تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب ط ابن حزم

القسم الأول: الدراسة
الفصل الأول: دراسة حياة المؤلف "الإمام الحافظ ابن كثير"
المبحث الأول: حياته العامة
أولا: اسمه ونسبه
...
القسم الأول: الدراسة
الفصل الأول: دراسة حياة المؤلف "الإمام الحافظ ابن كثير"
المبحث الأول: حياته العامة
ويتضمن ما يلي:
- أولا: اسمه ونسبه.
- ثانيا: مولده.
- ثالثا: أسرته.
- رابعا: زوجته وأولاده.
أولا: اسمه ونسبه
هو إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن درع القرشي الحصبلي القيسي, البُصْرَوي الأصل, الدمشقي النشأة والتعليم, الشافعي, عماد الدين أبو الفداء1.
الإمام العالم العلامة, المفسر المحدث الحافظ, الفقيه المؤرخ ...
__________
1 البداية والنهاية 14/ 31.

(1/19)


ثانيا: مولده
ولد ابن كثير في إحدى المدن الدمشقية في بلدة تسمى بـ "مجدل القرية" من أعمال بُصْرَى شرقي دمشق, وكان ذلك سنة سبعمائة أو سنة إحدى وسبعمائة من الهجرة النبوية الشريفة1.
__________
1 وهذا هو الذي يترجح في ولادته, إذ إنه عندما ترجم لصاحب مكة الشريف محمد بن الأمير حسن بن قتادة الحسني في كتابه البداية والنهاية قال: وفيها -أي: سنة إحدى وسبعمائة- ولد كاتبه إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الشافعي عفا الله تعالى عنه -والله تعالى أعلم- وعندما ترجم لوالده -رحمه الله- وكان قد توفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعمائة قال: "وكنت آنذاك صغيرا ابن ثلاث سنين أو نحوها لا أدركه إلا كالحلم" وإن ابن حجر والسيوطي وابن العماد قد ذكروا أن ولادته كانت سنة سبعمائة, وإن البغدادي قال: إنه ولد عام خمسة وسبعمائة, وهذا بعيد جدا لما ذكرنا.
انظر أنباء الغمر 1/ 45, البداية والنهاية 14/ 21 و31.
وشذرات الذهب 16/ 131, وطبقات الحفاظ للسيوطي ص529, وهدية العارفين 5/ 251.

(1/19)


ثالثا: أسرته
ولد ابن كثير في أسرة قرشية عريقة عرفت بالعلم والخلق والديانة، وكان ينتمي إلى بني حصلة. وقد ولد والده في قرية يقال لها "الشركيون" تقع غربي بصرى وبينها وبين أذرعات، وذلك في حدود سنة أربع وستمائة. ودرس القرآن والحديث والفقه وعلوم الشرع، وأخذ عن النووي والتقي الفزاري وغيرهما من العلماء. وتولى الخطابة في قرية شرقي بصرى مدة طويلة وكان خطيبا فصيحا، يقول الشعر ويعرف فنونه, وكان الناس يستمعون إليه ويلتفّون حوله. ثم تحول إلى "مجدل القرية" وتزوج منها بمريم بنت فرج بن علي، وكانت امرأة صالحة حافظة لكتاب الله. وقد أنجبت له: كمال الدين عبد الوهاب، وعبد العزيز، ومحمدا وإسماعيل, وكان قد توفي وهو شاب صغير يطلب العلم في دمشق, فسمى ولده إسماعيل "ابن كثير" باسمه.
وكذلك ولد له منها: يونس، وإدريس, وكانوا جميعا مشتغلين بطلب العلم, عليهم رحمة الله تعالى جميعا1.
__________
1 البداية والنهاية 14/ 32.

