التلخيص الحبير ط العلمية - كِتَابُ الطلاق
مدخل
...
كتاب الطَّلَاقِ1
1590 - قَوْلُهُ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبْغَضُ الْمُبَاحِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ الْحَلَالِ بَدَلَ الْمُبَاحِ2، وَرَوَاهُ أَبُو
__________
1 الطلاق: اسم مصدر لـ طلق بالتشديد ومصدره التطليق، ومصدر لـ طلق بالتخفيف، يقال: طلقت المرأة طلاقا، فهي طالق، وكثيرا ما تفرق العرب بين اللفظين عند اختلاف المعنيين، نقول: أطلقت إبلي وأسيري، وطلقت امرأتي، فاستعملوا في النكاح التفعيل، ولهذا لو قال لزوجته: أنت مطلقة بالتشديد كان صريحا، وبالتخفيف كان كناية وله معان كبيرة.
ومنها الفراق، والترك، يقال: طلقت القوم وتركتهم، وطلقت رد فارقتها.
ومنه قول الشاعر [الوافر]:
غطارفة ترون المجد غنما ... إذا ما طلق البرم العيالا.
تركهم كما يترك الرجل المرأة.
ومنها: التخلية والإرسال، أعوذ من قولهم: طالق إذا خليت مهملة بغير راع.
وفي حديث ابن عمر: والرجل الذي قال لزوجته: أنت طالق، وطلقت الأسير، أي خليته، وأنشد سيبويه [الوافر]:
طليق الله لم يمنن عليه ... أبو داود وابن أبي كبير
وفي حنين: خرج ومعه الطلقاء هم الذين خلى عنهم يوم فتح مكة وأطلقهم وفرقهم.
وأحدهم طليق وهو الأسير، إذا أطلق سبيله.
ومنها حل القيد حسيا كقيد الفرس، أو معنويا كالعصمة فإنها تحل بالطلاق، ومن هذا حبسوه في السجن طلقا أي: بغير قيد، ويقال للإنسان إذا أعتق طليق، أي صار حرا.
وقال الجوهري: بغير طلق، وناقة طلق، أي غير مقيت وأطلقت الناقة من العقال فطلقت.
انظر: الصحاح 4/1517، والمغرب 292، والمصباح المنير 2/573.
اصطلاحا:
عرفه الحنفية بأنه: إزالة الذي هو قيد معنى.
عرفه الشافعية بأنه: حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه، أو هو: تصرف مملوك للزوج يحدثه بلا سبب، فيقطع النكاح.
عرفه المالكية بأنه: إزالة القيد، وإرسال العصمة، لأن الزوجة تزول عن الزوج.
وعرفه الحنابلة بأنه: حل قيد النكاح أو بعضه.
انظر: الاختيار لتعليل المختار ص 62، التبيين 2/188، الدرر 1/358، البدائع 4/1765، مغني المحتاج 3/279، الخرشي على مختصر سيدي خليل 3/11، الكافي 2/571، كشاف القناع 5/232، والمغني 7/363.
2 أخرجه أبو داود 2/661، 662، كتاب الطلاق: باب في كراهية الطلاق 2178، عن محارب بن دثار عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به، وابن ماجة في السنن 1/650، كتاب الطلاق: باب حدثنا سويد بن سعد 2018، والبيهقي 7/322، كتاب الخلع والطلاق: باب ما جاء في كراهية الطلاق، والحاكم في المستدرك 2/196، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححه الذهبي على شرط مسلم، وأخرجه ابن الجوزي في العلل 2/638، 1056، وابن أبي حاتم في العلل 1/431، وقال: قال أبي: إنما هو محارب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسل. وكذا رواه ابن أبي شيبة في المصنف 7/==

(3/434)


دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا1 لَيْسَ فِيهِ ابْنُ عُمَرَ وَرَجَّحَ أَبُو حَاتِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَلِ وَالْبَيْهَقِيُّ الْمُرْسَلَ وَأَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ بِإِسْنَادِ ابْنِ مَاجَهْ وَضَعَّفَهُ بِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ به فقد تابعه معروف بْنُ الْوَاصِلِ إلَّا أَنَّ الْمُنْفَرِدَ عَنْهُ بِوَصْلِهِ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَكْحُولٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ بِلَفْظِ "مَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إلَيْهِ مِنْ الطَّلَاقِ" 2، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَمُنْقَطِعٌ أَيْضًا.
وَلِابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَلْعَبُ بِحُدُودِ اللَّهِ يَقُولُ قَدْ طَلَّقْت قَدْ رَاجَعْت3، بَوَّبَ عَلَيْهِ ابْنُ حِبَّانَ "ذَكَرَ الزَّجْرَ عَنْ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَرْءُ النِّسَاءَ ثُمَّ يَرْتَجِعَهُنَّ حَتَّى يَكْثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ" انْتَهَى.
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ خِلَافُ مَا فَهِمَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
1591 - قَوْلُهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ {فَطَلِّقُوهُنَّ لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ} وَتَكَلَّمُوا فِي أَنَّهُ قِرَاءَةٌ أَوْ تَفْسِيرٌ هُوَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْحَدِيثَ4، وَفِيهِ هَذَا.
__________
=138، من طريق معرف به مرسلا.
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، قال يحيى الوصافي: ليس بشيء، وقال الفلاس، والنسائي: معروف الحديث.
1 أخرجه أبو داود 2/254-255، كتاب الطلاق: باب في كراهية الطلاق، حديث 2177، والبيهقي 7/322.
2 أخرجه الدار قطني في سننه 4/35، كتاب الطلاق، عن معاذ رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: "يا معاذ ما خلق الله شيئا على وجه الأرض أحب إليه من العتاق ولا خلق الله شيئا على وجه الأرض، ولا أبغض إليه من الطلاق..." من طريق حميد بن مالك اللخمي عن مكحول عن معاذ به.
قال السخاوي في المقاصد الحسنة ص 12:
وهو عند الديلمي في مسنده من جهة محمد بن الربيع عن أبيه، عن حميد: ولفظه إن الله يبغض الطلاق ويحب العتاق، ولكنه ضعيف بالانقطاع فمكحول لم يسمع من معاذ، بل وحميد مجهول، وقد قيل عن مكحول عن مالك بن يخامر عن معاذ وقيل: عنه عن مكحول عن خالد بن معدان عن معاذ وكلها ضعيفة والحمل فيها كما قال ابن الجوزي على حميد اهـ.
3 أخرجه ابن ماجة 1/650، كتاب الطلاق: باب حدثنا سويد بن سعيد، حديث 2017، وابن حبان 10/82، في كتاب الطلاق، حديث 4265، والبيهقي 7/323.
قال البوصيري: هذا إسناد حسن من أجل مؤمل بن إسماعيل أبو عبد الرحمن، مصباح الزجاجة 2/125.
4 أخرجه مسلم 5/322 –نووي، كتاب الطلاق: باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، حديث 14/1471.

(3/435)


وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنَّهُ قِرَاءَةٌ أَوْ تَفْسِيرٌ فَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ لَعَلَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ لَا عَلَى وَجْهِ التِّلَاوَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا لَكِنَّهَا شَاذَّةٌ لَكِنْ لِصِحَّةِ إسْنَادِهَا يُحْتَجُّ بِهَا وَتَكُونُ مُفَسِّرَةً لِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ.
1592 - حَدِيثُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا" الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ وَلَهُ عِنْدَهُمَا أَلْفَاظٌ1 مِنْهَا:
__________
1 آخرجه مالك 2/576، كتاب الطلاق: باب ما جاء في الإقراء 53، والبخاري 9/345، كتاب الطلاق حديث 5251، ومسلم 2/1093، كتاب الطلاق: باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، حديث 1/1471، وأحمد 2/6، 54، والشافعي 2/32-33، كتاب الطلاق: باب ما جاء في أحكام الطلاق، حديث 102، 104، والدارمي 2/160، كتاب الطلاق: باب السنة في الطلاق، والطيالسي 1853، وأبو داود 2/632، 634، كتاب الطلاق: باب طلاق السنة، حديث 2179، والنسائي 6/138، كتاب الطلاق:باب وقت الطلاق للعدة، وابن ماجة 1/651، كتاب الطلاق: باب طلاق السنة حديث 2019، وابن الجارود في المنتقى رقم 734، والمروزي في السنة 240، والدار قطني 4/6-11، كتاب الطلاق والخلع والإيلاء، والبيهقي 7/323-324، كتاب الخلع والطلاق: باب ما جاء في طلاق السنة، وابن حبان 4249 –الإحسان، والبغوي في شرح السنة 5/148 –بتحقيقنا، من طرق عن نافع عن ابن عمر به.
وأخرجه البخاري 8/521، كتاب لتفسير: باب سورة الطلاق، حديث 4908، ومسلم 2/1094، كتاب الطلاق: باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها وأنه لو خالف رقع الطلاق، حديث 4، 5/1471، وأبو داود 2/634-635، كتاب الطلاق: باب في طلاق السنة، حديث 2181، 2182، والنسائي 6/138، كتاب الطلاق: باب وقت الطلاق، والترمذي 3/479، كتاب الطلاق: باب ما جاء في طلاق السنة، حديث 1176، وابن ماجة 1/652، كتاب الطلاق: باب الحامل كيف تطلق، حديث 2023، والدارمي 2/160، كتاب الطلاق: باب السنة في الطلاق، وابن الجارود 736، وأبو يعلى 9/329، رقم 5440، والطحاوي في شرح معاني الآثار، والدار قطني 4/6، 7، كتاب الطلاق والخلع والإيلاء وغيره، والبيهقي 7/324، كتاب الطلاق: باب ما جاء في طلاق السنة وطلاق البدعة، من طرق من سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه به.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وأخرجه البخاري 9/264، كتاب الطلاق: باب إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق، حديث 5252، ومسلم 2/1093، كتاب الطلاق: باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها ... حديث 11، 12/1471، وأحمد 2/61، 74، والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/52، وابن الجارود 735، والدار قطني 4/5-6، كتاب الطلاق والخلع والإيلاء وغيره من طريق شعبة عن أنس بن سيرين عن ابن عمر قال: طلق ابن امرأته وهي حائض فذكر عمر للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "ليراجعها" قلت: تحتسب، قال: فمه.
وأخرجه البخاري 9/264، كتاب الطلاق: باب إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق، حديث 5253، والنسائي 6/141، كتاب الطلاق: باب الطلاق بغير العدة، والطيالسي 1605، وعبد==

(3/436)


عِنْدَ مُسْلِمٍ وَحَسَبْت لَهَا التَّطْلِيقَةَ الَّتِي طَلَّقْتهَا وَفِي رِوَايَةٍ فَقُلْت لِابْنِ عُمَرَ وَحَسَبْت تِلْكَ التَّطْلِيقَةَ قَالَ فَمَهْ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَرَدَّهَا عَلَيَّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا قَالَ أَبُو دَاوُد الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا عَلَى خِلَافِ هَذَا يَعْنِي أَنَّهَا حُسِبَتْ عَلَيْهِ بِتَطْلِيقَةٍ وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُصَرِّحًا بِذَلِكَ وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ كَمَا تَقَدَّمَ لَكِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ أَبُو الزُّبَيْرِ فَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَعْتَدُّ بِذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْهُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ لَكِنْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ لَا يَعْتَدُّ بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أنه خالف السنة لا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الطَّلْقَةَ لَا تُحْسَبُ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْقَوِيَّةِ1، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
=الرزاق 6/308، رقم 10955، والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/52، والبيهقي 7/327، من طريق سعيد بن جببير عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فردها عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى طلقها وهي طاهر.
وأخرجه البخاري 9/269، كتاب الطلاق: باب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق، حديث 258، ومسلم 2/1096، 1097، كتاب الطلاق: باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، حديث 9، 10/1471، وأبو داود 1/662، كتاب الطلاق: باب في طلاق السنة، حديث 2183، والنسائي 6/141، كتاب الطلاق: باب الطلاق بغير العدة، ما تحتسب منه على المطلق، والترمذي 3/478، كتاب الطلاق واللعان: باب ما جاء في طلاق السنة، حديث 1175، وابن ماجة 1/650، كتاب الطلاق: باب طلاق السنة حديث 2022، وعبد الرزاق 6/309، رقم 10959، والطيالسي 1603، والطحاوي 3/52، والبيهقي 7/325-326، من طريقين عن أبي غلاب يونس بن جبير قال: قلت لابن عمر: رجل طلق امرأته وهي حائض فقال: تعرف ابن عمر؟ إن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض فأتى عمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر ذلك له فأمره أن يراجعها فإذا طهرت فأراد أن يطلقها فيطلقها قلت: فهل عد ذلك طلاقا، قال: "أرأيت إن عجز واستحمق" .
1 أجمع جمهور العلماء على أن الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه واقع، وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنه غير واقع، وإليه ذهب الصادق وابن حزم من المتقدمين، وابن تيمية وابن القيم من المتأخرين، وحكاه الخطابي عن الخوارج والروافض وحكاه ابن العربي عن إبراهيم بن إسماعيل بن علية وهو من فقهاء المعتزلة.
أدلة القائلين بالوقوع
استدل الموقعون لهذا الطلاق، أولا: بقوله تعالى: {إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1] الآية. وجه الاستدلالة إن صدر الآية استفيد منه أننا مأمورون إذا أردنا الطلاق بأن نطلق نساءنا للعدة. والطلاق للعدة هو الطلاق في طهر لا يجامعها فيه أو عند استبانة الحمل. وقوله تعالى في نسق الخطاب: {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه} [الطلاق: 1]، يدل بعمومه على أن من طلق في الحيض أو في طهر جامع فيه فهو ظالم لنفسه: إذ لا نزاع بيننا وبين المخالف في أن من طلق في الحيض أو في طهر جامع فيه قد تعدى حدود الله بهذا الطلاق. وقد قال تعالى: {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه} [الطلاق: 1]، فثبت بهاذ أن من طلق في الحيض أو في طهر جامع فيه ظالم لنفسه ولا يكون ظالما لنفسه إلا إذا تعدى حدوده=

(3/437)


