحنفية.
على كل حال هم في الوقت، هم يصلون في الوقت؛ لأن الوقت وقت
الاختيار ينتهي باصفرار الشمس، ووقت الاضطرار ينتهي بغروبها،
ينتهي بغروبها، في الحديث الصحيح: ((من أدرك ركعة من صلاة
العصر قبل أن تغرب الشمس؛ فقد أدرك العصر))، وإذا نام الإنسان
عن صلاته، وفاته أول الوقت مع جماعته الذين اعتاد الصلاة معهم،
والذين يوافقونه على ترجيح مذهب الجمهور؛ له أن يصلي مع
الأحناف، ولو تأخروا في صلاتهم، لكن لا يكون هذا ديدن وعادة؛
بحيث تكون سمة له أنه يؤخر الصلاة عن أول وقتها.
يقول: ما أهم كتب أصول الفقه للمبتدئ، وما رأيك بكتاب مختصر
التحرير لابن النجار؟
المبتدئ يناسبه الورقات للجويني، وأما مختصر التحرير فهو كتاب
فيه عسر؛ فيه صعوبة، لا يناسب المبتدئين، فإذا انتهى من
الورقات مع شروحها المطبوعة والمسموعة؛ له أن يدرس في مختصر
التحرير، يدرس مختصر التحرير مع شرحه، ومثل ما ذكرنا بالأمس أن
التأليف وسيلة للتحصيل؛ يعني لو جاء إلى شرح المختصر المطبوع
في أربعة مجلدات، وصاغ منه بأسلوبه شرحاً في مجلد متوسط كفاه،
واستفاد فائدة عظيمة.
يقول: ذهب شخص إلى الحلاق، فحلق رأسه، وأخطأ الحلاق فحلق بعض
لحيته من جهة واحدة، فعندما ذهب إلى زملائه؛ قالوا له: احلقها
كلها، ولا تتركها هكذا.
لا يجوز له أن يحلقها، لا يجوز له أن يحلقها، لا يستجيب لهم.
(13/12)
يقول: ما رأيكم بالبعثات الدراسية خارج
المملكة لمن تخرج من الثانوية العامة، ومن كانت نيته التعلم
والدعوة إلى الله –تعالى-؟
الذهاب إلى الخارج لا سيما في بلاد الكفار بهذه السن مخاطرة؛
مخاطرة بالدين-نسأل الله السلامة والعافية.
هذا يرجو توجيه كلمة للحضور حول فضل طلب العلم، والمصابرة،
والرحلة فيه، فإن بعض الحاضرين قدموا من خارج الرياض من مكة،
وبعض المدن؛ فنأمل التوجيه حول الإخلاص في طلب العلم، وتجديد
النية.
هذا الموضوع فيه أشرطة كثيرة فيرجع إليها؛ لأنه يحتاج إلى شيء
من البسط.
هل نقبل زيادة الصدوق على الثقة؟
أما زيادة من تقبل روايته فهي المرادة هنا، في قولهم: في
زيادات الثقات، من يقبل حديثه؛ تقبل زيادته إذا دلت القرائن
على ثبوتها.
يقول: ما معنى حذف المضاف مع نيته؟
حذف المضاف معلوم؛ لئلا يذكر، مع أنه في نية المتحدث: {لِلَّهِ
الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [(4) سورة الروم]، أي من
قبل ذلك، ومن بعده، وهو ينويه، أما إذا لم ينوه:
فساغ لي الشراب وكنت قبلاً ... . . . . . . . . .
ما نوى المضاف؛ فأعرب ونون.
أي طبعة توصي بها في شرح ألفية الحديث للسخاوي؟
الكتاب طبع مراراً، ومن طبعاته؛ طبعة محققة في رسالتين موجودة
في الأسواق.
يقول: ما مراد ابن حبان في قوله: "يعتبر به أو لا يعتبر به إذا
وافقه الثقات" أيش معنى هذا؟
الذي يقول: يعتبر به في الغالب الدارقطني؛ يعني أنه ممن يؤنس
بروايته، ويركن إليها إذا ووفق؛ بمعنى أنه ليس بشديد الضعف،
ويرتفع خبره عند المتابعة، والشاهد.
بعض الإخوان حضر إلى المسجد، وجماعة المسجد يصلون فلم يدخل في
الصلاة بناءً على أنه قد صلى الفجر؛ نأمل توضيح ذلك، فقد يكون
البعض يجهل أن الأفضل الدخول في الصلاة، وهي نافلة له.
نعم إذا جاء والناس يصلون يصلي معهم، وهي له نافلة.
ما أفضل طبعة لصحيح مسلم؟
أفضل طبعات صحيح مسلم الطبعة العامرة المطبوعة في تركيا سنة
ألف وثلاثمائة وثمان أو سبع وعشرين.
ما الذي يبدأ به طالب العلم لحفظ الأسانيد؟
(13/13)
يعني لو حفظ الأسانيد من تحفة الأشراف؛ لا
سيما السلاسل المطروقة؛ أحاديث المكثرين من الرواة، فيحفظ
إسناداً واحداً، ويحفظ بواسطته مائة متن، وهنا يوفر له الوقت
والجهد.
قول النحاة في مثل قول الله -جل وعلا-: {خَلَقَ الإِنسَانَ}
[(4) سورة النحل]، يقولون: مبني للمجهول، وتعالى الله –تعالى-
ليس بمجهول.
هذا بناء الفعل؛ مقصودهم بناء الفعل، وإلا فالله -جل وعلا-
أعرف المعارف، مقصودهم بناء الفعل، ولا شك أن الفعل لم يذكر
معه فاعله، وإلا فالله –تعالى- كما قال سيبويه أعرف المعارف؛
لأنه حينما يبحث النحاة في بناء الكلمة؛ كما قالوا عن لفظ
الجلالة؛ هل هو مشتق، أو غير مشتق؟ والمشتق لا بد أن يكون
مشتقاً من شيء آخر، والأصل أن المشتق فرع، والله -جل وعلا- هو
الأصل، والموجد للأشياء، لكنهم يدرسون الكلمة من حيث بنائها
اللغوي والإعرابي.
يقول: ثبت في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة: ((إذا ولغ
الكلب في إناء أحدكم؛ فليرقه، وليغسله سبعاً))، وقد حكم
الحفاظ؛ منهم النسائي أن لفظة: ((فليرقه)) تفرد بها علي بن
مسهر؛ سؤالي: ما موقفي -كطالب علم- من هذه الزيادة؟ هل أقبلها،
وأقول: هي في صحيح مسلم، أم أردها؛ لرد الحفاظ لها؟
لا، هي مقبولة على كل حال، وما في الصحيح لا يقبل النقاش إلا
إذا ما اتفق الحفاظ على ردها، إذا اتفقوا على ردها؛ نحكم بأنها
وهم من بعض الرواة، وليسوا بمعصومين، لكن مع ذلك ما ثبت في
الصحيحين؛ في هذين الكتابين اللذين تلقتهما الأمة بالقبول؛ لا
مندوحة، ولا مفر من قبولها.
