المقتضب (هَذَا بَاب معرفَة أَلفات الْقطع وأَلفات
الْوَصْل وهنّ همزات فِي أَوائل الأَسماءِ والأَفعال والحروف) ِ
فَمَا كَانَ من ذَلِك أَصليّا فهمزته مَقْطُوعَة لأَنَّها بِمَنْزِلَة
سَائِر الْحُرُوف وَكَذَا إِذا أُلحقت بِغَيْر مَا استثنيته لَك
وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك فِي الْهمزَة الأَصليّة أَب وأَخ والزائدة
أَحْمَر وأَصْفَر تَقول رأَيت أَباك وأَخاك وأَحمر وأَصفر وَفِي
الأَفعال الْهمزَة الأَصليّة نَحْو همزَة أَكل وأَخَذَ والزائدة همزَة
أَعْطى وأَكرم تَقول يَا زيد أَحْسِنْ وأَكْرِمْ فأَمَّا الْهمزَة
الَّتِي تسمّى أَلف الْوَصْل فموضعها الفِعْل وتلحق من الأَسماء أَسماء
بِعَينهَا مختلَّة والمصادر الَّتِي أَفعالُها فِيهَا أَلفُ / الْوَصْل
وإِنَّما دخلت هَذِه الأَلف لسكون مَا بعْدهَا لأَنَّك لَا تقدر على
أَن تبتدئ بساكن فإِذا وصلت إِلى التكلُّم بِمَا بعْدهَا سَقَطت
وإِنَّما تصل إِلى ذَلِك بحركة تُلقى عَلَيْهِ أَو يكون قبل الأَلف
كَلَام فيتصَّل بِهِ مَا بعْدهَا وَتسقط الأَلف لأَنَّها لَا أَصل
لَهَا وإِنَّما دخلت توصّلا إِلى مَا بعْدهَا فإِذا وصل إِليه فَلَا
معنى لَهَا فآية دُخُولهَا فِي الفِعْل أَن تَجِد الياءَ فِي يَفْعَل
مَفْتُوحَة فَمَا كَانَ كَذَلِك فلحقته الأَلف
(1/80)
فَهِيَ أَلف الْوَصْل وَذَلِكَ قَوْلك
يَضرب ويَذهب ويَنطلق ويَستخرج وَذَلِكَ قَوْلك يَا زيد اضربْ وَيَا
زيد انطلقْ وَيَا زيد استخرجْ فإِن انضمّت الياءُ فِي (يَفْعل) لم تكن
الأَلف إِلاّ قطعا وَذَلِكَ نَحْو أَحسن وأَكرم وأَعطى لأَنَّك تَقول
يُكَرِم ويُحْسِن ويُعْطِي تكون الأَلف ثَابِتَة كَمَا تكون دَال دحْرج
لأَنَّ حُرُوف المضارعة تنضم فِيهَا كَمَا تنضم مَعَ الأُصول فِي مثل
قَوْلك / يُدَحرج ويُرامي فكلّ مَا كَانَ من الفِعْل أَلفُه مَقْطُوعَة
فَكَذَلِك الأَلف فِي مصدره تَقول يَا زيد أَكْرِمْ إِكراما وأَحْسِنْ
إِحسانا وإِذا كَانَت فِي الْفِعْل مَوْصُولَة فَكَذَلِك تكون فِي
مصدره تَقول يَا زيد استخرج استخراجا واِنطلق اِنطلاقا وَهَذِه الأَلف
الموصولة أَصلها أَن تبتدئ مَكْسُورَة تَقول اِعلم اِنطلق فإِن كَانَ
الثَّالِث من (يَفْعل) مضموما ابتُدئت مَضْمُومَة وَذَلِكَ لكرهيتهم
الضمَّ بعد الْكسر حتىَّ أَنَّه لَا يُوجد فِي الْكَلَام إِلا أَن
يَلْحَق الضمُّ إِعرابا نَحْو قَوْلك فخِذٌ كَمَا ترى فكرهوا أَن يلتقي
حرف مكسور وحرفٌ مضموم لَا حاجزَ بَينهمَا إِلاَّ حرفٌ سَاكن وَذَلِكَ
قَوْلك فِي ركض يرْكضُ وَعدا يَعْدُو وَقتل يقتل إِذا استأْنفت اركُضْ
برجلك اُعْدُ يَا فَتى اُقْتُلْ وَكَذَلِكَ / للمرأَة تَقول اُقْتُلي
لأَنَّ العلَّة وَاحِدَة تَقول لَهَا اُغْزِي أُعْدِي لأَنَّ الأَصل
كَانَ أَن تثبت الْوَاو قبل الياءِ ولكنَّ الْوَاو كَانَت فِي يَعْدُو
سَاكِنة والياءُ الَّتِي لحقت للتأْنيث سَاكِنة فَذَهَبت الْوَاو
لالتقاء الساكنين والأَصل أَن تكون ثَابِتَة فاستؤنفت أَلف الْوَصْل
مَضْمُومَة على أَصل الْحَرْف لأَنَّ يعْدو بِمَنْزِلَة يقتل
وَكَذَلِكَ تَقول اُسْتُضعِف زيد اُنْطُلِقَ بِهِ اُقْتُدِرَ عَلَيْهِ
وَقد مضى تَفْسِير هَذَا
(1/81)
وأَمَّا وُقُوع أَلفات الْوَصْل للاسماءِ
فقولك ابْن وَاسم وامرؤ كَمَا ترى فأَمَّا ابْن فإِنَّه حرف مَنْقُوص
مُسكَّن الأَوَّل فَدخلت لسكونه وإِنَّما حدث فِيهِ هَذَا السّكُون
لِخُرُوجِهِ عَن أَصله وَمَوْضِع تَفْسِيره فِيمَا نذكرهُ من بَنَات
الحرفين وَكَذَلِكَ اسْم فإِن صغَّرتهما أَو غَيرهمَا ممّا فِيهِ أَلف
الْوَصْل من الأَسماءِ سَقَطت الأَلف لأَنَّه يَتَحَرَّك مَا بعْدهَا
فَيمكن الابتداءُ بِهِ وَذَلِكَ قَوْلك بُنيّ وسُمَيّ تسْقط الأَلف
وتردّ مَا ذهب مِنْهُمَا / وأَمَّا امْرُؤ فَاعْلَم فإِنَّ الْمِيم
مَتى حركّت سَقَطت الأَلف تَقول هَذَا مَرْءٌ فَاعْلَم وكما قَالَ
تَعَالَى {يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه} وَهَذَا مُرَيْىٌ فَاعْلَم وَمن
قَالَ امْرُؤ قَالَ فِي مؤنثَّه امرأَة وَمن قَالَ مَرْءٌ قَالَ فِي
مؤنَّثه مَرْأَة وَاعْلَم أَنَّك إِذا قلت امْرُؤ فَاعْلَم ابتدأَت
الأَلف مَكْسُورَة وإِن كَانَ الثَّالِث مضموما وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة
اُرْكُضْ لأَنَّ الضمّة فِي اُركُضْ لَازِمَة وَلَيْسَت فِي قَوْلك
اُمرؤ لَازِمَة لأَنَّك تَقول فِي النصب رأَيت امْرأ {وَفِي الجرّ}
مَرَرْت بامرِئ فَلَيْسَتْ بلازمة وأَمّا قَوْلنَا إِذا تحرّك الْحَرْف
السَّاكِن فبتحويل الْحَرَكَة عَلَيْهِ سَقَطت أَلف الْوَصْل فَمن
ذَلِك أَن تَقول اِسأَلْ فإِن خفَّفت الْهمزَة فإِنّ حكمهَا إِذا كَانَ
قبلهَا حرف سَاكن أَن تحذف فَتلقى على السَّاكِن حركتها فَيصير بحركتها
متحرِّكا وَهَذَا نأْتي على تَفْسِيره فِي بَاب الْهمزَة إِن شاءَ الله
وَذَلِكَ قَوْلك سَلْ لأَنَّك لمّا قلت اسأَلْ حذفت الْهمزَة
(1/82)
فَصَارَت اِسَلْ / فَسَقَطت أَلف الْوَصْل
لتحرّك السِّين قَالَ الله عزَّ وجلَّ {سل بني إِسْرَائِيل} وَمن ذَلِك
مَا كَانَت الياءُ وَالْوَاو فِيهِ عينا نَحْو قَالَ وَبَاعَ لأَنَّك
تَقول يقُول ويبيِع فتحوّل حَرَكَة الْعين على الفاءِ فإِذا أَمرت قلت
قُلْ وبعْ لأَنَّهما متحرّكان وَلَو كَانَتَا على الأَصل لَقلت قَوَلَ
وبَيَعَ على مِثَال قتلَ وضَربَ يَقْوُل ويَبْيع على مِثَال يقتل
