شرح ألفية العراقي عبد الكريم الخضير شرح ألفية الحافظ
العراقي (27)
(تابع كيف يقول من روى بالمناولة والإجازة؟ - المكاتبة - إعلام
الشيخ - الوصية بالكتاب - الوجادة)
الشيخ/عبد الكريم الخضير
"والصحيح عند القوم" الصحيح المختار عند جمهور القوم، وهو مذهب
علماء المشرق، واختاره أهل التحري والورع، المنع من إطلاق
حدثنا، وأخبرنا، ونحوهما؛ لأنه يلتبس على السامع إذا قال
الراوي بالإجازة: أخبرنا أو قال الراوي بالمناولة: حدثنا، أنه
تلقى الخبر بطريق السماع، أو طريق العرض المجمع عليهما، بينما
روى بطريق فيه خلاف.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . والصحيح عند القوم
تقييده بما يبين الواقعا ... . . . . . . . . .
"تقييده" أي المذكور منها، المذكور من حدثنا وأخبرنا، إجازة،
أو مناولة، فلا يروي بالإطلاق إنما يروي مقيداً "بما يبين
الواقع" أي يوضح الواقع من كيفية التحمل، هل تحمل بالسماع
فيقول: سمعت، أو حدثنا، تحمل بالعرض بالقراءة على الشيخ،
فيقول: أخبرنا، تحمل بالمناولة، فيقول: ناولني، أو أجازني
بالإجازة، أو أخبرني إجازة، أو مناولة، المقصود أنه يقيد بما
يبين الواقع "إجازة" كأن يقول: أخبرنا إجازة، أو حدثنا فلان
إجازة، أو تناولاً، أو مناولة:
. . . . . . . . . ... إجازة تناولاً هما معا
أو يقول: حدثنا، أو أخبرنا فلان مناولة، وإجازة، أو هما معاً،
إجازة، ومناولة.
أذن لي أطلق لي أجازني ... سوغ لي أباح لي ناولني
هذه صريحة فيما يتحمل بطريق المناولة، أو الإجازة، أو حدثنا،
أو أخبرنا فيما أذن لي، أو فيما أطلق لي، روايته عنه، أو فيما
أجازني، أو حدثننا فيما سوغ لي، أو أخبرني فيما أباح لي، أو
فيما ناولني، هذه تبين المراد، وترفع اللبس والإيهام أنه روى
بطريق السماع، أو العرض على الشيخ، وتحدد المراد من طرق التحمل
التي تحمل بها وهو المناولة، أو الإجازة.
وإن أباح الشيخ للمجاز ... إطلاقه لم يكف في الجواز
أباح الشيخ المجيز للمجاز له إطلاقه التحديث والإخبار، قل:
حدثني، يقول الشيخ: أذنت لك أن تروي عني مروياتي، وتقول: حدثني
أو أخبرني:
وإن أباح للشيخ للمجاز ... إطلاقه. . . . . . . . .
(26/1)
يعني التحديث أو الإخبار "لم يكف في
الجواز" لماذا؟ الشيخ لا يملك، الشيخ لا يملك هذا، لا يملك أن
يبيح له، أو يجيزه أن يخبر عنه بالتحديث:
وإن أباح الشيخ للمجاز ... إطلاقه لم يكف في الجواز
لأنه لا يملك ذلك، كما لو أجازه فيما لا رواية له به، قال:
اروِ عني، اروِ عني أي كتاب شئته، لو لم يكن لي به رواية ارو
عني، لا يملك أن يجيزه بما لا يقع تحت مروية "وبعضهم" يعني بعض
أهل الحديث:
وبعضهم أتى بلفظ موهم ... "شافهني" "كتب لي" فما سلم
متى يقول: شافهني؟ أو يقول: أخبرني فلان مشافهة، أو أخبرني
فلان فيما كتب لي.
يقول: أخبرني فلان مشافهة، أو شافهني فلان، يقوله: إذا شافهه
بالإجازة، أجازه شفهي، مشافهة، فهو يتجوز ويقول: شافهني، أو
اخبرني فلان مشافهة، هذا أدخل في الإيهام، والإلباس؛ لأن
الصيغة صريحة في أنه تلقى الخبر عنه بالمشافهة، يعني بالسماع
من لفظه، ما الذي يدري السامع أن مراده بشافهني شافهه بالإذن،
فقال: أجزت لك أن تروي عني، أو قال: كتب لي، كتب له إجازة
محررة، ثم يقول: كتب لي، كأنه كتب له بالحديث، والمكاتبة على
ما سيأتي طريق معتبر، وجدت بين الصحابة للتابعين، ومن التابعين
لمن بعدهم، فقوله: كتب لي، ومراده: كتب لي بالإجازة تدليس،
تدليس في الصيغة.
. . . . . . . . . ... "شافهني" "كتب لي" فما سلم
من استعمال مطلقاً، ما سلم من الإبهام، وطرف من التدليس، وطرف
من التدليس.
وقد أتى بـ"خبر" الأوزاعي ... فيها ولم يخلُ من النزاع
أتى في الإجازة بخبرنا، الأوزاعي يستعمل حدثنا، وأخبرنا في
السماع والعرض، لكنه يستعمل "خبَّر" أبو عمرو الأوزاعي، عبد
الرحمن بن عمرو؟ الإمام المعروف صاحب المذهب المتبوع، لكنه
انقرض، يقول: خبرنا، ليفرق بين صيغة الأداء فيما تحمل بالعرض
"أخبرنا"، وبين ما تحمل بالإجازة أو المناولة، فيقول: "خبرنا"،
ولا فرق بين خبر، وأخبر، ولو قيل: إن خبر أبلغ من أخبر لأن
التضعيف لا شك أنه يدل على كثرة التكرار بخلاف أخبر، بينما
يحصل، ولو بمرة واحدة، لكن خبر لا يحصل إلا إذا تكرر، قال:
وقد أتى بـ"خبر" الأوزاعي ... فيها. . . . . . . . .
(26/2)
أي في الإجازة خاصة "ولم يخلُ" أيضا "من
النزاع" من جهة أن معنى خبر وأخبر في اللغة والاصطلاح واحد،
ولو قيل: إن خبر أبلغ من أخبر، يعني لو عكس؛ لكان أولى مع أن
العكس –أيضاً- لا يجوز، لا يجوز أن أقول: أخبر بإطلاق إلا أن
عند أهل التساهل في التحمل، لكن خبر فيها التشديد، التشديد يدل
على التكرار، تكرار هذا الإخبار.
ولفظ "أنَّ" اختاره الخطابي ... وهو مع الإسناد ذو اقتراب
ولفظ "أنّ" يعني في طريق الأداء، اختاره أبو سلميان حمد بن
محمد الخطابي البستي، فقال: أخبرنا فلان: أنَّ فلاناً أخبره،
فاستعمل السند المؤنن في الإجازة، استعمل المؤنن في الإجازة،
نعم كثر استعمال المعنعن في الإجازة -على ما سيأتي- كثر
استعمال المعنعن في الإجازة، والخطابي يستعمل المؤنن: أخبرنا
فلان أن فلاناً أخبره، أو حدثه، وهو اختيار أبي حاتم الرازي
فيما نسب إليه مع سماع الإسناد خاصة لشيخه من شيخه "ذو اقتراب"
فإن في هذه الصيغة إشعاراً بوجود أصل الإخبار، وإن أجمل الخبر
المذكور تفصيلاً، لكن هذا الكلام غير ظاهر، فـ"أن" مثل "عن"،
فالذي يستعمل عن في الإجازة له أن يستعمل أنَّ:
. . . . . . . . . ... وحكم "أنَّ حكم "عن" فالجل
سووا وللقطع نحا البريجي ... حتى يبين الوصف في التخريج
حكمها حكم "عن"، لكن الاستعمال "عن" في الإجازة كثر في الأزمان
المتأخرة حتى عد ذلك اصطلاحاً:
وكثر استعمال "عن" في ذا الزمن ... إجازة وهي بوصل ما قمن
هذا تقدم شرحه.
وبعضهم يختار في الإجازة ... أنبأنا كصاحب الوجازة
بعضهم يختار في الإجازة لفظ أنبأنا كصحاب الإجازة، الوليد بن
بكر الغمري، الشيخ الحاكم صاحب الوجازة "أنبأنا" وكثر استعمال
من جاء من بعد عصور الرواية في القرن الرابع والخامس يستعملون
أنبأنا في الإجازة بكثرة "كصاحب الوجازة".
واختاره الحاكم فيما شافهه ... بالإذن بعد عرضه مشافهة
"اختاره الحاكم" أي "أنبأنا" الحكام أبو عبد الله "فيما شافهه"
شيخه "بالإذن" في روايته "بعد عرضه" له عرض المناولة "مشافهة"
قال الحاكم: وعليه عهدت أكثر مشايخي، وأئمة عصري، يستعملون
أنبأنا فيما شافهه بالإذن في روايته بعد عرضه عليه، يعني في
عرض المناولة.
