شرح ألفية العراقي عبد الكريم الخضير

شرح ألفية الحافظ العراقي (16)
(الموضوع – المقلوب - تنبيهات - معرفة من تقبل روايته ومن ترد)

الشيخ/ عبد الكريم الخضير
فدله، فقال: حدثني به شيخ بالبصرة؛ فذهب إليه، فقال: حدثني به شيخ ببغداد، فذهب إليه، ثم قال: حدثني شيخ بواسط؛ فذهب إليه، ثم قال: حدثني به شيخ بعبادان؛ فذهب إليه، فدله على قوم في خلوة من الخلوات من المتصوفة، فدلوه على شيخ كبير، فقيل له: من أين لك: فلان عن فلان عن فلان في فضائل السور؟ قال: إنه هو الذي وضعه -نسأل الله السلامة والعافية-، فالعبادة مع الجهل تضر صاحبها أكثر مما تنفعه، فهؤلاء المساكين الذين انقطعوا للعبادة؛ هل انتفعوا بهذه العبادة، وهذا واقعهم؟ لو اشتغلوا بأمور المعاش بأمور الدنيا في أسواق المسلمين عن هذه العبادة التي تضرهم، ولا تنفعهم كان أفضل لهم، يعني أدى بهم الجهل إلى هذا الحد أن يوضع الحديث -نسأل الله السلامة والعافية-:
كذا الحديث عن أبي اعترف ... راويه بالوضع له وبئسما اقترف
يعني اكتسب من وضعه:
وكل من أودعه كتابه ... . . . . . . . . .
يعني من المفسرين "وكل من أودعه كتابه" في التفسير، أو في غيره "كالواحدي" أبي الحسن، والثعلبي، والزمخشري، والبيضاوي، وإسماعيل حقي، وأبو السعود، وكثير من المفسرين الذين لا علم لهم بالحديث، هؤلاء أوردوا هذا الحديث في أواخر السور، الواحدي والثعلبي يوردونه بالإسناد؛ بإسناده المركب، ومن ذكر كالزمخشري، والبيضاوي، وأبو السعود، وإسماعيل حقي هؤلاء أوردوه مجرداً عن الإسناد، وجزموا به؛ فلا شك أن هذا أشد، وإسماعيل حقي ذكرنا بالأمس أنه يبرر ذكر هذه الأحاديث في هذه السور، ويقول: إن ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فبها ونعمت، وإن لم تثبت، فقد قال القائل: إنا نكذب له، ولا نكذب عليه، ولا شك أن هذا ضلال.
وكل من أودعه كتابه ... كالواحدي مخطئ صوابه
مخطئ؛ مخطئ في ذلك الصواب، إذ الصواب تجنب هذا الحديث؛ لأنه موضوع مكذوب مختلق على النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن من ذكره للتحذير منه فهو مأجور، على أن يتم البيان، والتحذير بأسلوب لا يختلف فيه.
وجوز الوضع على الترغيب ... . . . . . . . . .

(16/1)


جوز الوضع في الحديث على الترغيب للناس في الفضائل "قوم ابن كَرَّام" محمد بن كرام السجستاني؛ صاحب المذهب الذي ينتسب إليه الكرامية "قوم ابن كرَّام" بالتشديد، ويذكر بالتخفيف "كرَام" بالفتح، ويذكر –أيضاً- على لفظ جمع كريم "كِرَام"، ويقول محمد بن الهيصم من أتباعه:
. . . . . . . . . إن الذين لم يقتدوا ... بمحمد بن كِرَام غير كرام
البيت لمن؟ معكم الشرح؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لأبي الفتح البستي، نعم لكن الذي ضبطه بالتخفيف ابن الهيصم، نعم والبيت لأبي الفتح البستي، يمدح فيه محمد بن كرَّام، ويقول: إنه بن كِرَام، وعلى كل حال لا يعنينا تشديده، أو تخفيفه إنما مذهبه مذهب مبتدع، وفيهم صلاح، وفيهم زهد، لكن هذا الزهد ضرهم، وهذه الغفلة عن تعلم العلم الشرعي ضرتهم، وفيهم شوب ابتداع في مسائل من مسائل العقيدة؛ الكلام فيهم يطول.

(16/2)


"قوم ابن كرام وفي الترهيب" جوزه أيضاً في الترهيب؛ لأنه "جوز الوضع على الترغيب" يعني للناس في الفضائل "قوم ابن كرام" وجوزوه –أيضاً- "في الترهيب" زجراً عن المعصية، زجراً عن المعصية؛ محتجين في ذلك بأن هذا كذب له لا عليه، بأن هذا كذب له لا عليه؛ تقوية للشريعة وترويجاً لها، وأما الكذب عليه الوارد في الحديث في قوله: ساحر مثلاً، أو شاعر، أو كذاب؛ هذا الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما أن يُكذب، ويُختلق أحاديث تروج الخير، وتكف الناس على الشر؛ فلا -على حد زعمهم-، وهذا الكلام في غاية السخف، والبطلان، تمسكوا أيضاً برواية: ((من كذب علي متعمداً ليضل الناس))، فالذي هدفه الإضلال هو الذي يدخل في المنع، وأما من كان هدفه الإصلاح؛ فلا يدخل في الحديث، هذه الرواية ضعيفة، ليضل الناس هذه ضعيفة، والدين كامل؛ كمل قبل وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [(3) سورة المائدة]، فليس بحاجة إلى ترويج، واقتصار الناس على ما ثبت عن الله، وعن رسوله كافٍ، والتذكير بالقرآن وحده يكفي: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق]، ومع الأسف أن الناس انصرفوا عن التذكير بالقرآن إلى التذكير بالقصص، هذه الرواية: ((ليضل الناس)) ضعيفة، ولو قدر ثبوتها اللام فيها ليس لام التعليل، وإنما هي لام الصيرورة، والعاقبة؛ معنى ذلك لتكون عاقبة الناس الضلال؛ كما في قوله -جل وعلا-: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [(8) سورة القصص]، عدواً وحزناً؛ هل هم التقطوه ليكون لهم عدواً وحزناً؟ أو التقطوا ليستفيدوا منه؛ ليكون ولداً لهم؟ ليستفيدوا منه؛ لكن العاقبة صارت؛ صار عدواً لهم وحزناً، فهذه لام العاقبة، وليست لام التعليل.
"والواضعون" أيضاً "بعضهم قد صنعا" كلاماً؛ يعني وضعه على النبي -عليه الصلاة والسلام- "من عند نفسه" من تلقاء نفسه؛ هو الذي اختلق الكلام، "وبعضٌ" منهم قد "وضعا"
كلام بعض الحكما في المسند ... . . . . . . . . .

(16/3)


كلام بعض الحكماء، أو كلام بعض الزهاد، أو كلام بعض الصحابة، ركب له إسناد، ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو الإسرائيليات "كلام بعض الحكماء في المسند" المرفوع يجعلوه مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ترويجاً له، كما ركب إسناد على حديث على خبر: "حب الدنيا رأس كل خطيئة"، ركب له إسناد، ولا يصح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإنه من كلام مالك بن دينار، أو من كلام عيسى بن مريم، ولا يروى مرفوعاً إلا من مراسيل الحسن البصري، ومراسيل الحسن عند أهل العلم في غاية الضعف، شبه الريح، المقصود أنه ركب له إسناد، ورفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"ومنه" يعني الموضوع "نوع وضعه لم يقصد"، "ومنه" يعني الموضوع "نوع وضعه لم يقصد"، "نحو حديث ثابت" بن موسى الزاهد الذي حدث به شريكاً: ("من كثرت" صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار)،
نحو حديث ثابت من كثرت ... صلاته الحديث وهلة سرت
: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"، وذكرناه بالأمس في المدرج؛ لأن شريكاً يحدث بالخبر يحدث أصحابه، وأورد إسناداً لحديث صحيح: ((يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد))، لما أتم الإسناد، وقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ دخل ثابت بن موسى الزاهد، فأراد شريك أن يلفت إليه الأنظار؛ لأنه صاحب زهد، وعبادة، وصلاة بالليل، وقيام، وظهر أثر ذلك على وجهه، فقال -مريداً بذلك ثابت-: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" ثابت صاحب زهد وعبادة؛ لكنه يغفل عن تعاني هذا العلم، فظن أن هذا الإسناد لهذا المتن، فصار يرويه بهذه الطريقة، بالإسناد الذي ذكره شريك، ويريد به حديث: ((يعقد الشيطان على قافية أحدكم))، فصار يرويه به: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار".

(16/4)


"وهلةٌ" يعني غفلة "سرت" منه إلى غيره، منه إلى غيره، وهنا جعلوه من الموضوع، ولا شك أنه ليس من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو من هذه الحيثية موضوع، وأما إدخاله في المدرج -كما نبهنا عليه بالأمس- فإنه إلصاق شيء لم يقله النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ إلصاق كلام لم يقله النبي -عليه الصلاة والسلام- بكلامه، لا سيما إذا كان يروى بعد رواية الحديث الصحيح، إذا كان يروى: ((يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد)) إلى آخره، "ومن كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" كما ساقه بعضهم هذا لا شك أنه إدراج، وليس بوضع؛ إدراج، وليس بوضع، أما إذا كان يورد كاملاً من غير عطف على غيره، فإن هذا وضع، وإن كان غير مقصود، وبعضهم يقول: إنه شبه الوضع، شبه الوضع؛ بما يعرف الوضع؟
ويعرف الوضع بالإقرار وما ... نزل منزلته وربما

(16/5)


"ويعرف الوضع" يعني للحديث "بالإقرار" من واضعه؛ بأن يعترف الواضع بأنه هو الذي وضعه، واعترف بعض الزنادقة بأنه وضع أحاديث، واعترف بعض المبتدعة أنهم إذا هووا شيئاً صيروه حديثاً، فهذا الاعتراف وهذا الإقرار يكفي للحكم على الخبر بأنه موضوع "ويعرف الوضع" يعني للحديث "بالإقرار" من واضعه "وما نزل منزلته" كأن يحدث بحديث يرويه عن شيخ يعرف أن هذا الشيخ مات قبل ولادة المحدث عنه، ومن الأحاديث ما لا يحتاج إلى إقرار ولا اعتراف: اختلف بعض الناس في الحسن؛ هل سمع من أبي هريرة، أو لم يسمعه؟ فوراً قال بعضهم: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن فلان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سمع الحسن من أبي هريرة" هذا ما يحتاج إلى إقرار، مثل هذا لا يحتاج إلى إقرار، هذا ينزل منزلة الإقرار "وربما"، "يعرف" وضعه "بالرِّكَّة" للفظة بأن يكون لفظه ركيك، لا سيما إذا ادعى المحدث أنه يرويه باللفظ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- في غاية الفصاحة، أو بركة معناه؛ بأن يشتمل على اجتماع نقيضين، أو يكون فيه كلام لا يليق بمقام النبوة، فإن هذا يعرف به أن الخبر موضوع، ولا شك أن للأخبار الصحيحة نوراً؛ كما قال الربيع بن خثيم وغيره: "إن للحديث ضوءاً كضوء الشمس يعرف به، ولغيره ظلمة كظلمة الليل يعرف بها"، وللموضوعات ظلمة يقشعر منها سامعها -والله المستعان-.