وَيضْرب ولقلت أُقْوُلْ كَمَا تَقول اُقْتُلْ وَقلت اِبْيعْ كَمَا
تَقول اِضْربْ لسكون الْحَرْف وَمن ذَلِك مَا كَانَت فاؤه واوا وَوَقع
مضارعه على يَفْعِل لأَنَّك تحذف الْوَاو الَّتِي هِيَ فاءٌ فتستأْنف
الْعين متحركة فَتَقول عِدْ وزِنْ لأَنَّهما من وعَد وَوزن يَعِدُ
ويزَنُ ففاؤهما وَاو تذْهب فِي يَفْعِل وإِنَّما الأَمر من الْفِعْل
الْمُسْتَقْبل لأَنَّك إِنَّما تأْمره بِمَا لم يَقع وكلّ مَا جاءَك من
ذَا فعلى هَذَا فَقِسْ إِن شاءَ الله وَمن أَلفات الْوَصْل الأَلف
الَّتِي تلْحق مَعَ اللَّام للتعريف / وَزعم الْخَلِيل أَنَّها كلمة
بِمَنْزِلَة قَدْ تنفصل بِنَفسِهَا وأَنَّها فِي الأَسماءِ بِمَنْزِلَة
سَوف فِي الأَفعال لأَنَّك إِذا قلت جاءَني رجل فقد ذكرت منكورا فإِذا
أَدخلت الأَلف وَاللَّام صَار معرفَة معهودا وإِذا قلت زيد يأْكل فأَنت
مُبْهم على السَّامع لَا يدْرِي أَهو فِي حَال أَكْلِ أَم يُوقع ذَلِك
فِيمَا يسْتَقْبل فإِذا قلت سيأْكل أَو سَوف يأْكل فقد أَبنت أَنَّه
لما يسْتَقْبل
(1/83)
وَلَو احْتَاجَ شَاعِر إِلى فصل الأَلف
وَاللَّام لاستقام ذَلِك وَكَانَ جَائِزا للضَّرُورَة كَمَا يجوز مثله
فِي سَوف وقلَّما وقَدْ نَحْوهَا من الْحُرُوف الَّتِي تكون أَصلا
للأَفعال كَمَا قَالَ حَيْثُ اضْطر الشَّاعِر
(صددتِ فأَطْوَلتِ الصدودَ وقَلَّمَا ... وصالٌ على طُولِ الصُّدودِ
يَدومُ)
وإِنَّما قلَّما للْفِعْل وعَلى هَذَا قَالَ الشَّاعِر حَيْثُ اضطرّ
(دَعْ ذَا وعجّلْ ذَا وأَلْحِقْنا بِذَلْ ... بِالشَّحْم إِنَّا قد
ملِلْناه بَجَلْ)
ففصل / الأَلف وَاللَّام على أَنَّه قد ردّهما فِي الْبَيْت الثَّانِي
وَقد شرحت لَك أَنَّ هَذِه الأَلف إِذا اتَّصلت بِالِاسْمِ الَّذِي
فِيهِ كَلَام قبله سَقَطت إِذْ كَانَت زَائِدَة لسكون مَا بعْدهَا
تَقول أَستخرجت من زيد مَالا إِذا إِذا كنت مستفهما لأَنَّ أَلف
الِاسْتِفْهَام لمّا دخلت سَقَطت أَلف الْوَصْل فَمن ثَمّ ظَهرت أَلف
اسْتِفْهَام مَفْتُوحَة قَالَ الله عزَّ وجلَّ {سَوَاء عَلَيْهِم
أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم} فَذَهَبت أَلف الْوَصْل
(1/84)
فإِن لحقت أَلفُ الِاسْتِفْهَام أَلفِ
الْوَصْل الَّتِي مَعَ اللَّام لم تحذف لأَنَّها مَفْتُوحَة فَلَو حذفت
لم يكن بَين الِاسْتِفْهَام وَالْخَبَر فَصْل ولكنَّها تجْعَل مدّة
فَتَقول آلرجل قَالَ ذَاك آلغلام ضربك وَكَذَا حكم كلّ أَلف وصل تقع
مفتوحةٌ وَلَا نعرفها مَفْتُوحَة إِلاَّ الَّتِي مَعَ اللَّام وأَلف
آيم الَّتِي تقع فِي الْقسم فإِنَّك إِذا استفهمت عَنْهَا قلت آيْمُ
الله لقد كَانَ ذَاك والعلَّةُ الفرقُ بَين الْخَبَر والاستخبار
(1/85)
(هَذَا بَاب تَفْسِير بَنَات الْأَرْبَعَة
من الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال بِمَا يلْحقهَا من الزَّوَائِد)
فالاسم من بَنَات الاربعة يكون على مِثَال (فُعْلُول) وَذَلِكَ نَحْو
قَوْلك عُصْفُور وزُنْبُور فالواو وحدَها زَائِدَة وَيكون على مِثَال
(فِعْلِيل) نَحْو دِهْليز وقنديل وَيكون على مِثَال (فِعْلال) نَحْو
سِرداح وحِمْلاق وَيكون على مِثَال (فُعالِل) نَحْو عُذافِر وعُلابِط
وتلحق الافعال الزَّوَائِد فَيكون على مِثَال تَفَعْلَلَ وَذَلِكَ
نَحْو تدحرج وتَسَرْهَف وَهَذَا مِثَال لَا يتعدّى لأَنَّه فِي معنى
الانفعال وَذَلِكَ قَوْلك دحرجته فتدحرج وسرهفته فتَسَرْهَف
(1/86)
وَيكون بالزوائد على مِثَال (افْعَنْلَل)
وَذَلِكَ نَحْو احْرَنْجَم واخْرَنْطَم وأَلف هَذَا مَوْصُولَة لأَنَّك
إِذا قلت يَحْرَنْجِم فتحت الياءَ وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَفِيمَا
كُتِب لَك دَلِيل على الْمعرفَة بِموضع الزَّوَائِد
(1/87)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ فاؤه واواً من
الثَّلَاثَة)
اعْلَم أَنَّ هَذِه الْوَاو إِذا كَانَ الْفِعْل على (يَفْعِل) سَقَطت
فِي الْمُضَارع وَذَلِكَ قَوْلك وعَد يَعِد ووجَد يَجِد ووسَم يَسِم
وسقوطها لأَنَّها وَقعت موقعا تمْتَنع فِيهِ الواوات وَذَلِكَ أَنَّها
بَين ياءٍ وكسرة وجُعِلت حُرُوف الْمُضَارع الأُخَر توابعَ للياءِ
لئلاَّ يخْتَلف الْبَاب ولأَنَّه يلْزم الْحُرُوف مَا لزم حرفا مِنْهَا
إِذْ كَانَ مجازُها وَاحِدًا وَقد بينّت لَك أَنَّه إِذا اعتلّ الفِعْل
اعتلّ الْمصدر إِذا كَانَ فِيهِ مِثْلُ مَا يكون فِي الْفِعْل فإِن
كَانَ الْمصدر من هَذَا الْفِعْل على مِثَال فَعْلٍ ثبتَتْ واوه
لأَنَّه لَا علَّة فِيهَا وَذَلِكَ قَوْلك وعدته وَعْدا ووصلته وَصْلا
وإِن بنيت الْمصدر على فِعْلَة لزمَه حذف الْوَاو وَكَانَ ذَلِك للكسرة
فِي الْوَاو وأنَّه مصدر فِعْل معتلّ مَحْذُوف
(1/88)
وَذَلِكَ قَوْلك وعدته عِدَةً ووزنته
زِنَةً وَكَانَ الأَصل وِعْدَة ووِزْنَة / ولكنَّك أَلقيت حَرَكَة
الْوَاو على الْعين لأَنَّ الْعين كَانَت سَاكِنة وَلَا يُبتدأُ بِحرف
سَاكن والهاءُ لَازِمَة لهَذَا الْمصدر لأَنَّها عِوَض ممّا حذف أَلا
ترى أَنَّك تَقول أَكرمته إِكراما وأَحسنت إِحسانا فإِن اعتلَّ الْمصدر
لحقته الهاءُ عِوَضا لما ذهب مِنْهُ وَذَلِكَ قَوْلك أَردت إِرادةً
وأَقمت إِقامةً وَلَو صحّ لَقلت فِيهِ أَقْوَمْن إِقْوَاما وَلم تحتج
إِلى الهاءِ وَكَذَلِكَ عِدة وزِنة وَلَو بنيت اسْما على (فِعْلَة)
غيرَ مصدر لم تحذف مِنْهُ شَيْئا نَحْو قَوْلك وِجْهة لأَنَّه لَا يَقع
