المهروانيات = الفوائد المنتخبة الصحاح والغرائب

المبحث الرابع (1) من مناهج المحدثين في تصنيف كتب الفوائد

اهتمّ المحدّثون في تصنيف الفوائد بانتقاء، وتخريج الأحاديث الّتي يرون أنّها ليست عندهم - كما تقدّم - (2) وكانوا مع ذلك يعمدون - أحيانا - في الانتقاء أن يكون ما ينتقونه من الأحاديث في نوع معيّن من الأحاديث، كأن تكون صحاحا، أو صحاحا عواليا، أو غرائب فقط، أو يجمعون بين الصّحاح والغرائب، أو عواليا، أو ما شابه ذلك، وينبّهون في العنوان على نوع الأحاديث الفوائد الّتي أودعوها هذه الكتب، فيقولون - مثلاً -: الفوائد المنتخبة الصّحاح العوالي، أو: الفوائد المنتقاة الصّحاح الغرائب المخرّجة من الأصول، أو: الفوائد العوالي ... وهكذا في كلّ كتاب انتقيت فوائده من أحاديث من نوعٍ معيّن، وهذا ما لحظته وتوصّلت إليه من خلال دراستي لكتب الفوائد ...
ولذا نجد في الكتب المتكلّم على أحاديثها من هذا الضّرب أنّ الحكم عليها لا يخرج عمّا نُبّه عليه في عناوينها من نوع أحاديثها ... كما يُلحَظ جلياً في تخريج أبي الحسن الدّارقطنيّ (ت: 365هـ)
_________
(1) ذكرت في هذا المبحث ماظهر لي من مناهج المحدّثين في تصنيف الفوائد الحديثيّة، دون ماورد من مناهجهم في المبحث الّذي عَقِب هذا (مبحث: تقسيم كتب الفوائد الحديثيّة) كإفرادها للصّحاح، أوللغرائب، أو ترتيبها على الأطراف، أو الشّيوخ، أو غير ذلك ... اكتفاءً بوروده هنالك، وبُعداً عن التّكرار، فليُنتبه إلى هذا والله الموفّق.
(2) انظر ص/ 107 وما بعدها، 111، 120، 125.

(1/143)


لفوائده الأفراد من الرّوايتين عنه (1) والفوائد لأبي إسحاق المزكّي (ت: 362هـ) (2) ، وتخريج النّخشبيّ للفوائد المنتقاة من الصّحاح الغرائب للحنّائيّ (ت: 459هـ) (3) ، والخطيب البغداديّ في تخريجه للفوائد الصّحاح والغرائب للمِهروانيّ (ت: 468هـ) ، وللسّرّاج (ت: 500هـ) (4) ، ولأبي الفرج الدّينوريّ (5) ، وغيرهم، والمؤيّد بالله (ت: 508هـ) لفوائده الحسان العوالي المنتقاة الصّحاح على شرط الشّيخين (6) ، والعثمانيّ (ت: 572هـ) في تخريجه لفوائده الصّحاح (7) ، وعليّ بن بلبان في تخريجه لفوائد الإخوان من الموافقات، والأبدال، والعوالي الحسان لأبي الفرج المقدسيّ (ت: 682هـ) (8) ، وابن الصّيرفيّ (ت: 699هـ) لفوائده العوالي (9) .
وكلّ هذا فيه دليلٌ على ما تقدّم، ودليلٌ على دقّة المحدّثين رحمهم الله في انتقائهم، وانتخابهم، ودقة علمهم بطرق حديث رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وأحواله، وبراعتهم في التّأليف، وجودة التّصنيف في كتب الحديث عموما، وكتب الفوائد الحديثيّة
_________
(1) انظر ص/181 رقم/19، 20.
(2) انظر ص/189 رقم/30.
(3) انظر ص/173 رقم/9.
(4) انظر ص/168 رقم/2.
(5) انظر ص/175 رقم/12.
(6) انظر ص/167 رقم/1.
(7) انظر ص/242 رقم/111.
(8) انظر ص/203 رقم/50.
(9) انظر ص/207 رقم/56.