يقول بعد ذلك:
(26/3)
واستحسنوا للبيهقي مصطلحا ... أنب أنا
إجازة فصرحا
يعني إذا قال: أنب أنا، وأطلق، وجد هذا الاستعمال فيما نسبه
الحاكم لمشايخه، وأئمة عصره، أما بالنسبة للبيهقي، فهو
يستعملها بكثرة لكنه يقيد:
واستحسنوا للبيهقي مصطلحا ... . . . . . . . . .
وهو أنبأنا إجازة، فلا شك أنه أدق، وأوضح في المراد، وأدل على
المقصود، وأبين للحال "إجازة فصرحا" بالإجازة ولم يطلق
الإنباء؛ لأن إطلاقها بعيد من الوضع اللغوي؛ لأن أنبأنا مثل
اخبرنا، ومثل حدثنا: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [(4)
سورة الزلزلة]، {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [(14) سورة
فاطر]، والنبأ هو الخبر: {عَمَّ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ
النَّبَإِ الْعَظِيمِ} [(1)، (2) سورة النبأ]، يعني الخبر
العظيم، والأنباء هي الأخبار.
وبعض من تأخر استعمل "عن" ... إجازة وهي قريبة لمن
سماعه من شيخه فيه يشك ... وحرف "عن" بينهما فمشترك
بعض من تأخر من المحدثين استعمل "عن"، استعمل كثيراً لفظ "عن"
فيما سمعه من شيخه الراوي عنه بالإجازة، فيقول: قرأت على فلان
عن فلان، وهذا كأنه تذكير بما تقدم بيانه في المعنعن، في قول
الناظم:
وكثر استعمال "عن" في ذا الزمن ... إجازة وهي بوصل ما قمن
..
وبعض من تأخر استعمل "عن" ... إجازة. . . . . . . . .
فيقول: قرأت على فلان عن فلان "وهي" أي عن "قريبة لمن"
سماعه من شيخه فيه يشك ... . . . . . . . . .
يشك مع تحقق إجازته منه، يعني شك في سماعه من شيخه مع أنه أذن
له في روايته عنه، وكذا إذا كان في السماع نوع خلل، فجبر هذا
الخلل بالإجازة كما تقدم، أنه إذا تطرق الخلل إلى السماع من
غفلة من السامع، أو المسمع، أو خفاء بعض الكلمات، أو بعض
الحروف، فإن هذا يجبر بالإجازة، وإذا كان طريق التحمل مثل هذا،
سماع، أو عرض مع شيء من الخلل، وجبر بالإجازة، يعني استعمال
"عن" فيه قريبة.
قال:
. . . . . . . . . ... وحرف "عن" بينهما فمشترك
(26/4)
يعني بين السماع والإجازة مشترك "فمشترك"
الفاء هذه "فمشترك" دخلت على الخبر نعم، وتدخل على الخبر من
غير احتياج؟ يعني ليست تفصيلية، ولا تفريعية، ولا في جواب شرط،
ولا في نعم، تدخل بدون داعي؟ زيد فقائم؟ الأصل زيد قائم؟ نعم؟
لا، لا خلِّ انكسار البيت نقول أدخله للضرورة شيء آخر، لكن في
السعة، إذا قلت: زيد فقائم، إذا قلت: أما زيد فقائم، لا بأس
تقتضيها أما، لكن: زيد فقائم، لا داعي لها، الكلام اسم، وفعل،
وحرف، فالاسم تفريع، وهو الفصيحة على ما يقولون، واقعة في شرط
مقدر، إذا عرف هذا؛ فالاسم، لكن هنا فمشترك أدخلت الفاء على
رأي الأخفش لا على رأي الكسائي كما قال الناظم، الناظم يقول:
أدخلت على رأي الكسائي، الذي يرى دخلوها من غير حاجة، يعني
يسوغ إدخالها على خبر لم يتقدمه ما يقتضيها، هذا على رأي
الأخفش، والناظم يقول: على رأي الكسائي، الناظم في شرحه يقول
على رأي الكسائي يجوز إدخالها، والسخاوي، وبعده صاحب فتح
الباقي زكريا الأنصاري، قالوا: هذا على رأي الأخفش لا على رأي
الكسائي، والأخفش إذا أُطلق المراد به الأوسط، سعيد بن مسعدة
المجاشعي، هذا إذا أطلق، وإلا فالأخافش بضعة عشر، الآن الناظم
يقول: الكسائي، صاحب الكلام، صاحب البيت أدرى بما فيه، وأنتم
تقولون: الأخفش يمكن يستدرك عليه بمثل هذا؟ نعم؟ يمكن أن
يستدرك عليه، وهو الناظم؟ نعم؟ يمكن أن يستدرك عليه لماذا؟ لأن
هذه مسألة علمية لا علاقة لها بنظمه، يشترك فيها الناظم،
وغيره، صح وإلا لا؟ لكن إذا قال: "وابن شهاب عنه به" كما تقدم
في أصح الأسانيد، في أصح الأسانيد قال الناظم: "وابن شهاب عنه
به" إيش معنى هذا؟ الناظم يقول: به أي بالإسناد، أو بالحديث،
هنا: "وابن شهاب عنه به"، يقول الناظم بالحديث، والسخاوي يقول:
لا بالإسناد، الضمير الذي أورده الناظم هل يقصد به الحديث؟ هو
يقول الحديث، والسخ اوي يقول: لا المقصود الإسناد، يعني كما
قيل: يا فلان، لو يقال مثلاً: ما اسمك، ويقول: أنا أسمي فلان
ابن فلان الفلاني، ولما تكلم واحد قال: لا الفلاني، هو انتسب
إلى نسب صحيح، وأنت عرفته بما اشتهر به، فترد عليه، يعني كونك
ترد على الإنسان بما أعرف الناس به يصوغ، وإلا ما يصوغ؟
(26/5)
ما يصوغ، هنا الناظم يقول: "وابن شهاب عنه"
يعني عن زين العابدين "به" أي بالحديث كما يقول الناظم،
والسخاوي يقول: لا بالإسناد، الضمير الذي يورده الناظم، أو
الناثر من أعرف الناس به نفسه، ومع ذلك أن الذي يظهر أن الصواب
مع السخاوي؛ لأن الكلام كله في أصح الأسانيد ما هو في أصح
الأحاديث، وعندنا هنا حينما قال: إن المراد الكسائي، الناظم
يقول المراد الكسائي، والسخاوي، وزكريا الأنصاري يقولان:
الأخفش، لا الكسائي، كما قال الناظم من الراجح منهما؟ الراجح
منهما الذي بعد التحقق، والتحقيق يتبين أنه قوله، تحتاج إلى
محاكمة هذه، وليس قبول قول الناظم بأولى من قبول قولهما، ولا
العكس، حتى تراجع كتب الكسائي، وكتب الأخفش، أو يراجع من نقل
الخلاف في المسألة، يعني مثل ما تقدم في الإجازة، قالوا:
الإجازة أصلها إجْوَازة، أو إجَوَازة، تحركت الواو، وفتح ما
قبلها، أو توهم انفتاح ما قبلها، أو تحركت الواو بحسب الحال،
وتحرك ما قلبها بحسب المآل، يعني بعد فتحها بعد القلب صارت
إجازة انفتحت الجيم، فصارت إجازة، فيها أكثر من ألف، فحذفت
الألف التي هي عين الكلمة عند سيبويه، أو الكسائي، أو حذفت
الألف الزائدة عند أحدهما، فلو قال واحد: الأولى عند الكسائي،
والثانية عند سيبويه، وبعضهم قال: لا الثاني، العكس، هذا ما
الذي يرجح، الذي يرجح مراجعة كلام القائلين في كتبهما، أو من
نقل عنهما ممن يعتد بقوله من تلاميذهما، أو قرب منهم، فمثل هذه
الأمور الترجيح فيها يرجع إلى الرجوع إلى المصادر التي تعنى
بأقوال هؤلاء "وفي البخاري" يعني في صحيح البخاري "قال لي" قال
لي فلان،
وفي البخاري قال لي: فجعله ... حيْرِيِّهُم للعرض والمناولة
(26/6)
أبو جعفر أحمد بن حمدان بن علي النيسابوري
الحيري "للعرض" أي لما أخذ بطريق العرض "والمناولة" وانفرد
بذلك أبو جعفر بن حمدان، وخالفه غيره، يعني هذه الصيغة في صحيح
البخاري لا تختص بحال العرض، ولا المناولة، ولا في حال
المذاكرة، كما تقدمت الإشارة إليه، وتبناه بعض الشراح، أن
