غريب الحديث للقاسم بن سلام بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
أَحَادِيث الزبير بن الْعَوام رَضِي الله عَنهُ
شرج تلع جدر وَقَالَ [أَبُو عبيد -]
: فِي حَدِيث الزبير [بن الْعَوام -] [رَحْمَة الله عَلَيْهِ -] أَنه
خَاصم رجلا من الْأَنْصَار فِي سيول شَراج (شِراج) الحَرّة إِلَى
النَّبِي
(4/1)
صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا
زبير احْبِسْ المَاء حَتَّى يبلغ الجُدْرَ. قَالَ الْأَصْمَعِي:
الشِراج مجاري المَاء من الْحرار إِلَى السهل وَاحِدهَا شَرْج وَقَالَ
أَبُو عَمْرو مثل ذَلِك أَو نَحوه. قَالَ الْأَصْمَعِي: وَأما التِلاع
فَإِنَّهَا مجاري أَعلَى الأَرْض إِلَى بطُون الأودية واحدتها تَلْعَة
وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَقُول: التَلعة قد تكون مَا ارْتَفع من
الأَرْض وَتَكون مَا انحدر وَهَذَا عِنْده من الأضداد. قَالَ أَبُو
عبيد: وَأما الجُدْرُ (الجَدْر) فَهُوَ الْجِدَار وَمِنْه قَول ابْن
عَبَّاس [رَحمَه الله -] حِين سئلَ عَن الْحطيم فَقَالَ: هُوَ الْجدر.
فَيَقُول: احْبِسْ المَاء فِي أَرْضك حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الْجِدَار
ثمَّ أرْسلهُ إِلَى من هُوَ أَسْفَل مِنْك
(4/2)
وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَنه قضى
فِي المَاء إِذا كَانَ مُشْتَركا بَين قوم أَنه يمسك الْأَعْلَى حَتَّى
يبلغ الْموضع الَّذِي سمّي ثمَّ يُرْسِلهُ إِلَى الْأَسْفَل وَكَذَلِكَ
قضى فِي سيل مُهزور وَادي بني قُرَيْظَة أَن يحْبسهُ حَتَّى يبلغ
المَاء الْكَعْبَيْنِ ثمَّ يُرْسِلهُ لَيْسَ لَهُ أَن يحْبسهُ أَكثر من
ذَلِك وَهَذَا تَأْوِيل حَدِيث ابْن مَسْعُود: أهل الشّرْب الْأَسْفَل
أُمَرَاء على أَعْلَاهُ.
صفف وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيث الزبير [رَحمَه الله -] أَنه كَانَ يتزوّد صَفِيفَ الْوَحْش
وَهُوَ محرم. قَالَ الْكسَائي: الصفيف القَدِيد يُقَال مِنْهُ: صففت /
اللحمَ أصُفّه 6 / ب
(4/3)
صفا إِذا قدّدته وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس
فِي وَحش صادها فطبخ لَهُ وقدد:
[الطَّوِيل]
فظل طُهاة اللَّحْم من بَين مُنضِج ... صَفيفَ شِواء أَو قدير
مُعَجَّلِ
الطُهاة: الطباخون والقدير: مَا طبخ فِي القِدر. وَمِمَّا يبين أَن
الصفيف هُوَ القديد أَنه يُسمى فِي بعض الحَدِيث. وَفِي هَذَا الحَدِيث
من الْفِقْه الرُّخْصَة فِي لحم الصَّيْد يَأْكُلهُ الْمحرم إِذا
[كَانَ -] لم يقْتله وَلم يُعِنْ على قَتله.
لعس وَقَالَ [أَبُو عبيد -] فِي
حَدِيث الزبير [رَحمَه الله -] أَنه رأى فِتية لُعْسا فَسَأَلَ عَنْهُم
فَقيل: أمّهم مولاة للحُرَقة وأبوهم مَمْلُوك فَاشْترى أباهم فَأعْتقهُ
فجر ولاءهم.
(4/4)
قَالَ الْأَصْمَعِي: اللُّعْس الَّذين فِي
شِفاههم سَواد وَهُوَ مِمَّا يستحسن يُقَال مِنْهُ: رجل ألعس
وَامْرَأَة لعساء وَالْجَمَاعَة مِنْهُم لُعْس وَقد لَعِس يلعَس لعَسا
قَالَ ذُو الرمة يذكر امْرَأَة: [الْبَسِيط] . ... لمياء فِي شفتيها
حُوَّة لَعَسٌ ... وَفِي اللِثاث وَفِي أنيابها شَنَبُ
فالشنب: رقّة فِي الْأَسْنَان وحدة مَعَ كَثْرَة المَاء و [قَوْله -]
الحَوَّاء واللمْياء هما نَحْو من اللعساء وَالِاسْم من اللمياء
اللمَى.
(4/5)
وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَن
الْمَمْلُوك إِذا كَانَت عِنْده امْرَأَة حرَّة مولاة لقوم فَولدت لَهُ
أَوْلَادًا فهم موَالٍ لموَالِي أمّهم مَا دَامَ الْأَب مَمْلُوكا
فَإِذا أعتق الْأَب جرّ الْوَلَاء فَكَانَ وَلَاء وَلَده لمواليه وَعَن
عمر قَالَ: إِذا أعتق الْأَب جرّ الْوَلَاء وَعَن عُثْمَان أَنه قضى
بِهِ للزبير.
