المقتضب

 (هَذَا بَاب تصرف الْفِعْل اذا اجْتمعت فِيهِ حُرُوف الْعلَّة)
إِذا بنيت الْمَاضِي من حَيِيت فَقلت حَيِيَ يَا فَتى فأَنت فِيهِ مخيّر إِن شِئْت أَدغمت وإِن شِئْت بيّنت تَقول فِي حَيَّ فِي هَذَا الْموضع وَقد حَيِيَ فِيهِ أَمَّا الإِدغام فَيجب للُزُوم الفتحة آخر (فَعَلَ) وأَنَّه قد صَار بالحركة بِمَنْزِلَة غير / المعتلّ نَحْو رَدَّ وكَرَّ وأَمّا ترك الإِدغام فلأَنَّها الياءُ الَّتِي تعتلّ فِي يَحْيَى ويُحْيِي فَلَا تلزمها حَرَكَة أَلا ترى أَنَّك تَقول هُوَ يُحْيِي زيدا وَلم يُحْيِ فتجعل محذوفة كَمَا تحذف الْحَرَكَة وَكَذَلِكَ يَحْيَا وَنَحْوه وَقد فسّرت لَك من اتِّصال الْفِعْل الْمَاضِي بالمضارع وإِجرائه عَلَيْهِ فِي بَاب أَغزيت وَنَحْوه مَا يُغني عَن إِعادته وَمن قَالَ حَيَّ يَا فَتى قَالَ للْجَمِيع حَيُّوا مثل رَدَّ وردُّوا لأَنَّه قد صَار بِمَنْزِلَة الصَّحِيح وَمن قَالَ حَيِيَ فبيّن قَالَ حَيُوا للْجَمَاعَة وَذَلِكَ لأَنَّ الياءَ إِذا انْكَسَرَ مَا قبلهَا لم تدْخلهَا الضمّة كَمَا لاتقول هُوَ يقضِىُ يَا فَتى وَلَا هُوَ قاضِيٌ وَكَانَ أَصلها حَييُوا على وزن علمُوا فسكِّنت وَالْوَاو بعْدهَا سَاكِنة فحذفت لالتقاءِ الساكنين فَمثل الإِدغام قراءَة بعض النَّاس {وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة} وَهُوَ أَكثر وَترك الإِدغام (من حَييَ عَنْ بَيِّنَةٍ) وَقد قرئَ / بهما جَمِيعًا

(1/181)


وَكَذَلِكَ قيل فِي الإِدغام
(عَيُّوا بأَمْرِهمو كَمَا ... عَيّت ببَيْضَتها الحَمامهْ)
وَقَالَ فِي ترك الإِدغام
(وكنَّا حسِبناهم فورسَ كَهْمَسٍ ... حَيُوا بعد مَا مَاتُوا من الدَّهْر أَعْصُرا)
فإِذا قلت هُوَ (يَفْعَل) لم يجز الإِدغام البتَّة وَذَلِكَ قَوْلك لن يُعْيِيَ زيد وَلنْ يُحْيِيَ أَحد لأَنَّ الْحَرَكَة لَيست بلازمة وإِنَّما تدخل للنصب وإِنَّما يلْزم الإِدغام بِلُزُوم الْحَرَكَة وَكَذَلِكَ قَول الله عزَّ وجلَّ {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} لَا يجوز الإِدغام كَمَا ذكرت لَك فإِذا قلت قد (فُعِلَ) من حَيِيت على قَول من بَيَّنَ قلت قد حُيِيَ فِي هَذَا الْمَكَان وَمن أَدغم قَالَ قد حُيَّ فِي هَذَا الْمَكَان وإِن شاءَ قَالَ قد حِيَّ فأَبدل من الضمّة كسرة للياءِ الَّتِي بعْدهَا وَكَذَلِكَ كلُّ مَا كَانَ من هَذَا اسْما كَانَ أَو فِعْلا تَقول قرْنٌ أَلْوَى وقُرون لُيٌّ وإِن شِئْت قلت لِيٌّ والأَصل الضَّم وإِنَّما دخل الْكسر من أَجل الياءِ لأَنَّ جمع / أَفْعَل (فُعْل) إِذا كَانَ (أَفْعل) نعتا نَحْو أَحمر وحُمْر ولكنّ الْكسر فِي هَذَا أَكثر لخفَّته

(1/182)


وَكَذَلِكَ مَا كَانَ على (فُعول) ممّا اعتلَّت لامه تَقول ثُدِيّ وعُصِيّ وإِن شِئْت قلت ثِدِيّ وعِصِيّ وَالْكَسْر أَكثر لما ذكرت لَك والضمّ الأَصل لأَنَّ البناءَ (فُعُول) فأَمَّا الْمَفْتُوحَة فَلَا تبدل كسرة لخفَّة الفتحة نَحْو وَلِيّ وعَدِيّ وَكَذَلِكَ {ليا بألسنتهم} فإِذا ثنيَّت (اُفْعُوْعِلَ) من حَييت لَقلت فِي قَول من لم يدغم قد احْيُويِيَا فِي هَذَا وَفِي قَول من أَدغم اُحْيُويَّا فِيهِ فإِن قلت فَكيف اجْتمعت الْوَاو وَهِي سَاكِنة والياءُ بعْدهَا سَاكِنة للإِدغام فقد تقدم قَوْلنَا فِي أَنَّ حرف المدّ يَقع بعده السَّاكِن المدغم لأَنَّ المدّة عوض من الْحَرَكَة وأَنَّك تعتمد على الحرفين المدغم أَحدُهما فِي الآخر اعتمادةً وَاحِدَة نَحْو قَوْلك دابّة وشابّ وتُمُودّ الثَّوْب وَهَذَا بريدّاود وَنَحْو ذَلِك وَنحن ذاكرو مَا تلتقي لامه وعينه / على لفظ وَاحِد بِجَمِيعِ علله من الصَّحِيح ثمّ نرْجِع إِلى المعتلّ إِن شاءَ الله إِذا قلت (فَعِل) أَو (فعَل) ممّا عينه ولامه سواءٌ فَكَانَ الحرفان متحرِّكين فإِنه يلزمك أَن تسكِّن المتحرّك الأَوّل فتدغمه فِي الَّذِي بعده لأَنَّهما لفظ وَاحِد فَلَا يَقع فِي الْكَلَام التباين وَذَلِكَ قَوْلك رَدَّ وفَرَّ وعَضَّ ورَدُّوا وفَرُّوا فإِن سكن الثَّانِي ظهر التَّضْعِيف وإِنَّما يظْهر لأَنَّ الَّذِي بعده سَاكن فإِن أَسكنته جمعت بَين ساكنين لذَلِك تَقول رَدَدْت وفَرَرْت وَتقول لم يردُدْن وَلم يفْرِرْن لأَنَّ مَا قبل نون جمَاعَة النساءِ لَا يكون إِلاَّ سَاكِنا لما قد تقدّم ذكره وَكَذَلِكَ مَا قبل التاءِ إِذا عني بهَا المتكلِّم نَفسه أَو مخاطبه

(1/183)


وَتقول ردَّا لَا غير لأَنَّ الثَّانِيَة تتحرّك فإِذا أَمرت الْوَاحِد فَقلت (افْعَلْ) من هَذَا المضاعفة فأَنت مخيّر إِن شِئْت قلت اردُدْ كَمَا تَقول اُقتل وَتقول اِعْضَضْ كَمَا تَقول اِذهب وَتقول اِفرِزْ كَمَا تَقول اِضربْ وَهَذَا أَجود الأَقاويل / وَقد يجوز أَن تَقول فِرَّ رُدّ عَضَّ فإِذا قلت ذَلِك فإِنَّما طرحت حَرَكَة الْعين على الفاءِ فلمّا تحركت الفاءُ سَقَطت أَلف الْوَصْل وَقد التقى فِي الْوَقْف ساكنان فإِذا وصلت فَكَانَ الْحَرْف من بَاب (يَفْعُل) فأَنت فِي تحريكه مخيّر يجوز فِيهِ الْوُجُوه الثَّلَاثَة تَقول غُضِّ يَا فَتى وغُضُّ وغُضَّ أَمّا الْكسر فعلى أَنَّه أَصل التقاءِ الساكنين وأَمّا الضمّ فللإِتباع وأَمّا الْفَتْح فلأَنَّه أَخفُّ الحركات لأَنَّك إِنَّما تحرّك الآخر لالتقاءِ الساكنين فإِن كَانَ من بَاب مَسَّ جَازَ فِيهِ الْفَتْح من وَجْهَيْن لخفَّته وللإِتباع وَجَاز الْكسر لما ذكرت لَك

(1/184)


وإِن كَانَ من بَاب فَرَّ جَازَ فِيهِ الْكسر من وَجْهَيْن للإِتباع ولأَنَّه أَصل التقاءِ الساكنين وَجَاز الْفَتْح لخفَّته وإِنَّما جَازَ فِي هَذَا مَا لم يجز فِيمَا قبله ممّا تحرّك نتع الأَوّل لأَنَّ هَذَا أَصله الحركه وإِنَّما سُكِّن للجزم وَلَيْسَ السّكُون لَازِما لَهُ لأَنَّك لَو ثنَّيته أَو جمعته أَو أَنَّثته للزمته الْحَرَكَة نَحْو رُدَّا ورُدُّوا ورُدِّي وَكَذَلِكَ إِن دخلت فِيهِ النُّون / الْخَفِيفَة أَو الثَّقِيلَة وَمَا كَانَ قبل التاءِ وَالنُّون الَّتِي لجَماعَة المؤَنَّث لم يكن إِلاَّ سَاكِنا لَا تصل إِليه الْحَرَكَة فلمّا كَانَ كَذَلِك كَانَ تحريكه تَحْرِيك اعتلال وَلم يكن كَمَا قد تقدّمنا فِي ذكره فإِن لَقيه سَاكن بعده اختير فِيهِ الْكسر وَلَا أَراه إِذا حرّك للَّذي بعده فِي التَّقْدِير يجوز فِيهِ إِلاَّ الْكسر فإِن قدّر تحريكه للَّذي بعده فِي التَّقْدِير يجوز فِيهِ إِلاَّ الْكسر فإِن قدّر تحريكه لما قبله جَازَت فِيهِ الْوُجُوه كلُّها على مَا تقدّمنا بِذكرِهِ وَذَلِكَ قَوْلك رُدِّ الرجل وغضِّ الطّرف وإِن شِئْت قدّرته لما قبله فَقلت فِي المضموم بالأَوجه الثَّلَاثَة كَمَا كَانَ من قبل أَن يدْخل السَّاكِن الَّذِي بعده وَقلت فِي المفتوح بِالْفَتْح وَالْكَسْر وَكَذَلِكَ المكسور وَهَذَا الْبَيْت ينشد على الأَوجه الثَّلَاثَة لما ذكرنَا وَهُوَ
(فغُضّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ ... فَلَا كَعْباً بلغتَ وَلَا كِلابا)
وَكَذَلِكَ الَّذِي بعده وَهُوَ
(ذُمُّ المنازلَ بعد منزلَة اللِّوَى ... والعيشَ بعد أُولئكَ الأَيامِ)

(1/185)


/ فعلى مَا ذكرت لَك مجْرى هَذَا الْبَاب وَقد تقدّم قَوْلنَا فِي ذَوَات الياءِ وَالْوَاو المضاعفة ثمّ ذكرنَا ذَا ونعود إِلى استقصاءِ مَا فِيهَا إِن شاءَ الله اعْلَم أَنَّه لَا يَقع فِي الأَفعال مَا تكون عينه يَاء ولامه واوا وَلَكِن تكون عينه واوا ولامه يَاء وَذَلِكَ نَحْو شَوَيْت ولَويت وطويت وَيلْحق بِهِ مَا كَانَت عينه ولامه واوين لأَنَّه يُبنى على فَعِلت فَيصير لامه بِمَنْزِلَة مَا أَصله الياءُ نَحْو حَوِيت وقَوِيت فأَمّا قَوْلهم (حَيَوان) فِي الِاسْم فقد قيل فِيهِ قَولَانِ قَالَ الْخَلِيل الْوَاو منقلبة من ياءٍ لأَنَّه اسْم فخروجه عَن الْفِعْل كخروج آيَة وبابها وَقَالَ غَيره اشتقاق هَذَا من الْوَاو لَو كَانَ فعْلاً ولكنَّه لَا يصلح لما تقدّمنا بِذكرِهِ وَنَظِيره فِي هَذَا الْبَاب على هَذَا القَوْل جَبَيْت الْخراج جِباية وجِباوة وَلَيْسَ من جِباوة فِعْل وَمثل ذَلِك فاظ الميّت فَيْظاً وفَوْظا وَلَيْسَ من فَوْظ فِعْل

(1/186)


وَلذَلِك ظهر على الأَصل ليدلّ على أَصله وَقد تقدّم قَوْلنَا فِي أَنَّه لَا تظهر واوان مُجْتَمعين / إِذا كَانَت إِحداهما طرفا وَلَا يَقع فِي الْكَلَام مَا مَوضِع فائه وَاو ولامه وَاو نَحْو وَعَوْت وَنحن ذاكرو مَا يتَّصل بِهِ إِن شاءَ الله إِذا بنيت من الغَزْو (فَعَلَلْت) قلت غَزَوْيت وَلم يجز إِلاَّ ذَلِك لأَنَّها فِي الْمُضَارع يُغزْوِي على مَا ذكرنَا من الْبَاب وَلَو لم يكن ذَلِك لوَجَبَ أَلاَّ تَجْتَمِع واوان أَلا ترى أَنَّهم يذهبون (بفَعَلْت) من الْوَاو إِلى (فِعِلت) فِي نَحْو قَوِيت وحَوِيت لئلاَّ يجْتَمع واوان فإِذا كَانَت إِحداهما غير طرف أَو كَانَ مَا قبلهَا سَاكِنا فَهِيَ ثَابِتَة نَحْو قَوْلك خيل حُوّ وبطن قَوّ وَقد قُلْنَا فِي هَذَا وَلَكِن رددناه لما بعده إِذا بنيت (افْعَوْعَل) من قلت فإِنَّ النحويّين يَقُولُونَ اقْوَوَّلَ فتجتمع ثَلَاث واوات وَلم تكن وَاحِدَة منهنّ طرَفا ينْتَقل عَلَيْهَا الإِعراب إِلاَّ أَبا الْحسن الأَخفش فإِنَّه كَانَ يَقُول فِي هَذَا الْمِثَال (اقْوَيَّلَ) يقلب آخرهنّ يَاء ويدغم فِيهَا الَّتِي قبلهَا وعلَّته فِي ذَلِك اجْتِمَاع الواوات وَيَقُول إِنَّما تجْرِي الأَبنية على الأُصول وَلَيْسَ / فِي الأُصول مَا هُوَ هَكَذَا فإِن قلت (مَفْعُول) من غَزَوْت فَهُوَ {مَغْزُوّ} هَذَا الْمُجْتَمع عَلَيْهِ تصحّ الْوَاو الَّتِي هِيَ حرف الإِعراب لسكون مَا قبلهَا وَقد يجوز مَغْزِيّ وَذَلِكَ لأَنَّك قلبت الطّرف كَمَا فعلت فِي الْجمع وَلَيْسَ بِوَجْه

(1/187)


لأَنَّ الَّذِي يقلب إِنَّما يذهب إِلى أَنَّ السَّاكِن الَّذِي قبلهَا غير جَائِز وَلَا تكون الْوَاو فِي الأَسماءِ طرَفا وَمَا قبلهَا متحرّك فَلم يعتدّ بِمَا بَينهمَا أَلا ترى أَنك إِذا جمعت دَلْو قلت أَدْلٍ وإِنَّما هِيَ (أَفْعُل) وَتقول فِي قلنسوة وَالْجمع قَلَنْسٍ وحقُّه قَلَنْسُوٌ ولكنَّك قلبت الْوَاو لمّا كَانَت طرفا وَكَانَ مَا قبلهَا متحرّكا على ذَلِك قَالَ الراجز
(لَا مَهْلَ حتَّى تَلْحَقِي بعَنْسِ ... أَهلِ الرِياطِ البِيْضِ والقَلَنْسِي)
وَقَالَ الآخر
(حتّى تَفُضِّي عَرْقِيَ الدِلِيِّ ... )
جمع عَرْقُوة وَكَانَ حقَّه عَرْقُوٌ فَهَذَا حكم كلّ وَاو طرف إِذا تحرّك مَا قبلهَا فَكَانَ مضموما أَو مكسورا وإِن كَانَ مَفْتُوحًا انقلبت أَلفا كَمَا ذكرت فِي غَزا وَكَذَلِكَ رمَى لأَنَّ حكم الْوَاو فِي هَذَا الْموضع كَحكم الياءِ لَو رخَّمت (كَرَوانا) فِيمَن قَالَ يَا حارُ لَقلت يَا كَرا أَقبل

(1/188)


وَكَانَ الأَصل / يَا كَرَوُ لَكِن تحرّك مَا قبلهَا وَهِي فِي مَوضِع حَرَكَة فَانْقَلَبت أَلفا وَلم يكن ذَلِك فِي كروان لأَنَّ الأَلف بعْدهَا فَلَو قلبتها أَلفا لجمعت بَين ساكنين كَمَا كَانَ يلزمك فِي غَزَوَا لَو لم تردّها إِلى الْوَاو فَالَّذِينَ قَالُوا مَغْزيّ إِنَّما شبّهوه بِهَذَا وعَلى ذَلِك قَالُوا أَرض مَسْنِيّة وإِنَّما الْوَجْه مَسْنُوّة فإِن كَانَ هَذَا البناءُ جمعا فالقلب لَا غير تَقول فِي جمع عَاتٍ عُتِيّ وَفِي غاز غُزيّ وإِن كسرت أَوّله على مَا ذكرت لَك قَبْلُ فَقلت غِزِيّ كَمَا تَقول عِصيّ فالكسر أَكثر لخفَّته والأَصل الضَّم لأَنَّه (فُعُول) وَقَوْلِي فِي هَذَا الْجمع أَوجب لأَنَّ بَاب الانقلاب إِنَّما أَصله الْجمع فَلذَلِك أَجرينا سَائِر الْجمع عَلَيْهِ وَقد قُلْنَا فِي صُيّم مَا يَسْتَغْنِي عَن إِعادته وَاعْلَم أَنَّ اللَّام كَانَت يَاء أَو واوا وَقبلهَا أَلف زَائِدَة وَهِي طرف أَنَّها تنْقَلب همزَة للفتحة والأَلف اللَّتَيْنِ قبلهَا / وَذَلِكَ قَوْلك هَذَا سقَّاءٌ يَا فَتى وغَزَّاءٌ فَاعْلَم فإِذا لم يكن مُنْتَهى الْكَلِمَة لم تنْقَلب وَذَلِكَ قَوْلك شقاوة وعَباية

(1/189)


فأَمَّا من قَالَ عَظاءَة وعَبَاءَة فإِنما بناه أَوّلا على التَّذْكِير ثمّ أَدخل التأْنيث بعد أَن فرغ من البناءِ فأَنَّثه على تذكيره فعلى هَذَا تَقول صلاءَة وامرأَة سقَّاءَة وحذَّاءَة وَلَو بنيتها على التأْنيث على غير مذكَّر لَقلت سقَّاية وحذَّاوة فَاعْلَم كَمَا تَقول شقاوة وَنِهَايَة وَكَذَلِكَ مَا كَانَت آخِره وَاو وَلَيْسَ بمنتهى الْكَلِمَة نَحْو قَوْلك فِي مثل (فَعُلَة) من غزوت إِن بنيته على التَّذْكِير قلت غَزِية كَمَا كنت تَقول فِي المذكَّر هَذَا غَز فَاعْلَم وإِن بنيته على التأْنيث الَّذِي هُوَ من غير تذكير قلت غَزُوَة كَمَا قلت تَرْقُوة وقَلَنْسُوة لأَنَّ الإِعراب على الهاءِ وَلم يثبت لَهُ مذكَّر يَقع تأْنيثه عَلَيْهِ أَلا ترى أَنَّك لَو سمّيت رجلا (يَغْزُو) لَقلت هَذَا يَغْزٍ كَمَا ترى كَمَا قلت فِي الفِعْل هُوَ يدْلُو دَلْوه وأَنا أَدْلُو لأَنَّ / هَذَا الْمِثَال للفعْل وَتقول فِي جمع دَلْو هَذِه أَدْلٍ فَاعْلَم تقلب الْوَاو {يَاء} لما ذكرت لَك لأَنَّ الأَسماءَ لَا يكون آخر اسْم مِنْهَا واوا متحرّكا مَا قبلهَا وَيَقَع ذَلِك فِي حَشْو الِاسْم فِي مثل عنفوان وأُقْحُوان وَغير ذَلِك حَيْثُ وَقع ثَانِيًا أَو ثَالِثا أَو رَابِعا بعد أَلاَّ يكون طرفا وَلَو قلت (فُعْلُلَة) من رميت على التأْنيث لَقلت رُمْيُوَة تقلب الياءَ واوا لانضمام مَا قبلهَا

