التلخيص الحبير ط العلمية - كِتَابُ السِّيَرِ
مدخل
...
71- كتاب السير
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: تُرْجِمَ الْكِتَابُ بِالسِّيَرِ؛
لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُودَعَةَ فِيهِ مُتَلَقَّاةٌ
مِنْ سِيَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي غَزَوَاتِهِ.
قُلْت: فَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يُتَتَبَّعَ مَا ذُكِرَ
فِيهِ، وَيُعْزَى إلَى مَنْ خَرَّجَهُ، إنْ وُجِدَ.
(4/234)
1- بَابُ وُجُوبِ الْجِهَادِ1
حَدِيثٌ: "أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا
إلَهَ إلَّا اللَّهُ" ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ
__________
1 الجهاد في اللغة: المبالغة واستفراغ الوسع في الشيء مشتق من الجهد
يقال: جهد الرجل في كذا: أي جد فيه وبالغ ويقال: اجهد جهدك: أي ابلغ
غايتك، وفيه تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج:
78] وقوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}
[فاطر: 42، النور: 53، المائدة: 53، الأنعام: 109]، أي بالغوا في
اليمين واجتهدوا فيها، وهذا من المعاني الحقيقية لمادة الجهاد، ومن
المعاني المجازية قول العرب: سقاه لبناً مجهوداً وهو الذي أخرج زبده أو
أكثر ماؤه. ويقال: أجهد فيه الشيب إذا كثر.
هذا معناه في اللغة، وهو كما نرى عام في ذاته وفي غايته.
ينظر: "لسان العرب" [1/ 710]، "المصباح المنير" [112]، "المعجم الوسيط"
[1/ 142]. =
(4/234)
عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ، وَتَقَدَّمَ فِي
"الدِّيَاتِ".
حَدِيثٌ: "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ
الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: "الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، قِيلَ:
ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قِيلَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ:
الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ.
1819- حَدِيثٌ: "وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ؛ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" ،
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ1 وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ2،
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ3.
__________
= واصطلاحاً:
عرفه الحنيفة بأنه: بذل الوسع والطاقة بالقتال في سبيل الله تعالى
بالنفس والمال واللسان أو غير ذلك أو المبالغة في ذلك.
عرفه الشافعية بأنه: المتلقى تفسيره من سيرته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
عرفه المالكية بأنه: قتال مسلم كافراً غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله
تعالى أو حضوره له أو دخوله أرضه له.
عرفه الحنابلة بأنه: قتال الكفار خاصة بخلاف المسلمين من البغاة وقطاع
الطريق وغيره.
ينظر: "بدائع الصنائع" [9/ 299]، "حاشية أبو السعود" [2/ 417]، "مغني
المحتاج" [4/ 208]، "نهاية المحتاج" [8/ 45]، "المحلى على المنهاج" [4/
213]، "شرح الزرقاني" [23/ 106]، "كشف القناع عن متن الإقناع" [3/ 32].
1 أخرجه أحمد [3/ 132، 141، 153، 207، 263، 263- 264]، والبخاري [6/
90]، كتاب الجهاد والسير: باب الغدوة والروحة في سبيل الله، وقاب قوس
أحدكم في الجنة، حديث [2792]، وطرفة في [2796، 6568]، ومسلم [7/ 32-
نووي]، كتاب الإمارة: باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله، حديث [112/
1880]، والترمذي [4/ 181- 182]، كتاب فضائل الجهاد: باب ما جاء في فضل
الغدو والرواح في سبيل الله، حديث [1651]، وابن حبان [10/ 462]، كتاب
السير: باب فضل الجهاد، حديث [4602].
قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
2 أخرجه أحمد [3/ 433]، [5/ 335، 337]، والبخاري [6/ 90]، كتاب الجهاد
والسير: باب الغدوة والروحة في سبيل الله، وقاب قوس أحدكم في الجنة،
حديث [2794]، وأطرافه في [2892، 3250، 6415]، ومسلم [7/ 32- نووي]،
كتاب الإمارة: باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله، حديث [113، 114/
1881]، والترمذي [4/ 180]، كتاب فضائل الجهاد: باب ما جاء في فضل
الغدوة والروحة، حديث [1648]، والنسائي [6/ 15]، كتاب الجهاد: باب فضل
غدوة في سبيل الله عز وجل، حديث [3118]، وابن ماجة [2/ 921]، كتاب
الجهاد: باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله، حديث [2756]، والدارمي
[2/ 202]، كتاب الجهاد: باب الغدوة في سبيل الله عز وجل والروحة،
والبيهقي [9/ 158]، كتاب السير: باب في فضل الجهاد في سبيل الله.
3 أخرجه مسلم [7/ 33]، كتاب الإمارة: باب فضل الغدوة والروحة، حديث
[115/ 1883]، والنسائي [6/ 15]، كتاب الجهاد: باب فضل الروحة في سبيل
الله عز وجل، حديث [3119].
(4/235)
1820- حَدِيثٌ: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ" ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ1، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ2،
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ3.
__________
1 أخرجه البخاري [6/ 45]، في الجهاد: باب وجوب النفير [2825]، باب لا
هجرة بعد الفتح [3077]، ومسلم [3/ 1487]، في الإمارة: باب المبايعة بعد
فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير، وبيان معنى: لا هجرة بعد الفتح
[85/ 1353]، وأبو دود [2/ 6]، في الجهاد: باب في الهجرة، هل انقطعت؟
[2480]، والنسائي [7/ 146]، في البيعة: باب الاختلاف في انقطاع الهجرة،
والترمذي [1590]، وأحمد [1/ 266، 315- 316، 344]، وعبد الرزاق [5/
309]، برقم [9713]، والدارمي [2/ 239]، في السير: باب لا هجرة بعد
الفتح، وابن حبان ج [7/ 4845]، والطبراني في "الكبير" [11/ 30- 31]،
برقم [10944]، وابن الجارود في "المنتقى" [1030]، والبهيقي [5/ 195]،
[9/ 16]، وفي "دلائل النبوة" [5/ 108]، والبغوي في "شرح السنة"
بتحقيقنا [4/ 179]، برقم [1996]، [5/ 520]، برقم [2630] من طريق منصور
عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس مرفوعاً به.
وتابعه إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار عن طاووس أخرجه الطبراني [11/
18]، برقم [10898].
وأخرجه الطبراني [10/ 413]، برقم [10844]، عن شيبان عن الأعمش عن أبي
صالح عن ابن عباس.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
2 وأما حديث عائشة فأخرجه البخاري [6/ 220]، في الجهاد: باب لا هجرة
بعد الفتح [3080]، [7/ 67]، في مناقب الأنصار: باب هجرة النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه [1174] إلى المدينة [3900]، [7/
620]، في المغازي: باب [53] برقم [4312]، ومسلم [3/ 1488]، في الإمارة:
باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير... [86- 1864]،
وأبو يعلى [4952]، واللفظ لمسلم ولأبي يعلى من طريق عطاء عن عائشة
قالت: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الهجرة؟
فقال: "لا هجرة بعد الفتح"... الحديث.
وفي لفظ البخاري عن عطاء قال: زرت عائشة مع عبيد بن عمير فسألها عن
الهجرة؟ فقالت: لا هجرة اليوم. كان المؤمن يفر أحدهم بدينه إلى الله
وإلى رسوله مخافة أن يفتن عليه، فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام،
فالمؤمن يعبد ربه حيث شاء، ولكن جهاد ونية.
وهكذا أخرجه البيهقي [9/ 17].
3 أخرجه النسائي [7/ 145]، في البيعة: باب الاختلاف في انقطاع الهجرة،
وأحمد [3/ 401]، عن وهيب بن خالد عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن
صفوان بن أمية قال: قالت: يا رسول الله إنهم يقولون: إن الجنة لا
يدخلها إلا مهاجر، قال: "لا هجرة بعد فتح مكة، ولكن جهاد ونية فإذا
استنفرتم فانفروا" .
وأخرجه أحمد [3/ 401]، [6/ 465]، عن الزهري عن صفوان بن عبد الله بن
صفوان عن أبيه أن صفوان بن أمية بن خلف قيل له: هلك من لم يهاجر. قال:
فقلت: لا أصل إلى إلى أهلي حتى آتى رسول الله صلى الله عيه وسلم فقلت:
يا رسول الله زعموا أنه هلك من لم يهاجر. قال: كلا أبا وهب. فارجع إلى
أباطح مكة.
وفي الباب من حديث مجاشع بن سعيد ويعلى بن أمية وأبي سعيد الخدري. وقول
ابن عمر وعمر رضي الله عنه. =
(4/236)
1821- قَوْلُهُ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمَا بُعِثَ أُمِرَ بِالتَّبْلِيغِ وَالْإِنْذَارِ بِلَا قِتَالٍ"،
هَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَأَصْحَابًا لَهُ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كُنَّا
فِي عِزٍّ وَنَحْنُ مُشْرِكُونَ فَلَمَّا أَسْلَمْنَا صِرْنَا
أَذِلَّةً"، فَقَالَ : "إنِّي أُمِرْت بِالْعَفْوِ، فَلَا تُقَاتِلَنَّ
الْيَوْمَ، فَلَمَّا حَوَّلَهُ إلَى الْمَدِينَةِ أُمِرَ بِالْقِتَالِ"
، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ1، وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ.
__________
= فأما حديث مجاشع بن مسعود فأخرجه البخاري [6/ 137]، في الجهاد: باب
البيعة في الحرب ألا يفروا... [2962، 2963]، [6/ 219]، باب لا هجرة بعد
الفتح [3078، 3079]، و[7/ 619]، في المغازي: باب [53] [4305- 4308]،
ومسلم [3/ 1487]، في الإمارة: باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام
والجهاد والخير [83- 84/ 1863]، وأحمد [3/ 4680- 469]، [5/ 71]،
والحاكم [3/ 316]، والطحاوي في "مشكل الآثار" [3/ 252]، والبيهقي [9/
16]، وفي "الدلائل" [5/ 109]، من طريق أبي عثمان النهدي حدثني مجاشع
قال: أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأخي بعد الفتح،
فقلت: يا رسول الله، جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة، قال: "ذهب أهل
الهجرة بما فيها" . فقلت: على أي شيء تبايعه، قال: "أبايعه على الإسلام
والإيمان والجهاد" ، فلقيت معبداً بعد –وكان أكبرهم- فسألته فقال: صدق
مجاشع.
وأما حديث يعلى بن أمية: فأخرجه النسائي [7/ 141]، في البيعة: باب
البيعة على الجهاد [7/ 145]، في ذكر الاختلاف في انقطاع الهجرة، وأحمد
[4/ 323، 324]، والطبراني في "الكبير" [22/ 257]، [664، 665]، والبيهقي
[9/ 16]، من طريق ابن شهاب عن عمرو بن عبد الرحمن بن أمية أن أباه
أخبره أن يعلى قال: جئت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بأبي يوم الفتح. فقلت: يا رسول الله بايع أبي على الهجرة قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أبايعه على الجهاد، وقد
انقطعت الجهرة" .
وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه أحمد [3/ 22]، [5/ 187]، والطيالسي
[601، 967، 2205]، والبيهقي في "دلائل النبوة" [5/ 109]، عن أبي
البختري الطائي عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت هذه السورة: {إِذَا
جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ... } [الفتح: 1-
2] قرأها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ختمها وقال:
"الناس حيز، وأنا وأصحابي حيز" . وقال: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد
ونية" . فقال له مروان: كذبت. وعنده رافع بن خديج وزيد بن ثابت. وهما
قاعدان معه على السرير. فقال أبو سعيد: لو شاء هذان لحدثاك. ولكن هذا
يخاف أن تنزعه من عرافة قومه، وهذا يخشى أن تنزعه عن الصداقة. فسكتا.
فرفع مروان عليه الدرة ليضربه، فلما رأيا ذلك قالا: صدق.
أما قول ابن عمر فأخرجه البخاري [7/ 267]، في مناقب الأنصار: باب هجرة
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه إلى المدينة [3899]،
[7/ 620]، في المغازي: باب [53] [4309- 4311] من طريق عطاء عن ابن عمر
كان يقول: "لا هجرة بعد الفتح" .
وفي لفظ آخر: قلت لابن عمر رضي الله عنهما: إني أريد أن أهاجر إلى
الشام، قال: لا هجرة، ولكن جهاد. فانطلق فاعرض نفسك، فإن وجدت شيئاً
وإلا رجعت.
وأما قول عمر فأخرجه النسائي [7/ 146]، في البيعة: باب الاختلاف في
انقطاع الهجرة. وأبو يعلى في "مسنده" [186]، عن يحيى بن هانئ عن نعيم
بن دجاجة قال: سمعت عمر يقول: لا هجرة بعد وفاة رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
1 أخرجه الحاكم [2/ 66- 67، 307]، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط
البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(4/237)
قَوْلُهُ: "وَتَبِعَهُ قَوْمٌ بَعْدَ قَوْمٍ" ، ابْنُ سَعْدٍ: أَنَا
الْوَاقِدِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: "دَعَا
رَسُولُ اللَّهِ إلَى الْإِسْلَامِ سِرًّا وَجَهْرًا، فاستجاب الله من
شاء مِنْ أَحْدَاثِ الرِّجَالِ، وَضُعَفَاءِ النَّاسِ حَتَّى كَثُرَ
مَنْ آمَنَ بِهِ"1.
قَوْلُهُ: "وَفُرِضَتْ الصلاة عليه بـ"مكة" ، هَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ
حَدِيثِ الإسراء؛ لأنه كان بـ"مكة" بِاتِّفَاقِ الْأَحَادِيثِ.
قَوْلُهُ: "وَفُرِضَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بَعْدَ سَنَتَيْنِ"، هَذَا
تَبِعَ فِيهِ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ وَصَاحِبَ "الشَّامِلِ"،
وَجَزَمَ فِي "زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ" أَنَّهُ فُرِضَ فِي السَّنَةِ
الثَّانِيَةِ وَفُرِضَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ مَعَهُ قَبْلَ الْعِيدِ
بِيَوْمَيْنِ، وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَزَادَ: أَنَّهُ صَلَّى
فِيهَا الْعِيدَيْنِ: الْفِطْرَ، وَالْأَضْحَى؛ وَهَذَا أَخْرَجَهُ
ابْنُ سَعْدٍ عَنْ شَيْخِهِ الْوَاقِدِيِّ، مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ
وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ؛ قَالُوا: "نَزَلَ فَرْضُ رَمَضَانَ
بعد ما صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ إلَى الْكَعْبَةِ بِشَهْرٍ فِي شَعْبَانَ،
عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُمِرَ فِي هَذِهِ
السَّنَةِ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ؛ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ
الزَّكَاةُ فِي "الْأَمْوَالِ"، وَصَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ
بِالْمُصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَصَلَّى الْعِيدَ يَوْمَ
الْأَضْحَى، وَأُمِرَ بِالْأُضْحِيَّةِ"2.
قَوْلُهُ: "وَاخْتَلَفُوا: هَلْ فُرِضَتْ الزَّكَاةُ قَبْلَ الصَّوْمِ
أَوْ بَعْدَهُ".
قُلْت: تَقَدَّمَ قَوْلُ مَنْ قَالَ بَعْدَهُ، وَأَمَّا قَبْلَهُ:
فَقِيلَ: قَبْلَ الْهِجْرَةِ.
قَوْلُهُ: "وَفُرِضَ الْحَجُّ سنة ست، وقيل: سَنَةِ خَمْسٍ"، تَقَدَّمَ
الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: "وَكَانَ الْقِتَالُ مَمْنُوعًا مِنْهُ فِي ابْتِدَاءِ
الْإِسْلَامِ"، تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي "الْحَجِّ".
قَوْلُهُ: "وَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ وَجَبَتْ الْهِجْرَةُ إلَيْهَا عَلَى مَنْ
قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ؛ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي
أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ
فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً
فَتُهَاجِرُوا فِيهَا؟... } الآية [النساء: 97].
قَوْلُهُ: "فَلَمَّا فُتِحَتْ "مَكَّةُ" ارْتَفَعَتْ فَرِيضَةُ
الْهِجْرَةِ عَنْهَا إلَى الْمَدِينَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ
قَوْلُهُ: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ
وَنِيَّةٌ"، هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ3،
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "انْقَطَعَتْ الْهِجْرَةُ
مُنْذُ فَتَحَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ "مَكَّةَ" 4.
1822- قَوْلُهُ: "وَبَقِيَ وُجُوبُ الْهِجْرَةِ عَنْ دَارِ الْكُفْرِ
فِي الْجُمْلَةِ" ، هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
السَّعْدِيِّ رَفَعَهُ: "لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ
الْعَدُوُّ"، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ
__________
1 أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" [1/ 156].
2 أخرجه ابن سعد [1/ 191].
3 تقدم قريباً.
4 تقدم قريباً.
(4/238)
حِبَّانَ1، وَلِأَبِي دَاوُد عَنْ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا: "لَا
تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَا
تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا"
2.
1823- قَوْلُهُ : "لَمْ يَعْبُدْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَنَمًا قَطُّ"، وَوَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا كَفَرَ بِاَللَّهِ نَبِيٌّ قَطُّ" ،
أَمَّا الْأَوَّلُ فَمُسْتَفَادٌ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ الَّذِي
أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَرَوَاهُ [.....]3.
1824- قَوْلُهُ: "وفي الْبَيَانِ أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ كَانَ
مُتَمَسِّكًا بِشَرْعِ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ".
1825- حَدِيثٌ: "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ
غَازِيًا فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ؛ فَقَدْ غَزَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ4، دُونَ قَوْلِهِ: "وَمَالِهِ"؛
وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: "أَيُّكُمْ خَلَفَ
الْخَارِجَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ، كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ
الْخَارِجِ" ، وَاسْتَدْرَكَهُ الْحَاكِمُ فَوَهِمَ5.
__________
1 أخرجه أحمد [5/ 270]، والنسائي [7/ 146]، كتاب البيعة: باب ذكر
الاختلاف في انقطاع الهجرة، حديث [4172، 4173]، وابن حبان [11/ 207]،
كتاب السير: باب الهجرة، حديث [4866]، والنسائي في "الكبرى" [5/ 216-
217]، كتاب السير: باب انقطاع الهجرة، حديث [7807- 7809].
2 أخرجه أبو داود [3/ 4]، كتاب الجهاد: باب في الهجرة هل انقطعت، حديث
[2479]، والنسائي في "الكبرى" [5/ 217]، كتاب السير: باب متى تنقطع
الهجرة، حديث [8711].
3 بياض في الأصل.
4 أخرجه البخاري [6/ 59]، في الجهاد والسير: باب فضل من جهز غازياً أو
خلفه بخير [2843]، ومسلم [3/ 1506- 1507]، في الإمارة: باب فضل إعانة
الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره... [135- 136/ 1895]، وأبو داود [2/
15]، في الجهاد: باب ما يجزئ من الغزو [2509]، والترمذي [4/ 145- 146]،
في فضائل الجهاد: باب ما جاء فضل الجهاد: باب ما جاء في فضل من جهز
غازياً [1628، 1631]، والنسائي [6/ 46]، في جهاز الجهاد: باب فضل من
جهز غازياً، وأحمد [4/ 115- 117]، عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد
الجهني رفعه.
وقال الترمذي [1629- 1630]، وابن ماجة [2/ 922]، في الجهاد: باب من جهز
غازياً [2759]، وأحمد [4/ 116]، عن عطاء عن زيد بن خالد به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
5 أخرجه مسلم [7/ 47- نووي]، كتاب الإمارة: باب فضل إعانة الغازي في
سبيل الله، حديث [138/ 1896]، وأبو داود [3/ 12]، كتاب الجهاد: باب ما
يجزئ من الغزو، حديث [2510]، والحاكم [2/ 82]، وابن حبان [10/ 488]،
كتاب السير: باب فضل الجهاد، حديث [4629].
قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا اللفظ، ووافقه الذهبي وهو
وهم كما ذكر المصنف.
(4/239)
1826- حَدِيثٌ: "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا
بَدْرًا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَأُحُدًا فِي
الثَّالِثَةِ، وَذَاتَ الرِّقَاعِ فِي الرَّابِعَةِ، وَغَزْوَةَ
الْخَنْدَقِ فِي الْخَامِسَةِ، وَغَزْوَةَ بَنِي النَّضِيرِ فِي
السَّادِسَةِ، وَفَتَحَ خَيْبَرَ فِي السَّابِعَةِ، وَفَتَحَ "مَكَّةَ"
فِي الثَّامِنَةِ، وَغَزْوَةَ تَبُوكَ فِي التَّاسِعَةِ".
أَمَّا غَزْوَةُ بَدْرٍ فِي الثَّانِيَةِ؛ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ
أَهْلِ السِّيَرِ : ابْنُ إِسْحَاقَ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَأَبُو
الْأَسْوَدِ وَغَيْرُهُمْ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي
رَمَضَانَ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهَا كَانَتْ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ، وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَهُوَ
شَاذٌّ، ثُمَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ سَابِعَ عَشَرَةَ،
وَقِيلَ ثَانِي عَشَرَةَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الثَّانِيَ
ابْتِدَاءُ الْخُرُوجِ، وَالسَّابِعَ عَشْرَ يَوْمَ الْوَقْعَةِ.
وَأَمَّا غَزْوَةُ أُحُدٍ فِي الثَّالِثَةِ: فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
أَيْضًا، وَأَنَّهَا كَانَتْ فِي شَوَّالٍ؛ لَكِنْ عِنْدَ ابْنِ
سَعْدٍ: كَانَتْ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْهُ، وَعِنْدَ ابْنِ عَائِذٍ:
لِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةَ خَلَتْ منه.
وأما غزوة ذات الرِّقَاعِ: فَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَبِهِ جَزَمَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّلْقِيحِ".
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّهَا كَانَتْ فِي أَوَّلِ
الْمُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسٍ.
قُلْت: فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ إلَيْهَا كَانَ
فِي أَوَاخِرِ الرَّابِعَةِ، وَالِانْتِهَاءُ فِي أَوَّلِ
الْمُحَرَّمِ، لَكِنْ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي
جُمَادَى سَنَةَ أَرْبَعٍ.
تَنْبِيهٌ: قِيلَ: كَأَنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَقَعَتْ
مَرَّتَيْنِ، الْأُولَى هَذِهِ، وَفِيهَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ كَمَا تَقَدَّمَ،
وَالثَّانِيَةَ بَعْدَ "خَيْبَرَ"، وَشَهِدَهَا أَبُو مُوسَى
الْأَشْعَرِيُّ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ1، وَسُمِّيَتْ
الْأُولَى "ذَاتَ الرِّقَاعِ" بِجَبَلٍ صَغِيرٍ، وَالثَّانِيَةُ كَمَا
قَالَ أَبُو مُوسَى بِالرِّقَاعِ الَّتِي لَفُّوا بِهَا أَرْجُلَهُمْ
مِنْ الْحَفَاءِ، وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ الَّذِي أَشَارَ
إلَيْهِ الْبُخَارِيُّ، وَأَحْوَجَهُ إلَى أَنْ يَقُولَ: إنَّ ذَاتَ
الرِّقَاعِ كَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ.
وَأَمَّا غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ: فَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ
فِي "التَّلْقِيحِ"، وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ
سَنَةَ خَمْسٍ، وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ: فِي ذِي الْقِعْدَةِ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا كَانَتْ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ، وَبِهِ جَزَمَ
مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي "كِتَابِ
__________
1 أخرجه البخاري [8/ 179]، كتاب المغازي: باب: "غزوة ذات الرقاع"، حديث
[4128] ومسلم [6/ 437- نووي]، كتاب "الجهاد والسير"، باب: "غزوة ذات
الرقاع"، حديث [149/ 1816] كلاهما من طريق أبي أسامة عن بريد عن عبد
الله بن أبي برزة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزاة ونحن في ستة نفر بيننا بعير نعتقبه
فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق
فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا، وحدث أبو
موسى بهذا الحديث، ثم كره ذاك قال: ما كنت أصنع بأن أذكره.
كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه.
(4/240)
الْأَمْوَالِ"، وَاحْتَجَّ لَهُ النَّوَوِيُّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ:
"عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ؛ فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعُرِضْت
عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ
فَأَجَازَنِي"1، قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أُحُدًا فِي
الثَّالِثَةِ.
قُلْت: وَلَا حُجَّةَ فِيهِ: لِأَنَّ أُحُدًا كَانَتْ فِي شَوَّالٍ،
فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي أُحُدٍ طُعِنَ فِي الرَّابِعَةَ
عَشْرَ، وَفِي الْخَنْدَقِ اسْتَكْمَلَ الْخَامِسَةَ عَشْرَ،
فَلَعَلَّهُ كَانَ فِي أُحُدٍ فِي نِصْف الرَّابِعَةَ عَشْرَ مَثَلًا،
فَلَا يَسْتَكْمِلُ خَمْسَ عَشْرَةَ إلَّا أَثْنَاءَ سَنَةِ خَمْسٍ،
إلَّا أَنَّهُ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا الْجَمْعِ مَا جَزَمُوا بِهِ مِنْ
أَنَّهَا كَانَتْ أَيْضًا فِي شَوَّالٍ.
تَنْبِيهٌ: صَحَّحَ الْحَافِظُ شَرَفُ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ: أَنَّ
غَزْوَةَ "الْمُرَيْسِيعِ" كَانَتْ فِي سَنَةِ خَمْسٍ، وَأَمَّا ابْنُ
دِحْيَةَ فَصَحَّحَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ.
وَأَمَّا غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ فَتَبِعَ فِيهِ إمَامَ
الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ غَلَطٌ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ بَدْرٍ بِسِتَّةِ
أَشْهُرٍ2، وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْمُحَرَّمِ
سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّلْقِيحِ"،
وَالنَّوَوِيُّ فِي "الرَّوْضَةِ" وَغَيْرِهَا، وَقَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ: كَانَتْ فِي رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ،
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ.
فَائِدَةٌ: كَانَتْ الْحُدَيْبِيَةُ فِي سَنَةِ سِتٍّ بِلَا خِلَافٍ،
وَأَمَّا غَزْوَةُ خَيْبَرَ فِي السَّابِعَةِ، فَهُوَ الْمَشْهُورُ
الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي، وَنَقَلَ
ابْنُ الطَّلَّاعِ عَنْ ابْنِ هِشَامٍ أَنَّهَا فِي سَنَةِ سِتٍّ،
وَهُوَ نَقْلٌ شَاذٌّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَمَنْ
تَبِعَهُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي بَقِيَّةِ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ،
وَأَمَّا فَتْحُ "مَكَّةَ" فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ كَانَ فِي
رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ.
وَأَمَّا غَزْوَةُ تَبُوكَ: فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ
الْمَغَازِي، وَكَانَ فِي رَجَبٍ، وَخَالَفَ الزَّمَخْشَرِيُّ فَذَكَرَ
فِي "الْكَشَّافِ" فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ أَنَّهَا كَانَتْ فِي
الْعَاشِرَةِ.
تَنْبِيهٌ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يُوهِمُ أَنَّ هَذَا
جَمِيعُ مَا غَزَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ غَزَا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ غَزَوَاتٍ أُخْرَى، لَكِنْ غَالِبُهَا
لَمْ يَقَعْ فِيهِ قِتَالٌ، فَمِمَّا قَاتَلَ فِيهِ
__________
1 أخرجه البخاري [7/ 392]، كتاب المغازي: باب غزوة الخندق، حديث
[4097]، ومسلم [3/ 1490]، كتاب الإمارة: باب بيان سن البلوغ، حديث [91/
1868]، وأبو داود [4406]، والترمذي [4/ 211]، كتاب الجهاد: باب حد بلوغ
الرجل، حديث [1711]، وابن ماجة [2/ 850]، كتاب الحدود: باب من لا يجب
عليه الحد، حديث [2543]، وأحمد [2/ 17]، من حديث ابن عمر أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة فلم
يجزه وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه.
2 أخرجه البخاري [8/ 67]، كتاب المغازي: باب حديث بني النضير في
الترجمة قبل حديث [4028].
(4/241)
بَنَى قُرَيْظَةَ1، وَحُنَيْنَ2، وَالطَّائِفَ3.
وَمِمَّا لَمْ يُقَاتِلْ فِيهِ: بَنِي غَطَفَانَ، وَقَرْقَرَةَ
الْكُدْرِ4، وَبَنِي لِحْيَانَ5، وَبَدْرًا بِمَوْعِدٍ،
__________
1 غزوة بني قريظة في سنة 5 هجرية وكذلك بنو قريظة نقضوا العهد وانضموا
إلى الحلفاء في عزوة الأحزاب بتحريض من عدو الله حيي بن أخطب الذي أتى
كعب بن أسد صاحب عقد بني قريظة؛ حتى نقض عهده وبرئ مما كان بينه وبين
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أنهم قالوا لسعد بن
معاذ ومن معه لما أرسلهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إليهم: "من رسول الله لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد" فشاتمهم سعد
وشاتموه. فلما رجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من
الأحزاب سار إليهم وحاصرهم خمساً وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف
الله في قلوبهم الرعب فنزلوا على حكم الرسول فجعل الحكم فيهم إلى سعد
بن معاذ، فحكم فيهم أن تقتل الرجل وتقسم الأموال وتسبى الذراري، ونفذ
الحكم...
2 لما خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى فتح مكة
سنة ثمان من الهجرة خاف أشراف هوازان أن يكون سيره إليهم فمشوا إلى
بعضهم، وتجهزوا القتلة، وسارت رؤساؤهم في العرب يجمعون ذلك فلما فتح
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة دخل هوزان من الزهو
والإعجاب بأنفسهم ما حمل فريقاً منهم على أن يقول: والله ما لقي محمداً
قوم يحسنون القتال، وخافوا أن يغشاهم في ربوعهم، وقالوا: قد فرغ لنا
فلا مانع له دوننا ولا ناهية له عنا، واعترفوا على أن يبادروه بالغزو
قبل أن يصبحهم في دارهم.
وقلدت هوزان أمرهم مالك بن عوف وقد ظاهرتهم ثقيف وقائدهم كنانة بن عبد
يا ليل، وانضم إليهم من أعداء سائر العرب جموع كثيرة.
وقد ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم، ونساءهم وأبناءهم ليضرم بهم
الحمية في القلوب. وساروا حتى نزلوا بحنين، فلما بلغ النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبرهم رجع إليهم في اثنى عشر ألفاً من
المقاتلة. والتقي الجيشان، وشد جيش المشركين على المسلمين حتى فروا لا
يلوي أحد على أحد، وانحاز رسول الله صلى الله ذات اليمين، وكادت
الدائرة تدور على المسلمين لولا أن الله أنزل سكينته عليهم فنادى في
الناس: "هلموا إلي أنا رسول الله" ونادى عمه العباس: يا معشر الأنصار،
يا أصحاب السمرة، فعادوا إلى الرسول، وحمل المسلمون على المشركين، وتم
لهم النصر، وظفروا بالغنائم والسبايا.
3 فر المنهزمون من ثقيف، ومن انضم إليهم من غيرهم في حنين إلى الطائف
فسار إليهم المسلمون وحاصروهم مدة طويلة. ونصب رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المنجنيق. واستعمل المسلمون الدبابات. ولما
رأى الرسول عليه الصلاة والسلام أن أمد الحصار سيطول ارتحل إلى
الجعرانة حيث قسم الغنائم فجاءه بعد ذلك وفد هوازن مسلمين نادمين فرد
عليهم نساءهم وذراريهم كما جاءه عوف بن مالك فأسلم وأسلمت ثقيف بعده،
ثم رجع إلى مكة معتمراً فجاءته الوقود تترى تقدم خضوعها للمسلمين،
وتدخل في دينهم.
وبهذا تم فتح الحجاز، ودانت الجزيرة كلها للإسلام فلم ترتفع بعد ذلك
للوثنية رأس.
4 ما كاد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستقر في المدينة
بعد رجوعه من بدر حتى بلغة اجتماع بني سليم على ماء يقال له: الكدر
فخرج إليهم في شوال سنة 2 هجرية ورجع ولم يلق كيداً.
5 غزوة بني لحيان كانت في جمادى الأولى من السنة السادسة للهجرة وفيها
خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني لحيان ينتقم
لحبيب بن عدي وأصحابه فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رؤوس الجبال فرجع إلى
المدينة.
(4/242)
وَدُومَةَ الْجَنْدَلِ1، وَغَيْرَ ذَلِكَ.
حَدِيثٌ: "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَ عَلَى
مُعَاذٍ طُولَ الصَّلَاةِ" ، تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ "صَلَاةِ
الْجَمَاعَةِ".
حَدِيثٌ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ" ، تَقَدَّمَ فِي أَثْنَاءِ
بَابِ "الْمَوَاقِيتِ".
حَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَدَّ يَوْمَ "بَدْرٍ" نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ
اسْتَصْغَرَهُمْ" لَمْ أَرَهُ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَدْ رَوَى
الْبُخَارِيُّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: "اسْتَصْغَرْت
أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ" 2.
وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ
أَبِي وَقَّاصٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَرَضَ جَيْشًا، فَرَدَّ عُمَيْرَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ فبكى، فأجازه"
3، وروي فِي "مَنَاقِبِ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ"؛ أَنَّهُ اُسْتُصْغِرَ
هُوَ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَوْمَ بَدْرٍ"4، وَرَوَى الْحَاكِمُ
وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ رَدَّ أَيْضًا أَبَا سَعِيدٍ الْخِدْرَيَّ،
وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ5، وَفِي ابْنِ مَاجَهْ أَنَّهُ رَدَّ
ابْنَ عُمَرَ6.
1827- حَدِيثُ عَائِشَةَ: "أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ:
نَعَمْ، جِهَادٌ لَا شَوْكَ فِيهِ، الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ" ، ابْنُ
مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِهَا بِلَفْظِ: "لَا قِتَالَ
فِيهِ" ، وَأَصْلُهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ7، وَفَسَّرَ
الرَّافِعِيُّ قَوْلَهُ: "لَا شَوْكَ فِيهِ" : يَعْنِي: لَا
__________
1 غزوة دومة الجندل كانت في ربيع الأول من السنة الخامسة للهجرة بلغ
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن جمعاً تجمعوا بدومة الجندل
ودنوا من أطرافه فغزاهم الرسول عليه الصلاة والسلام ثم رجع ولم يلق
كيداً.
2 أخرجه البخاري [8/ 17]، كتاب المغازي: باب عدة أصحاب بدر، حديث
[3955]، وطرفه في [3956].
3 أخرجه الحاكم [3/ 188]، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي
بأن فيه يعقوب وقد ضعفوه.
4 أخرجه الحاكم [3/ 189]، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه
الذهبي بأن الحديث منكر، وقال: كيف يستصغر من هو نقيب.
5 أخرجه الحاكم [3/ 563]، وفيه أنه رد أبا سعيد، [3/ 565]، وفيه أنه رد
جابر.
وأخرجه البيهقي [9/ 22]، كتاب السير: باب من لا يجب عليه الجهاد، من
حديث زيد بن خارجة أنه صلى الله رد ناساً منهم أبو سعيد وجابر رضي الله
عنهما.
6 تقدم تخريجه بلفظ: عرضت على النبي صلى الله عليه يوم أحد... الحديث.
7 أخرجه ابن ماجة [2/ 967]، كتاب المناسك: باب الحج جهاد النساء، حديث
[2901]، والدارقطني [2/ 284]، كتاب الحج، حديث [215]، وأحمد [6/ 165]،
من طريق محمد بن فضيل عن حبيب بن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة
قالت: قلت: يا رسول الله على النساء جهاد قال: "نعم عليهن جهاد لا قتال
فيه الحج والعمرة" .
