أسرار العربية

الباب الستون: باب الخطاب
[ضابط الخطاب]
إن قال قائل: ما ضابط هذا الباب؟ قيل: أن تجعل أول كلامك للمسئول عنه الغائب، وآخره للمسئول المخاطب؛ فتقول إذا سألت رجلاً عن رجل ... 1: كيف ذلك الرّجل، يا رجل؟ وإذا سألته عن رجلين، قلت: كيف ذانك الرجلان، يا رجل؟ وإذا سألته عن رجال، قلت: كيف أولئك الرجال، يا رجل؟ وإذا سألت رجلاً عن امرأة، قلت: كيف تلك المرأةُ، يا رجل؟ وإذا سألته عن امرأتين، قلت: كيف تانك المرأتان يا رجل؟ وإذا سألته عن نسوة، قلت: كيف أولئك النسوة، يا رجلُ؟ وإذا سألت امرأة عن امرأة، قلت: كيف تلك المرأة، يا امرأة؟ وإذا سألتها عن امرأتين قلت: كيف تانك المرأتان، يا امرأةُ؟ وإذا سألتها عن نسوةٍ، قلت: كيف أولئك النسوة، يا امرأةُ؟ وإذا سألت امرأة عن رجل، قلت: كيف ذلك الرجل يا امرأةُ؟ وإذا سألتها عن رجلين، قلت: كيف ذانك الرجلان، يا امرأة
؟، وإذا سألتها عن رجال، قلت: كيف أولئك الرجالُ، يا امرأةُ؟، وإذا سألت اثنين عن امرأة، قلت: كيف تلكما المرأةُ، يا رجلان؟ قال الله عز وجل: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} 2، وإذا خاطبت نسوة، وأشرت إلى رجل، قلت: كيف ذلكنَّ الرجل يا نسوةُ؟ قال الله تعالى: {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ
} 3، وعلى هذا قياس هذا الباب.
[علة تقديم المشار إليه الغائب]
فإن قيل: فَلِمَ قدّم المشار إليه الغائب؟ قيل: عناية بالمسئول عنه.
__________
1 في "ط" زيادة "قلت" بعد رجل، ولا ضرورة لزيادتها، فلم نثبتها في المتن.
2 س: 7 "الأعراف، ن: 22، مك".
3 س: 12 "يوسف، ن: 32، مك".

(1/273)


[الكاف بعد أسماء الإشارة للخطاب لا محل لها من الإعراب]
والكاف بعد أسماء الإشارة وهي ذلك، وتلك، وأولئك لمجرد الخطاب، ولا موضع لها من الإعراب؛ لأنه لو كان لها موضع من الإعراب لكان موضعها الجر بالإضافة، وذلك محال؛ لأن أسماء الإشارة معارف، والمعارف لا تضاف، فصارت بمنزلة الكاف في "النَّجاك"؛ لأنَّ ما فيه الألف واللام لا يُضاف1، وبمنزلة الكاف في "إيَّاك" لأنَّه مضمر؛ والمضمرات كُلُّها معارف؛ والمعارف لا تضاف.
[اللام في أسماء الإشارة زائدة للتنبيه]
واللام في: ذلك، وتلك/زائدة/2 للتنبيه، كـ"ها" في هذه؛ ولهذا لا يحسن أن يُقال: "هذلك" ولا "هاتالك"، وأصل اللام أن تكون ساكنة.
فإن قيل: فَلِمَ كُسرِت اللام في ذلك وحدها؟ قيل: إنما كُسِرت..3 لوجهين:
أحدهما: أنها كُسرت لالتقاء الساكنين؛ لسكونها وسكون الألف قبلها.
والثاني: أنها كُسرت لئلا تلتبس بلام الملك، ألا ترى أنَّك لو قلت "ذلك" بفتح اللام، لالتبس وتوهم السامع أن المراد به أن هذا الشيء ملك لك، فلمَّا كان يؤدي إلى الالتباس كُسِرت اللام لإزالة هذا الالتباس، وإنَّما فُتِحَت كاف الخطاب في المذكَّر، وكسرت في المؤنث للفرق بينهما، والكاف في "تلكما" أيضًا للخطاب، وما /التي يعدها/4 علامة للتَّثنية، وكذلك الكاف -أيضًا- في "أولئكم" للخطاب، والميم والواو المحذوفة علامة لجمع المذكّر، وكذلك الكاف -أيضًا- في "أولئكُنَّ" للخطاب، والنون المشددة علامة لجمع المؤنث؛ ومن العرب من يأتي بالكاف مفردة في التثنية والجمع على خطاب الواحد إذا فهم المعنى؛ قال الله سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} 5 ولم يقل "ذلكم"؛ وقيل: إنَّما أفرد؛ لأنَّه أراد به الجمع؛ (كأنه قال: ذلك أيها الجمع6) 7 والجمع لفظه مفرد؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 في "ط" تضاف.
2 سقطت من "س".
3 في "ط" زيادة ذلك ولا ضرورة لها، فلم نثبتها في السياق.
4 سقطت من "س".
5 س: 3 "آل عمران، ن: 182، مد".
6 في "ط" إنَّها الجمع، وما أثبتناه هو الصواب من نسخة أخرى.
7 سقطت من "س".

(1/274)


الباب الحادي والستون: باب الألفات
[الهمزة في أول الكلمات على ضربين]
إن قال قائل: على كم ضربًا الألفات التي تدخل أوائل الكلم؟ قيل: على ضربين؛ همزة وصل، وهمزة قطع؛ فهمزة الوصل هي التي يتَّصل ما قبلها بما بعدها في الوصل؛ ولذلك سُمِّيت همزة الوصل؛ وهمزة القطع هي التي تقطعُ ما قبلها عن الاتصال بما بعدها؛ فلذلك، سُمِّيت همزة القطع.
[همزة الوصل ودخولها في أقسام الكَلِم كُلِّها]
فإن قيل: ففي ماذا تدخل همزة الوصل منَ الكلم؟ قيل: في جميع أقسام الكلم من الاسم والفعل والحرف؛ أمَّا الاسم فتدخل منه على اسم ليس بمصدر، وعلى اسم هو المصدر؛ فأمَّا ما ليس بمصدرٍ فـ"ابن، وابنة، واثنان، واثنتان، واسم، واست، وامرؤ، وامرأة، وايمن" فالهمزة دخلت في أوائل هذه الكَلِم عوضًا عن اللام المحذوفة منها، ما عدا: "امرؤ، وامرأة، وايمن" فأمَّا "امرؤ، وامرأة" فإنَّما أدخلت1 عليهما؛ لأنَّهما لَمّا كان آخرهما همزة؛ والهمزة معدن التغيير، تنزَّلا منزلة الاسم الذي قد حذف منه اللام، فأدخلت الهمزة عليهما، كما أُدخلت على ما حذف منه اللام. فأما "ايمن" فهو جمع يمين، إلا أنهم وصلوها؛ لكثرة الاستعمال، وقيل: إنهم حذفوها حذفًا، وزيدت الهمزة في أوله؛ لئلا يُبتدأ بالساكن. وأمَّا ما كان مصدرًا؛ فنحو: "انطلاق، واقتطاع، واحمرار، واحميرار، واستخراج، واغديدان، واخروَّاط /واسحنكاك/2 واسلنقاء، واحرنجام، واسبطرار" وما أشبه ذلك. وأما الفعل فتدخل همزة الوصل منه على أفعال هذه المصادر؛ نحو: انطلق، واقتطع، واحمر،
__________
1 في "س" أُدخلت.
2 سقطت "من" س.

