غريب الحديث للقاسم بن سلام بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وتر وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: قَلَّدوا الخيلَ وَلَا تقلدوها الأوتار.
[قَالَ: و -] بَلغنِي عَن النَّضر بن شُمَيْل أَنه قَالَ: عرضت الْخَيل
على عبيد الله بْن زِيَاد فمرت بِهِ خيل بني مَازِن فَقَالَ عبيد الله:
إِن هَذِه لخيل قَالَ: والأحنف بن قيس جَالس فَقَالَ: إِنَّهَا لخيل
لَو كَانُوا يضربونها وعَلى الأوتار فَقَالَ فلَان بْن مشجعَة
الْمَازِنِيِّ قَالَ: لَا أعلمهُ إِلَّا قَالَ خَيْثَمَة وَقَالَ بعض
النَّاس: يَقُول هَذَا الَّذِي رد على الْأَحْنَف فلَان بْن الهلقم أما
يَوْم قتلوا إياك فقد ضربوها على الأوتار فَلم يسمع للأحنف سقطة
غَيرهَا.
(2/1)
فَمَعْنَى الأوتار هَهُنَا: الذحول يَقُول:
لَا يطْلبُونَ عَلَيْهَا الذحول الَّتِي وتروا بهَا فِي
الْجَاهِلِيَّة. قَالَ أَبُو عبيد: هَذَا معنى يذهب إِلَيْهِ بعض
النَّاس أَن النَّبِيّ صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ لَا
تَطْلُبُوا عَلَيْهَا الذحول وَغير هَذَا الْوَجْه أشبه عِنْدِي
بِالصَّوَابِ قَالَ: سَمِعت مُحَمَّد بْن الْحَسَن يَقُول: إِنَّمَا
مَعْنَاهَا أوتار القسي وَكَانُوا يقلدونها تِلْكَ فتختنق يُقَال: لَا
تقلدوها بهَا وَمِمَّا يصدق ذَلِك حَدِيث هُشَيْمٌ عَن أبي بشر عَن
سلمَان الْيَشْكُرِي عَن جَابِر أَن النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام أَمر
أَن تقطع الأوتار من أَعْنَاق الْخَيل. قَالَ [أَبُو عبيد -] وَبَلغنِي
عَن مَالك بْن أنس [أَنه -] قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يفعل ذَلِك [بهَا -]
مَخَافَة الْعين عَلَيْهَا. [قَالَ -] : حَدَّثَنِيهِ عَنْهُ أَبُو
الْمُنْذر الوَاسِطِيّ: يَعْنِي أَن النَّاس كَانُوا يقلدونها لِئَلَّا
تصيبها الْعين فَأمره النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بقطعها يعلمهُمْ أَن
الأوتار لَا ترد من أَمر اللَّه شَيْئا وَهَذَا أشبه بِمَا كره من
التمائم.
(2/2)
بيع وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: لَا يخْطب الرجل على خطْبَة أَخِيه وَلَا
يَبِيع على بَيْعه. قَالَ: أَحْسبهُ قَالَ: إِلَّا بِإِذْنِهِ. قَالَ:
كَانَ أَبُو عُبَيْدة وَأَبُو زَيْدُ وَغَيرهمَا من أهل الْعلم
يَقُولُونَ: إِنَّمَا النهى فِي قَوْله: لَا يَبِيع على
بيع أَخِيه إِنَّمَا هُوَ لَا يشتر
علىشراء أَخِيه فَإِنَّمَا وَقع النهى على المُشْتَرِي لَا على
البَائِع لِأَن الْعَرَب تَقول: بِعْت الشَّيْء بِمَعْنى اشْتَرَيْته
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَيْسَ للْحَدِيث عِنْدِي وَجه إِلَّا هَذَا
لِأَن البَائِع لَا يكَاد يدْخل علىالبائع وهَذَا فِي مُعَاملَة
النَّاس قَلِيل وَإِنَّمَا
(2/3)
الْمَعْرُوف أَن يعْطى الرجل بسلعته شَيْئا
فَيَجِيء آخر فيزيد عَلَيْهِ وَمِمَّا يبين ذَلِك مَا تكلم النَّاس
فِيهِ من بيع من يزِيد حَتَّى خَافُوا كَرَاهَته فَقَالَ: كَانُوا
يتبايعون بِهِ فِي مغازيهم فقد علم أَنه فِي بيع من يزِيد 42 / الف /
إِنَّمَا يدْخل المشترون بَعضهم على بعض فَهَذَا يبين لَك أَنهم طلبُوا
الرُّخْصَة فِيهِ لِأَن الأَصْل إِنَّمَا هُوَ على المشترين. قَالَ:
وحَدَّثَنِي عَليّ بْن عَاصِم عَن أَخْضَر بْن عجلَان عَن أَبِي بَكْر
الْحَنَفِيّ عَن أنس أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بَاعَ قدح رَجُل
وحلسه فِيمَن يزِيد. 13 فَقَالَ أَبُو عُبَيْد 13: فَإِنَّمَا
الْمَعْنى هَهُنَا أَيْضا المشترين. وَمثله أَنه نهى عَن الْخطْبَة
كَمَا نهى عَن البيع فقد علمنَا
(2/4)
أَن الْخَاطِب إِنَّمَا هُوَ طَالِب
بِمَنْزِلَة المُشْتَرِي فَإِنَّمَا وَقع النهى على الطالبين دون
الْمَطْلُوب إِلَيْهِم وَقد جَاءَ فِي أشعار الْعَرَب أَن قَالُوا
للْمُشْتَرِي: بَائِع [قَالَ -] : أَخْبرنِي الْأَصْمَعِي أَن جرير بْن
الخطفي كَانَ ينشد لطرفة بْن العَبْد:
[الطَّوِيل]
غدٌ مَا غدٌ مَا أقرب اليومَ من غدٍ ... سيأتِيْك بِالأنْبَاء مَنْ
لَمْ تُزَوِّدِ
سيأتِيَك بالأنْبَاء مَنْ لمْ تَبِعْ لَه ... بَتَاتاً وَلّمْ تَضْرِبْ
لَهُ وَقْتَ مَوْعِدِ ... قَوْله: لم تبع لَهُ بتاتا أَي لم يشتر لَهُ
وَقَالَ الحطيئة: [الطَّوِيل]
وبَاعَ بَنيةِ بَعْضُهُمْ بِخَسَارَةٍ ... وبِعتَ لِذُبيان العلاءَ
بمالكا ... فَقَوله: بَاعَ بنيه بَعضهم بخسارة وَهُوَ من البيع فَهُوَ
يذمه [بِهِ -]
(2/5)
وَقَوله: بِعْت لذبيان الْعَلَاء بمالكا.
