غريب الحديث للقاسم بن سلام رمى
وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام: لَو أَن
أحدكُم دعِي إِلَى مِرماتين لأجاب وَهُوَ لَا يُجيب إِلَى الصَّلَاة.
90 / الف يُقَال: إِن المرماة / مَا بَين ظلفي الشَّاة قَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ: وَهَذَا حرف لَا أَدْرِي مَا وَجهه إِلَّا أَنه هَكَذَا
يُفَسر وَالله أعلم. وَفِي بعض الحَدِيث: لَو أَن رجلا ندا النَّاس
إِلَى مِرماتين أَو عرق أجابوه فَمن قَالَ: ندا جعله من النادي وَهُوَ
الْمجْلس يُقَال: ندوت الْقَوْم أندوهم. وَفِيه لُغَة أُخْرَى: مرماة
بِفَتْح الْمِيم.
أشب بذعر وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد] :
فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام فِي يَوْم الْقِيَامَة: النَّاس أشابات
أَو حشافات فابذعرّ من ذَلِك ثمَّ أسلّ لَهُم الْجنَّة فاشفع. أما
قَوْله: أشابات فهم الأخلاط من النَّاس. والابذعرار: التَّفَرُّق.
(3/202)
خلى
وَقَالَ [أَبُو عبيد] : فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام فِي خلايا
النَّحْل: إِن فِيهَا الْعشْر. قَالَ: هِيَ الْمَوَاضِع الَّتِي تعتسل
فِيهَا النَّحْل وَهُوَ مثل الراقود أَو نَحوه يعْمل لَهَا من طين
واحدتها: خَلِيّة. وَحَدِيثه: مَا تعدّون فِيكُم الصرعة فالصرعة
الَّذِي يصرع الرِّجَال. وَفِي حَدِيث آخر قَالَ: صَلَاة
الْأَوَّابِينَ إِذا رَمِضَت الفِصال من الضُّحَى يَقُول: إِذا وجد
الفصيل حرّ الشَّمْس على الرَّمضاء يَقُول: تِلْكَ السَّاعَة صَلَاة
الضُّحَى.
وعب وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] :
فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْأنف إِذا استُوعبَ جدَعه
الدِّيَة.
(3/203)
قَوْله: استوعب يَعْنِي استؤصْل وَكَذَلِكَ
كل شَيْء اصطُلِم فَلم يبْق مِنْهُ شَيْء فقد أُوِعبَ وَهُوَ
الِاسْتِيعَاب يُقَال مِنْهُ: قد أوعبته فَهُوَ موعب قَالَ أَبُو
النَّجْم يمدح رجلا: [الرجز]
يَجدع مَن عَادَاهُ جَدعا مُوعِبا ... بَكْر وبَكْرٌ أكرمُ الناسِ
أَبَا
وَكَذَلِكَ الْقَوْم إِذا شخصوا جَمِيعًا فِي غَزْو أَو فِي غَيره
يُقَال: قد أوعبوا قَالَ عبيد: [الْكَامِل]
أنبئت أَن بني جديلة أوعَبُوا ... نُفراء من سَلمى لنا وتكَتَّبوا
وَمِنْه قَول حُذَيْفَة فِي الجُنُب قَالَ: ينَام قبل أَن يغْتَسل
فَهُوَ أوعب للْغسْل.
(3/204)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي أَنه
أَحْرَى أَن يُخرِج كلّ بَقِيَّة مَا فِي ذَكَره من المَاء.
جثا وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] :
فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: من دَعَا دعاءَ الْجَاهِلِيَّة
فَهُوَ من جُثى جهنّم. قَالَ: وَاحِدَة الجثى جَثوة بضَمّ الْجِيم
وَهِي الشَّيْء الْمَجْمُوع قَالَ طرفَة: [الطَّوِيل]
ترى جُثوتَين من تُرابٍ عَلَيْهِمَا ... صفائحُ صُمّ من صفيح مُوصَّدِ
يصف قبرين. فَكَانَ معنى الحَدِيث أَنه من جماعات جَهَنَّم أَي من
الزمر
(3/205)
الَّتِي تدْخلهَا. هَذَا فِيمَن قَالَ:
جُثي فَخفف الْيَاء وَمن قَالَ: جُثِيّ جَهَنَّم فَشدد الْيَاء
فَإِنَّهُ يُرِيد الَّذين يجثون على الرُّكَبِ وَاحِدهَا جاثٍ وَجمعه
جُثِيّ بتَشْديد الْيَاء قَالَ الله [تبَارك و -] تَعَالَى {ثُمَّ
لَنُحضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيَّا} وَهَذَا أحب إليّ من
الأوّل.
لبق سغسغ صعنب قَالَ وق [أَبُو
عُبَيْد -] : فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام الَّذِي يرويهِ وَاثِلَة
ابْن الْأَسْقَع قَالَ: كنت من أهل الصّفة فَدَعَا النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا بقُرص فَكَسرهُ فِي صَحفة ثمَّ صنع فِيهَا مَاء
سخنا وصنع فِيهَا وَدَكا وصَنَع مِنْهُ ثَرِيدة ثمَّ سَغْسَغَها ثمَّ
لبقّها ثمَّ صَعْنَبَها. قَوْله: لبّقها يَعْنِي جَمَعَها بالِمقْدَحَة
وَهِي المغرفة.
(3/206)
وسَغْسَغَها: أفرغ عَلَيْهَا زغلة من سمن
فرواها بهَا وفرّقها فِيهَا. قَالَ: وصَعْنَبَها رفع رَأسهَا. تمت
أَحَادِيث النَّبِيّ صلي الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا.
(3/207)
90 - / ب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
أَحَادِيث أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث أبي بكر
[الصّديق رَضِي الله عَنهُ -]
(3/208)
حِين منعته الْعَرَب الزَّكَاة فَقيل لَهُ:
اقبل ذَلِك مِنْهُم فَقَالَ: لَو مَنَعُونِي عِقالاً ممّا أدّوا إِلَى
رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام لقاتلتهم عَلَيْهِ كَمَا أقاتلهم على
الصَّلَاة.
