تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب ط ابن حزم مقدمات
مقدمة الطبعة الثانية
...
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية:
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا
محمد النبي الأمين, وعلى آله وأصحابه ومن سار على هديه إلى يوم
الدين.
وبعد: فإني أضع بين يديك أيها القارئ الكريم هذا السفر المبارك
في طبعته الثانية مزيدة منقحة, راجيا الله سبحانه أن يجعله
عملا مباركا مبرورا مشكورا متقبلا عنده.
وكتاب تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب الذي بين
يديك, كتاب جليل القدر عظيم الفائدة, أوقفنا فيه مؤلفه الإمام
الشهير الحافظ النحرير أبو الفداء عماد الدين ابن كثير على
أحاديث مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه. والإمام أبو عمرو بن
الحاجب إمام أصولي نحوي نظار, ذاعت كتبه في الأقطار واستفاد
منها طلاب العلم وعلماء الأمصار. ويكفي مختصره أهمية أن نافت
شروحه على الخمسين شرحا وقام على تخريج أحاديثه خمسة أئمة
أعلام ينتمون إلى مدارس فقهية متعددة, مع إمامتهم في الحديث,
ومسلكهم العقدي الصحيح.
فلم يمنعهم مانع من الإفادة من كتاب مالكي, وإن كان أحدهم
شافعيا أو حنبليا.
وهذه هي طبيعة مدرستنا الإسلامية الحقة لم تعرف للتعصب طريقا،
ولا للتحيز مسلكا، ولا للجحود سجية وهديا.
وبهذا الطريق السوي مضت وتمضي عجلة العلم بطلابها النجباء,
واردين من المنهل العذب الرائق، ينحون بالأمة نحو المعالي.
(1/7)
وفقنا الله لكل فضيلة, وبصرنا بأنفسنا,
وهدانا الصراط المستقيم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المحقق
(1/8)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الأولى:
بعد حمد الله تعالى والثناء عليه بما هو له أهل، فله الحمد
والشكر، وله الفضل والمنة في الآخرة والأولى.
والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين، المبعوث رحمة للعالمين،
سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن عمل بسنته، واهتدى بهداه إلى
يوم نلقاه.
وبعد: لما كان هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم اليوم هو
رسالتي للماجستير، والتي تقدمت بها إلى جامعة أم القرى العتيدة
بمكة المكرمة, وإني أسأل الله تعالى أن يعلي صرحها، ويديم
مجدها وذكرها، وأن يدفع عنها كل سوء وسيئة, كما دفع ويدفع عن
بيته الكريم وهي تتربع بين أحيائه, وأن يجزل المثوبة ويكرم
العاقبة لكل من مد لها يدا بالخير وأراد لها الصالح والصلاح.
فإني أتقدم بشكري العميق للقائمين على جامعة أم القرى جميعا.
كما أشكر القائمين على مكتبة الحرم المكي، والحرم المدني
الشريفين, والقائمين على المكتبة المركزية بالجامعة الإسلامية
وقسم المخطوطات فيها, والمكتبة المحمودية بالمدينة المنورة,
والقائمين على دار الكتب المصرية ومعهد المخطوطات التابع
لجامعة الدول العربية بالقاهرة, والمكتبة السليمانية ومكتبة
فيض الله "ملّت" بإسلام بول بتركيا؛ لما لهم من فضل في تسهيل
مهمة البحث, وذلك بتهيئة المصادر والاطلاع على المخطوطات التي
احتجت إلى الرجوع إليها والاستفادة منها.
(1/9)
كما أتقدم بشكري الخالص إلى أستاذي المشرف
على هذه الرسالة, فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد أحمد يوسف
القاسم, الذي لم يدخر وسعا ولم يأل جهدا في إبداء ملاحظاته
وتوجيهاته السديدة لي. وأشكر كافة مشايخي الفضلاء الكرام, وأخص
أستاذي الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد بن محمد نور
سيف بوافر الشكر والتقدير؛ لما له من فضل علي وعلى طلبة العلم
بملاحظاته وتوجيهاته السديدة, كما أشكره مرة أخرى وأشكر معه
فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور سعد بن سعد جاويش؛ لتفضلهما
بمناقشة الرسالة. كما أتقدم بشكري العميق وتقديري الخالص إلى
كافة زملائي الكرام وأخص العراقيين منهم، وأتقدم بشكري وجزيل
تقديري إلى كل من له يد عون أو فضل علي في إعارة كتاب أو
مراجعة نص أو مقابلة مخطوط أو إسداء نصح أو توجيه أو دعاء.
