شرح ألفية العراقي عبد الكريم الخضير شرح ألفية الحافظ
العراقي (17)
(معرفة من تقبل روايته ومن ترد)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ويكون بإنبات الشعر الخشن حول الفرج، وهذا مشترك، وتزيد المرأة
بالحيض، فإذا حاضت كلفت، فإذا بلغ الحلم بمعنى أنه بلغ سن
التكليف بواحد من هذه الأشياء، واتصف بالإسلام والعقل، وسلم من
أسباب الفسق وخوارم المروءة فإنه تصح روايته "قد بلغ الحلم"
وعلى هذا فرواية الصغير غير مقبولة، أما غير المميز فمحل
إجماع، وأما المميز فجماهير أهل العلم على أن روايته لا تقبل
ولو راهق، يعني قارب الاحتمال، ما لم يحتمل، يعني ما لم يكلف،
فإن روايته حينئذٍ لا تكون مقبولة؛ لأنه يعرف أنه غير مكلف،
قلم التكليف لم يجر عليه، وعلى هذا لا يكتب عليه سيئاته، ولا
آثامه، فلا يؤمن حينئذٍ أن يكذب.
ما الذي يمنعه عن الكذب؟ الذي يمنع عن الكذب خشية الإثم، وهو
لا إثم عليه؛ لأنه غير مكلف، إذن لا شيء يمنعه، ويردعه عن
الكذب، قبل بعضهم شهادة الصبيان بعضهم على بعض؛ ما لم يتفرقوا،
ولا يوجد غيرهم من المكلفين، وبعضهم قبل شهادة المراهق، ومن
باب أولى قبلوا روايته، المقصود أن غير المكلف لا تقبل روايته،
غير المكلف لا تقبل روايته، يعني هل حمل عن ابن عباس قبل
التكليف شيء؟ هل حمل عن ابن الزبير قبل تكليفه شيء؟ النبي
-عليه الصلاة والسلام- مات قبل أن يكلفوا، سيأتي في وقت التحمل
والأداء؛ متى يصح التحمل؟ فإن المحمود بن الربيع عقل عن النبي
-عليه الصلاة والسلام- مجة مجها في وجهه من دلو، وهو ابن خمس
سنين، أو أربع سنين على روايات، فيصح تحمل الصغير، لكن أداءه
وروايته غير صحيحة، ولذا قال الناظم -رحمه الله- تعالى: "قد
بلغ الحلم" بأن صار مكلفاً "سليم الفعل" سليم الفعل "من فسق"
لا يرتكب كبيرة، ولا يصر على صغيرة "أو خرم مروءة" من فسق أو
خرم مروءة، المروءة التخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه،
التخلق بخلق أمثاله في زمانه وفي مكانه، فلا يشذ عن بني جنسه،
وبني بلده بشيء ينتقد فيه.
(17/1)
وفهم من كلام الناظم -رحمه الله تعالى- عدم
اشتراط الحرية، ولا الذكورية، ولا العدد، ولا العدد، فالمرأة
تصح روايتها، وتحمل الناس عن أمهات المؤمنين، وغيرهن من
الصحابيات، ومن التابعيات؛ تحملوا الحديث عنهن، وتداولوه فيما
بينهم، فالذكورة لا تشترط فتصح رواية المرأة، وكذلك الحرية
ليست بشرط؛ لأن الأحاديث والسنن نقلت عن أرقاء، فنقلت عن بلال،
ونقلت عن بريرة، وهي أمة، وامرأة –أيضاً-، خلافاً لمن اشترط
شيئاً من ذلك، وأن الرواية كالشهادة، وبما أن الشهادة لا تقبل
من امرأة منفردة، ولا من رقيق فالرواية مثلها، والصواب أن هذا
مما تختلف فيه الرواية مع الشهادة، فتقبل رواية المرأة، وكتب
السنة طافحة بروايات النساء، وتقبل رواية الرقيق، فلا شرط
الحرية، ولا للذكورة، واشترط بعضهم أن يكون الراوي فقيهاً أن
يكون الراوي فقيهاً، ولا عبرة بهذا الاشتراط؛ لأننا لو تأملنا
أحوال الرواة الذين حمل أهل العلم عنهم الأخبار وجدنا الفقهاء
منهم قلة، حتى بعض الصحابة ممن يخفى عليه الأحكام الشرعية،
تحملت عنهم الأخبار لا سيما ما يتعلق بهم، فبعضهم اشترط فقه
الراوي، والحقيقة أن هذا الشرط لا دليل عليه، بل الواقع يرده،
فمن الأعراب الذين وفدوا على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا
يعرفون من الأحكام إلا الشيء القليل نقلوا عنه -عليه الصلاة
والسلام- بعض الأحكام وتحملت عنهم.
الفصل الأول انتهى من الفصول الثلاثة عشر.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب: العمر مشترط؟
العمر، إذا لم يكلف قبل ذلك بإنزال، أو إنبات؛ لا بد من
استكمال خمسة عشر سنة.
طالب:. . . . . . . . .
(17/2)
المميز نعم سيأتي إن شاء الله تعالى في متى
يصح تحمل الصغير، المميز هو الذي يفهم الخطاب، ويرد الجواب هذا
في الأمور التي ليست عامة، ليست عامة للأمة أما في الأمور التي
تشمل الناس كلهم، فحدت بتمام سبع سنين، يعني في الرواية لو
اختبرنا صبي عمره ثلاث سنين، ووجدناه يضبط؛ ما المانع من تصحيح
تحمله إذا وجدناه يضبط، وقد يصل إلى العشر، وهو لا يضبط، كما
قال ابن الصلاح: وإن كان لا يفهم الجواب، ولا يرد الخطاب لم
تصح روايته، ولو كان ابن خمس، بل ابن خمسين، بينما الصغير إذا
اختبر وابتلي صحت روايته، وهذا في الأمور التي يصح التفرد
فيها، أما الأمور التي جاءت أحكام عامة للمسلمين فإنها تحدد
بحد: ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين)) يعني لو قيل: مروا
أولادكم المميزين، على كل أب أن يأمر ولده إذا ميز؛ فتجد الولد
عمره عشر سنوات وهو بباب المسجد، وإذا سئل أبوه قال: والله ما
ميز، وتجد الآخر يؤذي الناس بطفله ذي السنتين، أو الثلاث،
ويقول: مميز، فما تترك هذه لاجتهاد الناس؛ لا، لكن في الرواية
الله يقويه، قدامه الأداء، وقدامه الشروط عند التحديث، كونه
يحضر مجلس السماع، ويستمع إن استفاد؛ وإلا ما هنا نقص، وما هنا
مضرة، لكن كونه يصف مع الناس، ويؤذيهم، ويقطع الصفوف، ويشوش
على الناس سنتين، ثلاث كما يأتي بعضهم بولده يتأذى الناس به،
وقد شهدنا من ذلك ما يندى له الجبين، ويعتصر له القلب أسىً
وألماً، شخص جايب طفل عمره ثلاث سنوات، ومعه بالصف لما كبر
الناس ذهب الولد إلى المصاحف، وصار يعبث بها، يعبث بها عبث لا
يقبله أحد، وأبوه لم يتحرك، ولا يقدم ولا .. ، لما ذهب الولد
إلى المروحة، مروحة بإمكانه أن يتناولها، فتؤذيه قطع الأب
صلاته، وذهب يجيبه خوفاً عليه، فمثل هذا لا شك أنه يمنع، ولا
يترك مثل هذا لاجتهادات الناس؛ لأن كل واحد يبي يقول: والله
ولدي مميز الحمد لله، وبعضهم يقول: لا، ما مميز، إذا ما جاء
قال: ما ميز، وإن حضر قال: مميز، ولو كان صغيراً، فمثل هذه
الأمور تضبط بضابط عام، ومثله التكليف، خلاص في أمور واضحة،
فاصلة.
الفصل الثاني: ما تعرف به العدالة:
قال -رحمه الله تعالى-:
. . . . . . . . . ومن ... زكاه عدلان فعدل مؤتمن
(17/3)
"ومن" والذي يزكيه؛ أي يعدله في روايته،
ويشهد له بأنه عدل ضابط "عدلان" يعني اثنان "فعدل مؤتمن" تقبل
روايته اتفاقاً، عدل، ضابط، إذا تناولت تزكيته العدالة،
والضبط؛ قبلت روايته،
. . . . . . . . . ومن ... زكاه عدلان فعدل مؤتمن
والمؤتمن تأكيد تكملة "وصحح اكتفائهم" أي جمهور أئمة الأثر
بالواحد، وصحح اكتفائهم بالواحد، أي قبول التعديل، التزكية من
شخص واحد، والواحد سواءٌ كان حراً، أو عبداً، ذكراً كان أو
أنثى:
وصحح اكتفاؤهم بالواحد ... جرحاً وتعديلاً خلاف الشاهد
الصحيح عندهم في الرواية أن التزكية يكتفى فيها بواحد، ولو
امرأة، ولو أمة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- سأل بريرة عن
عائشة، فأثنت عليها خيراً، وزكتها، فتقبل تزكية المرأة، ولو
كانت أمة، فضلاً عن كونها ذكراً حراً، أو عبداً "خلاف الشاهد"
فالصحيح عدم الاكتفاء بالواحد، الصحيح عندهم عدم الاكتفاء
بتزكية الواحد للشاهد كالأصل، الرواية تقبل من واحد، فالتزكية
تبعاً لها تقبل من واحد، الشهادة لا تقبل من واحد، فالتزكية لا
تقبل بالنسبة للشاهد من واحد، وكل فرع له حكم أصله، هذه
التزكية، وهي التي يحتاج إليها في معرفة ارتفاع الجهالة
الباطنة "وصححوا" يعني مما تثبت به العدالة –أيضاً-، "صححوا
استغناء ذي الشهرة" بها بين أهل العلم والاستفاضة، إذا كان
مشهوراً مستفيضاً بين أهل العلم أنه ن أهل العدالة، ومن أهل
الثقة، ومن أهل العلم، ومن أهل الفضل:
وصححوا استغناء ذي الشهرة عن ... تزكية صريحة كمالك نجم السنن
كمالك نجم السنن، كما وصفه الإمام الشافعي بذلك، ومثل ما لك
شعبة، وأحمد، وابن معين، والسفيانين، وغيرهم، هؤلاء إذا وردوا
في سند؛ جاءك في السند أحمد بن حنبل، أو سفيان بن عيينة، أو
سفيان الثوري، أو مالك, أو .. الأئمة الكبار؛ هؤلاء هل تحتاج
إلى أن تذهب إلى كتب الجرح والتعديل؛ لتنظير ما قيل فيهم؟ ما
يحتاج، ما يحتاج، هؤلاء استفاض فضلهم، وعلمهم، وضبطهم،
وإتقانهم، وحفظهم فلا يحتاجون إلى تزكية، بينما لو وجد في
السند شخص لم يشتهر؛ أنت ما تعرفه؛ لا بد أن تبحث عنه في كتب
الرجال، ولا بد أن تسأل عنه، لا بد من التزكية.