عقل قَالَ أَبُو عبيد: ويروى: لَو
مَنَعُونِي عنَاقًا لقاتلتهم عَلَيْهِ.
(3/209)
قَالَ الْكسَائي: العِقال صدقُة مصدقةُ
عامٍ يُقَال: قد اُخِذَ مِنْهُم عِقال هَذَا الْعَام - إِذا أُخِذَت
مِنْهُم صدقتُه قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: بعث فلَان على عِقال بني
فلَان - إِذا بُعِث على
روى صَدَقَاتهمْ. قَالَ أَبُو عبيد:
فَهَذَا كَلَام الْعَرَب الْمَعْرُوف عِنْدهم. وَقد جَاءَ فِي بعض
الحَدِيث غير ذَلِك. ذكر الْوَاقِدِيّ أَن مُحَمَّد بن مسلمة كَانَ
يعْمل على الصَّدَقَة فِي عهد رَسُول الله صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم
فَكَانَ يَأْمر الرجل إِذا جَاءَ بفريضتين أَن يَأْتِي بِعقاليْهما
وقِرانَيهما. ويروى أَن عمر بن الْخطاب كَانَ يَأْخُذ مَعَ كل فريضةٍ
عِقالا ورِواء فاذا جَاءَت إِلَى الْمَدِينَة بَاعهَا ثمَّ تصدّق
بِتِلْكَ العُقُل والأروية. قَالَ: والرَّواء الْحَبل الَّذِي يقرن
بِهِ البعيران.
(3/210)
قَالَ أَبُو عبيد: وَكَانَ الْوَاقِدِيّ
يزْعم أَن هَذَا رأى مَالك بن أنس وَابْن أبي ذِئْب قَالَ
الْوَاقِدِيّ: وَكَذَلِكَ الْأَمر عندنَا. قَالَ أَبُو عبيد: فَهَذَا
مَا جَاءَ فِي الحَدِيث والشواهد فِي كَلَام الْعَرَب على القَوْل
الأول أَكثر وَهُوَ أشبه عِنْدِي بِالْمَعْنَى. قَالَ: وَأَخْبرنِي
ابْن الْكَلْبِيّ قَالَ: اسْتعْمل مُعَاوِيَة ابْن أَخِيه عَمْرو بن
عتبَة بن أبي سُفْيَان على صدقَات كلب فاعتدى عَلَيْهِم [فَقَالَ -]
عَمْرو بن العدّاء الْكَلْبِيّ: [الْبَسِيط]
سعى عِقالا فَلم يَتْرُك لنا سَبَداً ... فَكيف لَو قد سعى عمروعقالين
لأصبَح الحيّ أوبادا وَلم يَجدوا ... عِنْد التفرُّقِ فِي الهيجا
جِمالينِ
قَوْله: أوبادا وَاحِدهَا: وَبَدٌ وَهُوَ الْفقر والبُؤس وَقَوله:
جِمالَين يَقُول: جمالا هُنَا وجمالا هُنَا فَهَذَا الشّعْر يبيّن لَك
أنَّ العقال إنّما هُوَ صَدَقَة عَام
(3/211)
وَكَذَلِكَ حَدِيث يرْوى عَن عمر أَنه أخّر
الصَّدَقَة عَام الرَّمَادَة فَلَمَّا أَحْيَا النَّاس بعث ابْن أبي
ذُبَاب فَقَالَ: اعقل عَلَيْهِم عِقالين فاقسمْ فيهم عِقالا وائتني
بِالْآخرِ.
رمد قَالَ أَبُو عبيد: فَهَذَا
شَاهد أَيْضا أَن العقال صَدَقَة 91 / ألف عَام وأمّا قَوْله: عامُ
الرَّمَادَة فَيُقَال: إِنَّمَا سمي الرَّمادة / لِأَن الزَّرْع
وَالشَّجر وَالنَّخْل وكلُّ شَيْء من النَّبَات احْتَرَقَ مِمَّا
أَصَابَته السّنة فَشبه سوَاده بالرماد وَيُقَال: بل الرَّمَادَة
الهلكة يُقَال: قد رَمَدَ الْقَوْم وأرمَدّوا إِذا هَلَكُوا وَهَذَا
كَلَام الْعَرَب وَالْأول تَفْسِير الْفُقَهَاء وَلكُل وَجه.
خزم برة وَقَالَ [أَبُو عبيد -] فِي
حَدِيث أبي بكر [رَضِي الله عَنهُ -] الَّذِي روى عَنهُ هزيل بن
شُرَحْبِيل فِي وَصِيَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما
سَأَلَ طَلْحَة بن مصرف عبد الله بن أبي أوفى: هَل أوصى رَسُول الله
(3/212)
صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَا
فَقَالَ طَلْحَة: فَكيف كَانَ يَأْمر الْمُسلمين بِالْوَصِيَّةِ وَلم
يوص فَقَالَ: أوصى بِكِتَاب الله قَالَ وَقَالَ هزيل بن شُرَحْبِيل:
أَبُو بكر يتوثب على وَصِيّ رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم
ودّ أَبُو بكر أنّه وَجهه عهدا من رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ
وَسلم وَأَنه خُزِم أَنفه بِخِزامة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الخِزامَة
هِيَ الْحلقَة الَّتِي تجْعَل فِي أنف الْبَعِير فَإِن كَانَت من صُفْر
فَهِيَ بُرِة وَإِن كَانَت من شعر فَهِيَ خِزامة وَقَالَ غير أبي
عُبَيْدَة: وَإِن كَانَت عودًا فَهِيَ خِشاش قَالَ الْأَصْمَعِي:
الخِشاش مَا كَانَ فِي العَظْم والعِرانُ مَا كَانَ فِي اللَّحْم فَوق
المنخر والبُرَةُ مَا كَانَ فِي المنخر. [و -] قَالَ الْكسَائي: يُقَال
من ذَلِك كُله: خزمت الْبَعِير وعرنته وخششته فَهُوَ مَخْزُوم ومعرون
ومخشوش. قَالَ: وَيُقَال من الْبرة خَاصَّة بِالْألف: أبْرَيته فَهُوَ
مُبْرا وناقة مبراة هَذَا وَحده بِالْألف
(3/213)
وَمِنْه الحَدِيث الْمَرْفُوع أَنه أهْدى
مائَة بَدَنَة مِنْهَا جمل كَانَ لأبي جهل فِي أَنفه بُرّة من فضّة.
