المقتضب (هَذَا تَفْسِير وُجُوه الْعَرَبيَّة \
وإعراب الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال)
فَالْكَلَام كلّه اسْم وفِعل وحرف جاءَ لِمَعْنى لَا يَخْلُو الْكَلَام
عربيّا كَانَ أَو أَعجميّا من هَذِه الثَّلَاثَة والمُعْرَب الِاسْم
المتمكن وَالْفِعْل الْمُضَارع وسنأْتي على تَفْسِير ذَلِك كلِّه إِن
شَاءَ الله أما الْأَسْمَاء فَمَا كَانَ وَاقعا على معنى نَحْو رجل
وَفرس وَزيد وَعَمْرو وَمَا أشبه ذَلِك وتعْتَبِرُ الأسماءَ بِوَاحِدَة
كلُّ مَا دخل عَلَيْهِ حرف من حُرُوف الجرِّ فَهُوَ اسْم وَإِن امْتنع
من ذَلِك فَلَيْسَ باسم
(1/3)
وإعراب الْأَسْمَاء على ثَلَاثَة أضْرب على
الرّفْع وَالنّصب والجرِّ فأمّا رفع الْوَاحِد المعرب غير المعتلّ
فالضَّمُّ نَحْو قَوْلك زيدٌ وعبدُ الّله وعمرٌ وونصبه بِالْفَتْح
نَحْو قَوْلك زيدا وعمراً وعبدَ اللهِ وجرّه بالكسرة نَحْو قَوْلك زيدٍ
وعمرٍ ووعبدِ الله فَهَذِهِ الحركاتُ تسمّى بهذِه الأسماءِ إِذا كَانَ
الشيءُ مُعْرَبا فَإِن كَانَ مبنيّا لَا يَزُول من حَرَكَة إِلَى
أُخْرَى نَحْو حيثُ وقبْلُ وبعْدُ قيل لَهُ مضموم وَلم يُقَل مَرْفُوع
لأنّه لَا يَزُول عَن الضمِّ و " أيْنَ " و " كيفَ " يُقَال لَهُ
مَفْتُوح وَلَا يُقَال لَهُ مَنْصُوب لأنَّه لَا يَزُول عَن الْفَتْح
وَنَحْو هؤلاءِ وحذَارِ وأمسِ مكسور وَلَا يُقَال لَهُ مجرور لِأَنَّهُ
لَا يَزُول عَن الْكسر وَكَذَلِكَ مِنْ وهلْ وبلْ يُقَال لَهُ مَوْقُوف
وَلَا يُقَال لَهُ مجزوم لِأَنَّهُ لَا يَزُول عَن الْوَقْف
(1/4)
وَإِذا ثَنَّيْت الْوَاحِد ألحقْتَه الْفَا
ونونا فِي الرّفْع أمّا الْألف فإنَّها عَلامَة الرّفْع وأَمّا النُّون
فَإِنَّهَا بدَل من الْحَرَكَة والتنوين اللَّذين كَانَا فِي الْوَاحِد
فَإِن كَانَ الِاسْم مجروراً أَو مَنْصُوبًا فعلامته ياءٌ مَكَان
الأَلف وَذَلِكَ قَوْلك جاءَني الرّجلَانِ وَرَأَيْت الرجليْن ومررت
بالرجلَين يَسْتَوِي النصب والجرّ فِي ذَلِك وتُكْسَر النُّون من
الِاثْنَيْنِ لعلَّة سنذكرها مَعَ ذكر اسْتِوَاء الجرّ وَالنّصب فِي
موضعهَا إِن شاءَ الله فَإِن جمعت الِاسْم على حدّ التَّثْنِيَة
أَلحقته فِي الرّفْع واوا ونونا أمّا الْوَاو فعلامة الرّفْع وأمّا
النُّون فَبدلٌ من الْحَرَكَة والتنوين اللَّذين كَانَا فِي الْوَاحِد
وَيكون فِيهِ فِي الجرّ وَالنّصب ياءٌ مَكَان الْوَاو وَيَسْتَوِي
الجرّ وَالنّصب فِي هَذَا الْجمع كَمَا اسْتَويَا فِي التَّثْنِيَة
لأَنَّ هَذَا الْجمع على حد التَّثْنِيَة وَهُوَ الْجمع الصَّحِيح
وإِنما كَانَ كَذَلِك لأَنَّك إِذَا ذكَرت الْوَاحِد نَحْو قَوْلك
مُسْلم ثُمّ ثَنَّيْتَهُ أَدَّيْتَ بناءَه كَمَا
(1/5)
كَانَ ثُمّ زِدْت عَلَيْهِ ألفا ونونا أَو
يَاء ونونا فَإِذا جمعته على هَذَا الحدّ أدّيت بناءَه أَيْضا ثُمّ
زِدْت عَلَيْهِ واوا ونونا أَو يَاء ونونا وَلم تغيّر بناءَ الْوَاحِد
عمّا كَانَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَكَذَا سَائِر الْجمع لأَنَّك تكْسِر
الْوَاحِد عَن بنائِهِ نَحْو / قَوْلك دِرْهَم ثُمّ تَقول دَرَاهِم
تفتح الدَّال وَكَانَت مَكْسُورَة وتكسر الهاءَ وَكَانَت مَفْتُوحَة
وتفصل بَين الراءِ والهاءِ بأَلف تُدْخلها وَكَذَلِكَ أَكْلُب وأَفْلُس
وغِلْمان فَلذَلِك قيل لكلّ جمع بِغَيْر الْوَاو وَالنُّون جمع تكسير
وَيكون إِعرابه كإعراب الْوَاحِد لأَنَّه لم يأْتِ على حدِّ
التَّثْنِيَة وَنون الْجمع الَّذِي على حدّ التَّثْنِيَة أَبدا
مَفْتُوحَة وإِنما حرّكت نون الْجمع وَنون الْإِثْنَيْنِ لالتقاءِ
الساكنين فحرّكت نون الْجمع بِالْفَتْح لأَن الْكسر والضمّ لَا يصلحان
فِيهَا وَذَلِكَ أَنَّها تقع بعد وَاو مضموم مَا قبلهَا أَو يَاء مكسور
مَا قبلهَا وَلَا يَسْتَقِيم توالي الكسَرات الضَّمَّات مَعَ الياءِ
وَالْوَاو ففتحت وَكسرت نون الِاثْنَيْنِ لالتقاء الساكنين على أَصْل
مَا يجب فيهمَا إِذا التقيا وَلم تكن فيهمَا مثل هَذِه العلَّة فتمتنع
وإِذا جمعت المؤنَّث على حدّ التَّثْنِيَة فإِنَّ نَظِير قَوْلك
مُسلمُونَ فِي جمع مُسلم أَن تَقول فِي مسلمة مسلمات فَاعْلَم
وَإِنَّمَا حذفت التاءُ من مسلمة لأَنَّها علَم التأْنيث والأَلف
والتاءُ فِي مسلمات علَم التأْنيث ومحال أَن يدْخل تأْنيث على تأْنيث
فإِذا أَردت رَفعه قلت مسلماتٌ فَاعْلَم ونصبه وجرّه مسلماتٍ
(1/6)
يَسْتَوِي الْجَرّ وَالنّصب كَمَا
اسْتَويَا فِي مسلمِينَ لأَن هَذَا فِي المؤنّث نَظِير ذَلِك فِي
المذكِّرَّ وإِنَّما اسْتَوَى الجرّ وَالنّصب فِي التَّثْنِيَة
وَالْجمع لاستوائما فِي الْكِنَايَة تَقول مَرَرْت بك ورأَيتك
واستواؤهما أَنَّهما مفعولان لأَنَّ معنى قَوْلك مَرَرْت بزيد أَي فعلت
هَذَا بِهِ فعلى هَذَا تجْرِي التَّثْنِيَة وَالْجمع فِي المذكّر
والمؤنَّث من الأسماءِ فأَمَّا الأَفعال فإِنَّا أَخَّرنا ذكرهَا حتّى
نَضَعها فِي موَاضعهَا بِجَمِيعِ تَفْسِيرهَا إِن شاءَ الله
(1/7)
(هَذَا بَاب الْفَاعِل)
وَهُوَ رَفْع وَذَلِكَ قَوْلك قَامَ عبدُ الله وَجلسَ زيدٌ وإنَّما
كَانَ الْفَاعِل رفعا لأَنَّه هُوَ وَالْفِعْل جملةٌ يحسن عَلَيْهَا
السُّكُوت / وَتجب بهَا الفائدةُ للمخاطب فالفاعل وَالْفِعْل
بِمَنْزِلَة الِابْتِدَاء وَالْخَبَر إِذا قلت قَامَ زيد فَهُوَ
بِمَنْزِلَة قَوْلك الْقَائِم زيدُ وَالْمَفْعُول بِهِ نصب إِذا ذكرت
مَن فعَل بِهِ وَذَلِكَ لأَنَّه تعدّى إِلَيْهِ فعل الْفَاعِل وإنَّما
كَانَ الْفَاعِل رفعا وَالْمَفْعُول بِهِ نصبا ليُعْرَف الْفَاعِل من
الْمَفْعُول بِهِ مَعَ العلَّة الَّتِي ذكرت لَك فَإِن قَالَ قَائِل
أَنت إِذا قلت قَامَ زيد فَلَيْسَ هَهُنَا مفعول يجب أَن تفصل بَينه
وَبَين هَذَا الْفَاعِل فإِن الْجَواب فِي ذَلِك أَن يُقَال لَهُ لمّا
وَجب أَن يكون الْفَاعِل رفعا فِي الْموضع الَّذِي لَا لَبْسَ فِيهِ
للعلَّة الَّتِي ذكرنَا وَلما سَنذكرُهُ من العِلَل فِي موَاضعهَا
فرأَيته مَعَ غَيره علمت أَنَّ الْمَرْفُوع هُوَ ذَلِك الْفَاعِل
الَّذِي عهدته مَرْفُوعا وَحْدَه وأَنَّ الْمَفْعُول الَّذِي لم تعهده
مَرْفُوعا وَكَذَلِكَ إِذا قلت لم يقم زيد وَلم ينطبق عبد الله وسيقوم
أَخوك فإِن قَالَ قَائِل إِنما رفعت زيدا أَوّلا لأَنَّه فاعِل فإِذا
قلت لم يقم فقد نفيت عَنهُ الفِعْل فَكيف رفعته قيل لَهُ إِن النَّفْي
إِنَّما يكون على جِهَة مَا كَانَ مُوجبا فإِنَّما أَعلمت السَّامع من
الَّذِي نفيت عَنهُ أَن يكون فَاعِلا فَكَذَلِك إِذا قلت لم يضْرب عبدُ
الله زيدا عُلم بِهَذَا اللَّفْظ مَنْ ذكرنَا
(1/8)
أَنَّه لَيْسَ بفاعل وَمن ذكرنَا أَنَّه
لَيْسَ بمفعول أَلا ترى أَن الْقَائِل إِذا قَالَ زيد فِي الدَّار
فأَردت أَن تنفى مَا قَالَ أَنَّك تَقول مَا زيد فِي الدَّار فَترد
كَلَامه ثمّ تنفيه وَمَعَ هَذَا فإنَّ قَوْلك يضْرب زيد يضْرب هِيَ
الرافعة فإِذا قلت لم يضْرب زيدٌ (فَيضْرب) الَّتِي كَانَت رَافِعَة
لزيد قد ردَدْتها قبله و (لمْ) إِنَّما عملت فِي (يضْرب) وَلم تعْمل
فِي زيد وإِنَّما وَجب الْعَمَل بِالْفِعْلِ فَهَذَا كَقَوْلِك سيضرب
زيد إِذا أَخبرت وكاستفهامك إِذا قلت أَضرب زيد إِنَّما استفهمت فَجئْت
بالآلة الَّتِي من شأْنها أَن ترفع زيدا وَإِن لم يكن وَقع مِنْهُ
فِعْل ولكنَّك إِنَّما سأَلت عَنهُ هَل يكون فَاعِلا وأَخبرت أَنَّه
سَيكون فَاعِلا فللفاعل / فِي كلِّ هَذَا لفظ وَاحِد يُعْرَف بِهِ
حَيْثُ وَقع وَكَذَلِكَ الْمَفْعُول وَالْمَجْرُور وَجَمِيع الْكَلَام
فِي حَال إِيجَابه ونفيه وسنضع من الْحجَج المستقصاة فِي موَاضعهَا
أَكثر من هَذَا لأَنَّ هَذَا مَوضِع اخْتِصَار وتَوْطِئة لما بعده إِن
شاءَ الله
(1/9)
(هَذَا بَاب حُرُوف الْعَطف بمعانيها)
فَمِنْهَا (الْوَاو) وَمَعْنَاهَا إشراك الثانى فِيمَا دخل فِيهِ الأول
وَلَيْسَ فِيهَا دَلِيل على أَيهمَا كَانَ أَولا نَحْو قَوْلك جاءنى
زيد وَعَمْرو ومررت بِالْكُوفَةِ والبصره فجائزأن تكون ألبصرة أَولا
كَمَا قَالَ ألله عز وَجل {واسجدي واركعي مَعَ الراكعين} وَالسُّجُود
بعد الرُّكُوع وَمِنْهَا (الفاءُ) وهى توجب أَنَّ الثانى بعد الأَوّل
وأَنّ الأّمر بَينهمَا قريب نَحْو قَوْلك رَأَيْت زيدا فعمرا وَدخلت
مكَّة فالمدينة و (ثُمّ) مثل الفاءِ إلأ أَنَّهَا / أَشَّد تراخيا
تَقول ضربت زيدا / ثمّ عمرا وأَتيت الْبَيْت ثُمَّ الْمَسْجِد
وَمِنْهَا (أَو) وَهِي لأَحد الأَمرين عِنْد شكِّ المتكلِّم أَو قَصْده
أَحدَهما وَذَلِكَ قَوْلك أَتيت زيدا أَو عمرا وجاءَني رجل أَو امرأَةٌ
هَذَا إِذا شكَّ فأَمَّا إِذا قصد فَقَوله كل السّمك أَو اشرب اللبنَ
أَي لَا تجمع بَينهمَا وَلَكِن اختر أَيَّهما شِئْت وَكَذَلِكَ أَعطني
دِينَارا أَو اكسني ثوبا
(1/10)
وَقد يكون لَهَا مَوضِع آخر مَعْنَاهُ
الْإِبَاحَة وَذَلِكَ قَوْلك جَالس الْحسن أَو ابنَ سِيرِين وائت
الْمَسْجِد أَو السُّوق أَي قد أَذِنت لَك فِي مجالسة هَذَا الضَّرْب
من النَّاس وَفِي إتْيَان هَذَا الضَّرْب من الْمَوَاضِع فإِن نهيت عَن
هَذَا قلت لَا تُجالس زيدا أَو عمرا أَي لَا تجالسْ هَذَا الضَّرْب من
النَّاس وعَلى هَذَا قَول الله عزَّ وجلَّ {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما
أَو كفورا} و (إِمّا) فِي الْخَبَر بِمَنْزِلَة (أَو) وَبَينهمَا فَصْل
وَذَلِكَ أَنَّك إِذا / قلت جاءَني زيد أَو عَمْرو وَقع الْخَبَر فِي
زيد يَقِينا حتّى ذكَرت أَوْ فَصَارَ فِيهِ وَفِي عَمْرو شكّ وإِمّا
