غريب الحديث للقاسم بن سلام روح
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه أَمر
بالإثمد المُرَوَّح عِنْد النّوم وَقَالَ: ليتقه الصَّائِم. [قَوْله -]
: المُرَوَّح أَرَادَ المطيب بالمسك فَقَالَ: مروح بِالْوَاو
وَإِنَّمَا هُوَ من الرّيح وَذَلِكَ أَن أصل الرّيح الْوَاو وَإِنَّمَا
جَاءَت الْوَاو يَاء لكسرة الرَّاء قبلهَا فَإِذا رجعُوا إِلَيّ
الْفَتْح عَادَتْ الْوَاو أَلا ترى أَنهم قَالُوا: تروحت بالمروحة
بِالْوَاو وجمعوا الرّيح فَقَالُوا: أَرْوَاح
(1/328)
لما انفتحت الْوَاو وَكَذَلِكَ قَوْلهم:
تروح المَاء وَغَيره إِذا تَغَيَّرت رِيحه. وَفِي هَذَا الحَدِيث من
الْفِقْه أَنه رخص فِي الْمسك أَن يكتحل بِهِ ويتطيب بِهِ وَفِيه أَنه
[كرهه للصَّائِم وَإِنَّمَا وَجه الْكَرَاهَة أَنه رُبمَا خلص إِلَيّ
الْحلق وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث الرُّخْصَة فِيهِ وَعَلِيهِ النَّاس
وَأَنه -] لَا بَأْس بالكحل للصَّائِم.
شَرق وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام /
لَعَلَّكُمْ ستُدرِكون 39 / الف أَقْوَامًا يؤخرون الصَّلَاة إِلَى
شَرَق الْمَوْتَى فصلوا الصَّلَاة للْوَقْت الَّذِي تعرفُون ثُمَّ
صلوها مَعَهم. أما قَوْله: يؤخرون الصَّلَاة إِلَى شَرَق الْمَوْتَى
فَإِن ذَلِك فِي تفسيرين: أَحدهمَا [يرْوى -] عَن الْحَسَن بْن
مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَمِعت مَرْوَان
الْفَزارِيّ يحدثه عَنْهُ أَنه سُئِلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: ألم تَرَ
إِلَيّ الشَّمْس إِذا ارْتَفَعت عَن الْحِيطَان وَصَارَت بَين
الْقُبُور كَأَنَّهَا لجة فَذَلِك شَرق الْمَوْتَى
سبح قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي
أَن طُلُوعهَا وشروقها إِنَّمَا [هُوَ -] تِلْكَ
(1/329)
السَّاعَة للموتى دون الْأَحْيَاء يَقُول:
إِذا ارْتَفَعت عَن الْحِيطَان فَظَنَنْت أَنَّهَا قد غَابَتْ فَإِذا
خرجت إِلَى الْمَقَابِر رَأَيْتهَا هُنَاكَ. وَأما التَّفْسِير الآخر
فَإِنَّهُ عَن غَيره قَالَ: هُوَ أَن يغص الْإِنْسَان بريقه وَأَن يشرق
بِهِ عِنْد الْمَوْت فَأَرَادَ أَنهم كَانُوا يصلونَ الْجُمُعَة وَلم
يبْق من النَّهَار إِلَّا بِقدر مَا بَقِي من نفس هَذَا الَّذِي قد
شَرق بريقه. وَفِي غير هَذَا الحَدِيث زِيَادَة لَيست فِي هَذَا عَن
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي تَأْخِير الصَّلَاة مثل ذَلِك إِلَّا
أَنه لم يذكر شَرق الْمَوْتَى وَزَاد فِيهِ: فصلوا فِي بُيُوتكُمْ
للْوَقْت الَّذِي تعرفُون وَاجْعَلُوا صَلَاتكُمْ مَعَهم سبْحَة.
عربا قَالَ أَبُو عُبَيْد: يَعْنِي
بالسبحة النَّافِلَة وَبَيَان ذَلِك فِي حَدِيث آخر أَنه قَالَ:
اجْعَلُوهَا نَافِلَة وَكَذَلِكَ كل نَافِلَة فِي الصَّلَاة فَهِيَ
سبْحَة.