(17/4)
وصححوا استغناء ذي الشهرة عن ... تزكية
صريحة كمالك نجم السنن
فلا بد من التزكية في حق من لم يشتهر بها، ولم يستفض أمره بها،
الإمام أحمد -رحمه الله- سئل عن إسحاق، سئل عن إسحاق بن
إبراهيم الحنظلي، قال: إسحاق يسأل عنه؟! إسحاق يسأل عن الناس،
ومثل هذا قال في أبي عبيدة وغيره، فالذين استفاض ذكرهم، واشتهر
أمرهم لا يسأل عنهم، وتجدون –الآن- بعض الناس يسأل عن العلماء
الكبار، يأتي سؤال ما رأيك بالشيخ ابن باز؟ هذا سؤال يُحتاج
إليه؟! والله هذا حاصل، ومرة واحد يسأل في شرح أحاديث الفتن،
يسأل يقول: ما رأيك بالشيخ ابن جبرين؟ قلت: لولا أن هذا السؤال
من الفتن ما أجبت عنه، ويسألون عن مشايخ كبار، هؤلاء يحتاج،
هؤلاء يسألون عن الناس، ما يسأل عنهم، فالذي استفاض في الناس
ذكره، واشتهر فضله لا يسأل عنه، لا يسأل عنه مثل هذا؛ ولذا:
وصححوا استغناء ذي الشهرة عن ... تزكية صريحة كمالك نجم السنن
ثم قال -رحمه الله-: "ولابن عبد البر" لأبي عمر يوسف ابن عبد
البر النمري الحافظ المتوفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة، ثلاث
وستين وأربعمائة، وهي السنة التي توفي فيها الخطيب الحافظ، هذا
حافظ المغرب، وذاك حافظ المشرق:
ولابن عبد البر كل من عني ... بحمله العلم ولم يوهن
يعني لم يضعف "كل من عني" أي اهتم بحمل العلم بحيث صار من أهل
العلم "ولم يوهن" لم يضعف، رأي ابن عبد البر أن مثل هذا عدل،
لا يحتاج فيه إلى تزكية، ولا يحتاج إلى أن تراجع كتباً، ولا
شيء:
ولابن عبد البر كل من عني ... بحمله العلم ولم يوهن
فإنه عدل بقول المصطفى ... . . . . . . . . .
-صلى الله عليه وسلم-: ((يحمل هذا العلم .. ))، يعني (( .. من
كل خلف عدوله؛ ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين،
وتأويل الجاهلين)) هذا الحديث استدل به ابن عبد البر على أن كل
من عرف بحمل العلم أنه عدل:
فإنه عدل بقول المصطفى ... يحمل هذا العلم لكن خولفا
(17/5)
خولف ابن عبد البر -رحمه الله- في رأيه
هذا، خولف؛ لماذا؟ لأن الواقع يشهد بخلاف ذلك؛ لوجود من يحمل
العلم، وهو غير عدل، ولا ثقة، ولا مرضي، يحمل العلم، ويفتي في
الأحكام، وقد يفسر القرآن، وقد يشرح السنة، ومع ذلك ليس بعدل،
ولا مرضي؛ لأنه يرتكب محرمات، ويتساهل في واجبات، ولا نحتاج في
عصرنا إلى تمثيل، يعني إذا وجد في السابق نادراً فإنه في عصرنا
كثيراً، كثير من يرحل إليه، ويشار بأنه المحدث، وتطلب منه
الإجازات؛ لأن سنده عالي، وسماعه قديم، ومع ذلك الناس يصلون،
وهو في بيته مع كل أسف، ويوجد من علامات الفسق عليه ظاهرة، وهو
يدرس التفسير، أو الحديث، أو الفقه، أو غير ذلك، فالواقع يشهد
بخلاف ما قاله ابن عبد البر -رحمه الله-، "ولم يوهن"،
فإنه عدل بقول المصطفى ... يحمل هذا العلم لكن خولفا
(17/6)
لأن ابن عبد البر توسع في التعديل توسع غير
مرضي، والحديث مضعف عند أهل العلم، الأكثر على تضعيفه، وإن
صححه الإمام أحمد فيما نقله الخطيب في شرف أهل الحديث، لكن
طرقه كلها ضعيفة، قد يقال: إن تعدد الطرق تدل على أن له أصلاً،
لكن مفرداتها ضعيفة ضعفاً شديداً، فمن قبله نظراً لكثرة طرقه،
ومن رده فلضعف أفراده، ومع ذلكم لو صح هذا الخبر لكان أمراً،
وليس بخبر، لكان أمراً للعدول؛ بأن يحملوا هذا العلم، ولا
يتركوا فرصة للفساق أن يحملوا هذا العلم، ويتصدروا الناس، لا
يترك أهل العلم، أهل العدالة، أهل الفضل، أهل الاستقامة فرصة
للفساق أن يتصدروا الناس، فيكون معنى الحديث: ((ليحمل .. ))
يعني لفظه لفظ الخبر، ومفاده الأمر: ((ليحمل هذا العلم من كل
خلف عدوله))، وجاءت هذه الرواية باللام عند ابن أبي حاتم في
تقدمة الجرح والتعديل، فدل على أن الحديث أمر للثقات بحمل
العلم، وأن لا يتركوا المجال للفساق، ومن أهل العلم من ينازع
من ينازع في تسمية ما يحمله الفساق علم، بل الفاسق جاهل، ولو
عرف جميع ما دون من أحكام، يعني لو حفظ الكتب كلها بأدلتها فهو
جاهل؛ لأن العلم الذي لا ينفع صاحبه وجوده مثل عدمه، الوصف ما
ارتفع؛ لأن العبرة بالعلم النافع، وهذا ليس بنافع علمه، الأمر
الثاني: أن الله -جل وعلا- سمى الذي يعصي جاهلاً: {إِنَّمَا
التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ
بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء]، هذا حصر للتوبة في الذين
يعملون السوء حال جهلهم، طيب الذي يعرف أن الشرب شرب الخمر
حرام، ومعه دليله من الكتاب والسنة، يحفظ الدليل من الكتاب
والسنة؛ هذا جاهل، وإلا عالم؟ هذا يعرف الحكم بدليله؛ عالم،
وإلا جاهل؟ لو قلنا عالم قلنا: ما له توبة؛ لأن التوبة خاصة
بالفساق، ولم يقل أحد بهذا القول، فدل على أنه جاهل، ولو عرف
الحكم بدليله، فالفاسق الذي يحمل من العلم ما يحمل هذا جاهل،
فالذين يحملون العلم هم العدول، يعني العاملون به، العاملون
به، وأما الفساق فعلمهم ليس بعلم، ولذلك قال: ((يحمل هذا العلم
من كل خلف عدوله؛ ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين،
وتأويل الجاهلين)) الفاسق حينما يحمل العلم؛ هل حمله بهذه
(17/7)
النية: لينفي عنه تحريف الغالين، وانتحال
المبطلين، وتأويل الجاهلين، أو ليتخذه مصدر رزق؟ لأنه لو جاء
بهذه النية ارتدع عما يفعله من جرائم، أو يتركه من أوامر، فدل
على أنه جاهل: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ
يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن
قَرِيبٍ} [(17) سورة النساء]، يعني قبل الموت، وقبل نزول
علاماته "لكن خولف" عامة أهل العلم على خلافه، ووافقه بعض
العلماء، كابن المواق، وابن سيد الناس، وقال الحافظ الذهبي:
إنه حق، لكن من يقول بأنه حق، أو يوافق ابن عبد البر، أو حتى
ابن عبد البر نفسه لا يمكن أن يصف فاسقاً بأنه عالم، إنما يحمل
العلم على ما نفع؛ لأنه يقول: "ولم يوهن" ولم يوهن يعني ولم
يضعف، والفاسق مضعف، فلا يدخل الفاسق في كلام ابن عبد البر،
وعلى هذا يوافق إذا لم يدخل الفاسق، إذن هو من الأصل عدل،
وإنما قد يستدل على عدالته بحمله العلم، ولو لم يزكى.
ثم في الفصل الثالث من الفصول الثلاثة عشر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وافقه ابن الموَّاق، كتاب اسمه: "بغية النقاد" لابن المواق،
هذا على كتاب ابن القطان، ووافقه –أيضاً- ابن سيد الناس
اليعمري أبو الفتح، ووافقه –أيضاً- الحافظ الذهبي.
قال -رحمه الله- في الفصل الثالث: ما يعرف به الضبط:
ومن يوافق غالباً ذا الضبط ... فضابط أو نادراً فمخطي
يعرف الضبط بالامتحان كما تقدم في المقلوب، بما عرف ضبط الإمام
البخاري؟ لما امتحنه أهل بغداد، فالامتحان أقرب وسيلة لمعرفة
الضبط، وكثير ممن ينتسب إلى العلم، أو يدعي العلم إذا امتحن
رسب في الامتحان، يسأل كم سؤال ثم لا يجيب، أو يجيب جواباً يدل
على جهله، فيستدل به على أنه ليس بضابط، كما أنه يعرف الضبط
بعرض رواية الراوي على روايات الثقات، فإن وافقهم فهو ضابط، إن
وافقهم في جميع ما يرويه، أو في غالب ما يرويه فإنه ضابط، وإن
وافقهم نادراً، أو لم يوافقهم "فمخطي" يعني ليس بضابط.
ومن يوافق غالباً ذا الضبط ... فضابط. . . . . . . . .
"من يوافق" دائماً، أو "غالباً" في المعنى، أو اللفظ "ذا الضبط
فضابط" يحتج به "أو" يوافقه "نادراً فمخطي" ليس بضابط؛ فلا
يحتج به، فلا يحتج به.