تَنْبِيهٌ: اسْمُ امْرَأَتِهِ آمِنَةُ بِنْتُ غِفَارٍ قَالَهُ ابْنُ بَاطِيشٍ.
__________
= تعالى. ولا يكون متعديا حدوده تعالى إلا إذا ارتكب أمرا محرما. ولا يكون مرتكبا أمرا محرما إلا إذا وقع ما أوقفه في الحيض أو في طهر جامع فيه من غير أن يقع به شيء أمرا محرما واستدلوا ثانيا: بإطلاقات النصوص من قوله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة: 230]، وقوله تعالى: {الطلاق مرتان} [البقرة: 229].
قالوا: دلت هذه النصوص بإطلاقها على وقوع الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه.
واستدلوا ثالثا: بما في صحيح البخاري حدثنا إسماعيل بن عبد الله، قال: حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته في الحيض على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر ذلك عمر لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء" .
فقد أمر ابن عمر بمراجعة امرأته لما طلقها في الحيض والمراجعة لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق.
وقول ابن القيم: إن المراجعة أطلقت في لسان الشارع على ثلاثة معان: أحدها: الرد الحسي من غير وقوع طلاق. فجائز أن يكون المراد منها في هذا الحديث الرد الحسي. غاية ما يلزم منه أنها تطلق في لسان الشارع على هذه المعاني الثلاثة بالاشتراك اللفظي، ونحن نسلم له ذلك، ونقول إن أحد هذه المعاني –وهو المراجعة بعد وقوع الطلاق- فتعين لوجود قرائن تدل عليه أحدها : إضافة المراجعة إلى المرأة. فلا يقال في عرف الشارع راجع امرأتك إلا بعد وقوع طلاق عليها. ثانيها : أمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن عمر بأن يترك امرأته من غير طلاق حتى تطهر من الحيضة الثانية. لأنه لو كان المراد من المراجعة الرد الحسي من غير وقوع طلاق كما كان هناك معنى معقول، لأين يتركها من غير طلاق حتى تطهر من الحيضة الثانية. لأن الطهر الذي يلي الحيضة التي أوقع فيها الطلاق إذا كان خاليا عن جماع صالح لإيقاع الطلاق فيه، فأمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن عمر بأن يدعها حتى تطهر عن الحيضة الثانية دليل على أن المراجعة المراد معها المراجعة بعد وقوع الطلاق.
إن قيل: ورد في رواية أخرى أن ابن عمر أمر بمراجعة امرأته وتركها حتى تطهر من الحيضة الأولى التي أوقع فيها الطلاق ثم إن شاء أمسكها في طهر هذه الحيضة وإن شاء طلقها فيه.
قلنا: الرواية التي سقناها هي أصح الروايات عن ابن عمر كيف وهي رواية مالك عن نافع عن ابن عمر. ومن مذهب البخاري أن أصح الأسانيد ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر.
ثالثها : ما أخرجه الدار قطني من طريق سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبد الله بن عمر أن رجلا قال له: إني طلقت امرأتي البتة، وهي حائض. فقال ابن عمر: عصيت ربك وفارقت امرأتك. فقال الرجل: فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر ابن عمر أن يراجع امرأته. قال ابن عمر: إنه أمر ابن عمر أن يراجعها بطلاق بقي له، وأنت لم يبق لك ما ترجع به امرأتك.
فقول ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر ابن عمر أن يراجعها بطلاق بقي له دليل على أن المراجعة المراد منها المراجعة بعد وقوع الطلاق.
وقوله لذلك الرجل الذي طلق امرأته البتة في الحيض: عصيت ربك وفارقت امرأتك. إفتاء منه بوقوع الطلاق في الحيض وغير معقول أن يفتي ابن عمر بوقوع الطلاق في الحيض وهو يعلم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يوقع طلاقه في الحيض.
واستدلوا رابعا: بما عند الدار قطني من رواية شعبة عن أنس بن سيرين عن ابن عمر... فقال عمر: يا رسول الله أفتحتسب بتلك المطلقة قال: نعم وهو نص في موضوع النزاع. ورجاله في شعبة ثقات. ==

(3/438)


قُلْت وَهُوَ كَذَلِكَ فِي تَكْمِلَةِ الْإِكْمَالِ لِابْنِ نُقْطَةَ عَزَاهُ لِابْنِ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ
__________
= واستدلوا خامسا: بما ورد في رواية متفق عليها، وكان عبد الله طلق تطليقة فحسبت من طلاقها، وفي لفظ للبخاري: حسبت علي بتطليقة.
وأجاب ابن حزم بأن ابن عمر لم يصرح بمن حسبها عليه ولا حجة في أحد دون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ورد هذا الجواب بأن قول الصحابي أمرنا بكذا في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. في حكم المرفوع إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقول ابن عمر: حسبت علي بتطليقة: يفيد أن الذي حسبها عليه هو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الحافظ: وعندي أنه لا ينبغي أن يجيء فيه الخلاف الذي في قول الصحابي أمرنا بكذا. فإن محل الخلاف حيث يكون اطلاع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس صريحا. وليس كذلك في قصة ابن عمر. فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الآمر بالمراجعة. وهو المرشد لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك، وإذا أخبر ابن عمر بأن الذي وقع منه حسب عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها عليه غير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعيدا جدا مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك.
وكيف يتخيل أن ابن عمر يفعل في القصة شيئا برأيه، وهو ينقل أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تغيظ من صنعه حيث لم يشاوره فيما يفعل في القصة المذكورة اهـ، وبما نقلناه عن الحافظ سقط ما قال ابن القيم: إنه لم يرد التصريح بأن ابن عمر احتسب بتلك الطلقة إلا في رواية سعيد بن جبير عند البخاري وليس في التصريح بالرفع فانفراد سعيد بن جبير بذلك، كانفراد أبي الزبير بأنه لم يرها شيئا. فإما أن يتساقطا، وإما أن ترجح رواية أبي الزبير لتصريحها بالرفع، وتحمل رواية سعيد بن جبير على أن أباه هو الذي حسبها عليه بعد موت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الوقت الذي ألزم الناس بالطلاق الثلاث بعد أن كان في زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحتسب عليهم به ثلاثا إذا كان بلفظ واحد اهـ.
وجه سقوط ما قال ابن القيم أن رواية سعيد بن جبير لم يصرح فيها بالرفع إلا أنها في حكم المرفوع على ما قال الحافظ.
على أننا لا نسلم أن سعيد بن جبير قد انفرد بالتصريح باحتساب تلك الطلقة كما قال ابن القيم، ففي مسلم من رواية أنس بن سيرين. قلت: فاعتددت بتلك التطليقة وهي حائض، فقال ابن عمر: ما لي لا أعتد بها وإن كنت عجزت واستحمقت فقد ظهرت موافقة أنس ابن سيرين لسعيد بن جبير في التصريح باحتساب تلك الطلقة.
واستدلوا سادسا: بما عند الدار قطني من طريق يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب وابن إسحاق جميعا عن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي واحدة. وهو نص في موضوع النزاع.
وأجاب: ابن القيم بأن قوله تعالى: {هي واحدة} لا يدرى أقاله ابن أبي ذئب من عنده أم نافع فلا يجوز أن يضاف إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لا يتعين أنه من كلامه.
ورد: بأن هذا التجويز لا يدفع الظاهر من الرفع، ولو فتحنا باب دفع الأدلة بمثل هذه الاحتمالات ما سلم لنا حديث.
ويؤيد: إن جملة: وهي واحدة، من كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما في مسند أبي داود حدثنا ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فأتى عمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر له فجعلها واحدة.
فهذا يدل على أن الذي جعلها واحدة وحسبها تطليقة هو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستدلوا سابعا: بما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج قال: أرسلنا إلى نافع وهو يترجل في دار الندوة هل حسبت تطليقة عبد الله بن عمر امرأته حائضا على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: نعم. ==

(3/439)


لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا وَوَقَعَ فِيهِ تَصْحِيفٌ وَرَوَيْنَاهُ فِي
__________
= واستدل القائلون بعدم وقوع الطلاق في الحيض أو في طهر وطئها فيه أولا: بقوله تعالى: {إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} ، قالوا: الطلاق للعدة هو الطلاق في طهر لم يجامعها فيه. وقد أمر المكلفون بأن يطلقوا للعدة، والأمر بالشيء نهي عن ضده فيكون الطلاق لغير العدة وهو الطلاق اللازم يقتضي الفساد، والفساد لا يثبت حكمه.
واستدلوا ثانيا: بقوله تعالى: {الطلاق مرتان} قالوا: المراد من الطلاق في الآية الطلاق المأذون فيه وقد حصر الله الطلاق المأذون فيه الذي يعقب الرجعة في مرتين، لأنه تعريف المسند إليه بلام الجنس يفيد الحصر. فدل ذلك على أن ما عدا الطلاق المأذون فيه وهو الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه ليس بطلاق فلا يقع به شيء.
واستدلوا ثالثا: بقوله تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة: 229] قالوا: المراد بالتسريح بإحسان التطليق بإحسان. والتطليق في الحيض أو في طهر جامعها فيه فنهى عنه بالاتفاق فلا يكون تطليقا بإحسان. وإذا لم يكن تطليقا بإحسان فلا يقع لأن موجب عقد النكاح أحد أمرين إما إمساك بمعروف وإما تسريح بإحسان والتسريح المنهي عنه أمر ثالث غيرها فلا يقع.
واستدلوا رابعا: بما رواه أبو داود عن أحمد بن صالح عن عبد الرزاق عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل ابن عمر كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا، فقال ابن عمر: طلق ابن عمر امرأته حائضا على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأل عمر عن ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن عبد الله طلق امرأته حائضا. قال عبد الله: فردها علي ولم يرها شيئا.
واستدلوا خامسا: بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من عمل ليس عليه أمرنا فهو رد" ، والطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه عمل ليس عليه أمر الله ورسوله لأنه منهي عنه، فيكون مردودا وباطلا لا يقع به شيء.
واستدلوا سادسا: بأن الطلاق في الحيض أو في طهر جامع فيه منهي عنه فلا يترتب عليه أثره كالنكاح المنهي عنه، لأن المعنى الذي من أجله لم يصح النكاح المنهي عنه وهو أنه منهي عنه، وهذا المعنى موجود في الطلاق في الحيض أو في طهر جامع فيه، فيلزم ألا يصح لعدم الفرق بينهما.
واستدلوا سابعا: بأنه لا يزال النكاح المتيقن إلا بيقين مثله من كتاب أو سنة أو إجماع متيقن فإذا أوجدتمونا واحدا من هذه الثلاثة رفعنا حكم النكاح به ولا سبيل إلى رفعه بغير ذلك.
والجواب عن شبه القائلين بعدم الوقوع. أما الجواب عن الشبهة الأولى: وهي قوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} فإن سلمنا أن الأمر بالشيء نهي عن ضده فلا نسلم أن النهي عن الشيء مطلقا يقتضي الفساد، وإنما يقتضي الفساد إذا كان نهيا عن الشيء لذاته، أما إذا كان نهيا عن الشيء لأمر خارج لازم فلا يقتضي الفساد. والنهي عن الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه ليس لذات الطلاق بل لأمر خارج لازم وهو تطويل العدة عليها إذا طلقها في الحيض، أو تلبيس وجه العدة عليها إذا طلقها في طهر جامعها فيه.
وإن سلمنا أن النهي عن الشيء مطلقا يقتضي الفساد فإنها يقتضي الفساد فيما إذا لم يدل دليل على عدم الفساد، وقد دل الدليل هنا على عدم الفساد وعلى وقوع الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه، وهو ما ذكرنا من الأدلة على وقوع الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه. ==

(3/440)


حَدِيثِ قُتَيْبَةَ جَمَعَ الْعَيَّارُ بِهَذَا السَّنَدِ الَّذِي فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ أَنَّهَا آمِنَةُ بِنْتُ عَمَّارٍ وَفِي
__________
= وعن الشبهة الثانية: وهي قوله تعالى: {الطلاق مرتان} فلا نسلم أن المراد من الطلاق في الآية الطلاق المأذون فيه، لأنه كما يحتمل أن يكون المراد من الطلاق الطلاق المأذون فيحتمل أن يكون المراد الطلاق المعقب للمراجعة، ويكون المعنى على هذا: الطلاق المعقب للرجعة، محصور في مرتين أي في طلقتين، لا يتعداهما إلى الثلاث، ومع قيام هذا الاحتمال لا يتم الاستدلال. سلمنا أن المراد الطلاق المأذون فيه لكن لا نسلم أن الطلاق غير المأذون فيه ليس بطلاق، قولكم: قد حصر الله الطلاق المأذون فيه في مرتين مسلم لكن لا لا يقتضي هذا الحصر أن يكون الطلاق المأذون فيه الذي يعقب الرجعة محصور في مرتين أي في طلقتين لا يتعداهما إلى الطلاق الثلاث. وهذا لا يقتضي أن يكون الطلاق غير المأذون فيه ليس بطلاق.
وعن الشبهة الثالثة: وهي قوله تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} فلا نسلم أن التطليق في الحيض أو في طهر جامعها فيه ليس تسريحا بإحسان، لأن معنى التسريح بإحسان على ما قال المفسرون تطليق المرأة مع جبر خاطرها وإعطائها حقوقها كاملة غير منقوصة.
وعن الشبهة الرابعة: وهي ما رواه أبو داود عن أحمد بن صالح من رواية أبي الزبير فلا نسلم صحة الاحتجاج بما رواه أبو الزبير. لأنه قال أبو داود في سننه روى هذا الحديث جماعة عن ابن عمر وأحاديثهم كلها على خلاف ما قاله أبو الزبير. وقال أبو عمرو بن عبد البر قوله: "لم يرها شيئا" لم يقلها غير أبي الزبير وهو ليس بحجة فيما خالف فيه مثله فكيف بخلاف من هو أثبت منه. وقال الخطابي لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا. وقال الشافعي فيما نقله البيهقي في المعرفة نافع أثبت من أبي الزبير، الأثبت من الحديثين أولى أن يؤخذ به إذا تخالفا. ولو سلمنا صحة هذه الرواية فيمكن أن يقول قوله: "لم يرها شيئا" بأنه لم يرها شيئا صوابا كما يقال لمن أخطأ في فعله أو في صوابه لم تضع شيئا أي صوابا أو بما قال الخطابي لم يرها شيئا تحرم من المراجعة.
إن قيل: إن تأويل هذا الدليل على عدم الوقوع فيوافق الأدلة الدالة على الوقوع ليس أولى من العكس. فلم لم تأول الأدلة على الوقوع لتوافق الدليل الدال على عدم الوقوع.
فالجواب: أن الدلالة الدالة على الوقوع غير قابلة للتأويل بل هي نص في موضوع النزاع. ألا ترى قول ابن عمر: حسبت علي بتطليقة، وقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هي واحدة" وما رواه أبو داود: حدثنا ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فأتى عمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكره له فجعلها واحدة.
قال الشوكاني: ويجاب عما أوردوه على حديث أبي الزبير بأن أبا الزبير غير مدفوع بالحفظ ولعدالة وإنما يخشى من تدليسه، فإذا قال: سمعت أو حدثني زال ذلك عنه وقد صرح هنا بالسماع.
ولا يخفى: أنه بعد قول ابن عبد البر أن أبا الزبير ليس بحجة فيما خالف فيه مثله فكيف بخلاف من هو أثبت منه. وقول الخطابي لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا. وقول الشافعي: نافع أثبت من أبي الزبير والأثبت من الحديثين أولى أن يؤخذ به إذا تخالفا. لا وجه لما قاله الشوكاني. ويكفي من أبي الزبير أنه يخشى من تدليسه.
قال: وليس في الأحاديث الصحيحة ما يخالف حديث أبي الزبير حتى يصار إلى الترجيح ويقال: قد خالفه الأكثر. بل عليه ما هناك الأمر بالمراجعة على فرض استلزامه لوقوع الطلاق =

(3/441)


مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ
__________
وقد عرفت اندفاع ذلك على أنه لو سلم الاستلزام لم يصلح لمعارضة النص الصريح أعني لم يرها شيئاً
والجواب عما قاله الشوكاني : واما قوله وليس في الأحاديث الصحيحة ما يخالف حديث أبي الزبير حتى يصار إلى الترجيح فالجواب عنه أن من الأحاديث الصحيحة التي سلم بصحتها الشوكاني وغيره قول ابن عمر حسبت علي بتطليقة وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي واحدة وقول ابن عمر فيما رواه مسلم: ما لي لا أعتد بها وإن كنت عجزت واستحمقت فهذه الحاديث الصحيحة تخالف ما رواه أبو الزبير.
وأما قوله بل غاية ما هنالك الأمر بالمراجعة على فرض استلزامه لوقوع الطلاق وقد عرفت اندفاع ذلك فالجواب عنه ما بينا صدر هذه المسألة من استلزام الأمر بالمراجعة لوقوع الطلاق .
وأما قوله على أنه لو سلم الأستلزام لم يصلح لمعارضة النص الصريح أعني لم يرها شيئاً فالجواب أن قوله لم يرها شيئا ليس نصا صريحا بل هو قابل للتأويل على ما سبق.
قال الشوكاني على أنه يؤيد رواية أبي الزبير ما أخرجه سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن ملك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس ذلك بشيء.
والجواب أن هذا الدليل على فرض صحته ليس نصا صريحا بل هو قابل للتأويل.
قال: وقد روى ابن حزم بسنده المتصل إلى ابن عمر من طريق عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض لا يعتد بذلك وهذا إسناد صحيح وروى ابن عبد البر عن الشعبي أنه قال إذا طلق وهي حائض لم يعتد بها.
والجواب عما قاله الشوكاني : أن ما رواه ابن حزم وابن عبد البر ليس معناه عدم وقوع الطلاق في الحيض بل معناه كما قال ابن عبد البر نفسه لم تعتد المرأة بتلك الحيضة في العدة كما روي ذلك عن عمر منصوصاً أنه قال يقع عليها الطلاق ولا تعتد بتلك الحيضة
وعن الشبهة الخامسة : وهي قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" فلا نسلم أن الضمير في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فهو رد" ععائد إلى العمل بل هو عائد إلى الفاعل والمعنى من عمل عملا ليس عيله أمرنا فالفاعل رد أي مردود ومعنى كونه مردودا أنه غير مثابا عليه ونحن نقول به سلمنا أن الضمير عائد إلى العمل لكن لا نسلم أن معنى كونه ردا أنه باطل لا يترتب عليه أثره بل معناه أنه غير مقبول ومعنى كونه غير مقبول أنه غير مثاب عليه ولا يلزم من كونه غير مثاب عليه أن يكون باطلا لا يترتب عليه أثره سلمنا أن معنى كونه رداباطلا لا يترتب عليه أثره لكن لا نسلم أن هذا الحديث باق على عمومه وذلك لأن الطلاق الثلاث بكلمة عمل ليس عليه أمر الله ورسوله لأنه منهي عنه فلزم أن يكون مردودا على أنهم قد أخرجوا الطلاق الثلاث بكلمة من عموم هذا الحديث فصار عاما مخصوصا والعام المخصوص فيه فيخصص بحديث ابن عمر من رواية البخاري وبالأحاديث الأخرى الدالة على وقوع الطلاق في الحيض
وعن الشبهة السادسة : وهي قياسهم الطلاق المنهي عنه على النكاح المنهي عنه فهو قياس في معارضة النص القاطع وهو غير مقبول
على أنه قياس غير صحيح من وجهين الأول أنه لو كانت العلة التي من اجلها فسد النكاح المنهي عنه لاقتضى ذلك عدم وقوع الطلاق الثلاث بكلمة لتحقق هذه العلة ==

(3/442)


النَّوَارَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا لَقَبُهَا وَذَاكَ اسْمُهَا:
__________
= فيه مع أن الخصم قائل بوقوعه واحدة. فدل القول بالوقوع واحدة على أن هذه العلة غير معتبرة شرعا. إذ لو كانت معتبرة لما تخلف الحكم عنها في المحل الذي وجدت فيه من غير مانع. فإن قالوا: إن الحكم تخلف لمانع وهو النصوص الشرعية الدالة على وقوع الثلاث واحدة، قلنا: سنبين في المسألة الثانية إن شاء الله تعالى عدم دلالة هذه النصوص على وقوع الثلاث واحدة.
الثاني : أن قياس الطلاق المنهي عنه على النكاح المنهي عنه قياس مع الفارق ذلك أن موجب عقد النكاح حل استمتاع الرجل بالمرأة. ولا حل للاستمتاع مع النهي عن النكاح لأن النهي عنه يقتضي حرمة الاستمتاع. فثبت بهذا أن النكاح المنهي عنه لا يترتب عليه ثمرته وهي حل الاستمتاع وكل عقد لا تترتب عليه ثمرته لا يصح. بخلاف الطلاق فإن موجبه زوال الملك. والنهي عنه يقتضي حرمة إزالة الملك. وحرمة إزاله الملك، لا تستلزم عدم صحة إزالة الملك إذ قد توجد حرمة إزالة الملك مع وجود صحة الإزالة فقد يزول ملكه عن العين بالإتلاف المحرم كهبتها لمن يعلم أنه يستعين بها على فعل المعاصي وارتكاب الآثام ومن ينفق ماله رئاء الناس يزول ملكه بهذا الإنفاق مع أن إنفاق المال رياء وسمعة حرام.
وهذا لأنه لا تنافي بين حرمة الشيء وصحته إذ لا معنى لصحة ذلك لاشيء إلا ترتب أثره عليه، ولو قال الشارع: حرمت عليك الطلاق في الحيض وإن فعلته ترتب أثره عليه لما عد متناقضا لغة وشرعا. وكيف يعد متناقضا وقد حرم الظهار وجعله منكر من القول وزورا ومع ذلك رتب عليه أثره من الكفارة وطلاق الهازل واقع مع أنه محرم عليه لأنه اتخذ آيات الله هزوا فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما بال قوم يتخذون آيات الله هزوا، طلقتك، راجعتك، طلقتك راجعتك" .
وفرق ثان : بين الطلاق المنهي عنه والنكاح المنهي عنه. وهو أن النكاح نعمة فلا تستباح المحرمات. وإزالته وخروج البضع عن ملكة نقمة، فيجوز أن يكون سببها محرما. وثالث: وهو أن الفروج يحتاط لها والاحتياط يقضي بوقوع الطلاق وتجديد الرجعة أو العقد. وثالث: وهو أنه قد عهد بالنكاح لا يدخل فيه إلا بالتشديد واثنان من الإيجاب والقبول ورضي الزوجة المعتبر رضاها والولي والشاهدين فلا يحتاج الخروج منه إلى شيء من ذلك بل يدخل فيه بالعزيمة ويخرج منه بالشبهة.
وعن الشبهة السابعة : وهي قولهم: لا يزال النكاح المتيقن إلا بيقين فلا نسلم أنه لم يوجد دليل يقيني يدل على زوال هذا النكاح المتيقن. لأن الأدلة التفصيلية الدالة على وقوع الطلاق في الحيض وإن كانت ظنية إلا أن الإجماع قام على وجوب العمل بالظن. والإجماع دليل يقيني.
فإن قالوا: نحن نطالبكم بالإتيان بدليل تفصيلي يقيني يدل على وقوع الطلاق في الحيض لا بدليل إجمالي.
قلنا: فقد لزمكم عدم ثبوت أكثر الأحكام في ذمة المكلفين. لأن الأحكام الثابتة بأدلة يقينية أقل القليل وأكثرها ثابت بأدلة ظنية.
وهذا لأن الأصل براءة الذمة عن التكاليف بيقين. ولا يزال هذا اليقين إلا بيقين مثله فما هو جوابكم عن لزوم عدم ثبوت أكثر الأحكام في فرقة المكلفين فهو جوابنا في محل النزاع.
والذي يحسم النزاع بيننا وبين الخصم قول حملة الشرع كلهم قديما وحديثا طلق امرأته وهي حائض.
والطلاق نوعان طلاق سنة وطلاق بدعة. وقول ابن عباس رضي الله عنهما، الطلاق على أربعة أوجه =

(3/443)


قَوْلُهُ وَإِذَا خَالَعَ الْحَائِضَ لَا يَحْرُمُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْلَقَ الْإِذْنَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فِي الْخُلْعِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ وَاسْتِفْصَالٍ عَنْ حَالِ الزَّوْجَةِ أَمَّا الْحَدِيثُ فَسَبَقَ فِي الْخُلْعِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إلَى الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فِي الْغَلَسِ انْتَهَى وَبَابُهُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ إلَى الْمَسْجِدِ مِنْ لَازِمِ مَنْ يَجِيءُ إلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَفِي دُخُولِهَا الْمَسْجِدَ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهَا طَاهِرًا غَيْرَ حَائِضٍ.
قُلْت هَكَذَا بَحَثَ الْمُخَرِّجُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فَهْمٍ بَلْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إطْلَاقِ الْإِذْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى زَمَنِ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ عُمُومُهُ فِي الْحَالَتَيْنِ وَأَيْضًا فَإِطْلَاقُ الْإِذْنِ فِي الِاخْتِلَاعِ يُعَارِضُهُ إطْلَاقُ الْمَنْعِ مِنْ طَلَاقِ الْحَائِضِ فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ1 فَتَعَارَضَا.
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
حَدِيثُ أَنَّ عُوَيْمِرَ الْعَجْلَانِيَّ لَاعَنَ امْرَأَتَهُ وَقَالَ كَذَبْت عَلَيْهَا إنْ أَمْسَكْتهَا هِيَ طَالِقٌ يَأْتِي فِي اللِّعَانِ.
1593 - قَوْلُهُ روي في قصة عُمَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ" وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ "فَلْيُمْسِكْهَا إلَى أَنْ تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ وَتَطْهُرَ مَرَّةً أُخْرَى" .
قُلْت الرِّوَايَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ فِي الدَّارَقُطْنِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ مُعْتَمِرٍ عَنْ
__________
= وجهان حلال، ووجهان حرام، فهذا الإطلاق والتقسيم دليل على أن الطلاق في الحيض عندهم طلاق حقيقة ويتحول اسم الطلاق له كشموله للطلاق الحلال ولو كان لفظا مجردا لقول لم يكن له حقيقة ولا قيل: طلق امرأته. فإن هذا اللفظ إذا كان هنا كان وجوده كعدمه. ومثل هذا لا يقال فيه: طلق ولا يكون قسما من أقسام الطلاق الحقيقي.
والذي يحسم النزاع أيضا ما تقرر من أن الله ابتلى عباده بالأمر والنهي بناء على اختيارهم، والابتلاء بالنهي إنما يتحقق إذا كان المنهي عنه متصور الوجود بحيث لو أقدم عليه يوجد حتى يبقى العبد مبتلى بين أن يقدم على الفعل فيعاقب أو يكف عنه فيثاب بامتناعه حال كونه مختارا عن تحقيق الفعل لأجل النهي فليكون عدم الفعل مضافا إلى كسبه واختياره. وهذا معنى ما قال الإمام محمد رحمه الله ردا على من قال: إن الطلاق لغير السنة لا يقع. فقد قال في كتاب الطلاق: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن صوم يوم النحر. فقال: أنهانا عما يتكون أو لا يتكون، والنهي عما لا يتكون لغو. لا يقال للأعمى لا تبصر.
وقصارى القول أن ما ذهب إليه الخصم لا يساعد النقل ولا العقل ولا اللغة. بل هو مكابرة صريحة لا يتلفت إليها، والله أعلم.
ينظر: الطلاق البدعي والسني لشيخنا بكري مصطفى.
1 العموم والخصوص الوجهي مثل حيوان وأبيض بين نقيضيهما التباين الجزئي فيقال: اللا حيوان واللا أبيض، يجتمعان في الحجر الأسود وينفرد كل في مادة فينفرد اللاحيوان في الحجر الأبيض وينفرد اللاأبيض في الفرس الأحمر وقد يكون بينهما التباين الكلي مثل الحيوان واللاإنسان فنقيض حيوان لا حيوان، ونقيض اللاإنسان إنسان، وبينهما التباين الكلي إذ انتفاء الحيوانية يستلزم انتفاء اللاإنسانية لا الإنسانية.

(3/444)


عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ1، وَأَقْرَبُ مِنْهُ رِوَايَةُ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ طَلَّقْت امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً وَتَطْهُرَ" 2، وَالْمَشْهُورَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَالثَّانِيَةُ فِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ "فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضِهَا" 3.
وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ طَلَّقْت امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَغَيَّظَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً مُسْتَقْبَلَةً سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا4.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ تطلق بعد أو تمسك" 5.
وَفِي هَذَا مَا يَقْتَضِي إمْكَانَ رَدِّ رِوَايَةِ نَافِعٍ إلَى رِوَايَةِ سَالِمٍ بِالتَّأْوِيلِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَوْلَى وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْحَدِيثُ وَاحِدًا وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ.
1594 - حَدِيثُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ6 وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ عَنْ أَنَسٍ7، وَقَالَا جَمِيعًا الصَّوَابُ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الثِّقَاتِ.
قُلْت وَهُوَ فِي الْمَرَاسِيلِ لِأَبِي دَاوُد كَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ الْمُرْسَلُ أَصَحُّ
__________
1 أخرجه الدار قطني 4/7، في كتاب الطلاق، حديث 15.
2 تقدم تخريجه.
3 تقدم.
4 تقدم.
5 تقدم.
6 أخرجه الدار قطني 4/3-4، في كتاب الطلاق، حديث 1.
7 أخرجه الدار قطني 4/4، في كتاب الطلاق، حديث 2.
والبيهقي 7/340، كتاب الخلع والطلاق: باب ما جاء في موضع الطلقة الثالثة من كتاب الله عز وجل.
وابن مردويه كما في التعليق المغني 4/4.