فِيهِ فعَل يَفْعل وإِن كَانَ فِي معنى المصادر وإِنَّما اعتلّ الْمصدر
للكسرة واعتلال فِعْله فإِن انْفَرد بِهِ أَحدهما لم يَعْتَلِل أَلا
ترى أَنَّك تَقول وعدته وَعْدا وَمثل ذَلِك خِوان لم تنْقَلب واوه يَاء
لأَنَّه لَيْسَ بمصدر وَكَذَلِكَ الجِوار لَا يعتلّ أَنَّه مصدر
جَاوَرت فيصحّ كَمَا صحّ فِعْله وَتقول قُمْت قيَاما فيعتلّ الْمصدر
لاعتلال فعله والكسرة / الَّتِي فِيهِ وَلَو قلت قلت قَوْلا لصحّ
الْمصدر لأَنَّه لَا علَّةَ فِيهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَة (وَعْدا) من وعدت
فإِن كَانَ الْفِعْل على (فَعِلَ) كَانَ مضارعه صَحِيحا إِذا كَانَ على
(يَفْعَل) وَذَلِكَ قَوْلك وجِل يَوْجَل ووحِل يَوْحَل ووَجِعَ الرجل
يَوْجَع لأَنَّ الْوَاو لم تقع بَين ياءٍ وكسرة
(1/89)
وثباتُ الْوَاو بعد الياءِ إِذا لم تكن
كسرة غيرُ مُنْكَر كَقَوْلِك يَوْم وَمَا أَشبهه وَقد استنكر ذَلِك
بَعضهم وَله وَجه من الْقيَاس فَقَالُوا يَيْجَل وَيَيْحَل وَلَيْسَ
ذَلِك بجيّد لأَنَّ الْقلب إِنَّما يجب إِذا سكن أَوَّل الحرفين نَحْو
سيّد وميّت وأَصلهما سَيْوِد ومَيْوِت أَنَّه من سَاد يسود وَمَات
يَمُوت وَكَذَلِكَ لَيَّة إِنَّما هِيَ لَوْية لأَنَّها من لويت
وَقَالَ قوم نكسر أَوائل المضارعة لتنقلب الْوَاو يَاء أَنَّ الْوَاو
الساكنة إِذا انْكَسَرَ مَا قبلهَا انقلبت يَاء كَمَا ذكرت لَك فِي
ميزَان وميعاد فَقَالُوا نقُول يِيْجَل ويِيْحَل وَلَو كسروا الأَحْرُف
الثَّلَاثَة الْهمزَة والتاءَ النُّون لَكَانَ قِيَاسا على قَوْلك
بِالْكَسْرِ فِي بَاب فَعِل كلِه إِذا / قلت أَنا إِعْلَمُ وأَنت
تِعْلَمُ وَلَكِن لمّا كسروا الياءَ فِي يِيجل علمنَا أَنَّ ذَلِك
لتنقلب الْوَاو وَلَوْلَا ذَلِك لم يكسروا الياءَ وَهَذَا قَبِيح
لإدخالهم الْكسر فِي الياءِ وَقَالَ قوم وهم أَهل الْحجاز نبدُلها على
مَا قبلهَا فَنَقُول يَا جَل وَيَا حَل وهم الَّذين يَقُولُونَ
مُوتَعِد ومُوتَزِن وَيَا تَعِد وَيَا تَزِن وَهَذَا قَبِيح لأَنَّ
الياءَ وَالْوَاو إِنَّما تبدلان إِذا انْفَتح مَا قبلهمَا وكلّ
وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي مَوضِع حَرَكَة نَحْو قَالَ وَبَاعَ وغزا وَرمى
فأَما إِذا سكنا وقبلَ كلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا فتحةٌ فإِنَّهما غير
مُغيَّرتين نَحْو قَوْلك قَوْل وبَيْع وَكَذَا إِذا سكن مَا قبلهمَا لم
تغيرا كَقَوْلِك رَمْى وغَزْو وإِنَّما الْقيَاس وَالْقَوْل
الْمُخْتَار يَوْجَل ويَوْحَل وَهَذِه الأَقاويل الثَّلَاثَة جَائِزَة
على بُعْد
(1/90)
(هَذَا بَاب مَا لحقته الزَّوَائِد من
هَذَا الْبَاب)
اعْلَم أَنَّك إِذا قلت افْتَعَل ومُفْتَعل وَمَا تصرّف مِنْهُ فإِن /
الْوَاو من هَذَا الْبَاب تقلب فِيهِ تَاء وَذَلِكَ الِاخْتِيَار
والقولُ الصَّحِيح وإِنَّما فعلوا ذَلِك لأَنَّ التاءَ من حُرُوف
الزَّوَائِد وَالْبدل وَهِي أَقرب الزَّوَائِد من الْفَم إِلى حُرُوف
الشّفة فإِن قلت إِنَّ السِّين من حُرُوف الْبَدَل فسنبين أَنَّ
السِّين لَيست من حُرُوف الْبَدَل وإِنَّما تلْزم استفعل وَمَا تصرّف
مِنْهُ وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَقد كَانَت التاءُ تبدل من الْوَاو
فِي غير هَذَا الْبَاب فِي قَوْلك أَتْلَجَ وإِنَّما هُوَ من ولج
وَكَذَلِكَ فلَان تُجاه فلَان وَهُوَ فُعال من الْوَجْه والتراثُ من
ورِثت والتُخَمة من الوخامة وَهَذَا أَكثر من أَن يُحْصى فلمّا صرت
إِلى افتعل من الْوَاو كَرهُوا ترك الْوَاو على لَفظهَا لما يلْزمهَا
من الانقلاب بالحركات قبلهَا وَكَانَت بعْدهَا تاءٌ لَازِمَة فقلبوها
تَاء وأَدغموها فِي التاءِ الَّتِي بعْدهَا وَذَلِكَ قَوْلك اتَّعد
واتَّزن ومُتَّعِد ومُتَّزِن ومُتَّجِل من وجِلت
(1/91)
وَكَانَت الياءُ من قِبَل الزَّوَائِد
مخالفةٌ للواو فِيمَا فاؤه واوٌ وَذَلِكَ قَوْلك يَبِس ويَئِس وإِذا
قلت يَيْبِس ويَيْئِس وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فعَلَ مِنْهُ مَفْتُوحًا
نَحْو يعَرَ الجَدْي يَيْعِر وينَع يينِع لم تحذف الياءَ / لوقوعها
بَين الياءِ والكسرة لأَنَّه لَيْسَ فيهمَا مَا فِي الْوَاو فَلذَلِك
ثبتتْ كَمَا ثبتَتْ ضاد يضْرب وَعين يَفْعَل فَمن قَالَ فِي يبِس ويئِس
ييبس ويَيْأَس فَهُوَ على قِيَاس من قَالَ يَوْجَل وَبَعض من يَقُول
يَا جَل يَقُول ياءَس ويابَس وَهَذَا رَدِيء جدّا فإِذا صرت إِلى بَاب
يَفْتَعِل ومُفْتَعِل صَارَت الياءُ فِي الْبَدَل كالواو تَقول
مُتَّيِس ومُتَّئِس وإِنَّما صَارَت كَذلك لأَنَّ الياءَ إِذا انْضَمَّ
مَا قبلهَا صَارَت واوا لسكونها فالتبست بِالْوَاو ولأَنَّ الْوَاو
إِذا انْكَسَرَ مَا قبلهَا صَارَت يَاء أَلا ترى أَنَّك تَقول مُوْسِر
ومُوْقِن فتقلب الياءَ واوا كَمَا فعلت ذَلِك بِالْوَاو فِي ميزَان فقد
خرجنَا فِي مفْتَعل إِلى بَاب وَاحِد فأَمّا من يَقُول يَا جلّ فإِنه
يَقُول ياتئِس وياتزِن وموتئِس وموتزن فإِذا أَراد افتعل قَالَ
ايْتَزَنَ الرجل وَيَقُول ايْتَبَس إِذا أَرادوا افتعل من اليبس ويقيس
هَذَا أَجْمعَ على مَا وصفت لَك وَهُوَ قَول أَهل الْحجاز والأَصل
وَالْقِيَاس مَا بدأْنا بِهِ والضَّمّة مستثقلة فِي / الْوَاو لأَنَّها
من مخرجها وهما جَمِيعًا من أَقلّ المخارج حروفا ونبيّن هَذَا فِي
بَابه إِن شاءَ الله
(1/92)
فَمَتَى انضمّت الْوَاو من غير علَّة