فتك وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيث الزبير [رَحمَه الله -] أَن رجلا أَتَاهُ فَقَالَ: أَلا أقتل
لَك عليا قَالَ: وَكَيف تقتله قَالَ: أفتك بِهِ قَالَ: سَمِعت رَسُول
الله صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: قَيَدَ الإيمانُ الفَتُكَ لَا
يفتِك مُؤمن. قَوْله: الفَتْك يَعْنِي أَن يَأْتِي الرجل صَاحبه وَهُوَ
غارّ غافل حَتَّى يشُدّ عَلَيْهِ فيقتله وَإِن لم يكن أعطَاهُ أَمَانًا
قبل ذَلِك وَلَكِن يَنْبَغِي
(4/6)
[لَهُ -] أَن يُعلمهُ ذَلِك قبل وَكَذَلِكَ
كل من قتل رجلا غارّا فَهُوَ فاتك بِهِ وَقَالَ المُخَبَّل السَّعْدِيّ
فِي النُّعْمَان وَكَانَ بعث إِلَى بني عَوْف بن كَعْب جَيْشًا فِي
الشَّهْر الْحَرَام وَكَانُوا آمِنين غارّين لمَكَان الشَهر فَقتل فيهم
وسبى فَقَالَ المخبل:
[الطَّوِيل]
وَإِذ فَتَك النعمانُ بِالنَّاسِ محرما ... فَمُلِئ من عَوْف بن كَعْب
سلاسلُه
قَالَ الْأَصْمَعِي: قَوْله محرما لَيْسَ يَعْنِي من إِحْرَام الْحَج
وَلكنه الدَّاخِل فِي الشَّهْر الْحَرَام قَالَ: وَمِنْه قَول
الرَّاعِي: [الْكَامِل]
قتلوا ابْن عَفَّان الخليفةَ محرما ... ودعا فَلم أر مثله مخذولاَ
وَإِنَّمَا جعله محرما لِأَنَّهُ قتل فِي آخر ذِي الْحجَّة وَلم يكن
محرما بِالْحَجِّ. [قَالَ أَبُو عبيد -] : يُقَال: أحرمنا دَخَلنَا فِي
الشَّهْر الْحَرَام وأحللنا دَخَلنَا
(4/7)
فِي الشَّهْر الْحَلَال وَقَالَ زُهَيْر:
[الطَّوِيل]
جعلن القَنان عَن يَمِين وحَزْنَه ... وَكم بالقنان من محلّ ومُحرم
[و -] لَيْسَ هَذَا من إِحْرَام الْحَج.
وكى بن وَقَالَ [أَبُو عبيد -] :
فِي حَدِيث الزبير [رَحمَه الله -] أَنه كَانَ يُوكي بَين الصَّفَا
والمروة. فَذهب بعض النَّاس فِي هَذَا إِلَى أَنه كَانَ يستريح فِي
طَوَافه بَينهمَا. حَتَّى يُوكي الشَّيْء يشده وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدِي
من إمْسَاك الْكَلَام أَنه يوكي فَاه فَلَا يتَكَلَّم ويحكى عَن
أَعْرَابِي أَنه سمع رجلا يتَكَلَّم فَقَالَ: أوك حلقك 7 / الف أَي
سُدّ فمك واسكت فَلَا تكلم. وَإِنَّمَا كره الزبير الْكَلَام / فِي
السَّعْي بَينهمَا كَمَا كره كثير من الْفُقَهَاء الْكَلَام فِي
الطّواف بِالْبَيْتِ فَشبه هَذَا
(4/8)
بذلك. وَفِيه تَفْسِير آخر أَنه يرْوى
عَنهُ قَالَ: كَانَ يُوكي [مَا -] بَين الصَّفَا والمروة سعيا فَإِن
كَانَ هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ فَإِن وَجهه أَن يمْلَأ مَا بَينهمَا
سعيا لَا يمشي على هينته فِي شَيْء من ذَلِك وَهَذَا شَبيه بالسقاء أَو
غَيره يُملأ مَاء ثمَّ يَوكى عَلَيْهِ حَيْثُ انْتهى الامتلاء.
أَحَادِيث طَلْحَة عبيد الله رَضِي الله عَنهُ
لجج حشش نصت قفى قفى أَبُو عبيد:
فِي حَدِيث طَلْحَة [بن عبيد الله -] [رَحمَه الله -]
(4/9)
حِين قَامَ إِلَيْهِ رجل بِالْبَصْرَةِ
فَقَالَ: إِنَّا أنَاس بِهَذِهِ الْأَمْصَار وَإنَّهُ أَتَانَا قتل
أَمِير وتأمير آخر وأتتنا بيعتك وبيعة أَصْحَابك فأنشدك الله لَا تكن
أول من غدر فَقَالَ طَلْحَة: انْصِتُوني ثمَّ قَالَ: إِنِّي أخذت
فأدخلت فِي الحَشّ وقربوا فوضعوا اللُج على قَفَىَّ فَقَالُوا:
لتُبايعنَّ أَو لنقتلنّك فَبَايَعت وَأَنا مكره. قَوْله: اللُّجّ قَالَ
الْأَصْمَعِي: يَعْنِي السيفَ قَالَ: ونرى أنّ اللجّ اسْم سمي بِهِ
السَّيْف كَمَا قَالُوا الصمصامة وَذُو الفَقار وَنَحْوه وَيُقَال
فِيهِ قَول آخر شبّهه بلجّة الْبَحْر فِي هوله يقا: هَذَا لجّ الْبَحْر
وَهَذِه لجّة الْبَحْر. وَأما الحَشّ فالبستان [وَفِيه لُغَتَانِ:
الحُشّ والحَشّ -] وَجمعه حُشّان (حُشّان) وَإِنَّمَا سمي مَوضِع
الْخَلَاء حَشا بِهَذَا لأَنهم كَانُوا يقضون حوائجهم فِي
الْبَسَاتِين.
