معرفة علوم الحديث ط احياء العلوم ص -40-
ذكر أول نوع1 من معرفة علوم الحديث: "عالي الإسناد"
قال أبو عبد
الله2: النوع الأول من هذه العلوم معرفة عالي الإسناد وفي طلب
الإسناد العالي سنة صحيحة.
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني،
ثنا أبو النضر، ثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال:
كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان
يعجبنا أن يأتيه الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع. فأتاه
رجل منهم فقال: يا محمد، أتانا رسولك فزعم3 أنك تزعم أن الله
أرسلك. قال:
"صدق".
قال: فمن خلق السماء؟ قال: "الله". قال: فمن خلق الأرض؟ قال: "الله".
قال: فمن نصب هذه الجبال؟ قال: "الله". قال: فمن جعل فيها هذه المنافع؟ قال:
"الله".
قال: فالبذي خلق السماء والأرض ونصب الجبال وجعل فيها هذه
المنافع، آلله أرسلك، قال:
"نعم".
قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا. قال:
"صدق".
قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال:
"نعم". قال: وزعم رسولك أن علينا صدقة في أموالنا؟ قال:
"صدق".
قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال:
"نعم". قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر في سنتنا. قال:
"صدق".
قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال:
"نعم". قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلًا. قال:
"صدق".
قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال:
"نعم": قال: والذي بعثك بالحق، لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن. فلما مضى
قال:
"لئن صدق
ليدخلن الجنة"4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خ: "النوع الأول".
2 ظ، خ، ش: "قال الحاكم".
3 خ، ش، صف: "يزعم".
4 رواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان باب السؤال عن أركان
الإسلام 1/ 41-42، والنسائي في سننه باب وجوب الصوم 4/
120-122، ورواه الترمذي في السنن في كتاب الزكاة باب ما جاء
إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك 2/ 64-65. وله شاهد=
ص -41-
قال أبو عبد الله1: وهذا حديث مخرج في المسند الصحيح لمسلم2، وفيه
دليل على إجازة طلب المرء3 العلو من الإسناد وترك الاقتصار على
النزول فيه وإن كان سماعه عن4 الثقة إذ البدوي لما جاءه رسول
الله صلى الله عليه سلم فأخبره بما فرض الله عليهم لم يقنعه
ذلك حتى رحل بنفسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه
ما بلغه الرسول عنه. ولو كان طلب العلو في الإسناد غير مستحب
لأنكر عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم سؤاله5 إياه عما أخبره
رسوله عنه ولأمره بالاقتصار على ما أخبره الرسول عنه.
ولقد حدثنا أبو العباس القاسم بن القاسم السياري6 بمرو حدثنا
أبو الموجه محمد بن عمرو، ثنا عبدان قال: سمعت عبد الله بن
المبارك يقول: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما
شاء.
قال أبو عبد الله7: فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له وكثرة
مواظبتهم على حفظ لدرس8 منار الإسلام ولتمكن أهل الإلحاد
والبدع فيه9 بوضع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= في صحيح البخاري ولفظه: "أن أعرابيًّا جاء إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم ثائر الرأس، فقال يا رسول الله أخبرني ماذا فرض
الله علي من الصلاة فقال:
"الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئًا" فقال: أخبرني ما فرض الله علي من الصيام؟ فقال:
"شهر رمضان إلا أن تطوع شيئًا" فقال: أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة؟ فقال: فأخبره رسول الله
صلى الله عليه وسلم شرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك لا أتطوع
شئيًا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئًا، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:
"أفلح إن صدق
أو: "دخل الجنة إن صدق" "3/ 31".
1 ظ، خ، ش، صف "قال الحاكم".
2 ش، صف: لمسلم بن الحجاج.
3 خ، ش، صف: "طلب العلو".
4 ش، صف: "من".
5 ش: "سؤله".
6 ظ: "النيسابوري".
7 خ: "قال الحاكم" ولم ترد هذه العبارة في ظ، ش وصف.
8 درس: أي اندثر.