فهمزها جَائِز وَذَلِكَ قَوْلك فِي وُجوه أُجوه وَفِي وُعِدَ أُعِدَ
وَمن ذَلِك قَوْله {وَإِذا الرُّسُل أقتت} إِتَّما هِيَ فُعِّلت من
الْوَقْت وَكَانَ أَصلها وُقِّتت وأَمَّا قَوْلنَا إِذا انضمت لغير
علَّة فإِن العلَّة أَن يحدث فِيهَا حَادث إِعراب وَذَلِكَ قَوْلك
هَذَا غَزْوٌ وَعَدْو وَيكون لالتقاء الساكنين كَقَوْلِك اخْشَوُا
الرجل {لترون الْجَحِيم} {وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم} وإِنَّما وَجب
فِي الأَوّل مَا لم يجب فِي هَذَا لأَنَّ الضمة هُنَاكَ لَازِمَة تَقول
وُعِدَ فَلَا تزايلها الضمة مَا كَانَت لما لم يُسَّم فاعلُه
(1/93)
وَفِي قَوْلك وُجوه لَا يكون على غير هَذِه
البِنْية وَكَذَلِكَ كلّ مَا كَانَت ضمّته على هَذِه البِنْية فأَمَّا
من ضمَّ للإِعراب فإِنَّ ضمّته / لِعَلَّة مَتى زَالَت تِلْكَ العلَّة
زَالَت الضمة تَقول هَذَا غَزْوٌ ورأَيت غَزْواً ومررت بغزْوٍ فالضمة
مُفَارقَة وَكَذَلِكَ مَا ضُمَّ لالتقاء الساكنين إِنَّما ضمّته إِذا
وَقع إِلى جَانب الْوَاو سَاكن نَحْو اخشَوْا الرجل فإِن وَقع بعْدهَا
متحرّك زَالَت الضمّة نَحْو قَوْلك اخشوْا زيدا واخشَوْا عبد الله فإِن
انْكَسَرت الْوَاو أَوّلا فهمزها جَائِز وَلَا تهمزها مَكْسُورَة غيرَ
أَوّل لعلَّةٍ نذكرها إِن شاءَ الله وَذَلِكَ فِي قَوْلك وِسادة إِسادة
وَفِي وِشاح إِشاح وإِن الْتَقت فِي أَوَّل الْكَلِمَة واوان لَيست
إِحداهما للمدّ لم يكن بُدٌّ من همز الأُولى إِذ كنت مخيّرا فِي همز
الْوَاو إِذا انضمَّت
(1/94)
وَذَلِكَ قَوْلك فِي تَصْغِير واصِل
أُوَيْصَل وَكَانَ أَصلها وُوَيْصِل لأَنَّ فِي وَاصل واوا وأَلف فاعِل
تبدل فِي التصغير واوا تَقول فِي ضَارب ضُويرب وَجمع التكسير
بِمَنْزِلَة التصغير وَذَلِكَ قَوْلك فِي جمع ضاربة ضوارب فتقلب الأَلف
واوا فاجتمعت فِي وَاصل واوان إِذا صغَّرته أَو جمعت واصلة تَقول فِي
جمعهَا أَواصِل وَكَذَلِكَ تَصْغِير وَاقِد وَلَو قيل لَك ابْنِ مِنْ
وعد مثل فَوْعَل لَقلت أَوْعَد وَكَانَ أَصلها وَوْعَد لأَنَّ واوا من
الأَصل وَبعدهَا وَاو فَوْعَل فهمزت الأُولى على مَا وصفت لَك وأَمَّا
قَوْلنَا إِلاَّ أَن تكون الثَّانِيَة مدّة فَإِن المدّة الأَلف
والياءُ المكسور مَا قبلهَا وَالْوَاو المضموم مَا قبلهَا فإِذا
الْتَقت وَاو فِي أَوّل الْكَلَام إِلى جَانبهَا وَاو والأُولى
مَضْمُومَة فإِن شِئْت همزت الأُولى لضمّها وَلَا يكون ذَلِك لَازِما
لأَنَّ الْوَاو الَّتِي هِيَ مدّة لَيست بلازمة وَذَلِكَ إِذا أَردت
مثل قُووِل زيد وَهُوَ فُوعِلَ من قاولت وَمن وعدت تَقول وُوعِدَ زيد
وإِن شِئْت همزت الْوَاو لضمّها وَلَيْسَ من أَجْل اجْتِمَاع / الواوين
لَو كَانَ لذَلِك لم يجز إِلاَّ الْهَمْز ولكنّ المدّة بدل من أَلف
واعَدَ وَلَيْسَت بلازمة إِنَّما انقلبت واوا لمّا أَردت بناءَ مَا لم
يسمّ فَاعله وَمثل ذَلِك قَول الله عزَّ وجلَّ {مَا ووري عَنْهُمَا من
سوآتهما} وَلَو كَانَ فِي غير الْقُرْآن لَكَانَ همز الْوَاحِد جَائِزا
وأَمَّا الياءُ فَلَا يلْحقهَا من الْهَمْز مَا يلْحق الْوَاو لخروجها
من العلَّة وصحتّها فِيمَا تعتلّ فِيهِ الْوَاو من بَاب وعدت
(1/95)
(هَذَا بَاب مَا كَانَت الْوَاو أَو
الْيَاء مِنْهُ فِي مَوضِع الْعين من الْفِعْل)
فإِذا كَانَت وَاحِدَة مِنْهُمَا عينا وَهِي ثَانِيَة فَحكمهَا أَن
تنْقَلب أَلفا فِي قَوْلك فَعَلَ وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك قَالَ وَبَاعَ
وإِنَّما انقلبت لأَنَّها فِي مَوضِع حَرَكَة وَقد انْفَتح مَا قبلهَا
وَقد تقدّم قَوْلنَا فِي هَذَا فإِذا قلت يَفْعل فَمَا كَانَ / من
بَنَات الْوَاو فإِنَّ يفعل مِنْهُ يكون على يَفْعُل كَمَا كَانَ قتل
يقتل وَلَا يَقع على خلاف ذَلِك لتظهر الْوَاو وَذَلِكَ قَوْلك قَالَ
يَقُول وجال يجول وعاق يعوق وَكَانَ الأَصل يَعْوُق ويَجْوُل مثل يقتل
وَلَكِن لمّا سكنت الْعين فِي (فَعَلَ) سكَّنت فِي (يفْعُل) لِئَلَّا
يخْتَلف الفِعْلان أَلا ترى أَنَّك تَقول دُعِيَ فتقلب الْوَاو يَاء
لكسرة مَا قبلهَا فإِذا قلت يُدْعَى كَانَت أَلفها منقلبة من ياءٍ
ويدلُّك على ذَلِك قَوْلك هما يُدْعَيان فإِنَّما انقلبت فِي يُدْعَيان
إتباعا لدعى فَكَذَلِك مَا ذكرت لَك ونبيّن هَذَا فِي مَوْضِعه بِغَيْر
مَا ذكرنَا من الْحجَج إِن شاءَ الله وإِذا قلت يَفْعل فِي فَعَلَ من
الياءِ كَانَ على يَفْعِل كَمَا كَانَ ضرب يضْرب وَلم يُبْنَ على غير
ذَلِك لتسلم الياءُ وَذَلِكَ قَوْلك بَاعَ يَبِيع وكال يَكِيل فأَسكنت
الياءَ من الأَصل من قَوْلك يَبْيع ويَكْيِل
(1/96)
فإِذا قلت فَعَلْت من الْوَاو لزمك أَن
تلقى حَرَكَة الْعين على الفاءِ كَمَا فعلت ذَلِك فِي / يَفْعَل وَتسقط
حَرَكَة الفاءِ إِلاَّ أَنَّك تفعل ذَلِك بعد أَن تنقلها من فَعَلْت
إِلى فَعُلْت لتدلّ الضمة على الْوَاو لأَنَّك لَو أَقررتها على
حَالهَا لاستوت ذَوَات الْوَاو وَذَوَات الياءِ وَذَلِكَ قَوْلك قُلْتُ
وجُلْتُ فإِن قَالَ قَائِل إِنَّما قُلْتُ فَعُلْت فِي الأَصل
وَلَيْسَت منقلبة قيل لَهُ الدَّلِيل على أَنَّها فَعَلت قَوْلك الحقُّ
قُلْته وَلَو كَانَت فِي الأَصل فَعُلْت لم يتعدّ إِلى مفعول لأَنَّ
فَعُلت إِنَّما هُوَ فعل الْفَاعِل فِي نَفسه أَلا ترى أَنَّك لَا
تَقول كرُمته وَلَا شَرُفته وَلَا فِي شيءٍ من هَذَا الْبَاب بالتعدّي