(1/190)


وَلَو بنيتها على التَّذْكِير لَقلت رُمْييَة لأَنَّها كَانَت تنْقَلب مذكَّرة فأَعللتها على ذَلِك وَقد تقدّم قَوْلنَا فِي أَنَّ الْحَرْف إِذا كَانَ على أَربعة أَحرف وَآخره ياءٌ أَو وَاو اسْتَوَى اللفظان على الياءِ لأَنَّ الْوَاو تنْقَلب رَابِعَة فَصَاعِدا إِلى الياءِ لما ذكرنَا من العلَّة وأَعدنا ذَلِك لقَولهم مِذْرَوان وَفُلَان ينفض مِذْرَوْيه وإِنَّما حقُّ هَذَا الياءُ لأَنَّ الأَلف رَابِعَة ولكنَّه جاءَ بِالْوَاو لأَنَّه لَا يُفْرَد لَهُ وَاحِد فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا بُنِي على التأَنيث ممّا لَا مذكَّر لَهُ وعَلى هَذَا لم يجز فِي (النِّهَايَة) مَا جَازَ فِي (عَظاية) من قَوْلك عظاءَة لأَنَّك تَقول فِي جَمِيع هَذَا العظاءُ فَهَذَا يُحْكم / لَك مَا يرد عَلَيْك من هَذَا الْبَاب إِن شاءَ الله

(1/191)


(أَبواب الْإِدْغَام)

(هَذَا بَاب مخارج الْحُرُوف)
وَقِسْمَة أَعدادها فِي مهموسها ومجهورها وشديدها ورخْوها وَمَا كَانَ مِنْهَا مطبقا وَمَا كَانَ من حُرُوف القلقلة وَمَا كَانَ من حُرُوف المدّ واللين وَغير ذَلِك اعْلَم أَنَّ الْحُرُوف الْعَرَبيَّة خَمْسَة وَثَلَاثُونَ حرفا مِنْهَا ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ لَهَا صوَر والحروف السَّبْعَة جَارِيَة على الأَلْسُن مستدل عَلَيْهَا فِي الخطِّ بالعلامات فأَمّا فِي المشافعة فموجودة فَمِنْهَا للحلْق ثَلَاثَة مخارج فَمن أَقصى الحلْق مخرج الْهمزَة وَهِي أَبعد الْحُرُوف ويليها فِي الْبعد مخرج الهاءِ والأَلف هاوية هُنَاكَ والمخرج الثَّانِي من الْحلق مخرج الحاءِ وَالْعين والمخرج الثَّالِث الَّذِي هُوَ أَدنى حُرُوف الْحلق إِلى الْفَم ممّا يَلِي الْحلق مخرج الخاءِ والغين ثمَّ أَوّل مخارج الْفَم ممّا يَلِي الْحلق مخرج الْقَاف وَيَتْلُو ذَلِك / مخرج الْكَاف وَبعدهَا مخرج الشين ويليها مخرج الْجِيم

(1/192)


ويعارضها الضَّاد ومخرجها من الشِدْقَ فبعض النَّاس تجْرِي لَهُ فِي الأَيمن وَبَعْضهمْ تجْرِي لَهُ فِي الأَيسر وَتخرج اللَّام من حُرُوف اللِّسَان مُعَارضا لأُصول الثنايا والرّباعيات وَهُوَ الْحَرْف المنحرف المشارك لأَكثر الْحُرُوف ونفسِّره فِي مَوْضِعه بمعانيه إِن شاءَ الله وأَقرب المخارج مِنْهُ مخرج النُّون المتحركّة وَلذَلِك لَا يدغم فِيهَا غير اللَّام فأَمّا النُّون الساكنة فمخرجها من الخياشيم نَحْو نون منْك وعنْك وَتعْتَبر ذَلِك بأَنّك لَو أَمسكت بأَنفك عِنْد لفظك بهَا لوجدتها مختلَّة فأَمّا النُّون المتحرّكة فأَقرب الْحُرُوف مِنْهَا اللَّام كَمَا أَنّ أَقرب الْحُرُوف من الياءِ الْجِيم فمحلّ اللَّام وَالنُّون والراءِ مُتَقَارب بعضه من بعض وَلَيْسَ فِي التداني كَمَا أَذكر لَك فإِذا ارْتَفَعت عَن مخرج النُّون نَحْو اللَّام فالراءُ بَينهمَا على أَنَّها إِلى النُّون أَقرب وَاللَّام تتَّصل بهَا بالانحراف الَّذِي قبلهَا ثمّ من طرف اللِّسَان وأُصول الثنايا مصعدا إِلَى الحنك مخرج الطاءِ والتاءِ وَالدَّال وَمن طرف اللِّسَان وملتقى حُرُوف الثنايا حُرُوف الصفير وَهِي حُرُوف تنسلّ انسلالا وَهِي السِّين وَالصَّاد وَالزَّاي وَمن طرف اللِّسَان وأَطراف الثنايا الْعليا / مخرج الظاءِ والثاءِ والذال

(1/193)


وَمن الشافة السُّفْلى وأَطراف الثنايا الْعليا مخرج الفاءِ وَمن الشّفة مخرج الْوَاو والباءِ وَالْمِيم إِلاَّ أَنّ الْوَاو تهوى فِي الْفَم حتّى تتّصل بمخرج الطاءِ وَالضَّاد وتتفشَّى حتّى تتّصل بمخرج اللَّام فَهَذِهِ الاتّصالات تقرّب بعض الْحُرُوف من بعض وإِن تراخت مخارجها وَالْمِيم ترجع إِلى الخياشيم بِمَا فِيهَا من الغُنَّة فَلذَلِك تسمعها كالنون لأَنَّ النُّون المتحرّكة مشربَة غنَّة والغنَّة من الخياشيم وَالنُّون الْخَفِيفَة خَالِصَة من الخياشيم وإِنَّما سمّيتا باسم وَاحِد لاشتباه الصوتين وإِلاَّ فإِنَّهما ليسَا من مخرج لما ذكرت لَك وَمن الْحُرُوف حُرُوف تجْرِي على النَّفس وَهِي الَّتِي تسمّى الرخْوة وَمِنْهَا حُرُوف تمنع النَّفس وَهِي الَّتِي تسمّى الشَّدِيدَة وَمِنْهَا حُرُوف إِذا ردّدتها فِي اللِّسَان جرى مَعهَا الصَّوْت وَهِي المهموسة وَمِنْهَا حُرُوف إِذا ردّدتها ارتدع الصَّوْت فِيهَا وَهِي المجهورة وَمِنْهَا حُرُوف تسمع فِي الْوَقْف عِنْدهَا نَبْرة بعْدهَا وَهِي حُرُوف القَلْقَلَة وَذَلِكَ لأَنَّها ضُغِطَتْ موَاضعهَا وَمِنْهَا المطبقة والمنفتحة وَنحن ذاكرو جَمِيع ذَلِك بأَوصافه إِن شاءَ الله وأَمَّا الْحُرُوف الستّة الَّتِي كمّلت هَذِه خَمْسَة وَثَلَاثِينَ حرفا بعد ذكرنَا الهمزَة بَيْنَ بَيْنَ فالأَلف الممالة وأَلفُ التفخم والحرفُ الْمُعْتَرض بَين الشين وَالْجِيم والحرف الْمُعْتَرض بَين الزَّاي وَالصَّاد وَالنُّون الْخَفِيفَة فَهِيَ خَمْسَة وَثَلَاثُونَ حرفا

(1/194)


ونفسّر هَذِه الَّتِي لَيست لَهَا صور مَعَ استقصائنا القولَ فِي / غَيرهَا إِن شاءَ الله فأَمَّا الْحُرُوف المهموسة فنبدأُ بذكرها وَهِي عشرَة أَحرف الهاءُ والحاءُ والخاءُ وَالْكَاف وَالصَّاد والفاءُ وَالسِّين والشين والتاءُ والثاءُ وَتعلم أَنَّها مهموسة بأَنَّك تردّد الْحَرْف فِي اللِّسَان بِنَفسِهِ أَو بِحرف اللين الَّذِي مَعَه فَلَا يمْنَع النَّفس وَلَو رُمْتَ ذَلِك فِي المجهورة لوجدته مُمْتَنعا فأَمَّا الرخوة فَهِيَ الَّتِي يجْرِي النفَس فِيهَا من غير ترديد والشديدة على خلَافهَا وَذَاكَ أَنَّك إِذا لفظت بهَا لم يتّسع مخرج النَّفس مَعهَا فالرخوة كالسين والشين وَالزَّاي وَالصَّاد وَالضَّاد وكلّ مَا وجدت فِيهِ مَا ذكرت لَك والشديدة نَحْو الْهمزَة وَالْقَاف وَالْكَاف والتاءِ وَنَذْكُر هَذَا فِي مَوْضِعه مستقصى إِن شاءَ الله

(1/195)


وَهَذِه الْحُرُوف الَّتِي تعترض بَين الرخوة وَهِي الشَّدِيدَة فِي الأَصل وإِنَّما يجْرِي فِيهَا النفَس لاستعانتها بِصَوْت مَا جاورها من الرخوة كَالْعَيْنِ الَّتِي يَسْتَعِين المتكلِّم عِنْد اللَّفْظَة بهَا بِصَوْت الحاءِ وَالَّتِي يجْرِي فِيهَا الصَّوْت لانحرافها واتّصالها / بِمَا قد تقدّمنا فِي ذكره من الْحُرُوف وكالنون الَّتِي تستعين بِصَوْت الخياشيم لما فِيهَا من الغُنَّة وكحروف المدّ واللين الَّتِي يجْرِي فِيهَا الصَّوْت للينها فَهَذِهِ كلُّها رَسْمها الشدّة فَهَذَا مَا ذكرت لَك من الِاسْتِعَانَة وَمِنْهَا الراءُ وَهِي شَدِيدَة ولكنَّها حرف تَرْجِيع فإِنَّما يجْرِي فِيهَا الصَّوْت لما فِيهَا من التكرير وَاعْلَم أَنَّ من الْحُرُوف حروفا محصورة فِي موَاضعهَا فَتسمع عِنْد الْوَقْف على الْحَرْف مِنْهَا نبرة تتبعه وَهِي حُرُوف القَلْقَلَة وإِذا تفقَّدت ذَلِك وجدته فَمِنْهَا الْقَاف وَالْكَاف إِلاَّ أَنَّها دون الْقَاف لأَنَّ حَصْر الْقَاف أَشدّ وإِنَّما تظهر هَذِه النبرة فِي الْوَقْف فإِن وصلت لم يكن لأَنَّك أَخرجت اللِّسَان عَنْهَا إِلى صَوت آخر فَحلت بَينه وَبَين الِاسْتِقْرَار وَهَذِه المُقَلْقِلَة بَعْضهَا أَشدّ حصرا من بعض كَمَا ذكرت لَك فِي الْقَاف وَالْكَاف وإِنَّما قدّمنا هَذِه المقدّمات فِي مَوَاضِع الأُصول لنجريها فِي مسَائِل الإِدغام على / مَا تقدّم منّا فِيهِ غير رادّين لَهُ ثمَّ نذْكر الإِدغام على وَجهه إِن شاءَ الله

(1/196)


(هَذَا بَاب إدغام المثلين)
وَنَذْكُر أَوّلا معنى الإِدغام وَمن أَين وَجب اعْلَم أَنَّ الحرفين إِذا كَانَ لَفْظهمَا وَاحِدًا فسكن الأَوَّلُ منْهما فَهُوَ مدغم فِي الثَّانِي وتأْويل قَوْلنَا (مدغم) أَنَّه لَا حَرَكَة تفصل بَينهمَا فإِنَّما تعتمد لَهما بِاللِّسَانِ اعتمادةً وَاحِدَة لأَنَّ الْمخْرج وَاحِد وَلَا فَصْلَ وَذَلِكَ قَوْلك قطَّع وكسَّر وَكَذَلِكَ محمّد ومعبّد وَلم يذهب بَّكر وَلم يقم مَّعك فَهَذَا معنى الإِدغام فإِذا التقى حرفان سواءٌ فِي كلمة وَاحِدَة الثَّانِي مِنْهُمَا متحرك وَلم يكن الْحَرْف ملحِقا وَقد جَاوز الثَّلَاثَة أَو كَانَ مِنْهَا على غير (فَعَل) أَو مَا لَيْسَ على مِثَال من أَمثلة الْفِعْل وَجب الإِدغام متحرّكا / كَانَ الأَوّل أَو سَاكِنا لأَنَّ السَّاكِن على مَا وصفت لَك والمتحرّك إِذا كَانَ الْحَرْف الَّذِي بعده متحرّكا أُسكن ليرْفَع اللِّسَان عَنْهُمَا رَفْعة وَاحِدَة إِذ كَانَ ذَلِك أَخفَّ وَكَانَ غير نَاقص معنى وَلَا ملتبس بِلَفْظ هَذَا مَوضِع جُمَل وَسَنذكر تفصيلها إِن شاءَ الله

(1/197)


(هَذَا بَاب إدغام المثلين فِي الْفِعْل)

(وَمَا اشتق مِنْهُ وَمَا يمْتَنع من ذَلِك)
اعْلَم أَنَّ الأَلفين لَا يصلح فيهمَا الإِدغام لأَنَّ الأَلف لَا تكون إِلاَّ سَاكِنة وَلَا يلتقي ساكنان وَقد قُلْنَا فِي الأَلف أَوّلا مَا يُغني عَن إِعادته وَكَذَلِكَ الهمزتان لَا يجوز فيهمَا الإِدغام فِي غير بَاب (فَعّل) و (فَعّال) لما ذكرت لَك فإِن التقتا وهما لامان أَو عين وَلَام ممّا لم نَسْتثْنه لم يجز فيهمَا الإِدغام لأَنَّه لَا يجوز أَن يحقَّقا جَمِيعًا فإِذا لم يجز اجْتِمَاعهمَا لأَنَّ الثَّانِيَة فِي قَول الْخَلِيل وَغَيره فِي الْكَلِمَة الأُولى مبدلة والأُولى فِي المنفصلين خاصّةً فِي قَول أَبي عَمْرو مخفَّفة فَلم يلق / الْحَرْف مَا يُشبههُ فَأَما من قَالَ بقول ابْن أبي إِسْحَاق فِي تَحْقِيق الهمزتين فَإِنَّهُ يدغم، لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَة غَيرهَا من الْحُرُوف فأَمَّا مَا يلتقي فِيهِ حرفان الأَوّل مِنْهُمَا سَاكن من غير مَا ذكرنَا فالإِدغام فِيهِ وَاجِب لَا يُقْدَر إِلاَّ على ذَلِك نَحْو قَوْلك قُوّة ورِدّة وقَرّ فَاعْلَم وأَمّا مَا التقتا فِيهِ والأُولى متحرّكة وَالثَّانيَِة كَذَلِك ممّا هُوَ فِعْل فنحو قَوْلك رَدَّ يَا فَتى وفرّ

(1/198)


فتقديره (فَعَلَ) وأَصله ردَدَ وفرَرَ ولكنَّك أَدغمت لثقل الحرفين إِذا فصلت بَينهمَا لأَنَّ اللِّسَان يزايل الْحَرْف إِلى مَوضِع الْحَرَكَة ثمّ يعود إِليه وَمثل ذَلِك مسّ وشمَّ وعضَّ وتقديرها (فَعِلَ) يبيّن ذَلِك قَوْلك عَضِضْت وشَمِمْت أَشَم وأَعَضَّ كَمَا تَقول فِي (فَعَلَ) ردَدْت وفَرَرْت أَرُدّ وأَفِرّ وَكَذَلِكَ (فَعُلَ) نَحْو لبّ الرجل من اللبّ وَلم يَأْتِ من فَعُل غَيره لثقل الضمّة مَعَ التَّضْعِيف وَذَلِكَ / قَوْلك لبُبْت لَبابة فأَنت لَبِيب؛ كَمَا قَالُوا: سفه سفاهةً وَهُوَ سَفِيه وَأَكْثَرهم يَقُول: لببت تلب وَأَنت لَبِيب، على وزن مرض يمرض وَهُوَ مَرِيض استثقالا للضمّة كَمَا وصفت لَك فَهَذَا لَا اخْتِلَاف فِيهِ أَنَّه مدغم فإِن كَانَ من هَذَا شيءٌ من الأَسماءِ فَكَانَ على مِثَال الفِعْل فحكمُه حكمُ الفِعْل إِلاَّ مَا استثنيته لَك تَقول فِي (فَعِلٍ) رجل طَبّ وَرجل بَرّ لأَنَّه من بَرِرْت وطبِبْت فإِنَّما تَقْدِيره فرِقت فأَنا فرِق فاعتلال هَذَا كاعتلال قَوْلك هَذَا رجل خافٌ ومالٌ إِذا أَردت فَعِل وَكَذَلِكَ لَو بنيت مِنْهُ شَيْئا على (فَعُل)

(1/199)


فأَمّا الَّذِي استثنيته فإِنَّه مَا كَانَ من هَذَا على (فَعَلٍ) فإِنّه صَحِيح وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك جَلَل وشَرَر وضَرَرَ وكلّ مَا كَانَ مثله وإِنَّما صحّحوا هَذِه الأَسماءَ لخفَّة الفتحة لأَنَّها كَانَت تصحّ فِيمَا لَا يصحّ (فَعَلْت) مِنْهُ نَحْو القَوَد والصَيَد والخوَنة والحَوَكة فلمّا كَانَت فِيمَا لَا يكون (فَعَلْت) مِنْهُ إِلاَّ صَحِيحا لزم أَن يصحّح / هَذَا قَول الْخَلِيل وسيبويه وكلّ نحويّ بصريّ علمناه فأَما قَوْلهم فِي الصَّدْر قَصّ وقصَص فَلَيْسَ قَصّ مدغما من قَوْلك قصَص ولكنَّهما لُغَتَانِ تعتوران الِاسْم كثيرا فَيكون على (فَعْل) و (فَعَل) وَذَلِكَ قَوْلهم شعْر وشعَر ونهْر ونهَر وصخْر وصخَر وحدّثني أَبو عُثْمَان المازنيّ عَن الأَصمعيّ قَالَ رأَيت أَعرابيّا بالموضع الَّذِي ذكره زهيرٌ فِي قَوْله
(ثمّ اسْتَمَرُّوا وَقَالُوا إِنَّ مَشْرَبكم ... ماءٌ بشرقيِّ سَلْمَى فَيْدُ أَوْ رَكَك) ُ ...