(1/144)


خصوصاً (1) ... مع التّنبيه على أمور مهمّة في هذا الجانب ظهرت لي من خلال استقرائي كتب الفوائد، ودراستها، ومنها:
1- جميع أحاديث كتب الفوائد منتخبة (2) من الأصول، ولا يَلتَفِت المحدّثون - فيما يظهر - عند انتخابها إلى الانتخاب من أصول الشّيوخ الضّعفاء، أو من دونهم من المجروحين (3) .
2- قلّ أن تُسمّى كتب الفوائد بأسماء مسجوعة، أو غير مسجوعة، فالغالب أن يقال: فوائد فلان، أو الفوائد الصّحاح من حديث فلان - مثلاً - أو ما شابهه.
والّذي يظهر أنّ سبب ذلك: إرادة إبراز نوع أحاديث الكتاب من خلال عنوانه، فتعرف مادّته مباشرة، وأنّها من الأحاديث الفوائد، لا كالّتي تُضمّن بعض الكتب الّتي تشبه كتب الفوائد في الطّريقة، والتّرتيب كالأجزاء الحديثيّة، والمشيخات، والأمالي الّتي لا تعدّ أحاديثها أحاديث فوائد.
والقليل المشار إليه أربعة كتب صنّفت في قرون متأخرة، ومع ذلك
_________
(1) فهي ليست كتباً عشوائيّة المنهج، أو أنّ غالب مؤلّفيها لم يرتّبوها على أيّ أساس، أو أنّها أٌلّفت كيف ما اتّفق! بل هي كتبٌ مصنّفة تصنيفاً علميّاً، فانتبه، وتأمّل دراستي جيّداً؛ وإنّما أكّدت على هذا لأنّ بعض محقّقي كتب الفوائد ذكره، وليس فيه أدنى تحقيق، بل هي عجلة، وتسرّع.
(2) وهو ما يُعبّر عنه عندهم بالتّخريج.
(3) انظر النّقطة السّابعة في أهميّة كتب الفوائد الحديثيّة ص/131، وانظر: ص/119، 125- 126.

(1/145)


لم يُغفل أصحابها التّنبيه على نوع أحاديثها؛ ممّا يدلّ على أنّ التّنبيه على ذلك مطلب مهمّ عند المحدّثين ... وهي:
1- بُغية الظّمآن من فوائد أبي حيّان (ت: 745هـ) (1) .
2- العُمْدة من الفوائد لشُهدة بنت الإبَرِيّ (ت:574هـ) (2) .
3- والفوائد الملتفظة والفرائد الملتقطة لأبي الفتح الخرقيّ (ت: 579هـ) (3) .
4- ونهر الخاطر ونزهة الخاطر لابن الصّيرفيّ (ت: 699هـ) (4) .
3- اشتهر عدد من كتب الفوائد عند أهل العلم بأسماء قد تطغي على الاسم الأصلي للكتاب، ولعل قليل الإطّلاع، أو من لم يكن من صنعته هذا الشّأن إذا اطّلع على نقل من الكتاب بذكر شهرته لا يخلو من ثلاثة أحوال - وقد تجتمع عليه -:
الأوّل: عدم التّنبّه على أنّ الكتاب كتاب فوائد حديثيّة.
والثّاني: يتبادر إلى ذهنه أنّ هذا الاسم هو الاسم الأصلي للكتاب - وليس الأمر كذلك - ومن ثَمَّ: قد لا يقف عليه عند إرادة الرّجوع إليه.
والثّالث: أن يظنّهما كتابين، وهما كتاب واحد.
_________
(1) انظر ص/361 رقم/230.
(2) انظر ص/171 رقم/7.
(3) انظر ص/222 رقم/80.
(4) انظر ص/207 رقم/56.