(17/8)
ثم بعد ذلك الفصل الرابع: الفصل الرابع في
الجرح والتعديل، وهل يقبلان دون بيان أو لا بد من بيانهما:
يعني بيان الأسباب؛ هل يقبل الجرح والتعديل من غير بيان
الأسباب، أو لا بد من بيان أسباب الجرح والتعديل، أو لا بد من
بيان أسباب الجرح دون التعديل، أو لا بد من بيان أسباب التعديل
دون الجرح فالقسمة رباعية:
وصححوا قبل تعديل بلا ... ذكر لأسباب له أن تثقلا
"وصححوا" يعني جمهور أئمة الأثر "قبول تعديل" هذا هو القول
الأول في المسألة، قبول تعديل "بلا ذكر لأسباب له" خشية "أن
تثقلا" ويشق ذكرها؛ لأنها كثيرة، إذا لزم بيان أسباب التعديل
فإذا قال أحمد: ثقة؛ ثقة لماذا؟ يحتاج الإمام أحمد أن يقول:
ثقة؛ لأنه لم يتلبس ببدعة، ثقة؛ لأنه يصلي، لأنه يزكي، لأنه
يصوم، لأنه يحج، لأنه يأمر بالمعروف، لأنه لا يرتكب كذا، ولا
يفعل كذا، ولا يغش، ولا يرابي، ولا .. ، فيلزمه أن يعدد جميع
الواجبات؛ لإثباتها، ويعدد جميع المحرمات؛ لنفيها، هذا إذا
اشترطنا بيان سبب التعديل، ولذا قال:
وصححوا قبل تعديل بلا ... ذكر لأسباب له أن تثقلا
يعني مخالفة أو خشية أن تثقل؛ لأن كل راوي من الرواة يحتاج إلى
أن يسرد فيه ما يسرد في جميع الرواة في التعديل، فينفى عنه كل
ما يجرح في العدالة بالتفصيل، ولهذا قال جمهور أهل العلم: إن
أسباب العدالة لا يلزم ذكرها بل يكتفى بقول الإمام عدل، أو
ثقة، ثم إن عورض هذا القول بقول إمام آخر اطلع على ما لم يطلع
عليه هذا الإمام من جرح ننظر، فإن فسر الجرح بأمر مقبول قدم
على التعديل على ما سيأتي في تعارض الجرح والتعديل؛ لأن الجارح
معه زيادة علم، هذا ما عرف أنه يشرب الخمر، المعدل، لكن الجارح
يقول: يشرب، أنا رأيته، والمسألة مفترضة في معدل ثقة، فهذا معه
زيادة علم خفيت على المعدل.
وصححوا قبل تعديل بلا ... ذكر لأسباب له أن تثقلا
ولم يروا قبول جرح أبهما ... للخلف في أسبابه وربما
(17/9)
ولم يرو قبول جرح أبهما من غير ذكر لسببه،
يعني جرح غير مفسر لا يقبل، بل لا بد من ذكر سبب الجرح؛ لأن
ذكر سبب الجرح لا يثقل، كذكر سبب التعديل؛ لأنه يحصل بواحد،
العدالة لا تحصل بواحد؛ لو قال: يصلي ما يكفي، لكن الجرح لو
قال: يشرب الخمر، أو يفعل كذا، أو يفعل كذا من المحرمات، أو
يخل ببعض الواجبات يكفي، ما يحتاج يعدد:
ولم يروا قبول جرح أبهما ... للخلف. . . . . . . . .
بين الناس "في أسبابه" أسباب الجرح؛ أولاً: لكونه لا يثقل
كأسباب التعديل، ولأن الناس يختلفون في أسباب الجرح، قد يجرح
يقول: ليس بثقة، وليس بعدل، ولا مرضي، طيب ويش السبب؟ قد يذكر
سبباً ليس بجارح، فلذا لا بد من بيان الجرح:
. . . . . . . . . ... للخلف في أسبابه وربما
يعني مما يدل على عدم قبول الجرح مبهماً أنه ربما استفسر الجرح
كما قال -رحمه الله-:
استفسر الجرح فلم يقدح كما ... فسره شعبة بالركض فما
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا بد من .. ، تأتي الأقوال الأخرى، لكن هذا قول معتبر عند أهل
العلم، وقول الأكثر؛ لأنه قد يستفصل، ويقال: ليس بثقة لماذا؟
شعبة قال: فلان لا يؤخذ عنه العلم، يعني ليس بثقة؛ لماذا؟ قال:
رأيته يركض على برذون، رأيته يركض على برذون، يعني يسرع، يسرع
في دابته.
(17/10)
الآن ثلاثة أرباع طلاب العلم ما تقبل
رواياتهم، إذا ركبوا السيارة جابوا الطبلون، رأيي هذا ليس
بجارح هذا، اللهم إلا من جهة مخالفة الولي، ولي الأمر، والنبي
-عليه الصلاة والسلام- إذا وجد فجوة نص، وعلى كل حال ربما
استفسر الجارح؛ لأن بعض الناس يصير عنده شيء من التشدد، فيجرح
بما ليس بجارح، وبعض الناس تخطب منه ابنته، وتمكث السنين،
ويردد الأخيار؛ لأن له نظرة تختلف عن نظرات الناس، جماعة في
مسجد يطلبون إماماً، فجاءهم إمام من خيار الشباب، وقراءته
طيبة، لكنه نسي أن يطفئ مكبر الصوت؛ لأن في فيش جنبه نسي وقام،
قال واحد من الجماعة: هذا ما يصلح؛ قام ما طفأ، هذا جرح ذا،
يعني بعض الناس لهم نظرات غريبة، يعني يقدح بما ليس بقادح،
فلهذا جمهور أهل العلم يقولون: لا بد من بيان سبب الجرح، ولذا
قال: "وربما استفسر الجرح" يعني عن الجرح من قبل الجارح ببيان
سببه فذكر ما لم يقدح "استفسر الجرح فلم يقدح" بناءً على ما
يعتقد أنه يقدح "كما فسره شعبة" ابن الحجاج، وهو إمام من أئمة
المسلمين
. . . . . . . . . كما ... فسره شعبة بالركض فما
(17/11)
يعني حين قيل له: لم تركت حديث فلان؟ لم
تركت حديث فلان؟ قال: رأيته يركض على برذون! رأيته يركض على
برذون! وأيضاً سئل بعضهم: لم تركت الرواية عن فلان؟ قال: لأنه
رأيته يبول قائماً، رأيته يبول قائماً، نعم إن كان بمرأى من
الناس هذا ترد روايته، وإن كان لذات البول قائماً، فالنبي
-عليه الصلاة والسلام- انتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً، ويروى
عن شعبة أنه أتى المنهال ابن عمرو يعني ليروي عنه، فسمع صوتاً
من داره؛ فتركه، فتركه، يعني سمع صوت، ويختلفون في هذا الصوت؛
بعضهم يقول: صوت طمبور، يعني آلة لهو، وهذا إن كان هو الذي
يستعملها، أو تستعمل بعلمه قادح، ومنهم من يقول: إنه يقرأ
بالألحان، يقرأ القرآن بالألحان، يعني يمد مدود زائدة، ويقرأ
بالتطريب، يعني كصنيع كثير من القراء الآن، فلم يسمع منه شعبة،
وهذا جرح إذا ترتب عليه زيادة في المدود ينشأ عنها زيادة حروف؛
قادح هذا، والمنهال هذا وثقه جماعة من أهل العلم منهم ابن
معين، والنسائي، واحتج به البخاري، بل وعلق عنه البخاري في
صحيحه من رواية شعبة نفسه، فعلى هذا شعبة لم يترك الرواية عنه،
ومنهم من يقول: السبب في ذلك أن الرواية لهذا الخبر عن شعبة عن
المنهال كانت قبل هذه الحادثة، قبل أن يسمع منه صوت الطمبور أو
الصوت، أو لعله تاب من ذلك، فحمل عنه شعبة؛ لأنه زال المانع،
فبان بما ذكر أن البيان مزيل لهذا المحذور، يعني قد تختلف أنت
وشخص، يعني قد تسمع شخصاً يقول حكماً شرعياً؛ إما حرام، أو
يقول: يجب، ثم إذا قلت له: ما الدليل، ذكر دليل لا ترضى به
أنت، فإذا استفسرته ذكر ما لا يصلح أن يكون دليلاً كما هنا، قد
يذكر ما لا يصلح أن يكون قادحاً.
من العجائب أن ابن حزم ضعف المنهال في أوائل المحلى، وتضعيفه
إنما هو بسبب سماع الصوت، وابن حزم يحرم الصوت، وإلا يجيزه؟
يجيزه بجميع آلاته، وأشكاله، وألحانه؛ فكيف يضعف المنهال وهو
مضعف بأمر لا يراه؟! هذه من العجائب.
(17/12)
القول الثاني في هذه المسألة عكسه، أنه لا
بد من ذكر سبب التعديل دون الجرح، دون الجرح قالوا: لأن أسباب
العدالة يكثر التصنع فيها، يكثر التصنع فيها، فلا بد من ذكر
العدالة، يعني تجد الإنسان هيبة؛ لحية وثوب قصير، ولحية حمراء
محناة، وما أدري أيه .. ؟ كل ما تشترطه موجود، لكنه في حقيقة
الحال ليس على مظهره، ليس على ظاهره، ولذا قال بعضهم -عن عبد
الله بن عمر العمري المكبر المضعف عند أهل العلم-: لا يجرحه
إلا رافضي مبغض لآبائه، ولو رأيت هيئته، ولحيته علمت أنه ثقة،
وسئل مالك -رحمه الله- عن روايته عن عبد الكريم بن أبي المخارق
أبي أمية، فقال: غرني بكثرة جلوسه في المسجد، فأسباب العدالة
قد يتصنع فيها الراوي، ويظهر على خلاف حقيقته، فعلى هذا من عدل
يقال له: فسر تعديلك هذا؛ على شان ما يفسره بشيء ظاهر، مثل ما
قيل عن عبد الله بن عمر العمري، هذا قول ثاني في المسألة.
القول الثالث: أنه لا بد من تفسير الأمرين التعديل والتجريح؛
لأن تفسير التجريح قد يذكر فيه ما ليس بجارح، فلا بد منه،
وتفسير التعديل قد يذكر فيه ما لا يقتضي العدالة كالاغترار
بالظاهر، فلا بد من تفسيرهما، والقول الرابع عكسه أنه لا يفسر
لا جرح ولا تعديل، وهذا إذا أطلقه إمام عارف بأسباب الجرح
والتعديل، عارف بأسباب الجرح والتعديل.
القول الأول: وهو أنه لا بد من تفسير الجرح دون التعديل قال
عنه الحافظ العراقي:
هذا الذي عليه حفاظ الأثر ****. . . . . . . . .