(4/10)
وَأما قَوْله: أنصتوني فَإِنَّهُ مثل
[قَوْله -] أَنْصتُوا لي يُقَال: انْصَتَه واَنْصَتَ لَهُ مثل
نَصَحَتُه ونَصْحتٌ لَهُ. وَقَوله: قَفَيَّ هِيَ لُغَة طائية وَكَانَت
عِنْد طَلْحَة امْرَأَة طائية وَيُقَال إِن طيا لَا تَأْخُذ من لُغَة
أحد وَيُؤْخَذ من لغاتها.
مشق مشق وَقَالَ [أَبُو عبيد -] فِي
حَدِيث طَلْحَة [رَحمَه الله -] حِين رأى عمر عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ
مصبوغين وَهُوَ محرم فَقَالَ: مَا هَذَا فَقَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْس
يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِمَّا هُوَ بمِشْق. قَوْله: المَشْق
(المَشِقْ) يُقَال مِنْهُ: ثوب مُمَشّق وَهُوَ الْمَصْبُوغ بالمَغرَة
وَكَذَلِكَ قَول جَابر بن عبد الله: كُنَّا نلبس فِي الْإِحْرَام
المُمشّق إِنَّمَا هِيَ مَدَرة وَلَيْسَت بطِيب فَلذَلِك رخص أَن
يلبسهَا الْمحرم.
(4/11)
وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه انه
إِنَّمَا كرهت الثِّيَاب المصبغة فِي الْإِحْرَام إِذا كَانَت صبغت
بالطيب كالورس والزعفران والعصفر وَمَا كَانَ لَيْسَ بطِيب فَلَا بَأْس
بِهِ وَمِنْه حَدِيث عُثْمَان أَنه غطّى وَجهه بقطيفة حَمْرَاء أرجوان
وَهُوَ محرم. إِنَّمَا كَانَت مصبوغة بِبَعْض هَذِه الأصباغ الْحمر من
غير طِيب وَإِنَّمَا كره عمر رَضِي الله عَنهُ ذَلِك لِئَلَّا يرَاهُ
النَّاس لبس ثوبا مصبوغا فيلبس النَّاس الثِّيَاب المصبوغة فِي
الْإِحْرَام. وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي حَدِيث طَلْحَة [رَحمَه
الله -] حِين قَالَ لِابْنِ عَبَّاس [رَحمَه الله -] : هَل لَك أَن
اناحِبَك وترفع النَّبِيّ صلي الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: أُناحِبُك
قَالَ الْأَصْمَعِي: ناحبتُ الرجل إِذا حاكمته
(4/12)
أَو قاضيتَه إِلَى رجل قَالَ أَبُو عبيد:
وأصل النَحْب النَّذْر وَالشَّيْء يَجعله الْإِنْسَان على نَفسه قَالَ
لبيد: [الطَّوِيل]
أَلا تَسألان الْمَرْء مَاذَا يُحَاوِلُ ... أنَحْبٌ فَيُقْضَي أم
ضلالٌ وباطلُ
يَقُول: أعليه نذر فِي طول سَعْيه. ويروى فِي قَول الله [تبَارك و -]
تَعَالَى {فَمِنْهُمَ مَنْ قَضى نَحْبَهُ ومِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ}
أَن ذَلِك نزل فِي قوم كَانُوا تخلّفوا عَن بدر فَجعلُوا على أنفسهم
لَئِن لقوا الْعَدو ثَانِيَة ليقاتلنّ حَتَّى يموتوا فَقتلُوا أَو قتل
بَعضهم يَوْم أحد ففيهم نزلت {رِجَالٌ صَدَقُوْا مَا َعاَهُدوا اللَّهَ
عَلَيهِ فَمِنْهُمَ مَنْ قَضى نَحْبَهُ ومِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} .
ندى بن وَقَالَ [أَبُو عبيد -] :
فِي حَدِيث طَلْحَة خرجت بفرس لي انَدّيِة. / قَالَ الْأَصْمَعِي
وَأَبُو عَمْرو: التَّنْدِيةُ أَن يُورد الرجل فرسه المَاء حَتَّى 7 /
ب يشرَب ثمَّ يردّه إِلَى المرعى سَاعَة يرتعي ثمَّ يُعِيدهُ إِلَى
المَاء. قَالَ الْأَصْمَعِي:
(4/13)
وَالْإِبِل فِي ذَلِك مثل الْخَيل قَالَ:
واختصم حيّان من الْعَرَب فِي مَوضِع فَقَالَ أحد الحيّين مَسْرحُ
بَهْمِنَا ومخرج نسائنا ومُنَدَّى خَيْلنَا قَالَ الشَّاعِر يصف
بَعِيرًا: [الرجز]
قريبةٍ نَدْوَتُه من مَحْمَضِهْ
يَعْنِي الْموضع الَّذِي تَنْدو فِيهِ. قَالَ أَبُو عَمْرو: فَإِذا
رَأَيْت الْفرس فعل ذَلِك هُوَ وَلم تَفْعَلهُ بِهِ قلتَ: قد نَدا
يَنْدو نَدْوا والنُّدوة والمُنَدَّى وَاحِد
(4/14)
وَهُوَ الْموضع الَّذِي يرْعَى فِيهِ بعد
السَّقْي.