(1/146)


وهذه الأسماء على ثمانية أضرب:
الأوّل: أسماء مشتقّة من اسم ورد في نسب مؤلّفها، أو نسبته: كالجعديّات، فهي: فوائد عليّ بن الجعد الجوهريّ (1) .
والمزكيّات، فهي: الفوائد المنتخبة الغرائب لأبي إسحاق المزكّي (2) .
والقطيعيّات، فهي: الفوائد المنتقاة والأفراد الغرائب الحسان لأبي بكر القطيعيّ (3) .
والمخلّديّات، فهي: الفوائد المنتخبة من أصول مسموعات أبي محمَّد المخلّديّ (4) .
والمهروانيّات، فهي: فوائد أبي القاسم المهروانيّ - هذه الّتي أنا بصدد دراستها، وتحقيقها -.
والثّقفيّات، فهي: الفوائد العوالي لقاسم بن الفضل الثقفيّ (5) .
والخلعيّات، فهي: الفوائد لأبي الحسن الخلعيّ (6) .
والسّرّاجيّات، فهي: الفوائد المنتخبة الصّحاح العوالي لأبي محمَّد السّرّاج (7) .
والثّاني: أسماء مشتقّة من اسم ورد في نسب راويها، أو نسبته:
_________
(1) انظر ص/222 رقم/81.
(2) انظر ص/189 رقم/30.
(3) انظر ص/185 رقم/25.
(4) انظر ص/236 رقم/103.
(5) انظر ص/210 رقم/60.
(6) انظر ص/176 رقم/13.
(7) انظر ص/168 رقم/2.

(1/147)


كالغيلانيّات، فهي: الفوائد لأبي بكر الشّافعيّ، من رواية: محمَّد ابن غيلان عنه (1) .
والثّالث: أسماء مشتقّة من نسبة منتقيها:
كالوخشيّات، فهي: الفوائد لأبي نعيم الأصبهانيّ، من انتقاء: أبي عليّ الوخشيّ عنه (2) .
والرّابع: قد تسمّى بالجزء، ويضاف إليه ما يستمدّ من حديث، أو قصّة، أو نحوهما ممّا ورد في متن الكتاب؛ لغرابته مثلاً:
كجزء الفيل ... فهو: الجزء الثّاني من فوائد ابن السّمّاك، من رواية ابن الحمّاميّ عنه.
وإنّما سُمّي بذلك لأنّ مؤلّفه ساق فيه بسنده حديثا ورد فيه ذكر الفيل ... وهو حديث يُنْسب لعليّ رضي الله عنه قال:
"رأيت النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند الصّفا، وهو مُقبل على شخص في صورة الفيل، وهو يلعنه، فقلت: ومن هذا الّذي تلعنه يا رسول الله؟ قال: "هذا الشّيطان الرّجيم". فقلت: والله يا عدوّ الله، لأقتلنّك، ولأُريحنّ الأمّة منك. قال: ما هذا جزائي منك. قلت: وما جزاؤك منّي يا عدوّ الله؟ قال: والله ما أبغضك أحد قطّ إلاّ شركت [أباه] (3) في رحم أُمّه" (4) .
_________
(1) انظر ص/260 رقم/143.
(2) انظر ص/275 رقم/165.
(3) زيادة من: لسان الميزان (1/371) .
(4) [5/ب] .
والحديث مع ما فيه من نكارة كذب لا يصحّ، في سنده: إسحاق بن محمَّد النّخعيّ (المعروف بالأحمر) كان كذّابا خبيث المذهب، رديء الاعتقاد، مارقا، يقول: "إنّ عليا هو الله، وإنّه يظهر في كلّ وقت" وإليه تنسب الإسحاقيّة من غلاة الشّيعة وما حدّث به إلاّ من سرقه منه.
انظر: تأريخ بغداد (6/378) ت/3413، ولسان الميزان (1/370) ت/1156.