(16/6)


قلت -يقول الحافظ العراقي-: "قلت: استشكلا" يعني قد استشكلا، والألف للإطلاق، ابن دقيق العيد "الثبجي" الثبجي نسبة إلى ثبج البحر؛ لأنه ولد على ثبج البحر قرب ساحل ينبع، ابن دقيق العيد ولد هناك؛ قرب ساحل ينبع على ثبج البحر، وأخطأ محقق "الطالع السعيد في معرفة علماء الصعيد" فإنه .. ، "الثبجي" هذه ابن دقيق العيد كان يكتبها، فقال الأدفوي صاحب "الطالع السعيد" قال: الثبجي، وكان يكتب بخطه الثبجي، وكان -يعني ابن دقيق العيد- يكتب بخطه الثبجي؛ يعني هذه النسبة كان يكتبها بخطه؛ لأنه ولد على ثبج البحر، فالمعلق قال: الخط الثبجي هو الذي تختلط حروفه بعضها ببعض، وهو نوع يعرف بالتعليق إلى آخر الكلام الذي علق به، فجعل الخط هو الثبجي، والمراد أن ابن دقيق العيد ينتسب إلى ثبج البحر، ويكبت هذه النسبة بخطه.
"قلت: استشكلا" يعني ابن دقيق العيد "الثبجي" عرفنا نسبة إلى ثبج البحر،
. . . . . . . . . ... الثبجي القطع بالوضع على
"ما اعترف الواضع" يقول: ما يكفينا أن يعترف الواضع؛ لأن الواضع كذاب، فكيف نصدقه بوضع الخبر، يعني هذا يلزم عليه أننا نصدق شخص كذاب، استشكل ابن دقيق العيد الحكم بالوضع بمجرد الاعتراف بالوضع "على"
ما اعترف الواضع إذ قد يكذب ... . . . . . . . . .
قد يكذب في اعترافه؛ ومتى يكذب في اعترافه؟ يكذب في اعترافه إذا أراد تنفير الناس عن الحديث؛ يعني حديث يستدل به إمام، فيأتي من أتباع الإمام الثاني؛ ممن يعترف أنه وضع هذا الحديث؛ ليرده الناس، فيبطل استدلال من يتبع الإمام على هذا الحديث؛ ظاهر، وإلا ما هو بظاهر؟ يعني بعض الناس يعترف أنه قاتل؛ هو الذي قتل فلان، وهو كذاب في اعترافه، هو من الأصل يريد أن ينتحر، فيقول: بدلاً من أن أنتحر بدون مقابل؛ نعتق لنا شخصاً من القتل، فيعترف بأنه قتل؛ يقتل بهذا الاعتراف، والحديث يرد بهذا الاعتراف؛ يعني هذا الذي اعترف، وكذب في اعترافه، إذا لم يردنا الحديث إلا من طريقه؛ نرده، وإلا ما نرده؟ هل يستحق مثل هذا أن يقبل حديثه؟ أبداً، ولو كذب في اعترافه.
يقول -رحمه الله تعالى-: "بلى نرده" بلى نرده أي المروي لاعتراف راويه بأقل الأحوال بما يقتضي الفسق،

(16/7)


. . . ... بلى نرده وعنه نضرب
أي نعرض؛ فلا نحتج به مؤاخذة له باعترافه، لكنه ليس بقاطع بالفعل، لكن إذا وجد من طريق آخر يثبت به، فلا عبرة بهذا الحديث، وبهذا الاعتراف، وإن دار الحديث على هذا الذي اعترف، فإنه لا تجوز روايته على أي حال.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم، وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: المقلوب:
وقسموا المقلوب قسمين إلى: ... ما كان مشهوراً براو أبدلا
بواحد نظيره كي يرغبا ... فيه للإغراب إذا ما استغربا
ومنه قلب سند لمتن ... نحو: امتحانهم إمام الفن
في مائة لما أتى بغدادا ... فردها وجوَّد الإسنادا
وقلب ما لم يقصد الرواة ... نحو: ((إذا أقيمت الصلاة .. ))
حدثه في مجلس البناني ... حجاج اعني ابن أبي عثمان
فظنه عن ثابت جرير ... بينه حماد الضرير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

(16/8)


"المقلوب" وهو اسم مفعول من القلب، وهو تبديل شيء بآخر، وهو من أقسام الضعيف، المقلوب من أقسام الضعيف، ويقع في السند والمتن، والقلب في السند له أقسام، ولذا قال: "وقسموا" يعني المحدثين "المقلوب" سنداً "قسمين" يعني إلى قسمين: عمداً وسهواً، قسموه إلى قسمين: أحدهما "ما كان" يعني الحديث الذي كان "مشهوراً براوٍ" شهرته براوي؛ كسالم بن عبد الله بن عمر "أبدلا"، "بواحد" من الرواة "نظيره" في الطبقة كنافع؛ يعني أبدل سالم بنافع أو العكس؛ هذا قلب، هذا قلب سواءٌ كان هذا القلب عمداً، أو سهواً؛ لكنه من العلل غير المؤثرة؛ لأن سالماً، ونافعاً كلاهما ثقة، فأينما دار فهو على ثقة، نظير ما إذا أهمل الراوي، ولم يتوصل إلى حقيقته؛ كسفيان مثلاً، أو حماد، فأينما دار فهو على ثقة، سواءٌ كان الراوي سالم، ثم أبدل بنافع، أو العكس فكلاهما ثقة، وإن كان سالم عند الأكثر أجل من نافع، أجل من نافع، فمثل هذا قد يترتب عليه نزول يسير في الحديث لكنه لا يترتب عليه رد الحديث فمثل هذا الإبدال، وإن قدح في حفظ الراوي، وضبطه، وإتقانه إلا أنه لا يقدح في المروي على ما تقدم في بعض العلل التي لا تقدح، والمشترط انتفاءها لصحة الخبر هي العلل القادحة، إذا كان عن عمد، أو سهو؛ فإن كان عن عمد فأبدل سالم بنافع؛ كما قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
بواحد نظيره كي يُرغبا ... . . . . . . . . .

(16/9)


والألف هذه للإطلاق "فيه" لأنه قد يكون محفوظاً عن سالم عن عشرة من الرواة، ثم يأتي واحد منهم، فيجعله عن نافع، والمحدثون إذا ظفروا بطريق غير المشهور، غير المتداول بين الرواة فرحوا به؛ لأنه طريق جديد للخبر، فكون الحديث يروى عن سالم، وعن نافع معا؛ أقوى من كونه يروى عن أحدهما، فإذا كان عشرة يروونه عن سالم، ثم أورده واحد منهم عن نافع قلباً؛ يرغب فيه المحدثون؛ لأنه طريق آخر للحديث، ووقوفهم على طريق لا شك أنهم يفرحون به أشد الفرح، ما يقولون: هذا الأمر لا يعنينا ما دام ثبت الخبر عن سالم فلا داعي لنقله عن نافع، لا؛ فهم يفرحون بمثل هذه الطرق؛ كثرتها، إذا كان للحديث أكثر من مخرج، وأكثر من راوٍ؛ فرحوا به فرحاً شديداً، كما أن العلماء إذا ظفروا بفوائد علمية، أو حل إشكال في مسألة علمية؛ يفرحون بذلك فرحاً شديداً، وهذا الأمر يعنيهم، وهو جل اهتمامهم، وقصدهم، ولذلك تجدون من يكرر الحمد إذا وقف على شيء لم يقف عليه غيره، من حل الإشكال، أحياناً يكون هناك بين بعض النصوص اختلاف، فيقف عليه العالم، ويوفق لحل هذا الاختلاف، والجمع بين هذه النصوص المختلفة، وكم وجدنا للحافظ ابن حجر يقول: وهذا توفيق من الله -جل وعلا-، فله الحمد، وله الحمد، وله الحمد، وله .. ، يكرر الحمد، والشكر؛ لأنه انحل عنده هذا الإشكال، وقد تطلب حله مدداً متطاولة، ثم يقف عليه، أو يحله بنفسه هذه من نعم الله -جل وعلا-، على العالم، وينبغي أن يكون طالب العلم على هذه الحالة، وعلى هذا المستوى محباً للعلم، مكتشفاً، محرراً، منقحاً، يفرح إذا ما وقف على فائدة عزيزة، يدونها، ويكتبها، ولا يتركها بحيث ينساها، فإذا وجد طريق غير الطريق المشهورة، فالحديث معروف بسالم، وتداوله الرواة على هذا الأساس، ثم يأتي به راوٍ عن نافع، يفرحون بهذا "كي يرغبا" يرغبون ..
. . . . . . . . . ... فيه للإغراب إذا ما استغربا

(16/10)


يعني الراوي الذي يقلب السند عمداً من أجل الإغراب؛ كي يرغب فيه أهل الحديث؛ لا شك أنه آثم، ومغرر بأهل الحديث، وإذا كان ثقة، وأكثر من ذلك فإنه يجرح، وإن كان عن سهو، وكثر ذلك في حديثه لا شك أنه مؤثر في ضبطه، وحفظه أحياناً يكون القلب بهذه الطريقة بإبدال راوٍ براو نظيره من طبقته كما مثلنا بسالم ونافع، وقد يكون القلب في الراوي الواحد، الراوي الواحد يُقلب، فيجعل الأب ابناً، والابن أباً، فيجعل نصر بن علي؛ علي بن نصر، ومرة بن كعب؛ كعب بن مرة؛ هذا قلب، إذا قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، جاء واحد من الرواة قال: حدثنا علي بن نصر الجهضمي، وأحدهما أب للآخر، لكن كلاهما يشتركان في الرواية عن بعض الرواة، فيجعل الحديث المروي عن الأب حديثاً مروياً عن الابن والعكس، وقل مثل هذا في كعب بن مرة، ومرة بن كعب؛ حصل قلبه من بعض الرواة، وهذا قلب في الإسناد.