(1/20)


رابعا: زوجته وأولاده
تزوج الإمام ابن كثير بابنة شيخه أبي الحجاج المزي، وكانت امرأة صالحة حافظة لكتاب الله بارة بوالديها, وكانت قد حفظت القرآن على والدتها عائشة بنت إبراهيم بن صديق1.
وقد رزق منها بأولاد أربعة, نذكرهم مرتبين حسب سني وفياتهم:
1- عمر بن إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي. وكان فقيها، كتب تصانيف أبيه وولي الحسبة مرارا والأوقاف, ودرس بأماكن عديدة. توفي سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة2.
2- أحمد بن إسماعيل بن عمر بن كثير. وكان حسن السمت عارفا بالأمور، توفي سنة إحدى وثمانمائة3.
3- بدر الدين محمد بن إسماعيل بن كثير, أبو البقاء. درس العلم وتفقه على كثير من الشيوخ, وكان ذا فضل، معروفا بحسن الخط وجودة الضبط. توفي سنة ثلاث وثمانمائة4.
4- التاج عبد الوهاب بن إسماعيل بن كثير. سمع من أبيه وغيره من الشيوخ, توفي سنة أربعين وثمانمائة4, عليهم رحمة الله تعالى جميعا.
__________
1 المصدر السابق 14/ 92.
2 أنباء الغمر 2/ 75.
3 الضوء اللامع 1/ 243.
4 أنباء الغمر 4/ 322.
5 الضوء اللامع 5/ 98.

(1/21)


المبحث الثاني: حياته العلمية
أولا: طلبه العلم
...
المبحث الثاني: حياته العلمية
ويتضمن ما يلي:
- أولا: طلبه العلم.
- ثانيا: شيوخه.
- ثالثا: تلاميذه.
- رابعا: مكانته العلمية, وثناء العلماء عليه.
- خامسا: مؤلفاته.
- سادسا: وفاته.
أولا: طلبه العلم
كان لأسرة ابن كثير العلمية أثر كبير في توجيهه التوجيه السليم الصحيح، والتحاقه بطلب العلم منذ نعومة أظفاره؛ فكان والده عالما وخطيبا, ووالدته حافظة لكتاب الله, وإخوته مشتغلين بالعلم. فلا غرابة أن ينشأ هذا الصغير على طلب العلم وأن يسلك مسلك العلماء ... وقد انتقلت أسرته إلى دمشق بعد وفاة والده برفقة أخيه عبد الوهاب وكان ذلك سنة سبع وسبعمائة للهجرة, ودرس علومه الأولى على يد أخيه عبد الوهاب, وحفظ القرآن على يد الشيخ شمس الدين البعلبكي وعمره لم يتجاوز الحادية عشرة1.
__________
1 البداية والنهاية 14/ 179.

(1/22)


ثم توجه لقراءة الحديث؛ فسمع صحيح مسلم في تسعة مجالس بقراءة الوزير أبي القاسم الأزدي قراءة صحيحة1, وسمع بدار الحديث الأشرفية نحوا من خمسمائة جزء بالإجازات والسماع في الحديث، من شيخه المسند أبي العباس بن الشحنة2.
كما أنه درس القراءات والتفسير, وعني بالفقه والأصول، ودرس التاريخ، وعلم الرجال، والنحو والشعر وآداب العرب، وغيرها من العلوم. وهكذا أخذ يقرأ ويواصل ويتابع ويعكف على العلم, ويجلس إلى العلماء يأخذ عنهم ويحفظ المتون ويقرأ المطولات. وقد حظي ابن كثير بشيوخ أجلاء وعلماء فضلاء كان لهم تأثير واضح في علمه وثقافته، وقد عرفوا بغزارة العلم وسعة الاطلاع كما عرفوا بالتقوى والورع والإخلاص أمثال الحافظ المزي، والذهبي، وابن تيمية، وغيرهم كثير, عليهم رحمة الله تعالى جميعا. وما زال كذلك حتى أتقن العلوم ونال حظه الوافر من جميع الفنون؛ فشهد بعلمه العلماء، وبرسوخه وتقدمه الفضلاء، فأعطيت له الإجازات واشتهر بالضبط والتحرير3, حتى ذاع صيته وطار في الأمصار ذكره، وتولى مشيخة العديد من المدارس، وانتهت إليه رئاسة العلم في التفسير والحديث والفقه والتاريخ4 ... فهرع إليه طلاب العلم من كل صقع, يطلبون علمه ويتفقهون به, ويحفظون عنه ويسمعون منه.
__________
1 المصدر السابق 14/ 149.
2 المصدر السابق 14/ 150.
3 شذرات الذهب 6/ 231.
4 المصدر السابق.