9 خ، ش، صف: "منه".
ص
-42-
الأحاديث وقلب الأسانيد، فإن الأخبار إذا تعرت عن وجود الأسانيد
فيها كانت بترًا، كما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا
العباس بن محمد الدوري،
ثنا أبو بكر1 بن أبي الأسود، ثنا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني،
ثنا بقية، ثنا عتبة بن أبي حكيم أنه كان عند إسحاق بن أبي فروة
وعنده الزهري، قال2 فجعل ابن أبي فروة، يقول: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال
له الزهري: قاتلك الله يا ابن أبي فروة، ما3 أجرأك على الله لا
تسند حديثك؟ تحدثنا بأحاديث ليس4 لها خطم5 ولا أزمة!
قال أبو عبد الله6: فأما العالي من الأسانيد فإنها مسنونة7 كما
ذكرناه، وقد رحل في طلب الإسناد العالي غير واحد من الصحابة.
فمن ذلك ما8 أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن موسى السني
بمرو أخبرنا9 أبو الموجه ثنا10 عبدان أنا أبو حمزة وابن عيينة
وابن المبارك، قالوا: ثنا صالح بن صالح، قال: سأل رجل من
أهل خراسان عامرًا، فقال: يا أبا عمرو، كيف تقول في رجل كانت
له وليدة
فأعتقها فتزوجها؟ فإنا نقول: عندنا هو كالراكب بدنة11 فقال
حدثنا أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
"من كانت له وليدة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم
أعتقها فتزوجها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش، صف: "نا أبو بكر، نا إبراهيم" إلى آخر الإسناد.
2 كملة "قال" لم توجد في خ، ش وصف.
3 خ، ش، صف: "فما".
4 ظ، خ: "ليست".
5 الخطم: جمع خطام، وهو ما يوضع على أنف الجمل ليقاد به، ويسمي
أيضًا الزمام.
6 ظ، خ، ش، صف: "قال الحاكم".
7 خ، ش، صف: "فإنه مسنون".
8 الزيادة عن خ.
9 خ، ش، صف: "نا".
10 ظ، خ، ش، صف: أخبرنا.
11 خ، ش، صف: "هدية".
ص -43-
فله1 أجران، وأيما عبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه فله أجران أعطيتكها
بغير أجر"2. فقد كان
الراكب فيما هو أدنى من هذا إلى المدينة.
قال عبد الله3: فهذا الراكب إنما كان يركب في طلب عالي الإسناد
ولو4 اقتصر على النازل لوجد بحضرته من يحدثه به.
ومنه5 ما حدثنا علي بن حمشاذ العدل، ثنا بشر بن موسى، ثنا
الحميدي، ثنا سفيان، حدثنا ابن جريج، قال: سمعت أبا سعيد6
الأعمى يحدث عن عطاء بن أبي رباح قال: خرج أبو أيوب إلى عقبة
بن عامر يسأله عن حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره وغير
عقبة. فلما قدم إلى منزل مسلمة7 بن مخلد الأنصاري -وهو أمير
مصر- فأخبره فعجل عليه فخرج إليه فعانقه، ثم قال له: ما جاء بك
يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه
وسلم لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري
وغير عقبة فابعث من يدلني على منزله. قال: فبعث معه من يدله
على منزل عقبة فأخبر عقبة، فعجل فخرج إليه فعانقه فقال: ما جاء
بك يا أبا أيوب؟ فقال8: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه
وسلم لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري9
وغيرك في ستر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: "كان له".
2 رواه البخاري في صحيحه بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
"أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن
تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران. وأيما رجل من أهل
الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران. وأيما مملوك أدى حق
مواليه وحق ربه فله أجران" قال الشعبي: خذها بغير شيء قد كان الرجل يرحل فيما دونه إلى
المدينة انظر صحيح البخاري 7/ 7.
3 ظ، خ، ش، صف: "قال الحاكم".
4 ظ: "فلو".
5 زيادة في خ، ش وصف.
6 خ، ش، صف: "أبا سعد الأعمي" وهو الصواب كما ذكره صاحب
التقريب.
