غريب الحديث للقاسم بن سلام كُرْسُف ثجج عجج ثفر وقا أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْمُسْتَحَاضَة أَنه قَالَ
لَهَا: احتشي كرسفا قَالَتْ: إِنَّه
أَكثر من ذَلِك إِنِّي أثُجُّه ثَجًّا قَالَ: تَلَجَّمِي وتحيضي فِي
علم اللَّه سِتا أَو سبعا ثمَّ اغْتَسِلِي وَصلي.
(1/278)
أما قَوْله: احتشي كُرْسٌفا فَإِن الكرسف
القُطن. وَقَوْلها: أثُجُّه ثَجًّا هُوَ من المَاء الثجاج وَهُوَ
السَّائِل. وَمِنْه الحَدِيث الْمَرْفُوع أَنه سُئِلَ عَن بر الْحَج
فَقَالَ: هُوَ العَج ّوالثَّجّ. فالعج: رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ
والثج سيلان دِمَاء الْهدى. وَقَوله: تَلَجَّمي يَقُول: شُدَّي لجاما
وَهُوَ شَبيه بقوله: استثفري والاستثفار مَأْخُوذ من شَيْئَيْنِ: يكون
من ثَفَر الدَّابَّة إِنَّه شبه هَذَا اللجام بالثفر لِأَنَّهُ يكون
تَحت ذَنْب الدَّابَّة وَيكون من الثفر و (الثُفر) والثُفر يكون [أَصله
-] للسباع كَمَا يُقَال للناقة: حياؤها وَإِنَّمَا هَذِه كلمة استعيرت
كَمَا استعارها الأخطل فِي قَوْله: [الطَّوِيل]
جَزَى اللَّه فِيهَا الأعْوَرَيْنِ مَلامَةً ... وَفروةَ ثفر الثورة
المتضاجم
(1/279)
صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ثفر
الْبَقَرَة وَإِنَّمَا هِيَ للسباع فَكَذَلِك ترى استثفري أَخذه من
هَذَا إِنَّمَا [هُوَ -] كِنَايَة عَن الْفرج. وَقَوله: تَحَيَّضِي
يَقُول: اقعدي أَيَّام حيضك ودعي فِيهَا الصَّلَاة وَالصِّيَام فَهَذَا
التحيض ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصلي وَقَالَ فِي حَدِيث آخر: دعِي الصَّلَاة
أَيَّام أَقْرَائِك فَهَذَا قد فسر التحيض وَقَوله: أَيَّام أَقْرَائِك
يبين لَك أَن الْأَقْرَاء إِنَّمَا هِيَ الْحيض وَهَذَا مِمَّا اخْتلف
فِيهِ أهل الْعرَاق وَأهل الْحجاز فَقَالَ أهل الْعرَاق: إِن قَوْله عز
وَجل: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوْءٍ} إِنَّمَا
هِيَ الْحيض وَقَالَ أهل الْحجاز: إِنَّمَا هِيَ الْأَطْهَار فَمن
قَالَ: إِنَّمَا هِيَ الْحيض فَهَذَا الحَدِيث حجَّة لَهُ لقَوْل
النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام: دعِي الصَّلَاة أَيَّام أَقْرَائِك وَمن
زعم أَنَّهَا الْأَطْهَار فَلهُ حجَّة أَيْضا. يُقَال: قد أَقرَأت
الْمَرْأَة إِذا دنا حَيْضهَا وأقرأت إِذا دنا طهرهَا زعم ذَلِك أَبُو
عُبَيْدَة والأصمعي وَغَيرهمَا وَقد ذكر ذَلِك الْأَعْشَى فِي شعر مدح
بِهِ رجلا غزا غَزْوَة فظفر فِيهَا وغنم فَقَالَ: [الطَّوِيل]
مورثة عزا وَفِي الْحَيّ رِفْعَةً ... لما ضَاعَ فِيهَا من قُرُوء
نسائكا
(1/280)
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: فَمَعْنَى القروء
هَهُنَا الْأَطْهَار لِأَنَّهُ ضيع أطهارهن فِي غزاته وأثرها
عَلَيْهِنَّ وشغل بهَا عَنْهُن وَمثله قَول الأخطل: [الْبَسِيط]
قومٌ إِذا حَاربُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ ... دون النِّسَاء وَلَو باتت
بأطهار
/
عجم وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: العَجْماء جُبار 33 / الف والبئر جُبار
والمعدن جُبار وَفِي الرَّكاز الْخمس. قَوْله: العَجْماء جَبَّار
يَعْنِي الْبَهِيمَة وَإِنَّمَا سميت عجماء لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّم
قَالَ أَبُو عبيد: من ذكر اللَّه [تبَارك وَتَعَالَى -] فِي السُّوق
كَانَ لَهُ [من الْأجر -] بِعَدَد كل فصيح [فِيهَا -] وأعجم فَقَالَ
(1/281)
الْمُبَارك: الفصيح الْإِنْسَان والأعجم
الْبَهِيمَة.
جبر قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
وَكَذَلِكَ كل من لَا يقدر عَليّ الْكَلَام فَهُوَ أعجم ومُسْتَعْجِم
وَمن هَذَا الحَدِيث: إِذا كَانَ أحدكُم يصلى واستعجمت عَلَيْهِ
قِرَاءَته فَلْيُتِمَّ يَعْنِي إِذا انْقَطَعت فَلم يقدر على
الْقِرَاءَة من النعاس. وَمِنْه قَول الْحَسَن: صَلَاة النَّهَار عجماء
يُقَال: لَا تُسمع فِيهَا قراءةٌ. وَأما الْجَبَّار فَهُوَ الهدر
وَغنما جعل جَرح العجماء هدرا إِذا كَانَت منفلتة لَيْسَ لَهَا قَائِد
وَلَا سائق وَلَا رَاكب فَإِذا كَانَ وَإِنَّمَا وَاحِد من هَؤُلَاءِ
الثَّلَاثَة فَهُوَ ضَامِن لِأَن الْجِنَايَة حِينَئِذٍ لَيست للعجماء
إِنَّمَا هِيَ جِنَايَة صَاحبهَا الَّذِي أَوْطَأَهَا النَّاس وَقد روى
ذَلِك عَن عَليّ وَعبد اللَّه وَشُرَيْح وَغَيرهم. وأما الحَدِيث
الْمَرْفُوع: الرِجْل جُبار فَإِن مَعْنَاهُ أَن يكون الرَّاكِب يسير
على دَابَّته فتنفح الدَّابَّة برجلها فِي سَيرهَا فَذَلِك هدر أَيْضا
وَإِن كَانَ عَلَيْهَا رَاكب لِأَن لَهُ أَن يسير فِي الطَّرِيق وَأَنه
لَا يبصر مَا خَلفه فَإِن كَانَ وَاقِفًا عَلَيْهَا فِي طَرِيق لَا
يملكهُ فَمَا أَصَابَت بِيَدِهَا أَو برجلها
(1/282)
أَو بِغَيْر ذَلِك فَهُوَ ضَامِن على كل
حَال وَكَذَلِكَ إِذا أَصَابَت بِيَدِهَا وَهِي تسير فَهُوَ ضَامِن
أَيْضا وَالْيَد والرِجل فِي الْوُقُوف سَوَاء هُوَ ضَامِن لَهُ. وَأما
قَوْله: الْبِئْر جُبار فَإِن فِيهَا غير قَول يُقَال: إِنَّهَا
الْبِئْر يسْتَأْجر عَلَيْهَا صَاحبهَا رجلا يحفرها فِي ملكه فتنهار
على الْحَافِر فَلَيْسَ على صَاحبهَا ضَمَان وَيُقَال: هِيَ الْبِئْر
تكون فِي مِلك الرجل فَيسْقط فِيهَا إِنْسَان أَو دَابَّة فَلَا ضَمَان
عَلَيْهِ لِأَنَّهَا فِي ملكه فَهَذَا قَول يُقَال وَلَا أَحسب هَذَا
وَجه الحَدِيث لِأَنَّهُ لَو أَرَادَ المِلك لما خص الْبِئْر خَاصَّة
دون الْحَائِط وَالْبَيْت وَالدَّابَّة وكل شَيْء يكون فِي مِلك الرجل
فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلكنهَا عِنْدِي الْبِئْر العادِيَّة
الْقَدِيمَة الَّتِي لَا يعلم لَهَا حافر وَلَا مَالك تكون فِي
الْبَوَادِي فَيَقَع فِيهَا الْإِنْسَان أَو الدَّابَّة فَذَلِك هدر
بِمَنْزِلَة الرجل يُوجد قَتِيلا بفلاة من الأَرْض لَا يعلم لَهُ قَاتل
فَلَيْسَ فِيه قسَامَة وَلَا دِيَة. وَأما قَوْله: والمَعْدِن جُبار
فَإِنَّهَا هَذِه الْمَعَادِن الَّتِي تستخرج مِنْهَا الذَّهَب
وَالْفِضَّة فَيَجِيء قوم يحفرونها بِشَيْء مُسَمّى لَهُم فَرُبمَا
انهار
(1/283)
الْمَعْدن عَلَيْهِم فَقَتلهُمْ فَيَقُول:
دِمَاؤُهُمْ هدر لأَنهم عمِلُوا بِأُجْرَة وَهَذَا أصل لكل عَامل عمل
عملا بكرَاء فَعَطب فِيهِ أَنه هدر لَا ضَمَان على من اسْتَعْملهُ
إِلَّا أَنهم إِذا كَانُوا جمَاعَة ضمن بَعضهم لبَعض على قدر حصصهم من
الدِّيَة.
