المقتضب (هَذَا بَاب جمع الاسماء المعتلة عيناتها)
(وَمَا يلْحقهَا ممّا هُوَ صَحِيح إِذا زيدت فِيهِ حُرُوف اللين)
وَيجب التصدير فِي هَذَا الْبَاب أَن نبدأَ بِذكر الأَسماءِ
الصَّحِيحَة الَّتِي لَا زَوَائِد فِيهَا / وَمَا يلْحقهَا من
الزَّوَائِد الَّتِي تسمّى الملحِقة والزوائد غير الملحِقة واجتماع
الْجمع والتصغير اعْلَم أَنَّ الأَسماءَ إِذا كَانَت على أَربعة أَحرف
أَصليّة أَو فِيهَا حرف مزِيد فإِنَّ جمعهَا على مِثَال تصغيرها فِي
الأَصل فإِن خرج من ذَلِك شيءٌ فلِعلَّة مُوجبَة إِذا جمعت اسْما على
مِثَال جَعْفَر أَو قِمْطَر أَو جُلْجُل فإِنَّ تصغيره جُعَيْفِر
وقُمَيْطِر {وجُلَيْجِل} لأَنَّ الْعدَد أَربعة وتصغير الأَربعة على
مِثَال وَاحِد اخْتلفت حركاته أَو اتَّفقت زَائِدا كَانَ أَو أَصليّا
فالأَصليّة مَا قدَّمنا والزوائد فِي قَوْلك رَغيف رَغَيِّف وَفِي
عَجوز عُجَيِّز وَفِي مثل جَدْول جُدَيّل وإِن شِئْت قلت جُدَيْول
لأَنَّها متحرّكة وإِن كَانَت زَائِدَة كَمَا قلت فِي أَسْود أُسَيِّد
وأُسَيْوِد وَالْقلب أَجودُ لأَنَّ وَاو جدول مُلْحِقة وللملحِق حكم
الأَصليّ أَلا ترى أَنَّك تَقول جَداول كَمَا تَقول أَساوِد وإِنمَّا
كَانَت الأَربعة / مستوية فِي التصغير على اخْتِلَاف حركاتها لأَنَّ
التصغير مِثَال يخرج إِليه كَمَا أَنَّ الثَّلَاثَة على مِثَال وَاحِد
وإِن اخْتلفت حركاتها أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي عُمَر عُمَيْر
وَكَذَلِكَ عَمْروا وَكَذَلِكَ جَمَل ومِعىً وكلُّ مَا كَانَ من
الثَّلَاثَة
(1/118)
وإِن كَانَ الِاسْم على خَمْسَة أَحرف
أَصليّة أَو فِيهَا زَائِدَة فإِنَّ التصغير على مَا كَانَ فِي
الأَربعة تَقول فِي تَصْغِير سَفَرْجَل سُفَيْرِج وتحذف اللَّام
الأَخيرة وإِن كَانَت من الأَصل لأَن التصغير تناهى دونهَا وَتقول فِي
تَصْغِير قَلَنْسُوة قُلَيْسِية إِن حذفت النُّون وقُلَيْنِسة إِن حذفت
الْوَاو لأَنَّ الزيادتين إِذا استوتا كنت فِي حذف إِحداهما
بِالْخِيَارِ إَيّما شِئْت فإِن كَانَت إِحداهما للإِلحاق أَو لعلامة
أَقررتها وحذفت الأُخرى إِلا أَنَّه يجوز لَك الْعِوَض فِي الْجمع
والتصغير من كلّ مَا حذفت وَذَلِكَ أَنَّك إِذا صغَّرت اسْما على
خَمْسَة ورابعة أَحد الْحُرُوف الثَّلَاثَة المصوّته (وَهِي الياءُ
وَالْوَاو والأَلف) فإِن جمْعه وتصغيره غير مَحْذُوف فيهمَا شيءٌ
وَذَلِكَ قَوْلك فِي مثل دِينَار دَنَانِير إِذا جمعت ودُنَينِير إِذا
صغَّرت وَفِي قنديل قناديل وقُنَيْدِيل وَفِي سُرحوب سراحيب وسُرَيْحيب
وَفِي بِرْذون بَراذين وبُرّيْذِين تُقرّ الياءَ يَاء وتقلب الْوَاو
والأَلف إِلى الياءِ لأَنَّ كلَّ وَاحِدَة مِنْهُمَا تقع سَاكِنة بعد