يقول: لو كان الشيخ الثقة يحدث بالزيادة، ثم إنه ذكر بهذه
الزيادة، فأعرض عنها؛ فهل هذا من القوادح في رد هذه الزيادة
التي يحدث بها؟
هذا الرد، أو الإعراض عن هذه الزيادة، أو ترك هذه الزيادة لما
ذكر تذكر أنه أخطأ في نقلها، وفي روايتها؛ هذا خطأ، والخطأ لا
يعروا منه أحد، من يعرو من الخطأ والنسيان؟ لكن إذا كثر هذا في
حديث الراوي ضعف بسببه.
(13/14)
يقول هذا من مصر؛ هذا يقول: يعاني من السحر
منذ خمس سنوات، يقول: فقد سحرني أحد القساوسة، وهو رجل يسكن في
المسكن الذي بجواري، وأنا من طلبة العلم عن طريق الإنترنت،
وأجد الهمة، والنشاط في الأوقات التي أكون فيها طالباً للعلم،
ومقيماً للواجبات، وأحياناً أجد حالي عكس ذلك من أفكار غريبة،
وأفعال شيطانية مريبة، وبعد عن الالتزام، وغير ذلك كثير حال
تلبسي بالسحر؛ فما هو العمل الشرعي، والتحصينات الشرعية؛
القولية، والعملية؛ لدفع ذلك السحر؟
على كل حال هذا الرقى الشرعية بالكتاب والسنة لا سيما إذا كانت
على يد معروف بالاستقامة، وتحقيق التوحيد، وتجريده، والبعد عما
نهى الله عنه؛ فمثل هذا ينفع بإذن الله، والقرآن شفاء.
يقول: هل يستحب لمن أحب شخصاً في الله؛ لصلاحه أن يخبره؟
نعم، وجاء الأمر بذلك، والحكمة من إخباره أن يتبادل المسلمون
هذه المحبة، وأن يوجد النشاط من قبل المحبوب؛ ليبعثه ذلك على
العمل، والزيادة منه.
وهل لا بد أن تكون المحبة من الطرفين؛ لينالوا أجر المتحابين
في الله المذكور في الحديث؛ إن الله يظلهم في ظل عرشه يوم لا
ظل إلا ظله، أم يكفي محبة الطرف الأول للطرف الثاني، والثاني
لا يكون في قلبه محبة للأول؟
إذا وجدت المحبة من الطرفين هذا هو الأصل بين المسلمين،
والتحاب في الله، والمتحابين في الله، هذه الصيغة تدل على أنها
من الطرفين، لكن لو قدر أن شخصاً أحب آخراً، والثاني لا يعلم
به؛ لا يقدح هذا في محبته إياه في الله، وترتب الثواب والأجر
عليه، حتى ولو علم به، وأحبه هذا لما عنده من خصال الخير،
والثاني كرهه لما عنده مما يمكن أن يكره من أجله، ولو جد فيه
خير؛ فهذا لا يؤثر -إن شاء الله تعالى-.
يقول: ما حكم إذا وضعت ورقة داخل القرآن الكريم؟
(13/15)
هذه الورقة إذا كانت نظيفة، ولا فيها شيء
يدل على الاستخفاف بالقرآن؛ فلا شيء في ذلك، لا سيما إذا أراد
أن يجعلها علامة على موقفه في القراءة، إذا أراد أن يجعلها
علامة على موقفه في القراءة؛ لا بأس، أما إذا أراد حفظ هذه
الورقة في المصحف، يعني هذه الورقة؛ إما صك شراء بيت، وإلا
شهادة، وإلا شيء من هذا، وإلا وثيقة دين، وأراد حفظها بالمصحف؛
هذا يفعله بعض الناس؛ هذا امتهان للقرآن الكريم.
يقول: ما الحكم لو سلمت على واحد جنب.
إيش معنى جنب؛ يعني ما استقبلته بوجهك، أعطيته يدك وأنت معرضاً
عنه؟ هذا يقدح في المقصود من السلام، المقصود من السلام أنه
يزرع المحبة بين المسلمين، والسلام بهذه الطريقة على جنب، هذا
اللي فهمت من السؤال؛ بأن يمد يده غير ملتفت إليه؛ مثل هذا
يقدح في السبب الذي من أجله شرع السلام.
لماذا بعد الصلاة لا نقول حرماً، ونقول بدلاً منها: تقبل الله
منك؟
هذا من مصر؛ هذه الألفاظ كلها ما ثبتت بعد الصلاة عن النبي
-عليه الصلاة والسلام-، ولا عن صحابته الكرام، فلا يقال لا
حرماً، ولا تقبل الله منك، إنما بعد الصلاة ينشغل المصلي
بالأذكار، وكان الصحابة يعرفون انقضاء صلاة النبي -عليه الصلاة
والسلام- بالتكبير، والمراد بذلك الذكر المشروع بعدها من
الاستغفار، ثم بقية الأذكار، ولو دعا لإنسان مرة في الشهر، أو
مرة في الأسبوع بقبول الأعمال؛ لا على سبيل الاستمرار، ولا على
سبيل التعبد بهذا اللفظ المخصوص، أرجو أن يكون لا بأس به -إن
شاء الله تعالى-.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله
نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال العراقي -رحمه الله تعالى-:
الأفراد:
الفرد قسمان ففرد مطلقا ... وحكمه عند الشذوذ سبقا
والفرد بالنسبة ما قيدته ... بثقة أو بلد ذكرته
أو عن فلان نحو قول القائل ... لم يروه عن بكر إلا وائل
لم يروه ثقة إلا ضمرة ... لم يرو هذا غير أهل البصرة
فإن يريدوا واحداً من أهلها ... تجوزاً فاجعله من أولها
وليس في أفراده النسبية ... ضعف لها من هذه الحيثية
(13/16)
لكن إذا قيد ذاك بالثقة ... فحكمه يقرب مما
أطلقه
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله
نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "الأفراد" الأفراد جمع فرد،
وهو من التفرد، والتوحد، وعدم المشاركة في الرواية، ومناسبة
هذا الباب، أو هذه الترجمة لما قبلها ظاهرة، وصنف في الأفراد
جمع من أهل العلم؛ كالدارقطني، وابن شاهين، والأفراد موجودة في
الدواوين المشهورة؛ كجامع الترمذي، والبزار، والأوسط، والصغير
للطبراني؛ يعني موجودة في جامع الترمذي، وكثيراً ما ينص على
التفرد، وعلى الغرابة في الحديث، كما أنها موجودة في معاجم
الطبراني الأوسط والصغير دون الكبير، وكذلك موجودة في مسند
البزار.
يقول -رحمه الله تعالى-:
الفرد قسمان ففرد مطلقاً ... . . . . . . . . .