ركز قَالَ أَبُو عبيد: من هَذَا لَو
أَن رجلَيْنِ هدما حَائِطا بِأَجْر فَسقط 33 / ب عَلَيْهِمَا فَقتل
أَحدهمَا كَانَ على عَاقِلَة / الَّذِي لم يمت نصف الدِّيَة لوَرَثَة
الْمَيِّت وَيسْقط عَنْهُ النّصْف لِأَن الْمَيِّت أعَان على نَفسه.
وَأما قَوْله: فِي الرِّكاز الخُمس فَإِن أهل الْعرَاق وَأهل الْحجاز
اخْتلفُوا فِي الرِّكَاز فَقَالَ أهل الْعرَاق: الرِّكَاز الْمَعَادِن
كلهَا فَمَا استخرج مِنْهَا من شَيْء فلمستخرجها أَرْبَعَة أَخْمَاس
مِمَّا أصَاب ولبيت المَال الْخمس قَالُوا: وَكَذَلِكَ المَال
العادِيُّ يُوجد مَدْفُونا هُوَ مثل الْمَعْدن على قِيَاسه سَوَاء
وَقَالُوا: إِنَّمَا أصل الرِّكَاز الْمَعْدن وَالْمَال العادِيُّ
الَّذِي قد ملكه النَّاس مُشَبَّه بالمعدن وَقَالَ أهل الْحجاز:
إِنَّمَا الرِّكَاز المَال المدفون خَاصَّة مِمَّا كنزه بَنو آدم قبل
الْإِسْلَام فَأَما الْمَعَادِن فَلَيْسَتْ بركاز وَإِنَّمَا فِيهَا
مثل مَا فِي أَمْوَال الْمُسلمين من الزَّكَاة إِذا بلغ مَا أصَاب
مِائَتي دِرْهَم كَانَ فِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم وَمَا زَاد فبحساب
ذَلِك وَكَذَلِكَ الذَّهَب إِذا بلغ
(1/284)
عشْرين مِثْقَالا كَانَ فِيهِ نصف مِثْقَال
وَمَا زَاد فبحساب ذَلِك.
هلل وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي الإهلال بِالْحَجِّ. قَالَ
الْأَصْمَعِي وَغَيره: الإهلال التَّلْبِيَة وأصل الإهلال [رَفْعُ]
الصَّوْت وكل رَافع صوتَه فَهو مُهِلّ. قَالَ أَبُو عبيد: وَكَذَلِكَ
قَول الله تَعَالَى فِي الذَّبِيحَة {ومَا أُهِلَّ بِهِ لغير الله}
هُوَ مَا ذبح للآلهة وَذَلِكَ لِأَن الذَّابِح يسميها عِنْد الذّبْح
فَذَلِك هُوَ الإهلال وَقَالَ النَّابِغَة الذبياني يذكر دُرَّةَ
أخرجهَا الغواص من الْبَحْر فَقَالَ:
[الْكَامِل]
أَو دُرَّةٌ صَدَفِيَّةٌ غَوَّاصُها ... بهج مَتَى يرهَا يُهِلَّ
ويَسْجُد
يعْنى بإهلالة رَفعه صَوته بِالدُّعَاءِ والتحميد لله [تبَارك وتعالي
-] إِذا رَآهَا.
(1/285)
وَكَذَلِكَ الحَدِيث فِي استهلال الصَّبِي
أَنه إِذا ولد لم يَرِث وَلم يُورَث حَتَّى يستهل صَارِخًا. قَالَ
أَبُو عُبَيْد: فالاستهلال هُوَ الإهلال وَإِنَّمَا يُرَاد من هَذَا
الحَدِيث أَنه يسْتَدلّ على حَيَاته باستهلاله ليعلم أَنه سقط حَيا
فَإِذا لم يَصح وَلم يسمع رفع صَوت وَكَانَت عَلامَة أُخْرَى يسْتَدلّ
بهَا على حَيَاته من حَرَكَة يَد أَو رَجُل أَو طرفَة بِعَين فَهُوَ
مثل الاستهلال وَقَالَ ابْن أَحْمَر: [السَّرِيع]
يُهِلُّ بالفرقَدِ رُكْبانُها ... كَمَا يهل الرَّاكِب الْمُعْتَمِر
وقَالَ أَبُو عُبَيْد: قَوْله: الْمُعْتَمِر هَهُنَا أَرَادَ بِهِ
الْعمرَة وَهُوَ فِي غير هَذَا المعتم وَيُقَال: اعتم الرجل إِذا تعمم.
(1/286)
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام: لَا قَطْعَ فِي ثَمَر وَلَا كثر.
وكثر ثَمَر قَالَ أَبُو عُبَيْد
وَغَيره: الكَثَر جُمَّار النّخل فِي كَلَام الْأَنْصَار وَهُوَ الجذب
أَيْضا
جرن وَقَالَ أَبُو عبيد: وأما
قَوْله: فِي الثَّمر فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ التَّمْر الْمُعَلق فِي
النّخل الَّذِي لم يجذذ وَلم يحرز فِي الجرين وَهُوَ معنى حَدِيث عُمَر
رَضِيَ الله عَنْهُ: لَا قطع فِي عَام سنة وَلَا فِي عِذق مُعَلّق
والجرين 34 / الف هُوَ الَّذِي يُسَمِّيه أهل الْعرَاق البَيْدَر
ويسميه / أهل الشَّام الأنْدَر ويسمىبالبصرة الجَوخان وَيُقَال أَيْضا
بالحجاز: المِرْبَد. وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام أَنه خطب فِي حجَّته أَو فِي عَام الْفَتْح فَقَالَ: أَلا
إِن كل دم وَمَال ومأثرة كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة
(1/287)
فَهِيَ تَحت قدمَي هَاتين مِنْهَا دم
ربيعَة بْن الْحَارِث إِلَّا سدانة الْكَعْبَة وسقاية الْحَاج.
أثر سدن رفد قَالَ أَبُو عُبَيْد:
وَهُوَ عَبْد الله بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي حُسَيْنِ قَوْله:
المأثرة هِيَ المكرمة. وَيُقَال: إِنَّهَا إِنَّمَا سميت مأثرة
لِأَنَّهَا تُؤثر ويأثرها قرن عَن قرن أَي يتحدث بهَا كَقَوْلِك: أثرتُ
الحَدِيث آثُرهُ أثرا وَلِهَذَا قيل: حَدِيث مأثور فمأثُره مفعُلة من
هَذَا - أَي من أثرت. قَالَ: سَمِعت الْكسَائي يَقُول: الْعَرَب تَقول
فِي كل الْكَلَام: فعلت فعلة بِفَتْح الْفَاء إِلَّا فِي حرفين:
حَجَجْتُ حُجّة وَرَأَيْت رُؤية. وَأما قَوْله: سدانة الْبَيْت
فَإِنَّهُ يَعْنِي خدمته يُقَال مِنْهُ: سَدَنْتُه أسدُنه سدانة وَهُوَ
رَجُل سَادِن من قوم سدنة وهم الخدم وَكَانَت السِدانة واللواء فِي
الْجَاهِلِيَّة فِي بني عَبْد الدَّار وَكَانَت السِقاية والرفادة
إِلَى هَاشم بْن عَبْد منَاف ثُمَّ صَارَت إِلَى عَبْد الْمطلب ثُمَّ
إِلَى الْعَبَّاس وَأقر ذَلِك رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم
عَليّ حَاله فِي الْإِسْلَام والسَّدانة هِيَ الحِجابة.