يعني هذا هو تفسير الجرح دون التعديل، هذا الذي عليه حفاظ
الأثر "كشيخي الصحيح" البخاري ومسلم "مع أهل النظر" مع أهل
النظر الذي هم أهل الرأي، كالفقهاء مثلاً، ومنهم الإمام
الشافعي -رحمه الله تعالى-، فالناظم كم ذكر من قول؟ قولاً
واحداً، وعكسه معروف، والجمع بين القولين في التفسير معروف،
وعكسه –أيضاً- هو القول الرابع لا سيما إذا صدر الجرح، أو
التعديل من عارف بأسبابهما من إمام معروف عند أهل العلم، وهو
عارف بصير بالأسباب، يعني لا يجرح بغير جارح، ولا يعدل
بالظاهر، والإشكال على القول الذي ذكره أنه لا بد من التفسير،
يأتي في قوله:
فإن يقل قل بيان من جرح ... . . . . . . . . .
(17/13)
لأنك تقرأ في كتب الرجال تجد الإمام أحمد
يقول: ضعيف، يقول: ابن معين: ثقة، لا الإمام أحمد يفسر، ولا
ابن معين يفسر، وهذه مسألة، وهو إشكال يأتي بيانه غداً -إن شاء
الله تعالى-.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد،
وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: نحن هنا في البرازيل نتابع الدروس، وسؤالي: كيف نشرح
للعوام معنى الحديث الضعيف؟
العوام يقال لهم بما يفهمون من أن هذا الحديث لا يثبت عن النبي
-عليه الصلاة والسلام-، بالأسلوب المناسب لهم، ولا شرع إلا
فيما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، فإذا لم يثبت عن النبي
-عليه الصلاة والسلام- فلا يعمل به.
سم.
أحسن الله إليك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله
نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال العراقي -رحمه الله تعالى-:
فإن يقل قل بيان من جُرح ... كذا إذا قالوا لمتن لم يصح
"بيان من جَرح" قل بيان من "جَرح" لأن البيان مطلوب من الجارح،
لا من المجروح،
فإن يقل قل بيان من جَرح ... . . . . . . . . .
لأن البيان إنما يطلب من من؟ هل المجروح هو الذي يطلب منه
البيان؟ الجارح هو الذي يطلب منه البيان، نعم.
فإن يقل قل بيان من جرح ... كذا إذا قالوا لمتن لم يصح
وأبهموا فالشيخ قد أجابا ... أن يجب الوقف إذا استرابا
حتى يبين بحثه قبوله ... كمن أولو الصحيح خرجوا له
ففي البخاري احتجاجا عكرمه ... مع ابن مرزوق وغير ترجمه
واحتج مسلم بمن قد ضعفا ... نحو سويد إذ بجرح ما اكتفى
قلت وقد قال أبو المعالي ... واختاره تلميذه الغزالي
وابن الخطيب الحق أن يحكم بما ... أطلقه العالم بأسبابهما
وقدموا الجرح وقيل إن ظهر ... من عدل الأكثر فهو المعتبر
ومبهم التعديل ليس يكتفي ... به الخطيب والفقيه الصيرفي
وقيل يكفي نحو أن يقالا ... حدثني الثقة بل لو قالا
جميع أشياخي ثقات لو لم ... أسم لا نقبل من قد أبهم
وبعض من حقق لم يرده ... من عالم في حق من قلده
ولم يروا فتياه أو عمله ... على وفاق المتن تصحيحا له
وليس تعديلا على الصحيح ... رواية العدل على التصريح
(17/14)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم
وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر ما يلزم من بيان
سبب الجرح، وقبول التعديل من غير بيان، والسبب في ذلك أن الجرح
لا يصعب بيانه؛ لأنه يثبت بأمر واحد، وأما التعديل فلا بد من
تعديد جميع ما يكون به عدلاً مما يجب فعله، أو يجب تركه، فيذكر
جميع الواجبات وينص على أنه يفعلها، ويذكر جميع المحرمات، وينص
على أنه يتركها؛ ليكون عدلاً، و "خشية أن تثقلا" كما تقدم،
نعم، يثقل ذكر وتعداد جميع ما يكون به عدلاً مما يجب أو يحرم.
(17/15)
أما بالنسبة للجرح يكفي بجرح واحد، بجرح
واحد، ولذا تجدون في أحكام الأئمة، في أحكام الأئمة على
الأحاديث لا يستوعبون العلل في الحديث؛ قد يكون الحديث مضعف من
عشرة أوجه يقتصرون على واحد؛ لماذا؟ لأنه إذا ضعف انتهى إشكاله
خلاص، يذكرون أوضح، وأشد أسباب التعليل، ضعيف؛ لأن فيه فلان،
انتهى الإشكال، لو في غيره، لكن هذا أعظمهم ضعفاً يكفي، فكون
الشخص مشتملاً على جوارح؛ أمور تجرح؛ يكذب على النبي -عليه
الصلاة والسلام-، أو يكذب في حديثه مع الناس في كلامه العادي،
ومع ذلك يشرب الخمر، وقاطع لرحمه؛ هل يحتاج أن يقال: هذا
الراوي ضعيف، أو وضاع؛ لأنه يكذب على النبي -عليه الصلاة
والسلام-، ويشرب الخمر، ويقطع الرحم؟ يكفي أن يقال: يكذب على
النبي –عليه الصلاة والسلام-، فهذه علة تقضي على ما دونها،
يعني لو تعددت أسباب الجرح في الشخص؛ هل لمن أراد أن يجرح
راوٍ، أو شاهد أن يسبر حال هذا الشخص في جميع ما يفعله من
المنكرات، ويتركه من الواجبات؟ ما يلزم، هو إذا جرحه بواحد
انتهى الإشكال، لكن يكون هذا أقوى الجوارح، أقوى ما يجرح به،
يعني شخص لا يصلي، ومع ذلك يشرب الدخان، إذا راح عند القاضي،
بيقول: هذا يدخن ما تقبل شهادته، يا أخي اجرح بالأعظم على شان،
نعم لأن هذه هي الجادة المعروفة، لا يلزم في الجرح أن يعدد كل
شيء، فالجرح يكتفى بأمر واحد ينزله عن العدالة إلى الضعف
وينتهي، يكفي، على أن يكون هذا الجرح أقوى ما عند هذا الرجل،
ولذا يثبت الجرح بأمر، واحد فطلبوا –أعني أهل العلم- طلبوا
بيان السبب، وأيضاً الجوارح قد يختلف فيها الناس، يعني ما يجرح
به الراوي قد يختلف فيه الناس، فقد يجرحه بشيء، وهو عند غيره
ليس بجرح، مثل ما تقدم ذكره عن شعبة، وغيره، فالجرح لا بد من
بيانه على ما تقدم، والتعديل لا يحتاج فيه إلى بيان، ومنهم من
يعكس كما تقدم؛ لأن المسألة فيها أربعة أقوال، منهم من يعكس
يقول: يجب بيان سبب التعديل دون سبب الجرح؛ لأن أسباب التعديل
يكثر التصنع فيها، يمكن يمشي بين الناس على أنه ثقة، ويموه
عليهم، ويخفي ما عنده من الجوارح عنهم، فأسباب التعديل لا بد
من بيانها، كما قيل في عبد الله بن عمر العمري المكبر ضعيف عند
أهل العلم،
(17/16)
ومع ذلك يقول: لا يقدح فيه إلا رافضي مبغض
لآبائه، لو رأيت لحيته، وهيئته عرفت أنه ثقة، هذا ما يكفي في
التعديل، واغتر بظاهره، فلا بد من بيان التعديل؛ لأنه كيف
عدله؟ عدله بغير ما يعدل به الراوي، والإمام مالك رغم شدة
تحريه، ونقده للرجال استدل، أو روى عن عبد الكريم بن أبي
المخارق أبي أمية، وقال: غرني بكثرة جلوسه في المسجد، فعلى هذا
بيان التعديل أمر لا بد من على هذا القول، ومنهم من قال في
القول الثالث: يبين الجميع، يبين الجميع، والعلة مركبة من علتي
القولين، من علتي القولين، والقول الرابع عكسه: لا يبين شيء،
لا يبين شيء، لا سيما إذا صدر الجرح، أو التعديل من عالم؛ عارف
بأسباب الجرح والتعديل، مع أن هذا القول، وإن كان هو الواقع
العملي -على ما سيأتي- إلا أن هذا الشرط، هذا الشرط الذي ذكروه
أن يكون من عالم؛ عارف بأسباب الجرح والتعديل هو مطلوب على كل
حال بين أو لم يبين؛ لأن غير العالم العارف بأسباب الجرح
والتعديل لا يقبل قوله أصلاً، ولو بين، فهذا القيد لا حقيقة
له؛ لأنه يشترط في المعدل، والمجرح أن يكون عارفاً بالأسباب؛
الأسباب التي بها يجرح، والأسباب التي بها يعدل.
إشكال أورده ابن الصلاح وأجاب عنه: إننا لو نظرنا في كتب
الرجال في تاريخ البخاري، في الجرح والتعديل، في الكمال، في
الكامل لابن عدي، تهذيب الكمال، تهذيب التهذيب، كتب الرجال
قاطبة ليس فيها بيان، إلا في القليل النادر، في القليل النادر
يذكر البيان: ضعفه فلان؛ لأنه يفعل كذا، لكن الغالب أنه لا
يذكر السبب، فيترتب على هذا إذا اشترطنا تفسير الجرح، أو تفسير
التعديل أننا نلغي هذه الكتب، ولا نستفيد منها؛ لأن الأحكام
فيها مجردة عن بيان السبب.
"فإن يقل" قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
فإن يقل قل بيان من جرح ... . . . . . . . . .
يعني على القول بأن الجرح لا يقبل إلا مفسراً "فإن يقل" على
القول السابق "قل بيان من جرح" يعني سبب الجرح، قل بيان سبب
الجرح من قبل الأئمة الذين تنقل أقوالهم، بل يقتصرون على
الجرح، ويقولون: ضعيف، متهم، واهم، .. ، إلى غير ذلك من
الألفاظ التي تأتي -إن شاء الله تعالى- في ألفاظ الجرح.