7 ش، صف: "سلمة بن مخلد" وهو خطأ.
8 ظ، خ، ش، صف: "قال".
9 سقط ما بين النجيمين من ظ، خ، ش، وصف.
ص -44-
المؤمن. قال عقبة: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من ستر مؤمنًا في الدنيا على خزية ستره الله يوم القيامة"1 فقال له أبو أيوب: صدقت. ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته فركبها
راجعًا إلى المدينة فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش
مصر.
قال أبو عبد الله2: فهذا أبو أيوب الأنصاري3 على تقدم صحبته
وكثرة سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم رحل إلى صحابي من
أقرانه في حديث واحد، لو اقتصر على سماعه من بعض أصحابه
لأمكنه.
ومنه4 ما حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه، ثنا5 الحسن بن
علي بن زياد، ثنا إسحاق بن محمد الفروي، ثنا مالك عن يحيى بن
سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: إني6 كنت لأسافر مسيرة الأيام
والليالي في الحديث الواحد.
ومنه ما7 أخبرني أبو جعفر محمد بن أحمد التميمي من كتابه، ثنا
عبد الله بن محمد الاسفرائني، ثنا نصر بن مرزوق، قال: سمعت
عمرو بن أبي سلمة، يقول: قلت للأوزاعي: يا أبا عمرو، أنا
ألزمك8 منذ أربعة أيام ولم أسمع منك إلا ثلاثين حديثًا. قال:
وتستقل ثلاثين في أربعة أيام! لقد سار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في المسند عن أبي أيوب عن عقبة بن عامر، ولفظه في
المسند: "وركب أبو أيوب إلى عتبة بن عامر إلى مصر فقال: "إني
سائلك عن أمر لم يبق ممن حضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلا أنا وأنت، وكيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في
ستر المؤمن؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من ستر مؤمنًا في الدنيا على عورة ستره الله عز وجل يوم القيامة". فرجع إلى
المدينة مما حل رحله يحدث هذا الحديث. ورواه الخطيب البغدادي
في كتاب الرحلة في طلب الحديث ص 121.
2 ظ، خ، ش، صف: "قال الحاكم".
3 لا يوجد لفظة "الأنصاري" في ش، وصف.
4 زيادة في خ، ش، وصف.
5 خ، ش، صف: "أخبرنا".
6 بالأصل: "أن" كذا.
7 زيادة في خ، ش وصف.
8 صف: "لازمك".
ص -45-
جابر بن عبد الله إلى مصر واشترى راحلة فركبها حتى سأل عقبة بن عامر
عن حديث واحد وانصرف إلى المدينة وأنت مستقل1 ثلاثين حديثًا في
أربعة أيام.
قال أبو عبد الله2: وجابر بن عبد الله على كثرة حديثه وملازمته
رسول الله صلى الله عليه وسلم رحل إلى من هو مثله أو دونه
مسافة بعيدة في طلب حديث واحد3.
أخبرني أبو عمرو عبد الواحد بن أحمد بن محمد بن عمر4 القرشي،
ثنا أبي، ثنا جعفر الطيالسي، قال: سمعت يحيى بن معين يقول:
أربعة لا تؤنس منهم رشدًا5: حارس الدرب ومنادي القاضي وابن
المحدث ورجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث.
سمعت أبا عبد الله محمد بن محمد بن عبيد6 الله الواعظ يقول:
سمعت علي بن محمد الجرجاني يقول: ثنا إبراهيم7 بن مهدي، ثنا
عبد الله بن يوسف، ثنا شعبة8 قال: سمعت بشر بن حرب، يقول: سمعت
ابن عمر، يقول: قلت9 لطالب العلم يتخذ نعلين من حديد10.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، خ، ش، صف: "تستقل".
2 ما بين النجيمين لم يوجد في ظ، خ، ش، وصف.
3 انظر البخاري "الطبع المجتباني" ص17.
4 ليس ما بين النجيمين في ش وصف.
5 خ، ش: "راشدًا".