(1/200)


فَقلت أَين رَكَك قَالَ هَذَا رَكّ فَاعْلَم هَذَا بِمَنْزِلَة مَا وَصفنَا فإِن لم يكن شيءٌ من هَذَا على مِثَال الفِعْل من الثَّلَاثَة فالإِظهار لَيْسَ غيرُ وَذَلِكَ قَوْلك فِيمَا كَانَ على مِثَال فُعَل شُرَر ودُرَرَ وقُذَذ كَمَا قلت فِي الْوَاو سُوُر وَمَا كَانَ مِنْهُ على (فِعَلٍ) فَكَذَلِك تَقول قِدَد وشِدَد وسِرَر كَمَا كنت تَقول فِي الثاءِ وَالْوَاو ثِورة وبِيَع وقِيَم وعِودَة وَكَذَلِكَ (فُعُلٌ) تَقول فِيهِ حَضَضٌ وسُرُر كَمَا كنت تَقول صُيُد
(وسُوُك الإِسْحِلِ)
وَلَو بنيت / مِنْهُ شَيْئا على مِثَال (فِعِل) مثل إِبل لصححته وَكنت تَقول رِدِد فَاعْلَم لأَنَّه إِنَّما يعتلّ من هَذَا مَا كَانَ فِعْلا أَو على مِثَاله

(1/201)


هَذِه ذَوَات الثَّلَاثَة فإِن زِدْت على الثَّلَاثَة شَيْئا فَالتقى فِيهِ حرفان على لفظ لَا تُرِيدُ بهما الإِلحاق لم يكن إِلا مدغما اسْما كَانَ أَو فِعْلا وَذَلِكَ قَوْلك فِيمَا كَانَ فعلا إِذا كَانَ على (أَفْعَل) من المضعف أَمَدَّ وأَعَدَّ وأَجَدَّ فِي أَمره وَكَذَلِكَ إِن كَانَ اسْما نَحْو رجل أَلَدَ وَرجل أَغرّ وَهَذَا أَبَرُ من هَذَا وَكَانَ الأَصل " أَبْرَر " فأَسكنت مَوضِع الْعين وأَلقيت حركته على مَا قبله لأَنَّ الَّذِي قبله كَانَ سَاكِنا فلمّا أَسكنته حوّلت حركته لئلاَّ يلتقي ساكنان كَمَا فعلت فِي الْفِعْل المضاعف وَذَوَات الْوَاو والياءِ فِي قَوْلك أَقام وأَراد وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَمَا كَانَ مِنْهُ على (فاعَلَ) فَكَذَلِك نَحْو قَوْلك عَادّ عبد الله زيدا وسارّه ومادّ يَا فَتى أَلا ترى أَنَّك إِذا عنيت بِهِ نَفسك ظهر التَّضْعِيف وَالْوَزْن فَقلت عاددت زيدا وماددته كَمَا كنت تَقول فِيمَا كَانَ على أَفْعَل أَعددت / وأَصممت زيدا وأَجررته رَسَنه فأَما مَا كَانَ من هَذَا على (فَعَّلَ) فإِنَّه لَا تَغْيِير فِيهِ وَذَلِكَ قَوْلك ردَّد عبد الله زيدا وبدّد معيزه وَذَاكَ لأَنَّهم لَو أَلقَوا الْحَرَكَة على مَا قبلهَا لم يخرجهم ذَلِك من إِدغام وَاحِد

(1/202)


وتضعيف آخر فلمّا كَانَت العلَّة وَاحِدَة امْتنع تَحْرِيك الْعين الَّتِي لم تقع فِي الْكَلَام قطّ إِلاَّ سَاكِنة وإِن أَردت بناءَ (انْفَعَلَ) أَدغمت وَكَذَلِكَ (افْتَعَلَ) نَحْو قَوْلك انقدّ وارتد وَمَا كَانَ مثلهمَا وكلّ مَا كَانَ من هَذِه الأَفعال فأَسماؤها مدغمة مثلهَا نَحْو قَوْلك منقدّ ومرتدّ وَكَذَلِكَ رادٌّ ومادٌّ ومَوادّ ومَغارّ فإِن قَالَ قَائِل فهلاَّ أَلقَوْا على الأَلف حَرَكَة مَا بعْدهَا إِذا سكَّنوه قيل لأَنَّ الأَلف مدّة فَمَا فِيهَا عِوَض من الْحَرَكَة على مَا تقدّم بِهِ قَوْلنَا من احتمالها وَاحْتِمَال مَا كَانَ مثلَها الساكنَ المدغم لما فِيهَا من المدّة وَفِيمَا بعْدهَا من الِاعْتِمَاد وَلَو أَلْقَيْت عَلَيْهَا حَرَكَة / لزمك أَن تهمز لأَنَّ الأَلف مَتى تحرّكت صَارَت همزَة وَتقول فِيمَا كَانَ من هَذَا على (اسْتفْعَل) اسْتَردّ واستعدّ مستعدّ وَفِيمَا ذكرنَا من هَذِه الأَفعال دَلِيل موضِّح لما لم نذكرهُ وَمَا كَانَ من الأَربعة فَصَاعِدا على غير مِثَال الْفِعْل فمدغم إِلاَّ أَن يكون مُلْحَقاً وَذَلِكَ نَحْو مُدُقّ فأَمَّا مثل (مَعَدّ) فَلَيْسَ بمسكَّن من شيءٍ وإِنَّما هُوَ فَعَلَ فِي الأَصل ويدلّك على أَنَّ الْمِيم أَصل قَوْلهم تمعددوا

(1/203)


وَفِي وزن مَعَدّ هَبَيّ وهَيَبَّة والشَرّبَّة وَلَو كَانَ (فَعْلَل) لم يجز فِيهِ الادغام لأَنَّه مُلْحق بِجَعْفَر وَمَا أَشبهه وَلذَلِك لم يدغم قَرْدَد ومَهْددونحوهما فَفَعَلّ من فَعْلل بِمَنْزِلَة جُبُنّ من قُعْدُد إِنَّما جُبُنّ فُعُلّ وَلَو كَانَ فُعْلُلا لم يدغم؛ لِأَنَّهُ مُلْحق بجلجل وَكَذَلِكَ (طمر) إِنَّمَا هُوَ فعل فِي الأَصْل؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ فعلل لم يدغم؛ نَحْو قَوْلك: رِمْدِد لأَنَّه مُلْحق بِخَمْخَمَ

(1/204)


وَكَذَلِكَ الأَفعال مَا كَانَ مِنْهَا مُلْحقًا لم يدغم نَحْو قَوْلك جَلْبَبَ يُجَلْبب لأَنَّه مُلْحق بدحرج وَكَذَلِكَ اقْعَنْسَسَ لأَنَّه مُلْحق / بِقَوْلِك احْرَنْجَمَ فالملحقُ يبلغ بِهِ الَّذِي هُوَ ملحَق بِهِ وَمَا كَانَ على غير ذَلِك فقد أَوضحته لَك فِي الثَّلَاثَة وَمَا فَوْقهَا فِي العدّة

(1/205)


(هَذَا بَاب الْإِدْغَام فِي المثلين فِي الِانْفِصَال)
اعْلَم أَنَّه إِذا التقى حرفان من كَلِمَتَيْنِ وَقبل الأَوّل مِنْهُمَا حرف متحرّك فإِنَّ الإِدغام وَتَركه جائزان فإِن أَردت الْإِدْغَام أَسكنت الأَوّل وإِنَّما تفعل ذَلِك اسْتِخْفَافًا لترفع لسَانك رَفْعَةً وَاحِدَة كلَّما كثرت الحركات فِي الْكَلِمَتَيْنِ ازْدَادَ الإِدغام حسنا وَذَلِكَ قَوْلك جعلَّك وإِن شِئْت قلت جعل لَك وإِنَّما كَانَ ترك الإِدغام جَائِزا فِي المنفصلين وَلم يجز فِيمَا سواهُمَا ممّا ذكرت لَك لأَنَّ الْكَلِمَة الثَّانِيَة لَا تلْزم الأُولى وإِنَّما وَجب فِي المتَّصلين للُزُوم الحرفين وَكَذَلِكَ تَقول قَدِ مُّحَمّد وقدِم / محمّد و {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبّ الدّيْن} هَذَا على مَا وصفت لَك

(1/206)


(هَذَا بَاب الادغام فِي المقاربة وَمَا يجوز مِنْهُ وَمَا يمْتَنع)
ونبدأُ بحروف الْحلْق أَمَّا الْهمزَة والأَلف فقد قُلْنَا فيهمَا وأَمّا الهاءُ فتدغم فِي الحاءِ نَحْو قَوْلك اجْبَحَّميدا {تُرِيدُ اجبه حميدا} لأَنَّهما متقاربتان وَلَيْسَ بَينهمَا إِلاَّ أَنَّ الحاءَ من وسط الْحلق والهاءَ من أَوّله وهما مهموستان رِخْوتان وَلَا تُدْغَم الحاءُ فِي الهاءِ لأَنَّ الحاءَ أَقرب إِلى اللِّسَان ولأَنَّ حُرُوف الْحلق لَيست بأَصل للإِدغام لبعدها من مخرج الْحُرُوف وقلَّتها وَلَكِن إِن شِئْت قلبت الهاءَ حاءً إِذا كَانَت بعد الحاءِ وأَدغمت ليَكُون الإِدغام فِيمَا قرب من الْفَم وَذَلِكَ قَوْلك أَصْلِحَّيْثَما تُرِيدُ أَصْلِحْ هَيْثما فأَمّا أَن تدعها من غير أَن تقلبها فَلَا وَكَذَلِكَ الْعين لَا تُدْغَم فِي الهاءِ وَلَا تُدْغَم الهاءُ فِيهَا فأَمّا ترك إِدغامها فِي الهاءِ فلقرب الْعين من الْفَم

(1/207)


وأَمّا ترك إِدغام الهاءِ فِيهَا فلمخالفتها إِيّاها فِي الهمْس / والرخاوة وَقد تقدّم قَوْلنَا فِي ذَلِك فإِن قلبت الْعين حاءً لقرب الْعين من الحاءِ جَازَ الإِدغام وَذَلِكَ قَوْلك محُّم تُرِيدُ مَعَهم وَهِي كَثِيرَة فِي كَلَام بني تَمِيم وَكَذَلِكَ الْعين والحاءُ إِذا أَدغمت وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي الأُخرى فقلبت {الْعين حاءً} جَازَ تَقول أَصْلِحاً مِرا تُرِيدُ أَصْلِحْ عَامِرًا وَكَذَلِكَ ادْفَحَّا تِما تُرِيدُ ادْفَعْ حاتما أَدغمت الْعين فِي الحاءِ وَهَذَا حسن فأَمّا قلب الْعين إِلى الحاءِ إِذا كَانَت بعْدهَا فَهُوَ جَائِز وَلَيْسَ فِي حسن هَذَا لأَن حقّ الإِدغام أَن يدغم الأَوّل فِي الثَّانِي ويحوّل على لَفظه والمخرج الثَّالِث من الْحلق مخرج الْغَيْن والخاءِ وإِدغام كلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي أُختها جيّد وإِدغام الْعين والحاءِ فيهمَا يجوز فِي قَول بعض النَّاس وَلم يذكر ذَلِك سِيبَوَيْهٍ ولكنَّه مُسْتَقِيم فِي اللُّغَة معروفٌ جَائِز فِي الْقيَاس لأَنَّ الْغَيْن والخاءَ أَدنى حُرُوف الْحلق إِلى الْفَم فإِذا كَانَت الهاءُ تُدْغَم فِي الحاءِ والهاءُ من الْمخْرج الأَوّل / من الْحلق والحاءُ من الثَّانِي وَلَيْسَ حُرُوف الْحلق بأَصل للإِدغام فالمخرج الثَّالِث أَحرى أَن يدغم فِيمَا كَانَ مَعَه فِي الْحلق وَهُوَ متَّصل بحروف الْفَم كَمَا تُدْغَم الباءُ فِي الفاءِ والباءُ من الشّفة مَحْضَة والفاءُ من الشّفة السُّفْلى وأَطراف الثنايا الْعليا تَقول اذْهَفِّي ذَلِك تُرِيدُ اذْهَبْ فِي ذَلِك واضْر فَّرَجا تُرِيدُ اضربْ فَرَجا لقرب الفاءِ من حُرُوف الْفَم فَكَذَلِك تَقول امْدَغَّالِبا تُرِيدُ امدَحْ غَالبا وامدَخَّلَفا تُرِيدُ امدح خلَفا

(1/208)


وَكَذَلِكَ الْعين نَحْو اسْمَخَّلَفا تُرِيدُ اسمعْ خَلَفا واسْمَغَّالِبا تُرِيدُ اسْمَعْ غَالباً وسيبويه يأْبى هَذَا لتراخي بَينهمَا وأَنَّ الْغَيْن والخاءَ أَقرب إِلى الْفَم فِي الْمخْرج مِنْهُمَا إِليه وأَمّا مَا لَا اختلافَ فِيهِ فإِنَّك تُدْغَم الْغَيْن فِي الخاءِ لاشْتِرَاكهمَا فِي الرخاوة وأَنَّه لَيْسَ بَينهمَا إِلاَّ الهمس والجهر فَتَقول فِي قَوْلك اصبغْ خلفا اصبخَّلفا وَهُوَ أَحسن من الْبَيَان وَكَذَلِكَ / ادْمَخَّالدا تُرِيدُ ادْمغْ خَالِدا وَالْبَيَان جَائِز حسن وتدغم الخاءُ فِي الْغَيْن فَنَقُول اسلَغَّنَمَك تُرِيدُ اسلَخ غَنمك وَالْبَيَان أَحسن لأَنَّ الْغَيْن مجهورة والتقاءُ المهموسين أَخفُّ من التقاءِ المجهورين وكلٌّ جَائِز حسن ويحتجّ سِيبَوَيْهٍ بأَنَّه قد يجوز لَك أَن تخفي النُّون مَعَهُمَا كَمَا تفعل بهَا مَعَ حُرُوف الْفَم وَذَلِكَ قَوْلك مُنْغُل ومُنْخُل لأَنَّهما وإِن قربتا من الْفَم فأَصلهما الْحلق ثمّ نذْكر حُرُوف الْفَم وَهِي حَيِّز على حدَة تُدْغَم الْقَاف فِي الْكَاف وَالْقَاف أَدنى حُرُوف الْفَم إِلى الْحلق وَالْكَاف تَلِيهَا وَذَلِكَ قَوْلك الحكِّلدة تُرِيدُ الحقْ كِلْدة فتدغم لقرب المخرجين والإِدغام أَحسن لأَنَّ الْكَاف أَدنى إِلى سَائِر حُرُوف الْفَم من الْقَاف وَهِي مهموسة وَالْبَيَان أَحسن وتدغم الْكَاف فِيهَا وَالْبَيَان أَحسن لأَنَّ الْقَاف أَدنى إِلى حُرُوف الْحلق وَهُوَ قَوْلك انْهَقَّطَنا تُرِيدُ انهكْ قطنا والإِدغام أَحسن

(1/209)


/ ثمّ نذْكر الشين وأُختيها الْجِيم والياءَ اعْلَم أَنَّ الياءَ لَا تُدْغَم فِي الْجِيم وَلَا فِي الشين لأَنَّها حرف لين وحروف اللين تمْتَنع من الإِدغام لعلل مِنْهَا أَنَّ الأَلف الَّتِي هِيَ أَمكن حُرُوف اللين لَا تُدْغَم فِي شيءٍ وَلَا يدغم فِيهَا شيءٌ لأَنَّها لَا تكون إِلاَّ سَاكِنة وَفِي الياءِ وَالْوَاو الشَبه بهَا فَيجب أَن تمتنعا كامتناعها وَبعد هَذَا فإِنَّ حُرُوف المدّ واللين لَا يلائمها فِي القوافي غَيرهَا أَلا ترى أَنَّك تَقول عَمْرو وبَكْر وَمَا أَشبه ذَلِك فِي القوافي فتعادل الْحُرُوف بعضُها بَعْضًا وَلَو وَقعت وَاو أَو ياءٌ بحذاءٍ حرف من هَذِه الْحُرُوف نَحْو جَوْر أَو خَيْر مَعَ بكر وَنصر لم يجز وَكَذَلِكَ تكون القافية على سعيد وقعود وَلَو وَقع مَكَان الياءِ وَالْوَاو غَيرهمَا لم يصلح فَهَذِهِ علل لَازِمَة وَمِنْهَا أَنَّ فِي الياءِ وَالْوَاو مَدّاوليناً فَلَو أَدغمت الياءَ فِي الشين أَو الْجِيم أَو أَدغمت / الْوَاو فِي الباءِ وَالْمِيم لذهب مَا كَانَ فيهمَا من المدّ واللين وَهِي حُرُوف بَائِنَة من جَمِيع الْحُرُوف لأَنَّها لَا يمدّ صَوت إِلاَّ بهَا والإِعراب مِنْهَا وتحذف لالتقاءِ الساكنين فِي الْمَوَاضِع الَّتِي تحرّك فِيهَا غَيرهَا نَحْو قَوْلك هَذَا الْغُلَام وأَنت تغزو الْقَوْم وَتَرْمِي الْغُلَام وَلَو كَانَ غَيرهَا من السواكن لحرِّك لالتقاءِ الساكنين نَحْو اضربِ الْغُلَام وقلِ الْحق

(1/210)


وَلَا تُدْغَم الشين وَلَا الْجِيم فيهمَا لئَّلا يدْخل فِي حُرُوف المدّ مَا لَيْسَ بمدّ فالياءُ بَائِنَة مِنْهُمَا للمدّ واللين الَّذِي فيهمَا فَهِيَ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَة حرف بعيد الْمخْرج من مخرجهما وإِن كَانَت من ذَلِك الْموضع كَمَا أَنَّها والواوَ بِمَنْزِلَة مَا تدانت مخارجُه وإِن كَانَت بعيدةَ الْمخْرج مِنْهَا وَذَلِكَ لما يجمعهما من المدّ واللين وَالْكَثْرَة فِي الْكَلَام لأَنَّه لَيْسَ كلمة تَخْلُو مِنْهُمَا وَمن الأَلف أَو من بَعضهنَّ وبعضُهنّ حركاتُهنّ فحروف المدّ حيّزٌ على حِدة أَلا ترى أَنَّك تذكرهنّ فِي مَوَاضِع الحركات فيَدْلُلْن من الإِعراب على / مَا تدلّ عَلَيْهِ الحركات نَحْو مسلمِين ومسلمون ورجلُين ورجلان وَكَذَلِكَ أَخوك وأَخاك وأَخيك ويبدل بَعضهنَّ من بعض وَلَيْسَ هَكَذَا شيءٌ من الْحُرُوف تَقول مِيْزان ومِيعاد فتقلب الْوَاو يَاء وَتقول مُوسِر ومُوقن فتقلب الياءَ واوا ورمَى وغزا إِنما هِيَ وَاو غزوت وياءُ رميت وَكَذَلِكَ مَا أشِبه هَذَا وَالْجِيم تُدْغَم فِي الشين لقرب المخرجين وَذَلِكَ قَوْلك أَخْرِشَّبئا تُرِيدُ أَخْرج شبئا والإِدغام حسن وَالْبَيَان حسن وَلَا تُدْغَم الشين فِي الْجِيم البتّة لأَنَّ الشين من حُرُوف التفشِّي فلهَا استطالة من مخرجها حتَّى تتَّصل بمخرج الطاءِ والإِدغام لَا يبخس الْحُرُوف وَلَا ينقصها افرش جبلة تظهر وتخفي وَلَا تُدْغَم والإِخفاءُ فِي وزن المتحرّك إِلاَّ أَنه خفض صَوت وإِنما يحكمها المشافهة نَحْو قَوْلك أَراك متعقِّفا إِنَّما هُوَ كالاختلاس

(1/211)


فَهَذِهِ حَالَة الشين مَعَ الْجِيم / وَلها أَخوات نصل ذكرهَا بهَا يدغم فيهنّ مَا جاورهنّ وَلَا يدغمْن فِي شيءٍ من تِلْكَ الْحُرُوف مِنْهَا الضَّاد وَالْمِيم والفاءُ والراءُ تُدْغَم الطاءُ وأُختاها فِي الضَّاد وَلَا تُدْغَم الضَّاد فِي شيءٍ مِنْهَا لانحرافها والباءُ وَالنُّون تدغمان فِي الْمِيم وَلَا تُدْغَم الْمِيم فِي وَاحِدَة مِنْهُمَا وتدغم الباءُ فِي الفاءِ وَلَا تُدْغَم الفاءُ فِيهَا وتدغم اللَّام وَالنُّون فِي الراءِ وَلَا تُدْغَم الراءُ فِي وَاحِدَة مِنْهُمَا لأَنَّ فِيهَا تَكْرَارا فَيذْهب ذَلِك التكرير