وإني إذ أسجل شكري وتقديري واحترامي للجميع، فإني أسأل الله
لعلي القدير أن يمدهم بعون من عنده وأن يوفقهم لكل خير، وأن
يكرمهم في الدنيا، ويجزل مثوبتهم في الآخرة. كما أسأله تعالى
أن يوفقني لرد فضل الجميع, وأسأله سبحانه أن يجعل أعمالنا
خالصة لوجهه الكريم، فإنه سبحانه نعم المولى ونعم النصير,
والله ولي التوفيق.
(1/10)
بسم الله الرحيم الرحيم
تمهيد:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا
الهادي والرسول الأمين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن سار
على هديه واتبع خطاه وانتهج منهجه إلى يوم الدين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا
محمدا عبده ورسوله.
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُون} 1.
وأنزل عليه كتابه الذي هو أصل دينه، نوّر به بصائر المؤمنين،
وأحيا به قلوب المتقين، وطمأن به قلوب الموحدين: {الَّذِينَ
آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا
بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} 2, وأوحى إلى رسوله
-صلى الله عليه وسلم- تبيين مقاصده خاصة وعامة، وتوضيح مجمله
ومفصله، فكان صلى الله عليه وسلم بسنته القولية والفعلية
والتقريرية هو المعبّر عن كتابه، الدالّ على معانيه، الهادي
إلى طريق تطبيقه. فغدا الصحابة الكرام -رجالهم ونساؤهم- يسألون
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عما خفي عليهم من معنى، وما
استشكل عليهم من مراد، وعن حكم ما استجدّ لهم من حوادث، فتجد
أحدهم يسأل عن الأمر الصغير والكبير، وتأتي المرأة لتسأله
وتقول: يا رسول الله, إن الله لا يستحيي من الحق3 ...
__________
1 الآية 33 في سورة التوبة.
2 الآية 28 في سورة الرعد.
3 انظر صحيح البخاري في كتاب العلم "باب" "50" الحياء في العلم
"1/ 41.
(1/11)
وتسأله شيئا لو لم يكن من أمر الدين لما
استحسن السؤال عنه؛ لأنهم -رضي الله عنهم جميعا- علموا وأدركوا
وأيقنوا أن معلمهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنه العارف
بدقائق الشرع وحقائق التنزيل، وأن الله شرّفهم وأعلى منزلتهم
بدخولهم الإسلام، وأن كل ما يفعلون وما يقولون -صغيرا أو
كبيرا- يجب أن يكون على وفق ما شرعه الله، ويجب أن يكونوا على
معرفة به، وأن الاستحياء في التساؤل عن أمر الشرع مذموم، وأن
العمل الذي يجانب مراد الشارع باطل، فلا بد مع إخلاص النية من
العلم, فالنوايا لا تغني وحدها إذا كان العمل غير صحيح، فلا بد
من إخلاص النية في العمل وموافقته لمراد الشارع سبحانه وتعالى.
وآمنوا -رضي الله عنهم جميعا- أن تبليغ الرسالة جزء من
واجباتهم فقاموا ينقلون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما
سمعوه ووعوه، ويوضحون ما فقهوه. فكان نقلهم لما سمعوه وشاهدوه
وعلموه منه دقيقا، وفهمهم له صحيحا؛ لأنهم عايشوا الوحي
وعاصروا التنزيل ووقعت الحوادث بين أيديهم، إضافة لما أكرمهم
الله به من الورع والتقوى، وما خصّ به زمانهم من خيرية على
القرون, وما حباهم من فطنة وذكاء.
وقد تلقاها عنهم آخرون هم على درجة عالية من الفهم والوعي،
وقوة الحافظة واستحضار المعاني، وكتب البعض صحائف, وترك البعض
الآخر الكتابة لدقة تثبته وقوة حافظته. وبلّغوا هم بدورهم ما
وعوه وحفظوه وما كتبوه وهكذا.... حتى إذا تباعد الزمن شيئا
قليلا رأى العلماء والأئمة النجباء أن الاعتماد على الحفظ وحده
لا يكفي، وأنه لا بد من تقييد السنة وجمعها في الكتب ... فتمت
عملية الجمع والكتابة والتدوين1 ... إلا أن البعض تساهل في
الجمع فجمع كل ما سمع مرويا بالسند، ووضع البعض الآخر شروطا
لقبول رواية الراوي ومن يأخذ عنه العلم، وكانت شروط بعضهم أشد
من بعض، وكان شرط الإمامين الجليلين البخاري ومسلم -عليهما
رحمة الله- في صحيحيهما في الدرجة الأولى من التحري عن رواة
الأخبار،
__________
1 انظر تدوين الحديث في كتاب بحوث في تاريخ السنة المشرفة،
تأليف أستاذنا الدكتور أكرم العمري, حفظه الله.