وصححه ابن خزيمة [4/ 359]، رقم [3074] من هذا الطريق. وأخرجه البخاري
[6/ 89]، كتاب الجهاد والسير: باب جهاد النساء، حديث [2875، 2876]،
وأحمد [6/ 67، 120]، =
(4/243)
سِلَاحَ فِيهِ، وَغَلِطَ فِي عَزْوِ هَذَا الْمَتْنِ إلَى عَائِشَةَ؛
وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ؛ كَذَا رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ فِي "الْكَبِيرِ" مِنْ حَدِيثِهِ، قَالَ: "جَاءَ
رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
إنِّي جَبَانٌ، وَإِنِّي ضَعِيفٌ، فقال: "هلم في جِهَادٍ لَا شَوْكَ
فِيهِ... " ، الْحَدِيثَ1.
تَنْبِيهٌ: رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "جِهَادُ
الْكَبِيرِ، وَالضَّعِيفِ، وَالْمَرْأَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ"
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: "الْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ
ضَعِيفٍ" .
1828- قَوْلُهُ: "رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يُبَايِعُ الْأَحْرَارَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ،
وَالْعَبِيدَ عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَ الجهاد"، النسائي من حديث
جَابِرٍ: "أَنَّ عَبْدًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعَهُ عَلَى الْجِهَادِ وَالْإِسْلَامِ،
فَقَدَّمَ صَاحِبَهُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ، فَاشْتَرَاهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ بِعَبْدَيْنِ، فَكَانَ
بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَتَاهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ لِيُبَايِعَهُ،
سَأَلَهُ: أَحُرٌّ هُوَ أَمْ عَبْدٌ، فَإِنْ قَالَ: حُرٌّ، بَايَعَهُ
عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ، وَإِنْ قَالَ مَمْلُوكٌ بَايَعَهُ
عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَ الْجِهَادِ"2.
__________
= وأبو يعلى [8/ 10]، رقم [4511]، والبيهقي [9/ 21]، كتاب السير: باب
من لا يجب عليه الجهاد، كلهم من طريق معاوية بن إسحاق عن عائشة بنت
طلحة به لكن بلفظ: جهادكن الحج وفي لفظ آخر أنه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأله نساؤه عن الجهاد فقال: "نعم الجهاد الحج" .
وأخرجه البخاري [4/ 86]، كتاب جزاء الصيد: باب حج النساء، حديث [1861]،
وأحمد [6/ 79]، والبيهقي [4/ 326]، من طريق عبد الواحد بن زياد عن حبيب
بن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة به.
1 أخرجه الطبراني في "الكبير" [3/ 147]، برقم [2910] من طريق معاوية بن
إسحاق عن عباية بن رافعة عن الحسين بن علي رضي الله عنه... فذكره.
قال الهيثمي في "المجمع" [3/ 209]: رواه الطبراني في "الكبير"
و"الأوسط" ورجاله ثقات.
2 أخرجه مسلم [6/ 43- 44- نووي]، كتاب المساقاة: باب جواز بيع الحيوان
بالحيوان من حنسه متفاضلاً، حديث [123/ 1602]، والترمذي [3/ 531]، كتاب
البيوع: باب ما جاء في شراء العبد بالعبدين، حديث [1239]، [4/ 151]،
كتاب السير: باب ما جاء في بيعة العبد حديث [1596]، والنسائي [7/ 150]،
كتاب البيعة: باب بيعة المماليك، حديث [4184]، [7/ 292- 293]، كتاب
البيوع: باب بيع الحيوان بالحيوان يداً بيد متفاضلاً، حديث [4621]، وفي
"الكبرى" [4/ 41]، كتاب البيوع: باب بيع الحيوان بالحيوان يداً بيد
متفاضلاً، حديث [6215]، [4/ 429]، كتاب البيعة: باب بيعة المماليك،
حديث [7817]، [5/ 219]، كتاب السير: باب بيعة المماليك، حديث [8716].
وأخرجه أبو داود [3/ 250- 251]، كتاب البيوع: باب في ذلك إذا كان يداً
بيد، حديث [3358]، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اشترى عبداً بعبدين.
وقد أخرجوه كلهم من طريق الليث عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه
فذكره وفيه أنه بايعه على الهجرة ولم أجد أنه بايعه على الإسلام
والجهاد من هذه المصادر.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم، أنه لا بأس
بعبد بعبدين يداً بيد واختلفوا فيه إذا كان نسيئاً.
وقال في الموضع الآخر: حسن غريب صحيح لا نعرفه إلا من حديث أبي الزبير.
(4/244)
وَأَصْلُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَعَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ مَرَّ بِأُنَاسٍ مِنْ
مُزَيْنَةَ"، فَاتَّبَعَهُ عَبْدٌ لِامْرَأَةٍ مِنْهُمْ، فَلَمَّا
كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ سَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: فُلَانٌ،
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَا شَأْنُك؟ قَالَ: أُجَاهِدُ مَعَك، قَالَ:
"أَذِنَتْ لَك سَيِّدَتُك" ، قَالَ: لَا، قَالَ: "ارْجِعْ إلَيْهَا" ،
فَإِنَّ مَثَلَك مَثَلُ عَبْدٍ لَا يُصَلِّي إنْ مِتَّ قَبْلَ أَنْ
تَرْجِعَ إلَيْهَا، اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ، فَرَجَعَ إلَيْهَا
فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، فَقَالَتْ: اللَّهَ هُوَ أَمَرَك أَنْ
تَقْرَأَ عَلَيَّ السَّلَامَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: " ارْجِعْ
فَجَاهِدْ مَعَهُ" ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ1.
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: "جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ،
فَقَالَ: "أَحَيٌّ وَالِدَاك؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا
فَجَاهِدْ" ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "بَاب
الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ".
1829- قَوْلُهُ: "وَيُرْوَى أَنَّ رَجُلًا جَاءَ فَاسْتَأْذَنَهُ،
فَقَالَ: إنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ مَعَك، فَقَالَ: "أَلَكَ أَبَوَانِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ تَرَكْتَهُمَا؟ قَالَ: تَرَكْتُهُمَا
وَهُمَا يَبْكِيَانِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا
كَمَا أَبْكَيْتهمَا" ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا2.
وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ
الْأَنْصَارِ وَأَنَا جَالِسٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ
بَقِيَ عَلَيَّ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ بَعْدَ مَوْتِهِمَا
أَبَرُّهُمَا بِهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ؛ خِصَالٌ أَرْبَعٌ: الصَّلَاةُ
عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا،
وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا رَحِمَ لَك
إلَّا مِنْ قَبِلَهُمَا، فَهُوَ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْك مِنْ
بِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا" 3، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَابْنُ مَاجَهْ.
__________
1 أخرجه الحاكم [2/ 118]، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه
ووافقه الذهبي.
2 أخرجه أبو داود [3/ 17]، كتاب الجهاد: باب في الرجل يغزو وأبواه
كارهان، حديث [2528]، والنسائي [7/ 143]، كتاب البيعة: باب البيعة على
الهجرة، حديث [4163]، وابن ماجة [2/ 930]، كتاب الجهاد: باب الرجل يغزو
وله أبوان، حديث [2782]، وأحمد [2/ 160، 194، 198]، والحميدي [2/ 626]،
حديث [584]، والبخاري في "الأدب المفرد" [19]، وعبد الرزاق في "مصنفه"
[5/ 175]، كتاب الجهاد: باب الرجل يغزو وأبوه كاره له، حديث [9285]،
وابن حبان [2/ 163]، كتاب البر والصلة والإحسان: باب حق الوالدين، حديث
[419]، والبغوي في "شرح السنة" [5/ 525- بتحقيقنا]، كتاب السير
والجهاد: باب لا يجاهد إلا بإذن الأبوين، حديث [2633].
كلهم من طريق عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص
فذكره بنحوه.
3 أخرجه أحمد [3/ 497- 498]، وأبو داود [4/ 336]، كتاب الأدب: باب في
بر الوالدين، حديث [4142]، وابن ماجة [2/ 1208- 1209]، كتاب الأدب: باب
صل من كان أبوك يصل، حديث [3664]. =
(4/245)
قَوْلُهُ: "وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ
ابْنُ سَلُولَ يَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ،
فَإِنَّهُ كَانَ يَخْذُلُ الْأَجَانِبَ، وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ
الْجِهَادِ".
أَمَّا غَزْوُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: "ف قد عَدَّهُ
ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ فيمن شهد "بدرا" و"أحدا" وَمَا
بَعْدَهُمَا.
وَأَمَّا تَخْذِيلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ: فَوَقَعَ فِي
غَزْوَةِ "أُحُدٍ" وَغَيْرِهَا؛ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ
وَغَيْرُهُ.
1830- حَدِيثٌ: "أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَعَدَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَحْسَنَ كَلَامَهُ
فَاسْتَأْذَنَهُ فِي أَنْ يُقَبِّلَ وَجْهَهُ، فَأَذِنَ لَهُ، ثُمَّ
اسْتَأْذَنَ أَنْ يُقَبِّلَ يَدَهُ. فَأَذِنَ لَهُ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ
فِي أَنْ يَسْجُدَ لَهُ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ"، الْحَاكِمُ وَأَبُو
نُعَيْمٍ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ"، مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ
مُطَوَّلًا1، مِنْ رِوَايَةِ حِبَّانَ بْنِ عَلِيٍّ الْعَنَزِيِّ؛
وَهُوَ ضَعِيفٌ، عن صالح بن حيان؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَتَابَعَهُ تَمِيمُ
بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ، قَالَهُ أَبُو
نُعَيْمٍ.
وَفِي تَقْبِيلِ الْيَدِ أَحَادِيثُ جَمَعَهَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
الْمُقْرِي فِي جُزْءٍ جَمَعْنَاهُ، مِنْهَا:
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي قِصَّةٍ قَالَ: "فَدَنَوْنَا مِنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلْنَا يَدَهُ وَرِجْلَهُ"،
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد2.
وَمِنْهَا: حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: "قَالَ يَهُودِيٌّ
لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إلَى هَذَا النَّبِيِّ... "، الْحَدِيثَ،
وَفِيهِ: "فَقَبَّلَا يَدَهُ وَرِجْلَهُ، وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّك
نَبِيٌّ"3، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بإسناد ق وي.
وَمِنْهَا: حَدِيثُ الزَّارِعِ أَنَّهُ كَانَ فِي وَفْدِ عَبْدِ
الْقَيْسِ، قَالَ: فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا،
__________
= كلهم من حديث أسيد بن علي بن عبيد بن علي مولى بني ساعدة عن أبيه عن
أبي أسيد مالك بن ربيعة... فذكره بنحوه.
1 أخرجه الحاكم [4/ 172]، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" برقم [291].
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بأنه فيه
صالح بن حيان متروك، والحديث واه.
2 أخرجه أبو داود [3/ 46]، كتاب الجهاد: باب في التولي يوم الزحف، حديث
[2647]، من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى أن ابن عمر رضي الله عنه.
3 أخرجه أحمد [4/ 239، 240]، والترمذي [5/ 77، 306]، كتاب الاستئذان:
باب ما جاء في قبلة اليد والرجل، باب: ومن سورة بني إسرائيل، حديث
[2733، 3144]، والنسائي في "الكبرى" [2/ 306]، كتاب المحاربة: باب
السحر، حديث [3541]، وابن ماجة مختصرا [2/ 1221]، كتاب الأدب: باب
الرجل يقبل يد الرجل، حديث [3705]، مختصراً كلهم من طريق عن شعبة قال:
حدثني عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن صفوان بن عسال رضي الله عنه.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(4/246)
فَنُقَبِّلُ يَدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... "
الْحَدِيثَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1.
وَفِي حَدِيثِ الْإِفْكِ عن عائشة قالت: "فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ:
قُومِي فَقَبِّلِي رَأْسَهُ".
وَفِي السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "مَا رَأَيْت
أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلًّا بِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ، وَكَانَ إذَا
دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إلَيْهَا، فَأَخَذَ بِيَدِهَا فَقَبَّلَهَا
وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَتْ إذَا دَخَلَ عَلَيْهَا
قَامَتْ إلَيْهِ، فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَقَبَّلَتْهُ، وَأَجْلَسَتْهُ
فِي مَجْلِسِهَا"2.
1831- قَوْلُهُ: "وَرَدَتْ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي
السَّلَامِ وَإِفْشَائِهِ"؛ هُوَ كَمَا قَالَ، فَمِنْهَا: حَدِيثُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: "أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ
خَيْرٌ؟ قَالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى
مَنْ عَرَفْت وَمَنْ لم تَعْرِفْ" 3، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: "لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا
أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؛ أَفْشُوا
السَّلَامَ بَيْنَكُمْ" 4، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ
__________
1 أخرجه أبو داود [4/ 357]، كتاب الأدب: باب في قبلة الجسد، حديث
[5225].
2 أخرجه أبو داود [4/ 355]، كتاب الأدب: باب ما جاء في القيام، حديث
[5217]، والترمذي [5/ 700]، كتاب المناقب: باب فضل فطمة بنت محمد
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حديث [3872]، والنسائي في "الكبرى"
[5/ 96، 392]، كتاب المناقب: باب فاطمة بنت محمد صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضي الله عنها، حديث [8373]، في كتاب عشرة النساء:
باب مصافحة ذي محرم، حديث [9237]، كلهم من طريق عثمان بن عمر أخبرنا
إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن
عائشة أم المؤمنين قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ولا وهدياً برسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قيامها وقعودها من فاطمة
بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: وكانت إذا
دخلت... الحديث.
قال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه. وقد روي هذا الحديث من غير
وجه عن عائشة.
3 أخرجه البخاري [12، 273] كتاب الاستئذان: باب السلام للمعرفة وغير
المعرفة، حديث [6236]، ومسلم [1/ 284- نووي]، كتاب الإيمان: باب بيان
تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل، حديث [63/ 39].
4 أخرجه مسلم [1/ 74]، في الإيمان: باب بيان أن لا يدخل الجنة إلا
المؤمنون، وأن نخبة المؤمنين من الإيمان [93/ 54]، وأبو داود [2/ 771]،
في الأدب: باب في إفشاء السلام [5193]، والترمذي [5/ 50]، في
الاستئذان: باب ما جاء في إفشاء السلام [2688]، وابن ماجة في المقدمة:
باب الإيمان [69]، وفي الأدب: باب إفشاء السلام [3692]، وأحمد [2/
477]، والبيهقي [10/ 232]، وابو بكر بن أبي شيبة [8/ 437]، والخطيب في
"التاريخ" [4/ 58]، والبغوي في "شرح السنة" [6/ 330]، برقم [3193]، من
طريق عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(4/247)
السُّنَنِ عَدَا النَّسَائِيّ، وَعَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ
عِنْدَ الْبَزَّارِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ1.
وَمِنْهَا: حَدِيثُ الْبَرَاءِ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ: إفْشَاءِ السَّلَامِ... 2"،
الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِهِ:
"أَفْشُوا السَّلَامَ تُسْلِمُوا" 3.
وَمِنْهَا: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: وَاعْبُدُوا
الرَّحْمَنَ، وَأَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ،
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ"4، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَمِنْهَا: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ: "يَا أَيُّهَا
النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا
الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ؛ تَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ" 5، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ
__________
1 أخرجه البزار [2/ 418- 419]، كتاب الأدب: باب بعد باب فضل السلام،
حديث [2002]، من طريق يحيى بن أبي كثير عن يعيش بن الوليد عن مولى لابن
الزبير عن ابن الزبير أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: "دب إليكم داء الأمم قبلكم: البغضاء والحسد والبغضاء هي الحلقة،
ليس حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة
حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا فلا أببئكم بما يثبت لكم ذلك؟ أفشوا
السلام بينكم" .
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" [8/ 33]: رواه البزار وإسناده جيد.
2 أخرجه البخاري [10/ 327]، كتاب اللباس: باب خواتيم الذهب، حديث
[5863]، ومسلم [3/ 1635- 1636]، كتاب اللباس والزينة: باب تحريم
استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، حديث [3/ 2066]، من
حديث البراء بن عازب قال: نهانا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عن سبع نهانا عن خاتم الذهب أو قال: حلقة الذهب أو قال: حلقة
الذهب وعن الحرير والاستبرق والديباج والميثرة الحمراء والقسي وآنية
الفضة وأمرنا بسبع بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميث العاطس ورد
السلام وإجابة الداعي وإبرار القسم ونصر المظلوم.
3 أخرجه أحمد [4/ 286]، والبخاري في "الأدب المفرد" ص [234- 235] برقم
[795]، وابن حبان [2/ 244- 245]، كتاب البر والصلة والإحسان: باب إفشاء
السلام وإطعام الطعام، حديث [491]، وأبو يعلى [3/ 247]، برقم [1687]،
كلهم من حديث البراء رضي الله عنه.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" [8/ 32]: رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله
ثقات.
4 أخرجه الترمذي [4/ 287]، كتاب الأطعمة: باب ما جاء في فضل إطعام
الطعام، حديث [1855]، وابن ماجة [2/ 1218]، كتاب الأدب: باب إفشاء
السلام، حديث [3694]، والدارمي [2/ 109]، كتاب الأطعمة: باب في إطعام
الطعام، وابن حبان [2/ 242]، كتاب البر والصلة والإحسان: باب إفشاء
السلام وإطعام الطعام، حديث [489]، [2/ 260- 161]، برقم [507]،
والبخاري في "الأدب المفرد" في باب إفشاء السلام برقم [989].
كلهم من طريق عطاء بن السائب عن أبيه عنه به.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
5 أخرجه الترمذي [4/ 652]، كتاب صفة القيامة: باب [42]، حديث [2485]،
وابن ماجة [1/ 423]، كتاب أقامة الصلاة والسنة فيها: باب ما جاء في
قيام الليل، حديث [1334]، [2/ 1083]، كتاب الأطعمة: باب إطعام الطعام،
حديث [3251]، والدارمي [1/ 340- 341]، كتاب الصلاة: باب فضل صلاة
الليل، والحاكم [3/ 13]، [6/ 160]، كلهم من طريق زرارة بن أبي أوفى عن
عبد الله بن سلام. =
(4/248)
حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
وَمِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي شُرَيْحٍ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، رَوَاهُ
ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "إذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ
فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ
جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ، ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ أَيْضًا"
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مريم عنه موقوفا1، ومن
رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ،
عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا2، وَعَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كُنَّا إذَا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَفْرُقُ بَيْنَنَا شَجَرَةٌ، فَإِذَا
الْتَقَيْنَا سَلَّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ"، رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ3.
وَمِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاَللَّهِ مَنْ
بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ" 4؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
وَحَسَّنَهُ.
وَمِنْهَا: أَحَادِيثُ أَبِي أَيُّوبَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،
وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَتُذْكَرُ بَعْدَ قَلِيلٍ.
وَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ يُوجِبُ الْجَنَّةَ، قَالَ: "طِيبُ الْكَلَامِ،
وَبَذْلُ السَّلَامِ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ" 5، رَوَاهُ ابْنُ
حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَفِي
__________
= قال الترمذي: حديث صحيح.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
1 أخرجه أبو داود [4/ 351]، كتاب الأدب: باب في الرجل يفارق الرجل ثم
يلفاه يسلم عليه، حديث [5200]، من طريق معاوية بن صالح عن أبي موسى عن
أبي مريم.
قال معاوية: وحدثني عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي
هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... فذكره.
2 ينظر السابق.
3 أخرجه الطبراني في "الأوسط" [8/ 475]، حديث [7983]، قال: حدثنا موسى
بن هارون قال: حدثنا سهيل بن صالح الأنطاكي، قال: رأيت أبا يزيد بن أبي
منصور فقال: حدثنا أنس بن مالك... فذكره.
قال الهيثمي في "المجمع" [8/ 37]: رواه الطبراني في "الأوسط" وإسناده
حسن.
4 أخرجه أبو داود [4/ 351]، كتاب الأدب: باب في فضل من بدأ بالسلام،
حديث [5197]، والترمذي [5/ 56]، كتاب الاستئذان: باب ما جاء في فضل
الذي يبدأ السلام، حديث [2694]، بنحو رواية أبي داود.
قال الترمذي: هذا حديث حسن.
5 أخرجه ابن حبان [2/ 244، 257- 258]، كتاب البر والصلة والإحسان: باب
إفشاء السلام وإطعام الطعام، حديث [490، 504]، والطبراني [22/ 180]،
حديث [470]، والحاكم [1/ 23].
قال الحاكم: هذا حديث مستقيم وليس له علة ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(4/249)
رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: "قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي
عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، قَالَ: "إنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ
الْمَغْفِرَةِ: بَذْلَ السَّلَامِ وَحُسْنَ الْكَلَامِ"1.
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْشُوا السَّلَامَ كَيْ تَسْلَمُوا2" .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا، قَالَ: السَّلَامُ اسْمٌ مِنْ
أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَضَعَهُ فِي الْأَرْضِ، فَأَفْشُوهُ
بَيْنَكُمْ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ إذَا هُوَ يَقْدَمُ
فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَرَدُّوا عَلَيْهِ، كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ
فَضْلُ دَرَجَةٍ بِتَذْكِيرِهِ إيَّاهُمْ السَّلَامَ، فَإِنْ لَمْ
يَرُدُّوا عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ3"،
رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ
بِالسَّلَامِ" 4، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمَيْهِ، وَلَهُ
فِي "الْأَوْسَطِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا.
"أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ فِي الدُّعَاءِ، وَأَبْخَلُ النَّاسِ
مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ"5.
1832- قَوْلُهُ: "وَرَدَ فِي الْخَبَرِ النَّهْيُ عَنْ السَّلَامِ
عَلَى قَاضِي الْحَاجَةِ"، ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ
وَهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا رَأَيْتنِي عَلَى مِثْلِ هَذِهِ
الْحَالَةِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ؛ فَإِنَّك إنْ فَعَلْت لَمْ
أَرُدَّ عَلَيْك6" .
وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: "أَنَّ رَجُلًا سَلَّمَ
__________
1 أخرجه الطبراني [22/ 180]، حديث [469]، قال الهيثمي في "مجمع
الزوائد" [8/ 32]، رواه الطبراني وفيه أبو عبيدة بن عبد الله الأشجعي
روى عنه أحمد بن حنبل وغيره ولم يضعفه أحد.
2 أخرجه الطبراني كما في "مجمع الزوئد" [8/ 33]، بلفظ: أفشوا السلام كي
تعلو، وقال: رواه الطبراني وإسناده جيد.
3 وأخرجه الطبراني [10/ 224]، برقم [10391]، والبزار [2/ 417]، برقم
[1999- كشف].
قال البزار: رواه غير واحد موقوفاً وأسند ورقاء وشريك وأيوب بن جابر.
قال الهيثمي في "المجمع" [8/ 32]: رواه البزار بإسنادين والطبراني
بأسانيد وأحدهما رجاله رجال الصحيح عن البزار والطبراني.
4 أخرجه الطبرانيك في "الصغير" [1/ 121]، و"الأوسط" كما في "مجمع
البحرين" [2/ 140- 141]، برقم [850].
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" [2/ 123]، رواه الطبراني في الثلاثة
ورجاله ثقات.
5 أخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين" [5/ 260]، برقم
[3030].
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" [8/ 34]: رواه الطبراني في "الأوسط"
وقال: لا يروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بهذا
الإسناد ورجاله رجال الصحيح غير مسروق بن المرزبان وهو ثقة.
6 أخرجه ابن ماجة [1/ 126]، كتاب الطهارة: باب الرجل يسلم عليه وهو
يبول، حديث [352].
قال في الزوائد: إسناده حسن فإن سويداً لم ينفرد به.
(4/250)
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ،
فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ1"، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَأَبُو الْعَبَّاسِ
السَّرَّاجِ وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْجَارُودِ، مِنْ رِوَايَةِ
سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي الْحُسَامِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ،
نَسَبَهُ السَّرَّاجُ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: "أَنَّ رَجُلًا
سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
يَبُولُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "إذَا رَأَيْتنِي
هَكَذَا، فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ؛ فَإِنَّك إنْ تَفْعَلْ لَا أَرُدَّ
عَلَيْك" ، زَادَ السَّرَّاجُ: "إنَّهُ لَمْ يَحْمِلْنِي عَلَى
السَّلَامِ عَلَيْك إلَّا أَنِّي خَشِيت أَنْ تَقُولَ: سَلَّمْت
عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ" 2، وَرَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى
عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَحْوُهُ3، وَقَالَ عَبْدُ
الْحَقِّ: حَدِيثُ مُسْلِمٍ أَصَحُّ، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّهُ كَانَ
ذَلِكَ فِي مَوْطِنَيْنِ، وَعَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُدٍ قَالَ:
أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ،
فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ حَتَّى تَوَضَّأَ، ثُمَّ
اعْتَذَرَ إلَيَّ، فَقَالَ: إنِّي كَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا
عَلَى طُهْرٍ"4، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ.
1833- قَوْلُهُ: "وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّاكِبُ عَلَى
الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ،
__________
1 أخرجه مسلم [2/ 395- نووي]، كتاب الحيض: باب التيمم، حديث [115/
370]، وأبو داود [1/ 5]، كتاب الطهارة: باب أيرد السلام وهو يبول، حديث
[16]، والترمذي [5/ 71]، كتاب الاستئذان: باب ما جاء في التسليم على من
يبول، حديث [2720]، والنسائي [1/ 35]، كتاب الطهارة: باب السلام على من
يبول، حديث [37]، وابن ماجة [1/ 127]، كتاب الطهارة: باب الرجل يسلم
عليه وهو يبول، حديث [353].
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
2 أخرجه ابن الجارود [37]، والبزار كما في "نصب الراية" [1/ 6]، وقال
الزيعلي: وذكره عبد الحق في "أحكامه" من جهة البزار، ثم قال: وأبو بكر
هذا فيما أعلم هو ابن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب،
روى عنه مالك وغيره لا بأس به، ولكن حديث الضحاك بن عثمان أصح، فإن
الضحاك أوثق من أبي بكر هذا، ولعل ذلك كان في موطنين. انتهى كلامه.
وتعقبه ابن القطان في كتابه فقال: من أين له أنه هو، ولم يصرح في
الحديث باسمه واسم أبيه وجده؟ انتهى. قلت: قد جاء ذلك مصرحاً في "مسند
السراج" فقال: حدثنا محمد بن إدريس ثنا عبد الله بن رجاء ثنا سعيد بن
سلمة حدثني أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب
عن نافع عن ابن عمر، فذكره.
3 أخرجه الشافعي [1/ 44- 45]، كتاب الطهارة: باب في التيمم، حديث
[133].
4 أخرجه أبو داود [1/ 51]، كتاب الطهارة: باب أيرد السلام وهو يبول،
حديث [17]، والنسائي [1/ 37]، كتاب الطهارة: باب رد السلام بعد الوضوء،
حديث [38]، وابن ماجة [1/ 126]، كتاب الطهارة: باب الرجل يسلم عليه وهو
يبول، حديث [350]، وأحمد [4/ 354]، وابن خزيمة [206]، وابن حبان [189-
190- موارد]، وابن المنذر في "الأوسط" رقم [19]، والطحاوي في "شرح
معاني الآثار" [1/ 85]، والطبراني في "الكبير" [20/ 329]، رقم [781]،
والبيهقي [1/ 90]، كتاب الطهارة، والبغوي في "شرح السنة" [1/ 361-
بتحقيقنا]، من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن حصين عن
المهاجر بن قنفذ أنه سلم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وهو يبول فلم يرد عليه حتى توضأ فلما توضأ رد عليه.
(4/251)
وَالطَّائِفَةُ الْقَلِيلَةُ عَلَى الْكَثِيرَةِ".
قُلْت: هُوَ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: "وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ"
1، وَفِي رِوَايَةٍ: "يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ" .
1834- قَوْلُهُ: "وَالِانْحِنَاءُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ"؛
كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أخاه وصديقه أَيَنْحَنِي
لَهُ؟ قَالَ: لَا، قال: أفيلتزمه وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ:
فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ"، رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ2.
1835-
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي "الرَّوْضَةِ" مِنْ "زِيَادَاتِهِ": وَأَمَّا
حَدِيثُ: "السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ" ، فَضَعِيفٌ، انْتَهَى،
وَلَهُ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ جَابِرٍ3،
وَقَالَ: مُنْكَرٌ، وَثَانِيهمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ ابْنُ
عدي في "الكامل"، وإسناده لَا بَأْسَ بِهِ4.
1836- قَوْلُ الرَّافِعِيِّ: "وَتُسَنُّ الْمُصَافَحَةُ"، انْتَهَى،
وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ:
__________
1 أخرجه أحمد [2/ 304]، والبخاري [11/ 16]، كتاب الاستئذان: باب تسليم
القليل على الكثير [6231]، ورواه أيضاً في باب يسلم الراكب على الماشي
[6232]، في [6233، 6234]. ورواه مسلم [4/ 1703]، كتاب السلام: باب يسلم
الراكب على الماشي والقليل على الكثير [2160] وأبو داود [2/ ه772]،
كتاب الأدب: باب من أولى بالسلام [5198، 5199]، والترمذي [5/ 62261]،
كتاب الاستئذان: باب في تسليم الراكب على الماشي [2703، 2704]،
والبيهقي في "السنن" [9/ 203]، وعبد الرزاق [10/ 388]، [19445]،
والبغوي في "شرح السنة" [6/ 332، 333]، [3196، 3196- بتحقيقنا]، وأبو
نعيم في "أخبار أصبهان" [2/ 83، 301]، واللحديث شاهد من حديث جابر
مرفوعاً.
رواه ابن حبان [2/ 251 [498]، والبخاري في "الأدب المفرد" [983]،
والبزار [2/ 420]، [2006- كشف]، بلفظ: ليسلم الراكب على الماشي والماشي
على القاعد والماشيان أيهما بدأ فهو أفضل.
قال الهيثمي في "المجمع" [8/ 39]: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح،
ا.هـ.
2 أخرجه الترمذي [5/ 75]، كتاب الاستئذان: باب ما جاء في المصافحة،
حديث [2728]، قال الترمذي: حديث حسن.
3 أخرجه الترمذي [5/ 59]، كتاب الاستئذان: باب ما جاء في السلام قبل
الكلام، حديث [2699]، قال: حدثنا الفضل بن الصالح –بغدادي- ، حدثنا
سعيد بن زكريا عن عنبسة بن عبد الرحمن عن محمد بن زازن عن محمد بن
المنكدر عن جابر رضي الله عنه.
قال الترمذي: وبهذا الإسناد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال: "لا تدعوا أحداً إلى الطعام حتى يسلم".
قال الترمذي: هدا حديث منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسمعت محمداً
يقول: عنبسة بن عبد الرحمن ضعيف في الحديث ذاهب، ومحمد بن زازان منكر
الحديث.
4 أخرجه ابن عدي في "الكامل" [5/ 1999]، وقال: رواه عبد العزيز بن أبي
رواد عن نافع عن ابن عمر، وهذا عن نافع، تفرد به عبد العزيز فأورده في
ترجمة محمد بن زازان عن محمد بن المنكدر عن جابر، ومحمد هذا قال
البخاري: لا يكتب حديثه وحديثه منكر.
(4/252)
مِنْهَا: لِلْبُخَارِيِّ عَنْ قَتَادَةَ قُلْت لِأَنَسٍ: "أَكَانَتْ
الْمُصَافَحَةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ"1 .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ الْبَرَاءِ رَفَعَهُ: "مَا
مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ، إلَّا غُفِرَ
لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا" ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد
أَيْضًا2.
1837- حَدِيثٌ: "حَقُّ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ سِتٌّ: أَنْ
يُسَلِّمَ عَلَيْهِ إذَا لَقِيَهُ، وَأَنْ يُجِيبَهُ إذَا دَعَاهُ،
وَأَنْ يُشَمِّتَهُ إذَا عَطَسَ، وَأَنْ يَعُودَهُ إذَا مَرِضَ، وَأَنْ
يُشَيِّعَ جِنَازَتَهُ إذَا مَاتَ، وَأَلَّا يَظُنَّ فِيهِ إلَّا
خَيْرًا" ، إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ
أَبِي أَيُّوبَ مِثْلُهُ إلَّا الْأَخِيرَةَ، فَقَالَ بَدَلَهَا:
"وَيَنْصَحُهُ إذَا اسْتَنْصَحَهُ"، وَقَالَ فِي أَوَّلِهِ:
"لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ" .
وَلِأَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: "لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ
سِتَّةٌ مِنْ الْمَعْرُوفِ" ، فَذَكَرَهَا وَقَالَ بَدَلَ
الْأَخِيرَةِ، "وَيَنْصَحُهُ إذَا غَابَ، أَوْ شَهِدَ"3.
وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِلَفْظِ.
لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتَّةٌ بِالْمَعْرُوفِ؛ وَقَالَ
بَدَلَ الْأَخِيرَةِ: "وَيُحِبُّ لَهُ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"4،
وَأَسَانِيدُهَا ضَعِيفَةٌ، فِي الْأَوَّلِ: الْإِفْرِيقِيُّ، وَفِي
الثَّانِي ابْنُ لَهِيعَةَ، وَفِي الثَّالِثِ: الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ،
وَلَكِنْ لَهُ أَصْلٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ بِلَفْظٍ: "لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتَّةٌ: إذَا
لَقِيته فَسَلِّمْ عَلَيْهِ" ، وَسَاقَهَا كَمَا عِنْدَ إِسْحَاقَ
بِلَفْظِ الْأَمْرِ5.
__________
1 أخرجه البخاري [12/ 323]، كتاب الاستئذان: باب المصافحة، حديث
[6263].
2 أخرجه أبو داود [4/ 354]، كتاب الأدب: باب في المصافحة، حديث [5212]،
والترمذي [5/ 74]، كتاب الاستئذان: باب في المصافحة، حديث [5212]،
والترمذي [5/ 74]، كتاب لاستئذان: باب في المصافحة، حديث [2727].
قال الترمذي: حديث حسن غريب من حديث أبي إسحاق عن البراء.
وقد روي هذا الحديث عن البراء من غير وجه.
3 أخرجه أحمد [2/ 67].
4 أخرجه الترمذي [5/ 75]، كتاب الأدب: باب ما جاء في تشميت العاطس
[2736]، وابن ماجة [1/ 461]، كتاب الجنائز: باب ما جاء في عيادة المريض
[1433]، والدارمي [2/ 275، 276]، كتاب الاستئذان: باب في حق المسلم على
المسلم، وأحمد [1/ 89]، وهناد بن السري في الزهد [1022]، وأبو يعلى في
"مسنده" [1/ 342، 435]، عن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "للمسلم على المسلم ست بالمعروف: سلم عليه إذا
لقيه، ويجيبه إذا دعاه ويشمته إذا عطس ويعوده إذا مرض ويتبع جنازته إذا
مات ويحب له ما يحب لنفسه" وهذا لفظ الترمذي.
وقال الترمذي: وفي الباب على أبي هريرة وأبي أيوب والبراء وابن مسعود.
وقال الترمذي: هذاه حديث حسن صحيح.
5 أخرجه أحمد [2/ 372- 412]، كتاب السلام: باب من حق المسلم للمسلم رد
السلام [2162/ 5]، والترمذي [5/ 75]، كتاب الأدب: باب ما جاء في تشميت
العاطس [2737]، والنسائي [4/ 53]، كتاب الجنائز: باب النهي عن سب
الأموات، والبيهقي في "السنن" [5/ =
(4/253)
1838- حَدِيثُ: "أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا قَدِمَ مِنْ
"الْحَبَشَةِ"، عَانَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ"، الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرٌ مِنْ أَرْضِ "الْحَبَشَةِ"، خَرَجَ
إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَانَقَهُ"1،
وَفِي إسْنَادِهِ أَبُو قَتَادَةَ الْحَرَّانِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ،
وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ
عُمَيْرٍ؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُرْسَلًا،
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "الْكَبِيرِ" مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ: "أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَقَّى جَعْفَرَ بْنَ
أَبِي طَالِبٍ فَالْتَزَمَهُ، وَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ"2،
وَوَصَلَهُ الْعُقَيْلِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ،
__________
= 347]، كتاب البيوع: باب الرخصة في معونته ونصيحته إذا استنصحه [10/
108]، كتاب آداب القاضي: باب القاضي يأتي الوليمة إذا دعي لها والبغوي
في "شرح السنة" [3/ 171، 172]، كتاب الجنائر: باب عيادة المريض وثوابه،
وابن حبان [1/ 477]، [242]، والبخاري في "الأدب المفرد" [925] كلهم عن
أبي هريرة. بلفظ: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
"حق المسلم على المسلم ست، قيل: ما هن؟ يا رسول الله قال: "إذا لقيته
فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد
الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه" وهذا لفظ مسلم.