(1/330)
وَمِنْه حَدِيث ابْن عُمَر أَنه كَانَ
يُصَلِّي سبحته فِي مَكَانَهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الْمَكْتُوبَة.
قَالَ اللَّه عز وَجل {فَلَوْلاَ اَنَّه كَانَ من المسبحين} يرْوى فِي
التَّفْسِير: من الْمُصَلِّين. وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَنه
يرد قَول من خرج على السُّلْطَان مَا دَامَ يُقيم الصَّلَاة فَلَو رخص
لَهُم فِي حَال لَكَانَ فِي هَذِه الْحَال إِذا كَانُوا يصلونَ
الصَّلَاة لغير وَقتهَا فَكيف إِذا صلوها لوَقْتهَا هَذَا يرد قَوْله
أَشد الرَّد وَفِي هَذَا الحَدِيث أَيْضا مَا يبين اخْتِلَاف النَّاس
فِيمَن صلى وَحده ثُمَّ أعَاد فِي جمَاعَة فَقَالَ بَعضهم: صلَاته هِيَ
الأولي وَقَالَ بَعضهم: بل هِيَ الَّتِي صلي فِي جمَاعَة فقد تبين لَك
فِي هَذَا الحَدِيث أَن صلَاته الْمَكْتُوبَة هِيَ الأولي وَأَن
الَّتِي بعْدهَا نَافِلَة وَإِن كَانَت فِي جمَاعَة.
دعب فجعلناهن وأَبُو عبيد: فِي
حَدِيث النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَت فِيهِ دعابة.
(1/331)
قَوْله: الدعابة يَعْنِي المزاح وَفِيه
ثَلَاث لُغَات: المُزاحة والمُزاح والمَزح وَفِي حَدِيث آخر يرْوى
عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام [أَنه قَالَ -] : إِنِّي لأمزح وَمَا أَقُول
إِلَّا حَقًا وَذَلِكَ فِيمَا يرْوى مثل قَوْله: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى
فلَان الْبَصِير نعوده لرجل مكفوف أَرَادَ الْبَصِير الْقلب و [مثل -]
قَوْله للعجوز الَّتِي قَالَتْ: ادْع اللَّه أَن يُدخلني الْجنَّة
فَقَالَ: إِن الْجنَّة لَا تدْخلهَا العجُز كَأَنَّهُ أَرَادَ قَول
اللَّه جلّ ثَنَاؤُهُ {إنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاءٍ
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْرَاباً} يَقُول: فَإِذا صَارَت
إِلَى الْجنَّة فَلَيْسَتْ بِعَجُوزٍ حِينَئِذٍ وَمِنْه قَوْله
لِأَبْنِ أَبِي طَلْحَة وَكَانَ لَهُ نُغَر فَمَاتَ فَجعل يَقُول: مَا
فعل النُّغَير يَا أَبَا عُمَيْر هَذَا وَمَا أشبهه من المزاح وَهُوَ
حق كُله. قَالَ أَبُو عبيد: وَفِي حَدِيث النغير أَنه قد أحل صيد
الْمَدِينَة وَقد حرمهَا فَكَأَنَّهُ إِنَّمَا حرم الشّجر أَن تعضد
وَلم يحرم الطير كَمَا حرم
(1/332)
طير مَكَّة [قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ -] :
وَقد يكون هَذَا الحَدِيث أَن يكون الطَّائِر إِنَّمَا أَدخل من خَارج
الْمَدِينَة إِلَى الْمَدِينَة / فَلم يُنكره لهَذَا وَلَا أرى هَذَا
إِلَّا وَجه 39 / ب الحَدِيث وَمِمَّا يبين ذَلِك أَن الدعابة المزاح
(المِزاح) قَوْله لجَابِر بْن عَبْد الله حِين قَالَ لَهُ: أبكرًا
تزوجت أم ثَيِّبًا قَالَ: بل ثَيِّبًا قَالَ: فَهَلا بكرا تداعبها
وتداعبك وَبَعْضهمْ يَقُول: تلاعبها وتلاعبك. قَالَ اليزيدي: يُقَال من
الدعابة: هَذَا رَجُل دَعَّابة وَقَالَ بَعضهم: دَعِب وَكَانَ اليزيدي
يَقُول: إِنَّمَا هُوَ من المزاح (المِزاح) وينكر مَا سواهَا قَالَ
أَبُو عبيد: وَإِنَّمَا المزاح (المزاح) عندنَا مصدر مازحته ممازحة
ومِزاحا فَأَما مصدر مزحت فَكَمَا قَالَ أُولَئِكَ: مزاحا.