تبتدئ بهَا شاكّاً وَذَلِكَ قَوْلك جاءَني إِمّا زيدٌ وإِمّا عَمْرو
أَي أَحدهمَا وَكَذَلِكَ وُقُوعهَا للتَّخْيِير تَقول اضْرِب إمّا عبدَ
الله وإِمّا خَالِدا فالآمر لم يَشُكَّ ولكنَّه خيّر المأْمور كَمَا
كَانَ ذَلِك فِي (أَوْ) وَنَظِيره قَول الله عزَّ وجلَّ {إِنَّا هديناه
السَّبِيل إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا} وَكَقَوْلِه {فإمَّا منا بعد
وَإِمَّا فدَاء} وَمِنْهَا لَا وَهِي تقع لإِخْرَاج الثَّانِي ممّا دخل
فِيهِ الأَوَل وَذَلِكَ قَوْلك ضربت زيدا لَا عمرا ومررت بِرَجُل لَا
امرأَةٍ
(1/11)
وَمِنْهَا بَلْ وَمَعْنَاهَا الإضراب عَن
الأَوَّل وَالْإِثْبَات للثَّانِي نَحْو قَوْلك ضربت زيدا بل عمرا
وجاءَني عبد الله بل أَخوه وَمَا جاءَني رجل بل امرأَة وَمِنْهَا
(لكنْ) وَهِي للاستدراك بعد النَّفْي وَلَا يجوز أَن تدخل بعد وَاجِب
إلاّ لترك قصّة إِلَى قصّة تامّة نَحْو قَوْلك جاءَني زيد لَكِن عبدُ
الله لم يأْت / وَمَا جاءَني زيد لكنْ عَمْرو وَمَا مَرَرْت بأَخيك
[لَكِن عدوَّك وَلَو قلت مَرَرْت بأَخيك] لَكِن عَمْرو لم يجز
وَمِنْهَا (حتَّى) وَلها بَاب على حِياله وَمِنْهَا أَمْ وَهِي فِي
الِاسْتِفْهَام نظيرة (أوْ) فِي الْخَبَر ونذكره فِي بَاب
الِاسْتِفْهَام إِن شاءَ الله فَهَذِهِ الْحُرُوف - حُرُوف الْعَطف -
تُدْخِل الثَّانِي من الْإِعْرَاب فِيمَا دخل فَمَا فِيهِ الأَوّل
(1/12)
(هَذَا بَاب من مسَائِل الْفَاعِل
وَالْمَفْعُول بِهِ)
/ وَتقول أَعجبني ضربُ الضاربِ زيدا عبدَ الله رفعت الضَّرْب لأَنَّه
فَاعل بالإِعجاب وأَضفته إِلى الضَّارِب ونصبت زيدا لأَنّه مفعول فِي
صلَة الضَّارِب ونصبت عبد الله
(1/13)
بِالضَّرْبِ الأَوّل وفاعله الضَّارِب
الْمَجْرُور وَتَقْدِيره أَعجبني أَن ضربَ الضاربُ زيدا عبدَ الله
فَهَكَذَا تَقْدِير الْمصدر وَتقول سرّني قيام أَخيك فقد أَضفت الْقيام
إِلى الأَخ وَهُوَ فَاعل وَتَقْدِيره سرَّني أَن قَامَ أَخوك وَتقول
أَعجبني ضَرْبُ زيدٍ عمرا وإِن شِئْت قلت ضربُ زيد عَمْرو إِذا كَانَ
عَمْرو ضرب زيدا تضيف الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول كَمَا أَضفته إِلى
الْفَاعِل وَإِن نوّنت أَو أَدخلت فِيهِ أَلفا ولاما جرى مَا بعده على
أَصله فَقلت أَعجبني ضربٌ زيدٌ عمرا وإِن شِئْت نصبت (زيد) وَرفعت عمرا
أَيُّهما كَانَ فَاعِلا رفعته تقدَّم أَو تأَخَّر وَتقول أَعجبني
الضَرْبُ زيدٌ عمرا فممّا جاءَ فِي الْقُرْآن منوّنا قَوْله {أَو
إطْعَام فِي يَوْم ذِي مسغبة يَتِيما ذَا مقربة} وَقَالَ الشَّاعِر
فِيمَا كَانَ بِالْألف وَاللَّام
(لقد علمت أُوْلَى المُغِيرةِ أَنَّني ... لحِقتُ فَلم أَنكُلْ عَن
الضَّرب مِسْمَعا)
(1/14)
أَرَادَ عَن ضرْب مِسْمَع فلمّا أَدخل
الأَلف وَاللَّام امْتنعت الإِضافة فَعمل عمَلَ الْفِعْل وَمثله قَوْله
(وهُنَّ وُقوفٌ ينتظرْن قَضاءَه ... بضاحى عَذاة أَمْرَهُ وهْو ضامِرُ)
أَي ينتظرن أَن يقْضِي أَمره فأَضاف القضاءَ إِلَى ضَمِيره وَمثل ذَلِك
عجبت من ضرْبِ الناسِ زيدا إِذا كَانَ مَفْعُولا وترفعه إِذا كَانَ
فَاعِلا على مَا وصفت لَك وتصيّر النَّاس فِي مَوضِع نصب لأَنَّهم
مفعولون
(1/15)
وتَقُول أَعجبني دَقُّالثوب القصّارُ
وأَكلُ الخبزِ زيدٌ ومعاقبة اللصّ الأَميرُ فَهَذَا لَا يصلح إِلاَّ
أَن يكون الأَخير هُوَ الْفَاعِل وَتقول مَا أَعجب شَيْئا إِعجابَ زيد
ركوبُ الفرسِ عَمْرو فَنصبت (إِعجابا) بِالْمَصْدَرِ وأَضفته إِلى زيد
فالتقدير مَا أَعجب شيءٌ شَيْئا كَمَا أَعجب زيدا أَنْ ركب الفرَسَ
عَمْرو لأَنَّك أَضفت الرّكُوب إِلى الْفرس و (الْفرس) مفعول لأَنَّ
عمرا رَكبه و (زيد) الْمَفْعُول لأَنَّ الرّكُوب أَعجبه وَتقول سرَّني
والمُشْبِعَه طعامُك شَتْمُ غلامِك زيدا بِالنّصب وَالرَّفْع فِي زيد
على مَا تقدّره من أَن يكون فَاعِلا / أَو مَفْعُولا وَتقول أَعجب
إِعطاءُ الدَّرَاهِم أَخاك غلامُكَ (إِيّاك) نصبت (إِياك) بأَعجب
وَجعلت (غلامُك) هُوَ الَّذِي أَعطى الدَّرَاهِم أَخاك
(1/16)
وَتقول ضَرْبَ الضَّارِب عمرا والمكرمَ
زيدا أَحبَّ أَخواك نصبت الضَّرْب الأَوّلُّ بأَحبّ وجررت (الضَّارِب)
بالإِضافة وعدّيته إِلى عَمْرو ونصبت (المكرم) بِالضَّرْبِ الأَوّل
وَالضَّرْب الأَوّل مُتعدِّ فإِن أَردت أَلاَّ تعّديه قلت ضَرْبَ
الضَّارِب المكرمِ زيدا أَحبَّ أَخواك وَهَذَا كلُّه فِي صلَة الضَّرْب
لأَنَّك أَضفته إِلى الضَّارِب وَسَائِر الْكَلَام إِلى قَوْلك (أَحبّ)
متَّصل بِهِ وَتقول سرَّ الشاربُ المطعُمه طعامَك شَرابَك زيدا
(1/17)
ف (الشَّرَاب) ينْتَصب ب (الشَّارِب) و
(الْمطعم) يرْتَفع بِالْفِعْلِ الَّذِي فِي (الشَّارِب) ونصبت
(الطَّعَام) بِالْفِعْلِ الَّذِي فِي (الْمطعم) وكلُّه اسْم وَاحِد
وَتقول ظَنَنْت الَّذِي الضاربُ أَخاه زيدٌ عمرا فَالَّذِي فِي /
مَوضِع نصب بظننت وعمرا مفعول ثَان وَقَوله الضَّارِب أَخاه زيد
الضَّارِب مبتدأٌ وَزيد خَبره وهما جَمِيعًا فِي صلَة الَّذِي وإِنما
اتَّصلا بِالَّذِي للهاء الَّتِي فِي قَوْلك أَخاه لأَنَّها ترجع الى
الَّذِي
(1/18)
وَلَو قلت قَامَ الَّذِي ضربت هندٌ أَباها
لم يجز لأَنَّ " الَّذِي " لَا يكون اسْما إِلاَّ بصلَة وَلَا تكون
صلته إِلاَّ كلَاما مستغنيا نَحْو الِابْتِدَاء وَالْخَبَر وَالْفِعْل
وَالْفَاعِل والظرف مَعَ مَا فِيهِ نَحْو فِي الدَّار زيد وَلَا تكون
هَذِه الْجمل صلَة لَهُ إِلاَّ وفيهَا مَا يرجع إِليه من ذكره فَلَو
قلت ضَرَبَنِي الَّذِي أَكرمت هِنْد أَباها عِنْده أَو فِي دَاره لصلح
لمّا رددت إِليه من ذكره وَنَظِير الَّذِي مَا وَمن وأَي وأَل الَّتِي
فِي معنى الَّذين وكلّ مَوْصُول ممّا لم نذكرهُ فَهَذَا مجْرَاه وَلَو
قلت ضرب مَن أَبوك منطلق زيدا لم يجز فإِن جعلت مكانَ الْكَاف هَاء
وَقلت أَبوه صحّت المسأَلة بالراجع من ذكره وَكَذَلِكَ بَلغنِي مَا
صنعت لأَنَّ هَهُنَا هَاء محذوفة وَالْمعْنَى مَا صَنعته وَكَذَلِكَ
رأَيت مَنْ ضربتَ وأَكرمتُ مَنْ أَهنتَ فِي كل هَذَا قد حذفت هَاء
وإِنَّما حذفتها لأَنَّ أَربعة أَشياءَ صَارَت اسْما وَاحِدًا وَهِي
الَّذِي وَالْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ فخفَّفت مِنْهَا
وإِن شِئْت جِئْت بهَا وإِنَّما كَانَت الهاءُ أَولى بالحذف لأَنَّ
الَّذِي هُوَ الْمَوْصُول الَّذِي يَقع عَلَيْهِ الْمَعْنى وَالْفِعْل
هُوَ الَّذِي يوضِّحه وَلم يجز حذف الْفَاعِل لأَنَّ الْفِعْل لَا يكون
إِلاَّ بفاعل فحذفت الْمَفْعُول من اللَّفْظ لأَنَّ الْفِعْل قد يَقع
وَلَا مفعول فِيهِ نَحْو قَامَ زيد وتكلَّم عبد الله وَجلسَ خَالِد
وإِنَّما فعلت هَذَا بالمفعول فِي الصِّلَة لأَنَّه كَانَ متَّصلا
بِمَا قبله فحذفته مِنْهُ كَمَا تحذف التَّنْوِين من قَوْله
(وَلَا ذاكِرَ اللَّه إِلاَّ قَلِيلا)
(1/19)
وَمَا أَشبهه وَلَو كَانَ مُنْفَصِلا لم
يجز حذفه لأَنَّ الضَّمِير قد خرج من الْفِعْل وَصَارَ فِي حيِّز
الباءِ وَكَذَلِكَ الَّذِي ضربت أَخاه زيد لَا يجوز حذف {الهاءِ من}
الأَخ كَمَا حذفت الْهَاء من الأَوّل لما ذكرت لَك وَتقول سَرَّ
دَفْعُك إِلى المعطِي زيدا دِينَارا درهما القائمَ فِي دَاره عَمْرو
نصبت الْقَائِم
(1/20)
بسرّ وَرفعت عمرا بقيامه وَلَو قلت سرّ
دفْعُك إِلى زيد درهما ضربَك عمرا كَانَ محالا لأَنَّ الضَّرْب لَيْسَ
ممّا يُسّرُّ وَكَذَلِكَ لَو قلت أَعجب قيامُك قعودَك كَانَ خطأ وَلَو
قلت وَافق قيامُك قعودَ زيد لصلُح وَمَعْنَاهُ أَنَّهما قد اتفقَا فِي
وَقت وَاحِد فَلَو أَردت معنى الْمُوَافقَة الَّتِي هِيَ اِعجاب لم
يصلح إِلاَّ فِي الآدميّين وَتقول اشْتهى زيد شَتْما عمرا خَالِدا
كأَنَّك قلت أَن يشْتم عمرا خَالِدا وَكَذَلِكَ الْألف وَاللَّام فإِن
لم تنوّن وَلم تدخل أَلفا ولاماً أَضفت الْمصدر إِلى الِاسْم الَّذِي
بعده فَاعِلا كَانَ أَو مَفْعُولا وَجرى الَّذِي بعده على الأَصل وَقد
فسرنا هَذَا فِيمَا مضى من ذكرنَا هَذَا الْكتاب وَتقول أَعجبك ضربُ
زيد عمرا إِذا كَانَ زيد فَاعِلا وضَرْب زيدٍ عَمْرو إِذا كَانَ زيد
مَفْعُولا وَنَحْوه وَقَالَ الشَّاعِر
(أَفْنى تِلادي وَمَا جمّعتُ من نَشَبٍ ... قرعُ القواقيزِ أَفْواهُ
الأَباريقِ)
التَّقْدِير أَن قرعت القواقيزَ أَفواهُ الأَباريق وتنصب الأَفواه إِن
جعلت القواقيز فَاعِلا
(1/21)
(هَذَا بَاب وَتقول فِي مسَائِل طوال
يمْتَحن بهَا المتعلمون)
الضاربَ الشاتمَ المكرِمَ المعطِيَه درهما القائمُ فِي دَاره أَخوك
سَوْطًا أَكْرَمَ الآكِلُ طعامَه غلامُه زيدٌ عمرا خالدٍ بكرا عبدَ
الله أَخوك نصبت الضَّارِب بأَكرم وَجعلت مَا بعد الضَّارِب
(1/22)
فِي صلته إِلى قَوْلك أَكرم فَصَارَ اسْما
وَاحِدًا وَالْفَاعِل هُوَ الْآكِل وَمَا بعده صلَة لَهُ إِلى ذكرك
(1/23)
الأَسماء المفردة وَهَذِه الأَسماءُ
المنصوبة بدل من الضَّارِب والشاتم والمكرم وخالدٍ الْمَجْرُور بدل من
الْهَاء فِي غُلَامه وَالْمَرْفُوع بدل من أَحد هَؤُلَاءِ الفاعلين
الَّذين ذكرتهم وتقديرها كأَنَّك قلت أَكرم الْآكِل طعامَه غلامُه
الرجل الَّذِي ضرب سَوْطًا رجلا شتم رجلا أَكرم رجلا أَعطاه درهما رجلٌ
قَامَ فِي دَاره أَخوك وَلَو قلت أَعجب ضَرْبُ زيدٍ غلامَه خَالِدا
عمرا بكرٍ لم يجز لِقَوْلِك بكر وَحْدَه والمسأَلة إِذا حذفته مِنْهَا
صَحِيحَة وَذَلِكَ لأَنَّك إِذا قلت أَعجب ضرْبُ زيدٍ غلامَه خَالِدا
عمرا نصبت عمرا بأَعجب ونصبت خَالِدا فَجَعَلته بَدَلا من الْغُلَام
فإِن جِئْت ببكر فجررته فإِنما تَجْعَلهُ بَدَلا من الْهَاء فِي