وإِذا قلت فَعَلْت من الياءِ نقلتها إِلى فَعِلْت لتدلّ الكسرة على
الياءِ كَمَا دلَّت الضمّة على الْوَاو وَذَلِكَ قَوْلك بِعْت وكِلْت
فإِن قَالَ قَائِل مَا تنكر من أَن تكون فَعِلت فِي الأَصل قيل لأَنَّ
مضارعها يَفْعِل تَقول بَاعَ يَبِيع وكال يَكِيل وَلَو كَانَت فَعِلَ
لَكَانَ مضارعها يَفْعَل نَحْو شرب يشرب وَعلم يعلم / وَقد تدخل فَعِلَ
على ذَوَات الياءِ وَالْوَاو وهما عينان كَمَا دخلت عَلَيْهِمَا وهما
لامان فِي قَوْلك لِقي وشِقي وغبي وَذَلِكَ قَوْلك خِفْت وهبْت إِنَّما
هما فَعِلت فِي الأَصل
(1/97)
يدلُّك على ذَلِك يخَاف ويهاب فإِن قَالَ
قَائِل فَلم لَا نَقَلْتَ خِفْت إِلى (فَعُلْت) لأَنَّها من الْوَاو
فتنقلها من (فَعِل) إِلى (فَعُل) قيل إِنَّما جَازَ فِي (فَعَل)
التَّحْوِيل لاخْتِلَاف مضارعه لأَنَّ مَا كَانَ على (فَعَل) وَقع
مضارعه على (يَفْعِل) و (يَفْعُل) و (يَفْعَل) إِن كَانَ فِيهِ حرف من
حُرُوف الْحلق نَحْو صنع يصنع وَذهب يذهب وَمَا كَانَ من فَعِل
فيَفْعَل لَازم لَهُ وَقد ذكرت لَك لُزُوم الفِعْلِ بعضه بَعْضًا فِي
اعتلاله وصحّته أَعني الْمُضَارع والماضي
(1/98)
(هَذَا بَاب اسْم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول
من هَذَا الْفِعْل)
فإِن بنيت فاعِلا من قلت وبعت لزمك أَن تهمز مَوضِع الْعين لأَنَّك
تبنيه من فِعْل معتلٍّ فاعتلّ اسْم الْفَاعِل / لاعتلال فِعْله وَلزِمَ
أَن تكون علَّته قلبَ كلِّ وَاحِد من الحرفين همزَة وَذَلِكَ قَوْلك
قَائِل وبائع وَذَاكَ أَنَّه كَانَ قَالَ وَبَاعَ فأَدخلت أَلف فاعِل
قبل هَذِه المنقلبة فلمّا الْتَقت أَلفان والأَلفان لَا تَكُونَانِ
إِلاَّ ساكنتين لزمك الْحَذف لالتقاء الساكنين أَو التحريك فَلَو حذفت
لالتبس الْكَلَام وَذهب البناءُ وَصَارَ الِاسْم على لفظ الْفِعْل
تَقول فيهمَا قالٌ فحرّكت الْعين لأَنَّ أَصلها الْحَرَكَة والأَلف
إِذا حُرِّكت صَارَت همزَة وَذَلِكَ قَوْلك قَائِل وبائع فإِن قلت
فَمَا بالك تَقول هُوَ عاوِر غَدا وجملك صايد غَدا من الصَّيَد قيل صحّ
الْفَاعِل لصحّة فِعْله لأَنَّك تَقول عَوِر وصَيِد وحول وصيِد
الْبَعِير يصْيَد فَتَقول مَا باله يصحّ وَلَا يكون كقال وَبَاعَ قيل
لأَنَّه مَنْقُول ممّا لابدّ أَن يجْرِي على الأَصل لسكون مَا قبله
وَمَا بعده وَذَلِكَ قَوْلك اعورّ واحوَلّ فإِنَّما عوِر وحوِل
مَنْقُول من هَذَا أَلا ترى / أَنَّك تَقول اخْتَار الرجلُ
(1/99)
وابتاع ثمّ تَقول اعتونوا وازدوجوا فيصحّ
لأَنَّه مَنْقُول من تعاونوا وتزاوجوا لأَنَّ هَذَا لَا يكون للْوَاحِد
فإِن بنيت مَفْعُولا من الياءِ أَو الْوَاو قلت فِي ذَات الْوَاو
كَلَام مَقُولٌ وَخَاتم مَصُوغ وَفِي ذَوَات الياءِ ثوب مَبِيع
وَطَعَام مَكِيل وَكَانَ الأَصل مكْيُول ومقْوُول وَلَكِن لمّا كَانَت
الْعين سَاكِنة كسكونها فِي يقُول ولحقتها وَاو مفعول حذفت إِحدى
الواوين لالتقاءِ الساكنين ومَبِيع لحقت الْوَاو يَاء وَهِي سَاكِنة
فحذفت إِحداهما لالتقاء الساكنين فأَمَّا سِيبَوَيْهٍ والخليل
فإِنَّهما يزعمان أَنَّ الْمَحْذُوف وَاو مَفْعول لأَنَّها زَائِدَة
وَالَّتِي قبلهَا أَصليّة فَكَانَت الزِّيَادَة أَولى بالحذف
وَالدَّلِيل على هَذَا عِنْدهمَا مَبِيع فَلَو كَانَت الْوَاو ثَابِتَة
والياءُ ذَاهِبَة لقالوا مَبُوع / وأَمَّا الأَخفش فَكَانَ يَقُول
المحذوفة عني الْفِعْل لأَنَّه إِذا التقى ساكنان حذف الأَوّل أَو حرّك
لالتقاء الساكنين فَقيل للأَخفش فإِن كَانَ الأَوّلُ الْمَحْذُوف فَقل
فِي مبِيع مَبُوع لأَنَّ الياءَ من مَبِيع ذهبت والباقية وَاو مفعول
فَقَالَ قد علمنَا أَنَّ الأَصل كَانَ مَبْيُوع ثمّ طرحنا حَرَكَة
الياءِ على الباءِ الَّتِي قبلهَا كَمَا فعلنَا فِي يَبِيع وَكَانَت
الياءُ فِي مبْيُوع مَضْمُومَة فانضمّت الباءُ وسكنت الْيَاء فأَبدلنا
من الضمّة كسرة لتثبت الياءُ ثمَّ حذفنا لالتقاءِ الساكنين فصادفت
الكسرةُ وَاو مفعول فقلبتها كَمَا تقلب الكسرةُ واوَ ميزَان وميعاد
وَقَوله أَبدلنا من الضمّة كسرة لتثبت الياءُ إِنَّما يُرِيد كَمَا
فُعِل فِي بِيْض لأَنَّ بِيضا أَصله فُعْل لأَنَّ فُعْلا جمع أَفْعَل
الَّذِي يكون نعتا كَقَوْلِك أَحْمر وحُمْر وأَصْفَر وصُفْر فَكَذَا
الْقيَاس فِي أَبْيض / وَلَكِن أَبدلوا من الضمّة كسرة
(1/100)
فَقيل للأَخفش قد تركت قَوْلك لأَنَّه
يزْعم أَنَّه يَفْعَل ذَلِك فِي الْجمع وَلَا يَفْعَله فِي الْوَاحِد
لعلَّة نذكرها فِي بَاب الْجمع إِن شاءَ الله وَكَانَ يَقُول لَو صغت
فُعْلا من الْبيَاض تُرِيدُ بِهِ وَاحِدًا لَقلت بُوْض فأَما
سِيبَوَيْهٍ والخليل وَغَيرهمَا من النحويّين البصريّين فَيَقُولُونَ
مَعِيشة يجوز أَن تكون مَفْعُلة وَيجوز أَن تكون مَفْعِلة ولكنْ تقلب
ضمّتها كسرة حتَّى تصحَّ الياءُ كَمَا قَالُوا فِي بِيْض وَكَذَلِكَ
قَوْلهم فِي دِيك وفِيل يجوز أَن يكون فُعْلا وَيجوز ان يكون فعلا لَا
يفرقون فِي ذَلِك بَين الْوَاحِد وَالْجمع فإِذا اضطُرّ شَاعِر جَازَ
لَهُ أَن يردّ مَبيعا وجميعَ بَابه إِلى الأَصل فَيَقُول مَبْيُوع
كَمَا قَالَ علْقمة بن عَبَدة
(حتَّى تَذكَّرَ بَيْضَاتٍ وهَيَّجَهُ ... يومُ الرَّذاذِ عَلَيْهِ
الدَّجْنُ مَغْيُومُ)
وأَنشد أَبو عَمْرو بن العلاءِ
(وكأَنَّها تُفَّاحةٌ مَطْيُوبَةٌ)
وَقَالَ آخر
(1/101)
(نُبِّئتُ قومَك يزْعمونك سيّدا ...