يعني الفرد المطلق، والفرد النسبي؛ الفرد المطلق فرد يقع
مطلقاً؛ هذا هو القسم الأول، بأن يتفرد به راوٍ واحد عن جميع
الرواة، يتفرد بالحديث راوٍ واحد عن جميع الرواة، هذا يسمونه
فرد مطلق.
. . . . . . . . . ... وحكمه عند الشذوذ سبقا
حكم الفرد المطلق عند الشذوذ سبق؛ لأنه إن كان مع المخالفة
تضمن هذا التفرد؛ مخالفة لما يرويه من هو أوثق منه، أو أكثر،
أو أحفظ؛ فهو الشاذ عند الإمام الشافعي، ومطلق التفرد من ثقة
وغيره شذوذ عند بعض أهل العلم، وتفرد الثقة شذوذ –أيضاً- عند
آخرين على ما تقدم شرحه، هذا حكم التفرد المطلق، أما التفرد مع
المخالفة؛ فلا إشكال في الحكم عليه بالشذوذ، فلا إشكال في
الحكم عليه بالشذوذ، وأما التفرد مع عدم المخالفة؛ فكثير من
الأحاديث مخرجة في الصحيحين
(13/17)
مع الاتصاف بهذا الوصف، مع التفرد المطلق
من قبل بعض رواته، وبعضهم يشترط التعدد في الرواية، يشترط
العدد في الرواية، وهذا تقدم في أوائل الألفية أنه قال به بعض
العلماء من شراح البخاري، وغيرهم، يقول به الكرماني، ونص عليه
في مواضع من شرح البخاري، ويفهم من كلام البيهقي في بعض
المواضع، وقال به أبو بكر بن العربي، وهو المعروف عن أبي
الحسين البصري، وأبي هاشم الجبائي من المعتزلة، لاشتراطهم
العدد في الرواية، وهذا قول لا شك أنه مرجوح، فالراوي الثقة
الحافظ الضابط إذا تفرد بالخبر قُبِل، ما لم يتضمن مخالفة لما
يرويه من هو أوثق منه، وحديث الأعمال بالنيات مجمع على قبوله،
وصحته مع أنه فرد مطلقاً، وآخر حديث في الصحيح: ((كلمتان
خفيفتان على اللسان، ثقيلان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن))،
-أيضاً- فرد مطلق، وسبق شرح، وبيان هذا هذه المسألة، ثم ذكر
القسم الثاني من أقسام الأفراد، وهو الفرد النسبي، فقال:
"والفرد بالنسبة" إلى جهة خاصة، وهو القسم الثاني:
. . . . . . . . . ما قيدته ... بثقة أو بلد ذكرته
(13/18)
"قيدته بثقة" لا يرويه عن سعيد إلا فلان،
لا يرويه عن سعيد بن المسيب إلا صالح بن كيسان، يتفرد بروايته
صالح بن كيسان عن سعيد بن المسيب من بين الآخذين عن سعيد، هذا
فرد، وتفرد لكنه نسبي، فقد يرويه غير صالح عن غير سعيد، فهو
بالنسبة إلى سعيد تفرد بروايته صالح بن كيسان "بثقة أو بلد"
معين "ذكرته" كأن يتفرد بالسنة المروية عن النبي -عليه الصلاة
والسلام- أهل مكة، أو أهل البصرة، أو أهل مصر، هذا –أيضاً-
تفرد لكنه نسبي، تفرد به أهل مصر، هذا التفرد نسبي، وإن رواه
جمع منهم، من المصريين، أو من البصريين، أو من المكيين، أو
المدنيين، هذا هو الفرد النسبي؛ لأن التفرد بالنسبة إلى شيء
معين، إما إلى راوٍ ثقة، أو إلى جهة معينة، وقد يكون مروياً عن
جمع من أهل هذا البلد، أو عن جمع من الرواة عن غير هذا الراوي
الثقة الذي قيد به، أو يقيد براوٍ معين "أو عن فلان" بأن يقال:
لم يروه عن فلان إلا فلان، يعني مثل ما تقدم في تقييده بالثقة،
المراد بالثقة في الأول: لم يروه ثقة إلا فلان، لم يروه ثقة
إلا فلان، يعني لو قيل: ما رواه إلا مالك، ومرادنا بهذا
التقييد من الثقات، وإن رواه جمع من الضعفاء، وإن رواه جمع من
الضعفاء، فالتفرد هنا بالنسبة للوصف بالثقة، وقوله: "أو عن
فلان" التقييد براو معين لم يروه عن فلان إلا فلان، مثل ما
ذكرنا في المثال السابق، لم يروه عن سعيد إلا صالح بن كيسان،
وإن رواه غير صالح عن غيره، فالفرق بين قوله: "من قيدته بثقة"
يعني لم يروه من الثقات إلا مالك مثلاً، وإن رواه من الضعفاء
غيره، كابن لهيعة، والإفريقي، وجمع ممن ضعف.
أو عن فلان نحو قول القائل ... . . . . . . . . .
"نحو قول القائل" أبي الفضل بن طاهر في حديث أنس أن النبي
-عليه الصلاة والسلام- أولم على صفية بسويق وتمر، هذا الحديث
في السنن، لم يروه إلا وائل بن داود التيمي عن ولده بكر بن
وائل:
. . . . . . . . . ... لم يروه عن بكر إلا وائل
(13/19)
القائل هو أبو الفضل بن طاهر في حديث أنس
-رضي الله تعالى عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أولم على
صفية بسويق وتمر "لم يروه عن بكر" بكر بن وائل "إلا وائل" أبوه
وائل بن داود التيمي، ولم يروه عن وائل إلا ابن عيينة، لم يروِ
عن وائل إلا ابن عيينة، رواه ابن عيينة عن وائل بن داود التيمي
عن ابنه بكر بن وائل، ولذا قال الترمذي فيه: حسن غريب، حسن
غريب يعني من هذا الوجه، من هذا الوجه الذي فيه هذا النوع
النادر، وهو رواية الأب عن ابنه، والغالب العكس، رواية الابن
عن أبيه، ورواه ابن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس،
والمحفوظ الأول، قاله الدارقطني، والمحفوظ الأول، كما قاله
الدارقطني، هذا تفرد نسبي، هذا تفرد نسبي وليس بمطلق.
لم يروه ثقة إلا ضمرة ... . . . . . . . . .
"لم يروه ثقة إلا ضمرة" في حديث قراءة النبي -عليه الصلاة
والسلام- في صلاة عيد الأضحى بقاف، واقتربت، رواه مسلم، ما
رواه ثقة إلا ضمرة بن سعد المازني، ورواه من غير الثقات ابن
لهيعة، وهو مضعف في قول الجمهور، وروايته عند الدارقطني:
لم يروه ثقة إلا ضمرة ... لم يرو هذا غير أهل البصرة
"لم يرو هذا غير أهل البصرة" بحديث أبي سعيد قال: أمرنا رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- بقراءة الفاتحة، فاتحة الكتاب، وما
تيسر، قال الحاكم: هذه سنة غريبة تفرد بها أهل البصرة، تفرد
بها أهل البصرة، هذا هو التفرد النسبي، وأما التفرد المطلق كأن
يستقل الراوي بروايته عن جميع الرواة، لا يتابعه عليها أحد من
الرواة، لا من الثقات، ولا من الضعفاء، وأما التفرد النسبي،
فهو ما قيد بثقة، أو براوٍ معين، أو ببلد معين، وإن روي من غير
هذه الجهة، أو روي عن غير هذا الراوي، أو شاركهم من الرواة
غيره ممن لا يتصف بوصفه، كالتوثيق مثلاً.