كسرة والعِوض أَن تَقول فِي تَصْغِير سفرجل سُفَيْرِيج إِن شِئْت وَفِي
الْجمع سفاريج فتجعل هَذِه الياءَ عِوَضا ممّا حذفت ودليلا على أَنَّك
حذفت من الِاسْم شَيْئا فَهَذَا غير مُمْتَنع فعلى هَذَا تَقول فِي
قلنسوة فِيمَن حذف النُّون قُلَيْسِيَّة وقَلاسِيّ وَمن حذف الْوَاو
قَالَ قُلَيْنيِسة وقَلانيس فأمّا قَوْلنَا فِيمَا كَانَ على أَربعة
أَحرف إِنَّ تصغيره من بَاب جمعه فإِنَّما تأْويل ذَلِك أَنَّك إِذا
جمعت زِدْت حرف اللين ثَالِثا وَكسرت مَا بعده فإِن عوّضت فِي التصغير
عوّضت فِي
(1/119)
الْجمع وان تركته محذوفا فى أَحدهمَا
فَكَذَلِك هُوَ فى الْأُخَر لِأَنَّك إِذا صغرت ألحقت حرف اللين
ثَالِثا وَكسرت مَا بعده والفصل بَين التصغير وَالْجمع أَن أول التصغير
مضموم وَأول الْجمع مَفْتُوح وحرف لين الْجمع أَلف / وحرف لين التصغير
ياءٌ فإِن قلت فَمَا بالك تَقول فِي ضَارب ضُوَيْرب وأَنت لَا تَقول
فِي جمعه ضوارب قيل لَهُ الأَصل أَن يُقَال فِي جمعه ضَوارب ولكنَّه
اجْتنب للَّبس بَين المذكَّر والمؤَنَّث لأَنَّك تَقول فِي جمع ضاربة
ضوارب وَمَا كَانَ من بَاب فاعِلٍ فإِنَّما هُوَ اسْم مبنّي من
الْفِعْل أَو على جِهَة النّسَب فأَمَّا مَا كَانَ من الْفِعْل مِنْهُ
فَهُوَ الْبَاب نَحْو ضارِب وقاتِل وشاتِم وأَمّا مَا كَانَ على جِهَة
النّسَب فنحو فَارس ودارِع ونابِل أَي ذَو فرس وَذُو درع وَذُو نبل
وَلَيْسَ فِيهِ (فَعَل) فَهُوَ (فاعِل) وَمَا كَانَ للمرأَة فعلى هَذَا
نَحْو ضربت وشتمت وَقتلت فلمّا كَانَ جمع فاعلة فواعل اجتنبوا مثل
ذَلِك فِي المذكَّر وَعدلُوا بِهِ عَن هَذَا الْبَاب لِكَثْرَة أَبنية
المذكَّر فِي الْجمع وَلَو احْتَاجَ إِليه شَاعِر لردَّه إِلى الأَصل
فَجَمعه على فواعِل
(1/120)
أَلا تراهم قَالُوا فِي جمع فَارس فوارس
إِذ كَانَ / مثل هَذَا مطَّرحا من المؤنّث وَكَذَلِكَ هَالك فِي
الهوالك لمّا أَردت الْجِنْس كلَّه قَالَ الفرزدق حَيْثُ احْتَاجَ
إِليه
(وإِذا الرجالُ رأَوْا يزيدَ رأَيتهمْ ... خُضُعَ الرِقابِ نَوَاكِسَ
الأَبصارِ)
(1/121)
(هَذَا بَاب جمع مَا كَانَ على أَرْبَعَة
أحرف وثالثه وَاو أَو يَاء أَو ألف)
فَمَا كَانَ من ذَلِك أَصلا أَو ملحَقا بالأَصليّ أَو متحرّكا فِي
الْوَاحِد فإِنَّه يظْهر فِي الْجمع وَذَلِكَ قَوْلك - فِيمَا كَانَ
أَصلا وَكَانَ متحركا فِي الْوَاحِد - أَساود إِذا جمعت أَسْوَدَ
وأَصايد إِذا جمعت أَصْيد وَقد جعلت كلّ وَاحِد مِنْهُمَا اسْما وأَمّا
مَا كَانَ متحرّكا فِي الْوَاحِد وَهُوَ زَائِد فقولك فِي جَدْول جداول
وَفِي قَسْور قساور وَفِي عِثْيَر عثاير وأَما مَا كَانَ أَصلا وَهُوَ