البخاري لا يقول: قال لي، إلا في حال المذاكرة، وأبو جعفر بن
حمدان يقول في العرض، والمناولة، الحافظ ابن حجر يقول: الذي
استقرأه، يعني تبين له بطريق الاستقراء، أن البخاري لا يقول:
قال، ولا قال لي، لا يستعمل هذه الصيغة إلا في حالتين:
إحداهما: أن يكون موقوفاً ظاهراً، وإن كان له حكم الرفع، أن
يكون الخبر موقوفاً ظاهراً، وإن كن له حكم الرفع، أو يكون في
إسناده من ليس على شرطه، وإلا فقد أورد أشياء بهذه الصيغة هي
مروية عنده في موضع آخر بصيغة التحديث، يعني بدلاً من أن يقول:
قال لي، قال: حدثنا، لكنه يتفنن، وينوع العبارات، أما إذا لم
يخرجه بصيغة التحديث بموضع آخر، فلا بد أن يكون هناك نكتة، إما
أن يكون ظاهره الخبر لفظه موقوف، وإن كان له حكم الرفع، أو
يكون في إسناده من ليس على شرطه، من ينزل على شرطه قليلاً، هذا
فيمن استقرأه الحافظ ابن حجر، وهو من أهل الاستقراء التام،
لاسيما في صحيح البخاري، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه
أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله
نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين يا ذا الجلال والإكرام،
قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
الخامس: المكاتبة
ثم الكتابة بخط الشيخ أو ... بإذنه عنه لغائب ولو
لحاضر فإن أجاز معها ... أشبه ما ناول أو جردها
صح على الصحيح والمشهور ... قال به أيوب مع منصور
والليث والسمعان قد أجازه ... وعده أقوى من الإجازة
وبعضهم صحة ذاك منعا ... وصاحب الحاوي به قد قطعا
ويكتفي أن يعرف المكتوب له ... خط الذي كاتبه وأبطله
قوم للاشتباه لكن ردا ... لندرة اللبس وحيث أدى
فالليث مع منصور استجازا ... "أخبرنا" "حدثنا" جوازا
(26/7)
وصححوا التقييد بالكتابة ... وهو الذي يليق
بالنزاهة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله
نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(26/8)
أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-
في القسم الخامس من أقسام التحمل: الأول: السماع من لفظ الشيخ،
والثاني: القراءة على الشيخ، والثالث: الإجازة، والرابعة:
المناولة، والقسم الخامس: المكاتبة من أقسام التحمل، والمكاتبة
مثل ما ذكرنا في المناولة، الأصل فيها المفاعلة من طرفين،
فيكتب الطالب للشيخ بأن يكتب له شيئاً من حديثه إما معيناً
يكتب له حديث كذا، أو ما شاء من حديثه، ثم يكتب له الشيخ رداً
لما طلب، فهذه مفاعلة من الطرفين، وقد يكتب الشيخ ابتداءً من
غير طلب للطالب فتسمى كتابة، ولذلك العنوان المكاتبة، ثم قال
المؤلف: "ثم الكتابة" المكاتبة بين الطرفين، والكتابة من طرف
واحد على أنه قد تأتي المفاعلة من طرف واحد، مثل ما ذكرنا في
المناولة، المكاتبة يعني من الشيخ إلى الطالب، ويدخل في هذه
الترجمة الصفة التي يؤدي بها، أو الصيغة التي يؤدي بها "ثم
الكتابة" يقول الناظم: "ثم الكتابة" يعني من الشيخ بشيء من
مرويه، ثم يرسله إلى الطالب مع ثقة مؤتمن بعد تحريره بنفسه، أو
بثقة، أو بثقة معتمد، وشده شد الكتاب، وشد الكتاب يعني إغلاقه
وإحكامه، فإما أن يتولى الكتابة بنفسه، أو يأمر ثقة يكتب من
إملائه، ثم بعد ذلك يوثق الكتاب، ويشده، ويخدمه لألا يتطرق
إليه الخلل والتزوير، وإذا كان الشيخ لا يكتب، فلا بد أن يكون
الكاتب ثقة؛ لأن بعض الكتاب طُعن فيه، فعندك من الكتاب الذين
وصفوا بذلك ورَّاد كاتب المغيرة، وعبد الله بن صالح كاتب
الليث، وغيرهما من الكتاب، فمنهم من هو ثقة يعتمد عليه، ومنهم
من لا يعتمد عليه فيجرح الخبر به، وإن كان الشيخ ثقةً، لاسيما
إذا كان يعتمد عليه، فإن كان الشيخ أكمه، أعمى؛ فالمعول على
الكاتب، وإن كان الشيخ مبصراً، وكاتباً –أيضاً- ولو أمر غيره
بالكتابة، فقد يقرأه بعد كتابته، ولذا تجدون الشيوخ الذين
يملون كتبهم، ورسائلهم، أو فتاويهم، وتعليقاتهم يطلبون من
الكاتب إما أن يقرأها بنفسه، الشيخ يأخذ الكتاب، ويقرأ بنفسه
إن كان مبصراً، قارئاً، أو يطلب منه إعادة ما كتب، اقرأ ما
كتبت، ثم يقرأه، قد يطلب منه الإعادة ثانية، على كل حال لابد
أن يكون الكاتب ثقة، ومع ذلك يُشَد الكتاب، ويختم لألا يتطرق
إليه
(26/9)
تزوير، أو خلل، وينبغي أن يبدأ الكاتب
بنفسه، فيقول من فلان إلى فلان، كما كان النبي –عليه الصلاة
والسلام- يفعل، فيبدأ بالبسملة، ثم يبدأ بنفسه، ولا يقول قائل:
إنه بالنسبة لكتاب سليمان إلى بلقيس: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ
وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [(30) سورة
النمل]، بدأ قبل البسملة، لا، هذا الخطاب تخبر قومها بأن هذا
الكتاب من سليمان، وأنه مفتتح ببسم الله الرحمن الرحيم، ولا
يعني هذا أن سليمان بدأ باسمه قبل البسملة، يبسمل، ثم يقول من
فلان بن فلان إلى فلان بن فلان، هذه هي السنة، وأطلق بعضهم
الكراهة إن بدأ باسم المكتوب إليه، أطلق بعضهم الكراهة، إن بدأ
باسم المكتوب إليه؛ لأن هذا مخالف للسنة، مخالف لما جاء عن
النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويستوي في ذلك الكتابة إلى
الصغير والكبير، ومنهم من أطلق الجواز، فيقول: يجوز أن تبدأ
باسم المكتوب إليه، ومنهم من قال: إذا كان المكتوب إليه أكبر
من الكاتب يبدأ باسم المكتوب إليه؛ لحديث: ((كبِّر كبّر))،
والإمام أحمد -رحمه الله تعالى- يبدأ بالمكتوب إليه مطلقاً؛
تواضعاً، لا يبدأ باسم نفسه، لكن مع ذلك إذا خلت المسألة من
النظرة إلى النفس، والإعجاب بها، فالأصل أن يبدأ باسمه كما كان
النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
(26/10)
على أي حال كتبت؛ المقصود أنها تكتب قبل
الكلام، ويستفتح بها الكلام، ما كانوا يفردون البسملة بسطر؛
لشح الورق، ويعتبرون هذا نوع من التبذير، تترك البسملة تفرد
بسطر كامل! يكتب متواصل، ما فيه، تمتلئ الورقة بحيث لا يبقى
مكان لنقطة، كل هذا لأنهم الورق عندهم شحيح وقليل، وأيضاً
الأسفار عندهم كثيرة، فإذا فرقوا الكتابات، والأقلام عندهم
عريضة، والحبر –أيضاً-، فإذا احتاجوا إلى تفريغ، ونظموا،
ورتبوا كما يفعل الآن؛ لا شك أن الكتاب الذي يكتب في مجلد،
يحتاج إلى يكتب في مجلدين، ثم بعد ذلك إذا حملوه على الدابة ..