(1/148)


وجزء الألف دينار ... فهو الجزء الأوّل من: الفوائد المنتقاة الأفراد الغرائب الحسان من حديث أبي بكر القطيعيّ (1) .
وإنّما سمّي بذلك لقول ابن بكير: "هذا جزء عجيب فيه سؤالات ابن مالك، يساوي لمن سمعه ألف دينار غير صفة أوزانه (2) ".
قال: "ودفعت إلى ابن مالك دينارًا عينا حتى قرأناه عليه، فما تحصّل إلاّ لمن سمعه في ذلك اليوم" (3) .
والخامس: قد تسمّى بالجزء مضافة إلى صاحبها:
كجزء ابن هارون ... فهو: الفوائد الحسان من حديث أبي حامد محمَّد بن هارون الحضرميّ (4) .
والسّادس: قد تسمّى بالجزء أيضاً ولكن مضافة إلى منتقيها:
كالوخشيّات، فإنّها مشهورة أيضًا بجزء أبي عليّ الوخشيّ (5) .
_________
(1) انظر ص/185 رقم/25.
(2) في الأصل، ومطبوعته: (أوازنه) ، ودخله تحريف.
(3) انظر (ص/492 من المطبوع) .
(4) انظر ص/200 رقم/45.
(5) انظر ص/275 رقم/165.

(1/149)


والسّابع: قد تسمّى بالجزء أيضا مضافة إلى أحد رواتها:
كجزء ابن الطّلاية ... فهو الجزء التّاسع من فوائد أبي طاهر
المخلّص، من رواية ابن الطّلاية عن أبي القاسم الأنماطيّ، وانتقاء: ابن البقّال (1) .
والثّامن: تسميتها بالمشيخات؛ لأنها وضعت مرتّبة على شيوخ مؤلّفيها:
كمشيخة الآبنوسيّ، فهي: الفوائد العوالي الحسان المنتقاة والغرائب له (2) . وَمشيخة ابن الغريق، فهي: الفوائد المخرّجة من الأصول له (3) . وَمشيخة ابن النّقّور، فهي: الفوائد الحسان عن الشّيوخ الثّقات له أيضا (4) . وَمشيخة ابن النّشو، فهي: الفوائد العوالي المنتقاة عن مشايخه (5) . وَمشيخة أبي سعد بن السّبط، فهي: الفوائد المنتقاة العوالي عن شيوخه الثّقات، ممّا خرّج من أصوله (6) ، وَغيرها.
4- لا يُنبه في لوحة عنوان بعض كتب الفوائد الحديثيّة على أنّ أحاديثها من فوائد الشّيوخ، وأثبتُ أنّ أحاديثها من الفوائد بإحدى طريقتين - أو بهما معاً -:
_________
(1) انظر ص/195 رقم/39.
(2) انظر ص/190 رقم/31.
(3) انظر ص/240 رقم/108.
(4) انظر ص/206 رقم/55.
(5) انظر ص/211 رقم/61.
(6) انظر ص/214 رقم/66.

(1/150)


الأولى: أن يَنُصّ على هذا أحدُ رواة الكتاب، أو سامعيه في طبقة، أو عدد من طباق سماعاته ... كفوائد عبد الغفّار الشّيرويّيّ (1) ، وفوائد أبي العبّاس محمَّد بن إسحاق السّرّاج (2) ، وغيرهما.
والثّانية: أن يَنُصّ عليه حافظ من الحفّاظ أو جماعة منهم ...
كالجعديّات (3) ، وفوائد عليّ بن حجر السَّعديّ (4) ، وفوائد ابن جُميع الصّيداويّ (5) ، وغيرها.
5- أكثر كتب الفوائد كغالب المؤلّفات الحديثيّة المسندة لا يُقدِّم لها مؤلّفوها بمقدّمات يفصحون فيها عن أغراضهم من تصنيفها، أو تأليفها، أو مناهجهم فيها، أو ما شابه ذلك.
وقدّم جماعة من مؤلّفي عدد منها بمقدّمات لها ... وهم:
الطّبرانيّ (6) ، وابن جُميع (7) ، وأبو عبد الله العثمانيّ (8) ، وعليّ ابن عمر الوانيّ (9) ، وأبو عبد الله المؤذن الورّاق (10) ... وتتناول هذه
_________
(1) انظر ص/177 رقم/14.
(2) انظر ص/168 رقم/2.
(3) انظر ص/222 رقم/81.
(4) انظر ص/231 رقم/95.
(5) انظر ص/238 رقم/105.
(6) انظر ص/215 رقم/67.
(7) انظر ص/238 رقم/105.
(8) انظر ص/170 رقم/5.
(9) انظر ص/208 رقم/57.
(10) انظر ص/244 رقم/115.