وإِخالُ أَنَّك سيّد مَعْيُونُ)
فأَمَّا الْوَاو فإِن ذَلِك لَا يجوز فِيهَا كراهيَةً للضمّة بَين
الواوين وَذَلِكَ أَنَّه كَانَ يلْزمه أَن يَقُول مَقْوُوْل فَلهَذَا
لم يجز فِي الْوَاو مَا جَازَ فِي الياءِ هَذَا قَول البصريّين أَجمعين
وَلست أَراه مُمْتَنعا عِنْد الضَّرُورَة إِذ كَانَ قد جاءَ فِي
(1/102)
الْكَلَام مثله ولكنَّه يعتلّ لاعتلال
الفِعْل وَالَّذِي جاءَ فِي الْكَلَام لَيْسَ على فِعْل فإِذا اضْطر
الشَّاعِر أَجرى هَذَا على ذَاك فممّا جاءَ قَوْلهم النَوُور
وَقَوْلهمْ سرت سُوُورا وَنَحْوه قَالَ أَبو ذُؤَيْب
(وغيَّرَ ماءُ المَرْدِ فاها فلَوْنُه ... كَلَوْنِ النَّؤورِ وَهْيَ
أَدْماءُ سَارُها)
وَقَالَ العجّاج
(كأَنَّ عَيْنَيهِ مِن الغُوُورِ)
وَهَذَا أَثقل من مَفْعول من الْوَاو لأَنَّ فِيهِ واوين / وضمَّتَيْن
وإِنَّما ثَمَّ واوان بَينهمَا ضمّة
(1/103)
(هَذَا بَاب مَا لحقته الزَّوَائِد من
هَذِه الأَفعال)
اعْلَم أَن أَصل الْفِعْل من الثَّلَاثَة فَعَلَ فَمَتَى لحقته
زَائِدَة فإِنَّها تلْحقهُ بعد اعتلاله أَو صحّته فَمَا كَانَ معتلاًّ
وَقبل يائه أَو واوه حرف متحرك فقصّتُه قصَّة فَعَلَ فِي الانقلاب وإِن
كَانَ قبل كلّ وَاحِد مِنْهُمَا سَاكن طرحتَ حَرَكَة حرف المعتلّ على
السَّاكِن الَّذِي قبلهَا لئلاّ يلتقي ساكنان لأَنَّك إِذا سلبت
المعتلّ حركته سكن وأَبدلته لأَنَّ الزِّيَادَة إِنَّما لحقته بعد أَن
ثَبت فِيهِ حكم الْبَدَل فَمن ذَلِك أَن تلْحقهُ الْهمزَة فِي أَوّله
فَتَقول أَقام وأَصاب وأَجاد وَنَحْو ذَلِك والأَصل أَقْوَم وأَجْوَد
كَمَا أَنَّ أَصل قَالَ قَوَل وأَصل بَاعَ بَيَع فطرحت حَرَكَة الْوَاو
والياءِ على مَوضِع الفاءِ من الْفِعْل وقلبتَ الَّتِي تطرح حركتها
إِلى الْحَرْف الَّذِي حركتها مِنْهُ إِن كَانَت مَفْتُوحَة / قلبتها
أَلفا وإِن كَانَت مَضْمُومَة قلبتها واواً وإِن كَانَت مَكْسُورَة
قلبتها يَاء وَذَلِكَ قَوْلك أَقام للفتحة وَتقول فِي الْمُضَارع
يُقِيمُ لأَنَّ أَصله يَقْوِم فَهَذَا مثل يَقُوْل لأَنَّ أَصله
يَقْوُل على وزن يقتل والياءُ وَالْوَاو فِي ذَلِك سواءٌ فإِن بنيت
مِنْهُ مصدرا قلت إِقامة وإِرادة وإِبانه وَكَانَ الأَصل إِقْوامة
وإِبْيَانة ولكنَّك فعلت بِالْمَصْدَرِ مَا فعلت بِالْفِعْلِ فطرحت
حَرَكَة الْوَاو أَو الياءِ على مَا قبلهَا فَصَارَت أَلفا لأَنَّها
كَانَت مَفْتُوحَة وإِلى جَانبهَا أَلف الإِفعال فحذفت إِحدى الأَلفين
لالتقاءِ الساكنين
(1/104)
فأَمَّا سِيبَوَيْهٍ والخليل فَيَقُولَانِ
المحذوفة الزَّائِدَة وأَمَّا الأَخفش فَيَقُول المحذوفة عين الْفِعْل
على قِيَاس مَا قَالَ فِي مَبِيع كلا الْفَرِيقَيْنِ جارٍ على أَصله
والهاءُ لَازِمَة لهَذَا الْمصدر عِوَضا من حذف مَا حذف مِنْهُ لأَنَّ
الْمصدر على أَفْعلت إِفْعالا نَحْو قَوْلك أَكرمت إِكراما وأَحسنت
إِحسانا / فَكَانَ الأَصل أَقْوَمت إِقْوَاماً فلمّا لزمَه الْحَذف
دخلت الهاءُ عِوَضا ممّا حذف إذكانت الهاءُ لَا تمْتَنع مِنْهَا
المصادر إِذا أَردت المّرة الْوَاحِدَة وَيكون فِيهَا على غير هَذَا
الْمَعْنى والعوض كَقَوْلِهِم بِطْريق وبطاريق وزِنْدِيق وزناديق فإِن
حذفت الْيَاء دخلت الهاءُ فَقلت بطارقة وزنادقة لأَنَّ الْجمع مؤنَّث
فأَدخلت الهاءَ لأَنَّها تدخل فِيمَا هُوَ مَوضِع لَهَا أَلا تراك
تَقول صَيْقَل وصياقلة وحِمار وأَحْمِرة وكلّ مَا لزمَه حذفٌ من هَذَا
الْبَاب بِغَيْر هَذِه الزَّائِدَة فحالهُ فِي الْعِوَض كَحال مَا
لحقته الزِّيَادَة الَّتِي ذَكرنَاهَا وَذَلِكَ قَوْلهم استقام استقامة
واستطاع استطاعة لأَنَّه كَانَ فِي الأَصل اسْتَطْوَع اسْتِطْواعا
كَمَا تَقول استخرج استخراجا فلمّا حذفت لالتقاء الساكنين عوّضت فأَما
قَوْلك انْقَادَ انقيادا وَاخْتَارَ اخْتِيَارا فإِنَّه على تَمَامه
لأَنَّ الياءَ المنكسر مَا قبلهَا منفتحة فِي هَذِه المصادر فإِتَّما
هِيَ بِمَنْزِلَة الياءِ فِي النصب فِي أَواخر الأَسماءِ والأَفعال
إِذا كَانَ مَا قبلهَا مكسورا نَحْو قَوْلك رأَيت قَاضِيا يَا فَتى
وَيُرِيد أَن يقضيَ / فَاعْلَم ولكنَّها تنْقَلب فِي الانقياد وَنَحْوه
من الْوَاو فَيكون هَذَا اعتِلالَها وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلك قياد من
انقياد مثل قيام الَّذِي هُوَ مصدر قُمْت فَانْقَلَبَ على جِهَة
وَاحِدَة وَفِي هَذِه الْجُمْلَة مَا يدلّ على مَا يرد عَلَيْك من
هَذَا الْبَاب إِن شاءَ الله فإِن بنيت شَيْئا من هَذِه الأَفعال بناءَ
مَا لم يُسَّم فاعلُه فإِنَّك تُجريها مُجْرَى الثَّلَاثَة فِي الْقلب
وتُسلم صدرها لأَنَّها فِي إِلحاق الزَّوَائِد كَالصَّحِيحِ من
الأَفعال وَذَلِكَ قَوْلك فِيمَا كَانَ من أَفْعَل قد أُقِيمَ عبدُ
الله فَتلقى حَرَكَة الْوَاو على مَا قبلهَا لأنَّها كَانَت قَبْلُ
أُقْوِم عبد الله
(1/105)
مثل أُخْرِج فحوّلت الْحَرَكَة على الْقَاف
فَانْكَسَرت الْقَاف وسكنت الْوَاو فَانْقَلَبت يَاء لسكونها وكسرة مَا
قبلهَا والأَصل فِي هَذَا مَا ذكرت لَك فِي بَاب (أَفعل) فإِن قلت قد
اُختِيرَ واُنقِيدَ ضممت أَلف الْوَصْل لأَنَّ حقّ هَذَا الْكَلَام أَن
يكون / افتعل وانفعل ولكنَّك طرحت حَرَكَة الْعين على مَا قبلهَا كَمَا
فعلت فِي قِيل وبِيعَ لأَنَّ تِير من اختير وقِيد من انقيد بِمَنْزِلَة
قِيل وبِيع وَقد مضى القَوْل فِي هَذَا وَكَذَلِكَ اُسْتُفْعِل نَحْو
أُسْتُطِيع وَمن كَانَ قَوْله قد بُوعَ وقُولَ فعل هَهُنَا كَمَا
فَعَلَ ثَمَّ وَمن رأَى الإِشمام أَشمّ هَهُنَا فالمجرى وَاحِد
(1/106)
(هَذَا بَاب الاسماء الْمَأْخُوذَة من
الأَفعال)
اعْلَم أَنَّ كلَّ اسْم كَانَ على مِثَال الْفِعْل وزيادته لَيست من
زَوَائِد الْأَفْعَال فإِنَّه مُنْقَلب حرف اللين كَمَا كَانَ ذَلِك
فِي الأَفعال إِذ كَانَ وَزنهَا وَكَانَت زِيَادَته فِي مَوضِع زيادتها
والنحويّون البصريّون يرَوْنَ هَذَا جَارِيا فِي كلّ مَا كَانَ على
هَذَا الْوَزْن الَّذِي أَصفه لَك وَلست أَراه كَذَلِك إِلاَّ أَن تكون
هَذِه الأَسماءُ مصَادر فتجري على أَفْعالها أَو تكون أَسماءً لأَزمنة
الْفِعْل أَو لأَمكنته الدالَّة على الفِعْل فأَمَّا مَا صِيغ مِنْهَا