ورواه البخاري [3/ 135]، كتاب الجنائز: باب الأمر باتباع الجنائز
[1240]، ومسلم [4/ 1704]، كتاب السلام: باب من حق المسلم على المسلم رد
السلام [2162/ 4]، وأبو داود [2/ 726]، كتاب الأدب: باب في العطاس
[5030]، وابن ماجة [1/ 461، 462]، كتاب الجنائز: باب ما جاء في عيادة
المريض [1435]، وأحمد في "المسند" [2/ 332، 540]، والبيهقي في "السنن"
[3/ 386]، والبغوي في "شرح السنة" [3/ 171]، [1398- بتحقيقنا]، وابن
حبان في "صحيحه" [1/ 476]، [241]، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "حق المسلم على المسلم خمس:
رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس"
.
1 أخرجه الدارقطني كما في "نصب الراية" [4/ 2550]، وابن عدي في
"الكامل" [6/ 2225]، ومن طريقه البيهقي في "الشعب" [6/ 477]، برقم
[8969]، قال الزيعلي في "نصب الراية" [4/ 255]: رواه الدارقطني في
"سننه" عنها قالت: لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة خرج إليه
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعانقه، انتهى. وأخرخه
ابن عدي في "الكامل" عن محمد بن عبد الله بن عبيد بن عميرة عن يحيى بن
سعيد عن القاسم بن محمد بن عائشة، قالت: لما قدم جعفر، واصحابه استقبل
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقبله بين عينيه انتهى. ومن
طريق ابن عدي رواه البيهقي في "شعب الإيمان" قال ابن عدي: ورواه أبو
قتادة الحراني عن الثوري عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة، انتهى. قال
الدارقطني في كتاب "العلل": هذا حديث برويه يحيى بن سعيد الأنصاري.
واختلف عنه، فرواه الثوري عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة، رواه أبو
قتادة الحراني عنه، وخالفه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير فرواه عن
يحيى عن القاسم عن عائشة، وكلاهما غير محفوظ، وهما ضعيفان. انتهى.
وأخرجه أبو يعلى [3/ 398]، برقم [109] من حديث جابر بلفظ "المصنف".
قال الهيثمي [9/ 275]: رواه أبو يعلى وفيه مجالد بن سعيد وهو ضعيف وقد
وثق وبقية رجال "الصحيح".
2 أخرجه أبو داود [4/ 356]، كتاب الآداب: باب قبلة ما بين العينين،
حديث [5220]، والطبراني كما في "مجمع الزوائد" [9/ 275]. =
(4/254)
وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ،
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ1 وَفِيهِ أَحْمَدُ
بْنُ دَاوُد الْحَرَّانِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، اتَّهَمُوهُ
بِالْكَذِبِ، وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: "قَدِمَ جَعْفَرٌ مِنْ
أَرْضِ "الْحَبَشَةِ"، فَقَبَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ... "، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ2، رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: "اسْتَأْذَنَ زَيْدُ بْنُ
حَارِثَةَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ"، أَخْرَجَهُ الترمذي3 .
__________
= وقال الهيثمي: رواه الطبراني مرسلاً ورجاله رجال "الصحيح".
1 أخرخه الحاكم [3/ 211]، من طريق الشعبي عن جابر ثم قال: أرسله
إسماعيل بن أبي خالد وزكريا بن أبي زائدة، فيما حدثناه علي بن عيسى
الحيري ثنا إبراهيم بن أبي طالب ثنا ابن عمر ثنا سفيان عن ابن أبي خالد
وزكريا عن الشعبي قال: قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ من خيبر فذكر الحديث.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح إنما ظهر بمثل هذا الإسناد الصحيح مرسلاً
وقد وصله ابن أجلح بن عبد الله، وتعقبه الحاكم بأن الصواب مرسلاً.
2 أخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين" [4/ 334]، برقم
[2558]، قال: حدثنا محمد بن أبي غسان، ثنا مكي بن عبد الله الزعيني،
ثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: لما قدم جعفر بن أبي
طالب من أرض الحبشة، تلقاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فلما نظر جعفر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حجل إعظاما منه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين
عينيه، وقال له: "يا حبيبي أنت أشبه الناس بخلقي وخلقي، وخلقت من
الطينة التي خلقت منها، يا حبيبي حدثني عن بعض عجائب أرض الحبشة" ،
قال: نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله، بينا أنا قائم في بعض طرقها، إذ
أنا بعجوز على رأسها مكتل، وأقبل شاب يركض على فرس له، فزحمها، وألقى
المكتل على رأسها، فاستوت قائمة وأتبعته ببصرها وهي تقول: الويل لك
غداً، إذا جلس الملك على كرسيه، فاقتص للمظلموم من الظالم.
قال جابر، فنظرت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو
إن دموعه تنحدر على عينيه مثل الجمار، ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا قدس الله أمة لا يأخذ المظلوم حقه من الظالم
غير متعتع" .
لم يروه عن ابن عيينة إلا مكي ا.هـ.
وأخرجه العقيلي من طريق مكي بن عبد الله الرعيني [4/ 257]، وقال مكي بن
عبد الله الرعيني عن ابن عيينةحديثه غير محفوظ، ولا يعرف إلا به.
قال الهيئمي [9/ 275]:رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه مكي بن عبد الله
الرعيني وهذا من مناكيره.
3 أخرجه الترمذي [5/ 76- 77]، كتاب الاستئذان: باب ما جاء في المعانقة
والقبلة، حديث [2732]، من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قدم زيد
بن حارثة المدينة ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
بيتي فأتاه فقرع الباب، فقام إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عرياناً يجر ثوبه، والله ما رأيته عرياناً قبله ولا بعده
فاعتنقه وقبله.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الزهري ألا من
هذا الوجه.
(4/255)
1839- قَوْلُهُ: "ويكره لِلدَّاخِلِ أَنْ يَطْمَعَ فِي قِيَامِ
الْقَوْمِ، وَلْيُسْتَحَبَّ لَهُمْ أَنْ يُكْرِمُوهُ"، انْتَهَى.
كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي
الْجَوَازِ، وَالْكَرَاهَةِ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَفِيهِ حَدِيثُ
مُعَاوِيَةَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ
قِيَامًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ" 1.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَفِيهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ: "قُومُوا إلَى
سَيِّدِكُمْ" ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ2، وَحَدِيثُ جَرِيرٍ: "إذَا
أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ" ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ، وَإِسْنَادُهُ أَقْوَى مِنْ
إسْنَادِهِمَا3.
__________
1 أخرجه أبو داود [4/ 358]، كتاب الأدب: باب في قيام الرجل للرجل، حديث
[5229]، والترمذي [5/ 90- 91]، كتاب الأدب: باب ما جاء في كراهية قيام
الرجل للرجل، حديث [2755]، وأحمد [4/ 100].
قال الترمذي: هذا حديث حسن.
2 أخرجه البخاري [7/ 411]، كتاب المغازي: باب مرجع النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته
إياهم، حديث [4121]، ومسلم [3/ 4121]، ومسلم [3/ 1388، 1389]، كتاب
الجهاد والسير: باب جواز قتال من نقض العهد، حديث [64/ 1768].
3 أخرجه البيهقي [0/ 168]، كتاب قتال أهل البغي: باب ما على السلطان من
إكرام وجوه الناس، والطبراني [2/ 304، 325]، برقم [2266، 2358]، وأبو
نعيم في "الحلية" [6/ 205- 206]، كلهم من حديث جرير.
قال أبو نعيم: غريب من حديث الجريري لم نكتبه إلا من حديث عوين وكذلك
الحديث الذي قبله تفرد به عوين عن الجريري.
قال ابن أبي حاتم في "العلل" [2/ 336]: قال أبو زرعة هذا حديث منكر قيل
له: فحديث عون بن عمرو القيسي عن سعيد الجريري عن عبد الله بن بريدة عن
يحيى بن يعمر عن جرير عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إذا أتاكم كريم قوم فأكروموه" قال: ما أقربه من هذا أخاف أن يكون ليس
لهما أصل والصحيح حديث الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن الشعبي عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسل.
وله شاهد من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وأخرجه ابن ماجة [2/
1223]، كتاب الأدب: باب إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه، حديث [3712]،
والبيهقي [8/ 168]، كتاب قتال أهل البغي: باب ما على السلطان من إكرام
وجوه الناس.
كلاهما من طريق سعيد بن مسلمة عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر رضي
الله عنه.
قال في "الزوائد": في إسناده سعيد بن مسلمة وهو ضعيف.
قال العجلوني في "كشف الخفاء" [1/ 77- 78]: رواه أبو داود عن الشعبي
مرسلاً بسند ضعيف عن جرير البجلي قال: لما بعث النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتيته، فقال: "ما جاء بك؟" قلت: جئت لأسلم، فألقى
إلى كساءه، وذكره، ورى البزار بسند ضعيف أيضاً عن جرير قال: أتيت النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبسط لي رداءه، وقال: اجلس على هذا،
فقلت: أكرمك الله كما أكرمتني، فذكره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ورواه الحاكم عن جرير أيضاً بأبسط من هذا، ولفظه أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل بعض بيوته فدخل عليه أصحابه حتى
غص المجلس بأهله وامتلأ، فجاء جرير البجلي، فلم يجد مكاناً، فقعد على
الباب فنزع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رداءه فألقاه
على وجهه وجعل يقبله ويبكي، ورومى به إلى النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يميناً =
(4/256)
__________
= وشمالاً فذكره، وروى الحكيم الترمذي وابن منده والسكري وآخرون بسند
مجهول عن أبي عبد الله بن صمرة أنه قال: بينما أنا قاعد عند رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جماعة من أصحابه إذ قال: سيطلع
عليكم من هذه الثنية خير ذي يمن، فإذا هو بجرير بن عبد الله فذكره قصة
طولها بعضهم، وفيها فقالوا: يا نبي الله رأينا منك ما لم نره لأحد،
فقال: "نعم هذا كريم قوم، فإذا أتاكم كريم قوم فأكرموه" ، وروى السكري
بسند ضعيف عن عدي بن حاتم أنه لما دخل على النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألقى إليه وسادة، وجلس على الأرض، فقال: أشهد أنك
لا تبغي علواً في الأرض ولا فساداً وأسلم، ثم قال رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أتاكم... " الحديث، وللدولابي في
"الكنى" عن عبد الرحمن بن عبد، قال: قدمت على النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مائة راجل من قومي، فذكر حديثاً فيه أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكرمه وأجلسه وكساه رداءه، ودفع
إليه عصاه، وأنه أسلم، فقال له رجل من جلسائه: إنا نراك أكرمت هذا
الرجل، فقال: "إن هذا شريف قومه، وإذا أتاكم شريف قوم فأكرموه" ، وفي
الباب عن جابر وابن عباس ومعاذ وأبي قتادة وأبي هريرة وأنس بن مالك
وغيرهم، وبهذه الطرق بتقوى وإن كانت مفرداتها ضعيفة؛ ولذا انتقد الحافظ
ابن حجر وشيخه العراقي الحكم عليه بالوضع، ويقرب من هذا ما رواه ابن
عمر وأبو هريرة في حديث: وإذا كانت عندك كريمة قوم أكرمها.
(4/257)
2- بَابُ كَيْفِيَّةِ الْجِهَادِ
1840- قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ مَا
اُشْتُهِرَ فِي سِيَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمَغَازِيهِ: إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهَا
أَمِيرًا، وَيَأْمُرُهُمْ بِطَاعَتِهِ، وَيُوصِيهِمْ؛ رَوَى
الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَ
عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا
لَهُ وَيُطِيعُوا... " الْحَدِيثَ1.
وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ
سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي
__________
1 أخرجه البخاري [7/ 655]، في المغازي: باب سرية عبد الله بن حذافة
السهمي [4340]، و[13/ 130]، في الأحكام: باب السمع والطاعة للإمام، ما
لم تبن معصية [3145]، ومسلم [3/ 1497]، في الإمارة: باب وجوب طاعة
الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية [40/ 1840]، وأحمد [1/ 82،
124]، وأبو يعلى [378، 611]، والبيهقي في "الدلائل" [4/ 311- 312]، من
طرق عن الأعمش.
وأخرجه البخاري [13/ 245، 460]، في أخبار الآحاد: باب ما جاء في إجازة
خبر الواحد الصدوق [3257]، ومسلم [39/ 1840]، وأبو داود [4612]، في
الجهاد: باب في الطاعة [2625]، والنسائي [7/ 109]، في البيعة: باب جزاء
من أمر بمعصية فأطاع، وأحمد [1/ 94]، وأبو يعلى [279]، وابن حبان
[4567- الإحسان]، والبيهقي في "السنن" [8/ 156]، وأبو نعيم في "الحلية"
[5/ 38]، من طريق شعبة عن زيد.
وكذا رواه أبو داود والطيالسي [2/ 165- 166]، [2612- منحة]، كلاهما
[أتى الأعمش وزيد] عن سعد بن عميرة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي
رضي الله عنه، قال: بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية
وأمر عليهم رجلاً من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه... فذكر الحديث بطوله
وأنه أمرهم أن يلقوا أنفسهم في النار إلى أن قال النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لو دخلوها ما خرجوا منها أبداً، إنما الطاعة في
المعروف" .
(4/257)
خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: "اُغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ. وَفِي
سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مِنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ، اُغْزُوا، وَلَا
تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تقتلوا وليداً"
، وَهَذَا الْحَدِيثُ بِطُولِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1.
1841- قَوْلُهُ: "وَأَنْ يَأْخُذَ الْبَيْعَةَ عَلَى الْجُنْدِ حَتَّى
لَا يَفِرُّوا" ، مُسْلِمٌ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ مَعْقِلِ
بْنِ يَسَارٍ: "بَايَعَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ،
وَأَنَا رَافِعٌ غُصْنًا مِنْ أَغْصَانِهَا عَنْ وَجْهِهِ، لَمْ
نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ، وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ على أن لا
نَفِرَّ"2، وَرَوَيَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَيْضًا3، وَمُسْلِمٍ
مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ4، وَالْبُخَارِيُّ مِنْ
حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ5.
1842- قَوْلُهُ: "وَأَنْ يَبْعَثَ الطَّلَائِعَ"، مُسْلِمٌ عَنْ
أَنَسٍ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَسْبَسَةَ عَيْنًا يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ...
"6، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَوَهِمَ الْحَاكِمُ فَاسْتَدْرَكَ طَرَفًا
مِنْهُ.7.
__________
1 أخرجه أحمد [5/ 358]، ومسلم [3/ 1357]، كتاب الجهاد: باب تأمير
الإمام الأمراء على البعوث، حديث [3] 1731، وأبو داود [3/ 83]، كتاب
الجهاد: باب في دعاء المشركين، حديث [1612]، والترمذي [3/ 85]، كتاب
السير: باب ما جاء في وصية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
القتال، حديث [1666]، وابن ماجة [2/ 953]، كتاب الجهاد: باب وصية
الإمام، حديث [2858]، والبيهقي [6919]، كتاب السير: باب قتل المشركين
بعد الأسار بضرب الأعناق دون المثلة. عنه قال: قال رسول الله صى الله
عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله
ومن معه من المسلمين خيراً لما قال: "اغزوا باسم الله قاتلوا من كفر
بالله غزواً ولا تغلوا ولا تغذروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً" .
وقال الترمذي: حسن صحيح.
2 أخرجه مسلم [7/ 7]، كتاب الإمارة: باب استحباب مبايعة إمام الجيش،
حديث [76/ 1858- نووي]، وابن حبان [10/ 415- 416]، كتاب السير: باب
مبايعة الأئمة وما يستحب لهم، حديث [4551]، [11/ 232]، كتاب السير: باب
الموادعة والمهادنة، حديث [4876]، والطبراني [20/ 236- 237]، برقم
[530- 532]، والبيهقي [8/ 146]، كتاب قتال أهل البغي: باب كيفية
البيعة.
3 أخرجه مسلم [7/ 5- نووي]، كتاب الإمارة: باب استحباب مبايعة الإمام
الجيش، حديث [67، 68/ 1856]، وابن حبان [11/ 231]، كتاب السير: باب
الموادعة والمهادنة، حديث [4875].
4 أخرجه مسلم [7/ 8- نووي]، كتاب الإمارة: باب استحباب مبايعة الإمام
الجيش، حديث [80/ 1860].
5 أخرجه البخاري [15/ 103]، كتاب الأحكام: باب كيف يبايع الإمام الناس،
حديث [7202].
6 أخرجه مسلم [7/ 52- نووي]، كتاب الإمارة: باب ثبوت الجنة للشهيد،
حديث [145/ 1901]، في حديث طويل.
7 أخرجه الحاكم [3/ 426]، مختصراً بذكر عجز الحديث وقال: صحيح على شرط
مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(4/258)
1843- قَوْلُهُ: "وَيَتَجَسَّسُ أَخْبَارَ الْكُفَّارِ" ، مُسْلِمٌ
مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ قَالَ: "قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ : "أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا
بِخَبَرِ الْقَوْمِ... " 1، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
1844- قَوْلُهُ : "وَيُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ يَوْمَ الْخَمِيسِ"،
الْبُخَارِيُّ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ"2.
1845- قَوْلُهُ: "فِي أَوَّلِ النَّهَارِ"، أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ
وَابْنُ حِبَّانَ، عَنْ صَخْرِ بْنِ وَدَاعَةَ الْغَامِدِيِّ رَفَعَهُ:
"اللَّهُمَّ، بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا3" .
قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الشِّهَابِ: هَذَا
الْحَدِيثُ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَخْرُجْ
شَيْءٌ مِنْهَا فِي الصَّحِيحِ، وَأَقْرَبُهَا إلَى الصِّحَّةِ
وَالشُّهْرَةِ؛ هَذَا الْحَدِيثُ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْقَادِرِ
الرَّهَاوِيُّ فِي أَرْبَعِينِهِ، مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ4
وَالْعَبَادِلَةِ5
__________
1 أخرجه مسلم [6/ 385- 386]، كتاب الجهاد والسير: باب غزوة الأحزاب،
حديث [99/ 1788].
2 هو جزء من حديث توبة كعب بن مالك وقد أخرجه البخاري [7/ 717- 719]،
كتاب المغازي: باب حديث كعب بن مالك، حديث [4418]، ومسلم [4/ 2120-
2128]، كتاب التوبة، حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، حديث [53/ 2769]،
والترمذي [5/ 281- 282]، كتاب التفسير: باب ومن سورة التوبة، حديث
[3102]، وابن حبان [3370]، والبيهقي في "دلائل النبوة" [5/ 273- 279]،
من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن عبد الله
بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك به مطولاً.
وقد أخرج جزءاً من هذا الحديث البخاري برقم [2757، 2947، 2948، 2949،
2950، 3088، 3556، 3889، 3901، 4673، 4676، 4677، 4678، 6255، 76690،
7225]. وأيضاً أبو داود [3320/ ]، والنسائي [2/ 53- 54]، وابن ماجة
[1393/ ]، وأحمد [6/ 390]، وابن أبي شيبة [14/ 539]، كلهم من طريق
الزهري بهذا الإسناد مختصراً.
3 أخرجه أحمد [3/ 416، 417، 431، 432، 4/ 384، 390، 390- 391]، وأبو
داود [3/ 35]، كتاب الجهاد: باب في الابتكار في السفر، حديث [2606]،
والترمذي [3/ 508]، كتاب البيوع: باب ما جاء في التبكير بالتجارة، حديث
[1212]، والنسائي في "الكبرى" [5/ 258]، كتاب السير: باب الوقت الذي
يستحب فيه توجيه السرية، حديث [8833]، وابن ماجة [2/ 752]، كتاب
التجارات: باب ما ما يرجى من البركة في البكور، حديث [2236]، وابن حبان
[11/ 62]، كتاب السير: باب الخروج وكيفية الجهاد، حديث [4754]، والبغوي
في "شرح السنة" [5/ 555- بتحقيقنا]، كتاب السير والجهاد: باب الابتكار،
حديث [2667].
قال الترمذي: حديث حسن.
4 أخرجه البزار [2/ 79]، كتاب البيوع: باب البكور في طلب الرزق، حديث
[1248]، وأحمد [1/ 153- 154، 154، 155، 156].
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" [4/ 64]: رواه عبد الله بن أحمد من
زياداته والبزار وفيه عبد الرحمن بن إسحاق وهو ضعيف.
5 أخرجه البزار [2/ 80]، كتاب البيوع: باب البكور في طلب الرزق، حديث
[1250]، والطبراني [12/ 229]، برقم [12966]، كلاهما من حديث ابن عباس.
=
(4/259)
وَابْنِ مَسْعُودٍ1، وَجَابِرٍ2 وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ3 وَأَبِي
هُرَيْرَةَ4، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ5، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ،
وَأَبِي رَافِعٍ6، وَعُمَارَةَ بْنِ وَثِيمَةَ، وَأَبِي بَكْرَةَ7،
وَبُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ8، وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ صَحَّحَهُ ابْنُ
السَّكَنِ، وَزَادَ ابْنُ مَنْدَهْ فِي مُسْتَخْرَجِهِ: وَاثِلَةَ بْنَ
الْأَسْقَعِ9، وَنُبَيْطَ بْنَ شَرِيطٍ10، وَزَادَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ
فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ": عَنْ
__________
= قال الهيثمي [4/ 64]: رواه البزار والطبراني في الكبير وفيه عمر بن
مساور وهو ضعيف.
وأخرجه ابن ماجة [2/ 752]، كتاب التجارات: باب ما يرجى من البركة في
البكور، حديث [2238]، والطبراني في [12/ 375]، برقم [13390].
كلاهم من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
1 أخرجه أبو يعلى [9/ 279- 280- 281]، برقم [5406، 5409]، والطبراني
[10/ 10490].
قال الهيثمي [4/ 64]: رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير وفيه علي بن
عابس وهو ضعيف.
2 أخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين" [3/ 355- 356]،
برقم [1951].
قال الهيثمي [4/ 65]: رواه الطبراني في "الأسط" ورجاله ثقات إلا أن شيخ
الطبراني أحمد بن مسعود المقدسي لم أجد له ترجمة.
3 أخرجه الطبراني [18/ 216]، برقم [540]، وفي "الأسط" كما في "مجمع
البحرين" [3/ 354]، برم [1948].
قال الهيثمي [4/ 65]: رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" وفيه المعلى
بن تركة وهو متروك.
4 أخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين" [3/ 356]، برقم
[1952]، وابن الجوزي [1/ 32]، برقم [528]، قال ابن الجوزي: تفرد به عبد
الله بن جعفر عن ثور، وكان عبد الله كثير الغلط.
قال الهيثمي في "المجمع" [4/ 65]: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه عبد
الله بن نجيح والد علي بن المديني وهو ضعيف.
5 أخرجه أبو يعلى [13/ 488]، برقم [7500].
قال الهيثمي في "مجمع الزوئد" [4/ 64]: رواه أبو يعلى والطبراني في
"الكبير" وفيه هشام بن زياد وهو ضعيف جداً.
6 أخرجه ابن الجوزي [1/ 321]، برقم [526]، وقال: قال الدارقطني: تفرد
به علي بن سويد عنه، وتفرد به الحسن بن عمرو بن سيف عنه، وقال علي بن
المديني والبخاري: الحسن كذاب.
7 أخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين" [4/ 355]، برقم
[1949]، وفي "الصغير" [1/ 95- 96].
قال الهيثمي في "المجمع" [4/ 65]: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"
وفيه الخليل بن زكريا وهو كذاب.
8 أخرجه ابن الجوزي [1/ 318]، برقم [516].
9 أخرجه ابن الجوزي [1/ 318]، برقم [517، 518]، وقال: ففي طريقه الأول
عمر بن هارون، قال: يحيى كذاب، خبيث. وفي الطريق الثاني حكيم بن خذام،
قال الرازي: متروك الحديث، وفيه محمد بن الوليد قال ابن عدي: كان يضع
الحديث ويوصله ويسرق.
10 أخرجه الطبراني في "الصغير" [1/ 30]، وقال الهيثمي في "مجمع
الزوائد" [4/ 64]: رواه الطبراني في "الصغير" وفيه جماعة لم أعرفهم.
(4/260)
أَبِي ذَرٍّ1، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ2، وَأَنَسٍ3، وَالْغَرْسِ بْنِ
عُمَيْرَةَ4، وَعَائِشَةِ5، وَقَالَ: لَا يَثْبُتُ مِنْهَا شَيْءٌ،
وَضَعَّفَهَا كُلَّهَا.
وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا أَعْلَمُ فِي: "اللَّهُمَّ، بَارِكْ
لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا"، حَدِيثًا صَحِيحًا6.
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ7 وَأَنَسٍ8
بِلَفْظِ: "اللَّهُمَّ، بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا، يَوْمَ
خَمِيسِهَا" ، وَفِي الْأَوَّلِ: عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛
وَهُوَ كَذَّابٌ، وَفِي الثَّانِي: عَمْرُو بن مساور؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ،
وَرَوَى أَيْضًا: "اللَّهُمَّ، بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا
يَوْمَ سَبْتِهَا، وَيَوْمَ خَمِيسِهَا" ، وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ
عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَقَالَ: هِيَ مُفْتَعَلَةٌ.
1846- قَوْلُهُ: "وَأَنْ تُعْقَدَ الرَّايَاتُ"، فِي هَذَا عِدَّةُ
أَحَادِيثَ:
مِنْهَا: حَدِيثُ سَلَمَةَ وَهُوَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" بِلَفْظِ:
"لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ
__________
1 قال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" [1/ 324]: وأما حديث أبو ذر
فتفرد به على بن هشام عن عفان كالمجهول وهو أنه وجد في كتابه فلا يعول
عليه.
2 أخرجه ابن الجوزي [1/ 317]، برقم [514]، وقال: رواه عمار بن هارون؛
قال أبو حاتم الرازي: هو متروك.
3 أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" [1/ 318- 319] من أربع طرق
برقم [519- 522]، وقال: أما في الطريق الأول: أحمد بن بشير قال يحيى:
متروك.
وفي الطريق الثاني عمار بن هارون وقد خرجناه آنفاً، وفيه عدي بن الفضل
قال الرازي: متروك الحديث.
وفي الطريق الثالث: محمد بن عيسى وروح كلاهما مطعون فيه.
والطريق الرابع تفرد به أسيد بن زيد، قال يحيى: هو كذاب.
4 أخرجه ابن الجوزي [1/ 320]، برقم [525]، وقال: يرويه يحيى بن زهدم
قال ابن حبان: يروي عن أبيه نسخة موضوعة لا يحل كتبها إلا على التعجب.
5 أخرجه ابن الجوزي [1/ 321]، برقم [527]، وقال: قال الدارقطني: تفرد
به إسماعيل بن قيس وهو منكر الحديث.
وقال أبو حاتم الرازي: مجهول ا.هـ.
6 ينظر: "علل الحديث" [2/ 268].
7 أخرجه البزار [2/ 80]، كتاب البيوع: باب البكور في طلب الرزق، حديث
[1250]، قال البزار: لا نعلم رواه إلا أبو حمزة، وعمرو، روى عنه عفان
وجماعة، ولم يكن بالقوي.
قال الهيثمي في "مجمع الزوئد" [4/ 64]: رواه البزار والطبراني في
"الكبير" وفيه عمر بن مساور وهو ضعيف.
8 أخرجه البزار [2/ 80]، كتاب البيوع: باب البكور في طلب الرزق، حديث
[1249]، قال البزار: لا نعلمه عن أنس إلا بهذا الإسناد، وعنبسة لين
الحديث.
قال الهيثمي [4/ 64]: رواه البزار وفيه عنبسة بن عبد الرحمن وهو متروك.
(4/261)
وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَأَعْطَاهَا
لِعَلِيٍّ1 " .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
"كَانَتْ رَايَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سَوْدَاءَ وَلِوَاءُهُ أَبْيَضَ2".
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ بلفظ: "كان لواؤه أَبْيَضَ، وَرَايَتُهُ
سَوْدَاءَ3".
وَفِي السُّنَنِ عَنْ الْبَرَاءِ: "كَانَتْ رَايَتُهُ سَوْدَاءَ
مُرَبَّعَةً مِنْ نَمِرٍ4".
وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ
قَوْمِهِ عَنْ آخَرَ مِنْهُمْ، قَالَ: "رَأَيْت رَايَةَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفْرَاءَ5".
وَرَوَى ابْنُ السَّكَنِ مِنْ حَدِيثِ الْعَصْرِيِّ قَالَ: "عَقَدَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَايَاتِ الْأَنْصَارِ
وَجَعَلَهُنَّ صَفْرَاءَ"6.
وَرَوَى الْحَاكِمُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ
جَابِرٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ
مكة" عام الفتح، ولواؤه أَبْيَضُ"7.
__________
1 أخرجه البخاري [6/ 230]، كتاب الجهاد والسير: باب ما قيل في لواء
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حديث [2975]، ومسلم [8/ 189-
190- نووي]، كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي
الله عنه، حديث [35/ 2407].
2 أخرجه الترمذي [4/ 196- 198]، كتاب فضائل الجهاد: باب ما جاء في
الروايات، حديث [1681]، وابن ماجة [2818].
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن عباس.
3 أخرجه الحاكم [2/ 105]، وسكت عنه، وتعقبه الذهبي بأن فيه يزيد وهو
ضعيف.
4 أخرجه أحمد [4/ 297]، وأبو داود [3/ 32]، كتاب الجهاد: باب في
الرايات والألوية، حديث [2591]، والترمذي [4/ 196]، كتاب فضائل الجهاد:
باب ما جاء في الروايات، حديث [1680]، والنسائي في "الكبرى" [5/ 181]،
كتاب السير: باب صفة الراية، حديث [8606].
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة.
5 أخرجه ابو داود [3/ 32]، كتاب الجهاد: باب في الرايات والألوية، حديث
[2593].
6 ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" [5/ 324]، عن مزيذة العبدي وقال:
رواه الطبراني وفيه محمد بن الليث الهدادي ولم أعرفه، وبقية رحاله
ثقات.
7 أخرجه أبو داود [3/ 32]، كتاب الجهاد: باب في الرايات والألوية، حديث
[2592]، والترمذي [4/ 195]، كتاب فضائل الجهاد: باب ما جاء في الألوية،
حديث [1679]، والنسائي [5/ 200]، كتاب مناسك الحج: باب دخول مكة
باللواء، حديث [2866]، وابن ماجة [2/ 941]، كتاب الجهاد: باب الرايات
والألوية، حديث [2817]، والحاكم [2/ 104]، وابن حبان [11/ 47]، كتاب
السير: باب الخروج وكيفية الجهاد، حديث [4743].
كلهم من طريق يحيى بن آدم ثنا شريك عن عمار الدهني عن أبي الزبير عن
جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك
قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن
شريك، وقال: حدثنا غير واحد عن شريك عن عمار عن أبي الزبير عن جابر أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة وعليه عمامة سوداء، =
(4/262)
وَفِي النَّسَائِيّ عَنْ أَنَسٍ: "أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَتْ
مَعَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ، فِي بَعْضِ مُشَاهَدِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"1.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
1847- قَوْلُهُ: "وَيَجْعَلُ كُلَّ أَمِيرٍ تَحْتَ رَايَةٍ"،
الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرِ فِي
قِصَّةِ الْفَتْحِ وَقِصَّةِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: "ثُمَّ مَرَّتْ
كَتِيبَةٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا، قَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ
الْأَنْصَارُ، عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمَعَهُ الرَّايَةُ"،
وَفِيهِ: "ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَرَايَتُهُ مَعَ الزُّبَيْرِ... "2، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
1848- قَوْلُهُ: "وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شِعَارًا حَتَّى لَا
يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بَيَاتًا"، النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ
عَنْ الْبَرَاءِ: "إنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ الْعَدُوَّ غَدًا، فَلْيَكُنْ
شِعَارُكُمْ: حم لَا تُنْصَرُونَ"3، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ
حَدِيثِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ، عَمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ4، وَقَالَ: صَحِيحٌ،
قَالَ: وَالرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُسَمِّهِ الْمُهَلَّبُ: هُوَ
الْبَرَاءُ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ:
حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ5، وَفِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ:
"كَانَ شِعَارُنَا لَيْلَةَ بَيَّتْنَا هَوَازِنَ: "أَمِتْ أَمِتْ"6.
__________
= قال محمد: والحديث هو هذا.
وقال أيضاً: والدهن بطن من بجيلة وعمار الدهني هو عمار بن معاوية
الدهني ويكنى أبا معاوية وهو كوفي، وهو ثقة عند أهل الحديث.
1 أخرجه النسائي في "الكبرى" [5/ 181]، كتاب السير: باب حمل الأعمى
الراية، حديث [8605].
2 أخرجه البخاري [8/ 316]، كتاب المغازي: باب أين ركز النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الراية يوم الفتح، أخرجه البخاري [4280].
3 أخرجه النسائي في "الكبرى" [6/ 157- 158]، كتاب عمل اليوم والليلة:
باب كيف الشعار، حديث [10451، 10452]، والحاكم [2/ 107].
4 أخرجه الحاكم [2/ 107].
قال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط الشيخين إلا أن فيه إرسال فإذا الرجل
الذي لم يسمعه المهلب بن أبي صفرة البراء بن عازب.
5 أخرجه النسائي في "الكبرى" [6/ 158]، كتاب عمل اليوم واليلة: باب كيف
الشعار، حديث [10453]، وأخرجه أبو داود [3/ 33]، كتاب الجهاد: باب في
الرجل ينادي بالشعار، حديث [2597].
6 أخرجه أحمد [4/ 46]، وأبو داود [3/ 33]، كتاب الجهاد: باب في الرجل
ينادي بالشعار، حديث [2596]، [3/ 43- 44]، كتاب الجهاد: باب في الديات،
حديث [2638]، والنسائي في "الكبرى" [5/ 271]، كتاب السير: باب الشعار،
حديث [8862]، وابن ماجة [2/ 947]، كتاب الجهاد: باب الغارة والبيات
وقتل النساء والصبيان، حديث [2840]، وابن حبان [11/ 48، 52، 53]، كتاب
السير: باب الخروج وكيفية الجهاد، حديث [4744، 4747، 4748]، والبيهقي
[6/ 361]، كتاب قسم الفيء والغنيمة: باب ما جاء في شعار القبائل ونداء
=
(4/263)
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: "جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَ
بَدْرٍ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَالْخَزْرَجَ: عَبْدَ اللَّهِ... "1،
الْحَدِيثَ . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: جَعَلَ شِعَارَ
الْأَزْدِ: "يَا مَبْرُورُ، يَا مَبْرُورُ"2.
1849- قَوْلُهُ: "وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْخَلَ دَارُ الحرب بتعبية
الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَهْيَبُ"، التِّرْمِذِيُّ
وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: "عَبَّأَنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ"3، وَفِي حَدِيثِ
عُرْوَةَ الطَّوِيلِ الْمُتَقَدِّمِ: "أَنَّهُمْ مَرُّوا قَبِيلَةً
قَبِيلَةً".
1850- قَوْلُهُ: "وَأَنْ يَسْتَنْصِرَ بِالضُّعَفَاءِ" ، الْبُخَارِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ؛ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ
لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَّا
بِضُعَفَائِكُمْ" 4، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ
الثَّلَاثَةِ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
الدَّرْدَاءِ5.