(16/11)


ومنه وهو القسم الثاني من قلب الإسناد، وهذا يدخل في العمد؛ في القلب المتعمد "ومنه قلب سند" يعني سند تام "لمتن" فيجعل لمتن آخر مروي بسند آخر؛ يعني يركب على هذا المتن سنداً آخراً غير السند الذي روي من طريقه، "ومنه" يعني القسم الثاني من العمد "قلب سند" تام "لمتن" فيجعل هذا المتن يركب له سنداً آخراً تام "نحو امتحانهم" يعني المحدثين ببغداد "إمام الفن"، وشيخ الصنعة البخاري -رحمه الله تعالى- "نحو امتحانهم" يعني المحدثين ببغداد "إمام الفن" فإنهم لما سمعوا بمقدمه ضربوا له مجلساً، اجتمعوا فيه، ووعدوه يوماً يحضر فيه، ويحضر معه المحدثون ببغداد، وامتحنوه في هذا المجلس، تم امتحانه في هذا المجلس في مائة حديث، في مائة حديث، وكَلُوا أمرها إلى عشرة من طلاب الحديث، عشرة من الطلاب، وزعوا عليهم مائة حديث، وكل هذه الأحاديث مقلوبة الأسانيد والمتون، جعلوا متن الحديث الأول لسند الحديث الثاني والعكس إلى تمام المائة، فلما تم اجتماعهم، وحضروا، وجاء إمام الفن -رحمة الله عليه-، انتدب له الأول من العشرة، فسأله عن الحديث الأول، ما تقول فيما رواه فلان عن فلان عن فلان عن فلان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا؟ فقال: لا أعرفه، ثم سأله عن الحديث الثاني فقال: لا أعرفه، ثم سأله عن الحديث الثالث إلى العاشر، وفي كلها يقول: لا أعرفه، ثم انتدب له الثاني من العشرة، وصنع كما صنع الأول، والإمام البخاري في ذلك كله يقول: لا أعرفه، ثم الثالث، ثم الرابع إلى العاشر، فلما تم العشرة؛ أتموا أحاديثهم التفت إلى الأول، قال: أما حديثك الأول الذي قلت فيه كذا وكذا؛ صوابه كذا وكذا، فرد المتن إلى إسناده، والإسناد إلى متنه، والثاني قلت كذا وكذا، على الترتيب الذي ألقيت عليه الأحاديث بخطئها، بقلبها، فأعادها على الصواب إلى أن أتم العشرة بالنسبة للأول، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع إلى العاشر، فتمت المائة حديث على الصواب، على الصواب، لما كان -رحمه الله تعالى- في العرض الأول، وهو يقول: لا أعرفه، لا أعرفه، الجهال قضوا عليه بأنه لا يفهم شيئاً؛ يعني مائة حديث ما يعرف منها ولا حديث، ويقال له: محدث، ويقال له: محدث، والذين يفهمون،

(16/12)


ويعرفون الحديث على وجهه، وأهل الشأن من أول واحد منهم، قالوا: فهم الرجل؛ فهم يعني انتبه الرجل لما دبر له -رحمه الله-، وبعد أن ردها إلى صوابها، أذعنوا له، واعترفوا له بالفضل.
ومنه قلب سند لمتن ... نحو امتحانهم إمام الفن
في مائة لما أتى بغدادا ... . . . . . . . . .
بغداد البلد المشهور العظيم، والألف فيه للإطلاق، ويقال: بالدال بغداد، وبالذال المعجمة وبالنون؛ بغداد بالدال المهملة، وبالذال المعجمة وبالنون، بغذان، وهذه الألف للإطلاق "فردها" -رحمه الله تعالى- رد المتون إلى أسانيدها في المائة كلها "وجود الإسنادا" وجود الإسنادا، ولم يخف عليه موضع مما قلبوه، أو ركبوه، ولم يخف عليه موضع مما قلبوه وركبوه، فأقر الناس له بالحفظ، وأذعنوا له بالإمامة، وأغرب من حفظه لها؛ أغرب من حفظه لها، أغرب من حفظه لها يعني كونه يردها إلى الصواب؛ حفظه لخطئها مرتبة؛ على الترتيب الذي أورد عليه، وردها إلى صوابها مرتبة –أيضاً-، وهذا النوع يفعله العلماء بقصد الامتحان، بقصد الامتحان، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بهذه المثابة، ولا يستغرب منه أن يصنع مثل هذا.
والآن لو يطلب من مجموعة من طلاب العلم الذين حفظوا الأربعين النووية من صباهم بدون أسانيد؛ يعني بالصحابي فقط، يجعل صحابي الحديث الأول للحديث الثاني، والعكس إلى تمام الأربعين، فمن ردها يعد إمام الوقت، وأنا أعرف من يطلق عليه المحدث الفاعل التارك، وهو لا يحفظ الأربعين، بيننا وبين القوم مفاوز؛ يعني مجرد كون الإنسان عنده ميل إلى الحديث، أو رغبة في الحديث، أو يقرئ بعض كتب الحديث؛ يوصف بأنه المحدث الفاعل التارك، تجدون بعض الشباب يكتب عنهم كذا، وإذا كتبوا، أو قدموا، أو فعلوا؛ أشيد بهم ورفعوا فوق منازلهم، وهم في لا زالوا في مصاف طلاب العلم، ومع ذلك لا ننكر أن من طلاب العلم من قطع شوطاً طيباً في هذا الشأن، لكن دون وصولهم إلى مصاف الأئمة خرط القتاد.

(16/13)


وهذه القصة وهذا الامتحان المتعمد جوزه أهل العلم شريطة أن لا يثبت حديثاً، وأن لا يتفرق أهل المجلس إلا بعد الاطلاع على الصواب، وإذا كانت مكتوبة، والامتحان تحريري فيها لا بد أن تتلف الأوراق في مكانها؛ لئلا يطلع عليها؛ فيظن أن هذه الأسانيد صحيحة لهذه الأحاديث، فلا بد من بيان الصواب، وبيان الحق في موضعه؛ في المكان الذي يجرى فيه الامتحان، وهذه القصة امتحان أهل بغداد للإمام البخاري أنكرها بعض من ينتسب إلى التحقيق؛ لماذا؟ لأن ابن عدي يرويها في جزء له سماه شيوخ البخاري، وقال في مطلع السند: "حدثنا عدة من شيوخنا" عدة من شيوخنا، وهؤلاء الشيوخ أبهمهم ابن عدي، فهم مجاهيل، فهم مجاهيل، ومن يصحح مثل هذه القصة، وليست بغريبة أن يقع امتحان لمثل هذا الإمام الذي طار سيطه في الآفاق، وطبق المشارق والمغارب؛ لا يبعد أن يمتحن بمثل هذا، الذي يصحح مثل هذه القصة، الذي يصححها يقول: إن هؤلاء الشيوخ، وإن كانوا مجاهيل إلا أنهم جمع، ولا يمكن أن يقول ابن عدي عدة لواحد أو لاثنين؛ بل لجمع، وجمع المجاهيل؛ الجمع من المجاهيل يجبر بعضهم بعضاً، يجبر بعضهم بعضاً، فعلى هذا تكون القصة ثابتة، ولام مانع من ثبوتها، المتن متن القصة ليس فيه ما ينكر؛ لأن هذا معروف امتحان معروف، وفعله العلماء بعد هذه القصة، وفعلوه قبل هذه القصة، مسألة الامتحان معروفة.
والقسم الثاني الذي هو قسم السهو من المقلوب في السند:
قلب ما لم يقصد الرواة ... . . . . . . . . .
قلب ما لم يقصد الرواة؛ يعني قلبه بل وقع سهواً، ووهماً
نحو: ((إذا أقيمت الصلاة .. )) ... . . . . . . . . .
نحو: ((إذا أقيمت الصلاة؛ فلا تقوموا حتى تروني))، ((إذا أقيمت الصلاة؛ فلا تقوموا حتى تروني)).
"حدثه" يعني حدث الحديث "في مجلس البناني" ثابت بن أسلم المعروف نسبة إلى بنانة؛ محلة بالبصرة
حدثه في مجلس البناني ... حجاج. . . . . . . . .
فاعل "حدث"
. . . . . . . . . ... حجاج أعني ابن أبي عثمان
وعثمان هنا مصروف للوزن، حجاج بن أبي عثمان الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:
حدثه في مجلس البناني ... حجاج أعني ابن أبي عثمان

(16/14)