(1/151)


المقدّمات أسباب التأليف أحياناً، والطّريقة في التّصنيف أحياناً أخرى.
6- كتب الفوائد الّتي وُصِفت أحاديثها بأنّها صحاح، أو اشتملت على عدد منها فإنّ المقصود - فيما يبدو -: أنّ غالب أحاديثها مستخرجة على الصحيحين أو أحدهما (1) ، ولم أرَ فيما نظرتُ فيه من كتب الفوائد الموصوفة بهذه الصّفة مايخرم هذا القصْد والله أعلم ... وهذا حالها إجمالاً، وهي على أربعة أقسام تفصيلا:
الأوّل: كتبٌ مستخرجة على الصّحيحين، وكلّ مافيها متّفق على إخراجه ... كفوائد ابن النّقور من رواية: ابن طرخان، وغيره عنه (2) ، ولم أر لهذا القسم إلاّ هذا المثال؛ فهو صنيع نادر جدّا.
الثّاني: كتبٌ كلّ أحاديثها مستخرجة على الصّحيحين، أو أحدهما ... كغالب الفوائد الموصوفة بأنّ أحاديثها صحاح.
الثّالث: كتبٌ جمعت بين ما تقدّم، وبين أحاديثَ صحاح - في نظر أصحابها - مستخرجة على بعض السّنن، والمسانيد ... كالفوائد المنتقاة الصّحاح للحنّائيّ (3) ، والفوائد الصّحاح للعثمانيّ (4) ؛ وصنيعهما نادر جدّا.
_________
(1) لذلك ينبغي أن يُشار إلى هذه الكتب في الدّراسات الّتي تتناول المستخرجات على الصّحيحين أو أحدهما.
(2) انظر ص/339 رقم/161.
(3) انظر ص/173 رقم/9.
(4) انظر ص/170 رقم/5.

(1/152)


الرّابع: كتبٌ جمعت أحاديث صحاحاً على شرط الشّيخين ... كفوائد ابن المؤيّد بالله (1) ، ولا أعرف مثالاً ثانياً له؛ فهو صنيع أندر من سابقه والله أعلم.
7- توصف - أحيانا - أحاديث عدد من كتب الفوائد المنتقاة من الصّحاح، أو الصّحاح الغرائب، أو الغرائب، أو العوالي بأنّها حسان، والحسان على مرادهم هذا يحتمل أنّهم أرادوا بها الإتقان، أو أنّ متونها مليحة فتروى، أو أنّ أسانيدها عالية، أو نظيفة، أو تركهم رواية الشّاذ والمنكر والمنسوخ ونحو ذلك فيها، فكلّ هذه أمور تقضي للمحدّث إذا لازمها أن يُقال: أحاديثه حسنة كما نصّ عليه الذّهبيّ في: (السّير) (2) .
وذلك كما في: الفوائد الحسان العوالي المنتقاة الصّحاح على شرط الشّيخين لابن المؤيّد بالله (3) ، والفوائد الحسان الغرائب لابن الجُنْديّ (4) ، والفوائد المنتقاة والغرائب الحسان للعيسويّ (5) ، وغيرها.
وقد يفردونها بالانتقاء ... وهذه جعلت لها قسما مستقلاًّ في تقسيمي لكتب الفوائد (6) .
8- لا يُنصّ - أحيانا - على علوّ أسانيد ما انتُقي من الأحاديث
_________
(1) انظر ص/167 رقم/1.
(2) (12/523) .
(3) انظر ص/167 رقم/1.
(4) انظر ص/186 رقم/27.
(5) انظر ص/190 رقم/32.
(6) انظر ص/200.