، هذا كتاب واحد، ثم كتاب ثاني كذلك، وبعضهم أحمال معه، ووسائل
المواصلات عندهم متعبة ومكلفة، فهم يحتاطون لهذا كله، ولذا
سيأتي في كتابة الحديث، وضبطه أن بعضهم يكتب، ثم يندم، يجعل
الحرف رفيعاً صغيراً جداً، ثم يحتاج إليه في وقت الحاجة يخونه،
ما يستطيع يقرؤه، إذا كبرت سنه ما يستطيع، ما عندهم نظارات،
ليست عندهم نظارات تكبر لهم الحروف الدقيقة، ولذا كثير من
الكبار نهو عن ترقيق الحروف؛ لأنه يخون صاحبه أحوج ما يكون
إليه، إذا ضعفت الذاكرة، واحتاج إلى الكتاب، فإذا به لا يستطيع
قراءته "ثم الكتابة" يعني من الشيخ بشيء من مرويه، تكون "بخط
الشيخ" نفسه، هذا الأصل أن تكون بخط الشيخ نفسه "أو بإذنه" في
الكتابة، بإذنه، أو بأمره "عنه" أو بإذنه في الكتابة "لغائب
عنه" لراوٍ غائب عنه "ولو" كانت "لحاضر" يعني في البلد دون
المجلس، يعني في المجلس يكتب له؟ يحتاج أن يكتب له في المجلس؟
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(26/11)
لا، يعني الأصل في الكتابة أن تكون للغائب،
الأصل في الكتابة أن تكون للغائب، وإذا أراد أن يكتب إلى شخص
حاضر عنده في المجلس؛ حدثه به، ما يحتاج يكتب، شافهه به،
الكتابة محتاج إليها حينما يكون المكتوب إليه غائباً عن البلد،
أو لحاضر في البلد لكنه يعني ليس في المجلس مما يتيسر تحديثه
بالخبر، الآن مع سهولة الإتصال تجد الاثنان يتحدثان في الجوال،
وهما في مجلس واحد بل في سيارة واحدة، هذا من الترف بلا شك،
هذا من الترف تجده في المجلس، والثاني قدامه قد يكون هناك
مناجاة بشيء معين، فيكون بواسطة الجوال، هذا قد يتجاوز عنه؛
لأن هذا مبني على إضاعة شيء من المال، المناجاة ما فيها إضاعة
مال، لكن مثل هذا فيه شيء من إضاعة المال، قد يكون واحد في
السيارة في مقدمتها، وآخر في مؤخرتها، وبإمكانه أن يقول: يا
فلان أعطني كذا من مؤخرة السيارة، وتجدهم يتحدثان في الهاتف،
يعني وجد الترف إلى هذا الحد -والله المستعان-، والمكاتبة
كالمناولة على نوعين إما أن تقترن بالإجازة أو تخلوا عن
الإجازة، إما أن تقترن بالإجازة يكتب له هذا حديثي عن فلان بن
فلان بن فلان، ثم يذكر الحديث، وأذنت لك بالرواية عني، هذه
مقترنة بالإجازة، ولذا قال: "فإن أجاز معها" خطاً، أو إذناً،
يعني مشافهة "أشبه ما ناول" يعني أشبه في القوة والصحة ما
ناول، وهذا هو النوع الأول من أنواع المكاتبة، أو جردها، يعني
جردها عن الإجازة.
صح على الصحيح والمشهور ... . . . . . . . . .
يعني عند أهل الحديث:
. . . . . . . . . ... قال به أيوب مع منصور
يعني المكاتبة المجردة عن الإجازة صحيح، بينما تقدم، وإن خلت
عن إذن المناولة قيل تصح، والأصح باطلة يعني مجرد يعطيه الكتاب
هكذا، وأما في الكتابة يقصده، ويكتب من أجله، بالمناولة الكتاب
ما كتب من أجله، في المناولة، لكن في المكاتبة الكتاب كتب من
أجله، ولذا صححوه "على الصحيح والمشهور" يعني عند أهل الحديث
فقال به أيوب، وقال أيوب بتصحيحها، أيوب بن أبي تميم السختياني
مع منصور ابن المعتمر، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- سوى
بين المناولة، والمكاتبة في صدر صحيحه، في أوائل الصحيح في
كتاب العلم، يقول:
(26/12)
. . . ... قال به أيوب مع منصور
"والليث" بن سعد، وخلق، وأبو المضفر السمعان بحذف الياء:
والليث والسمعان قد أجازه ... . . . . . . . . .
أي الكتابة المجردة عن الإجازة،
. . . . . . . . . ... وعده أقوى من الإجازة
عد الكتابة المجردة عن الإجازة أقوى من الإجازة المجردة عن
المناولة، عد ذلك أقوى جماعة من الأصوليين، والفقهاء "وبعضهم"
كأبي الحسن ابن القطان، يعني بعض العلماء كأبي الحسن بن القطان
"صحة ذاك منعا" يعني صحة الكتاب المجردة منع، كالمناولة
المجردة، يقول: ما في فرق بين أن يكتب له، ولا يجيزه، وبين أن
يناوله الكتاب، جمع من أهل العلم منهم أبو الحسن ابن القطان،
وهو إمام في هذا الشأن، وهو صاحب بيان الوهم والإيهام.
. . . . . . . . . ... وصاحب الحاوي به قد قطعا
الماوردي صاحب "الحاوي الكبير"؛ لأن عند الشافعية حاوي صغير،
متن معتمد عندهم يحفظونه، لكن هذا صاحب الحاوي الكبير "به"
يعني في الحاوي أي "بالمنع قد قطعا" لكن هذا القول غلط، كما
قال عياض، وغيره، المكاتبة المكتوب له مقصود، وما كتب له إلا
من أجل أن يروي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيه، بلا أجازة.
طالب:. . . . . . . . .
ما تستطيع؛ لأنه لما كتب الكتاب في المناولة ما قصد روايته،
كتبه لنفسه، ثم جاء طالب، وأعطاه إياه.
طالب:. . . . . . . . .
إيه تمليك، طيب أنا عندي نسخة زائدة من البخاري، وجاء واحد من
الطلاب، وأعطيته إياها، نسخة زائدة من البخاري، وأنا أروي
للبخاري على هذه الرواية، هل هذا إذن بالرواية، لا، لكن لما
أكتب له من مروياتي، معناه قاصده بالرواية.
ويكتفي أن يعرف المكتوب له ... . . . . . . . . .
(26/13)
يعني يكتفي في الرواية بالمكاتبة "أن يعرف
المكتوب له" بنفسه أو بإخبار ثقة معتمد، نعم يعني يكتفى في
معرفة المكتوب له أن هذا خط فلان، خط الكاتب الذي كاتبه، وإن
لم تقم بنية على ذلك، وإن كان بعضهم شدد، وقال: لا يروى
بالكتابة إلا إذا قامت البينة بأن هذا خط فلان، يعني مثل كتابة
القاضي إلى القاضي في مسألة: ويش يسمونها القضاة؟ الاستخلاف،
نعم، مسألة الاستخلاف، لا بد أن تقوم البينة على أن هذا خط
فلان، والآن التوثيقات الرسمية كافية، يعني إذا وجد الختم،
ووجد الإلصاق، وأيضاً الشمع، والختم على الظرف، هذه كافية،
وأيضاً الوسائل الرسمية في توصيل هذا الخطاب، أو ثقة صاحب
الخطاب إذا أعطيه مناولة،
ويكتفي أن يعرف المكتوب له ... . . . . . . . . .
يعني بنفسه أو بإخبار ثقة معتمد "خط الذي كاتبه" خط الكاتب
الذي كاتبه، وإن لم تقم بينة على ذلك "وأبطله"
قوم للاشتباه لكن ردا ... . . . . . . . . .
(26/14)
يعني اشتباه الخطوط، والتقليد، والتزوير،
أبطله قوم فلم يجوزوا الاعتماد على الخط، واشترطوا البينة
بالرؤية برؤية الكاتب، ألا يكفي في مثل هذا الاستفاضة .. ،
تشهد البينة على الاستفاضة أنه هذا خط فلان؛ لأنه معروف
بالطريقة المتبعة الخطوط، وإن وجد شيء من التزوير، والتقليد،
لكن في الأصل أن كل إنسان له خطه الخاص، يعرف خط فلان، لاسيما
إذا كان من المعروفين المشهورين، يعني كثير من طلاب العلم
الذين لهم عناية بالمخطوطات يفرقون بين خط شيخ الإسلام، وخط
ابن القيم، وخط السخاوي من خط ابن حجر، يفرقون تفريقاً دقيقاً،
بحيث لا يلتبس عليهم الأمر، فالمسألة مسألة خبرة، فإذا شهد
الخبراء بأن هذا خط فلان، والكلام المكتوب بهذا الخط موافق
لأصول من نسب أليه الخط، ما يأتيني شخص بكلام أعرف من طريقة
شيخ الإسلام أنه لا يقر هذا الكلام، يقول هذا كلام شيخ
الإسلام، وهذا خطه، ولو كان خطه قريباً منه، ولو قاله خبير؛
لأنه لا يكفي، ولذا التثبت في الكتب أمر في غاية الأهمية في
نسبتها إلى أصحابها؛ لأنه قد يوجد كتاب منسوب إلى شخص،
ويتداوله الناس على هذا الأساس، وعند التمحيص، والتحقيق يتبين
أنه ليس له. "أخبار النساء" لابن القيم مطبوع بهذا الاسم،
والصحيح أنه ليس له، "الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن" مطبوعة
باسم القيم، وليس له؛ لأن في إقرار أنواع علوم البلاغة، ومنها
المجاز، وغيره، وابن القيم يشدد في إبطال المجاز، على كل حال
الكتب لا بد لها من أسانيد، ولابد أن يكون المحتوى مناسباً