فطر وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: إِذا أقبل اللَّيْل من هَهُنَا وَأدبر
النَّهَار وغربت الشَّمْس فقد أفطر الصَّائِم.
(1/333)
وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَنه إِن
أكل أَو لم يَأْكُل [فَهُوَ مفطر -] هَذَا يرد قَول المواصلين يَقُول
لَيْسَ للمواصل فضل على الْآكِل لِأَن الصّيام لَا يكون بِاللَّيْلِ
فَهُوَ مفطر على كل حَال أكل أَو ترك.
هبا قبل وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: صُومُوا لرُؤْيَته وأفطروا
لرُؤْيَته فَإِن حَال بَيْنكُم وَبَينه سَحَاب أَو ظلمَة أَو هَبوة
فأكملوا الْعدة لَا تستقبلوا الشَّهْر اسْتِقْبَالًا وَلَا تصلوا
رَمَضَان بِيَوْم من شعْبَان قَوْله: هبوة يَعْنِي الغبرة تحول دون
رُؤْيَة الْهلَال وكل غبرة هبوة وَيُقَال لدُقاق التُّرَاب إِذا
ارْتَفع: قد هبا يهبو هبوا فَهُوَ هابٍ وَكَانَ الْكسَائي ينشد هَذِه
الأبيات قَالَ الْكسَائي: أَنْشدني أَشْيَاخ من بني تَمِيم يَرْوُونَهُ
عَن أَشْيَاخهم عَن هوبر الْحَارِثِيّ: [الطَّوِيل]
أَلا هَل أَتَى التيم بْن عبدِ مناءةٍ ... على الشَّنْءِ فِيمَا
بَيْننَا ابْن تميمِ
(1/334)
بِمَصْرِعَنا النُّعْمَان يَوْم تألَبت ...
علينا تَمِيم من شظى وصميم
تزَود منا بَين أذنَاهُ ضَرْبَة ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التُّرَاب
عقيم
قَوْله: هابي التُّرَاب يَعْنِي مَا ارْتَفع من التُّرَاب ودق وَقَوله:
بَين أذنَاهُ هِيَ لُغَة بني الْحَارِث بْن كَعْب يَقُولُونَ: رَأَيْت
رجلَانِ. وَقَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: لَا تستقبلوا الشَّهْر
اسْتِقْبَالًا يَقُول: لَا تقدمُوا رَمَضَان بصيام قبله و [هُوَ -]
قَوْله: [و -] لَا تصلوا رَمَضَان بِيَوْم من شعْبَان. وَسمعت مُحَمَّد
بْن الْحَسَن يَقُول فِي هَذَا: إِنَّمَا كره التَّقَدُّم قبل رَمَضَان
إِذا كَانَ يُرَاد بِهِ رَمَضَان فَأَما إِذا كَانَ أَرَادَ بِهِ
التَّطَوُّع فَلَا بَأْس بِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَبَيَان هَذَا
فِي حَدِيث مَرْفُوع قَالَ: لَا تقدمُوا رَمَضَان بِيَوْم وَلَا
يَوْمَيْنِ
(1/335)
إِلَّا أَن يُوَافق ذَلِك صوما كَانَ
يَصُومهُ أحدكُم صُومُوا لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته فَإِن غُمَّ
عَلَيْكُم فصوموا ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ أفطروا. وَفِي هَذَا
الحَدِيث من الْفِقْه أَيْضا قَوْله: فَإِن غُمَّ عَلَيْكُم فعدوا
ثَلَاثِينَ فَجعله لَا يجزيهم على غير رُؤْيَته أقل من ثَلَاثِينَ
فَفِي هَذَا مَا يبين لَك أَنه لَا يَجْزِي فِي شَيْء تِسْعَة وَعشْرين