قال -رحمه الله-:
فإن يريدوا واحداً من أهلها ... . . . . . . . . .
(13/20)
"فإن يريدوا واحداً" فإن يريدوا يعني
القائلين "واحداً من أهلها" يعني القائلين كالحاكم في الحديث
السابق تفرد به أهل البصرة، فإن يريدوا واحداً من أهل البصرة
تفرد برواية هذا الحديث "فإن يريدوا واحداً" فقط "من أهلها" أي
من أهل تلك البلدة "تجوزاً" في الإضافة "تجوزاً" في هذه
الإضافة "فاجعله من أولها" فاجعله من الفرد المطلق، الأصل أنه
فرد نسبي؛ لأنه بالنسبة إلى تلك الجهة، لكن هذا المنسوب إلى
هذه الجهة إن تفرد بروايته مجموعة من أهل تلك الجهة؛ صار فرداً
نسبياً، وأن تفرد به واحد، يعني رواه مجموعة من أهل البصرة،
صار فرداً نسبياً بالنسبة إلى تلك الجهة، تفرد أهل بلد، لكن إن
تفرد به واحد من أهل تلك الجهة من أهل البصرة، أو تفرد به واحد
فقط من أهل مكة، أو من أهل المدينة "فاجعله من أولها" يكون من
النوع الأول، وهو التفرد المطلق، والوصف بكونه من أهل مكة، أو
من أهل البصرة لا يؤثر، فالمنظور إليه الراوي غير المشارَك:
فإن يريدوا واحداً من أهلها ... تجوزاً. . . . . . . . .
يعني في الإضافة، فقد ينسب العمل إلى أهل بلد، والعامل به
واحد، تنسب الرواية إلى أهل بلد، والراوي واحد من أهلها، ثم
قال -رحمه الله تعالى-:
وليس في أفراده النسبية ... . . . . . . . . .
وليس في أفراده، أي في أفراد هذا الباب النسبية، يعني في
الأفراد من القسم الثاني، يعني وصف الخبر بأنه تفرد به أهل
بلد، أو تفرد به هذا الثقة، أو هذا الراوي عن هذا الراوي
بعينه، ووافقه على ورايته رواة آخرون عن غير هذا الراوي "ليس
في أفراده النسبية" يعني كون أهل البصرة يتفردون به، ويرويه
أكثر من واحد منهم، أو يتفرد به صالح بن كيسان عن الزهري فيما
مثلنا، ويرويه آخرون عن غير سعيد بن المسيب:
وليس في أفراده النسبية ... ضعف لها من هذه الحيثية
(13/21)
يعني إذا قلنا: إن هذا فرد، وفرد نسبي،
وليس بفرد مطلق، فإن هذا لا يدل على ضعف الخبر؛ لوجوده مروياً
بروايات أخرى بمجموعة من أهل هذا البلد، أو يرويه جمع آخرون عن
غير هذا الراوي بعينه، الذي نسب إليه التفرد؛ لأنه عندنا الصور
النسبية يمكن حصرها في ثلاث: في الجهة، في البلد، يتفرد بها
أهل مصر، يتفرد بها أهل البصرة، يتفرد بها أهل مكة، لكن يرويه
من أهل مكة جمع، نقول: تفرد بها أهل مكة، وإن كانوا جمعاً؛ لأن
هذا التفرد بالإضافة إلى الجهة.
الثاني: أن يتفرد به راوٍ معين عن راوٍ، بالنسبة لهذا الراوي
لم يروه إلا فلان، وفي مثالنا: لم يروه عن سعيد بن المسيب إلا
صالح بن كيسان بغض النظر عن الرواة الآخرين، فقد رواه جمع عن
سالم مثلاً، أو عن نافع، فهذا تفرد بالنسبة لمن روي عنه.
الثالث: تفرد الثقة من بين الثقات، ولو وافقه على روايته جمع
من الضعفاء:
وليس في أفراده النسبية ... ضعف لها من هذه الحيثية
أي حيثية التفرد النسبية، لكن إذا قيد ذاك بالثقة، يعني إذا
قيد القائل من الحفاظ التفرد بالثقة، إذا قيد القائل من الحفاظ
التفرد بالثقة، وهي الصورة الثالثة مما ذكرناه، تفرد به فلان،
يعني تفرد به فلان بالنظر إلى ما اتصف به من الثقة، ولو وافقه
عليه آخرون من الضعفاء:
لكن إذا قيد ذاك بالثقة ... . . . . . . . . .
كقولهم: لم يروه ثقة إلا فلان:
. . . . . . . . . ... فحكمه يقرب مما أطلقه
(13/22)
"فحكمه يقرب مما أطلقه" يعني يقرب من حكم
القسم الأول الذي مضى في الشاذ، وأشير إليه في البيت الأول
"فحكمه يقرب مما أطلقه" أي: يقرب من القسم الأول؛ لأن رواية
الثقة كلا رواية، يعني وجود غير الثقة روايته، وجودها مثل
عدمها، إذا قيل: تفرد به الثقة فلان، هذا حديث تفرد به مالك،
يعني من بين الثقات ما رواه إلا مالك، ورواه من الضعفاء جمع،
قالوا: رواية هؤلاء الضعفاء كلا رواية، اللهم إلا إذا نظرنا
إليه من حيث التقوية بتعدد الطرق القابلة للانجبار، يعني إذا
رواه مثلاً مالك، تفرد به من الثقات، ثم رواه جمع من الضعفاء
كلهم ضعفهم غير شديد، أحاديثهم يرقي بعضهم بعضاً إلى أن تكون
بمثابة الحديث الواحد القوي، فيرجح بها عند التعارض، فيرجح بها
عند التعارض.
المعلل
وسم ما بعلة مشمول ... معللاً ولا تقل: معلول
وهي عبارة عن أسبابٍ طرت ... فيها غموض وخفاء أثرت
تدرك بالخلاف والتفرد ... مع قرائن تضم يهتدي
جهبذها إلى اطلاعه على ... تصويب إرسال لما قد وصلا
أو وقف ما يرفع أو متن دخل ... في غيره أو وهم واهم حصل
ظن فأمضى أو وقَف فأحجما ... مع كونه ظاهره أن سلما
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- الناظم الحافظ العراقي:
"المعلل" وهذا النوع من أنواع علوم الحديث، من أجل علوم
الحديث، وأدقها، وأشرفها، ولا ينوء به إلا القليل من الأئمة
الحفاظ، وكم من شخص اشتغل بالحديث السنين الطوال، ولم يدرك
علة، وإن حكم، وإن درس الأسانيد، وحكم، لكن هذه العلل لها
أهلها، لها أهلها أهل الحفظ، والخبرة، والفهم الثاقب.