حَدِيث عبد الرَّحْمَن عَوْف رَضِي الله عَنهُ
حمم بن وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث عبد الرَّحْمَن [بْن عَوْف -] [رَحمَه الله -] أَنه طلّق
امْرَأَته فمتعها بخادم سَوْدَاء حَمَّمها إِيَّاهَا. قَوْله: حمَّمها
[إِيَّاهَا -] يَعْنِي متَّعها بهَا بعد الطَّلَاق وَكَانَت الْعَرَب
(4/15)
تسميها التحميم قَالَ الراجز: [الرجز]
أَنْت الَّذِي وَهَبْتَ زيدا بَعْدَمَا ... هَمَمْتُ بالعجوز أَن
تُحمَّما
يَعْنِي أَن أطلقها وأمتعها قَالَ الْأَصْمَعِي: التحميم فِي ثَلَاثَة
أَشْيَاء هَذَا أَحدهَا وَيُقَال: حَمّم الفرخُ إِذا نَبتَ ريشه
وحَمَّمْتَ وَجه الرجل إِذا سوّدته بالحمم. وَفِي هَذَا الحَدِيث من
الْفِقْه أَنه أَرَادَ قَول الله [تبَارك -] تَعَالَى
{ولِلْمُطَلَّقاتِ مَتَاٌع بِاْلَمعُروفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِيْنَ}
و {حَقَّا عَلَى المُحِسِنْينَ} وَلِهَذَا قَالَ شُريح لرجل طلق
امْرَأَته: لَا تابَ أَن تكون من الْمُتَّقِينَ لَا تابَ أَن تكون من
الْمُحْسِنِينَ وَلم يجْبرهُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا أفتاه فُتيا. وَأما
الَّتِي يجْبر عَلَيْهَا فالتي تطلّق قبل الدّخول وَلم يسمّ لَهَا
صَدَاقا لقَوْل الله تبَارك وَتَعَالَى {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُم إِن
طَلَّقْتُمُ النِسَاءَ مَا لَم تَمَسُّوهُنَّ أوَ تَفْرِضُوْا لَهُنَّ
فَرِيْضَةً وَّمِتّعُوْهُنَّ عَلَى المُوْسِعِ قَدَرُهْ وَعَلَى المقتر
قدره} .
(4/16)
أَحَادِيث سعد أبي وَقاص [رَحمَه الله -]
عرر وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
سعد أَنه ان يدمل أرضه بالعرة.
(4/17)
قَالَ الْأَصْمَعِي: قَوْله عُرّة يَعْنِي
عَذِرة النَّاس قَالَ وَمِنْه قيل: قد عرّ فلَان قومه بشرٍّ إِذا لطخهم
بِهِ
دمل قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقد
يكون عرّهم من العُرّ (الَعّر) [أَيْضا -] وَهُوَ الجرب أَي أعداهم
شَره ولصق بهم قَالَ الأخطل: [الطَّوِيل]
ونَعرُرْ بِقوم عُرَّةً يكرهونها ... ونَحيا جَمِيعًا أَو نموت
فنُقتَلُ
وَقَالَ الْأَحْمَر فِي قَوْله: يُدمِل أرضه أَي يصلحها وَيحسن
معالجتها وَمِنْه قيل للجرح: قد اندمل إِذا تماثل [وَصلح -] وَمِنْه
قيل: داملت الرجل إِذا داريته ليصلح مَا بَيْنك وَبَينه قَالَ: وأنشدنا
الْأَحْمَر لأبي الْأسود الدئلي: [الطَّوِيل]
شَنِئْتُ مِن الإخوانِ مَن لستُ زائلا ... أدامِلُهُ دملَ السِّقاء
المخرقِ
(4/18)
وَيُقَال للسرجين: الدَّمال لِأَن الأَرْض
تصلح بِهِ وَقَالَ: الْكُمَيْت:
[الطَّوِيل]
رأى إرة مِنْهَا تُحشّ لفتنة ... وَإِيقَاد راج أَن يكون دَمالها
بتل وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيث سعد [قَالَ -] لقد ردَّ رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ
وَسلم الَبَتُّل على عُثْمَان بن مَظْعُون وَلَو أذن لنا لاختصينا.
قَوْله: التبتُّل يَعْنِي ترك النِّكَاح وَمِنْه قيل لِمَرْيَم
عَلَيْهَا السَّلَام: البِكر البَتُول لتركها التَّزْوِيج. وأصل التبتل
الْقطع وَلِهَذَا قيل: بتَلْتُ الشَّيْء [أَي -] قطعته وَمِنْه قيل فِي
الصَّدَقَة يبينها الرجل من مَاله: صَدَقَة بَتّة بَتلة أَي قطعهَا
صَاحبهَا من مَاله وَبَانَتْ مِنْهُ.
(4/19)
فَكَأَن معنى الحَدِيث أَنه الِانْقِطَاع
من النِّسَاء فَلَا يتَزَوَّج وَلَا يُولد لَهُ 8 / ألف / وَقَالَ
ربيعَة بن مقروم الضَّبِّيّ يصف رَاهِبًا: [الْكَامِل]
لَو أَنَّهَا عرضت لأشمط رَاهِب ... فِي رَأس شاهقه الذرى مُتَبَتّلُ
يَعْنِي أَنه لَا يتَزَوَّج وَلَا يُولد لَهُ. وَقد رُوِيَ فِي قَوْله
تَعَالَى {وَتَبَتَّلُ إِليهِ تَبْتِيْلاً} أخْلص إِلَيْهِ إخلاصا
وَلَا أرى الأَصْل إِلَّا من هَذَا يَقُول: انْقَطع إِلَيْهِ بعملك
ونيتك وإخلاصك. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال للنخلة إِذا كَانَت
فَسيلتها قد انْفَرَدت مِنْهَا واستغنت عَنْهَا: مُبُتل وَيُقَال
للفَسيلة نَفسهَا: البَتُول.