مَعْنَاهُ اشْتريت لقَوْمك الْعَلَاء أَي الشّرف بِمَالك. قَالَ:
وَبَلغنِي عَن مَالك بْن أنس أَنه قَالَ: إِنَّه نهى أَن يخْطب الرجل
على خطْبَة أَخِيه إِذا كَانَ كل وَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ قد رَضِيَ
من صَاحبه وركن إِلَيْهِ وَيُقَال: رَكَنَ يرِكُن فَأَما قبل الرضى
فَلَا بَأْس أَن يخطبها من شَاءَ.
خير وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: تَخَيَّرُوْا لِنُطَفِكُمْ. قَوْله:
تخَيرُوا لنُطَفِكُمْ يَقُول: لَا تجْعَلُوا نطفكم إِلَّا فِي طَهَارَة
إِلَّا أَن تكون الْأُم يَعْنِي أم الْوَلَد لغير رشدة وَأَن تكون فِي
نَفسهَا كَذَلِك. وَمِنْه الحَدِيث الآخر أَنه نهى أَن يسترضع بِلَبن
الْفَاجِرَة وَمِمَّا يُحَقّق ذَلِك حَدِيث عُمَر بن الْخطاب أَن
اللَّبن تشبه عَلَيْهِ وَقد رُوِيَ ذَلِك عَن عمر ابْن عَبْد الْعَزِيز
أَيْضا فَإِذا كَانَ ذَلِك يَتَّقِي فِي الرَّضَاع من غير قرَابَة
وَلَا نسب فَهُوَ فِي الْقَرَابَة أَشد وأوكد.
(2/6)
عضى
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: لَا
تعضية فِي مِيرَاث إِلَّا إِذا حمل الْقسم. قَوْله: لَا تعضية فِي
مِيرَاث يَعْنِي أَن يَمُوت الرجل ويدع شَيْئا إِن قسم بَين ورثته إِذا
أَرَادَ بَعضهم الْقِسْمَة كَانَ فِي ذَلِك ضَرَر عَلَيْهِ يَقُول:
فَلَا يقسم ذَلِك والتعضية: التَّفْرِيق وَهُوَ مَأْخُوذ من
الْأَعْضَاء يَقُول: عضيت اللَّحْم إِذا فرقته. ويروى عَن ابْن عَبَّاس
رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي قَوْله {اَلَّذِيْنَ جَعَلُوا القُرْآنَ
عِضِيْنَ} : رجال آمنُوا بِبَعْضِه وَكَفرُوا بِبَعْضِه. وَهَذَا من
التعضية أَيْضا أَنهم فرقوا وَالشَّيْء الَّذِي لَا يحْتَمل الْقِسْمَة
مثل الْحبَّة من الْجَوْهَر وَأَنَّهَا إِذا فرقت لم ينْتَفع بهَا
وَكَذَلِكَ الْحمام يقسم وَكَذَلِكَ الطيلسان من الثِّيَاب وَمَا أشبه
ذَلِك وَهَذَا بَاب جسيم من الحكم وَيدخل فِيهِ الحَدِيث الآخر: لَا
ضَرَر وَلَا ضرار فِي الْإِسْلَام. فَإِن أَرَادَ بعض الْوَرَثَة قسم
ذَلِك دون بعض لم يجب إِلَيْهِ وَلكنه يُبَاع وَيقسم ثمنه.
عمى وصع وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام حِين سَأَلَهُ أَبُو رزين
الْعقيلِيّ: أَيْنَ كَانَ رَبنَا قبل أَن يخلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض
فَقَالَ: كَانَ فِي
(2/7)
عماء تَحْتَهُ هَوَاء وفوقه هَوَاء.
قَوْله: فِي عماء فِي كَلَام الْعَرَب السَّحَاب الْأَبْيَض قَالَ
الْأَصْمَعِي وَغَيره: هُوَ مَمْدُود وَقَالَ الْحَارِث بن حلزة
الْيَشْكُرِي: [الْخَفِيف]
وكأنَّ المَنُوْنَ تَردِىْ بِنَا أع ... صمٍ يَنجاب عَنْهُ العماءُ
يَقُول: هُوَ فِي ارتفاعه قد بلغ السَّحَاب ينشق عَنْهُ يَقُول: نَحْنُ
فِي عزنا 42 / ب مثل الأعصم / فالمنون إِذا أرادتنا فَكَأَنَّمَا
تُرِيدُ أعصم قَالَ زُهَيْر يذكر ظباء وبقرا: [الوافر]
يَشِمْنَ بُرُوْقَهُ وَيَرُشّ أرْىَ الْ ... جَنُوْبِ على حواجبها
العماء
(2/8)
وَإِنَّمَا تأولنا هَذَا الحَدِيث عل
كَلَام الْعَرَب الْمَعْقُول عَنْهُمْ وَلَا نَدْرِي كَيفَ كَانَ ذَلِك
العماء وَمَا مبلغه وَالله أعلم وَأما الْعَمى فِي الْبَصَر فَإِنَّهُ
مَقْصُور وَلَيْسَ هُوَ من معنى هَذَا الحَدِيث فِي شَيْء. وَقَالَ
أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: إِن الْعَرْش على
منْكب إسْرَافيل وَإنَّهُ ليتواضع لله حَتَّى يصير مثل الْوَصع. يُقَال
فِي الْوَصع: إِنَّه الصَّغِير من أَوْلَاد العصافير وَيُقَال: هُوَ
طَائِر صَغِير يشبه بالعصفور الصَّغِير فِي صغر جِسْمه.