(1/153)


الفوائد ... كما في فوائد سمّويه (1) ، وفوائد النّجّاد من رواية: أبي عليّ الحسن بن شاذان عنه (2) ، وفوائد أبي الشّيخ من رواية: أبي طاهر الكاتب عنه (3) ، والمهروانيّات.
ولعلّ السّبب في ذلك: وضوح علوّ أسانيدها للنّاظر، خصوصًا عند المشتغلين بهذا الفنّ، وحرصهم على طلب العلوّ، وتلمّسه؛ لما له من مزيّة على الأسانيد النّازلة، فكلّما قلّت الوسائط قلّ احتمال الخطأ.
9- كثير من كتب الفوائد الحديثيّة خُدمت بتخريج أحاديثها، وحُفظ علينا بهذا كثير من الفوائد النّفيسة، والنّكات الجليلة في أمور شتّى قد لا توجد في غيرها ... وصاحب الكلام على الأحاديث يكون أحد ثلاثة:
الأوّل: صاحب الأحاديث نفسه ...
كما صنع أبو الحسن الدّارقطنيّ (ت: 365هـ) (4) ، وأبو القاسم التّنوخيّ (ت: 447هـ) (5) ، والحنّائيّ (ت: 459هـ) (6) ، وابن أبي الحديد (ت: 469هـ) (7) ، وأبو القاسم السّمرقنديّ (ت:536هـ) (8) ،
_________
(1) انظر ص/247 رقم/119.
(2) انظر ص/258 رقم/138.
(3) انظر ص/245 رقم/117.
(4) انظر ص/181 رقم/19، 20.
(5) انظر ص/178 رقم/16.
(6) انظر ص/173 رقم/9.
(7) انظر ص/219 رقم/75.
(8) انظر ص/228 رقم/90.

(1/154)


وأبو يعقوب الشّيرازيّ (ت: 585هـ) (1) ،وغيرهم في فوائدهم.
والثّاني: أحد الحفّاظ المخرّجين ...
كتخريج الدّارقطنيّ لفوائد أبي إسحاق المزكّي (2) ، وابن أبي الفوارس (ت: 412هـ) لفوائد الحماميّ (3) ، والخطيب البغداديّ (ت: 463هـ) لفوائد المهروانيّ، ولفوائد السّرّاج (4) ، ولفوائد أبي القاسم النّسيب (5) ، ولفوائد أبي الفرج الدّينوريّ (6) ؛ وعليّ بن بلبان (ت: 684هـ) لفوائد شمس الدّين المقدسيّ (7) ، وغيرهم.
والثّالث: بعض من جاء الحديث من طريقهم ...
كما في فوائد أبي الحسين الآبنوسيّ (ت: 457هـ) (8) ، وفوائد شُهدة بنت أحمد الكاتبة (ت: 574هـ) .
ثمّ إنّه قد تُخَرّج بعض الأحاديث الفوائد في كتبها، ولكن لا نجد ما نجزم بسببه أنّ الكلام لصاحب الأحاديث، أو المُخرّج؛ لعدم النّصّ على ذلك، ولعدم وجود قرينة تقودنا إليه ... كما في فوائد: المؤمّل ابن أحمد (ت: 391هـ) (9) وأبي القاسم الحُرفيّ (ت: 423هـ) ، وأبي
_________
(1) انظر ص/217 رقم/71.
(2) انظر ص/189 رقم/30.
(3) انظر ص/172 رقم/8.
(4) انظر ص/168 رقم/2.
(5) انظر ص/174 رقم/11.
(6) انظر ص/175 رقم/12.
(7) انظر ص/203 رقم/50.
(8) انظر ص/190 رقم/31.
(9) انظر ص/218 رقم/72.