__________
= كل قبيلة، والحاكم [2/ 107]، كلهم من طريق عن عكرمة بن عمار عن إياس
بن سلمة عن أبيه سلمة عن الأكوع رضي الله عنه.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
1 أخرجه الحاكم [2/ 106]، وقال: هذا حديث غريب صحيح الإسناد، ولم
يخرجاه، إنما أخرجا في الشعار حديث الزهري عن كثير بن العباس عن أبيه
لما كان يوم حنين انهزم، الحديث بطوله يذكر فيه شعار القبائل.
وتعقبه الذهبي بأن فيه: يعقوب وإبراهيم وهما ضعيفان.
2 أخرجه الحاكم [2/ 106]، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه
الذهبي بأن فيه إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي منكر الحديث.
3 أخرجه الترمذي [4/ 194]، كتاب فضائل الجهاد: باب ما جاء في الصف
والتعبئة عند القتال، حديث [1677].
قال الترمذيذ: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الرجل، وسألت محمد بن
إسماعيل عن هذا الحديث فلم يعرفه. وقال محمد بن إسحاق: سمع من عكرمة،
وحين رأيته كان حسن الرأي في محمد بن حميد الرازي ثم صعفه بعد.
4 أخرج البخاري [6/ 184]، كتاب الجهاد والسير: باب من استعان بالضعفاء
والصالحين في الحرب، حديث [2896]، والنسائي [6/ 45]، كتاب الجهاد: باب
الاستنصار بالضعيف، حديث [3178].
5 أخرجه أحمد [5/ 198]، وأبو داود [3/ 32]، كتاب الجهاد: باب الانتصار
برذل الخيل والضعفة، حديث [2594]، والترمذي [4/ 706]، كتاب الجهاد: باب
ما جاء في الاستفتاح بصعاليك المسلمين، حديث [1702]، والنسائي [6/ 49]،
كتاب الجهاد: باب الاستنصار بالضعيف، حديث [3179]، وابن حبان [11/ 85]،
كتاب السير: باب الخروج وكيفية الجهاد، حديث [4767]، والحاكم [2/ 145].
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(4/264)
1851- قَوْلُهُ: "وَأَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ"،
أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ:
"سَاعَتَانِ تُفْتَحُ فِيهِمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ: عِنْدَ حُضُورِ
الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ الصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"1، وَفِي رِوَايَةٍ
لِابْنِ حِبَّانَ: "عِنْدَ النِّدَاءِ بِالصَّلَاةِ وَالصَّفِّ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ" ، وَلِلْحَاكِمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: "إذَا نَادَى
الْمُنَادِي فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَاسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ،
فَمَنْ نَزَلَ بِهِ كَرْبٌ أَوْ شِدَّةٌ فَلْيَتَحَيَّنْ الْمُنَادِيَ"
2.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: "الدُّعَاءُ
يُسْتَجَابُ، وَتُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ فِي أَرْبَعَةِ
مَوَاطِنَ: عِنْدَ الْتِقَاءِ الصُّفُوفِ، وَنُزُولِ الْغَيْثِ،
وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَرُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ" 3، وَإِسْنَادُهُ
ضَعِيفٌ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "الصَّغِيرِ" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
عُمَرَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَقَالَ بَدَلَ "رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ":
"دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ": وَزَادَ: "وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ"4.
1852- قَوْلُهُ: "وَأَنْ يُكَبِّرَ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ فِي رَفْعٍ
الصوت" .
أَمَّا التَّكْبِيرُ: فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ: "صَبَّحَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ،
فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ
خَرِبَتْ خَيْبَرُ5... " ، الْحَدِيثَ.
__________
1 أخرجه أبو داود [3/ 21]، كتاب الجهاد: باب الدعاء عند اللقاء،
والدارمي [1/ 272]، كتاب الصلاة: باب الدعاء عند الأذان، وابن حبان [5/
60- 61]، كتاب الصلاة: باب فضل الصلوات الخمس: باب صفة الصلاة، حديث
[1720، 1764]، والحاكم [1/ 198]، وابن الجارود [1065/ ]، والطبراني [6/
135]، وبرقم [5756]، وابن حزيمة [1/ 219]، برقم [419]، كلهم من حديث
سهل بن سعد مرفوعاً.
واخرجه مالك [1/ 70]، كتاب الصلاة: باب ما جاء في النداء للصلاة، حديث
[7]، موقوفاً على سهل بن سعد رضي الله عنه.
2 أخرجه الحكم [1/ 546- 547]، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.
قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بأن فيه عفير وهو
واه جداً.
3 أخرجه البيهقي [3/ 360]، كتاب صلاة الاستسقاء: باب طلب الإجابة عند
نزول الغيث.
4 أخرجه الطبراني في "الصغير" [1/ 169]، وفي "الأوسط" كما في "مجمع
البحرين" [2/ 5- 6]، برقم [617].
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" [1/ 333]، رواه الطبراني في "الأوسط"
و"الصغير" وفيه حفص بن سليمان الأسدي ضعفه البخاري ومسلم وابن معين
والنسائي وابن المديني. ووثقه أحمد وابن حبان إلا أنه قال الأزدي مكان
الأسدي.
5 أخرجه البخاري [2/ 107]، كتاب الأذان: باب ما يحقن من الأذن من
الدماء برقم [610]، 5721 كتاب الصلاة: باب ما يذكر في الفخذ رقم [371]،
[2/ 507، 508]، كتاب الخوف: باب التكبير والغلس بالصبح، والصلاة عند
الإغارة والحرب، رقم [947]، [4/ 489]، كتاب البيوع: باب بيع العبد
والحيوان بالحيوان نسيئة رقم [2228]، طرفا منه [4/ 494]، كتاب البيوع:
باب هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرئها، رقم [2235]، [6/ 98]، كتاب
الجهاد والسير: باب فضل الخدمة في الغزو، رقم [2889]، [6/ 101، 102]،
كتاب الجهاد والسير: باب من غزا بصبي للخدمة، رقم [2893]، [6/ 130]،
كتاب الجهاد والسير: باب دعاء =
(4/265)
وَأَمَّا عَدَمُ رَفْعِ الصَّوْتِ: فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي
مُوسَى: "إنكم لا تدعون أصم وَلَا غَائِبًا... " ، الْحَدِيثَ1.
1853- قَوْلُهُ: "وَأَنْ يُحَرِّضَ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ، وَعَلَى
الصَّبْرِ، وَعَلَى الثَّبَاتِ" ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ أَبِي أَوْفَى2، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى: "الْجَنَّةُ
تَحْتَ ظِلَالِ
__________
= النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإسلام والنبوة، رقم
[2943- 2945]، [6/ 156]، كتاب الجهاد والسير: باب التكبير عند الحرب،
رقم [2991]، [6/ 222، 223]، كتاب الجهاد والسير: باب ما يقول إذا رجع
من الغزو، رقم [3085- 3086]، [6/ 223، 224]، كتاب الجهاد والسير: باب
الصلاة إذا قدم من سفر، رقم [3087]، [6/ 732]، كتاب المناقب: باب [28]،
رقم [3647]، [7/ 436]، كتاب المغازي: باب أحد جبل يحبنا ونحبه رقم
[4083- 4084]، [7/ 534]، كتاب المغازي: باب غزو خيبر، رقم [4197- 4198-
4200- 4201]، [7/ 547]، كتاب المغازي: باب غزوة خيبر، رقم [4211- 4212-
4213]، [9/ 29]، كتاب النكاح: باب اتخاذ السراري، من أعتق جارية ثم
تزوجها، رقم [5085]، [9/ 132]، كتاب النكاح: باب البناء في السفر، رقم
[5159]، [9/ 140]، كتاب النكاح: باب الوليمة ولو بشاة، رقم [5169]، [9/
440]، الخوان والسفرة، رقم [5387]، [9/ 465]، كتاب الأطعمة: باب الحيس،
رقم [5425]، [9/ 466]، كتاب الأطعمة: باب ذكر الطعام، رقم [4428]، [9/
570]، كتاب الذبائح والصيد: باب لحوم الحمر الإنسية، رقم [5528]، [10/
26]، كتاب الأضاحي: باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود منها، رقم
[5968]، [10/ 26]، كتاب الأضاحي: باب يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود
منها، رقم [5968]، [10/ 584]، كتاب الأطعمة: باب قول الرجل: جعلني الله
فداك، رقم [6185]، [11/ 177]، كتاب الدعوات: باب التعوذ من غلبة
الرجال، رقم [6363]، [11/ 182]، كتاب الدعوات: باب الاستعداد من الجبن
والكسل، رقم [6369]، [13/ 316]، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب إثم
من دعا إلى ضلالة أو سن سنة سيئة، رقم [7333]، ومسلم [2/ 1043، 1044]،
كتاب النكاح: باب فضيلة إعتقه أمة ثم يتزوجها، رقم [84/ 1365]،
والنسائي [6/ 131، 132، 133، 134]، كتاب النكاح: باب البناء في السفر
[163- 164- 186- 206- 246- 263- 270- 271]، والبيهقي [2/ 230]، كتاب
الصلاة: باب من زعم أن الفخذ ليست بعورة، وما قيل في السرة والركبة،
[9/ 55]، كتاب السير: باب قسمة الغنيمة في دار الحرب، [9/ 79، 80]،
كتاب السير: باب قتل النساء والصبيان في التبييت والغارة من غير قصد،
وما ورد في إباحة التبييت، وابن حبان [11/ 51، 52]، كتاب السير: باب
ذكر البيان بأن على المرء إذا أتى دار الحرب أن لا يشن الغارة حتى
يصبح، رقم [4747]، ومالك في "الموطأ" [2/ 468- 469]، كتاب السير: باب
الخروج وكيفية الجهاد، رقم [48]، والترمذي [4/ 121]، كتاب السير: باب
في البيات والغارات رقم [1550].
1 أخرجه البخاري [7/ 537]، كتاب المغازي: باب غزوة خيبر، حديث [4205]،
وفي [11/ 217]، كتاب الدعوات: باب قول لا حول ولا قوة إلا بالله، حديث
[6409]، وباب الدعاء إذا علا عقبة، حديث [6384]، وفي [13/ 384]، كتاب
التوحيد: باب وكان الله سميعاً بصيراً، حديث [7386]، ومسلم [4/ 2076]،
كتاب الذكر والدعاء: باب استحباب خفض الصوت بالذكر، حديث [44/ 2704].
2 أخرجه البخاري [6/ 223]، كتاب الجهاد والسير: باب كان النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى
نزول الشمس، حديث [2966]، وأطرافه في [2818، 2833، 3024، =
(4/266)
السُّيُوفِ" 1.
1854- قَوْلُهُ: "وَلَا يُقَاتَلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ
حَتَّى يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ" 2، سَبَقَ فِي
__________
= 7237]، ومسلم [6/ 304- أبي]، كتاب الجهاد والسير: باب كراهية تمني
لقاء العدو والأمر بالصبر عند اللقاء، حديث [20/ 1742]، وفيه أنه قال
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا أيها الناس: لا تتمنوا لقاء
العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة
تحت ظلال السيوف" .
1 أخرجه مسلم [6/ 637- 638]، كتاب الإمارة: باب ثبوت الجنة للشهيد،
حديث [146/ 1902].
2 أرسل الله محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الناس كافة،
وأمره بتبليغ رسالته، والدعوة إلى الإيمان بها، ثم أذن له في قتال
المغرضين المستكبرين، وقد اتفق العلماء على أن تبليغ الدعوة الإسلامية
أمر يقضي به منصب النبوة وهو مقتضى الرسالة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ
بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ
فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67]. وهذا التبليغ لا محل
للكلام فيه، وإنما الكلام في أنه إذا أراد المسلمون قتال قوم، فهل يجب
عليهم أن يدعوهم قبل الشروع في القتال دعوة خاصة غير التبليغ الذي وجب
بمقتضى الرسالة؟ أو يصح لهم أن يفاجئوهم من غير تجديد لدعوتهم.
وهنا اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: عدم وجوبها، وإليه ما فريق من العلماء.
المذهب الثاني: وجوبها مطلقاً، سواء بلغتهم الدعوة قبل ذلك أم لا؛
وإليه ذهب الإمام مالك، والهادوية.
والمذهب الثالث: التفضيل، وهو أنه إذا لم تكن الدعوة العامة قد بلغتهم
وجبت دعوتهم قبل القتال، وإذا كانت قد بلغتهم لم تجب دعوتهم، بل تستحب
وهو مذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وأكثر أهل العلم.
الأدلة: استدل القائلون بعدم الوجوب، بما جاء في حديث متفق عليه عن ابن
عوف قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال فكتب إلي: إنما كان
ذلك في أول الإسلام، وقد أغار رسول الله صلى الله على بني المصطلق وهم
غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى دراريهم وأصاب يومئذ
جويرية ابنة الحارث، حدثني به عبد الله بن عمر وكان في ذلك الجيش. فدل
هذا الحديث على عدم وجوب الدعوة قبل القتال. لأنها قد انتشرت وعمت ولم
يبق ممن لم تبلغهم الدعوة إلا النادر القليل.
واستدل الإمام مالك ومن معه على الوجوب مطلقاً: بحديث بريدة حيث قال:
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا لقيت عدوك من المشركين
فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم" .
رواه أحمد ومسلم فذكر الإسلام ثم الجزية ثم القتال. وهو ظاهر في
الإطلاق، بلغتهم الدعوة أم لا.
واستدل المفصلون على وجوب الدعوة قبل القتال لمن لم تسبق دعوتهم بما
رواه أحمد عن ابن عباس قال: ما قاتل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قوماً قط إلا دعاهم، ولأنهم بالدعوة إلى الإسلام يعلمون أننا
نقاتلهم على الدين لا على شيء آخر من الأموال والنساء والذراري وغير
ذلك من متاع الدنيا، فلعلهم يستجيبون لداعي الهدى فيحصل المقصود من غير
احتياج إلى قتال وسفك دماء وعلى ذلك يكون من قاتل قبل الدعوة آثماً.
وللعلماء في حكم التضمين خلاف ليس هذا محله. =
(4/267)
حَدِيثِ بُرَيْدَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَفِيهِ: "وَإِذَا
لَقِيت عَدُوَّك فَادْعُهُمْ إلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ... " ، الْحَدِيثَ1.
وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ قَالَ: "مَا قَاتَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا حَتَّى
دَعَاهُمْ"2، وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ.
وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ فَرْوَةَ بْنِ مَسِيكٍ، قَالَ: "قَالَ لِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا
تُقَاتِلْهُمْ حَتَّى تَدْعُوَهُمْ إلى الإسلام" .
__________
= وأما من بلغتهم الدعوة فلا يجب علينا أن ندعوهم مرة أخرى ولكن يستحب
فقط مبالغة في الإنذار وقطعاً لحجتهم، وإنما لم تجب لما رواه أحمد
والبخاري عن البراء بن عازب أنه قال: بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رهطاً من الأنصار إلى أبي رافع فدخل عبد الله بن
عتيك بيته ليلاً فقتله وهو ثائم.
ولما روي من الإغارة على بني المصطلق وهم غازون، ويرون أن بهذا التفصيل
يمكن الجمع بين الأحاديث المختلفة.
مناقشة الأدلة: أما القائلون بعدم الوجوب مطلقاً فيرد عليهم ما جاء في
حديث بريدة من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ادعهم إلى
الإسلام" فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أمر بالدعوة
والأمر ظاهر في الوجوب، فأما القائلون بالوجوب مطلقاً فيرد عليهم ما
روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أغار على بني
المصطلق وهم غارون، ولو كانت الدعوة واجبة مطلقاً ما أغار عليهم من غير
دعوة. ولهم أن يجيبوا بأن ذلك فعل، وهو يحتمل الخصوصية دون القول والذي
نختاره هو مذهب الجمهور القائل بالتفصيل لما سبق من أن فيه جمعاً بين
الأدلة، وبأن وجوب الدعوة معلل باحتمال قبول العدو الإسلام لو عرض عليه
قبل القتال وإلزامه الحجة، فإذا سبقت الدعوة وعلمت فقد انتهت هذه العلة
فينتهي حكم الوجوب بانتهائها، ولم يبق إلا المبالغة في الإنذار فلذلك
ندعوهم للإسلام وعلى ما قلنا من انتهاء الوجوب لانتهاء العلة يحمل فعله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إغارته على بني المصطلق وهم
غافلون.
وهذا مذهب وسط، وجدير بالاعتبار والتقديم على غيره عند المقارنة، فلم
يذهب إلى وجوب الدعوة مطلقاً ولو كانت قد بلغتهم، لأن ذلك يضر المسلمين
ويضيع عليهم فوائد كثيرة، لأنهم لو اشتغلوا بالدعوة حينئذ ربما راوغهم
الأعداء، حتى يتحصنوا ويستعدوا للمسلمين فلا نقدر عليهم بعد ذلك، ولم
يذهب إلى عدم الوجوب مطلقاً لأن ذلك يجعل حجة الكفار قائمة علينا، وقد
يكونون مستعدين لقبول الإسلام لو عرضناه عليهم فيفوت الغرض الأصلي من
الجهاد وهو نشر دين الإسلام وإذاعة تعالميمه بين الناس لهدايتهم
أجمعين.
ينظر: "الجهاد" لشيخنا شحاتة محمد شحاتة.
1 أخرجه مسلم [6/ 279 وما بعدها- أبي]، كتاب الجهاد والسير: باب تأمير
الإمام الأمراء على البغوث، ووصية إياهم بآداب الغزو، حديث [3/ 1731]،
وقد تقدم تخريج الحديث في أول هذا الباب.
2 أخرجه أحمد [1/ 236]، والحاكم [1/ 15].
قال الحاكم: هذا حديث صحيح من حديث الثوري ولم يخرجاه، وقد احتج مسلم
بأبي نجيح والد عبد الله واسمه يسار وهو من موالي المكيين.
(4/268)
1855- وَقَوْلُهُ: "رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اسْتَعَانَ بِيَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ1 فِي بَعْضِ الغزوات،
__________
1 اتفق الفقهاء على أن المسلمين إذا لم يأمنوا جانب الكافر وخافوا منه
إفشاء السر للأعداء، لا يجوز لهم الاستعانة به لا في الحرب، لأن
الاستعانة به في هذه الحالة تؤدي إلى نقيض المقصود منها، وهو نصرة
المسلمين وإعلاء كلمة الله ولا في خدمة الجيش والأعمال التمهيدية كحفر
الخنادق وبناء الحصون، وتمهيد الطرق، وإصلاح آلات الحرب وغير ذلك.
واختلفوا فيما عدا ذلك، فذهب الإمام مالك وأحمد في رواية عنه إلى أنه
يحرم الاستعانة بالكفار في الجهاد وبهذا قال ابن المنذر، والجوزجاني،
وجماعة من أهل العلم وذهب الإمام أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد في رواية
أخرى إلى جواز الاستعانة بهم وشرط الشافعي مع أمن خيانتهم كونهم بحيث
لو انظم المستعان به إلى العدو قاومناهم.
الأدلة: استدل المانعون بما يأتي:
أولاً: ما رواه أحمد ومسلم عن عائشة قالت: خرج النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل كانت تذكر
منه جرأة ونجدة ففرح به أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حين رأوه، فلما قال: جئتك لأتبعك فأصيب معك قال له رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تؤمن بالله ورسوله" ؟ قال: لا،
قال: "ارجع فلن أستعين بمشرك" . قالت: ثم قضى حتى إذا كان بالشجرة
أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة، قال له النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال أول مرة فقال: لا، قال: فارجع فلن أستعين
بمشرك، قالت: فأدركه بالبيداء فقال له كما قال أول مرة تؤمن بالله
ورسوله؟ قال: نعم، فقال له فانظلق.
ثانياً: ما رواه الإمام أحمد عن خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده
قال: أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يريد غزوا أنا
ورجل من قومي ولم يسلم فقلنا إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهداً لا نشهده
معهم، فقال: أسلمتما؟ فقلنا لا، فقال: إنا لا نستعين بالمشركين على
المشركين فأسلمنا وشهدنا معه. ففي هذين الحديثين نفي صريح للاستعانة
بعموم المشركين، لأن لفظ مشرك نكرة في سياق النفي ولفظ المشركين في
الحديث الثاني جمع معرف بأداة الاستغراق فيفيد العموم، ولم يقبل منهم
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاستعانة في القتال مع شدة
رغبتهم فيه حتى أسلموا.
ثالثاً: إن الكافر لا يؤمن مكره وغدره لخبث طويته، والحرب تقتضي
المناصحة، والكافر ليس من أهلها. وقد نوقش الدليلان الأولان بأنهما لا
يدلان على عدم جواز الاستعانة بالمشركين، وإنما كان رد رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن رد؛ لأنه تفرس فيهم الرغبة في
الإسلام فردهم رجاء أن يسلموا، وقد صدق الله ظنه.
وقد ردت هذه المناقشة بأن الحديثين عامان في المنع من الاستعانة بمن
طلب الإعانة وغيره.
أدلة المجيزين: استدل المجيزون بما يأتي:
أولاً : ما رواه الإمام الشافعي، وأبو يوسف عن الحسن بن عمارة عن الحكم
بن مقسم عن ابن عباس قال: استعان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بيهود بني قينقاع فرضخ لهم ولم يسهم.
ثانياً : ما رواه أبو داود في "مراسيله" عن الزهري أن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعان بناس من اليهود في خيبر في حربه
فأسهم لهم.
ثالثاً : ما رواه أحمد وأبو داود عن ذي مخبر قال: سمعت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ستصالحون الروم صلحاً تغزون
أنتم، وهم عدوا من ورائكم" فأخبر عليه الصلاة والسلام بأن المسلمين
سيحصل منهم التعاون مع الروم وإخباره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صدق لا شك فيه، ولم يذكر ما يدل على أنه ممنوع. =
(4/269)
وَوَضَعَ1 لَهُمْ"، أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ"،
وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
= رابعاً: هناك حوادث أخرى اشتهرت عند أهل السير يفيد الاستعانة بهم
كما في "زاد المعاد"، و"عيون الأثر" والشوكاني منها أن قزمان خرج مع
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مشرك فقتل ثلاثة من
بني عبد الدار حملة لواء المشركين حتى قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله ليأزر هذا الدين بالرجل الفاجر، ومنها أن
خزاعة خرجت مع النبي صلى الله على قريش عام فتح مكة، ومنها أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار من صفوان بن أمية دروعاً
وأشياء أخرى يستعان بها في الحرب، وكان صفوان في ذلك الوقت مشركاً.
وأجابوا عن حديث عائشة، وحديث خبيب رضي الله عنهما بأنهما منسوخان، لأن
المنع من الاستعانة كان في أول الأمر ثم استعان بهم النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة خيبر سنة ست من الهجرة فتكون ناسخة
لما قبلها.
مناقشة الأدلة: ونوقشت أدلة المجيزين بما يأتي:
أولاً: الحديث الأول في سنده الحسن بن عمارة وهو ضعيف فلا يحتج به.
ثانياً: والحديث الثاني أرسله الزهري، وكان يحيى بن القطان لا يرى
مراسيل الزهري شيئاً ويقول هي بمنزلة الريح.
ثالثاً: حديث ذي مخبر ليس في استعانة المسلمين بأفراد من الكفار وإنما
هو في التحالف معهم ضد عدو مشترك.
رابعاً: يقال في حديث فزمان أنه لم يبين طريقه ليمكن الحكم عليه ولو
سلمت صحته فلم يثبت أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن بذلك في
الابتداء، وغاية ما فيه أنه يجوز للإمام السكوت عن كافر قاتل مع
المسلمين تبرعاً منه من غير استعانة منهم به، وأما خزاعة فقد كانوا
حلفاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأهم من ذلك أنهم
كانوا في ذلك الوقت مسلمين بدليل قول عمران بن سالم الخزاعي حين وفد
على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستنصره على بني بكر
وقريش: [الرجز]
يا رب إني ناشد محمداً ... حلف أبينا وأبيه الأتلد
قد كنتم ولداً وكنا والداً ... ثمت أسلمنا فلم ننزع يداً
إلى أن قال:
هم بيتونا بالوتير هجداً ... وقاتلونا ركعاً وسجداً
وأما حديث صفوان فهو في غير محل النزاع، لأن ما فيه أن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعان بالسلاح والكلام في الاستعانة
بالرجال، والفرق والضح.
ومن هذه المناقشة يظهر أن أدلة المجيزين لا ينهض للاستدلال فضلاً عن
كونها تعارض أدلة المنع، ولو صح أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ استعان بأحد من المشركين لأمكن أن نجعله مخصوصاً من عموم
المنع للمصلحة؛ ولأمكن أن نقيس عليه مثله مما يكون في الاستعانة به
مصلحة للمسلمين، ولكن لم يظهر ذلك بعد أن استوعبنا كل ما ورد في الباب
من الأحاديث والآثار.
ينظر: "الجهاد" لشيخنا شحاتة محمد شحاتة.
1 الرضخ في اللغة: إعطاء القليل.
وفي الشرع إعطاء شيء دون سهم المجاهد يجتهد الإمام في قدره لأنه لم يرد
عن الشرع فيه تحديد، فيرجع فيه إلى رأي الإمام، وعليه أن يفاوت بين
المرضخ لهم فيعطي كلا بمقدار نفعه وغنائه وما يقوم به من عمل، واستثنى
الحنفية الذمي يقوم بنوع من الدلالة فجوزوا زيادة رضخه =
(4/270)
اسْتَعَانَ بِنَاسٍ مِنْ الْيَهُودِ فِي حَرْبِهِ، وَأَسْهَمَ لَهُمْ"
1، وَالزُّهْرِيُّ مَرَاسِيلُهُ ضَعِيفَةٌ.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَا الْحَسَنُ بْنُ
عُمَارَةَ، عَنْ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ:
"اسْتَعَانَ... " فَذَكَرَ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَزَادَ:
"وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ2" ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: "لَمْ أَجِدْهُ
إلَّا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ،
وَالصَّحِيحُ مَا أَنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فَسَاقَ
بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا خَلَفَ
ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ، إذَا كَتِيبَةٌ، قَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟
قَالُوا: بَنِي قَيْنُقَاعَ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ،
قَالَ: "وَأَسْلَمُوا" ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: قُلْ لَهُمْ:
"فَلْيَرْجِعُوا؛ فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ" 3.
حَدِيثٌ: "أَنَّ صَفْوَانَ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرْبَ حُنَيْنٍ وَهُوَ مُشْرِكٌ"، تَقَدَّمَ فِي
قَسْمِ الصَّدَقَاتِ.
1856- حَدِيثُ عَائِشَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَرَجَ إلَى بَدْرٍ، فَتَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ،
فَقَالَ: "تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ" ؟ قَالَ: لَا، قَالَ:
"فَارْجِعْ؛ فَلَنْ نَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ... " ، الْحَدِيثَ.
مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِهَا4، وَعَنْ خَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ خَبِيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ خَبِيبِ بْنِ إسَافٍ قَالَ:
"أَقْبَلْت أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُرِيدُ غَزْوًا، فَقُلْت: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا نَسْتَحْيِيَ أَنْ يَشْهَدَ قَوْمُنَا
مَشْهَدًا لَا نَشْهَدُهُ مَعَهُمْ، فَقَالَ "أَسْلَمْتُمَا"؟
فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: "فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ...
" ، الْحَدِيثَ5.
__________
= على السهم إذا كان في دلالته منفعة عظيمة، ولا يلزم من ذلك تسويته
بالمجاهدين لأن ما يأخذه بمنزلة الأجرة، فيعطى بالغاً ما بلغ.
من يرضخ له؟
ذهب الجمهور من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، إلى أنه لا يسهم
للمرأة، والصبي، والعبد، بل يرضخ لهم، وذهب الإمام مالك في المشهور عنه
إلى أن الذين لا يسهم لهم لا يرضخ لهم أيضاً، وله في الصبي إن أجيز
وقاتل خلاف:
وحكى الشوكاني عن الأوزاعي أنه يسهم للمرأة، والصبي وهذا هو مشهور
المذاهب.
ينظر: "الجهاد" لشيخنا شحاتة محمد شحاتة.
1 أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" [2/ 331]، برقم [2790]، قال: نا سفيان
عن زيد بن يزيد بن جابر عن الزهري فذكره.
ومن طريقه أبو داود في "المراسيل" ص [224]، برقم [281].
وعلقه الترمذي عن الزهري مرسلاً [4/ 128]، كتاب السير: باب ما جاء في
أهل الذمة يغزون مع المسلمين هل يسهم لهم، عقب حديث [1558].
2 أخرجه الشاعفي في "الأم" [7/ 563]، كتاب سير الأوزاعي: باب سهم
الفارس والراجل وتفضيل الخيل.
3 أخرجه البيهقي [9/ 37]، كتاب السير: باب ما جاء في الاستعانة
بالمشركين.
4 أخرجه مسلم [6/ 437- نووي]، كتاب الجهاد والسير: باب كراهية
الاستعانة في الغزو بكافر، حديث [150/ 1817].
5 أخرجه أحمد [3/ 454]، والطبراني [4/ 223- 224]، برقم [4194- 4196]. =
(4/271)
وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي قَبْلَهُ بِأَوْجُهٍ ذَكَرَهَا
الْمُصَنِّفُ، مِنْهَا. وذكره الْبَيْهَقِيُّ عَنْ نَصِّ
الشَّافِعِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَفَرَّسَ فِيهِ الرَّغْبَةَ فِي الْإِسْلَامِ، فَرَدَّهُ رَجَاءَ أَنْ
يُسْلِمَ فَصَدَقَ ظَنُّهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ التَّنْكِيرِ
فِي سِيَاقِ النَّفْيِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَفِيهِ
النَّظَرُ بِعَيْنِهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ كَانَتْ مَمْنُوعَةً، ثُمَّ رُخِّصَ
فِيهَا، وَهَذَا أَقْرَبُهَا، وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ.
حَدِيثٌ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْغَزْوِ، وَمَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ
ابْنِ سَلُولَ، تَقَدَّمَ.
حَدِيثٌ: "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا" ،
تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ.
1 857- قَوْلُهُ: "وَيُرْوَى: "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ حَاجًّا
أَوْ مُعْتَمِرًا؛ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ" ، الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ
قانع من حديث حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ بلفظ: "من جهز غازيا أَوْ
حَاجًّا أَوْ فَطَّرَ صَائِمًا؛ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، مِنْ
غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا"1، وَسِيَاقُ ابْنِ
قَانِعٍ أَتَمُّ، وَأَمَّا زِيَادَةُ الْمُعْتَمِرِ فَرَوَاهَا
الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي "كِتَابِ الْجِهَادِ"
لَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، بِسَنَدٍ وَاهٍ.
1858- حَدِيثٌ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَنَعَ أَبَا بَكْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ قَتْلِ ابْنِهِ عَبْدِ الرحمن،
وأبا حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ يَوْمَ بَدْرٍ"،
الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ ابْنِ
أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَهِدَ أَبُو حُذَيْفَةَ
بَدْرًا، وَدَعَا أَبَاهُ عُتْبَةَ إلَى الْبِرَازِ، فَمَنَعَهُ عَنْهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ
الْوَاقِدِيُّ: وَلَمْ يَزَلْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
عَلَى دِينِ قَوْمِهِ فِي الشِّرْكِ، حَتَّى شَهِدَ بَدْرًا مَعَ
الْمُشْرِكِينَ، وَدَعَا إلَى الْبِرَازِ، فَقَامَ إلَيْهِ أَبُو
بَكْرٍ لِيُبَارِزَهُ، فَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: مَتِّعْنَا بِنَفْسِك، ثُمَّ
إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَسْلَمَ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ2.
تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ دَاوُد شَارِحُ الْمُخْتَصَرِ: ابْنُ أَبِي
بَكْرٍ هَذَا الْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدٍ؛
فَإِنَّهُمَا وُلِدَا فِي الْإِسْلَامِ، انْتَهَى.
وَقَدْ عَرَفْت مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْوَاقِدَيَّ
ضَعِيفٌ. وَقَوْلُ ابْنِ دَاوُد: "إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وُلِدَ فِي
الْإِسْلَامِ" مَرْدُودٌ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ
رِوَايَةِ أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي
__________
= قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" [5/ 306]، رواه أحمد والطبراني ورجال
أحمد ثقات.
1 أخرجه الطبراني [5/ 244- 246]، برقم [5225- 5234] بنحوه.
2 أخرجه الحاكم [3/ 223]، طرفاً منه وأخرجه البيهقي [8/ 186]، باب ما
يكره لأهل العدل من أن يعمد قتل ذي رحمه من أهل البغي.
(4/272)
بَكْرٍ لِأَبِيهِ: قَدْ رَأَيْتُك يَوْمَ أُحُدٍ فَضِفْت عَنْك،
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَوْ رَأَيْتُك لَمْ أَضِفْ عَنْك"،
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَيُّوبَ أَيْضًا1،
وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ إرْسَالِهِ.
تَنْبِيهٌ آخَرُ: تَفَطَّنَ الرَّافِعِيُّ لِمَا وَقَعَ لِلْغَزَالِيِّ
فِي "الْوَسِيطِ" مِنْ الْوَهْمِ فِي قَوْلِهِ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُذَيْفَةَ وَأَبَا بَكْرٍ عَنْ
قَتْلِ أَبَوَيْهِمَا"، وَهُوَ وَهْمٌ شَنِيعٌ، تَعَقَّبَهُ ابْنُ
الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَا يَخْفَى هَذَا
عَلَى مَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى عِلْمٍ مِنْ النَّقْلِ، أَيْ لِأَنَّ
وَالِدَ حُذَيْفَةَ كَانَ مُسْلِمًا، وَوَالِدَ أَبِي بَكْرٍ لَمْ
يَشْهَدْ بَدْرًا.
1859- قَوْلُهُ: "رُوِيَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ
قَتَلَ أَبَاهُ حِينَ سَمِعَهُ يَسُبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صنيعه"، أبو دا ود فِي "الْمَرَاسِيلِ"
وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: "جَاءَ
رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي لَقِيت الْعَدُوَّ وَلَقِيت أَبِي فِيهِمْ،
فَسَمِعْت مِنْهُ مَقَالَةً قَبِيحَةً، فَطَعَنْته بِالرُّمْحِ
فَقَتَلْته، فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَنِيعَهُ"2، هَذَا مُبْهَمٌ، وَرَوَى الْحَاكِمُ
وَالْبَيْهَقِيُّ مُنْقَطِعًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبٍ
قَالَ: جَعَلَ أَبُو أَبِي عُبَيْدَةِ بْنِ الْجَرَّاحِ يَنْعَتُ
الْآلِهَةَ لِأَبِي عُبَيْدَةَ يَوْمَ بَدْرٍ وَجَعَلَ أَبُو
عُبَيْدَةَ يَحِيدُ عَنْهُ، فَلَمَّا أكثر قصده أَبُو عُبَيْدَةَ
فَقَتَلَهُ3، وَهَذَا مُعْضِلٌ، وَكَانَ الْوَاقِدِيُّ يُنْكِرُهُ
وَيَقُولُ: مَاتَ وَالِدُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ.
1860- حَدِيثٌ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ" مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ4.
__________
1 أخرجه الحاكم [3/ 475]، وسكت عنه هو والذهبي.
2 أخرجه أبو داود في "المراسيل" [328]، والبيهقي [9/ 27]، كتاب السير:
باب المسلم يتوقى في الحرب قتل أبيه ولو قتله لم يكن به بأس.
كلاهما عن إسماعيل بن سميع الحنفي عن مالك بن عمير به.
قال البيهقي: وهذا مرسل جيد.
3 أخرجه الحاكم [3/ 265] وسكت عنه البيهقي [21/ 27] كتاب "السير"، باب:
"المسلم يتوفى في الحرب قتل أبيه ولو قتله لم يكن به بأس" قال البيهقي:
هذا منقطع.