(1/275)


واحمارّ، واستخرج، واغدودن1 واخروط2، واسحنكك3، واسلنقى4، واحرنجم5 واسبطرّ6" ونحو ذلك؛ وإنما دخلت همزة الوصل في أوائل هذه الأفعال ومصادرها؛ لئلا يُبتدأ بالساكن، وكذلك أيضًا تدخل همزة الوصل على أمثلة الأمر من الفعل الذي يُسكن فيه ما بعد حرف المضارعة؛ نحو "ادخل، واضرب، واسمع" لئلا يُبتدأ بالسَّاكن. وأمَّا الحرف فلا تدخل همزة الوصل منه إلا على حرف واحد، وهي لام التعريف؛ نحو: "الرجل، والغلام" وما أشبه ذلك في قول سيبويه للعلة التي ذكرناها. وأمَّا الخليل فذهب إلى أن الألف واللام زيدتا معًا للتعريف، إلا أنَّهم جعلوا الهمزة همزة وصل؛ لكثرة الاستعمال؛ (وقد ذكرناه مستوفى في كتاب: الألف واللام) 7.
[علة فتح همزة الوصل مع لام التعريف]
فإن قيل: فَلِمَ فُتحت الهمزة مع لام التعريف، وألف "ايمن"؟ قيل: أمَّا الهمزة مع لام التعريف، ففتحت لثلاثة أوجه:
أحدها: أن الهمزة لَمّا دخلت على لام التعريف، وهي حرف؛ أرادوا أن يجعلوها مخالفة للهمزة التي تدخل على الاسم والفعل.
والوجه الثاني: (أن الحرف أثقل، فاختاروا له الفتحة؛ لأنَّها8 أخفُ الحركات.
والوجه الثالث) 8: أن الهمزة مع لام التعريف، يكثر دورها في الكلام؛ فاختاروا لها أخف الحركات، وهي9 الفتح.
[علة فتح همزة اَيمن]
وأما همزة "ايمن" فإنما بُنيت على الفتح لوجهين:
أحدهما: أن الأصل فيها أن تكون همزة قطع مفتوحة؛ فإذا وصلت لكثرة الاستعمال؛ بقيت حركتها على ما كانت عليه.
__________
1 اغدودن النبات، إذا اخضرَّ حتى ضرب إلى السواد من شدة ريِّه.
2 اخروَطَّ بهم الطريق أو السفر: امتد.
3 اسحنكك الليل: إذا اشتدت ظلمته.
4 في "س" واستلقى؛ والاسلنقاء: الاستلقاء على القفا.
5 احرنجمت الإبل: إذا اجتمع بعضها إلى بعض، وقد سبقت.
6 اسبطرَّت الجمال في سيرها: إذا أسرعت، وامتدت.
7 سقطت من "س".
8 سقطت من "س".
9 في "ط" وهو، وربَّما كان سهوًا من النَّاسخ.

(1/276)


والثاني: أنَّها فُتحت؛ لأنَّ هذا الاسم ناب عن حرف القسم وهو "الواو" فلما ناب عن الحرف، شبِّه بالحرف، وهو لام التعريف؛ فوجب أن تُفتح همزته، كما فتحت مع لام التعريف.
[علة ضم همزة الوصل وفتحها مع بعض الأسماء]
فإن قيل: فَلِمَ ضمت الهمزة في نحو "اُدْخُل" وكسرت في نحو "اِضْرِب" وما أشبه ذلك؟ قيل: اختلف النحويون في ذلك؛ فذهب البصريون إلى أن الأصل في هذه الهمزة الكسر، وإنما ضُمت في نحو "ادخُل" وما أشبه ذلك؛ لأنَّ الخروج من كسر إلى ضم مُستثقل؛ ولهذا ليس في كلام العرب شيء على وزن "فِعُل". وذهب الكوفيون إلى أن همزة الوصل مبنية على ثالث المستقبل، فإن كان مكسورًا كسرت، وإن كان مضمومًا ضُمَّت. وما عدا ما ذكرناه في همزة الوصل، فهو همزة قطع؛ لأنَّ همزة القطع ليس لها أصل يحصرها، غير أنَّا نذكر بينهما فرقًا على جهة التقريب، فنقول:
[الفرق بين همزة الوصل والقطع]
نفرِّق بين همزة الوصل وهمزة القطع في الأسماء بالتصغير، فإن ثبتت بالتصغير، فهي همزة قطع، وإن سقطت فهي همزة وصل؛ نحو همزة: "أب، وابن" فالهمزة في "أب" همزة قطع، لأنها تثبت في التصغير، لأنَّك تقول في تصغيره: "أُبَيّ"، والهمزة في "ابن" همزة وصل؛ لأنها تسقط في التصغير؛ لأنَّك تقول في تصغيره؛ "بُنيّ". ونفرق بين همزة الوصل وهمزة القطع في الأفعال، بأن تكون1 ياء المضارع2 منه مفتوحة، أو مضمومة، فإن كانت مفتوحة؛ فهي همزة وصل؛ نحو: ما قدمناه، وإن كانت مضمومة؛ فهي همزة قطع؛ نحو: "أَجْمَل، وأَحْسَن" وما أشبه ذلك، لأنَّك تقول في المضارع /منه/3 "يُجمِلُ، ويُحسِنُ" وما أشبه ذلك؛ وهمزة مصدره -أيضًا- همزة قطع كالفعل، وإنما كُسرت من "إِجمال" ونحوه لئلا يلتبس بالجمع، فإنَّهم لو قالوا: "أجمل أَجمالاً" بفتح الهمزة في المصدر؛ لالتبس بجمع "جَمَل" فلما كان ذلك يؤدي إلى اللبس؛ كسروا الهمزة لإزالة اللَّبس.
__________
1 في "ط" يكون.
2 في "ط" المضارعة.
3 سقطت من "ط".