غُلَامه والهاءُ هِيَ زيد فقد أَحلت حِين جعلت زيدا بكرا وفصلت بَين
الصِّلَة والموصول وَلَو قلت ظَنَنْت بناءَ الدارِ
الساكنِهاالمُعْجِبُه القائمُ عِنْده الذَّاهِب إِليه أَخواه مُعْجِبا
بكرا كَانَ جيّدا إِذا جعلت معجبا بكرا هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي فِي
ظَنَنْت وَلم تذكر الْبَانِي فإِن ذكرت الْبَانِي جعلته اسْما قبل
الْمَفْعُول الثَّانِي فَرَفَعته لأَنَّ قَوْلك الساكنها صفة للدَّار
وَمَا بعده دَاخل فِي صلته والصلة والموصول اسْم وَاحِد أَلا ترى
أَنَّك تَقول جاءَني عبد الله ورأَيت زيدا فإِنما تذكر بعد جاءَني
ورأَيت اسْما وَاحِدًا فَاعِلا أَو مَفْعُولا
(1/24)
وَتقول جاءَني القائمُ إِليه الشاربُ ماءَه
الساكنُ دارَه الضاربُ أَخاه زيدٌ فالقائم إِليه اسْم وَاحِد وَهَذَا
كلُّه فِي صلته وَكَذَلِكَ لَو قلت جاءَني الَّذِي اللَّذَان ضرباه
القائمان إِليك كَانَ الَّذِي جاءَك وَاحِدًا وَهَذَا الْكَلَام من
صلته بِمَنْزِلَة قَوْلك جاءَ الَّذِي أَبوه منطلق وجاءَني الَّذِي
أَبوه غلامُه زيدٌ إِذا كَانَ
(1/25)
الْغُلَام للأَب فإِنما الصالة موضَّحة عَن
الْمَوْصُول وَفِي هَذِه الْمسَائِل مَا يدلُّك على جَمِيع مَا يرد
عَلَيْك فِي هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله وَتقول ضربت زيدا أَخا
عَمْرو فإِن شِئْت جعلت أَخا عَمْرو صفة وإِن شِئْت جعلته بَدَلا
وَتقول ضربت أَخاكَ زيدا فَلَا يكون زيد إِلاَّ بَدَلا لأَنه اسْم علَم
وإِنما الصِّفَات تحْلِية الشَّيْء نَحْو الظريف والطويل وَمَا أَشبه
ذَلِك ممّا أُخِذ من الفِعْل أَو نُسب نَحْو الفلانيّ والتميميّ
والبكريّ وَمَا اعتوره شيءمن هذَيْن المعنَييْن وَالْبدل يجوز فِي كلّ
اسْم معرفَة كَانَ أَو نكرَة مظْهرا كَانَ أَو مضمرا إِذا كَانَ
الأَوّل فِي الْمَعْنى أَو كَانَ بعضه فأَما بدل الْمعرفَة من
الْمعرفَة فكقولك مَرَرْت بأَخيكَ عبدِ الله وَنَظِير بدل الْمعرفَة من
الْمعرفَة نَحْو قَول الله عزَّ وجلَّ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ
المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الذِّبن أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وَبدل الْمعرفَة
من النكرَة كَقَوْلِك مَرَرْت بِرَجُل زيد كأَنَّك نَحّيت الرجل وَوضعت
زيدا مَكَانَهُ فكَأَنَّك قلت مَرَرْت بزيد لأَنَّ ذَلِك الرجل هُوَ
زيد فِي الْمَعْنى وَنَظِير هَذَا قَول الله {وَإنَّك لتهدي إِلَى
صِرَاط مُسْتَقِيم صِرَاط الله}
(1/26)
وَبدل النكرَة من الْمعرفَة كَقَوْلِك
مَرَرْت بزيد رجلٍ صَالح وضعت الرجل فِي مَوضِع زيد لأَنَّه هُوَ فِي
الْمَعْنى وَنَظِير هَذَا قَول الله عزَّ وجلّ {لنسفعا بالناصية
نَاصِيَة كَاذِبَة} واَمَّا بدل بعض الشيءِ مِنْهُ للتبيين فنحو قَوْلك
ضربت زيدا رأْسَه وجاءَني قَوْمك بعضُهم أَراد أَن يبيّن الْموضع
الَّذِي وَقع الضَّرْب بِهِ مِنْهُ وأَن يُعْلمك أَنَّ بعض الْقَوْم
جاءَ لَا كلَّهم وَمن ذَلِك قَول الله عزَّ وجلَّ {وَللَّه على النَّاس
حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} لأَن فرض الْحَج إِنَّما
وَقع مِنْهُم على المستطيع وَقد يجوز أَن يُبدل الشيءُ من الشيءِ إِذا
اشْتَمَل عَلَيْهِ مَعْنَاهُ لأَنَّه يقْصد قصْد الثَّانِي نَحْو
قَوْلك سُلِب زيدٌ ثوبُه لأَنَّ معنى سلب أَخذ ثَوْبه فأَبدل مِنْهُ
لدُخُوله فِي الْمَعْنى وَلَو نصبت الثَّوْب كَانَ أَجود إِذا لم ترد
الْبَدَل وَمثل ذَلِك قَول الله عزَّ وجلَّ {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر
الْحَرَام قتال فِيهِ} لأَنَّ المسأَلة وَقعت عَن الْقِتَال وَمثل
ذَلِك قَول الأَعشى يُنشد كَمَا أَصف لَك
(لقد كَانَ فِي حَوْلٍ ثَوَاءٍ ثَوَيْته ... تَقَضَّي لُباناتٍ
ويَسْأَمَ سائِمُ)
(1/27)
أَراد لقد كَانَ فِي ثواءِ حول فأَوقع
الْفِعْل على الحَول وَجعل ثواءٍ بَدَلا مِنْهُ كَمَا أَنَّه إِذا
قَالَ ضربت زيدا رأْسَه إِنما أَراد ضربت رأْس زيد فأَوقع الْفِعْل
وَجعله بَدَلا ويُروى تُقَضَّى لُباناتٌ ويَسْأَمُ وللبدل مَوضِع آخر
وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ بدل الْغَلَط وَذَلِكَ قَوْلك مَرَرْت
بِرَجُل حمارٍ أَراد أَن يَقُول مَرَرْت بِحِمَار فإِمَّا أَن يكون
غلِط فِي قَوْله مَرَرْت بِرَجُل فتدارك فَوضع الَّذِي جاءَ بِهِ
وَهُوَ يُريدهُ فِي مَوْضِعه أَو يكون كأَنَّه نسِي فَذكر فَهَذَا
الْبَدَل لَا يكون مثلُه فِي قُرْآن وَلَا شعر وَلَكِن إِذا وَقع مثلُه
فِي الْكَلَام غَلطا أَو نِسْيانا فَهَكَذَا إِعرابه
(1/28)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ لَفظه مقلوبا فحقَّ
ذَلِك أَن يكون لَفظه جَارِيا على مَا قُلِبَ إِليه)
فَمن ذَلِك قِسِيّ وإِنَّما وَزنهَا فُعُول وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يكون
قُوُوس لأَنّ الْوَاحِد قَوْس وأَدنى الْعدَد فِيهِ أَقْواس وَالْكثير
قِياس كَمَا تَقول ثوب وأَثواب وَثيَاب وسوط وأَسواط وسياط وَكَذَلِكَ
جَمِيع هَذَا الْبَاب الَّذِي مَوضِع الْعين مِنْهُ وَاو فأَمَّا
قُوُوس فجارٍ على غير مَا تجْرِي عَلَيْهِ ذَوَات الْوَاو نَحْو كَعْب
وكعوب وصقر وصقور فكرهوا واوين بَينهمَا ضمّة فقلبوا وَكَانَ حقَّ
فَعْل من غير المعتلّ أَن يكون أَدنى الْعدَد فِيهِ أَفْعُل كَقَوْلِك
كَعْب وأَكْعُب وكلْب وأَكلُب وصقْر وأَصقُر فلهذه العلَّة قلب إِلى
أَفْعَال فَقيل أَبْيات وأَثْواب إِذ كَانَ ذَلِك قد يكون فِي غير
المعتلّ من فَرْخ وأَفْراخ وزَنْد وأَزناد وجَدّ وأَجداد فإِن احْتَاجَ
إِلَيْهِ شَاعِر ردّه إِلَى الأَصل كَمَا قَالَ
(لكلِّ دَهْرٍ قد لبِستُ أَثْوُبا)
فَهَذَا نَظِير فُعُول فِي الْوَاو
(1/29)
وَمن المقلوب قَوْلهم أَيْنُق فِي جمع
نَاقَة وَكَانَ أَصل هَذِه أَنْوُق والعلَّة فِيهِ كالعلُّة فِيمَا
وَصفنَا فَلَو سميت بأَيْنُق رجلا لم تصرفه إِلاّ فِي نكرَة لأَنَّه
أَفْعُل على مِثَال أَقْتُل وَمن ذَلِك أَشْيَاءُ فِي قَول الْخَلِيل
إِنَّما هِيَ عِنْده فَعْلاءُ وَكَانَ أَصلها شَيْئاءَ يَا فَتى فكرهوا
همزتين بَينهمَا أَلف فقلبوا لنَحْو مَا ذكرت لَك من خَطَايَا كراهةَ
أَلفين بَينهمَا همزَة بل كَانَ هَذَا أَبْعَد فقلبوا فَصَارَت اللَّام
الَّتِي هِيَ همزَة فِي أَوّله فَصَارَ تَقْدِيره من الْفِعْل
لَفْعَاءَ وَلذَلِك لم ينْصَرف قَالَ الله عزَّ وجلَّ {لاَ تَسْأَلُوا
عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَلَكُمُ تَسُؤكُم} وَلَو كَانَ أَفْعالا
لانصرف كَمَا ينْصَرف أَحْياءٌ وَمَا أَشبهه وَكَانَ الأَخفش يَقُول
أَشْياءُ أَفْعِلاءُ يَا فَتى جُمع عَلَيْهَا فَعْل كَمَا جُمِع سَمْح
على سُمَحاءَ وَكِلَاهُمَا جمع لفعِيل كَمَا تَقول فِي نصيب أَنْصباءُ
وَفِي صديق أَصْدِقاءُ وَفِي كريم كُرَماءُ وَفِي جليس جُلَساء فسَمْح
وشَيْءٌ على مِثَال فَعْل فَخرج إِلى مِثَال فَعيل وَقَالَ الْمَازِني
فَقلت لَهُ كَيفَ تُصَغِّرهُنَّ فَقَالَ أَُشيَّاءُ فسأَلته لمَ لمْ
تردّه إِلَى الْوَاحِد إِنَّه أَفْعِلاءُ فقد وَجب عَلَيْهِ فَلم يأْتِ
بمُقْنِع وَهَذَا ترك قَوْله لأَنَّه إِذا زعم أَنَّه أَفْعِلاءُ فقد
وجَبَ عَلَيْهِ أَن يصغِّر الْوَاحِد ثمّ يجمعه فَيَقُول فِي تَصْغِير
أَشْياءَ على مذْهبه شُيَيْئات فَاعْلَم تَقْدِير فُعَيْلات وَلَا يجب
هَذَا على الْخَلِيل لأَنَّه إِذا زعم أَنَّه فَعْلاءُ فقد زعم أَنَّه
اسْم وَاحِد فِي معنى الْجمع بِمَنْزِلَة قَوْم ونفَر فَهَذَا إِنَّما
يجب عَلَيْهِ تصغيره فِي نَفسه فقد ثَبت قَول الْخَلِيل بحجّة لَازِمَة
(1/30)
وممّا يؤكِّد ذَلِك السماعُ قَول الأَصمعيّ
فِيمَا حدّث بِهِ عُلَمَاؤُنَا إِنَّ أَعرابيّا سمع كَلَام خلَف
الأَحمر فَقَالَ يَا أَحمرُ إِنَّ عنْدك لأَشاوَى فَقلب الياءَ واوا
وأَخرجه مُخْرَج صحراءَ وصحارَى فكلُّ مقلوب فَلهُ لَفظه
(1/31)
(هَذَا بَاب اللَّفْظ بالحروف)
قَالَ سِيبَوَيْهٍ خرج الْخَلِيل يَوْمًا على أَصحابه فَقَالَ كَيفَ
تلفِظون بالباءِ من اضربْ وَالدَّال من قدْ وَمَا أَشبه ذَلِك من
السواكن فَقَالُوا با دَال فَقَالَ إِنَّما سمّيتم باسم الْحَرْف وَلم
تلفِظوا بِهِ فَرَجَعُوا فِي ذَلِك إِليه فَقَالَ أَرى إِذا أَردت
اللَّفْظ بِهِ أَن أَزيد أَلف الْوَصْل فأَقول اِبْ اِد / لأَن
الْعَرَب إِذا أَرادت الِابْتِدَاء بساكن زَادَت أَلف الْوَصْل
فَقَالَت اِضرب اُقتل إِذا لم يكن سَبِيل إِلى أَن تبتدي بساكن وَقَالَ
كَيفَ تلفِظون بالباءِ من ضَربَ وَالضَّاد من ضُحىً فأَجابوه كنحو
جوابهم فِي الأَول فَقَالَ أَرى إِذا لُفِظ بالمتحرّك أَن تزاد هاءٌ
لبَيَان الْحَرَكَة كَمَا قَالُوا ارمه {وَمَا أَدْرَاكَ مَاهِيَه}
فأَقول بَهْ ضُهْ وَكَذَلِكَ كلُّ متحرّك وَهَذَا مَا لَا يجوز فِي
الْقيَاس غيرُه فإِن سميَّت بِحرف من كلمة فإِنَّ فِي ذَلِك اخْتِلَافا
(1/32)
فإِن سميَّت بالباءِ من ضرَبَ فإِنَّ بعض
النحويّين كَانَ يزِيد أَلف الْوَصْل فَيَقُول هَذَا اِبٌ فَاعْلَم
وَهَذَا خطأٌ فَاحش وَذَلِكَ أَنَّ أَلف الْوَصْل لَا يدْخل على شيءٍ
متحرّك وَلَا نصيب لَهَا فِي الْكَلَام إِنَّما تدخل ليوصل بهَا إِلى
السَّاكِن الَّذِي بعْدهَا لأَنَّك لَا تقدر أَن تبتدئْ بساكن فإِن
كَانَ قبلهَا كَلَام سَقَطت وَقَالَ غَيره أَرى أَن أَقول رَبٌ
فَاعْلَم فأَردّ مَوضِع الْعين من ضربَ فَقيل لَهُ أَرأَيت مَا تثبت
عينه ولامه وفاؤُه محذوفة من غير المصادر الَّتِي فاؤها وَاو نَحْو