6 كذا في ظ، خ، ش، وصف، وبالأصل: "عبد الله".
7 خ، ش، صف: "نا إبراهيم، نا مهدي".
8 خ، ش، صف: "سعيد" وهو الصواب كما ذكر في التهذيب في ترجمة
عبد الله بن يوسف.
9 خ، ش، صف: "قل".
10 وذلك مبالغة في ضرورة الترحال من مكان إلى آخر، ومن بلد إلى
بلد، حتى يلتقي العلماء والرواة، فليأخذ عنهم.
ص -46-
قال أبو عبد الله1: فأما معرفة العالية من الأسانيد فليس على ما
يتوهمه عوام الناس يعدون الأسانيد فما وجدوا منه أقرب عددًا
إلى رسول الله صلى الله عليه يتوهمونه أعلى. ومثال ذلك ما
حدثناه أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة2 الشيباني بالكوفة، ثنا
الخضر بن أبان الهاشمي، حدثنا3 أبو هدبة إبراهيم بن هدبة، ثنا
أنس بن مالك. وهذه نسخة عندنا بهذا الإسناد4.
وأخبرنا5 أحمد بن كامل القاضي ببغداد، ثنا أحمد بن محمد بن
غالب، حدثنا عبد الله بن دينار، ثنا أنس بن مالك. وهذه أيضًا
نسخة كبيرة.
وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار حدثنا6 أبو جعفر
محمد بن مسلمة الواسطي، ثنا موسى بن عبد الله الطويل، عن أنس
بن مالك وهذه نسخة.
وأعجب من ذلك ما حدثناه7 جماعة من شيوخنا، عن أبي الدنيا واسمه
عثمان بن الخطاب بن عبد الله8 المغربي، عن علي بن أبي طالب رضي
الله عنه، وقالوا: إن أبا الدنيا خدم أمير الؤمنين ورفسته
بغلته وأنه كان يستسقي به بالمغرب. ولقد حضرت مجلس أبي جعفر
محمد9 بن عبيد الله العلوي بالكوفة فدخل شيخ أسود أبيض الرأس
واللحية. فقال لنا: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا ينسب
إلى أبي الدنيا المغربي مولى أمير المؤمنين بأربعة آباء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: "قال" وخ، ش، صف: "قال الحاكم".
2 ش، صف: "محمد".
3 ش، صف: "نا".
4 لفظة "الإسناد" لم توجد فى خ، ش وصف.
5 ش: وصف: "وحدثنا".
6 ظ، ش، صف: "نا".
7 صف: "ما حدثنا به".
8 ظ، خ، ش، صف: "عبد الله بن عوام من قرية المغرب يقال لها
مرندة".
9 الزيادة عن خ، ش وصف.
ص -47-
[قال أبو عبد الله]1: وفي الجملة أن هذه الأسانيد وأشباهها كخراش بن
عبد الله وكثير بن سليم ويغنم بن سالم بن قنبر ما لا يفرح بها
ولا يحتج بشيء منها وقل ما يوجد في مسانيد أئمة الحديث حديث
واحد عنهم.
وأقرب ما يصح لأقراننا من الأسانيد بعدد الرجال ما حدثونا، عن
أحمد بن شيبان الرملي، قال:2 ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن
دينار، عن ابن عمر، وعن الزهري، عن3 أنس4، وعن عبيد الله بن
أبي يزيد، عن ابن عباس، وعن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرو،
عن زياد5 بن علاقة عن جرير. فهذه الأسانيد لابن عيينة صحيحة
ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبة. وكذلك حدثونا عن
جماعة من شيوخنا، عن يزيد بن هارون، عن سليمان التيمي، عن أنس
وعن حميد الطويل، عن أنس.
والعالي من الأسانيد التي6 تعرف بالفهم لا بعد7 الرجال غير
هذا، فرب إسناد يزيد عدده على السبعة والثمانية إلى العشرة وهو
أعلى من ذلك.
ومثال ذلك ما حدثناه أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا الحسن بن
علي بن عفان العامري، ثنا عبد الله بن نمير، عن الأعمش، عن عبد
الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
"أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ومن كانت8 فيه خصلة
منهن كان9 فيه خصلة
من النفاق10 حتى
يدعها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العبارة لم ترد في خ، ش، وصف.