عرش وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي
حَدِيث سعد [رَحمَه الله] حِين قيل لَهُ: إِن فلَانا ينْهَى عَن
الْمُتْعَة فَقَالَ: [قد -] تَمَتعنَا مَعَ رَسُول الله
(4/20)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفُلَان كَافِر
بالعُرُش. قَوْله: الْعَرْش [يَعْنِي -] بيُوت مَكَّة سميت الْعَرْش
لِأَنَّهَا عيدَان تنصب ويظلل عَلَيْهَا و [قد -] يُقَال لَهَا [أَيْضا
-] عُروش وَمِنْه حَدِيث ابْن عُمَر: أَنه كَانَ يَقطع التَّلْبِيَة
فِي الْعمرَة إِذا نظر [إِلَى -] عروش مَكَّة. فَمن قَالَ: عُرش
فواحدها عَريش وَجمعه عُرُش مثل قليب وقُلُب وسَبيل وسُبُل وطَريق
وطُرُق وَمن قَالَ: عُروش فواحدها عَرش وَجمعه عُروش مثل فَلْس وفُلُوس
وسَرْج وسُرُوج.
كفر كفر وَقَالَ [أَبُو عبيد -] :
وَلم يرد سعد بقوله: كَافِر بالعُرُش معنى قَول النَّاس إِنَّه كَافِر
بِاللَّه وَكَافِر بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا
أَرَادَ أَنه كَافِر وَهُوَ يَوْمئِذٍ مُقيم بالعرش بِمَكَّة وَلم يسلم
وَلم يُهَاجر كَقَوْلِك:
(4/21)
[فلَان -] كَافِر بِأَرْض الرّوم أَي
كَافِر وَهُوَ مُقيم بهَا.
عزّر وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي حَدِيث سعد [رَحمَه الله -] لقد
رَأَيْتنَا مَعَ رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم وَمَا لنا
طَعَام إِلَّا الحُبْلة وورق السَمُر ثمَّ أصبحتْ بَنو أَسد
تُعَزِّرُني على الْإِسْلَام لقد ضللتُ إِذا وخاب عَمَلي] [وَقَالَ
أَبُو عبيد -] أصل التَّعْزِير هُوَ التَّأْدِيب وَلِهَذَا سمي
الضَّرْب دون الحدّ تعزيرا إِنَّمَا هُوَ أدب وَكَانَ هَذَا القَوْل من
سعد حِين شكاه أهل الْكُوفَة إِلَى عمر حِين قَالُوا: لَا يحسن
الصَّلَاة فَسَأَلَهُ عمر عَن ذَلِك فَقَالَ: إِنِّي لأطيل بهم فِي
الْأَوليين وأحذف من الْأُخْرَيَيْنِ وَمَا آلو عَن صَلَاة رَسُول الله
صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عمر: كَذَلِك عهدنا الصَّلَاة وَفِي
حَدِيث آخر: [قَالَ -] كَذَلِك الظَّن بك يَا أَبَا إِسْحَاق.
(4/22)
حَبل سمر بن قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقد
يكون التَّعْزِير فِي مَوضِع آخر لَا يدْخل هَهُنَا وَهُوَ تعظيمك
الرجل وتبجيلك إِيَّاه وَمِنْه قَول الله عز وَجل {لِتُؤْمِنُوا بِالله
ورَسُوْلِهِ وَتُعَزِرُوْهُ وَتوَقِرُوُهَ} . وَأما قَول سعد فِي الحبلة
والسمر فَإِنَّهُمَا نَوْعَانِ من الشّجر أَو النَّبَات.
حَدِيث أبي عُبَيْدَة الْجراح رَضِي الله عَنهُ
فهه بن وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي
حَدِيث أبي عُبَيْدَة [بن الْجراح -] [رَحمَه الله -]
(4/23)
حِين قَالَ لَهُ عمر [رَضِي الله عَنهُ -]
: ابسُطْ يدك فَلأبايعك فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مَا رَأَيْت أَو
قَالَ: مَا سَمِعت مِنْك فَهَّة فِي الْإِسْلَام قبلهَا أتبايعني
وَفِيكُمْ الصدّيق ثَانِي اثْنَيْنِ. قَوْله: فَهَّة هِيَ مثل
السَّقْطَة والجَهْلَة وَنَحْوهَا يُقَال مِنْهُ: رجل فَهّ وفَهِيْهٌ
وَقد فَهِهْتَ يَا رجل تَفِهُّ فَهاهَة وَقد يكون ذَلِك من العَيِّ
أَيْضا قَالَ الشَّاعِر: [الطَّوِيل]
فَلم تُلْفِني فَهَّا وَلم تُلْفِ جُجّتي ... مُلَجْلَجَةً أبغي لَهَا
من يُقيمها
حَدِيث الْعَبَّاس عبد الْمطلب رَضِي الله عَنهُ
وتر شدخ حلل وَقَالَ أَبُو عبيد:
فِي حَدِيث الْعَبَّاس [بن عبد الْمطلب -] رَحمَه الله
(4/24)
قَالَ: كَانَ عمر [رَضِي الله عَنهُ -] لي
جارا فَكَانَ يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل فَلَمَّا ولي قلت:
لأنظرن الْآن إِلَى عمله فَلم يزل على وَتِيرَة وَاحِدَة حَتَّى مَاتَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الوتيرة المداومة على الشَّيْء [وَهُوَ -]
مَأْخُوذ من التَّواتُر والتَّتابُع قَالَ: والوتيرة فِي غير هَذَا
الحَدِيث الفترة عَن
(4/25)
الشَّيْء وَالْعَمَل قَالَ زُهَيْر يصف
بقرة فِي سَيرهَا: [الطَّوِيل]
نَجاءٌ مُجدٌّ لَيْسَ فِيهِ وتيرة ... وتذبيبها عَنْهَا بأسحم مذود
8 - / ب قَالَ: والوتيرة أَيْضا غُرّة الْفرس / إِذا كَانَت مستديرة
قَالَ الْكسَائي: فَإِذا طَالَتْ فَهِيَ الشادخة وأنشدنا: [الرجز]
سقيا لكم يَا نُعمَ سَقيين اثنينْ ... شادخة الْغرَّة نجلاء العينْ
وبلل
حلل وبلل وَقَالَ [أَبُو عبيد -] :
فِي حَدِيث الْعَبَّاس و [حَدِيث -] ابْنه عبد الله رحمهمَا الله فِي
زَمْزَم: لَا أحلهَا لمغتسل وَهِي لشارب حل وبل.