(1/277)


[علة فتح حرف المضارعة في الثلاثي وضمها في الرباعي]
فإن قيل: فَلِمَ فتحوا حرف المضارعة في الثلاثي، وضموه في1 الرباعي؟ قيل: لأنَّ الثلاثي أكثر من الرباعي، والفتحة أخف من الضمة، فأعطوا الأكثر الأخف، والأقل والأثقل؛ ليعادلوا بينهما.
فإن قيل: فالخماسي والسداسي أقل من الرباعي، فهلا وجب ضمه؟ قيل: إنما وجب فتحه لوجهين:
أحدهما: أن النقل من الثلاثي أكثر من الرباعي، فلما وجب الحمل على أحدهما؛ كان الحمل على الأكثر أولى من الحمل على الأقل.
والثاني: أن الخماسي والسداسي ثقيلان؛ لكثرة حروفهما، فلو بنوهما على الضَّمِّ، لأدَّى ذلك إلى أن يجمعوا بين كثرة الحروف، وثقل الضَّمِّ، وذلك لا يجوز، فأعطوهما أخف الحركات وهو الفتح، على2 أنّ بعض العرب يضم حروف3 المضارعة منهما، فيقول: "يُنطلق، ويُستخرج" بِضَمِّ حرف المضارعة، حملاً على الرباعي، فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 في "ط" من.
2 في "ط" وعلى، والصَّواب ما أثبتناه من "س".
3 في "س" حرف.

(1/278)


الباب الثاني والستون: باب الإمالة
[معنى الإمالة]
إن قال قائل: ما الإمالة؟ قيل: أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء.
[علة إدخال الإمالة في الكلام]
فإن قيل: فَلِمَ أُدخلت الإمالةُ الكلام؟ قيل: طلبًا للتشاكل؛ لئلا تختلف الأصوات فتتنافر، وهي تختص بلغة أهل الحجاز، ومن جاورهم من بني تميم وغيرهم؛ وهي فرع على التفخيم؛ والتفخيم هو الأصل؛ بدليل أن الإمالة تفتقر إلى أسباب توجبها، وليس التفخيم كذلك.
[الأسباب التي توجب الإمالة]
فإن قيل: فما الأسباب التي توجب الإمالة؟ قيل: هي الكسرة في اللفظ، أو كسرة تعرض للحرف في بعض المواضع، (أو الياء الموجودة في اللفظ، أو لأنَّ الألف منقلبة عن الياء، أو لأنَّ الألف تنزل منزلة المنقلبة عن الياء، أو إمالة لإمالة؛ فهذه ستة أسباب تُوجب الإمالة. فأمَّا الإمالة للكسرة في اللفظ؛ فنحو قولهم في عَالِم: عِالِم، وفي سَالِم: سِالِم. وأمَّا الإمالة للكسرة بشيء يعرض للحرف في بعض المواضع) ؛1 فنحو قولهم في خَاف: خِاف؛ فأمالوا؛ لأنَّ الخاء تُكسر في خِفْتُ. وأمَّا الإمالة للياء؛ فنحو قولهم في شَيْبَان: شِيبان، وفي غَيلان: غِيلان. وأمَّا الإمالة؛ لأنَّ الألف منقلبة2 من الياء؛ فنحو قولهم في: رَحَى: رِحِى، وفي رَمَى: رِمِى. وأمَّا الإمالة؛ لأن الألف تنزل منزلة المنقلبة عن الياء؛ فنحو قولهم /في/3: حُبَارَى4: حُبَارِى، وفي سُكارَى: سُكَارِى.
__________
1 سقطت من "س".
2 في "ط" منقلب.
3 سقطت من "ط".
4 الْحُبارى: طائر معروف بشكل الأَوِزَّة ويطلق على الذكر، والأنثى، والواحد، والجمع؛ وألفه للتأنيث، ويجمع على حُباريات؛ وفرخه: حُبرور، ويجمع على حبابير وحبارير. راجع القاموس: مادة "حبر" ص 334.

(1/279)


وأما الإمالة للإمالة؛ فنحو: رأيت عِمَادًا، وقرأت كِتَابًا.
[الأحرف المانعة من الإمالة]
فإن قيل: فما يمنع من الإمالة؟ قيل: حروف الاستعلاء والإطباق؛ وهي "الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والغين، والخاء، والقاف"؛ فهذه سبعة أحرف تمنع الإمالة.
[علة منع هذه الأحرف من الإمالة]
فإن قيل: فَلِمَ منعت هذه الأحرف الإمالة؟ قيل: لأنَّ هذه الحروف تستعلي وتَتَّصل بالحنك الأعلى، فتجذب الألف إلى الفتح، وتمنعه من التَّسَفُّل بالإمالة.
[علة امتناع الإمالة إذا وقعت مسكورة بعد الألف]
فإن قيل: فَلِمَ إذا وقعت بعد الألف مكسورة منعت الإمالة، وإذا وقعت مكسورة قبلها لم تمنع؟ قيل: إنَّما منعت من الإمالة إذا وقعت مكسورة بعد الألف؛ لأنَّه يؤدي إلى التصعد بعد الانحدار؛ لأنَّ الإمالة تقتضي الانحدار، وهذه الحروف تقتضي التصعد، فلو أملت1 -ههنا- لأدَّى ذلك التصعد بعد الانحدار، وذلك صعب ثقيل؛ فلذلك، منعت من الإمالة؛ بخلاف ما إذا وقعت مكسورة قبل الألف؛ فإنه لا يؤدي إلى ذلك، فإنك إذا أتيت بالمستعلي مكسورًا، أضعفت استعلاءه، ثُمَّ إذا أملت انحدرت بعد تَصَعُّد، والانحدار بعد التَّصعُّد سهل خفيف؛ فبان الفرق بينهما.
فإن قيل: فهلَّا جازت الإمالة إذا وقعت قبل الألف مفتوحة في نحو: "صامت" وذلك انحدار بعد تصعد؟ قيل: لأنَّ الحرف المستعلي مفتوح، والحرف المستعلي إذا كان مفتوحًا، زاد استعلاءً؛ فامتنعت الإمالة، بخلاف ما إذا كان مكسورًا؛ لأن الكسرة تُضعِف استعلاءه؛ فصارت سُلَّمًا إلى جواز الإمالة، ولم يكن جواز الإمالة -هناك- لأنَّه انحدار بعد تصعد فقط، وإنما كان /كذلك/2؛ لأنَّ الكسرة ضَعَّفت استعلاءه، /و/3 لأنَّه انحدار بعد تصعد؛ فباعتبار هذين الوصفين، جازت الإمالة ههنا، فإن وجد أحدهما؛ وهو كونه انحدارًا بعد تَصَعُّدٍ، فلم يوجد الآخر، وهو تضعيف حرف الاستعلاء بالكسرة4
__________
= وألفه للتأنيث، ويجمع على حُباريات؛ وفرخه: حُبرور، ويجمع على حبابير وحبارير. راجع القاموس: مادة "حبر" ص 334.
1 في "س" أُميلت.
2 سقطت من "س".
3 سقطت من "ط".
4 في "س" فالكسرة.