(1/288)
وَأما قَوْله: دم ربيعَة بْن الْحَارِث
فَإِن ابْن الْكَلْبِيّ أَخْبرنِي أَن ربيعَة لم يقتل وَقد عَاشَ بعد
رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم دهرًا إِلَى زمَان عُمَر
وَلكنه قتل ابْن لَهُ صَغِير فِي الْجَاهِلِيَّة فأهدر النَّبِيّ صلي
الله عَلَيْهِ وَسلم دَمه فِيمَا أهْدر قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ: دم
ربيعَة بْن الْحَارِث لِأَنَّهُ ولي الدَّم فنسبه إِلَيْهِ. وَأما
الرفادة فَإِنَّهَا شَيْء كَانَت [قُرَيْش -] ترافد بِهِ فِي
الْجَاهِلِيَّة فَيخرج كل إِنْسَان مِنْهُم بِقدر طاقته فَيجْمَعُونَ
من ذَلِك مَالا عَظِيما أَيَّام الْمَوْسِم فيشترون بِهِ الجَزَر
وَالطَّعَام وَالزَّبِيب للنبيذ فَلَا يزالون يُطعِمون النَّاس حَتَّى
يَنْقَضِي الْمَوْسِم وَكَانَ أول من قَامَ بذلك وسنه هَاشم بْن عَبْد
منَاف وَيُقَال: إِنَّه سمي هَاشم لهَذَا لِأَنَّهُ هشم الثَّرِيد
(1/289)
واسْمه عَمْرو وَفِيه يَقُول الشَّاعِر:
[الْكَامِل]
عَمْرو العُلا هَشَمَِ الثريدَ لِقَوْمِهِ ... وَرِجَال مَكَّة
مُسْنِتَون عِجَافُ
ثُمَّ قَامَ بعده عبد الْمطلب ثُمَّ الْعَبَّاس فَقَامَ الْإِسْلَام
وَذَلِكَ فِي يَد الْعَبَّاس وكَانَ فِي زمن النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام ثُمَّ لم تزل الْخُلَفَاء تفعل ذَلِك إِلَيّ الْيَوْم.
وَقَوله: تَحت قدمي هَاتين يَعْنِي أَنِّي قد أهدرت ذَلِك كُله
(1/290)
وَهَذَا كَلَام الْعَرَب يَقُول الرجل
للرجل إِذا جرى بَينهمَا شَرّ ثُمَّ أَرَادَ الصُّلْح: اجْعَل ذَلِك
تَحت قَدَمَيْك أَي أبْطلهُ وارجع إِلَى الصُّلْح.
خدج عثكل عذق وَقَالَ أَبُو عبيد:
فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَن سعد بْن عبَادَة أَتَاهُ
بِرَجُل كَانَ فِي الْحَيّ مُخْدَج سقيم وُجِد على أمَة من إمَائِهِمْ
يخْبث بهَا فَقَالَ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام: خُذُوا لَهُ
عِثْكالاً فِيهِ مائَة شِمْرَاخ / فَاضْرِبُوهُ 24 / ب بهَا ضَرْبَة.
34 / ب قَالَ الْأَصْمَعِي وَغير وَاحِد فِي المُخْدَج: هُوَ النَّاقِص
الخَلْقِ وَمِنْه قيل للمقتول بالنهروان فِي الْخَوَارِج: مُخدَج
الْيَد. وَأما العِثكال فَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه النَّاس: الكِباسة
وَفِيه لُغَتَانِ: عِثكال وعُثكول وَأهل الْمَدِينَة يسمونه العِذقَ
بِكَسْر الْعين. وَأما العَذْق بالفتحة فالنخلة نَفسهَا قَالَ امْرُؤ
الْقَيْس يصف
(1/291)
شعر امْرَأَة شبهه بالعِثكال: [الطَّوِيل]
وَفرع يزين المتنَ أسودُ فاحمٍ ... أثيث كَقِنو النَّخْلَة المتعثكلِ
والقِنو هُوَ العِثكال أَيْضا وَجمع القِنو أقناء وقِنوان. وَفِي هَذَا
الحَدِيث من الْفِقْه أَنه عجل ضربه فَلم يمنعهُ سقمه من إِقَامَة
الْحَد عَلَيْهِ وَفِيه تَخْفيف الضَّرْب عَنْهُ وَلَا نرى ذَلِك
إِلَّا لمَكَان مَرضه وَفِيه أَنه لم ينفه من الزِّنَا.
منح عرى فقر خبل وكف أَبُو عبيد:
فِي حَدِيث النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام: من مَنَحَ مِنْحِة ورق أَو
منح لَبَنًا كَانَ لَهُ كَعَدْل رَقَبَة أَو نسمَة. قَوْله: من منح ورق
أَو منح لَبَنًا فَإِن المنحة عِنْد الْعَرَب على مَعْنيين: أَحدهمَا
أَن يُعْطي الرجل صَاحبه المَال هِبة أَو صلَة فَيكون لَهُ وَأما
المِنحة الْأُخْرَى فَإِن للْعَرَب أَرْبَعَة أَسمَاء تضعها فِي مَوضِع
الْعَارِية فينتفع بهَا
(1/292)
المدفوعة إِلَيْهِ وَالْأَصْل فِي هَذَا
كُله لِرَبِّهَا يرجع إِلَيْهِ وَهِي المَنِيحَة والعرية والإفقار
والإخبال وَكلهَا فِي الحَدِيث إِلَّا الإخبال فَأَما المِنْحة فالرجل
يمنح أَخَاهُ نَاقَة أَو شَاة فيحتلبها عَاما أَو أقل من ذَلِك أَو
أَكثر ثُمَّ يردهَا وَهَذَا تَأْوِيل الحَدِيث. وَأما الْعرية فالرجل
يعرى الرجل تمر نَخْلَة من نخيلة فَيكون لَهُ التَّمْر عَامَّة ذَلِك
هَذِه الْعرية الَّتِي رخص النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي بيع
ثَمَرهَا بِتَمْر قبل أَن يُصرم. وَأما الإفقار فَأن يُعْطي الرجلُ
الرجلَ دَابَّته فَيركبهَا مَا أحب فِي سفر أَو حضر ثُمَّ يردهَا
عَلَيْهِ [وَهُوَ -] الَّذِي يروي فِيهِ الحَدِيث عَن عَبْد اللَّه
أَنه سُئِلَ عَن رَجُل اسْتقْرض من رَجُل دَرَاهِم ثُمَّ إِن
الْمُسْتَقْرض أفقر المُقرِض ظهر دَابَّته قَالَ عَبْد اللَّه: مَا
أصَاب من ظهر دَابَّته فَهُوَ رِباً فَذَلِك يذهب
(1/293)
إِلَى أَنه قرض جر مَنْفَعَة. وَأما
الإخبال فَإِن الرجل مِنْهُم كَانَ يُعْطي الرجل الْبَعِير أَو
النَّاقة ليرْكبَهَا فيَجْتَزّ وبرها وَينْتَفع بهَا ثُمَّ يردهَا
وإياه عَنى زُهَيْر بْن أَبِي سلمى وَقَالَ لقوم يمدحهم: [الطَّوِيل]
هُنَالك إِن يستخبلوا المَال يخبلوا ... وَإِن يُسألوا يُعطوا وَإِن
يَيْسِروا يُغلوا
يُقَال مِنْهُ: قد أخبلت الرجل اُخِبله إخبالا. وَكَانَ أَبُو
عُبَيْدَة ينشده:
[الطَّوِيل]
هُنَالك إِن يُسْتَخْوَلوا المالَ يُخْوِلوا
من الخَول. وَفِي حَدِيث آخر [يروي -] من حَدِيث عَوْف وَغَيره يرفع
إِلَى النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام: من مَنَحَ مِنْحة وكُوفاً فَلهُ
كَذَا وَكَذَا. فالوَكوف: الْكَثِيرَة الغزيرة الدَّرَّ وَمن هَذَا
قيل: وكف الْبَيْت
(1/294)
بالمطر وَكَذَلِكَ وَكَفَتِ الْعين بالدمع
وَفِي قَوْله: مِنحة وَكُوفاً مِمَّا يبين لَك أَنه لم يرد [بالمنحة -]
الشربة يسقيها الرجل صَاحبه إِنَّمَا أَرَادَ بالمنحة النَّاقة أَو
الشَّاة يَدْفَعهَا إِلَيْهِ ليحتلبها. وَمن / المِنْحة أَيْضا أَن
يمنح 35 / الف الرجل الرجل أرضه يَزْرَعهَا. وَمِنْه حَدِيث النَّبِيّ
عَلَيْهِ السَّلَام: من كَانَت لَهُ أَرض فليزرعها أَو ليمنحها
أَخَاهُ. قَالَ أَبُو عبيد: وَأكْثر الْعَرَب تجْعَل المِنحة
الْعَارِية خَاصَّة وَلَا تجْعَل الْعَرَب الْهِبَة منحة.