إِلَّا أَن يكون ذَلِك على الرُّؤْيَة وَكَذَلِكَ لَو كَانَ عَليّ
رَجُل صَوْم شهر فِي نذر أَو كَفَّارَة فصامه مَعَ الرُّؤْيَة وَأفْطر
مَعهَا فَكَانَ الشَّهْر تسعا وَعشْرين أَجزَأَهُ وَإِن اعْترض
الشَّهْر لم يجزه أقل من ثَلَاثِينَ فَهَذَا وَمَا أشبهه على ذَا
وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ أصل لكل شَيْء من هَذَا الْبَاب. 40 / الف /
صلى دَرأ شرى درى وَقَالَ أَبُو
عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: صَلَاة الْقَاعِد على
النّصْف من صَلَاة الْقَائِم. قَالَ: كَانَ النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام شَرِيكي فَكَانَ
(1/336)
خير شريك لَا يدارئ وَلَا يُمَارِي وَفِي
حَدِيث سُفْيَان قَالَ قَالَ السَّائِب للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام:
كنتَ شَرِيكي فكنتَ خير شريك لَا تدارئ وَلَا تُمَارِي. قَوْله: صَلَاة
الْقَاعِد على النّصْف من صَلَاة الْقَائِم إِنَّمَا مَعْنَاهُ وَالله
أعلم على التَّطَوُّع خَاصَّة من غير عِلّة من مرض وَلَا سواهُ وَلَا
تدخل الْفَرِيضَة فِي هَذَا الحَدِيث لِأَن رجلا لَو صلى الْفَرِيضَة
قَاعِدا أَو نَائِما وَهُوَ لَا يقدر إِلَّا على ذَلِك كَانَت صلَاته
تَامَّة مثل صَلَاة الْقَائِم إِن شَاءَ اللَّه لِأَنَّهُ من عذر وَإِن
صلاهَا من غير عذر قَاعِدا أَو نَائِما لم يجزه الْبَتَّةَ وَعَلِيهِ
الْإِعَادَة وهَذَا وَجه الحَدِيث. وَأما قَوْله: لَا يدارئ وَلَا
يُمَارِي فَإِن المدارأة هَهُنَا مَهْمُوز من دارأت وَهِي المشاغبة
والمخالفة على صَاحبك. وَمِنْهَا قَول اللَّه عز وَجل {وَإِذْ
قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيْهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ} يَعْنِي
اخْتلَافهمْ فِي الْقَتِيل. وَمن ذَلِك حَدِيث إِبْرَاهِيم أَو
الشَّعْبِيّ شكّ أَبُو عُبَيْد فِي المختلعة
(1/337)
إِذا كَانَ الدرء من قبلهَا فَلَا بَأْس
أَن يَأْخُذ مِنْهَا. والمحدثون يَقُولُونَ: هُوَ الدرو بِغَيْر همزَة
وَإِنَّمَا هُوَ الدرء من درأت فَإِذا كَانَ الدرء من قبلهَا فَلَا
بَأْس أَن يَأْخُذ مِنْهَا وَإِن كَانَ من قبله فَلَا نَأْخُذ يَعْنِي
بالدرء النُّشُوز والاعوجاج وَالِاخْتِلَاف وكل من دَفعته عَنْك فقد
درأته وَقَالَ أَبُو زبيد يرثي ابْن أَخِيه: [الْخَفِيف]
كَانَ عني يرد درأك بعدَ ... الله شغب المستضعف المريد ... يَعْنِي
دفعك. وَفِي حَدِيث آخر قَالَ للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: كَانَ [لَا
-] يشاري وَلَا يُمَارِي. فالمشاراة: الملاجة يُقَال للرجل: قد استشرى
إِذا لج فِي الشَّيْء وَهُوَ شَبيه بالمدارأة.