نأنأ وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيث أبي بكر: طُوبَى لمن مَاتَ فِي النّأنأة. قَالَ أَبُو عبيد: أما
المحدثون فَلَا يهمزونه وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هِيَ النأنأة مَهْمُوزَة
وَمَعْنَاهَا أول الْإِسْلَام قَالَ: وَإِنَّمَا سمي بذلك لِأَنَّهُ
كَانَ قبل أَن يقوى الْإِسْلَام وَيكثر أَهله وناصره فَهُوَ عِنْد
النَّاس ضَعِيف وأصل النأنأة الضعْف وَمِنْه قيل: رجل نأنأ إِذا كَانَ
ضَعِيفا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس يمدح رجلا: [الطَّوِيل]
لعمرُك مَا سعدٌ بِخُلَّةِ آثمِ ... وَلَا نأنأً عِنْد الحِفاظ وَلَا
حصر
(3/214)
قَالَ أَبُو عبيد: وَمن ذَلِك قَول عَليّ
رَضِي الله عَنهُ لِسُلَيْمَان بن صُرَد وَكَانَ تخلف عَن يَوْم الْجمل
ثمَّ أَتَاهُ [بعد -] فَقَالَ لَهُ عَليّ: تنأنأت وتربصت وتراخيت فَكيف
رَأَيْت الله صنع. قَوْله: تنأنأت يُرِيد ضعفت واسترخيت. قَالَ
الْأمَوِي عبد الله بن سعيد يُقَال: نأنأت الرجل إِذا نهنهته عَمَّا
يُرِيد وكففته عَنهُ كَأَنَّهُ يَعْنِي أَنِّي حَملته على أَن ضعف عمّا
أَرَادَ وتراخي. وَقَالَ غير هَؤُلَاءِ من أهل الْعلم: إِنَّمَا سمي
أول الْإِسْلَام النأنأة لِأَنَّهُ كَانَ وَالنَّاس ساكنون هادئون لم
تهج بَينهم الْفِتَن وَلم تشَتت كلمتهم وَهَذَا قد يرجع إِلَى
الْمَعْنى الأول يَقُول: لم يَقُول التشتت وَالِاخْتِلَاف والفتن
فَهُوَ ضَعِيف لذَلِك.
حجن خرش وَقَالَ [أَبُو عبيد -] :
فِي حَدِيث أبي بكر [رَضِي الله عَنهُ -] أَنه
(3/215)
أَفَاضَ من جَمْع وَهُوَ يَخْرِش بعيرَه
بمِحْجَنه. قَالَ الْأَصْمَعِي: المحجن الْعَصَا المُعْوَجَّة الرَّأْس
وَمِنْه الحَدِيث الْمَرْفُوع أَنه طَاف على بعير يسْتَلم الْأَركان
بِمِحْجَنِهِ. وَقد يكون المحجن الصولجان. قَالَ الْأَصْمَعِي:
والخَرْش أَن يضْربهُ بالمحجن ثمَّ يجتذبه إِلَيْهِ يُرِيد بذلك تحريكه
للإِسراع فِي السّير وَهُوَ شَبيه بالخَدْش قَالَ أَبُو عبيد:
(3/216)
وأنشدنا: [الرجز]
إنّ الجِراء تخترشْ ... فِي بطن أمّ الهمَّرِشْ
يَعْنِي أَنَّهَا تخدش وَهِي فِي بطن أمهَا يُرِيد جراء الكلبة
وَقَوله: تخترش إِنَّمَا هُوَ تفتعل من الخرش. وَالَّذِي يُرَاد من
هَذَا الحَدِيث أَنه أسْرع السّير فِي إفاضته من جَمْع.
مهل وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيث أبي بكر أَنه أوصى فِي مَرضه / فَقَالَ: ادفنوني فِي ثوبَيّ
هذَيْن فإنّما هما للمُهل وَالتُّرَاب. 91 / ب قَالَ أَبُو عبيد:
المُهل فِي هَذَا الحَدِيث الصديد والقيح والمُهل فِي غير هَذَا كل
فِلِّز أذيب قَالَ: والفِلز جَوَاهِر الأَرْض من الذَّهَب وَالْفِضَّة
والنحاس وَأَشْبَاه ذَلِك وَمِنْه حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه سُئِلَ
عَن المُهل فَدَعَا بفضّة فأذابها فَجعلت تميّع وتلوّن فَقَالَ: هَذَا
من أشبه مَا أَنْتُم راؤن بالمُهْل [قَالَ أَبُو عبيد -] : أَرَادَ
تَأْوِيل هَذِه الْآيَة {وَاِنْ يَّسْتغِيْثُوْا يُغَاثُوا بِمَاءٍ
كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ}
(3/217)
قَالَ أَبُو عبيد: [وَقَوله -] : تميّع
تذوب وكل ذائِبٍ مَائِع. قَالَ أَبُو عبيد: والمهل أَيْضا فِي غير
هَذَا كلّ شَيْء يتحاتُّ عَن الخبزة من الرَّماد وَغَيره إِذا أخرجت من
المَلَّة قَالَ: وَالْملَّة الحفرة الَّتِي تملّ فِيهَا الخبزة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المُهل فِي شَيْئَيْنِ هُوَ فِي حَدِيث أبي بكر:
الصديد والقيح وَفِي غَيره: دُرْدِيّ الزَّيْت لم يعرف مِنْهُ إِلَّا
هَذَا. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: حَدثنِي رجل وَكَانَ فصيحا أَن أَبَا بكر
قَالَ: فَإِنَّمَا هما للمَهْلة وَالتُّرَاب بِالْفَتْح وَقَالَ بَعضهم
بِكَسْر الْمِيم: للمِهلة. قَالَ أَبُو عبيد: وَالَّذِي أَرَادَ
النَّاس من هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَنه لَا بَأْس أَن يُكفن
الْمَيِّت فِي الشفع من الثِّيَاب أَلا ترَاهُ يَقُول فِي ثوبيّ هذَيْن
قَالَ أَبُو عبيد: وَالْغَالِب على أَمر النَّاس فِيهِ الْوتر وَفِيه
أَيْضا [أَنه -] خلاف قَول من يَقُول: إِنَّهُم يتزاورون فِي أكفانهم
أَلا ترَاهُ يَقُول: فَإِنَّمَا هما للمُهل وَالتُّرَاب وَمِمَّا يشْهد
على ذَلِك قَول
(3/218)
حُذَيْفَة حِين أَتَى بكفنه رَيْطَتين
فَقَالَ: الْحَيّ أحْوج إِلَى الْجَدِيد من الْمَيِّت إِنِّي لَا ألبث
إِلَّا يَسِيرا حَتَّى أبدّل بهما خيرا مِنْهُمَا أَو شرا مِنْهُمَا.