سَاكن فِي الْوَاحِد فقولك فِي مَقال مَقاوِل لأَنَّه من القَوْل وَفِي
مَباع مبايِع لأَنَّه من البيع وإِن جمعت (يَزِيد) اسْم رجل قلت يزايد
قَالَ الفَرَزْدَقُ
(وإِنِّي لقوَّامٌ مَقاوِمَ لم يكن ... جَريرٌ وَلَا مَوْلَى جَرِيرٍ
يَقُومُها)
/ فإِن جمعت اسْما على أَربعة وثالثه حرف لين زَائِد سَاكن فإِنَّك
تهمز ذَلِك الْحَرْف فِي الْجمع وَذَلِكَ قَوْلك فِي رِسَالَة رسائل
وَفِي عَجُوز عَجَائِز وَفِي صحيفَة صَحَائِف
(1/122)
وإِنمَّا فعلت ذَلِك لأَنَّ هَذِه الأَحرف
لَا أَصل لَهَا فلمّا وَقعت إِلى جَانب أَلف وَلم تكن متحرّكة وَلَا
دَخَلتهَا الْحَرَكَة فِي مَوضِع أُبدلتْ لما قبلهَا ثمّ تحرّكت كَمَا
تحرّك لالتقاء الساكنين فلزمتها الْهمزَة كَمَا لَزِمت قَضَاء لما
سنبيّنه فِي مَوْضِعه إِن شاءَ الله فأَمَّا (معيشة) فَلَا يجوز همز
يائها لأَنَّها من الأَصل متحرّكة فإِنَّما تردّ إِلى مَا كَانَ لَهَا
كَمَا ذكرت لَك فِي صدر الْبَاب فأَمّا قراءَة من قرأَ (معائِش) فهمز
فإِنَّه غَلط وإِنَّما هَذِه القراءَة منسوبة إِلى نَافِع بن أَبي
نُعَيْم وَلم يكن لَهُ علم بِالْعَرَبِيَّةِ وَله فِي الْقُرْآن حُرُوف
قد وقف عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ قَول من قَالَ فِي جمع مُصِيبَة مصائب
إِنَّما هُوَ غلط وإِنَّما الْجمع مصاوب لأَنَّ مُصِيبَة مُفْعِلة فعلى
هَذَا يجْرِي وَمَا أَشبهه
(1/123)
(هَذَا بَاب مَا كَانَت عينه إِحْدَى هَذِه
الأَحرف اللينة ولقيها حرف لين)
وَذَلِكَ نَحْو سيّد وميّت وهيّن وليّن لأَنَّ هَذَا البناءَ إِنَّما
هُوَ (فَيْعِل) من ياءٍ أواو فأَمَّا ذَوَات الْوَاو مِنْهُ فهيَّن
وميِّت وسيِّد لأَنَّه من سَاد يسود وَمَات يَمُوت وأَمَّا ليّن فَمن
الياءِ وَالْحكم فيهمَا وَاحِد فِي بنائهما على بَاب (فَيْعِل)
لأَنَّهما مشتركان فِي العلَّة فَخَرَجَا إِلى بَاب وَاحِد خلافًا على
الصَّحِيح وَذَاكَ أَنَّه لَا يكون فِي الصَّحِيح (فَيْعِل) إِنَّما
نَظِير هَذَا البناءِ من الصَّحِيح (فَيْعَل) نَحْو رجل جَيْدَرٍ
وَزَيْنَب وخيفق فَهَذَا البناءُ من المعتلّ نَظِيره مَا ذكرت لَك من
الصَّحِيح وَقد يكون للمعتلِّ البناءُ الَّذِي لَهُ نَظِير من
الصَّحِيح على غير لَفظه وَيكون لَهُ البناءُ لَا يُقَابله فِيهِ
الصحيحُ
(1/124)
فممّا كَانَ من المعتل على خلاف لَفظه فِي
الصَّحِيح سوى مَا ذكرت لَك قَوْلهم فِي فاعِلٍ من الصَّحِيح فَعَلَة
نَحْو كَاتب وكتَبَة وحافظ وحفَظَة وعالم وعلَمَة وَنَظِير هَذَا من
المعتل (فُعَلَة) / مضموم الأَول وَذَلِكَ قَوْلك فِي قاضٍ قُضاة ورامٍ
ورُماة وغازٍ وغُزاة وشارٍ وشُراة وَمَا كَانَ للمعْتل خاصّة دون