(3/445)


وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ الْمُسْنَدُ أَيْضًا صَحِيحٌ وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ شَيْخَانِ.
1595 - حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى مَنْزِلَ حَفْصَةَ فَلَمْ يَجِدْهَا وَكَانَتْ قَدْ خَرَجَتْ إلَى مَنْزِلِ أَبِيهَا فَدَعَا مَارِيَةَ إلَيْهِ وَاتَتْ حَفْصَةُ فَعَرَفَتْ الْحَالَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَعَلَى فِرَاشِي فَقَالَ يَسْتَرْضِيهَا إنِّي أُسِرُّ إلَيْك سِرًّا فَاكْتُمِيهِ هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك} الْآيَةَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ إبراهيم وَعَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ زَارَتْ أَبَاهَا ذَاتَ يَوْمٍ وَكَانَ يَوْمُهَا فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرَهَا فِي الْمَنْزِلِ أَرْسَلَ إلَى أَمَتِهِ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ فَأَصَابَ مِنْهَا فِي بَيْتِ حَفْصَةَ فَجَاءَتْ حَفْصَةُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَفْعَلُ هَذَا فِي بَيْتِي فِي يَوْمِي قَالَ فَإِنَّهَا حَرَامٌ عَلَيَّ لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا فَانْطَلَقَتْ حَفْصَةُ إلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا بِذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك} إلَى قَوْلِهِ {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} فَأُمِرَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ وَيُرَاجِعَ أَمَتَهُ1.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَلَفْظُهُ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمِّ وَلَدِهِ مَارِيَةَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ فَوَجَدَتْهُ حَفْصَةُ مَعَهَا ثُمَّ سَاقَهُ بِنَحْوِهِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فذكرته لعائشة فآلى أن لا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا2، وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَةٌ يَطَؤُهَا فَلَمْ تَزَلْ بِهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ حَتَّى حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} 3. وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ
__________
1 أخرجه سعيد بن منصور 1/438، برقم 6707.
ومن طريقه البيهقي 7/353، كتاب الخلع والطلاق: باب من قال لأمته، أنت علي حرام لا يريد عتاقا.
2 أخرجه الدار قطني 4/41-42، في كتاب الطلاق والخلع والإيلاء وغيره، حديث 122.
قال العظيم آبادي في التعليق المغني 4/41: الحديث أخرجه الهيثمي بن كليب في مسنده ثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا جرير بن حازم، عن أيوب عن نافع عن ابن عمر نحوه. قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح، وقد اختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه المستخرج، وقال الحافظ في فتح الباري: وأخرج الضياء في المختارة من مسند الهيثم بن كليب، ثم من طريق جرير بن حازم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر، عن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحفصة: "لا تخبري أحدا أن أم إبراهيم علي حرام" ثم قال: ووقع عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى مسروق، قال: حلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. فذكر الحديث بنحوه.
ثم قال: وحديث الباب فليه عبد الهل بن شعيب هو: أبو سعيد إخباري علامة لكنه واه. قال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث. كذا في الميزان.
3 أخرجه النسائي في الكبرى 5/286، 287، كتاب عشرة النساء: باب الغيرة 8907، وفي التفسير 2/449، 627، أخبرنا إبراهيم بن يونس بن محمد بن حرمي قال: نا أبي قال: ثنا=

(3/446)


كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ فَدَخَلَتْ فَرَأَتْ مَعَهُ فَتَاتَهُ فَقَالَتْ فِي بَيْتِي وَيَوْمِي فَقَالَ اُسْكُتِي فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُهَا وَهِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ1.
وَبِمَجْمُوعِ هَذِهِ الطُّرُقِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ لِلْقِصَّةِ أَصْلًا أَحْسِبُ لَا كَمَا زَعَمَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ لَمْ تَأْتِ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ وَغَفَلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ طَرِيقِ النَّسَائِيّ الَّتِي سَلَفَتْ فَكَفَى بِهَا صِحَّةً وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
1596 - حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ مَارِيَةَ عَلَى نَفْسِهِ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} الْآيَةَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَا كَانَ حَلَالًا أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يُطْعِمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ أَوْ يَكْسُوَهُمْ الْبَيْهَقِيّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ دُونَ أَوَّلِهِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَلَيْسَ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ طَلَاقٌ2.
حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ نِسَاءَهُ بَيْنَ الْمُقَامِ مَعَهُ وَبَيْنَ مُفَارَقَتِهِ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِك } وَاَلَّتِي بَعْدَهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْخَصَائِصِ وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ خَيَّرَ نِسَاءَهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَمْ يُخَيِّرْهُنَّ الطَّلَاقَ.
حَدِيثُ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ لما أراد تخيير نساءه إنِّي ذَاكِرٌ لَك أَمْرًا فَلَا تُبَادِرِينِي بِالْجَوَابِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك هُوَ طَرَفٌ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ قَوْلَهُ فَلَا تُبَادِرِينِي
__________
= حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه فأنزل الله تعالى: {يا أيها النبي....} الآية.
وأخرجه الحاكم 2/493، من طريق محمد بن بكير عن سليمان بن المغيرة عن ثابت به.
وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وزاد السيوطي نسبته في الدر 6/366، لابن مردويه.
1 أخرجه أبو داود في المراسيل ص 202، برقم 240، من طريق محمد بن الصباح، قال: حدثنا سفيان عن ابن أبي عروبة عن قتادة ... فذكره.
2 أخرجه البيهقي 7/351، كتاب الخلع والطلاق: باب من قال لامرأته: أنت علي حرام.
وأخرجه الطبراني 11/86، 11130، حدثنا محمد، ثنا عبد الله، أنا إسرائيل عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس في قوله: {يا أيها النبي لم تحرم ...} الآية. قال: حرم سريته.
وعزاه الطبراني في الدر 6/367، للترمذي والطبراني وقال: بسند حسن صحيح.
رواه البزار بإسنادين والطبراني ورجال البزار رجال الصحيح غير بشر ابن آدم الأصغر وهو ثقة. اهـ.
وشاهد آخر رواه ابن جرير 12/149، 34397، عن ابن عباس أنه قال لعمر: من المرأتان اللتان تظاهرتا؟ قال: عائشة وحفصة وكان بدء الحديث في شأن مارية أم إبراهيم القبطية أصابها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت حفصة في يومها فوجدت حفصة .... فحرمها، أي مارية... فأنزل الله: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله} الآيات....
وعزاه السيوطي في الدر 6/367، لابن المنذر.

(3/447)


بِالْجَوَابِ نَعَمْ جَاءَ بِمَعْنَاهُ
حَدِيثُ "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ" تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ.
1597 - حَدِيثُ "ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعَتَاقُ" الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِلَفْظِ "ثَلَاثٌ لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ فِيهِنَّ الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعِتْقُ" 1 وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ وَرَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَفَعَهُ "لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ فِي ثَلَاثٍ الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعَتَاقُ فَمَنْ قَالَهُنَّ فَقَدْ وَجَبْنَ" 2 وَهَذَا مُنْقَطِعٌ
وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَفَعَهُ مَنْ طَلَّقَ وَهُوَ لَاعِبٌ فَطَلَاقُهُ جَائِزٌ وَمَنْ أَعْتَقَ وَهُوَ لَاعِبٌ فَعَتَاقُهُ جَائِزٌ وَمَنْ نَكَحَ وَهُوَ لَاعِبٌ فَنِكَاحُهُ جَائِزٌ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْهُ3، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَأُخْرِجَ عَنْ عَلِيٍّ4 وَعُمَرَ5 نَحْوُهُ مَوْقُوفًا وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَعَلَى النَّوَوِيِّ حَيْثُ أَنْكَرَا عَلَى الْغَزَالِيِّ إيرَادَ هَذَا اللَّفْظِ ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمَعْرُوفُ اللفظ الأول بالرجعة يدل الطَّلَاقِ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ وَيُرْوَى بَدَلَ الْعَتَاقِ الرَّجْعَةُ قُلْت هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِيهِ وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا وَفِيهِ بَدَلَ الْعَتَاقُ الرَّجْعَةُ6، قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ
__________
1 أخرجه الطبراني "18/304"، برقم "780". قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" "4/338": رواه الطبراني في "الكبير" ومنه ابن لهيعة وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح.
2 أخرجه الحارث بن أسامة في "مسنده" كما في "نصب الراية" "3/294".
3 أخرجه عبد الرزاق "6/134ـ 135"، كتاب النكاح: باب ما يجوز من اللعب في النكاح والطلاق، حديث "10249".
4 أخرحه عبد الرزاق "6/134"، في الموضع السابق برقم "10247".
5 أخرحه عبد الرزاق في الموضع السابق برقم "10248".
6 أخرجه أبو داود "1/666"، كتاب الطلاق: باب في الطلاق على الهزل "2194"، والترمذي "3/490"، كتاب الطلاق: باب ما جاء في الجد والهزل في الطلاق "1184"، وابن ماجه "1/657"، كتاب الطلاق: باب من طلق أو نكح أو راجع لاعبا "2039"، والطحاوي في "شرح المعاني" "3/98"، والدار قطني "3/256، 257"، باب المهر "45، 47"، "4/18،19"، كتاب الطلاق "50،51"، والحاكم "2/198"، وقال الحاكم: صحيح الإسناد وعبد الرحمن بن حبيب هذا هو ابن أردك من ثقات المدنيين.
وتعقبه الذهبي بقول في عبد الرحمن هذا: فيه لين، والبغوي في "شرح السنة" "5/16"، "2349- بتحقيقنا"، كلهم من طريق عبد الرحمن بن أردك عن عطاء بن أبي رباح عن يوسف بن ماهك عن أبي هريرة.==

(3/448)


وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ وَأَقَرَّهُ صَاحِبُ الْإِلْمَامِ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَرْدَكَ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ النَّسَائِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَوَثَّقَهُ غَيْرُهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا حَسَنٌ
تَنْبِيهٌ: عَطَاءٌ الْمَذْكُورُ فِيهِ هُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ صُرِّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي داود والحاكم وَوَهَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَقَالَ هُوَ عَطَاءُ بْنُ عَجْلَان وَهُوَ مَتْرُوكٌ
حَدِيثُ "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ" الْحَدِيثَ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَفِي كِتَابِ الصِّيَامِ
1598 - حَدِيثُ عَائِشَةَ "لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ" أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو يَعْلَى وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْهَا1 وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَفِي إسناده
__________
=وعبد الرحمن بن أردك سبق كلام الحاكم والذهبي فيه. وقال الحافظ في "التقريب" "1/476": لين الحديث.
1 أخرجه أحمد "6/276"، والبخاري في التاريخ الكبير "1/171"، وأبو داود "2/642"، كتاب الطلاق: باب في الطلاق على غلط، حديث "2193"، وابن ماجه "1/660"، كتاب الطلاق: باب طلاق المكره والناسي، حديث "2046"، والحاكم "2/198"، كتاب الطلاق: باب لا طلاق ولا عتاق في إغلاق، والبيهقي "7/357"، كتاب الطلاق: باب ماجاء في طلاق المكره، وابن أبي شيبة "5/49"، والدار قطني "4/36"، وأبو يعلى "7/421"، رقم "4444"، من حديث محمد بن عبيد بن أبي صالح عن صفية بنت شيبة عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" .
وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وتعقبه الذهبي فقال: محمد بن عبيد لم يحتج به مسلم وقال أبو حاتم: ضعيف.
وقد توبع عغلى هذا الحديث تابعه زكريا بن إسحاق ومحمد بن عثمان: أخرجه الدار قطني "4/36"، كتاب الطلاق والخلع والإيلاء، رقم "99"، والبيهقي "7/357"، كتاب الخلع والطلاق: باب ما جاء في طلاق المكره من طريق قزعة بن سويدنا زكريا بن إسحاق ومحمد بن عثمان جميعا عن صفية بنت شيبة عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" .
قال أبو الطيب آبادي في "التعليق المغني" "4/36ـ 37": الحديث في إسنا ده قزعة بن سويد الباهلي البصري، قال البخاري: ليس بذلك القوي ولابن معين فيه قولان وقال أحمد: مضطرب الحديث وقال أبو حاتم: لا يحتج به وقال النسائي ضعيف.
وذكر الحديث البخاري في "التاريخ الكبير" "1/172"، من طريق يحيى بن يحيى أخبرنا إسماعيل بن عياش عن عطاف بن خالد عن محمدج بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به.
وقد رجح أبو حاتم الطريق الأول وهو طريق صفية على هذا الطريق فقال ابن أبي حتم في "العلل" "1/ 430"، رقم "1292": سألت أبي عن حديث رواه محمد بن إسحاق عن ثور بن زيد الديلي عن محمد بن عبيد عن صفية بنت شيبة عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لا طلاق ولا عتاق في غلاق" .
ورواه عطاف بن خالد قال: حدثني محمد بن عبيد عن عطاء عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت: أيهما الصحيح. قال حديث صفية أشبه. قيل لأبي ما معنى قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا طلاق ولا عتاق في غلاق" ،==

(3/449)


مُحَمَّدُ بن عبد بْنِ أَبِي صَالِحٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ لَيْسَ هُوَ فِيهَا لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ عَائِشَةَ وَزَادَ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَلَا إعْتَاقٍ.
قَوْلُهُ وَفَسَّرَهُ عُلَمَاءُ الْغَرِيبِ بِالْإِكْرَاهِ1.
قُلْت هُوَ قَوْلُ ابْنِ قُتَيْبَةَ وَالْخَطَّابِيِّ وَابْنِ السَّيِّدِ وَغَيْرِهِمْ.
وَقِيلَ الْجُنُونُ وَاسْتَبْعَدَهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَقِيلَ الْغَضَبُ وَقَعَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَكَذَا فَسَّرَهُ أَحْمَدُ وَرَدَّهُ ابْنُ السَّيِّدِ فَقَالَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَقَعْ عَلَى أَحَدٍ طَلَاقٌ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُطَلِّقُ حَتَّى يَغْضَبَ.
وَقَالَ أبو عبيد الإغلاق التضيق.
قَوْلُهُ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ "أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ عَبْدٍ أَعْتَقَ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا اسْتَسْعَى غَيْرَ مَشْقُوقٍ" عَلَيْهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَسَيَأْتِي وَفِيهِ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ.
1599 - حَدِيثُ "لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ وَلَا عِتْقَ إلَّا بَعْدَ مِلْكٍ" هَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَ أَنَا مُتَعَجِّبٌ مِنْ الشَّيْخَيْنِ كَيْفَ أَهْمَلَاهُ فَقَدْ صَحَّ عَلَى شَرْطِهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَجَابِرٍ انْتَهَى.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ نَافِعٌ عَنْهُ بِلَفْظِ لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ2 وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ،
__________
= قال: يعني في استكراه.
1 ينظر: النهاية لابن الأثير 3/379-380.
2 أخرجه الحاكم 2/419، والطبراني في الصغير 1/180، من طريق محمد بن يحيى القطيفي ثنا عاصم بن هلال البارقي عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا طلاق إلا بعد نكاح" .
وصححه الحاكم، وقال محمد بن طاهر المقدسي: رواه حسين المعلم: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
ورواه يحيى بن صاعد: عن محمد بن يحيى القطعي، عن محمد بن راشد عن حسين عنه.
وتعقبه: ثنا محمد بن يحيى، عن عاصم بن هلال عن أيوب عن نافع عن ابن عمر. قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا طلاق إلا بعد نكاح" .
قال: حدثنا ابن صاعد، وما سمعنا إلا منه، ولا أعرف له علة؛ فأذكرها وحدثناه في أضعاف من قرأه علينا، لم نلقنه إياه، ولا سألناه عنه، ولا هو ملحق في جانب كتاب، ولا أخرج الكتاب إلا إلى هاشم.
قال ابن عدي: هكذا قال لنا ابن صاعد، فذكرته لأبي عروبة فأخرج إلي فوائد القطعي فإذا فيه حديث عمرو بن شعيب الذي ذكره ابن صاعد.==

(3/450)


أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ صَاعِدٍ قَالَ ابْنُ صَاعِدٍ غَرِيبٌ لَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً.
قُلْت وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ عَدِيٍّ عِلَّتَهُ1.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَمِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا2، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.
__________
=وبعقبه: حدثنا عاصم بن هلال عن أيوب عن نافع عن ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يوم يقوم الناس لرب العالمين} [المطففين:6]، فعلم ما تبين لنا في كتاب أبي عروبة أنه أدخل لابن صاعد حدثنا في حديث {يوم يقوم الناس لرب العالمين} مشهور عن أيوب على أن علي بن عاصم يحتمل ما هو أنكر من هذا.
قال المؤلف رحمه الله: قرأت بخط أبي عبد الله الحاكم بمشكان سمعت أبا الحسين بن مظفر الحافظ يقول: لما حدثنا أبو محمد بن صاعد، عن محمد بن يحيى القطعي، عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا طلاق قبل نكاح" .
وقيل فيه ما قال، ذهبنا إلى علي بن الحسن القافلاني، فوجدنا الحديث في أصل كتابه عن محمد بن يحيى القطعي، وسألناه، فحدثنا به وغدوت أنا إلى ابن صاعد فوجدته قاعدا إلى باب داره، فقلت: يا سيدي! حديث أيوب عن نافع وجدناه في كتاب القافلاني فقال لي: اسكت، اسكت، وزمر لي، ثم قال: ومن القافلاني في حديث أخذه من أصل كتابي.
وأورده في ترجمة صالح مولى التوأمة: عن ابن عباس رفعه.
وصالح ضعيف. وأورده في ترجمة صالح بن أحمد بن أبي مقاتل: عن محمد بن يحيى القطعي، عن عاصم بن هلال، عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر.
وهذا يعرف بابن صاعد سرقه منه صالح هذا حتى لا يفوته.
وأورده في ترجمة هشام بن سعد المخزومي: عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة مسندا وهشام ضعيف.
ينظر: ذخيرة الحفاظ 5/2662-2663.
1 ينظر: السابق.
2 أخرجه ابن أبي شيبة 5/16، والدار قطني 4/165، كتاب الطلاق، حديث 45، 46، والحاكم 2/419، عنها مرفوعا بلفظ: "لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتاق إلا بعد ملك".
قال الترمذي في العلل الكبير ص 173، رقم 302.
سألت محمدا عن هذا الحديث، فقلت: أي حديث في هذا الباب أصح –في الطلاق قبل النكاح-؟ فقال: حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.
وحديث هشام بن سعد عن الزهري عن عروة عن عائشة.
فقلت: إن بشر بن السري وغيره قالوا: عن هشام بن سعد، عن الزهري عن عروة، عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقال: إن حماد بن خالد روى عن هشام بن سعد، عن الزهري عن عروة عن عائشة موقوفا.
وقال ابن أبي حاتم في العلل 1/422، رقم 1271.
سألت أبي عن حديث رواه حماد بن خالد الخياط عن هشام بن سعد عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: "لا طلاق إلا بعد نكاح" قال أبي: هذا حديث منكر وغ،ما يروى عن الزهري أنه قال: ما بلغني في هذا رواية عن أحد من السلف ولو كان عنده عن عروة عن عائشة كان لا يقول ذلك.
والحديث ذكره السيوطي في الدر المنثور 5/392، وعزاه للحاكم وابن مردويه.