(17/17)
فالكتب المعول عليها في التجريح، والتعديل
ليس فيها بيان إلا في القليل النادر "فإن يقل" يعني هذا إشكال
يورد على القول السابق:
فإن يقل قل بيان من جرح ... كذا إذا قالوا لمتن لم يصح
يقل بيانهم سبب ضعف الحديث، فيذكر الحديث في السؤالات عن
الأئمة؛ عن الإمام أحمد، عن البخاري، عن ابن معين، عن أبي
حاتم، وأبي زرعة، وغيرهم: حديث ضعيف، حديث منكر، حديث ضعيف،
حديث منكر، حديث موضوع، لا أصل له؛ طيب لماذا؟ ضعيف لماذا؟ ما
يذكرون، ما يذكرون السبب،
(17/18)
فهل تقبل أقوالهم، أو لا بد من بيان السبب؟
لأننا نقول: يمكن أن هذا الإمام، يعني إذا قلنا فيه: إنه قد
يضعف الراوي بما لا يوجب الضعف، قد نقول: إنه قد يضعف الحديث
بما لا يوجب التضعيف، يمكن يقال هذا، وإلا ما يمكن أن يقال؟ لا
سيما إذا وجد كما يوجد في عصرنا هذا من لا قيمة لأهل العلم
عنده؛ لأنه قد يواجه الكبير من أهل العلم، يقول: لا بد من
البيان؛ ليش ضعف؟ وليش صحح؟ ليش وثق؟ ما نقبل شيئاً بغير
تعليل، ولا نقبل حكم بغير دليل، الآن هذه حجج يعني في ظاهرها
أنها الحامل عليها التثبت، لكنها حق أريد به باطل، أريد به
باطل، الآن "كذا إذا قالوا" في كتبهم، أو فيما ينقل عنهم "لمتن
لم يصح" بل اقتصروا على مجرد قولهم: هذا حديث ضعيف، هذا حديث
ضعيف، يعني كما قالوا في الراوي ضعيف، هل يطالبون ببيان السبب؟
هؤلاء أئمة كبار، يعني لو طالبناهم، ولن نقبل أقوالهم إلا
ببيان السبب؛ معناه تعطلت أحكامهم، عطلنا أحكامهم من أثرها في
الراوي، والمروي، وهم الأصل في هذا الباب، وعليهم المعول في
التصحيح، والتضعيف في التوثيق، والتضعيف، في التصحيح، والتضعيف
معول عليهم، وقد يقال للعالم: لما ضعفت حديث كذا؟ فلا يستطيع
أن يجيب، كما تقدم في المعلل، الحديث ضعيف، ويكفي، لكن اذهب
إلى فلان، وشوف ماذا يقول لك؟ يقول لك –أيضاً-: ضعيف، وثالث
يقول: ضعيف، أنت بدورك إذا وقفت على كلام للأئمة فيه تضعيف
لحديث، ادرس هذا الحديث، ادرس هذا الحديث، واجمع طرقه، وسوف
تقف على العلة إن كان تعلمك لهذا العلم على الجادة، إن كانت
طريقة تعلمك لهذا العلم على الجادة، فسوف تقف على العلة، وقد
تعجز عن الوقوف عنها، وقد تعجز عن الوقوف على هذه العلة، قد
يقول قائل: إننا بإمكاننا الإمام أعل هذا الحديث؛ لأنه لم يقف
من الطرق على الطرق التي وقفنا عليها، التي ترتفع بها هذه
العلة، أو لا توجد فيها هذه العلة التي من أجلها ضعف، نقول:
أين أنت من هؤلاء الأئمة الذي يحفظون مئات الألوف من الأحاديث،
فينبغي أن لا يتسرع الإنسان في الحكم حتى يتأكد من أحكام
الأئمة، نعم إذا وجد في الراوي أكثر من قول فلك أن تنظر، إذا
وجد في الحديث أقوال فلك أن تنظر إذا تأهلت، أما إذا اتفقوا
على
(17/19)
تضعيف راوي، أو تضعيف حديث فليس لك أن
تنظر؛ لأنك مهما رحت، أو جئت؛ فرجوعك إليهم.
هذا الإشكال الذي أورده ابن الصلاح أجاب عنه:
. . . . . . . . . ... كذا إذا قالوا لمتن لم يصح
وأبهموا. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
"أبهموا" بيان السبب في الأمرين، في تضعيف الراوي، أو تضعيف
الحديث، فاشتراط البيان يفضي إلى تعطيل هذه الكتب التي تشتمل
على الرواة، أو على الأحاديث التي تكلم فيها الأئمة، ككتب
العلل "فالشيخ" يعني ابن الصلاح "قد أجابا" ألف الإطلاق، أجاب
عن ذلك، بـ:
. . . . . . . . . ... أن يجب الوقف إذا استرابا
"يجب الوقف" لأننا ولو لم نعتمد هذا القول في رد الخبر، أو
تضعيف الراوي، ولو لم نعتمد هذا القول في الرد لكننا نعتمده في
التوقف، في التوقف بالاحتجاج بالراوي، أو بالحديث، نتوقف بـ:
. . . . . . . . . ... أن يجب الوقف إذا استرابا
لا نحتج بهذا الراوي، ولا نحتج بهذا الخبر حتى نقف على السبب:
حتى يبين بحثه قبوله ... . . . . . . . . .
يقول: إذا وقفت على هذا التضعيف لهذا الراوي ابحث، زد في
البحث، أو تضعيف الحديث، ابحث، اجمع الطرق والأسانيد، وادرس
الرجال:
حتى يبين بحثه قبوله ... . . . . . . . . .
يستمر التوقف "حتى يبين" يظهر "بحثه" عن حال الراوي، أو الحديث
"قبوله" والثقة بعدالته،
. . . . . . . . . ... كمن أولو الصحيح خرجوا له
"كمن" أي كالراوي من الرواة الذين "أصحاب الصحيح" أصحاب الصحيح
البخاري، ومسلم "خرجوا له" فيه، يعني في صحيحيهما، يعني البحث
في راو ضعف من غير ذكر سبب، وجدنا له رواية في الصحيح، فأبان
بحثنا، وتنقيبنا في الصحيحين، ووجودنا لهذا الراوي رواية في
الصحيحين أنه مقبول، وأن جرح الجارح الذي لم يفسر جرحه لا يؤثر
فيه؛ لأننا بحثنا، توقفنا في هذا الراوي، توقفنا في هذا الراوي
حتى وجدنا له رواية في الصحيح مخرج له، ومن خرج له في الصحيحين
فقد جاز القنطرة:
. . . . . . . . . ... كمن أولو الصحيح خرجوا له
(17/20)
مع أنه قد ضعف من قبل غيرهم، مس بضرب من
التجريح من قبل غيرهم، الجرح المبهم "ففي البخاري" يعني في
صحيح البخاري "احتجاجاً" يعني على سبيل الاحتجاج، لا على سبل
المتابعة، والاستشهاد:
ففي البخاري احتجاجاً عكرمة ... . . . . . . . . .
مولى ابن عباس، وعكرمة هذا مضعف، مضعف؛ لأنه كما قيل: كان يرى
السيف، إيش معنى كان يرى السيف؟ يعني يرى رأي الخوارج، البخاري
خرج له، مما يدل على أن هذا القول فيه ما فيه، ولو ثبت أنه كان
يرى رأي الخوارج، فهذا النوع من الابتداع عند أهل العلم لا
يؤثر في الرواية، لا يؤثر في الرواية، لماذا؟ لأن المعروف من
رأي الخوارج أنهم يكفرون بالكبيرة، والكذب كبيرة، فلا يجرؤون
على الكذب، فلا يجرؤون على الكذب، وحينئذ يكون هذا النوع من
المبتدعة ممن يرى تعظيم شأن الكذب أولى بالقبول من غيره، وإن
كانت البدعة قادحة على ما سيأتي تفصيل الكلام فيها -إن شاء
الله تعالى-، على أن الأئمة دافعوا عن عكرمة، دافعوا عنه،
وذكروا ما يضعف هذا القول، كالحافظ الذهبي -رحمه الله- في
السير، وابن حجر في مقدمة "فتح الباري"، دافعوا عنه، ونفوا عنه
هذه التهمة، وعلى كل حال البخاري احتج به، ومادام احتج به
البخاري؛ فقد جاز القنطرة:
. . . . . . . . . ... كمن أولي الصحيح خرجوا له
ففي البخاري احتجاجاً عكرمة ... مع ابن مرزوق. . . . . . . . .
عمرو بن مرزوق الباهلي، لكنه لا على سبيل الاحتجاج، وإنما على
سبيل المتابعة:
. . . . . . . . . ... مع ابن مرزوق وغير ترجمة
كإسماعيل بن أبي أويس، وعاصم بن علي، فيهم كلام لأهل العلم،
ومع ذلك خرج لهم في الصحيح، فدل على أن البخاري لم يلتفت إلى
هذا التضعيف، ونحن إذا وقفنا على مثل هذا التضعيف، ووجدنا
البخاري -رحمه الله-، إذا وجدنا مثل هذا التضعيف توقفنا حتى
نجد مثل هذا الاحتجاج من البخاري، وحينئذٍ لا نلتفت إلى مثل
هذا التضعيف "واحتج" يعني وكذا احتج الإمام "مسلم" في صحيحه "
بمن قد ضعف":
واحتج مسلم بمن قد ضعفا ... . . . . . . . . .
(17/21)
يعني من غيره، يعني من غيره "نحو سويد" وهو
ابن سعيد الحدثاني أبو محمد "إذ بجرح" يعني مطلق غير مفسر "إذ
بجرح ما اكتفى" مسلم؛ لأن سويداً صدوق في نفسه، كما قاله جماعة
من أهل العلم، وقد ضعفه آخرون؛ لأنه لما عَمَي صار يلقن
فيتلقن، لما عمي صار يلقن فيتلقن، ولا شك أن هذا جرح، لكن
تخريج الإمام مسلم له لعله خرج له ما تحمله قبل ذلك، ما تحمله
قبل ذلك؛ لأنهم قد ينتقون من أحاديث الراوي المختلط مثلاً، مما
يجزمون بأنه حدث به قبل الاختلاط، أو قبل قبول التلقين، يعني
قبل اختلال الضبط عنده، وأداه على الوجه الصحيح قبل ذلك،
والدليل على ذلك موافقة الرواة الثقات له، لكن لو خولف من قبل
الثقات قلنا: إن هذا إنما حدث به بعد الاختلاط، أو حدث به بعد
أن عمي، وصار يقبل التلقين:
واحتج مسلم بمن قد ضعفا ... نحو: سويد إذ بجرح ما اكتفى
قلت:. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
القائل الحافظ العراقي، وهو من زوائده على ابن الصلاح:
قلت: وقد قال أبو المعالي ... واختاره تلميذه الغزالي
وابن الخطيب الحق أن يحكم بما ... أطلقه العالم بأسبابهما
"قلت: وقد قال" في رد السؤال المذكور "أبو المعالي" الجويني في
البرهان "واختاره تلميذه" أبو حامد "الغزَّالي" بالتشديد، وإن
اشتهر على ألسنة الناس التخفيف، وإلا الأصل التشديد، عكس
الباقِلاني، يعني اشتهر على ألسنة الناس التشديد، وهو
بالتخفيف.