وموافق لأصول من نسبة إليه، والحافظ الذهبي -رحمه الله- له
عناية في هذا الشأن، في إثبات الكتب، ونفيها، فعنده نفى -رحمه
الله- كثير من الكتب التي نسبت إلى الأئمة باعتبار أنها لم
تثبت بالأسانيد إليهم، لم تثبت بالأسانيد إليهم، لكن في مثل
هذا ألا يكفي الاستفاضة؟ الإمام أحمد –مثلاً- له كتاب اسمه
"الرد على الجهمية"، وما في الكتاب لا ينافي ما عرف عن الإمام
أحمد، مثلاً الحافظ الذهبي يقول: ما ثبت عندنا بالأسانيد منا
إلى الإمام أحمد، وشيخ الإسلام في منهاج السنة نقل عنه في مائة
موطن من هذا الكتاب، ونسبه إلى الإمام أحمد، فهل نقول: إنه لا
بد من السند الذي يثبت
(26/15)
به الكتاب، أو يكفي أن يستفيض عند أهل
العلم، وينقلون منه، ويكون ما في الكتاب من محتوى ومضمون
موافقاً لأصول من نسب إليه، ويكفي في ذلك الاستفاضة، كأنساب
الناس، أنساب الناس تثبت بالاستفاضة، يكتفى فيها بالاستفاضة،
وهذه مسألة يعني كتب تداولها أهل العلم، ونقلوا عنها، ولم
ينكرها أحد، ثم بعد ذلك جاء الحافظ الذهبي -رحمه الله-، وشكك
في نسبتها. نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ينسبون إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، نعم، مستفيض عندهم أن هذا الكتاب للإمام أحمد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو ما وجد أسانيد، ما ثبت عنده كتاب بالأسانيد، قد يكون في
طريقه إلى المؤلف، وضاع مثلاً، أو ضعيف جداً، أو متهم، هل يكفي
هذا في القدح بجملة الكتاب المنسوب إلى الإمام المستفيض عنه،
وجميع ما في الكتاب ليس فيه ما ينكر، تنكر نسبته إلى الإمام
استفاضة في مثل هذا، لاسيما إذا لم يوجد مخالفة، أما إذا وجدت
مخالفة؛ فالآن دقق، إذا وجدت مخالفة دقق "وأبطله قوم الاشتباه"
يعني في الخطوط، تقليد الخطوط معروف من القدم،
وفي كتب الأدب أن شخصاً وجد في ليلة شاتية على ضفة نهر يكتب،
فقيل له: ما الذي دعاك إلى أن تكتب في هذا الجو البارد، وتبرز
إلى ضفة النهر؟ يعني بالإمكان أن تأوي إلى مكان فيه شيء من
الدفء، لا تعرض نفسك للهلاك، فإذا به يزور كتاباً على مرتعش
على ما قالوا، من أجل أن يرتعد من البرد، ويزور على كتاب على
شخص مرتعش، فالتزوير قديم، والتزوير في الأصوات –أيضاً- قديم،
يعني مثل ما تقدم في السماع من رواء حجاب، ذكرنا مسألة التقليد
في الأصوات "لكن رد" حيث قال ابن الصلاح: أنه غير مرضي "لندرة
اللبس" لأن الظاهر، والغالب أن خط الإنسان لا يشتبه بغيره، ثم
بعد ذلك كيف يؤدي من تحمل بطريق المكاتبة؟ "وحيث أدى" يعني
المكاتب ما تحمله، وحيث أدى المكاتب ما تحمله من ذلك، يعني بأي
صيغة، بأي صيغة:
فالليث مع منصور استجازا ... . . . . . . . . .
الليث بن سعد مع منصور بن المعتمر "استجازا إطلاق أخبرنا"،
و"حدثنا جوازاً" استجاز أخبرنا، وحدثنا جوازاً، ولكن الجمهور
قد منعوا الإطلاق.
وصححوا الإطلاق بالكتابة ... . . . . . . . . .
(26/16)
فيقول من يروي بها: حدثنا كتابة، أو
مكاتبة، وهو كما قال ابن الصلاح تبعاً للخطيب: الذي يليق
بمذاهب أهل النزاهة، والتحري، والتثبت، والورع، والتباعد عن
إيهام التلبيس.
الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- استدل بصحة الرواية
بالمكاتبة، والكتابة بإيش؟ في صحيحه بنسخ عثمان -رضي الله عنه-
المصاحف، وبعثها إلى الأمصار، وبعثها إلى الأمصار، فتلقوها،
وقرؤوها، يعني هل القراءة، يعني سند المصحف ثبت بالمكاتبة؟ أو
أن ثبوته قطعي بالتواتر؟ نعم ثبوت الموجود في المصاحف التي
بعثها عثمان قطعي، نعم، لكن يعني ثبت .. ، والاتفاق على الحرف
الواحد الموجود في المصاحف العثمانية –أيضاً- قطعي بإجماع
الصحابة، لكن اعتماد من وصلت إليهم هذه المصاحف دليل على
اعتماد الكتابة، المناولة، المناولة تلك مناولة:
وصححوا التقييد بالكتابة ... وهو الذي يليق بالنزاهة
يعني بأهل التحري، والتباعد عن التلبيس، والورع نعم، القسم
السادس.
السادس: إعلام الشيخ
وهل لمن أعلمه الشيخ بما ... يرويه أن يرويه؟ فجزما
بمنعه الطوسي وذا المختار ... وعدة كابن جريج صاروا
إلى الجواز وابن بكر نصره ... وصاحب الشامل جزماً ذكره
بل زاد بعضهم بأن لو منعه ... لم يمتنع كما إذا قد سمعه
ورد كاسترعاء من يُحمِّل ... لكن إذا صح عليه العمل
يقول -رحمه الله تعالى-: "السادس: إعلام الشيخ" يعني القسم
السادس من أقسام التحمل: "إعلام الشيخ" إعلام الشيخ الطالبَ
لفظاً بشيء من مرويه بغير إذن له في روايته، بأن يقول الشيخ:
هذه الكتب مروياتي، هذا البخاري، وهذا مسلم، ويفرج الطالب على
المكتبة، ويخبره بأنها من مروياته، هل يكفي في مثل هذا الإعلام
أن يروي الطالب عن الشيخ بمجرد هذا الإعلام من غير إذن له في
الرواية؟ يقول:
وهل لمن أعلمه الشيخ بما ... يرويه أن يرويه؟ فجزما
"وهل لمن أعلمه الشيخ بما يرويه" حديثاً فأكثر، كتاباً فأكثر،
عن شيخ فأكثر، مجرداً عن التلفظ بالإجازة، هل له ذلك، أو لا؟
"فجزما بمنعه الطوسي"، "فجزما"
بمنعه الطوسي وذا المختار ... . . . . . . . . .
(26/17)
الطوسي أبو حامد، يقول الحافظ العراقي،
وتبعه السخاوي الشرَّاح: لعل المراد بالطوسي هنا الغزالي؛ لأن
كنيته أبو حامد؛ لأنه في ابن الصلاح: منعه أبو حامد الطوسي،
والغزالي كنيته أبو حامد، ونسبته إلى طوس، والكلام موجود في
المستصفى، ولذا قالوا: الظاهر أن المراد أبو حامد الغزَّالي،
وإن كان في الشافعية ممن وقف عليهم السخاوي غير أبي حامد
الغزَّالي فيهم اثنان، كلهم أبو حامد الطوسي، وإذا كان الكلام
موجوداً في المستصفى فالذي يغلب على الظن أنه هو المراد.
بمنعه الطوسي وذا المختار ... . . . . . . . . .
يعني المنع من الرواية بمجرد الإعلام هو المختار.
. . . . . . . . . ... وعدة كابن جريج صاروا
عدة من أهل العلم كابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز، وعبيد
الله بن عمر العمري، والزهري، وابن حبيب المالكي، والرازي،
وحكاه عياض عن كثير،
. . . . . . . . . ... وعدة كابن جريج صاروا
إلى الجواز. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يقول: ما في فائدة من إعلام الشيخ للطالب أن هذه المرويات
يرويها عن شيوخه، إلا أنه يريد أن يرويها عنه، لكن هل هذا
الكلام صحيح؟ ما يلزم، ما يلزم أبداً، هو مجرد إخبار أنه يروي
هذه الكتب، عن شيوخه نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو كلها أحاديث، كلها كتب حديث، هي كلها أحاديث.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكنه سمع، سمع هذه الأحاديث، أما مجرد أن يقال: هذه
الأحاديث مروياتي، ولا يؤذن له بروايتها.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
هو عاد لو أذن، وقلنا بكلامك أبطلنا الإجازة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا الإذن له شأن، الإذن يفيد الإخبار الإجمالي، إخبار
إجمالي، وهذه تحتاج إلى إذن أنه بمجرد إخبار من غير إذن .. ،
الآن الإذن الإجمالي فيه خلاف، فكيف بإخبار بدون إذن.
. . . . . . . . . وذا المختار ... وعدة كابن جريج صاروا
إلى الجواز وابن بكر نصره ... . . . . . . . . .
"ابن بكر" الوليد بن بكر الغمري، صاحب "الوجازة في صحة القول
بالإجازة"، "نصره" نصر هذا القول، وهو الجواز،
. . . . . . . . . ... وصاحب الشامل جزماً ذكره
(26/18)
بل وأبو نصر ابن الصباغ صاحب "الشامل"
"جزماً ذكره" يعني جازماً به، جازماً به.