4 أخرجه مالك [1/ 447]، كتاب الجهاد: باب النهي عن قتل النساء
والوالدان في الغزو [9]، والبخاري [6/ 148]، كتاب الجهاد: باب قتل
النساء والصبيان في الحرب، حديث [3014، 3015]، ومسلم [3/ 1364]، كتاب
الجهاد: باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب، حديث [24، 25/ 1744]،
وأبو داود [2/ 60]، كتاب الجهاد: باب في قتل النساء، حديث [2668]،
والنسائي في "الكبرى" [5/ 185]، كتاب السير: باب النهي عن قتل النساء،
حديث [6818]، والترمذي [4/ 116]، كتاب السير: باب ما جاء في النهي عن
قتل النساء والصبيان، حديث [1569]، وابن ماجة [2/ 947- 948]، كتاب
الجهاد: باب الغارة والبيان وقتل النساء والصبيان، حديث [2841]، وأحمد
[2/ 22، 23، 76، 91]، والدارمي [2/ 222- 223]، كتاب السير: باب النهي
عن قتل النساء والصبيان، وابن الجارود في "المنتقى" رقم [1043]، وابن
أبي شيبة [12/ 381]، رقم [14058]، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" [3/
220]، =
(4/273)
1861- حَدِيثٌ: "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ
بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ، فَقَالَ: "مَا بَالُ
هَذِهِ تُقْتَلُ" ؟
__________
= وأبو عبيد القاسم بن سلام في "الأموال" ص [41]، رقم [98]، وابن حبان
[1657]، والبيهقي [9/ 77]، والطبراني في "الكبير" [12/ 382- 283]، رقم
[13416]، من طريق نافع عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فنهى عن قتل النساء
والصبيان.
وقال الترمذي: حسن صحيح ا.هـ.
وفي الباب عن الأسود بن سريع والصعب بن جثامة، وابن عباس وأبي ثعلبة
وعبد الله بن عتيك وأبي سعيد وعوف بن مالك.
حديث الأسود بن سريع:
أخرجه النسائي في "الكبرى" [5/ 184]، كتاب السير: باب النهي عن قتل
ذراري المشركين [8616]، والدارمي [2/ 223]، كتاب الجهاد: باب النهي عن
قتل النساء والصبيان وأحمد [3/ 435]، وابن ماجة [1658- موارد]، وأبو
عبيد في "الأموال" ص [41]، رقم [97]، والحاكم [2/ 123]، والبيقهي [9/
77]، من طرق عن الحسن البصري ثنا الأسود بن سريع قال: خرجنا مع رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزاة فظفر بالمشركين فأسرع
الناس في القتل حتى قتلوا الذرية فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "ما بال أقوام ذهب بهم القتال حتى قتلوا
الذرية ألا لا تقتلوا ذرية ثلاثاً" .
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
حديث الصعب بن جثامة:
أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" [4/ 73]، والطبراني في
"الكبير" [8/ 103]، رقم [7450]، وابن حبان [1659- موارد] من طريق
الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال:
سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا حمى إلا
لله ولرسوله" ، وسألته عن عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم؟ قال: "نعم"
، فإنهم منهم ثم نهى عن قتلهم يوم خيبر. واللفظ لعبد الله بن أحمد
والطبراني ولفظ ابن حبان: ثم نهى عن قتلهم يوم حنين.
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" [5/ 318]، وقال: رواه عبد الله بن
أحمد والطبراني...
ورجال المسند رجال "الصحيح".
حديث ابن عباس: أخرجه البزار [2/ 270- كشف]، رقم [1679] ثنا بشر بن آدم
ثنا أبو داود ثنا همام عن قتادة عن عكرمة بن ابن عباس أن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن قتل النساء والصبيان.
قال البزار: لا نعلم رواه أحد بهذا الإسناد إلا همام ولا عنه إلا أبو
داود.
وذكره الهيثمي في "المجمع" [5/ 319]، وقال: رواه البزار ورجاله رجال
"الصحيح".
حديث أبي ثعلبة الخشني: أخرجه أبو نعيم في "الحلية" [8/ 279- 280]،
والطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" [5/ 321]، من طريق سالم
الخواص ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي إدريس عن أبي ثعلبة قال:
نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النساء والولدان.
قال أبو نعيم غريب من حديث الزهري لا أعلم رواه عن سفيان إلا سالم.
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" [5/ 321]، وقال: رواه الطبراني في
"الأوسط" وفيه سالم بن ميمون الخواض وهو ضعيف.
حديث عبد الله بن عتيك:
ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" [5/ 319]، عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين بعثه هو وأصحابه لقتل بن أبي الحقيق وهو بخيبر
ونهى عن قتل النساء والصبيان، وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال
"الصحيح" خلا محمد بن مصفى وهو ثقة وفيه كلام لا يضر. =
(4/274)
وَلَا تُقَاتِلُ" ، أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ والحاكم وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ من حديث رياح بْنِ الرَّبِيعِ
بِلَفْظِ: "مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلْ؟ ثُمَّ قَالَ لِرَجُلٍ:
انْطَلِقْ إلَى خَالِدٍ، فَقُلْ لَهُ: إنَّ رسول الله يأمرك أن لا
تَقْتُلَ ذُرِّيَّةً، وَلَا عَسِيفًا" 1، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى
الْمُرَقَّعِ بْنِ صَيْفِيٍّ،
__________
= حديث أبي سعيد الخدري:
ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" [5/ 321]، عنه قال: نهى رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قتل النساء والصبيان.
وقال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه عطية العوفي وهو ضعيف.
حديث عوف بن مالك:
إخرجه البزار [2/ 269- كشف]، رقم [1678]، ثنا أحمد بن منصور ثنا سليمان
بن عبد الرحمن ثنا محمد بن عبد الله بن نمران الذماري ثنى أبو عمرو
العبسي عن مكحول عن أبي إدريس عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تقتلوا النساء" .
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" [5/ 319]، وقال: رواه البزار وفيه
محمد بن عبد الله بن نمران وهو ضعيف.
وهذا الحديث وهو النهي عن قتل النساء والصبيان عدة الحافظ اليسوطي من
الأحاديث المتواترة فذكره في "الأزهار المتناثرة" ص [63] رقم [90]
وعزاه إلى الشيخين وأحمد عن ابن عمر.
والطبراني عن كعب بن مالك وعبد الله بن عتيك وأبي ثعلبة الحشني وأبي
سعيد الخدري.
1 أخرجه أحمد [3/ 488]، وأبو داود [3/ 121- 122]، كتاب الجهاد: باب في
قتل النساء، حديث [2669]، وابن ماجة [2/ 948]، كتاب الجهاد: باب الغارة
والبيات وقتل النساء والصبيان، حديث [2842]، والحاكم [2/ 122]، كتاب
الجهاد: باب لا يقتلن ذرية ولا عسيقاً، والبيهقي [9/ 82]، كتاب السير:
باب المرأة تقاتل فتقتل والطحاوي في "معاني الآثار" [3/ 220]، كتاب
السير: باب ما ينهى عنه قتله من النساء والولدان في دار الحرب.
وأبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال، ص [41]، رقم [96]، وسعد بن
منصور [2/ 280]، رقم [2623]، وأبو يعلى [3/ 115- 116]، رقم [1546]،
وابن حبان [1656- موارد]، والطبراني في "الكبير" [5/ 72]، رقم [4618]،
من طريق المرقع بن صيفي عند جده رباح بن الربيع أخي حنظلة الكاتب قال:
خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة غزاها
وخالد بن الوليد على مقدمته، فمر رباح وأصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة، فوقفوا ينظرون
إليها ويتعجبون حتى كفهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
على ناقة له، فأفرجوا عن المرأة فوقف رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها ثم قال: "ها ما كانت هذه تقاتل" ، ثم نظر في
وجوه القوم فقال لأحدهم: "الحق خالد بن الوليد، فلا يقتلن ذرية ولا
عسيفاً" .
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
وصححه ابن حبان:
وأخرجه ابن ماجة [2/ 948]، كتاب الجهاد: باب الغارة والبيات وقتل
النساء والصبيان، حديث [2842]، وأحمد [4/ 178]، وأبو عبيد في "الأموال"
ص [41]، رقم [95]، وابن حبان [1655- موارد] وعبد الرزاق [5/ 201]، رقم
[9382]، وابن أبي شيبة [12/ 382]، رقم [14063]، والطحاوي في "شرح معاني
الآثار" [3/ 222]، والطبراني في "الكبير" [4/ 10- 11]، رقم [3489]، من
طريق سفيان الثوري عن أبي الزناد عن المرقع بن صيفي عن =
(4/275)
فَقِيلَ: عَنْ جَدِّهِ رِيَاحٍ، وَقِيلَ: عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ
الرَّبِيعِ.
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحَّ.
تَنْبِيهٌ: رِيَاحٌ: بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ، وَقِيلَ:
بِالْمُوَحَّدَةِ، وَرَجَّحَهُ الْبُخَارِيُّ.
18 62- قَوْلُهُ: "رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَرَّ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَالَ "مَنْ قَتَلَ
هَذِهِ"؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، غَنِمْتهَا،
فَأَرْدَفْتهَا خَلْفِي، فَلَمَّا رَأَتْ الْهَزِيمَةَ فِينَا أَهْوَتْ
إلَى قَائِمِ سَيْفِي لِتَقْتُلَنِي، فَقَتَلْتهَا"، فَلَمْ يُنْكِرْ
عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبُو
دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ: "أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى امْرَأَةً
مَقْتُولَةً بِالطَّائِفِ"، فَذَكَرَ نَحْوَهُ1، وَوَصَلَهُ
الطَّبَرَانِيُّ فِي "الْكَبِيرِ" مِنْ حَدِيثِ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ2، وَفِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي
شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ
الْأَنْصَارِيِّ نَحْوَهُ3، وَهُوَ مُرْسَلٌ أَيْضًا.
1863- قَوْلُهُ: "رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: "اُقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ، وَاسْتَحْيَوْا
شَرْخَهُمْ" 4،
__________
= حنظلة الكاتب به.
وصححه ابن حبان، وذكره البوصيري في "الزوائد" [2/ 418]، وقال: هذا
إسناد صحيح: المرقع بن صيفي ذكره ابن حبان في الثقات ولم أر من جرحه
وباقي رجال الإسناد على شرط الشيخين ا.هـ.
وقد وهم هذا الطريق أبو حاتم وأبو زرعة. فقال ابن أبي حاتم في "العلل"
[1/ 305]، رقم [914]: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه سفيان الثوري عن
أبي الزناد عن المرقع بن صيفي عن حنظلة الكاتب قال لما خرج رسلول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض مغازيه نظر إلى امرأة مقتولة
فقال: ما كانت هذه تقاتل فنهى عن قتل النساء والولدان قال أبي وأبو
زرعة هذا خطأ يقال: إن هذا من وهم الثوري إنما هو المرقع بن صيفي عن
جده رباح بن الربيع أخي حنظلة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كذا يرويه مغيرة بن عبد الرحمن وزياد بن سعد وعبد الرحمن بن
أبي الزناد قال أبي والصحيح هذا.
1 أخرجه أبو داود في "المراسيل" [333].
2 أخرجه الطبراني [11/ 388]، برقم [12082]، من طريق حفص بن غياث عن
الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" [5/ 319]: رواه أحمد والطبراني وفي
إسناد الحجاج بن أرطأة وهو مدلس.
3 أخرجه ابن أبي شيبة [6/ 483]، كتاب الجهاد: باب من ينهى عن قتله في
دار الحرب، حديث [33125].
4 أخرجه أحمد [5/ 12- 13، 20]، وأبو داود [3/ 122]، كتاب الجهاد: باب
في قتل النساء، حديث [2670]، والترمذي [1632]، والبيهقي [9/ 92]، كتاب
السير: باب قتل من لا قتال فيه من الكفار جائز. وسعيد بن منصور في "شرح
السنة" [5/ 573- بتحقيقنا]، من طريق الحجاج بن أرطأة عن قتادة عن الحسن
عن سمرة به.
وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. =
(4/276)
أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ
بِلَفْظِ، "وَاسْتَبْقُوا" .
تَنْبِيهٌ : الشَّرْخُ؛ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ: الشَّبَابُ.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: الشَّيْخُ لَا يَكَادُ يُسْلِمُ،
وَالشَّابُّ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ.
1864- قَوْلُهُ: "رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ، وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ" ،
أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ:
اُخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ، قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ... " ،
الْحَدِيثَ وَفِيهِ: "وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ، وَلَا أَصْحَابَ
الصَّوَامِعِ" ، وَفِي إسْنَادِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ
أَبِي حَبِيبَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ1، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ
حَدِيثِ عَلِيٍّ نَحْوَهُ، وَفِيهِ: "وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَلَا
طِفْلًا وَلَا امْرَأَةً وَلَا شَيْخًا كَبِيرًا" ، وَفِي إسْنَادِهِ
ضَعْفٌ وَإِرْسَالٌ2، وَرَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُنْقَطِعًا،
وَفِيهِ: "وَلَا تَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلَا صَغِيرًا" وَرَوَاهُ ابْنُ
أَبِي حَاتِمٍ فِي "الْعِلَلِ" مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ بِلَفْظِ: "وَلَا
تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ" وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ3.
__________
= وذكره الزيعلي في "نصب الراية" [3/ 386]، وقال: والحجاج بن أرطأة غير
محتج به والحسن عن سمرة: منقطع في غير حديث العقيقة على ما ذكره أهل
العلم بالحديث.
1 أخرجه أحمد [1/ 300]، والبيقهي [9/ 90]، كتاب السير: باب ترك قتل من
لا قتل فيه من الرهبان والكبير وغيرهما.
2 أخرجه البيهقي في المصدر السابق.
3 أخرجه أبو يعلى [13/ 493- 494]، رقم [7505]، والطبراني في "الكبير"
[2/ 313]، رقم [2304]، وفي "الصغير" [1/ 44- 45]، من طريق ابن لهيعة عن
عبد ربه بن سعيد عن سلمة بن كهيل عن شقيق بن سلمة عن جرير بن عبد الله
البجلي قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا بعث سرية
قال: "باسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا
الولدان" .
قال الطبراني: لا يروى عن جرير إلا بهذا الإسناد تفرد به ابن لهيعة.
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" [5/ 320]، وقال: رواه أبو يعلى
والطبراني في الثلاثة وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله
ثقات وله طريق في "الكبير" [2305]، وفيه عبد الغفار بن القاسم أبو مريم
وهو متروك.
والحديث ذكره الحفظ أبي حجر في "المطالب العالية" [2/ 150]، رقم
[9600]، وعزاه إلى أبي يعلى. وقال ابن أبي حاتم في "العلل" [2/ 151-
152]، رقم [1948]: سألت أبي عن حديث رواه أبو هارون البكاء عن ابن
لهيعة عن عبد ربه بن سعيد عن سلمة بن كهيل عن شقيق بن سلمة عن جرير
قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا بايع على
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء
الزكاة والسمع والطاعة لله ولرسوله والنصح لكل مسلم وإذا بعث سرية قال:
"بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان" . قال
أبي ليس لهذا الحديث أصل بالعراق وهو حديث منكر.
(4/277)
حَدِيثٌ: "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِخَالِدِ
بْنِ الْوَلِيدِ: "لَا تَقْتُلْ عَسِيفًا1، وَلَا امْرَأَةً" ،
تَقَدَّمَ.
1865- حَدِيثٌ: "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ
نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ2"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
عُمَرَ
__________
1 اتفق الفقهاء على أنه يجوز قتل النساء والصبيان: إذا لم يقاتلوا،
ولدليل على ذلك ما رواه الجماعة إلا النسائي عن عبد الله بن عمر قال:
وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فنهى عن قتل النساء والصبيان، واتفقوا أيضاً على أن من قتل
في صفوف الكفار جاز قتله سواء كان صبياً أو امرأة أو شيخاً أو راهباً
أو غيرهم دفعاً لشره. واختلفوا في الشيخ الفاني، والمقعد والأعمى
والراهب في صومعته وأهل الكنائس الذين لا يخالطون الناس إذا لم يكن لهم
في الحرب رأي، فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعي في قول له
إلى عدم جواز قتلهم.
وذهب الشافعي في أظهر قوليه وابن حزم إلى جواز قتلهم.
الأدلةك استدل الجمهور بما يأتي:
أولاً : ما رواه أبو داود عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أنه قال: "لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا امرأة".
ثانياً : ما رواى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه أوصى يزيد بن
معاوية حين وجهه إلى الشام قال: "لا تقتلوا صبياً ولا امرأة ولا هرماً"
، وعن عمر رضي الله عنه أنه أوصى مسم بن قيس بمثل ذلك.
ثالثاً : ما رواه أحمد عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا بعث جيوشه قال: "اخرجوا باسم الله تعالى
تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا
تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع" .
رابعاً : بالقياس على المرأة والصبي بجامع أن كلا ليس من أهل القتال
واستدل الشافعي، وابن حزم على جواز قتلهم بعموم قوله تعالى:
{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وهو
عام يتناول الشيخ والأعمى والمقعد وغيرهم.
واستدل الشافعية أيضاً بأنهم أحرار مكلفون فجاز قتلهم كغيرهم.
مناقشة الأدلة: يرد على الجمهور في دليلهم الأول أن في إسناد خالد بن
الفرز، وقد قال فيه ابن معين: ليس بذاك. وقال ابن حزم: إنه مجهول وبذلك
ينهض حجة للمدعي... وفي دليلهم الثاني أن ما روي عن أبي بكر وعمر إنما
هو من أقوال الصحابة. وقد تكون ناشئة عن اجتهاد وليسوا معصومين من
الخطأ فلا ينهض كلامهم حجة للمدعي... وفي دليلهم أن في إسناده إبراهيم
بن إسماعيل بن أبي حبيبة وهو ضعيف فلا يكون حجة.
وأما ما استدل به الشافعي، وابن حزم من عموم الآية فيقال فيه إن الآية
خصصت بالنساء والصبيان وأهل الذمة فيقاس عليهم غيرهم.
بقي الترجيح بين القياسين وذلك بالنظر في علتيهما والذي يقتضيه الدليل
أن العلة في قتل الأفراد هي الحرابة لا لكفر بدليل لاتفاق على تحريم
قتل النساء والصبيان، وبهذا تترجح علة الحرابة وتبعاً لها يترجح قياس
الجمهور ويكون قتل الشيخ الفاني والمقعد والأعمى ومن على شاكلتهم ممن
لا قوة له ولا رأي ممنوعاً منه شرعاً.
ينظر: "الجهاد" لشيخنا شحاتة محمد شحاتة.
2 شرع الله قتال الكفار بكل ما يكفل لنا النصر عليهم والظفر بهم
وإخضاعهم لشريعة الإسلام.
ولما كانت آلات القتال يختلف تأثيرها في التخريب والتدمير والفتك،
اختلف أنظار الفقهاء فيما يجوز استعماله منا وما لا يجوز، وإليك بيان
كل من هذه الآراء وأدلتها من معقول ومنقول: =
(4/278)
..................................................................................
__________
= اتفق الفقهاء على جواز قتال الكفار بالآلات المستعملة عادة في الحروب
كالسيف والرمح والنبل والرصاص ولمدفع ونحوها عدا الماء والنار.
ومستند هذا الاتفاق عموم الأدلة الدالة على مشروعية القتال كقوله
تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:
5] ووجه استنادهم إلى هذه الآية: أن الله أمر فيها بقتال المشركين
أمراً مطلقاً لم يقيده بآلة خاصة من آلات القتال. وما رواه أحمد عن
صفوان بن عسال قال: بعثنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في سرية فقال: "سيروا باسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ولا
تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليداً" .
أما القتال بالماء والنار فقد اتفقوا على جوازه إذا خيف على جماعة
المسلمين، واختلفوا بعد ذلك في جواز إحراقهم بالنار وإرسال الماء عليهم
لغرقوا أو حبسه عنهم ليموتوا عطشاً فذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة
إلى جواز قتل الكفار بهما في الجملة –غير أن الحنفية يرون جواز ذلك
مطلقاً سواء أمكن القدرة عليهم بغيرهما أم لا، وسواء كان معهم نساء
وصبيان أو مسلمون أم لا، وقد قال الكمال في "فتح القدير": هذا إذا لم
يغلب على الظن أنهم مأخوذون بغير ذلك، فإن كان الظاهر أنهم مغلوبون وأن
الفتح باد كره ذلك، لأنه إفساد في غير محل الحاجة وما شرع إلا لها.
والشافعية، والحنابلة يقيدون استعمالهما بعدم القدرة عليهم بغيرهما فإن
أمكن القدرة عليهم بغيرهما كره استعمالهما عند الشافعية، وحرم عند
الحنابلة.
أما المالكية فيقولون برأي الحنابلة على تفصيل لهم وفرق بين كونهم داخل
الحصون أو خارجها، وبين وجود النساء والصبيان فيها أو عدم وجودهم، وبين
استعمال الماء والنار يقول المقام بشرحه.
الأدلة: استدل الجمهور بما يأتي:
أولاً : بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ} وجه الدلالة أن الله تعالى أمر بقتالهم من غير تقييد
بآلة خاصة.
ثانياً : بما روى عن أسامة بن زيد قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قرية يقال لها: "أبنى" فقال: "إئتها صباحاً ثم
حرق" رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة. فهذا صريح في الأمر بالتحريق من
غير تقييد، وهو نص في إباحة التحريق بالنار، ويقاس عليه التغريق
بالماء، لأنه لا فرق بينهما باعتبار أثرهما.
ثالثاً : إن المقصود من مشروعية الجهاد مع الكفار قتالهم بأي وسيلة
لتكون كلمة الله هي العليا ولا شك أن التحريق والتغريق مما يحقق به
المقصود فيكون جائزاً.
واستدل الجنابلة على حرمة استعمال الماء والنار عند القدرة عليهم
بدونهما بما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى
الله وسلم في بعث فقال: "إن وجدتم فلاناً وفلاناً لرجلين فأحرقوهما
النار" ، ثم قال حين أردنا الخروج: "إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلاناً
وفلاناً، وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما"
رواه والبخاري وغيرهما. ووجه الدلالة أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى
الصحابة عن إحراق الرجلين لعلمه بأنهم يقدرون عليهما بغير النار،
والنهي ظاهر في التحريم فهم يجمعون بين الأدلة فسيعملون بالدليل المجوز
لا ستعمالهما في حالة عدم القدرة عليهم بغيرهما، وبالدليل المانع عند
القدرة عليهم بغيرهما، واستدل الشافعية على الكرهية في حالة القدرة
عليهم بغيرهما بأنه يحتمل إصابة مسلم يظن أنه كافر =
(4/279)
بِهَذَا وَأَتَمُّ مِنْهُ، وَفِيهِ الشِّعْرُ1.
1866- حَدِيثٌ: "أَنَّ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةَ قُتِلَ يَوْمَ
حُنَيْنٍ، وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى الْمِائَةِ، وَكَانُوا قَدْ
اسْتَحْضَرُوهُ لِيُدَبِّرَ لَهُمْ الْحَرْبَ، فَلَمْ يُنْكِرْ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، فِي الصَّحِيحَيْنِ
مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: "لَمَّا فَرَغَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ،
بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقِيَ دُرَيْدَ
بْنَ الصِّمَّةِ، فَقَتَلَهُ، فَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ"، وَبَاقِي
الْقِصَّةِ ذَكَرَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ فِي
__________
= فلذلك كان مكروهاً. هذا وقد قال صاحب "الفتح" من علماء الحنفية بعد
أن ذكر جواز التحريق، وإرسال الماء وقطع الأشجار وإفساد الزرع، هذا إذا
لم يغلب على الظن أنهم مأخوذون بغر ذلك، فإن كان الظاهر أنهم مغلوبون
وأن الفتح باد كره؛ لانه إفساد في غير محل الحاجة، وما شرع إلا لها.
ومما تقدم يعلم أن مذهب الحنفية يلتقي مع المذاهب الأخرى في الجواز حيث
دعت الحاجة، وعدمه إذا لم تدع حاجة.
فلم يبق ما يصح أن يكون محلاً للخلاف سوى أنه مكروه أو حرام عند عدم
الحاجة إليه، والخلاف في ذلك سهل لا يمنع الاتفاق على أصل الحظر أو
الإباحة.
بقي علينا بعدما تقدم النظر إلى ما يستعمله العدو من الآلات فنستعمل
معه مثل ما يستعمل جرياً على قاعدة: وجزاء سيئة مثلها، وإن عاقبتم
فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به. وقد علمنا من أصول الشريعة العامة أنها لا
تسمح بعمل من شأنه أن يؤدي إلى هزيمة المسلمين، كما انها لا تبيح من
المحظورات باعتبار أصلها إلا ما دعت إليه الحاجة.
وبذلك نستطيع أن نقول: إذا رأى المسلمون أن اتقاء الهزيمة ومغلوبية
الأعداء تتوقف على استعمال ما ذكر فإن الشرع بيبح لنا ذلك بل يوجبه إذا
استدت الحاجة إليه.
وبهذا يمكن التوفيق بين هذه الآراء المختلفة وتصير المسألة إجماعية لا
خلاف فيها، وهكذا شأن المسأل التي يناط الحكم فيها بتقدير أولي الأمر
وأصحاب البصيرة.
وقد صح الأمر بالتحريق في بعض المواضع، والنهي عنه في بعضها والقريب في
ذلك أنه مبني على تقدير حالة العدو والعمل بما يناسبها.
ينظر: "الجهاد" لشيخنا شحاتة محمد شحاتة.
1 أخرجه البخاري [7/ 329]، كتاب المغازي: باب حديث بني النضر، حديث
[4031- 4032]، ومسلم [3/ 1365]، كتاب الجهاد والسير: باب جواز قطع
أشجار الكفار وتحرقها، حديث [29، 30/ 1746]، والترمذي [5/ 380]، كتاب
التفسير: باب سورة الحشر، حديث [3302]، والطبري [12/ 34]، والبيهقي في
"دلائل النبوة" [3/ 184- 185]، من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عله
وسلم قطع نخل بني النضير وحرق ولها يقول حسان:
وهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير
وفي ذلك نزلت: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا}
[الحشر: 5] الآية.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
والحديث ذكره السيوطي في "الدر المنثور" [6/ 278]، وزاد نسبته إلى سعيد
بن منصور وعبد بن حميد وابن مردويه وابن المنذر.
(4/280)
"السِّيرَةِ" مُطَوَّلًا1.
1867- حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: "أَنَّ رَجُلَيْنِ أَتَيَا رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولَيْنِ
لِمُسَيْلِمَةَ، فَقَالَ لَهُمَا: "أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ
اللَّهِ" ، فَقَالَا نَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللَّهِ،
فَقَالَ: "لَوْ كُنْت قَاتِلًا رَسُولًا لَضَرَبْت أَعْنَاقَكُمَا2،
فَجَرَتْ السُّنَّةُ أَلَّا تُقْتَلَ الرُّسُلُ" ، أَحْمَدُ
وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد
مُخْتَصَرًا وَكَذَا النَّسَائِيُّ.
وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ شَيْخٍ مِنْ
"أَشْجَعَ" يُقَالُ لَهُ سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ
نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ نُعَيْمٍ،
"سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ لَهُمَا حِينَ قَرَأَ كِتَابَ
مُسَيْلِمَةَ: مَا تَقُولَانِ أَنْتُمَا؟ قَالَا: نَقُولُ كَمَا قَالَ،
قَالَ: أَمَا لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ،
لَقَتَلْتُكُمَا"3.
وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي "مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ" فِي تَرْجَمَةٍ
وَبِيرِ بْنِ شَهْرٍ الْحَنَفِيِّ: أَنَّ مُسَيْلِمَةَ بَعَثَهُ، هُوَ
وَابْنُ شِغَافٍ الْحَنَفِيُّ، وَابْنُ النواحة، وأما وَبِيرٌ
فَأَسْلَمَ، وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَشَهِدَا أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ،
وَأَنَّ مُسَيْلِمَةَ مِنْ بَعْدِهِ، فَقَالَ: خُذُوهُمَا، فَأُخِذَا،
فَأُخْرِجَ بِهِمَا إلَى الْبَيْتِ فَحُبِسَا، فَقَالَ رَجُلٌ:
"هَبْهُمَا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَفَعَلَ".
1868- حَدِيثٌ: "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ
الطَّائِفَ شَهْرًا"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو4، دُونَ ذِكْرِ الشَّهْرِ.
__________
1 أخرجه البخاري [8/ 361- 362]، كتاب المغازي: باب غزوة أوطاس، حديث
[4323]، ومسلم [8/ 297- 298- نووي]، كتاب فضائل النبوة: باب من فضائل
أبي موسى وأبي عامر رضي الله عنهما، حديث [165/ 2498].
2 أخرجه أحمد [1/ 396، 404]، وأخرجه أبو داود [2/ 93]، كتاب الجهاد:
باب في الرسل، حديث [2762]، والنسائي في "الكبرى" [5/ 206]، كتاب
السير: باب النهي عن قتل الرسل، حديث [8676]، والدارمي [2/ 235]، كتاب
السير: باب في النهي عن قتل الرسل، وابن حبان [11/ 235]، كتاب السير:
باب الرسول، حديث [4878، 4879]، والبيهقي [9/ 211]، كتاب السير: باب
السنة أن لا يقتل الرسل، والطبراني [9/ 219]، برقم [8957، 8958]، وابن
الجارود [1046]، كلهم عن عبد الله بن مسعود ونحوه.
3 أخرجه أبو داود [2/ 93]، كتاب الجهاد: باب في الرسل، حديث [2761]،
والبيقهي [9/ 211]، كتاب الجزية: باب السنة أن لا يقتل الرسل.
4 أخرجه البخاري [8/ 365]، كتاب المغازي: باب غزوة الطائف في شوال سنة
ثمان، حديث [4325]، وطرفاه في [6086، 7480]، ومسلم [6/ 364- نووي]،
كتاب الجهاد والسير: باب غزوة الطائف، حديث [82/ 1778]، كلاهما من طريق
سفيان بن عيينة عن عمرو عن أبي العباس الشاعر الأعمى عن عبد الله بن
عمرو رضي الله عنه، قال: لما حاصر النبي صلى الله الطائف قلم ينل منهم
شيئاً، فقال: "إنا قافلون إن شاء الله"... الحديث.
(4/281)
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: "أَنَّ الْمُدَّةَ كَانَتْ أَرْبَعِينَ
لَيْلَةً" 1.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ ثَوْرٍ عَنْ مَكْحُولٍ:
"أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَبَ عَلَى
أَهْلِ الطَّائِفِ الْمَنْجَنِيقَ"2، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فَلَمْ
يَذْكُرْ مَكْحُولًا3، ذَكَرَهُ مُعْضِلًا عَنْ ثَوْرٍ، وَرَوَى أَبُو
دَاوُد مِنْ مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَاصَرَهُمْ
رَسُولُ اللَّهِ شَهْرًا، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: فَقُلْت لِيَحْيَى:
أَبَلَغَك أَنَّهُ رَمَاهُمْ بِالْمَجَانِيقِ؟ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ،
وَقَالَ: مَا نَعْرِفُ مَا هَذَا4، وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ
مِنْ طَرِيقَيْنِ؛ أنه حاصرهم بضع عشر لَيْلَةً5، قَالَ
السُّهَيْلِيُّ: ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ مَكْحُولٌ،
وَزَعَمَ أَنَّ الَّذِي أَشَارَ بِهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَرَوَى
ابْنُ
__________
1 أخرجه مسلم [4/ 164- 165- نووي]، كتاب الزكاة: باب إعطاء المؤلفة
قلوبهم علىالإسلام، حديث [136/ 1059]، من حديث السميط عن أنس بن مالك
بن مالك رضي الله عنه قال: افتتحنا مكة ثم إنا غزونا حنيناً... الحديث
وفيه: ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة.
2 أخرجه أبو داود في "المراسيل" ص [248]، برقم [335]، وابن سعد في
"الطبقات الكبرى" [2/ 159]، من طريق سفيان الثوري عن ثور بن يزيد عن
مكحول أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصب المجانيق على
أهل الطائف.
وأخرجه الترمذي [5/ 88]، كتاب الأدب: باب ما جاء في الأخذ من اللحية
قال: سمعت قتيبة ثنا وكيع بن الجراح عن رجل عن ثور بن يزيد أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصب المنجنيق على أهل الطائف قال
قتيبة: قلت لوكيع: من هذا؟ قال: صاحبكم عمر بن هارون البلخي.
وهذا الحديث من إعضاله ففيه عمرو بن هارون البلخي كذبه يحيى وصالح
حزرة.
وقد ورد هذا الحديث موصولاً من حديث علي بن أبي طالب أخرجه العقيلي في
"الضعفاء" [2/ 244]، من طريق عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب عن
علي قال: نصب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المنجنيق
على أهل الطائف.
قال العقيلي: عبد الله بن خراش: أحاديثه علها غير محفوظة ولا يتابعه
عليها إلا من هو دونه أو مثله وأسند عن البخاري قال: عبد الله بن خراش
عن العوام بن حوشب: منكر الحديث.
وأخرجه البيهقي [9/ 84]، من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه
عن أبي عبيدة بن الجراح أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حاصر أهل الطائف ونصب عليهم المنجنيق سبعة عشر يوماً.
قال أبو قلابة: وكان ينكر عليه هذا الحديث أي على هشام بن سعد.
قال البيهقي: فكأنه كان ينكر عليه وصل إسناده ويحتمل أنه أنكر رميهم
يومئذ بالمجانيق.
وقد رود ما يعارض ذلك وإن كان مرسلاً.
فأخرج أبو داود في "المراسيل" ص [248]، رقم [336] عن الأوزاعي عن يحيى
بن أبي كثير قال: حاصرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شهراً [يعني أهل الطائف] قلت: أبلغك أنه رماهم بالمجانيق فأنكر ذلك
وقال: ما يعرف هذا.
3 أخرجه الترمذي [5/ 94]، كتاب الأدب: باب ما جاء في الأخذ من اللحية،
عقب حديث [2762].
4 أخرجه أبو داود في "مراسيله" [336].
5 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" [7/ 411]، كتاب المغازي: باب ما ذكر
في الطائف، حديث [36958].
(4/282)
أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ: "أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ خَمْسَةً
وَعِشْرِينَ يَوْمًا"، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ1.
1869- حَدِيثٌ: "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَنَّ
الْغَارَةَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارُّونَ
وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَهُمْ،
وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ"2.
1870- حَدِيثٌ: "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ
بِالْبَيَاتِ"، هَذَا الْأَمْرُ لَا أَعْرِفُهُ، وَإِنَّمَا اتَّفَقَا
فِي الصَّحِيحَيْنِ عَلَى حَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ: "أَنَّهُ
سَمِعَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عَنْ أَهْلِ
الدَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ، فَيُصَابُ مِنْ
نِسَائِهِمْ، وَذَرَارِيِّهِمْ، فَقَالَ: "هُمْ مِنْهُمْ" 3، قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا مَا وَرَدَ فِي إبَاحَةِ التَّبْيِيتِ، وَكَانَ
الزُّهْرِيُّ يَدَّعِي أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَأَنْكَرَهُ الشَّافِعِيُّ
عَلَيْهِ.
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة [7/ 411]، برقم [36953]، وفيه أنه حاصرهم تسع
عشرة أو ثمان عشرة فلم يفتحها.
2 أخرجه البخاري [5/ 170]، كتاب العتق: باب من ملك من العرب رقيقاً،
حديث [2541]، ومسلم [3/ 1356]: كتاب الجهاد والسير: باب جواز الإغارة
على الكفار الذين بلغتهم الدعوة، حديث [1/ 1730]، من حديث ابن عمر قال:
أغار رسول الله صلى الله عله وسلم على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم
تسقي على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وأصاب يومئذ جويرية بنت
الحارث.