قلت: وقد قال أبو المعالي ... . . . . . . . . .
إما الحرمين في البرهان،
. . . . . . . . . ... واختاره تلميذه الغزالي
يعني في المستصفى "وابن الخطيب" فخر الدين الرازي محمد بن عمر،
اختاروا وقالوا:
. . . . . . . . . الحق أن يحكم بما ... أطلقه العالم
بأسبابهما
يعني يحكم بما أطلقه، سواءٌ في الجرح، أو في التعديل إذا
"أطلقه العالم بأسبابهما" أي بأسباب الجرح، والتعديل، وهذا هو
القول الرابع الذي أشرنا له في أصل المسألة.
(17/22)
قد يقول قائل: هؤلاء ويش علاقتهم بعلوم
الحديث من أجل أن تنقل أقوالهم؟ هؤلاء أهل نظر، وليسوا من أهل
الأثر، وبضاعتهم في الحديث مزجاة، صرحوا بذلك، أو لم يصرحوا،
منهم من صرح، ومنهم من واقع كتبهم يدل على ذلك، الغزالي يذكر
عن نفسه أن بضاعته في الحديث مزجاة، والرازي ذكرنا قصة أظن
ذكرناها لكم في تفسير سورة العصر، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
(17/23)
لا، هو الرازي الأصل ثم الألوسي، الأصل
الرازي في هذه المسألة، يعني ذكر قصة في تفسير سورة العصر: أن
امرأة في أسواق المدينة تسأل عن النبي -عليه الصلاة والسلام-،
تسأل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فدلت عليه، فقالت: إنها
شربت الخمر، ثم زنت، فولدت من الزنا، فقتلته، وقال لها ما قال
على حسب هذا الحديث المخترع، المختلق، المصنوع، ولم يذكره
غيره، مع أن الرازي نفسه ذكر أن الحديث إذا لم يوجد في
الدواوين المعتبرة، دواوين السنة المعتبرة أن هذا من علامات
الوضع، وهو ما عزاه لأحد، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-
على حسب هذا الخبر فيه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال
لها: "أما شرب الخمر ففيه الحد، وأما القتل ففيه الوعيد الذي
جاء في سورة النساء: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا}
[(93) سورة النساء]، وأما الزنا فلعلك لم تصل العصر"، هذا ذكره
الرازي في تفسيره، ونقله عنه الألوسي، والرازي يطبقون على
تسميته الإمام، كل من فسر القرآن على طريقة التأويل، التي لا
تعتمد على الأثر، يعني التفسير بالرأي، كل أصحاب التفسير
بالرأي، أو من أهل الفقه، والأصول، وأهل النظر يسمونه الإمام،
فإذا قالوا: قال الإمام انتهى، انتهى الإشكال، انطلق إلى
الرازي، ولا ينازع في ذلك عندهم، وإلا هو ليس بإمام، نعم إمام،
إمام فيما؟ في بدعته، نعم إمام، منظر لمذهبه، لكن الألوسي نقل
الخبر، وقال: تفرد بذكره الإمام، ولعمري إنه إمام في معرفة ما
لا يعرفه أهل الحديث، الذي لا يعرفه أهل الحديث موضوع بلا شك،
وهو إمام في ذكر الموضوعات التي لا يعرفها أهل الحديث، على أن
تفسير الرازي -يعني كاملاً- لا يمكن نسبته إلى الرازي، نعم
الرازي له قسم كبير منه، له قسم كبير منه، وفيه خروم أُلحقت
به، يعني كمل التفسير، وليست متواصلة، وإن كان بعضهم يرى أن
الربع الأخير، أو ما يقرب من الثلث، أو أقل من ذلك، يعني
يختلفون في تحديد ما صاغه الرازي مما صيغ بعده، وأساليب الكتاب
تتفاوت من موضع إلى آخر، يدل على أنه تعاقب على تأليف الكتاب
أكثر من شخص.
(17/24)
على كل حال هؤلاء المذكورون لا علاقة لهم
بعلم الحديث، ولذا ينادي بعض الغيورين على السنة بترك، وهجر
أقوالهم في هذا العلم الشريف؛ كيف ننقل كلام الغزالي، وهو
يقول: إن بضاعته في الحديث مزجاة؟ كيف ننقل كلام الرازي، وقد
سلط على أهل السنة، وأهل الأثر، وقدح في ابن خزيمة، إمام
الأئمة؟ يعني عند قوله -جل وعلا-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [(11) سورة الشورى]، قال: "وألف
محمد بن إسحاق بن خزيمة .. " ورماه بأبشع الأوصاف " .. كتاباً
أسماه كتاب التوحيد، وحري به أن يسمى كتاب الشرك" هذا ليس من
أهل السنة، بل عدو للسنة هذا -نسأل الله العافية-؛ لأن بعض
الناس يرتكب مذهباً، لكن ما ينازع، ويشاق، ويورد شبه، وينظر،
ويدافع بقوة مثل الرازي، فيختلف حكمه عن حكمه، فهل يعتبر أقوال
مثل هؤلاء؟ أقول: ينادي بعض الغيورين بتجريد كتب علوم الحديث
من أقوال هؤلاء، وأنا أقول: إن ذكر أقوالهم لا مانع منه؛
لماذا؟ لأن علوم الحديث فيها ما عمدته الرواية، والنقل، هذا لا
علاقة لهم به، ما عمدته الرواية، والنقل، هذا لا علاقة لهؤلاء
به، وما عمدته على الرأي، والنظر، فهؤلاء أقوالهم تفيد في هذا
الباب، يعني طالب العلم الذي عنده من الغير ما يقول: ليش،
لماذا نذكر أقوال هؤلاء؟ إذا دققنا في المسألة، وجدنا أننا،
ونحن نتصدى لعلم الحديث مثلهم، هم بضاعتهم مزجاة، ويمكن
محفوظاتهم أكثر من محفوظاتنا، يعني طالب العلم الذي ينادي بمثل
هذا إن كان لديه من المحفوظ ما يؤهله لأن يقول مثل هذا الكلام،
ويتكلم في علوم الحديث بعمق، ويعتمد على أقوال الأئمة، ويدرك
أقوال الأئمة؛ نقول: ما يخالف، لك الحق أن تقول .. ، لكن إذا
كنت لا تحفظ شيئاً من الحديث، وتعاملك مع علوم الحديث مثل
تعاملهم، إنما هو بالرأي، يعني تظنون أن كثيراً ممن تخصص في
علوم الحديث يصنَّف مثل أبي حاتم، ومثل أبي زرعة، أو مثل
الرازي، والغزالي ومثل غيره، المسألة مسألة رأي؛ لأن من مباحث
علوم الحديث ما يدرك بالرأي، منه ما يعتمد على الرواية، هذا لا
دخل لنا لا نحن، ولا هؤلاء فيه، ما عندنا من المحفوظات ما
يؤهلنا إلى أن ندخل في مثل هذا المجال، مثل الأئمة الكبار
الذين
(17/25)
يحفظون مئات الألوف، لكن هناك أمور، يعني
مثل مسألة: ذكر السبب، ذكر السبب، ما ذكر فيها لا في الحديث،
ما في حديث يدل على أنه يذكر السبب في الجرح، أو يذكر السبب في
التعديل، ولا فيه نقل عن الأئمة أنه يذكر كذا، أو كذا، إنما
فيه رأي، الذين قالوا لا بد من ذكر السبب، وهم الجمهور؛ لأن
الجرح يحصل بشيء واحد، والتعديل يحصل بأمور كثيرة، والذين
قالوا العكس، يعني هل هذا مرده رواية، أو نظر؟ نظر بلا شك،
فعندهم من النظر مثل ما عندنا في هذه الأمور، يعني ابن الصلاح
حينما نسب إلى الإمام أحمد، ويعقوب بن شيبة نسب لهما أن صيغة
"أنَّ" تختلف عن "عن"، فـ"عن" محمولة على الوصل، و"أنَّ"
محمولة على القطع، يعني منقطعة:
. . . . . . . . . ... وحكم "أنَّ" حكم "عن" فالجل
سووا وللقطع نحا البرديجي ... حتى يبين الوصل في التخريج
(17/26)
فقال: قال أحمد، ويعقوب بن شيبة: أنها لا
تفيد الاتصال، وإنما هي منقطعة، ثم أورد خبراً، ثم أورد خبراً
يستدل به على أن الإمام أحمد يرى أن "أنَّ"، و"عن" مختلفتين،
مختلفتان فـ"أنَّ" تفيد القطع، ولا تفيد الوصل، و"عن" تفيد
الوصل، ففي حديث عن محمد بن الحنفية: "أن عماراً مر بالنبي
-صلى الله عليه وسلم-" قال الإمام أحمد، ويعقوب بن شيبة:
منقطع، وعن محمد بن الحنفية عن عمار: "أنه مر بالنبي -صلى الله
عليه وسلم-"، قال: متصل، فهم نظروا إلى الصيغة بين إيش؟
الخبرين، بين الروايتين، لكن هل هذا هو المحس، هل هذا هو سبب
اختلاف الحكم؟ أو أن المسألة تدرك برأي؟ هذه المسألة لا يكفي
فيها رواية، هذه لا بد من إعمال الذهن فيها، ليش حكم الإمام
أحمد على الرواية الأولى بأنها منقطعة، والثانية متصلة؟ حكم
على الأولى بأنها منقطعة أن محمد بن الحنفية يحكي قصة لم
يشهدها: أن عماراً مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني يحكي
قصة لم يشهدها، والقصة الرواية الثانية عن عمار عن محمد بن
الحنفية يحكي القصة عمن حصلت له، يرويها عنه، يعني أنا لما
أحدثك بحديث عن شيخ أنت ما أدركته، مات قبل أربعين سنة مثلاً،
أنت ما أدركته، وأحكي القصة لك، وتنقلها عني، أنه حصل لي كذا،
تنقلها عني، أنت ما شاهدت القصة، لكن أنت تنقلها عن طريقي، لكن
