التلخيص الحبير ط العلمية - كِتَابُ دَعْوَى الدم والقسامة
مدخل
...
60- كتاب دعوى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ1
1720- حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ خَرَجَا إلَى "خَيْبَرَ"، فَتَفَرَّقَا لِحَاجَتِهِمَا، فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ مُحَيِّصَةُ لِلْيَهُودِ: "أَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُ"، قَالُوا: مَا قَتَلْنَاهُ... "، الْحَدِيثُ بِطُولِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ سَهْلٍ: "انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إلَى "خَيْبَرَ"، وَهِيَ يَوْمئِذٍ صُلْحٌ، فَتَفَرَّقَا، فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلًا، فَدَفَنَهُ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ... "، الْحَدِيثُ بِطُولِهِ فِي "الْقَسَامَةِ"2، وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ
__________
1 القسامة في اللغة مأخوذة من القسم، وهو اليمين، والقسامة: الأيمان تقسم على ألياء القتيل إذا ادعوا الدم، يقال: قتل فلان بالقسامة إذا اجتمعت جماعة من أولياء القتيل، فادعوا على رجل أنه قتل صاحبهم، ومعهم دليل دون البينة، فخلفوا خمسين يميناً أن المدعي عليه قتل صاحبهم.
وفي اصطلاح الفقهاء هي الأيمان المكررة في دعوى القتل.
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن القسامة، مشروعة، وقد استدلوا على ذلك بأحاديث منها: ما روي عن سهل بن أبي حثمة قال: انطلق عبد الله بن سهل، ومحيصة بن مسعود إلى "خيبر" وهي يومئذ صلح، فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل، وهو يتشحط في دمه قتيلاً، فدفنه، ثم قدم "المدينة"، فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كبر كبر" وهو أحدث القوم، فسكت فتكلما، فقال: "أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم" ، فقالوا: كيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال: "فتبرئكم يهود بخمسين يميناً" ، فقالوا له: كيف نأخذ بأيمان قوم كفار، فعقله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عنده.
وفي رواية متفق عليها قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يقسم خمسون منكم على رجل منهم، فيدفع برمته" فقالوا: أمر لم نشهده، كيف نحلف؟ قال: "فتبرئكم يهود بأيمان حمسين منهم قالو: يا رسول الله قوم كفار" الحديث.
فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم" دليل على مشروعية القسامة، وإلى هذا ذهب جمهور الصحابة والتابعين، والعلماء من "الحجاز" و"الكوفة" و"الشام" كما حكى ذلك القاضي عياض: ولم يختلفوا في الجملة، ولكن اختلفوا في التفاصيل.
2 أخرجه مالك [2/ 877- 878]، كتاب القسامة: باب تبرئة أهل الدم في القسامة، حديث [1]، والبخاري [12/ 229]، كتاب الديات: باب القسامة، حديث [6898]، ومسلم [3/ 1291]، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات: باب القسامة، حديث [1/ 1669]، وأبو داود [4/ 655]، كتاب الديات: باب القتل بالقسامة، حديث [4520]، والترمذي [4/ 30- 31]، كتاب الديات: باب ما جاء في القسامة، حديث [1422]، والنسائي [8/ 5- 7]، كتاب القسامة: باب تبرئة أهل الدم في القسامة، وابن ماجة [2/ 892- 893]، كتاب الديات: باب القسامة، حديث [2677]، والحميدي [1/ 196- 197]، رقم [403] وأحمد [4/ 3]، وابن

(4/106)


سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ1.
وَفِي رِوَايَةٍ لـ"مسلم": عَنْ سَهْلٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ، بِهِ2، وَلَهُ أَلْفَاظٌ عِنْدَهُمَا.
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا أَخْرَجَاهُ، مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَبِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى الْبِدَايَةِ بِالْأَنْصَارِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بِلَفْظِ: "أَفَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودٌ بخمسين يَمِينًا يَحْلِفُونَ إنَّهُمْ لَمْ يَقْتُلُوهُ؟" ، فَبَدَأَ بِذَكَرِ الْيَهُودِ؛ وَقَالَ: إنَّهُ وَهَمٌ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ.
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ وَقَالَ: إنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ وَلَمْ يَسُقْ مَتْنَهُ، وَقَدْ وَافَقَ وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ ابْنَ عُيَيْنَةَ عَلَى رِوَايَتِهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى.
فَائِدَةٌ: اسْتَدَلَّ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى وَجُوَبِ الْقِصَاصِ بِهَا، وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ، بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ: "يَحْلِفُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ إلَيْكُمْ بِرِمَّتِهِ" ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى الْمَنْعِ، وَهُوَ الْجَدِيدُ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ لـ"مسلم": "إمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ تُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ" .
1721- قَوْلُهُ: "رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إلَّا فِي الْقَسَامَةِ" ، الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ3 بِهِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: إسْنَادُهُ لَيِّنٌ، وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ
__________
= الجارود في "المنتقى" رقم [798، 799، 800]، وابن حبان [5977- الإحسان]، والدارقطني [3/ 109]، كتاب الحدود والديات، حديث [95]، والبيهقي [8/ 126- 127]، كتاب القسامة: باب ما جاء في القتل بالقسامة، والبغوي في "شرح السنة" [5/ 414- بتحقيقنا]، كلهم من حديث سهل بن أبي حثمة قال: انظلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر وهي يومئذ صلح فتفرقا فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلاً فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كبر كبر" وهو أحدث القوم فسكت فتكلمنا قال: أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم فقالوا: وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال: "فتبرئكم يهود بخمسين يميناً" فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار؟ فعقله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عنده.
1 أخرجه البخاري [12/ 169- 170]، كتاب الأدب: باب إكرام الكبير ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال، حديث [6142، 6143]، ومسلم [6/ 158- 159]، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات: باب القسامة، حديث [201/ 1669].
كلاهما من طريق بشير بن يسار عنهما.
2 أخرجه مسلم [6/ 160]، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات: باب القسامة، حديث [6/ 1669].
3 أخرجه الدارقطني [4/ 218]، كتاب في الأقضية والأحكام: باب في المرأة تقتل إذا ارتدت، حديث [52]، والبيهقي [8/ 123]، كتاب القسامة: باب أصل القسامة والبداية فيها مع اللوث بأيمان المدعي. وعبد البر في "التمهيد" [23/ 204- 205]، من طريق مسلم ولم يذكر ابن جريج.

(4/107)


الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرٍو مُرْسَلًا، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ أَحْفَظُ مِنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ وَأَوْثَقُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ1، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَهَذِهِ عِلَّةٌ أُخْرَى.
قَوْلُهُ: "لَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، وَلَمْ يُعْرَفْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَدَاوَةٌ، فَلَا يُجْعَلُ قُرْبُهُ مِنْ إحْدَاهُمَا لَوْثًا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جرت بأن يبعد القتيل القاتل عَنْ بِقَاعِهِ؛ دَفْعًا لِلتُّهْمَةِ، وَمَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ وَفِي الْأَثَرِ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَثْبُتْ إسْنَادُهُ، انْتَهَى" وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ أَبِي إسْرَائِيلَ عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتِيلًا بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذُرِعَ مَا بَيْنَهُمَا، رواه أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَزَادَ: "أَنْ يُقَاسَ إلَى أَيَّتِهِمَا أَقْرَبُ، فَوُجِدَ أَقْرَبَ إلَى أَحَدِ الْحَيَّيْنِ بِشِبْرٍ، فَأَلْقَى دِيَتَهُ عَلَيْهِمْ" 2.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو إسْرَائِيلَ عَنْ عَطِيَّةَ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِمَا، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ.
وَأَمَّا الْأَثَرُ: فَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، "أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ خَيْوَانَ3 وَوَادِعَةَ4، أَنْ يُقَاسَ ما بين الفريقين... "، الْحَدِيثَ5 قَالَ
__________
1 أخرجه الدارقطني [4/ 218]، كتاب في الأقضية: باب في المرأة تقتل إذا ارتدت، حديث [51]، وابن عدي في "الكامل" [6/ 310]، قال ابن عدي: رواه مسلم بن خالد الزبغي عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة. ورواه مرة أخرى عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
وهذان الإسنادان يعرفان بالزنجي وفي المتن زيادة قوله: "إلا القسامة" والزنجي ضعيف.
قال العظيم آبادي في "التعليق المغني" [4/ 218]، الحديث أخرجه أيضاً البيهقي عن مسلم بن خالد الزنجي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله.
قال في "التنقيح": ومسلم بن خالد تكلم فيه غير واحد من الأئمة، وقد اختلف عليه فقيل عنه هكذا وقال بشير بن الحكم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به، "انتهى من التعليق".
2 أخرجه أحمد [3/ 39، 89]، والبزار [2/ 209]، كتاب الديات: باب إذا وجد قتيل بين قريتين، حديث [1534]، والبيهقي [8/ 126]، كتاب القسامة: باب ما ورد في القتيل يوجد بين قريتين ولا يصح وعزاه الزيلعي في "نصب الراية" إلى أبي داود الطيالسي وإسحاق بن راهويه.
أخرجه العقيلي [1/ 76]، قال البزار: لا نعلمه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بهذا الإسناد، وأبو إسرائيل ليس بالقوي.
3 خيوان بالفتح، ثم السكون، آخره نون: مخلاف باليمن، ومدينة بها. قيل: كان يعوق بقرية يقال لها: خيوان، من صنعاء على ليلتين مما يلي مكة.
ينظر: "مراصد الاطلاع" [1/ 498].
4 وداعة: مخلاف باليمن عن يمين صنعاء.

