معرفة علوم الحديث ط احياء العلوم

ذكر النوع الثالث من معرفة1 علوم2 الحديث: "صدق المحدث وإتقانه"
النوع الثالث من هذا العلم معرفة صدق المحدث وإتقانه وثبته وصحة أصوله وما يحتمله سنه ورحلته من الأسانيد وغير ذلك من غفلته وتهاونه بنفسه وعلمه وأصوله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الزيادة عن ظ.
2 خ، ش، صف: "علوم".

 

ص -53-         حدثنا1 أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ حدثنا2 إبراهيم بن عبد الله السعدي حدثنا3 معاوية بن هشام ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: ما كل الحديث سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحدثنا أصحابنا وكنا مشتغلين في رعاية الإبل وأصحاب4 رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون ما يفوتهم سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمعونه من أقرانهم وممن هو أحفظ منهم وكانوا يشددون على من يسمعون منه، كما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا5 العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي قال6 أخبرني أبي قال6 أخبرنا الأوزاعي قال6 أخبرنا بن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب، قال: جاءت الجدة في عهد أبي بكر رضي الله عنه تلتمس أن تورث. فقال أبو بكر: ما أجد لك في كتاب الله شيئًا وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لك شيئًا حتى سأل الناس العشية. فلما صلى الظهر قام في الناس يسألهم، فقال المغيرة بن شعبة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيها السدس، قال7 أبو بكر رضي الله عنه: سمع ذلك معك أحد؟ فقام محمد بن مسلمة فقال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيها السدس، فأنفذ ذلك لها أبو بكر رضي الله عنه8.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خ، ش، صف: "أخبرنا".
2 ظ، خ، ش وصف "نا".
3 خ، ش، صف: "أخبرنا".
4 ش، صف: "فأصحاب".
5 خ، ش، صف: "أخبرنا".
6 كلمة "قال" في هذه المواضع لم ترد في خ، ش وصف.
7 ظ، خ: "فقال".
8 رواه الترمذي في السنن عن قبيصة بن ذؤيب في أبواب الفرائض باب ما جاء في ميراث الجدة، وفي آخره: "قال": ثم جاءت الجدة الأخرى التي تخالفها إلى عمر، قال سفيان: وزادني فيه معمر عن الزهري، ولم أحفظه عن الزهري، لكن حفظته من معمر أن عمر قال: إن اجتمعتما فهو لكما وأيتكما انفردت به فهو لها" 3/ 283-284 ورواه ابن ماجه في سننه في كتاب الفرائض باب ميراث الجدة بإسنادين عن قيبصة بن ذؤيب 2/ 909-910.

 

ص -54-         وأما أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فكان إذا فاته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث ثم سمعه من غير يحلف المحدث الذي يحدث به1، والحديث فى ذلك عنه مستفيض مشهور، فأغنى اشتهاره عن ذكره فى هذا الموضع. وكذلك جماعة من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، ثم عن أئمة المسلمين كانوا يبحثون وينقرون عن الحديث إلى أن يصح لهم.
سمعت أبا العباس محمد2 بن يعقوب يقول: سمعت حنبل بن إسحاق بن جنبل يقول: سمعت علي بن عبد الله يقول: سمع يحيى بن سعيد يقول: ينبغي أن يكون فى صاحب الحديث غير خصلة، ينبغي لصحاب الحديث أن يكون ثبت الأخذ ويفهم ما يقال له ويبصر الرجال ثم يتعهد ذلك.
قال الحاكم3: ومما يحتاج إليه طالب الحديث فى زماننا هذا أن يبحث عن أحوال أولًا: هل يعتقد الشريعة فى4 التوحيد وهل يلزم نفسه طاعة الأنبياء والرسل صلى الله عليهم5 فيما أوحي إليهم ووضعوا6 من الشرع، ثم يتأمل حاله: هل هو صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، فإن الداعي إلى البدعة لا يكتب عنه ولا كرامة إجماع جماعة من أئمة7 المسلمين على تركه، ثم يتعرف سنه: هل يحتمل سماعه من شيوخه الذين يحدث عنهم، فقد رأينا من المشايخ جماعة أخبرونا8 بسن يقصر عن لقاء شيوخ حدثوا عنهم، ثم يتأمل أصوله: أعتيقة هي أم جديدة، فقد نبغ9 في عصرنا هذا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش، صف: "يحدثه".
2 خ، ش، صف: "أحمد ".
3 الزيادة عن خ، ش وصف.
4 خ، ش، صف: "من".
5 ظ: "صلوات الله عليهم"، خ، ش، صف: "عليهم السلام".
6 خ، ش، صف: "وصفوا".
7 بالأصل: "لا كرامة لاجتماع بين أئمة المسلمين" فلعل ما هنا تحريف من الناسخ والتصويب من ظ، خ، ش وصف.
8 ظ، خ، ش وصف: "أخبروا".
9 ظ، خ: "يقع" ويترجح أن الناسخ حرفه عن: "نبغ".