/ اسْما لغير ذَلِك فَلَيْسَ يلازمه الاعتلال لبعده من الفِعْل وسنأْتي
على شرح ذَلِك إِن شاءَ الله تَقول فِي مَفْعَل إِذا أَردت بِهِ
مَذْهَب الْفِعْل من القَوْل وَالْبيع وَمَا كَانَ مثل وَاحِد
مِنْهُمَا مَقال ومَباع لأَنَّه فِي وزن أَقال وأَباع فالميم فِي
أَوّله كالهمزة فِي أَوّلِ الْفِعْل فَلم تخف التباسا لأَنَّ الْمِيم
لَا تكون من زَوَائِد الأَفعال فإِن بنيت مِنْهُ شَيْئا على مُفْعَل
قلت مُقال ومُراد كَمَا كنت تَقول يُقال ويُراد
(1/107)
فإِن صغت اسْما لاتريد بِهِ مَكَانا من
الْفِعْل وَلَا زَمَانا للْفِعْل وَلَا مصدرا قلت فِي مَفْعَل من
القَوْل هَذَا مَقْوَل وَمن البيع مَبْيَع كَمَا قَالُوا فِي الأَسماءِ
مَزْيَد وَقَالُوا إِنَّ الفُكاهة مَقْوَدةٌ إِلى الأَذى وعَلى هَذَا
قَالُوا مَرْيَم وَلَو كَانَ مصدرا لَقلت مَراما وَهَذَا مَرامك إِذا
أَردت الْموضع الَّذِي تروم فِيهِ وَكَذَلِكَ الزَّمَان وعَلى هَذَا
استخرت مُستخارا فِي معنى الاستخارة / وانقدت منقادا فى معنى قَوْلك
انقيادا وَاعْلَم أَن الْمصدر وَاسم الْمَكَان وَالزَّمَان بِزِيَادَة
الْمِيم فى أَوائلها يكون لَفظهَا لفظ الْمَفْعُول اذا جَاوَزت
الثَّلَاثَة من الْفِعْل وذالك لآنها مفعولات وَذَلِكَ نَحْو قَوْله
{وَقُلْ رَبِّيْ أَنْزِلْنِيْ مُنْزَلاً مُبَارَكا} و {بِاسْمِ اللهِ
مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} وَمَا أَشبه ذَلِك فأَمّا الْفَاعِل مِنْهَا
فَيجْرِي عِلّة وزن (يُفْعِل) إِلا أَنَّ الْمِيم فِي أَوّل اسْمه
مَضْمُومَة ليفصل بَين الِاسْم وَالْفِعْل وَالْمَفْعُول يجْرِي على
مِثَال (يُفْعَل) إِلا أَنَّ الْمِيم فِي أَوّله {مَضْمُومَة} لأَنَّه
اسْم وَالْمِيم آيَة الأَسماء فِيمَا كَانَ من الأَفعال المزيدة
وَذَلِكَ قَوْلك للْفَاعِل مُقِيم ومُرِيد لأَنَّ فعله يُقِيم ويُرِيد
وَالْمَفْعُول مُقام ومُراد على مِثَال يُقام ويُراد فإِن كَانَت هَذِه
الْمِيم فِي اسْم وَلم يكن بهَا على مِثَال الْفِعْل فالاسم تامّ
وَذَلِكَ قَوْلك رجل مِقْوَل ومِخْيَط ومِشْوَار من الشارة والهيئة
ومِسْواك فَيتم لأَنَّه إِنَّما اعتلّ الِاسْم لإِجرائه على الْفِعْل
فلمّا خرج عَن ذَلِك كَانَ على أُصول الأَسماءِ
(1/108)
وَلَو / بنيت مثل جَعْفَر من قلت وبعت
لَقلت قَوْلَل وبَيْعَع فإِن قَالَ قَائِل هَذَا ممّا تلْزمهُ العلَّة
لأَنَّه على مِثَال دحرج قيل لَهُ يمْتَنع هَذَا من العلَّة لشيئين
أَحدهما الإِلحاق بدحرج لأَنَّ الملحق بأَلا صلىِّ يَقع على مِثَاله
والعلَّة الأُخرى أَنَّ الياءَ وَالْوَاو لَا تقع وَاحِدَة مِنْهُمَا
أَصلا فِي ذَوَات الأَربعة إِلاَّ فِيمَا كَانَ مضاعفا نَحْو
الوَحْوَحَة والوَعْوَعَة وَمَا كَانَ مثله فَلهَذَا امتنعنا من
العلَّة فِي هَذَا البناءِ ونبيّن هَذَا فِي مَوْضِعه بعد مقدّماته إِن
شاءَ الله فإِن كَانَت الياءُ وَالْوَاو بعد حرف متحرّك لم تُلْقَ على
مَا قبلهمَا حركةُ وَاحِدَة مِنْهُمَا لأَنَّ قِيَاس المتحرّك الَّذِي
قبلهمَا قياسُ قَاف قَالَ وباءِ بَاعَ وَذَلِكَ قَوْلك اخْتَار الرجل
وانقاد وأَصلهما اخْتَيَر وانْقَوَد لأَنَّ اخْتَار انفعل من الْخَيْر
وانقاد انفعل من القوْد فَصَارَت أَواخرهما كقال وَبَاعَ فَمَا كَانَ
يلْزم فِي ذَاك فَهُوَ فِي هَذَا لَازم فَهَذِهِ جملَة كَافِيَة فِيمَا
يرد عَلَيْك من بابهما إِن شاءَ الله فإِن كَانَت زَوَائِد الأَسماءِ
كزوائد الأَفعال / لم يكن فِي الأَسماءِ إِلاَّ التصحيحُ لئلاَّ يلتبسا
وَذَلِكَ أَنَّك لَو بنيت أَفْعَل من القَوْل وَالْبيع اسْما لَقلت
أَقْوَلُ وأَبْيَعُ يَا فَتى كَمَا تَقول زيد أَقْوَلُ النَّاس
وأَبْيَعُهم لئلاَّ يلتبسا بِمثل أَخاف وأَراد وَمَا أَشبهه وعَلى
هَذَا تَقول أَقْوِلة وأَبْيِعة لئلاَّ يلتبس بِقَوْلِك أَبِيع وَمَا
أَشبهه
(1/109)
وَكَذَلِكَ أَبْيِناءُ لأَنَّ أَلف
التأْنيث لَا يُعْتدّ بهَا فَالْكَلَام بِغَيْر الأَلف إِنَّما هُوَ
أَفْعَل فَهَذَا ممَّا لَا اخْتِلَاف فِيهِ بَين النحويّين فإِن كَانَت
الزَّائِدَة لَا تبلغ بِهِ مثالَ الأَفعال فإِنَّ الِاسْم يعتلّ عِنْد
سِيبَوَيْهٍ والخليل وَغَيرهمَا من البصريّين وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ
بَينه وَبَين مِثَال الأَفعال فصْل بحركة فَيَقُولُونَ لَو بنينَا مثل
(تِفْعِل) من القَوْل لقلنا تِقِيْل وَكَانَ أَصله تِقْوِل ولكنَّا
أَلقينا حَرَكَة الْوَاو على مَا قبلهَا فسكنت وَقبلهَا كسرة
فَانْقَلَبت يَاء فَلَو قُلْنَاهُ من البيع لقلنا تِبِيع وَكَذَلِكَ
لَو بنينَا (تفعل) مِنْهُمَا لقلنا تُقُوْل وتُبُوْعٌ كَمَا يَقُولُونَ
فِيمَا لحقته الْمِيم وَلَيْسَ بمشتق من الْفِعْل مصدرا وَلَا مَكَانا
وَقَالُوا فُعِل هَذَا لأَنَّ زِيَادَته من زِيَادَة الأَفعال والحركةُ
قد رفعت اللّبْس / وَلَا أَراه كَمَا قَالُوا لأَنَّه لَيْسَ مبنيّا
على فِعْل فتلحقه علَّته وَلَا هُوَ على مِثَاله
(1/110)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ على ثَلَاثَة أَحرف
مِمَّا عينه وَاو أَو يَاء)
فَمَا بنيته من ذَلِك على (فَعَلٍ) وَجب فِي عينه الانقلاب وَذَلِكَ
قَوْلك دَار وَبَاب وسَاق وَمَا أَشبهه وإِنَّما انقلبت لأَنَّها
متحرّكة وَقبلهَا فَتْحة فَصَارَت فِي الأَسماء بِمَنْزِلَة قَالَ
وَبَاعَ فِي الأَفعال فإِن قَالَ قَائِل لمَ لمْ تَجْرِ على أَصلها
ليَكُون بَينهَا وَبَين الْفِعْل فرق كَمَا فُعِل ذَلِك فِيمَا لحقته
الزَّوَائِد قيل لَهُ الْفَصْل بَينهمَا أَنَّ الأَفعال فِيمَا لحقته
الزَّوَائِد تُلقى حركةُ عينهَا على مَا قبله وتسكّن وَهَذِه لم تُلق
حَرَكَة عينهَا على غَيره واحتيج إِلى الْفرق مَعَ الزَّوَائِد لأَنَّ
مَا لحقته زَائِدَة من الأَسماءِ تبلغ بِهِ زنة الأَفعال لم ينْصَرف
فيلتبس بِالْفِعْلِ لأَنَّه لَا يدْخلهُ خفض وَلَا تَنْوِين وَمَا
كَانَ على ثَلَاثَة فالتنوين والخفض فصل بَينه وَبَين الْفِعْل فقد
أُمن اللّبْس / وأَصل انقلاب الياءِ وَالْوَاو فِي (فَعَل) وَاحِد
اسْما كَانَ أَو فِعْلا لأَنَّ القالب لَهما الفَتحةُ قبلهمَا
وأَنَّهما فِي مَوضِع حَرَكَة فَهَذَا بِمَنْزِلَة قفاً وغزا والأَفعال