(1/23)


ثانيا: حياته العلمية
...
ثانيا: شيوخه
لقد ولد ابن كثير في أسرة علمية نالت حظها من العلم، وأخذت نصيبها من المعرفة؛ فأمه التي كانت تحفظ كتاب الله العزيز يمكن أن نقول: إنها كانت شيخته الأولى, فلا بد أنه سمع منها الكثير من كتاب الله تعالى ولا بد أنه حفظ عنها منه شيئا، ولا بد أن أنفاسها الطيبة قد عطرت مسامعه وهي تستعيد حفظه وتؤكد تذكاره وتتلوه آناء الله وأطراف النهار في كل يوم. وإن أخاه عبد الوهاب كان شيخه أيضا؛ فقد تلقى عنه وكان ذا علم وفضل، كما أنه تلقى عن شيوخ كثيرين, وإننا سنذكر بعض خواصّ شيوخه مرتبين حسب حروف المعجم, كما أننا سنذكر ترجمة موجزة لشيخين من شيوخه كان لهما ذكر في كتابنا تحفة الطالب, وهما الإمامان الحافظان أبو الحجاج المزي، وأبو عبد الله الذهبي. ولنبدأ بترجمتهما ثم نعدد باقي شيوخه.
1- الإمام المزي1: هو العالم الحبر الحافظ محدث الشام, جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف القضاعي, ثم الكلبي الدمشقي الشافعي.
ولد سنة أربع وخمسين وستمائة ونشأ بالمزة. حفظ القرآن وتفقه وأقبل على العلم فسمع الكتب الستة ومعجم الطبراني وغيرها, وأخذ العلم عن أبي الخير النووي والعفيف التلمساني والأربلي وغيرهم, وكان كثير العلم ثقة حجة, صادق اللهجة حسن الخلق, كثير السكوت قليل الكلام مصنفا، ومن مصنفاته: تهذيب الكمال، وتحفة الأشراف في معرفة الأطراف, وغيرهما. وتوفي في صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة.
2- الإمام الذهبي2: هو الإمام العالم العلامة الحافظ المحدث شيخ الجرح والتعديل, شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي. ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة بكفر بطنا في غوطة دمشق, سمع من شيوخ كثيرين منهم: الإمام المزي، وأحمد بن هبة الله بن عساكر، وشرف الدين الفزاري، وغيرهم. صنف المصنفات الجليلة، منها: تاريخ الإسلام، وسير أعلام النبلاء، وميزان الاعتدال، وغيرها. توفي سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.
3- برهان الدين بن سباع الفزاري: شيخ الشافعية في زمانه ابن شيخ الإسلام
__________
1 ترجمته في البداية والنهاية 14/ 191, وتذكرة الحفاظ 4/ 1498-1500.
2 ترجمته في البداية والنهاية 14/ 225, والدرر الكامنة 3/ 136, وشذرات الذهب 6/ 153.

(1/24)