دَعَا وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَن
رجلا حلب عِنْده نَاقَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام:
دَعْ دَاعِيَ اللَّبن.
(2/9)
قَوْله: دع دَاعِي اللَّبن يَقُول: أبق فِي
الضَّرع قَلِيلا لَا تستوعبه كُله فِي الْحَلب فَإِن الَّذِي تبقيه
فِيهِ يَدْعُو مَا فَوْقه من اللَّبن فينزله وَإِذا استنفض كل مَا فِي
الضَّرع أَبْطَأَ عَلَيْهِ الدّرّ بعد ذَلِك.
نجش در وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: لَا تَنَاجَشُوا وَلَا
تَدَابَرُوا. قَوْله: لَا تناجشوا هُوَ فِي البيع أَن يزِيد الرجل فِي
ثمن السّلْعَة وَهُوَ لَا يُرِيد شراءها وَلَكِن ليسمعه غَيره فيزيد
على زِيَادَته. وَهُوَ الَّذِي يرْوى فِيهِ عَن عَبْد اللَّه بن أَبِي
أوفى قَالَ: الناجش آكل رَبًّا خائن. وَأما التدابر فالمصارمة والهجران
مَأْخُوذ من أَن يولي الرجل صَاحبه دبره ويعرض عَنهُ بِوَجْهِهِ وَهُوَ
الْقَاطِع وَقَالَ حمرَة بن مَالك الصدائي يُعَاتب قَوْله: [الطَّوِيل]
أأوصي أَبُو قَيْسٍ بِأَن تَتَواصَلُوا ... وأوصَى أبُوكُمْ ويْحَكُم
أَن تدابروا
(2/10)
مرا
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي [حَدِيث] النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه
قَالَ: لَا تماروا فِي الْقُرْآن فَإِن مراء فِيهِ كفر. وَجه الحَدِيث
عندنَا لَيْسَ عَليّ الِاخْتِلَاف فِي التَّأْوِيل وَلكنه عندنَا على
الِاخْتِلَاف فِي اللَّفْظ على أَن يقْرَأ الرجل الْقِرَاءَة على حرف
فَيَقُول لَهُ الآخر: لَيْسَ هَكَذَا وَلكنه كَذَا على خِلَافه وَقد
أنزلهما اللَّه جَمِيعًا يعلم ذَلِك فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام أَنه قَالَ: إِن الْقُرْآن نزل على سَبْعَة أحرف كل حرف
مِنْهَا كَاف شاف وَمِنْه حَدِيث عَبْد الله بْن مَسْعُود: إيَّاكُمْ
وَالِاخْتِلَاف والتنطع فَإِنَّمَا هُوَ كَقَوْل أحدكُم هَلُمَّ وتعال.
فَإِذا جحد هَذَانِ الرّجلَانِ كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا قَرَأَ صَاحبه
لم يُؤمن أَو قَالَ: يَقْمَنَ أَن يكون ذَلِك قد أخرجه إِلَيّ الْكفْر
لهَذَا الْمَعْنى. وَمِنْه حَدِيث عُمَر فَاه عُمَر مُعَاذِ بْن
مُعَاذِ عَن ابْن عون عَن أَبِي عِمْرَانَ الْجونِي عَن عَبْد اللَّه
بْن الصَّامِت
(2/11)
عَن عمر قَالَ: أقرؤا القُرْآنَ مَا
اتّفَقْتُمْ فَإِذا اخْتَلَفْتُمْ فقومُوا عَنْهُ. وفاه حجاج عَن
حَمَّاد بْن زَيْدُ عَن أَبِي عمرَان عَن جُنْدُب بن عَبْد اللَّه أَنه
قَالَ مثل ذَلِك وَمِنْه حَدِيث أبي الْعَالِيَة فَاه حَدَّثَنَا ابْن
علية عَن شُعَيْب بْن الحبحاب عَن أَبِي الْعَالِيَة الريَاحي: أَنه
كَانَ إِذا قَرَأَ عِنْده إِنْسَان لم يقل: ليسه هَكَذَا وَلَكِن
يَقُول: أما أَنا فأقرأ هَكَذَا قَالَ شُعَيْب: فَذكرت ذَلِك
لإِبْرَاهِيم [فَقَالَ -] : أرِي صَاحبك قد سمع أَنه من كفر بِحرف فقد
كفر بِهِ كُله.
طلع وَقَالَ أَبُو عبيد فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ: مَا نزل من الْقُرْآن آيَة
إِلَّا لَهَا ظهر وبطن ولِكلّ حَرْفٍ حد ولِكُلّ حد مطلع. فَقلت: يَا
أَبَا سعيد مَا المطلع قَالَ: يطلع قوم يعْملُونَ بِهِ
ظهر قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فأحسب
قَول الْحَسَن هَذَا إِنَّمَا ذهب بِهِ إِلَى قَول عَبْد اللَّه بْن
مَسْعُود فِيهِ حَدَّثَنِي حجاج عَن شُعْبَة عَن عَمْرو بْن مرّة عَن
عَبْد اللَّه قَالَ: مَا من حرف أَو قَالَ آيَة إِلَّا وَقد عمل بهَا
قوم أَو لَهَا قوم سيعملون بهَا فَإِن كَانَ الْحَسَن ذهب إِلَى هَذَا
فَهُوَ وَجه وَإِلَّا كَانَ المطلع فِي كَلَام الْعَرَب على غير هَذَا
43 / الف الْوَجْه / وَقد فسرناه فِي مَوضِع آخر وَهُوَ المأتى الَّذِي
يُؤْتى مِنْهُ حَتَّى يعلم علم الْقُرْآن من كل ذَلِك المأتى والمصعد.