2 ظ، خ، ش، صف: "الرملي وغيره قالوا: ثنا".
3 بالأصل: "وعن" بإثبات "و" وهو خطأ.
4 خ، ش، صف: أنس بن مالك.
5 خ، ش، صف: "ذمار" وهو خطأ.
6 ظ، خ: "الذي يعرف".
7 ظ: "بعدد".
8 ظ، خ: "كان".
9 ش، صف: "كانت".
10 بالأصل: "نفاق".
ص -48-
إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر"1.
قال الحاكم2: هذا إسناد3 صحيح مخرج في كتاب مسلم عن محمد بن
عبد الله بن نمير، عن أبيه وقد بلغ عدد رواته سبعة وهو أعلى من
الأربع الذي قدمنا ذكره، فإن الغرض فيه4 القرب من سليمان بن
مهران الأعمش فإن الحديث له وهو إمام من أئمة الحديث5. وكذلك
كل إسناد يقرب من الإمام المذكور فيه فإذا صحت الرواية إلى ذلك
الإمام بالعدد اليسير فإنه عال6.
أخبرنا أبو الطيب محمد بن أحمد المذكر7 ثنا إبراهيم بن محمد
المروزي ثنا علي بن خشرم قال: قال لنا وكيع: أي الإسنادين أحب
إليكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في صحيحه في أكثر من كتاب، وهو في كتاب الإيمان
في باب علامة المنافق، قد رواه عن: "قبيصة بن عقبة قال: حدثنا
سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن
عمرو" 1/ 15 ورواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان في باب بيان
خصال المنافق وسنده: "حدثني زهير بن حرب حدثنا وكيع حدثنا
سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن
عمرو" وفيه سند آخر: "حدثنا نمير حدثنا أبي حدثنا الأعمش..."
"1/ 78". ورواه أيضًا أبو داود في سننه في كتاب السنة باب
الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه 4/ 321. ورواه الترمذي في
سننه في أبواب الإيمان باب علامة المنافق 4/ 130 وقال في آخر:
"هذا حديث حسن صحيح" ورواه النسائي في سننه في كتاب الإيمان
وشرائعه باب علامة المنافق 8/ 116.
2 الزيادة عن ظ خ، ش وصف.
3 خ، ش، صف: "الإسناد".
4 خ، ش، صف: "منه".
5 هو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمد الكوفي الأعمش،
تابعي مشهور بلقبه، ثقة حافظ عارف بالقراءة ورع، لكنه يدلس،
وهو من رواة الجماعة. قال ابن المديني: له ألف وثلاثمائة حديث،
مات سنة 148هـ بالكوفة "انظر ترجمته في: تقريب التقريب ص136،
والكاشف 1/ 401، ومعرفة القراء الكبار 1/ 94-96، وتاريخ بغداد
9/ 3-13".
6 بالأصل: "عالي".
7 بالأصل: "المذكور" وهو تحريف.
ص -49-
الأعمش عن أبي وائل عبد الله أو سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة
عن عبد الله؟ فقلنا: الأعمش عن أبي وائل، فقال: يا سبحان الله!
الأعمش شيخ وأبو وائل شيخ وسفيان فقيه ومنصور فقيه وإبراهيم
فقيه وعلقمة فقيه، وحديث يتداوله الفقهاء خير من أن يتداوله
الشيوخ1.
حدثنا علي بن الفضل السامري ثنا الحسن بن عرفة العبدي ثنا هشيم
عن يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:
"مطل الغني ظلم"2.
قال الحاكم3: وهذا أعلى ما يقع لأقراننا من الأسانيد وفي
إسناده سبعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما صار
عاليًا لقربه من هشيم بن بشير وهو أحد الأئمة. وكذلك كل إسناد
يقرب من عبد الملك بن جريح وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ومالك
بن أنس وسفيان بن سعيد الثوري وشبعة4 بن الحجاج وزهير بن
معاوية وحماد بن زيد وغيرهم من أئمة الحديث فإنه عال وإن زاد
في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الحافظ ابن كثير في كتابه: "الباعث الحثيث في اختصار
علوم الحديث" ص87.