(1/212)


أَلا ترى أَنك تَقول فِي الْوَقْف هَذَا عمْرو فينبو اللسانُ نَبْوَةً ثمّ يعود إِلى مَوْضِعه وإِذا تفطَّنت لذَلِك وجدته بيّنا وإِذا صرنا إِلى مَوضِع هَذِه الْحُرُوف ذكرنَا العلَّة فِي ذَلِك إِن شاءَ الله ثمّ نذْكر الْحَرْف المنحرف وَهُوَ أَكثر فِي الْكَلَام من غَيره وَله اتِّصَال بأَكثر الْحُرُوف وَهُوَ اللَّام ومخرجه من حرف اللِّسَان متَّصلا بِمَا يحاذيه من الضاحك والثنايا والرباعيات وَهُوَ يدغم إِذا كَانَ للمعرفة / فِي ثَلَاثَة عشر حرفا لَا يجوز فِي اللَّام معهنّ إِلاَّ الإِدغام فَمِنْهَا أَحد عشر حرفا تجَاوز اللَّام وحرفان يتصَّلان بهَا وإِنَّما كَانَ ذَلِك لَازِما فِي لَام الْمعرفَة لعلَّتين إِحداهما كَثْرَة لَام الْمعرفَة وأَنَّه لَا يعرى منكور مِنْهَا إِذا أَردت تعريفة والأُخرى أَنَّ هَذِه اللَّام لَازم لَهَا السّكُون فَلَيْسَتْ بِمَنْزِلَة مَا يتحرّك فِي بعض الْمَوَاضِع فإِن كَانَت اللَّام غير لَام الْمعرفَة جَازَ إِدغامها فِي جَمِيع ذَلِك وَكَانَ فِي بعض أَحسن مِنْهُ فِي بعض وَنحن ذاكروها مستقصاة إِن شاءَ الله فَهَذِهِ الْحُرُوف مِنْهَا أَحد عشر حرفا مجاورة للام وَهِي الراءُ وَالنُّون والطاءُ وأُختاها الدَّال والتاءُ والظاءُ وأُختاها الذَّال والثاءُ وَالزَّاي {وأُختاها الصَّاد وَالسِّين}

(1/213)


والحرفان اللَّذَان يبعدان من مخرجها ويتَّصلان بهَا فِي التفشِّي الَّذِي فيهمَا الشين وَالضَّاد فأَمّا الشين فَتخرج من وسط / اللِّسَان من مخرج الْمِيم والياءِ ثمّ تتفشَّى حتَّى تتَّصل بمخرج اللَّام فلام الْمعرفَة مدغمة فِي هَذِه الْحُرُوف لَا يجوز إِلاَّ ذَلِك لكثرتها ولزومها نَحْو التَّمْر وَالرَّسُول والطرفاءَ والنمر فكلّ هَذِه الْحُرُوف فِي هَذَا سواءٌ فإِن كَانَ اللَّام لغير الْمعرفَة جَازَ الإِدغام والإِظهار والإِدغام فِي بعض أَحسن مِنْهُ فِي بعض إِذا قلت هَل رأَيت زيدا وَجعل رَاشد جَازَ أَن تسكَّن فَتَقول جَعَرّا شِد كَمَا تسكّن فِي المثلين والإِدغام هَهُنَا أَحسن إِذا كَانَ الأَوّل سَاكِنا فإِن كَانَ متحرّكا اعتدل الْبَيَان والإِدغام فإِن قلت هَل طرَفك أَو هَل دَفعك أَو هَل تَم لَك فالإِدغام حسن وَالْبَيَان حسن وَهُوَ عِنْدِي أَحسن لتراخي المخرجين وقرأَ أَبو عَمْرو {بَتُّؤثِرُوْن} َ فأَدغم {هَثُّوِّبَ الكُفَّارُ} / والإِدغام فِي الضَّاد والشين أَبْعَد لما ذكرت لَك من تراخي مخارجها وَهُوَ جَائِز وَهُوَ فِي النُّون قَبِيح نَحْو هَنَّرَي هَنَّحْن إِذا أَردت هَل نرى وَهل نَحن وَذَلِكَ لأَنَّ النُّون تُدْغَم فِي خَمْسَة أَحرف لَيْسَ منهنّ شيءٌ يدغم فِيهَا وَاللَّام أَحد تِلْكَ الْحُرُوف فاستوحشوا من إِدغامها فِيهَا إِذ كَانَت النُّون لَا يدغم فِيهَا غَيرهَا وَهُوَ جَائِز على قبحه وإِنَّما جَازَ لقرب المخرجين

(1/214)


فإِن كَانَت الْحُرُوف غير هَذِه فتباعدت عَن مخرجها لم يحز الإِدغام نَحْو قَوْلك الْكَرم الْقَوْم الْعين الْهَادِي وَكَذَلِكَ حُرُوف الشّفة وَمَا اتَّصل بهَا نَحْو الفرَج والمثل والبأْس والوعد فَهَذَا سَبِيل اللَّام وأَمّا النُّون فإِنَّ لَهَا مخرجين كَمَا وصفت لَك مخرج الساكنة من الخياشيم مَحْضا لَا يَشْرَكها فِي ذَلِك الْموضع شيءٌ بِكَمَالِهِ ولكنّ النُّون المتحرّكة ومخرجها ممّا يَلِي مخرج الراءِ / وَاللَّام وَالْمِيم مخرجها من الشّفة تتناولان الخياشيم بِمَا فِيهَا من الغُنَّة وللنونات أَحكام نذكرها ثمّ نعود إِلى سَائِر الْحُرُوف اعْلَم أَنَّ النُّون إِذا وَليهَا حرف من حُرُوف الْفَم فإِنَّ مخرجها مَعَه من الخياشيم لَا يصلح غير ذَلِك وَذَلِكَ لأَنَّهم كَرهُوا أَن يجاوروا بهَا مَالا يُمكن أَن يدغم مَعَه إِذا وجدوا عَن ذَلِك مندوحة وَكَانَ العِلْم بهَا أَنَّها نون كالعِلْم بهَا وَهِي من الْفَم وَذَلِكَ قَوْلك مَن قَالَ ومَن جاءَ وَلَا تَقول مَنْ قَالَ ومَنْ جاءَ فتبيّن وَكَذَلِكَ مَن سُلَيْمَان {ويل يَوْمئِذٍ للمكذبين} وَلَا تَقول مَنْ سُلَيْمَان وَلَا {ويل يَوْمئِذٍ للمكذبين} فتبيّن فإِن كَانَ مَعهَا حرف من حُرُوف الْحلق أُمِنَ عَلَيْهَا الْقلب فَكَانَ مخرجها من الْفَم لَا من الخياشيم

(1/215)


لتباعد مَا بَينهمَا وَذَلِكَ قَوْلك مَنْ هُوَ فتظهر مَعَ الهاءِ وَكَذَلِكَ مَنْ حَاتِم / وَلَا تَقول مَنْ حَاتِم فتخفى وَكَذَلِكَ مَنْ عليّ وأَجود القراءَتين {أَلا يعلم من خلق} فتبيّن وإِنَّما قلت أَجود القراءَتين لأَنَّ قوما يجيزون إِخفاءَها مَعَ الخاءِ والغين خاصّة لأَنَّهما أَقرب حُرُوف الْحلق إِلى الْفَم فَيَقُولُونَ مُنْخُل ومُنْغُل وَهَذَا عِنْدِي لَا يجوز وَلَا يكون أَبدا مَعَ حُرُوف الْحلق إِلاَّ الإِظهار فأَمَّا حجّة سِيبَوَيْهٍ فِي أَنَّها تخرج مَعَ حُرُوف الْفَم إِلى الخياشيم فإِنَّما ذَلِك عِنْده لأَنَّها إِن أَدغمت مَعَ مَا تخفى مَعَه لم يستنكر ذَلِك وَلَا يصلح الإِدغام لتباعد المخارج فلمّا وجدوا عَن ذَلِك مندوحة صَارُوا إِليها وأَنا أَرى تَقْوِيَة لهَذَا القَوْل أَنَّ امتناعهم من تبيينها مَعَ حُرُوف تتفرّق فِي الْفَم ويتباعد بعضُها من بعض فكرهوا أَن يبيّنوها فِي حَيِّز مَا يدغم فِي نَظِيره أَلا تَرى أَنَّها تُدْغَم فِي الْمِيم فِي قَوْلك مّمثلك وتقلب مَعَ الباءِ ميما إِذا كَانَت سَاكِنة وَذَلِكَ عَمْبَرٌ وشَمْباءُ ومِمْبَر فَهِيَ فِي كلّ هَذَا مِيم فِي اللَّفْظ

(1/216)


وتدغم فِي اللَّام والراءِ نَحْو مَن رَّأَيْت وَمن لّك فَهَذَا مخرج آخر وتدغم فِي الْوَاو نَحْو مَنْ ولَّى إِذا قلت موّلَّى فَهَذَا مخرج الْمِيم والباءِ وتدغم فِي الياءِ نَحْو منْ يُرِيد وَمن يقوم فلمّا كَانَت تُدْغَم فِي حُرُوف بأَعينها من جَمِيع المخارج استنكر إِظهارها مَعَ مَا جاور هَذِه الْحُرُوف وَسَنذكر بعقب هَذَا من أَين جَازَ إِدغامها فِي هَذِه الْحُرُوف على تبَاعد بَعْضهَا من بعض إِن شاءَ الله أَمّا إِدغامها فِي اللَّام والراءِ فلأَنَّ مخرجها بَينهمَا تَقول أَشهد أَنَّ محمَدا رَّسول الله وأَحْسِرَّأْيك تُرِيدُ أَحسن رأْيك ومحَمّد لَّك وإِدغامها فيهمَا على وَجْهَيْن بغُنَّة وَبِغير غُنَّة وإِظهار الغنَّة أَحسن لئَّلا تبطل وإِن شِئْت أَذهبت الغنَّة كَمَا تخلص مَا تدغمه فِي لفظ الْحَرْف الَّذِي يدغم فِيهِ وأَمَّا إِدغامها فِي الْمِيم وإِن خرجت من الشّفة فَهِيَ تجاورها لما فِي الْمِيم من الغُنَّة وتشاركها / فِي الخياشيم وَالنُّون تسمع كالميم وَكَذَلِكَ الْمِيم كالنون وتقعان فِي القوافي المُكْفَأَة فَتكون إِحدى القافيتين نونا والأُخرى ميما فَلَا يكون عَيْبا كَمَا قَالَ
(بُنَيّ إِنَّ البِرّ شيءٌ هَيِّنُ ... المنطقُ الليّنُ والطُّعَيِّمُ)

(1/217)


وَقَالَ آخر
(مَا تنقِم الحربُ العَوانُ منِّي ... بازِلَ عَاميْنِ حديثَسِن)

(لمثْل هَذَا ولَدَتني أُمّي)
وَقَالَ الآخر
(يطعَنها بخَنْجَرٍ من لَحْمِ ... بَيْنَ الذُّنابَى فِي مكانٍ سخْنِ)
وَلَا يصلُح مِثْلُ هَذَا إِلاَّ فِي حُرُوف مُتَقَارِبَة المخارج لأَنَّ القوافي نسق وَاحِد فالمتقارب يلْحق مَا كَانَ من لَفظه وَذَلِكَ قَوْله
(إِذا ركِبتُ فاجعلاني وَسَطا ... إِنِّي كَبيرٌ لَا أُطِيقُ العُنُدا)
وَلَا تُدْغَم الْمِيم فِيهَا لأَنَّ الْمِيم تنفرد بالشفة وإِنَّما تُشرب غُنَّة من الخياشيم فالميم دَاخِلَة عَلَيْهَا وَهِي بَائِنَة من الْمِيم والراءُ لَا تُدْغَم فِيهَا وَلَا شيءَ ممّا تُدْغَم فِيهِ / يدغم فِيهَا إِلاَّ اللامُ وَذَلِكَ قَبِيح وَقد ذكرته لَك وأَمّا قَلبهَا ميما مَعَ الباءِ فلأَنَّ الْكَلَام لَا يَقع فِي شيءٍ مِنْهُ مِيم سَاكِنة قبْلَ الباءِ فأَمِنوا

(1/218)


الالتباس وقلبوها ميما لشبهها الميمَ فِي الغنَّة ليَكُون الْعَمَل من وَجه وَاحِد فِي تقريب الْحَرْف إِلى الباءِ وأَمّا إِدغامها فِي الْوَاو فلعلل غير وَاحِدَة مِنْهَا مضارعةُ النُّون للياءِ وَالْوَاو لأَنَّها تزاد فِي مَوضِع زيادتها فتزاد ثَانِيَة وثالثةَ ورابعة فأَمّا زيادتها ثَانِيَة فنحو عَنْسل وعَنْبس لأَنَّ من العُسول والعُبوس وجُنْدَب وعُنْظَب وَجَمِيع مَا كَانَ على هَذَا الْوَزْن وَهَذَا مَوضِع زِيَادَة حُرُوف اللين نَحْو كَوْثَر وبيطر وتابل وضارب وَمَا أَشبه ذَلِك وتزاد ثَالِثَة فِي حَبْنَطّي وجَحَنْفَل وَهُوَ مَوضِع زِيَادَة الأَلف فِي قبائل / وحُبارَى وَالْوَاو فِي جَدْول وعجوز والياءِ فِي عِثْيَر وقضيب وَكَذَلِكَ {تزاد} النُّون رَابِعَة فِي رَعْشَن وضَيْفَن بحذاءِ الْوَاو والياءِ والأَلف فِي مثل قَوْلك سلْقَيْت وحبلى وَترْقُوة وَعرْقوة وَهَذَا أَكثر من أَن يُحْصى وَتَكون النُّون عَلامَة إِعراب فِي مثل قَوْلك يفْعَلَانِ والتنوين الَّذِي يدْخل الأَسماءَ وَالنُّون الثَّقِيلَة والخفيفة فِي الأَفعال وتبدل من الأَلف وتبدل الأَلف مِنْهَا تَقول رأَيت زيدا يَا فَتى فإِذا وقفت قلت رأَيت زيدا وأَمّا بدَلها من الأَلف فقولك فِي بهراءَ بهرانيّ وَفِي صنعاءَ صنعانيّ

(1/219)


وَكَذَلِكَ فَعْلان الَّذِي لَهُ فَعْلى إِنَّما نونه بدل من الأَلف الَّتِي هِيَ آخر حمراءَ وَقد مضى تَفْسِير هَذَا فِي الْكتاب فَهِيَ تصرّف مَعهَا فِي الزِّيَادَات والعلامات وَقد أُدغمت فِيمَا جاورها فِي الْمخْرج فأَشبهتها / لفظا وَمعنى وَكَذَلِكَ الياءُ فِي بَاب الزِّيَادَات والشبه وَمَعَ ذَلِك فإِنَّ النُّون تُدْغَم فِي الراءِ والياءِ على طَرِيق الراءِ وإِن بَعُد مخرجها مِنْهَا وَكَذَلِكَ اللَّام على طريقها أَلا ترى أَنَّ الأَلثغ بالراءِ يَجْعَلهَا يَاء وَكَذَلِكَ الأَلثغ بِاللَّامِ لأَنَّ هَذِه الحروفَ بعضُها يَقع على سنَن بعض وبعضٌ ينحرف عَن ذَلِك السنَن فأُدغمت فِي الياءِ لذَلِك فإِذا كَانَت فِي كلمة وَاحِدَة مَعَ ياءٍ أَو وَاو أَو مِيم ظَهرت لئلاَّ يلتبس بالمضاعف من غَيره نَحْو كنية وزَنْماءَ وقَنْواء وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَنَّ النُّون إِنَّما أُدغمت فِي الْوَاو لأَنَّ الْوَاو من مَوضِع تعتلّ فِيهِ النُّون لأَنَّ الْوَاو وَالْمِيم من الشّفة وَلذَلِك تقلب النُّون الساكنة مَعَ الباءِ ميما لتعتلّ مَعَ الباءِ كَمَا اعتلَّت مَعَ ماهو من مخرجها وَلم تدغمها فِيهَا / لأَنَّها لَا تجانسها ولأَنَّ الياءَ لَا يدغم فِيهَا مَا هُوَ من مخرجها - لتصرّف الْمِيم وَالْوَاو وَذَلِكَ قَوْلك العَنْبَر والشَنْبَاءُ يَا فَتى وممّن أَنت وأُمن الالتباس لأَنَّه لَيْسَ فِي الْكَلَام مِيم سَاكِنة قبل ياءٍ وأَدغم النُّون فِي الياءِ لأَنَّ الياءَ وَالْوَاو عِنْده بِمَنْزِلَة مَا تقاربت مخارجه أَلا ترى أَنَّهما إِذا التقتا والأُولى سَاكِنة لزم الإِدغام نَحْو سيّد وأَيّام ولويت يَده لَيَّا وشويته شَيّا وَهَذَا يبيّن بعد فراغنا من أَمر النُّون إِن شاءَ الله

(1/220)


النُّون تُدْغَم فِي خَمْسَة أَحرف الراءِ وَاللَّام والياءِ وَالْوَاو وَالْمِيم وتقلب مَعَ الباءِ كَمَا وصفت لَك وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَنَّها مَعَ مَا تُدْغَم فِيهِ مخرجها من الْفَم لَا من الخياشيم لأَنَّها لَو كَانَت تُدْغَم فِي حُرُوف الْفَم وَهِي من الخياشيم مَعَ تبَاعد مَا بَينهمَا لجَاز أَن يدغم الأَبعد فِي الأَبعد وَهَذَا نقض الْبَاب وَالْخُرُوج من الْمَعْقُول وَالْقَوْل عِنْدِي كَمَا قَالَ / فِي جَمِيع هَذِه الحروفَ إِلاّ حُرُوف الشّفة فإِنَّ النُّون لَو كَانَت من مخرج الراءِ وَاللَّام لبعُدت من الْمِيم ولكنّ مخرجها مَعَ الْمِيم من الخياشيم لأَنَّ الْمِيم تخرج من الشّفة وَتصير إِلى الخياشيم للغُنَّة الَّتِي فِيهَا فتدغم فِيهَا الْمِيم لتِلْك الْمُجَاورَة فَهَذِهِ قصّة النُّون وَاعْلَم أَنَّ الياءَ وَالْوَاو بِمَنْزِلَة مَا تدانت مخارجه وَذَلِكَ لأَنَّهما مشتركتان فِي المدّ واللين وأَنَّهما يخرجَانِ جَمِيعًا مِنْهُمَا إِذا تحرّكتا وَكَانَ قبل كلّ وَاحِد مِنْهُمَا فَتْحة وَالْوَاو تخرج من الشّفة ثمّ تهوِي فِي الْفَم حتَّى تَنْقَطِع عِنْد مخرج الأَلف والياءُ تخرج من وسط اللِّسَان من مخرج الشين وَالْجِيم حتَّى تَنْقَطِع عِنْد مخرج الأَلف فهما متجاورتان فإِذا التقتا فِي كلمة والأُولى مِنْهُمَا سَاكِنة أَدغمت إِحداهما فِي الأُخرى فَمَا كَانَت الأُولى واوا وَالثَّانيَِة يَاء هُوَ نَحْو قَوْلك لويت يَده ليّة وشويته شَيَّا وأَصله لَوْية / وشَوْيا وإِن كَانَت الثَّانِيَة واوا قلبتها يَاء ثمّ أَدغمت الياءَ فِيهَا لأَنَّ الْوَاو تقلب إِلى الياءِ وَلَا

(1/221)