يقول -رحمه الله تعالى-: "وسم ما" يعني من الحديث "بعلة مشمول"
بعلة خفية، سواءٌ كانت في سند الحديث، أو متنه:
وسم ما بعلة مشمول ... . . . . . . . . .
يعني بالعلة الخفية في سند الحديث، أو متنه، وسيأتي إطلاق
العلة على الظاهرة، لكن العلة إذا أطلقت في كتب علوم الحديث،
فإنما يراد بها الأسباب الخفية التي تقدح في المتن، أو في
السند الذي ظاهره السلامة:
وسم ما بعلة مشمول ... معللاً. . . . . . . . .
(13/23)
كما قال ابن الصلاح: "ولا تقل: معلول" ولا
تقل معلول؛ لأنه عندنا المعلل الذي عنون به، وترجم به، هذا
لفظ، وعندنا –أيضاً- معلول، وعندنا معل، والألفاظ الثلاثة كلها
إيش؟ اسم مفعول، اسم مفعول، مُعَل اسم مفعول، ومُعِل اسم فاعل،
ومُعلَّل اسم مفعول، ومُعلِّل اسم فاعل، ومعلول اسم مفعول،
واسم الفاعل من ذلك عالٌّ، على وزن فاعل، الحافظ -رحمه الله
تعالى- يقول: سمه معللاً، ولا تسمه معلولاً، سمه معللاً، ولا
تسمه معلولاً، جاء التعبير بمعلل، هذا حديث معلل، من قبل
الأئمة، وأيضاً- جاء التعبير بلفظ معلول، وقع في كلامهم
كثيراً، وقع في كلام الحفاظ كثيراً "معلول"، وقع في كلام
البخاري، ووقع في كلام الترمذي، والحافظ العراقي -رحمه الله
تعالى-: "ولا تقل"، يقول: "ولا تقل معلول" طيب وقع في كلام
الحفاظ، ووقع في كلام الأصوليين، ووقع في كلام أهل الكلام
المتكلمين، ووقع في كلام أهل العروض، يقولون: معلول، ووقع
–أيضاً- في كلام بعض اللغويين، كالزجاج، والحافظ العراقي يقول:
"لا تقل معلول" فإذا وقع من المحدثين، كالبخاري، والترمذي،
ووقع من الأصوليين، فهم كثيراً ما يعبرون بالعلة، والمعلول،
ووقع في كلام المتكلمين، ووقع –أيضاً- في كلام العروضيين، ووقع
في كلام بعض اللغويين، والحافظ العراقي يقول: "ولا تقل معلول"
لماذا؟ معلول من الفعل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
(13/24)
هذا اسم مفعول مبني من الثلاثي، مبني من
الثلاثي، الفعل اسم المفعول من ضرب مضروب، من أكل مأكول، من
شرب مشروب، علَّ، طيب علَّ ثلاثي، الحرف المضعف من حل حرفين؛
ما الفرق بين علَّ وعلل؟ نعم؟ اسم المفعول من علَّ معلول، طيب،
وعلل اسم المفعول منه معلل، وأعلَّ اسم المفعول منه معلّ، عل
من العلة، من العلة، وعلل من التعليل، وهو الإشغال، والإلهاء،
علله بالطعام، يعني شغله به، وألهاه به، وعل من العلة، فهو
معلول، من العلة التي هي في الأصل للأجسام، كما تقول: مجنون،
ومسلول من سُلَّ، وجُنَّ، فهو مسلول، ومجنون، الأصل فيها
الأجسام، واسم المفعول من أعل معل، وهذا اللفظ هو الذي رجحه
الحافظ العراقي، وبعضهم حكم على اللفظ لفظ المعلل، والمعلول
أنه شذوذ، وقال النووي: لحن، وقال ابن سيدة: لست منها على ثلج،
يعني ما أنا مرتاح لهذه الكلمة، معلل، ولا معلول، وإنما يقال:
معل، لكن إذا وجد في كلامهم، وأطلقوه على بعض الأحاديث إذا
أطلقوه على بعض الأحاديث، فلا مندوحة، ولا مفر من تقليدهم فيه،
ولذا يقول الحافظ ابن حجر: أولى ما يقال في الخبر أنه معلول،
وسمى كتابه:: الزهر المطلول في الخبر المعلول" مجاراة، ومتابعة
لأهل الحديث الذين أطلقوا، ومنهم إمام الصنعة البخاري، مادام
أطلقوه، ووجد في كلام بعض اللغويين؛ إذن له أصل في اللغة، ووجد
في كلام الفقهاء، والأصوليين، والمتكلمين، يعني إطلاق
اللغويين، وإطلاق الفقهاء، والأصوليين، والمتكلمين؛ هل هو
بمعنى إطلاق المحدثين؟ يعني العلة، والمعلول في الأصول، أو في
علم الكلام مثلاً، وأوردها شيخ الإسلام بهذا اللفظ معلول، علة
ومعلول، في درء تعارض العقل والنقل في أكثر من موضع، هل مرادهم
بهذا الإطلاق هو مراد المحدثين في إطلاقهم على الحديث بأنه
معلول؟ هم لا يقصدون بذلك الأحاديث، وإنما ينظرون إلى المؤثر
والتأثير، والمؤثر فيه، إطلاق هؤلاء كلهم غير إطلاق المحدثين،
لكنهم يشتركون في الصيغة، فيقولون: معلول، والأمر سهل، الأرجح
عند الحافظ العراقي أن يقال: معل؛ لأنه من الفعل أعله فهو معل،
وأما المعلل، فهو من علله بالشيء أي شغله به، والمعلول على
إطلاق غير المحدثين المؤثَر فيه، وإذا أردنا أن نوجد
(13/25)
مخرج لمن أطلق من الحفاظ على الحديث الذي
فيه قادح معلول، فإن الأمر يسير، فالعلة لا شك أنها تشغل بال
الحافظ، الذي يبحث في هذا المجال، فالذي أوجد فيه هذه العلة
شغل الحفاظ بمعرفتها، وبحثها، والتنقيب عنها، ومعرفتها،
ومعرفتها إنما تكون بعد جمع الطرق، فعللهم، وشغلهم بها،
وألهاهم بها، وهذا التماس لما صنعه الأئمة، وكوننا نلتمس لهم
أفضل من أن نغلطهم، أفضل من أن نغلطهم، والأمر سهل؛ لأنه إذا
عرف المقصود من الكلمة التي تداولها أهل العلم ينتفي المحذور،
الإشكال إذا كانت هذه الكلمة في استعمالها في أكثر من فن يوقع
في لبس، إذا كان استعمالها يوقع في لبس، فلا بد من تمييزها عن
غيرها، وقد تكون الكلمة من المشترك، فتطلق الكلمة، ويراد بها
أكثر من معنى.