(2/12)
وَأما قَوْله: لَهَا ظهر وبطن فَإِن
النَّاس قد اخْتلفُوا فِي تَأْوِيله يرْوى بطن عَن الْحسن أَنه سُئِلَ
عَن ذَلِك فَقَالَ: أَن الْعَرَب يَقُول: قد قلبت أَمْرِي ظهرا لبطن.
وَقَالَ غَيره: الظّهْر لفظ الْقُرْآن والبطن تَأْوِيله. وَفِيه قَول
ثَالِث وَهُوَ عِنْدِي أشبه الْأَقَاوِيل بِالصَّوَابِ وَذَلِكَ أَن
اللَّه عز وَجل قد قصّ عَلَيْك من نبأ عَاد وَثَمُود وَغَيرهمَا من
الْقُرُون الظالمة لأنفسها فَأخْبر بِذُنُوبِهِمْ وَمَا عاقبهم بهَا
فَهَذَا هُوَ الظّهْر إِنَّمَا هُوَ حَدِيث حَدثَك بِهِ عَن قوم فَهُوَ
فِي الظَّاهِر خبر وَأما الْبَاطِن مِنْهُ فَكَأَنَّهُ صير ذَلِك
الْخَبَر عظة لَك وتنبيها وتحذيرا أَن تفعل فعلهم فَيحل بك مَا حل بهم
من عُقُوبَته أَلا ترى أَنه لما أخْبرك عَن قوم لوط وفعلهم وَمَا أنزل
بهم أَن ذَلِك مِمَّا يبين ذَلِك أَن من صنع ذَلِك عُوقِبَ بِمثل
عقوبتهم وَهَذَا كَرجل قَالَ لَك: إِن السُّلْطَان أُتِي بِقوم قتلوا
فَقَتلهُمْ وَآخَرين سرقوا فقطعهم وَشَرِبُوا الْخمر فجلدهم فَهَذَا
الظَّاهِر إِنَّمَا هُو حَدِيث حَدثَك بِهِ وَالْبَاطِن أَنه قد وعظك
بذلك وأخبرك أَنه يفعل ذَلِك بِمن أذْنب تِلْكَ الذُّنُوب فَهَذَا هُوَ
الْبَطن على
(2/13)
مَا يُقَال وَالله أعلم.
منى وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: إِذا تمنى أحدكُم فليكثر فَإِنَّمَا
يسْأَل ربه. قَالَ أَبُو عُبَيْد: فقد جَاءَت فِي هَذَا الحَدِيث
الرُّخْصَة فِي التَّمَنِّي عَن النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام وَهِي
فِي التَّنْزِيل نهى قَالَ اللَّه تعالي {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا
فَضَّلَ اللهُ بِه بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ} وَلكُل وَجه غير وَجه
صَاحبه فَأَما التَّمَنِّي الْمنْهِي عَنْهُ فَأن يتَمَنَّى الرجل مَال
غَيره أَن يكون ذَلِك لَهُ وَيكون صَاحبه خَارِجا مِنْهُ على وَجه
الْحَسَد من هَذَا وَالْبَغي عَلَيْهِ وَقد روى فِي بعض الحَدِيث مَا
يبين ذَلِك حَدَّثَنِي كثير بْن هِشَام عَن جَعْفَر بْن برْقَان عَن
مَيْمُون بْن مهْرَان قَالَ: مَكْتُوب فِي الْحِكْمَة أَو فِي مَا أنزل
على مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: لَا تتمن مَال جَارك وَلَا امْرَأَة
جَارك. فَهَذَا الْمَكْرُوه الَّذِي فسرنا وَأما الْمُبَاح فَأن يسْأَل
الرجل ربه فَهَذَا أمْنِيته من أَمر دُنْيَاهُ وآخرته. قَالَ أَبُو
عُبَيْد: فَجعل التَّمَنِّي هَهُنَا الْمَسْأَلَة وَهِي الأمنية
الَّتِي أذن فِيهَا لِأَن الْقَائِل إِذا قَالَ: لَيْت اللَّه
يَرْزُقنِي كَذَا وَكَذَا فَهُوَ تمني ذَلِك الشَّيْء أَن يكون لَهُ
أَلا ترَاهُ
(2/14)
يَقُول {وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِه} .
وَهَذَا تَأْوِيل الحَدِيث الَّذِي فِيهِ الرُّخْصَة.
صنا وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: إِن عَم الرجل صنو أَبِيهِ يَعْنِي أَن
أَصلهمَا وَاحِد فَأصل الصنو إِنَّمَا هُوَ النّخل فِي قَوْله تعالي
{صِنْوَاُن وَّغَيْرُ صِنْوَانٍ} الصنوان: الْمُجْتَمع وَغير الصنوان:
المفترق. وَفِي غير هَذَا الحَدِيث: هما النخلتان يخرجَانِ من أصل
وَاحِد فَشبه الأخوان بهما وَالْعرب تجمع الصَّنو صِنْوان والقِنْو
قنوان على لفظ اثْنَيْنِ بِالرَّفْع وَإِنَّمَا يفترقان بالإعراب لِأَن
نون الْإِثْنَيْنِ مخفوضة وَنون الْجمع يلْزمهَا الْإِعْرَاب على كل
وَجه.
حور وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: الزبير ابْن عَمَّتي وحواري من أمتِي.