(1/280)


التي هي سُلَّم إلى جواز الإمالة؛ فالإمالة في ضرب المثال مع الكسرة، بمنزلة النزول من موضع عالٍ بدرجةٍ، أو سُلَّم، والإمالة مع غير الكسرة، بمنزلة النُزول من موضعٍ عالٍ من غير1 درجة، أو سُلَّم، فبان الفرق بينهما.
[عِلَّة منع الراء المفتوحة أو المضمومة من الإمالة]
فإن قيل: فَلِمَ إذا كانت الراء مفتوحة، أو مضمومة، منعت من الإمالة، وإذا كانت مكسورة أوجبت2 الإمالة قيل: لأنَّ الراء حرف تكرير؛ فإذا كانت مفتوحة، أو مضمومة فكأنه /قد/3 اجتمع فيها فتحتان، أو ضمَّتان؛ فلذلك، منعت الإمالة، وأما إذا كانت مكسورة، فكأنه قد اجتمع فيها كسرتان؛ فلذلك، أوجبت الإمالة.
[علة غلبة الراء المكسورة حول الاستعلاء والراء المفتوحة]
فإن قيل: فَلِمَ غلبت الراء المكسورة حرف الاستعلاء /في/4 نحو: "طارد" والراء المفتوحة /في/4 نحو: "دار القرار" وما أشبه ذلك؟ قيل: إنما غُلبت الإمالة للراء المكسورة مع الحرف المستعلي؛ لأنَّ الكسرة في الراء اكتسبت5 تكريرًا فقويت؛ لأنَّ الحركة تقوى بقوة الحرف الذي يتحمَّلها، فصارت الكسرة فيها بمنزلة كسرتين؛ فغلبت بتسفُّلها تصعُّدَ المستعلي، وكما غلبت الراءُ المكسورة الحرف المستعلي، فكذلك الراء المفتوحة المشبهة به.
[علة عدم دخول الإمالة في الحروف]
فإن قيل: فَلِمَ لم تدخل الإمالة في الحرف؟ قيل: لأنَّ الإمالة ضرب من التصرف، أو لتدل الألف على أن أصلها ياء، والحروف لا تتصرف، ولا تكون ألفاتها منقلبة عن ياء، ولا واو.
[علة جواز الإمالة في "بلى" الجوابية و"يا" الندائية]
فإن قيل: فَلِمَ جازت الإمالة في: "بلى" و"يا" في النداء؟ قيل: أمَّا "بلى" فإنما أُميلت؛ لأنَّها أغنت غناء الجملة، وأما "يا" في النداء، فإنَّما أُميلت؛ لأنَّها قامت مُقام الفعل، فجازت إمالتها كالفعل؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 في "ط" بغير.
2 في "ط" وجبت.
3 سقطت من "ط".
4 سقطت من "ط" في الموضعين.
5 في "ط" اكتسب.

(1/281)


الباب الثالث والستون: باب الوقف
أوجه الوقف
إن قال قائل: على كم وجهًا يكون الوقف؟ قيل: على خمسة أوجه:
السكون: وهو حذف الحركة والتنوين.
والإشمام: وهو أن تضُم شفتيك من /غير/1 صوت؛ وهذا يدركه البصير دون الضرير.
والرَّوم: وهو2 أن تُشير إلى الحركة بصوت ضعيف؛ وهذا يدركه البصير والضرير.
والتَّشديد: وهو2 أن تشدد الحرف الأخير؛ نحو: هذا عمر، وهذا خالد.
والإتباع: وهو أن تُحرِّك ما قبل الحرف الأخير إذا كان ساكنًا حركة الحرف الأخير في الرفع والجر؛ نحو: هذا بَكُرْ، ومررت بِبَكِرْ.
[علة تخصيص الوقف بالوجوه المذكورة]
فإن قيل: فَلِمَ خصّوا الوقف بهذه الوجوه الخمسة؟ قيل: أما السُّكون؛ فلأن راحة المتكلم ينبغي أن تكون عند الفراغ من الكلمة، والوقف عليها؛ والراحة في السُّكون لا في الحركة3.
[علة إبدال التنوين ألفًا في حال النصب]
فإن قيل: فَلِمَ أبدلوا من التنوين ألفًا في حال النصب، ولم يبدلوا من التنوين واوًا في حال الرفع، ولا ياء في حال الجر؟ قيل: لوجهين:
__________
1 سقطت من "س".
2 في "س" هو.
3 في "س" بالسكون لا بالحركة.