وَمِنْه قَول مُحَمَّد أبن الْحَنَفِيَّة: لَيْسَ للميّت من الْكَفَن
شَيْء إِنَّمَا هُوَ تكرمة للحيّ. قَالَ أَبُو عبيد: ويروى فِي بعض
الحَدِيث أَن أَبَا بكر قَالَ لعَائِشَة: فِي كم ثوبا كُفِّن رَسُول
اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: فِي ثَلَاثَة أَثوَاب قَالَ:
فادفنوني فِي ثوبِّي هذَين مَعَ ثوبٍ كَذَا وَكَذَا فعلى هَذِه
الرِّوَايَة يذهب معنى الشفع من الثِّيَاب.
نصنص نضنض وَقَالَ [أَبُو عبيد -] :
فِي حَدِيث أبي بكر حِين دخل عَلَيْهِ وَهُوَ ينصنص لِسَانه وَيَقُول:
إنّ ذَا أوردني الْمَوَارِد وَقد رَوَاهُ بَعضهم: يحرّك لِسَانه.
(3/219)
قَالَ أَبُو عَمْرو: [قَوْله -] يُنَصْنِصُ
يَعْنِي يحركه ويقلقله وكل شَيْء حرّكته قلقلته فقد نَصْنَصْتَه.
وَفِيه لُغَة أُخْرَى لَيست فِي الحَدِيث بِمَعْنَاهُ نَضْنَضْتُ
بالضاد مُعْجمَة وَمِنْه قيل للحيّة: نضْناضٌ وَهُوَ القَلِقُ الَّذِي
لَا يثبت فِي مَكَانَهُ لشرته ونشاطه وقَالَ الرَّاعِي: [الوافر]
يَبيتُ الحيّة النَضْنَاضُ مِنْهُ ... مكانَ الحِبّ يَسْتَمع
السِّرارَا
[الحِبُّ: القُرط. قَالَ -] : وَأَخْبرنِي الْأَصْمَعِي أَنه سَأَلَ
أَعْرَابِيًا أَو أعرابية عَن النضناض قَالَ: فَأخْرج لِسَانه فحركه لم
يزده على هَذَا. وَهَذَا كُله يرجع إِلَى الْحَرَكَة. وَأما الحَدِيث
فبالصاد غير مُعْجمَة لَا غير. وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي حَدِيث
أبي بكر أَنه أعْطى عمر سَيْفا محلى فَجَاءَهُ عمر بالحلية قد نَزعهَا
فَقَالَ: أَتَيْتُك بِهَذَا لما يعررك من أُمُور النَّاس هَكَذَا يرْوى
الحَدِيث براءين.
(3/220)
عرا
قَالَ أَبُو عبيد: وَلَا أَحْسبهُ مَحْفُوظًا وَلكنه عِنْدِي: لما
يَعْرُوك بِالْوَاو وَمَعْنَاهُ: لما يَنُوبك من أَمر النَّاس ويلزمك
من حوائجهم وَكَذَلِكَ كل من أَتَاك بحاجة أَو نائبة فقد عرَاك [وَهُوَ
-] يَعْرُوك عَرْواً قَالَ الرَّاعِي: [الْكَامِل]
قَالَت خلّيدةُ مَا عَراكَ وَلم تكن ... بعد الرُّقادِ عَن الشؤون
سَؤولا
يُرِيد بقوله: مَا عرَاك [أَي مَا نزل بك و -] مَا ألمّ بك وَنَحْو
ذَلِك وَمِنْه قَول الله [تبَارك و -] تَعَالَى / {إِنْ نَقُولُ إِلا
اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتَنَا بِسُوْء} وَمِنْه قيل: اعتراه الوجع
وَغَيره وَقَالَ معن بن أَوْس يمدح رجلا: [الطَّوِيل]
رأى الحمدَ غُنما فَاشْتَرَاهُ بِمَالِه ... فَلَا الْبُخْل يعروه
وَلَا الْجهد جاهده
(3/221)
أَي لَا ينزل بِهِ الْبُخْل وَلَا
يُصِيبهُ. وَمن قَالَ: يعرُرُك فَلَيْسَ يخرج إِلَّا من أحد
الْمَعْنيين من العَرّة وَهُوَ القذِرة أَو من العَرّ وَهُوَ الجرب
وَلَيْسَ فِي الحَدِيث مَوضِع لوَاحِد من هذَيْن وَلَو كَانَ من
أَحدهمَا لم يكن أَيْضا براءين لَكَانَ: لما يَعُرّك لِأَنَّهُ مَوضِع
رفع وَلَيْسَ بِموضع جزم فَيظْهر التَّضْعِيف.