وأخرجه مالك [2/ 468]، كتاب الجهاد: باب ما جاء في الخيل والمسابقة،
حديث [48]، وأحمد [3/ 163- 164]، والبخاري [6/ 111]، كتاب الجهاد: باب
دعاء النبي الناس إلى الإسلام، حديث [2945]، ومسلم [3/ 1427]، كتاب
الجهاد: باب غزوة خيبر، حديث [121/ 1365]، من حديث أنس أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين خرج إلى خيبر، أتاها ليلاً،
وكان إذا أتى قوماً بليل لم يعر حتى يصبح، فلما أصبح خرجت يهود
بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا: محمد والله محمد، والخميس. فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الله أكبر خربت خيبر
إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين" .
3 أخرجه البخاري [6/ 170]، كتاب الجهاد والسير: باب أهل الدار يبيتون،
فيصاب الولدان والذراري رقم [3012- 3013]، ومسلم [3/ 1364]، كتاب
الجهاد والسير: باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمد،
رقم [26، 27، 28/ 1745]، وأبو داود [2/ 61]، كتاب الجهاد: باب في قتل
النساء والصبيان، رقم [1570]، والنسائي [5/ 185- الكبرى]، كتاب السير:
باب إصابة نساء المشركين في البيات بغير قصد، رقم [8622/ 1]، باب إصابة
أولاد المشركين البيات بغير قصد، رقم [8623/ 1]، وابن ماجة [2/ 947]،
كتاب الجهاد: باب الغارة والبيات وقتل النساء والصبيان برقم [2839].
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(4/283)
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّعَمُّدِ،
وَحَدِيثُ الصَّعْبِ فِيمَا لَمْ يَتَعَمَّدْ، فَلَا تَنَاقُضَ.
حَدِيثٌ: "أَنَّهُ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ"،
تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ قَبِيصَةَ، عَنْ
سُفْيَانَ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ مَكْحُولٍ مُرْسَلًا، وَأَخْرَجَهُ أَبُو
دَاوُد أَيْضًا، وَوَصَلَهُ الْعُقَيْلِيُّ مِنْ وَجْه آخَرَ عَنْ
عَلِيٍّ.
حَدِيثٌ: "سُئِلَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ، فَيُصَابُ مِنْ
نِسَائِهِمْ، وَذَرَارِيِّهِمْ، فَقَالَ: "هُمْ مِنْهُمْ" تَقَدَّمَ
قَرِيبًا.
حَدِيثٌ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى
عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
حَدِيثٌ: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ
مُسْلِمٍ" ، تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْجِرَاحِ، وَيَأْتِي.
حَدِيثٌ: "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّ الْفِرَارَ
مِنْ الزَّحْفِ مِنْ الْكَبَائِرِ"، تَقَدَّمَ فِي بَابِ "حَدِّ
الْقَذْفِ"، قَوْلُ عُمَرَ يَأْتِي، وَكَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
1871- حَدِيثٌ: "أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْت
لَوْ انْغَمَسْت فِي الْمُشْرِكِينَ فَقَاتَلْتهمْ، حتى قتلت، إلى
الْجَنَّةِ؟ قَالَ: "نَعَمْ فَانْغَمَسَ الرَّجُلُ فِي صَفِّ
الْمُشْرِكِينَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ" ، الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ
ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: "أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، الْحَدِيثُ نَحْوُهُ1، وَلَمْ يَذْكُرْ
الِانْغِمَاسَ.
وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ: أَيْنَ
أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ قُتِلْت؟ قَالَ: "فِي الْجَنَّةِ،
فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ"
2.
وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ
بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا الْتَقَى النَّاسُ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ
عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُضْحِكُ الرَّبَّ
تَعَالَى مِنْ عَبْدِهِ؟ قَالَ: "أَنْ يَرَاهُ غَمَسَ يَدَهُ فِي
الْقِتَالِ؛ يُقَاتِلُ حَاسِرًا، فنزع عوف ذرعه، ثُمَّ تَقَدَّمَ،
فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ" 3.
1872- حَدِيثٌ: "أَنَّ عَلِيًّا وَحَمْزَةَ وَعُبَيْدَةَ بْنَ
الْحَارِثِ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ عُتْبَةَ وشيبة ابن رَبِيعَةَ
وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا طَلَبُوا أُولَئِكَ ذَلِكَ" أَبُو دَاوُد م
ن حَدِيثِ عَلِيٍّ4،
__________
1 أخرجه الحاكم [2/ 93- 94]، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم
يخرجاه، ووافقه الذهبي.
2 أخرجه البخاري [8/ 98]، كتاب المغازي: باب غزوة أحد، حديث [4049]،
ومسلم [7/ 51- نووي]، كتاب الإمارة: باب ثبوت الجنة للشهيد، حديث [143/
1899].
3 ذكر عنه ابن هشام في "سيرته" [2/ 268].
4 أخرجه أبو داود [3/ 52- 53]، كتاب الجهاد: باب في المبادرة، حديث
[2665].
(4/284)
وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مُخْتَصَرًا1، وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ
حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مُخْتَصَرًا أَيْضًا2.
قَوْلُهُ: "وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا بَارَزَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ
عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ"3، ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي
مُنْقَطِعًا، وَوَصَلَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
تَنْبِيهٌ: وَقَعَ فِي الرَّافِعِيِّ: "عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ"، وَهُوَ
تَحْرِيفٌ.
قَوْلُهُ: "وَبَارَزَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ
مَرْحَبًا"، ابْنُ إِسْحَاقَ فِي "الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
خَرَجَ مَرْحَبٌ الْيَهُودِيُّ مِنْ حِصْنِ خَيْبَرَ، قَدْ جَمَعَ
سِلَاحَهُ وَهُوَ يَرْتَجِزُ، فَذَكَرَ الشِّعْرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لِهَذَا" ؟ فَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ... "، فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ وَالْقِصَّةَ4، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ بِنَحْوِهِ
قال الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، عَلَى أَنَّ الْأَخْبَارَ
مُتَوَاتِرَةٌ بِأَنَّ عَلِيًّا هُوَ الَّذِي قَتَلَ مَرْحَبًا.
1873- قَوْلُهُ: "وَيُرْوَى أَنَّهُ بَارَزَهُ عَلِيٌّ"، مُسْلِمٌ فِي
"صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ مُطَوَّلًا،
وَفِيهِ: فَخَرَجَ مَرْحَبٌ وَهُوَ يَقُولُ [من الرجز]:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنَّى مرحب ... شاكي السلام بَطَلٌ مُجَرَّبُ5
فَقَالَ عَلِيٌّ [من الرجز]:
أنا الذي سمعتني أُمِّي حَيْدَرَهْ ... كَلَيْثِ غَابَاتٍ كريه
المنظره6
فضر رَأْسَ مَرْحَبٍ فَقَتَلَهُ7.
قَوْلُهُ: "وَبَارَزَ الزُّبَيْرُ يَاسِرًا"، ابْنُ إِسْحَاقَ فِي
"الْمَغَازِي" وَالْبَيْهَقِيُّ مُنْقَطِعًا، وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ
رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ
الزُّبَيْرُ: "لَقِيت يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ
__________
1 أخرجه البخاري [8/ 25]، كتاب المغازي: باب قتل أبي جهل، حديث [3965،
3967]، من طريقين عن أبي مجلز عن قيس بن عباس عن علي بن أبي طالب رضي
الله عنه فذكره نحوه.
2 أخرجه البخاري [8/ 25]، كتاب المغازي: باب قتل أبي جهل، حديث [3966]،
ومسلم [9/ 390، 391- نووي]، كتاب التفسير: باب في قوله تعالى: {هَذَانِ
خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19]، حديث [34/ 3033].
3 ينظر: "السيرة النبوية" لابن هشام [3/ 241].
4 ينظر: "السيرة النبوية" لابن هشام [3/ 385].
وأخرجه أحمد [3/ 385]، والحاكم [3/ 436- 437].
ينظر: ديوان علي بن أبي طالب ص [23].
ينظر: ديوانه ص [53].
5 أخرجه مسلم [6/ 414- 419- نووي]، كتاب الجهاد والسير: باب غزوة ذي
قرد وغيرها، حديث [132/ 1807].
6 أخرجه البخاري [8/ 47]، كتاب المغازي: باب [12]، حديث [3998].
7 تقدم وهو جزء من حديث مبارزة علي وحمزة وعبيدة لعتبة وشيبة والوليد.
(4/285)
الْعَاصِ، فَذَكَرَ قِصَّةَ قَتْلِهِ لَهُ".
قَوْلُهُ: "وَرُوِيَ أَنَّ عَوْفًا وَمُعَوِّذًا ابْنَيْ عَفْرَاءَ،
خَرَجَا يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَسْمِ
الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ، وَسَيَأْتِي فِي الَّذِي بَعْدَهُ.
1874- قَوْلُهُ: "وَرَوَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ خَرَجَ
يَوْمَ بَدْرٍ إلَى الْبِرَازِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، ابْنُ إِسْحَاقَ فِي
الْمَغَازِي، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: "أَنَّ
عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ خَرَجَ بِأَخِيهِ شَيْبَةَ وَابْنِهِ
الْوَلِيدِ حَتَّى وَصَلَ إلَى الصَّفِّ، فَدَعَا إلَى الْمُبَارَزَةِ،
فَخَرَجَ إلَيْهِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ رَوَاحَةَ وَمُعَوِّذٌ وَعَوْفٌ ابْنَا عَفْرَاءَ"، فَذَكَرَ
الْقِصَّةَ.
1875- قوله: "لا يُكْرَهُ حَمْلُ رُءُوسِ الْكُفَّارِ" ؛ لِأَنَّ أَبَا
جَهْلٍ لَمَّا قُتِلَ حُمِلَ رَأْسُهُ1، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: مَا
حُمِلَ رَأْسُ كَافِرٍ قَطُّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحُمِلَ إلَى عُثْمَانَ رُءُوسُ جَمَاعَةٍ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: مَا فُعِلَ هَذَا فِي عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ، وَلَا فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا عُمَرَ،
قَالُوا: وَمَا رُوِيَ مِنْ حَمْلِ الرَّأْسِ إلَى أَبِي بكر فقد تكلم
ثُبُوتِهِ"، انْتَهَى.
أَمَّا حَمْلُ رَأْسِ أَبِي جَهْلٍ فَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي
"الْمَعْرِفَةِ" مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ فِي تَرْجَمَةِ مُعَاذِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ؛ وَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ حَزَّهَا
وَجَاءَ بِهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى: "أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ بُشِّرَ
بِرَأْسِ أَبِي جَهْلٍ رَكْعَتَيْنِ"2، إسْنَادُهُ حَسَنٌ،
وَاسْتَغْرَبَهُ الْعُقَيْلِيُّ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : "جِئْت إلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسِ مَرْحَبٍ"3.
__________
1 ذكر الفصة ابن هشام في "سيرته" [2/ 275- 277]، عن ابن إسحاق وفيها أن
ابن مسعود رضي الله عنه حمل رأس أبي جهل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2 أخرجه ابن ماجة [1/ 445]، كتاب إقامة الصلاة: باب ما جاء في الصلاة
والسجدة عند الشكر، حديث [1391].
قال البوصيري في "الزوائد" [1/ 448]: هذا إسناد فيه مقال؛ شعثاء بنت
عبد الله لم أر من تكلم فيها لا بجرح ولا توثيق.
وسلمة بن رجاء لينة ابن مجنب.
وقال ابن عدي: حديث بأحاديث لا يتابع عليها.
وقال النسائي: ضعيف.
وقال الدارقطني: ينفرد عن الثقات بأحاديث.
وقال أبو زرعة: صدوق.
وقال أبو حاتم: ما يحديثه بأس انتهى.
رواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده" عن القواري حدثنا سلمة فذكره بزيادته
كما أوردته في زوائد المسانيد العشرة في كتاب النوافل.
3 أخرجه البيهقي [9/ 132]، كتاب السير: باب المبارزة.
(4/286)
وَفِي "مَرَاسِيلِ" أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْعَبْدِيِّ؛
قَالَ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْعَدُوَّ، فَقَالَ: "مَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ، فَلَهُ عَلَى اللَّهِ مَا
تَمَنَّى، فَجَاءَهُ رَجُلَانِ بِرَأْسٍ... " الْحَدِيثَ1، قَالَ أَبُو
دَاوُد: فِي هَذَا أَحَادِيثُ وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا إنْ ثَبَتَ؛ فَإِنَّ فِيهِ تَحْرِيضًا عَلَى
قَتْلِ الْعَدُوِّ، وَلَيْسَ فِيهِ حَمْلُ الرَّأْسِ مِنْ بِلَادِ
الشِّرْكِ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ
قَالَ: لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ رَأْسٌ قَطُّ، وَلَا يَوْمَ بَدْرٍ،
وَحُمِلَ إلَى أَبِي بَكْرٍ رَأْسٌ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، قَالَ:
وَأَوَّلُ مَنْ حُمِلَتْ إلَيْهِ الرُّءُوسُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الزُّبَيْرِ2.
قُلْت: وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْت
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسِ الْأَسْوَدِ
الْعَنْسِيِّ3، وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ فِي الْكُنَى: هُوَ
وَهْمٌ؛ لِأَنَّ الْأَسْوَدَ قُتِلَ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ عَلَى
عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَيْضًا فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ذَكَرَ خُرُوجَ الْأَسْوَدِ صَاحِبِ صَنْعَاءَ بَعْدَهُ، لَا
فِي حَيَاتِهِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ: بِأَنَّ رِجَالَهُ
ثِقَاتٌ، وَتَفَرُّدُ ضَمْرَةَ بِهِ لَا يَضُرُّهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاصِدًا إلَيْهِ، وَافِدًا عَلَيْهِ، مُبَادِرًا
بِالتَّبْشِيرِ بِالْفَتْحِ، فَصَادَفَهُ قَدْ مَاتَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْت: وَقَوْلُ الْحَاكِمِ: إنَّ الْأَسْوَدَ لَمْ يَخْرُجْ فِي
حَيَاتِهِ، غَيْرَ مُسَلَّمٍ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ ابْتِدَاءَ
خُرُوجِهِ كَانَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إنَّهُ يَخْرُجُ بَعْدَهُ، اشْتِدَادُ شَوْكَتِهِ،
وَاشْتِهَارُ أَمْرِهِ، وَعِظَمُ الْفِتْنَةِ بِهِ، وَكَانَ كَذَلِكَ،
وَقِيلَ فِي أَثَرِ ذَلِكَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، إذْ
لَيْسَ فِيهِ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَى ذَلِكَ وَتَقْرِيرِهِ؛ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ إنْكَارُ
ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ شَاهِينَ فِي الْأَفْرَادِ لَهُ، وَمِنْ
طَرِيقِهِ السَّلَفِيُّ فِي الطُّيُورِيَّاتِ، قَالَ: نَا مُحَمَّدُ
بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بن يحيى القطعي، حَدَّثَنِي عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عبد الرحمن، حدثني أبي، عن
صالح بن خَوَّاتٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: "إنَّ أَوَّلَ رَأْسٍ عُلِّقَ فِي
الْإِسْلَامِ رَأْسُ أَبِي عَزَّةَ الْجُمَحِيِّ ضَرَبَ رَسُولُ
اللَّهِ عُنُقَهُ، ثُمَّ حَمَلَ رَأْسَهُ عَلَى رُمْحٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ
بِهِ إلَى الْمَدِينَةِ.
وَأَمَّا الْحَمْلُ إلَى عُثْمَانَ: فَلَمْ أَرَهُ، نَعَمْ وَرَدَ فِي
حَمْلِ الرُّءُوسِ إلَى أَبِي بَكْرٍ؛ لَكِنَّهُ أَنْكَرَهُ" كَمَا
تَقَدَّمَ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ
عَامِرٍ؛ "أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَشُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ،
بَعَثَا عُقْبَةَ بَرِيدًا إلَى أَبِي بَكْرٍ بِرَأْسِ يَنَّاقَ
بِطْرِيقِ الشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْكَرَ
ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عُقْبَةُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ،
فَإِنَّهُمْ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ بِنَا؛ قَالَ: تأسيا أو أسيانا
__________
1 أخرجه أبو داود في "مراسيله" [296]، والبيهقي [9/ 133]، كتاب السير:
باب ما جاء في نقل الرؤوس، بنحوه.
2 أخرجه البيهقي [9/ 132- 133]، كتاب السير: باب ما جاء في نقل الرؤوس.
3 أخرجه النسائي في "الكبرى" [5/ 204]، كتاب السير: باب حمل الرؤوس،
حديث [8672].
(4/287)
بِفَارِسَ والروم، لا يُحْمَلُ إلَيَّ بِرَأْسٍ، وَإِنَّمَا يَكْفِي
الْكِتَابُ وَالْخَبَرُ"، إسْنَادُهُ صَحِيحٌ1.
قُلْت: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي "الْكُبْرَى"، وَرَوَى
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ خديج، قَالَ:
"هَاجَرْنَا عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَهُ
إذْ طَلَعَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، قَالَ:
إنَّهُ قُدِمَ عَلَيْنَا بِرَأْسِ يَنَاقَ الْبِطْرِيقِ، وَلَمْ يَكُنْ
لَنَا بِهِ حَاجَةٌ، إنَّمَا هَذِهِ سُنَّةُ الْعَجَمِ2.
قُلْت: وَرَأَيْت فِي كِتَابِ أَخْبَارِ زِيَادٍ، لِمُحَمَّدِ بْنِ
زَكَرِيَّا الْغَلَّابِيِّ الْإِخْبَارِيِّ الْبَصْرِيِّ، بِسَنَدِهِ
إلَى الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمْ يُحْمَلْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَلَا
إلَى أَبِي بَكْرٍ، وَلَا إلَى عُمَرَ، وَلَا إلَى عُثْمَانَ، وَلَا
إلَى عَلِيٍّ بِرَأْسٍ، وَأَوَّلُ مَنْ حُمِلَ رَأْسُهُ عَمْرُو بْنُ
الْحُمْقِ حُمِلَ إلَى مُعَاوِيَةَ.
1876- قَوْلُهُ: "قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ
وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ"، قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنَا عَدَدٌ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
بِالْمَغَازِي؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَسَرَ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ الْعَبْدَرِيَّ يَوْمَ بَدْرٍ،
وَقَتَلَهُ صَبْرًا، وَأَسَرَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ يَوْمَ
بَدْرٍ، وَقَتَلَهُ صَبْرًا3.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ
سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؛ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَقْبَلَ
بِالْأَسَارَى وَكَانَ بِعِرْقِ الظَّبْيَةِ أَمَرَ عَاصِمَ بْنَ
ثَابِتٍ فَضَرَبَ عُنُقَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ صَبْرًا،
فَقَالَ: مَنْ لِلصَّبِيَّةِ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: النَّارُ4،
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
__________
1 أخرجه النسائي في "الكبرى" [5/ 204- 205]، كتاب السير: باب حمل
الرؤوس، حديث [8673]، والبيهقي [9/ 132]، كتاب السير: باب ما جاء في
نقل الرؤوس.
2 أخرجه البيهقي [9/ 132]، كتاب السير: باب ما جاء في نقل الرؤوس.
3 أخرجه البيهقي في "السنن" [9/ 64]، كتاب السير: باب ما يفعله بالرجال
البالغين منهم، وفي "معرفة السنن والآثار" [6/ 552]، كتاب السير: باب
الحكم في الرجال البالغين، حديث [5369]، من طريق الشافعي.
كما أخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" [6/ 93]، من
حديث ابن عباس قال: قتل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يوم بدر ثلاثة صبراً. قتل النضر بن الحارث من بني عبد الدار، وقتل
طعيمة بن عدي من بني نوفل وقتل عقبة بن أبي معيط.
وقال الهيثمي: وفيه عبد الله بن حماد ولم أعرفه.
ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف" [14/ 372]، كتاب المغازي: باب غزوة بدر
الكبرى، حديث [18529]، وأبو داود في "المراسيل" ص [248- 249]، رقم
[337] عن سعيد بن جبير مرسلاً إلا أنه وقع عند أبي داود فيه المطعم وهو
وهم.
4 أخرجه البيهقي [9/ 64- 65]، كتاب السير: باب ما يفعله بالرجال
البالغين منهم من حديث سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أقبل بالأسارى حتى إذا كان بقرق الظبية، أمر
عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أن يضرب عنق بن أبي معيط فجعل عقبة يقول:
يا ويلاه علام أقتل هؤلاء؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بعدواتك الله ولرسوله فقال محمد: منك أفضل فاجعلني كرجل من
قومي إن قتلتهم قتلتني وإن مننت عليهم مننت علي وإن أخذت منهم الفداء
كنت كأحدهم يا محمد من للصبية، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "الثأر لهم ولأبيهم يا عاصم بن ثابت قدمه فاضرب عنقه فقدمه
فضرب عنقه" .
(4/288)
فِي "الْأَفْرَادِ" وَزَادَ: فَقَالَ: "النَّارُ لَهُمْ وَلِأَبِيهِمْ"
.
وَفِي "الْمَرَاسِيلِ" لِأَبِي دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ
يَوْمَ بَدْرٍ ثلاثة من قريس صَبْرًا: الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ،
وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ1،
انْتَهَى، وَفِي قَوْلِهِ: الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ تَحْرِيفٌ،
وَالصَّوَابُ طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِيٍّ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي
شَيْبَةَ، وَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "الْأَوْسَطِ" بِذِكْرِ
ابْنِ عَبَّاسٍ2.
قَوْلُهُ: "وَمَنَّ عَلَى أَبِي عَزَّةَ الْجُمَحِيِّ على أن لا
يُقَاتِلَهُ، فَلَمْ يُوفِ فَقَاتَلَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأُسِرَ
وَقُتِلَ"، الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ
بِهَذِهِ الْقِصَّةِ مُطَوَّلًا، وَفِيهِ: فَقَالَ لَهُ: "أين مَا
أَعْطَيْتنِي مِنْ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، وَاَللَّهِ، لَا تَمْسَحُ
عارضيك بـ"مكة" تَقُولُ: سَخِرْت بِمُحَمَّدٍ مَرَّتَيْنِ"، قَالَ
شُعْبَةُ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُلْدَغُ من حجر مَرَّتَيْنِ" 3، وَفِي
إسْنَادِهِ الْوَاقِدِيُّ.
1877- حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَادَى رَجُلًا أَسَرَهُ أَصْحَابُهُ
بِرَجُلَيْنِ أَسَرَهُمَا ثَقِيفٌ مِنْ أَصْحَابِهِ"، مُسْلِمٌ فِي
"صَحِيحِهِ" مُطَوَّلًا4، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ
__________
1 تقدم تخريجه قريباً.
2 وأخرج الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" كما في "المجمع" [6/ 92]، من
حديث ابن عباس قال: نادي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أسارى بدر وكان فداء كل رجل منهم أربعة آلاف، وقتل عقبة بن أبي معيط
قبل الفداء قام إليه علي بن أبي طالب فقتله صبراً قال من للصبية يا
رسول الله قال: "النار" .
وقال الهيثمي رجاله رجال "الصحيح".
3 أخرجه البيهقي [9/ 65]، كتاب السير: باب ما يفعله بالرجال البالغين
منهم.
4 أخرجه أحمد [4/ 430، 433- 434]، ومسلم [6/ 111- نووي]، كتاب النذر:
باب لا وفاء لنذر في معصية الله، حديث [8/ 1641]، وأبو داود [3/ 239]،
كتاب الأيمان والنذور: باب في النذر فيما لا يملك، حديث [3316]،
والشافعي [2/ 121- 122]، في كتاب الجهاد، والحميدي [2/ 365- 366]، برقم
[829]، وابن الجارود برقم [933]، وسعيد بن منصور [2/ 396- 397]، برقم
[2967]، والبيهقي [10/ 75]، كتاب النذور: باب ما يوفى به من النذر وما
لا يوفى.
كلهم من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت ثقيف حلفاء لبني
عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وأسر أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رجلاً من بني عقيل، وأصابوا معه الغضباء، فأتى عليه رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في الوثاق.
قال: يا محمد، فأتاه، فقال: ما شأنك. فقال: بما أخذتني؟ وما أخذت سابقة
الحاج؟ فقال –إعظاماً لذلك- : أخذت بجريرة حلفاءك ثقيف. ثم انصرف عنه
فناداه، فقال: يا محمد، يا محمد –وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحيماً رقيقاً، فرجع إليه فقال: ما شأنك؟.
قال: إني مسلم. قال: لو قلتها وأنت تملك أمرك... إلى آخر الحديث وفيه
قصة المرأة التي نذرت أن تذبح العضباء إن نجاها الله عليه وأنه فدى رجل
برجلين من المسلمين.
(4/289)
حِبَّانَ مُخْتَصَرًا نَحْوَ مَا هُنَا1.
1878- قَوْلُهُ: "وَأَخْذُ الْمَالِ فِي فِدَاءِ أَسْرَى بَدْرٍ
مَشْهُورٌ".
قُلْت: فِيهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ: مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ، نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ،
وَإِلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وسبعة عشر رجلا... " الح
ديث وَفِيهِ: "فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَنُو
الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تأخذ مِنْهُمْ الْفِدْيَةَ،
فَيَكُونُ لَنَا قُوَّةٌ عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ
يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ"؟ قَالَ:
فَقُلْت: لَا وَاَللَّهِ، مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ،
وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، قَالَ:
فَهَوَى مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْت... " ،
الْحَدِيثَ بِطُولِهِ2، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ
بِأَلْفَاظٍ أُخْرَى3، وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: "أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشَارَ
النَّاسَ فِي أَسَارَى بَدْرٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: نَرَى أَنْ تعفو
عنهم، وتقبل مِنْهُمْ الْفِدَاءُ"4.
__________
1 أخرجه أحمد [4/ 426- 427- 432]، والترمذي [4/ 135]، كتاب السير: باب
ما جاء في قتل الأسارى والفداء، حديث [1567]، كلاهما مختصراً، وابن
حبان [11/ 198]، كتاب السير: باب الفذاء وفك الأسارى، حديث [4859]،
فذكره بأتم من سابقه إلا أنه مختصراً وليس فيه قصة المرأة.
كلهم من طريق أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدى رجلين من المسلمين برجل
من المشركين. ولفظ ابن حبان أتم كما ذكرت.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وعم أبي قلابة هو أبو المهلب واسمه
عبد الرحمن بن عمرو ويقال: معاوية بن عمرو، وأبو قلابة اسمه عبد الله
بن زيد الجرمي والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم أن اللإمام أن يمن على من
شاء من الأساري ويقتل على الفداء. وقال الأوزاعي: بلغني أن هذه الآية
منسوخة قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:
4] نسختها {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: 191].
حدثنا بذلك هناد حدثنا ابن المبارك عن الأوزاعي قال إسحاق بن منصور:
قلت لأحمد: إذا أسر الأسير يقتل أو يفادي أحب إليك؟ قال: إن قدروا أن
يفادوا فليس به بأس وإن قتل فما أعلم به بأساً. قال إسحاق: الإثخان أحب
إلي إلا أن يكون معروفاً فأطمع به الكثير.
قال ابن حبان: قول الأسير: إني مسلم وترك النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك منه، كان لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ علم منه بإعلام الله جل وعز إياه أنه كاذب في قوله، فلم يقبل
ذلك منه في أسره، كما كان يقبل مثله من مثله إذا لم يكن أيسراً، فأما
اليوم، فقد انقطع الوحي، فإذا قال الحربي: إني مسلم، قبل ذلك منه، ورفع
عنه السيف، سواء.
2 أخرجه أحمد [1/ 30- 31].
3 أخرج الحاكم [3/ 21]، فذكر قصة الأسارى. قال الحاكم: هذا حديث صحيح
الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
4 أخرجه أحمد [3/ 243].
(4/290)
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: "جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِدَاءَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَئِذٍ
أَرْبَعَمِائَةٍ"1.
وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: ائْذَنْ لَنَا
فَلْنَتْرُكْ لَابْن أَخُتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، فَقَالَ: لَا
تَدَعُونَ مِنْهُ دِرْهَمًا2، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ سَاقَ
ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي تَفْصِيلَ أَمْرِ فَدْيِ أَسْرَى
بَدْرٍ، فَشَفَى وَكَفَى3.
1879- قَوْلُهُ: "وَمَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ"، أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: "لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ
مكة في فدى أساراهم، بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ بْنِ
الرَّبِيعِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا، كَانَتْ
خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ، فَلَمَّا رَآهَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهَا
رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: "إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا
أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا" ، فَقَالُوا:
نَعَمْ، فَأَطْلَقُوهُ، وَرَدُّوا عَلَيْهِ الَّذِي لَهَا"، لَفْظُ
أَحْمَدَ4.
1880- قَوْلُهُ: "وَمَنَّ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أَثَالٍ"، مُسْلِمٌ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ
بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ: فَرَبَطُوهُ
بِسَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَاذَا عِنْدَك
يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، عِنْدِي خَيْرٌ، إنْ تَقْتُلْ
تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ
كُنْت تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْت... " وَفِيهِ
أَطْلَقُوا ثُمَامَةَ، وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ5.
1881- حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى:
{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي
الْأَرْض} [لأنفال: 67] أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ وَفِي
الْمُسْلِمِينَ قِلَّةٌ، فَلَمَّا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ سُلْطَانُهُمْ
أَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَهَا فِي الْأَسَارَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ
وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] فَجَعَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِالْخِيَارِ فِيهِمْ، إنْ
شَاءُوا قَتَلُوهُمْ، وإن شاؤوا اسْتَعْبَدُوهُمْ،
__________
1 أخرجه أبو داود [3/ 61- 62]، كتاب الجهاد: باب في فذاء الأسير
بالمال، حديث [2691]، والنسائي في "الكبرى" [5/ 200]، كتاب السير: باب
الفداء، حديث [8661]، والحاكم [2/ 140]، كلهم من حديث عبد الله بن عباس
رضي الله عنه.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
2 أخرج البخاري [6/ 280]، كتاب الجهاد السير: باب فداء المشركين، حديث
[3048].
3 ينظر: "سيرة ابن هشام" [2/ 364- 367].
4 أخرجه أحمد [6/ 276]، وأبو داود [3/ 62]، كتاب الجهاد: باب في فداء
الأسير بالمال، حديث [2692]، والحاكم [3/ 23].
قال الحاكم: هذا الحديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
5 أخرجه البخاري [8/ 419]، كتاب المغازي: باب وفد بني حنيفة وحديث
ثمامة بن أثال، حديث [4372]، ومسلم [6/ 330- 331- نووي]، كتاب الجهاد
والسير: باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه، حديث [59/ 1964].
(4/291)
وَإِنْ شَاءُوا فَادُوهُمْ"1، الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ نَحْوُهُ، وَعَلِيٌّ يُقَالُ لَمْ يَسْمَعْ
مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، لَكِنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ التَّفْسِيرَ عَنْ
ثِقَاتِ أَصْحَابِهِ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ اعْتَمَدَهُ
الْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمَا فِي التَّفْسِيرِ،
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: نَا أَحْمَدُ، نَا أَبُو نُوحٍ، نَا عِكْرِمَةُ
بْنُ عَمَّارٍ، نَا سِمَاكُ الْحَنَفِيُّ، نَا ابْنُ عَبَّاسٍ،
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ
فَأَخَذَ يَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْفِدَاءَ، أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ
يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} -إلَى قَوْلِهِ - {عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأنفال:
67،68 ] ثُمَّ أَحَلَّ لَهُمْ الْغَنَائِمَ2.
1882- ح ديث مُعَاذٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، "لَوْ كَانَ الِاسْتِرْقَاقُ
جَائِزًا عَلَى الْعَرَبِ، لَكَانَ الْيَوْمُ، إنَّمَا هُوَ أُسَرَاءُ
وَفِدَاءٌ" 3، ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَهُ فِي
الْقَدِيمِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنْ الْوَاقِدِيِّ،
عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ السَّلُولِيِّ، عَنْ مُعَاذٍ، وَأَخْرَجَهُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ أَيْضًا، وَرَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ فِي "الْكَبِيرِ" مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى فِيهَا يَزِيدُ
بْنُ عِيَاضٍ؛ وَهُوَ أَشَدُّ ضَعْفًا مِنْ الْوَاقِدِيِّ.
حَدِيثٌ: "أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا
إلَهَ إلَّا اللَّهُ" ، تَقَدَّمَ.
1883- حَدِيثُ: "إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا
دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ" ، أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ صَخْرِ بن
العيلة، وفيه قِصَّةٌ4.
فَائِدَةٌ: الْعَيْلَةُ -بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ
التَّحْتَانِيَّةِ- هِيَ: أُمُّ صَخْرٍ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ" 5،
أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى، وَضَعَّفَهُ ابْنُ عَدِيِّ بِيَاسِينَ
__________
1 أخرجه البيهقي [6/ 324]، كتاب قسم الفيء والغنيمة: باب ما جاء في
استعباد الأسير.
2 أخرجه أبو داود [3/ 61]، كتاب الجهاد: باب في فداء الأسير بالمال،
حديث [2690].
3 أخرجه البيهقي [9/ 74]، كتاب السير: باب من يجري عليه الرق، وقال:
هذا إسناد ضعيف لا يجتج بمثله.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" [20/ 168]، برقم [355] من طريق يزيد بن
عياض عن موسى بن محمد التيمي عن ابن شهاب عن البلوي عن معاذ بن جبل.
قال الهيثمي في "المجمع" [5/ 335]: رواه الطبراني وفيه يزيد بن عياض
وهو كذاب.
4 أخرجه أبو داود [3/ 175- 176]، كتاب الخراج والإمارة والفيء: باب في
إقطاع الأرضين، حديث [3067]، من حديث عثمان بن أبي حازم عن أبيه عن جده
صخر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزا ثقيفاً فلما
سمع ذلك صخر ركب في خيل يمد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ... فذكر الحديث بطوله وفيه: يا صخر، إن القوم إذا أسلموا
أحرزوا دماءهم وأموالهم فادفع إلى المغيرة عمته.
وأخرجه أحمد [4/ 310]، بنحوه مختصراً من طريق عبد الله البجلي حدثني
عمومتي عن جدهم صخر بن عيلة.
وأخرجه الدارمي [2/ 228]، من طريق عثمان بن أبي حازم عن صخر بن العيلة.
5 أخرجه أبو يعلى [10/ 226- 227]، برقم [5847]، والبيهقي [9/ 113]،
كتاب السير: باب من أسلم على شيء فهو له. =
(4/292)
الزَّيَّاتِ، رَاوِيهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ أَبِي
مُلَيْكَةَ، وَعَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا. وَمُرْسَلُ عُرْوَةَ
أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ.