(4/26)
وَإِنَّمَا نرَاهُ نهى عَن هَذَا أَنه نزّه
الْمَسْجِد أَن يغْتَسل فِيهِ من جَنَابَة قَالَ: فَأَما قَوْله: بِلّ
فَإِن الْأَصْمَعِي قَالَ: كنت أَقُول فِي بِلّ: إِنَّه إتباع
كَقَوْلِهِم: عطشان نطشان وجائع نائع حَتَّى أَخْبرنِي مُعتَمِر بن
سُلَيْمَان أَن بلاّ فِي لُغَة حمير مُبَاح قَالَ أَبُو عبيد: وَهُوَ
عِنْدِي على مَا قَالَ مُعْتَمر لأَنا قلّ مَا وجدنَا الِاتِّبَاع
[يكون -] بواو الْعَطف وَإِنَّمَا الِاتِّبَاع بِغَيْر وَاو
كَقَوْلِهِم: جَائِع نائع وعطشان نطشان وَحسن بسن وَأَشْبَاه ذَلِك
إِنَّمَا يتَكَلَّم بِهِ من غير وَاو [فَإِذا جَاءَت وَاو الْعَطف
فَهِيَ كلمة أُخْرَى
(4/27)
وَقد كَانَ بعض النَّحْوِيين يَقُول فِي
حَدِيث آدم عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّه لما قَتل أحد ابنيه أَخَاهُ
فَمَكثَ مائَة سنة لَا يضْحك ثمَّ قيل لَهُ: حياك الله وبيّاك قَالَ:
وَمَا بيّاك قَالَ: أضْحكك. قَوْله: بيّاك أضْحكك يبين لَك أَنه لَيْسَ
بِاتِّبَاع إِنَّمَا هِيَ كلمة أُخْرَى. قَالَ: وَيُقَال إِن بلاّ
شِفَاء كَمَا يُقَال: [قد -] بَلَ الرجل من مَرضه وأبلّ واستبلّ إِذا
برأَ. قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَمِمَّا يُحَقّق هَذَا الْمَعْنى قَوْله
فِي زَمْزَم: إِنَّهَا طَعَام طعم وشفاء سقم.
أَحَادِيث خَالِد بن الْوَلِيد رَحمَه الله
بنى بثن بِلَا وَقَالَ أَبُو عبيد:
فِي حَدِيث خَالِد بن الْوَلِيد حِين خطب [النَّاس -] فَقَالَ: إِن عمر
استعملني على الشَّام وَهُوَ لَهُ مُهمّ فَلَمَّا ألْقى الشامُ بوانيه
وَصَارَ بَثنيةً وَعَسَلًا عزلني وَاسْتعْمل غَيْرِي فَقَالَ رجل:
هَذَا وَالله هُوَ الْفِتْنَة فَقَالَ خَالِد: أما وَابْن الْخطاب حَيّ
فَلَا وَلَكِن [ذَاك -]
(4/28)
إِذا كَانَ النَّاس بِذِي بِلِّيّ وَذي
بَلي. قَوْله: ألْقى الشَّام بوانيَه إِنَّمَا هُوَ مثل يُقَال
للإِنسان إِذا اطْمَأَن بِالْمَكَانِ وَاجْتمعَ لَهُ أمره: قد ألْقى
بوانيه وَكَذَلِكَ [يُقَال ألْقى -] أرواقه وَألقى عَصَاهُ قَالَ
الشَّاعِر: [الطَّوِيل]
فألقتْ عصاها واستقرّ بهَا النَّوَى ... كَمَا قر عينا بالإياب
الْمُسَافِر
[و -] قَوْله: صَار بَثَنيّة وَعَسَلًا فِيهِ قَولَانِ: يُقَال البثنية
حِنْطَة منسوبة
(4/29)
إِلَى بِلَاد مَعْرُوفَة بِالشَّام من أَرض
دمشق يُقَال لَهَا البثنية وَالْقَوْل الآخر إِنَّه أَرَادَ بالبثنية
الليِّنة وَذَلِكَ [أَن -] الرملة اللينة يُقَال لَهَا بَثْنة تصغيرها
بُثينة وَبهَا سميت الْمَرْأَة بثينة. فَأَرَادَ خَالِد أَن الشَّام
لما اطْمَأَن وهدا وَذَهَبت شوكته وسكنت الْحَرْب مِنْهُ وَصَارَ لينًا
لَا مَكْرُوه فِيهِ فَإِنَّمَا هُوَ خِصب كالحنطة وَالْعَسَل عزلني
وَاسْتعْمل غَيْرِي قَالَ ذَلِك كُله أَو عامته الْأمَوِي وَكَانَ
الْكسَائي والأصمعي يَقُولَانِ نَحْو ذَلِك وَأما قَوْله: وَكَانَ
النَّاس بِذِي بِليّ وَذي بَليّ فَإِنَّهُ أَرَادَ تفرق النَّاس وَأَن
يَكُونُوا طوائف مَعَ غير إِمَام يجمعهُمْ وَبعد بَعضهم من بعض
وَكَذَلِكَ كل من بعد عَنْك حَتَّى لَا تعرف مَوْضِعه فَهُوَ بِذِي
بَلِّيّ وَفِيه لُغَة أُخْرَى: بِذِي بليان ويرْوى عَن عَاصِم بْن أبي
النجُود عَن أبي وَائِل: 199 / الف بِذِي بِلِّيان. قَالَ أَبُو عبيد:
وَالصَّوَاب: بِلِّيان / وَكَانَ الْكسَائي ينشد هَذَا الْبَيْت فِي
وصف رجل يُطِيل النّوم فَقَالَ: [الوافر]
ينَام وَيذْهب الأقوام حَتَّى ... يُقَال أَتَوا على ذِي بليانِ
يَعْنِي أَنه أَطَالَ النّوم وَمضى أَصْحَابه فِي سفرهم حَتَّى صَارُوا
إِلَى مَوضِع لَا يعرف مكانهم من طول نَومه.