لوط وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيث أبي بكر حِين قَالَ: وَالله إِن عمر لأحبّ النَّاس إليّ ثمَّ
قَالَ: كَيفَ قلت فَقَالَت عَائِشَة: قلت: وَالله إِن عمر لأحبّ
النَّاس إليّ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أعزّ وَالْولد ألوط. [قَوْله:
الْوَلَد ألوط -] يَعْنِي ألصق بِالْقَلْبِ وَكَذَلِكَ كل شَيْء لصق
بِشَيْء فقد لَاطَ [بِهِ -] يلوط لَوطا. وَمِنْه حَدِيث ابْن عَبَّاس
فِي الَّذِي سَأَلَهُ عَن مَال الْيَتِيم وَهُوَ واليه أيصيب من لبن
إبِله فَقَالَ: إِن كنت تَلُوط حوضَها وَتَهْنَأ جَرباها فأصِبْ من
رِسلها. [قَوْله: تلوط -] يَعْنِي باللوط تطيين الْحَوْض وإصلاحه
وَهُوَ من اللصوق وَمِنْه قيل للشَّيْء إِذا لم يُوَافق صَاحبه: مَا
يلتاط هَذَا بصَفَري أَي لَا يلصق بقلبي
(3/222)
هَذَا إِنَّمَا هُوَ يفتعل من اللوط.
وَمِنْه حَدِيث عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ فِي المستلاط
أَنه لَا يَرث. يَعْنِي المُلصّق بِالرجلِ فِي النّسَب كَأَنَّهُ
يَعْنِي الَّذِي لغير رِشدة.
هيض شرب حوذ حوز نسج [أَبُو عبيد -]
: فِي حَدِيث أبي بكر الَّذِي قَالَت فِيهِ عَائِشَة: توفّي رَسُول
اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم فوَاللَّه لَو نزل بالجبال
الرَّاسيات مَا نزل بِأبي لهاضها اشرَأبّ النِّفَاق وارتدّت الْعَرَب
فوَاللَّه مَا اخْتلفُوا فِي نقطة إِلَّا طَار أبي بخصلها وغنائها فِي
الْإِسْلَام وَكَانَت مَعَ هَذَا تَقول: [و -] من رأى عمر علم أَنه خلق
غناء للإِسلام كَانَ وَالله أحوَذِيّا نَسِيج وَحده قد أعدّ للأمور
أقرانها.
(3/223)
قَالَ الْأَصْمَعِي وَغَيره قَوْلهَا:
لهاضها الهيض الْكسر بعد جبور الْعظم وَهُوَ أَشد مَا يكون من الْكسر
وَكَذَلِكَ النكس فِي الْمَرَض بعد الِانْدِمَال قَالَ ذُو الرمة:
[الطَّوِيل]
وَوجه كقرن الشَّمْس حُر كَأَنَّمَا ... تهيض بِهَذَا القلبِ لمحتُهُ
كسرا
وَقَالَ الْقطَامِي: [الوافر]
إِذا مَا قلت قد جَبِرَتْ صُدوعٌ ... تُهاضُ وَمَا هِيْضَ انجبارُ
وَقَوْلها: اشرأبّ النِّفَاق يَعْنِي ارْتَفع وَعلا وكل رَافع رَأسه
مشرئب. وَمِنْه الحَدِيث الْمَرْفُوع: إِذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ
وأهلُ النارِ النارَ أتِي بِالْمَوْتِ فِي صُورَة كَبْش أَمْلَح ثمَّ
نُودي يَا أهل الْجنَّة وَيَا أهل النَّار فَيَشْرَئِبُّونَ لصوته ثمَّ
يذبح على الصِّرَاط فَيُقَال: خُلُود لَا موت. وَقَالَ ذُو الرمة يذكر
امْرَأَة شبهها بظبية: [الطَّوِيل]
(3/224)
ذكرتُكِ إِذْ مرّت بِنَا أمّ شادنٍ ...
أمامَ المطايا تُشْرَئِبُّ وتَسنَحُ
وَقَوْلها فِي عمر: كَانَ وَالله أحوَزيّا رووها بالزاي وَبَعْضهمْ
يَرْوِيهَا بِالذَّالِ: أحوَذيّا. قَالَ الْأَصْمَعِي: الأحْوذِيّ
المشمّر فِي الْأُمُور القاهر لَهَا الَّذِي لَا يشدّ عَليه مِنْهَا
شَيْء. [هَذَا -] وَمَا أشبهه من الْكَلَام قَالَ لبيد يذكر حمارا
وأتنا: [الوافر]
إِذا اجْتمعت وأحوذَ جانِبَيْها ... وأوردها على عُوجٍ طِوالِ
قَالَ الْأَصْمَعِي: قَوْله: أحوَذَ جانبيها يَعْنِي ضمّها فَلم
يّفُتْه مِنْهَا شَيْء. قَالَ: وَأما الأحوَزي فَإِنَّهُ السَّائِق
الْحسن السِّياقِ وَفِيه مَعَ سِيَاقه بعض النَفار وَكَانَ أَبُو
عَمْرو يَقُول: الأحوذي الْخَفِيف والأحوزي مثله قَالَ العجّاج يصف
ثورا وكلابا: [الرجز]
يحوزهن وَله حُوزِيّ ... كَمَا يحوزُ الفئةَ الكميّ
/ وَقَوْلها: نسيجُ وَحدِه يَعْنِي أَنه لَيْسَ لَهُ شبه فِي رَأْيه
وَجَمِيع أمره 92 / ب
(3/225)
قَالَ الراجز: [الرجز]
جَاءَت بِهِ مُعْتَجِرا بِبَرْدِه ... سَفواءُ تَردي بنَسيج وَحدِهْ
وَالْعرب تنصب وَحده فِي الْكَلَام كُله لَا ترفعه وَلَا تخفضه إِلَّا
فِي ثَلَاثَة أحرف: نسيجَ وحدِه وعُيَيْر وحدِه وجُحَيشْ وحدِه
فَإِنَّهُم يخفضونها ثمَّ فسّرت الْعلمَاء نَصبه فِي قَوْلهم: وَحده.
فَقَالَ أهل الْبَصْرَة: إِنَّمَا نصبوا وحدَه على مَذْهَب الْمصدر أَي
تَوحّد وَحده وَقَالَ أَصْحَابنَا: إِنَّمَا النصب على مَذْهَب الصّفة.