1884- حَدِيثُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَسْلَمَ ثَعْلَبَةُ وَأَسَدُ ابْنَا
سَعْيَةَ، فَأَحْرَزَ لَهُمَا إسْلَامُهُمَا أَمْوَالَهُمَا
وَأَوْلَادَهُمَا الصِّغَارَ، ابْنُ إِسْحَاقَ فِي "الْمَغَازِي"
حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي
قُرَيْظَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: هَلْ تَدْرِي؛ كَيْفَ كَانَ إسْلَامُ
ثعلبة وأسد ابني شعب، وَأَسَدُ بْنُ عُبَيْدٍ نَفَرٌ مِنْ هُذَيْلٍ
لَمْ يَكُونُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَلَا النَّضِيرِ، كَانُوا
فَوْقَ ذَلِكَ؟ قُلْت: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ
مِنْ "الشَّامِ" مِنْ يَهُودَ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْهَيَبَانِ،
فَأَقَامَ عِنْدَنَا، فَوَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطُّ لَا
يُصَلِّي الْخَمْسَ خَيْرًا مِنْهُ، فَقَدِمَ عَلَيْنَا قَبْلَ
مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَتَيْنِ،
وَكَانَ يَقُولُ: إنَّهُ يَتَوَقَّعُ خُرُوجَ نَبِيٍّ قَدْ أَظَلَّ
زَمَانُهُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ
اللَّيْلَةُ الَّتِي اُفْتُتِحَتْ فِيهَا قُرَيْظَةُ قَالَ أُولَئِكَ
الْفِتْيَةُ الثَّلَاثَةُ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، وَاَللَّهِ إنَّهُ
لَلرَّجُلُ الَّذِي كَانَ ذَكَرَ لَكُمْ ابْنُ الْهَيَبَانِ، قَالُوا:
مَا هُوَ؟ قَالُوا: بَلَى، وَاَللَّهِ إنَّهُ لَهُوَ، قَالَ:
فَنَزَلُوا وَأَسْلَمُوا، وكانوا شبابا، فحلوا أموالهم وأولاهم
وَأَهْلِيهِمْ فِي الْحِصْنِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا فُتِحَ
رُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ1، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
تَنْبِيهٌ: سَعْيَةُ بِفَتْحِ السِّينِ، وَقِيلَ: بِضَمِّهَا، وَهُوَ
تَحْرِيفٌ، وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ
تَحْتُ، وَقِيلَ: بِالنُّونِ بَدَلَ الْيَاءِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ تَصْحِيفٌ مِنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ،
وَهُوَ غَيْرُ وَالِدِ زَيْدِ بْنِ سَعْنَةَ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي الْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ
كَانَ شَابًّا، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ ابْنٌ مِثْلُ زَيْدٍ؟ قَالَ:
وَقِيلَ: شُعْبَةُ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ خَطَأٌ،
وَأَسِيدُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ، وَقِيلَ:
بِفَتْحِهَا بِلَا يَاءٍ، وَقِيلَ: بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُصَغَّرٌ،
وَالْهَيَبَانُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ
وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ضَبَطَهُ الْمُطَرِّزِيُّ فِي
"الْمُغْرِبِ".
حَدِيثُ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ
أَوْطَاسٍ: "أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا حَائِلٌ
حَتَّى تَحِيضَ" تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ.
__________
= كلاهما من طريق مروان بن معاوية ثنا ياسين بن معاذ الزيات عن الزهري
عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" [5/ 339]: رواه أبو يعلى وفيه ياسين بن
معاذ الزيات وهو متروك.
1 ذكر ابن هشام في "مسيرته" [3/ 256]، صدره فقط عن ابن إسحاق ولم يذكر
قصة ابن الهيبان.
وأخرجه البيهقي [9/ 114]، كتاب السير: باب الحربي يدخل بأمان وله مال
في دار الحرب ثم يسلم أو يسلم في دار الحرب.
(4/293)
1885- حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ: أَصَبْنَا نِسَاءَ يَوْمَ أَوْطَاسٍ،
فَكَرِهُوا أَنْ يَقَعُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ
النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]
فَاسْتَحْلَلْنَاهُنَّ، مُسْلِمٌ نَحْوُهُ، وَفِي آخِرِهِ: فَهُنَّ
لَكُمْ حَلَالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ1.
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَحَرَقَ، الْحَدِيثُ
تَقَدَّمَ.
1886- حَدِيثُ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ
عَلَى أَهْلِ "الطَّائِفِ" كُرُومًا، ابْنُ إِسْحَاقَ فِي
"الْمَغَازِي"؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سَارَ إلَى "الطَّائِفِ"، فَأَمَرَ بِقَصْرِ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ
فَهُدِمَ، وَأَمَرَ بِقَطْعِ الْأَعْنَابِ، وَرَوَاهُ أَبُو
الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَكَمَةِ عِنْدَ حِصْنِ الطَّائِفِ،
فَحَاصَرَهُمْ، وَقَطَعَ الْمُسْلِمُونَ شَيْئًا مِنْ كُرُومِ ثَقِيفَ؛
لِيَغِيظُوهُمْ2؛ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ
حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي "الْمَغَازِي".
قَوْلُهُ: وَذَكَرَ أَنَّ "الطَّائِفَ" كَانَ آخِرَ غَزَوَاتِهِ.
قُلْت: مَعْنَاهُ الَّتِي غَزَاهَا بِنَفْسِهِ وَاَلَّتِي قَاتَلَ
فِيهَا، لَا بُدَّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ، وَإِلَّا فَغَزْوَةُ
"تَبُوكَ" بَعْدَهَا بِلَا خِلَافٍ لَكِنَّهُ لَمْ يُقَاتِلْ فِيهَا،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثُ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَ جَيْشًا إلَى "الشَّامِ"،
فَنَهَاهُمْ عَنْ قَتْلِ الشُّيُوخِ، وَأَصْحَابِ الصَّوَامِعِ،
وَقَطْعِ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ، الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ
يُونُسَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ
أَبِي بَكْرٍ مُطَوَّلًا3.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ أَنْكَرَهُ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي
"الْمُوَطَّأِ" عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ
نَحْوَهُ4، وَرَوَاهُ سَيْفٌ فِي "الْفُتُوحِ" مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ
الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الحسن مرسلا أَيْضًا.
__________
1 أخرجه مسلم [2/ 1079]، كتاب الرضاع: باب جواز وطء المسبية بعد
الاستبراء، وإن كان لها زوج انفسخ نكاحها بالسبي، رقم [33، 34، 35/
1456]، وأبو داود [1/ 653]، كتاب النكاح: باب ما جاء في الرجل يسبي
الأمة ولها زوج، هل يحل له أن يطأها، رقم [1132]، والترمذي [5/ 235]،
كتاب تفسير القرآن: باب ومن سورة النساء، برقم [3017]، والنسائي [6/
110]، كتاب النكاح: باب تأويل قول الله عز وجل: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ
النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] [3333].
2 أخرجه البيهقي [9/ 84]، كتاب السير: باب قطع الشجر وحرق المنازل.
3 أخرجه البيهقي [9/ 85]، كتاب السير: باب قطع الشجر وحرق المنازل، من
طريق يونس عن أبي إسحاق حدثني طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي
بكر الصديق قال: كان أبو بكر رضي الله عنه يأمر أمراءة حين كان يبعثهم
في الردة... فذكر بنحوه.
4 أخرجه مالك [2/ 447]، كتاب الجهاد: باب النهي عن قتل النساء والولدان
في الغزو، حديث [10]، وفيه قصة.
(4/294)
1887- حَدِيثُ: أَنَّ حَنْظَلَةَ الرَّاهِبَ عَقَرَ فَرَسَ أَبِي
سُفْيَانَ يَوْمَ "أُحُدٍ"، فَسَقَطَ عَنْهُ، فَجَلَسَ حَنْظَلَةُ
عَلَى صَدْرِهِ لِيَذْبَحَهُ، فَجَاءَ ابْنُ شَعُوبٍ وَقَتَلَ
حَنْظَلَةَ، وَاسْتَنْقَذَ أباسفيان، وَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلَ حَنْظَلَةَ1، الْبَيْهَقِيُّ
مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ بِغَيْرِ إسْنَادٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ
الْوَاقِدِيُّ فِي "الْمَغَازِي" عَنْ شُيُوخِهِ، فَذَكَرَهُ
مُطَوَّلًا، وَذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي "الْمَغَازِي" دُونَ
ذِكْرِ الْعَقْرِ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ النَّهْيُ عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ إلَّا
لِمَآكِلِهِ، تَقَدَّمَ.
1888- حَدِيثُ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الْحَيَوَانِ صَبْرًا"، مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ2،
وَلَهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: نَهَى أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ3،
ولأحمد عن أَيُّوبَ: نَهَى عَنْ قَتْلِ الصَّبْرِ4، وَرَوَى
الْعُقَيْلِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: "نَهَى
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تصبر البهائم،
وَأَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُهَا إذَا صُبِرَتْ5"، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ:
رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
النَّهْيِ عَنْ صَبْرِ الْبَهَائِمِ أَحَادِيثُ بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ،
وَأَمَّا أَكْلُ لَحْمِهَا فَلَا يَحْفَظُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
1889- حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: "أَنَّ جَيْشًا غَنِمُوا طَعَامًا
وَعَسَلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمْ الْخَمْسَ"، أَبُو دَاوُد وَابْنُ
حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَجَّحَ
__________
1 أخرجه البيهقي [4/ 15]، [3/ 20]، وذكره ابن هشام في "سيرته"، كلاهما
دون ذكر ما كان من حنظلة من إرادته ذبح أبي سفيان.
2 أخرجه مسلم [3/ 1550]، كتاب الصيد والذبائح: باب النهي عن حبر
البهائم، رقم [60/ 1959]، وابن ماجة [2/ 1064]، كتاب الذبائح: باب
النهي عن حبر البهائم وعن المثلة رقم [3188]، وأحمد [3/ 318- 322-
339].
3 أخرجه البخاري [9/ 558، 559]، كتاب الذبائح والصيد: باب ما يكره من
المثلة والمصبورة والمجثمة، برقم [5515]، ومسلم [3/ 155]، كتاب الصيد
والذبائح: باب النهي عن حبر البهائم، برقم [59، 59/ 1958]، والنسائي
[7/ 238]، كتاب الضحايا: باب النهي عن المجثمة، رقم [4442]، وأحمد [2/
60- 94]، وابن حبان [12/ 434]، كتاب الحظر والإباحة: باب المثلة، ذكر
الزجر عن المثلة بشيء، فيه الروح، برقم [5617]، والبيهقي [9/ 87]، كتاب
السير: باب تحريم قتل ما له روح إلا بأن يذبح فيؤكل، والدارمي [2/
173]، كتاب الأضاحي: باب النهي عن مثلة الحيوان، والحاكم [4/ 234]،
وعبد الرزاق في "مصنفه" [4/ 454]، رقم [8428].
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة،
ووافقه الذهبي وليس كذلك فقد أخرجه مسلم.
4 أخرجه أحمد [5/ 422- 422، 423]، والدارمي [2/ 83]، كتاب الأضاحي: باب
النهي عن مثلة الحيوان، والطبراني [4/ 159، 160]، رقم [4001، 4005]،
والبيهقي [9/ 71]، كتاب السير: باب المنع من حبر الكافر بعد الأسار بأن
يتخذ غرضاً، وابن حبان [12/ 423]، كتاب الحظر والإباحة: باب فصل في
التعذيب، ذكر الزجر عن حبر الدواب بالقتل، رقم [5609]، [5610].
5 أخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير" [2/ 18- 19].
(4/295)
الدَّارَقُطْنِيُّ وَقْفَهُ1.
1890- حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: "كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا
الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ"، الْبُخَارِيُّ
بِهَذَا2.
1891- حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى: "أَصَبْنَا مَعَ رَسُولِ الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بـ"خيبر" طَعَامًا، فَكَانَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنَّا يَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ"، أَبُو دَاوُد
وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ3.
1892- حَدِيثُهُ: "كُنَّا نَأْخُذُ مِنْ طَعَامِ الْمَغْنَمِ مَا
نَشَاءُ"، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي كَلَامِهِ عَلَى "الْوَسِيطِ":
هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يُذْكَرْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، انْتَهَى،
وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "الْكَبِيرِ" مِنْ حَدِيثِهِ
بِلَفْظِ: "لَمْ يُخَمَّسْ الطَّعَامُ يَوْمَ خَيْبَرَ"، وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلِ، قَالَ: "أَصَبْت
جِرَابًا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ شَحْمٍ... "، الْحَدِيثَ، "فَالْتَفَتَ
فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ فاستحييت مِنْهُ"، زَادَ الطَّيَالِسِيُّ فِي
مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَقَالَ: "هُوَ لَك" 4.
__________
1 أخرجه أبو داود [3/ 65]، كتاب الجهاد: باب في إباحة الطعام في أرض
العدو، حديث [2701]، وابن حبان [11/ 156- 157]، كتاب السير: باب
الغنائم وكثرتها، حديث [4825]، والبيهقي [9/ 59]، كتاب السير: باب
السرية تأخذ العلف والطعام، حديث [4825]، والطبراني في "الكبير" [12/
369- 370]، برقم [13372].
2 أخرجه البخاري [6/ 255]، كتاب فرض الخمس: باب ما يعيب من الطعام في
أرض الحرب، حديث [3145]، وأبو داود [3/ 149]، كتاب الجهاد: باب في
إباحة الطعام في أرض الحرب، حديث [2701]، والبيهقي [9/ 59]، كتاب
السير: باب السرية تأخذ العلف والطعام لكن من حديث ابن عمر.
أما حديث ابن أبي أوفى في هذا الباب.
أخرجه أبو داود [3/ 151]، كتاب الجهاد: باب النهي عن النهب إذا كان في
الطعام قلة في أرض العدو، حديث [2704]، وابن الجارود ص [359]، باب
إباحة أطعمة العدو من غير قسم، حديث [1072]، والحاكم [2/ 126]، كتاب
قسم الفيء: باب تنفيل الثلث بعد الخمس، وأحمد [4/ 354]، والبهيقي [9/
60]، كتاب السير: باب السرية تأخذ العلف والطعام.
من طريق أبي إسحاق الشيباني عن محمد بن أبي مجالد عن عبد الله بن أبي
أوفى قال: أصبنا طعاماً يوم خيبر وكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما
يكفيه ثم ينظلق.
قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري فقد احتج بمحمد وعبد الله ابني أبي
المجالد جميعاً ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
وأخرجه الحاكم [2/ 133- 134]، من طريق أبي إسحاق الشيباني وأشعث بن
سوار عن محمد بن أبي المجالد به.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
3 تقدم تخريجه.
4 أخرجه البخاري [6/ 387]، كتاب فرض الخمس: باب ما يصيب من الطعام في
أرض الحرب، حديث [3153]، وطرفاه في [4224، 5508]، ومسلم [6/ 344- 345-
نووي]، كتاب الجهاد والسير: باب جواز الأكل من طعام الغنيمة؛ حديث [72،
73/ 1772].
(4/296)
1893- حَدِيثُ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ
بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ
الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَخْلَقَ رَدَّهُ" ، وَفِيهِ: "وَمَنْ
كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَرْكَبَنَّ
دَابَّةً مِنْ فَيْء الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى إذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا
إلَيْهِ... " الْحَدِيثُ، أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ،
وَزَادَ: "وُرُودُ ذَلِكَ يَوْمَ حُنَيْنٍ" 1.
حَدِيثٌ: "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سُئِلَ
عَنْ ضَالَّةِ الْغَنَمِ فَقَالَ: "هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ
لِلذِّئْبِ" ، تَقَدَّمَ فِي "اللُّقَطَة".
حَدِيثُ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ" ، تَقَدَّمَ فِي
"قِسْمِ الْفَيْءِ".
1894- حَدِيثُ: "رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا غَلَّ فِي الْغَنِيمَةِ،
فَأَحْرَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْلَهُ"،
أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؛ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَحْرَقُوا
مَتَاعَ الْغَالِّ، وَضَرَبُوهُ، وَمَنَعُوا سَهْمَهُ"2، وَهُوَ مِنْ
رِوَايَةِ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ، وَهُوَ الْخُرَاسَانِيُّ
نَزِيلُ "مَكَّةَ"، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يُقَالُ هُوَ غَيْرُهُ،
وَأَنَّهُ مَجْهُولٌ.
وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي
وَاقِدٍ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ الْمَدَنِيِّ،
عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا وَجَدْتُمْ الرَّجُلَ قَدْ غَلَّ،
فَأَحْرِقُوا مَتَاعَهُ، وَاضْرِبُوهُ" ، وَفِيهِ قِصَّةٌ3، وَصَالِحٌ
ضَعِيفٌ، وَقَالَ
__________
1 أخرجه أبو داود [1/ 654]، كتاب النكاح: باب في وطء السبايا، برقم
[2158- 2159]، والترمذي [3/ 4280]، كتاب النكاح: باب ما جاء في الرجل
يشتري الجارية وهي حامل، رقم [1131]، وأحمد [4/ 108- 109]، والدارمي
[2/ 226/ 227- 230]، كتاب السير: باب استبراء الأمة، النهي عن ركوب
الدابة من المغنم، وابن حبان في "صحيحه" [11/ 186]، كتاب السير: باب
الغلول، ذكر الزجر عن اتساع المريء بالمغانم على سبيل الضرر بالمسلمين
فيه، برقم [4850]، وأخرجه [5/ 281- الموارد]، رقم [1675]، وسعيد بن
منصور ص [313]، برقم [2722]، وابن سعد في "الطبقات" [2/ 88]، والطحاوي
في "شرح معاني الآثار" [3/ 251]، كتاب السير: باب الرجل يحتاج القتال
على دابة من المغنم، والطبراني في "الكبير" [5/ 26، 27]، رقم [4482-
4483- 4484- 4486- 4487- 4488- 4489- 4490]، والبيهقي [9/ 62]، كتاب
السير: باب أخذ السلاح وغيره بغير إذن الإمام، وابن عبد البر في
"التمهيد" [2/ 21].
2 أخرجه أبو داود [3/ 69]، كتاب الجهاد: باب في عقوبة الغال، حديث
[2715]، والحاكم [2/ 131]، والبيهقي [9/ 102]، كتاب السير: باب لا يقطع
من غل في الغنيمة ولا يحرق متاعه ومن قال: يحرق.
قال الحاكم: حديث غريب صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
3 أخرجه أبو داود [3/ 69]، كتاب الجهاد: باب في عقوبة الغال، حديث
[2713]، والترمذي [4/ 61]، كتاب الحدود: باب ما جاء في الغال، حديث
[1461]، والحاكم في "المستدرك" [2/ 127]، كتاب الجهاد: باب التشديد في
الغول، والبيهقي [9/ 103]، كتاب: السير باب لا يقطع من غل من الغنيمة.
=
(4/297)
الْبُخَارِيُّ: عَامَّةُ أَصْحَابِنَا يَحْتَجُّونَ بِهِ، وَهُوَ
بَاطِلٌ، وَصَحَّحَ أَبُو دَاوُد وَقْفَهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ:
أَنْكَرُوهُ عَلَى صَالِحٍ، وَلَا أَصْلَ لَهُ، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ
سَالَمَا أَمَرَ بِذَلِكَ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ
قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ الْوَلِيدِ بْنِ هِشَامٍ، وَمَعَنَا سَالِمُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَغَلَّ رَجُلٌ
مَتَاعًا، فَأَمَرَ الْوَلِيدُ بِمَتَاعَةِ فَأُحْرِقَ، وَطِيفَ بِهِ،
وَلَمْ يُعْطِهِ سَهْمَهُ"1، قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا أَصَحُّ،
وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ هِشَامٍ حَرَقَ رَحْلَ
زياد شَعْرٍ، وَكَانَ قَدْ غَلَّ، وَضَرَبَهُ، قَالَ أَبُو دَاوُد:
شِعْرٌ لَقَبُهُ.
قَوْلُهُ: "وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ قُلْت بِهِ،
قَالَ الرَّافِعِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ صِحَّتُهُ،
قَالَ: وَبِتَقْدِيرِ الصِّحَّةِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي
ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ".
قُلْت: لَمْ يصح، فلا حاجة إلى الْحَمْلِ، وَقَدْ أَشَارَ
الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ،
وَأَوْرَدَ مَا يُخَالِفُهُ2، ثُمَّ إنَّ الْحَمْلَ الْمَذْكُورَ
مِمَّا يُنَازَعُ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ
بِالِاحْتِمَالِ.
حَدِيثُ: "أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَ جَيْشًا فَنَهَاهُمْ عَنْ قَتْلِ
الشُّيُوخِ... " الْحَدِيثَ تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
1895- حَدِيثُ عُمَرَ: الشافعي عن ابن عيينة،"أَنَا فِئَةٌ لِكُلِّ
مُسْلِمٍ، وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَجُنُودُهُ بِالشَّامِ والعراق"
عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "أَنَّ عُمَرَ قَالَ: أَنَا
فِئَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ"3، وَرَوَاهُ هُوَ وَأَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
مَرْفُوعًا4.
__________
= قال الترمذي: هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والعمل على
هذا عند بعض أهل العلم وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق.
قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث، فقال: إنما روى هذا صالح بن محمد بن
زائدة، وهو أبو واقد اليثي، وهو منكر الحديث. وقال محمد: وقد روي في
غير حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغال فلم
يأمر فيه يحرق متاعه.
قال الترمذي: هذا حديث غريب.
قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، ووفقه الذهبي.
1 أخرجه أبو داود [3/ 69]، كتاب الجهاد: باب في عقوبة الغال، حديث
[2714].
2 "فتح الباري" [6/ 304]، كتاب الجهاد والسير: باب القليل من الغلول،
قال البخاري: ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه حرق متاعه وهذا أصح. ثم أخرج برقم [3074] من
طريق سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن عمرو قال: كان على ثقل النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل يقال له: كركرة، فمات، فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هو في النار" فذهبوا
ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد علها.
3 أخرجه الشافعي في "الأم" [4/ 240]، كتاب الجزية: باب تحريم الفرار من
الزحف.
4 أخرجه الشافعي في "الأم" [4/ 240]، كتاب الجزية: باب الفرار من
الزحف، وأحمد [2/ 58، 70، 99، 111]، وأبو داود [3/ 46]، كتاب الجهاد:
باب في التولي يوم الزحف، حديث [2647]، والترمذي [4/ 215]، كتاب
الجهاد: باب ما جاء في الفرار من الزحف، حديث [1716]، والبيهقي [9/
77]، كتاب السير: باب من تولى متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة.
قال الترمذي: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي زياد.
(4/298)
1896- حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ "أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ فَرَّ مِنْ
ثَلَاثَةٍ لَمْ يَفِرَّ، وَمَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ"،
الشَّافِعِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،
عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ1.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عن
ابن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا2.
حَدِيثُ: "أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حُمِلَتْ إلَيْهِ رُءُوسٌ" تَقَدَّمَ.
حَدِيثُ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: "لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَالِدِ
وَوَلَدِهِ"، الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ
قَالَ "أَمَرَ عُثْمَانُ أَنْ يُشْتَرَى لَهُ رَقِيقٌ، وَقَالَ: لَا
يُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ"3، وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ
مَوْصُولًا.
1897- حَدِيثُ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَرَكَ عَقَارَ مَكَّةَ بِأَيْدِي أَهْلِهَا"، مُسْتَفَادٌ مِنْ
الْأَصْلِ، وَمِنْ قَوْلِهِ: "مَنْ وَجَدَ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ
حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فَهُوَ آمَنُ" ، ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي
السِّيرَةِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ:
"وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ"4.
حَدِيثُ: "أَنَّ عُمَرَ فَتَحَ السَّوَادَ عَنْوَةً، وَقَسَمَهُ بَيْنَ
الْغَانِمِينَ، ثُمَّ اسْتَطَابَ قُلُوبَهُمْ وَاسْتَرَدَّهُ"، وَقَالَ
جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ: "كَانَتْ بَجِيلَةُ رُبْعَ
النَّاسِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ، فَقَسَمَ لَهُمْ عُمَرُ رُبْعَ
السَّوَادِ، فَاسْتَغَلُّوا ثَلَاثَ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعًا، ثُمَّ
قَدِمَتْ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ
لَتَرَكْتُكُمْ عَلَى مَا قَسَمَ"، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَعَنْ عُتْبَةَ بْنَ فَرْقَدٍ؛ "أَنَّهُ اشْتَرَى أَرْضًا مِنْ أَرْضِ
السَّوَادِ، فَأَتَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: مِمَّنْ
اشْتَرَيْتهَا؟ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِهَا، فَقَالَ فَهَؤُلَاءِ
الْمُسْلِمُونَ أَبِعْتُمُوهُ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَاذْهَبْ
وَاطْلُبْ مَالَك".
__________
1 أخرجه الشافعي في "مسنده" [2/ 116]، في كتاب الجهاد، حديث [387].
2 أخرجه الطبراني [11/ 93]، برقم [11151]، قال الهيثمي في "مجمع
الزوائد" [5/ 330]: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
3 أخرجه البيهقي [9/ 126]، كتاب السير: باب التفريق بين المرأة وولدها.
4 أخرجه البخاري [8/ 13]، كتاب المغازي: باب أين ركز النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الراية يوم الفتح، حديث [4282]، ومسلم [2/
985]، كتاب الحج: باب النزول بمكة للحاج وتوريث دورها، حديث [440/
1251]، وأبو داود [2/ 140]، كتاب الفرائض: باب هل يرث المسلم الكافر،
حديث [2910]، وابن ماجة [2/ 912]، كتاب الفرائض: باب ميراث أهل الإسلام
من أهل الشرك، حديث [2730]، وأحمد [5/ 202]، والدارقطني [3/ 62]،
والبيهقي [5/ 160]، وابن خزيمة [4/ 322- 323]، رقم [2985]، من حديث
أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله أين تنزل غداً؟ في حجته قال: "وهل
ترك لنا عقيل منزلاً" .
وزاد البخاري ومسلم في رواية: وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرث
جعفر ولا علي شيئاً لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين.
(4/299)
وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: جَعَلَ عُمَرُ
السَّوَادَ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا تَنَاسَلُوا، وَعَنْ
ابْنِ شُبْرُمَةَ، قَالَ: لَا أُجِيزُ بَيْعَ أَرْضِ السَّوَادِ، وَلَا
هِبَتَهَا، وَلَا وَقْفَهَا.
وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: لَوْلَا أَخْشَى أَنْ يَبْقَى آخر الناس ببانا
لَا شَيْءَ لَهُمْ، لَتَرَكْتُكُمْ وَمَا قُسِمَ لَكُمْ، وَلَكِنِّي
أُحِبُّ أَنْ يَلْحَقَ آخِرُ النَّاسِ أَوَّلَهُمْ1، وَتَلَا قَوْله
تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ... } [الحشر: 10].
وَعَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ قَالَ: أَدْرَكْت النَّاسَ
بِالْبَصْرَةِ، وَإِنَّهُ لَيُجَاءُ بِالتَّمْرِ، فَمَا يَشْتَرِيهِ
إلَّا أَعْرَابِيٌّ أَوْ مَنْ يَتَّخِذُ النَّبِيذَ؛ يُرِيدُ أَنَّهُمْ
كَانُوا يَنْخَرُّونَ عَنْهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَشْهُورًا فِيمَا
بَيْنَهُمْ.
أَمَّا أَثَرُ عُمَرَ فِي فَتْحِ السَّوَادِ: فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ
فِي كِتَابِ "الْأَمْوَالِ": نَا هُشَيْمٌ، أَنَا الْعَوَّامُ بْنُ
حَوْشَبٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ؛ قَالَ: "لَمَّا افْتَتَحَ
الْمُسْلِمُونَ السَّوَادَ، قَالُوا لِعُمَرَ: اقْسِمْهُ بَيْنَنَا؛
فَإِنَّا فَتَحْنَاهُ عَنْوَةً، قَالَ: فَأَبَى، ثُمَّ أَقَرَّ أَهْلَ
السَّوَادِ عَلَى أَرْضِهِمْ، وَضَرَبَ عَلَى رُءُوسِهِمْ الْجِزْيَةَ،
وَعَلَى أَرْضِهِمْ الْخَرَاجَ"، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ
عَنْ هُشَيْمٍ مِثْلَهُ.
وَأَمَّا أَثَرُ جَرِيرٍ: فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ الثِّقَةِ،
عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ،
عَنْ جَرِيرٍ مِثْلَهُ2.
وَأَمَّا أَثَرُ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ: فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ
مِنْ طَرِيقَيْنِ فِي السُّنَنِ3، وروا الْخَطِيبُ فِي "تَارِيخِ
بَغْدَادَ" مِنْ طَرِيقِ الْخَرَاجِ لِيَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ عَبْدِ
السَّلَامِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَامِرٍ
هُوَ الشَّعْبِيُّ، قَالَ: اشْتَرَى عُتْبَةُ بْنُ فَرْقَدٍ،
فَذَكَرَهُ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ أَيْضًا: نَا حَسَنُ بْنُ
صَالِحٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ؛
قَالَ: أَسْلَمَتْ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ مَهْرِ الْمَلِكِ، فَكَتَبَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إنْ اخْتَارَتْ أَرْضَهَا وَأَدَّتْ مَا عَلَى
أَرْضِهَا، فَخَلُّوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْضِهَا، وَإِلَّا
فَخَلُّوا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَرْضِهِمْ4.
وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: فَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ
فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ لَهُ عَنْهُ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ فَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ
أَيْضًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَزْوَةِ
خَيْبَرَ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ
__________
1 أخرجه البيهقي [9/ 135]، كتاب السير: باب السوار، وذكره الهندي في
"كنز العمال" [3/ 915]، برقم [9153]، وعزاه إلى الشافعي وأبي عبيد وابن
زنجويه.
2 أخرجه الشافعي في "الأم" [4/ 396]، كتاب الحكم في قتال المشركين
ومسألة مال الحربي: باب فتح السواد، والبيهقي [9/ 135]، كتاب السير:
باب السواد.
3 أخرجه البيهقي [9/ 141]، كتاب السير: باب الأرض إذا أخذت عنوة فوقفت
للمسلمين بطيب أنفس...
4 أخرجه البيهقي في الموضع السابق.
(4/300)
سَمِعَ عُمَرَ1، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ أَيْضًا،
وَقَوْلُهُ: "بَبَّانَا" بموحدتين، الثانية مشدودة، وَبَعْدَ الْأَلِفِ
نُونٌ خَفِيفَةٌ، أَيْ: شَيْئًا وَاحِدًا؛ كَذَا قِيلَ فِي
تَفْسِيرِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ: فَهُوَ فِي كِتَابِ
"الْأَحْكَامِ" لِزَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى السَّاجِيِّ عَنْهُ؛ وَكَذَا
نَسَبَهُ إلَيْهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ.
قَوْلُهُ: "وَرَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَ
عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ مَاسِحًا، فَفَرَضَ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ
شَعِيرٍ دِرْهَمَيْنِ... "، الْحَدِيثُ2، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ
طَرِيقَيْنِ، وَهُوَ فِي الْخَرَاجِ لِيَحْيَى بْنِ آدَمَ، وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ فِي "الْأَمْوَالِ": نَا الْأَنْصَارِيُّ مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَلَا أَعْلَمُ إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ
إلَّا "ناه" أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَ
عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ عَلَى صَلَاتِهِمْ
وَحَرْبِهِمْ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ معسود عَلَى قَضَائِهِمْ وَبَيْتِ
مَالِهِمْ، وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى مِسَاحَةِ الْأَرْضِ،
ثُمَّ فَرَضَ لَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ شَاةً... " الْحَدِيثَ، وَفِيهِ:
"فَمَسَحَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ الْأَرْضَ، فجعل عَلَى جَرِيبِ
الْكَرْمِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ خَمْسَةً،
وَعَلَى جَرِيبِ الْقَصَبِ سِتَّةً، وَعَلَى جَرِيبِ الْبُرِّ
أَرْبَعَةً، وَعَلَى جَرِيبِ الشَّعِيرِ دِرْهَمَيْنِ"3، وَرَوَاهُ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ.
قَوْلُهُ: يُذْكَرُ أَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ عَلَى
عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ مِائَةَ أَلْفِ أَلْفٍ
وَسَبْعَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفٍ، وَقِيلَ: مِائَةَ أَلْفِ
أَلْفٍ وَسِتِّينَ أَلْفَ أَلْفٍ، ثُمَّ كَانَ يَتَنَاقَصُ حَتَّى
عَادَ فِي زَمَنِ الْحَجَّاجِ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفٍ،
فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ارْتَفَعَ فِي
السَّنَةِ الْأُولَى إلَى ثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفٍ، وَفِي
الثَّانِيَةِ إلَى سِتِّينَ أَلْفَ أَلْفٍ، وَقِيلَ فَوْقَ ذَلِكَ،
وَقَالَ: "لَئِنْ عِشْتُ لِأُبْلِغَنَّهُ إلَى مَا كَانَ فِي أَيَّامِ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَمَاتَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ"، يَحْيَى بْنُ
آدَمَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي
مِجْلَزٍ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ
عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، وَمِنْ
طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
وَجَّهَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى خَرَاجِ السَّوَادِ... "،
الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: "فَحُمِلَ مِنْ خَرَاجِ سَوَادِ الْكُوفَةِ إلَى
عُمَرَ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ ثَمَانُونَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ،
وَقِيلَ: مِائَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ أَلْفٍ، وَاَلَّذِي فِي
الرَّافِعِيِّ عَزَاهُ صَاحِبُ "الْمُهَذَّبِ" إلَى رِوَايَةِ عَبَّادِ
بْنِ كَثِيرٍ عَنْ قَحْدَمٍ، وَعَبَّادٌ ضَعِيفٌ.
__________
1 أخرجه البخاري [6/ 350]، كتاب فرض الخمس: باب العنيمة لم شهد
الواقعة، حديث [3125]، وأبو داود [3/ 161- 162]، كتاب الخراج والإمارة
والفيء: باب ما جاء في حكم أرض خيبر، حديث [3020].
2 أخرجه البيهقي [9/ 136]، كتاب السير: باب قدر الخراج الذي وضع على
السواد، بنحو ذلك في حديث طويل.
3 أخرجه البيهقي في الموضع السابق.
(4/301)
قَوْلُهُ: "اُشْتُهِرَ أَنَّ أَرْضَ الْبَصْرَةِ كَانَتْ سَبَخَةً،
فَأَحْيَاهَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، وَعُتْبَةُ بْنُ
غَزْوَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ".
قُلْت: هو كما قال، رواه عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي "أَخْبَارِ
الْبَصْرَةِ"، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَكَانَ
السَّابِقُ إلَى ذَلِكَ عُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ.
قَوْلُهُ: "رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ اشْتَرَى حُجْرَةَ سودة بـ"مكة".
وَأَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بَاعَ دَارَ النَّدْوَةِ مِنْ معاوية".
أما حُجْرَةُ سَوْدَةَ: فَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الَّذِي اشْتَرَاهَا
ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ؛ وَكَذَا
تَقَدَّمَ فِيهِ قِصَّةُ حَكِيمٍ.
(4/302)
3- بَابُ الْأَمَانِ1
1898- حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: "قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَكَّةَ"، فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ عَلَى
إحْدَى
__________
1 لا يبيح الإسلام للحربي أن يدخل بلادنا من غير أن يكون معه أمان
محترم يجعلنا نظمئن إليه، والأمان لغة ضد الخوف وشرعاً عقد يعطيه
الإمام أو غيره من أفراد الأمة العقلاء البالغين للحربي فرداً أو جماعة
يباح لهم بمقتضاه الدخول في دار الإسلام ومباشرة أعمالهم العلمية، أو
التجارية على نحو ما يريدون. ويشترط فيه ألا يكون في أعمالهم مساس
بسلامة الدولة الإسلامية.
والدليل عليه: الأمان جائز في الكتاب والسنة:
أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ
أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] الآية. ومعناه: وإن جاءك أحد من
المشركين لا عهد بينك وبينه وطلب أمانك وجوارك فأمنه حتى يسمع كلام
الله ويتدبره ويعوف حقيقة الإسلام، ثم أبلغه بعد ذلك مكاناً يأمن فيه
على نفسه.
ووجه الدلالة: أن الله أذن لنبيه عليه الصلاة والسلام في إعطاء الأمان
لمن سأله أو استجار به، والاستجارة في الآية عامة، فتناول الاستجارة
لنثر العلوم، والتجارة، وسماع كلام الله، وغير ذلك من الأسباب التي
تحمل على طلب الأمان. وأما قوله سبحانه وتعالى: {حَتَّى يَسْمَعَ
كَلامَ اللَّهِ} ، فهو إشارة إلى الحكمة المقصودة من إعطاء الأمان،
وذلك لأنه إذا دخل بلاد المسلمين وأقام بينهم ثم سمع كلام الله، وعرف
مقاصد الدين، وكثيراً ما يكون ذلك سبباً لإسلامه.