بل زاد بعضهم بأن لو منعه ... لم يمتنع كما إذا قد سمعه
"بل زاد بعضهم" وهو الرامهرمزي، حيث صرح "بأن لو منعه" من
روايته عنه بعد إعلامه به، منعه قال: هذه مروياتي، فلا تروها
عني، بعضهم يقول: يروها عنه، كما لو سمع منه الحديث، وقال: لا
تروه عني.
بل زاد بعضهم بأن لو منعه ... لم يمتنع. . . . . . . . .
بذلك عن روايته كما أنه لا يمتنع "إذا قد سمعه" لا لعلة تقدح
في المروي على ما تقدم؛ لأنه لو أبدى عذراً في المنع لزم
قبوله، ولم تحل الرواية عنه "ورد" يعني ولكن قد رد القول
بالجواز "كاسترعاء من يحمله" كاسترعاء الشاهد من يحمله الشهادة
بحيث لا يكفي إعلامه بذلك، يعني لو أن شخصاً شهد، أو أخبر آخر
بأن عنده شهادة لفلان، أو أخبره بعقد حصل بين فلان، وفلان،
الثاني المخبر يشهد، وإلا ما يشهد؟ نعم؟ هو إن حكى الواقع، إن
حكى الواقع فقط، لكن مثل هذا لا يحكم به، مثل هذا مجرد الإخبار
عن الواقع لا يحكم به؛ لأنه ليس بأداء للشهادة "لكن إذا صح":
ورد كاسترعاء من يحمِّل ... لكن إذا صح عليه العمل
لكن إذا عليه العمل دون الرواية، الكلام في الرواية، هل يروي،
أو لا يروي؟ الصحيح لا يروي، لكن بالنسبة للعمل؟ عنده يروي
صحيح البخاري، أو صحيح مسلم، يعني ما نعمل بأحاديثه في
البخاري، ومسلم؛ لأنه لم يقل لنا: ارو عني؟ لا، هو لا يملك
العمل، وكل هذا فرع عما تقدم في رواية الحديث من الكتب
المعتمدة في قول الناظم:
قلت: ولابن خير امتناع ... نقل سوى مرويه إجماع
النقل لا يجوز إلا بسند "إجماع"، وكذلك العمل فيما ذكره ابن
خير في فهرسته، لكن يقول هنا:
. . . . . . . . . ... لكن إذا صح عليه العمل
إذا صح عند أحد، صح الخبر، عند أحد من المتقدمين، أو المتأخرين
"عليه العمل" يعني يعمل به، يعمل بما تضمنه ما أخبر به مما صح
منه، أظن مسألة العمل ظاهرة، وأنها لا تحتاج إلى أن يكون لك
بالحديث رواية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(26/19)
الرواية غير العمل، وإن كان ابن خير يقرن
بين الرواية، والعمل، والاستدلال، والاحتجاج، يقول: ما تأخذ من
أي كتاب أي حديث إلا إذا كان لك به رواية، إذا كنت لا تروي
البخاري ما يجوز تنقل، ولا تحتج، ولا تستدل، ولا تروي، وأهل
العلم يفرقون، يقولون: لا تروي، لكن العمل لازم، مادام ثبت عن
النبي -عليه الصلاة والسلام- لا بد من العمل؛ لأن في هذا القول
تضييع للسنة، نعم.
السابع: الوصية بالكتاب
وبعضهم أجاز للموصى له ... بالجزء من راو قضى أجله
يرويه أو لسفر أراده ... ورد ما لم يرد الوجادة
(26/20)
القسم السابع من أقسام التحمل: "الوصية
بالكتاب" من راويه عند موته، أو سفره بالكتاب، أو نحوه، يعني
بالأحاديث المكتوبة إذا أوصى بكتبه لفلان، يحتضر فلان، وعنده
كتب حديث يرويها بأسانيده، فقال: أعطوها فلاناً، أو أراد أن
يسافر، فقال: كتبي أعطوها فلاناً؛ لئلا يعرضها للتلف في السفر،
مجرد الوصية، هل يروي الموصى له هذه الكتب عن الموصي، أو لا
يروي؟ أقول: هل يروي الموصى له هذه الكتب عن الموصي بمجرد
الوصية، أو لا يروي؟ هنا الكتب انتقلت إليه بقصد من صاحبها،
يعني كما لو انتقلت إليه بهبة، أو بيع، أو إرث، أو ما أشبه
ذلك، نعم، كالمناولة بلا إذن، إن ناوله الكتب أعطاه إياها على
جهة التمليك لكن بلا إذن "وبعضهم" كمحمد بن سيرين "أجاز للموصى
له" مع أنه من أهل التشديد في الرواية، ولا يرى الرواية
بالمعنى "وبعضهم" يعني كمحمد بن سيرين "أجاز للموصى له" المعين
واحداً فأكثر "بالجزء" من أصول الموصي "من راو قضى أجله" يعني
مات، نعم قضى نحبه، وأجله وأوصى عند وفاته بكتبه لفلان، أو
قال: وزعوا كتبي على طلاب المدرسة الفلانية، فوزعت فكل من وقع
بيده كتاباً؛ له أن يروي، أو لا يروي؟ هذه الصورة أضعف من
الأولى، أضعف لماذا؟ لأنه إذا كان واحداً فهو معين، ومقصود،
أما إذا كان عدة، وقال: وزعوا كتبي على طلبة العلم هذه ما فيها
شيء، ما أحد يختلف فيها، لا يختلف في مثل هذه الصورة أحد،
"يرويه" بأن يرويه كما فعل أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي
حين أوصى بكتبه إلى تلميذه أيوب السختياني إن كان حياً، وإلا
فلتحرق "أو لسفر أراده" أو حين توجه لسفر أراده، إلحاقاً للسفر
بالموت "ورُدَّ" يعني لكن رد القول بالجواز حسب ما جنح إليه
الخطيب، وغيره، حتى قيل: إنه زلة عالم، يعني التجويز بالرواية
بالوصية زلة عالم، ولا شك أن البطلان في هذه الحالة هو المتجه،
وهو المتعين؛ لأن الوصية ليست بتحديث لا إجمالي، ولا تفصيلي،
ليست بتحديث، ولا إخبار، لا إجمالي كما في الإجازة، والمناولة،
والكتابة، ولا تفصيلي كالسماع، والعرض،
. . . . . . . . . ... ورد ما لم يرد الوجادة
(26/21)
الوجادة الآتية في القسم الثامن كأن يروي
هذه الكتب الموصى بها عن صاحبها بالوجادة، فإذا قال: وجدت .. ،
مثلاً أيوب السختياني: وجدت بخط أبي قلابة كذا، الموصى له يروي
الأحاديث الموجودة في هذه الكتب على طريق الوجادة بأن يقول:
وجدت بخط فلان كذا، كما هو في القسم الثامن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه.
طالب:. . . . . . . . .
بس أنه لما أراد أن يكتب مقصود، الوصية مثل؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن يوصي له بالانتفاع من هذه الكتب، يعني كما لو ناوله،
أعطاه كتاباً، أهدى له كتاباً، ثم إذا أهدى له قلنا: ويش الفرق
بينه، وبين أن يبيع عليه كتاباً، ثم لو قلنا ما في فرق بين أن
يبيع، قلنا: لو ورث الكتاب عنه، يروي، وإلا ما يروي؟ ما يروي،
يقول لك كل الناس يروون.
طالب:. . . . . . . . .
المكاتبة مقصودة، الشخص المكتوب له مقصود بهذه المكاتبة حين
الكتابة مقصود، والكاتب يكتب حدثنا فلان، وفلان، وهو يكتب
لفلان، قريبة من السماع، نعم؟
الثامن: الوجادة
ثم الوجادة وتلك مصدر ... وجدته مولداً ليظهر
تغاير المعنى وذاك إن تجد ... بخط من عاصرت أو قبل عهد
ما لم يحدثك به ولم يجز ... فقل: بخطه وجدت واحترز
إن لم تثق بالخط قل: وجدت ... عنه أو اذكر قيل أو ظننت
وكله منقطع والأول ... قد شيب وصلاً ما وقد تسهلوا
فيه "بعن" قال: وهذا دلسه ... تقبح إن أوهم أن نفسه
حدثه به وبعض أدى ... حدثنا أخبرنا وردا
وقيل: في العمل إن المعظما ... لم يره وبالوجوب جزما
بعض المحققين وهو الأصوب ... ولابن إدريس الجواز نسبوا
وإن يكن بغير خطه فقل: ... قال ونحوها وإن لم يحصل
بالنسخة الوثوق قل: بلغني ... والجزم يرجى حله للفطن
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في القسم الثامن من أقسام
التحمل: "الوجادة" الوجادة أن يجد بخط شيخه الذي عاصره، أو من
قبله بخط لا يشك فيه أنه خط فلان، فهل يروي مع المعاصرة، أو
يروي مع بعد العهد، والتقادم شريطة أن لا يشك بأن هذا خط فلان،
يروي كما لو سمع منه، أو كما لو قرأ عليه، أو كما لو أجازه، أو
لا بد أن يقول: وجدت بخط فلان.