قَالَ أَبُو عبيد: وَقد يدْخل فِيهِ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا.
مظظ وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيث أبي بكر أنّه مرّ بِعَبْد الرَّحْمَن ابْنه وَهُوَ يُماظُّ جارا
لَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: لَا تُماظِّ جَارك فإنّه يبْقى وَيذْهب
النَّاس.
(3/226)
قَوْله: لَا تُماظّ جارَك المماظّة
المشارّة والمشاقّة وشدّة الْمُنَازعَة مَعَ طول اللُّزُوم لذَلِك
يُقَال: ماظظت فلَانا أماظه مظاظا وَمِمَّا ظة.
مطى وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيث أبي بكر حِين أَتَى على بِلَال وَقد مُطِي فِي الشَّمْس فَقَالَ
لمواليه: قد ترَوْنَ أنّ عبدكم هَذَا لَا يطيعكم فبيعونيه قَالُوا:
اشتره فَاشْتَرَاهُ بِسبع أواقي وَأعْتقهُ فَأتى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فحدثه فَقَالَ: الشّركَة فَقَالَ: يَا رَسُول الله
إِنِّي قد أَعتَقته. قَوْله: مُطِى قَالَ الْأَصْمَعِي: يَعْنِي مُد
وَهَكَذَا كَانَ يصنع بِهِ فِيمَا يرْوى إِذا أَرَادوا تعذيبه بطحوه
على الرمضاء وكلُّ شَيْء مددته فقد مَطَوْته وَمِنْه المطْو فِي السّير
وَلِهَذَا قيل [للرجل -] : يَتَمّطى إِنَّمَا هُوَ تمديدُ جَسدِه.
وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه سُؤال النَّبِيّ صلي الله عَلَيْهِ
وَسلم إِيَّاه الشّركَة بعد الشرى هَذَا فِي الرجل يَشْتَرِي الشَّيْء
وَحده
(3/227)
ثمَّ يشْتَرك فِيهِ غَيره مِمَّن لم يحضر
مَعَه الشرى وَهُوَ حجَّة لمن قَالَ: الشّركَة بِمَنْزِلَة البيع
لِأَنَّهُ لما أشركه فِي مَتَاعه فَكَأَنَّهُ بَاعه نصفه.
وزع وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيث أبي بكر وَقد شكى إِلَيْهِ بعض عماله فَقَالَ: أأناأقيد من
وَزَعَة الله الوَزَعَة جمَاعَة الْوَازِع والوازع: الَّذِي يكفّ
النَّاس ويمنعهم من الشَّرّ يُقَال مِنْهُ: وزعته فَأَنا أزعه وزعا.
ويروى فِي قَول الله تَعَالَى {فَهُمْ يُوزَعُوْن} يَعْنِي يُحْبَسُ
أوّلهم على آخِرهم وَهُوَ من الكفّ والمنْع. ويروى عَن الْحسن
الْبَصْرِيّ أنّه قَالَ: لَا بدّ للنَّاس من وزعة يَعْنِي من يَكفهمْ
ويمنعهم من الشرّ كَأَنَّهُ [يعْنى -] السُّلْطَان. قَالَ أَبُو عبيد:
فَكَأَن أَبَا بكر إِنَّمَا أَرَادَ إِنِّي لَا أقيد من الْوُلَاة
الَّذين يزعون النَّاس عَن محارم الله تَعَالَى [يَعْنِي -] إِذا كَانَ
ذَلِك الْفِعْل مِنْهُم بِوَجْه الحكم وَالْعدْل لَا بِوَجْه الْجور.
(3/228)
ألل
وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي حَدِيث أبي بكر [الصّديق -] أَنه لما قدم
وَفد الْيَمَامَة بعد مقتل مُسَيْلمَة قَالَ لَهُم: مَا كَانَ صَاحبكُم
يَقُول
(3/229)
فاستعفوه من ذَلِك فَقَالَ: لتقولن
فَقَالُوا: كَانَ يَقُول: يَا ضفدع نقّي كم تنقّين لَا الشَّرَاب
تمنعين وَلَا المَاء تكدّرين فِي كَلَام من هَذَا كثير فَقَالَ أَبُو
بكر: وَيحكم إِن هَذَا الْكَلَام لم يخرج من إل وَلَا بِرّ فَأَيْنَ
ذُهِب بكم. 93 / الف قَوْله من إلّ يَعْنِي من رب. / ويروى عَن
الشّعبِيّ أَنه قَالَ فِي قَوْله {لاَ يَرْقُبُوْنَ فِي مُؤْمِنٍ
إِلًّا وَّلاَ ذِمَّةً} قَالَ: الله أَو قَالَ: رَبًّا وَمِمَّا يبين
هَذَا قَول جِبْرِيل ومكائيل إِنَّمَا أضيف جبر وميكا إِلَى إل وَهُوَ
شَبيه بقول ابْن عَبَّاس: إِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِك: عبد الله وَعبد
الرَّحْمَن فِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل.
(3/230)
فحص
وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي حَدِيث أبي بكر أَنه قَالَ فِي وَصيته
ليزِيد ابْن أبي سُفْيَان حِين وَجهه إِلَى الشَّام: إِنَّك ستجد قوما
[قد -] فحصوا رُؤْسهمْ فَاضْرب بِالسَّيْفِ مَا فحصوا عَنهُ وستجد قوما
فِي الصوامع فَدَعْهُمْ وَمَا أعملوا أنفسهم لَهُ. أما قَوْله: [قد -]
فحصوا رُؤْسهمْ فَاضْرب بِالسَّيْفِ مَا فحصوا عَنهُ فهم الشمامسة
الَّذين قد حَلقُوا رُؤْسهمْ وَأما أَصْحَاب الصوامع فَإِنَّهُ يَعْنِي
الرهبان. ويروى أَنه إِنَّمَا نهى عَن قَتلهمْ لِأَنَّهُ لَا يسمعُونَ
كَلَام النَّاس وَلَا يعْرفُونَ أخبارهم وَلَا يدلون الْمُشْركين على
عَورَة الْمُسلمين وَلَا يخبرونهم بدخولهم أَرضهم فَلذَلِك نهي عَن
قَتلهمْ وَلَو كَانُوا يعينون على الْإِسْلَام وَأَهله [بِشَيْء -] مَا
نهى عَن قَتلهمْ.