كما قلنا: عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه –أبي قتادة- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني))، وبهذا يعلم أن السنة أن لا يقوم المأموم حتى يرى الإمام، أن لا يقوم المأموم حتى يرى الإمام، وبعض الفقهاء كالحنابلة يرون أن القيام إنما يشرع عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، وفيه حديث مخرج عند البيهقي، وفي إسناده الحجاج ابن أرطأة، وهو مضعف؛ فالخبر ضعيف، وهذا الحديث صحيح، في الصحيحين، وغيرهما: ((إذا أقيمت الصلاة؛ فلا تقوموا حتى تروني))؛ لأنه قد يبدأ بإقامة الصلاة منذ دخول الإمام المسجد، والمسافة بعيدة حتى يصل إلى مكانه بحيث من كان في الصف الأول لا يرون الإمام إلا إذا وصل إلى المحراب، وحينئذٍ فلا يقومون حتى يروه؛ لأنه قد يطرأ للإمام.
طالب:. . . . . . . . .
حديث القيام عند قد؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه؛ مضعف إيه، القيام عند قد مخرج عن البيهقي، وفي إسناده الحجاج بن أرطأة مضعف؛ لأنه قد يطرأ للإمام ما يطرأ له، ثم يستمر المأموم قائماً؛ فيشق عليه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- دخل مرة إلى المسجد فأقام بلال، فذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن عليه غسلاً، وذهب ليغتسل، ثم رجع وهم قيام، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا أقيمت الصلاة؛ فلا تقوموا حتى تروني))؛ لئلا يشق على أمته -عليه الصلاة والسلام- فيطول بهم القيام، يعرض لأحد حاجة بالإمام، فيكلمه، ويحتاج إلى أن ينتظره الناس؛ فمثل هذا ينبغي للإمام أن لا يشق على المأمومين، أن لا يشق على المأمومين:
حدثه في مجلس البناني ... حجاج أعني ابن أبي عثمان
"فظنه" أي الحديث "عن ثابت" البناني "جرير" جرير بن حازم أبو النظر، فرواه عن ثابت عن أنس، فرواه عن ثابت عن أنس "بينه حماد الضرير":
فظنه عن ثابت جرير ... بينه حماد الضرير
فظنه أي ظن الحديث جرير بن حازم، فظنه عن ثابت حينما حدث به في مجلسه، فظنه عنه كما بين ذلك حماد بن زيد الضرير، حماد بن زيد الضرير، وقال: وهم أبو النظر جرير بن حازم فيما قاله، وهم في ذلك.

(16/15)


هذا بالنسبة لمقلوب السند، أما مقلوب المتن فله أمثلة، له أمثلة منها: حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفيهم ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))، وهذه هي الجادة، وهذا هو الصواب، وهو المتفق عليه، وجاء في رواية في الصحيح: ((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله))، ومعلوم أن الإنفاق، والأخذ، والإعطاء إنما يكون باليمين، والرواية في مسلم: ((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله))، والحفاظ حكموا على هذه الرواية بأنها مقلوبة، وعندي أنه يمكن توجيهها على وجه تسلم به من الحكم بالقلب، ويصان الصحيح من الحكم على هذه الرواية بالضعف؛ لأن المقلوب من قسم الضعيف، ويصان الرواة الثقات من الوهم في هذا الحديث، فيقال: إن الإنسان الأصل فيه أن ينفق بيمينه، وعلى هذا جاءت رواية الأكثر، وقد يحتاج في بعض المواطن أن ينفق بشماله لا سيما، والمقام مقام إخفاء، المقام مقام إخفاء، فقد يحتاج إلى الإنفاق بشماله، في الحديث الصحيح في البخاري، وغيره: ((ما يسرني أن يكون لي مثل أحد ذهباً؛ تأتي علي ثالثة، وعندي منه دينار إلا ديناراً أرصده لدين، حتى أقول به هكذا، وهكذا، وهكذا؛ عن يمينه، وعن شماله، ومن أمامه، ومن خلفه)) فإذا كان الشخص مكثراً من النفقة؛ قد يعطي أكثر من واحد في آن واحد، قد يعطي أكثر من واحد في آن واحد، فيحتاج إلى أن ينفق بالشمال إضافة إلى اليمين، وقد يضطر لإخفاء الصدقة أن تكون بالشمال لا باليمين؛ كأن يكون عن يمينه أناس وعن يساره سائل، فإذا أخرج الصدقة بيمينه، ثم سلمها للسائل اطلع من عن يمينه، لكنه إن أخرجها بشماله، وأعطاه إياها بشماله؛ لم يطلع عليها من بيمينه لا سيما والمقام مدح إخفاء الصدقة، وبهذا نصون الصحيح، بمثل هذا الكلام نصون الرواة الثقات من الوهم، فالمنفق يحتاج –أحياناً- إلى أن ينفق بشماله، وفي سورة المائدة: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [(55) سورة المائدة]، وهم راكعون؛ قالوا: إن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب؛ إذ جاء سائل وهو راكع، وفي أصبعه خاتم، فمد يده إلى السائل، وهو راكع، ليأخذ الخاتم، وهذا من وضع الشيعة، ولا يثبت، وليس له إسناد يثبت به،

(16/16)


وهذا من وضعهم، وليس المراد بقوله: وهم راكعون الحالية، أنهم ينفقون: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [(55) سورة المائدة]، حال كونهم راكعين؛ أبداً، بل في هذه الآية مدح لمن يتصف بالإنفاق، ويؤدي الزكاة، ويتصدق على الناس، وأيضاً يحافظ على الصلوات.
من الأحاديث التي يمثل لها بالقلب في المتن: ((إن بلالاً يؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)) حتى يؤذن ابن أم مكتوم، جاء في بعض الروايات العكس: ((إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال))، ومنهم من يحاول أن يجمع بين هاتين الروايتين فيقول: أن الأذان نوب؛ مرة يؤذن بلال قبل، ومرة يؤذن ابن أم مكتوم قبل؛ لكن الحفاظ حكموا على الرواية الثانية بالوهم، والقلب، ومن أهل العلم يقول: إن الإجابة على مثل هذه الروايات التي حكم الحفاظ عليها بالقلب يقضي على كثير من علل الحديث التي أبداها الأئمة، من علل الحديث التي أبداها الأئمة، الأئمة إنما حكموا على هذه الأحاديث التي رأوا أنها مقلوبة؛ لماذا؟ لأنها عارضت ما هو أقوى منها، فحكموا عليها بالقلب، لكن إذا أمكن الجمع بين هذه الروايات، وحمل كل منها على وجه يصح؛ فلا داعي للقول بالقلب، لا سيما وأن القلب ضعف في الخبر، فالجمع إذا أمكن أولى من الترجيح.

(16/17)


مما قيل بأنه مقلوب حديث البروك، حديث البروك: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) قال ابن القيم: إنه مقلوب، وأجلب على ذلك بجميع ما أوتي من قوة بيان، -رحمه الله-، وأطال في تقرير ذلك، وقلده علماء كبار، ولا شك أنه أهل لأن يقلد، وإمام من أئمة المسلمين، وفهمه للنصوص يكاد أن يبلغ الكمال، لكن الكمال لله، والعصمة لرسله، ابن القيم قرر أنه مقلوب، مع أنه مصحح من قبل جمع من الحفاظ المتقدمين من الأئمة الكبار، ومرجح على حديث وائل بن حجر الذي قال فيه: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، القلب الذي ادعاه ابن القيم حقيقةً من صححه من الأئمة يرد القلب، ومن رجحه على حديث وائل ينفي القلب؛ لأنه لو كان مقلوباً لاتفقوا على ضعفه، ولا ما رجح على ما جاء ماثلاً على الجادة، فمقتضى قول من صححه إنه لا قلب فيه، إذ لو كان مقلوباً لاقتضى ذلك أن يكون ضعيفاً، ولاقتضى أن يكون مرجوحاً.
طيب كيف يكون هذا الخبر غير مقلوب، والبعير يقدم يديه قبل ركبتيه؟ أشرنا إلى نفي هذا القلب في مناسبات كثيرة، ولا مانع من أن نشير إشارة سريعة؛ لأننا بسطناها في مواضع، وملها كثير من الإخوان.

(16/18)


أنا أقول: لا قلب في هذا الحديث؛ بل آخره يشهد لأوله: ((إذا سجد أحدكم؛ فلا يبرك كما يبرك البعير)) يعني فلا يرمي بنفسه على الأرض بقوة، كما يفعل البعير بحيث يثير الغبار، ويفرق الحصى، بل يضع يديه مجرد وضع على الأرض، فإذا وضع يديه مجرد وضع على الأرض، فإنه حينئذٍ لا يقال له أنه برك، وإذا وضع يديه على الأرض بقوة يقال برك، وإذا وضع ركبتيه على الأرض بقوة يقال برك، وفي الصحيح في صحيح البخاري: "فبرك عمر -رضي الله عنه- على ركبتيه بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-" يعني أنه نزل على الأرض بقوة، من هول الموقف فبرك على ركبتيه، الصورة في تقديم اليدين على الركبتين لا يمكن أن تشابه، لأن البعير من الأصل يديه على الأرض ما كانت يداه مرفوعتان ثم يهوي بهما إلى الأرض فلا مطابقة بين من قدم يديه على ركبتيه، وبين بروك البعير، المشابهة إنما تكون إذا هوى على الأرض بقوة فإنه حينئذٍٍ يشبه بروك البعير؛ لأن البعير إذا برك أثار الغبار، وفرق الحصى، فإذا أثار الغبار، وفرق الحصى؛ قلنا: برك كما يبرك البعير، ولو قدم ركبتيه على يديه بقوة، وسمع لركبتيه صوت، وبعض الناس يخلخل البلاط إذا نزل على الأرض بقوة، نقول: هذا برك مثل ما يبرك الحمار؛ لأنه يقدم ركبتيه على يديه.
ليس وجه الشبه في تقديم اليدين على الركبتين، ولا داعي أن نقول إن ركبتي البعير في يديه، أو في غير ذلك، إنما نقول: المنهي عنه أن نشابه البعير في نزولنا على الأرض بقوة، أما إذا نزلنا على الأرض برفق، وهون فلا مشابهة؛ لأن اليدين مرفوعتان فوق قبل ذلك، ويدي البعير على الأرض من الأصل، فلا مشابهة بوجه من الوجوه اللهم إلا إذا نزلنا بقوة، نكون حينئذٍ أشبهنا البعير، يقال: برك البعير، وحصحص البعير إذا أثار الغبار وفرق الحصى.