يُقَال: إِن أصل هَذَا وَالله أعلم إِنَّمَا هُوَ من الحورايين
أَصْحَاب عِيسَى بن مَرْيَم صلوَات الله عَلَيْهِ وعَلى نَبينَا
وَإِنَّمَا سموا حواريين لأَنهم كَانُوا يغسلون الثِّيَاب [أَي]
يحورونها وَهُوَ التبييض. يُقَال: حورت الشَّيْء
(2/15)
إِذا بيضته وَمِنْه قيل: امْرَأَة حوارية
إِذا كَانَت بَيْضَاء قَالَ الشَّاعِر: [الطَّوِيل]
فَقل للحواريات يببكين غَيْرَنَا ... وَلاَ تَبْكِنَا إِلَّا
الْكِلاَبُ النَوابحُ
كَانَ أَبُو عُبَيْدة يذهب بالحواريات إِلَى نسَاء الْأَمْصَار دون أهل
الْبَوَادِي وَهَذَا عِنْدِي يرجع إِلَى ذَلِك الْمَعْنى لِأَن عِنْد
هَؤُلَاءِ من الْبيَاض مَا لَيْسَ عِنْد أُولَئِكَ من الْبيَاض فسماهن
حواريات لهَذَا فَلَمَّا كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام نَصره
هَؤُلَاءِ الحواريون فَكَانُوا شيعته وأنصاره دون النَّاس فَقيل: فعل
43 / ب الحواريون كَذَا / وَنَصره الحواريون بِكَذَا جرى هَذَا على
أَلْسِنَة النَّاس حَتَّى صَار مثلا لكل نَاصِر فَقيل: حوارِي إِذا
كَانَ مبالغا فِي نصرته تَشْبِيها بأولئك هَذَا كَمَا بلغنَا وَالله
أعلم وَهَذَا كَمَا قلت لَك: إِنَّهُم يحولون اسْم الشَّيْء إِلَى
غَيره إِذا كَانَ من شَبيه.
حلل وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: لَا يَمُوت لمُؤْمِن ثَلَاثَة أَوْلَاد
فَتَمَسهُ النَّار إِلَّا تَحِلَّة الْقسم.
(2/16)
قَوْله: تحل الْقسم يَعْنِي قَول اللَّه
تَعَالَى {وَإِنْ مّنْكُمْ إلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلى رَبِّكَ
حَتْماً مّقْضِيًّا} فَلَا يردهَا إِلَّا بِقدر مَا يبر اللَّه بِهِ
قسمه فِيهِ وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْعلم أصل للرجل يحلف: ليفعلن
كَذَا وَكَذَا فيفعل مِنْهُ جُزْءا دون جُزْء ليبر فِي يَمِينه
كَالرّجلِ يحلف: ليضربن مَمْلُوكه فيضربه ضربا دون ضرب فَيكون قد بر
فِي الْقَلِيل كَمَا يبر فِي الْكثير وَمِنْه مَا قصّ اللَّه تعالي من
نبأ أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام حِين حلف: ليضربن امْرَأَته مائَة
فَأمره اللَّه تعالي بالضغث وَلم يكن أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام
نَوَاه حِين حلف.
نخع خنع وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام إِن أنخع الْأَسْمَاء عِنْد اللَّه
أَن يتسمى الرجل باسم ملك الْأَمْلَاك وَبَعْضهمْ يرويهِ: إِن أخنع
الْأَسْمَاء عِنْد اللَّه. فَمن رَوَاهُ: أنخع أَرَادَ أقتل
الْأَسْمَاء وأهلكها لَهُ والنخع هُوَ الْقَتْل
(2/17)
الشَّديد وَمِنْه النخع فِي الذَّبِيحَة
أَن يجوز بِالذبْحِ إِلَى النخاع. وَمن روى: أخنع أَرَادَ أَشد
الْأَسْمَاء ذلًا وأوضعها عِنْد اللَّه إِذْ يُسمى بِملك الْأَمْلَاك
فَوَضعه ذَلِك عِنْد اللَّه. وَكَانَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة يُفَسر
قَوْله: ملك الْأَمْلَاك قَالَ: هُوَ مثل قَوْلهم: شاهان شاه أَي أَنه
ملك الْمُلُوك وَقَالَ غير سُفْيَان: بل هُوَ أَن يتسمى الرجل بأسماء
اللَّه كَقَوْلِه: الرَّحْمَن والجبار والعزيز قَالَ: فَالله هُوَ ملك
الْأَمْلَاك لَا يجوز أَن تسمى بِهَذَا الِاسْم غَيره وكلا
الْقَوْلَيْنِ لَهُ وَجه واللَّه أعلم.
طربل وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: إِذا مر أحدكُم بطربال مائل
فليسرع الْمَشْي. قَوْله: الطربال كَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَقُول: هَذَا
شَبيه بالمنظر من مناظر الْعَجم كَهَيئَةِ الصومعة وَالْبناء
الْمُرْتَفع قَالَ جرير: [الْكَامِل]
ألُويْ بهَا شذب العُرُوقِ مُشَذب ... فَكَأنَّما وَكَنَت عَلى طربال
(2/18)
فيص
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه
كَانَ يَقُول فِي مَرضه: الصَّلَاة وَمَا ملكت أَيْمَانكُم فَجعل
يتَكَلَّم وَمَا يفِيض بهَا لِسَانه. قَوْله: وَمَا يُفِيْصُ بهَا
لِسَانه يَقُول: وَمَا يبين بهَا كَلَامه يُقَال: مَا يفيص فلَان
بِكَلِمَة إِذا لم يقدر على أَن يتَكَلَّم بهَا بِبَيَان قَالَهَا
الْأَصْمَعِي وَغَيره.
مسح برر وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: تَمَسَّحُوْا بِالْأَرْضِ
فَإِنَّهَا بِكُم بَرَّة. قَوْله: تَمسحُوا يَعْنِي للصَّلَاة
عَلَيْهَا وَالسُّجُود يَعْنِي أَن تباشرها بِنَفْسِك فِي الصَّلَاة من
غير أَن يكون بَيْنك وَبَينه شَيْء يُصَلِّي عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا
هَذَا عندنَا عَليّ وَجه الْبر لَيْسَ على أَن من ترك ذَلِك كَانَ
تَارِكًا للسّنة وَقد رُوِيَ عَن النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام وَغَيره
من أَصْحَابه أَنه كَانَ يسْجد على الخُمْرَةِ فَهَذَا هُوَ الرُّخْصَة
وَذَلِكَ على وَجه الْفضل.