وجم [رَضِي وَقَالَ [أَبُو عبيد -]
: فِي حَدِيث أبي بكر أَنه لَقِي طَلْحَة بن عبيد الله فَقَالَ: مَالِي
أَرَاك واجما قَالَ كلمة سَمعتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مُوجبَة لم أسأله عَنْهَا فَقَالَ أَبُو بكر: أَنا أعلم مَا
هِيَ: لَا إِلَه إِلَّا الله.
(3/231)
أما قَوْله أصبحتُ واجما فَإِن الواجم
المهتم الَّذِي قد أسكته الْهم وعلته الكآبة يُقَال مِنْهُ: [قد -] وجم
الرجل يَجِم وُجوما. تمت أَحَادِيث أبي بكر رَضِي الله عَنهُ.
(3/232)
أَحَادِيث عمر بن الْخطاب الله عَنهُ -]
نطس وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
عمر [بْن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ -]
(3/233)
وَبِالْإِسْنَادِ إِلَى أبي عبيد قَالَ فِي
حَدِيث عمر: إِنَّه خرج من الْخَلَاء فَدَعَا بِطَعَام فَقيل الا تتوضأ
فَقَالَ: لَوْلَا التَّنَطُس مَا باليتُ أَن لَا أغسل يَدي. قَالَ ابْن
علية: التَّنَطُّس التَّقَذُّر. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ
الْمُبَالغَة فِي الطّهُور وكل من أدقّ النّظر فِي الْأُمُور واستقصى
عَلَيْهَا فَهُوَ مُتَنَطِّس وَمِنْه قيل للمُتَطَبّب: النِّطاسيّ
والنِّطِّيس وَذَلِكَ لدقة نظره فِي الطبّ وَقَالَ أَبُو عَمْرو نَحْو
قَول الْأَصْمَعِي وَأنْشد أَحدهمَا للبعيث بن بشر يصف شَجْة أَو
جِرَاحَة: [الطَّوِيل]
إِذا قاسَها الآسي النِّطاسيُّ أدبرتْ ... غشيشتها وازداد وهيا هزومها
(3/234)
ويروى: النَّطاسي بِالْفَتْح والآسي:
الطَّبِيب والغثيثة: مَا يكون فِي الْجرْح من مِدّة ودَم وصديد وَنَحْو
ذَلِك قَالَ رؤبة: [الرجز]
وَقد أكون مرّة نِطِّيساً ... طَبّا بأدواء الصِّبا نِقْريسا
والنِقريسُ قريب الْمَعْنى من النِطّيس وَهُوَ الفَطِن فِي الْأُمُور
الْعَالم بهَا. وَقَول ابْن علية: إِنَّه التَّقَذّر [هُوَ -] رَاجع
إِلَى هَذَا الْمَعْنى.
صدع صدأ دفر وَقَالَ [أَبُو عبيد -]
: فِي حَدِيث عمر حِين سَأَلَ الأسقف عَن الْخُلَفَاء فحدثه حَتَّى
انْتهى إلىنعت الرَّابِع فَقَالَ: صَدَع من حَدِيد فَقَالَ عمر:
وادفراه
(3/235)
قَالَ الْأَصْمَعِي: كَانَ حَمَّاد بن
سَلمَة يَقُول: صدأ حَدِيد قَالَ: وَهَذَا أشبه بِالْمَعْنَى لِأَن
الصدأ لَهُ دَفر والصّدع لَا دَفر لَهُ.
ذفر قَالَ [أَبُو عبيد -] : والدفر
هُوَ النَتْن إِذا قلته بِالدَّال وَجزم الْفَاء قَالَ وَمِنْه قيل
للدنيا: أم دفَر وَلِهَذَا قيل للاَمة: يَا دَفارِ قَالَ: وَأما
الذَفَر بِالذَّالِ مُعْجمَة وَفتح الْفَاء فَإِنَّهُ يُقَال ذَلِك لكل
ريح
(3/236)
ذكية شَدِيدَة من طيب أَو نَتن: ذَفَر
قَالَ وَمِنْه قيل: مِسك أذفر. قَالَ أَبُو عبيد: فَهَذَا مَا يُوصف
بِهِ الذفر فِي شدَّة ريح الطّيب وَأما / مَا يُقَال فِي النتن
فَقَوْلهم فِي ذفر الْإِبِط وَهُوَ نتنهوكذلك ذفر الْحَدِيد 93 / ب
وَهُوَ سهكه قَالَ عبيد بن الأبرص بكتيبة: [الْكَامِل]
جَاءُوا ترفل فِي الْحَدِيد لَهَا ذفرُ
يَعْنِي ريح الْحَدِيد وسهكه.
طلع وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيث عمر حِين قَالَ عِنْد مَوته: لَو أنّ لي مَا فِي الأَرْض
جَمِيعًا لافتديت بِهِ من هول المُطَّلع. قَالَ الْأَصْمَعِي: المطلع
هُوَ مَوضِع الِاطِّلَاع من إشراف إِلَى انحدار. قَالَ أَبُو عبيد:
فشبّه مَا أشرف عَلَيْهِ من أَمر الْآخِرَة بذلك وَقد يكون المطلع
المصعد من أَسْفَل إِلَى الْمَكَان المشرف وَهَذَا من الأضداد. وَمِنْه
حَدِيث عبد الله فِي ذكر الْقُرْآن: لكلّ حرف مِنْهُ حدّ ولكلّ حدّ
مُطَّلَع. قيل:
(3/237)
مَعْنَاهُ لكل حدّ مَصْعَد يصعد إِلَيْهِ
يَعْنِي فِي معرفَة علمه وَمِنْه قَول جرير ابْن الخطفي: [الْكَامِل]
إِنِّي إِذا مُضَرٌ عليّ تّحَدَّبَتْ ... لاقيتُ مُطَّلَع الجِبالِ
وُعُورا
يَعْنِي مَصْعدها. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: قَوْله: لكل حدّ مُطَّلَع
يَقُول: مأتيً يُؤْتى مِنْهُ وَهُوَ شَبيه الْمَعْنى بالْقَوْل الأول
يُقَال: مُطَّلع هَذَا الْجَبَل من مَكَان كذاوكذا أَي مصعده ومأتاه.