تقلب الياءُ إِليها لأَنَّ الْوَاو من الشّفة وَلَيْسَت من مجمع الْحُرُوف وإِنَّما الإِدغام نقلُ الأَثقل إِلى الأَخف والياءُ من مَوضِع الْحُرُوف وَذَلِكَ قَوْلك أَيّام فِي جمع يَوْم وإِنَّما الأَصل أَيْوام وَمثله سيّد وميّت وأَصلهما سَيْوِد ومَيْوِت وَكَذَلِكَ قَيَّام وقَيُّومُ إِنَّما هُوَ فَيْعَال وفَيْعُول وَاعْلَم أَنَّ مثل سيّد وميّت يجوز فِيهِ التَّخْفِيف فَتَقول سَيْد ومَيْت لأَنَّه اجْتمع تثقيل الياءِ والكسرة فحذفوا لذَلِك وَقَالُوا ميْت وهيْن ولَيْن وَقد فسّرنا حَال (فَيْعَلُول) من هَذَا فِيمَا تقدم نَحْو كَيْنُونة وقَيْدُود وَذكرنَا مَا يكون بَدَلا من الأَلف أَو غَيرهَا فَلَا يجوز إِدغامه نَحْو سُوِيْر وقُوْوِل وَزعم الْخَلِيل أَنَّ (يَوْمَ) كأَنَّه من " يُمْتُ " وَكَذَا يجب أَن يكون لَو كَانَ فِعْلا لأَنَّ ذَوَات الْوَاو إِذا كَانَت (فَعَلْت) فَهِيَ منقولة إِلى (فَعُلْت) مثل القَوْل والحوْل وَلَكِن اجْتمع فِيهَا حرفا علَّة وَكَانَ يجب أَن يقعا فِي (يفْعَل) ضمّة مَعَ ياءٍ وواو وَتَكون / الضمة فِي الياءِ وَهَذَا كلُّه مطَّرح من الْكَلَام فَلذَلِك لم يكن مِنْهَا فِعْل كَمَا لم يكن فِي ويل وويْح ووَيْس ووَيْب وَمَعْنَاهَا المصادر لما يجْتَمع فِيهَا من العلَّة وَلَا يكون فِعْل فِي مثل آءَة لأَنَّها حُرُوف كلُّها معتلّ لأَنَّ الأَلف من حُرُوف العلَّة وَكَذَلِكَ الهمزتان وَمثل ذَلِك (أَوّل) لأَنَّ الفاءَ وَالْعين واوان وَمَعْنَاهُ أَفْعَل أَلا ترى أَنَّك تَقول هُوَ أَوّل مِنْهُ والأَوّل والأُولى فَهَذِهِ أَشياءُ لَهَا مواقع من الْفِعْل وَكَانَ يجب فِي (أَفْعل) أَن يكون أَصله الفِعْل كَقَوْلِك

(1/222)


هُوَ أَفضل من زيد إِنَّما مَعْنَاهُ يحسن فَوق حُسْن زيد فَكَذَلِك كَانَ يجب فِي (أَوّل) لَوْلَا مَا ذكرت لَك وَقَالَ الْخَلِيل لَو قلت (أَفْعَلْت) من الْيَوْم على قَول من قَالَ أَجْوَدت وأَطْيَبت لَقلت أَيّمت وَهَذَا لَا اختلافَ فِيهِ لأَنَّه كَانَ أَومت فلزمك الإِدغام لسكون الياءِ كَمَا قلت أَيّام وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَكَانَ يَقُول - وَهُوَ الَّذِي يُخَالِفهُ فِيهِ كثير من النحويّين - لَو قلت أُفْعِلَ من الْيَوْم لَقلت / أَووِم فقلبت الياءَ واوا لانضمام مَا قبلهَا كَمَا تَقول أُوقِن من أَيقنت وَلَا تُدْغَم لأَنَّ الأُولى حرف لين لأَنَّها منقلبة كانقلاب وَاو سُويِر وإِن كَانَت أَصلية أَلا ترى إِلى قَوْلك أُوقِنَ وبُوطِرَ من البيطرة لأَنَّا لمّا قلبنا ذَلِك جرى مجْرى الزَّائِد وَكَانَ يرى الملحق والأَصليّ إِذا كَانَ منقلبا كحروف اللين لَا يفصل بَين بعض ذَلِك وَبَعض والنحويّون أَجمعون على خِلَافه يَقُولُونَ فِي (أُفْعِلَ) من الْيَوْم أُيِّمَ لأَنَّ الْعين تلْزم الفاءَ كلزوم الْعَينَيْنِ إِحداهما فِي الأُخرى فِي قُوِّل وبُيِّع ويصرفون هَذَا على هَذَا فأَمَّا ظلمُوا واقِدا فَلَا يلْزم الْخَلِيل لأَنَّ الْوَاو قبلهَا ضمّة وَهِي بِمَنْزِلَة الأَلف فِي ظلما لأَنَّها تحلّ من الْجمع محلّ الأَلف من التَّثْنِيَة فيضارع سُويِرَ من سَايرَ فإِن قَالَ قَائِل فأَنت تطرح عَلَيْهَا حَرَكَة الْهمزَة إِذا خفّقت فَتَقول ظلموَ اخاك فإِن كَانَ حرف لين فَلَا يَنْبَغِي أَنْ / تُحَوَّل عَلَيْهَا الْحَرَكَة كَمَا لَا تحوّلها فِي النَّبِىء وخطيئة وبريئة

(1/223)


قيل هَذَا لَا يلْزم لأَنَّها حرف لين فِي اللَّفْظ وَدخلت الْمَعْنى فَلَيْسَتْ كَمَا لَا تدخل إِلاَّ للمدّ نَحْو ياءِ فَعِيل وواو فَعُول أَلا ترى أَنَّ هَذِه إِذا كَانَت قبلهَا فَتْحة حرّكت لالتقاءِ الساكنين نَحْو اخشَوُا الرجل و {لتبلون فِي أَمْوَالكُم} وَكَذَلِكَ الياءُ فِي قَوْلك اخْشَى الرجل فَهَذَا هَكَذَا وَلَو قَالَ رجل هُوَ يَغْزوَ باه للزمه مثل هَذَا وَالْوَاو لَام الْفِعْل وَتقول زيد يَغْزُوُمَّه فتضمّ الْوَاو لأَنَّ الضمّة فِي الْحَقِيقَة للهمزة وَكَذَلِكَ هُوَ يَغْزُوِ خْوانه فتكسر لهَذَا العلَّة وَهِي لَام الْفِعْل ولفظها لفظ اللين لسكونها وانضمام مَا قبلهَا وَكَذَلِكَ ياءُ (يقْضِي) فإِن دخل عَلَيْهَا مَا ينصب نصبتهما جَمِيعًا وأَنت تَقول هُوَ يقْضِي يَاسر ويغزو وَاقد فَلَا تُدْغَم لما ذكرنَا من لفظ اللين فإِن كَانَت قبل كلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا فَتْحة لم يكن إِلاَّ الإِدغام نَحْو اخشَوْا واقدا واخشَىْ ياسرا لأَنَّ لفظ / اللين قد ذهب وَفِي هَذَا دَلِيل على جَمِيع هَذَا الْكتاب

(1/224)


(هَذَا بَاب مَا تقلب فِيهِ السِّين صاداً وَتركهَا على لَفظهَا أَجود)
وَذَاكَ لأَنَّها الأَصل وإِنَّما تقلب للتقريب ممّا بعْدهَا فإِذا لقيها حرف من الْحُرُوف المستعلية قلبت مَعَه ليَكُون تناولهما من وَجه وَاحِد والحروف المستعلية الصَّاد وَالضَّاد والطاءُ والظاءُ والخاءُ والغين وَالْقَاف وإِنَّما قيل مستعلية لأَنَّها حُرُوف استعلت إِلى الحنك الأَعلى وَهِي الْحُرُوف الَّتِي تمنع الإِمالة أَلا ترى أَنَّك تَقول عابِد وجابِر وَسَالم وَلَا تَقول قَاسم وَلَا صاعد وَلَا خازم وَهَذَا مبيّن فِي بَاب الإِمالة فإِذا كَانَت السِّين مَعَ حرف من هَذِه الْحُرُوف فِي كلمة جَازَ قَلبهَا صادا وكلَّما قرب مِنْهَا كَانَ أَوجب وَيجوز الْقلب على التَّرَاخِي بَينهمَا وكلَّما ترَاخى فتركُ الْقلب أَجودُ وَذَلِكَ قَوْلك سطر وصطر وسقَر وصقَر / وسلخْت وصلخت ومساليخ ومصاليخ فإِن كَانَ حرف من هَذِه الْحُرُوف قبل السِّين لم يجز قَلبهَا نَحْو قست وقسوت وطست فَاعْلَم لأَنَّهم إِنَّما قلبوها وَهَذِه الْحُرُوف بعْدهَا لئَّلا يَكُونُوا فِي انحدار ثمّ يرتفعوا وإِذا كَانَ قبلهَا فإِنَّما ينحدر إِليها انحدارا وَوَجَب ذَلِك فِي السِّين لأَنَّها والصادَ من الْمخْرج وهما مهموستان جَمِيعًا وَكِلَاهُمَا من حُرُوف الصفير

(1/225)


وَلم تكن الزَّاي هَهُنَا لأَنَّها لَيست بمستعلية وَلَا تبدل الصَّاد من الزَّاي مَعَ هَذِه الْحُرُوف لأَنَّ الزَّاي مجهورة وَالصَّاد مهموسة فَهِيَ مُخَالفَة لَهَا وَلم يكن ذَلِك فِي الظاءِ مَعَ الثاءِ والذال وَلَا فِي الطاءِ مَعَ التاءِ وَالدَّال لأَنَّ لحروف الصفير فِي السّمع والتصريف مَا لَيْسَ لهنّ وَقد تقدّم قَوْلنَا فِي هَذِه الْحُرُوف

(1/226)


(هَذَا بَاب الأَسماء الَّتِي وَقعت على حرفين)
اعْلَم أَنَّ الأَسماءَ أُصولُها تكون على ثَلَاثَة أَحرف بغَير زِيَادَة وعَلى أَربعة وَتَكون على خَمْسَة فَمَا نقص من الأَسماءِ عَن الأَفعال فمعلوم نقصُه ومذكورة علَّته إِن شاءَ الله فَمَا كَانَ من الأَسماءِ على حرفين فنحو يَد وَدم وأَست وَابْن وَاسم وأَخ وأَب ومالم نذْكر فحكمُه حكمُ هَذَا وَهَذِه الأَسماءُ الْمَحْذُوف مِنْهَا لَا يكون مَا حُذف إِلاَّ حرفَ لين أَو حرفا خفيّا كحرف اللين نَحْو الهاءِ وَالنُّون أَو يكون مضاعفا فيستثقل فِيهِ التَّضْعِيف فيحذف فَمَا لم يكن على هَذَا الشَّرْط الَّذِي ذَكرْنَاهُ لم يحذف مِنْهُ شيءٌ لأَنَّه لَا سبيلَ إِلى حذفه فَمَا ذهب مِنْهُ الياءُ وَالْوَاو فنحو ابْن وَاسم وأَخ وأَب وهَنٍ فِي بعض الأَقاويل يدلُّك على مَا ذهب من أَب وأَخ التَّثْنِيَة وَالْجمع والتصغير تَقول أَخوان وأَبوان وأَخوك وأَبوك وَتقول آباءٌ وآخاءٌ يَا فَتى وَكَذَلِكَ أُبَيّ وأُخَيّ وبُني وسُمَيّ أَمّا أَب وأَخ فَلم يسكِّنوا أَوائلها لئلاَّ تدخل أَلف الْوَصْل وَهِي همزَة على الْهمزَة الَّتِي فِي أَوائلها فَيصير إِلى اعتلال ثانٍ وأَمّا ابْن وَاسم واست فبنيت على سُكُون أَوائلها فَدَخلَهَا أَلف الْوَصْل لسكون مَا بعْدهَا وأَلف الْوَصْل لَيست بأَصل فِي الأَسماءِ وإِنَّما حقُّها الأَفعال لتصرّف الأَفعال وأَنَّها تقع مسكَّنةَ الأَوائل فِي مَوَاضِع إِسكان ضَرُورَة لَا محَالة وَهَذِه تذكر عِنْد ذكرنَا الأَفعالَ إِن شاءَ الله فأَمَّا الأَسماءُ فَلَا يلْحقهَا ذَلِك إِلاَّ أَن تكون منقوصة فَتكون قد زَالَت عَن أَصل بنائها فَدَخلَهَا لذَلِك مَا يدْخل الأَفعال لأَنَّها قد أَشبهتها فِي النَّقْص والانتقال

(1/227)


فإِن قلت (امرؤْ) لم ينقص مِنْهُ شيءٌ فَمَا بَال أَلف الْوَصْل لحِقته فإِنَّما ذَاك لتغيّره فِي اتِّبَاع مَا قبل آخِره من أَجل الْهمزَة الَّتِي يجوز تخفيفها وَالدَّلِيل على ذَلِك انْتِقَاله من حَال إِلى حَال أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا امْرُؤ فَاعْلَم / وَهَذَا مَرْءٌ فَاعْلَم كَمَا قَالَ عزَّ وَجل {يَحُؤلُ بَيْن المَرْءِ وَقَلْبِهِ} وَتقول فِي مؤنَّثه امرأَة ومَرْأَة فإِنَّما لحقت أَلف الْوَصْل هَذَا الاسمَ لهَذَا الِانْتِقَال والتغيير اللَّذين ذكرتهما لَك فَجَمِيع مَا جاءَت فِيهِ أَلف الْوَصْل من الأَسماءِ ابْن وَاسم واست وامرؤ ومؤنَّث ذَلِك على قِيَاسه نَحْو ابْنة وامرأَة وَكَذَلِكَ اثْنَان وَاثْنَتَانِ وايمُن فِي الْقسم لأَنَّه اسْم يَقع بَدَلا من الْفِعْل فِي الْقسم تَقول اَيم اللهِ واَيمُن اللهِ فأَلفه مَوْصُولَة كَمَا قَالَ
(وَقَالَ فريقٌ لَيْمُنُ اللهِ مَا نَدْرِي ... ) وتحذف النُّون فَتَقول ليمُ اللهِ مَا كَانَ ذَلِك فيلحقه من التَّغْيِير مَعَ لُزُومه موضعا وَاحِدًا مَا يلْحق امْرأ فَلَا تكون أَلف الْوَصْل إِلاَّ فِيمَا ذكرت لَك من الأَسماءِ إِلاَّ الأَلفَ الَّتِي مَعَ اللَّام للتعريف فإِنَّها دَاخِلَة على حرف لَا يكون إِلاَّ سَاكِنا فأَمَّا المصادر الَّتِي أَفعالُها موصولةُ الأَلفات فَهِيَ كأَفعالها نَحْو انطلاق واستخراج واقتدار فإِن كَانَت أَفعالها مقطوعَةَ الأَلفات فَهِيَ كَذَلِك نَحْو إِكرام وإِحسان فَهَذَا معنى أَلفات الْوَصْل

(1/228)


وَذكرنَا مَا ذهب مِنْهُ الياءُ وَالْوَاو فَابْن وَاسم من ذَلِك لِقَوْلِك بُنَيّ وسُمَيّ وأَبناءٌ وأَسماءٌ كَمَا قُلْنَا فِي الأَب والأَخ فأَما الذَّاهِب من الأَب والأَخ فقد بَان لَك أَنَّهما واون وَقُلْنَا كَذَلِك فِي ابْن فإِن قَالَ قَائِل فَمَا الدَّلِيل عَلَيْهِ وَلَيْسَ براجعٍ فِي تَثْنِيَة وَلَا جمع مَا دلّ على أَحدهما دونَ الآخر قُلْنَا نستدلُّ بالنظائرِ أَمّا (ابْن) فإِنك تَقول فِي مؤنَّثه ابْنة وَتقول بنت من حَيْثُ قلت أُخت وَمن قلت هَنْت وَلم نر هَذِه التاءَ تلْحق مؤنَّثا إِلاَّ ومذكَّره محذوفُ الْوَاو ويدلُك على ذَلِك أَخوان وَمن ردّ فِي (هَنٍ) قَالَ هَنَوات فأَمّا (الِاسْم) فقد اخْتلف فِيهِ فَقَالَ بَعضهم هُوَ (فِعْل) {وَقَالَ بَعضهم هُوَ (فُعْل) } وأَسماءٌ تكون جمعا لهَذَا وَهَذَا تَقول فِي جِذْع أَجذاع كَمَا تَقول فِي قُفْل أَقفال وَلَا يدْرك صِيغَة الأَسماءِ إِلاَّ بِالسَّمْعِ - فأَكثرهم أَنشد
(باسم الَّذِي فِي كلِّ سُورةٍ سُمُهْ)

(1/229)


فضم وجاءَ بِهِ على فُعْل وأَنشد بَعضهم (سِمُه) وَهُوَ أَقل وأَنشد أَبو زيد الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وأَنشد
(فدَعْ عَنْك ذِكْرَ اللَّهْوِ واعمدْ لِمدْحِة ... لخير مَعَدٍّ كلِّها حَيْثُمَا انتمَى)

(لأَعظمها قدْرا وأَكْرَمِهَا أَبا ... وأَحسنِها وجْها وأَعْلَنِها سُما)
فأَمّا (ابْن) فتقديره فَعَل وَذَلِكَ أَنَّك تَقول فِي جمعه أَبناءٌ كَمَا تَقول جمل وأَجمال وجبل وأَجبال فإِن قَالَ قَائِل فلعلَّه (فِعْل) أَو (فُعْل) فإِنَّ جمعهَا على أَفْعال قيل لَهُ الدَّلِيل على ذَلِك أَنَّك تَقول بَنون فِي الْجمع فتحرّك بِالْفَتْح فإِن قَالَ قَائِل فَمَا أَنكرت أَن يكون على (فَعْل) ساكنَ الْعين قيل لأَنَّ الْبَاب فِي جمع (فَعْل) أَفْعُل نَحْو كلْب وأَكلْب وكعْب وأَكُعب فَلَو كَانَ فَعْلا لم يجمع إِلاَّ على بَابه ليدلّ عَلَيْهِ وإِنَّما يخرج الشيءُ إِلى غير بَابه إِذا أَمِنْتَ اللّبْس فِي مثل (أَزْناد) وبابه

(1/230)


فَهَذَا لَو كَانَ (فَعْلا) لم يجز فِيهِ أَفْعال مثل أَزناد لأَنَّ أَزنادا لَا لبس فِيهِ وَهَذَا يلتبس فَكَانَ يلْزم الْبَاب فأَمّا (دم) فَهُوَ (فَعَل) يدلُّك على ذَلِك أَنَّك تَقول دمِى يَدْمَى فَهُوَ دَمٍ فَهَذَا مثل فرِق فرَقا وَهُوَ فرِق وحذِر حذَرا فَهُوَ حذِر فدَم إِنَّما هُوَ مصدر مثل البطر والحذَر وممّا يدلُّك على أَنَّه (فَعَل) أَنَّ الشَّاعِر لمَّا اضطرّ فأَخرجه على أَصله وردّ مَا ذهب مِنْهُ جاءَ بِهِ متحرّكا فَقَالَ
(فَلَو أَنَّا على حَجَرٍ ذُبحْنا ... جرى الدمَيَانِ بالخبرِ اليقينِ)

(1/231)


فإِن قَالَ قَائِل فإِنَّك تجمعه على فِعال كَمَا تَقول كلْب وكِلاب وفِعْل وفِعال فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَنَّ (فِعالا) جمع لفَعَل المتحرّك الْعين كَمَا يكون لفَعْل السَّاكِن الْعين نَحْو قَوْلك جمل وجمال وجبل وجبال فَهَذَا غير خَارج من ذَلِك وأَمَّا (يَد) فتقديرها (فَعْل) سَاكن الْعين لأَنَّك تَقول أَيْد فِي الْجمع وَهَذَا جمع (فَعْل) وَلَو جاءَ شيءٌ مِنْهُ لَا يُعلم مَا أَصله من هَذِه المنقوصات لَكَانَ الحكم فِيهِ أَن يكون فعْلا ساكنَ الْعين لأَنَّ الْحَرَكَة زِيَادَة وَالزِّيَادَة لَا تثبت فأَمّا (اِست) ففعَل متحرّكة الْعين يدلُّك على ذَلِك أَسْتاه فإِن قَالَ قَائِل فلعلَّها