(4/108)


الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ بِثَابِتٍ، إنَّمَا رَوَاهُ الشَّعْبِيُّ عَنْ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رُوِيَ عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْأَزْمَعِ، عَنْ عُمَرَ؛ لَكِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ الْحَارِثِ؛ فَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ، عَنْ شُعْبَةَ: سَمِعْت أَبَا إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ حَدِيثَ الْحَارِثِ بْنِ الْأَزْمَعِ، يَعْنِي: هَذَا، قَالَ: فَقُلْت، يَا أَبَا إِسْحَاقَ مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَالِدٌ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْأَزْمَعِ بِهِ، فَعَادَتْ رِوَايَةُ أَبِي إِسْحَاقَ إلَى حَدِيثِ مُجَالِدٍ، وَمُجَالِدٌ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ.
__________
ينظر: "مرصد الاطلاع" [3/ 1429].
5 أخرجه البيهقي [8/ 124]، وفي "معرفة السنن والآثار" [6/ 264]، كتاب الديات: باب القسامة.
وأخرجه ابن أبي شيبة [5/ 445]، كتاب الديات: باب القتيل يوجد بين الحيين، حديث [27851]، عن الشعبي قال: وجد قتيل بين حيين من همذان بين وداعة وخيوان، فبعث عمر معهم المغيرة بن شعبة، فقال: انظلق معهم فقس ما بين القريتين فأيهما كانت أقرب فألحق بهم القتيل.

(4/109)