(1/155)


عثمان العيّار (ت: 457هـ) (1) ، وأبي يعلى بن الفرّاء (ت: 458هـ) (2) ... إلاّ أنّ الغالب في هذا النّوع أنّ الكلام لصاحب الأحاديث هذا هو الأصل ولو كان لغيره لنُبّه عليه كما في نظائره.
10- كتب الفوائد المنسوبة سواء أكانت منسوبة إلى شخص أم إلى بلد فإنّه في الغالب لا يراعي منتقوها نوعا معيّنا من الأحاديث، فيجمعون فيها بين أكثر من نوع ... وقد يُجْمَع منها نوع معيّن كما فعل الطّبرانيّ في فوائده (3) ، فإنّه قصر مرويّاته عن شيوخه فيما يرى أنّها من الأفراد الغرائب دون غيرها، ولم ينبّه على ذلك.
وَأحمد بن سلمان النّجّاد في فوائده من رواية: ابن شاذان عنه (4) ؛ فإنّ كلّ ما فيها من الأسانيد العوالي، ولم ينبّه على ذلك أيضاً ... وغيرهما ممّا سيُلحظ في التّقسيم - إن شاء الله - حيث نبّهت على ما استطعت عليه مِن كُتُب في موضعه، ولم أحاول ردّها إلى أقسامها الرّئيسة؛ لعدم نَصّ مؤلّفيها أو منتقيها على هذا فتكون خارجة عن منهجي في التّقسيم.
11- ظهر لي بعد دراسة أسانيد كتب فوائد البلدان أنّ سبب نسبتها إلى تلك البلدان أحد أمرين انتهجهما المحدّثون في تأليفها:
أوّلهما: انتقاء أحاديثها عن أهل ذلك البلد ... كما في فوائد الكوفيّين لأبي الغنائم النّرسيّ (5) .
_________
(1) انظر ص/227 رقم/88.
(2) انظر ص/179 رقم/17.
(3) انظر ص/215 رقم/67.
(4) انظر ص/258 رقم/138.
(5) انظر ص/199 رقم/44.

(1/156)


والثّاني: انتقاء أحاديثها لأهل ذلك البلد ... كما في فوائد العراقيّين للنّقاش (1) ، وفوائد الخراسانيّين للعثمانيّ (2) .
12- يَعمد المحدّثون - غالبا - إلى ختم كتب الفوائد أو أواخر أجزائها بآثار منثورة، أو أشعار منظومة في أبواب شتّى، فمنها ما يتعلّق بالتّفسير، أو العقيدة، أو آداب طلب الحديث، أو الحضّ على التّزود من العلم، أو الزّهد، أو الوعظ والتّذكير، أو الحِكم، أو نحو ذلك، وهذا كلّه داخل في حدّ الفوائد عندهم.
مع استحسانه - في العموم - لديهم في ختم عدد من التّصانيف: كالأجزاء الحديثيّة (3) ، والمسانيد (4) ، والمجالس (5) ،والأمالي (6) ، والمشيخات (7) ، وغيرها ... يقول العراقيّ في آداب المحدّث من ألفيّته (8) :
_________
(1) انظر ص/283 رقم/179.
(2) انظر ص/170 رقم/5.
(3) انظر - مثلاً -: جزء ابن ديزيل (ص/82- 87) ، وإكرام الضّيف لأبي إسحاق الحربيّ (ص/67) ، وما قرب سنده من حديث أبي القاسم السّمرقنديّ (ص/ 94- 95) ، وبعض كتب ابن أبي الدّنيا كذمّ البغي (ص/88- 91) .
(4) انظر - مثلاً - مسند إبراهيم بن أدهم لابن منده (ص/45- 49) ، ومسند أمة الله الحنبليّة (ص/55- 57) .
(5) انظر - مثلاً - مجلسان من مجالس الحافظ ابن عساكر (ص/38- 40، 50- 54) ، ومجلس في فضل يوم عرفة لابن ناصر الدين (ص/72) .
(6) انظر - مثلاً -: أمالي المحامليّ، من رواية ابن البيّع عنه (ص/446- 448) ، والأمالي الحلبيّة للحافظ ابن حجر (ص/53) .
(7) انظر - مثلاً -: الغنية (ص/191) ،ومشيخة ابن جماعة (2/581- 599) .
(8) (2/222) ... وانظر: الجامع للخطيب البغدادي (2/183) ، - وأدب الإملاء للسّمعانيّ (1/338351) .