(1/232)


فِعْل أَو فُعْل فإِنَّ الدَّلِيل على مَا قُلْنَا (سَهٌ) فَاعْلَم فتردّ الهاءُ الَّتِي هِيَ لَام وتحذف الْعين وَيفتح السِّين كَمَا قَالَ الراجز
(اُدعُ أُحَيْحاً باسمه لَا تنسَهْ ... إِنَّ أُحَيْحاً هِيَ صِئْبانُ السَّهْ)
وَفِي الحَدِيث " العَيْنُ وِكاءُ السَّهِ " مَعْنَاهُ أَنَّ الإِنسان / إِذا كَانَ منتبّها علم مَا يخرج مِنْهُ من الرّيح فأَمَّا (حِر) المرأَة فتقديره (فِعْل) وَقَوْلهمْ أَفْعَال فِي جمعه بِمَنْزِلَة جِذع وأَجذاع وَدَلِيله بيّن لأَنَّ أَوّله مكسور وَاعْلَم أَنَّه مَا كَانَ على حرفين وَلَا يُدرى مَا أَصله الَّذِي حذف مِنْهُ فإِنَّ حكمه فِي التصغير وَالْجمع أَن تثبت فِيهِ الياءُ لأَنَّ أَكثر مَا يحذف من هَذَا الياءُ وَالْوَاو والياءُ أَغلب على الْوَاو من الْوَاو عَلَيْهَا فإِنّما الْقيَاس على الأَكثر فَلَو سمّينا رجلا (بإِنْ) الَّتِي للجزاءِ ثمَّ صغَّرناها لقلنا أُنىّ وَكَذَلِكَ (أَنْ) الَّتِي تنصب الأَفعال فإِن سمّينا (إِن) المخفَّفة قُلْنَا أُنيْن فَاعْلَم لأَنّا قد علمنَا أَنَّ أَصلها نون أُخرى حذفت مِنْهَا وَكَذَلِكَ لَو سمَّينا (برُب) المخفَّفة من (ربّ) لقلنا رُبَيْب لأَنَّا قد علمنَا مَا حذف مِنْهُ

(1/233)


وَكَذَلِكَ (بخ) المخفَّفة من (بخٍّ) تردّ فِيهَا الخاءُ المحذوفة لأَنَّ / الأَصل التثقيل كَمَا قَالَ
(فِي حسَبٍ بَخٍّ وعِزٍّ أَقْعَسا)
وَلَو سمّينا رجلا (ذُو) لقلنا هَذَا ذوّا قد جاءَ لأَنَّه لَا يكون اسْم على حرفين أَحدهما حرف لين لأَنَّ التَّنْوِين يذهبه فَيبقى على حرف فإِنَّما رددت مَا ذهب وأَصله (فعَل) يدلُّك على ذَلِك {ذواتا أفنان} و {ذواتي أكل خمط} وإِنَّما قلت هَذَا ذُو مَال فَجئْت بِهِ على حرفين لأَنَّ الإِضافة لَازِمَة لَهُ ومانعة من التَّنْوِين كَمَا تَقول هَذَا فو زيد ورأَيت فا زيد فإِذا أَفردت قلت هَذَا فمٌ فَاعْلَم لأَنَّ الِاسْم قد يكون على حرفين إِذا لم يكن أَحدهما حرفَ لين كَمَا تقدّم من نَحْو يَد وَدم وَمَا أَشبه ذَلِك فإِذا سمّيت رجلا ب (هُوَ) فإِنَّ الصَّوَاب أَن تَقول هَذَا هُوٌّ كَمَا ترى فتثقلِّ

(1/234)


وإِن سمّيته ب (فِي) من قَوْلك فِي الدَّار زيد زِدْت على الياءِ يَاء وَقلت هَذَا فِيٌّ فَاعْلَم وإِن سمّيته (لَا) زِدْت على الأَلف أَلفا ثمّ همزت لأَنَّك تحرّك الثَّانِيَة / والأَلف إِذا حرّكت كَانَت همزَة فَتَقول هَذَا لاءٌ فَاعْلَم وإِنَّما كَانَ الْقيَاس أَن تزيد على كلّ حرف من حُرُوف اللين مَا هُوَ مثلُه لأَنَّ هَذِه حُرُوف لَا دَلِيل على ثوالثها وَلم تكن اسْما فيعلمَ مَا سقط مِنْهَا و (هُوَ) و (هِيَ) اسمان مضمران فمجراهما مجْرى الْحُرُوف فِي جَمِيع محالِّهما وإِن دلاَّ على الظَّاهِر بِمَا تقدّم من ذكره فإِنَّما جعلت مَا ظهر فِي كلّ وَاحِد مِنْهُمَا مُتبعا لمثله حتَّى يتمّ اسْما وَلم تجْعَل الشَّاهِد غَائِبا وَكَذَلِكَ قَالَت الْعَرَب فِي (لوْ) حَيْثُ جعلته اسْما قَالَ الشَّاعِر
(لَيْت شِعْرِي وأَين مِنِّيَ ليْتُ ... إِنَّ ليْتاً وإِنَّ لوًّا عَناءُ)
فَزَاد على الْوَاو واوا لتلحق الأَسماءَ وَقَالَ الآخر
(أُلاَمُ على لوٍّ وَلَو كنت عالِما ... بأَعقاب لوٍّ لم تفُتني أَوائلُهْ)
وَقَالَ الآخر
(حاوَلتْ لوًّا فقلتُ لَهَا ... إِنَّ لَوًّا ذاكَ أَعْيانا)

(1/235)


وإِن سمّيت رجلا (كيْ) قلت هَذَا كيٌّ فَاعْلَم / وَكَذَلِكَ كلّ مَا كَانَ {على} حرفين ثَانِيه ياءٌ أَو وَاو أَو أَلف أَلا ترى أَنَّ حرفين التهجي مَوْضُوعَة على الْوَقْف نَحْو با تا ثا وَكَذَلِكَ رأَوها إِنَّما هِيَ موقوفات غير منونَّات لأَنَّهنّ عَلَامَات فَهنّ على الْوَقْف أَلا ترى أَنَّك تَقول واوْ زايْ صادْ فتسكِّن أَواخرها لأَنَّك تُرِيدُ الْوَقْف وَلَوْلَا الْوَقْف لم يجمع بَين ساكنين كَمَا تَقول فِي الْوَقْف هَذَا زيدْ وَهَذَا عمْرو فإِذا جعلتهنَّ أَسماءً قلت باءٌ وتاءٌ فزدت على كلّ حرف مثلَه على مَا وصفت لَك قَالَ رجل من الأَعراب يذمّ النحويّين إِذ سمع خصومتهم فِيهِ
(إِذا اجتَمعوا على أَلفٍ وياءٍ ... وتاءٍ هاجَ بينهمُ قتالُ)
فأَعربها على مَا ذكرت لَك حِين جعلهَا اسْما

(1/236)


وحكاها أَبو النَّجْم إِذ جعلهَا فِي موَاضعهَا فَقَالَ
(أَقْبَلتُ من عِنْد زِيادٍ كالخَرِفْ ... تَخُطُّ رِجْلايَ بخَطٍّ مُخْتلِفْ)

(تُكَتِّبانِ فِي الطَّرِيق لامَ الِفٌ)
فإِن كَانَت اسْما فالإِعراب كَمَا قَالَ
(كَمَا بُيِّنتْ كافٌ تَلوحُ وميمُها)
فأَعرب وأَضاف وكما قَالَ
(كأَنَّ أَخا الْيَهُود يُجِدّ خطًّا ... بكافٍ فِي منازلها ولامِ)
وفواتح السُّور كَذَلِك على الْوَقْف لأَنَّها حُرُوف تهجٍّ نَحْو (الم) (المر) (حم)

(1/237)


(طس) وَلَوْلَا أَنَّها على الْوَقْف لم يجْتَمع ساكنان فإِذا جعلت شَيْئا مِنْهَا اسْما أَعربت كَمَا قَالَ الكُمَيت
(وجدنَا لكمْ فِي آلِ حَامِيمَ آيَة ... تَأَوَّلَها مِنَّا تَقِيُّ ومُعْرِبُ)
فحرّك وَلم يصرف للعجمة وَقَالَ
(أَوْ كتُباً بُيّن من حاميما ... قد علمتْ أَبناءُ إِبارهيما)
وَقَالَ
(يُذكِّرني حاميمَ والرمحُ شاجِرٌ ... فهلاَّ تَلا حاميمَ قبْلَ التقدُّمِ)
فأَمَّا قراءَة الْحسن (صَادِ وَالقُرْآنِ) فإِنَّه لم يَجْعَلهَا حرفا ولكنَّه / فِعْل إِنَّما أَراد صادِ

(1/238)


بِالْقُرْآنِ عَملك وَهَذَا تَفْسِير الْحسن أَيّْ عارِض بِالْقُرْآنِ عَمَلك من قَوْلك صاديت الرجل أَي عارضته وَمِنْه {فَأَنت لَهُ تصدى} أَي تعرّض وأَمّا قَوْلك هَذَا فوزيد - ثمّ تبدل فَتَقول فَم فَهَذَا بِمَنْزِلَة تثقيلك لَو ثقَّلت لأَنَّه إِذا كَانَ على حرفين لَيْسَ أَحدهما حرفَ لين كَانَ على مثالٍ تكون الأَسماءُ المنقوصة عَلَيْهِ وإِنَّما أَصله فَوْه فَاعْلَم وَجمعه أَفْواه كَقَوْلِك ثوب وأَثواب وحوض وأَحواض على ذَلِك مَا تفوّهت بِكَلِمَة فإِذا كَانَ فِي الإِضافة لم تحتج إِلى تَغْيِيره لأَنَّك تأْمَن عَلَيْهِ التَّنْوِين فَتَقول رأَيت فا زيد ومررت بفي زيد وَهَذَا فو زيد كَمَا تَقول هَذَا ذُو مَال ورأَيت ذَا مَال لأَنَّ أَصل هَذِه الأَسماءِ الإِضافة فإِن أَفردتها أَخرجتها إِلى بَاب الأَسماءِ وَمَا ذكرت لَك غَيرهَا من نَحْو (لوْ) و (فِي) إِنَّما تلْحق بجُمَله الأَسماءِ المفردة ثمّ تُضَاف إِذا حدث ذَلِك فِيهَا كَمَا / يُضَاف رجل وَغُلَام وَمَا أَشبهه فَهَذَا بَاب الأَسماءِ تَقول هَذَا فِيُّ زيد ولوُّ عبدِ الله فإِن قَالَ قَائِل أَجعَل ذَلِك غيرَ مثقَّل إِذا سمّيت بِهِ مؤَنثا لأَمْنِي عَلَيْهِ التنوينَ قيل المؤنَّث قد يكون نكرَة فتنوّن كَقَوْلِك هَذِه هندٌ أُخرى وتنوّن زيدا إِذا سمّيت بِهِ امرأَة فِي قَول جمَاعَة من النَّحْوِيين فيستوي المؤنَّث والمذكَّر إِذا لم تكن فِيهَا هاءُ التأْنيث فَلَا يكون فِيهِ التَّنْوِين نَحْو رجل سمّيته بقدَم أَودعْد أَو هِنْد فَلَيْسَ هَذَا الِاعْتِرَاض بشيءٍ وَلَيْسَ من كَلَامهم أَن يكون الِاسْم على هَيْئَة فإِذا سمّى بِهِ غير من هُوَ لَهُ خرج إِلى هَيْئَة أُخرى فَكَذَلِك الْمُفْرد لَا ينْتَقل إِذا أَضفته فأَمّا فُو زيد وَذُو مَال فإِنَّما غيّرا من الأَصل الَّذِي هُوَ لَهما لأَنَّهما أُلزما الإِضافة فَكَانَ حرف إِعرابهما / منتقلا على غير مَا عَلَيْهِ جملَة الأَسماءِ إِنَّما يكون ذَلِك فِي أَسماءٍ بِعَينهَا معتلَّة نَحْو

(1/239)


قَوْلك أَخوك وأَخاك وأَبوك وفو زيد وحموك وهنوك فِي بعض اللُّغَات لأَنَّها فِي الإِفراد أَب وأَخ وَهن وحم فَهَذِهِ أَسماءٌ كَانَ أَصلها الإِضافة لأَنَّ رواجعها فِيهِ خاصَّةً فأَمّا فوك فإِنَّما حذفوا لامه لموْضِع الإِضافة ثمّ أَبدلوا مِنْهَا فِي الإِفراد الْمِيم لقرب المخرجين فَقَالُوا فَم كَمَا ترى لَا يكون فِي الإِفراد غَيره وَقد لحّن كثير من النَّاس العجّاج فِي قَوْله
(خالَطٌ من سَلْمَى خياشيمَ وَفَا)
وَلَيْسَ عِنْدِي بلاحن لأَنَّه حَيْثُ اضطرّ أَتى بِهِ فِي قافية لَا يلْحقهُ مَعهَا التَّنْوِين فِي مذْهبه وَمن كَانَ يرى تَنْوِين القوافي فَيَقُول
(أَقِلِّي اللوْمَ عاذِلَ والعِتابَنْ)
لم ينوّن هَذَا لأَنَّ ترك التَّنْوِين هُوَ الأَكثر الأَغلب / لما فِي هَذَا الِاسْم من الاعتلال

(1/240)


وَاعْلَم أَنَّ مَا جاءَ من الأَسماءِ على حرفين قَلِيل لأَنَّ الثَّلَاثَة أَقلّ الأُصول فيكرهون الْحَذف مِنْهَا إِلاَّ فِيمَا آخِره حرف خفيّ أَو حرف لين فإِنَّهم يستثقلون فِي ذَلِك الحركات فأَمَّا مثل قُلْ وبعْ فإِنَّما حذفتَ لالتقاءِ الساكنين مَا هُوَ فِي نيّتك وحذفت من عِدّ وزِنْ الواوات الَّتِي ذهبت لأَنَّها وَقعت فِي يعد ويَزِنَ وَيعود جَمِيع ذَلِك فِي تصرّف الْفِعْل إِذا قلت وعد وَوزن وَقَالَ وَبَاعَ وَيَقُول وَيبِيع وَكَذَلِكَ إِذا قلت فِهْ لزيد وعِهْ كلَاما وشِهْ ثوبا إِنَّما لحقها ذَلِك لذهاب الْوَاو من أَولها الَّتِي تذْهب فِي عِدْ وَذَهَاب الياءِ من آخرهَا الَّتِي تذْهب فِي ارْمِ وَلَا يلْزم ذَلِك فِي تصرّف الْفِعْل إِذا قلت وعَيْت وولِيت ووشَيْت فأَمّا مَا جاءَ على حرفين ممّا فِيهِ هاءُ التأْنيث فَهُوَ أَكثر / من ذَا نَحْو سَنة وشِية وعِدة وثُبَة وقُلَة ورِية وَذَاكَ لأَنَّ الهاءَ لمّا اتَّصَلت بِهِ قوى فضارع مَا كَانَ على

(1/241)


ثَلَاثَة وَكَانَ بالهاءِ أَثبت من ابْن واست واثنين لأَنَّ أَلف الْوَصْل يحذفها الْوَصْل ويحذفها تحرُّك مَا بعْدهَا وَذَلِكَ فِي التصغير {كبنيّ} وَتَخْفِيف الْهَمْز كَقَوْلِك فِي اسأَل سَلْ وَفِي التَّشْدِيد وَهُوَ قَوْلك اردُدْ ثمَّ تَقول رُدَّ إِن شِئْت فأَمّا رُدّا أَو رُدُّوا فحذفها لَازم للُزُوم الإِدغام وهاءُ التأْنيث إِنَّما تذْهب فِي التَّرْخِيم وَفِي النّسَب لأَنَّه عوض مِنْهَا وَقد يردّ فِي النّسَب بعض مَا يذهب مِنْهُ الهاءُ لعلَّة تلْحق وإِنَّما قصدنا أَن تخبر أَن، مَا فِيهِ الهاءُ من ذَوَات الحرفين أَكثر ممّا لَا هاءَ فِيهِ وَهَذَا شيءٌ اتَّصل بالتصريف والإِدغام لما يَقع فِي مثله وَهُوَ مَا أَذكره لَك اعْلَم أَنَّ الحرفين المثلين إِذا كَانَا ملتقيَينِ فِي كلمة وَكِلَاهُمَا متحرّك وَقبل المتحرّك الأَوّل سَاكن طرحت حَرَكَة المتحرّك الأَوّل على ذَلِك السَّاكِن وأَدغمت كنحو مَا ذكرت لَك فِي اقْتتلوا فإِن التقيا وهما سواءٌ أَو متقاربان والأَوّل مِنْهُمَا أَوّل الْكَلِمَة أَدخلت أَلف الْوَصْل وأَدغمت وَذَلِكَ اطَّيّر زيد إِنَّما كَانَت تطيّر فأَسكنت التاءَ فَلم يجز أَن تبتدئ بساكن فأَدخلت أَلف الْوَصْل ثمّ أَدغمت التاءَ فِي الطاءِ وَكَذَلِكَ اتَّرس زيد إِذا أَردته تترّس

(1/242)


فدخول الأَلف هَاهُنَا كسقوطها من اقْتَتَلُوا إِذا قلت قَتَّلوا فالتحريك يُسْقِطهَا كَمَا أَنَّ الإِسكان يجلبها وَمن ذَلِك قَوْله {وَإِذ قتلتم نفسا فادارأتم فِيهَا} وإِنما كَانَ (تدارأْتم) فِيهَا فأَدغمت التاءَ فِي الدَّال فَاحْتَجت إِلى أَلف الْوَصْل لِاسْتِحَالَة الابتداءِ بساكن وَمثله {قَالُوا اطيرنا بك وبمن مَعَك} فإِن قلت تتَّكلمون وتدّعون لم يجز الإِدغام وإِدخال أَلف الْوَصْل لأَنَّ أَلف الْوَصْل لَا تدخل على الْفِعْل الْمُضَارع لأَنَّ الأَفعال إِذا كَانَت على (يَفْعَل) وَمَا أَشبهه فَهِيَ مضارعة للأَسماءِ نَحْو فاعِل وَمَا أَشبهه فَكَمَا لَا تكون أَلف الْوَصْل فِي اسْم الْفَاعِل كَذَلِك لَا تكون فِيمَا ضارعه إِنَّما تكون فِي الأَفعال الْمَاضِيَة نَحْو انطلقَ واقتدرَ واحمررت واستخرج واغدودنَ واحرنجمَ أَو فِي الأَمر اضربْ اقتلْ استخرجْ لأَنَّها تضارع أَسماءَ الفاعلين فتمتنع فَهَذَا موضعهَا من الْكَلَام فقد شرحت لَك أَمرها فِي الأَفعال وتصرّفَها وأَمْرَ وُقُوعهَا فِي الأَسماءِ والعلَّة فِي ذَلِك إِذ كَانَ بَابهَا الأَفعال فإِذا قلت فِي المنفصلين هَذَا اسْم مُوسَى لم يجز أَن تطرح حَرَكَة الْمِيم على السِّين / وتحذف أَلف الْوَصْل كَمَا فعلت فِي الأَفعال لأَنَّ الْمُنْفَصِل بَائِن ممّا قبله وإِنَّما الإِدغام على مِقْدَار لُزُومه ولكنَّك تخفي إِن شِئْت وإِن شِئْت حقَّقت والمخفَى بزنة المحقَّق إِلاَّ أَنَّك تختلس اختلاسا كَقَوْلِك أَراك متعفِّفا فتختلس وَلَا يجوز الإِدغام لأَنَّ الَّذِي قبل الفاءِ الْوُسْطَى سَاكن

(1/243)