على كل حال الأمر سهل، والحافظ العراقي -رحمه الله- شدد في هذه
المسألة، وخطَّأ، والنووي يقول: لحن، وابن سيدة وهو من أئمة
اللغة يقول: إنه ليس منها على ثلج، يعني ليس بمرتاح إلى هذا
البناء.
ثم قال -رحمه الله تعالى-: "وهي" أي العلة:
وهي عبارة عن أسباب طرت ... . . . . . . . . .
"عن أسباب" جمع سبب، طرت بحذف الهمزة، والأصل فيها: طرأت،
فحذفت الهمزة "عبارة عن أسباب طرت" أي ظهرت للناقد، أو وجدت في
سند الخبر، أو في متنه طارئة لا أصل، الأصل السلامة منها، ثم
طرأت عليه هذه العلة:
وهي عبارة عن أسباب طرت ... فيها. . . . . . . . .
أي في هذه الأسباب غموض "غموض وخفاء أثرت" وخفاء، عطف تفسير،
عطف تفسير، وإلا فالغموض هو الخفاء:
وهي عبارة عن أسباب طرت ... فيها غموض وخفاء أثرت
فالعلة على هذا هي السبب الخفي الغامض الذي يقدح في الخبر الذي
ظاهره السلامة منه، سبب خفي غامض يقدح في صحة الخبر الذي ظاهره
السلامة منها "تدرك" يعني هذه الأسباب، تدرك هذه الأسباب بعد
جمع الطرق "بالخلاف" بين الرواة، بمخالفة راويه لغيره:
تدرك بالخلاف والتفرد ... . . . . . . . . .
(13/26)
بحيث لا متابع "مع قرائن تضم" لما ذكر من
الخلاف، والتفرد "يهتدي" بمجموع ذلك "جهبذها" تدرك هذه العلل
بأول مرحلة بجمع الطرق، فإذا جمعت الطرق، ودرست من قبل الدارس
النابه اليقظ الجهبذ؛ تبين له ما خفي على غيره، وما يخفى عليه
لولا جمع الطرق؛ لأن الحديث من طريق واحد لا يتبين خطؤه حتى
تجمع طرقه، فإذا جمعت طرقه تبين خطؤه، ولذا نوصي إخواننا
الطلاب بأن يتمرنوا على هذه الطريقة، وأن يبدءوا بالكتب الستة،
ماذا يصنعون؟
(13/27)
يجعلون مثلاً صحيح البخاري محوراً، يبحثون
ويدورون عليه، فيأتون إلى حديث الأعمال بالنيات، أول حديث في
الصحيح، ثم ينظرون في مواضعه من صحيح البخاري، ترى هذه من أعظم
ما ينفع طالب العلم في معرفة هذه الأسباب التي تقدح في
الأخبار، وتؤثر على الأسانيد، والمتون، وهي –أيضاً- من أنفع ما
ينفعه في باب التفقه، وفي فهم الأحاديث على وجهها، تأتي إلى
الحديث الأول في صحيح البخاري، وتنظر في مواضع تخريجه من
الصحيح، وتربط بين الترجمة والخبر، وتنظر فيما ذكره البخاري
-رحمه الله- في الترجمة من فقهه الدقيق، وما ذكره في الترجمة
من أثر عن صحابي، أو تابعي مما يبين لك بعض الإشكال في الحديث،
فإذا جئنا مثلاً إلى حديث معاوية، إلى حديث معاوية، في الصحيح
في البخاري، وغيره: ((إنما هلك بنو إسرائيل حينما اتخذ نسائهم
القَصَّة))، السامع بيتصور شيئاً، كل من يسمع الخبر بيتصور
شيئاً، كأنه يقول: القصة التي، استعمال الناس لقص الشعر،
استعمال النساء لقص الشعر هو الذي أهلك بني إسرائيل، وسمعنا من
يمنع القصة، ويحرم القصة، ويستدل بهذا الخبر، يعني القصة
منتشرة بين النساء، لكن إذا نظرنا إلى ترجمة البخاري على هذا
الخبر "باب ما جاء في وصل الشعر" وأورد حديث معاوية، تغيرت
النظرة إلى الحديث، وانقلب المعنى "باب ما جاء في وصل الشعر"،
((وهلك بنو إسرائيل حينما اتخذ نسائهم القصة))، ما يختلف
المعنى؟ استفدنا، وإلا ما استفدنا؟ أي فائدة يا الإخوان؟
المسالة تحتاج إلى جمع الطرق، والنظر في تراجم العلماء، في فقه
العلماء في هذه التراجم، وأورد حديث معاوية في هذا: ((وإنما
هلك بنو إسرائيل حينما اتخذ نسائهم القصة))، فتناول كبة من شعر
بيد حرسي فوضعها على رأسه، يعني المقصود بها الزيادة في الشعر
لا الأخذ منه، استفدنا، وإلا ما استفدنا؟ فائدة عظيمة جداً، لا
تقدر بقيمة، يعني بدلاً من أن يقف أمام الناس، وهذا حصل من شيخ
له تاريخ في الدعوة، أمضى عمره في الدعوة، ولما انتشرت القصة
بين الناس قبل كم سنة؛ أخذ يحذر منها، وينتقل من مسجد إلى آخر،
ويشدد في تحريمها، ويستدل بهذا الحديث.