تاج الدين الفزاري، الصعيدي الأصل الدمشقي, المتوفى سنة "729هـ"1.
4- أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة الصالحي الحجار, الشهير بابن الشحنة, المتوفى سنة "730هـ"2.
5- تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية, الحراني الحنبلي شيخ الإسلام, المتوفى سنة "728هـ"3.
6- بهاء الدين القاسم بن محمد بن بدر الدين بن عساكر, الدمشقي الطبيب المعمر, المتوفى سنة "723هـ"4.
7- كمال الدين محمد بن علي بن عبد الواحد الأنصاري, شيخ الشافعية في زمانه, أبو المعالي المعروف بابن الزملكاني, المتوفى سنة "727"5.
8- الملك الكامل ناصر الدين أبو المعالي محمد بن عبد الملك السعيد عبد الملك بن سلطان الصالح إسماعيل, المتوفى سنة "727هـ"6 عليهم رحمة الله تعالى جميعا.
__________
1 ترجمته في البداية والنهاية 14/ 146, والدرر الكامنة 1/ 33.
2 ترجمته في البداية والنهاية 14/ 150.
3 ترجمته في البداية والنهاية 14/ 135, وتذكرة الحفاظ 4/ 1496-1498.
4 ترجمته في البداية والنهاية 14/ 108, وشذرات الذهب 6/ 61.
5 ترجمته في البداية والنهاية 14/ 130, والدرر الكامنة 4/ 31.
6 ترجمته في البداية والنهاية 14/ 131, طبقات الشافعية 9/ 190.

(1/25)


ثالثا: تلاميذه
لقد أخذ عن الإمام ابن كثير طلاب كثيرون تفقهوا به وحفظوا عنه، فالإمام قد تولى التدريس في مدارس كثيرة، وألقى دروسه المفيدة في الجامع الأموي وغيره، ولا يمكننا استيعاب جميع طلابه؛ لذا فإننا سنقتصر على ذكر بعضهم, وسأذكر ترجمة موجزة لواحد منهم, وهو الإمام بدر الدين الزركشي.
وذلك لأنه قام على تخريج كتاب المختصر بعد شيخه ابن كثير, وقد ذكرت نقولا عن كتابه في التعليق على كتاب تحفة الطالب. وسأبدأ بذكره ونذكر الباقين مرتبين على حروف المعجم.
1- بدر الدين الزركشي1: هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن بهادر بن عبد الله الزركشي, ولد بالقاهرة سنة خمس وأربعين وسبعمائة وأخذ عن جمال الدين الإسنوي، وجمال الدين البلقيني، ومغلطاي ثم توجه إلى بلاد الشام قاصدا سماع الحديث من الحافظ ابن كثير، فنزل دمشق وأخذ عنه، ثم رحل إلى حلب فأخذ عن شهاب الدين الأوزاعي الفقه والأصول، ثم عاد إلى القاهرة. ومن مصنفاته: البرهان في علوم القرآن، والمعتبر، والإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة, وغيرها. توفي سنة أربع وتسعين وسبعمائة.
2- أحمد بن حجي بن موسى السعدي الحسباني, الدمشقي الشافعي, المتوفى سنة "816"2.
3- شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد الحريري, الدمشقي المعروف بالسلاوي الشافعي, المتوفى سنة "813هـ"3.
4- عبد الرحمن بن الحسين بن عبد الرحمن الكردي, الشهير بالحافظ العراقي, الشافعي المتوفى سنة "806هـ"4.
5- محمد بن علي بن الحسن بن حمزة بن أبي المحاسن الدمشقي, الحسيني الشافعي, المتوفى سنة "765هـ"5 عليهم رحمة الله تعالى جميعا.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب 6/ 335, وطبقات الشافعية لابن هداية الله ص241.
2 ترجمته في شذرات الذهب 7/ 100, والضوء اللامع 2/ 81.
3 ترجمته في شذرات الذهب 7/ 116, والضوء اللامع 2/ 270.
4 ترجمته في ذيل تذكرة الحفاظ لابن فهد ص220-239.
5 ترجمته في ذيل تذكرة الحفاظ لابن فهد ص150, 151.