(16/19)


مقتضى قول من رجح تقديم اليدين على الركبتين لا بد أن يقول مثل هذا الكلام، ومن يصحح الحديث لا بد أن يقول مثل هذا الكلام، وإلا إذا قلنا أن الحديث مقلوب كيف يصححه وهو مقلوب، الذي يرجح حديث وائل، ولحديث أبي هريرة شاهد عن ابن عمر، وبهذا رجح على حديث وائل، الذي يرجح يقول بمثل ما قلناه في تقديم اليدين على الركبتين، يقول أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، فالمنظور إليه هو مجرد الوضع، والنزول إلى الأرض برفق وهون؛ سواءٌ كان باليدين، أو بالركبتين؛ ولذا شيخ الإسلام يرى التخيير بينهما، يرى التخيير بينهما، فهو مخير إن شاء قدم يديه، وإن شاء قدم ركبتيه، المنظور إليه هو مجرد الوضع،
وفرق بين الوضع، وبين البروك سواءٌ كان على اليدين، أو على الركبتين، وفرق بين أن تضع المصحف على الأرض، وبين أن ترمي المصحف على الأرض، وضع المصحف على الأرض جائز ما في إشكال، يعني تحمل المصحف بيدك، وتريد أن تسجد مثلاً، وتضعه على الأرض، هكذا ما في إشكال، لكن إذا رميت المصحف على الأرض؛ هذا ما فيه إشكال؟ لا، هذا خطر عظيم، هذا استخفاف بكلام الله -جل وعلا-، فينتبه لمثل هذا، والأمثلة على ذلك كثيرة، وإمكان الإجابة عليها –أيضاً- سهل يعني.
اقرأ الذي بعده؟

تنيهات
وإن تجد متناً ضعيف السند ... فقل: ضعيف أي بهذا فاقصد
ولا تضعف مطلقا بناءا ... على الطريق إذ لعل جاءا
بسند مجوَّد بل يقف ... ذاك على حكم إمام يصف
بيان ضعفه فإن أطلقه ... فالشيخ فيما بعده حققه
وإن ترد نقلاً لواه أو لما ... يشك فيه لا بإسنادهما
فأت بتمريض كيُروى واجزم ... بنقل ما صح كقال فاعلم
وسهلوا في غير موضوع رووا ... من غير تبيين لضعف ورأوا
بيانه في الحكم والعقائد ... عن ابن مهدي وغير واحد
هذه التنبيهات الثلاثة التي ذكرها المؤلف تبعاً للأصل ابن الصلاح، توضح بعض الأحكام المتعلقة بما مر مما حكم بضعفه، وغير ذلك.

(16/20)


تضعيف السند لا يقتضي تضعيف المتن، وراية الضعيف من غير إسناد الجزم بنسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- خطأ، بل يروى عنه -عليه الصلاة والسلام- بصيغة التمريض، لا بصيغة الجزم، ورواية الأحاديث الضعيفة غير الموضوعة لا تجوز في الأحكام، والعقائد، وتجوز فيما سوى ذلك، هذه التنبيهات الثلاثة هي التي تحدث عنها الناظم تبعاً للأصل في هذا الموضع، فأحد هذه التنبيهات الثلاثة، قال -رحمه الله-: "وإن تجد متناً" يعني حديثاً "ضعيف السند؛ فقل: ضعيف" أي قل: هذا الحديث ضعيف "أي بهذا" السند فقط "فاقصد" ذلك، فإن صرحت به فهو أولى، يعني أقصده في نفسك، فإن صرحت به فهو أولى، وأقول: لا بد من التصريح بذلك، إذا وجدت حديثاًً درسته، درست إسناده الذي بين يديك، أنت تدرس أحاديث كتاب، كسنن ابن ماجه مثلاً، ومر بك حديث لما درست رجال هذا الإسناد خمسة، أو ستة؛ وجدت فيهم رجلاً ضعيفاً، فالخلاصة تقول: الحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لأن في رواته فلان، وهو مضعف، فأنت تقول: الحديث بإسناده ضعيف، وهل يعني الحكم على السند الخاص حكم على المتن بالعموم؟ لا يلزم، اللهم إلا إذا كان لا يوجد له غير هذا الإسناد، ويكون مداره على هذا الراوي الضعيف، فالحكم على هذا المتن ملازم للحكم على هذا الإسناد.

(16/21)


الطريقة المثلى في دراسة الأسانيد: أن تدرس السند الذي بين يديك، وتحكم عليه بما يليق به، فإن كان له ثقات، وسنده متصل، فتقول: الحديث بهذا الإسناد صحيح؛ لأن رواته ثقات، وبإسناد متصل ليس فيه انقطاع، ومتنه لا شذوذ فيه، ولا علة، فالحديث بهذا الإسناد صحيح، ثم إن ورد عليك متابعات تذكرها، وتخرجها، وتدرس أسانيدها، ثم تذكر الشواهد المروية عن غير صحابي الحديث، ثم تدرسها، تدرس أسانيدها، وتبين ما فيها من علل، ثم النتيجة النهائية الحكم العام، الأول الحكم الخاص على السند الذي بين يديك، ثم الحكم العام بعد جمع الطرق من متابعات، وشواهد إن كان الحديث أصله يحتاج إلى تقوية، بأن كان بإسناده الخاص ضعيف، فتحتاج إلى المتابعات، والشواهد؛ ليرتقي بها إلى الحسن، أو إلى الصحيح على ما قررناه سابقاً، وأشرنا إليه من أن الضعيف، هل يرتقي درجة، أو درجتين؟ هل يمكن أن يرتقي درجة واحدة؟ هذا قول الكل أنه يرتقي، لكن هل بالإمكان أن يرقَّى درجتين، بأن صحت متابعاته، وشواهده، فبدلاً من أن يقال: ضعيف، يقال: صحيح؟ أو يقال: حسن لغيره؛ لأنه لا يمكن أن يرتقي درجتين، كما هو قول الأكثر؟ الحافظ ابن كثير -رحمه الله- يرى أنه لا مانع من أن يرقَّى درجتين إذا كانت المتابعات، والشواهد صحيحة.

(16/22)


وأقول: لا مانع من ذلك إذا كان شيء من هذه المتابعات، أو الشواهد في الصحيحين، أو في أحدهما؛ لأنه لا يمكن أن يقال: حديث حسن لغيره، والشاهد، أو المتابع في البخاري، أو في مسلم، يعني في النتيجة النهائية، فالطريقة المثلى أن يذكر الحديث بإسناده، ثم يدرس هذا الإسناد من أوله إلى آخره، من حيث التوثيق، والتضعيف للرواة، ثم ينظر فيه من حيث الاتصال، والانقطاع، ثم ينظر في متنه من حيث الشذوذ، والعلة، والمخالفة، ثم يحكم عليه بإسناده الخاص، إن كان صحيحاً، فبها ونعمت، وإن كان حسناً –كذلك- يطلب له من الشواهد، والمتابعات ما يرقيه إلى الصحيح، وإن كان ضعيفاً يطلب له من هذه الأمور من الشواهد، والمتابعات ما يرقيه إلى درجة الاحتجاج، وهو الحسن لغيره، فأنت تقول: ضعيف بهذا الإسناد، ولا تحكم على الحديث بأنه ضعيف حتى تجمع طرق الحديث من المتابعات، والشواهد، فإذا جمعت جميع ما ورد به الحديث من متابعات، وشواهد، وحكمت عليه، ولك أن تحكم، وإن كنت متمرناً، يعني في حال التمرين تحكم على الأحاديث بهذه الطريقة، ثم تعرض حكمك على أحكام العلماء، فإذا طابق حكمك ما قيل في الحديث من قبل أهل العلم، فاحمد ربك أنك نجحت في الطريق، وإن اختلف حكمك عن حكمهم فانظر السبب، سبب الاختلاف بين حكمك، وحكمهم، والمتمرن، المتدرب، ولو كان في أول الأمر له أن يفعل ذلك إلى أن يستقل بنفسه، إلى أن يستقل بنفسه بعد كثرة الممارسة، وإدامة النظر في أحكام أهل العلم، على الطرق، والقواعد المعتبرة عند أهل العلم "ولا تضعف" يعني لا تضعفه "مطلقاً بناءً على الطريق" يعني على ضعف ذلك السند الذي درسته، أو وقفت عليه، يعني لا تقول: هذا حديث ضعيف؛ لأنه بلغك بسند فيه رجل مضعف، أو فيه انقطاع، عليك أن تقول: الحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لأن فيه كذا، إما ضعف بعض الرواة، أو انقطاع في الإسناد، أو مخالفة في المتن، تقول: بهذا الإسناد ضعيف "ولا تضعف" يعني لا تضعفه:
. . . . . . . . . مطلقاً بناءا ... على الطريق إذ لعل جاءا

(16/23)


على ضعف الطريق الذي درسته "إذ لعل" يعني لعله يعني الحديث جاء والألف هذه للإطلاق في الشطرين، "بسند" يعني آخر "مجود" يثبت به بمثله، أو بمثلهما الحديث بسند آخر "مجود بل يقف" يعني يثبت بمثله، أو بالسندين معاً الخبر، بل إطلاق الحكم جوازه يقف على حكم إمام من الأئمة "بل يقف ذاك" أي الإطلاق "على حكم إمام يصف بيان ضعفه" يعني الإمام المطلع لا يمكن أن يقول: الحديث ضعيف، أو إسناده ضعيف، وله ما يتقوى به؛ لأنه لو قال: ضعيف، وهو يعرف أن له متابعاً، أو شاهداً يصح به، أو يرتقي به عن درجة الضعف يكون غاشاً، والمسألة مفترضة في إمام ناصح، والأئمة المعروفون، أئمة الحديث، والسنة كلهم ناصحون، بل يقف ذاك على حكم إمام من أئمة الحديث "يصف بيان ضعفه" أي المتن بأنه شاذ، أو منكر "فإن أطلقه" فإن أطلقه أي أطلق ذلك الإمام يعني الضعف، يعني لو قال: ضعيف "فالشيخ" من هو؟ ابن الصلاح، "فالشيخ" يعني ابن الصلاح "فيما بعد حققه"، وعندكم "فيما بعده حققه"، وبعض النسخ الصحيحة "فيما بعد قد حققه"، وكلاهما صحيح، والوزن مستقيم:
. . . . . . . . . ... فالشيخ فيما بعد قد حققه
سيأتي في البيت رقم: مائتين واثنين وسبعين:
فإن يقل: قل بيان ما انجرح ... كذا إذا قالوا لمتن: لم يصح
وسيأتي شرحه -إن شاء الله تعالى-، شيء يتعلق بهذا الكلام، ويوضحه -إن شاء الله تعالى-.
التوقف على إطلاق إمام، وأما غير الأئمة ليس لهم ذلك، هذا ميل من ابن الصلاح إلى ما يؤيد مذهبه في انقطاع التصحيح، والتضعيف في العصور المتأخرة، وتقدم الكلام في هذه المسألة، وأن ابن الصلاح لم يوافَق على ذلك -رحمه الله-.
. . . . . . . . . ... فالشيخ فيما بعده حققه
وإن ترد. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
وهذه ثانية، أو ثاني التنبيهات، ثانيهما ما تضمنه قوله: "وإن ترد نقلاً لواهٍ" يعني لمتن واهٍ ضعيف، لكنه لم يبلغ الوضع "لواهٍ أو لما يشك فيه" يعني من قِبَل أهل الحديث، أهو صحيح، أم ضعيف؟
. . . . . . . . . ... يشك فيه لا بإسنادهما