(1/338)
وَأما المدارأة فِي حسن الْخلق والمعاشرة
مَعَ النَّاس فَلَيْسَ من هَذَا هَذَا غير مَهْمُوز وَذَلِكَ مَهْمُوز
وَزعم الْأَحْمَر أَن مداراة النَّاس تهمز وَلَا تهمز قَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ: وَالْوَجْه عندنَا ترك الْهَمْز.
قتت نمم نمى وَقَالَ أَبُو عبيد:
فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: لَا يدْخل الْجنَّة قَتَّاتٌ.
قَالَ الْكسَائي وَأَبُو زَيْدُ أَو أَحدهمَا: قَوْله: قَتَّات يَعْنِي
النمام يُقَال مِنْهُ: فلَان يَقُتّ الْأَحَادِيث قتا أَي يَنِمِهّا
نما. [و -] قَالَ الْأَصْمَعِي فِي الَّذِي ينمي الْأَحَادِيث: هُوَ
مثل القَتَّات إِذا كَانَ بلغ هَذَا عَن هَذَا على وَجه الْإِفْسَاد
والنميمة يُقَال مِنْهُ: نميت مُشَدّدَة تنمية مُخَفّفَة فَأَنا أنميه
وَإِن كَانَ إِنَّمَا يبلغ الحَدِيث
(1/339)
على وَجه الْإِصْلَاح وَطلب الْخَيْر
يُقَال مِنْهُ: نَمَيت الحَدِيث إِلَى فلَان مُخَفّفَة فَأَنا أنميه.
لَيْسَ بالكاذب من أصلح بَين النَّاس فَقَالَ خيرا ونمي خيرا يَعْنِي
أبلغ وَرفع وكل شَيْء رفعته فقد نّمَيته وَمِنْه قَول النَّابِغَة:
[الْبَسِيط]
فعد عَمَّا ترى إِذْ لَا ارتجاع لَهُ ... وانَّمِ القُتود على عيرانَةٍ
اُجُدِ
وَلِهَذَا قيل: نمي الخِضاب فِي الْيَد وَالشعر وَإِنَّمَا هُوَ
ارْتَفع وَعلا فَهُوَ ينمي وَزعم بعض النَّاس أَن يَنْمُو لُغَة.
وَبَلغنِي عَن سُفْيَان بْن عُيَيْنَة 41 / ب أَنه قَالَ: لَو أَن /
رجلا اعتذر إِلَى رَجُل فحرف الْكَلَام وَحسنه ليرضيه بذلك لم يكن
كَاذِبًا بِتَأْوِيل الحَدِيث لَيْسَ بالكاذب من أصلح بَين النَّاس
فَقَالَ خيرا ونمي خيرا قَالَ: فإصلاحه فِيمَا بَينه وَبَين صَاحبه
(1/340)
أفضل من إصْلَاح مَا بَين النَّاس. وَقَالَ
أَبُو عُبَيْد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نهى عَن
كسب الزَمَّارة. قَالَ الْحجَّاج: الزمارة الزَّانِيَة
زمر رمز قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
فمعني قَوْله هَذَا مثل قَوْله [أَنه -] نهى عَن مهر الْبَغي
وَالتَّفْسِير فِي الحَدِيث وَلم أسمع هَذَا الْحَرْف إِلَّا فِيهِ
وَلَا أَدْرِي من أَي شَيْء اُخِذ وَقَالَ بَعضهم: الرمازة وَهَذَا
عِنْدِي خطأ فِي هَذَا الْموضع أما الرمازة فِي حَدِيث آخر وَذَلِكَ
أَن مَعْنَاهَا مَأْخُوذ من الرَّمْز وَهِي الَّتِي تؤمئ بشفتيها أَو
بعينيها فَأَي كسب لَهَا هَهُنَا يُنْهِي عَنْهُ وَلَا وَجه للْحَدِيث
إِلَّا مَا قَالَ الْحجَّاج الزمارة
(1/341)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا عندنَا أثبت
مِمَّن خَالفه إِنَّمَا نهى رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم
عَن كسب الزَّانِيَة وَبِه نزل الْقُرْآن فِي قَوْله {وَلاَ