(1/282)


أحدهما: إنما أبدلوا من التنوين ألفًا في حال النصب؛ لخفة الفتحة، بخلاف الرفع والجر، فإن الضمة والكسرة ثقيلتان.
والوجه الثاني: أنَّهم لو أبدلوا من التنوين واوًا في حالة الرفع؛ لكان ذلك يؤدي إلى أن يكون اسم متمكن في آخره واو قبلها ضمة، وليس في كلام العرب اسم متمكن في آخره واو قبلها ضمة. ولو أبدلوا من التنوين ياءً في حالة الجر؛ لكان ذلك يؤدي إلى أن تلتبس بياء المتكلم؛ فلذلك لم يُبدلوا منه ياءً؛ على أنه من العرب من يُبدل في حالة الرفع واوًا، وفي حالة الجر ياءً؛ ومنهم من لا يبدل في حالة النصب ألفًا، كما لا يبدل في حالة الرفع واوًا، ولا في حالة الجر ياء؛ وهي لغة قليلة؛ وأجود اللغات الإبدال في حال النصب، وترك الإبدال في حال الرفع والجر على ما بيّنَّا.
وأما الإشمام: فالمراد به أن تُبين أن لهذه الكلمة أصل1 حركة في حال الوصل، وكذلك "الرَّوم والتشديد".
[عِلَّة عدم جواز الإشمام في حال الجر]
فإن قيل: فَلِمَ لم يجز الإشمام في حال الجر؟ قيل: لأنَّه يؤدي إلى تشويه الحلق.
وأما الإتباع: فلأنَّه لَمَّا وجب التحريك؛ لالتقاء الساكنين، اختاروا /لها/2 الضمة في حالة الرفع؛ لأنَّها الحركة التي كانت في حالة الوصل، وكانت أولى من غيرها؛ قال الشاعر3: [الرجز]
أنا ابن ماوِيَّة إذْ جدَّ النَّقُرْ ... [وجاءت الخيل أثابيَّ زُمَر] 4
__________
1 في "س" حال.
2 سقطت من "س".
3 نُسب هذا الرجز إلى غير واحدٍ من الشعراء؛ منهم: عبد الله ابن ماوية الطائي، وماوية اسم أمه؛ ونسبه الصاغاني إلى فدكي بن عبد الله المنقري، ونسبه سيبويه إلى بعض السعديين من دون تحديد.
4 المفردات الغريبة: النَّقُرْ: صوت يسكن به الفرس عند احتمائه وشدَّة حركته.
أثابي: جماعات، جمع "أُثبية".
موطن الشاهد: "النَّقُرْ".
وجه الاستشهاد: نقل الشاعر حركة الراء إلى القاف في الوقف على لغة بعض العرب؛ لأنَّ الأصل فيه: النَّقْر؛ وهذا النقل يُسمَّى إتباعًا.

(1/283)


وكذلك حكم الكسرة في قول الآخر1: [المتقارب]
أرتني حجلاً على سَاقِهَا ... فَهَشَّ فُؤادِي لذاك الْحِجِلْ2
بكسر الحاء والجيم.
فإن قيل: فهلَّا جاز ذلك في حالة النصب، كما جاز في حالة الرفع والجر؟ قيل: لأنَّ حرف الإعراب تلزمه الحركة إذا كان مُنونًا في حالة النصب؛ نحو /قولك/3: "رأيت بكرا" ولا تلزمه في حالة الرفع والجر.
فإن قيل: فهلَّا جاز في ما لم يكن فيه تنوين؛ نحو قولك: "رأيت البَكْرَ"؟ قيل: حملاً على ما فيه التنوين؛ لأنَّ الأصل هو التنكير.
فإن قيل: فهلَّا جاز أن يُقال: "هذا عِدُلْ" بضَّمِّ الدّال، و"مررت بالبُسِرْ" بكسر السين في الوقف، كما جاز: "هذا بَكُرْ، ومررتُ بِبَكِرْ"؟ قيل: لأنَّهم لو قالوا: "هذا عِدُلْ" بضم الدال لأدَّى ذلك إلى إثبات ما لا نظير له في كلامهم؛ لأنَّه ليس في كلامهم شيءٌ على وزن "فِعُل" فلمَّا كان ذلك يؤدي إلى إثبات ما لا نظير له في كلامهم، عدلوا عن الضم إلى الكسر، كما قالوا في جمع حقو: أَحْق4، وجرو: أَجْر5، وقلنسوة: قَلَنْس6 وقالوا: "هذا عِدِلْ" بكسر الدال؛ لأنّ له نظيرًا في كلامهم؛ نحو: "إِبل، وإِطِل"7، ولم يقولوا: "مررت بالبُسِر" /بكسر السين/8؛ لأنَّه ليس في الأسماء شيءٌ على وزن "فُعِل" إلا
__________
1 لم يُنسب إلى قائل مُعّين.
2 المفردات الغريبة: هشَّ فؤادي: ارتاح فؤادي وسُرَّ؛ والْهَشَاشة: إذا خف إليه وارتاح. مختار الصحاح: مادة "هشش" ص 326. الحِجل: الخلخال.
موطن الشاهد: "الْحِجِل".
وجه الاستشهاد: نقل الشاعر حركة اللام إلى الجيم في الوقف؛ لأنَّ الأصل فيه: "الْحِجْل"؛ وهذا النقل يُسمَّى إتباعًا.
3 سقطت من "ط".
4 الحقو: الخصر، ومشد الإزار من الجنب؛ ويجمع على أحق، وأحقاء، وحِقيّ، وحقاء.
5 الْجَُِرْو والْجِروة: الصغير من كُل شيء حتى من الحنظل والبطيخ والقثاء؛ ويجمع على أَجْرٍ. والْجِر -بالحركات الثلاث- صغار الكلب، والأسد، والسباع؛ ويجمع على: أَجْر، وأَجراء، وجِراء. وراجع مختار الصحاح: مادة "جرى" ص 57؛ والقاموس المحيط 1143.
6 القَلسُوة والقَلَنسُوة: من ملابس الرأس، وتجمع على: قَلانِس، وقِلَاس، وقَلَنس.
7 الإِطْل والإطل: الخاصرة كلها، أو منقطع الأضلاع من رأس الورك.
8 سقطت من "س". والبُسْر: التمر قبل أن يرطب؛ واحدته: بُسْرة.

(1/284)


"دُئِل" وهو اسم دويبة، و"رُئِم" اسم للسَّتَه1، وهما فعلان نُقلا إلى الاسمية. وحكى بعضهم "وُعِل"، فلمَّا كان ذلك يؤدي إلى إثبات ما لا نظير له في كلامهم، رفضوه وعدلوا عن الكسر إلى الضم؛ فقالوا: "مررت بالبُسُر"2؛ لأنَّ له نظيرًا3 في كلامهم؛ نحو: "طُنُب4، وحُرُض5"؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
1 في "س" للسّه؛ والرُّئِم، والسَّتَة، والسَّتْه: الاست.
2 في "س" بالبُسِر، والصَّواب ما في المتن لأنَّه يناسب السِّياق.
3 في "س" نظير، وهو سهو من النَّاسخ.
4 طُنُب: حبل الخِباء. مختار الصحاح: مادة "طنب" ص 193.
5 حُرُوض -بضم الراء وسكونها- الأشنان؛ والْمِحرضة -بالكسر- إناؤه؛ والأشنان نبات بريّ يُغسل به. مختار الصحاح: مادة "حرض" ص 70.