فِي (أَفْعَل) وَمَا أَشبهها تقلب وتُلقى الْحَرَكَة على مَا قبلهَا
وَلَا يكون ذَلِك فِي الأَسماءِ لأَنَّ (أَفْعل) وَمَا أَشبهه ممّا
يسكن فاؤه إِنَّما يبْنى على (فَعَلَ) فيعتلّ بعلَّته والأَسماءُ مصوغة
على غير تصرّف فإِنَّما يلْزمهَا صحّة الياءِ وَالْوَاو
(1/111)
وإِذا سكن مَا قبلهمَا فإِن كَانَ شَيْء من
هَذَا على (فَعْل) صحّت واوه وياؤُه لسكونهما وَقد تقدّم القَوْل فِي
هَذَا وَذَلِكَ نَحْو قَوْل وبَيْع وَنَذْكُر سَائِر الأَمثلة الَّتِي
على ثَلَاثَة أَحرف إِن شاءَ الله وَكَذَلِكَ مَا بني على مِثَال لَا
يكون عَلَيْهِ الْفِعْل نَحْو (فُعَل) فإِنَّك تَقول فِيهَا من القَوْل
قُوَل وَمن البيع بُيَع كَمَا قلت صُوَر ونُوَم وَنَحْو ذَلِك وَمَا
كَانَ على (فِعَلٍ) نَحْو بِيَع وحِوَل وَكَذَلِكَ لَو بنيت من وَاحِد
مِنْهُمَا مثل (إِبِل) لَقلت من القَوْل قِوِل وَلم تقلب لأَنَّها
متحرّكة وَمن البيع بِيِع فإِن بنيت مِنْهُمَا مثل (فُعُل) فإِنَّ
الياءَ تسلم فِيهِ نَحْو قَوْلك / رجل صَيُود وَقوم صُيُد ودجاجة
بَيُوض ودجاج بُيُض وَمن أَسكن فَقَالَ فِي رُسُل رُسْل لمَا نذكرهُ
بعد هَذَا الْبَاب قَالَ فِي صُيُد صِيدٌ وَفِي بُيُض بِيضٌ لأَنَّه
فُعْل فَيلْزم فِيهِ مَا يلْزم فِي جمع أَبْيض وَمن بناه من الْوَاو
فإِنَّه يخْتَار الإِسكان كَمَا قَالَ فِي رُسُل رُسْل وَفِي عَضُد
عَضْد كَرَاهَة الضمّة فِي الْوَاو على مَا تقدّم بِهِ قَوْلنَا
فَيَقُول فِي فُعُل من القَوْل قُول كَمَا تَقول فِي جمع خِوان خُوْن
والأَصل قُوُل وخُوُن
(1/112)
فإِن جِئْت بِهِ على الأَصل فأَردت أَن
تبدل من الْوَاو همزَة كَانَ ذَلِك جَائِزا لانضمامها وقلَّما يبلغ
بِهِ الأَصل وَهُوَ جَائِز ولكنَّه مجتنب لثقله ولأَن الصَّحِيح فِيهِ
يجوز فِيهِ إِسكان المضموم والمكسور فِي مثل هَذَا الْبَاب {فممّا جاءَ
على الأَصل} قَول العجّاج
(وَفِي الأَكُفِّ اللامعاتِ سُوُر ... ْ)
وَقَالَ الآخر
(أَغَرُّ الثنايا أَحَمُّ اللثاتِ ... تَمْنَحُه سُوُكَ الإِسْحِل)
وأَمّا مَا كَانَ من هَذَا على (فَعِلَ) أَو فعل / فإِنَّه يعتلّ
فتنقلب واوه وياؤه أَلفا كَمَا اعتلّ خافٌ وطالٌ لأَنَّ المعتلّين فِي
مَوضِع حَرَكَة وَقبل كلِّ وَاحِد مِنْهُمَا فَتْحة
(1/113)
فأَمَّا القَوَد والصَيَد والخَوَنَةُ
والحَوَكة وَمَا كَانَ نَحْو ذَلِك من بَاب فُعِلٍ نَحْو رجل حَوِل
وعَوِر فإِنَّ هَذَا يفسّر فِي بَاب مَا يبلغ بِهِ الأَصل إِن شاءَ
الله وأَمَّا العَوَرَ والحَوَلَ والصَّيَد مصدر الأَصْد فإِنَّما صحّت
لصحّة أَفعالها ليَكُون بَينهَا وَبَين مَا اعتلَّ فِعْله فصل وكما
قُلْنَا إِنَّ هَذِه الأَفعال من عوِر وحوِل إِنَّما هِيَ منقولة من
أَعْوَرَّ واحْوَلَّ نقُول إِنَّ مصادرها منقولةٌ من مصادره
(1/114)
(هَذَا بَاب مَا اعتلت عينه مِمَّا لامه
همزَة)
وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك جاءَ يجِيء وساءَ يسوءُ وشاءَ يشاءُ فَمَا كَانَ
من هَذَا على فَعِلَ يَفْعَل فَهُوَ بِمَنْزِلَة خَافَ يخَاف وَمَا
كَانَ مِنْهُ على فَعَل يَفْعِل فَهُوَ بِمَنْزِلَة / بَاعَ يبِيع
وَذَلِكَ لأَنَّ الْهمزَة لَيست من حُرُوف العلَّة فالواو والياءُ
قبلهَا بمنزلتهما قبل سَائِر الْحُرُوف ولكنَّا أَفردنا هَذَا الْبَاب
لنبيّن مَا يلْحق الْهمزَة من الْقلب فِي فاعِل وَنَحْوه وَمَا يدّعى
فِيهِ من التَّقْدِيم والتْخير ونبيّن اخْتِلَاف النحويّن فِي ذَلِك
إِن شاءَ الله اعْلَم أَنَّك إِذا بنيت من شيءٍ من هَذِه الأَفعال
اسْما على (فاعِل) اعتلّ مَوضِع الْعين مِنْهُ فهمز على مَا وصفت لَك
فِي قَائِل وبائع فإِذا همزت الْعين الْتَقت هِيَ واللامُ الَّتِي هِيَ
همزةٌ فَلَزِمَ الهمزةَ الَّتِي هِيَ لامٌ القلبُ إِلى الياءِ لكسرة
مَا قبلهَا لأَنَّه لَا يلتقي همزتان فِي كلمة إِلاَّ لزم الآخرةَ
مِنْهُمَا البدلُ والإِخراج من بَاب الْهَمْز فَتَقول جاءٍ كَمَا ترى
وَكَانَ الأَصل جائِيٌ فَقلت لما ذكرت لَك وَكَذَلِكَ شاءٍ وساءٍ
فَهَذَا قَول النحويّين أَجمعين إِلاَّ الْخَلِيل بن أَحمد فإِنَّه
كَانَ يَقُول قد رأَيتهم يفرون إِلى الْقلب فِيمَا كَانَت فِيهِ همزَة
وَاحِدَة استثقالا لَهَا فيقدّمون لَام الْفِعْل ويؤخِّرون الْهمزَة
الَّتِي هِيَ عين فِيمَا / لَا يهمز فِيهِ غيرُها ليصير الْعين طرفا
فَيكون يَاء وَذَلِكَ قَوْله
(لاثٍ بِهِ الأَشاءُ والعُبْرِى ... )
(1/115)
وَقَالَ
(فَتَعَرَّفوني إِنَّني أَنا ذاكمو ... شاكٍ سلاحي فِي الْحَوَادِث
مُعْلِمُ)
يُرِيد شائك أَي ذُو شَوْكَة قَالَ فلمّا الْتَقت همزتان كَانَ الْقلب
لَازِما فأَقول جائِيٌ فَاعْلَم وشائِيٌ يَا فَتى فالهمزة الَّتِي تلِي
الأَلف إِنَّما هِيَ لَام الْفِعْل الَّتِي لم تزل همزَة والمتأَخِّرةُ
إِنَّما هِيَ عين الْفِعْل الَّتِي كَانَت تهمز للاعتلال إِذا كَانَت
إِلى جَانب أَلف ويمضي على هَذَا الْقيَاس فِي كلِّ مَا كَانَ مثل
هَذَا فِي وَاحِد أَو جمع وكلا الْقَوْلَيْنِ حسن جميل
(1/116)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ من الْأَسْمَاء
الصَّحِيحَة والمعتلة)
(مِثَال فَعِلٍ وفَعُلٍ وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي ثَانِي حُرُوفه كسرة
وَمَا كَانَ من الأَفعال كَذَلِك)
اعْلَم أَنَّه يجوز إِسكان الحرفين من المضموم والمكسور فِي
الْمَوْضِعَيْنِ اللَّذين حدّدتهما استثقالا للكسرة والضمّة وَذَلِكَ /
قَوْلك فِي عَضُد عَضْد وَفِي حُمُر وحُمْر وَفِي فخِذ فَخْذ
وَالْفِعْل تَقول فِي علِم عَلْمَ وَفِي كرُم كرْمَ وَلَا يجوز فِي مثل
ذَهَب أَن تسكَّن وَلَا فِي مثل جَمَلٍ لَا يسكَّن ذَلِك اسْما وَلَا
فِعْلا لخفَّة الفتحة وَثقل الكسرة والضمة أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا
زيْد ومررت بزيْد وتبدل فِي النصب من التَّنْوِين أَلفا تَقول زيدا
لأَنَّ الفتحة لَا علاج فِيهَا وَلذَلِك تَقول هَذَا قاضٍ فَاعْلَم
ومررت بقاضٍ يَا فَتى وَلَا تحرّك الياءَ المكسور مَا قبلهَا بضمّة
وَلَا كسرة وَتقول رأَيت قَاضِيا وَتَفْسِير هَذَا فِي بَاب مصطفَوْن
بِمَا يزِيدهُ إيضاحا
(1/117)
|