لما تقول: أن فلاناً حصل له مع الشيخ الفلاني كذا، أنت تروي
قصة لم تشهدها، ولم ترويها عن صاحبها، إذن هي منقطعة، فمثل هذه
الأمور تدرك بالرأي، لو الواحد ما يروي ولا حديث؛ عرف الفرق
بين الصيغتين، بينما هناك أمور معتمدة على الرواية لا دخل
لهؤلاء، ولا لأمثالهم ممن ليس من الحفاظ في مثلها بل تترك
للأئمة، عرفنا الفرق؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(17/27)
هم يطالبون بتجريد، تجريد كتب المصطلح، لو
جردت ما ضرها يعني، لكن ما في إشكال في أنها فيها لفتات، وفيها
شيء من الإدراك لهؤلاء الأصوليين، وقد عرفوا بشيء من إعمال
النظر، ولذلك يقال لهم: أهل النظر في مقابل أهل الأثر، فننتبه
لمثل هذا؛ لأن هذه الدعوة ما في شك أنها دعوة مردها، وسببها
الغيرة على السنة، الغيرة على السنة، وهؤلاء عندهم شيء من
مخالفة السنة، فلا ينبغي أن يعول عليهم في مثل هذه المباحث،
لكن أنا أقول: إذا كان مرد المسألة، ومناطها رأي؛ فهم يدخلون
بلا شك، ودخولهم مثل دخولنا، اللي ما نحفظ من السنة إلا مثل ما
يحفظون، وإذا كانت المسألة مناطها أثر ورواية؛ فلا مدخل لهم
فيها، يعني هل يمكن يعارض أبو حاتم إذا قال: الصواب مرسل، قال
الغزالي: الصواب متصل، يمكن يعارض هذا بهذا؟ أبداً، ما يمكن أن
يعارض هذا بهذا أحد، ولا يمكن أن يجرؤ أحد، ولو كان ممن يتبع
الرازي على بدعته، أو الغزالي، أو غيره، ما يمكن أن يجرؤ أحد
على مثل هذا، يعارض الأئمة بمثل هؤلاء أبداً، لكن الأئمة
أطلقوا أحكام منها ما لا يدرك البتة إلا بمثل ما يصنعون، هم
جمعوا الطرق، وخزنوها في أذهانهم، يضاهيهم، أو يقرب منهم من
يجمع الطرق في الأوراق، أو في الآلات قد، فمن يجمع الطرق يصل
إلى ما وصلوا إليه إذا تأهل، هناك أشياء لا يمكن الوصول إليها
إلا إذا ساويناهم، يعني هل بإمكان شخص من تلقاء نفسه، يقول أبو
حاتم: الصواب مرسل، ثم يقول: لا، الصواب متصل، من أجل أن ينقل
عن إمام يضاهي أبا حاتم؟ فمثل هذه الأمور لا بد من النظر فيها،
وأحياناً يحذف قول في باب من الأبواب، فيبقى الباب غير مترابط،
يبقى الباب غير مترابط، يعني لو الأقوال الأربعة التي ذكرناها
في مسألة بيان الجرح، والتعديل، إذا حذف قول من هذه الأقوال ما
يكون في المسألة خلل؟ نعم، لكن غير متكاملة؛ لأنها أقوال
متقابلة، وعللها متقاربة، فإذا حذفت هذا القول لأنه اختاره
الغزالي مثلاً، أو الباقلاني على ما تقدم ذكره، يعني المسألة
تختل، لكن إذا سردت جميع ما قيل في المسألة تصورتها على وجهها،
تصورتها على وجهها، وأعود، وأكرر أن هؤلاء تلبسوا ببدع، تلبسوا
ببدع، وبعض الناس يطالب، وهذا لا شك أن سبب
(17/28)
مرده الغيرة على السنة، يقول: تنقح كتب
المصطلح حتى من مسائل الأصول، حتى من مسائل الأصول، لكن هناك
تداخل بين مسائل المصطلح، ومسائل الأصول، يعني بحث السنة مبحث
كبير بل قطب يبحث في كتب الأصول، هل نقول: لا ندرس الأصول، أو
نحذف السنة من كتب الأصول، ونحرم من أراد أن يتخصص؟ وهو لا بد
من دراسة المصطلح في كتب الأصول؛ لأنه لا يتم له الاستدلال إلا
بالكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والأصول المختلف فيها عاد
معروفة، فإذا أراد أن يحتج لا بد أن يبحث له في كتب الأصول نعم
عن مباحث السنة، أو نقول: نرفع هذا القسم من كتب الأصول، وندخل
فيه متن من متون المصطلح المعروفة عند أهل العلم، يعني نقرأ
كتب الأصول، وننظر فيها، ونتفحصها، ونقبل الحق، ونرد غيره،
والمتأهل حقيقة لا يقف في طريقه مثل هذه الأقوال.
قلت: وقد قال أبو المعالي ... واختاره تلميذه الغزالي
وابن الخطيب الحق أن يحكم بما ... أطلقه العالم بأسبابهما
أي بأسباب الجرح والتعديل، وقلنا: أن هذا القيد، واشتراط كونه
عالماً بالأسباب لا أثر له؛ لأنه لا يقبل الجرح، والتعديل إلا
من العالم بأسبابهما، سواء بيَّن، أو لم يبيِّن، لا بد أن يكون
عارفاً بأسبابهما على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
الفصل الخامس من الفصول الثلاثة عشر:
وقدموا الجرح وقيل: إن ظهر ... من عدل الأكثر فهو المعتبر
(17/29)
أي الجمهور، جمهور أئمة الأثر قدموا الجرح
على التعديل مطلقاً، وإن كان المعدلون أكثر عدداً؛ لأن مع
الجارح زيادة علم لم يطلع عليها المعدل، يعني إذا قال فلان،
عالم من أهل العلم: فلان ثقة، وقال الثاني: ضعيف، وقال الثاني:
ضعيف، فهذا المضعف عنده زيادة علم خفيت على المعدل، هو يقول:
أنا مع المعدل في كل ما يقول، يصوم، ويصلي، ويزكي، وظاهره
الخير -إن شاء الله تعالى-، ولا يرتكب محظوراً في الظاهر، لكن
أنا اطلعت منه على أشياء ما عرفها المعدل، ولذا قدموا الجرح؛
لأن الجارح معه زيادة علم خفيت على المعدل، إذا كثر عدد
المعدلين منهم من يقول: نحتاج إلى مرجح؛ لأن هذا ترجيحه
بالكثرة، وهذا ترجيحه بزيادة العلم التي خفيت، لكن الخطيب على
ما سيأتي يقول: هذا خطأ؛ لأن تعديل الواحد، وتعديل المائة
واحد، يشهدون له بالظاهر، أما هذا الأمر الذي خفي على الواحد
مما يجرح به يخفى على المائة، يخفى، وإلا ما يخفى؟ جرح ما اطلع
عليه إلا شخص، وقال: هذا الشخص يشرب، وأنتم ما تدرون عنه، اللي
ما يدري عن هذا الشخص يبي يعدله، والذي يعرف عنه هذا الجرح
بيجرح، ويضعف، فالذي يخفى على الواحد يخفى على العدد.
وقدموا الجرح وقيل: إن ظهر ... من عدل الأكثر فهو المعتبر
"من عدل الأكثر" حال بزيادة "أل" حال، هاه، من عدل الأكثر؛ هل
يجوز أن يكون الحال معرفة؟ يجوز، وإلا ما يجوز؟ "جاء زيد
راكباً" يجوز، وإلا ما يجوز؟ إلا إذا أول بنكرة:
والحال إن عرف لفظاً فاعتقد ... تنكيره معنىً كـ"وحدك اجتهد"
لا بد أن يؤول نكرة، وهنا الأكثر فيه "أل" حال كونهم أكثر، فهو
أي التعديل المعتبر؛ لأن الكثرة تقوي الظن بعدالته، والخطيب
يقول: هذا خطأ؛ لأن تعديل واحد، أو أكثر لا فرق في مقابل قول
الجارح؛ لأن عنده زيادة علم خفيت على المعدل.
(17/30)
وبعده الفصل السادس في تعديل المبهم: عرفنا
المسألة السابقة في تقديم الجرح والتعديل، يعني راوٍ وجد فيه
جرح، وتعديل، راوٍ وجد فيه جرح، وتعديل، فيقدم الجرح؛ لأن مع
الجارح زيادة علم، وهذا يتطلب تفسير الجرح، تفسير الجرح؛ لأنه
في مقابل تعديل، أما إذا لم يكن في مقابل تعديل؛ فيقبل من
العالم، فيقبل ممن يقبل قوله في الجرح، أما إذا كان في مقابل
تعديل، فلا بد من بيان السبب؛ ليكون، لنعرف هل خفي على المعدل،
أو لا؟
في هذه المسألة –أيضاً- لو قال المعدل: أنا عرفت السبب الذي من
أجله جرح، لكنه تاب منه، أو نفاه بطريق معتبر، بأن قال: أنا
أعرف أنه كان يشرب الخمر، لكن على يدي منذ شهر ما شرب، وتاب،
وندم، وأقلع فوراً، فنقول: إنه إن ما مع الجارح لم يخف على
المعدل، بل عرفه المعدل، وحكم بأنه حسنت حاله، واستقام بعد هذا
الجرح، فمثل هذا يعتبر.
لو نفاه بطريق معتبر، لو نفى الجرح، قال الجارح: ضعيف مجروح؛
لماذا؟ قال: لأنه قتل فلان يوم الخميس، فقال المعدل: أنت تقول
قتله متى؟ قال: يوم الخميس، قال: صلى بجواري يوم الجمعة، هذا
اللي تزعم أنه مقتول، فنفاه بطريق معتبر، فهل يعتبر قول
الجارح، أو لا يعتبر؟ لا يعتبر؛ لأنه لا قيمة له، فمثل هذه
الأمور لا شك أن لها أثر في مثل هذا.
الفصل السادس: في تعديل المبهم:
قال -رحمه الله-:
ومبهم التعديل ليس يكتفي ... به الخطيب والفقيه الصيرفي
"ومبهم التعديل" أي تعديل المبهم، لو قال: حدثني الثقة، عدله
على الإبهام، لو قال العالم المحدث: حدثني الثقة.
ومبهم التعديل ليس يكتفي ... به الخطيب. . . . . . . . .