عِدة وزِنة فاعتل بِمَا قد وُجد من غَيرهَا وَذَلِكَ قَوْلهم نَاس
الْمَحْذُوف مَوضِع الفاءِ وَلَا نعلم غَيره ويدلُّك على ذَلِك
الإِتمام إِذا قلت أُناس فإِنما هُوَ فُعال على وزن غراب وإِنه مشتقُّ
من أَنِس وإِنسان فِعْلان وَهَذَا وَاضح جدّا قَالَ أَبو الْحسن ضَبٌ
كَمَا ترى فيحذف مَوضِع الْعين كَمَا فعل فِي مذْ لأَنَّ الْمَحْذُوف
فِي مُنْذُ مَوضِع الْعين وَكَذَلِكَ سَهٌ إِنَّما الْمَحْذُوف التاءُ
من اَستاه قَالَ الشَّاعِر
(أُدْعْ أُحَيْحاً باسمه لَا تَنْسَهْ ... إِنَّ أُحَيْحاً هِيَ
صِئْبَانُ السَّهْ)
(1/33)
وَقَالَ أَمير الْمُؤمنِينَ عليّ بن أَبي
طَالب كرّم الله وَجهه العَيْنُ وِكاءُ السَّه وَالْقَوْل الأَوّل
لأَبي عُثْمَان المازنيّ ثمّ راَى بعدُ إِذاسُمّي بالباءِ من ضربَ أَن
يردّ الْكَلَام كلَّه فَيَقُول ضَرَبٌ كَمَا ترى وَلَا يحذف لأَنَّه
إِذا آثر أَن يردّ رَدّ على غير علَّة وَلَو سمَّيت رجلا ذُو لَقلت
هَذَا ذَوا فَاعْلَم لأَنَّ أَصله كَانَ فَعَلا يدلُّك على ذَلِك ذواتا
وقولك هما ذواَ مَال
(1/34)
(هَذَا بَاب مَا يُسمَّى بِهِ من الأَفعالِ
المحذوفةِ والموقوفةِ)
إِذا سمَّيت رجلا (لِتَقُمْ) أَو (لم تَقمْ) أَو (إِنْ تقمْ أَقمْ)
فالحكاية لأَنَّه عَامل ومعمول فِيهِ إِذا جِئْت بالعامل مَعَه وإِن
سمَّيته (أَقِمْ) أَوْ (تَقُمْ) وَلَيْسَ مَعَهُمَا لمْ أَعربت فَقلت
هَذَا أَقومُ فَاعْلَم وَهَذَا تقومُ فَاعْلَم ورأَيت تقومَ فَاعْلَم
لأَنَّه لَيْسَ فِيهِ فَاعل ورددت الْوَاو لأَنَّها حذفت فِي الْفِعْل
لالتقاءِ الساكنين فلمّا تحرّكت الْمِيم رجعت وإِن سمّيته (قُمْ) أَو
(بعْ) قلت هَذَا قُومٌ على وزن فُعْل وَهَذَا بِيعٌ على وزن دِيْك يَا
فَتى لأَنَّ الأَسماءَ لَا تنجزم وإِذا تحركت أَواخرها ردّ مَا حذف
لالتقاء الساكنين وإِن سميته أَقِيمْ قلت هَذَا أَقيمُ قد جاءَ لَا
تصرفه للزِّيَادَة الَّتِي فِي أَوّله وإِن سمَّيته (رَزديدا) حكَيْته
فإِن حذفت زيدا وسمَّيته بالفِعْل وحدَه قلت هَذَا رأَى مثل قفاً وعَصا
تردّ الْهمزَة وَهِي عين الْفِعْل وتردّ الأَلف لأَنَّ الأَسماءَ لَا
تنجزم وَهَذِه جُمَل تدلُّ على أَبوابها إِن شاءَ الله
(وَهَذِه حُدُود التصريف وَمَعْرِفَة أَقسامه)
وَمَا يَقع فِيهِ من الْبَدَل والزوائد والحذف وَلَا بدّ / من أَن
يُصدَّر بِذكر شيءٍ من الأَبنية لتعرف الأَوزان وليعلم مَا يبْنى من
الْكَلَام وَمَا يمْتَنع من ذَلِك
(1/35)
(هَذَا بَاب مَا يكون عَلَيْهِ الكَلِمُ
بمعانيه)
فأَقلّ مَا تكون عَلَيْهِ الْكَلِمَة حرف وَاحِد وَلَا يجوز لحرف أَن
ينْفَصل بِنَفسِهِ لأَنَّه مُسْتَحِيل وَذَلِكَ أَنَّه لَا يمكنك أَن
تبتدئ إِلاّ بمتحرك وَلَا تقف إِلاَّ على سَاكن فَلَو قَالَ لَك قَائِل
الفِظ بِحرف لقد كَانَ سأَلك أَن تُحيل لأَنَّك إِذا ابتدأْت بِهِ
ابتدأت متحرّكا وإِذا وقفت عَلَيْهِ وقفت سَاكِنا فقد قَالَ لَك اجْعَل
الْحَرْف سَاكِنا متحرّكا فِي حَال وَلَكِن سنذكر اللَّفْظ بالحروف
ساكِنها ومتحرّكها فِي مَوْضِعه ليوصل إِلى التَّكَلُّم بِهِ إِن شاءَ
الله فَمَا كَانَ على حرف فَلَا سَبِيل إِلى التكلُّم بِهِ وحدَه فممّا
جاءَ على حرف ممّا هُوَ اسْم التاءُ فِي قمْت إِذا عَنى المتكلِّم
نَفسه أَو غَيره من ذكر أَو أُنثى إِلاَّ أَنَّها تقع لَهُ مضمومةٌ
ذكرا كَانَ اَوْ انثى وَلغيره اذا كَانَ ذكرا مَفْتُوحَة وإِن كَانَت
أُنثى مَكْسُورَة وَالْكَاف من نَحْو ضربتك ومررت بك تنفتح للمذكَّر
وتنكسر للمؤنَّث والهاءُ فِي ضَربته ومررت بِهِ وَلها أَحكام نبيّنها
إِن شاءَ الله وَذَلِكَ أَنَّ أَصْل هَذِه الهاءِ أَن تلحقها وَاو
زَائِدَة لأَنَّ الهاءَ خُفْيَة فتُوصِل بهَا الْوَاو إِذا وصلت فإِن
وقفت لم تُلحق الْوَاو لئلاّ يكون الزَّائِد كالأَصليّ وَذَلِكَ قَوْلك
رأَيتُهو يَا فَتى ورأَيتُهو يَا فَتى فتلحق بعد المضموم والمفتوح
(1/36)
فإِن كَانَت قبلهَا كسرة جَازَ أَن تُتبعها
واوا أَو يَاء أَيّهما شِئْت أَمَّا الْوَاو فعلى الأَصل الَّذِي ذكرت
لَك وأَمّا الياءُ فلقرب الْجوَار لأَنَّ الضمّة مستثقلة بعد الكسرة
وَالنَّاس عامّة للكسرة والياءُ بعْدهَا أَكثر اسْتِعْمَالا فأَمّا
أَهل الْحجاز خاصّة فعلى الأَمر الأَوّل فِيهَا يقرءُون {فَخَسَفْنَا
بِهُو وَبدَارِهُو الأَرْضَ} لزموا الأَصل وهما فِي الْقيَاس على مَا
وصفت لَك فإِن كَانَت هَذِه الهاءُ بعد / وَاو أَو ياءٍ ساكنتين أَو
أَلف فَالَّذِي يُختار حذف حرف اللين بعْدهَا تَقول عليهِ مَال يَا
فَتى بِكَسْر الْهَاء من أجل الياءِ الَّتِي قبلهَا كَمَا فعلت ذَلِك
للكسرة وَمن لزم اللُّغَة الحجازيّة قَالَ عليهُ مالٌ وَتقول هَذَا
أَبوه فَاعْلَم {فَألْقى مُوسَى عَصَاهُ} وإِنَّما حذفت الياءُ
وَالْوَاو لأَنَّ الهاءَ خفيّة والحرف الَّذِي يلْحقهَا سَاكن وَقبلهَا
حرف لين سَاكن فكره الْجمع بَين حرفي لين ساكنين لَا يفصلهما إِلاّ حرف
خفيّ وإِن شِئْت أَلحقت الياءَ وَالْوَاو على الأَصل لأَنَّ الهاءَ حرف
متحرّك فِي الْحَقِيقَة وَذَلِكَ قَوْلك على قَول العامّة عليهى مَال
وعَلى قَول أَهل الْحجاز عليهو مَال {فَأَلْقَى عَصَاهُو فَإِذَا هِيَ}
وَهَذَا أَبوهو فَاعْلَم
(1/37)
فإِن كَانَ قبل الهاءِ حرف سَاكن من غير
حُرُوف المدّ واللين فأَنت مخيّر إِن شِئْت أَثبتَّ وإِن شِئْت حذفت
أَمّا الإِثبات فعلى مَا وصفت لَك وأَمَّا الْحَذف فلأَنَّ الَّذِي قبل
الهاءِ سَاكن وَبعدهَا سَاكن وَهِي خفيّة فكرهوا أَن يجمعوا بَينهمَا
كَمَا كَرهُوا الْجمع بَين الساكنين وَذَلِكَ قَوْلك {مِنْهُ آيَات
محكمات} وإِن شِئْت قلت {مِنْهُو آياتٌ} وعنهو أَخذت فَهَذَا جملَة
هَذَا وَاعْلَم أَنَّ الشَّاعِر إِذا احْتَاجَ إِلى الْوَزْن وَقبل
الهاءِ حرف متحرك حذف الياءَ وَالْوَاو اللَّتَيْنِ بعد الهاءِ إِذا لم
يَكُونَا من أَصل الْكَلِمَة فَمن ذَلِك قَوْله
(فإِنْ يكُ غَثّاً أَو سَمينا فَإِنَّني ... سَأَجْعَلُ عَيْنَيْهِى
لِنَفْسِهِ مَقْنَعَا)
وَقَالَ آخر
(أَوْ مُعْبَرُ الظَّهْرِ يُنْبِي عَن وَلِيَّتِه ... مَا حَجّ ربُّهُ
فِي الدُّنْيَا وَلَا اعْتَمَرا)
وَقَالَ آخر
(وَمَا لهُ منْ مَجْدٍ تَليدٍ وَمَا لَهو ... من الرّيح فَضْلٌ لَا
الجَنُوبُ وَلَا الصَّبَا)
(1/38)
وأَشدّ من هَذَا فِي الضَّرُورَة أَن يحذف
الْحَرَكَة كَمَا قَالَ
(فَظِلتُ لدَى البيتِ العَتِيقِ أُرِيغُهُ ... ومِطْوايَ مُشْتاقان
لَهُ أَرقانِ)
فأَمّا مَا كَانَ من هَذِه الْحُرُوف الَّتِي جَاءَت لمعان فَهِيَ
مُنْفَصِلَة بأَنفسها ممّا بعْدهَا وَقبلهَا إِلاّ أَنَّ الْكَلَام
بهَا مُنْفَرِدَة محَال كَمَا وصفت لَك فإِنَّ مِنْهَا كَاف
التَّشْبِيه الَّتِي فِي قَوْلك أَنت كزيد وَمَعْنَاهُ مثل زيد و
(اللَّام) الَّتِي تسمى لَام المِلْك نَحْو هَذَا لِعبد اللَّه ولَك
تكون مَكْسُورَة مَعَ الظَّاهِر ومفتوحة مَعَ الْمُضمر لعلَّة قد ذكرت
فِي موضعهَا وَهِي الَّتِي فِي قَوْلك جِئْت لأُكرمَك لأَنَّ الْفِعْل
انتصب بإِضمار أَنْ وأَنْ وَالْفِعْل مصدر فقد صَار الْمَعْنى جِئْت
لإِكرامك وَمِنْهَا (الباءُ) الَّتِي تكون للإِلصاق والإستعانة فأَمّا
الإِلصاق فقولك مَرَرْت بزيد وأَلممت بك وأَمّا الإستعانة فقولك كتبت
بالقلم وَعمل النجّار بالقَدوم
(1/39)
وَمِنْهَا (وَاو) الْقسم الَّتِي تكون
بَدَلا من الباءِ لأَنَّك إِذا قلت بِاللَّه لأَفعلَّن فَمَعْنَاه
أَحلف بِاللَّه فإِذا قلت وَالله لأَفعلّن فَذَلِك مَعْنَاهُ لأَنَّ
مخرج الباءِ وَالْوَاو من الشّفة وَمن ذَلِك الْكَاف الَّتِي تلْحق آخر
الْكَلَام لَا مَوضِع لَهَا نَحْو كَاف ذَاك وروُيدك و {أَرَأَيْنَكَ
هَذّا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيّ} وَقَوْلهمْ أَبْصِرْكَ زيدا وَهَذِه
الْحُرُوف كَثِيرَة إِلاَّ أَنَّا نذْكر مِنْهَا شَيْئا يدلّ على
سائرها
(1/40)
(هَذَا بَاب مَا جَاءَ من الْكَلم على
حرفين)
فَمن ذَلِك مَنْ وَهِي لمن يعقل تكون فِي الْخَبَر والاسنفهام
والمجازاة وَتَكون فِي الْخَبَر معرفَة ونكرةً فإِذا كَانَت معرفَة
لزمتها الصِّلَة كَمَا تلْزم الَّذِي وإِذا كَانَت نكرَة لَزِمَهَا
النَّعْت لإبهامها فأَمّا كَونهَا فِي الإِستفهام فكقولك مَنْ ضربك
ومنْ أَخوك وأَمَّا المجازاة فقولك مَنْ يأْتني آته وأَمَّا الْخَبَر
فرأَيت مَنْ عنْدك وأَمَّا كَونهَا نكرَة فقولك مَرَرْت بمَنْ صالحٍ
كَمَا قَالَ
(يَا رُبَّ مَنْ يُبْغِضُ أَذْوَادَنا ... رُحْنَ على بَغْضائهِ
واغْتَدَيْنْ)
أَلا ترى أَنَّها فِي جَمِيع هَذَا وَاقعَة على الآذمييّن وَمِنْهَا
مَا وَهِي سُؤال عَن ذَات غير الآدمييّن وَعَن صِفَات الآدمييّن
وَتَقَع فِي جَمِيع مَوَاضِع مَنْ وإِن كَانَ مَعْنَاهَا مَا وصفت لَك
وَذَلِكَ قَوْلك فِي الِاسْتِفْهَام مَا عنْدك فَلَيْسَ جَوَاب هَذَا
أَن تَقول زيد أَو عَمْرو وإِنَّما جَوَابه أَن تُخْبر بِمَا شِئْت
مِنْ / غير الآدمييّن إِلاّ أَن تَقول رجل فتخرجه إِلى بَاب الأَجناس
(1/41)
وَيكون سؤالا عَن جنس الآدمييّن إِذا دخل
فِي الأَجناس أَو تجْعَل الصّفة فِي مَوضِع الْمَوْصُوف كَمَا تَقول
مَرَرْت بعاقل ومررت بحليم فإِنَّ مَا على هَذِه الشريطة تقع على
الآدمييّن لإِبهامِها قَالَ الله عزَّ وجلّ {إِلَّا على أَزوَاجهم أَو
مَا ملكت أَيْمَانهم} ف (مَا) هَهُنَا للآدمييّن وَكَذَلِكَ تَقول
رأَيت مَا عنْدك فِي معنى الَّذِي وَتقول مَا تصنعْ أَصْنعْ على
المجازاة وَقد قيل فِي قَوْله عزَّ وجلّ مَعْنَاهُ أَو مِلْك أَيمانهم