(1/26)


رابعا: مكانته العلمية, وثناء العلماء عليه
تتضح مكانة ابن كثير العلمية في المدارس التي تولى التدريس فيها, والمساجد التي كان يلقي فيها محاضراته, وفي مؤلفاته وكتبه التي كتبها.
أما المدارس التي كان يدرس فيها فهي:
مدرسة دار الحديث الأشرفية.
والمدرسة الصالحية، أو تربة أم الصالح.
والمدرسة النجيبية.
والمدرسة التنكزية.
والمدرسة النورية الكبرى.
وهذه المدارس كانت مهبط أفئدة طلاب العلم في الشرق والغرب؛ لما يدرّس فيها من علوم ولمكانة شيوخها وأساتذتها ومنزلتهم العلمية. إذ لا يتولى التدريس فيها إلا من كان ذا قدم راسخة في العلم ومكانة بين العلماء؛ كسلطان العلماء العز بن عبد السلام وشيخ الإسلام ابن تيمية والحافظين المزي والذهبي ... عليهم رحمة الله جميعا. كما أنه تولى إلقاء الدروس في عدد من مساجد دمشق المهمة؛ كالجامع الأموي, وجامع تنكز، والجامع الفوقاني وكان يقوم بالخطابة فيه أيضا.
كما أن مكانته تتجلى1 من موقفه من الأمر السلطاني، الذي كان قد قضى بفرض ضرائب على نصارى أهل الشام، وأخذ ربع أموالهم عوضا عما فعله الفرنجة في اعتدائهم على الإسكندرية, فقال الإمام ابن كثير لنائب السلطنة في الشام: لا يجوز أخذ شيء من أموالهم زائد على الجزية ما داموا يؤدونها، وأحكام الملة قائمة عليهم ما داموا كذلك, وقال له: اكتب إلى السلطنة بذلك. فكتب نائب السلطنة إلى الديار المصرية بفتوى الشيخ، وجاءه الجواب برد ما أخذ من الجباية عليهم1.
__________
1 البداية والنهاية 14/ 314-317.

(1/27)


وهكذا يكون العلماء الأتقياء، يقولون الحق ولا يخافون في الله لومة لائم، يسهرون على تطبيق حدود الشرع ومصالح الناس, وهذا هو موقف الإسلام العظيم في العدل والإنصاف والمساواة والخير العميم لكل الناس. ولكن أين مواقف النصارى واليهود وأهل الذمة والكفرة -عليهم لعنة الله تعالى جميعا- من هذه المواقف ... وقد أصبحنا نتمثل بقول الشاعر:
حكمنا فكان العدل منا سجية ... فلما حكمتم سال بالدم أبطح
اللهم ردنا إلى دينك ردا جميلا، ولا تجعل لعدونا في الحياة ولا بعد الممات علينا سبيلا.
ثناء العلماء عليه:
قال شيخه الذهبي في المعجم المختص: "هو فقيه متقن, ومحدث محقق، ومفسر نقّاد، وله تصانيف مفيدة"1.
وقال أبو المحاسن الدمشقي: "الشيخ الإمام, العالم الحافظ, المفيد البارع، عماد الدين أبو الفداء ... أفتى ودرس، وناظر وبرع في الفقه والتفسير والنحو، وأمعن النظر في الرجال والعلل ... "2.
وقال ابن حجي: "أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث وأعرفهم بجرحها ورجالها، صحيحها وسقيمها، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك، وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا واستفدت منه"3.
__________
1 ذيل تذكرة الحفاظ لأبي المحاسن ص58.
2 المصدر السابق 57, 58.
3 شذرات الذهب 6/ 231.

(1/28)