عرق وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: من أحيى أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ
وَلَيْسَ لِعْرقٍ ظَالِم حقٌّ. قَالَ الجُمَحِي: قَالَ هِشَام: العِرق
الظَّالِم أَن يَجِيء الرجل إِلَى أَرض قد أَحْيَاهَا رَجُل قبله فيغرس
فِيهَا غرسا أَو يُحدث فِيهَا حَدثا ليستوجب بِهِ الأَرْض هَذَا
الْكَلَام أَو نَحوه قَالَ أَبُو عُبَيْد فَهَذَا التَّفْسِير فِي
الحَدِيث الأول
(1/295)
وَمِمَّا يُحَقّق ذَلِك حَدِيث آخر سَمِعت
عباد بْن الْعَوام يحدثه مثل هَذَا الحَدِيث قَالَ قَالَ عُرْوَة:
فَلَقَد أَخْبرنِي الَّذِي حَدَّثَنِي هَذَا الحَدِيث أَن رجلا غرس فِي
أَرض رَجُل من الْأَنْصَار نخلا فاختصما إِلَى رَسُول اللَّه صلي
اللَّه عَلَيْهِ وَسلم فَقضى للْأَنْصَارِيِّ بأرضه وَقضى على الآخر
أَن ينْزع نَخْلَة قَالَ: فَلَقَد رَأَيْتهَا يُضرب فِي أُصُولهَا
بالفُؤوس وَإِنَّهَا لنخل عَم.
عمم عَفا قَالَ أَبُو عُبَيْد:
هَذَا الغارس فِي أَرض غَيره هُوَ العِرْق الظَّالِم. وَقَوله: نَخْل
عُمّ هِيَ التَّامَّة فِي طولهَا والتفافها واحدتها عميمة وَمِنْه قيل
للْمَرْأَة: عميمة إِذا كَانَت كَذَلِك فِي خَلقها قَالَ لبيد يصف
نخلا: [الْكَامِل]
سُحُقٌ يُمَتِّعُها الصَّفَا وسريُّه ... عُمّ نواعِمُ بَينهُنَّ كرومُ
فالسُحُق: الطوَال وَقَوله: يمتعها - يَعْنِي يطولها [وَهُوَ -]
مَأْخُوذ
(1/296)
من الماتع وَهُوَ الطَّوِيل من كل شَيْء
والصفا اسْم نهر والسريِّ النَّهر الصَّغِير. وَفِي هَذَا الحَدِيث من
الحكم أَنه من اغتصب أَرضًا أَو دَارا فغرس فِيهَا وَبنى وَأنْفق ثُمَّ
جَاءَ رَبهَا فاستحقها يحكم حَاكم أَنه يقْضِي على الْغَاصِب بقلع مَا
أحدث فِيهَا وَإِن أضرّ ذَلِك بِهِ وَلَا يُقَال للْمُسْتَحقّ: اغرم
لَهُ الْقيمَة ودَعِ الْبناء عَليّ حَالَة وَلَكِن إِنَّمَا لَهُ نقضه
لَا غير إِلَّا أَن يَشَاء الْمُسْتَحق ذَلِك فَهَذَا الأَصْل فِي حكم
الْغَاصِب. وَفِي حَدِيث آخر زِيَادَة فِي هَذَا قَالَ: من أحيي أَرضًا
ميتَة فَهِيَ لَهُ وَمَا أكلت الْعَافِيَة [مِنْهَا -] فَهُوَ لَهُ
صَدَقَة. فالواحد من الْعَافِيَة عافٍ وَهُوَ كل من جَاءَك يطْلب فضلا
أَو رزقا فَهُوَ مُعتَفٍ وعافٍ وَجمعه عفاة وَقد عَفَاك يعفوك عفوا
قَالَ الْأَعْشَى يمدح رجلا: [المتقارب]
تَطُوْفُ العُفَاةُ بأبوابه ... كطوف النَّصَارَى يبيت الوثن
وَقد تكون الْعَافِيَة فِي هَذَا الحَدِيث من النَّاس وَغَيرهم
وَبَيَان ذَلِك فِي
(1/297)
حَدِيث آخر حَدَّثَنِيهِ أَبُو الْيَقظَان
وَأَنا فِي نخل لي فَقَالَ: من غرسه أمسلم أم كَافِر قلت: لَا بل
مُسْلِم قَالَ: مَا من مُسْلِم يغْرس غرسا أَو يزرع زرعا فيأكل مِنْهُ
إِنْسَان أَو دَابَّة أَو طَائِر أَو سَبُع إِلَّا كَانَت لَهُ
صَدَقَة.
نفث روع وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: إِن روح الْقُدس نفث فِي روُعي
أَن نفسا لن تَمُوت حَتَّى تستكمل رزقها فَاتَّقُوا اللَّه واجملوا فِي
الطّلب. 35 / ب قَوْله: نَفَثَ فِي روعي هُوَ كالنفث بالفم شَبيه
بالنفخ فَأَما التفل فَلَا يكون / إِلَّا وَمَعَهُ شَيْء من الرِّيق
وَمن ذَلِك حَدِيثه الآخر أَنه كَانَ إِذا مرض يقْرَأ على نَفسه
بالمعوذات وينفث [و -] قَالَ عنترة:
(1/298)
[الوافر]
فَإِن يبرأ فَلم أنفث عَلَيْهِ ... وَإِن يفقد فَحق لَهُ الفُقودُ
وَقَوله: رُوعي مَعْنَاهُ كَقَوْلِك: فِي خلدي ونَفسِي وَنَحْو ذَلِك
فَهَذَا بِضَم الرَّاء. وَأما الروع بِالْفَتْح فالفزع وَلَيْسَ من
هَذَا بِشَيْء.
سى سلى سخد وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: تِسْعَة أعشِراء الرزق فِي
التِّجَارَة والرزق الْبَاقِي فِي السابياء. قَالَ هُشَيْمٌ: يَعْنِي
بالسابياء النِّتَاج قَالَ الْأَصْمَعِي: السابياء هُوَ المَاء الَّذِي
يجْرِي على رَأس الْوَلَد إِذا ولد. وَقَالَ أَبُو زَيْدُ
[الْأَنْصَارِيّ -] : ذَلِك المَاء هُوَ الحولاء (الُحِوَلاء)
مَمْدُود. قَالَ: وَأما الْجلْدَة الرقيقة الَّتِي يكون
(1/299)
فِيهَا الْوَلَد فَإِنَّهَا السَّلى
وَمِنْه قيل فِي الْمثل: انْقَطع السَّلى فِي الْبَطن يضْرب فِي
الْأَمر الْعَظِيم إِذا نزل بهم. قَالَ الْأَحْمَر: السابياء
والُحِولاء والسُخد كُله المَاء الَّذِي يكون مَعَ الْوَلَد وَهُوَ
مَاء غليظ وَمِنْه قيل للرجل إِذا أصبح ثقيلا مورَّمَّا: إِنَّه
لمُسخَّد. قَالَ أَبُو عبيد: وَمعنى هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي نرْجِع
إِلَيْهِ مَا قَالَ هُشَيْمٌ: إِنَّمَا أَرَادَ النِّتَاج وَلَكِن
الأَصْل مَا فسر هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لم يسم
النِّتَاج السابياء وَمِمَّا يبين ذَلِك حَدِيث عمر قَالَ قَالَ لي
عُمَر: مَا مَالك يَا ظَبيان قَالَ قلت: عطائي أَلفَانِ قَالَ: اتخذ من
هَذَا الْحَرْث والسابياء قبل أَن تَلِيَك غلمة من قُرَيْش لَا تَعُدّ
الْعَطاء مَعَهم مَالا.
عزى وَقَالَ أَبُو عبيد فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: من تَعَزَّى بِعَزاء الْجَاهِلِيَّة
فأعِضوه بِهن أَبِيهِ وَلَا تكنوا قَالَ أَبِي بْن كَعْب إِنَّه سمع
(1/300)
رجلا يُنَادي: يَا لفُلَان فَقَالَ لَهُ:
اُعْضُضْ بِهن أَبِيك وَلم يكن فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْمُنْذر مَا
كنت فحاشا فَقَالَ: إِنِّي سَمِعت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول:
من تعزى بِعَزاء الْجَاهِلِيَّة فأعِضوه بِهن أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوا.