(2/19)
وَأما قَوْله فَإِنَّهَا بكم بَرَّةٌ
يَعْنِي أَنه مِنْهَا خلقهمْ وفيهَا معاشهم وَهِي بعد الْمَوْت كفاتهم
فَهَذَا وَأَشْبَاه لَهُ كثير من بر الأَرْض بِالنَّاسِ. وَقد تَأَول
بَعضهم قَوْله: تَمسحُوا بِالْأَرْضِ على التَّيَمُّم وَهُوَ وَجه حسن.
وَقد روى عَن عَبْد الله بْن مَسْعُود أَنه كره أَن يسْجد الرجل على
شَيْء دون الأَرْض وَلَكِن الرُّخْصَة فِي هَذَا أَكثر من الْكَرَاهَة.
حوب وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ يَدْعُو فِي دُعَائِهِ يَقُول:
رَبِّ تقبل تَوْبَتِي وأغسل حوبتي. 44 / الف قَوْله: حَوْبَتِيْ
يَعْنِي المأثم وَهُوَ من قَول اللَّه عز وَجل {إنَّهُ كَاَن حُوْباً
كَبِيْراً} / وكل مأثم حوب (حوب) وحوبة وَمِنْه الحَدِيث الآخر أَن
رجلا أَتَى إِلَى النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: إِنِّي
أَتَيْتُك لأجاهد مَعَك فَقَالَ: أَلَك حَوْبة فَقَالَ: نعم قَالَ:
فَفِيهَا فَجَاهد. يرْوى عَن أَشْعَث بْن عَبْد الرَّحْمَن عَن
الْحَسَن يرفعهُ قَوْله: حوبة يَعْنِي مَا تأثم فِيهِ إِن ضيعته من
حُرْمَة وَبَعض أهل الْعلم يتأوله على الْأُم خَاصَّة وَهِي عِنْدِي كل
حُرْمَة
(2/20)
تضيع إِن تركتهَا من أم أَو أُخْت أَو
بِنْت أَو غير ذَلِك. قَالَ الْأَصْمَعِي: بَات بحيبة سوء إِذا بَات
بِسوء حَال وَشدَّة قَالَ وَيُقَال: فلَان يتحوب من كَذَا وَكَذَا إِذا
كَانَ يتغيظ مِنْهُ ويتوجع قَالَ الطُّفَيْل بن عَوْف الغنوي:
[الطَّوِيل]
فَذُوْقوا كَمَا ذقنا غذاة مُحَجّرِ ... مِن الغَيْظ فِي أكْبَادِنا
والتَّحَوّبِ
وَقد يكون التحوب التَّعَبُّد والتجنب للمأثم وَمِنْه الحَدِيث الَّذِي
يرْوى عَن زَيْدُ بْن عَمْرو بْن نفَيْل أَنه كَانَ يخرج إِلَى هُنَالك
للتحوب وَبَعْضهمْ يرويهِ: التحيب.
فطر وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة حَتَّى
يكون أَبَوَاهُ يُهَوَّدانِه أَو يُنَصِّرَانِه. قَالَ أَبُو عُبَيْد:
فَسَأَلت عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: كَانَ هَذَا فِي أول الْإِسْلَام
قبل أَن تَنْزل الْفَرَائِض وَقبل أَن يُؤمر الْمُسلمُونَ
بِالْجِهَادِ. قَالَ أَبُو عبيد: كَأَنَّهُ يذهب إِلَى أَنه لَو كَانَ
يُولد على الْفطْرَة ثُمَّ مَاتَ قبل أَن يُهَوِّدَه أَبَوَاهُ أَو
يُنَصِّرَاه مَا ورثهما وَلَا ورثاه لِأَنَّهُ مُسْلِم وهما كَافِرَانِ
(2/21)
وَكَذَلِكَ مَا كَانَ يجوز أَن يسبى
يَقُول: فَلَمَّا نزلت الْفَرَائِض وَجَرت السّنَن بِخِلَاف ذَلِك علم
أَنه يُولد على دينهما هَذَا قَول مُحَمَّد بن الْحسن فَأَما عبد الله
ابْن الْمُبَارك فَإِنَّهُ سُئِلَ عَن تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث
فَقَالَ: تَأْوِيله الحَدِيث الآخر أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
سُئِلَ عَن أَطْفَال الْمُشْركين فَقَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا
عاملين يذهب إِلَى أَنهم يولدون على مَا يصيرون إِلَيْهِ من إِسْلَام
أَو كفر فَمن كَانَ فِي علم اللَّه أَن يصير مُسلما فَإِنَّهُ يُولد
على الْفطْرَة وَمن كَانَ فِي علمه أَنه يَمُوت كَافِرًا ولد على ذَلِك
قَالَ: وَمِمَّا يشبه هَذَا الحَدِيث حَدِيثه الآخر أَنه قَالَ: يَقُول
الله تَعَالَى: خلقت عبَادي جَمِيعًا حنفَاء فَاجْتَالَتْهُمْ
الشَّيَاطِين عَن دينهم وَجعلت مَا نحلت لَهُم من رزق فَهُوَ لَهُم
حَلَال فَحرم عَلَيْهِم الشَّيْطَان مَا أحللت. كَأَنَّهُ يُرِيد قَول
اللَّه تَعَالَى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّاَ أنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِّنْ
رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَّحَلاَلاً قُلْ اللهُ أذِنَ
لَكُمْ أمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُوْنَ} ويروى فِي التَّفْسِير عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله {فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وحلالا} أَنَّهَا
البحائر والسيب فَقَالَ أَبُو عُبَيْد: يَعْنِي مَا كَانُوا يحرمُونَ
من
(2/22)
ظهروها وَأَلْبَانهَا وَالِانْتِفَاع بهَا.