نَوَت قَالَ أَبُو عبيد: وَقد رَوَاهُ بَعضهم ألْقى
(4/30)
الشَّام نواتيَه وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء
إِنَّمَا النواتي فِي كَلَام أهل الشَّام الملاحون الَّذين فِي
الْبَحْر خَاصَّة.
فضَض فضَض خدم خدم وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث خَالِد [رَحمَه الله
-] حِين كتب إِلَى مرازبة فَارس مَقدَمه الْعرَاق: أما بعد فَالْحَمْد
لله الَّذِي فَضّ خَدَمَتَكم وَفرق كلمتكم وسلب مُلككم. قَوْله: فضّ
خَدَمتكم يَعْنِي كسر وفرّق وكل منكسر متفرِّق فَهُوَ قَالَ الله عز
وَجل تَعَالَى {لأنْفَضُّوا مِن حَوِلكَ} . وَقَوله: خَدَمتكم إِنَّمَا
هُوَ مثل وأصل الْخدمَة الْحلقَة المستديرة المحكمة وَمِنْه قيل
للخلاخيل: خِدام قَالَ الشَّاعِر: [الْخَفِيف]
كَانَ منا المطاردون على الْأَخ ... رى إِذا أبدت العَذَارى الخِداما
فَشبه خَالِد اجْتِمَاع أَمرهم كَانَ واستيساقهم بذلك فَلهَذَا قَالَ:
فض
(4/31)
خَدَمتَكم أَي فرّقها بعد اجتماعها.
دفف ذفف وَقَالَ [أَبُو عبيد -] فِي
حَدِيث خَالِد [رَحمَه الله -] فِي غزَاة بني جَذيمة من [بني -]
كنَانَة يَوْم فتح مَكَّة وَكَانَ أسَر مِنْهُم قوما فَلَمَّا كَانَ
اللَّيْل نَادَى مناديه: من كَانَ مَعَه أَسِير فليدافِّه. قَالَ
الْأمَوِي وَأَبُو عَمْرو: قَوْله: فليدافه يَعْنِي لِيُجْهِزْ
عَلَيْهِ يُقَال مِنْهُ: قد داففتُ الرجل دِفافا ومُدافّة وَهُوَ
إجهازُك عَلَيْهِ قَالَ العجّاج أَو رؤبة فِي رجل يعاتبه: [الرجز]
لما رَآنِي أُرعشت أطرافي ... كَانَ مَعَ الشيب من الدفاف
(4/32)
بِالدَّال [ويروى: من الذِفاف -]
[بِالذَّالِ -] . وَكَانَ الْأَصْمَعِي يَقُول: تدافّ الْقَوْم إِذا
ركب بَعضهم بَعْضًا.
[الْغِفَارِيّ -] قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا أرَاهُ مأخوذا إِلَّا من
هَذَا وَفِيه لُغَة أُخْرَى: فليُدافِه مُخَفّفَة يُقَال مِنْهُ:
دافيتُه وَهُوَ فِيمَا يُقَال لُغَة جهنية وَمِنْه الحَدِيث
الْمَرْفُوع: إِنَّه أُتِي بأسير فَقَالَ لقوم مِنْهُم: اذْهَبُوا بِهِ
فأدفوه يُرِيد الدِّفءَ من الْبرد فَذَهَبُوا بِهِ فَقَتَلُوهُ فوداه
رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم. وَفِيه لُغَة أُخْرَى
ثَالِثَة بِالذَّالِ يُقَال: ذَفّفتُ عَلَيْهِ تذفيفا إِذا أجهزتَ
عَلَيْهِ وَمِنْه حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ: إِنَّه نَادَى مناديه
يَوْم الْجمل لَا يُذفّف على جريح وَلَا يُتبَع مُدْبر. والذفاف هُوَ
السم الْقَاتِل.
(4/33)
أَحَادِيث أبي ذَر رَحمَه الله
غذم وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث
أبي ذَر [رَحمَه الله -] حِين عرض عَلَيْهِ
(4/34)
عُثْمَان [رَحمَه الله -] الْإِقَامَة
مَعَه بِالْمَدِينَةِ فَأبى فاستأذنه إِلَى الربذَة فَقَالَ: عَلَيْكُم
معشر قُرَيْش بدنياكم فاغذَموها. قَالَ الْأَصْمَعِي: الغذم هُوَ
الْأكل بجَفاء وَشدَّة [نَهَم -] يُقَال مِنْهُ: غذِمت أغذم غَذْما
وَقَالَ الْأَحْمَر: يُقَال اغتذم الحُوار مَا فِي ضرع أمه وَذَلِكَ
إِذا استوعبه فَلم يبْق فِيهِ شَيْئا وَهُوَ من الأول يُقَال: غذم
واغتذم. وَقَالَ أَبُو عبيد: وَكَذَلِكَ امتكَّه وكلّ من أكل شَيْئا
أَو شَاربه برَغب ونَهَم فقد غَذَمه واغتذمه.