تُكْرِهُوْا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ اِنْ اَرَدْنَ تَحَصُّنَا
لَتَبْتَغُوْا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيَا} فَهَذَا العَرَض هُوَ
الْكسْب وَهُوَ مهر الْبَغي وَهُوَ الَّذِي جَاءَ فِيهِ النَّهْي
وَهُوَ كسب الْأمة كَانُوا يُكرهون فتياتهم على الْبغاء ويأكلون
كَسْبهنَّ
(1/342)
حَتَّى أنزل اللَّه [تبَارك وَتَعَالَى -]
فِي ذَلِك النَّهْي حَدَّثَنِي يحيى بْن سَعِيد عَن الْأَعْمَشُ عَن
أبي سُفْيَان عَن جَابر قَالَ: كَانَت أمة لعبد اللَّه بْن أبي وَكَانَ
يُكرهها على الزِّنَا فَنزل قَوْله {وَلاَ تُكْرِهُوْا فَتَيَاتِكُمْ
عَلَى الْبِغَآءِ اِنْ اَرَدْنَ تَحَصُّنَا لَتَبْتَغُوْا عَرَضَ
الْحَياةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَاِنَّ اللَّهَ مِنْ
بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ غَفوْرٌ رَّحِيْمٌ} . قَالَ أَبُو عبيد: فالمغفرة
لَهُنَّ لَا للموالي [قَالَ -] وحَدثني
(1/343)
إِسْحَاق الْأَزْرَق عَن عَوْف عَن
الْحَسَن فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: لَهُنَّ وَالله لَهُنَّ وَالله
لَهُنَّ وَالله.
عَصا وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: لَا
ترفع عصاك عَن أهلك. قَالَ
الْكسَائي وَغَيره: يُقَال: إِنَّه لم يرد الْعَصَا الَّتِي يضْرب بهَا
وَلَا أَمر أحدا قطّ بذلك وَلكنه أَرَادَ الْأَدَب. قَالَ أَبُو عبيد:
وأصل الْعَصَا الِاجْتِمَاع والائتلاف وَمِنْه قيل للخوارج: قد شَقُّوا
عَصا الْمُسلمين أَي فرقوا جَمَاعَتهمْ وَكَذَلِكَ قَول صلَة بْن
أَشْيَم لأبي السَّلِيل: إياك وقتيل الْعَصَا يَقُول: إياك أَن تكون
قَاتلا أَو مقتولا فِي شَقِّ عَصا الْمُسلمين وَمِنْه قيل للرجل إِذا
أَقَامَ بِالْمَكَانِ وَاطْمَأَنَّ بِهِ وَاجْتمعَ إِلَيْهِ أمره: قد
ألقىعصاه وَقَالَ الشَّاعِر: [الطَّوِيل]
فَأَلْقَت عصاها واستقرت بهَا النَّوَى ... كَمَا قر عينا بالإياب
الْمُسَافِر
(1/344)
وَكَذَلِكَ يُقَال [أَيْضا -] : ألقِي
أرواقه وَألقى بوانيه. فَكَانَ وَجه الحَدِيث أَنه أَرَادَ بقوله: لَا
ترفع عصاك عَن أهلك أَي امنعهم من الْفساد وَالِاخْتِلَاف وأدَّبهم
وَقد يُقَال للرجل إِذا كَانَ رَفِيقًا حسن السياسة لما ولي: إِنَّه
للين الْعَصَا قَالَ معن بْن أَوْس الْمُزنِيّ يذكر مَاء وإبلا:
[الطَّوِيل]
عَلَيْهِ شَرِيبٌ وادعٌ ليّنُ الْعَصَا ... يساجلها جُمَّاتِه
وتُساجِلُهْ
الجمات فِي مَوضِع النصب الرجل يساجل الرجل [المَاء -] وَالْإِبِل
تساجله فِي الشّرْب / والسجل الدَّلْو فِيهَا المَاء والذنُوب مثله
وَإِنَّمَا 41 / الف ذكر مَاء وإبلا ورجلا يقوم عَلَيْهَا فَقَالَ
هَذَا وَلَا يكون سجلا وَلَا ذَنوبا حَتَّى يكون فِيهَا مَاء.