وَكَذَا قيل فِي قَوْله عزَّ وجلَّ {وَالسَّمَاء وَمَا بناها} أَي
وبنائها وَقَالُوا وَالَّذِي بناها وأَمَّا وُقُوعهَا نكرةٌ فَقَوله
(رُبَّ مَا تكره النفوسُ من الأَمْر لَهُ فَرْجَةٌ كَحَلِّ العِقَالِ)
وَاعْلَم أَنَّه لَا يكون اسْم على حرفين إِلاَّ وَقد سقط مِنْهُ حرف
ثَالِث يُبَيّن لَك ذَاك التصغير وَالْجمع فالأَسماءُ على أُصول
ثَلَاثَة بِغَيْر زِيَادَة على ثَلَاثَة وأَربعة وَخَمْسَة والأَفعال
على أَصلين 7 على ثَلَاثَة وأَربعة وَنَذْكُر هَذَا فِي مَوْضِعه /
وممّا جاءَ على حرفين من الْحُرُوف الَّتِي جاءَت لِمَعْنى والأَسماءِ
الدَّاخِلَة على هَذِه الْحُرُوف قَوْلهم قَدْ وَهِي تكون اسْما إِذا
كَانَت فِي مَوضِع حَسْب نَحْو قَوْلك كأَنْ قَدْ وَنَحْو قَوْلك
قَدْكَ من هَذَا أَي حسبُك وَتَكون حرفا جاءَ لِمَعْنى فإِذا كَانَت
كَذَلِك فلهَا موضعان من الْكَلَام
(1/42)
أَحدهما أَن تكون لقوم يتوقَّعون الْخَبَر
نَحْو قَوْلك هَل جاءَ زيد فَيَقُول لَك قد جاءَ وَتقول لمّا يأَتِ
فَيَقُول لَك قد أَتى وَتَكون فِي مَوضِع ربمَّا كَقَوْلِه
(قَدْ أَتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرَّا أَنَامِلُه ... كأَنَّ أَثْوَابَهُ
مُجَّتْ بِفِرْصَادِ)
وَقَوله
(وقدْ أَقُودُ أَمَامَ الخيلِ سَلْهَبَةً ... يَهدِي لَهَا نَسَبٌ فِي
الحَيّ مَعلومُ)
وَمِنْهَا هَلْ وَهِي للاستفهام نَحْو قَوْلك هَل جاءَ زيد وَتَكون
بِمَنْزِلَة قد فِي قَوْله عزَّ وجلَّ {هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين
من الدَّهْر} لأَنَّها تخرج
(1/43)
تخرج عَن حدّ الِاسْتِفْهَام تدخل
عَلَيْهَا حُرُوف الِاسْتِفْهَام نَحْو قَوْلك أَمْ هَل فعلت وإِن
احْتَاجَ الشَّاعِر إِلى أَن يُلْزمها الأَلف فعَلَ كَمَا قَالَ
(سائِلْ فَوَارِسَ يَرْبُوعٍ بِشدَّتِنا ... أَهلْ رأَوْنا بِسَفْح
القُفِّ ذِي الأَكّمِ)
وَمِنْهَا مِنْ وأَصلها ابتداءُ الْغَايَة نَحْو سرت من مكّة إِلى
الْمَدِينَة وَفِي الْكتاب من فلَان إِلى فلَان فَمَعْنَاه أَنَّ
ابتداءَه من فلَان ومحلَّه فلَان وكونهُا فِي التَّبْعِيض راجعٌ إِلى
هَذَا وَذَاكَ أَنَّك تَقول أَخذت مَال زيد فإِذا أَردت الْبَعْض قلت
أَخذت من مَاله فإِنَّما رجعت بهَا إِلى ابْتِدَاء الْغَايَة وقولك زيد
أَفضل من عَمْرو إِنَّما جعلت غَايَة تفضيله عمرا فإِذا عرفت فضل
عَمْرو علمت أَنَّه فَوْقه
(1/44)
وأَمَّا قَوْلهم إِنَّها تكون زَائِدَة
فلست أَرى هَذَا كَمَا قَالُوا وَذَاكَ أَنَّ كلّ كلمة إِذا وَقعت وَقع
مَعهَا معنى فإِنما حدثت لذَلِك الْمَعْنى وَلَيْسَت بزائدة فَذَلِك
قَوْلهم مَا جَاءَنِي من أَحد وَمَا رأَيت من رجل فَذكرُوا أَنَّها
زَائِدَة وأَنَّ الْمَعْنى مَا رأَيت رجلا وَمَا جاءَني أَحد وَلَيْسَ
كَمَا قَالُوا / وَذَلِكَ لأَنَّها إِذا لم تدخل جَازَ أَن يَقع
النَّفْي بِوَاحِد دون سَائِر جنسه تَقول مَا جاءَني رجل وَمَا جاءَني
عبد الله إِنَّما نفيت مَجِيء وَاحِد وإِذا قلت مَا جاءَني من رجل فقد
نفيت الْجِنْس كلَّه أَلا ترى أَنَّك لَو قلت مَا جاءَني مِنْ عبد الله
لم يجز لأَنَّ عبد الله معرفَة فإِنَّما مَوْضِعه مَوضِع وَاحِد
وَمِنْهَا (قَطْ) وَمَعْنَاهَا حَسْب وَهِي اسْم وقولك قطْك فِي معنى
قَوْلك حَسْبُك وَمن هَذِه الْحُرُوف (فِي) وَمَعْنَاهَا مَا استوعاه
الوِعاءُ نَحْو قَوْلك النَّاس فِي مَكَان كَذَا وَفُلَان فِي الدَّار
(1/45)
فأَمَّا قَوْلهم فِيهِ عَيْبَان فمشتقّ من
ذَا لأَنَّه جعله كالوعاء للعيبَيْن وَالْكَلَام يكون لَهُ أَصل ثُمّ
يتسَّع فِيهِ فِيمَا شاكل أَصله فَمن ذَلِك قَوْلهم زيد على الْجَبَل
وَتقول عَلَيْهِ دَين فإِنَّما أَرادوا أَنَّ الدَّيْن قد ركِبه وَقد
قهره وَقد يكون اللَّفْظ وَاحِدًا ويدلّ على اسْم وفِعْل نَحْو قَوْلك
زيد على الجبلِ يَا فَتى وَزيد / علا الجبلَ فَيكون (علا) فِعْلاَ
وَيكون حرفا خَافِضًا وَالْمعْنَى قريب وَمن كَلَامهم اخْتِلَاف
اللَّفْظَيْنِ لاخْتِلَاف الْمَعْنيين وَاخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ
وَالْمعْنَى وَاحِد واتِّفاق اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَاف الْمَعْنيين
فأَمَّا اخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ لاخْتِلَاف الْمَعْنيين فَهُوَ
الْبَاب نَحْو قَوْلك قَامَ وَجلسَ وَذهب وجاءَ وجمل وجبل وأَما
اخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ وَالْمعْنَى وَاحِد فنحو جلس وَقعد وقولك
بُرَّ وحنطة وذراع وساعد وأَمَّا اتِّفَاق اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَاف
الْمَعْنيين فقولك ضربت مثلا وَضربت زيدا وَضربت فِي الأَرْض إِذا
أَبعدت وَكَذَلِكَ وجدت تكون من وِجْدان الضالَّة وَتَكون فِي معنى
علمت كَقَوْلِك وجدت زيدا كَرِيمًا وَفِي معنى الموجِدة نَحْو وجَدت
على زيد فَهَذَا عَارض فِي الْكتاب ثُمّ نعود إِلَى الْبَاب وَمِنْهَا
لَمْ وَهِي نفي للْفِعْل الْمَاضِي ووقوعها على الْمُسْتَقْبل من أَجل
أَنَّها عاملة وعملها الْجَزْم وَلَا جزم إِلاَّ لمُعرَب وَذَلِكَ
قَوْلك قد فعل فَتَقول مكذِّبا لم يفعلْ فإِنَّما نفيت أَن يكون فَعَل
/ فِيمَا مضى
(1/46)
والحروف تدخل على الأَفعال فتنقلها نَحْو
قَوْلك ذهب وَمضى فتخبر عمّا سلف فإِن اتَّصلت هَذِه الْأَفْعَال بحروف
الْجَزَاء نقلتها إِلى مَا لم يَقع نَحْو إِن جئتني أَكرمتك وإِن
أَكرمتني أَعطيتك فإِنَّما مَعْنَاهُ إِن تكرمني أُعطك وَمن هَذِه
الْحُرُوف (لَنْ) وإِنَّما تقع على الأَفعال نَافِيَة لِقَوْلِك سيفعل
لأَنَّك إِذا قلت هُوَ يفعل جَازَ أَن تخبر بِهِ عَن فِعْل فِي الْحَال
وعمّا لم يَقع نَحْو هُوَ يصلِّي أَي هُوَ فِي حَال صَلَاة وَهُوَ
يصلِّي غَدا فإِذا قلت سيفعل أَو سَوف يفعل فقد أَخلصت الْفِعْل لما لم
يَقع فإِذا قلت لن يفعل فَهُوَ نفي لقَوْله سيفعل كَمَا أَنَّ قَوْلك
مَا يفعل نفي لقَوْله هُوَ يفعل وَمِنْهَا (لَا) وموضعها من الْكَلَام
النَّفْي فإِذا وَقعت على فِعْل نفتْه مُسْتَقْبلا وَذَلِكَ قَوْلك لَا
يقوم زيد وحقُّ نَفيهَا لما وَقع مُوجبا بالقسم كَقَوْلِك ليقومَنَّ
زيد فَتَقول لَا يقوم يَا فَتى كأَنَّك قلت وَالله ليقومنّ فَقَالَ
الْمُجيب وَالله لَا يقوم / وإِذا وَقعت على اسْم نفته من مَوْضِعه
كَقَوْلِك لَا رجل فِي الدارَ وَلَا زيدٌ فِي الدَّار وَلَا عمروٌ
ويفرد لهَذَا بَاب يستقصى فِيهِ إِن شاءَ الله ولوقوعها زَائِدَة فِي
مثل قَوْله {لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ أَنْ لَا يَقْدِرُونَ
عَلَى شَيْءٍ} أَي ليعلم كَمَا قَالَ الراجز
(وَمَا أَلومُ البِيضَ أَلاَّ تَسْخَرَا ... لَمّا رَأَيْنَ الشَمَطَ
القَفَنْدرَا)
وَمن الْحُرُوف مَا يُستجمع فِيهِ مَعانٍ فَمن ذَلِك (مَنْ) لَهَا
أَربعة مَوَاضِع كَمَا ذكرت لَك
(1/47)
وَمن ذَلِك (مَا) لَهَا خَمْسَة مَوَاضِع
تكون جَزَاء فِي قَوْلك مَا تصنعْ أَصنعْ وَتَكون استفهاما فِي قَوْلك
مَا صنعت وَتَكون بِمَنْزِلَة الَّذِي فِي قَوْلك أَرأَيت مَا عنْدك
إِلاَّ أَنَّها فِي هَذِه الْمَوَاضِع اسْم ووقوعها على ذَات غير
الآدميّين نَحْو قَوْلك إِذا قَالَ مَا عنْدك فرس أَو حمَار أَو مَال
أَو بُرّ وَلَيْسَ جَوَاب قَوْله مَا عنْدك زيد وَلَا عَمْرو وَقد
خبّرتك بعمومها فِي قَوْله {إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت
أَيْمَانهم} وأَمَّا وُقُوعهَا لصفات الآدميّين فكقولهم / مَا زيد
فَيَقُول شرِيف أَو وضيع وَلها موضعان تقع فيهمَا وَلَيْسَت باسم
إِنَّما هِيَ فيهمَا حرف فأَحدهما النَّفْي نَحْو قَوْلك مَا زيد فِي
الدَّار وَمَا يقوم زيد والموضع الآخر هِيَ فِيهِ زَائِدَة مؤكِّدة لَا
يخلّ طرحها بِالْمَعْنَى كَقَوْل الله عزَّ وجلَّ {فَبِمَارَحْمَةٍ}
وَكَذَلِكَ {فبمَا نقضهم ميثاقهم} وَمن الْحُرُوف الَّتِي يستجمع لَهَا
مَعانِ أَنْ الْخَفِيفَة لَهَا أَربعة مَوَاضِع فَمن ذَلِك الْموضع
الَّذِي تنصب فِيهِ الْفِعْل فمعناها أَنَّها وَالْفِعْل فِي معنى
الْمصدر وَذَلِكَ قَوْلك يسرّني أَنْ تقوم يَا فَتى مَعْنَاهُ يسرّني
قيامك وأُريد أَن تذْهب يَا فَتى إِنَّما هُوَ أُريد ذهابَك وَلَا يَقع
فِي الْحَال إِنَّما يَقع مَعَ الْفِعْل المسْتقبل لما بعْدُ نَحْو
يسرّني أَن تذْهب غَدا وَمَعَ الْفِعْل الْمَاضِي لما قد فرط نَحْو
يسرّني أَن ذهبت وأَن كلّمت زيدا لأَنَّ مَعْنَاهُ مَا مضى وَتَكون
مخفَّفة من الثَّقِيلَة نَحْو قَوْلك / علمت أَنْ زيدٌ خيرٌ من عَمْرو
وَمَعْنَاهُ علمت أَنَّ زيدا خيرٌ من عَمْرو
(1/48)
والفصل بَين (أَنْ) خَفِيفَة وَبَين (أَنْ)
المخفَّفة من الثَّقِيلَة أَنّ الْخَفِيفَة لَا تقع ثَابِتَة إِنَّما
تقع مَطْلُوبَة أَو متوقَّعة نَحْو أَرجو أَنْ تذهبَ وأَخاف أَنْ تقومَ
فإِذا وَقعت مخفَّفة من الثَّقِيلَة وَقعت ثَابِتَة على معنى
الثَّقِيلَة نَحْو أَعلم أَنْ ستقومُ على معنى قَوْلك أَنَّك ستقوم
وَلَا يصلح أَرجو أَنَّك ستقوم لأَنَّه لم يسْتَقرّ عِنْده لأَنَّ
الثَّقِيلَة إِنَّما تدخل على ابتداءِ مستقرّ فأَمَّا (ظَنَنْت) فإِنَّ
الثَّقِيلَة والخفيفة يجوزان بعْدهَا تَقول ظَنَنْت أَنَّك منطلق تخبر
أَنَّ هَذَا قد استقرّ فِي ظنِّك كَمَا اسْتَقر الأَول فِي عِلْمك
وَيجوز للتشكُّك أَن تقع على الْخَفِيفَة لأَنَّها ترجع إِلى معنى
أَرجو وأَخاف وَمن ذَلِك قَول الله عزَّ وجلَّ {تظن أَن يفعل بهَا
فاقرة} وَتَقَع (أَنْ) فِي / مَوضِع (أَيْ) الْخَفِيفَة للعِبارة
وَالتَّفْسِير كَقَوْلِه عزَّ وجلَّ {وَانْطَلق الْمَلأ مِنْهُم أَن