هُبل وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي حَدِيث أبي ذَر [رَحمَه الله -] أَن
النَّبِيّ صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم ذكر لَيْلَة الْقدر فَقَالَ: هِيَ
فِي رَمَضَان فِي الْعشْر الْأَوَاخِر قَالَ أَبُو ذَر: فاهتبَلت غفلته
فَقلت: أَي لَيْلَة هِيَ
(4/35)
9 - / ب قَوْله: اهتبلْت الاهتبال / مثل
قَوْلك: تحيّنت غفلته وافترصْتها واحتلت لَهَا حَتَّى وَجدتهَا
كَالرّجلِ يطْلب الفرصة فِي الشَّيْء قَالَ الْكُمَيْت: [الطَّوِيل]
وَقَالَت ليَ النفسُ أشَعبِ الصدع واهِتَبلْ ... لإحدى الهَنات
المُصْلَعات اهتبالَها
ويروى: المعضلات أَي استعدّ لَهَا واحتلْ. يُقَال مِنْهُ: رجل مُهَتِبل
وهبال.
(4/36)
فلح
وَقَالَ [أَبُو عبيد -] فِي حَدِيث أبي ذَر [رَحمَه الله -] حِين ذكر
الْقيام فِي شهر رَمَضَان مَعَ النَّبِيّ صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة ثَالِثَة بقيت قَامَ بِنَا حَتَّى خفنا
أَن يفوتنا الْفَلاح قيل: وَمَا الْفَلاح قَالَ: السَّحور وَأَيْقَظَ
فِي تِلْكَ اللَّيْلَة أَهله وَبنَاته ونساءه.
(4/37)
قَوْله: الْفَلاح هُوَ السَّحور وَأَصله
الْبَقَاء قَالَ الأضبط بن قُريع السَّعْدِيّ فِي الْجَاهِلِيَّة
الجهلاء: [المنسرح]
لكل هم من الهموم سَعَهْ ... والمُسْىُ وَالصُّبْح لَا فلاح مَعَهْ
يَقُول: لَيْسَ مَعَ كرّ اللَّيْل وَالنَّهَار بَقَاء [قَالَ -]
وَمِنْه قَول عبيد [بن الأبرص -] : [الرجز]
أفلِح بِمَا شئتَ فقد يُبلغ بَال ... ضُّعف وَقد يُخدع الأريب
[قَوْله: أَفْلح -] يَقُول: عِش بِمَا شِئْت من عقل أَو حُمْق فقد
يُرزق الأحمق ويُحرم الْعَاقِل. وَقد يُقَال إِنَّمَا قيل لأهل
الْجنَّة: مفلحون لفوزهم بِبَقَاء الْأَبَد فِي الْجنَّة فَكَأَن معنى
الحَدِيث أَن السَّحورية بَقَاء الصَّوْم فَلهَذَا سَمَّاهُ فلاحا.
(4/38)
زلع
وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي حَدِيث أبي ذَر [رَحمَه الله -] أَنه مر
بِهِ قوم بالرَبَذَة وهم محرمون وَقد تزلّعت أَيْديهم وأرجلهم
فَسَأَلُوهُ: بِأَيّ شَيْء نداويها فَقَالَ: بالدهن. قَوْله: تزلعت
أَيْديهم يَعْنِي تشققت والتزلع الشقاق. وَفِي هَذَا الحَدِيث من
الْفِقْه أَنه رخص لَهُم فِي الدّهن مَا لم يكن فِيهِ طيب فَإِذا
كَانَت فِيهِ [طيب -] وَجَبت فِيهِ الْكَفَّارَة.
خفا نفر وَقَالَ [أَبُو عبيد -] :
فِي حَدِيث أبي ذَر [رَحمَه الله -] عِنْد إِسْلَامه وَكَانَ قدم
مَكَّة هُوَ وَأَخُوهُ فَذكر أَنه [كَانَ -] يمشي نَهَاره فَإِذا كَانَ
اللَّيْل سَقَطت كَأَنِّي خَفَاء. فالخفاء مَمْدُود: [و -] هُوَ الغطاء
وكل شَيْء غطيته بِشَيْء من كسَاء
(4/39)
أَو ثوب أَو غَيره فَذَلِك الغطاء هُوَ
خَفَاء وَجمعه أخفية قَالَ ذُو الرمة:
[الْبَسِيط]
عَلَيْهِ زَاد وأهدام وأخفية ... قد كَاد يجترّها عَن ظَهره الحَقَبُ
وَفِي هَذَا الحَدِيث أَنه قَالَ: نافر أخي رجلا فالمنافرة أَن يفتخر
الرّجلَانِ كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه ثمَّ يحكّما بَينهمَا رجلا
كَفعل عَلْقَمَة بن عُلاثة وعامر بن الطُّفَيْل حِين تنافرا إِلَى هرِم
بن قُطبة الفَزاري وَفِي ذَلِك يَقُول الْأَعْشَى يمدح عَامِرًا وَيحمل
على عَلْقَمَة: [السَّرِيع]
قد قلتُ شعري فَمضى فيكما ... واعترف المنفورُ للنافرِ
(4/40)
فالمنفور: المغلوب والنافر: الْغَالِب وَقد نَفَره يَنفُره [وينفِره -]
نَفْرا إِذا غلب عَلَيْهِ. |