وأَمّا الملحقات من الأَسماءِ فَلَا إِدغام فِيهَا لأَنَّها تنقص عَن مقادير مَا ألحقت بِهِ وَذَلِكَ قَوْلك قَرْدَد ومَهْدَد وَمَا أَشبهه لأَنَّه مُلْحق بِجَعْفَر وَكَذَلِكَ الْجمع نَحْو قَوْلك قَرَادد ومَهادد ليَكُون مثل جَعْفَر فإِن لم يكن مُلْحقًا لزِم الإِدغام نَحْو قَوْلك رجل أَلدّ وأَصَمّ لأَنَّ (أَفْعَلَ) لَيْسَ بملحق بفعلل أَلا ترى أَن مصادرهما مُخْتَلفَة إِذا كَانَا فِعْلين تَقول دحرج دحرجة وأَكرم إِكراما وَكَذَلِكَ (فَعَّلَ) لَيْسَ بملحق بدحرج لأَنَّ مصدره التفعيل وَلَكِن مثلُ جَدْوَل ملحقٌ بِجَعْفَر وَكَذَلِكَ كوثر / وإِن كَانَا فعلين فهما ملحقان بدحرج تَقول حَوْقَل يحوقل حوقلة وبَيْطَر بيطرة وسَهْوك سَهْوكة وَكَذَلِكَ سلقى يسلقى سلقاة وَفِيمَا ذكرته لَك مَا يدلّ على مَا يرد عَلَيْك مِنْهُ إِن شاءَ الله

(1/244)


(هَذَا بَاب مَا شبه من المضاعف بالمعتل فَحذف فِي مَوضِع حذفه)
وَذَلِكَ قَوْلك فِي أَحْسَسْت أَحَسْتُ وَفِي مسِسْت مِسْت وتطرح حركته على مَا قبله وتحذفها تَشْبِيها بِقَوْلِك أَردت وأَقمت وكِلت وبِعْت كَمَا اسْتَويَا فِي بَاب رَدَّ وَقَامَ فِي الإِسكان واستويا فِي التَّصْحِيح فِي بَاب (فُعَل) و (فِعَل) تَقول صُوَر كَمَا تَقول دُرَر وبِيَع كَمَا تَقول قِدَد وإِنَّما تفعل هَذَا فِي الْموضع الَّذِي لَا تصل إِليه فِيهِ الْحَرَكَة بِوَجْه من الْوُجُوه وَذَلِكَ فِي فعِلْت / وفَعِلْن فأَمّا لم أَحِسَّ وقولك احْسِسْ وامسَسْ ومَسَّ وحِسَّ فَلَا تحذف لأَنَّ هَذَا تدخله الْحَرَكَة إِذا ثنَّيت أَو جمعت أَو أَنَّثت نَحْو أَحسُّوا وأَحَسَّا وأَحِسَّى وَكَذَلِكَ مَسِّى ومَسَّا وإِنَّما جَازَ فِي ذَلِك الْموضع للُزُوم السّكُون وَلَيْسَ ذَلِك بجيّد وَلَا حسن وإِنَّما هُوَ تَشبيه قَالَ الشَّاعِر
(خلا أَنَّ العِتاقَ منَ المطايا ... أَحْسَنَ بهِ فهنَّ إِليهِ شُوسُ)

(1/245)


وَمن قَالَ مَسْت فَفتح الْمِيم فإِنَّما شبّهها بِلَسْتُ لأَنَّ أَصلها كَانَ لاس يليس وَقد فسّرنا امتناعها من ذَاك لما يلْزمهَا فِي الْمُضَارع وَغَيره من تصرّف الْفِعْل فَهَذَا الَّذِي فتح الْمِيم حذف لما ذكرت لَك وَترك الْمِيم على أَصلها للتغيير وَاعْلَم أَنَّ التَّضْعِيف مستثقل وأَنَّ رَفْع اللِّسَان عَنهُ {مرّة وَاحِدَة ثمّ العودة إِليه لَيْسَ كرفع اللِّسَان عَنهُ وَعَن الْحَرْف الَّذِي من مخرجه وَلَا فصل بَينهمَا فَلذَلِك وَجب} وَقوم من الْعَرَب إِذا وَقع / التَّضْعِيف أَبدلوا الياءَ من الثَّانِي لئلاَّ يلتقي حرفان من جنس وَاحِد لأَنَّ الكسرة بعض الياءِ وأَنَّ الياءَ تَغلِب على الْوَاو رَابِعَة فَمَا فَوْقهَا حتَّى تصيّرها يَاء لَا يكون إِلاَّ ذَلِك وَقد مضى هَذَا وَذَلِكَ قَوْلهم فِي تقضَّضت تقضَّيت وَفِي أَمللت أَمليت وَكَذَلِكَ تسرّيت فِي تسرّرت وَالدَّلِيل على أَنَّ هَذَا إِنَّما أُبدل لاستثقال التَّضْعِيف قولُك دِينَار وقيراط والأَصل دِنَّار وقِرَّاط فأَبدلت الياءَ للكسرة فلمّا فرَّقت بَين المضاعفين رَجَعَ الأَصل فَقلت دَنَانِير وقراريط وقُرَيْرِيط وَاعْلَم أَنَّ الشعراءَ إِذا اضطِرُّوا إِلى إِسكان حرف ممَّا هُوَ متحرّك فَلم يصلوا إِلى ذَلِك أَبدلوا مِنْهُ الياءَ إِن كَانَت قبله كسرة لأَنَّ الياءَ إِذا كَانَت كَذَلِك لم تحرّك فَيسلم الإِعراب ويصحّ الْوَزْن وَذَلِكَ قَوْله

(1/246)


(لَهَا أَشَارِيرُ منْ لَحْمٍ تُتَمِّرُهُ ... منَ الثَّعالِي ووَخْزٌ منْ أَرَانِيها)
لم يجز أَن يذكر الباءَ فِي الثعالب ويحرّكها فينكسر الشّعْر فأَبدل الياءَ لما ذكرت لَك وَمثله
(ومنهل لَيْسَ لهُ حَوازقُ ... ولِضفادِي جَمَّهِ نَقانِقُ)

(1/247)


(هَذَا بَاب مَا يحذف اسْتِخْفَافًا لأَنَّ اللّبْس فِيهِ مأْمون)
وَذَلِكَ أَنَّ للأَشياءِ أُصولا ثمّ يحذف مِنْهَا مَا يُخرجهَا عَن أُصولها فَمن هَذَا الْمَحْذُوف مَا يبلغ بالشيءِ أَصلَه وَمِنْه مَا يحذف لأَنَّ مَا بَقِي دالّ عَلَيْهِ وإِن يكن ذَلِك أَصلَه فأَما مَا يبلغ بِهِ أَصله فإِنَّ كِنَايَة الْمَجْرُور فِي الْكَلَام ككناية الْمَنْصُوب وَذَلِكَ لأَنَّ الأَصل الرّفْع وَهُوَ الَّذِي لَا يتمّ الْكَلَام إِلاَّ بِهِ كالابتداءِ وَالْخَبَر وَالْفِعْل وَالْفَاعِل وإِنَّما الْمَنْصُوب والمخفوص لِما خرجا إِليه عَن هَذَا الْمَرْفُوع فَلذَلِك اشْتَركَا فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع نَحْو مسلمَين ومسلمِين ومسلمات وَلذَلِك كَانَ مَالا ينْصَرف إِذا كَانَ مخفوضا فتح وَحمل على مَا هُوَ نَظِير الْخَفْض نَحْو مَرَرْت بعثمانَ وأَحمرَ يَا فَتى وَذَلِكَ قَوْلك فِي الْكِنَايَة ضربتك ومررت بك وضربته ومررت بِهِ وضربتهم وَعَلَيْهِم وَاحِد وَتقول هَذَا غلامي وَهَذَا الضاربي فيستويان فإِذا قلت ضَرَبَنِي زِدْت نونا على المخفوض ليسلم الْفِعْل لأَنَّ الْفِعْل لَا يدْخلهُ جرّ وَلَا كسر فإِنَّما زِدْت هَذِه النُّون ليسلم لأَنَّ هَذِه الياءَ تكسر مَا وَقعت عَلَيْهِ فإِن قلت قد قلت الضاربي والياءُ مَنْصُوبَة فإِنَّما ذَلِك لأَنَّ الضَّارِب اسْم فَلم يكره الْكسر فِيهِ وَالدَّلِيل على أَن الياءَ مَنْصُوبَة قَوْلك الضَّارِب زيدا فإِن قلت فقد يدْخل الْفِعْل الكسرة فِي قَوْلك اضربِ الرجل فإِنَّما ذَلِك لالتقاءِ الساكنين

(1/248)


وَلَيْسَ بِلَازِم وإِنَّما كسروا ليُعْلموا أَنَّه عارضٌ فِي الْفِعْل إِذ لم يكن من إِعرابه وَنَظِير زِيَادَة هَذِه النُّون فِي الْمَنْصُوب قَوْلهم / فِي الْمَجْرُور منِّي وعنِّي وقَدنْي زادوا النُّون ليسلم مَا قبلهَا على سكونه كَمَا سلم الْفِعْل على فَتحه فقد زيدت فِي الْمَجْرُور كَمَا زيدت فِي الْمَنْصُوب وَلَو كَانَ آخر الِاسْم متصرّفا بالحركة لم تزد نَحْو قَوْلك هَذَا هَنِي ودَمِي فَالَّذِي ذكرنَا ممّا يحذف قَوْلك إِنَّني وكأَنَّني ولعلَّني لأَنَّ هَذِه الْحُرُوف مشبهة للْفِعْل

(1/249)


مَفْتُوحَة الأَواخر فزدت فِيهَا النُّون كَمَا زدتها فِي الْفِعْل لتسلم حركاتها وَيجوز فِيهِنَّ الْحَذف فَتَقول إِنِّي وكأَنِّي ولكنِّي وإِنَّما جَازَ لأَنَّ النُّون فِي (إِنَّ) و (كأَنَّ) ثَقيلَة وَهِي مَعَ ذَلِك مُشبَّهة بِالْفِعْلِ وَلَيْسَت بأَفعال فحذفت كَرَاهِيَة التَّضْعِيف وإِنْ أَثبتَّ فَلَمَّا وَصفته فإِن قَالَ قَائِل فأَنت تَقول لعلِّي وَلَيْسَ فِي لعلّ نون فإِنَّما ذَلِك لأَنَّ (لعلّ) مضعَّفة وَهِي أَقرب الْحُرُوف من النُّون وتعاقبها وتدغم كلّ وَاحِدَة / مِنْهُمَا فِي صاحبتها وَقد مضى القَوْل فِي هَذَا فأَمَّا (لَيْتَني) فَلَا يجوز حذف النُّون مِنْهَا إِلاَّ أَن يضطَّر شَاعِر فيحذفها لأَنَّ الضَّرُورَة تردّ الأَشياءَ إِلى أُصولها والأَصل الياءُ وحدَها وَلَيْسَت (لَيْت) بِفعل إِنَّما هِيَ مشبّهة فَمن ذَلِك قَوْله
(تَمَنَّى مَزْيدٌ زيدا فَلاقَى ... أَخا ثِقةٍ إِذا اخْتلف العَوالي)

(كمُنْيةِ جابرٍ إِذ قَالَ لَيْتَني ... أُصَادفُه ويَهْلِكَ جُلُّ مَالِي)
فَهَذَا من الْمَحْذُوف الَّذِي بُلغ بِهِ الأَصل

(1/250)


وممّا حذف اسْتِخْفَافًا لأَنَّ مَا ظهر دَلِيل عَلَيْهِ قَوْلهم فِي كلِّ قَبيلَة تظهر فِيهَا لَام الْمعرفَة مثل بني الْحَارِث وَبني الهُجَيم وَبني العنبر هُوَ بَلْعَنبر وبَلْهُجيم فيحذفون النُّون لقربها من اللَّام لأَنَّهم يكْرهُونَ التَّضْعِيف فإِن كَانَ مثل بني النجّار والنمر والتيم لم يحذفوا لئلاَّ يجمعوا عَلَيْهِ علَّتين الإِدغام والحذف وَيَقُولُونَ عَلْماءِ بَنو فلَان يُرِيدُونَ على الماءِ فيحذفون لَام على كَمَا قَالَ /
(وَمَا سُبِقَ القَيْسيُّ من ضعْفِ حِيلةٍ ... ولكنْ طفت عَلْمَاءِ قُلْفةُ خَالدِ)
وَاعْلَم أَنَّ كلّ مدغم فِيمَا بعده إِذا كَانَا من كَلِمَتَيْنِ فإِظهار الأَوّل جَائِز لأَنَّه غير لَازم للثَّانِي إِلاَّ أَنَّه فِي بعضٍ أَحسن مِنْهُ فِي بعض على قَدْر تداني المخارج وبُعْدها فإِذا لقِيت التاءُ دَالا أَو طاء كَانَ الإِدغام أَحسن لأَنَّ مخرج الثَّلَاثَة وَاحِد وإِنَّما يفصل بَينهمَا أَعراض فِيهَا وَذَلِكَ قَوْلك ذهبطَّلحة الإِدغام أَحسن وَكَذَلِكَ هُدِّ مدَّارُ زيدٍ وَمثل ذَلِك لم يعد تَّميم وَلم يعد طَّاهر فإِن قلت انقط دَاوُد كَانَ الإِدغام بأَن تطبق مَوضِع الطاءِ أَحسن لأَنَّ فِي الطاءِ إِطباقا فيكرهون ذَهَابه تَقول انقطَّاود وَلَو قلت انقدّاود كَانَ حسنا ولكنّ الِاخْتِيَار مَا ذكرت لَك وإِن لم تُدْغَم / فَجَائِز

(1/251)


والظاءُ والثاءُ والذال هَذَا أَمر بَعضهنَّ مَعَ بعض فِي تبقية الإِطباق وحذفه وَحسن الإِدغام وَجَوَاز التَّبْيِين وَفِيمَا ذكرت لَك من قرب المخارج وَبعدهَا كِفَايَة فأَمّا قراءَة أَبي عَمْرو {هَثُّوِّبَ الكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} فإِنَّ التَّبْيِين أَحسن مِمَّا قرأَ لأنَّ الثاءَ لَا تقرب من اللَّام كقرب التاءِ وأُختيها وَكَذَلِكَ التاءُ فِي قراءَته {بتُّؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا} وَلَيْسَت هَذِه اللَّام كَلَام الْمعرفَة لَازِمَة لكلّ اسْم تُرِيدُ تَعْرِيفه فَلَيْسَ يجوز فِيهَا مَعَ هَذِه الْحُرُوف الَّتِي ذكرت لَك وَهِي ثَلَاثَة عشر حرفا إِلاَّ الإِدغام وَقد ذكرنَا بتفسيرها وإِنَّما يلْزم الإِدغام على قدْر لُزُوم الْحَرْف أَلا ترى / أَنَّها إِذا كَانَت فِي كلمة وَاحِدَة لم يجز الإِظهار إِلاَّ أَن يضطرّ الشَّاعِر فيردّ الشيءَ إِلى أَصله نَحْو ردَّ وفَرَّ ودَابّة وشابّة لأَنَّ الباءَ الأُولى تلْزم الثَّانِيَة فأَمَّا قَوْلهم أَنتما تكلِّمانني وتكلمانيّ وَقَوله {أفغير الله تأمروني} وَفِي الْقُرْآن {لم تؤذونني وَقد تعلمُونَ} فلأَنَّ الثَّانِيَة مُنْفَصِلَة من الأُولى لأَنَّها اسْم الْمَفْعُول تَقول أَنتما تظلمان زيدا وأَنتم تظْلمُونَ عمرا وأَمّا (دابّة) فَهِيَ فاعِلة وَكَذَلِكَ (ردَّ) فَعَلَ فهما لَازِمَة إِحداهما للأُخرى لَا تنفصل مِنْهَا فإِذا اضطرّ شَاعِر جَازَ رَدَد وضَنِن كَمَا قَالَ
(تَشْكُو الوَجَى من أَظْلُلٍ وأَظْلُلِ)

(1/252)


وَقَالَ
(مَهْلاً أَعاذلُ قدْ جَرَّبتِ منْ خُلُقي ... أَنِّي أَجُودُ لأَقْوامٍ وإِن ضَنِنُوا)
وَقَالَ
(الحمدُ لله العلِيّ الأَجْلَلِ)
وَاعْلَم أَنَّ أَلف الْوَصْل الَّتِي تكون مَعَ اللَّام للتعريف تخَالف سَائِر أَلفات الْوَصْل وإِن كَانَت فِي الْوَصْل مثلَهنّ وَذَلِكَ أَنَّها مَفْتُوحَة لأَنَّها لم تلْحق اسْما وَلَا فعلا نَحْو اضربْ واقْتُلْ وَابْن وَاسم وإِنَّما لحقت حرفا فَلذَلِك فتحت وخولف بلفظها لمُخَالفَة مَا وَقع هليه الأَسماءُ والأَفعال فإِذا كَانَت فِي درَج الْكَلَام سَقَطت كسقوط سَائِر أَلفات الْوَصْل وَذَلِكَ قَوْلك لقِيت الْقَوْم فَسَقَطت وَتقول وَالْقَوْم ذاهبون وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا صرّفت فِيهِ إِلاَّ أَن تلحقها أَلف الِاسْتِفْهَام فتجعلها مَدّة وَلَا تحذفها فيلتبس الْخَبَر بالاستفهام لأَنَّها مَفْتُوحَة فَلَو حذفتها لاستوى اللفظان وَذَلِكَ قَوْلك فِي الِاسْتِفْهَام آلرجل لقِيك وَقَوله {آللهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ} وَكَذَلِكَ أَلف (آيْم) لأَنَّها لَزِمت اسْما لَا يسْتَعْمل إِلاَّ فِي الْقسم فَهُوَ مضارع لأَلف اللَّام تَقول آيم الله لقد كَانَ / ذَاك آيمن الله لقد كَانَ ذَاك وَلذَلِك قَالُوا يَا الله اغْفِر لنا لمّا كَانَت فِي اسْم لَا تُفَارِقهُ وَثبتت فِي الِاسْتِفْهَام فعلوا بهَا ذَلِك وَكَذَلِكَ أَفأَللهِ لتفعلنّ لما وصفت لَك فإِذا كَانَت مستأْنفة وتحرّكت اللَّام بعْدهَا بحركة الْهمزَة فإِنَّ النحويّين يَخْتَلِفُونَ فِيهَا فَيَقُول قوم أَلحَمر جاءَني فيثبتوها وإِن تحركت اللَّام وَلَا يجعلونها مثل قَوْلك {سل بني إِسْرَائِيل} لأَنَّها كَانَت اسأَل فلمّا تحرّكت السِّين سَقَطت أَلف الْوَصْل فهؤلاءِ يحتجّون بثباتها فِي الِاسْتِفْهَام وأَنَّ بعْدهَا سَاكن الأَصل لَا يكون إِلا على ذَلِك

(1/253)


وهؤلاءِ لَا يدغمون مَا قبل اللَّام فِي اللَّام ممّا قرب جِواره مِنْهَا لأَنَّ حكم اللَّام عِنْدهم حكم السّكُون فَلذَلِك ثبتَتْ أَلف الْوَصْل وَمِنْهُم من يَقُول لَحمر جاءَني فيحذف الأَلف / لتحرّك اللَّام وعَلى هَذَا قرأَ أَبو عَمْرو {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادَ لُّوليَ} وَكَانَ الأَخفش يُجِيز اِسَلْ زيدا لأَنَّ السِّين عِنْده سَاكِنة لأَنَّ الْحَرَكَة للهمزة وَهَذَا غلَط شَدِيد لأَنَّ السِّين متصرّفة كَسَائِر الْحُرُوف وأَلف الْوَصْل لَا أَصل لَهَا فَمَتَى وُجد السَّبِيل إِلى إِسقاطها سَقَطت وَاللَّام مبنيَّة على السّكُون لَا موضعَ لَهَا غيرُه فأَمرها مُخْتَلف وَلذَلِك لحقتها أَلف الْوَصْل مَفْتُوحَة مُخَالفَة لسَائِر الأَلفات
(تمّ الإِدغام)
قَالَ أَبو الْعَبَّاس كنَّا قدّمنا فِي أَوّل كتَابنا وَبعد ذَلِك أَشياءَ جرى ذكرهَا لما يشاكلها فِي موَاضعهَا وَلم يكن موضعَ تَفْسِيرهَا فوعدنا أَن نفسّرها إِذا قضينا القَوْل فِيمَا قصدنا لَهُ عِنْد ذكرهَا فَمن ذَلِك لَام الْخَفْض الَّتِي يسمّيها النحويّون لَام المِلْك / فَقُلْنَا هِيَ مَكْسُورَة مَعَ الأَسماءِ الظَّاهِرَة ومفتوحة مَعَ الأَسماءِ المضمرة لعلَّة نذكرها وَهَذَا أَوان ذكرهَا أَصلها عندنَا الْفَتْح كَمَا يَقع مَعَ الْمُضمر نَحْو قَوْلك المَال لَك وَالْمَال لَنا وَالدَّرَاهِم لَكم وَلَهُم وَكَذَلِكَ كلّ مُضْمر فإِذا قلت المَال لِزيد كسرتها لئلاَّ تَلْتَبِس بلام الابتداءِ وَلم تكن الْحَرَكَة فِيهَا إِعرابا فيسلمها على مَا خيّلت