وأما السنة: فما رواه البخاري عن علي رضي الله عنه أن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم
فمن أخفر مسلماً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" . والذمة
معناها: العهد والأمان والحرمة، وقوله: "يسعى بذمتهم أدناهم" ، أي
يتحملها ويعقدها مع الكفار أقلهم وقوله: "ممن أخفر مسلماً" أي نقض
عهده. ووجه الدلالة أن الحديث جعل الأمان لجميع المسلمين فمن أعطى منهم
الأمان لكافر وجب على الجميع احترمه الوفاء به فيستدل به على مشروعية
الأمان في كل الأحوال التي ليس فيها ضرر على المسلمين.
صيغة الأمان: والأمان كسائر العقود لا بد من صيغة يتم بها وينفذ مدلوله
بمقتضاها، وقد اتفق الفقهاء على أنه يحصل بما يفهم منه المقصود سواء
كان بلفظ عربي أو غيره صريح أو كناية وبالإشارة والكتابة مثال الصريح:
أجرتك وأمنتك، وأنت مجار وأنت آمن. ومثال الكناية: أنت =
(4/302)
الْمُجَنِّبَتَيْنِ، وَبَعَثَ خَالِدًا عَلَى الْمُجَنِّبَةِ
الْأُخْرَى... "، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ1، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، قَالَ
صَاحِبُ "الْحَاوِي": الَّذِي عِنْدِي أَنَّ أَسْفَلَ "مَكَّةَ"
دَخَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْوَةً، وَأَعْلَاهَا دَخَلَهُ
الزُّبَيْرُ صُلْحًا، وَمِنْ جِهَتِهِ دَخَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَارَ حُكْمُ جِهَتِهِ الْأَغْلَبَ؛
كَأَنَّهُ انْتَزَعَهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ.
1899- حَدِيثُ: "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَثْنَى
يَوْمَ فَتْحِ "مَكَّةَ" رِجَالًا مَخْصُوصِينَ، فَأَمَرَ
بِقَتْلِهِمْ"، أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ
أَبِي وَقَّاصٍ: "لَمَّا كَانَ فَتْحُ "مَكَّةَ" أَمَّنَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إلَّا أَرْبَعَةً
وَامْرَأَتَيْنِ، وَقَالَ: اُقْتُلُوهُمْ، وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ
مُعَلَّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ: عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ،
وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَطَلٍ، وَمَقِيسَ بْنَ ضَبَابَةَ، وَعَبْدَ
اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
خَطَلٍ فَأُدْرِكَ وَهُوَ معلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَاسْتَبَقَ
إلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَسَبَقَ
سَعِيدٌ عَمَّارًا وَكَانَ أَشَبَّ الرَّجُلَيْنِ فَقَتَلَهُ... "،
الْحَدِيثَ بِطُولِهِ2.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ جَدِّهِ، عَنْ
أَبِيهِ نَحْوَهُ، وَفِيهِ: "وَأَمَّا ابْنُ خَطَلٍ فَقَتَلَهُ
الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ"3، وَجَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ
__________
= على ماتحب، وكن كما شئت ولا بد لها من نية، والإشارة من الناطق
كناية، ومن غيره إن اختص بفهمها الفطنون في كناية، وإن فهمها كل أحد
فمن الصريح. وتكفي الإشارة في القبول، ولو من ناطق بشرط أن تكون مفهمة
ودليل ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} الآية، أي: وإن أحد من المشركين طلب جوارك
والطلب مطلق لم يقيد بصيغة خاصة، وما رواه البخاري عن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قوله: "ذمة المسلمين واحدة يسعى بها
أدناهم" ، ولم يذكر للسعي كيفية خاصة على حصوله بكل مفهم، والحكمة في
صحة الأمان بالإشارة أنه يكون بين المسلم والكافر، وقد لا يفهم كل
منهما لغة الآخر فدعت الحاجة إلى الإشارة، وصحت مع القدرة على النطق
توسعاً في حقن الدماء، ولذلك صح بغير العربية فقد روي عن عمر رضي الله
عنه أنه قال: إذا قلتم: لا بأس أو لا تذهل، أو مترس فقد أمنتموهم فإن
الله يعلم الألسنة.
ينظر: "الجهاد" لشيخنا شحاتة محمد شحاتة.
1 أخرجه مسلم [6/ 367- 370- نووي]، كتاب الجهاد والسير: باب فتح مكة،
حديث [84، 86/ 1780].
2 أخرجه أبو داود [3/ 59]، كتاب الجهاد: باب قتل الأسير لا يعرض عليه
الإسلام، حديث [2683]، [4/ 128]، كتاب الحدود: باب الحكم فيمن ارتد،
حديث [4359]، مختصراً، والنسائي [7/ 105- 106]، كتاب تحريم الدم: باب
الحكم في المرتد، حديث [4067]، والبيهقي [9/ 212]، كتاب الجزية: باب
الحربي إذا لجأ إلى الحرم وكذلك من وجب عليه حد.
3 أخرجه البيهقي [9/ 212]، كتاب الجزية: باب الحربي إذا لجأ إلى الحرم
وكذلك من وجب عليه الحد.
وأخرجه أبو داود [3/ 59]، كتاب الجهاد: باب قتل الأسير لا يعرض عليه
الإسلام، حديث [2684]، مختصراً.
(4/303)
فِي الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّ الَّذِي قَتَلَهُ هُوَ أَبُو بَرْزَةَ،
وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَطَلٍ قَتَلَهُ
سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ، وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ اشْتَرَكَا
فِي دَمِهِ1، وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ هِنْدِ
بِنْتِ عُتْبَةَ، وَفَرْتَنَةَ، وَسَارَةَ، فَقُتِلَتَا، وَأَسْلَمَتْ
هِنْدُ، وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ سَارَةَ أَمَّنَهَا النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ اُسْتُؤْمِنَ لَهَا
فَبَقِيَتْ حَتَّى أَوْطَأَهَا رَجُلٌ فَرَسًا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ بِالْأَبْطَحِ، فَقَتَلَهَا2.
1900- حَدِيثُ: "أَنَّ رجل أَجَارَ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ،
فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: لَا تجيز
ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: لَيْسَ كَمَا
قُلْتُمَا؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بعضهم، فأجاروه" ،
أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ نَحْوُهُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ3،
وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ
سُلَيْمَانَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلَمَةَ: أَنَّ رَجُلًا أَمَّنَ قَوْمًا،
وَهُوَ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَأَبِي
عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، فَقَالَ عَمْرٌو وَخَالِدٌ: لَا نُجِيرُ
مَنْ أَجَارَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يُجِيرُ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ" 4.
حَجَّاجُ: هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ.
وَالْمَعْرُوفُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ خِلَافُ ذَلِكَ، فَقَدْ
رَوَى الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ فَرَفَعَهُ: "يُجِيرُ
عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ" 5، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: "يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ
أَدْنَاهُمْ" 6، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ:
"يُجِيرُ عَلَى
__________
1 ينظر: "سيرة ابن هشام" [4/ 30].
2 ينظر الموضع السابق.
3 أخرجه أحمد [1/ 195، 5/ 250]، والطبراني [8/ 277]، رقم [7908].
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" [5/ 333]: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار،
وفيه الحجاج بن أرطاس وهو مدلس.
وأخرجه البزار [2/ 288- كشف]، رقم [1727]، وأبو يعلى [2/ 180]، رقم [8/
877]، كلاهما من طريق الحجاج عن الوليد بن أبي مالك عن عبد الرحمن بن
مسلمة عن عمه عن أبي عبيدة بن الجراح قال: قال رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... الحديث، قال البزار: لا نعلم له طريقاً
عن أبي عبيدة إلا بهذا الطريق، وعبد الرحمن وعمه لا نعلم رويا إلا هذا.
4 ينظر السابق.
5 وأما حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أخرجه أحمد [4/ 197]، وأبو
يعلى [13/ 329]، رقم [9/ 7344] من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.
قال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، وفيه رجل لم يسم، وبقية
رجال أحمد رجال "الصحيح".
6 أخرجه أحمد [2/ 365].
(4/304)
الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ" 1.
1901- حَدِيثُ عَلِيٍّ: "أَنَّهُ قَالَ: مَا عِنْدِي إلَّا كِتَابُ
اللَّهِ، وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ ذِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ
أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ2،
وَأَتَمُّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ، وَرَوَاهُ بِاللَّفْظِ دُونَ
أَوَّلِهِ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ3، وَالْبُخَارِيُّ
عَنْ أَنَسٍ4.
1902- حَدِيثُ: "الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى
بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ" ، أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ
وَالْحَاكِمُ عَنْ عَلِيٍّ بِهِ5، وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ
مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ
__________
1 تقدم في تخريج الحديث الأول. وللحديث شاهد من حديث عائشة وزينب رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضي الله عنها.
فأما حديث عائشة رضي الله عنها، فأخرجه البيهقي [9/ 95]، كتاب السير:
باب أمان المرأة، وأبو يعلى [7/ 356]، برقم [36/ 4392]، والحاكم [2/
141].
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما
اتفقا على ذكر الغادر فقط.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" [5/ 332]: رواه أحمد وأبو يعلى، وفيه
محمد بن أسعد، وثقه ابن حبان وضعفه أبو زرعة.
وأما حديث زينب بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال
الهيثمي [5/ 333]: رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" باختصار وفيه
ابن لهيعة، وحديثه حسن وفيه ضعيف، وبقية رجاله ثقات.
وللحديث شاهد بلفظ: المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم،
وسيأتي قريباً بإذن الله.
2 أخرجه البخاري [4/ 564- 565]، كتاب فضائل المدينة: باب حرم المدينة،
حديث [1870]، ومسلم [5/ 148- 149- نووي]، كتاب الحج: باب فضل المدينة
ودعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها بالبركة، حديث
[467/ 137].
3 أخرجه مسلم [5/ 150- نووي]، كتاب الحج: باب فضل المدينة ودعاء النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها بالبركة، حديث [469، 470/
1371].
4 أخرجه البخاري [4/ 564]، كتاب فضائل المدينة: باب حرم المدينة، حديث
[1867]، بلفظ المدينة حرم من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها ولا يحدث فيها
حدث.
ومن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وطرفه
في [7306]، وأخرج البخاري من حديث أنس رضي الله عنه [2/ 52- 53]، كتاب
الصلاة: باب فضل استقبال القبلة، يستقبل بأطراف رجليه للقبلة، حديث
[391]، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من صلى
صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة
رسوله، فلا تخفووا الله في ذمته" . وطرفاه في [392- 393].
5 أخرجه أحمد [1/ 122]، وأبو داود [4/ 667]، كتاب الديات: باب أيقاد
المسلم بالكافر، حديث [4530]، والنسائي [8/ 19]، كتاب القسامة: باب
القود بين الأحرار والمماليك في النفس، وابو عبيد القاسم بن سلام في
"الأموال" ص [179]، رقم [495]، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" [3/
192]، وفي "مشكر الآثار" [2/ 90]، والدارقطني [3/ 98]، كتاب =
(4/305)
شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، مَرْفُوعًا: "يَدُ
الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ،
وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ،
وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ" 1، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مُطَوَّلًا، وَرَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ مُخْتَصَرًا:
"الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ"
2، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخْتَصَرًا:
"الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ" 3.
__________
= الحدود والديات: باب [61]، والحاكم [2/ 141]، والبيهقي [8/ 29]،
والبغوي في "شرح السنة" [5/ 388- بتحقيقنا]، من طريق الحسن عن قيس بن
عباد قال: انطلقت أنا والأشتر إلى علي فقلنا: هل عهد إليك رسول الله
صلى عليه وسلم شيئاً لم يعهده للناس عامة قال: لا إلا ما كان في كتابي
هذا فأخرج كتاباً من قراب سيفه فإذا فيه: المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى
بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في
عهده ومن أحدث حدثاً فعلى نفسه ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه
لعنه الله والملائكة والناس أجمعين.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
1 أخرجه الطيالسي [2/ 37- منحة]، وأحمد [2/ 211]، وأبو داود [3/ 183]،
كتاب الجهاد: باب السرية ترد على أهل العسكر، حديث [2751]، وابن ماجة
[2/ 895]، كتاب الديات: باب المسلمون تتكافأ دماؤهم، حديث [2685]، وابن
الجارود في "المنتقى" [771]، والبيهقي [8/ 29]، كتاب الجنايات: باب
فيمن لا قصاص بينه باختلاف الدينين وابن أبي شيبة [9/ 432]، والقضاعي
في "مسند الشهاب" [170]، من طريق عن عمرو بن شعيب عن أبيه.
2 أخرجه ابن ماجة [2/ 895]، كتاب الديات: باب المسلمون تتكافأ دماؤهم،
حديث [2684]، وابن عدي في "الكامل" [5/ 332]، من طريق عبد السلام بن
أبي الجنوب عن الحسن عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله
وسلم: "المسلمون يد على من سواهم وتتكافأ دماؤهم" .
واللفظ لابن ماجة:
أما لفظ ابن عدي: لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده والمسلمون يد
على من سواهم تتكافأ دماؤهم.
وقال ابن عدي: وعبد السلام بن أبي الجنوب بعض ما يرويه لا يتابع منكر.
وذكره الحافظ البوصيري في "الزوائد" [2/ 353- 354]، وقال: هذا إسناد
ضعيف عبد السلام ضعفه ابن المديني وأبو حاتم وأبو زرعة والبزار وابن
حبان.
3 أخرجه الحاكم [2/ 49]، بلفظ: المسلمون على شروطهم، والصلح جائز بين
المسلمين.
وصححه وتعقبه الذهبي بأن كثير ضعفه النسائي ومشاه غيره، وللحديث شواهد
من حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنها وعن عطاء مرسلاً.
فأما حديث ابن عباس:
أخرجه ابن ماجة [2/ 895]، كتاب الديات: باب المسلمون تتكافأ دماؤهم،
حديث [2683]، من طريق حنش عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على
من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم ويرد على أقصاهم" .
وذكره الحافظ البوصيري في "الزوائد" [2/ 353]، وقال: هذا إسناد ضعيف
لضعف حنش واسمه حسين بن قيس.
وأما حديث عائشة: =
(4/306)
1903- حَدِيثُ أُمُّ هَانِئٍ: "أَجَرْت رَجُلَيْنِ مِنْ أَحْمَائِي،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"أَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ" 1، التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِهَا
بِهَذَا، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَتَمُّ مِنْ هَذَا، وَفِيهِ
قِصَّةٌ، وَلَفْظُهُ: "قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت يَا أُمَّ هَانِئٍ"
2، وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ "مَكَّةَ" فُتِحَتْ عَنْوَةً؛
__________
= أخرجه الدارقطني [3/ 131]، كتاب الحدود والديات، حديث [155]، من طريق
مالك بن محمد بن عبد الرحمن عن عمرة عن عائشة. قالت: وجد في قائم سيف
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتابان: إن أشد الناس
عتواً في الأرض رجل ضرب غير ضاربه أو رجل قتل غير قاتلة ورجل تولى غير
أهل نعمته فمن فعل ذلك فقد كفر بالله وبرسله ولا يقبل الله منه صرفاً
ولا عدلاً، وفي الآخر: المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم لا
يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده ولا يتوارث أهل ملتين.
وقال الزيعلي في "نصب الراية" [3/ 395]، ومالك هذا هو ابن أبي الرجال
أخو حارثة. ومحمد قال أبو حاتم: هو أحسن حالاً من أخويه ا.هـ.
وأما مرسل عطاء: أخرجه أبو عبيد في "الأموال" ص [290]، رقم [290]، رقم
[803]، ثنا ابن أبي زائدة عن معقل بن عبد الله الجوزي عن عطاء بن أبي
رباح قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المسلمون
أخوة يتكافؤون دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويرد عليهم أقصاهم ومشدهم
على مضعفهم ومتسريهم على قاعدهم" .
1 أخرجه الترمذي [4/ 142]، كتاب السير: باب أمان العبد والمرأة، حديث
[1579].
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم، أجازوا
أمان المرأة وهو قول أحمد وإسحاق أجاز أمان المرأة والعبد.
وقد روي من غير وجه وأبو مرة مولى عقيل بن أبي طالب ويقال له أيضاً
مولى أم هانئ أيضاً واسمه يزيد.
وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه أجاز أمان العبد. وقد روي عن علي بن أبي
طالب وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم" .
قال الترمذي: ومعنى هذا عند أهل العلم أن من أعطى الأمان من المسلمين
فهذا
2 أخرجه مالك [1/ 152]، كتاب قصر الصلاة في السفر: باب صلاة الضحى،
حديث [28]، وأحمد [6/ 343]، والبخاري [1/ 469]، كتاب الصلاة: باب
الصلاة في الثوب الواحد ملتحفاً به، حديث [357]، ومسلم [1/ 498]، كتاب
الصلاة: باب استحباب صلاة الضحى، حديث [82/ 719]، وأبو عوانة [1/ 282-
283]، وأبو داود [2/ 93]، كتاب الجهاد: باب في أمان المرأة، حديث
[2763]، والنسائي [1/ 126]، كتاب الطهارة: باب ذكر الاستتار عند
الاغتسال، والترمذي [5/ 73- 74]، كتاب الاستئذان: باب ما جاء في مرحبا،
حديث [2734]، وابن ماجة [1/ 439]، كتاب الصلاة: باب ما جاء في صلاة
الضحى، حديث [1379]، والدارمي [2/ 234- 235]، وعبد الرزاق [9439]، وابن
الجارود رقم [1055]، والحميدي [1/ 158- 159]، رقم [331]، وابن حبان
[2428- الإحسان]، والدولابي في "الكنى والأسماء" [2/ 82]، والحاكم [3/
277]، والبيهقي [9/ 95]، وفي "دلائل النبوة" [5/ 80- 81]، وابن سعد في
"الطبقات الكبرى" [2/ 110]، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" =
(4/307)
إذْ لَوْ فُتِحَتْ صُلْحًا مَا اُحْتِيجَ إلَى هَذَا.
تَنْبِيهٌ: الرَّجُلَانِ هُمَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ؛ كَذَا سَاقَهُ الْحَاكِمُ فِي
"تَرْجَمَةِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ" بِسَنَدٍ فِيهِ الْوَاقِدِيُّ؛
وَكَذَا رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ ابْنِ أَبِي
ذئب، عن المقري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ؛ فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ: وَكَانَ الَّذِي أَجَارَتْ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْحَارِثَ بْنَ هشام.
وهو في "الموطأ" والصحيحي، وَفِيهِ: "قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْته فُلَانُ
ابْنُ هُبَيْرَةَ" .
وَاسْمُ أُمِّ هَانِئٍ فَاخِتَةُ؛ كَذَا فِي الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: مَرْحَبًا بِفَاخِتَةَ
أُمِّ هَانِئٍ1، وَادَّعَى الْحَاكِمُ تَوَاتُرَهُ2.
وَقِيلَ: اسْمُهَا هِنْدُ؛ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ.
وَقِيلَ: فَاطِمَةُ؛ حَكَاهُ ابْنُ الْأَثِيرِ.
وَقِيلَ: عَاتِكَةُ؛ حَكَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَبُو مُوسَى.
وَقِيلَ: جُمَانَةُ؛ حَكَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ.
وَقِيلَ: رَمْلَةُ، حَكَاهُ ابْنُ الْبَرْقِيِّ.
وَقِيلَ: إنَّ جُمَانَةَ أُخْتُهَا؛ وَقِيلَ: ابْنَتُهَا.
1904- حَدِيثُ: "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ" 3، أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ، وَفِيهِ
قِصَّةٌ، وَصَحَّحَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو دَاوُد،
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ إرْسَالَهُ إلَى قَيْسِ بْنِ
أَبِي حَازِمٍ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ
__________
= [3/ 223- 224]، والطبراني في "الصغير" [2/ 67]، والبغوي في "شرح
السنة" [2/ 17- بتحقيقنا]، من طرق مطولاً ومختصراً عن أم هانئ بنت أبي
طالب قالت: ذهبت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام
الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره، قالت: فسلمت عليه فقال:
"مرحباً بأم هانئ" ، فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفاً في
ثوب واحد فلما انصرف قلت: يارسول الله زعم ابن أمي أنه قاتل رجلاً قد
أجرته فلان بن هبيرة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" . قالت أم هانئ: وذلك ضحى.
1 أخرجه الطبراني [24/ 416]، برقم [1013].
2 الحاكم [4/ 52].
3 أخرجه أبو داود [2/ 52]، كتاب الجهاد: باب النهي عن قتل من اعتصم
بالسجود، برقم [2645]، والترمذي [4/ 155] كتاب السير: باب ما جاء في
كراهية المقام بين أظهر المشركين برقم [1604]، وابن عبد البر في
"التمهيد" [8/ 360]، والطبراني في "الكبير" [2/ 303- 304]، برقم
[2265].
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" [5/ 256]، كتاب الجهاد: باب النهي عن
مساكنة الكفار وعزاه إلى الطبراني.
(4/308)
الْمُصَنِّفِ مَوْصُولًا.
1905- حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "كأني بـ"الحيرة" قَدْ فُتِحَتْ"،
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَبْ لِي مِنْهَا جَارِيَةً،
فَقَالَ: "قَدْ فَعَلْت" ، فَلَمَّا فُتِحَتْ الْحِيرَةُ بَعْدَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ
الْجَارِيَةَ الرَّجُلُ، فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ بَعْضُ أَقَارِبِهَا
بِأَلْفِ دِرْهَمٍ"، ابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ
ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ
قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ مُطَوَّلًا،
وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ1، لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ، تَفَرَّدَ ابْنُ
أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ بِهَذَا، وَقَالَ غَيْرُهُ عَنْهُ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ
فِي "الْعِلَلِ"2، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ
"الدَّلَائِلِ" مِنْ حَدِيثِ خُرَيْمِ بْنِ أَوْسٍ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ
هُوَ الَّذِي طَلَبَ الْمَرْأَةَ، واسمها: الشيما بِنْتُ بُقَيْلَةَ3،
وَهُوَ فِي مُعْجَمِ ابْنِ قَانِعٍ، وَالطَّبَرَانِيِّ وَأَبِي
نُعَيْمٍ فِي "الْمَعْرِفَةِ" مُطَوَّلًا4.
قَوْلُهُ: "رُوِيَ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ أَمَّنَ
الزُّبَيْرَ بْنَ بَاطَا يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَلَمْ يَقْتُلْهُ، ثُمَّ
سَأَلَهُ فَقَتَلَهُ"، رَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ فِي الْمَغَازِي
لِعُرْوَةِ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مِنْ طَرِيقِهِ، أَخْرَجَهُ
الْبَيْهَقِيُّ.
حَدِيثُ: "أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ
مُعَاذٍ، وَهُوَ: قَتْلُ مُقَاتِلِهِمْ، وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ،
وَأَخْذُ أَمْوَالِهِمْ"، كَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ فِي
الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَرَوَاهُ
أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
جَابِرٍ.
قَوْلُهُ: "فيه: شبعة أرقفة"، بِالْقَافِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَنْ
قَالَهُ بِالْفَاءِ غَلِطَ.
1906- حَدِيثُ بُرَيْدَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "وَإِنْ حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ
فَأَرَادُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَلَا
تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى
حُكْمِك؛ فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ
لَا" ، مُسْلِمٌ بِهَذَا وَأَتَمِّ مِنْهُ5.
1907- قَوْلُهُ: "رُوِيَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ لَمَّا حَكَمَ
بِقَتْلِ الرِّجَالِ، اسْتَوْهَبَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ: الزُّبَيْرَ
بْنَ بَاطَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَوَهَبَهُ لَهُ"، الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ
__________
1 أخرجه ابن حبان [15/ 95]، كتاب التاريخ: باب إخباره صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما يكون في أمته من الفتن والحوادث، حديث [6674]،
والطبراني [17/ 81]، برقم [183]، والبيهقي [9/ 136]، كتاب السير: باب
السواد.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" [6/ 215]: رواه الطبراني ورجاله رجال
"الصحيح".
2 قال ابن أبي حاتم في "العلل" [2/ 397]: باطل.
3 أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" [6/ 326].
4 أخرجه الطبراني [4/ 213- 214]، برقم [394].
5 تقدم تخريجه في هذا اكتاب.
(4/309)
مُرْسَلًا مُطَوَّلًا، وَفِيهِ: "أَنَّ الزُّبَيْرَ قَتَلَهُ" ،
وَذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ إِسْحَاقَ1، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي
الْمَغَازِي،وَقَدْ أَعَادَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ
هَذَا الْبَابِ مُخْتَصَرًا؛ كَمَا سَبَقَ.
حَدِيثُ: "أَنَّ رَجُلًا أَسَرَتْهُ الصَّحَابَةُ، فَنَادَى رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَمُرُّ بِهِ: إنِّي
مُسْلِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: "لَوْ أَسْلَمْت وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك أَفْلَحْت كُلَّ
الْفَلَاحِ، ثُمَّ فَدَاهُ بِرَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
أَسَرَتْهُمَا ثَقِيفٌ" ، مُسْلِمٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ،
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ.
حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: "أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَغَارُوا
عَلَى سَرَحِ الْمَدِينَةِ، وَذَهَبُوا بِالْعَضْبَاءِ، وَأَسَرُوا
امْرَأَةً... " ، الْحَدِيثَ وَفِيهِ: "لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي
مَعْصِيَةٍ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ" ، مُسْلِمٌ
وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ.
1908- قَوْلُهُ: "رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: "مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ" ، ابْنُ عَدِيٍّ
وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ2، وَفِيهِ يَاسِينُ
الزَّيَّاتُ؛ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مَتْرُوكٌ، وَقَالَ أَبُو
حَاتِمٍ فِي "الْعِلَلِ": لَا أَصْلَ لَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَنْ
عُرْوَةَ مُرْسَلًا.
وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ صَخْرِ بْنِ الْعَيْلَةَ: أَنَّ قَوْمًا
مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَرُّوا عَنْ أَرْضِهِمْ، حَتَّى جَاءَ
الْإِسْلَامُ، فَأَخَذْتهَا، فَأَسْلَمُوا، فَخَاصَمُونِي فِيهَا،
فَرَدَّهَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَقَالَ: "إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ فَهُوَ أَحَقُّ
بِأَرْضِهِ وَمَالِهِ" 3.
حَدِيثُ: "أَنَّ الْهُرْمُزَانَ لَمَّا حَمَلَهُ أَبُو مُوسَى
الْأَشْعَرِيُّ إلَى عُمَرَ، قَالَ لَهُ عُمَرُ: تَكَلَّمْ، لَا بَأْسَ
عَلَيْك، ثُمَّ أَرَادَ قَتْلَهُ، فَقَالَ أَنَسٌ: لَيْسَ لَك إلَى
قَتْلِهِ سَبِيلٌ، قُلْتُ لَهُ: تَكَلَّمْ، لَا بَأْسَ"،
الشَّافِعِيُّ: أَنَا الثَّقَفِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
"حَاصَرْنَا تُسْتَرَ فَنَزَلَ الْهُرْمُزَانُ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ،
فَقَدِمْتُ بِهِ عَلَى عُمَرَ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إلَيْهِ، قَالَ
لَهُ عُمَرُ: تَكَلَّمْ، قَالَ: كَلَامُ حَيٍّ أَوْ كَلَامُ مَيِّتٍ،
قَالَ: تَكَلَّمْ لَا بَأْسَ... "، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ4، وَرَوَاهُ
ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي تَارِيخِهِ
وَالْبَيْهَقِيُّ، وَرَوَيْنَاهُ فِي نُسْخَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ
جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ بِطُولِهِ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ
مُخْتَصَرًا.
1909- قَوْلُهُ: "يُرْوَى فِي الْخَبَرِ: الدُّعَاءُ وَالْبَلَاءُ
يَعْتَلِجَانِ"، أَيْ: يَتَدَافَعَانِ"، الْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ مِنْ
حَدِيثِ عَائِشَةَ رَفَعَتْهُ: "لَا يَنْفَعُ حَذَرٌ مِنْ قَدْرٍ،
وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ، أَحْسَبُهُ قَالَ:
__________
1 ذكره ابن هشام في "سيرته" [3/ 261- 262]، عن ابن إسحاق.
2 تقدم تخريجه قريباً.
3 أخرخه أحمد [4/ 310].
4 أخرجه الشافعي في "مسنده" [2/ 120]، في كتاب الجهاد، برقم [403]، ومن
طريقه البيقهي [9/ 96]، كتاب السير: باب كيف الأمان.
وأخرجه ابن أبي شيبة [6/ 511]، كتاب الجهاد: باب في الأمان ما هو؟ وكيف
هو؟، حديث [33402]، من طريق حميد بن أنس. وعلقه البخاري [6/ 411]، كتاب
الجزية والموادعة: باب إذا قالوا: لو صبأنا ولم يحسنوا أسلمنا. ووصله
عبد الرزاق كما قال ابن حجر في "الفتح".
(4/310)
مَا لَمْ يَنْزِلْ الْقَدْرُ، وَإِنَّ الدُّعَاءَ لِيَلْقَى الْبَلَاءَ
فَيَتَعَالَجَانِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" ، وَفِي إسْنَادِهِ
زَكَرِيَّا بْنُ مَنْظُورٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ1، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ
مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي إسْنَادِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ
خُثَيْمِ بْنِ عِرَاكٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ2.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَلْمَانَ: "لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إلَّا
الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إلَّا الْبِرُّ" 3، وَرَوَاهُ
أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ ثَوْبَانَ مِثْلَهُ،
وَزَادَ: "إنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ"
4.
حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: "إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ كُلَّ
لِسَانٍ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَعْجَمِيًّا فقال: مترس فقد آمنه" ،
لَمْ أَرَهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ عُمَرَ؛ كَذَا ذَكَرَهُ
الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَالْبَيْهَقِيُّ مَوْصُولًا مِنْ حَدِيثِ
أَبِي وَائِلٍ قَالَ: "جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ، وَإِذَا قَالَ
الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: لَا تَخَفْ فَقَدْ أَمَّنَهُ، وَإِذَا قَالَ:
مَتْرَسْ فَقَدْ آمَنَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْأَلْسِنَةَ"5،
وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" بَلَاغًا عَنْ عُمَرَ6، وَرُوِيَ
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ أَبِي
شَيْبَةَ: نَا رَيْحَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي مَرْزُوقُ بْنُ
عَمْرٍو، حَدَّثَنِي أَبُو فَرْقَدٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ يَوْمَ فَتَحْنَا سُوقَ الْأَهْوَازِ، فَسَعَى رَجُلٌ
مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَسَعَى رَجُلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَلْفَهُ،
فَقَالَ أَحَدُهُمَا لَهُ: مَتْرَسْ، فَقَامَ الرَّجُلُ، فَأَخَذَاهُ،
فَجَاءَا بِهِ أَبَا مُوسَى وَهُوَ يَضْرِبُ أَعْنَاقَ الْأُسَارَى،
فَأَخْبَرَ أَحَدُهُمَا أَبَا مُوسَى، فَقَالَ أَبُو مُوسَى وَمَا
مَتْرَسْ؟ قَالَ: لَا تَخَافُ، قَالَ: هَذَا أَمَانٌ خَلَّيَا
سَبِيلَهُ، فَخُلِّيَ7.
تَنْبِيهٌ: مَتْرَسْ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ
فَوْقَ وَسُكُونِ الرَّاءِ.
__________
1 أخرجه البزار [2165]، والحاكم [1/ 492]، وصححه وتعقبه الذهبي بأن فيه
زكريا مجمع على ضعفه.
2 أخرجه البزار برقم [2164، 3136].
3 أخرجه الترمذي [4/ 448]، كتاب القدر: باب ما جاء لا يرد القدر إلا
الدعاء، حديث [2139].
قال الترمذي: وفي الباب عن أبي أسيد وهذا حديث حسن غريب من حديث سلمان
لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن الضريس، وأبو مودود اثنان: أحدهما يقال
له: فضة وهو الذي روى هذا الحديث اسمه قضة بصري.
والآخر عبد العزيز بن أبي سليمان أحدهما بصري والآخر مدني وكانا في عصر
واحد ا.هـ.
4 أخرجه أحمد [5/ 277، 280، 282]، وابن ماجة [1/ 35]، في المقدمة، باب
في القدر، حديث [90]، وابن حبان [3/ 153]، كتاب الرقاق: باب الأدعية،
حديث [872].
5 تقدم تخريجه قريباً.
6 أخرجه مالك [2/ 448- 449]، كتاب الجهاد: باب ما جاء في الوفاء
بالأيمان، حديث [12].
7 أخرجه ابن أبي شيبة [6/ 511]، كتاب الجهاد: باب في الأمان ما هو وكيف
هو؟ حديث [33401].
(4/311)
1910- حَدِيثُ فُضَيْلٍ الرَّقَاشِيِّ قَالَ: "جَهَّزَ عُمَرُ جَيْشًا
كُنْت فِيهِمْ، فَحَصَرْنَا قَرْيَةَ رَامَهُرْمُزَ، فَكَتَبَ عَبْدٌ
أَمَانًا فِي صَحِيفَةٍ شَدَّهَا مَعَ سَهْمٍ رَمَى بِهِ إلَى
الْيَهُودِ، فَخَرَجُوا بِأَمَانِهِ، فَكُتِبَ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ:
الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ذِمَّتُهُ
ذِمَّتُهُمْ"، الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إلَى فُضَيْلٍ، قَالَ:
"كُنَّا نِصَافَ الْعَدُوِّ، قَالَ: فَكَتَبَ عَبْدٌ فِي سَهْمٍ لَهُ
أَمَانًا، فَذَكَرَ نَحْوَهُ"1، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ
مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ أَهْلِ الْبَيْتِ
بِلَفْظِ: "أَمَانُ الْعَبْدِ جَائِزٌ".
حَدِيثُ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: "وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ
أَنَّ أَحَدَكُمْ أَشَارَ بِإِصْبَعِهِ إلَى مُشْرِكٍ، فَنَزَلَ عَلَى
ذَلِكَ، ثُمَّ قَتَلَهُ، لَقَتَلْته"، سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نَا
أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: "وَاَللَّهِ، لَوْ أَنَّ
أَحَدَكُمْ أَشَارَ بِإِصْبَعِهِ إلَى السَّمَاءِ إلَى مُشْرِكٍ،
فَنَزَلَ إلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَتَلَهُ، لَقَتَلْته بِهِ"2.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ
زَيْدٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قال: قَالَ
عُمَرُ: أَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَشَارَ إلَى رَجُلٍ مِنْ
الْعَدُوِّ، إنْ نَزَلْت مَا قَتَلْتُك، فَنَزَلَ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ
أَمَانٌ، فَقَدْ أَمَّنَهُ3.
حَدِيثُ: "أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ حَاصَرَ مَدِينَةَ
السُّوسِ، وَصَالَحَهُ دِهْقَانُهَا عَلَى أَنْ يُؤَمِّنَ مِائَةَ
رَجُلٍ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: إنِّي لَأَرْجُو أَنْ
يَخْدَعَهُ اللَّهُ عَنْ نفسه، قال: اعتزلهم، فَلَمَّا عَزَلَهُمْ،
قَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أَفَرَغْت؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَّنَهُمْ،
وَأَمَرَ بِقَتْلِ الدِّهْقَانِ فَقَالَ: أَتَغْدِرُنِي وَقَدْ
أَمَّنْتَنِي؟ فَقَالَ: أَمَّنْتُ الْعَدَدَ الَّذِي سَمَّيْت، وَلَمْ
تُسَمِّ نَفْسَك"، رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلَاذِرِيُّ فِي
كِتَابِهِ "الْفُتُوحِ وَالْمَغَازِي" بِإِسْنَادِهِ.
__________
1 أخرجه البيهقي [9/ 94]، كتاب السير: باب أمان العبد.
2 أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" [2/ 270]، برقم [2597].
3 أخرجه ابن أبي شيبة [6/ 511]، كتاب الجهاد: باب في الأمان ما هو وكيف
هو؟ حديث [33404].
(4/312)
|