وفيهَا نزلت هَذِه الْآيَة: {مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيْرَةٍ ولاَ
سَائِبَةٍ وَّلاَ وصيلة وَلَا حام} .
(2/23)
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ ذَات غَدَاة: أَنه أَتَانِي اللَّيْلَة
آتيان فابتعثاني فَانْطَلَقت مَعَهُمَا فأتينا على رَجُل مُضْطَجع
وَإِذا رَجُل قَائِم عَلَيْهِ بصخرة وَإِذا هُوَ يهوي بالصخرة
فَيَثْلَغُ بهَا رَأسه فَتَدَهْدَى الصَّخْرَة قَالَ: ثمَّ انطلقنا
فأتينا على رَجُل مستلق وَإِذا رَجُل قَائِم عَلَيْهِ بكلوب وَإِذا
هُوَ يَأْتِي أحد شقي وَجهه فيشرشر شدقه إِلَى قَفاهُ ثُمَّ انطلقنا
فأتينا على مثل بِنَاء التَّنور فِيهِ رجال وَنسَاء يَأْتِيهم لَهب من
أَسْفَل فَإِذا أَتَاهُم ذَلِك ضوضوا فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا
إِلَى دوحة عَظِيمَة فَقَالَا لي: أرق [فِيهَا -] فارتقينا فَإِذا
نَحْنُ بِمَدِينَة
(2/24)
مَبْنِيَّة بِلَبن من ذهب وَفِضة فسما
بَصرِي صعدا فَإِذا قصر مثل الربابة الْبَيْضَاء.
ثلغ دهدى كلب قَالَ أَبُو عُبَيْد:
أما قَوْله: رجل مُضْطَجع وَرجل يهوي بصخرة فيثلغ بهَا رَأسه يَعْنِي
يشدخه يُقَال: ثلغت رَأسه فَأَنا أثلغه ثلغا إِذا شدخته. وَقَوله:
فيتدهدى الْحجر يُقَال: يَعْنِي يتدحرج يُقَال مِنْهُ: 44 / ب / تدهدا
الْحجر وَغَيره تدهديا إِذا تدحرج ودهديته أَنَا أدهديه دهداة ودهداء
إِذا دحرجته قَالَه الْكسَائي. [و -] قَوْله: كَلوب من حَدِيد هُوَ
الْكلاب وهما لُغَتَانِ: كلاب وكلوب
شرشر ضوا دوح ربب قَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ: وَالْفَتْح أَجود فِي كَلوب وَالْجمع مِنْهَا كلاليب.
(2/25)
وَقَوله: يشرشر شدقه إِلَى قَفاهُ يَعْنِي
يشققه ويقطعه وقَالَ أَبُو زبيد الطَّائِي يصف الْأسد: [الطَّوِيل]
يَظَلُّ مُغِباً عِنْده من فرَائِسٍ ... رُفاتُ عِظامٍ أَو غريضٍ
مشرشَرِ
وَقَوله: فَإِذا أَتَاهُم ذَلِك اللهب ضوضوا يَعْنِي ضجوا وصاحوا
والمصدر مِنْهُ الضوضاة غير مَهْمُوز. وَأما الدوحة فالشجرة
الْعَظِيمَة من أَي شجر كَانَ. و [أما -] قَوْله: مثل الربابة
الْبَيْضَاء فَإِنَّهَا السحابة الَّتِي قد ركب بَعْضهَا بَعْضًا
وَجَمعهَا ربَاب وَبِه سميت الْمَرْأَة الربَاب قَالَ الشَّاعِر:
[الطَّوِيل]
سَقَي دارَ هِندٍ حَيْثُ حَلَّتْ بِها النَّوَى ... مُسِفُّ الذُّرى
دَاني الرَّباب ثَخِيْنُ
وَأما الربابة بِكَسْر الرَّاء فَإِنَّهَا شَبيهَة بالكنانة يكون
فِيهَا السِّهَام قَالَ: وبعض النَّاس يَقُول: الربابة خرقَة أَو جلدَة
تجْعَل فِيهَا
(2/26)
القداح شبه الْوِعَاء لَهَا قَالَ أَبُو
ذُؤَيْب يصف الْحمار والأتن: [الْكَامِل]
وكأنهن رِبابَةٌ وَكَأَنَّهُ ... يَسَرٌ يفِيض على القِداح ويَصدعُ
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: إِن
[هَذَا -] الدَّين متين فأوغِلْ فِيهِ بِرِفْق وَلَا تُبغِّض إِلَيّ
نَفسك عبَادَة الله فَإِن المنبت لَا أَرضًا قطع وَلَا ظهرا أبقى.
وغل قَالَ أَبُو عُبَيْد: قَالَ
الْأَصْمَعِي وَغَيره: قَوْله: فأوغل فِيهِ بِرِفْق الإيغال: السّير
الشَّديد والإمعان فِيهِ يُقَال مِنْهُ: أوغلت أوغل إيغالا
بتت قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأعشي
يذكر النَّاقة: [الْخَفِيف]
(2/27)
تقطع الأمعز المكوكب وخدا ... بنواج سريعة
الإيغال
فَأَما الوغول فَإِنَّهُ الدُّخُول فِي الشَّيْء وَإِن لم يبعد فِيهِ
وكل دَاخل فَهُوَ واغل يُقَال مِنْهُ: وغلت أغِل وُغولاَ ووَغْلا
وَلِهَذَا قيل للداخل عَليّ الشَّرَاب من غير أَن يدعى: واغل ووَغْل.