الصَّحِيح قَوْلهم كَانَ كَيْنُونة وَصَارَ صَيْرورة فأَصل هَذَا إِنما
هُوَ (فَيْعَلولة) وَلَا يكون (فَيْعَلُول) إِلاَّ فِي ذَوَات
الواووالياءِ فإِن قَالَ قَائِل إِنَّما وَزنه (فَعْلُول) لأَنَّ
اللَّفْظ على ذَلِك قيل لَهُ الدَّلِيل على أَنَّه لَيْسَ بفَعْلُول
وأَنَّه على مَا ذكرنَا أَنَّه لَيْسَ فِي الْكَلَام فَعْلُولٌ بفنح
الفاءِ وأَنَّه لَو كَانَ على مَا وصفتم لَكَانَ اللَّفْظ كَوْنُونَة
لأَنَّه من الْوَاو ولكنت تَقول فِي قيدود قَوْدُود بِالْوَاو لأَنَّه
من القوْد ولكنَّه لمَّا كَانَ يجوز لَك أَن تَقول فِي ميِّت مَيْت
وَفِي هيِّن هَيْن وَكَذَلِكَ جَمِيع بَابه استثقالا للتضعيف فِي
حُرُوف العلَّة جعلت الْحَذف فِيمَا كثر عدده غَالِبا فَقلت قيدود
وكينونة فحذفته من قيَّددود وكيَّنونة / وَكَانَ الأَصل كَيْونَونة
كَمَا أَنَّ أَصل سيِّد سَيْوِد لأَنَّه (فيعِل) من سَاد يسود فَلَزِمَ
فِيهِ من الإِدغام وَالْقلب مَا لزم فِي سيّد لأَنَّ صُدُور هَذِه
الأَسماء كسيّد وإِن كَانَت مَفْتُوحَة فإِذا جمعت سيّدا أَو ميِّتا
أَو مَا كَانَ مثلهمَا فإِنّ النحويّين يرَوْنَ همز المعتلِّ الَّذِي
يَقع بعد الأَلف وَذَلِكَ قَوْلك سيائد وميائت فإِن قَالَ قَائِل مَا
بالهم همزوا وإِنما هِيَ عين وَقد تقدّم شرطهم فِي بَاب معيشة أَنَّه
لَا يُهمز موضعُ الْعين وإِنَّما يهمز مَا كَانَ من هَذَا زَائِدا فإِن
قَوْلهم فِي هَذَا إِنَّما هُوَ لالتقاءِ هَذِه الْحُرُوف المعتلَّة
وقُرْب آخرهَا من الطّرف ولأَنَّهم جعلُوا هَذَا الأَلف بَين واوين أَو
ياءَين أَو ياءٍ وواو فالتقت ثَلَاثَة أَحرف كلُّها
(1/125)
ليِّنة فكأَنّها على لَفْظَة وَاحِدَة
وَقربت من الطّرف وَهُوَ مَوضِع لَا يثبت فِيهِ وَاو وَلَا ياءٌ بعد
أَلف وإِنما تُقلب كلُّ وَاحِدَة مِنْهُمَا همزَة فَفَعَلُوا هَذَا لما
قبلهَا ولقربها من الطّرف أَلا ترى / أَنَّ الْوَاحِدَة مِنْهُمَا إِذا
كَانَت طرفا أُبدلت وَذَلِكَ قَوْلك غزَاءٌ وسقَّاءٌ وإِنَّما هما من
غزوت وسقيت فكانتا يَاء أَو واوا وَكَذَلِكَ جَمِيع هَذَا الْكتاب
وَقَالُوا إِن وَقع بَينهَا وَبَين الطّرف حرف صَحِيح لم تهمز وَذَلِكَ
قَوْلهم فِي طَاوُوس طواويس وَفِي بيّاع بياييع وَلَا تكون إِلا ذَلِك
لبعدهما من الطّرف كَمَا لَا يكون فِي بَاب قَضاءٍ وسقَّاءٍ إِلا
الْهَمْز فَهَذَا قَول جَمِيع النحويِّين فِيمَا تبَاعد من الطّرف
وأَمَّا مَا ذكرنَا من بَاب جمع سيّد وميّت فإِن أَبا الْحسن الأَخفش
كَانَ لَا يهمز من هَذَا الْبَاب إِلاَّ مَا كَانَت الأَلف فِيهِ بَين
واوين نَحْو قَوْلك فِي أَوّل - وَزنه أَفعل ففاؤه من لفظ عينه -
أَوائل وَكَذَلِكَ يَقُول فِي فَوْعَل من قلت وجلت قَوائل وجَوائِل