قَالَ الْكسَائي: يَعْنِي انتسب وانتمى كَقَوْلِهِم: يَا لفُلَان وَيَا
لبنى فلَان فَقَوله: عزاء الْجَاهِلِيَّة الدَّعْوَى للقبائل أَن
يُقَال: يَا لَتميم وَيَا لَعامر وَأَشْبَاه ذَلِك. وَمِنْه حَدِيث
سمعته يرْوى عَن بعض أهل الْعلم أَن رجلا قَالَ بِالْبَصْرَةِ: يَا
لَعامر فجَاء النَّابِغَة الْجَعْدِي بعصبة لَهُ فَأَخَذته شَرط أَبِي
مُوسَى فَضَربهُ خمسين سَوْطًا بإجابته عَن دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة
وَيُقَال مِنْهُ: اعتزينا وتعزينا قَالَ عُبَيْد [بْن الأبرص -] :
[الْكَامِل]
نعليهم تَحت العجا ... ج المشرقي إِذا اعتزينا
(1/301)
وَقَالَ الرَّاعِي: [الطَّوِيل]
فلَمَّا الْتَقَتْ فرسانُنا ورِجالهم ... دَعَوا يَا لَكلب واعتزينا
لعامِر
وَقَالَ بشر بن أبي خازم: [الْكَامِل]
نعلو الفوارسَ بِالسُّيُوفِ ونَعْتَزِي ... وَالْخَيْل مُشْعَرَة
النحور من الدَّم
ويُقَال مِنْهُ: عزوت الرجل إِلَى أَبِيه وأعزيته وعزيته لُغَتَانِ
إِذا نسبته إِلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الحَدِيث إِذا أسندته. قَالَ
حَدَّثَنِي يحيى بْن سَعِيد عَن ابْن جريج أَن عَطاء حَدثهُ بِحَدِيث
قَالَ فَقلت [لعطاء -] : أتعزيه إِلَى 36 / الف أحد [يَعْنِي أتسنده
إِلَيْهِ -] وَهُوَ مثل النِّسْبَة. وَأما / حَدِيثه
(1/302)
الآخر قَوْله: من لم يتعز بِعَزاء
الْإِسْلَام فَلَيْسَ منا قَالَ: عَزاء الْإِسْلَام أَن يَقُول: يَا
لَلْمُسْلِمِيْنَ وَكَذَلِكَ يرْوى عَن عُمَر أَنه قَالَ: سَيكون
للْعَرَب دَعْوَى قبائل فَإِذا كَانَ ذَلِك فالسيفَ السيفَ والقتلَ
القتلَ حَتَّى يَقُولُوا: يَا لَلمسلمين [فَهَذَا عزاء الْإِسْلَام.
قَالَ أَبُو عبيد -] وَيُقَال: كنوت الرجل وكنيته [لُغَتَانِ قَالَ:
سَمِعت من أَبِي زِيَاد ينشد الْكسَائي: [الطَّوِيل]
وَإِنِّي لأكنو عَن قَدُورَ بغَيْرهَا ... وأعرِب أَحْيَانًا بهَا
فأصارح -]
فتخ وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ إِذا سجد جافى عضديه عَن
جَنْبَيْهِ وفتخ أَصَابِع رجلَيْهِ. قَالَ يحيى: الفتخ أَن يصنع
هَكَذَا وَنصب أَصَابِعه ثُمَّ غمز مَوضِع المفاصل مِنْهَا إِلَى
بَاطِن الرَّاحَة يَعْنِي أَنه كَانَ يفعل ذَلِك بأصابع رجلَيْهِ
(1/303)
فِي السُّجُود قَالَ الْأَصْمَعِي: [أصل -]
الفتخ اللين قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَيُقَال للبراجم إِذا كَانَ فِيهَا
لين وَعرض: إِنَّهَا لفُتخ وَمِنْه قيل للعُقاب: فَتخاء لِأَنَّهَا
إِذا انحطت كسرت جناحيها وغمزتهما وَهَذَا لَا يكون إِلَّا من اللين
قَالَ امْرُؤ الْقَيْس يذكر الْفرس ويشبهها بالعُقاب: [الطَّوِيل]
كَأَنِّي بِفَتْخَاء الْجَنَاحَيْنِ لَقْوَةٍ
دَفوف من العقبان ظأطأت شِملالِي
وَقَالَ الآخر: [الْبَسِيط]
كَأَنَّهَا كاسر فِي الجوَّ فَتْخَاءُ
وَإِنَّمَا سميت كاسرًا لكسرها جناحيها إِذا انحطت. وَفِي هَذَا
الحَدِيث من الْفِقْه أَنه كَانَ ينصب قَدَمَيْهِ فِي السُّجُود نصبا
وَلَوْلَا نَصبه إيَّاهُمَا لم يكن هُنَاكَ فتخ فَكَانَت الْأَصَابِع
منحنية فَهَذَا الَّذِي يُرَاد من الحَدِيث
(1/304)
وَهُوَ مثل حَدِيثه الآخر أَنه أَمر
بِوَضْع الْكَفَّيْنِ وَنصب الْقَدَمَيْنِ فِي الصَّلَاة.
قَصم فَصم وصم وتر وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام فِي حَدِيث ذكر فِيهِ نعت أهل الْجنَّة قَالَ: وَيرْفَع أهل
الغُرَف إِلَى غرفهم فِي درة بَيْضَاء لَيْسَ فِيهَا قَصم وَلَا فَصم.
قَوْله: القَصْم بِالْقَافِ هُوَ أَن ينكسر الشَّيْء فيَبين يُقَال
مِنْهُ: قصمت الشَّيْء أقصمه قصما إِذا كَسرته حَتَّى يبين وَمِنْه
قيل: فلَان أقصم الثَّنية إِذا
كَانَ مكسورها وَمِنْه الحَدِيث [الآخر -] : استغنوا عَن النَّاس وَلَو
عَن قِصمه السِّوَاك يَعْنِي مَا انْكَسَرَ مِنْهُ إِذا استيك بِهِ.
وَأما الفصم بِالْفَاءِ فَهُوَ أَن ينصدع الشَّيْء من غير أَن يبين
يُقَال مِنْهُ: فَصمت الشَّيْء أفصمه فصما إِذا فعلت ذَلِك بِهِ فَهُوَ
مفصوم قَالَ ذُو الرمة يذكر غزالا شبهه بدُمْلج فضَّة: [الْبَسِيط]
كَأَنَّهُ دُمْلُج من فضةٍ نَبَهُ ... فِي ملعب من جواري الْحَيّ مفصوم
(1/305)
وإِنَّمَا جعله مفصوما لتثنيه وانحنائه
إِذا نَام وَلم يقل: مقصوم فَيكون بَائِنا بِاثْنَتَيْنِ وَقد قَالَ
اللَّه عز وَجل {لاَ انْفِصَامَ لَهَا} . وَأما الوصم بِالْوَاو
وَلَيْسَ [هُوَ -] فِي هَذَا الحَدِيث فَإِنَّهُ الْعَيْب يكون
بالإنسان وَفِي كل شَيْء يُقَال: مَا فِي فلَان وصمة إِلَّا كَذَا
وَكَذَا يَعْنِي الْعَيْب. وَأما التوصيم فَإِنَّهُ الفترة والكسل يكون
فِي الْجَسَد وَمِنْه الحَدِيث: إِن الرجل إِذا قَامَ يُصَلِّي من
اللَّيْل أصبح طيب النَّفس وَإِن نَام حَتَّى يُصبح أصبح ثقيلا
مُوِصَّما وَقَالَ لبيد: [الرمل]
وَإِذا رُمْتَ رحيلا فارْتَحِلْ ... واعصِ مَا يَأْمر توصيم الكسل
36 - / ب / وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام: من فَاتَتْهُ صَلَاة الْعَصْر فَكَأَنَّمَا وُتِر أَهله
وَمَاله.
(1/306)
قَالَ الْكسَائي: هُوَ من الوَتْر وَذَلِكَ
أَن يجني الرجل على الرجل جِنَايَة يقتل لَهُ قَتِيلا أَو يذهب
بِمَالِه وَأَهله فَيُقَال: قد وَتَر فلَان فلَانا أَهله ومالَه
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَقُول: فَهَذَا مَا قد فَاتَهُ من صَلَاة
الْعَصْر بِمَنْزِلَة الَّذِي وتر فَذهب بِمَالِه وَأَهله وَقَالَ
غَيره: وتر أَهله يَقُول: نقص أَهله وَمَاله وَبَقِي فَردا وَذهب
إِلَيّ قَوْله: {وَلَنْ يَّتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} يَقُول: لن ينقصكم
يُقَال: وَتَرْتُه حقَّه إِذا نقصته قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأحد
الْقَوْلَيْنِ قريب من الآخر.