خامسا: مؤلفاته 1:
ربت مؤلفات الإمام ابن كثير على الأربعين مؤلفا، وإن الغالبية من هذه المؤلفات لا يزال ينتظر من ينفض عنه غبار السنين الطوال لإخراجه والاستفادة منه, كما أن قسما آخر لا نعرف عنها سوى الاسم أشار إليها في مؤلفاته. وتمتاز مؤلفاته بالتنوع, وإن كان الغالب عليها الحديث.
وسأبين ما هو مطبوع من كتبه أو مخطوط وما أشار إليه في بعض مؤلفاته قدر الاستطاعة وحسب الوسع, مرتبا إياها على حروف المعجم.
فالمطبوع منها:
1- الاجتهاد في طلب الجهاد.
2- أحاديث التوحيد والرد على أهل الشرك.
3- اختصار علوم الحديث.
4- البداية والنهاية.
5- تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب.
6- تفسير القرآن العظيم.
7- سيرة عمر بن عبد العزيز.
8- فضائل القرآن.
9- الفصول في اختصار سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
10- المسائل الفقهية التي انفرد بها الإمام الشافعي من دون إخوانه من الأئمة.
11- مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
12- النهاية أو الفتن والملاحم.
والمخطوط منها:
1- آداب الحمامات2.
__________
1 فصّل الأستاذ مطر الزهراني ذلك في رسالته "الإمام ابن كثير المفسر". وانظر في مؤلفات الإمام ابن كثير مقدمة الدكتور إبراهيم صندقجي لكتاب المسائل الفقهية التي انفرد بها الإمام الشافعي من دون إخوانه من الأئمة للإمام ابن كثير.
2 يقوم الأستاذ أبو عبد الرحمن بن عقيل في الرياض على تحقيقه.

(1/29)


2- الأحكام الكبير1.
3- إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه2.
4- التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل3.
5- جامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سَنَن4.
6- رسالة في أحاديث الإشراك5.
7- شعب الإيمان6.
8- طبقات الفقهاء من الشافعية7.
9- اختصار كتاب الإمام البيهقي "المدخل إلى كتاب السنن"8.
10- كتاب العقائد9.
11- مسند الفاروق أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأقواله على أبواب العلم10.
__________
1 توجد منه نسخة بدار الكتب الوطنية بتونس رقم 168.
2 توجد منه نسخة بمكتبة فيض الله أفندي بتركيا تحت رقم 783/ 2, وذكر فيه أنه مختصر من أصل مبسوط. ومنه نسخة مصورة عنها بالجامعة الإسلامية تحت رقم 997 حديث.
قام الأخ الأستاذ محمد إبراهيم السامرائي على تحقيقه, وحصل به على درجة الماجستير بتحقيقه للنصف الأول منه من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة, على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
3 يوجد منه الجزء التاسع في دار الكتب المصرية تحت رقم 24227 ب, مصور بمجلدين.
4 يوجد منه تسعة أجزاء في دار الكتب المصرية تحت رقم 184 حديث, وصورته مكتبة الحرم المكي وصورة منه بمركز البحث العلمي بجامعة أم القرى تحت رقم 584.
5 توجد منه نسخة بمكتبة الأوقاف العامة ببغداد تحت رقم 7/ 13793 مجاميع.
6 توجد منه نسخة مصورة في مكتبة الشيخ صبحي البدري السامرائي الخاصة ببغداد.
7 توجد منه نسختان في مصورات مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى تحت رقم 279.
8 ذكره د. إبراهيم صندقجي في مقدمة كتاب المسائل الفقهية ص37.
9 توجد منه نسخة بالمكتبة المركزية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة تحت رقم 239/ 16 ضمن مجموع.
10 يقوم الأستاذ مطر الزهراني على تحقيقه للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة أم القرى بمكة المكرمة.

(1/30)


12- الواضح النفيس في مناقب ابن إدريس1.
أما الكتب التي ذكرها في بعض مصنفاته -كالتفسير والبداية والنهاية وغيرهما- فهي2:
1- أحاديث الأصول.
2- الأحكام الصغرى.
3- الأحكام الكبرى.
4- أقوال العلماء في معنى الصلاة الوسطى.
5- بطلان وضع الجزية عن يهود خيبر.
6- سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
7- سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
8- شرح قطعة من صحيح البخاري.
9- كتاب تراجم لشيخه ابن تيمية.
10- كتاب صفة النار.
11- كتاب الصيام.
12- كتاب المدخل إلى سنن البيهقي.
13- مسألة الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها.
14- مسألة الأغاني بالألحان.
__________
1 يوجد منه نسخة في مكتبة شيستربتي تحت رقم 3390 ومنها صورة بمركز البحث العلمي بجامعة أم القرى ذكره صاحب هدية العارفين "1/ 215" في مؤلفاته, وقال الدكتور إبراهيم علي صندقجي في تحقيقه كتاب المسائل الفقهية للإمام ابن كثير ص"35": إن هذا الكتاب ليس للإمام ابن كثير, وإنما هو للإمام الحسن بن الحسين بن حمكان الهمداني, المتوفى سنة خمس وأربعمائة هجرية, والله أعلم.
2 وانظر مقدمة د. إبراهيم صندقجي لكتاب المسائل الفقهية ص37-41.