(13/28)
أقول: إذا سلك طالب العلم هذه الطريقة،
فأخذ الحديث الأول، وعرف أن الإمام البخاري خرجه في سبعة
مواضع، أنا شرحت هذه الطريقة في مناسبات، وقد يكون بعض الإخوان
حضر أكثر هذه المناسبات، فيمل من تكرارها، لكن لا مانع من
تكرارها؛ لأهميتها، ومناسبتها للباب، فإذا جردت الحديث من صحيح
البخاري في المواضع كلها بأسانيده، ومتونه، بألفاظه المختصرة،
والمطولة التي اقتصر البخاري فيها على بعض الحديث، والتي
استوفى فيها البخاري جميع الحديث، جميع ألفاظه بالتراجم الذي
هو فقه البخاري، فقه أهل الحديث، بالآثار التي توضح لك المراد
من الحديث بفهم السلف، إذا انتهيت من البخاري على هذه الطريقة،
وأوردته من سبعة المواضع، وذكرت كل ما ذكر في الباب؛ تبين لك
أشياء، تبين لك، المعاني تتكشف لك، قد يورده البخاري في الموضع
الأول مختصراً، ويشكل عليك فهمه، وكم وقع من الشراح من الخطأ
في فهم الخبر؛ لأنهم لم يحيطوا بجميع ألفاظ الحديث، لم يحيطوا
بجميع ألفاظ الحديث، ثم بعد ذلك إذا انتهيت من البخاري على هذه
الطريقة في الحديث الأول، تنتقل إلى من خرجه من الأئمة، فتأتي
إلى مسلم، فتذكر روايات مسلم لهذا الحديث بأسانيده، ومتونه،
ويتبين لك أشياء من خلال تكرار الأسانيد، وتكرار المتون، ثم
بعد ذلك تنتقل إلى السنن، سنن أبي داود، وسنن الترمذي،
والنسائي، وابن ماجه، وقد يبين لك النسائي في تراجمه بعض العلل
التي لم تتكشف لك في صحيح البخاري، ولا في صحيح مسلم، قد يشير
الإمام مسلم إلى بعض العلل، قد يشير البخاري إلى شيء من ذلك،
قد يوضح النسائي هذه العلة، فبمجموع الصورة المتكاملة على أقل
الأحوال، لو من الكتب الستة تكون أحط بالخبر، ولا تحتاج إلى
الشروح إلا نادراً؛ إذا سلكت هذه الطريقة، وتكون بهذه الطريقة
درست أنت حديثاً واحداً، حديث عمر: ((إنما الأعمال بالنيات))
لكن كم درست من رقم، إذا كانت الكتب الستة بأرقامها تصل مثلاً
إلى ثلاثين ألف بالأرقام بالتكرار، أنت درست سبعة من البخاري،
وخمسة من مسلم، واثنين عند أبي داود، أو ثلاثة، والنسائي .. ،
تصل مثلاً إلى ثلاثين رقم، وهل تستكثر على حديث الأعمال
بالنيات بهذه الطريقة يوماً كاملاً، يوماً كاملاً
(13/29)
تستكثر عليه هذا؟ وإذا مشينا على هذه
الطريقة، ففي ألف يوم أضمن لك أن تكون قد فهمت الكتب الستة،
بهذه الطريقة، وجربت من بعض الإخوان، وانتفع بها نفعاً عظيماً،
لكننا مع الأسف ما انتبهنا لها إلا بعد أن تقدم السن، وكثرت
المشاغل، وصرنا ما نستطيع، لكن أنتم شباب في مقتبل العمر، ليس
بكثير أن يمضي طالب العلم ثلاث سنوات، خمس سنوات، عشر سنوات في
دراسة الكتب على هذه الطريقة.
فوصيتي لإخواني من طلاب العلم أن يجربوا هذه الطريقة، قد تكون
مملة في أول الأمر، لكن الآن الآلات تيسير لكم كثير من هذه
الأمور، تطلب هذا الحديث بطرقه من البخاري، وتطلبه من كذا، وفي
خمس دقائق تجتمع لك هذه الأمور، أو في ربع ساعة، ونصف ساعة؛
بدلاً من أن تقلب، مع أن البحث بدون آلات، بالجهد الشخصي لا شك
أنه أنفع بكثير من استعمال الآلات؛ لأنه كل ما يتعب الإنسان
على الشيء يرسخ في ذهنه، وكل ما يكتبه بيده أفضل من أن يكتب له
بآلة، لكن الناس لا يصبرون على مثل هذا، وقد وجدوا ما يريحهم،
والتعب، والمشقة ليست مقصودة لذاتها، وإنما هي مقصودة لترسيخ
العلم، كما أن الأتعاب التابعة للعبادات يثاب عليها، الذي يحج
من بغداد، وليس لديه ما يركبه، ليس كمن يحج من نجد مثلاً؛ لأن
هذا تعب لكنه من أجل العبادة، ولا يقال للنجدي مثلاً: اذهب إلى
العراق وحج من العراق، نقول: لا، هذا تكليف زائد على العبادة،
قدر زائد لا تؤجر عليه، لكن إذا تطلبت العبادة هذا التعب فأنت
مأجور عليه، ولو أنفقت في عمرك كله في هذه الطريقة ما هو
بكثير، فجمع الطرق من أنفع الوسائل لمعرفة العلل، وفهم ألفاظ
الأحاديث، وما خفي في بعضها من بعض.
"تدرك بالخلاف" أي بمخالفة راويه لغيره من هو أحفظ، أو أتقن،
أو أضبط "والتفرد" حيث لا متابع "مع قرائن تضم" ولا بد من
القرائن، وأقول: متى يصل طالب العلم إلى معرفة هذه القرائن
التي ترجح له بعض الطرق على بعض؟
(13/30)
كثير من طلاب العلم يحتار في هذا الترجيح؛
لأنه لم يصل إلى المرتبة، أو إلى المنزلة التي يدرك بها هذه
القرائن، وهذه القرائن هي التي يحكم بها الأئمة الحفاظ الكبار
"مع قرائن تضم" لما ذكر "يهتدي" لكن إذا عانى الحديث بهذه
الطريقة يتكشف له كثير من القرائن التي تخفى على غيره "مع
قرائن تضم" لما ذكر "يهتدي" بمجموع ذلك "جهبذها" الجهبذ هو
النقَّاد، الحاذق، الخبير:
جهبذها إلى اطلاعه على ... . . . . . . . . .
يعني على ما لم يطلع عليه قبل ذلك "على تصويب إرسال" قد يكون
في أول الأمر صوب الوصل، صوب الوصل، كما هو شأن طالب العلم
المبتدئ في هذا الشأن الذي يجري على قواعد المتأخرين مثلاً،
وقيل له: إن الحكم لمن وصل؛ لأن معه زيادة علم، فيتمرن على
هذا، لا بأس أن يتمرن على هذه القواعد حتى يهتدي إلى مثل هذه
القرائن:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . يهتدي
جهبذها إلى اطلاعه على ... تصويب إرسال لما قد وصلا
"تصويب إرسال لما قد وصلا" فيترجح له تصويب الإرسال لما قد
وصل، وحديث: ((لا نكاح إلا بولي))، الذي مضى في تعارض الوصل مع
الإرسال عبرة، ومثال دقيق لهذا الكلام، فليراجع عليه كلام
الترمذي -رحمه الله تعالى-، يعني أرسله شعبة، وسفيان، وهما
كالجبل في الرسوخ في هذا الشأن، ومع ذلكم رجح البخاري وصله؛
لأن شعبة، وسفيان أخذهم له في مجلس واحد، فكأنهما راوٍ واحد،
وطالب العلم إن أراد أن يدقق في هذه المسألة يرجع إلى جامع
الترمذي في كلامه على هذه الحديث، ويتكشف له أمور تخفى عليه من
قبل:
. . . . . . . . . إلى اطلاعه على ... تصويب إرسال لما قد وصلا
أو وقف ما يرفع ... . . . . . . . . .
أو تصويب الوقف للمرفوع، تصويب الوقف للمرفوع، الإمام أحمد
-رحمه الله-، وهو من هذا النوع جهبذ نقاد، خبير مطلع، يحفظ
سبعمائة ألف حديث، والحفظ يعين؛ لأن الذي يحفظ ما يحتاج إلى
جمع، الطرق مجتمعة عنده، تجاوز هذه المرحلة، فالذي يحفظ، يعني
المتون، والأسانيد؛ تتكشف له هذه الأمور.