خصر وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه جَاءَ إِلَى البقيع وَمَعَهُ مخصرة
فَجَلَسَ ونكت بهَا [فِي -] الأَرْض ثُمَّ رفع رَأسه وَقَالَ:
(1/307)
مَا من نفس منفوسة إِلَّا [و -] قد كتب
مَكَانهَا من الْجنَّة أَو النَّار ثُمَّ ذكر حَدِيثا طَويلا فِي
الْقدر. قَوْله: وَمَعَهُ مخصرة فَإِن المخصرة مَا اختصر الْإِنْسَان
بِيَدِهِ وأمسكه من عَصا أَو عَنَزة أَو عُكَّازة أَو مَا أشبه ذَلِك
وَمِنْه أَن يمسك الرجل بيد صَاحبه فَيُقَال: فلَان مخاصر فلَان.
وَمِنْه حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَنه كَانَ عِنْده رَجُل من
قُرَيْش وَكَانَ مخاصرة.
(1/308)
وَأَخْبرنِي مسلمة بْن سهل بشيخ من أهل
الْعلم بِإِسْنَاد لَهُ لَا أحفظه أَن يزِيد بن مُعَاوِيَة قَالَ
لِأَبِيهِ مُعَاوِيَة: أَلا ترى عَبْد الرَّحْمَن بْن حسان يسب بابنتك
فَقَالَ مُعَاوِيَة: مَا قَالَ فَقَالَ قَالَ: [الْخَفِيف]
وهْي زهراءُ مثل لؤلؤة الغ ... وّاصِ ميزت من جَوْهَر مَكْنُون
فَقَالَ مُعَاوِيَة: صدق فَقَالَ يزِيد: وَقَالَ: ... فَإِذا مَا
نَسبتَها لم تجدها ... فِي سناء من المكارم دونِ
فَقَالَ مُعَاوِيَة: صدق فَقَالَ يزِيد: فأبين قَوْله: ... ثُمَّ
خَاصرتهَا إِلَى القُبة الخض ... رَاء تمشي فِي مرمرٍ مسنونِ
فَقَالَ مُعَاوِيَة: كذب. قَالَ أَبُو عُبَيْد: قَوْله: خَاصرتهَا [أَي
-] أخذت بِيَدِهَا. قَالَ
(1/309)
الْفراء: يُقَال: خرج الْقَوْم متخاصرين
إِذا كَانَ بَعضهم آخِذا بيد بعض. وَأما الحَدِيث الَّذِي يرْوى أَنه
نهى أَن يُصَلِّي الرجل مُخْتَصرا فَلَيْسَ من هَذَا إِنَّمَا ذَاك أَن
يُصَلِّي وَهُوَ وَاضع يَده على خَصره فَذَلِك يرْوى فِي كراهيته
حَدِيث مَرْفُوع ويروى فِيهِ الْكَرَاهَة أَيْضا عَن عَائِشَة رَضِيَ
اللَّه عَنْها وَأبي هُرَيْرَة و [هُوَ -] فِي بعض الحَدِيث أَنه
رَاحَة أهل النَّار.
شعر دثر لحف وَقَالَ أَبُو عبيد:
فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ لَا يُصَلِّي فِي
شُعُر نِسَائِهِ.
(1/310)
[قَوْله -] : الشّعْر واحدتها الشعار
وَهُوَ مَا ولي جلد الْإِنْسَان من اللبَاس وَأما الدثار فَهُوَ مَا
فَوق الشعار مِمَّا يستدفأ بِهِ. وَأما اللحاف فَكلما تغطيت بِهِ فقد
التحفت بِهِ يُقَال مِنْهُ: لحفت الرجل ألحفه لحفا إِذا فعلت ذَلِك
بِهِ قَالَ طرفَة بن العَبْد: [الرمل]
ثُمَّ راحُوا عَبِقَ المسكُ بهم ... يلحفون الأَرْض هداب الأزر
وَفِي الحَدِيث من الْفِقْه أَنه إِنَّمَا كره الصَّلَاة فِي ثيابهن
فِيمَا نرى وَالله أعلم مَخَافَة أَن يكون أَصَابَهَا شَيْء من دم
الْحيض / أعرف للْحَدِيث وَجها 37 / الف غَيره فَأَما عرق [الْجنب و -]
الْحَائِض فَلَا نعلم أحدا كرهه وَلكنه بمَكَان الدَّم كَمَا كره
الْحَسَن الصَّلَاة فِي ثِيَاب الصّبيان وَكره بَعضهم
(1/311)
الصَّلَاة فِي ثِيَاب الْيَهُودِيّ
وَالنَّصْرَانِيّ وَذَلِكَ لمخافة أَن يكون أَصَابَهَا شَيْء من القَذر
لأَنهم لَا يستنجون وَقد روى مَعَ هَذَا الرُّخْصَة فِي الصَّلَاة فِي
ثِيَاب النِّسَاء وسَمِعت يزِيد يحدث إِن رَسُول اللَّه صلي اللَّه
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي فِي مروط نِسَائِهِ وَكَانَت أكسية
أثمانها خَمْسَة دَرَاهِم أَو سِتَّة وَالنَّاس على هَذَا.
وهب وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: لقد هَمَمْت أَن لَا أتَّهِبَ إِلَّا من
قُرَشى أَو أَنْصَارِي أَو ثقفي. لَا أعلمهُ إِلَّا من حَدِيث
(1/312)
ابْن عيينه عَن عَمْرو عَن [طاؤس وَعَن
ابْن عجلَان عَن المَقْبُري يرفعان حَدِيث النَّبِيّ صلي اللَّه
عَلَيْهِ وَسلم -] . قَوْله: لَا أتهب يَقُول: لَا أقل هبة إِلَّا من
هَؤُلَاءِ: وَمِثَال هَذَا من الْفِعْل افتعل كَقَوْلِك من الْعدة:
اتعد وَمن الصِّلَة: اتَّصل وَمن الزنة: اتزن. قَالَ أَبُو عُبَيْد:
وَيُقَال: إِن النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا قَالَ هَذِه
الْمقَالة لِأَن الَّذِي اقْتَضَاهُ الثَّوَاب من أهل الْبَادِيَة فَخص
هَؤُلَاءِ بالاتهاب مِنْهُم لأَنهم أهل حَاضِرَة وَهُم أعلم بمكارم
الْأَخْلَاق وَبَيَان ذَلِك فِي حَدِيث آخر أَنه قَالَ: لقد هَمَمْت
أَن لَا أقبل هبة أَو قَالَ: هَدِيَّة إِلَّا من قُرَشى أَو أَنْصَارِي
أَو ثقفي وَفِي بعض الحَدِيث: أَو دوسي. فَهَذَا قد بَين لَك أَنه
أَرَادَ بقوله: لَا أتهب [أَي -] لَا أقبل هبة وَفِي هَذَا الحَدِيث
أَنه [صلى الله عَلَيْهِ -] كَانَ يقبل الْهَدِيَّة وَالْهِبَة
وَلَيْسَ هَذَا بعده لأحد من الْخُلَفَاء لِأَنَّهُ يروي عَنْهُ:
هَدَايَا الْأُمَرَاء غَلول وَبَلغنِي ذَلِك عَن أَبِي الْمليح الرقي
عَن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أَنه قَالَ: كَانَت
(1/313)
لرَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم
هَدِيَّة وللأمراء بعده رِشُوة.
لوب عير وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه حرم مَا بَين لابَتَي
الْمَدِينَة. قَالَ الْأَصْمَعِي: اللابة الحَرّة وَهِي الأَرْض
الَّتِي قد ألبَسَتْها حِجَارَة سُود وَجمع اللابة لابات مَا بَين
الثَّلَاث إِلَى الْعشْر فَإِذا كثَّرت فَهِيَ اللاب واللوب لُغَتَانِ
قَالَ بشر بْن أَبِي خازم يذكر كَتِيبَة:
[الطَّوِيل]
مُعالِيةً لاهَمَّ إِلَّا مُحَجَّر ... وحَرَّة ليلى السهل مِنْهَا
فَلُوبَها
(1/314)
يُرِيد جمع لابة وَمثل هَذَا فِي الْكَلَام
قَلِيل وَمِنْه: قارة وقُور وساحة وسُوح. وَفِي حَدِيث آخر أَن رَسُول
اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم حرم مَا بَين عَير إِلَيّ ثَوْر.