(3/451)


قُلْت وَسَيَأْتِي لَهُ طُرُقٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْمِسْوَرِ وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ عَنْ هِشَامِ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا1.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْهُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْجَزَرِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْهُ2، وَفِيهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سليمان3، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْهُ4، وَسُلَيْمَانُ ضَعِيفٌ.
__________
1 ينظر السابق.
2 أخرجه الحاكم 2/419، من طريق أيوب بن سليمان عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا طلاق لمن لا يملك" .
وصححه الحاكم.
وأخرجه أيضا من طريق طاوس عن ابن عباس موقوفا.
وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ذكره السيوطي في الدر المنثور 5/392، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.
وقال السيوطي في الدر المنثور 5/392: وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل يقول: إن تزوجت فلانة فهي طالق، قال: ليس بشيء إنما الطلاق لمن يملك.
وأخرجه أيضا ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس بنحو كما في الدر المنثور 5/392.
3 في الأصل: سليم والصواب ما أثبناه، كما في الدار قطني.
4 أخرجه الدار قطني 4/16، في كتاب الطلاق والخلع والإيلاء وغيره، حديث 48، من طريق سليمان بن أبي سليمان الزهري عن يحيى بن أبي كثير عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نذر فيما أطيع الله فيه ولا يمين في قطيعة رحم ولا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك" .
قال الزيلعي في نصب الراية 3/232.
وذكر عبد الحق في أحكامه من جهة الدار قطني، وقال: إسناده ضعيف، قال ابن القطان وعلته سليمان بن أبي سليمان، فإنه شيخ ضعيف الحديث، قاله أبو حاتم الرازي انتهى.
وقال صاحب التنقيح: هذا حديث لا يصح، فإن سليمان بن أبي سليمان هو سليمان بن داود اليمامي، متفق على ضعفه، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، انتهى. قال الحاكم: إنما لم يخرج الشيخان في كتابيهما هذا الحديث لأنهما وجدا مداره على إسنادين واهيين: أحدهما: عن جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي. والثاني: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فلذلك لم يقع منهما إلاستقصاء في طلب هذه الأسانيد الصحيحة، انتهى. –يعني أسانيده التي أخرجها-.

(3/452)


وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ فَمِنْ رِوَايَةِ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ1، وَهُوَ مُرْسَلٌ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ مُعَاذٍ2، وَهِيَ مُنْقَطِعَةٌ أَيْضًا وَفِيهَا يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ3 وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَمِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَلَهُ طُرُقٌ عَنْهُ بَيَّنْتهَا فِي تَغْلِيقِ التَّعْلِيقِ وَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ الصَّحِيحُ مُرْسَلٌ لَيْسَ فِيهِ جَابِرٌ4، وَأَعَلَّهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ بِشَيْءٍ آخَرَ سَيَأْتِي وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ5، وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
__________
1 أخرجه الدار قطني 4/14، برقم 40، والحاكم 2/419، والبيهقي 7/318، من طريق طاوس عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك" .
وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه بين طاوس ومعاذ. قال العلائي في جامع التحصيل ص 201: طاوس بن كيسان.
قال ابن المديني: لم يسمع من معاذ بن جبل شيئا. وقال يحيى بن معين: لا أراه سمع من عائشة، وقال أبو زرعة: لم يسمع من عثمان شيئا، وقد أدرك زمنه وطاوس عن عمر وعن علي وعن معاذ مرسل رضي الله عنهم. اهـ.
والحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 4/337، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات إلا أن طاوسا لم يلق معاذ بن جبل.
تنبيه: صحح هذا الحديث الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي وهو وهم للانقطاع المعروف بين طاوس ومعاذ.
2 أخرجه الدار قطني 4/17، برقم 49، وهو حديث مرسل، سعيد بن المسيب لم يدرك معاذ، وفيه أيضا يزيد بن عياض.
قال الدار قطني: ضعيف.
3 قال البخاري وغيره: منكر الحديث.
وقال يحيى: ليس بثقة.
وقال علي: ضعيف ورماه مالك بالكذب.
وقال النسائي وغيره: متروك.
وقال الدار قطني: ضعيف.
وروى عباس عن يحيى: ليس بشيء، ضعيف.
وروى يزيد بن العبثم عن ابن معين: كان يكذب.
وروى أحمد بن مريم عن ابن معين: ليس بشيء، لا يكتب حديثه.
ينظر: ميزان الاعتدال 7/259.
4 أخرجه ابن أبي شيبة 5/16، والطيالسي 1/314 –منحة، والحاكم 2/419-420، والبيهقي 7/319-320، كتاب الخلع والطلاق: باب الطلاق قبل النكاح من طرق عن جابر.
وصححه الحاكم.
5 قال أحمد: كان يضع الحديث.
وقال البخاري: روى عنه بقية، منكر الحديث.
ينظر: ميزان الاعتدال 6/17.

(3/453)


قُلْت وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ بِلَفْظِ "لَيْسَ عَلَى رَجُلٍ طَلَاقٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ" الْحَدِيثُ1، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِهِ بِلَفْظِ لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ وَلَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ قَالَ الْبُخَارِيُّ أَصَحُّ شَيْءٍ فِيهِ وَأَشْهَرُهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ عَلِيٍّ وَمَدَارُهُ عَلَى جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَجُوَيْبِرٌ مَتْرُوكٌ وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عَلِيٍّ2، وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ عَنْ عَلِيٍّ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ.
__________
1 أخرجه أبو داود 2/640، كتاب الطلاق: باب الطلاق قبل النكاح، حديث 2190، والترمذي 2/326، كتاب الطلاق واللعان: باب ما جاء لا طلاق قبل النكاح، حديث 1192، وابن ماجة 1/660، كتاب الطلاق: باب لا طلاق قبل النكاح، حديث 1047، والطيالسي 1/314 –منحة، وابن الجارود رقم 743، والطحاوي في مشكل الآثار 1/280-281، والبيهقي 7/318، كتاب الخلع والطلاق: باب الطلاق قبل النكاح، من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح وهو أحسن شيء روي في هذا الباب.
وقال في العلل الكبير ص 173، رقم 302: سألت محمدا عن هذا الحديث فقلت: أي حديث في هذا الباب أصح.
فقال: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده اهـ.
2 أخرجه ابن الجوزي 2/640، برقم 106، من طريق عبد الله بن زياد عن محمد بن المنكدر عن طاوس عن ابن عباس عن علي رضي الله عنهما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... فذكره.
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح وعبد الله بن زياد هو ابن سمعان، قال يحيى: كان كذابا.
قال الدار قطني: متروك الحديث.
قال: وإنما رواه ابن المنكدر مرسلا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الصواب.
قال: وقد رواه عن ابن المنكدر عن جابر ولا يصح عن جابر.
والحديث أخرجه أبو داود 3/293-294، كتاب الوصايا: باب ما جاء متى ينقطع اليتم، حديث 2873، والطحاوي في مشكل الآثار 1/280، والطبراني في الصغير 1/96، من طريق أحمد بن صالح ثنا يحيى بن محمد ثنا عبد الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم عن أبيه عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش أنه سمع شيوخا من بني عمرو بن عوف ومن خاله عبد الله بن أبي أحمد قال علي بن أبي طالب: حفظت لكم من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستا: "لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتاق إلا من بعد ملك..." إلى آخر الحديث.
قال الطبراني: وقال أحمد بن صالح: عبد الله بن أبي أحمد من كبار تابعي المدينة قد لقي عمر بن الخطاب وهو أكبر من سعيد بن المسيب.

(3/454)


وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ محرمة رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ1 وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْإِلْمَامِ لَكِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَفِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَغَيْرِهِمْ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ.
وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا قَالَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ وَإِنْ كَانَ قَالَهَا فَزَلَّةٌ مِنْ عَالِمٍ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} وَلَمْ يَقُلْ إذَا طَلَّقْتُمُوهُنَّ ثُمَّ نَكَحْتُمُوهُنَّ2، وَرَوَاهُ عَنْهُ بِلَفْظٍ آخَرَ وَفِي آخِرِهِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقٌ حَتَّى يَكُونَ نِكَاحٌ3، وَهَذَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ4، وَقَدْ أَوْضَحْته فِي تَغْلِيقِ التَّعْلِيقِ وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى.
وَمُقَابِلُ تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ لَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ" وَأَصَحُّ شَيْءٍ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَمَّنْ سَمِعَ طَاوُسًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي مَنْ سمع عطاء عن جَابِرٍ5، نَحْوُهُ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَطَاءٍ وَابْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ6،
__________
1 أخرجه ابن ماجة 1/660، كتاب الطلاق: باب الطلاق قبل النكاح، حديث 2048، والسهمي في تاريخ جرجان ص 257، من طريق علي بن الحسين بن واقد ثنا هشام بن سعد عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك" .
قال البوصيري في الزوائد 2/132: هذا إسناد حسن، علي بن الحسين وهشام بن سعيد مختلف فيهما، اهـ.
وذكره السيوطي في الدر المنثور 5/393، وعزاه إلى ابن ماجة وابن مردويه.
2 أخرجه الحاكم 2/205، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
3 أخرجه الحاكم 2/419، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ثم قال: أنا متعجب من الشيخين الإمامين كيف أهملا ... وساق الكلام كما أورده المصنف قبل.
4 أخرجه البخاري 10/478، كتاب الطلاق: باب 9، لا طلاق قبل نكاح، تعليقا.
قال: ويروى في ذلك عن علي وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبان بن عثمان، وعلي بن حسين، وشريح وسعيد بن جبير، والقاسم، وسالم، وطاوس، والحسن، وعكرمة، وعطاء، وعامر بن سعد وجابر بن زيد، ونافع بن جبير، ومحمد بن كعب، وسليمان بن يسار، ومجاهد والقاسم بن عبد الرحمن، وعمرو بن هرم، والشعبي: أنها لا تطلق.
وقد وصل هذه الروايات الحافظ بن حجر في تغليق التعليق 4/439-451.
5 تقدم في الروايات السابقة.
6 تقدم في الروايات السابقة.

(3/455)


وَاسْتَدْرَكَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ وَهُوَ مَعْلُولٌ وَرَوَاهُ أَبُو قُرَّةَ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ إلَّا أَنَّهَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مَعْلُولَةٌ.
1600 - حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ دَعَتْنِي أُمِّي إلَى قَرِيبٍ لَهَا فَرَاوَدَنِي فِي الْمَهْرِ فَقُلْت إنْ نَكَحْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ سَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ انْكِحْهَا فَإِنَّهُ لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ لَمْ أَجِدْ لَهُ أَصْلًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَكِنْ قَرِيبٌ مِنْ هذه القصة ما أورد الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عن ابابة أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي عَرَضَتْ عَلَيَّ قَرَابَةً لَهَا أَنْ أَتَزَوَّجَهَا فَقُلْت إنْ تَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَقَالَ "هَلْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ مِلْكٍ" قَالَ لَا قَالَ "لَا بَأْسَ تَزَوَّجْهَا" 1، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
وَأَوْرَدَ أَيْضًا عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ قَالَ عَمٌّ لِي اعْمَلْ لِي عَمَلًا حَتَّى أُزَوِّجَك ابْنَتِي فَقُلْت إنْ تَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أَتَزَوَّجَهَا فَأَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ2، وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ قَرِينٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
1601 - قَوْلُهُ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ" الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا3، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا أَيْضًا وَقَالَ أَحْمَدُ
__________
1 أخرجه الدار قطني 4/19-20، في كتاب الطلاق، حديث 52.
2 أخرجه الدار قطني 4/35-36، في كتاب الطلاق، حديث 67، من طريق علي بن قرين ثنا بقية بن الوليد عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي ثعلبة الخشني قالك قال لي عم لي: اعمل لي عملا حتى أزوجك ابنتي فقلت: إن تزوجنيها فهي ثالثا ثم بدا لي أن أتزوجها فأتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألته فقال لي: "تزوجتها فإنه لا طلاق إلا بعد نكاح فتزوجها فولدت لي سعدا..." الحديث.
قال أبو الطيب آبادي في التعليق المغني 4/36: قال صاحب التنقيح: وهذا باطل، علي بن كذبه يحيى بن معين وغيره.
وقال ابن عدي: يسرق الحديث اهـ. وقال الذهبي: قال يحيى: كذاب خبيث. وقال أبو حاتم متروك الحديث.
3 وأخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد 4/340، والبيهقي 7/370، عن ابن مسعود.
قال البيهقي: ليس بمحفوظ.
والحديث أخرجه ابن أبي شيبة 5/83، والبيهقي 7/370، كتاب الرجعة: باب عن ابن عباس موقوفا.
وأخرجه البيهقي 7/370 عن علي مثله.
قال ابن التركمان في الجوهر النقي: لا يصح.
وأخرجه عبد الرزاق 7/234، عن علي وعثمان وزيد بن ثابت موقوفا.