امشوا واصبروا على آلِهَتكُم} مَعْنَاهُ أَي امشوا وَلَا تقع إِلاَّ
بعد كَلَام تَامّ لأَنَّه إِنَّما يفسّر بعد تَمَامه وَتَقَع زَائِدَة
توكيدا كَقَوْلِك لمّا أَنْ جاءَ ذهبت وَوَاللَّه أَنْ لَو فعلت
لفَعَلت فإِن حُذِفتْ لم تُخلِلْ بِالْمَعْنَى فَهَذِهِ أَربعة أَوجه
وَكَذَلِكَ الْمَكْسُورَة تقع على أَربعة أَوجه فمنهنَّ الجزاءُ نَحْو
إِنْ تأْتني آتِك
(1/49)
ومنهنّ أَن تكون فِي معنى مَا نَحْو إِنْ
زيد فِي الدَّار أَي مَا زيد فِي الدَّار وَقَالَ الله عزَّ وجلَّ {إِن
الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غرور} وَقَالَ {إِن يَقُولُونَ إِلَّا كذبا}
وَتَكون مخفَّفة من الثَّقِيلَة فإِذا كَانَت كَذَلِك لزِمتها اللَّام
فِي خَبَرهَا لئلاّ تلتبسَ بالنافية وَذَلِكَ قَوْلك إِنْ زيدٌ
لمُنْطلقٌ وَقَالَ الله عزَّ وجلَّ {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} /
فإِن نصبتَ بهَا لم تَحْتَج إِلى اللَّام نَحْو أَنْ زيدا منطلق لأَنَّ
النصب قد أَبان وَجَاز النصب بهَا إِذا كَانَت مخفَّفة من الثَّقِيلَة
وَكَانَت الثَّقِيلَة إِنَّما نصبتْ لشبهها بِالْفِعْلِ فلمَّا حُذف
مِنْهَا صَار كفِعْل مَحْذُوف فعَمَلُ الْفِعْل واحدٌ وإِن حُذِف
مِنْهُ كَقَوْلِك لم يَكُ زيد مُنْطَلقًا وكقولك عِ كلَاما وأَمّا
الَّذين رفعوا بهَا فَقَالُوا إِنّما أَشبهت الفِعْل فِي اللَّفْظ لَا
فِي الْمَعْنى فلمّا نقصت عَن ذَاك اللَّفْظ الَّذِي بِهِ أَشبهت
الْفِعْل رَجَعَ الْكَلَام إِلى أَصله لأَنَّ مَوضِع إِنَّ الابتداءُ
أَلا ترى أَنَّ قَوْلك إِنَّ زيدا لمنطلق إِنَّما هُوَ زيد منطلق فِي
الْمَعْنى ولمّا بَطل عَملهَا عَاد الْكَلَام إِلى الِابْتِدَاء
فبالابتداء رفعته لَا بإِنَّ وَمَا بعده خَبره وَهَذَا القَوْل
الثَّانِي هُوَ الْمُخْتَار وَلَيْسَ كَذَا كأَنَّ إِذا خفّفت لأَنَّك
إِذا قلت كأَنَّ تشبّه فإِذا خفَّفُّت فَذَلِك الْمَعْنى تُرِيدُ
(1/50)
وقولك (لكنَّ) بِمَنْزِلَة إِنَّ فِي
تخفيفها وتثقيلها فِي النصب وَالرَّفْع وَمَا يخْتَار فيهمَا لأَنَّها
على الِابْتِدَاء دَاخِلَة / وَتَكون (إِنْ) زَائِدَة فِي قَوْلك مَا
إِنْ زيد منطلق فَيمْتَنع (مَا) بهَا من النصب الَّذِي كَانَ فِي
قَوْلك مَا زيد مُنْطَلقًا كَمَا يمْتَنع (إِنَّ) الثَّقِيلَة بهَا من
النصب فِي قَوْلك إِنَّما زيد أَخوك فَمن ذَلِك قَوْله
(فَمَا إِنْ طِبُّنَا جُبْنٌ ولكنْ ... مَنايانا ودَوْلةُ آخِرينا)
فقد ذكرنَا من الْحُرُوف والأسماء الَّتِي تقع على حرفين مَا فِيهِ
دَلِيل على تَأْوِيل مَا كَانَ مثله ممّا لم نذكرهُ إِن شاءَ الله
وَنَذْكُر من الْآلَات الَّتِي على ثَلَاثَة أَحرف مَا يدلّ على مَا
بعده من ذَلِك عِنْد وَمَعْنَاهَا الحضرة نَحْو قَوْلك زيد عنْدك فإِن
قلت عِنْد فلَان عِلْم أَو عِنْده مَال أَي لَهُ مَال وإِن لم يكن
بِحَضْرَتِهِ فإِنّما أَصْله هَذَا وإِن اتَّسع كَمَا تَقول على زيد
ثوبٌ فَهَذَا صَحِيح فإِن قلت عَلَيْهِ مالٌ فتمثيل لأَنَّه قد رَكبه
وَمن هَذِه الْحُرُوف لَدُنْ وَهِي اسْم فمعناها عِنْد يدلُّك على
أَنَّه اسْم دُخُول الْآلَات كَقَوْلِك مِنْ لَدُنْك كَمَا تَقول من
عنْدك
(1/51)
وَمِنْهَا أَيَّان وأَصله الثَّلَاثَة وإِن
/ زَادَت حُرُوفه وَمَعْنَاهُ مَتى كَقَوْلِه عزَّ وجلَّ {يسْأَل
أَيَّانَ يَوْم الْقِيَامَة} فَهَذِهِ الْحُرُوف تفتح لَك مَا كَانَ من
هَذِه الْآلَات
(1/52)
(هَذَا بَاب الْأَبْنِيَة وَمَعْرِفَة
حُرُوف الزَّوَائِد)
اعْلَم أَنَّ الأَسماءَ الَّتِي لَا زِيَادَة فِيهَا تكون على ثَلَاثَة
أَجناس تكون على ثَلَاثَة أحرف وعَلى أَربعة وعَلى خَمْسَة لَا
زِيَادَة فِي شيءٍ من ذَلِك وَنحن مفسّروه بأَقسامه وأَوزانه وذاكرون
مَا يلْحقهُ من الزَّوَائِد بعد الْفَرَاغ من الأُصول وَكم مبلغ عدده
من الزَّوَائِد فأَمَّا الأَفعال فَتكون على ضَرْبَيْنِ تكون على
ثَلَاثَة أَحرف وعَلى أَربعة أَحرف بِلَا زَوَائِد ثمّ تلحقها
الزَّوَائِد وسنخبر عَن ذَلِك وَعَن امتناعها أَن تكون خَمْسَة كَمَا
كَانَت الأَسماءُ ونخبر عمّا وَقع من الأَسماءِ والأَفعال على حرفين
مَا الذَّاهِب مِنْهُ وَلم ذهب إِن شاءَ الله فأَوّل الأَبنية مَا
كَانَ / من الأَسماءِ على ثَلَاثَة أَحرف والحرف الأَوسط مِنْهُ سَاكن
لَا يكون اسْم غيرُ مَحْذُوف على أَقلَّ من ذَلِك وَذَلِكَ أَنَّه لَا
بدّ لَك من تَحْرِيك الأَوّل لأَنَّك لَا تبتدئ بساكن ويتحرك الآخر
لأَنَّه حرف الإِعراب فأَوَّل ذَلِك مَا كَانَ على فَعْلٍ وَهُوَ يكون
اسْما ونعتا فالاسم نَحْو بكْر وكَعْب والنعت قَوْلك ضخْم وجزْل وَيكون
على (فِعْل) فيهمَا فالاسم جِذْع وعِجْل والنعت نِقْض ونِضْو
(1/53)
وَيكون على فُعْل فِيمَا فالاسم خُرْج
وقْفُل والنعت مُرّ وحُلْو وَيكون على فَعَلٍ فيهمَا فالاسم جَمَل
وجَبَل والنعت بطَل وحَسَن وَيكون على فَعِل فيهمَا فالاسم فَخِذ وكتِف
والنعت فرِح وحذِر وَيكون على فَعُل فيهمَا فالاسم رجُل وعضُد والنعت
حذُر وندُس وَيكون على فُعُل فيهمَا فالاسم نَحْو طُنُب وعُنُق والنعت
جُنُب وشُلُل / وَيكون على فِعَل فيهمَا فالاسم ضِلَع وعِنَب والنعت
عِدَّى وقِيَم وَيكون على فِعِلٍ فِي الِاسْم وَلم ياْت ثَبَتا إِلاّ
فِي حرفين وهما إِبِل وإِطِل
(1/54)
وَيكون على فُعَل اسْما ونعتا فالاسم صُرَد
ونُغَر والنعت حُطَم ولُبَد وكُتَع وخُضع قَالَ
(قدْ لَفَّها الليلُ بسَوَّاقٍ حُطَمْ)
وَقَالَ الله عزَّ وجلَّ {أهلكت مَالا لبدا} وَلَا يكون فِي الْكَلَام
فِعُل فِي اسْم وَلَا (فِعْل) وَلَا يكون فِي الأسماءِ شيءٌ على
(فُعِل) فَهَذَا جَمِيع بناءات الثَّلَاثَة بِغَيْر زَوَائِد وَنَذْكُر
الزَّوَائِد وَالْبدل ثمّ نرْجِع إِلى بناءَات الأَربعة إِن شَاءَ الله
(1/55)
(هَذَا بَاب معرفَة الزَّوَائِد ومواضعها)
وَهِي عشرَة أَحرف الأَلف والياءُ وَالْوَاو والهمزة والتاءُ وَالنُّون
وَالسِّين والهاءُ وَاللَّام وَالْمِيم فأَمَّا الأَلف فإِنَّها لَا
تكون أَصلا فِي اسْم وَلَا فِعْل إِنَّما تكون زَائِدَة أَو بَدَلا
وَلَا تكون أَبدا إِلاَّ سَاكِنة وَلَا يكون مَا قبلهَا أَبدا إِلاَّ
مِنْهَا / أَي إِلاَّ مَفْتُوحًا لأَنَّ الفتحة من الأَلف والضمّة من
الْوَاو والكسرة من الياءِ والأَلف لَا تُزاد أَوّلا لأَنَّها لَا تكون
إِلاَّ سَاكِنة وَلَا يُبتدأُ بساكن وَلَكِن تزاد ثَانِيَة فَمَا فَوق
ذَلِك فأَمَّا زيادتها ثانيةٌ فقولك ضارِب وذاهب لأَنَّهما من ضرب
وَذهب وتزاد ثَالِثَة فِي قَوْلك ذهَاب وجمال ورابعة فِي قَوْلك حُبْلى
للتأْنيث والإِلحاق وَغير ذَلِك فِي مثل عطشان وسكران
(1/56)
فَهَذَا مَوضِع جُمَل فإِنَّما نذْكر مَا
يدّل على الْموضع ثمّ نرْجِع نستقصي فِي بَابه إِن شاءَ الله وتزاد
خَامِسَة فِي مثل حَبَنْطًى وزَعْفران وسادسة فِي قَبَعْثَرًى فأَمَّا
الياءُ فتزاد أَوّلا فَيكون الْحَرْف على يفْعَل نَحْو يَرْمَع
ويَعْملة وَفِي مثل قَوْلك يرْبُوع ويَعْسُوب وتزاد ثَانِيَة فِي
قَوْلك جَيْدَر وبَيْطَر وثالثة فِي مثل سَعِيد وعِثْيَر ورابعة فِي
مثل قنديل ودِهْليز وَمَا بعد ذَلِك الأَلف وتزاد للنسب مضعفةً نَحْو
قَوْلك تميميّ وقيسيّ وتزاد للإِضافة إِلى نَفسك نَحْو غلامِي وصاحبِي
/ وَتَقَع فِي النصب نَحْو ضَرَبَنِي والضاربي وَتَقَع دَلِيلا على
النصب والخفض فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع نَحْو مسلمَيْن ومسلمِين
وأَمَّا الْوَاو فَلَا تزاد أَوّلا كَرَاهَة أَن تقع طرفا فيلزمها
الْبَدَل وَلَكِن تزاد ثَانِيَة فِي مثل حَوْقل وكَوْثر وثالثة فِي مثل
ضَروب وعجوز ورابعة فِي مثل تَرْقُوَة وخامسة فِي مثل قَلَنْسُوة
كالأَلف والياءِ
(1/57)
وتزاد دَلِيلا على رفع الْجمع فِي مثل
قَوْلك مُسلمُونَ وَلها مَوَاضِع نذكرها فِي بَاب الْبَدَل إِن شاءَ
الله وأَمَّا الْهمزَة فموضع زيادتها أَن تقع أَوَّلا نَحْو أَحمر
وأَحمد وإِصْلِيت وإِسْكاف وَكَذَلِكَ فِي جمع التكسير نَحْو أَفْعُل
كأَكْلُب وأَفْلُس وأَفعال كأَعْدال وأَجْمال وَفِي الْفِعْل فِي
قَوْلك أَفعلت نَحْو أَكرمت وأَحسنت وَفِي مصدره فِي وقلك إِكراما
وإِحسانا فَهَذَا موضعهَا وَقد تقع فِي غير هَذَا الْموضع فَلَا تجْعَل
زَائِدَة إِلاَ بثبت نَحْو قَوْلك شَمْأَل وشَأْمل يدلَّك على زيادتها
قَوْلك شمَلتَ الرّيح فَهِيَ تشْمُل شُمولا وَالْمِيم بِمَنْزِلَة
الْهمزَة إِلاَّ أَنَّها من زَوَائِد الأَسماءِ وَلَيْسَت من زَوَائِد
الأَفعال / وَلَكِن موضعهَا كَمَا ذكرت لَك أَوّلا فَمن ذَلِك مَفْعول
نَحْو مضْروب ومَقْتول وإِذا جَاوز الْفِعْل ثَلَاثَة أَحرف لحِقت اسْم
الْفَاعِل وَالْمَفْعُول نَحْو مُكرم ومُكرَم ومنطلق ومنطلَق بِهِ
ومستخرج ومستخرَج مِنْهُ وتلحق فِي أَوائل المصادر والمواضع كَقَوْلِك
أَدخلته مُدْخَلا وَهَذَا مُدْخَلنا وَكَذَلِكَ مَغْزىً ومَلْهىً
فَهَذَا مَوضِع زيادتها
(1/58)
فإِن وَقعت غيرَ أَوّل لم تُزَدْ إِلاَّ
بثَبَت نَحْو قَوْلهم زُرْقُم وفُسْحُم إِنَّما هُوَ من الأَزرق
وفُسْحُم مَنْسُوب إِلى انفساح الصَّدْر وَكَذَلِكَ دُلامِص الْمِيم
زَائِدَة لأَنَّهم يَقُولُونَ دَليص ودِلاص فتقديرها فُعامِل وأَمَّا
النُّون فتلحق فِي أَوائل الأَفعال إِذا خبّر المتكلِّم عَنهُ وَعَن
غَيره كَقَوْلِك نَحن نَذْهَب أَو تلْحق ثَانِيَة مثل مَنْجَنِيق
وجُنْدُب وتلحق ثَالِثَة فِي حَنَبْطى ودَلَنْطىً ورابعة فِي رَعْشَنٍ
وضَيْفَنٍ لأَنَّ رَعْشَن من الارتعاش / وضَيْفَن إِنَّما هُوَ الجائي