فلج وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيث عمر حِين بعث حُذَيْفَة وَابْن حُنَيْف إِلَى السوَاد فَفَلَجَا
الْجِزْيَة على أَهله. قَالَ الْأَصْمَعِي: قَوْله: فَلَجَا يَعْنِي
قسما الْجِزْيَة عَلَيْهِم. قَالَ: وأصل ذَلِك من الفِلْج وَهُوَ
الْمِكْيَال الَّذِي يُقَال لَهُ الفالج قَالَ: وَأَصله سرياني يُقَال
لَهُ بالسُّرْيَانيَّة: فالغا فَعرِّب فَقيل [لَهُ -] : فالج وفِلْج
قَالَ الْجَعْدِي يصف الْخمر: [المنسرح]
اُلْقِيَ فِيهَا فِلْجانِ من مِسْك دا ... رِينَ وفلج من فلفل ضرم
(3/238)
يَعْنِي حرارة طعم الفلفل. وَإِنَّمَا سمى
الْقِسْمَة بالفلج لِأَن خراجهم كَانَ طَعَاما. قَالَ أَبُو عبيد:
فَهَذَا الفِلْج فَأَما الفُلْج بِضَم الْفَاء فَهُوَ أَن يَفْلُجَ
الرجلُ أصحابَه يعلوهم ويفوتهم. يُقَال مِنْهُ: قد فلج يفلُج [فَلْجا
وفُلْجا -] . وَأما الفَلَج بِفَتْح الْفَاء وَاللَّام فَهُوَ النَّهر
قَالَ الْأَعْشَى: [الطَّوِيل]
فَمَا فَلَجٌ يجْرِي إِلَى جنب صعنبي ... لَهُ مَشْرَع سهل إِلَى كل
مَوردِ
والفَلَج أَيْضا فِي الْأَسْنَان من الرجل الأفلج وهُوَ المتباعد مَا
بَين الثنايا والرباعيات.
قفف وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيث عمر حِين قَالَ لَهُ حُذَيْفَة: إِنَّك تستعين بِالرجلِ الَّذِي
فِيهِ وَبَعْضهمْ يرويهِ: بِالرجلِ الْفَاجِر فَقَالَ عمر: إِنِّي
أستعمله لأستعين بقوّته ثمَّ أكون على قَفّانه.
(3/239)
قَالَ الْأَصْمَعِي: قَفّان كل شَيْء
جُمّاعة واستقصاء مَعْرفَته يَقُول أكون على تتبع أمره حَتَّى أستقصي
علمه وأعرفه.
نشش قَالَ أَبُو عبيد: وَلَا أَحسب
هَذِه الْكَلِمَة عَرَبِيَّة إِنَّمَا أَصْلهَا قَبّان وَمِنْه قَول
الْعَامَّة: فلَان قَبّان على فلَان إِذا كَانَ بِمَنْزِلَة الْأمين
عَلَيْهِ والرئيس الَّذِي يُتَتبع أمره ويحاسبه وَلِهَذَا سمي هَذَا
الْمِيزَان الَّذِي يُقَال [لَهُ -] القَبّانُ [القَبّانُ -] . وَقَالَ
[أَبُو عبيد -] : فِي حَدِيث عمر حِين قَالَ لِابْنِ عَبَّاس فِي شَيْء
شاوره فِيهِ فأعجبه كَلَامه فَقَالَ عمر: نِشْنِشَة من أخْشَن. هَكَذَا
كَانَ سُفْيَان يرويهِ بِتَقْدِيم النُّون وَأما أهل الْعلم
بِالْعَرَبِيَّةِ فَيَقُولُونَ غير هَذَا. قَالَ الْأَصْمَعِي:
إِنَّمَا هِيَ شنشنة أعرفهَا من أخزم
(3/240)
/ هَذَا بَيت رجز تمثل بِهِ قَالَ:
والشِّنْشِنَة قد تكون كالمُضغة أَو الْقطعَة 94 / الف تقطع من
اللَّحْم. وَقَالَ غير وَاحِد: بل الشنشنة مثل الطبيعة والسَّجِيّة
فَأَرَادَ عمر إِنِّي أعرف فِيك مَشابِه من أَبِيك فِي رَأْيه وعقله
وَيُقَال: إِنَّه لم يكن لقرشي مثل رَأْي الْعَبَّاس [رَحمَه الله -] .
قَالَ أَبُو عبيد: وَأَخْبرنِي ابْن الْكَلْبِيّ أَن هَذَا الشّعْر
لأبي أخزم الطَّائِي وَهُوَ جد أبي حَاتِم الطي أَو جد جده وَكَانَ
لَهُ ابْن يُقَال لَهُ أخزم فَمَاتَ أخزم وَترك بَنِينَ فَوَثَبُوا
يَوْمًا على جدهم أبي أخزم فأدموه فَقَالَ: [الرجز]
إنّ بَنِيّ رمّلوني بالدمِ ... شِنْشِنَةٌ أعرفهَا من أخزمِ
يَعْنِي أَن هَؤُلَاءِ أشبهوا أباهم فِي طَبِيعَته وخلقه وَأَحْسبهُ
كَانَ بِهِ عاقا. وَقد يكون الْمَعْنى الآخر كَأَنَّهُ جعلهم قِطْعَة
مِنْهُ أَي أَنهم بضعَة. وَقد تمثل أَيْضا بِهَذَا الشّعْر عقيل بن
عُلَّفَة المري فِي بعض وَلَده وَإِنَّمَا تمثل بِهِ
(3/241)
عمر تمثلا. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال: شِنْشِنة ونِشْنِشَة
[وَغَيره يُنكر نِشْنِشَة -] . |