(3/456)


فِي الْعِلَلِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ البت بِالنِّسَاءِ يَعْنِي الطَّلَاقَ وَالْعِدَّةَ قُلْت لِهَمَّامٍ مَا يَرْوِيه أَحَدٌ غَيْرُك قَالَ مَا أَشُكُّ فِيهِ.
1602 - قَوْلُهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا "الْعَبْدُ يُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ" مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا1.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا طَلَاقُ الْأَمَةِ اثْنَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ2، وَفِي إسْنَادِهِ عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَهُمَا ضَعِيفَانِ وَصَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ الْمَوْقُوفَ وَلَفْظُهُ عِنْدَهُمَا إذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ فقد حرمت عليه حتى تَنْكِحُ زَوْجًا غَيْرَهُ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ.
وَفِي السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا "طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ" 3، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا4.
__________
1 وأخرجه مالك 2/574، في الطلاق: باب ما جاء في طلاق العبد 50، ومن طريقه.
أخرجه البيهقي 7/369، عن نافع عن ابن عمر موقوفا.
وأخرجه الدار قطني 4/38، عن سالم ونافع عن ابن عمر موقوفا.
وقال الدار قطني: وهذا هو الصواب، حديث عبد الله بن عيسى عن عطية عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: منكر غير ثابت من وجهين:
أحدهما: أن عطية ضعيف. وسالم ونافع أثبت منه وأصح رواية.
والوجه الآخر: أن عمر بن شبيب ضعيف الحديث لا يخبر بروايته.
2 أخرجه ابن ماجة 2079/، والدار قطني 4/38، والبيهقي 7/369، عن عمر بن شبيب المسلي عن عبد الله بن عيسى عن عطية عن ابن عمر، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "طلاق الأمة اثنتان، وعدتها حيضتان" . وقال البيهقي والدار قطني: تفرد به عمر بن شبيب المسلي هكذا مرفوعا، وكان ضعيفا.
والصحيح ما رواه سالم ونافع عن ابن عمر موقوفا.
3 أخرجه أبو داود 1/665، في الطلاق: باب في سنة طلاق العبد 2189، والترمذي 3/488، في الطلاق: باب ما جاء في طلاق الأمة تطليقتان 1182، وابن ماجة 1/672، في الطلاق: باب في طلاق الأمة وعدتها 2080، والدارقطني 4/39، والحاكم 2/205، والبيهقي 7/369، عن أبي عاصم نا ابن جريج عن مظاهر عن القاسم بن محمد عن عائشة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "طلاق الأمة تطليقتان، وقرؤها حيضتان" . قال أبو عاصم: فلقيت مظاهرا فحدثني عن القاسم عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله إلا أنه قال: "وعدتها حيضتان" .
قال أبو داود: وهو حديث مجهول.
وقال الترمذي: حديث عائشة، حديث غريب: لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث مظاهر بن أسلم، ومظاهر، لا نعرف له في العلم غير هذا الحديث.
وقال الهيثمي: بإسناده عن ابن حماد ويقول: قال البخاري: مظارهر بن أسلم عن القاسم عن عائشة، ضعفه أبو عاصم.
4 ينظر السابق.

(3/457)


1603 - حَدِيثُ أَنَّ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ "إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي سُهَيْمَةَ أَلْبَتَّةَ وَوَاللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا عَلَيْهِ" 1، الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ مِنْ مُسْنَدِ رُكَانَةَ أَوْ مُرْسَلٌ عَنْهُ وَصَحَّحَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَأَعَلَّهُ الْبُخَارِيُّ بِالِاضْطِرَابِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ ضَعَّفُوهُ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ2، وَهُوَ مَعْلُولٌ أَيْضًا.
1604 - حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ وَاسْتَثْنَى فَلَهُ ثُنْيَاهُ" أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي ذَيْلِ الصَّحَابَةِ مِنْ حَدِيثِ مَعْدِي كَرِبَ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا شَيْءَ عليه ومن قَالَ لِغُلَامِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ3.
__________
1 أخرجه الشافعي 2/37، كتاب الطلاق: باب ما جاء في أحكام الطلاق، حديث 117، وأبو داود 2/263، كتاب الطلاق: باب في البتة، حديث 2206، والترمذي 3/471، كتاب الطلاق واللعان: باب ما جاء في الرجل يطلق امرأته البتة، حديث 1177، وابن ماجة 1/661، كتاب الطلاق: باب طلاق البتة، حديث 2051، والدار قطني 4/34-35، في كتاب الطلاق والخلع والإيلاء ويغره، حديث 91-93، وابن حبان 10/97، كتاب الطلاق: باب الرجعة، حديث 4274، والحاكم 2/199-200.
قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وسألت محمدا عن هذا الحديث فقال: فيه اضطراب.
2 أخرجه أحمد 1/265، والحاكم 2/491، وأبو يعلى 4/379، رقم 2500، والبيهقي 7/339، كتاب الخلع والطلاق: باب من جعل الثلاث واحدة، من طريق ابن إسحاق قال: حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس به.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بأن فيه محمد واه، والخبر خطأ وعبد اله لم يدرك الإسلام.
وللحديث طريق آخر عن عكرمة عن ابن عباس.
أخرجه أبو داود 2/645، كتاب الطلاق: باب نسخ المراجعة عند التطليقات الثلاث، حديث 2196، والبيهقي 7/339، كتاب الخلع والطلاق: باب من جعل الثلاث واحدة، كلاهما من طريق ابن جريج عن بعض بني رافع عن عكرمة عن ابن عباس به.
3 أخرجه البيهقي 7/361، كتاب الخلع والطلاق: باب الاستثناء في الطلاق، والعتق والنذور كسهو في الأيمان لا يخالفها، وابن عدي في الكامل 1/332.
وقال إسحاق هذا يروي عن الثقات وغيرهم المناكير.
الاستثناء في اللغة: الصرف والإمالة، يقال: ثنى كذا عن كذا إذا صرفه عنه وأماله، لأن المستثنى يميل بالمستثنى منه.
وفي الاصطلاح: إخراج بعض ما تناوله اللفظ عنه بإلا أو إحدى أخواتها.==

(3/458)


وَفِي إسْنَادِهِ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْكَعْبِيُّ وَفِي تَرْجَمَتِهِ أَوْرَدَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَضَعَّفَهُ
__________
=والاستثناء في اللسان معهود وموجود في الكتاب والسنة.
قال تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس} [الحجر: 30-31]. وقال أيضا: {لأغوينهم أجمعين إلا عبادك} [الحجر:39-40]، وقال أيضا: {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} [العنكبوت: 14]، إلى غير ذلك، ولهذا اتفقت الأئمة على أنه يجوز في الطلاق، كما جاز في غيره، وقد اشتهر في لسان أهل الشريعة تسمية التعليق بمشيئة الله استثناء.
واختلف أصحابنا هل هو استثناء يعطي حكم الاستثناء، أو تعليق له حكم التعليق، وإن سمي في لسانهم اسنثناء على وجهين:
قال الماوردي: المشهور: من مذهب الشافعي. إن صيغة استثناء تمنع انعقاد اللفظ فيصير اللفظ: كأنه لم يكن.
وقال أبو إسحاق المروزي: إنه شرط له حكم التعليق بالشرط، وإن كان ممنوع الوقوع، لعدم الشرط. فإن تسميته استثناء تساهل، لأن ذلك صيغة تعليق على شرط، كإن دخلت الدر ونحوه، وإن كان لا يبعد في اللغة تسمية كل تعليق استثناء، فإن قول القائل: أنت طالق يقتضي وقوع الطلاق من غير قيد، فإن علقه بالشرط فقد ثناه عن مقتضى إطلاقه.
مذهب الشافعية: الاستثناء في الطلاق على ثلاثة أنواع:
النوع الأول : يصح لفظا ونية، وهو ما جاز أن يكون صفة للطلاق، أو أمكن أن يكون حالا للمطلقة، مثال ما يكون صفة للطلاق: أنت طالق من وثاقي، أو أنت مسرحة إلى أهلك، أو مفارقة إلى سفر فإن أظهره بلفظ صح، وحمل عليه ظاهرا وباطنا، ولم يقع طلاق، لأن وضعه بما يجوز أن يكون من صفاته.
وإن لم يظهره في لفظه وأضمره في نيته، صح إضماره ودين فيما بينه وبين ربه، ولم يلزمه الطلاق في الباطن ولزمه في الظاهر.
وقال أبو حنيفة: يلزمه الطلاق ظاهرا وباطنا، ولا يدين، كما لا يدين، إذا تلفظ بالطلاق مريدا به غيره.
ودليلنا: قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تحاسبوا العبد حساب الرب" أي: لا تحاسبوه إلا على الظاهر فقط، وإن كان الله تعالى يحاسبه على الظاهر والباطن.
وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنما أحكم بالظاهر ويتولى الله السرائر" ، ولأن اللفظ يحتمل ما نوى، لأنه لو صرح به لكان محمولا عليه، فاقتضى أن يكون مدينا فيه، لأنه أحد احتماليه وليس كذلك، إذا أوقع الطلاق مريدا به غير الطلاق، لأنه يسلب اللفظ حكم الذي لا يحتمل غيره.
ومثال ما يمكن أن يكون حالا للمطلقة: أنت طالق إن دخلت الدار، أو إن كلمت زيدا، فإن أظهر ذلك بلفظه حمل عليه في الظاهر، ولم يقع الطلاق عليها، إلا على الحال التي شرطها، وإن أضمره بقلبه، ولم يظهره بلفظ دين فيه بالباطن، فلم يلزمه الطلاق إلا بذلك الشرط اعتبارا بما أضمره، ولزمه في ظاهر الحكم اعتبارا بما أظهره.
النوع الثاني : لا يصح مطلقا، وهو ما كان فيه إبطال ما أوقع، ونفي ما أثبت كقوله: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا، أو أنت طالق إلا أنت، الطلاق واقع ظاهرا وباطنا، وهذا الاستثناء باطل، لأن وقوع الطلاق يمنع من رفعه لا سيما مع قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق، والنكاح، العتاق" ، والفرق بين ما هنا حيث بطل، والنوع الأول؛ حيث صح أن بذلك صفة محتلمة، وحال ممكنة يبقى معها اللفظ على احتمال يجوز وهذا رجوع لا يحتمل، ولا يجوز.==

(3/459)


قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَالرَّاوِي عَنْهُ الْجَارُودُ بْنُ يَزِيدَ ضَعِيفٌ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ.
1605 - قَوْلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ مَعْهُودٌ وَفِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مَوْجُودٌ.
وهو كَمَا قَالَ أَمَّا آيَاتُ الْقُرْآنِ فَكَثِيرَةٌ وَوَقَعَ فِي كتاب الاستثناء للقراء فِي عَدِّ آيَاتِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَاقِعَةِ فِيهِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَكَثِيرَةٌ كَحَدِيثِ "لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ" 1 وَحَدِيثِ أَبِي دَاوُد فِي قِصَّةِ الْفَتْحِ "وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا والله لأغزون قريشا ثلاثا ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ" 2 ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَفِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ الله لَمْ يَحْنَثْ" 3، وَفِي الْكَامِلِ لِابْنِ عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ قَبْلَهُ.
__________
= النوع الثالث : يصح لفظا لا نية، وهو الاستثناء من العدد، أو الشرط الرافع لحكم الطلاق.
مثال الاستثناء من العدد: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين، ومثال الشرط الرافع: أنت طالق إن شاء الله، فإن أظهره بلفظه متصلا لكلامه صح، وكان محمولا عليه في الظاهر والباطن، فلا يلزمه الطلاق، إذا قال: إن شاء الله، ويقع طلقة واحدة، إذا قال: إلا اثنتين، لأن بعض الكلام مرتبط ببعضه، وأوله موقوف على آخره، ولا ينقصه بعضه بعضا.
وأما إذا لم يتلفظ بهذا الاستثناء بلسانه وأضمره بقلبه، فنوى أن يكون معلقا بمشيئة الله أو نوى إلا اثنتين من قوله: أنت طالق ثلاثا، لم يصح ما أضمره، ووقع عليه طلاق في الأولى، وثلاث في الثاني ظاهرا وباطنا، وإنما صح مع إظهاره باللفظ، ولم يصح مع نيته، لأن حكم اللفظ أقوى من النية، لأن الطلاق يقع بمجرد اللفظ من غير نية، ولا يقع بمجرد النية من غير لفظ، فإذا تعارضت النية اللفظ يغلب حكم اللفظ، لقوته على حكم النية، فيقع الطلاق ويبطل الاستثناء.
ولذا لو قال لزوجاته الأربع: أنتن طوالق، واستثنى واحدة منهن فعزلها من الطلاق صح، فلا يقع طلاقها لا في الظاهر ولا في الباطن، وإن استثناها ظاهرا بلفظه، ولا يقع باطنا إن استثناها بنية، وإن كان واقعا في الظاهر.
أما لو قال لهن: أنت يا أربع طوالق، وأراد إلا واحدة نظر، فإن استثناها بلفظه صح، وإن عزلها بنية لم يصح، كالاستثناء من العدد، لأنه قد صرح بذكر الأربع، ولم يصرح بذكرهن في الاستثناء.
1 تقدم.
2 تقدم.
3 أخرجه أحمد 2/6، 48، 126، والدارمي 2/185، كتاب النذور والأيمان: باب في الاستثناء في اليمين، وأبو داود 3/575-576، كتاب الأيمان والنذور: باب الاستثناء في اليمين، حديث 3261-3262، والترمذي 3/43-44، كتاب النذور والأيمان: باب في الاستثناء في الأيمان، حديث 1570، والنسائي 7/25، كتاب الأيمان والنذور: باب الاستثناء، وابن ماجة 1/680، كتاب الكفارات: باب الاستثناء في اليمين، حديث 2105، 2106، وابن الجارود في المنتقى ص 310، باب ما جاء في الأيمان، حديث 928، والحميدي 690، والبيهقي 10/46، كتاب الأيمان: باب الاستثناء في اليمين، وابن حبان 1183 –موارد، وابن جميع في معجمه =

(3/460)


1606 - قَوْلُهُ وَكَثِيرًا مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَرَّرَ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ هُوَ كَمَا قَالَ فَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا وَإِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلَاثًا1.
وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ إذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا2.
__________
=ص 86، رقم 30، كلهم من حديث أيوب هو السختياني عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا يحنث عليه" لفظ الترمذي. وفي رواية لابن ماجة: "من حلف واستثنى فلن يحنث" ولفظ أكثرهم: "من حلف على يمين" فقال: "إن شاء الله فقد استثنى" .
وقال الترمذي: حديث حديث حسن وقد رواه عبيد الله بن عمر وغيره عن نافع عن ابن عمر موقوفا. وهكذا روى سالم عن ابن عمر موقوفا، ولا نعلم أحدا رفعه غير أيوب السختياني.
وقال إسماعيل بن علية كان أيوب أحيانا يرفعه وأحيانا لا يرفعه، والحديث صححه ابن حبان أيضا.
ولم ينفرد أيوب برفعه بل تابعه كثير بن فرقد وحسان بن عطية وأيوب بن موسى وموسى بن عقبة، وعبيد الله بن عمر فأما رواية كثير بن فرقد، فأخرجها النسائي 7/25، كتاب الأيمان والنذور: باب الاستثناء، والحاكم 4/303، كتاب الأيمان والنذور: باب يمينك على ما يصدقك به صاحبك. من رواية عمرو بن الحارث عن كثير بن فرقد أن نافعا حدثهم عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى" .
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، هكذا، ووافقه الذهبي. وأما رواية حسان بن عطية فأخرجها أبو نعيم 6/79، والخطيب 5/88، من رواية عمرو بن هاشم، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من حلف على يمين فاستثنى ثم أتى ما حلف فلا كفارة عليه" .
قال أبو نعيم: غريب من حديث الأوزاعي وحسان تفرد به عمرو بن هاشم البيروتي.
وفيه نظر فقد تابعه هقل بن زياد ذكره الدار قطني في العلل كما في نصب الراية 3/301، وأما رواية أيوب بن موسى فأخرجها، والبيهقي 10/46، كتاب الأيمان: باب الاستثناء في اليمين. من طريق ابن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به بلفظ: "فله ثنياه" .
وقال البيهقي: كذا وجدته وهو في الأول من فوائد أبي عمرو بن حمدان أيوب بن موسى وكذلك روي عن ابن وهب عن سفيان عن أيوب بن موسى.
وأما رواية موسى بن عقبة فأخرجها البيهقي 10/47، كتاب الأيمان: باب صلة الاستثناء باليمين من طريق الأوزاعي عن داود بن عطاء رجل من أهل المدينة، قال: حدثني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: "من حلف على يمين فقال في أثر يمينه –إن شاء الله ثم حنث فيما حلف فيه فإن كفارة يمينه إن شاء الله"
وأما رواية عبيد الله بن عمر. فقال أبو نعيم في تاريخ أصفهان 2/105، ثنا أبو محمد بن حيان ثنا محمد بن يحيى ثنا العباس بن يزيد ثنا أبو معاوية عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من حلف فقال: إن شاء الله لم يحنث" .
1 أخرجه البخاري 1/254، كتاب العلم: باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه، حديث 94، وطرفاه ص 95، 6244.
2 أخرجه مسلم 7/391-392، كتاب الجهاد والسير: باب ما لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أذى المشركين والمنافقيه حديث 107/1794.