(16/24)


"لا بإسنادهما" يعني لا بذكر إسنادهما، يعني إذا ذكرت الحديث الضعيف الذي لا يصل إلى درجة الوضع بدون إسناد ذكرت الضعيف، والواهي، أو ما يشك فيه بدون إسناد، بل بمجرد الإضافة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو إلى غيره ممن ينسب إليه، فإنك لا تجزم بنسبته، حديث ضعيف، أو تشك في ثبوته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا تذكر له إسناداً تبرأ به عهدتك من نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإنك لا تجزم، ولا تقل: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما ائت بصيغة تمريض "فأت بتمريض" يعني بصيغة تمريض، فيكتفى بها عن التصحيح بمعاني التصريح بالتضعيف، تقول: يُروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يُذكر، ذُكر، رُوي "فأت بتمريض كيُروى" يعني ويُذكر، فلا تجزم بنقله، وإضافته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ خوفاً من الوعيد، من أن تضيف إليه، تقول عليه ما لم يقل "واجزم بنقل" بلا سند "ما صح كقال فاعلم" فاعلم ذلك فأت به بصيغة الجزم، ولا تأت به بصيغة التمريض، عكس الأول، يعني إذا رويت حديثاً بدون إسناد، فإن كان ضعيفاً تعلم ضعفه، أو تشك في صحته، فلا تجزم به، بل أت بصيغة التمريض، فقل: يُروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، يُذكر عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، رُوي عنه، ذُكر عنه، أما إذا كان صحيحاً، تجزم بصحته، فلا تقل: يُروى، وُيذكر، بل اجزم بنسبته، فقل: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكثير من الفقهاء لا يراعي مثل هذا الاصطلاح، كثير من الفقهاء لا يراعي مثل هذا الاصطلاح، وفي كتب الفقه كثير مما يجزم به بنسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا، وهو ضعيف، أو العكس، قد يكون في الصحيحين، فيقولون: والدليل على ذلك ما يُروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال، أو يُذكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال، وفي هذا تضييع لطالب العلم القارئ في هذه الكتب، فلا بد من مراعاة هذا الاصطلاح؛ لأن المؤلف إذا جزم بالنسبة أخذه الطالب المتعلم على جهة القبول من غير نظر فيه، وتسبب في ذلك بعمل هذا الطالب بهذا الخبر الذي لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن المؤلف جزم به،

(16/25)


وإذا جاء به بصيغة التمريض، وهو صحيح جعل الطالب يزهد، ويترك العمل بهذه الحديث، وهو صحيح.
التنبيه الثالث: ما أشار إليه المؤلف الناظم -رحمه الله تعالى- بقوله: "وسهلوا" أي جوزوا التساهل "في غير موضوع رووا" يعني في رواية غير موضوع من الحديث حيث رووه بإسناده:
وسهلوا في غير موضوع رووا ... . . . . . . . . .
فإذا رووه بإسناده، فإنهم يبرئون من عهدته "من غير تبيين لضعف" إن كان في الترغيب، والترهيب، والفضائل، وغيرها من الأبواب التي جاء عن أئمة الحديث التساهل فيها،
. . . . . . . . . ... من غير تبيين لضعف ورأوا
بيانه. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
وعدم التساهل في ذكره إلا مقروناً ببيان درجاته "بيانه"، "ورأوا بيانه في الحكم" يعني في الأحكام الشرعية من الحلال والحرام، لا في الفضائل، والترغيب، والترهيب "والعقائد" والعقائد أمرها أشد، كالصفات، ونحوها مما يضاف إلى الله -جل وعلا-.
ورأوا بيانه في الحكم والعقائد ... عن ابن مهدي. . . . . . . . .
عبد الرحمن بن مهدي "وغير واحد" كأحمد بن حنبل، وابن معين، وابن المبارك، بل هذا قول جمهور العلماء، أنهم إذا رووا في الفضائل تساهلوا، وإذا رووا في الأحكام تشددوا، يتساهلون في رواية الأحاديث الضعيفة في الفضائل، ويقبلون الأحاديث الضعيفة غير شديدة الضعف في الفضائل، فضائل الأعمال، وأما الأحكام، فلا يقبلون فيها إلا ما صح، أو حسن، ويشددون في الأحكام، وفي العقائد، وأما في الفضائل، والترغيب، والترهيب، فيتسامحون، ويتساهلون فيها.

(16/26)


وهذا يجرنا إلى القول بحكم العمل بالحديث الضعيف؛ لأن عندنا أبواب الدين: العقائد، والأحكام، والفضائل، والتفسير، وإثبات قراءة من قراءات القرآن، والمغازي، والسير، هذه أبواب الدين التي يطلب الدليل لها، فالجمهور يشددون في الأحكام، والعقائد، ويتساهلون فيما عدا ذلك، يتساهلون في التفسير، وهذا مروي عن الإمام أحمد -رحمه الله-، يتساهلون في الفضائل، يتساهلون في المغازي والسير، فيقبلون فيها الضعيف، وإذا رووا في الأحكام، واستدلوا للأحكام، وطلبوا دليل للأحكام، والعقائد يشددون، وهذا مأثور عن من ذكرنا، كابن مهدي، وابن المبارك، وابن معين، والإمام أحمد، وغيرهم من لفظهم.

(16/27)


والنووي في مقدمة الأربعين، وفي الأذكار نقل الاتفاق على هذا القول، وأن العلماء اتفقوا على قبول الأحاديث الضعيفة في الفضائل، في فضائل الأعمال، وهذا النقل فيه تساهل، فقد وجد من يمنع كالبخاري، ومسلم أيضاً، يشددون في رواية الأحاديث الضعيفة، ولا يستدلون بها، والبخاري -رحمه الله تعالى- في تراجمه من الإشارات الكثيرة في رد الأحاديث الضعيفة في جميع أبواب الدين في التراجم، أبو حاتم -رحمه الله- لا يقبل الحسن، ولا يحتج به، فكيف بالضعيف؟ أبو بكر ابن العربي يرد الضعيف، ويوصي طلابه كما في أحكام القرآن أن لا يشتغلوا من الحديث إلا بما صح، وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- كرر ذلك في كثير من كتبه، وأنه لا يعتمد على غير الصحيح، والحسن، يعني ما يقبل من الأحاديث، فهو يرد الضعيف، والشوكاني كذلك صرح في مقدمة تفسيره أنه لا يعول على الضعيف، لا في الأحكام، ولا في إثبات التفسير لكتاب الله -جل وعلا-، ولا في شيء من أبواب الدين، والسبب في ذلك أن الظن غالب في عدم ثبوته، والصحيح، والحسن الظن غالب في ثبوته، ومناط الأحكام إنما هو على غلبة الظن، وإضافة إلى أن الاشتغال بالأحاديث الضعيفة يلهي، ويشغل عن الأحاديث الصحيحة، وفيما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- غنية عن الاشتغال بالضعاف، وما دخل المبتدعة من صوفية، وغيرهم إلا من قبل الأحاديث الضعيفة، والذين يستدلون بالضعيف جرهم ذلك الاستدلال إلى أن تساهلوا فرووا الأحاديث شديدة الضعف، بل بعضهم استدل بما هو شديد الضعف الواهي، ولا شك أن مثل هذا الاسترسال غير مرضي.
الجمهور الذين يستدلون بالضعيف يشترطون له شروطاً، أن يكون في فضائل الأعمال لا في الأحكام والعقائد، وأن يكون الضعف غير شديد، فإن كان الضعف شديداً؛ فلا، وأن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط، بل يعتقد الاحتياط، لكن هذا الاحتياط –أحياناً- يترتب عليه ترك مأمور، وأحياناً يترتب عليه ارتكاب محظور، وإذا ترتب على الاحتياط شيء من هذا، ترك مأمور، أو فعل محظور، فالاحتياط كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ترك هذا الاحتياط.