(1/285)


الباب الرّابع والستون: باب الإدغام
[معنى الإدغام]
إن قال قائل: ما الإدغام؟ قيل: أن تصل حرفًا بحرف مثله من غير أن تفصل بينهما بحركةٍ، أو وقف، فينبو اللِّسان عنهما نبوةً واحدة.
[الإدغام على ضربين]
فإن قيل: فعلى كم ضربًا الإدغام؟ قيل: على ضربين؛ إدغام حرف في مثله من غير قلب؛ وإدغام حرف في مقاربة بعد القلب؛ فأما إدغام الحرف في مثله، فنحو: شد، ورد. و/كان/1 الأصل فيه "شدد، وردد" إلا أنه لَمَّا اجتمع حرفان متحركان من جنس واحدٍ، سكنوا الأول منهما، وأدغموه في الثاني، وحكم المضارع في الإدغام حكم الماضي؛ نحو: "يشدُّ، ويردُّ" وما أشبه ذلك. وأما إدغام الحرف في مقاربه؛ فهو أن تُبدل أحدهما من جنس الآخر، وتدغمه فالثاني2؛ نحو: الحق كندة3، وانهك4 قطنا، واسلخ غنمك، وادمغ خَلْفًا5، وما أشبه ذلك، غير أنه لا طريق إلى معرفة تقارب الحروف إلا بعد معرفتها، ومعرفة مخارجها، وأقسامها؛ وهي تسعة وعشرون حرفًا، وهي معروفة، وقد تبلغ خمسة وثلاثين حرفًا بحروف مستحسنة، وهي النون الخفيفة، وهمزة بين بين، والألف الممالة، وألف التفخيم؛ وهي التي ينحى بها نحو الواو؛ نحو: "الصلوة"، والصاد كالزاي6، والسين كالجيم؛
__________
1 سقطت من "س".
2 في "س" فيه.
3 في "س" كَلَدة؛ وهي الأرض الصُّلبة. وأما "كندة" فهو أبو قبيلة من العرب.
4 انهك قطنًا: اغسله غسلاً جَيّدًا، وبالغ في غسله؛ ونهك الثوب: إذا بالغ في غسله، ولبسه حتى خلق.
5 ادمغ خلفًا: اطلب دماغه، ودمغته الشمس: آلمت دماغه. والْخَلْف: الظهر، ونقيض قُدَّام.
6 في "ط" الزَّاء.

(1/286)


وتبلغ نيفًا وأربعين حرفًا بحروف غير مستحسنة، وهي القاف التي بين القاف والكاف، والكاف التي بين الجيم والكاف، والجيم التي كالكاف، والجيم التي كالشين، والصاد1 التي كالسين، والطاء التي كالتاء، والظاء التي كالثاء، والباء التي كالفاء، وحكى أبو بكر2.. 3 الضاد الضعيفة المبدلة من الثاء4. وحكي أن منهم من يقول في: "اثرُد 5: اضرد". ومخارجها ستة عشر مخرجًا:
فالأول: للهمزة، والألف، والهاء؛ وهو من أقصى الحلق مِمَّا يلي الصدر.
والثاني: للعين والحاء؛ وهو من وسط الحلق.
والثالث: للغين والخاء؛ وهو من أدنى الحلق مما يلي الفم.
والرابع: للقاف؛ وهو من أقصى اللسان وما فوقه من الحنك.
والخامس: للكاف؛ وهو أسفل من ذلك، وأقرب إلى مُقَدَّم الفم.
والسادس: للجيم، والشين، والياء؛ وهو من وسط اللسان، بينه وبين الحنك الأعلى.
والسابع: للضاد؛ وهو من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس؛ و/هي/6 من الجانب الأيسر أسهل.
والثامن: للام؛ وهو من أدنى حافة اللسان إلى منتهى طرَفه.
والتاسع: للنون؛ وهو من فوق ذلك، فويق الثنايا7.
والعاشر: للراء؛ وهو من مخرج النون إلا أنَّ الرَّاء أدخل بطرف اللسان في الفم، ولها تكرير في مخرجها.
__________
1 في "س" والضَّاد.
2 أبو بكر، محمد بن علي المعروف بـ"مبرمان العسكري"، أخذ العربية عن المبرد، والزَّجاج؛ وأخذ عنه الفارسي، والسِّيرافي؛ شرح كتاب سيبويه وشواهده. مات سنة 345هـ.
3 في "ط" زيادة "بأن" ولا ضرورة لها، فلم نثبتها في المتن. وفي "س" الصاد.
4 في "ط" التاء، والصواب ما أثبتناه من "س" وهو يناسب السياق.
5 اثرُد: فُتَّ؛ ومنه الثريد والثريدة: ما فُتّ من الخبز في المرق. مختار الصحاح: مادة "ثرد" ص 49.
6 سقطت من "س".
7 الثنايا: جمع ثنية؛ والثنايا من الأضراس: الأربع التي في مقدم الفم؛ ثنتان من فوق، وثنتان من أسفل. راجع القاموس: مادة ثني، ص 1141.

(1/287)


والحادي عشر: للطاء، والتاء، والدال، وهو من بين طرف اللسان وأصول الثنايا العليا.
والثاني عشر: للصَّاد، والسين، والزاي1، وهو من /بين/2 طرف اللسان وفويق الثنايا السفلى، وتُسمَّى هذه الحروف الثلاثة حروف الصفير.
والثالث عشر: للثاء، والذال، والظاء؛ وهو3 من بين طرف اللسان، وأطراف الثنايا العليا.
والرابع عشر: للفاء؛ وهو من باطن الشفة السُفلى وأطراف الثنايا العليا.
والخامس عشر: للباء، والميم، والواو؛ وهو من بين الشَّفتين.
والسادس عشر: للنون الخفيفة؛ وهو من الخياشيم، ولا عمل للِّسان فيها؛ فهذه مخارج الحروف، وهي تنقسم إلى مهموسة والمجهورة، والمذلقة4، والمصمتة، والشديدة، والرّخوة، وما بين الشديدة والرّخوة، والمطبقة والمفتوحة، والمستعلية والمنخفضة، والمعتلة.
[الأحرف المهموسة]
فالمهموسة عشرة أحرف: الهاء، والحاء، والخاء، والكاف، والسين، والشين، والصاد، والتاء، والثاء، والفاء، ويجمعها /قولك/: 6 "سَتَشْحَثُكَ7 خَصَفَه8.
__________
1 في "ط" الزاء.
2 سقطت من "ط".
3 في "س" وهي.
4 المذلقة: "الحروف الذُّلق": حروف طرف اللسان والشَّفة؛ ثلاثة ذولقيَّة: اللام، والراء، والنون؛ وثلاثة شفهيَّة: الباء، والفاء، والميم. القاموس: مادة "ذلق" ص 797.
5 المصْمَتَة: الحروف المصمتة ما عدا: "مُربِنَفْلٍ" القاموس: مادة "صمت"، ص 143.
6 سقطت من "ط".
7 ستشحثك: في القاموس المحيط: "شَحِيث" كلمة سريانيَّة تنفتح بها الأغاليق بلا مفاتيح. القاموس المحيط: مادة "شحث"، ص 157.
خَصَفَة: الْخَصَفَة "محرّكة": الْجُلَّة تُعمل من الخوص للتَّمر، والثوب الغليظ جدًّا. القاموس: مادة "خصف" ص 724.