1- بَابُ السِّحْرِ1
1722- حديث: "أنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ" ،
__________
4 وداعة: مخلاف باليمن عن يمين صنعاء.
ينظر: "مرصد الاطلاع" [3/ 1429].
5 أخرجه البيهقي [8/ 124]، وفي "معرفة السنن والآثار" [6/ 264]، كتاب الديات: باب القسامة.
وأخرجه ابن أبي شيبة [5/ 445]، كتاب الديات: باب القتيل يوجد بين الحيين، حديث [27851]، عن الشعبي قال: وجد قتيل بين حيين من همذان بين وداعة وخيوان، فبعث عمر معهم المغيرة بن شعبة، فقال: انظلق معهم فقس ما بين القريتين فأيهما كانت أقرب فألحق بهم القتيل.
1 السحر أصله التمويه والتخاييل، وهو أن يفعل الساحر أشياء ومعاني، فيخيل للمسحور أنها يخلاف ما هي به؛ كالذي يرى السراب من بعيد فيخيل إليه أنه ماء، وكراكب السفينة السائرة سيراً حثيثاً يخيل إليه أن ما يرى من الأشجار والجبال سائرة معه. وقيل: هو مشتق من سحرت الصبي، إذا خدعته، وكذلك إذا عللته، والتسحير مثله؛ قال لبيد:
فإن تسألينا فيم نحن فإننا ... عصافير من هذا الأنام المسحر
آخر:
أرنا موضعين لأمر غيب ... ونسحر بالطعام وبالشراب
عصافير وذبان ودود ... وأجراً من مجلحة الذئاب
وقوله تعالى: {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} [الشعراء: 153] يقال: المسحر الذي خلق ذا سحر؛ ويقال من المعللين؛ أي ممن يأكل الطعام ويشرب الشراب. وقيل: أصله الخفاء، فإن الساحر يفعله في خفية. وقيل: أصله الصرف؛ ويقال: ما سحرك عن كذا، أي ما صرفك عنه؛ فالسحر مصروف عن جهته. وقيل: أصله الاستمالة؛ وكل من استمالك فقد سحرك. وقيل: في قوله تعالى: {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر: 15] أي سحرنا فأزلنا بالتخييل عن معرفتنا. وقال الجوهري: السحر الأخذة؛ وكل من لطف مأخذه ودق فهو سحر؛ وقد سحره يسحره سحراً. والساحر: العالم، وسحره أيضاً بمعنى خدعه؛ وقد ذكرناه. وقال ابن مسعود: كنا نسمي السحر في الجاهلية العضه. والعضه عند العرب: شدة البهت وتمويه الكذب؛ قال الشاعر: =

(4/109)


مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ1.
1723- قَوْلُهُ: "وَفِي ذَلِكَ نَزَلَتْ الْمُعَوِّذَتَانِ"، انْتَهَى، وَهَذَا ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ" مِنْ حَدِيثِ ابْن عَبَّاسٍ تَعْلِيقًا2، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا تَعْلِيقًا3، وَطَرِيقُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ؛ أَخْرَجَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِهِ رِوَايَةُ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْهُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ "وَنَزَلَتْ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [سورة الْفَلَقِ: 1]".
تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ: أَنَّ عُقَدَ السِّحْرِ كَانَتْ إحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً، فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ إحْدَى عَشْرَةَ آيَةً، فَانْحَلَّتْ بِكُلِّ آيَةٍ عُقْدَةٌ.
قُلْت: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِلِ مَعْنَى ذَلِكَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ فِي الْقِصَّةِ الَّتِي ذَكَرَ فيها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سحر وَفِي آخِرِ الْحَدِيثِ: "أَنَّهُمْ وَجَدُوا وِتْرًا فِيهِ إحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً، وَأُنْزِلَتْ سُورَةُ الْفَلَقِ وَالنَّاسِ فَجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ" 4.
وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَلِيًّا وَعَمَّارًا فَوَجَدَا
__________
أعوذ بربي من النافثا ... ت في عضه العاضه المعضه
واختلف هل له حقيقة أم لا؛ فذكره الغزنوي الحنفي في عيون المعاني له: أن السحر عند المعتزلة خداع لا أصل له، وعند الشافعي وسوسة وأمراض، قال: وعندما اصله طلسم بينى على تأثير خصائص الكواكب؛ كتأثير الشمس في زئبق عصي فرعون، أو تعظيم الشياطين ليسهلوا له ما عسر.قلت: وعندما أنه حق وله حقيقة يخلق الله عنده ما شاء على ما يأتي ثم من السحر ما يكون بخفة اليد كالشعوذة. والشعوذي: البريد لخفة سيره. قال ابن فارس في المجمل: الشعوذة ليست من كلام أهل البادية، وهي خفة في اليدين وأخذة كالسحر؛ ومنه ما يكون كلاماً يحفظ ورقى من أسماء الله تعالى. وقد يكون من عهود الشياطين، ويكون أدوية وأدخنة وغير ذلك.
ينظر: القرطبي [2/ 31، 32].
قال البيهقي: ومجالد غير محتج به.
1 أخرجه أحمد [6/ 50، 57، 63، 96]، والبخاري [6/ 414]، كتاب الجزية والموادعة: باب هل يعفى عن الذمي إذا سحر، حديث [3175]، وأطرافه في [2268، 5763، 5765، 5766، 6063، 6391]، ومسلم [7/ 429- 430- النووي]، كتاب السلام: باب السحر، حديث [43، 44/ 2189]، والنسائي في "الكبرى" [4/ 380]، كتاب الطب: باب السحر، حديث [3545]، والحميدي [1/ 125- 127]، حديث [259]، وابن حبان [14/ 545- 548]، كتاب التاريخ: باب كتب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حديث [6583، 6584]، كلهم من حديث عائشة رضي الله عنها وفيه قصة.
2 ذكره السيوطي في "الدر المنثور" [6/ 717]، وعزاه إلى ابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما.
3 أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" [7/ 92- 94].
وعزاه السيوطي في "الدر" [6/ 717]، لابن مردويه كلاهما من حديث عائشة رضي الله عنها.
4 ينظر المصدر السابق.

