التلخيص الحبير ط العلمية - كِتَابُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ
مدخل
...
59- كتاب كَفَّارَةِ الْقَتْلِ4
1718- حَدِيث وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ: "أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ اسْتَوْجَبَ النَّارَ
__________
4 يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92- 93]... إلى أن قال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء: 92- 93].
فبين سبحانه وتعالى أن القتل في ذاته جريمة منكرة ليس من شأن المؤمن أن يقدم عليها، ولا من طبعه الميل إليها، وأنه إن فعل ذلك إنما يفعله عن كره منه، على غير قصد، وأنه في هذه الحالة عليه أن يخرج رقبة من ذل العبودية تتمتع بنسيم الحرية، بدل تلك الرقبة التي فارقت الحياة الدنيا، فإن كان معسراً عاجزاً عن تحرير تلك الرقبة، فعليه أن يصوم شهرين متتابعين تهذيباً لنفسه، وإشعاراً لها بما وقع منها من التقصير؛ ولعل الله يغفر لها ما فرط من ذنب إنه غفور رحيم.
وهذه الآيات بظاهرها تفيد أن الكفارة إنما تجب في قتل الخطأ دون العمد إذ القاتل عمداً جعل الله جزاءه جهنم خالداً فيها، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعد له عذاباً عظيماً.
ومن هنا اتفقت كلمة الفقهاء على وجوب الكفارة في قتل الخطأ.
وبعد اتفاق الفقهاء على وجوب الكفارة في قتل الخطأ اختلفوا في وجوبها في غيره، كالعمد، وشبه العمد عند من يقول به.
فالإمام مالك، وأهل الظاهر يرون أن الكفارة لا تجب في العمد، ولا في شبه العمد.
ويرى المالكية: أن على القاتل عمداً إذا عفي عنه أن يكفر بما يكفر به القاتل خطأ على سبيل الندب، لا على سبيل الوجوب، ويجلد مائة، ويغرب سنة. =

(4/104)


بِالْقَتْلِ، فَقَالَ: "أَعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً، يَعْتِقْ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ" ، أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِهِ1، وَلَفْظُهُمْ: "قَدْ اسْتَوْجَبَ" فَقَطْ، وَلَمْ يَقُولُوا: "النَّارَ بِالْقَتْلِ" .
1719- قَوْلُهُ: "رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لِلْقَتْلِ كَفَّارَةٌ" ، أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ حَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ؛ لَكِنَّهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ، فَيَكُونُ حَسَنًا، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "الْكَبِيرِ" عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ2، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ": "مَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَفَّارَةٌ... " ، الْحَدِيثُ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: "فَهُوَ كَفَّارَتُهُ" 3.
__________
= ويرى الحنفية: أن الكفارة تجب في شبه العمد دون العمد.
ويرى الشافعية: أنها تجب في كل قتل سواء كان خطأ أم عمداً، أم شبه عمد، وهو رواية عن الإمام أحمد.
ينظر: "الشرح الكبير" [254]، "المحلى" [259]، "زيعلي" [6]، "المغني" [670].
1 أخرجه أحمد [3/ 490، 4/ 107]، وأبو [4/ 29]، كتاب العتق: باب في ثواب العتق، حديث [2964]، والنسائي في "الكبرى" [3/ 172]، كتاب العتق: باب ذكر اسم هذا الولي، حديث [4892]، وابن حبان [10/ 145- 146]، كتاب العتق، حديث [4307]، والحاكم [2/ 212]، والطبراني [22/ 91- 93]، حديث [218- 223]، والبيهقي [8/ 132- 133، 133]، كتاب القسامة: باب الكفارة من قتل العمد.
2 أخرجه الطبراني [3/ 68]، حديث [2690]، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" [6/ 269]، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
3 أخرجه أحمد [5/ 313، 314، 320، 321، 322]، والبخاري [1/ 99]، كتاب الإيمان: باب [11]، حديث [18]، وأطرافه في [3892، 3893، 3999، 4894، 6784، 6801، 6873، 7055، 7199، 7213، 8468]، ومسلم [6/ 238- 239]، كتاب الحدود: باب الحدود كفارات لأهلها، حديث [41- 44/ 1709]، والترمذي [4/ 45]، كتاب الحدود: باب ما جاء أن الحدود كفارة لأهلها، حديث [1439]، والنسائي [7/ 141- 142]، كتاب البيعة: باب البيعة على الجهاد، حديث [4161]، والدارمي [2/ 220]، كتاب السير، باب في بيعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابن الجارود في "المنتقى" [803]، والحميدي [1/ 191]، حديث [387]، والبيهقي [10/ 246]، كتاب الشهادات: باب من عضه غيره بحد أو نفي نسب ردت شهادته وكذلك من أكثر النميمة أو الغيبة. كلهم من حديث عبادة بن الصامت أنه قال: كنا عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مجلس فقال: "تبايعون على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا، قرأ عليهم الآية، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب عليه فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله عليه، فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له" .
قال الترمذي: حديث عبادة بن الصامت حديث حسن صحيح.
قال الشافعي: ولم أسمع في هذا الباب أن الحدود تكون كفارة لأهلها شيئاً أحسن من هذا الحديث. قال الشافعي: وأحب لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستر على نفسه ويتوب فيما بينه وبين ربه، وكذلك روي عن أبي بكر وعمر أنهما أمرا رجلاً أن يستر على نفسه، ا.هـ. من "الجامع الصحيح" للترمذي.

(4/105)


حَدِيثُ عُمَرَ: "أَنَّهُ صَاحَ بِامْرَأَةٍ فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا، فَأَعْتَقَ عُمَرُ غُرَّةَ عَبْدٍ"، الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.

(4/106)