(17/31)
البغدادي أبو بكر "والفقيه" أبو بكر
"الصيرفي" وأبو نصر بن الصباغ؛ لأنه لا يلزم من كونه عدلاً
عنده أن يكون عدلاً عند غيره، لا بد أن يسميه، لا يقول: حدثني
الثقة، ويسكت، بل لا بد أن يذكر اسمه؛ لأنه، لكي يعرض أمره،
ويعرف؛ لأنه قد يكون ثقة عنده، لكن ليس بثقة عند غيره، فكم من
شخص قال: حدثني الثقة، فلما سماه صار عند غيره ليس بثقة،
الإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: حدثني الثقة، ويقصد بذلك
إبراهيم بن أبي يحيى، والحفاظ كلهم على تضعيفه، وتفرد بتوثيقه،
حتى من يقلد الإمام الشافعي يضعف إبراهيم بن أبي يحيى، فلا بد
من تسميته، ويقال في هذا البيت، يعني حينما اقتصر على الفقيه
الصيرفي، واقتصر –أيضاً- كل أهل المصطلح نسبوا هذا القول
للصيرفي، وابن الصباغ، وغيرهم من أهل النظر، قالوا: إن مثل هذا
يدرك بمثل هذا النظر، يعني كون الراوي، أو الإمام يروي عن
راوٍ، ويبهمه، ويقول: حدثني الثقة، هذا كلٌ يدركه، يدرك أنه قد
يكون ثقة عنده، وقد لا يكون ثقة عند غيره، والدليل في ذلك
الاختلاف بين العلماء في الرواة المسمَّين، تجد هذا العالم
يقول: ثقة، والآخر يقول: ضعيف، فيحتمل –أيضاً- أن هذا المبهم
من هذا النوع، بل قال بعضهم: إن عدم التسمية تقوي الظن بضعفه،
تقوي الظن بضعفه، يعني كما هو شأن المدلسين الذين يدلسون على
الضعفاء؛ لأنه لو ذكر اسمه ما قبل الخبر، ومثل هذا يقول: حدثني
الثقة، لا يظن بالإمام أنه يريد أن يغش الأمة بهذا الخبر، لا،
وإنما هو ثقة عنده، هو ثقة عنده، والخبر ثابت عنده، ولذا لا
يتصور منه الغش، والمسألة مفترضة في إمام من أئمة المسلمين،
حماة الدين، حماة السنة، فمثل هذا قالوا: يقوي الظن بضعفه؛
لأنه ما أبهمه إلا لغرض، كما أن المدلس ما أسقط الراوي الذي
حدثه إلا لغرض، قد يكون غرض -وهو الأصل- أنه غرض حسن؛ لكي لا
يرد الحديث الذي تحتاج إليه الأمة مع جزمه بصحته عنده، لكن قد
لا يصح عند غيره "وقيل يكفي" وقيل يكفي يعني تعديله، كما لو
عينه؛ لأنه مأمون في الحالين، مأمون في الحالين، إمام ثقة،
إمام من أئمة المسلمين، وهو مؤتمن على السنة، سواءٌ سمى، أو لم
يسمِّ، وقيل: يكفي، وهذا القول ماشي على قول من يحتج بالمرسل،
بل هو
(17/32)
أولى، بل هو أولى من قبول المراسيل،
وقيل: يكفي نحو: قالا ... . . . . . . . . .
ألف الإطلاق "حدثني الثقة" أو العدل، أو المرضي "بل" صرح
الخطيب بأنه "لو قالا" بالإطلاق –أيضاً-: "جميع أشياخي ثقات"
لو قال:
جميع أشياخي ثقات ولو لم ... أسمِّ لا يُقبل من قد أبهم
يعني لو قعد قاعدة قال: جميع أشياخي ثقات، فلا يلزم إن سميت
فهو ثقة، وإن ما سميت فهو ثقة "لا يقبل من قد أبهم" لما ذكر
قبله؛ لأنه قد يوثق من ليس بثقة، يعني اجتهاده أداه إلى هذا،
اجتهاده الذي رأى أن ذمته لا تبرأ إلا به أداه إلى هذا؛ لأن
الكلام في الرواة لا يمكن فيه الاحتياط، لا يمكن فيه الاحتياط،
ما فيه إلا جزم يضعف، وإلا يوثق، ليش؟ لماذا؟ لأنك إن احتطت،
وضعفته احتياطاً للسنة، وأن لا يثبت منها إلا ما هو ثابت بيقين
حرمت الناس من العمل بحديث قد يكون ثابتاً، وإن احتطت من الطرف
الآخر، ووثقت هذا الراوي، وقلت: بدلاً من أن يترك الناس العمل
بهذه السنة من أجل تضعيفي لهذا الراوي، فقد جعلتهم يعملون بما
لا يجوز العمل به.
إذا قال الشيخ، أو العالم، أو الإمام: جميع أشياخي ثقات، يعني
ولو لم أسمهم، ثم روى عمن لم يسمه لا نقبل –أيضاً- من قد أبهم؛
لما ذكر؛ لأنه قد يوثق من ليس بثقة، لا لهوى في نفسه، حاشا،
ومعاذ الله أن يتهم أئمة الإسلام بهذا، لا لهوى في نفسه، وإنما
لمخالفة باجتهاد، اجتهاده أداه إلى هذا، وهناك من يقول: يُقبل،
من العلماء من يقول: يقبل مطلقاً، مثل ما قالوا في الأول:
يكفي، هذا قعد قاعدة، فقال: يقبل، أشياخه ثقات، القول الأول
أنه لا يقبل، الثاني أنه يقبل.
أيهما أولى بالقبول إذا حدثني الثقة، ويريد به شخصاً واحداً،
أو قال: جميع أشياخي ثقات؟ الأول أولى بالقبول؟
طالب:. . . . . . . . .
أولى؟
طالب: نعم.
لماذا؟
طالب: جميع أشياخي، الإشكال في الجميع؟
(17/33)
لا، من جهة أخرى، يعني الأول أولى بالقبول؛
لأنه حينما قال: حدثني الثقة يذكره، يعرف، ويذكره، وحكم عليه
بالتوثيق، لكن لو قال، وقعد قاعدة، وقال: جميع أشياخي ثقات،
نعم، قد يغفل عن هذه القاعدة التي قعدها، قد يغفل عن هذه
القاعدة التي قعدها، لكن لو نص عليه في السند أنه ثقة، أولى
بالقبول؛ لأنه يتذكر حال كتابته حال هذا الراوي، لكن قعد
قاعدة، يعني أنا أعرف مثلاً على من باب التنظير الحافظ ابن حجر
-رحمه الله تعالى- ذكر في المقدمة أنه لا يذكر في الشرح
حديثاً، ويسكت عنه إلا وهو صحيح، أو حسن، هذه قاعدة عنده، لكن
وهو يشرح في أثناء الكتاب قد يغفل عن هذه القاعدة، ولذا استدرك
عليه أحاديث سكت عنها في الفتح، ومع ذلك لا تصل إلى درجة
الحسن، بل فيها الضعيف، واضح، وإلا ما هو بواضح؟ لأن الإنسان
قد يقعد قاعدة، أو يشترط شرطاً في كتابه، ويغفل عنه في أثناء
الكتابة، ولا يلام؛ لأنه بشر، فالتنصيص على الواحد أولى
بالقبول من الحكم العام.
وبعض من حقق لم يرده ... . . . . . . . . .
أي تعديل المبهم إن صدر "من عالم" مجتهد متبوع، كمالك،
والشافعي، وأحمد "في حق من قلده":
وبعض من حقق لم يرده ... من عالم في حق من قلده
يعني قال الإمام أحمد: حدثني الثقة، يلزم جميع الحنابلة أن
يوثقوا هذا الراوي، وأن يقبلوا هذا الخبر؛ لأنهم يقلدون الإمام
في الحكم، في الخلاصة يقلدون الإمام، فكيف بوسائل الحكم؟ وقل
مثل هذا في حق الشافعية، على الشافعية أن يقبلوا قول الإمام في
توثيق الراوي، ولو تفرد بتوثيقه، أو لم يسمه، بل وثقه على
الإبهام، وقل مثل هذا في المالكية، يلزمهم أن يقبلوا قول
إمامهم؛ لأنهم يقبلون في النتائج، فكيف بالوسائل، يقبلون قول
الإمام إذا قال الإمام يحرم كذا تبعوه، فعلى هذا يلزمهم
التقليد في الوسائل، وأظن هذا القول ظاهر.
وبعض من حقق لم يرده ... من عالم في حق من قلده
يعني في مذهبه؛ لأن تقليده في الحكم؛ لأنه يقلده في الحكم ففي
التصحيح، أو التضعيف من باب أولى.
ثم بعد هذا قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
ولم يروا فتياه أو عمله ... على وفاق المتن تصحيحاً له
(17/34)
"ولم يروا فتياه" لم يرو الضمير يعود على
جمهور أئمة الأثر، فتياه، أو فتواه، يجوز هذا، وهذا، أو فتواه
أي العالم، سواءٌ كان هذا عن المجتهد، أو مقلد، وهي في المجتهد
أظهر:
ولم يروا فتياه أو عمله ... على وفاق المتن تصحيحاً له
"تصحيحاً لهذا المتن" يعني أفتى الأئمة، وأجمعوا على أن الماء،
الماء إذا خالطته النجاسة، ولم تغير لونه، ولا طعمه، ولا ريحه
أنه طاهر، وبالمقابل أنها إذا غيرت أحد أوصافه أنه نجس، هذا
محل إجماع، أما في الأصل، في المسألة الأولى منهم من يفرق بين
القليل والكثير، ومنهم من لا يفرق، هذه مسألة ثانية، لكن مسألة
المفهوم، أنها إذا غيرت أحد أوصافه أنه ينجس بالإجماع، وفي
الباب حديث، حديث أبي أمامة، وغيره أن: ((الماء طهور لا ينجسه
شيء، إلا ما غلب على لونه، أو طعمه، أو ريحه)) إجماع العلماء
على مفاد هذه -هذا الاستثناء- لا يعني أن هذا الاستثناء صحيح،
وإن أفتوا بموجبه، ففتوى العالم بمقتضى حديث لا يعني تصحيح
الحديث، كما أن فتواه بمخالفة حديث لا تعني تضعيف الحديث،
لماذا؟ لأنه حال الفتوى بالمقتضى، بمقتضى الخبر احتمال أن يكون
عمل بحديث آخر، أو بمجموع طرق، أو بقواعد عامة، لا يعني أن هذا
الحديث هو معوله، وعمدته، وبالمقابل فيما إذا أفتى بمخالفة
الحديث؛ لأنه قد يفتي بمخالفة حديث صحيح لمعارض راجح؛ لأن عنده
من الحديث ما يخالفه مما هو أرجح منه، أو لناسخ مثلاً:
ولم يروا فتياه أو عمله ... على وفاق المتن تصحيحاً له
يعني ولا تعديلاً لراويه؛ لإمكان أن يكون ذلك منه احتياطاً، أو
لدليل آخر، أو لدليل آخر، ويجوز أن يروي عن غير عدل، يجوز أن
يروي عن غير عدل، وقيل: تعديل مطلقاً، يعني تعديل للراوي
تصحيحه للحديث، وعمله بالحديث، عمله بالحديث تصحيح له، وتوثيق
لراويه، وقيل: إن كان، هذه المسألة مسألة العمل بمقتضى خبر من
قبل العالم، أو خلاف الخبر.
(17/35)
|