وهما اسْما جبلين بِالْمَدِينَةِ وَقد كَانَ بعض الروَاة يحمل معنى
بَيت الْحَارِث بْن حِلّزة فِي قَوْله: [الْخَفِيف]
زَعَمُوا أَن كل من ضرب العَي ... ْر مَوال لنا وَإِنَّا الوَلاءُ
على هَذَا العير يذهب إِلَى كل من ضرب إِلَيْهِ وبلغه وَبَعض الروَاة
يحملهُ على [أَن -] العير الْحمار
ثَوْر قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا حَدِيث أهل الْعرَاق وَأهل
الْمَدِينَة لَا يعْرفُونَ بِالْمَدِينَةِ جبلا يُقَال لَهُ ثَوْر
وَإِنَّمَا ثَوْر بِمَكَّة فَيرى أَن الحَدِيث [إِنَّمَا -] أَصله: مَا
بَين عير إِلَى أحد.
(1/315)
قَالَ أَبُو عبيد: سَالَتْ عَن هَذَا أهل
الْمَدِينَة فَلم يعرفوه وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَة أهل الْعرَاق
وَلم يعرف أهل الْمَدِينَة ثورا وَقَالُوا: إِنَّمَا ثَوْر بِمَكَّة
وَأما عير فبالمدينة مَعْرُوف وَقد رَأَيْته. 37 / ب
سفه غمط غمص وَقَالَ أَبُو عبيد:
فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام / أَنه أَتَاهُ مَالك بْن
مرَارَة الرهاوي فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِنِّي قد أُوتيت من
الْجمال مَا ترى مَا يسرني أَن أحدا يُفَضِّلُنِي بِشِراكَين فَمَا
فَوْقهمَا فَهَل ذَلِك من الْبَغي فَقَالَ رَسُول اللَّه صلي اللَّه
عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا ذَلِك مَن سَفِه الْحق وغَمِطَ النَّاس. أما
قَوْله: من سفه الْحق فَإِنَّهُ أَن يرى الْحق سفها وجهلا
(1/316)
[و -] قَالَ اللَّه جلّ ذكره {اِلاَّ مَنْ
سفِهَ نَفْسَهُ} وَبَعض الْمُفَسّرين يَقُول فِي قَوْله: {اِلاَّ مَنْ
سَفِهِ نَفْسَهُ} : سفهها. وَأما قَوْله: وغمِط النَّاس فَإِنَّهُ
الاحتقار لَهُم والازدراء بهم وَمَا أشبه ذَلِك. وَفِيه لُغَة أُخْرَى
فِي غير هَذَا الحَدِيث: وَغَمص النَّاس بالصَّاد وَهُوَ بمعني غمط.
وَمِنْه حَدِيث يرْوى عَن عَبْد الْملك بْن عُمَيْر عَن قبيصَة بْن
جَابِر أَنه أصَاب ظَبْيًا وَهُوَ محرم فَسَأَلَ عُمَر فَشَاور عَبْد
الرَّحْمَن ثُمَّ أمره أَن يذبح شَاة فَقَالَ قبيصَة لصَاحبه: وَالله
مَا علم أَمِير الْمُؤمنِينَ حَتَّى سَأَلَ غَيره وأحسبني سأنحر
نَاقَتي فَسَمعهُ عُمَر فَأقبل عَلَيْهِ ضربا بِالدرةِ فَقَالَ: أتغمص
الفُتْيَا وَتقتل الصَّيْد وَأَنت محرم قَالَ الله [تبَارك و -]
تَعَالَى
(1/317)
{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ}
فَأَنا عمر وَهَذَا عبد الرَّحْمَن. [وَقَالَ أَبُو عُبَيْد -] :
قَوْله: أتغمص الْفتيا يَعْنِي أتحتقرها وتطعن فِيهَا وَمِنْه يُقَال
للرجل إِذا كَانَ مطعونا عَلَيْهِ فِي دينه: إِنَّه لمغموص عَلَيْهِ
يُقَال: غمِص وغمِط يغمَص ويغمَط وَأَنا أغمَص وأغمَط. وَفِي هَذَا
الحَدِيث من الْفِقْه أَن عُمَر لم يحكم عَلَيْهِ حَتَّى حكم مَعَه
غَيره لقَوْله {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} . وَفِيه أَنه
جعل فِي الظبى شَاة أَو كَبْشًا وَرَآهُ نِدّه من النعم. وَفِيه أَنه
لم يسْأَله: أَقتلهُ عمدا أَو خطأ ورآهما عِنْده سَوَاء فِي الحكم
وَهَذَا غير قَول من يَقُول: إِنَّمَا الْجَزَاء فِي الْعمد. وَفِيه
أَنه لم يسْأَله: هَلْ أصَاب صيدا قبله أم لَا وَلكنه حكم عَلَيْهِ
فَهَذَا يرد قَول من قَالَ إِنَّمَا يحكم عَلَيْهِ مرّة وَاحِدَة فَإِن
عَاد لم يحكم عَلَيْهِ وَقيل لَهُ: اذْهَبْ فينتقم الله مِنْك.
نقب وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ:
(1/318)
لَا يُعْدى شَيْء شَيْئا فَقَالَ
أَعْرَابِي: يَا رَسُول الله إِن النُّقبة تكون بمشفر الْبَعِير أَو
بذنَبه فِي الْإِبِل الْعَظِيمَة فتَجْرَب كلهَا قَالَ رَسُول الله صلي
الله عَلَيْهِ وَسلم: فَمَا أجرب الأول قَالَ الْأَصْمَعِي: النقبة أول
الجرب حِين يَبْدُو ويُقَال للناقة وَالْبَعِير: بِهِ نقبة وَجمعه
نُقْب. وَأَخْبرنِي ابْن الْكَلْبِيّ أَن دُرَيْد بن الصمَّة خطب
الخنساء بنت عَمْرو [بن الشريد -] إِلَى أخويها صَخْر وَمُعَاوِيَة
[ابْني عَمْرو بن الشريد -] فوافقاها وَهِي تهنأ إبِلا لَهَا فاستأمرها
أَخَوَاهَا فِيهِ فَقَالَت: أتروني كنت تاركة بني عمّي كَأَنَّهُمْ
عوالي الرماح ومرتثة شيخ بني جُشم فَانْصَرف دُرَيْد وَهُوَ يَقُول:
[الْكَامِل]
(1/319)
مَا إِن رأيتُ وَلَا سمعتُ بِهِ ...
كَالْيَوْمِ هاني أينقٍ صُهبِ
متبدلا تبدو محاسِنُه ... يضع الهناء مَوَاضِع النقب
وَفِي الحَدِيث أَيْضا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: لَا عدوى وَلَا
هَامة وَلَا صفر وَقد فسرناه فِي مَوضِع آخر. 38 / الف
نوء وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ: ثَلَاث / من أَمر
الْجَاهِلِيَّة: الطعْن فِي الْأَنْسَاب والنياحة والأنواء. [قَالَ -]
: سَمِعت عدَّة من أهل الْعلم يَقُولُونَ: أما الطعْن فِي الْأَنْسَاب
والنياحة فمعروفان وَأما الأنواء فَإِنَّهَا ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ
نجما مَعْرُوفَة الْمطَالع فِي أزمنة السّنة كلهَا فِي الصَّيف والشتاء
وَالربيع والخريف يسْقط مِنْهَا فِي كل ثَلَاث عشرَة لَيْلَة نجم فِي
الْمغرب مَعَ طُلُوع الْفجْر ويطلع آخر يُقَابله فِي الْمشرق من
سَاعَته وَكِلَاهُمَا مَعْلُوم مُسَمّى وانقضاء هَذِه الثَّمَانِية
وَعشْرين كلهَا مَعَ انْقِضَاء السّنة ثُمَّ يرجع الْأَمر إِلَيّ
النَّجْم الأول مَعَ
(1/320)
اسْتِئْنَاف السّنة الْمُقبلَة فَكَانَت
الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا سقط مِنْهَا نجم وطلع آخر قَالُوا:
لَا بُد [من -] أَن يكون عِنْد ذَلِك مطر ورياح فينسبون كل غيث يكون
عِنْد ذَلِك إِلَى ذَلِك النَّجْم الَّذِي يسْقط حِينَئِذٍ
فَيَقُولُونَ: مُطِرنا بِنَوْء الثريا والدبران والسَّماك وَمَا كَانَ
من هَذِه النُّجُوم فعلى هَذَا فَهَذِهِ هِيَ الأنواء وَاحِدهَا نوء.