(26/22)
عبد الله بن الإمام أحمد في مواضع كثيرة من
المسند يقول: وجدت بخط أبي، فالتبيين في مثل هذا هو الأصل.
يقول -رحمه الله-: "ثم" يلي، ثم يعني يلي ما تقدم "الوِجادة"
الوجادة بكسر الواو "وتلك" أي لفظ الوجادة "مصدر وجدته مولداً"
يعني غير مسموع من العرب، الوجادة لا تُعرف في لغة العرب في
معناها الاصطلاحي، وإنما اللفظ "وجادة" مولد، فغير مسموع من
العرب كما قاله المعافى بن زكريا النهرواني في كتابه "الجليس
الصالح" كتاب مطبوع في ثلاثة، أو أربعة مجلدات، مطبوع، وفيه
فوائد،
. . . . . . . . . ... وجدته مولداً ليظهر
تغاير المعنى. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
تغاير المعنى للتمييز بين المعاني المختلفة.
الفعل "وَجَدَ" وجد وِجَادة فيما يوجد من الصحف المكتوبة،
ووَجْداً، وجِدةً، ووجُوداً، وغير ذلك من المصادر، جعلوا
الوجادة من أجل أن يتغاير المعنى، فجعلوا كل لفظ من ألفاظ هذه
المصادر لمعنىً من المعاني، وجَد وجْداً، وجد جِدةً، وجَد
موجِدة، وجَد وِجادة، فتكون فيما نحن بصدده، وِجادة، والوَجْد،
والوُجُود، والمَوجِدة، فرقوا بين المصادر ليكون لكل لفظ معنىً
خاص به، يعني مثل ما فرقوا بين مصادر الفعل "رأى" رأى رأياً،
رأى رؤية، رأى رؤيا، الفعل واحد، والمصادر مختلفة، للتمييز بين
المعاني مختلفة "وذاك" أي: قسم الوجادة اصطلاحاً نوعان: حديث،
وغيره، غير الحديث "وذاك إن تجد" يعني الأول:
. . . . . . . . . إن تجد ... بخط من عاصرت أو قبل عُهد
(26/23)
"بخط من عاصرت" يعني بعض من عاصرت سواءً
لقيته، أم لا "أو قبل" ممن لم تعاصره "عُهد" وجوده فيما مضى في
تصنيف له، أو لغيره، المقصود أنك تعرف أن هذا خط المؤلف، أو خط
تلميذ المؤلف، أو خط ممن قابل نسخته على نسخة المؤلف، يعني نسخ
معتمدة، أما الاعتماد على النسخ غير المعتمدة هذا لا -كما قرر
أهل العلم- أنها لا يعول عليها في الرواية، لا يعول عليها في
الرواية حتى تقابل أصلك بأصول متعددة، شرط عندهم، وقال يحيى
أصلٍ فقط، يعني النووي قال: يكفي مقابلته على أصل واحد فقط،
يعني إذا وجدت نسخة من كتاب مخطوط، وأردت أن تحقق هذا المخطوط
تقابل هذا الذي وجدته بأصل من الأصول يكفي واحد، لكن كونك تحقق
الكتاب على نسخة واحدة لا تجد ما تقابل عليها من الأصول لا
يكفي، اللهم إلا إذا كانت هذه النسخة مرت على أهل العلم،
وتداولوها، وقابلوها، وقرؤوها، وعلقوا عليها هذه ما تحتاج إلى
مقابلة على أصول، هذا لا تحتاج إلى مقابلة على أصول، وأهل
العلم معروف أن لهم عناية بالتصحيح على ما سيأتي في كتابة
الحديث، ومقابلة النسخة على الأصل الواحد مراراً، وعلى الأصول
المتعددة، ويجعلون في كل مقطع، أو في نهاية كل مجلس دائرة، ثم
يضعون في هذه الدائرة -على ما سيأتي- في المقابلة الأولى نقطة،
ويستدل بهذا على أنها قوبلت مرة، ثم إذا قوبل مرة ثانية وضعوا
نقطة، قوبلت مرة ثانية، وهكذا، والآثار آثار لمسات مقابلة أهل
العلم توجد على أطراف الصفحات في نسخة كذا، في نسخة كذا،
وتزداد قيمة الكتب بهذه المقابلات، وبعناية أهل العلم، أما أن
يوجد كتاب لا يدرى ما أصله، وهل قوبل، أو لم يقابل؟ وأهل العلم
يقولون: إذا نسخ الكتاب فلم يقابل، ثم نسخ فلم يقابل خرج
أعجمياً، أنتم ترون حتى في الطباعة الآن، حتى في الطباعة بعض
الكتب لا يمكن أن تُقرأ، وهي مطبوعة بحرف جميل، وعلى ورق صقيل،
ومع ذلك قد تمر الأسطر ما يفهم معناها لسوء الطباعة، يعني لو
ضربنا مثالاً بعارضة الأحوذي، طبعة الصاوي، والتازي، الطبعة
الأولى، هذا الكتاب كأنه أعجمي، لا يستقيم، ولا نصف صفحة منه،
مشحون بالأخطاء، وهذه المطبعة، ومن نشر الكتاب ليست لهم أدنى
عناية بالعلم الشرعي، ولا الكتب، وإلا كان ما يخرج
(26/24)
بهذه الطريقة، والشيخ أحمد شاكر في مقدمة
تحقيقه لكتاب الترمذي قال: إنهم طلبوا نسخته من المتن ليطبعوا
عليها، ليطبعوا عليها، الذين طبعوا عارضة الأحوذي، يقول: لما
ظهر المجلد الأول من العارضة، وقرأته فإذا بهم قد أدخلوا
تعليقاتي في أصل الترمذي، وقالوا: خرجه أبو داود، وخرجه فلان،
وفلان، من تخريجاتهم، نعم، ومن تعليقاتي: اختلف في اسمه واسم
أبيه على نحو من ثلاثين قولاً، أدخلوها، مثل هؤلاء يعتمد على
طباعتهم؟ لا يعتمد على طباعاتهم، ولذا على طالب العلم أن يعنى
بالمطابع التي تهتم، وبالمحققين الذين لهم عناية، وخبرة
بالتحقيق.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . أو قبل عُهد
ما لم يحدثك به ولم يجز ... . . . . . . . . .
يعني ليست لك رواية بهذا الكتاب الذي وجدته لا بتحديث، ولا
إجازة، ولم يجز لك روايته،
. . . . . . . . . ... فقل بخطه وجدت واحترز
يعني قل: حسبما استمر عليه العمل قديماً، وحديثاً، وجدت، أو
قرأت بخط فلان، أو في تصنيف لفلان إن كنت تجزم به، أو نسب
لفلان، كثيراً ما يقال: في الكتاب المنسوب لفلان، هذا إذا لم
تتأكد من نسبته، وإذا تأكدت من نسبته، وعرفت أن نسبته إلى
مؤلفه صحيحة لا تتردد، تقول: قال فلان،
. . . . . . . . . ... فقل بخطه وجدت واحترز
كما كان يكتب أهل العلم: وجدت بخط فلان، وذكرنا من الأمثلة قول
عبد الله بن الإمام أحمد.
"واحترز"
إن لم تثق بالخط قل وجدت ... عنه. . . . . . . . .
(26/25)
إن لم تثق بذلك الخط بالطريقة المشروحة في
المكاتبة، بالطريقة المشروحة في المكاتبة، إن تثق بعلمك،
وبطريقتك التي لا تشك في أن هذا خطه، أو بإخبار ثقة أن هذا
خطه، "قل: وجدت عنه" أي: عن فلان، أو بلغني عنه "أو اذكر" يعني
وجدت إن لم تثق بالخط بالطريقة المشروحة سابقاً، فقل: وجدت
عنه، أي: عن فلان، أو بلغني عنه، يعني لا تجزم أن فلان أنك
وجدت بخطه، أو اذكر وجدت بخطه، يعني إن جزمت بأن هذا خطه، أو
قامت البينة على أنه خطه "أو اذكر قيل" بالشك بالتمريض "قيل أو
ظننت" أو وجدت بخط قيل إنه خط فلان من غير جزم بصيغة التمريض،
أو ظننت، يعني بناءً على غلبة الظن، وإن نزلت المرتبة مرتبة
الثقة بالخط عن مرتبة الظن، فقل: وجدت بخط أشك أنه خط فلان،
أشك أنه خط فلان:
وكله منقطع والأول ... . . . . . . . . .
كل المروي بها بطريق الوجادة منقطع، أو معلق، وهو أولى؛ لأن
الانقطاع في مبادئ السند الذي بينك، وبين المؤلف:
وكله منقطع والأول ... قد شيب وصلاً ما. . . . . . . . .