(16/28)


فالمرجح أن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقاً، يعني الضعيف الباقي على ضعفه، وليس له ما يشهد له، بعضهم يرى أن الحديث الضعيف تلقي بالقبول مثلاً، فيعمل به للتلقي بالقبول، وهذه جادة معروفة عند أهل العلم، بعضهم يقول: إذا كان الضعيف مندرجاً تحت أصل عام، وهذا من شروط الجمهور في قبوله، أو يندرج تحت قاعدة كلية؛ فإنه يعمل به، وعلى كل حال هذا القول، والتوسع فيه جعل كثير ممن ينتسب إلى العلم لا يعنى بالصحيحين، وغيرهما، بل يعنى بأحاديث تسند، وتدعم ما يذهب إليه من أقوال، فلو كان معوله على الأحاديث الصحيحة، أو على الأقل الأحاديث المقبولة من صحيحة، وحسنة، ولا يتشاغل بالضعيف؛ لا شك أنه لن يقع في مخالفة بإذن الله -جل وعلا-، ولن يصده ذلك عن تحصيل الدين على وجهه كما أنزل، وما أوتيت الأمة في كثير من تصرفات المبتدعة إلا من قبل الأحاديث الضعيفة، ومع الأسف أن الأحاديث الضعيفة تملأ كتب التفسير، وتملأ كتب الفقه، وتجدهم يستدلون بالضعيف، فضلاً عن كتب التواريخ، والأدب، والكتب غير المتخصصة، ففيها من ذلك الشيء الكثير، بل فيها بعض الموضوعات.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الإمام العراقي -رحمه الله تعالى-:

معرفة من تقبل روايته، ومن ترد
أجمع جمهور أئمة الأثر ... والفقه في قبول ناقل الخبر
بأن يكون ضابطاً معدلاً ... أي يقُظاً ولم يكن مغفلاً
يحفظ إن حدث حفظاً يحوي ... كتابه إن كان منه يروي
يعلم ما في اللفظ من إحاله ... إن يرو بالمعنى وفي العدالة
بأن يكون مسلماً ذا عقل ... قد بلغ الحلم سليم الفعل
من فسق أو خرم مروءة ومن ... زكَّاه عدلان فعدل مؤتمن
وصحح اكتفاؤهم بالواحد ... جرحاً وتعديلاً خلاف الشاهد
وصححوا استغناء ذي الشهرة عن ... تزكية كمالك نجم السنن
ولابن عبد البر كل من عني ... بحمله العلم ولم يوهن

(16/29)


فإنه عدل بقول المصطفى: ... ((يحمل هذا العلم)) لكن خولفا
ومن يوافق غالباً ذا الضبط ... فضابط أو نادراً فمخطي
وصححوا قبول تعديل بلا ... ذكر لأسباب له أن تثقلا
ولم يرو قبول جرح أبهما ... للخلف في أسبابه وربما
استفسر الجرح فلم يقدح كما ... فسره شعبة بالركض فما
هذا الذي عليه حفاظ الأثر ... كشيخي الصحيح مع أهل النظر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "معرفة من تقبل روايته، ومن ترد" معرفة من تقبل روايته، ومن ترد، يعني وما يتبع ذلك، وفيه ثلاثة عشر فصلاً، فيه ثلاثة عشر فصلاً:
الأول، الفصل الأول: أشار إليه الناظم بقوله -رحمه الله تعالى-:
أجمع جمهور أئمة الأثر ... والفقه في قبول ناقل الخبر
"أجمع جمهور" بين هاتين الكلمتين تنافر معنوي، تنافر معنوي، وإن كانت هي عبارة ابن الصلاح أصل النظم، لكن التنافر المعنوي موجود، فالإجماع الأصل فيه أنه قول الكل، والجمهور قول الأكثر، الإجماع قول الكل، والجمهور قول الأكثر، فكيف يقول: "أجمع جمهور"؟! فيجمع بين هاتين اللفظتين المتنافرتين، لا شك أنه تساهل في التعبير، وتجوز فيه، وإلا إذا قصد الإجماع الذي هو قول الكل امتنع كونه قول الأكثر، وإذا قصد أن الجمهور يقولون بهذا امتنع حكاية الإجماع، فالجمع بينهما تنافر معنوي، بلا شك؛ لأن مفاد الإجماع غير مفاد قول الجمهور، والعكس.
وليس الناظم، وقبله ابن الصلاح ممن يرى أن الإجماع قول الأكثر، كما أشرنا إلى قول ابن جرير سابقاً، فإنهما مع الجمهور، مع جماهير أهل العلم في كون الإجماع قول الكل:
أجمع جمهور أئمة الأثر ... . . . . . . . . .

(16/30)


يعني من أهل الحديث "والفقه" يعني اتفق أهل الأثر، وأهل النظر، اتفقوا "في قبول ناقل الخبر" أي على قبوله، على قبول ناقل الخبر، أي الراوي له، الآثر له "في قبول ناقل الخبر" المحتج به، يعني قبول ناقل الخبر الذي يحتج به؛ لأن الخبر أعم من أن يكون محتجاً به، أو غير محتج به، لكن القبول خاص بالمحتج به، القبول للاحتجاج أخص من كلمة خبر، الخبر يعم المقبول، وغير المقبول، والقبول قد يكون الاحتجاج به لذاته، وهو المراد هنا، وقد يكون القبول لا لذاته بل لما يشهد له كالحسن لغيره، لا تنطبق هذه الشروط على راويه؛ لأنه في الأصل ضعيف، ضعيف تعددت طرقه، وجبر بعضها بعضاً، فقبل لا لذاته، ولا لأن الشروط المذكورة اكتملت في راويه، إنما هذه الشروط لرواة الخبر المحتج به، المقبول، وهو أعم من أن يكون صحيحاً ليتناول الحسن –أيضاً-؛ لأنه مقبول.
بأن يكون ضابطاً معدلاً ... . . . . . . . . .
"بأن يكون" أي بشرط أن يكون راويه "ضابطاً معدلاً" ضابطاً لما يرويه، معدلاً من قِبَل أئمة الحديث، فالضبط والعدالة شرطان لا بد منهما لقبول خبر الراوي، لا يكفي الضبط وحده؛ لأنه قد يكون ضابطاً، والعدالة مجروحة؛ فلا يؤمن حينئذٍ أن يكذب، ولا تكفي العدالة وحدها؛ لأنه قد يكون عدلاً مرضياً في دينه، لكنه قد يخطئ مع عدالته، وديانته، ولذا لا بد من اجتماع الأمرين، وإذا اجتمع العدالة مع الضبط صار الراوي ثقة، فالثقة من الرواة من يجمع بين شرطي القبول اللذان هما العدالة مع الضبط.
وهذا تقدم في تعريف الصحيح:
بأن يكون ضابطاً معدلاً ... . . . . . . . . .
ثم شرح الأخير، ثم عرج على الأول على سبيل اللف، والنشر المشوش، يعني غير المرتب، أو مرتب؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم على سبيل اللف، والنشر المرتب؛ لأنه قدم الضبط، ثم ثنَّى بالعدالة، ثم فصل، ونشر ما يتعلق بالضبط، ثم ثنَّى بما يتعلق على سبيل التفصيل بالعدالة.
بأن يكون ضابطاً معدلاً ... أي يقُظاً. . . . . . . . .

(16/31)


بضم القاف، وكسرها، كما قال الجوهري في صحاحه، أي أن يكون في الضبط، أي بأن يكون في الضبط يقُظاً، يعني متيقظاً لما يتحمل؛ فلا يخل بشيء مما يسمع، وأيضاً- متيقظاً عند الأداء، فإذا أخذ عن الشيوخ في حال التحمل لا بد أن يكون يقُظاً، يعني متيقظاً منتبهاً، لا غافلاً، ولا ساهياً، ولا لاهياً، وكذلك الحال عند الأداء للآخذين عنه أن يكون متيقظاً "ولم يكن مغفلاً" ولم يكن مغفلاً لا يميز الصواب من الخطأ "ولم يكن مغفلاً" يعني لا يميز الصواب من الخطأ، ولا يلقَن فيتلقن؛ لأن هذا هو مغفل، بعض الناس عنده غفلة، يقبل التلقين، فإذا قيل له: إن هذا الحديث من حديثك، ووثق بالقائل حدث به، قيل له: هذا حديثك عن فلان، فإذا وثق به حدث عنه، وتوجد –أيضاً- مثل هذه الغفلة، وقبول التلقين في الشهود، يعني في حياة الناس العامة قديماً، وحديثاً، فبالإمكان أن تكسب شخصاً يشهد لك شهادة زور، وهو من خيار عباد الله، وينفر عن شهادة الزور أشد النفرة، لكنه يشهد إذا لُقِّن، يعني يأتي إليك زائراً، فتقول له: أبشرك بأننا اشترينا هذه الأرض، وتصف له مكانها فيعرفه، ويقول: هذه أرض طيبة، وموقعها ممتاز على شوارع، وتصلح للاستثمار، وينتهي الحديث عند هذا، ثم تزوره، في المرة الأولى زارك، وفي المرة الثانية تزوره أنت، ثم تقول له: هذه الأرض دفعنا نصف قيمتها الآن، ثم بعد ذلك مرة ثالثة: والله أنا متردد في أن أنشئ عليها عمارة سكنية، أو تجارية، أو أسكنها، أو أبيع ما أدري –والله- إلى الآن ما بعد قررت شيئاً، ثم تأتي مرة ثالثة، أو رابعة، وتقول له: هذه الأرض ثيمت بكذا لكني عازم على استثمارها، وقد دفعنا بقية الثمن، ثم عشر زيارات، ثم تقول له: الآن نريد الإفراغ دفعنا القيمة، ومن خلال ما كررت عليه من الكلام تقرر في نفسه بما لا مجال فيه للشك أن الأرض لك، ثم تطلب منه الشهادة، ويذهب معك إلى المحكمة، ويشهد؛ لأنه مغفل يقبل التلقين، لكن لو قلت له من أول مرة: أنا عندي أرض تشهد عليها، ما قِبَل؛ لأنه رجل صالح، لكنه بهذا التلقين التدريجي قبل، فقر في نفسه أنك صادق، وأنت كل ما دار، والحاصل، ومن كثر ما تكرر عليه مثل هذا الكلام يزداد بك ثقة، ويقتنع بملكك للأرض، هذا

(16/32)


هو معنى التلقين.
فتجد بعض الناس إذا قيل له: هذا حديثك عن فلان، ثم مرة ثانية، أو ثالثة، المرة الرابعة يحدث به عن فلان، هذا مغفل لا تقبل روايته.
وأن يكون مع ذلك "يحفظ" يعني متيقظ حال التحمل، وحال الأداء، وأن يكون غير مغفل، وهذا توضيح لليقظة وأن يكون –أيضاً- يحفظ، حافظته تسعفه يحفظ ما سمعه بأن يثبته في حفظه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء، بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء "يحفظ إن حدث حفظاً" يعني حفظ صدر "يحفظ إن حدث حفظاً" أي من حفظه في صدره عن ظهر قلبه:
. . . . . . . . . يحوي ... كتابه إن كان منه يروي
"يحوي كتابه" يصونه عن تطرق التغيير إليه، وتكون صيانته، وحفظه له بنفسه، بنفسه يتولاه بنفسه، أو بثقة يعني طرأ عليه سفر، أو شيء يشغله عن حفظه بنفسه يودعه عند ثقة، وكم من شخص وقع الخلل في كتابه؛ لأنه يفرط فيه، فيعيره إلى غير ثقة، أو يحفظه غير ثقة، أو يكون له ولد يعبث بالكتب، أو ربيب، أو نسيب، صهر، أو ما أشبه ذلك، وهذا حصل لبعض الرواة، حصل لبعض الرواة أن أدخل في كتبهم ما ليس منها من قبل من يدخل على بيته دون استئذان، ويقلب النظر في كتبه، وقد يزيد، وقد ينقص، هذا ليس بضابط، الذي يهمل الكتاب الذي يروي منه إذا كان يعتمد عليه، إذا كان يعتمد على الرواية من الكتاب، وهذا هو النوع الثاني من أنواع الضبط، كما تقدم بيانه، وهو ضبط الكتاب.