(1/345)
ضفف
شظف وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه
لم يشبَع من لحم وخُبزِ إِلَّا على ضَفَفٍ وَبَعْضهمْ يَقُول: شَظَفٍ
إِلَّا أَن ابْن كثير قَالَ: ضَفَفٍ. قَالَ أَبُو زَيْدُ: يُقَال فِي
الضفف والشظف جَمِيعًا إنَّهُمَا الضّيق والشدة يَقُول: لم يشْبع
إِلَّا بِضيق وَقلة وَقَالَ ابْن الرّقاع:
[الْكَامِل]
وَلَقَد أصَبْتُ من المعيشةِ لَذَّةً ... ولقيتُ فِي شَظَفِ الأمورِ
شدادَها
وَيُقَال فِي الضفف قَول آخر قَالُوا: هُوَ اجْتِمَاع النَّاس يَقُول:
لم يَأْكُل وَحده وَلَكِن مَعَ النَّاس قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال:
هَذَا مَاء مضفوف وَهُوَ الَّذِي قد كَثَر عَلَيْهِ النَّاس قَالَ
أَبُو عبيد قَالَ الشَّاعِر:
(1/346)
[الرجز]
لَا يَسْتَقي فِي النَّزَحِ الْمَضْفُوْفِ ... إِلَّا مُداراتُ
الغُروبِ الجُوْفِ
فالنَزّح: المَاء الْقَلِيل والغُروب: الدلاء الَّتِي تستقي بهَا على
الْإِبِل والجوف العِظام الأجواف قَالَ الْأَصْمَعِي: وَيُقَال أَيْضا:
مَاء مَشْفُوهٌ إِذا كثر عَلَيْهِ النَّاس وَمَاء مثمود [كَذَلِك
أَيْضا -] إِذا كَثُرُوا عَلَيْهِ حَتَّى ينفدوه إِلَّا أقلة وَمِنْه
قيل: رَجُل مثمود إِذا أَكثر النِّكَاح حَتَّى ينزف.
بَلل وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام:
بُلّوا أَرْحَامكُم وَلَو بِالسَّلَامِ. قَالَ أَبُو عَمْرو وَغَيره:
يُقَال: بَلَلْتُ رحمي أبلها بِلَا وبلالا -
(1/347)
إِذا وصلتها وندبتها بالصلة وَإِنَّمَا
شبهت قطيعة الرَّحِم بالحرارة تطفأ بالبرد [كَمَا -] قَالُوا: سقيته
شربة بردتُ بهَا عطشه يُقَال: كَانَ الصَلة هِيَ الْبرد والحرارة هِيَ
القطيعة قَالَ الْأَعْشَى: [الْكَامِل]
أَمَّا لطالِبِ نِعمةٍ تَمَّمْتَها ... وَوِصال رحمٍ قد بردتَ
بِلالَهَا
وَفِي هَذَا الحَدِيث [من الْعلم -] أَنه جعل السَّلَام صِلَة وَإِن لم
يكن بر غَيره.
بوق وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: لَا يدْخل الْجنَّة من لَا يَأْمَن جارهُ
بوائقَه. قَالَ الْكسَائي وَغَيره: بوائقُه غوائله وشره ويُقَال
للداهية
(1/348)
[و -] البَلِيَّة تنزل بالقوم: قد
أَصَابَتْهُم بائقةٌ. وَمِنْه الحَدِيث الآخر فِي الدُّعَاء: أعوذ بك
من بوائق الدَّهْر ومصيبات اللَّيَالِي وَالْأَيَّام. قَالَ الْكسَائي:
باقَتْهم البائقة فِهي تَبُوقُهم بَوْقَا وَمثله: فَقَرَتْهم الفاقِرة
وصَلَّتْهم الصَّالَّة [بمعناها -] وَيُقَال: رَجُل صِلُّ إِذا كَانَ
داهيا ومُنكَرا إِنَّمَا شبه الصل بالحية.