2 رواه البخاري في صحيحه في كتاب الحوالات باب في الحوالة وهل
يرجع في الحوالة، وباب إذا أحال على ملي فليس له رد عن أبي
هريرة بغير إسناد المصنف ولفظه:
"مطل الغني ظلم فإذا أتبع أحدكم على ملي فليتبع" 3/ 123. ورواه مسلم في صحيحه في كتاب المساقاة باب تحريم مطل الغني
وصحة الحوالة واستحباب قبولها إذا أحيل على ملي بغير إسناد
المصنف 3/ 1197. ورواه أبو داود في كتاب البيوع في باب في
المطل بغير إسناد المصنف 3/ 247. ورواه الترمذي في كتاب البيوع
في باب ما جاء في مطل الغني ظلم بغير إسناد المصنف 2/ 386.
ورواه النسائي في سننه في كتاب البيوع باب مطل الغني وباب
الحوالة بغير إسناد المصنف 7/ 316-317. ورواه ابن ماجه في
السنن في كتاب الصدقات باب الحوالة بغير إسناد المصنف 2/ 803.
ورواه الإمام أحمد في المسند عن عبد الله ثنا أبي سريج بن
النعمان ثنا هشيم أنا يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر، ولفظه
فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"مطل
الغني ظلم، وإذا أحلت على مليء فاتبعه ولا ببيعتين في واحدة" 2/ 71.
3 زيادة في خ، ش، صف.
4 خ، ش، صف: "سعيد بن الحجاج" وهو غلط.
ص -50-
عدده بعد ذكر الإمام الذي جعلناه مثالًا. فهذه علامة الإسناد العالي
ولو أتينا لكل حرف منها بشاهد لطال به1 الكلام2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زيادة في ظ، خ، ش وصف.
2 لقد جعل الإمام السيوطي الإسناد العالي أقسامًا، فقال: إن
أجلها أقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح
نظيف. والقسم الثاني القرب من إمام من أئمة الحديث وإن كثر
بعده العدد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما ذكره
الحاكم في هذا المصنف. أما القسم الثالث: وهو العلو بالنسبة
إلى رواية أحد الكتب الخمسة أو غيرها المعتمدة، أي الخمسة من
غير الكتاب المسند، وقال: "وهو ما كثر اعتناء المتأخرين به من
الموافقة والإبدال، والمساواة والمصافحة" ثم يشرح هذه
المصطلحات، حتى يحدد القسم الرابع: وهو العلو بتقدم وفاة
الراوي: والقسم الخامس: العلو بتقدم السماع "انظر تدريب الراوي
2/ 161-172.
ذكر النوع الثاني من معرفة علوم1
الحديث: "النازل من الإسناد"
النوع الثاني من معرفة
علوم2 الحديث: العلم بالنازل من الإسناد. ولعل قائلًا يقول:
النزول ضد العلو فقد عرف ضده وليس كذلك، فإن للنزول مراتب لا
يعرفها إلا أهل الصنعة، فمنها ما تؤدي الضرورة إلى سماعه3
نازلًا4، ومنها ما يحتاج طالب العلم إلى معرفة وتبحر فيه فلا
يكتب النازل وهو موجود5 بإسناد أعلى منه.
مثال ذلك ما حدثناه أبو جعفر محمد بن صالح بن هانئ القرشي6 ثنا
محمد بن أحمد بن أنس القرشي ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا
سعيد بن أبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خ، ش، صف: "معرفة علوم".
2 زيادة في خ، ش، صف.
3 ظ، خ، ش، وصف: "سماعها".
4 خ، ش، صف: "نازلة".
5 عبارة خ، ش، وصف: "موجود بأعلى منه إسنادًا".
6 زيادة في خ، ش وصف.