فَيجْعَل علَّته فِي همز الْوَاو لقربها من الطّرف نظيرا لما
ذَكرْنَاهُ / أَنَّه إِذا الْتَقت الواوان أَوَّلا همزت الأُولى
مِنْهُمَا فَكَانَ يَجْعَل همز الأُخرى من هَذَا الْبَاب وَاجِبا وإِن
كَانَت الأَلف قد حَالَتْ لِاجْتِمَاع الواوين والقرب من الطّرف وَلَا
يرى مثل ذَلِك إِذا اجْتمعت ياءَان أَو ياءٌ وواو وَيَقُول لأَنَّه لَو
الْتَقت الياءَان أَو الياءُ وَالْوَاو لم يلْزَمنِي همز والنحويُّون
أَجمعون غَيره لَا يَخْتَلِفُونَ فِي إِجراءِ الياءِ وَالْوَاو
والياءَين مُجْرى الواوين فِي هَذَا الْبَاب كَمَا صدّرنا بِهِ فِي
أَوَّل الْبَاب وعلَّتهم فِي ذَلِك مَا وَصفنَا من التقاءِ المتشابهة
وَذَلِكَ لأَنَّهم يجيزون فِي النّسَب إِلى راية وَغَايَة ورائيٌّ
وغانئي فيهمزون لِاجْتِمَاع الياءَات إِن شاءُوا وَلِهَذَا بَاب نذكرهُ
فِيهِ فَلذَلِك ذكرنَا أَحد وجوهه ليُستقصى فِي مَوْضِعه إِن شاءَ الله
(1/126)
وإِنَّما أَخَّرنا تَفْسِير هَذَا ليَقَع
بَابا على حِياله مُستقصى وَالْقَوْل البيِّن الْوَاضِح قَول
النحويِّين لَا قَول أَبي الْحسن الأَخفش أَلا ترى أَنَّه يلزمك من همز
الياءِ إِذا وَقعت طرفا مَا يلزمك من همز الْوَاو / إِذا وَقعت طرفا
بعد الأَلف وأَنّ الياءَ وَالْوَاو تظهران إِذا وَقع الإِعراب على
غَيرهمَا نَحْو سِقاية وشَقاوة وَلَيْسَ هَذَا من بَاب مَا يَقع من همز
الْوَاو إِذا لقيها وَاو أَوَّل الْكَلِمَة وَلَا ممّا يُنَاسِبه
وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّهما جَمِيعًا إِذا تباعدتا من الطرَف لم
يكن همز وَهَذَا يدلُّ {على} أَنَّه من أَجل الأَواخر لَا من أَجل
الأَوائل وَلَو بنيت مثل (فَيْعال) من كلت فَقلت كَيَّال لَقلت فِي
الْجمع كياييل فَلم تهمز كَمَا تَقول طواويس
(1/127)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ من الْجمع على وزن
فُعَّل وفُعّال مِمَّا اعتلت عينه)
اعْلَم أَنَّ مَا كَانَ من هَذَا من ذَوَات الْوَاو فإِنَّ الأَجود
فِيهِ أَن تصحّ الْوَاو وَتظهر وَذَلِكَ قَوْلك على قَوْل من قَالَ فِي
جمع شَاهد شُهَّد فِي صَائِم صُوّم وَقَائِل قُوّل وَكَذَلِكَ جَمِيع
هَذَا الْبَاب وَقد يجوز أَن تقلب الْوَاو يَاء وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ
ولكنْ تَشْبِيها بِمَا اعتلَّت لامه وَذَلِكَ أَنَّك تَقول فِي جمع
عاتٍ / عُتِيّ لَا يصلح غيرُه إِذا كَانَ جمعا فلمّا كَانَ هَذَا
الْبَاب يقرُب من الطرَف جَازَ تشبيهه بِهَذَا الَّذِي هُوَ طَرف
فَتَقول فِي صَائِم صُيَّم وَقَائِل قُيَّل وَالْوَجْه مَا ذكرت لَك
أَوّلا وإِنَّ هَذَا تَشْبِيه ومجاز فإِن بنيته على (فُعَّال) ظَهرت