(1/288)


[الأحرف المجهورة]
والمجهورة، ما عدا هذه العشرة؛ وهي تسعة عشر حرفًا؛ ويجمعها: "مد غطاء جعظر1 وقل ند ضيزن"2،
[الحرف المذلقة]
والمذلقة ستة أحرف: "اللام، والنون، والراء، والميم، والباء، والفاء"3. ويجمعها: "فر من لبّ"4.
[الأحرف المصمتة]
والمصمتة ما عدا هذه الستة.
[الأحرف الشديدة]
والشديدة ثمانية أحرف، ويجمعها: "أَجَدْتَ طَبَقَتك"؛ وكذلك ما بين الشديدة والرخوة ثمانية -أيضًا5- يجمعها /قولك/6: "نوري لامع"، والرخوة ما عداهما.
[الأحرف المطبقة]
والمطبقة أربعة أحرف: "الصَّاد، والضَّاد، والطَّاء، والظاء"، والمفتوحة ما عدا هذه الأربعة.
[الأحرف المستعلية]
والمستعلية سبعة أحرف؛ أربعة منها هي التي ذكرنا أنها مطبقة، والثلاثة الأُخر: "القاف، والغين، والخاء"؛ والمنخفضة ما عدا هذه السَّبعة.
[الأحرف المعتلَّة]
والمعتلة أربعة أحرف: "الهمزة، وحروف المدّ واللين، وهي الألف، والياء، والواو".
__________
1 في "ط" زيادة واو قبل جعظر، ولا لزوم لها، فلم نثبتها في المتن. والجعظر: المتكبِّر.
2 ضيزن: شريك.
3 في "س" والقاف.
4 لُبّ: عقل، وجمعه ألباب، وألُبُّ، وأَلْبُب. وخالص كُل شيء لُبُّه. مختار الصحاح: مادة "لبب" ص 278.
5 في "س" أحرف.
6 سقطت من "س".

(1/289)


[معاني هذه الصفات]
ومعنى المهموسة: أنها حروف أضعف الاعتماد /عليها/1 في مواضعها2، فجرى النَّفس معها فأخفاها، والهمس: الصوت الخفي؛ فلذلك سميت مهموسة. ومعنى المجهورة: أنها حروف أشبع الاعتماد في موضعها؛ فمنعت النفس أن يجري معها، فخرجت ظاهرة، والجهر: هو الإظهار؛ ولذلك سميت مجهورة. ومعنى الْمُذلقة: أنها حروف لها فضل اعتماد على ذلق اللسان، وهو طرفه؛ ولذلك، سُمِّيت مُذلقة. ومعنى المصمتة: أنها حروف ليس لها ذلك الاعتماد على ذلق اللسان، وأُصمتت بأن تختص بالبناء إذا كانت الكلمة رباعية أو خماسية؛ ولذلك، سُمِّيت مُصمتةً. ومعنى الشديدة: أنها حروف صلبة لا يجري فيها الصوت؛ فلذلك، سُمِّيت شديدة. ومعنى الرخوة: أنها حروف ضعيفة يجري فيها الصوت؛ فلذلك، سُمِّيت رخوة. ومعنى ما بين الشديدة والرخوة: أنها حروف لا مفرطة في الصلابة، ولا ظاهرة الضعف3؛ بل هي في اعتدال بينهما؛ ولذلك، كانت بين الشديدة والرخوة. ومعنى المطبقة: أنها حروف يرتفع بها اللسان إلى الحنك الأعلى، فينطبق عليها، فتصير محصورة؛ ولذلك، سُمِّيت مُطبقةً، ومعنى المفتوحة: أنَّها حروف لا يرتفع اللسان بها إلى الحنك الأعلى، فينفتح عنها؛ ولذلك، سُمِّيت مفتوحةً. ومعنى المستعلية: أنَّها /حروف/4 تستعلي إلى الحنك الأعلى؛ ولذلك، سُمِّيت مستعلية. ومعنى المنخفضة: عكس ذلك. ومعنى المعتلة: أنَّها حروف تتغير بانقلاب بعضها إلى بعض بالعلل الموجبة /لذلك/5؛ ولذلك، سُمِّيت معتلة؛ وسُمِّيت الألف، والياء، والواو؛ حروف المد واللين؛ أما المد: فلأنَّ الصوت يمتدُ بها، وأمَّا اللين: فلأنها لانت في مخارجها واتسعت؛ وأَوسَعُهُنَّ مخرجًا الألف، ويُسمَّى "الهاوي" لهويِّه في الحلق.
فهذا ما أردنا أن نذكره من معرفة مخارج الحروف، وأقسامها التي يُعرف6 بها تقارب الحروف بعضها من بعض.
فإن قيل: فَلِمَ جاز أن تدغم الباء في الميم؛ لتقاربهما، ولا يجوز أن
__________
1 سقطت من "ط".
2 في "ط" موضعها.
3 في "ط" للضّعف، والصواب ما أثبتناه من "س".
4 زيادة من "ط".
5 سقطت من "س".
6 في "ط" تعرف.