ص -51-
أيوب حدثني أبو هانئ عن أبي عثمان مسلم بن يسار عن أبي هريرة رحمه
الله1 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
"سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم،
فإياكم وإياهم!"2.
قال الحاكم3: هذا حديث ذكره مسلم في خطبة المسند الصحيح رواه
عن ابن نمير عن المقرئ، وأمثاله في الكتاب تزيد على المئتين،
فمن وجده هكذا عن ثلاثة عن المقرئ ثم كتب4 عن ثلاثة عن مسلم عن
ابن نمير عن المقرئ فإنه لقلة معرفته بالنزول، وأشباه هذا
كثيرة.
والأحاديث النازلة على أوجه كثيرة، فمنها ما يستوي العدد في
روايتين إحداهما أعلى من الأخرى. ومثال ذلك لأمثالنا5 أنا إذا
نزلنا في حديث الأعمش فرويناه عن شيوخنا عن عبد الله بن أحمد
بن6 حنبل عن أبيه عن وكيع عن الأعمش، أو رويناه7 عن شيوخنا عن
أحمد بن سلمة عن إسحاق بن راهويه عن عيسي بن يونس عن الأعمش،
فإنه أعلى من أن نرويه عن شيوخنا عن أبي العباس السراج عن هناد
بن السري عن أبي معاوية عن الأعمش أو نرويه عن شيوخنا عن محمد
بن إسحاق عن أبي كريب عن أبي أسامة عن الأعمش.
وهذا مثل الألوف8 من الحديث لمن فهمه وتدبره فقاس عليه أحاديث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم توجد العبارة النجيمين في ظ، خ، ش وصف.
2 رواه مسلم في صحيحه في المقدمة باب النهي عن الرواية عن
الضعفاء والاحتياط في تحملها بلفلظ: "ما لم تسمعوا" من غير "ب"
في "ما" 1/ 12.
3 زيادة في خ، ش وصف.
4 عبارة ظ، خ، ش وصف "فمن وجده هكذا ثم كتبه عن ثلاثه" إلخ،
يظهر أن بعض الكلمات قد سقطت في هذه العبارة من يد الناسخ.
5 ظ: "لأقراننا".
6 بالأصل: "عن" محرفًا عن: "بن".
7 كذا في ظ خ، ش وصف، بالأصل: "روينا".
8 ظ، خ: "لألوف".
ص -52-
الثوري ومالك وشعبة وغيرهم من الأئمة. والأصل في ذلك1 أن النزول عن
شيخ تقدم موته واشتهر فضله أحلى2 وأعلى منه عن شيخ تأخر موته
وعرف بالصدق.
ومما يحتاج طالب الحديث إلى معرفته من النزول أن ينظر في إسناد
الشيخ الذي يكتب عنه، فما قرب من سنه طلب أعلى منه. ومثال ذلك
أني نشأت وطلبت الحديث بعد وفاة محمد بن إسحاق بن خزيمة بعشر3
سنين.
فإذا وقع الحديث من حديث أبي كريب وبندار وأبي موسى وعبد
الجبار بن العلاء وغيرهم عندي من حديث أبي بكر الجارودي
وإبراهيم بن أبي طالب وأقرانهما عن4 هؤلاء الشيوخ فإنه لي5
أعلى من أن يكون عن من يقرب وفاته من ولادتي ونشوئي. وهذا أصل
كبير في معرفة النزول، كذلك إذا وقع الحديث لطلابه في عصرنا عن
محمد بن إسحاق6 عن محمد بن يحيى7 أو أحمد بن يوسف السلمي أو
مسلم بن الحجاج وأقرانهم فإنه أعلى من أن يقع لهم عن الشرقي
ومكي وأقرانهما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: "فيه".
2 كذا بالأصل: "أحلى"، وفي خ، ش، صف وأيضًا بهامش الأصل: "أجل"
فهو أصوب.
3 خ، ش، صف: "بعشرين"، وهكذا جاء أيضًا بهامش الأصل فلعله
أصوب.
4 خ، ش، صف: "من".
5 عبارة خ، ش وصف: "فإنه أعلى لي".
6 ظ: "أو".
7 خ، ش، صف: "و". |