الْوَاو وَلم يجز إِلا ذَلِك لتباعدها من الطّرف وَذَلِكَ قَوْلك
صَائِم وصُوّام وَقَائِل وقُوَّال وَهَذَا كنحو مَا ذكرت لَك فِي
الْجمع الَّذِي قبله فِي صحّته إِذا تبَاعد من الطّرف فأَمَّا مَا
كَانَ من الياءِ فجارٍ فِي الْبَابَيْنِ جَمِيعًا - فُعَّل وفُعَّال
على الأَصل تَقول قوم بُيَّع وبُيَّاع لَا يكون إِلاَّ ذَلِك
(1/128)
وَكَذَلِكَ إِن بنيت وَاحِدًا من الْوَاو
على (فُعَّل) لم يجز الْقلب لأَنَّ الْوَجْه فِيمَا اعتلت لامه
فَكَانَت واوا الثَّبَات فِي الْوَاحِد نَحْو قَوْلك عتا يعتو عُتُوّا
قَالَ الله عزَّ وجلَّ {وعتوا عتوا كَبِيرا} فالواحد إِذا كَانَ
{الْوَاو فِيهِ عينا} لَازم لموضعه وَذَلِكَ قَوْلك رجل قُوَّل كَمَا
تَقول رجَل حُوَّل قُلَّب لَا يكون إِلاَّ ذَلِك
(1/129)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ من الْجمع على
فِعَلَة)
/ وَأعلم أَنَّ كلّ مَا كَانَ من هَذَا الْجمع من بَنَات الياءِ
وَالْوَاو اللَّتَيْنِ هما عينان فإِنَّ الياءَ مِنْهُ تجْرِي على
أَصلها وَالْوَاو إِن ظَهرت فِي واحده ظَهرت فِي الْجمع فأَمَّا مَا
ظَهرت فِيهِ فقولك عَوْد وعِوَدة وثَوْر وثِوَرَة وأَما ماقلبت فِيهِ
فِي الْوَاحِد فقولك دِيمة ودِيَم وقامة وقِيَم فأَمّا قَوْلهم ثِيَرَة
فَلهُ علَّة أَخَّرناها لنذكرها فِي موضعهَا إِن شاءَ الله
(1/130)
(هَذَا بَاب جمع مَا كَانَ على فعل من
ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو اللَّتَيْنِ هما عينان)
فأَدنى الْعدَد فِيهِ (أَفْعال) إِذ كَانَ يكون ذَلِك فِي غير المعتلّ
نَحْو فرخ وأَفراخ وزَنْد وأَزْناد فأَمّا مَا كَانَ من الْوَاو فنحو
قَوْلك صَوت وأَصوات وحَوض وأَحواض وثوب وأَثواب وَمَا كَانَ من الياءِ
فشَيْخ وأَشياخ وَبَيت وأَبيات وقَيْد وأَقياد فإِذا جَاوَزت
الثَّلَاثَة إِلى الْعشْرَة فقد خرجت من أَدنى الْعدَد فَمَا كَانَ من
الْوَاو فبابه فِعال / وَذَلِكَ قَوْلك ثوب وَثيَاب وحوض وحياض وسوط
وسياط تنْقَلب الْوَاو فِيهِ يَاء لكسرة مَا قبلهَا ولأَنَّها كَانَت
فِي الْوَاحِد سَاكِنة فإِن كَانَت فِي الْوَاحِد متحرّكة ظَهرت فِي
الْجمع نَحْو قَوْلك طَوِيل وطِوال وَمَا كَانَ مثله أَمّا مَا كَانَ
من الياءِ فإِنَّك تَقول فِيهِ إِذا جَاوَزت أَدنى الْعدَد فُعُول
لأَنَّ فُعول وفِعال يعتوران (فَعْل) من الصَّحِيح وَذَلِكَ قَوْلك
كَعْب وكُعوب وفلس وفلوس ويكونان مَعًا فِي الشيءِ الْوَاحِد نَحْو
كِعاب وكعوب وفِراخ وفُروخ
(1/131)
فلمَّا استبدّت الْوَاو بفِعال كراهيةَ
الضمّتين مَعَ الْوَاو خُصَّت الياءُ بفُعول لئَلاَّ يلتبسا وَذَلِكَ
قَوْلك شيخ وشُيوخ وَبَيت وبيوت وقَيْد وقُيود فإِن قَالَ قَائِل فلِم