(1/157)


وَاسْتُحْسِنَ الإِنْشَادُ فِي الأَوَاْخِرِ ... بَعْدَ الْحِكَايَاتِ مَعَ النَّوَادِرِ
ونجد أنّ منهم من فرّقها، ونثرها بين الأحاديث، ولم يجعلها في أواخر الكتاب أو أواخر أجزائه ... ومنهم:
جعفر بن محمّد الفريابيّ (1) ، وأحمد بن نصر بن بجير (2) ، ومكرم بن أحمد (3) ، وأبو سليمان محمّد بن الحسين الحرّانيّ (4) ، وأبو بكر بن الشّخّير الصّيرفيّ (5) ، والمخلص، من رواية: أبي القاسم البسريّ عنه (6) ، وجابر بن ياسين عنه (7) أيضاً، في فوائدهم ... إلاّ أنّ مكرم بن أحمد جرى على هذا في الجزء الأوّل من كتابه، دون الثّاني.
13- كما يعمدون - أحياناً - إلى التّفريق بين الفوائد المخرَّجة للشّيخ الواحد بتمييز ما انتُقي له آخراً بوصف، كأن يُقال: الفوائد الجُدُد، أو: زيادات الفوائد ... كما في: الفوائد الجُدُدِ لأبي طاهر الذّهليّ، من رواية: أبي الحسن الحكيميّ (8) . وله: الفوائد والأخبار، من رواية: أبي القاسم الفارسيّ (9) عنه. وَزيادات الفوائد لأبي عبد الله الحاكم (10) ، وله
_________
(1) انظر ص/248 رقم/122.
(2) انظر ص/233 رقم/98.
(3) انظر ص/255 رقم/134.
(4) انظر ص/235 رقم/101.
(5) انظر ص/192 رقم/35.
(6) انظر ص/196 رقم/40.
(7) انظر ص/205 رقم/53.
(8) انظر ص/317 رقم/93.
(9) انظر ص/317 رقم/92.
(10) انظر ص/329 رقم/127.

(1/158)


فوائد أخرى عدّة (1) ، ولهما نظائر.
14- يتكرّر انتقاء الأحاديث الفوائد عن الشّيوخ، باختلاف رواتها، ومخرّجيها عنهم؛ إذا كان كلّ واحد منهم يرى أنّ في هذه الأحاديث فائدة له، ولا توجد عند غير هذا الشّيخ ... وهذا أمر ملحوظ في الرّوايات، أو المخرّجات المختلفة عن الشّيخ الواحد (2) .
15- غالب كتب الفوائد آثارها قليلة جدًا بالنّظر إلى ما أودع فيها من أحاديث مرفوعة ... إلاّ أنّ فوائد: أحمد بن نصر بن بجير (3) ، وابن حَمْكَان (4) ، والسّفنيّ (5) غلبت الآثار على مادّتها، والأحاديث قليلة فيها.
_________
(1) انظر مثلاً ص/329 رقم/125، 126.
(2) وانظر ما تقدّم ص/82، 110 وما بعدها.
(3) انظر ص/233 رقم/98.
(4) انظر ص/270 رقم/157.
(5) انظر ص/282 رقم/178.

(1/159)