(1/31)


15- مسند الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
16- مشيخة خرجها لشيخه علاء الدين القويزي.
17- العقائد.
18- بيع أمهات الأولاد.
19- المقدمات في مصطلح الحديث.
20- كتاب في مسألة السماع.
21- الكواكب الدراري في التاريخ, انتخبه من كتابه الكبير البداية والنهاية.
22- شرح قطعة كبيرة من كتاب التنبيه للإمام الشيرازي.
23- مصنف مفرد في تحريم الجمع بين الأختين.
24- مصنف في حكم الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير.
25- الأحكام على أبواب التنبيه.
أما الأجزاء فهي:
1- جزء في الأحاديث الواردة في قتل الكلاب, واختلاف الأئمة في ذلك.
2- جزء في إسناد حديث الشفاعة الطويل.
3- جزء في بناء المساجد واحترامها وتوقيرها وتطييبها وتبخيرها.
4- جزء في تقصّي طريق حديث ابن عباس في فضل العمل في عشر ذي الحجة, المروي في البخاري1.
5- جزء في تكذيب حديث ذكره الخطيب البغدادي في تاريخه عن ابن عمر أن السجل كاتب النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
1 في كتاب العيدين باب "11" فضل العمل في أيام التشريق 2/ 7 ولفظه:
عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما العمل في أيام أفضل منها في هذه العشر". قالوا: ولا الجهاد؟ قال: "ولا الجهاد, إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء".

(1/32)


6- جزء في دخول مؤمني الجن الجنة.
7- جزء في ذكر المهدي.
8- جزء في طرق وألفاظ وعلل وما يتعلق بحديث كفارة المجلس.
9- جزء في فتح القسطنطينة.
10- جزء في فضائل الشيخين أبي بكر وعمر.
11- جزء في مسألة: هل الأخوان تسمى أخوه؟
12- جزء مفرد في تكذيب ما ادعاه يهود خيبر من أن بأيديهم كتابا من النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه وضع الجزية عنهم, كتبه علي بن أبي طالب, وشهود جماعة من الصحابة منهم: سعد بن معاذ، ومعاوية بن أبي سفيان, رضي الله عنهم.

(1/33)


وفاته:
وبعد هذا الجهد الجهيد والعمل المتواصل الدءوب أربعة وسبعين عاما قضاها في طاعة الرحمن، في التعلم والتعليم والصبر والمصابرة حتى كلّ جسده وضعفت قواه وفقد بصره, بعد أن ألف كتبا وخرج أجيالا ونصح الأمة ... ولا بد للإنسان من رحيل عن الدنيا فـ {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} 1 لتوفى النفوس أعمالها وتعطى للناس أجورها كاملة غير منقوصة ... ويضاعف لمن يشاء, وأجر الصابرين بغير حساب. قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} 2. وفي يوم الخميس السادس والعشرين من شهر شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ودّعت دمشق إمامها وخطيبها وحافظها أبا الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي إلى رضوان الله تعالى -إن شاء الله- حيث المستقر الدائم, ودفن بجوار شيخه ومحبه شيخ الإسلام ابن تيمية, عليهما من الله شآبيب الرحمة والرضوان وعلى سائر المسلمين.
__________
1 سورة آل عمران: الآية 185.
2 سورة الزمر: الآية 10.

(1/33)