لمْ يُفصل بَينهمَا فِي الْعدَد الأَقلّ فإِن الْجَواب فِي ذَلِك
أَنَّهما تظهران فِي (أَفْعَال) فتعلم الْوَاو من الياءِ وَذَلِكَ
قَوْلك أَبيات وأَحواض فكلُّ وَاحِد مِنْهُمَا بيّنٌ من صَاحبه كَمَا /
كَانَ فِي بَيت وحوض وإِن احْتَاجَ شَاعِر فَجمع ماكان من بَاب
(فَعْلٍ) وَنَحْوه على (أَفْعُلٍ) جَازَ ذَلِك لأَنَّ بَاب (فَعْل)
كَانَ فِي الصحّة لأَفْعُل نَحْو كَلْب وأَكْلُب وكَعْب وأَكْعُب
وَكَذَلِكَ مَا كَانَ نظيرا لهَذَا إِذا اضطرّ إِليه كَمَا قَالَ
(لكلِّ عيْشٍ قد لبِستُ أَثْوُبا)
وَمثل ذَلِك عَيْن وأَعْيُن وأَعْيان جيّد على مَا وصفت لَك قَالَ
(ولكننَّي أَغْدو عليّ مُفاضَةٌ ... دِلاصٌ كأَعْيان الجَرادِ
المنظَّمِ)
وَمثل أَعْيُن وأَثوب قَوْله
(أَنعَتُ أَعْيَاراً رَعَيْن الخَنْزَرا ... أَنْعَتُهنّ آيُراً
وكَمَرَا)
وَمثل أَعْيان قَوْله
(يَا أَضْبُعاً أَكلْت آيارَ أَحْمِرةً ... فَفِي الْبُطُون وَقد راحت
قراقِيرُ)
(1/132)
(هَذَا بَاب مَا يَصح من ذَوَات الْيَاء
وَالْوَاو لسكون مَا قبله وَمَا بعده)
/ وَذَلِكَ نَحْو قاوَل وبايَع لأَنَّ قبل الياءِ وَالْوَاو أَلفا
فَلَو قلبتها لصرت إِلى علّة بعد علَّة فَلَا يجوز أَن تغيّر حرف اللين
بطرْح حركته على ماقبله إِذا كَانَ الَّذِي قبله من حُرُوف اللين وَمن
ذَلِك مَا كَانَ على فُعَّل وفُعَّال وفَعّال وأَفْعَال وَذَلِكَ
قَوْلك رجل قُوّل وقوْم قُوّال وَرجل قَوَّال وبَيَّاع وَكَذَلِكَ
أَقْيَاد وأَحْوال وكلُّ مَا سكن مَا قبله من هَذَا الْمِنْهَاج وَلم
نذكرهُ فَهَذَا قِيَاسه وأَمَّا قَوْلهم أَهْوِناءُ وأَبْيناءُ
وأَخْونة وأَعْيِنه جمع عِيان وَهِي حَدِيدَة تكون فِي الفَدَان
فإِنَّما صُحّحن لأَنَّ أَوّلهن زِيَادَة الفعْل فصُحّحن ليفصل بَين
الِاسْم وَالْفِعْل وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَمن هَذَا الْبَاب ساير
وتساير الْقَوْم وتقاولوا وتبايعوا كلُّ يجْرِي مَجْرىً وَاحِدًا وكلُّ
مَا لم نذكرهُ فَهَذَا مجْرَاه إِذا كَانَ على هَذَا
(1/133)
(هَذَا بَاب مَا اعتل مِنْهُ مَوضِع
اللَّام)
/ اعْلَم أَنَّ كلَّ مَا كَانَ من هَذَا على (فَعَلَ) فَكَانَ من
الْوَاو فإِنْ مجْرى بَابه (يَفْعُل) لَا يجوز إِلاَّ ذَلِك لتسلم
الْوَاو كَمَا ذكرت لَك فى بَاب مَا اعتلت عينه وَذَلِكَ قَوْلك غزا
يَغْزُو وَعدا يعدو وَلها يلهو فإِن كَانَ من الياءِ كَانَ على
(يَفْعِل) لأَنْ تَسْلَم الياءُ كَمَا ذكرت لَك فى بَاب الْعين
وَذَلِكَ نَحْو رمى يَرْمِي وَقضى يقْضِي وَمَشى يمشي وتعتلّ اللَّام
فتسكن فِي مَوضِع الرّفْع مِنْهُمَا كَمَا تَقول هَذَا قاضٍ فَاعْلَم