سِكَك وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام:
خير المَال سِكّة مأبورة وفَرَس مأمورة وَبَعْضهمْ يَقُول: مُهرة
مأمورة. وَأما قَوْله: سِكّة مأبورة فَيُقَال: هِيَ الطَّرِيقَة
المستوية المصطفة من النّخل وَيُقَال: إِنَّمَا سميت الأزِقَّة سِكَكاً
لاصطفاف الدّور فِيهَا كطرائق النّخل. وَأما الْمَأْبُورَة فَهِيَ
الَّتِي قد لُقِّحت
أبر أَمر قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
يُقَال: لُقِحت للواحدة خَفِيفَة ولقِّحت للْجَمِيع بالتثقيل إِذْ
كَانَ جمَاعَة شدد وخفف
(1/349)
وَإِذا كَانَ وَاحِدًا لم يكن إِلَّا
بِالتَّخْفِيفِ وأبرت بِالتَّشْدِيدِ ويُقَال: أَبَرْتُ النّخل فَأَنا
أبرِها [أْبرا -] وَهِي نخل مأبورة. وَمِنْه الحَدِيث الْمَرْفُوع: من
بَاعَ نخلا قد أُبِّرت فثمرتها للْبَائِع إِلَّا أَن يشْتَرط
الْمُبْتَاع. وَيُقَال أَيْضا: ائتبرت عيري إِذا سَأَلْتُهُ أَن يأبُر
لَك نخلك وَكَذَلِكَ الزَّرْع قَالَ طرفَة: [الرمل]
وَلِيَ الأصلُ الَّذِي فِي مثله ... يُصلِحُ الآبِرَ زَرْع المؤتبر
41 - / ب فالآبر: / الْعَامِل والمؤتبر: رب الزَّرْع والمأبور:
الزَّرْع وَالنَّخْل الَّذِي قد لقح. فَأَما الْفرس أَو المُهرة
الْمَأْمُورَة فَإِنَّهَا الْكَثِيرَة النِّتَاج وفيهَا لُغَتَانِ:
أمرهَا الله فَهِيَ مأمورة وآمرها فَهِيَ مؤمرة وَقد قَرَأَ بَعضهم:
(1/350)
{وَإِذَاَ أَرَدْنَا أَنْ نُّهْلِكَ
قَرْيَةً اَمَرْنَا مُتْرَفِيْهَا} غير مَمْدُود فقد يكون هَذَا من
الْأَمر يرْوى عَن الْحَسَن أَنه فَسرهَا: أمرناهم بِالطَّاعَةِ فعصوا.
وَقد يكون أمَرْنا [بِمَعْنى -] أكثرنا على قَوْله: فرس مأمورة وَمن
قَرَأَهَا: آمَرْنا فَمدَّهَا فَلَيْسَ مَعْنَاهَا إِلَّا أكثرنا عَليّ
قَوْله: فرس مأمورة وَمن قَرَأَهَا َامّرنا مُشَدّدَة فَهُوَ من
التسليط يَقُول: سَلّطنا وَيُقَال فِي الْكَلَام قد آمُر الْقَوْم
يأمرون إِذا كَثُرُوا وَهُوَ من قَوْله: فرس مأمورة. وَأهل الْحجاز
يؤنثون النّخل وَأهل الحَدِيث يُذَكِّرون وَكَذَلِكَ الشّعير فَإِذا
قَالُوا: نخيل لم يَخْتَلِفُوا فِي التَّأْنِيث وَالتَّمْر والسِّدر
وَكلما كَانَ جمعه على لفظ الْوَاحِد
(1/351)
|