(16/33)


إذا كان يحفظ عن ظهر قلب، وضبطه ضبط صدر، فلا بد أن يكون يحفظ بحيث يتمكن من الأداء، والاستحضار في أي وقت شاء، وإن كان ضبطه ضبط كتاب، يحدث من كتابه، فهذا، ولو لم يضبط، ولو لم يضبط في صدره، ولا يحفظ عن ظهر قلب، وإنما يتقن كتابه، بأن يعنى به أثناء الرواية، والكتابة، ثم بعد ذلك يحفظه، ويصونه عن أن يتطرق إليه خلل بزيادة، أو نقصان "إن كان منه يروي" يعني إن كان من كتابه يروي، وضبط الصدر هو الأصل، وضبط الكتاب معتبر عند عامة أهل العلم، ومنهم من شدد، فقال: لا يقبل إلا ضبط الصدر؛ لأنه الأصل، لكن المقرر عند أهل العلم لا سيما أهل الحديث أن ضبط الكتاب إن لم يكن أتقن من ضبط الصدر، فإنه ليس بدونه؛ لأن الحفظ خوَّان، قد يحاول يستذكر، فلا يذكر، أما ضبط الكتاب فهو يستحضره متى ما أراده يفتح الكتاب، وينظر فيه، ويحدث منه:
. . . . . . . . . يحوي ... كتابه إن كان منه يروي
وأن يكون إضافة إلى ذلك إن كان يروي باللفظ لا بد أن يكون كما تقدم، وإن كان يروي بالمعنى، فلا بد بأن يكون، فلا بد من أن يكون:
يعلم ما في اللفظ من إحالة ... . . . . . . . . .

(16/34)


يعلم ما في اللفظ من إحالة، بحيث يأمن من تغيير ما يرويه "إن يروي بالمعنى" إن يروي الخبر بالمعنى، إن كان يروي باللفظ، فلا بد أن يؤديه بحروفه كما سمعه، وإن كان يروي بالمعنى لا بد أن يكون ممن يعلم ما في اللفظ من إحالة، بحيث يأمن من تغيير ما يرويه، بعض الناس إذا روى بالمعنى خلط، وخبَّط في الحقائق، خبط، وخلط في الحقائق، فيرد عليه في اللفظ حقيقة شرعية، ثم يحيلها إلى حقيقة عرفية، أو لغوية، وهي غير مرادة في هذا السياق، لا بد أن يعرف ما يحيل المعاني، واللفظة الواحدة عند من يريد الرواية بالمعنى قد تحتمل معاني في لغة العرب، فلا بد أن يكون من تجوز له الرواية بالمعنى أن يعرف المعنى المراد في هذا السياق، المعنى المراد في هذا السياق، وقد يكون للفظة الواحدة أكثر من حقيقة شرعية، فمثلاً إذا روى حديث: ((من وجد ماله عند رجل قد؛ أفلس فهو أحق به))، لو فسر هذا الإفلاس بحديث: ((المفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال))، يقول: هذا الرجل مفلس، قد تكون عنده الأرصدة، والأموال، يعني غني من كبار الأغنياء، لكن يقول: هذا ليس هو المفلس في الحقيقة الشرعية، المفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال -وترى مثل هذه النغمة لا بد أن تغير؛ لأنها أشد من نغمة جرس الدواب الذي جاء منعه، فلا بد من تغييرها، وإن نازع من نازع أنها ليست موسيقى، إلا موسيقى يا أخي، هذه أشد من جرس الدواب الذي جاء المنع منه، فلا بد أن تغير، والحكم بيننا، وبينهم، نعم لا نعرف موسيقى، لكن قد ينازعون أنكم لا تعرفون تقولون: هذه موسيقى، لا، عندنا نصوص شرعية نحتكم إليها، جرس الدواب ممنوع، والذي نعتقده أن هذه أشد من جرس الدواب، فتمنع-.

(16/35)


هذا الذي روى هذا الحديث: ((من وجد ماله عند رجل قد أفلس))، وأراد أن يرويه بالمعنى، وقد سمع بحديث: ((أتدرون من المفلس؟ ))، قالوا: من لا درهم له، ولا متاع، قال: ((لا، المفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال، يأتي، وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا)) يقول: هذا هو المفلس يا أخي، فإذا كان من هذا النوع، إذا وجد ماله عند رجل موصوف بهذا الفلس الذي هو ظلم الناس، يقول: أنا أحق بمالي، طيب مالك أنت بعته، وهذه قيمته، قال: لا، لا هذا مفلس، وأنا أحق به، مثل هذا يعلم ما يحيل المعاني؟ لا، فمثل هذا لا يجوز له أن يروي بالمعنى.
المحروم، إذا أراد أن يفسر المحروم، ويفهم المحروم في النص على حقيقته العرفية التي مفادها أنه هو الرجل الذي عنده الأموال الطائلة، لكنه مقتِّر على نفسه، في العرف يسمى محروم، ولا شك أن مثل هذا حرمان، فيقول: مثل هذا تصرف له الزكاة، فيروي، ينزل المحروم على هذا، وقد يرويه بالمعنى، فيزيد الطين بلة، فمثل هذا الذي لا يعرف ما يحيل المعاني لا يجوز له أن يروي الحديث بالمعنى:
يعلم ما في اللفظ من إحالة ... إن يروي بالمعنى. . . . . . . . .

(16/36)


يعني لا باللفظ، انتهينا من الشرط الأول، وهو الضبط "وفي العدالة" الشرط الثاني، أحد شقي التوثيق "وفي العدالة" بأن يكون في العدالة، والعدالة كما عرفها أهل العلم: ملكة تحمل صاحبها على ملازمة التقوى، والمروءة، ملكة تحمل على ملازمة التقوى، والمروءة، والملكة هي الصفة الثابتة الراسخة، ليست الصفة التي تطرأ، وتزول، بل هي الثابتة، الراسخة التي لا تتغير، وليس معنى هذا أنه يكون معصوماً ملازماً للتقوى، بمعنى أنه لا يعصي، ولا يترك مأموراً، لا، قد يعصي، قد يزل، ويتوب من ذلك، ويندم عليه، ليس بمعصوم، العصمة ليست مفترضة، ولا مشترطة في الرواة، وأنتم ترون بعض الناس، يعني يعيش سبعين سنة، ثمانين سنة بين الناس، وهو يحكم له بأنه رجل تقي، لكن لا يعني هذا أنه معصوم، لكن حاله مستقيمة على الجادة في الجملة، قد تحصل منه المعصية، قد تجده في مجلس، قد يذكر أحداً بما لا يرضى، ويقع في عرضه، لكنه في الجملة مطيع لله -جل وعلا-، فحصل منه هذه الهفوة، وإذا تذكر ندم، ولذا لا يقال: إن هذه الملكة، وهي الصفة الثابتة الراسخة، التي لا تتغير، ليس معناها أنه لا يخطئ، بمعنى أنه لا يعصي، لا يترك مأموراً، أو لا يرتكب محظوراً، قد يحصل منه شيء من هذا، لكنه في جملته ماثل مستقيم "وفي العدالة بأن يكون" يعني متصفاًً بأوصاف:
بأن يكون مسلماً ذا عقل ... . . . . . . . . .

(16/37)


"مسلماً ذا عقل" والإسلام شرط مجمع عليه، فلا تصح رواية، ولا تجوز رواية الكافر بحال، والمقصود بذلك حال الأداء، أما في حال التحمل، فقد يتحمل الخبر، وهو كافر، أما إذا أدى، فإنه لا يقبل خبره إلا إذا كان مسلماً بالإجماع، في حال التحمل قد يتحمل، وهو كافر، جبير بن مطعم سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بالطور، في صلاة المغرب بالطور، وهو كافر جاء في فداء أسرى بدر، لكنه أدى هذه السنة بعد أن أسلم، وتلقاها الناس منه، وحملوها عنه، وأخرجت في الصحيح؛ لأن هذه الشروط شروط الأداء "بأن يكون مسلماً" فلا يقبل الكافر، سواءٌ كان الكافر أصلياً، أو قد ارتكب بدعة مكفرة، على ما سيأتي في رواية المبتدع، فلا بد أن يكون مسلماً ذا عقل، فالكافر لا تصح روايته، وكذلك المجنون لا تصح روايته، لا تصح روايته، لا بد أن يكون ذا عقل، والعقل هو مناط التكليف؛ لأن المجنون غير مكلف، فلا يؤمن أن يكذب، فلا يؤمن أن يكذب على من ينسب الخبر إليه، فلا بد أن يكون مسلماً عاقلاً "قد بلغ الحلم" قد بلغ الحلم، يعني بلغ سن التكليف، والتكليف يكون بالإنزال، ويكون ببلوغ، بتمام الخمس عشرة سنة، ويكون بإنبات الشعر الخشن حول الفرج، وهذا مشترك.

(16/38)