وَإِنَّمَا سمي نوءا لِأَنَّهُ إِذا سقط السَّاقِط مِنْهَا بالمغرب ناء
الطالع بالمشرق للطلوع فَهُوَ ينوء نوءا وَذَلِكَ النهوض هُوَ النوء
فَسُمي النَّجْم بِهِ وَكَذَلِكَ كل ناهض بثقل وإبطاء فَإِنَّهُ ينوء
عِنْد نهوضه وَقد يكون النوء السُّقُوط. قَالَ أَبُو عبيد: وَلم أسمع
أَن النوء السُّقُوط إِلَّا فِي هَذَا الْموضع. وَقَالَ اللَّه تعالي
{مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالعُصْبَةِ} وَقَالَ ذُو الرمة
يذكر امْرَأَة بالعِظَم: [الطَّوِيل]
تنوء بأخراها فَلاياً قِيامها ... وتمشي الهوينا من قريب فتبهر
(1/321)
وَقد ذكرت الْعَرَب الأنواء فِي أشعارها
فَأَكْثَرت حَتَّى جَاءَ فِيهَا النَّهْي عَن النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام.
كهل وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَن رجلا كَانَ يَخْدمه فِي سفر فَقَالَ
لَهُ النَّبِيّ [صلي الله عَلَيْهِ -] : هَلْ فِي أهلك من كَاهِل
قَالَ: لَا مَا هُمْ إِلَّا صبية صغَار فَقَالَ: ففيهم فَجَاهد.
قَوْله: مَنْ كَاهِل يَعْنِي من أسن وَهُوَ من الكهل يُقَال: كَاهِل
الرجل واكتهل إِذا أسن وَكَذَلِكَ يُقَال: قد اكتهل النَّبَات إِذا تمّ
طوله وَهُوَ رَجُل كهل وَامْرَأَة كهلة قَالَ الراجز: [الرجز]
وَلَا أَعُود بعْدهَا كَرِيَّا ... أمارس الكهلة والصبيا
(1/322)
صفد
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: إِذا دخل
شهر رَمَضَان صفدت الشَّيَاطِين وَفتحت أَبْوَاب الْجنَّة وغلقت
أَبْوَاب النَّار. قَالَ الْكسَائي وَغير وَاحِد: [قَوْله -] : صفدت
يَعْنِي شدت بالأغلال وأوثِقَت يُقَال [مِنْهُ -] : صَفَدت الرجل
فَهُوَ مصفود وصفدته فَهُوَ مُصفَّد فَأَما أصفدته بِالْألف إصفادا
فَهُوَ أَن تعطيه وتصله وَالِاسْم من الْعَطِيَّة وَمن الوثاق جَمِيعًا
الصَّفَد قَالَ النَّابِغَة الذبياني فِي الصفد يُرِيد الْعَطِيَّة:
[الْبَسِيط]
هَذَا الثَّنَاء [فَإِن تسمع بِهِ حسنا ... فَلم اُعَرَّضْ -] أَبيت
اللَّعْن بالصفدِ
(1/323)
يَقُول: لم أمدحك لتعطيني وَالْجمع
مِنْهُمَا جَمِيعًا أصفاد قَالَ اللَّه عز وَجل: {وَآخَرِينَ
مُقَرَّنِينَ فِي الأصفاد} . [و -] قَالَ الْأَعْشَى فِي الْعَطِيَّة
أَيْضا يمدح رجلا: [الطَّوِيل]
تضيفته يَوْمًا فأكْرَمَ مَقعدي ... وأصفدني على الزمانة قائدا
38 - / ب يَقُول: وهب لي قائدا يقودني / والمصدر من الْعَطِيَّة
الإصفاد وَمن الوثق [الصفد و -] التصفيد وَيُقَال للشَّيْء الَّذِي
يوثق [بِهِ -] الْإِنْسَان: الصَّفاد يكون من نِسْع أَو قد [و -] قَالَ
الشَّاعِر يُعيّر لَقِيط بْن زُرَارَة بأسر أَخِيه معبد: [الْكَامِل]
هلا مننت على أَخِيك معبد ... والعامري يَقُودهُ بصفادِ
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَن
اللَّه [تبَارك وتعالي -] جعل حَسَنَات ابْن آدم بِعشر أَمْثَالهَا
إِلَى سَبْعمِائة ضعف
(1/324)
وقَالَ اللَّه عز وَجل: إِلَّا الصَّوْم
فَإِن الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ ولخلوف فَم الصَّائِم عِنْد الله
أطيب من ريح الْمسك. قَوْله: الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ وقد علمنَا
أَن أَعمال الْبر كلهَا لله تَعَالَى وَهُوَ يَجزي بهَا فنرى وَالله
أعلم أَنه إِنَّمَا خص الصَّوْم بِأَن يكون هُوَ الَّذِي يتَوَلَّى
جزاءه لِأَن الصَّوْم لَا يظْهر من ابْن آدم بِلِسَان وَلَا فعل فتكتبه
الحَفَظَة وإِنَّمَا هُوَ نَيَّة بِالْقَلْبِ وإمساك عَن حَرَكَة
(1/325)
الْمطعم وَالْمشْرَب وَالنِّكَاح يَقُول:
فَأَنا أتَوَلَّى جزاءه على مَا اُحِب من التَّضْعِيف وَلَيْسَ على
كتاب كُتب لَهُ وَمِمَّا يبين ذَلِك قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: لَيْسَ
فِي الصَّوْم رِيَاء. وَذَلِكَ أَن الْأَعْمَال كلهَا لَا تكون إِلَّا
بالحركات إِلَّا الصَّوْم خَاصَّة فَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّيَّةِ
الَّتِي قد خفيت عَليّ النَّاس فَإِذا نَوَاهَا فَكيف يكون هَهُنَا
رِيَاء هَذَا عِنْدِي وَالله أعلم وَجه الحَدِيث
خلف صَوْم [قَالَ أَبُو عبيد:
وَبَلغنِي عَن سُفْيَان بْن عُيَيْنَة -] أَنه فسر قَوْله: كل عمل ابْن
آدم لَهُ إِلَّا الصَّوْم فَإِنَّهُ لي وَأَنا أجزي بِهِ قَالَ: لِأَن
الصَّوْم هُوَ الصَبر يصبر الْإِنْسَان عَن الْمطعم وَالْمشْرَب
وَالنِّكَاح ثُمَّ قَرَأَ {إنَّمَا يُوفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ
بِغَيْرِ حِسابٍ} يَقُول: فثواب الصَّبْر لَيْسَ لَهُ حِسَاب يعلم من
كثرته وَمِمَّا يُقَوي قَول سُفْيَان الَّذِي يرْوى فِي التَّفْسِير
قَول اللَّه [تبَارك و -] تَعَالَى {السَّائِحُوْنَ} قَالَ هُوَ فِي
التَّفْسِير: الصائمون يَقُول: فَإِنَّمَا الصَّائِم بِمَنْزِلَة
السائح لَيْسَ يتلذذ بِشَيْء.
(1/326)
وَأما قَوْله فِي الخُلوف فَإِنَّهُ تغير
طعم الْفَم لتأخيرالطعام يُقَال مِنْهُ: خلف فَمه يخلُف خلوفا قَالَه
الْكسَائي والأصمعي وَغَيرهمَا. وَمِنْه حَدِيث عَليّ رَضِيَ اللَّه
عَنهُ حِين سُئِلَ عَن القُبلة للصَّائِم فَقَالَ: وَمَا أربك إِلَى
خلوف فِيهَا. وَالصَّوْم أَيْضا فِي أَشْيَاء سوى هَذَا يُقَال للنائم
السَّاكِت: صَائِم قَالَ النَّابِغَة الذبياني: [الْبَسِيط]
خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غير صائمةٍ ... تَحت العَجاج وخيلٌ تعلك اللجما
ويقل للنهار إِذا اعتدل وَقَامَ قَائِم الظهيرة: قد صَامَ قَالَ امْرُؤ
الْقَيْس:
(1/327)
[الطَّوِيل]
فَدَعْ ذَا وسَلِّ الْهَمَّ عَنْك بجسرة ... ذَمولٍ إِذا صَامَ
النَّهَار وهَجَّرَا ... وَقَرَأَ أنس بن مَالك {إِنِّي نَذَرْتُ
لِلرَّحْمن صَوْمَاً} ويروى: صمتا. |