وَأما قَوْله: فَأن المنبت لَا أَرضًا قطع وَلَا ظهرا أبقى فَإِنَّهُ
الَّذِي يغذ السّير ويتعب بِلَا فتور حَتَّى تعطب دَابَّته فَيبقى
منبتا مُنْقَطِعًا بِهِ لم يقْض سَفَره وَقد أعطب ظَهره فشبهه بالمجتهد
فِي الْعِبَادَة حَتَّى يحسر وَمن هَذَا حَدِيث سلمَان رَحمَه الله:
وَشر السّير الْحَقْحَقَةُ وَقد قَالَه مطرف بْن الشخير لِابْنِهِ
قَالَ فَاه ابْن علية عَن إِسْحَاق بْن سُوَيْد قَالَ: تعبد عَبْد
اللَّه بْن مطرف فَقَالَ لَهُ مطرف: يَا عبد اللَّه الْعلم أفضل من
الْعَمَل والحسنة بَين السيئتين وَخير الْأُمُور أوساطها وَشر السّير
الْحَقْحَقَةُ. وأما قَوْله: الْحَسَنَة بَين السيئتين فَأَرَادَ
(2/28)
أَن الغلو فِي الْعلم سَيِّئَة
وَالتَّقْصِير عَنْهُ سَيِّئَة والحسنة بَينهمَا وَهُوَ الْقَصْد كَمَا
[جَاءَ -] فِي الحَدِيث الآخر فِي فضل قَارِئ الْقُرْآن: غير الغالي
فِيهِ وَلَا الجافي عَنهُ فالغلو فِيهِ التعمق والجفا عَنْهُ
التَّقْصِير وَكِلَاهُمَا سَيِّئَة وَمِمَّا يبين ذَلِك قَول اللَّه عز
وَجل {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُوْلَةً إِلَى عُنُقِكَ ولاَ
تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ} . وَكَذَلِكَ قَوْله {لَمْ يُسْرِفُوْا
وَلَمْ يَقْتُرُوْا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} . وَمِمَّا يشبه
هَذَا الحَدِيث قَول تَمِيم الدَّارِيّ قَالَ: فَاه عَبْد الله بن
الْمُبَارك عَن الْجريرِي عَن أبي الْعَلَاء قَالَ قَالَ تَمِيم
الدَّارِيّ: خُذ من دينك لنَفسك وَمن نَفسك لدينك حَتَّى يَسْتَقِيم بك
الْأَمر علىعبادة تطيقها وَكَانَ ابْن علية يحدثه عَن الْجريرِي عَن
رَجُل عَن تَمِيم وَلَا يذكر أَبَا الْعَلَاء. وَمثل ذَلِك حَدِيث
يرْوى عَن بُرَيْدَة الْأَسْلَمِيّ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
أَنه قَالَ: من يشاد هَذَا الدَّين يغلبه قَالَ: فَاه يزِيد
وَإِسْمَاعِيل جَمِيعًا
(2/29)
عَن عُيَيْنَة بْن عَبْد الرَّحْمَن عَن
أَبِيهِ عَن بُرَيْدَة قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا ماش فِي طَرِيق 45 / الف
إِذْ أَنَا بِرَجُل خَلْفي فَالْتَفت / فَإِذا رَسُول اللَّه صلي
اللَّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَأخذ بيَدي فَانْطَلَقْنَا فَإِذا
نَحْنُ بِرَجُل يُصَلِّي يكثر الرُّكُوع وَالسُّجُود قَالَ فَقَالَ لي:
يَا بُرَيْدَة أتراه يرائي ثُمَّ أرسل يَده من يَدي ثُمَّ جمع يَدَيْهِ
جَمِيعًا وَجعل يَقُول: عَلَيْكُم هَديا قَاصِدا عَلَيْكُم هَديا
قَاصِدا إِنَّه من يشاد هَذَا الدَّين يغلبه.
قتب وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: يُؤْتى بِالرجلِ يَوْم الْقِيَامَة
فَيلقى فِي النَّار فتندلق أقتاب بَطْنه فيدور بهَا كَمَا يَدُور
الْحمار بالرحى فَيُقَال: مَالك فَيَقُول: إِنِّي كنت آمُر
بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتيه وأنهى عَن الْمُنكر وآتيه. قَالَ أَبُو
عُبَيْد قَالَ الْأَصْمَعِي وَغَيره: الأقتاب الأمعاء قَالَ
(2/30)
الْكسَائي: وَاحِدهَا قتب [و -] قَالَ
الْأَصْمَعِي: وَاحِدهَا قتبة وَبهَا سمي الرجل قُتَيْبَة وَهُوَ
تصغيرها. [و -] قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: القتب مَا تحوي من الْبَطن
يَعْنِي اسْتَدَارَ وَهِي الحوايا قَالَ: وَأما الأمعاء فَإِنَّهَا
الأقصاب وَاحِدهَا قصب.
دلق قَالَ أَبُو عُبَيْد: [أما -]
قَوْله: فتندلق أقتاب بَطْنه فَإِن الاندلاق خُرُوج الشَّيْء من
مَكَانَهُ وكل شَيْء ندر خَارِجا فقد اندلق وَمِنْه قيل للسيف: قد
اندلق من جفْنه إِذا شقَّه حَتَّى يخرج مِنْهُ وَيُقَال للخيل: قد
اندلقت إِذا خرجت فأسرعت [السّير -] قَالَ طرفه: [الرمل]
دُلُقٌ فِي غارةٍ مسفوحةٍ ... كرعال الطير أسرابا تمر
(2/31)
قتت وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: إِنَّه أدهن بِزَيْت غيرِ مُقَتَّت
وَهُوَ محرم. قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله: غير مقتت يَعْنِي غير مُطيب
والمقتت هُوَ المطيب الَّذِي فِيهِ الرياحين يطْبخ بهَا الزَّيْت
حَتَّى تطيب ويتعالج مِنْهُ للريح. فَمَعْنَى الحَدِيث أَنه أدهن
بالزيت بحتا لَا يخالطه شَيْء وَفِي الحَدِيث من الْفِقْه أَنه كره
الريحان [أَن -] يشمه الْمحرم. |