(4/110)


طَلْعَةً فِيهَا إحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً" ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ1.
1724- قَوْلُهُ: "رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ كُهِّنَ لَهُ" ، الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ2، وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "الْأَوْسَطِ" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ3، وَفِي الْأَوَّلِ: إِسْحَاقُ بْنُ الرَّبِيعِ ضَعَّفَهُ الْفَلَّاسُ، وَالرَّاوِي عَنْهُ أَيْضًا لَيِّنٌ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: مُخْتَارُ بْنُ غَسَّانَ؛ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَامِرٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَعِيسَى بْنُ مُسْلِمٍ وَهُوَ لَيِّنٌ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: زَمَعَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامٍ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: "مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ تَعَلَّقَ بِشَيْءٍ وُكِّلَ إلَيْهِ" ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ فِي "تَرْجَمَةِ عَبَّادِ بْنِ مَيْسَرَةَ"، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيٍّ4.
حَدِيثُ: "أَنَّ مُدَبَّرَةً لِعَائِشَةَ سَحَرَتْهَا اسْتِعْجَالًا لِعِتْقِهَا، فَبَاعَتْهَا عَائِشَةُ مِمَّنْ يُسِيءُ مِلْكَهَا مِنْ الْأَعْرَابِ"، مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ، مِنْ رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْهَا، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ5
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة في "الطبقات" [2/ 153].
2 أخرجه الطبري [18/ 162]، حديث [355].
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" [5/ 106- 107]: رواه الطبراني وفيه إسحاق بن الربيع العطار وثقه أبو حاتم وضعفه عمرو بن علي وبقية رجاله ثقات.
وقال في موضع آخر [5/ 120]: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن الربيع وهو ثقة. وهو عند البزار برقم [3044].
3 أخرجه البزار برقم [3043]، والطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" [5/ 120]: رواه البزار والطبراني في "الأوسط" وفيه زمعة بن صالح وهو ضعيف.
4 أخرجه النسائي [7/ 112]، كتاب تحريم الدم: باب الحكم في السحرة، حديث [4079]، وابن عدي في "الكامل" [4/ 1648]، قال ابن عدي: رواه عباد بن ميسرة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه وعباد ليس بالقوي. والحديث أورده الذهبي في "الميزان" [4/ 43- 44]، وقال: هذا الحديث لا يصح للين عباد وانقطاعه.
وقال ابن عباد: ضعفه أحمد وابن معين.
وقال يحيى مرة: ليس به بأس.
وقال أبو داود: ليس بالقوي وكان من العباد، روى عنه أبو داود.
5 أخرجه الشافعي في "مسنده" [2/ 67]، كتاب العتق: باب في التدبير، حديث [221]، من طريق مالك عن أبي الرجال عن محمد بن عبد الرحمن عن أمه أن عائشة رضي الله عنها... فذكره الحديث.
ومن طريقه أخرجه البيهقي [8/ 313]، كتاب المدبر: باب المدبر يجوز بيعه متى شاء مالكه. =

(4/111)