(1/12)
وشرطهما مدوّن معلوم لدى طلبة العلم1،
فكانت روايتهما نقية صحيحة بعيدة عن النقد. لذلك تلقتها الأمة
بالقبول حتى قال أحد الأئمة: لو حلف أحدهم بالطلاق أن جميع ما
في البخاري ومسلم صحيح, لم يحنث ولم تطلق زوجته2 ... بيد أن
غيرهما لم يكونوا على هذه الدرجة من الدقة والتمحيص؛ لذلك لم
يغفل الأئمة الأعلام -عليهم رحمة الله- هذه الناحية, فوضعوا
شروطا دقيقة ضابطة للعلم؛ حتى يحكم للرواية بالقبول أو الردّ،
وقسموا الحديث تبعا لتلك الشروط إلى: صحيح، وحسن، وضعيف،
ووضعوا لها درجات، وقسموا الضعيف إلى أقسام كثيرة.
ثم إن بعض من جاء بعدهم من المصنفين استشهد بروايات من غير أن
يعزوها لمصدرها, وإن البعض منهم ساقها من غير تمحيص فلم تكتمل
فوائدها؛ لأن الناظر فيها لا يعلم ما استشهد به المؤلف صحيحا
أو سقيما, فأدرك الأئمة هذه المهمة فأماطوا اللثام عما خفي
مصدره, وصعب مسلكه, وتعذر الوصول إليه.
ومن تلكم الكتب: كتاب "مختصر ابن الحاجب -عليه رحمة الله- في
أصول الفقه" فهو كتاب جليل في فنه بديع في صنعه دقيق في
عبارته، تلقاه العلماء وطلاب العلم بالقبول والعناية, ولكن كان
فيه ما وصفنا. فلم يغفله الأئمة الحفاظ كما أنهم لم يغفلوا عن
غيره, فشمّروا عن سواعد الجد لتبيين أحاديثها، وأعلام الدارسين
لها بصحة الصحيح وحسن الحسن وعلة المعلول، كما أنهم بينوا
مواطن أخذها ومظان عزوها. ومن أولئك الأعلام إمامنا الجليل
الحافظ الناقد الأصيل عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر
ابن كثير -عليه رحمة الله تعالى- فألّف كتابه القيم "تحفة
الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب" فأجاد وأفاد، وهو
الكتاب الذي قمت على تحقيقه، ولله الحمد والفضل والمنة, وقد
قدمت له بدراسة تضمنت أربعة فصول, هي كما يلي:
الفصل الأول: دراسة حياة المؤلف الإمام ابن كثير، وتتضمن
مبحثين:
__________
1 انظر الكتابين: شروط الأئمة الخمسة للإمام الحازمي, وشروط
الأئمة الستة للإمام المقدسي.
2 انظر التقييد والإيضاح للحافظ العراقي ص39.
(1/13)
المبحث الأول: حياته العامة.
المبحث الثاني: حياته العلمية.
الفصل الثاني: دراسة حياة مؤلف الأصل ابن الحاجب, وتتضمن
مبحثين:
المبحث الأول: حياته العامة.
المبحث الثاني: حياته العلمية.
الفصل الثالث: في التخريج وأهميته, وتضمّن:
معنى التخريج، أهمية التخريج، جهود الحافظ ابن كثير في هذا
الفن.
الفصل الرابع: دراسة الكتاب, وفيه مبحثان:
المبحث الأول: وتضمن: اسم الكتاب، صحة نسبة الكتاب للمؤلف، نسخ
الكتاب.
المبحث الثاني: وتضمن: من قام على تخريج الكتاب غير الإمام ابن
كثير، بعض مزايا كتاب تحفة الطالب، منهج الحافظ ابن كثير في
كتاب تحفة الطالب، منهج التحقيق.
هذا, وأسأل الله العلي القدير أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه
الكريم, وأن يرحم العلماء العاملين, وأن يوفقنا لخدمة دينه
وشرعه القويم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصل
اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
مكة المكرمة
في 7/ 6/ 1406هـ
(1/14)
|