مَعَ الضيْف وتزاد مَعَ الأَلف فِي غَضْبَان وسكران وَمَعَ الياءَات
وَالْوَاو والأَلف فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع فِي رجلَيْن ومسلِمين
ومسلمون وَكَذَلِكَ الأَلف فِي رجلَانِ وتزاد عَلامَة للصرف فِي قَوْلك
هَذَا زيدٌ ورأَيت زيدا
(1/59)
وَفِي الْفِعْل مفردةٌ ومضاعفةٌ فِي قَوْلك
اضربَنْ زيدا أَو اضربَنَّ عمرا فَفِي هَذَا دَلِيل وأَمّا التاءُ
فتزاد عَلامَة للتأْنيث فِي قَائِمَة وَقَاعِدَة وَهَذِه التَّاء تبدل
مِنْهَا الهاءُ فِي الْوَقْف وتزاد مَعَ الأَلف فِي جمع الْمُؤَنَّث
فِي مسلمات وذاهبات وتزاد وَحدهَا فِي افتعل ومفتعل نَحْو اقتدر وافتقر
وَمَعَ السِّين فِي مستفعل نَحْو مستضرب ومستخرج وتزاد مَعَ الْوَاو
فِي مَلَكُوت وعَنْكَبُوت وَمَعَ الياءِ فِي عِفْرِيت وتزاد فِي أَوائل
الأَفعال يُعنى بهَا الْمُخَاطب مذكَّرا كَانَ أَو مؤنَّثا والأُنثى
الغائبة فأَمَّا الْمُخَاطب / فنحو أَنت تقوم وَتذهب وأَنتِ تقومين
وتذهبين والأُنثى الغائبة نَحْو جاريتك تقوم وَتذهب وَتَقَع زَائِدَة
فِي تفعّل وتفاعل فأَمَّا تفعَّل فنحو تشجَّع وتقرّأَ وأَمَّا تفَاعل
فنحو تغافَلَ وتعاقل وأَمّا السِّين فَلَا تلْحق زَائِدَة إِلاَّ فِي
مَوضِع وَاحِد وَهُوَ استفعل وَمَا تصرّف مِنْهُ والهاءُ تزاد لبَيَان
الْحَرَكَة ولخفاءِ الأَلف فأَما بَيَان الْحَرَكَة فنحو قَوْلك ارمه
{وَمَا أَدْرَاك مَا هيه} و {فَبِهُدَهُمْ اقْتَدِه} ْ وأَمّا بعد
الأَلف فقولك يَا صَاحِبَاه وَيَا حسرتاه فأَمّا اللَّام فتزاد فِي
ذَلِك وأُولئك وَفِي عَبْدَل تُرِيدُ العَبْد
(1/60)
(هَذَا بَاب حُرُوف الْبَدَل)
وَهِي أَحدَ عشر حرفا مِنْهَا ثَمَانِيَة من حُرُوف الزَّوَائِد /
الَّتِي ذَكرنَاهَا وَثَلَاثَة من غَيرهَا وَهَذَا الْبَدَل لَيْسَ
بِبَدَل الإِدغام الَّذِي تقلب فِيهِ الحروفُ مَا بعْدهَا فَمن حُرُوف
الْبَدَل حُرُوف المدّ واللين المُصَوِّتة وَهِي الأَلف وَالْوَاو
والياءُ فالأَلف تكون بَدَلا من كلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا كَمَا وصفت
لَك وَتَكون بَدَلا من التَّنْوِين المفتوح مَا قبله فِي الْوَقْف
نَحْو رأَيت زيدا وَمن النُّون الْخَفِيفَة لأَنَّها كالتنوين إِذا
انْفَتح مَا قبلهَا تَقول اضرَبَنْ زيدا فإِذا وقفت قلت اضربا وَفِي
قَوْله {لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ} وَالْوَقْف (لنسفعا) وَالْوَاو
تكون بَدَلا من الأَلف الزَّائِدَة فِي فاعِل وفاعِلة فِي التصغير
وَالْجمع كَقَوْلِك ضُوَيرب وضَوارب وَمن الْهمزَة إِذا انضمَّ مَا
قبلهَا وَكَانَت سَاكِنة نَحْو جُؤْنة ولُؤْم وَمن الْهمزَة المبدلة
لالتقاء الهمزتين فِي التصغير وَالْجمع وَذَلِكَ قَوْلك فِي آدم
أُوَيْدِم وأَوادِم
(1/61)
وَتَكون بَدَلا من الْيَاء / إِذا انضمَّ
مَا قبلهَا وَكَانَت سَاكِنة نَحْو قَوْلك مُوقِن ومُوسِر لأَنَّها من
أَيقنت وأَيسرت فإِن تحرّكت أَو زَالَت الضمَّة رجعت إِلى أَصلها تَقول
مَيَاقِن ومَياسِر وَلها فى بَاب فَتْوى وطُوبَى مَا نذكرهُ فِي
مَوْضِعه إِن شاءَ الله والياءُ تكون بَدَلا من الْوَاو إِذا انْكَسَرَ
مَا قبلهَا وَهِي سَاكِنة وَذَلِكَ قَوْلك ميزَان وميعاد وميقات
لأَنَّه من وزنت ووعدت وَمن الْوَقْت فإِن زَالَت الكسرة أَو تحرّكت
رجعت إِلى أَصلها وَذَلِكَ قَوْلك مَوَازِين ومَوَاعيد ومواقيت وتُبدَل
من الْوَاو إِذا كَانَت رَابِعَة فَصَاعِدا نَحْو أَغزيت واستغزيت
وغازيت وتُبدَل مَكَان أَحد الحرفين إِذا ضوعفا فِي مثل قَوْلك دِينَار
وقيراط فإِنَّما الأَصل تثقيل النُّون وَالرَّاء أَلا ترى أَنَّهما
إِذا افْتَرقَا ظهرا تَقول دَنَانِير وقراريط وَكَذَلِكَ تَقول أَمللت
وأَمليت وتقضَّيت من القِضَّة وتَسَرَّيْت والأَصل / تسررّت وتقضَّضت
وأَمَّا الْهمزَة فإِنَّها تبدل مَكَان كلِّ ياءٍ أَو وَاو تقع طرفا
بعد أَلف زَائِدَة وَذَلِكَ قَوْلك سَقَّاءٌ وغزّاءٌ
(1/62)
وتبدل مَكَان إِحدى الواوين إِذا التقيا
فِي أَوّل كلمة وَذَلِكَ قَوْلك فِي تَصْغِير واصِل أُوَيْصِل
وَكَذَلِكَ تَصْغِير واعِد أُوَيْعِد فإِن انضمّت الْوَاو كنت فِي
بدلهَا وترْكِه مخيّرا وَذَلِكَ قَوْلك فِي وُجوه أُجُوه وإِن شِئْت
وُجُوه وَكَذَلِكَ وُرْقه وأُرْقة وَمن ذَلِك قَول الله عزَّ وجلَّ
{وَإِذا الرُّسُل أقتت} إِنَّما هُوَ فُعِّلت من الْوَقْت والتاءُ
تُبدَل من الْوَاو وَالْيَاء فِي مُفْتعل وَمَا تصرف مِنْهُ نَحْو
متعدّ ومتَّزن ومتَّبس من اليبس فَهَذَا موضعهَا فِيهَا وتُبدل من
الْوَاو خاصَّة فِي قَوْلك تُراث إِنما هُوَ من ورِثت وتُجاه فُعال من
الْوَجْه وَكَذَلِكَ تُخَمة وتُكأَة فُعَلة وتَيْقُوَر فَيْعُول من
الْوَقار فَهَذَا مَوضِع جُمَل وتوطئة لما بعده وأَمَّا الهاءُ فتُبدَل
من التاءِ الدَّاخِلَة للتأْنيث نَحْو نَخْلَة وَتَمْرَة إِنما الأَصل
التاءُ والهاءُ بدل مِنْهَا فِي الْوَقْف
(1/63)
وَالْمِيم تبدل من النُّون إِذا سكنت
وَكَانَت بعْدهَا الباءُ نَحْو قَوْلك عَنْبَر ومِنْبَر وشَنْباءُ
فَاعْلَم وَالنُّون تكون بَدَلا من أَلف التأْنيث فِي قَوْلك غَضْبان
وعطشان إِنَّما النُّون والأَلف فِي مَوضِع أَلفي حمراءَ يَا فَتى
وَلذَلِك لم تقل غضبانة وَلَا سكرانة لأَنَّ حرف تأْنيث لَا يدْخل على
حرف تأْنيث فَكَذَلِك لَا تدخل على مَا تكون بَدَلا مِنْهُ ولهذه
الْعلَّة قيل فِي النّسَب إِلى صنعاءَ وبَهْراءَ صَنْعانيّ وبَهْرانيّ
ونشرح هَذَا فِي بَاب مَا ينْصَرف وَمَا لَا ينْصَرف إِن شاءَ الله
فَهَذِهِ ثَمَانِيَة أَحرف من حُرُوف الزَّوَائِد فأَمَّا الثَّلَاثَة
الَّتِي تبدل وَلَيْسَت من حُرُوف الزَّوَائِد فأَحدها (الطاءُ) وَهِي
تبدل مَكَان التاءِ فِي مُفْتعل وَمَا تصرّف مِنْهُ إِذا كَانَ قبلهَا
حرف من حُرُوف الإِطباق وحروف الإِطباق الصَّاد وَالضَّاد والطاءُ
والظاء وَذَلِكَ قَوْلك مُصْطبر ومضطَّهد ومظَّلِم وَهُوَ مفتعِل من
الظُّلم
(1/64)
وأَمَّا مَا تصرّف مِنْهُنَّ / للإدغام
فَفِي بَابه نذْكر ومنهنّ الدَّال وَهِي تبدل مَكَان التاءِ فِي
مُفتعِل وَمَا تصرّف مِنْهُ إِذا كَانَ قبلهَا حرف مجهور من مخرجها
وممّا يدانيها من الْمخْرج نَحْو الذَّال وَالزَّاي وَذَلِكَ قَوْلك
فِي مُفْتعِل من الزّين مزدان وَمن الذِكْر مُدَّكر والحرف الثَّالِث
الْجِيم وَهِي تبدل إِن شِئْت مَكَان الياءِ المشدّدة فِي الْوَقْف
للْبَيَان لأَنَّ الياءَ خفيّة وَذَلِكَ قَوْلك تَميمِجّ فِي تميميّ
وعَلِجّ أَي عليّ
(1/65)
(هَذَا بَاب معرفَة بَنَات الاربعة الَّتِي
لَا زِيَادَة فِيهَا)
فَمِنْهَا مَا يكون على فَعْلَل فَيكون اسْما وصِفة فالاسم نَحْو
جَعْفَر ونهْشل والنعت مثل سَلْجَم وسلْهَب وَيكون على فُعْلُل فيهمَا
فالاسم نَحْو البُرْثن والتُّرْنُم وَالصّفة نَحْو قَوْلك رجل قُلْقُل
وناقة كُحْكُح وَيكون على فِعْلِل فيهمَا فالاسم الزِبْرِج الخِمْخِم
والنعت الِّطْلِط وَهُوَ قَلِيل وَيكون على (فِعْلَل) فيهمَا فالاسم
دِرْهَم وَالصّفة هِجْرَع
(1/66)
وَيكون على (فِعَلٍّ) غيرَ مضاعفٍ فِي
النَّعْت خاصّة وَذَلِكَ قَوْلهم سِبَطْر وقِمْطر وَاعْلَم أَنَّه لَا
يكون اسْم على أَربعة أَحرف كلُّها متحركة إِلاَّ وأَصله فِي الْكَلَام
غير ذَلِك فيحذف وَذَلِكَ قَوْلهم (عُلَبِط) وَنَحْوه وإِنَّما أَصله
عُلابِط وَكَذَلِكَ (هُدَبِد) إِنَّما أَصله هُدابِد وَكَذَلِكَ جَمِيع
بَابه
(1/67)
(هَذَا بَاب معرفَة بَنَات الْخَمْسَة من
غير زِيَادَة)
وَهِي على أَربعة أَمثلة مِنْهَا فَعَلَّل وَهُوَ يكون اسْما ونعتا
فالاسم نَحْو السَّفَرْجَل وَالصّفة نَحْو شَمَرْدَل وَيكون على
فُعَلَّل فيهمَا فالاسم نَحْو الخُزعْبِلة وَالصّفة نَحْو الخُبَعْثِن
والقُذَعْمِلة وَيكون على فِعْلَلٍّ غير مضاعف فَيكون اسْما ونعتا
فالاسم قِرْطَعْب والنعت جِرْدَحْل وحِنْزَقْر / وَيكون على فَعْلَلِل
نعتا وَذَلِكَ قَوْلهم عَجُوز جَحْمَرِش وكلب نَخْوَرِش
(1/68)
(هَذَا بَاب معرفَة الابنية وتقطيعها
بالافاعيل وَكَيف تعْتَبر بهَا فِي أَصْلهَا وزوائدها)
ونبدأُ بالأَسماءِ الصَّحِيحَة فإِذا قيل لَك ابْنِ مِنْ ضرب مثلَ
جَعْفَر فقد قَالَ لَك زد على هَذِه الْحُرُوف الثَّلَاثَة حرفا فحقُّ
هَذَا أَن تكرّر اللَّام فَتَقول ضَرْبَبٌ فَاعْلَم فَيكون على وزن
جَعْفَر وَتَكون قد وضعت الفاءَ وَالْعين فِي موضعهما وكرّرت اللَّام
حتّى لحِق بِوَزْن فَعْلَل أَلا ترى أَنَّك تَقول إِذا قيل لَك ابْن
مِنْ ضرب مثل قَطَّع ضَرَّبَ فَاعْلَم لأَنَّه إِنَّما قَالَ لَك كرّر
الْعين فإِنَّما زِدْت على الْعين عينا مثلهَا وَلَو قَالَ لَك ابْن لي
من ضرب مثل صَمَحْمَح لَقلت ضَرَبْرَب لأَنَّه إِنَّما قَالَ لَك كرّر
الْعين / وَاللَّام فأَجَبْته على شَرْطه وَلَو قَالَ لَك ابْن لي من
ضرب مثل جَدْول لَقلت ضَرْوَبٌ فَاعْلَم لأَنَّه لم يقل لَك أَلحقه
بِجَعْفَر إِنَّما اشْترط عَلَيْك أَن تلْحقهُ بِمَا فِيهِ وَاو
زَائِدَة فزدت لَهُ واوا بحِذاءِ الراءِ وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَك ابنِ
لي من ضرب مثل كوثر لَقلت ضَوْرَبٌ فَاعْلَم فاحتذيت على الْمِثَال
الْمَطْلُوب مِنْك وَلَو قَالَ ابنِ لي من ضرب مثل جَيْدَر لَقلت
ضَيْرَبٌ فَاعْلَم وَلَو قَالَ ابنِ لي من ضرب مثل سَلْقَى لَقلت
ضَرْبَى وَقلت لنَفسك ضَرْبَيْتُ مثل قَوْلك سَلْقَيْتُ
(1/69)
فَهَذَا يجْرِي فِي الزَّوَائِد والأُصول
على مَا وصفت لَك وإِنَّما ذكرنَا هَذَا الْبَاب توطِئَةً لما بعده