الأول إذا وثق بخطه، إذا وثق بأنه خطه "قد شيب وصلاً ما" أي:
بوصل حيث قيل فيه: وجدت بخط فلان لما فيه من الارتباط في
الجملة، لما فيه من الارتباط بين الواجد، وصاحب الخط في
الجملة، وزيادة قوة للخبر، فهي الأصل فيها الانقطاع لكن فيها
شوب اتصال، شوب اتصال لا سيما من المعاصر، أما من وجد بينهما
تباين في الزمن، كأن يجد الإنسان بخط شيخ الإسلام الذي لا يشك
فيه، هذا ما فيه اتصال، الانقطاع ظاهر، لكن إذا كان لا يشك به
فلا شك أن .. ، وإن لم تصح الرواية المتصلة إلا أن العمل به
لازم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان بخطه الذي لا يشك فيه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(26/26)
موجود إيه، يعني عبد الله بن الإمام عرف
الناس بخطه، يعني الوثائق، الوثائق الوصايا، والأوقاف، والعقود
موجبة، وإلا غير موجبة؟ موجبة هذه مثلها، يعني إذا وجد وثيقة
بخط فلان أنه أوقف كذا، ثم شهد على هذا الخط أنه خط فلان، ثم
أُنكر، أو ادعى أحد أولاده أنه ليس بخطه، ولذا يقول أهل العلم:
أنه إذا وجد الوارث بخط أبيه الذي لا يشك فيه أن له ديناً على
فلان، قالوا: له أن يحلف على هذا الدين، له أن يحلف على هذا
الدين.
وكله منقطع والأول ... قد شيب وصلاً ما وقد تسهلوا
أي جماعة من المحدثين بنقله بصيغة "عن" يعني عن فلان "فيه بعن"
أي في إيراد ما يجدونه بخط الشخص، فأتوا بلفظ عن فلان، أو
نحوها مثل "قال" مكان "وجدت" قال فلان، يعني أنت تنقل من كتاب
لشيخ الإسلام تقول: قال شيخ الإسلام تجزم به، تجزم بالقول إذا
كنت تجزم بصحة الكتابة إليه، لكن قال ابن الصلاح: "وهذا دلسة"
لأن اللفظ "قال"، والعنعنة إذا ثبتت من معاصر لمن عاصره، وسلم
من وصمة التدليس، أو لقيه على الخلاف بين الإمامين في السند
المعنعن يحكم لها بالاتصال، فكأنه سمع منه، يحكم لها بالاتصال،
ابن الصلاح يقول:
. . . . . . . . . وهذا دلسة ... تقبُح إن أوهم أن نفسه
يعني تقبح إن أوهم الواجد بأن كان معاصراً له "أن نفسه" أي
الشخص الذي وجد المروي بخطه "حدثه به" يعني إذا قال: عن فلان،
وأوهم الناس، أو أوهم القارئ، أو أوهم السامع أنه حدثه به،
وحقيقة الحال أنه وجده بخطه لا شك أن هذه دلسة، حدثه به، أو له
منه إجازة بخلاف ما إذا لم يوهِم، بأن لم يكن معاصراً له، هذا
ما فيه، الانقطاع ظاهر، ولا يخفى على طالب العلم، ولو كان
مبتدئاً، بالرجوع إلى التواريخ، والتراجم يعرف أنه ما حدَّثه،
ولا أجازه به "وبعض أدى" أي: بعض جازف، و "أدى"
. . . . . . . . . ... حدثنا أخبرنا ورُدَّا
يعني وجد بخط شخص لا يشك فيه، ثم جازم، فقال في صيغة الأداء:
حدثنا، وأخبرنا، وهذا حكاه القاضي عيا ض عن بعضهم "ورُدَّا"
ذلك على قائله،
وقيل: في العمل إن المعظما ... لم يره وبالوجوب جزما
(26/27)
"وقيل" يعني لكونه غير متصل "في العمل" بما
تضمنه "أن المعظما" يعني من المحدثين، والفقهاء لم يرووه "لم
يره" قياساً على المرسل، ونحوهما مما لم يتصل، ولكن "بالوجوب"
في العمل حيث ساغ "جزما" أي: قطع "بعض المحققين" من أصحاب
الشافعي، يعني إذا جزمنا بأن هذا الكتاب بخط فلان، وفلان ثقة,
ومن يروي عنهم ثقات، العمل بهذا لا زم، مجزوم به، كما نجد في
الكتب المدونة "وبالوجوب جزما" يعني في العمل لا اتصال الرواية
"بعض المحققين" يعني من أصحاب الشافعي "وهو الأصوب" يعني القطع
بالوجوب هو الأصوب، القطع بوجوب العمل هو الأصوب الذي لا يتجه
غيره في الأعصار المتأخرة، وإلا لأدى إلى تضييع بعض السنن
"ولابن إدريس" الإمام محمد بن إدريس الشافعي:
بعض المحققين وهو الأصوب ... ولابن إدريس الجواز نسبوا
أي: جماعة من الفقهاء نسبوا ذلك، فاجتمع في العمل ثلاثة أقوال:
المنع:
وقيل: في العمل أن المعظما ... لم يره. . . . . . . . .
المنع، والوجوب "وبالوجوب جزما بعض المحققين"، "ولابن إدريس
الجواز" المنع، والجواز، والجوب.
النوع الثاني من أنواع الوجادة:
وإن يكن بغير خطه فقل: ... قال ونحوها وإن لم يحصل
"وإن يكن بغير خطه" يعني إن يكن ما تجده من مصنف لبعض العلماء
ممن عاصرته، أو لم تعاصره "يكن بغير خطه" إما بخط غيره، أو
مطبوع مثلاً، وجدت المغني مطبوع، ماذا تقول إذا أردت النقل؟
وإن يكن بغير خطه فقل: قال، تقول: قال ابن قدامة، نعم قال
فلان: كذا، ونحوها من ألفاظ الجزم "وإن لم يحصل"
بالنسخة الوثوق قل: بلغني ... والجزم يرجى حله للفطن
يعني إذا كننت لا تثق بهذه النسخة، إما لأن ثبوتها عن صاحبها
فيه كلام، أو صحة هذه النسخة، ودقة الناسخ، والمقابلة فيه شيء،
أو أن هذه المطبعة عرفت بأنها لا تهتم، يعني مثل من طبع كتاب
الإمام البخاري "جزء القراءة خلف الصلاة"، العنوان "جزء
القراءة خلف الصلاة"، هل هذه المطبعة يوثق بما تطبع؟ إذا كان
العنوان خطأ؛ فماذا عن المحتوى؟ في جزء القراءة خلف الصلاة؟!
"خلف الإمام" كتاب الإمام البخاري، لكن مثل هذه المطبعة يعتمد
عليه؟ ما يعول عليها "وإن لم يحصل"
بالنسخة الوثوق قل: بلغني ... . . . . . . . . .
(26/28)
عن فلان أنه ذكر كذا، أو وجدت في نسخة من
الكتاب الفلاني كذا،
. . . . . . . . . ... والجزم يرجى حله للفطن
يعني لكن الجزم في المحكي لما يكون في هذا القبيل يرجى حله
للفطن، العالم الذي لا يخفى عليه في الغالب مواضع الإسقاط، وما
أحيل عن جهته، يعني بعض الناس تعطيه نسخة مغلوطة، نسخة مغلوطة،
وقد يكون فيها إسقاط، ثم بعد ذلك يأخذ النسخة، ويقرأها،
ويستظهر هذه الأخطاء، ولو ما عنده أصل، الفطن يستطيع، الفطن
يستطيع.
في فتح الباري –مثلاً- الكلام على حديث، قال ابن حجر: "فينبغي
الاضطراب" لما تكلم على الحديث بأسانيده، وطرقه التي حكم عليها
بالاضطراب، ثم تكلم الحافظ، وكأنه رجح أحد الطرق على غيرها
"فينبغي الاضطراب" فعلق المعلق قال: فينبغي أن لا اضطراب،
وصوابها فينتفي الاضطراب؛ لأنه ما في لا، ينبغي هذه ينتفي،
وانتهى الإشكال.
فالفطن يدرك مثل هذه الأمور، ويصحح، وبعضهم عنده من الدقة من
دقة التصور، وسبك الكلام بحيث لو كان السقط أكثر من كلمة، أو
جملة يسبكها، فإذا اطلع على نسخة صحيحة، وجدت موافقة، وجدت
موافقة، وفي نسخة، الطبعة الأولى من تفسير القرطبي، قرأت في
المجلد الأول، وعلقت عليه بكلام نصف سطر؛ لأن الكلام ركيك
علقت، لما وقفت على الطبعة الثانية من الكتاب، وطبعة دار الكتب
مطبوعة قبل ولادتي، لكن ما وقفت عليها إلا بعد، فإذا عليها نفس
التعليق بالحروف، يعني لو كانت عندي النسخة الثانية عرفت أنني
نقلتها منه، فكما قال الأول: قد يقع الحافر على الحافر، قد يقع
الحافر على الحافر، فإذا كان الإنسان عنده خبرة، ودربة في
ألفاظ أهل العلم، وأساليبهم، وله خبرة –أيضاً- في النظر في
الكتب، وتصحيحها يعني لا شك أنه قد لا يخفى عليه مثل هذا.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.
(26/29)
|