(3/461)


وَلِأَحْمَدَ وَلِابْنِ حِبَّانَ عَنْهُ كَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَدْعُوَ ثَلَاثًا وَيَسْتَغْفِرَ ثَلَاثًا1.
وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فِي حَدِيثِ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ.
وَفِي حَدِيثِ ذِكْرِ الْكَبَائِرِ قَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا.
وَفِي قِصَّةِ الْفَتْحِ قَالَ "وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثَلَاثًا" .
1607 - قَوْلُهُ مُسْتَدِلًّا عَلَى إمْكَانِ الصُّعُودِ إلَى السَّمَاءِ وَالطَّيَرَانِ عَقْلًا بِأَنَّهُ قَدْ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُفِعَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى السَّمَاءِ وَأُعْطِيَ جَعْفَرٌ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا.
أما الإسراء بالنبي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِجَسَدِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ قَالَ وَسِيَاقُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ عن أنس بن مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ دَالٌّ عَلَيْهِ2، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا رَفْعُ عِيسَى فَاتَّفَقَ أَصْحَابُ الْأَخْبَارِ وَالتَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّهُ رُفِعَ بِبَدَنِهِ حَيًّا وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ أَوْ نَامَ فَرُفِعَ.
وَأَمَّا قِصَّةُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَالْأَحَادِيثُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُعْطَ الْجَنَاحَيْنِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ فَفِي التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أُرِيت جَعْفَرًا مَلَكًا يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ3، وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا إنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَمُرُّ
__________
1 أخرجه أحمد 1/394-397، وأبو داود 2/86-87، كتاب الصلاة: باب في الاستغفار ثلاث مرات، حديث 1524، والنسائي في الكبرى 6/119، كتاب عمل اليوم والليلة: باب الاقتصار على ثلاث مرات، حديث 10291، والطبراني 10/197، برقم 10317، وابن حبان 3/203، كتاب الرقائق: باب الأدعية، حديث 923.
2 أخرجه مسلم 1/486-488 –نووي، كتاب الإيمان: باب الإسراء برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حديث 259/162، من طريق حماد عن ثابت عن أنس – ليس فيه مالك بن صعصعة.
وأخرجه برقم 264/164، من طريق سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك لعله قال: من مالك بن صعصعة رجل من قومه.
3 أخرجه الترمذي 5/654، كتاب المناقب: باب مناقب جعفر رضي الله عنه، حديث 3763، والحاكم 3/309، كلاهما من طريق عبد الله بن جعفر المديني قال: حدثني أبي، ثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الترمذي: هذا حديث غريب من حديث أبي هريرة لا نعلمه إلا من حديث عبد الله بن جعفر، وقد ضعفه يحيى بن معين وغيره، وعبد الله بن جفعر هو والد علي بن المديني.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجا وتعقبه الذهبي بأن عبد الله بن جعفر واه.
قلت: أخرجه الحاكم وابن حبان من غير طريق عبد الله بن جعفر.
فقد أخرجه الحاكم 3/212، قال: حدثنا محمد بن صالح بن هانئ ثنا الحسين بن الفضل، ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن مسلمة عن عبد الله بن المختار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة=

(3/462)


مَعَ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ لَهُ جَنَاحَانِ عوضه الله من يَدَيْهِ الْحَدِيثُ1، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَعْفَرٍ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ2، وَأَوْرَدَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ الْبَرَاءِ3، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ4، وَإِسْنَادُهُمَا ضَعِيفٌ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْكَامِلِ لِابْنِ عَدِيٍّ5.
حَدِيثُ "الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ" تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ.
حَدِيثُ "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ" تَقَدَّمَ فِي الصوم.
__________
= رضي الله عنه بنحوه.
وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وأخرجه ابن حبان 15/521، في كتاب إخباره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مناقب الصحابة: رجالهم ونسائهم، حديث 7047، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل ببست، حدثنا أحمد بن منصور المروزي زاج حدثني يحيى بن نصر بن حاجب القرشي، حدثني أبي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
1 أخرجه الطبراني 2/107، 1466، 1467، والحاكم: 3/209.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
2 أخرجه البخاري 7/439، كتاب فضائل أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: باب مناقب جعفر بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنه، حديث 3709، وطرفه في 4264، والنسائي في الكبرى 5/47-48، كتاب المناقب: باب فضائل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، حديث 8158، والطبراني 2/109، برقم 1474.
3 أخرجه الحاكم 3/40.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بأن كلها ضعيفة.
4 أخرجه الحاكم 3/209.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ولم يذكره الذهبي في التلخيص.
5 أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 4/28، من حديث علي.
وأخرجه ابن عدي في الكامل 5/2009، من حديث عبد الله بن عباس وقال: وهذا حديث غير محفوظ.

(3/463)


ذِكْرُ الآثار فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ .
حَدِيثُ إنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك فَقَالَ الرَّجُلُ أَرَدْت الْفِرَاقَ قَالَ هُوَ مَا أَرَدْت مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ كُتِبَ إلَى عُمَرَ مِنْ الْعِرَاقِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك فَكَتَبَ عُمَرُ إلَى عَامِلِهِ أَنْ مُرْهُ فليوافيني فِي الْمَوْسِمِ فَذَكَرَهُ وَفِيهِ أَنَّهُ اسْتَحْلَفَهُ عِنْدَ الْبَيْتِ فَقَالَ أَرَدْت الْفِرَاقَ فَقَالَ هُوَ مَا أَرَدْت6، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ غَسَّانَ بْنِ مُضَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْحَلَالِ
__________
6 أخرجه مالك في موطأ 2/551، كتاب الطلاق: باب ما جاء في الخلية والبرية وأشباه ذلك، حديث 5. =

(3/463)


الْعَتَكِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ وَافٍ مَعَنَا الْمَوْسِمَ فَأَتَاهُ الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ أَتَرَى ذَلِكَ الْأَصْلَعَ الَّذِي يَطُوفُ اذْهَبْ إلَيْهِ فَسَلْهُ ثُمَّ ارْجِعْ فذهبت غليه فإذا هُوَ عَلِيٌّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وأنه قال "اسْتَقْبِلْ الْبَيْتَ وَاحْلِفْ مَا أَرَدْت طَلَاقًا فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا أَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا الطَّلَاقَ فَقَالَ بَانَتْ مِنْك" 1.
وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بِنْتِ الْجَوْنِ حَيْثُ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَقِي بِأَهْلِك أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ زَادَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَفِيهِ الْحَقِي بِأَهْلِك جَعَلَهَا تَطْلِيقَةً قَالَ وَهَذَا مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي تَخَلُّفِهِ عَنْ تَبُوكَ فَقِيلَ لَهُ اعْتَزِلْ امْرَأَتَك قَالَ أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ قَالَ بَلْ اعْتَزِلْهَا فَقَالَ لَهَا الْحَقِي بِأَهْلِك فَكُونِي عِنْدَهُمْ3 فَلَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ فَلَمْ تَطْلُقْ.
حَدِيثُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ إنِّي جَعَلْت امْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَامًا قَالَ كَذَبْت لَيْسَتْ عَلَيْك بِحَرَامٍ ثُمَّ تَلَا {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} الْآيَةَ النَّسَائِيُّ بِهَذَا وَزَادَ فِي آخِرِهِ عَلَيْك أَغْلَظُ الْكَفَّارَةِ عِتْقُ رَقَبَةٍ4.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْحَرَامِ بِيَمِينٍ يُكَفِّرُهَا5، وَلِلْبُخَارِيِّ إذَا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ6.
__________
= ومن طريق الشافعي. ومن طريق البيهقي 7/343، كتاب الخلع والطلاق: باب ما جاء في كنايات الطلاق التي لا يقع بها إلا أن يريد بمخرج الكلام منه.
وفي شرح معاني الآثار 5/473، كتاب الخلع والطلاق: باب ما يقع به الطلاق من الكلام ولا يقع إلا بالنية، رقم 436.
1 أخرجه البيهقي 7/343، كتاب الخلع والطلاق: باب ما جاء في كنايات الطلاق التي لا يقع الطلاق بها إلا أن يريد بمخرج الكلام منه الطلاق.
2 تقدم تخريجه.
3 تقدم تخريجه.
4 أخرجه النسائي 6/151، كتاب الطلاق: باب تأويل قول الله عز وجل: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} حديث 3420.
5 أخرجه البخاري 9/374، كتاب الطلاق: باب لم تحرم ما أحل الله لك، حديث 5266، ومسلم 2/1100، كتاب الطلاق: باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق، حديث 18، 19/1473، وابن ماجة 1/670، كتاب الطلاق: باب الحرام، حديث 2073، من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس.
وذكره السيوطي في الدر المنثور 5/362، وزاد نسبته إلى ابن مردويه وعبد الرزاق والطيالسي.
6 أخرجه البخاري 8/656، كتاب التفسير –سورة التحريم- باب {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اله لك} .... حديث 4911، ومسلم 2/1100، كتاب الطلاق: باب وجوب الكفارة على من حرم=

(3/464)


قَوْلُهُ اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي لَفْظِ الْحَرَامِ1، فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعَائِشَةُ إلَى أَنَّهُ يَمِينٌ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
__________
= امرأته ولم ينو الطلاق، حديث 18، 19/1473، من حديث هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: في الحرام يمين تكفر.
وقال ابن عباس: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وهذا لفظ البخاري ومسلم ومن رواية مسلم: "إذا حرم الرجل عليه امرأته فهو يمين يكفرها" ، وقال: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} .
1 اختلفوا في قول الرجل لامرأته: أنت علي حرام. فقال أبو بكر وعمر وابن عباس هو يمين، وقال علي وزيد: هو طلاق ثلاث، وقال ابن مسعود هو طلقة واحدة. كذا في أعلام الموقعين، ومثله في الإحكام للآمدي إلا أنه نسب إلى ابن عباس القول بأنه ظهار لا يمين فعليه تكون الأقوال أربعة: ونقل بعضهم قولا خامسا عن بعض الصحابة والتابعين وهو أنه ليس بشيء، ولم ينقل عن واحد من هؤلاء الاستناد إلى شيء من الكتاب أو السنة فلا مرجح لهم في هذه الأقوال المختلفة سوى القياس.
فمن قال أنه يمين قاسه على اليمين في وجوب كفارته، وعدم نقص عدد الطلاق به بجامع الدلالة على المنع في كل فإن قوله أنت علي حرام يدل على منع النفس من وطء الزوجة كما يدل على قول الشخص لها: والله لا أطؤك.
ومن قال: أنه طلاق ثلاث قاسه على الطلاق الثلاث في إيجابه البينونة الكبرى بجامع الدلالة على التحريم التام في كل فإن الطلقة والطلقتين تجوز بعدهما الرجعة فلا تكون المرأة بهما محرمة تحريما تاما لجواز رجعتها في العدة، بخلاف الثلاث فإنها توجب التحريم التام فيلحق بها لفظ الحرام لأنه يدل على التحريم المطلق المحتمل للتحريم التام والناقص فيحمل على التحريم التام احتياطا.
ومن قال: أنه طلقة واحدة، فإن قال: إنها رجعة كان ذلك قياسا على التلفظ بأنت طالق من غير قصد عدد في إيجاب طلقة واحدة رجعية بجامع الدلالة على التحريم المطلق المحتمل للتمام والنقصان، فإنه يحمل على أقل ما يمكن لأنه المتيقن، وإن قال: إنها بائنة كان ذلك قياسا على الخلع في إيجابه طلقة واحدة بائنة بجامع الدلالة على التحريم التام من غير قصد عدد فإن الخلع يقصد به التحريم التام الذي لا تصلح بعده الرجعة لكن يعد واحدة لعدم قصد العدد به فيجوز بعده العقد من غير أن يتوسط بينهما زوج آخر، وكذلك التحريم يدل على التحريم المطلق فيحمل على التحريم التام للاحتياط فتكون به بائنة لكن لا يعتبر ثلاثا لعدم قصد العدد به فيعد واحدة.
ومن قال: أنه ظهار ألحقه بصيغة الظهار في إيحاب كفارته من غير طلاق بجامع الدلالة على التحريم بلفظ ليس هو لفظ الطلاق ولا لفظ الإيلاء في كل.
ومن قال: لا شيء فيه قياسه على تحريم المأكول كقوله هذا العسل علي حرام في أنه لا يؤثر بجامع الدلالة على تحريم ما كان حلالا.
فإن قيل: لا نسلم أن مستندهم في هذا الخلاف القياس لم لا يجوز أن يكون مستندهم النص ونحوه، فمن ذهب إلى أنه يمين فقد استند إلى قول الله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم. قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} [التحريم: 1 و2] فإنه عليه السلام قد حرم على نفسه مارية القبطية فأنزل الله تعالى هذه الآية، وسماه يمينا، ومن ذهب إلى أنه طلاق رآه دالا على حل العصمة صراحة أو كناية فأدخله تحت نصوص الطلاق، ثم من جعله ثلاثا نزله على أعظم أحواله احتياطا، ومن جعله واحدا رجعية نزله على أقل أحواله لأنه المتيقن، ومن جعله واحدة بائنة توسط، ومن جعله ظهارا جعله دالا على المظاهرة صراحة أو كناية فدخل تحت قوله تعالى: {يظاهرون من نسائهم} [المجادلة: 3]. ومن لم يجعله شيئا تمسك بالبراءة الأصلية. =

(3/465)