نفسير يُقَال سلقه إِذا أَلقاه على قَفاهُ وإِذا أَلقاه على وَجهه قيل
بطحه وإِذا أَلقاه على أَحد جَنْبَيْه قيل قتَّره وقطَّره وإِذا أَلقاه
على رأْسه قيل نَكَتَه
(1/70)
(هَذَا بَاب معرفَة الافعال اصولها
وزوائدها)
فالفعل فِي الثَّلَاثَة يَقع على ثَلَاثَة أَبنية إِذا كَانَ مَاضِيا
يكون على فَعَلَ فيشترك فِيهِ المتعدّى وغيرُ المتعدّى وَذَلِكَ نَحْو
ضَرَب وقَتَل فَهَذَا مُتَعَّد وَجلسَ وَقعد لما لَا يتعدّى وَيكون على
فَعِلَ فيهمَا فَمَا يتعدّى فنحو شرِب ولقِم وأَمَّا مَا لَا يتعدّى
فنحو بطِر وخرِق وَالْفِعْل الثَّالِث لما لَا يتعدّى خاصّةً إِنَّما
هُوَ للْحَال الَّتِي ينْتَقل إِليها الْفَاعِل وَذَلِكَ مَا كَانَ على
فَعُلَ نَحْو كرُم وظرُف وشرُف فأَمَّا مَا كَانَ على فَعِلَ فاللازم
فِي مستقبله يَفْعَل تَقول شرِب يشْرَب وعلِم يعْلَم وَمَا كَانَ على
فَعُل فاللاوم يَفْعُلُ نَحْو كرُم يكرُم وظرُف يظرُف وأَمَّا مَا
كَانَ على فَعَلَ فإِنَّه يَجِيء على يَفْعِل ويَفْعُل نَحْو يضرِب
ويقتُل وإِن عرض فِيهِ حرف من حُرُوف الْحلق جَازَ أَن يَقع على /
فعَلَ يَفْعَل وَذَاكَ إِذا كَانَ الْحَرْف من حُرُوف الْحلق عينا أَو
لاما فأَمّا الْعين فنحو ذهب يذهب وطحنَ يطحَن وأَمّا مَوضِع اللَّام
فصنَع يصنَع وقرأَ يقرَأُ وَهَذِه الأَفعال الَّتِي على ثَلَاثَة أَحرف
تخْتَلف مصادرها لاختلافها فِي أَنْفُسها لأَنَّ الْمصدر إِنَّما
يجْرِي على فِعْله
(1/71)
فإِذا خرجت الأَفعال من الثَّلَاثَة لم يكن
كلُّ فِعْل مِنْهَا إِلاَّ على طَريقَة وَاحِدَة وَلم تخْتَلف مصادرها
وَذَاكَ أَنَّ الْفِعْل إِذا خرج من الثَّلَاثَة إِنّما يخرج لزائد
يلْحقهُ إِلاَّ أَن يكون من بَنَات الأَربعة فَيكون فِي الأَربعة أَصلا
كَمَا كَانَت بَنَات الثَّلَاثَة فأَمَّا بَنَات الثَّلَاثَة فإِنَّ
الْهمزَة تلحقها أَوّلا فَيكون الْفِعْل على أَفْعَل نَحْو أَخرج
وأَكرم وَيكون الْمُسْتَقْبل نَحْو يُخْرِج ويُكْرِمُ وَكَانَ الأَصل
أَن يكون وَزنه يُؤَفْعِل فحذفت الْهمزَة لأَنَّه كَانَ يلْزمه إِذا
أَخبر عَن نَفسه أَن يجمع بَين همزتين وَذَلِكَ مُمْتَنع فلمّا كَانَت
زَائِدَة / وَكَانَت تُلْزِم مَا لايقع فِي الْكَلَام مثلُه حذفت
وأُتْبِعت حُرُوف الْمُضَارع الْهمزَة كَمَا جرَيْن فِي بَاب وعد
مَجْرى الياءِ وَيكون الْمصدر على إِفْعَال وَذَلِكَ قَوْلك أَكرم
يُكْرِم إِكراما وأَحسن يُحْسِن إِحسانا وَيكون على فاعَلْت فَيكون
مستقبله على وزن مُسْتَقْبل أَفْعَلت قبل أَن يحذف وَذَلِكَ قَوْلك
قَاتل يُقاتِل وضارب يُضارِب وَمعنى فاعَل إِذا كَانَ دَاخِلا على
فعَلَ أَنَّ الْفِعْل من اثْنَيْنِ أَو أَكثر وَذَلِكَ لأَنَّك تَقول
ضربت ثمّ تَقول ضارَبت فتخبر أَنَّه قد كَانَ إِليك مثلُ مَا كَانَ
مِنْك وَكَذَلِكَ شاتمت
(1/72)
فإِن لم يكن فِيهِ فعَلَ فَهُوَ فِعْل من
وَاحِد نَحْو عَاقَبت اللص وطارقت نعلى والمصدر يكون على مفاعَلة نَحْو
قَاتَلت مُقاتلة وشاتمت مُشاتمة وَيَقَع اسْم الْفِعْل على فِعال نَحْو
القِتال والضراب وَاعْلَم أَنَّ الْفِعْلَيْنِ إِذا اتَّفقا فِي
الْمَعْنى جَازَ أَن يحمل مصدر أَحدهما على الآخر لأَنَّ الْفِعْل
(1/73)
الَّذِي ظهر فِي معنى فعله الَّذِي ينصبه /
وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك أَنا أَدَعُك ترْكاً شَدِيدا وَقد تطوَّيت
انطواءً لأَنَّ تطوّيت فِي معنى انطويت قَالَ الله عزَّ وجلَّ {وتبتل
إِلَيْهِ تبتيلا} لأَنَّ تبتَّل وبتَّل بِمَعْنى وَاحِد وَقَالَ
{وَالله أنبتكم من الأَرْض نباتا} وَلَو كَانَ على أَنبتكم لَكَانَ
إِنباتا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس
(وَرُضْتُ فذلَّتْ صَعْبَةً أَيَّ إِذْلاَلِ)
وَلَو كَانَ على ذلَّت لَكَانَ أَيّ ذُلٍّ لَكِن رُضْتُ فِي معنى
أَذللت وَيكون الْفِعْل على (فعَّل) فَيكون مستقبله على (يُفَعِّل)
لأَنَّه فِي وزن فاعَل وأَفْعَل فَلذَلِك وَجب أَن يكون مستقبله
{كمستقبَلهما} والمصدر على التفْعِيل نَحْو قطَّعت تقطيعا وكسّرت
تكسيرا وَهَذِه الأَفعال الْفَصْل بَين فاعلها ومفعولها كسرةٌ تلْحق
الْفَاعِل قبل آخر حُرُوفه وفتحةُ ذَلِك الْحَرْف من / الْمَفْعُول
نَحْو قَوْلك مُكرِم ومُكرَم ومُقاتِلٌ ومُقاتَلٌ ومُقطِّع ومُقطَّع
وَمَا كَانَ من المصادر الَّتِي فِي أَوائلها الْمِيم أَو أَسماء
الْمَوَاضِع الَّتِي على ذَلِك الحدّ أَو الأَزمنةِ فعلى وزن
الْمَفْعُول لأَنَّها مفعولات فالمصدر مفعول أَحدثه الْفَاعِل
وَالزَّمَان وَالْمَكَان مفعول فيهمَا وَذَلِكَ قَوْلك أَنزلته
(1/74)
مُنْزلا قَالَ الله عزَّ وجلَّ {ليدخلنهم
مدخلًا يرضونه} و {بِاسْم اللهِ مَجْريها وَمُرْسَاهَا} وَتقول هَذَا
مقاتَلنا أَي مَوضِع قتالنا كَمَا قَالَ
(أُقاتِلُ حتّى لَا أَرَى لي مُقاتَلا ... وأَنجو إِذا غُمَّ الجَبانُ
من الكرْبِ)
وَتقول سرّحته مُسرّحا أَي تسريحا قَالَ
(أَلمْ تَعْلمْ مُسَرَّحِيَ القوافِي ... فلاعِياً بهنّ وَلَا اجتلابا)
وَيكون الْفِعْل على (افْتعَلَ) فَيكون مستقبله على (يَفْتعِلُ)
والمصدر الافْتِعال وَيكون الْفَاعِل مُفْتعِلا على مَا وصفت وَيكون
على (انْففعَلَ) وَهُوَ فِي وزن (افْتعَل) وَيكون الْمُسْتَقْبل
(يَنْفَعِل) / على وزن (يفْتعِل) وَهُوَ بناءٌ لَا يتَعَدَّى الْفَاعِل
إِلى الْمَفْعُول ومصدره (الانْفِعال) على وزن (الافْتِعال) وفاعله
(مُنْفعِل) وَلَا يَقع فِيهِ (مفعول) إِلاّ الظرفان الزَّمَان
وَالْمَكَان تَقول هَذَا يَوْم مُنْطَلق فِيهِ
(1/75)
و (يَنْفعِل) يكون على ضَرْبَيْنِ فأَحدهما
أَن يكون لما طاوع الْفَاعِل وَهُوَ أَن يرومه الْفَاعِل فيبلغَ مِنْهُ
حاجَته وَذَلِكَ قَوْلك كسَرته فانكسر وقطعته فَانْقَطع وَيكون
للْفَاعِل بالزوائد فِعْلا على الْحَقِيقَة نَحْو قَوْلك انْطلق عبد
الله وَلَيْسَ على فعَلْته وَفِي هَذَا الْوَزْن إِلاَّ أَنَّ الإِدغام
يُدْرِكهُ لأَنَّك تزيد على اللَّام مِثْلَها وَذَلِكَ قَوْلك احمرَّ
واخضرَّ وأَصله احْمَرر يتَبَيَّن ذَلِك لَك إِذا جعلت الْفِعْل لنَفسك
وَقلت احمرَرْت لأَنَّ التَّضْعِيف يظْهر إِذا سكن آخِره فَيصير احمررت
على وزن انفعلت وافتعلت وَالْفَاعِل / مِنْهُ مُحْمَرّ وأَصله محُمَرِر
وَهُوَ فِعْل لَا يتعدّى الْفَاعِل لأَنَّ أَصل هَذَا الْفِعْل إِنَّما
هُوَ لما يحدث فِي الْفَاعِل نَحْو احمرَّ واعوَرَّ فإِن وَقع ذَلِك
للمكان أَو الزَّمَان قلت مَكَان مُحْمَرّ فِيهِ ومُعْورّ فِيهِ وَيكون
الْمصدر على مِثَال (افْعِلال) نَحْو الاحمرار والاصفرار فَذَلِك على
وزن الافْتِعَال والانْفِعَال وَيكون الْفِعْل على مِثَال
(اسْتفْعَلْت) نَحْو استخرجت واستكثرت
(1/76)
وَيكون مستقبله على (يَسْتفْعِل) نَحْو
يَسْتَخْرِج ويَسْتكْثِر وَيكون الْمصدر (اسْتِفْعَالا) نَحْو استخراجا
واستكثارا وَالْفَاعِل مُسْتخْرِج وَالْمَفْعُول مُسْتخْرَج وَيكون على
مِثَال (افْعَنْللْت) و (افْعَوْعَلْت) إِلاَّ أَنَّ (افْعَنْللْت)
فنحتاج أَن نعيد ذكرهَا فِي بَاب الْأَرْبَعَة وَذَلِكَ قَوْلك:
اقعنسس، وَفِي افعوعل: اغدودن والمصدر كمصدر (استفعلت) تَقول من
(افعنللت) : (افْعِنْلالا) وَمن (افْعَوْعَلْت) (افْعِيعَالا) تقلب
الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا وسكونها وَيكون على افْعَوَّلْت نَحْو
اعْلوَّطْت تَقول اعْلوَّط الرجل إِذا ركب دابّته فضّم بيدَيْهِ على
عُنُقهَا إِذا خَافَ السُّقُوط والمصدر (اعْلِوَّاطا) تصحّ الْوَاو
لأَنَّها مشدّدة وكلَّما صحّت الْوَاو فِي الْفِعْل صحّت فِي الْمصدر
وَيكون على (افْعَاللْت) فَيكون على هَذَا الْوَزْن إِلاّ أَنَّ
الإِدغام يُدْرِكهُ والأَصل أَن يكون على وزن استخرجت وَمَا ذكرنَا
بعْدهَا وَذَلِكَ قَوْلك احمارَرْت واشهابَبْت واحمارّ الدابّة واشهابّ
(1/77)
والمصدر (افْعِيلال) على وزن اسْتِخْرَاج
وَذَلِكَ قَوْلك احمارٌ احميرارا وَهَذَا الْوَزْن أَكثر مَا يكون
عَلَيْهِ الِاسْم حروفا وَلَا يُوجد اسْم على سَبْعَة أَحرف إِلاّ فِي
مصدر الثَّلَاثَة والأَربعة المزيدة وَيكون الفِعْل على (تَفعَّلَ)
فَيكون على ضَرْبَيْنِ على المطاوعة من (فعّل) فَلَا يتَعَدَّى نَحْو
قَوْلك قطَّعته فتقطَّع وكسّرته فتكسّر فَهَذَا للمطاوعة وَيكون على
الزِّيَادَة / فِي فِعْل الْفَاعِل نَحْو تقحّمت عَلَيْهِ وتقدّمت
عَلَيْهِ والأَصل إِنَّما هُوَ من قحّمته فتقحّم وقدّمته فتقدّم
والمصدر التَفَعُّل نَحْو التقَدُّم والتقَحُّم فإِذا كَانَ على
زِيَادَة غير (فَعَّلَ) كَانَ مثل تكلَّم وَمثل مَا يَقُول النحويّون
إِنّه يخرج من هَيْئَة إِلَى هَيْئَة نَحْو نشجّع وتجمّل وتصنّع وَيكون
على (تَفَاعَل) كَمَا كَانَ (تَفَعَّل) لأَنَّ هَذِه التاءَ إِنَّما
لحقت فعَّل وفاعَل فِي الأَصل فَيكون على ضَرْبَيْنِ أَحدهما المطاوعة
وَذَلِكَ نَحْو ناولته فَتَنَاول وَلَيْسَ كَقَوْلِك كسَرْتُه فانكسر
لأَنَّك لم تخبر فِي قَوْلك انْكَسَرَ بِفعل مِنْهُ على الْحَقِيقَة
وأَنت إِذا قلت قدّمته فَتقدم وناولته فَتَنَاول تخبر أَنَّه قد فَعَل
على الْحَقِيقَة مَا أَردت مِنْهُ فإِنَّما هَذَا كَقَوْلِك أَدخلته
فَدخل وَيكون على ضرب آخر وَهُوَ أَن يظْهر لَك من نَفسه مَا لَيْسَ
عِنْده وَذَلِكَ نَحْو تعاقل وتغابَى وتغافل كَمَا قَالَ
(1/78)
(إِذَا تَخَازَرْتُ وَمَا بِي مِنْ خَزَرْ)
والمصدر (التَّفَاعُل) على وزن / التفعُّل فَفِي مَا ذكرنَا دَلِيل على
كلِّ مَا يرد عَلَيْك من هَذِه الأَفعال إِن شَاءَ الله
(1/79)
|