(1/290)


تدغم الميم في الباء؟ قيل: إِنَّما لم يجز أن تدغم الميم في الباء؛ نحو: "أكرم بكرًا" كما يجوز أن تدغم الباء في الميم /نحو/1: "أصحب مطرًا" لأنَّ2 الميم فيها زيادة صوت، وهي الغُنَّة، فلو أدغمت في الباء؛ لذهبت الغُنَّة التي فيها؛ بخلاف الباء، فإنه ليس فيها غُنَّة تذهب بالإدغام؛ فكذلك، أيضًا لا يجوز أن تدغم الراء في اللام، كما يجوز أن تدغم اللام في الراء؛ لأنَّ في الراء زيادة صوت، وهو التكرير، فلو أدغمت /في/3 اللام؛ لذهب التكرير الذي فيها بالإدغام؛ بخلاف اللام، فإنه ليس فيها تكرير، يذهب بالإدغام.
فأما ما رُوي عن أبي عمرو4 من إدغام الراء في اللام في قوله عز وجل: {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} 5؛ فالعلماء ينسبون الغلط في ذلك إلى الرواي لا إلى أبي عمرو، ولعل أبا عمرو أخفى الراء، فخفي على الرَّاوي، فتوهمه إدغامًا، وكذلك كُلُّ حرف فيه زيادة صوت، لا يدغم في ما هو أنقص صوتًا منه، وإنما لم يجز إدغام الحرف في ما هو أنقص صوتًا منه؛ لأنه يؤدي إلى الإجحاف به، وإبطال ما له من الفضل على مقاربه.
[إدغام لام التعريف في ثلاثة عشر حرفًا]
فإن قيل: فلام التعريف في كم حرفًا يدغم6؟ قيل: في ثلاثة عشر حرفًا؛ وهي: "التاء، والثاء، والدال، والذال، والراء، والزاي7، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والنون"؛ نحو: التائب، والثابت، والداعي، والذاكر، والراهب، والزاهد، والساهر، والشاكر، والصابر، والضامر، والطائع، والظافر، والناصر" فهي أحد عشر حرفًا من حروف طرف اللسان، وحرفان يخالطان8 طرف اللسان، وهما الضاد، والشين، وإنما أُدغمت9 لام التعريف في هذه الحروف لوجهين:
__________
1 سقطت من "ط".
2 في "ط" أَنَّ.
3 سقطت من "ط".
4 أبو عمر هو: زبان بن عمار، المعروف بأبي عمرو بن العلاء، من علماء البصرة، ومن أئمة اللغة والأدب، وأحد القراء السبعة. مات سنة 154هـ. طبقات النحويين واللغويين 176.
5 س: 2 "البقرة، ن: 58، مد".
6 في "س" تدغم.
7 في "ط" والزَّاء.
8 في "س" مخالطان.
9 في "ط" أُدغم.

(1/291)


أحدهما: أَنَّ هذه الحروف مقاربة لها.
والثاني: أَنَّ هذه اللام كَثُر دورها في الكلام؛ ولذلك، تدخل في سائر الأسماء، سوى أسماء الأعلام؛ والأسماء غير المتمكنة، ولَمَّا اجتمع فيها المقاربة لهذه الحروف، وكثر1 دورها في الكلام؛ لزم فيها الإدغام، وأما من أظهر اللام على الأصل، فمن الشاذ الذي لا يُعتدُ به.
[الأصل في ستّ وبلعنبر]
فإن قيل: فما الأصل في: "ست، وبلعنبر"؟ قيل: أمَّا "ست" فأصلها سدس بدليل قولهم في تصغيره: سُديس، (وفي تكسيره: أسداس) 2، إلا أنَّهم أبدلوا من السين تاءً، كما أبدلوا من التاء سينًا في "اتخذ"، فقالوا: "استخذ" فلمَّا أبدلوها -ههنا-3 من السين تاءً صار إلى "سدت" ثُمَّ أدغموا الدال في التاء، فصار /إلى/4: "ست". وأما "بلعنبر"؛ فأصله: بنو العنبر، إلا أنهم حذفوا الحرف المعتل؛ لسكونه وسكون اللام، (/و/5 لم يمكنهم الإدغام لحركة النون وسكون اللام) 6؛ فحذفوا النون بدلاً من الإدغام؛ ومن ذلك قولهم: "بلعمّ" يريدون: بني العمِّ؛ قال الشاعر7: [الطويل]
إذا غَابَ غَدوًا عَنكَ بَلْعَمُّ لم يَكُنْ ... جَليدًا ولم تَعطِفْ عليكَ العواطِفُ8
ومن ذلك قولهم: "عَلْمَاء بنو فلان"9، يريدون: "على الماء"؛ قال الشاعر10: [الطويل]
غداة طغت عَلْمَاءِ بَكرُ بن وائلٍ ... وعجنا صُدُور الخيل شطر تميم11
__________
1 في "ط" وكثرة.
2 سقطت من "س".
3 في "س" هنا.
4 سقطت من "ط".
5 سقطت من "ط".
6 سقطت من "س".
7 لم يُنسب إلى قائل معين.
8 المفردات الغريبة: بلعمّ: بنو العم. جليدًا: صبورًا أو شديدًا.
موطن الشاهد: "بلعمُّ".
وجه الاستشهاد: أراد الشَّاعر أن يقول: بنو العمِّ، فحذف الحرف المعتل؛ لسكونه، وسكون اللام، ولم يمكنه الإدغام؛ لحركة النون، وسكون اللام، فحذف النون بدلاً من الإدغام.
9 في "س" فلان العمّ.
10 الشاعر هو: قطريّ بن الفجاءة، وقد سبقت ترجمته.
11 المفردات الغريبة: طغت: تجاوزت الحدّ في العصيان.

(1/292)


يريد1: "على الماء" وهذا كله ليس بمطَّرد في2 القياس، وإنما دعاهم إلى ذلك كثرة الاستعمال، وهو من الشَّاذ الذي لا يُقاس عليه؛ فاعرفه3 تصب، إن شاء الله تعالى.
__________
= بكر بن وائل: قبيلة كبيرة من العدنانية تُنسب إلى بكر بن وائل. عجنا: مِلنا. عَرّجنا. وفي رواية أخرى للبيت: عاجت. شطر: نحو.
موطن الشاهد: "علْماءِ".
وجه الاستشهاد: أراد الشَّاعر أن يقول: على الماء، ولكنَّه حذف إحدى اللامين استثقالاً للتضعيف؛ لأنَّ ما بقي دليل على ما حُذف، على عادة بعض العرب الذين يستجيزون حذف إحدى اللامين عندما تلتقيان، كما في هذا الشَّاهد.
1 في "س" يريدون.
2 في "س" على.
3 في "س" فافهمه.

(1/293)