 

ص -55-         جماعة يشترون الكتب فيحدثون بها وجماعة يكتبون سماعاتهم بخطوطهم فى كتب عتيقة فى الوقت فيحدثون بها، فمن يسمع1 منهم من غير أهل الصنعة فمعذور بجهله2. فأما أهل الصنعة إذا سمعوا من أمثال هؤلاء بعد الخبرة ففيه جرحهم وإسقاطهم إلى أن تظهر توبتهم على أن الجاهل بالصنعة لا يعذر فإنه يلزمه السؤال عما لا يعرفه، وعلى ذلك كان السلف رضي الله عنهم أجمعين.
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا3 الحسن بن علي بن عفان العامري ثنا أبو أسامة عن الأعمش، قال: كان إبراهيم4 صيرفي الحديث فكنت إذا سمعت الحديث من5 بعض أصحابنا أتيته فعرضته عليه.
أخبرنا عبد الله بن محمد الكعبي ثنا إسماعيل بن قتيبة ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا إسحاق بن منصور عن هريم بن سفيان عن مطرف عن سوادة بن أبي الجعد عن أبي جعفر الباقر، قال: من فقه الرجل بصره6 بالحديث وإذا7 عرف طالب الحديث إسلام المحدث وصحة سماعه كتب عنه، فقل من يجد8 ما يرجع إلى الفهم والمعرفة والحفظ، وكل محدث تهاون بالسماع واستخف بالحديث فلا يخفى ويظهر أمره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ،خ، ش وصف: "سمع".
2 ش، صف: "لجهله".
3ظ، خ، ش وصف: "نا".
4 هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود أبو عمران النخعي الكوفي فقيه العراق، تابعي، وبلد سنة 50هـ، يعتبر إمام فى الفقه والحديث، ذكي حافظ، رأى من الصحابة الكبار أم المؤمنين عائشة وأنس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم أجمعين. توفي سنة ست وتسعين وهو متوار عن الحجاج انظر ترجمته فى: تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة 81-100 ص 279-283، وطبقات الفقهاء ص 82، ومشاهير علماء الأمصار ص 101.
5 خ، ش وصف: "عن ".
6 "ظ: نصره".
7 ظ، خ، ش وصف: "فإذا".
8 عبارة ظ، خ، ش وصف: "لقل ما يجد من يرجع".

 

ص -56-         سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سمعت خلف بن سالم يقول: سماع الحديث هين والخروج منه صعب.
حدثنا أبو سهل محمد بن محمد بن الحسين الترمذي ثنا محمد بن صالح بن سهل الترمذي حدثنا إسماعيل بن سيف حدثني محمد بن عبد الواحد بن أخي حزم قال سمعت يونس بن عبيد يقول: إن للحديث خفقة1 فاتقوا خفقة2 الحديث.
سمعت3 محمد بن صالح بن هانئ يقول: سمعت محمد بن إسماعيل بن مهران يقول: سمعت بشر بن آدم يقول: سمعت أبا عاصم يقول: من استخف بالحديث استخف به الحديث.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، خ، ش وصف: "فتنة".
2 ظ، خ، ش وصف: "فتنة".
3 هذا الحديث مقدم في خ ش وصف أي بعد "فلا يخفى حاله ويظهر أمره".

ذكر النوع الرابع من معرفة علوم الحديث1: "المسانيد من الأحاديث"
النوع الرابع من هذا العلم معرفة المسانيد من الأحاديث2 وهذا علم كبير من هذه الأنواع لاختلاف أئمة المسلمين في الاحتجاج بغير المسند. والمسند من الحديث أن يرويه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه لسن يحتمله3 وكذلك سماع شيخه من شيخه إلى أن يصل الإسناد إلى صحابي مشهور4 إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زيادة في خ، ش وصف.
2 خ، ش وصف: "الحديث".
3 بالأصل: "ليس يجهله" محرفًا عن: "لسن يحتمله".
4 زيادة في ظ خ، ش وصف.