وَذَهَبَ عمر غلى أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الطَّلَقَاتِ وَبِهِ قَالَ عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَفِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
أَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنَ مَسْعُودٍ قَالُوا مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَلَيْسَتْ بِحَرَامٍ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ1، وَهَذَا ضَعِيفٌ وَمُنْقَطِعٌ أَيْضًا.
وَأَمَّا عَائِشَةُ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقِ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ فِي الْحَرَامِ يَمِينٌ تُكَفَّرُ2.
وَأَمَّا عُمَرُ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ عُمَرَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ هُوَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ قَدْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً فَقَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَقَالَ عُمَرُ لَا أَرُدُّهَا إلَيْك3، ثُمَّ سَاقَ الْإِسْنَادَ إلَيْهِ فَالْأَوَّلُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ
__________
=قلنا: أنه لا يمكن أن يكون مستندهم جميعا ما ذكرتم من النص والبراءة الأصلية بدون حاجة إلى القياس أصلا.
وبيانه: أن آية التحريم نزلت في قصة تحريم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شب العسل كما ذكره النووي في شرح مسلم، وهذا هو الصحيح، والتحريم الذي فيها يحتمل أن يكون بيمين نحو: والله لا أشرب العسل. وأن يكون بغير يمين نحو: هذا العسل علي حرام. فلا تصلح دليلا على المسألة أصلا، وعلى فرض أنها نزلت في تحريم مارية القبطية ففيها هذان الاحتمالان فلا تصلح دليلا أيضا، وعلى فرض أنه حرمها بلفظ: أنت علي حرام، فهذا لفظ خوطبت به المملوكة التي لا يتصور في حقها طلاق ولا ظهار، فإن اعتبره الشارع يمينا في المملوكة لم يعتبر يمينا في الزوجة إلا بملاحظة إلغاء الفارق، وحينئذ يقاس اللفظ الذي خوطبت به الزوجة على اللفظة التي خوطبت بها الأمة بجامعه الدلالة على تحريم الوطء في كل، ولا يمكن أن يقال أن النص دل على كون هذه الصيغة يمينا مطلقا سواء أخوطبت به الأمة أم غيرها، وإلا ما اختلفوا في تحريم الزوجة وتحريم المطعومات ونحوها وقولهم: أن الصيغة تدل على حل العصمة أو المظاهرة صراحة باطل يعرف ذلك من له أدنى إلمام باللغة. وقولهم: أنها تدل عليهما بالكناية ليس هو مذهب من جعل الصيغة طلاقا ولا مذهب من جعلها ظهارا فإن كنايات الطلاق والظهار لا يقع بها طلاق ولا ظهار إلا مع النية.
والذابون إلى أنها طلاق أو ظهار لم يشترطوا النية، فلا بد لهم من قياس هذا اللفظ على اللفظ الصريح في الطلاق أو الظهار ليقع به الطلاق أو الظهار عند الإطلاق. وقولهم: أن من لم يجعله شيئا استند إلى البراءة الأصلية مسلم ولا يضرنا إذ يكفينا أن باقي الأقوال مستند إلى القياس.
ينظر: القياس لشيخنا علي عبد التواب، وينظر: أعلام الموقعين 1/261، والإحكام 3/82.
1 أخرجه ابن أبي شيبة 4/97، كتاب الطلاق: باب من قال: الحرام يمين وليست بطلاق، حديث 18200.
2 أخرجه البيهقي 7/351، كتاب الخلع والطلاق: باب من قال لامرأته: أنت علي حرام، والدار قطني 4/66، في كتاب الطلاق والخلع والإيلاء وغيره، حديث 163، وابن أبي شيبة 4/96، كتاب الطلاق: باب من قال: الحرام يمين وليست بطلاق، حديث 18191.
3 ينظر: البيهقي 7/351.

(3/466)


عَبَّاسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ1، لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعًا2.
وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ النَّخَعِيِّ عَنْهُ3، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ.
وَأَمَّا عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي الْبَرِيَّةِ وَالْبَتَّةِ وَالْحَرَامِ أنها ثلاث ثلاث وَرَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الرَّجُلِ يَجْعَلُ امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ حَرَامًا4، قَالَ يَقُولُونَ إنَّ عَلِيًّا قَالَ لَا أَحِلُّهَا وَلَا أُحَرِّمُهَا ثُمَّ سَاقَ سَنَدَهُ5.
وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ6.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ هِيَ ثَلَاثٌ7.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْهُ8، وَعَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَطَرٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ هِيَ ثَلَاثٌ لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ9، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَوْصَلُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وَجَاءَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ سَأَلَتْ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَابْنَ عُمَرَ عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ قَالَا جَمِيعًا كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَسَنَدُهَا صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ حَزْمٍ10.
وَأَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ فَحَكَاهَا أَيْضًا أبو بكر الْعَرَبِيِّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى إسْنَادِهَا.
وَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ مِنْهَا نِيَّتُهُ فِي الْحَرَامِ مَا نَوَى إنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى طَلَاقًا فَهِيَ يَمِينٌ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْهُ11.
وَفِي لَفْظٍ "إنْ نَوَى يَمِينًا فَيَمِينٌ وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا فَطَلَاقٌ" وَهَذِهِ رِوَايَةُ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَشْعَثَ
__________
1 ينظر: البيهقي في الموضع السابق.
2 أخرجه عبد الرزاق 6/399، كتاب الطلاق: باب الحرام، حديث 11360.
3 أخرجه عبد الرزاق 6/405، كتاب الطلاق: باب الحرام، حديث 11391.
4 أخرجه البيهقي 7/351، كتاب الخلع والطلاق: باب من قال لامرأته: أنت علي حرام.
5 ينظر: السابق.
6 أخرجه مالك 2/552، كتاب الطلاق: باب ما جاء في الخلية والبرية وأشباه ذلك، حديث 6.
7 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 6/401-402، كتاب الطلاق: باب الحرام، حدث 11372.
8 أخرجه ابن أبي شيبة 4/96، كتاب الطلاق: باب ما قالوا في الحرام، من قال لها: أنت علي حرام، من رآه طلاقا، حديث 18188.
9 أخرجه ابن أبي شيبة في الموضع السابق برقم 18187، من طريق عبد الوهاب عن سعيد عن مطرف عن حميد بن هلال بهذا الإسناد والمتن.
10 أخرجه ابن حزم في المحلى 10/125.
11 أخرجه البيهقي 7/351، كتاب الطلاق والخلع: باب من قال لامرأته: أنت علي حرام.

(3/467)


عَنْ الْحَكَمِ1.
وَفِي رِوَايَةِ إنْ نَوَى فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَيَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَهَذِهِ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الثَّوْرِيِّ2، وَعَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ هِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا3، وَكُلُّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ.
قَوْلُهُ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَدَلَّى بِحَبْلٍ لِيَشْتَارَ عَسَلًا فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فَجَلَسَتْ عَلَى الْحَبْلِ وَقَالَتْ تُطَلِّقْنِي ثَلَاثًا وَإِلَّا قَطَعْت الْحَبْلَ فَذَكَّرَهَا بِاَللَّهِ وَالْإِسْلَامِ فَأَبَتْ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ خَرَجَ إلَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ ارْجِعْ إلَى أَهْلِك فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُدَامَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِيِّ عَنْ أَبِيهِ4، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ قُدَامَةَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَى مُكْرَهٍ طَلَاقٌ5، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَهُ وَغَيْرُهُ.
تَنْبِيهٌ: رَوَى الْعُقَيْلِيُّ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ الطَّائِيِّ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ مَرْفُوعًا قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ" 6، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ وَأَنَّهُ وَاهٍ جِدًّا.
حَدِيثُ أَنَّ عُمَرَ سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ طَلْقَتَيْنِ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ وَفَارَقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ فَقَالَ هِيَ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الطَّلَاقِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ7، وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَأَلْت عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ فَذَكَرَهُ8، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
__________
1 أخرجه البيهقي في الموضوع السابق.
2 أخرجه عبد الرزاق 6/404-405، كتاب الطلاق: باب الحرام، حديث 11390، بنحوه.
3 أخرجه عبد الرزاق 6/401، برقم 11366.
4 أخرجه البيهقي 7/357، كتاب الخلع والطلاق: باب ما جاء في طلاق المكره.
5 أخرجه ابن أبي شيبة 4/82، كتاب الطلاق: باب من لم ير طلاق المكره شيئا، حديث 18027-18029، عن ابن عباس وعلي، وعن عبد الله بن عمرو والزبير.
6 أخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير للعقيلي 2/211-212، في ترجمة صفوان الأصم، وقال: لا يتابع على حديثه، منكر في المكره.
وذكره ابن أبي قاسم في العلل 1/436، برقم 1312.
7 أخرجه البيهقي 7/364-365، كتاب الخلع والطلاق: باب ما يهدم الزوج من الطلاق وما لا يهدم.
8 أخرجه البيهقي 7/365، في الموضع السابق.

(3/468)


1608 - حَدِيثُ أَنَّ نُفَيْعًا وَكَانَ عَبْدًا لِأُمِّ سَلَمَةَ سَأَلَ عُثْمَانَ وَزَيْدًا فقالت طَلَّقْت امْرَأَتِي وَهِيَ حُرَّةٌ تَطْلِيقَتَيْنِ فَقَالَا حَرُمَتْ عَلَيْك مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ عَنْهُ بِهِ وَأَتَمُّ مِنْهُ1.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ غُلَامًا لَهَا طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ فَاسْتَفْتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ حَرُمَتْ عَلَيْهِ2، وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
حَدِيثُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْكَلْبِيَّةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهُ طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ فَبَتَّهَا ثُمَّ مَاتَ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ فِي عِدَّتِهَا3.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ جريج به وسماه تُمَاضِرَ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُتَّصِلٌ وَزَادَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَةً4، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ مَرِيضٌ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا مُنْقَطِعٌ وَحَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ مُتَّصِلٌ5.
قَوْلُهُ وَكَانَ الطَّلَاقُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بِسُؤَالِهَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ سَأَلَتْهُ امْرَأَتُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَقَالَ إذَا حِضْت ثُمَّ طَهُرْت فَأْذَنِينِي فَلَمْ تَحِضْ حَتَّى مَرِضَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَلَمَّا طَهُرَتْ أَذِنَتْهُ فَطَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ أَوْ تَطْلِيقَةً لَمْ يَكُنْ بَقِيَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ غَيْرُهَا.
تَنْبِيهٌ: تُمَاضِرُ بِضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ [وبضاد معجمة مكسورة]6، وَالْأَصْبَغُ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ.
__________
1 أخرجه مالك 2/574، كتاب الطلاق: باب ما جاء في طلاق العبد، حديث 47، 48.
ومن طريق أخرجه الشافعي في مسنده 2/39، كتاب الطلاق: باب ما جاء في أحكام الطلاق، حديث 123-124.
2 أخرجه عبد الرزاق 7/236، في ما يتعلق بالعبيد، والإماء، باب طلاق الحرة، حديث 12952.
وفيه عبد الله بن زياد بن سمعان: متروك، بالتهمة بالكذب أبو داود وغيره، التقريب 1/416.
3 أخرجه الشافعي 2/60، كتاب الطلاق: باب في العدة، حديث 199.
4 أخرجه مالك في موطأه 2/571، كتاب الطلاق: باب طلاق المريض، حديث 40.
5 أخرجه مالك في موطأه 2/572، كتاب الطلاق: باب طلاق المريض، حديث 42.
6 سقط في ط.

(3/469)


قَوْلُهُ وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ يَمْدَحُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ هِشَامٍ
وَمَا مِثْلُهُ فِي النَّاسِ إلَّا مُمَلَّكًا ... أَبُو أُمِّهِ حَيٌّ أَبُوهُ يُقَارِبُهُ1
كَذَا وَقَعَ فِيهِ وَفِي التَّهْذِيبِ قَالَ يَمْدَحُ هِشَامَ بْنَ إبْرَاهِيمَ خَالَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ النَّوَوِيُّ الصَّوَابُ يَمْدَحُ إبْرَاهِيمَ بْنَ هِشَامِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ خَالَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ انْتَهَى وَهُوَ صَوَابٌ لَكِنْ فِيهِ خَطَأٌ أَيْضًا وَالصَّوَابُ أَنَّهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَخَبَرُهُ فِي أَنْسَابِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهَا.
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ "أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى سَنَةٍ" فَقَالَ هِيَ امْرَأَتُهُ يَسْتَمْتِعُ بِهَا إلَى سَنَةٍ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَى يَمِينٍ فَلَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ وَلَوْ إلَى سَنَةٍ2.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ هِيَ طَالِقٌ إلَى سَنَةٍ قَالَ هِيَ امْرَأَتُهُ يَسْتَمْتِعُ مِنْهَا إلَى سَنَةٍ قَالَ رُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ3.
قَوْلُهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الشَّرِيحِيَّةَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي بَعْضِ التَّعَالِيقِ أَنَّ مَذْهَبَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الشَّرِيحِيَّةِ لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ زَيْدٍ وَلَا عَمْرٍو فَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَانَ بن شريج رَجُلًا فَاضِلًا لَوْلَا مَا أَحْدَثَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ مَسْأَلَةِ الدُّورِ فِي الطَّلَاقِ وَهَذَا مِنْ الدَّارَقُطْنِيِّ دَالٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسْبَقْ بن شريج إلَى ذَلِكَ.
قُلْت وَكَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ فِي النَّصِّ أَوْ مُقْتَضَى النَّصِّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاَلَّذِي وَقَعَ فِي النَّصِّ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَوْ أَقَرَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ بِابْنٍ لِأَخِيهِ الْمَيِّتِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَمْ يَرِثْ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَخَرَجَ الْمُقِرُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ بِوَارِثٍ آخَرَ فَتَوْرِيثُ الِابْنِ يُفْضِي إلَى عَدَمِ تَوْرِيثِهِ فَتَسَاقَطَا فَأَخَذَ بن شريج مِنْ هَذَا النَّصِّ مَسْأَلَةَ الطَّلَاقِ الْمَذْكُورَةَ وَلَمْ يَنُصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهَا فِي وِرْدٍ وَلَا صَدْرٍ.
__________
1 البيت من الطويل، وهو للفرزدق في لسان العرب 10/492، ملك، ومعاهد التنصيص 1/43، ولم أقع عليه في ديوانه، وهو بلا نسبة في الخصائص 1/146، استشهد به النحاة على التعقيد، وهو أن لا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المراد، والمعنى فيه: وما مثله، يعني الممدوح، وفي الناس حي يقاربه، أي أحد يشبهه في الفضائل إلا مملكا، يعني هشاما، وأبو أمه، أي أبو أم هشام، أبوه أي أبو الممدوح، فالضمير في أمه للملك، وفي أبوه للممدوح، ففصل بين أبو أمه وهو مبتدأ، وأبوه، وهو خبره بأجنبي، وهو قوله: حي، كما فصل بين حي ونعته، وهو قوله: يقاربه، بأجنبي وهو أبوه وقدم المستثنى منه.
2 أخرجه الحاكم 4/303، والبيهقي 7/356، كتاب الخلع والطلاق: باب الطلاق بالوقت والفعل.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
3 أخرجه البيهقي 7/356، في الموضع السابق.

(3/470)