(13/31)
"أو وقف ما يرفع" الإمام أحمد -رحمه الله-،
وهو من هذا النوع؛ ترجح عنده وقف حديث ابن عمر في رفع اليدين
بعد الركعتين قال: وهو موقوف على ابن عمر، بينما الإمام
البخاري ترجح له الوصل، وخرجه مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة
والسلام- في صحيحه.
من يجرؤ أن يحكم بين هذين الإمامين؟ وبعض الناس يطالب آحاد
المتعلمين، ويلقي عليهم أن يقف أمام هذين الجبلين الشامخين،
ويرجح، أقول: ما يستطيع أن يرجح إلا إ ذا كان في مصافهم، إذا
تعب تعباً شديداً على هذا العلم، وعاناه معاناةً بحيث اختلط
بلحمه، ودمه، وصار يستطيع الحكم بالقرائن، اتضح له من القرائن
ما لم يتضح لنا، وسببه كثرة الحفظ، كثرة الحفظ، قد يقول قائل:
حنا بضغطة زر -ولله الحمد- يجتمع لنا مائة طريق لحديث واحد،
لكن كيف تتعامل مع هذه الطرق الذين، حفظوا هذه الأحاديث،
وعاصروا الرواة، وعاشروهم، وعرفوا ما يليق بفلان، وما لا يليق
به، آلياً يصدرون الأحكام، لكن أنت مراحل، قد يكون ذهنك حاضر
في هذه المرحلة، ثم يعزب الذهن في المرحلة التي تليها؛ لماذا؟
لأن المعلومات ليست حاصرة في ذهنك، يعني كأنك تطبخ وجبة غداء،
والمواد في البقالة، بينما الأئمة يطبخون هذه الوجبة، والمواد
في القدر عندهم، في الذهن حاضرة في الذهن، فشتان، يعني ولا
نقفل باب الاجتهاد في هذا الباب –أبداً-، يعني من تأهل لمثل
هذه الأمور، لكن دون ذلك خرط القتاد بالنسبة لآحاد الطلاب،
يعني من يستطيع أن يقول: الإمام البخاري، يقف أمام البخاري
يقول: لا، الخبر موقوف؛ لأن الإمام أحمد قال: هو موقوف، أو
العكس، لكن الذي يسلينا في مثل هذا أن الأمة تلقت صحيح البخاري
بالقبول، فيرجح ما به، لكن لو افترضنا أن حكم البخاري على
الحديث بالرفع منقول عنه في جامع الترمذي مثلاً، سأله أبو عيسى
فقال: الصحيح، أو الأصح الرفع، والإمام أحمد يقول: الأصح
الوقف، أنت ما لك إلا تقف أمام هذين الإمامين، لكن الحديث
موجود في صحيح البخاري مرفوع لا يعدل به شيء، البخاري مع
الإمام أحمد ند، كل واحد منهما ند للآخر، لكن ما خرج في هذا
الكتاب الذي تلقته الأمة بالقبول لا يرجح عليه غيره.
أو وقف ما يرفع أو متن دخل ... . . . . . . . . .
(13/32)
أو تصويب فصل متن دخل كاملاً، دخل متن بمتن
كامل، أو بعضه، دخل بعض هذا المتن بالمتن الآخر، فأدرج فيه، من
يستطيع أن يفصل هذه الكلمة من هذا الحديث، أو يفصل هذا الحديث
من هذا الحديث، وكثير ما يحتار طلاب العلم في الحديث المروي عن
صحابي واحد؛ هل هو حديث واحد، أو حديثين؟ أو هذا الحديث قطعة
من هذا الحديث، أو حديث مستقل؟ هذا يحتاج إلى معاناة، وتعب،
لكنه يسير على من يسره الله عليه، وييسر له أسبابه، وسلك
الطريق من أوله "أو متن دخل في غيره" يعني في متن غيره "أو وهم
حاصل حصل" أو اطلاعه على وهم واهم حصل، أحياناً يحكم على هذا
الخبر بأنه خطأ، أخطأ فيه فلان، أنا، وأنت، والثاني، والثالث
لا نستطيع أن نحكم على هذا الخطأ؛ لأن هذا الأصل أن الراوي ثقة
حافظ ضابط متقن، فلا نجرؤ على توهيمه إلا إذا حكم الحفاظ
بوهمه، بالطرق التي تقدمت "أو وهم واهم حصل" يعني بغير ما ذكر،
كإبدال راوي ضعيف بثقة، أو شبه ذلك؛ لأنه قد يأتي الراوي مهمل،
فيجتهد بعض الرواة، فينسبه عن موسى، فيقول: ابن عقبة؛ لأنه بحث
في كتب التراجم وجد موسى بن عقبة يروي عن هذا الشيخ، ويروي عنه
هذا الآخذ، وهو في الحقيقة موسى بن عبيدة الربذي، هذا ثقة،
وهذا ضعيف، من يحكم في مثل هذا؟ حكم الأئمة، الأئمة يحكمون
بمثل هذا، ومن حاكاهم، ووازاهم في أحكامهم لكثرة معاناته لهذا
العلم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ذلك فضل الله يؤتيه من
يشاء "ظن فأمضى" يعني قد ظن الجهبذ قوة ذلك الذي ترجح عنده
بالقرائن؛ فأمضى الحكم بما ظنه من تعليل للخبر فحكم عليه بأنه
معل "ظن فأمضى، أو وقف" تردد، القرائن ما بعد، ما رجحت، توجد
قرائن مرجِّحة لهذا، وقرائن مرجِّحة لضده "أو وقف فأحجما" عن
الحكم بقبول الحديث، وعدمه، تردد "أو وقف فأحجما مع" كل ذلك
"مع كونه" أي الحديث المعل، أو الموقوف فيه، أو الموقوف فيه:
. . . . . . . . . ... مع كونه ظاهره أن سلما
(13/33)
"مع كونه ظاهره أن سلما" مثاله حديث ابن
جريج في الترمذي، وغيره عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح،
عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً حديث كفارة
المجلس، من جلس في مجلس فكثر لغطه، كثير من أهل العلم اغتر
بظاهر السند، فصحح الحديث، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-
أعل الحديث بموسى، وقال: إن موسى ليس هو ابن عقبة، لا يعرف
لموسى بن عقبة سماع من سهيل، لكن إذا وجدت التواريخ، والمعاصرة
ثابتة، فمن يستطيع أن ينفي رواية شخص عن شخص أثبت الأئمة
روايته عنه بالسند، والمعاصرة موجودة من مثل الإمام البخاري،
يقول: ما نعرف سماع لموسى بن عقبة من سهيل، أنت ما لك إلا
الظاهر يا أخي، أنت عندك موسى أدرك سهيل، والسن يحتمل، والأئمة
ذكروه في السند، هل تستطيع أن تعل بمثل هذا؟ لا تستطيع، ولذلك
مشى على ظاهره جمع من الحفاظ، وصححوه، والأمام البخاري أدرك
هذه العلة.
(13/34)
|