 

ص -57-         ومثال ذلك ما ما حدثناه أبو عمرو عثمان بن أحمد السماك ببغداد ثنا الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن عمر أخبرنا يونس عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن الك عن أبيه أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينًا كان عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج حتى كشف ستر حجرته فقال: "يا كعب، ضع من دينك هذا" وأشار إليه أي الشطر. فقال: نعم فقضاه1.
وبيان مثال ما ذكرت2 أن سماعي عن ابن السماك ظاهر وسماعه من الحسن بن مكرم ظاهر وكذلك سماع الحسن من عثمان بن عمرو وسماع عثمان بن عمر من يونس بن يزيد وهو عال لعثمان ويونس معروف بالزهري وكذلك الزهري ببني كعب بن مالك وبنو كعب بن مالك بأبيهم وكعب برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبته. وهذا مثل ضربته لألوف من الحديث يستدل بهذا الحديث الواحد على جملتها من رزق فهم هذا العلم.
وضد هذا ما ما حدثناه أبو عبد الله محمد بن علي الصنعاني بمكة ثنا الحسن بن عبد الأعلى الصنعاني ثنا عبد الرزاق عن معمر عن محمد بن واسع عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أقال نادمًا أقاله3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة باب التقاضي والملازمة في المسجد بنفس الإسناد ولفظه فيه: تقاضي ابن أبي حدرد دينًا كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته، فنادى:
"يا كعب" قال: لبيك يا رسول الله. قال: "ضع من دينك هذا" وأومأ إليه أي الشطر، قال: لقد فعلت يارسول الله، قال: "قم فاقضه" 1/ 123-124. ورواه مسلم في صحيحه في كتاب المساقاة باب استحباب الوضع من الدين 2/ 1191-1192. ورواه أبو داود في سننه في كتاب الأقضية باب في الصلح 3/ 304. ورواه النسائي في سننه في قضاة آداب القضاة باب حكم الحاكم في داره 239/8-240، ورواه الدارمي في السنن في كتاب البيوع باب في إنظار المعسر 2/ 261.
2 خ، ش، صف: "مثال ذلك".
3 ش، صف: "أقال".

 

ص -58-         الله نفسه يوم القيامة، ومن كشف عن مسلم كربة كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"1.
قال الحاكم2: هذا إسناد من نظر فيه3 من غير أهل الصنعة لم يشك في صحته وسنده وليس كذلك، فإن معمر بن راشد الصنعاني ثقة مأمون ولم يسمع من محمد بن واسع، ومحمد بن واسع ثقة مأمون ولم يسمع من أبي صالح. ولهذا الحديث علة يطول شرحها وهو مثل لألوف مثله من الأحاديث التي لا يعرفها إلا أهل هذا العلم.
ثم للمسند شرائط غير ما ذكرناه. منها أن لا يكون موقوفًا ولا مرسلًا ولا معضلًا ولا في روايته مدلس. فهذه4 الأنواع يجيء شرحها بعد هذا. فإن معرفة كل نوع منها علم على الانفراد.
ومن شرائط المسند أن لا يكون في إسناده "أخبرت عن فلان" ولا "حدثت عن فلان" ولا "بلغني عن فلان" ولا "رفعه فلان" ولا "أظنه مرفوعًا" وغير ذلك ما ينفسد5 به، ونحن مع هذه الشرائط لا نحكم6 لهذا الحديث بالصحة فإن الصحيح من الحديث له شرط نذكره في موضعه إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه، لكن بغير هذا السند وبغير هذه الألفاظ وإن تقاربت بعض ألفاظه خصوصًا في آخره مع بعض أحاديث الكتب السابقة. وأقرب الأسانيد إلى ما أورده المصنف ما وراه الإمام أحمد في المسند عن "عبد الله حدثني أبي ثنا يونس بن محمد ثنا حزم قال: سمعت محمد بن واسع عن بعض أصحابه عن أبي صالح عن أبي هريرة" ولفظ الحديث فيه: "قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من نفس عن أخيه المسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة. ومن ستر على أخيه ستره الله عليه في الدينا والآخرة، والله عز وجل في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" 2/ 500.
2 زيادة في ش وصف.
3 ش، صف: "إليه".
4 خ، ش، صف: "وهذه".
5 ظ، خ، ش وصف: "يفسد".
6 عبارة ظ، خ، ش وصف: "ثم مع هذه الشرائط لا يحكم".