لأَنَّ الضمّة والكسرة مستثقلتان فِي الْحُرُوف المعتلَّة فأَمّا فِي
النصب فتحرّك الياءُ لما قد تقدّمنا بِذكرِهِ فِي الفتحة وَذَلِكَ
كَقَوْلِك أُريد أَن ترْميَ يَا فَتى وأَنْ تغزوَ فَاعْلَم كَمَا تَقول
رأَيت قَاضِيا وغازيا فإِن لحق شَيْئا من هَذِه الأَفعال الْجَزْم فآية
جزمها حذف الْحَرْف السَّاكِن لأَنَّ الْجَزْم حذف فإِذا كَانَ آخر
الْفِعْل متحرّكا حذفت الْحَرَكَة وإِذا كَانَ سَاكِنا حذف الْحَرْف
السَّاكِن
(1/134)
تَقول لم يغزُ وَلم يرْمِ / كَمَا تفعل
بالأَلف إِذا قلت لم يخشَ وَاعْلَم أَنَّ (فَعِلَ) يدْخل عَلَيْهِمَا
وهما لامان كَمَا دخل عَلَيْهِمَا وهما عينان وَذَلِكَ قَوْلك شقِيَ
الرجل وغَبِيَ من الشقوة والغباوة وخشِيَ يَا فَتى من الخشية فإِذا قلت
(يَفْعَل) لزمَه يَخْشَى ويَرْضَى فإِن أَردت نَصبه تركته مسكَّنا
لِامْتِنَاع الأَلف من الْحَرَكَة كَمَا تَقول رأَيت المثنّى فَلَا
يحرّك وإِن أَردت الْجَزْم حذفتها كَمَا وصفت لَك من حكم هَذَا
الْفِعْل
(1/135)
(هَذَا بَاب مَا لحقته الزَّوَائِد من
هَذِه الْأَفْعَال)
اعْلَم أَنَّ الزَّوَائِد تلحقها كَمَا تلْحق الصَّحِيح فَتَقول أَعطى
الرجل وَمَعْنَاهُ ناول والأَصل عطا يعطو إِذا تنَاول كَمَا تَقول غزا
الرجل وأَغزيته وَجرى الْفرس وأَجريته وَيكون على (اسْتَفْعَلَ) و
(فاعَلَ) و (افْعَوْعَل) وَجَمِيع أَبنية الفِعْل إِلا أَنَّك إِذا
زِدْت فِي الْفِعْل فَصَارَت أَلفه رَابِعَة اسْتَوَى البابان لخُرُوج
بَنَات الْوَاو إِلى الياءِ لأَنَّك إِذا قلت (يَفْعل) فِيمَا فِيهِ /
الزِّيَادَة من هَذَا الْبَاب انْكَسَرَ مَا قبل الْوَاو فَانْقَلَبت
يَاء كَمَا تنْقَلب وَاو ميزَان لسكونها وكسرة مَا قبلهَا وَذَلِكَ
قَوْلك يُغْزى ويُعْدِى ويَسْتَغْزي وَنَحْو ذَلِك فعلى هَذَا يجْرِي
أَغزيت واستغزيت كَمَا أَنَّك تَقول دُعِيَ وغُزِي فتقلب الْوَاو يَاء
وَتقول فِي الْمُضَارع هما يُدْعَيان ويُغْزَيان لأَنَّ الْفِعْل إِذا
لزم فِي أَحد وجهيه شيءٌ اتّبعه الآخر لئلاَّ يخْتَلف إِذْ كَانَ كلُّ
وَاحِد مِنْهُمَا يُبْنَى على صَاحبه فإِن قَالَ قَائِل مَا بَال
تَرَجَّى وتَغَازَى يرجعان إِلى الياءِ وَلَيْسَ وَاحِد مِنْهُمَا
يلْحقهُ فِي الْمُضَارع كسرة لأَنَّك تَقول ترجّى يَتَرَجَّى وتَغَازَى
يَتَغَازى فَلم قلت تَغَازينا وترجّينا قيل لأَنَّ التاءَ إِنّما
زَادَت بعد أَن انقلبت الْوَاو يَاء أَلا ترى أَنَّك تَقول رَجّى
يُرَجّى وغَازَى يُغَازِي ثمّ لحقت التاءُ وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّ
غازى لَا يكون من وَاحِد ويتغازى على ذَلِك لَا يجوز / أَن تَقول تغازى
زيد حتَّى تَقول وَعَمْرو وَمَا أَشبهه
(1/136)
|