(1/254)


وَمَوْضِع الالتباس أَنَّك لَو قلت إِنَّ زيدا لَهذا وإِن عمرا لَذاك وأَنت تُرِيدُ لَام الْملك لم يدر السَّامع أَيَّهما أَردت إِنَّ زيدا فِي مِلْك ذَاك أَو إِنَّ زيدا ذَاك فإِذا كسرت فَقلت إِن زيدا لِذاك علم أَنَّه فِي مِلْكِه وإِذا قلت إِنَّ زيدا لَذاك علم أَنَّ زيدا ذَاك وَكَذَلِكَ الأَسماءُ المعربة إِذا وقفت عَلَيْهَا فَقلت إِنَّ هَذ لَزيد لم يدر أَهو زيد أَم هُوَ لَهُ فإِن قَالَ قَائِل فَلم لَا يكون / ذَلِك فِي الباءِ قيل لأَنَّ الباءَ لَا يشرَكها مثلهَا فتخاف لبسا فبِنْيتُها أَبدا الكسرُ مَعَ الظَّاهِر والمضمر تَقول مَرَرْت بزيد وَبِك وَبِه وبِهم كَمَا أَنَّ بِنْية الْكَاف الفتحُ إِذا قلت أَنت كزيد وَلست كَه يَا فَتى فإِن قَالَ فَمَا بالك تكسرها إِذا قلت لست كِى فإِنَّما ذَاك لأَنَّ ياءَ الإِضافة تحوّل كلّ حَرَكَة إِلى كسرة تَقول هَذَا غلامِي وَضربت غلامِي وَالْمَال لِي فأَمّا أَمْنُك الالتباسَ فِي اللَّام مَعَ الْمُضمر فإِنَّما ذَاك لأَنَّ ضمير الرّفْع لَا يلتبس بضمير الجرّ تَقول إِنَّ هَذَا لَك وإِنَّ هَذَا لأَنت وإِنَّ هؤلاءِ لنَحْنُ فاختلاف اللَّفْظَيْنِ أُمِن الالتباس قَالَ وكنَّا ذكرنَا فِي صدر هَذَا الْكتاب أَمْر الأَفعال والأَسماءِ ووعدنا أَن نخبر لِمَ كَانَت الأَسماءُ على ثَلَاثَة أَنحاءٍ لَا زِيَادَة فِيهَا على ثَلَاثَة أَحرف وأَربعة وَخَمْسَة وَكَانَت الأَفعال على ضَرْبَيْنِ على ثَلَاثَة وأَربعة وَلم يكن فِي الأَفعال شيءٌ على خَمْسَة أَحرف كلُّها أَصليّ فَهَذَا وَقت تَفْسِيره وموضعه للنحويّين فِي هَذَا أَقاويل يُقَارب بعضُها بَعْضًا

(1/255)


يَقُولُونَ الأَسماءُ أَمْكَن من الأَفعال فَلذَلِك كَانَ لَهَا على الأَفعال فَضِيلَة تمكُّنها وإِنَّ الأَفعال تَبَع لَهَا فَقُلْنَا فِي تَفْسِير قَول هؤلاءِ الدَّلِيل على صحّة مَا قَالُوا أَنَّ الأَسماءَ الثلاثيَّة تكون على ضروب من الأَبنية تلحقها أَبنية الأَفعال لأَنَّ أَبنية الأَفعال إِنَّما هِيَ فَعَل وفَعُل ومضارعاتها يَفْعُلُ ويَفْعِل ويَفْعَل والأَسماءُ تكون على (فَعَل) نَحْو جَمَلِ وجَبَل وعَلى (فَعِل) نَحْو فَخِذ وكتِف وعَلى (فَعُل) نَحْو رجُل وعضُد وَتَكون الأَسماءُ مُفْردَة (بفِعَل) نَحْو ضِلَعَ وعِوَض و (بفُعُل) نَحْو حُضُضَ وعُنُق وَتَكون سواكن الأَوساط نَحْو فهْد وكلْب وَنَحْو جِذْع وعِدْل وَنَحْو بُرْد وخُرْج وَيكون فِي المتحرّكة نَحْو إِبل وإِطلٍ فإِذا صرت إِلى الأَربعة لم تكن الأَفعال / بِغَيْر زَائِدَة إِلاَّ على (فَعْلَلَ) نَحْو دحرج وسَرْهَفَ وهَمْلَجَ فَهَذَا نَظِيره فِي الأَسماءِ جَعْفَر وصندل وفرقد وَتَكون فِي الأَسماءِ على (فِعْلَل) نَحْو دِرْهَم وهجرع وفُعْلُل نَحْو حُبْرُج وتُرْتُم و (فِعْلِل) نَحْو زِبْرِج وزِئْبِر

(1/256)


فَلذَلِك كَانَ فِي الأَسماءِ مثل سفرجل وجَحْمَرِش وجِرْدَحِل وقُذَعْمِل فزادت هَذِه الأَبنية كَمَا زَاد مَا ذكرت لَك وإِنَّما ذكرت لَك رسما وَبقيت أَشياءُ لأَنِّي إِنَّما أَردت بِمَا بيّنت الإِيضاح لهَذَا الأَصل الَّذِي ذكرته وَقَالَ قوم الأَفعال تلزمها الزَّوَائِد وتتصرّف بهَا فيلزمها حُرُوف المضارعة وَغير ذَلِك من الزَّوَائِد كَمَا لحق الأَربعة التاءُ فِي تدحرج وأَلف الْوَصْل وَالنُّون فِي احرنجم وَنَحْوه وتضعيف اللَّام فِي قَوْلك اقشعرّ واطمأَنَّ فكرهوا أَن يبلغُوا بهَا الْخَمْسَة فتلزمها الزَّوَائِد فَتخرج عَن الْمِقْدَار وَتصير إِلى مَا يستثقل والأَسماءُ لَا يكره ذَلِك فِيهَا لأَنَّ / الزَّوَائِد غير لَازِمَة لَهَا وإِن كَانَت قد تدخل فِي بَعْضهَا وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة اللَّازِم للمعاني أَلا ترى أَنَّ قَوْلك اقتدر واستخرج وَقَاتل واغدودن واعْلَوَّط قد خرجت هَذِه الأَفعال إِلى مَعانٍ بالزوائد لَوْلَا هَذِه الزَّوَائِد لم تعلم إِذا قلت استخرج فَمَعْنَاه أَنَّه طلب أَن يخرج إِليه وَإِذا قلت: (فَاعل) وَجب أَن يكون الْفِعْل من اثْنَيْنِ وإِذا قلت (فاعَلَ) فقد كثَّرت الْفِعْل والأَسماءُ لَا يكون فِيهَا شيءٌ من هَذَا إِلاَّ الَّتِي تُبنى على أَفعالها نَحْو مستخرج ومنطلق فإِنَّها بَعْدُ رَاجِعَة إِلى الأَفعال وَقَالَ قوم لمّا كَانَت الأَسماءُ هِيَ الَّتِي يخبر عَنْهَا وإِنَّما الأَفعال آلَة لَهَا جعلت لَهَا على الأَفعال فَضِيلَة تبيّن بهَا حَال تَمَكُّنها وكلّ الأَقاويل حسن / جميل وَهَذَا الأَخير قَول المازنيِّ

(1/257)


(بَاب مصطفين)
قَالَ أَبو العبّاس وَهَذَا أَيضا ممّا لم يفسّر إِذا كَانَ الِاسْم مَقْصُورا فإِنَّما تأْويل قَصْره أَن يكون آخِره أَلفا والأَلف لَا تدْخلهَا الحركات وَلَا تكون أَصلا إِنَّما هِيَ منقلبة من ياءٍ أَو وَاو أَو تكون زَائِدَة فأَمّا المنقلبة فنحو أَلف قفا وإِنَّما هِيَ وَاو قَفَوْت وحصى إِنَّما هِيَ منقلبة عَن ياءٍ تَقول إِذا جمعت حَصَيات كَمَا أَنَّها فِي الفِعْل كَذَلِك تَقول رميت وغزوت وَتقول لغيرك رمى وغزا والزائدة مثل أَلف حُبْلى لأَنَّه من الحبَل وَكَذَلِكَ مِغْزى وحَبَنْطي من قَوْلك مَغْز وحَبِط بطنُه فَهَذِهِ الأَلف لَا يدخلهَا إِعراب ولكنَّها تنوّن إِذا كَانَ الِاسْم منصرفا وَيتْرك / تنوينها إِذا كَانَ ممّا لَا ينْصَرف فإِذا ثَنَّيْت اسْما هِيَ فِيهِ وَالِاسْم على ثَلَاثَة أَحرف أَبدلت مِنْهَا مَا كَانَ أَصلَها فتظهر الْوَاو أَو الياءُ لأَنَّها فِي مَوضِع حَرَكَة والأَلف لَا تتحرّك

(1/258)


تَقول فِي تَثْنِيَة قفا قَفَوان وَفِي تَثْنِيَة رَحَى رَحَيَان كَمَا كنت قَائِلا فِي الْفِعْل غَزَوَا إِذا ثنَّيت لأَنَّه من غزوت ورَمَيَا لأَنَّه من رمَيْت وإِذا كَانَت الأَلف رَابِعَة فَصَاعِدا رجعت إِلى الياءِ على كلّ حَال تَقول غَزَوت ثمَّ تَقول أَغْزَيت واستغزيت وَكَذَلِكَ الِاسْم تَقول فِي تَثْنِيَة مَلْهى ومُستغزّى ملهَيَان ومُستغزَيان فأَمّا الياءَات فَلَا تحْتَاج إِلى تَفْسِيرهَا لأَنَّ الْوَاو إِليها تصير فَيصير اللَّفْظ بهما وَاحِدًا فإِذا أَردت الْجمع على جِهَة التَّثْنِيَة - وَذَلِكَ لَا يكون إِلاَّ لما يعقل - تَقول مسلمان ومسلمون وصالحان / وصالحون فعلى هَذَا تَقول فِي جمع مصطفى مُصْطَفَوْن وَكَانَ الأَصل على مَا أَعطيتك مصطفَيُون وَقبل أَن تنْقَلب مصطفَوُون ولكنَّها لمّا صَارَت أَلفا لم يجز أَن تردّ إِلى ضمّة وَلَا إِلى كسرة لعلَّتين إِحداهما استثقال الضمّة والكسرة فِي الْموضع الَّذِي تنْقَلب الْوَاو والياءُ فِيهِ أَلفين للفتحة قبلهمَا وَالثَّانيَِة أَنَّه لَا نَظِير لَهُ فَيخرج عَن حدّ الأَسماءِ والأَفعال فإِن كَانَ فِي مَوضِع فتح ثَبت لأَنَّ الفتحة أَخفُّ ولأَنَّ لَهُ نظيرا فِي الأَسماءِ والأَفعال

(1/259)


فأَمَّا فِي الأَفعال فإِنَّك تَقول للْوَاحِد غَزا وللاثنين غَزَوَا لئلاَّ يلتبس الْوَاحِد بالاثنين وَكَذَلِكَ رمى ورميَا وأَمّا فِي الأَسماءِ فقولك النزَوان والغثَيان لأَنَّك لَو حذفت لالتبس بفَعال من غير المعتلّ وَقَوْلنَا الفتحة أَخفُّ قد بَان لَك أَمرها تَقول هَذَا زيد / ومررت بزيد فَلَا تعوّض عَن التَّنْوِين لأَنَّ قبله كسرة أَو ضمّة وَتقول رأَيت زيدا فتبدل مِنْهُ أَلفا من أَجل الفتحة وَتقول رأَيت قَاضِيا وتسكِّن الياءَ فِي الْخَفْض وَالرَّفْع فِي الْوَقْف والوصل ثمّ تذْهب لالتقاءِ الساكنين وَهُوَ التَّنْوِين الَّذِي يلْحقهَا وَهِي سَاكِنة وَتقول فِي فَخِذ - إِن شِئْت - فَخْذ وَفِي عَلِمَ عَلْمَ وَكَذَلِكَ فِي عَضُد ورَجُل عَضْد ورَجْل وَلَا يجوز الإِسكان فِي جَمَل وَمَا كَانَ مثله فعلى هَذَا تَقول هما مصطَفيان وهما الأَشقَيان وأَعجبني قفَواهما ورأَيت قَفَوَيْهما والمصطفَيَيْن فإِذا كَانَ الْجمع لحقت الْوَاو هَذِه الأَلف الَّتِي كَانَت فِي مِغْزى ومصطفى وَالْوَاو سَاكِنة وَكَذَلِكَ هَذِه الأَلف فحذفت الأَلف لالتقاءِ الساكنين فَبَقيت وَاو الْجمع أَو ياءُ الْجمع وَمَا قبل كلّ وَاحِد مَفْتُوح لأَنَّه كَانَ مَفْتُوحًا قبل الأَلف فحذفت الأَلف وَبَقِي الشيءُ على حَاله

(1/260)


(هَذَا بَاب الْمُضمر الْمُتَّصِل)
اعْلَم أَنَّ كلّ مَوضِع تقدر فِيهِ على الْمُضمر متَّصلا فالمنفصل لَا يَقع فِيهِ تَقول قُمْت وَلَا يصلح قَامَ أَنا وَكَذَلِكَ ضربتك لَا يصلح ضربت إِيّاك وَكَذَلِكَ ظننتك قَائِما ورأَيتني وَلَا يصلح رأَيت إِيَّاي فإِن كَانَ مَوضِع لَا يَقع فِيهِ المتَّصل وَقع فِيهِ الْمُنْفَصِل هَذَا جملَة هَذَا تَقول أَنت قُمْت فتظهر أَنت لأَنَّ التاءَ الَّتِي تكون فِي فَعَلْت لَا تقع هَاهُنَا وَتقول مَا جاءَك إِلاَّ أَنا وَمَا جاءَني إِلاَّ أَنت وَمَا ضربت إِلاَّ إِياك وإِيَّاك ضربت لأَنَّ الْكَاف الَّتِي فِي ضربتك لَا تقع هَاهُنَا لَا تَقول كضربت وَكَذَلِكَ جَمِيع هَذَا وَاعْلَم أَنَّ ضمير الْمَرْفُوع التاءُ يَقُول المتكلِّم إِذا عَنى نَفسه ذكرا كَانَ أَو أُنثى قمتُ وذهبتُ وإِن عَنى غَيره / كَانَت التاءُ على حَالهَا إِلاَّ أَنَّها مَفْتُوحَة للمذكَّر ومكسورة للمؤنَّث تَقول

(1/261)


فعلتَ يَا رجل وفعلتِ يَا امرأَة فإِن ثنَّى المتكلِّم نَفسه أَو جمعهَا بأَن يكون مَعَه وَاحِد أَو أَكثر قَالَ فعلنَا وَلم يجز فعل نَحن لما ذكرت لَك وإِن ثنَّى الْمُخَاطب قَالَ فعلتما ذكرين كَانَا أَو أُنثيين وَقد تقدّم تَفْسِير هَذَا وَلَا يجوز فَعَلَ أَنتما فإِن جمع فَكَانَ المخاطبون ذُكُورا قَالَ فَعلْتُمْ وَلَا يَقُول فعل أَنتم وإِذا كنَّ إِناثا قَالَ فعلتنّ وَلَا يجوز فعل أَنتنّ فإِن خبّر عَن ذكر كَانَت علامته فِي النيّة ودلّ عَلَيْهَا مَا تقدّم من ذكره فَقَالَ زيد قَامَ وَزيد ذهب فإِن ثنَّى أَلحق الأَلف فَقَالَ أَخواك قاما وإِن جمع أَلحق واوا مكانَ الأَلف وَقَالَ إِخوتك قَامُوا فإِذا كَانَ للْغَائِب مؤنَّثا فَكَذَلِك

(1/262)


نقُول فِي الْوَاحِد هِنْد قَامَت التاءُ عَلامَة الأْنيث وَالضَّمِير فِي النيَّة كَمَا كَانَ فِي المذكَّر وإِن ثنَّى أَلحق الأَلف (بِكَ) للمخاطب وتكسر الْكَاف للمؤنَّث وَتقول فِي الْغَائِب رأَيته ومررت بِهِ ورأَيتها ومررت بهَا للمؤنَّث ورأَيتهما ومررت بهما للمذكَّر والمؤنَّث ورأَيتهم ومررت بهم للمذكَّر ورأَيتهنّ ومررت بهنَّ للمؤنَّث ورأَيتكنَّ ومررت بكنّ للمخاطبات وللمذكَّر رأَيتكم ومررت بكم وَكَذَلِكَ تَقول هَذَا الضاربي والياءُ فِي مَوضِع نصب وَهَذَا المارّ بِي والياءُ فِي مَوضِع خفض فأَما قَوْلك ضَرَبَنِي وأَكرمني فإِنَّما الِاسْم الياءُ وَهَذِه النُّون زَائِدَة زادوها عمادا للْفِعْل لأَنَّ الأَفعال لَا يدخلهَا كسر وَلَا جر وَهَذِه الياءُ تكسر مَا قبلهَا تَقول هَذَا غلامِي ورأَيت غلامِي فتكسر الْمِيم الَّتِي موضعهَا مَرْفُوع ومنصوب فزيدت هَذِه النُّون لتسلم فَتْحة الْفِعْل فِي الْمَاضِي وإِعرابه فِي إِعرابه وَذَاكَ ضَرَبَنِي ويضربني كَمَا تفعل فِي الْخَفْض إِذا أَردت سَلامَة مَا قبل الياءِ تَقول مِيِّي وعنِّي لأَنَّ (مِنْ) و (عنْ) لَا تحرّك نونهما لأَنَّهما حُرُوف مبنيّة وَكَذَلِكَ قَطْني / وقَدْنِي وَمَا كَانَ مثل ذَلِك وإِنَّما زيدت النُّون لأَنَّها تزاد فِي الأَواخر كالتنوين الَّذِي يلْحق الأَسماءِ والنونِ الْخَفِيفَة والثقيلة الَّتِي تلْحق الأَفعال وَالنُّون الَّتِي تزاد مَعَ الأَلف فِي فَعْلان وَالنُّون حرف أَعنّ مضارع حُرُوف المدّ واللين

(1/263)


(هَذَا بَاب الإِضمار الَّذِي يلْحق الْوَاحِد الْغَائِب وَتَفْسِير أَصله وأَين يجوز أَن يُبدل من الْوَاو الَّتِي تلحقها الياءُ والعلَّة فِي ذَلِك)
فالأَصل فِي هَذَا الضَّمِير أَن تتبع هاءَه وَاو فالاسم الهاءُ وحدَها وَالْوَاو تلحقها لخفاءِ الهاءِ فإِذا وقفت وقفت بالهاءِ وَحدهَا لئلاَّ يكون الْوَاو بِمَنْزِلَة الْحُرُوف الأَصليّة وَذَلِكَ قَوْلك رأَيتهْ وأَعطيتهْ إِذا وقفت فإِذا وصلت قلت أَعطيتهو يَا رجل وجاءَني غلامهو فَاعْلَم رأَيت غلامهو يَا فَتى ومررت بغلامهو ومررت بهو و {فَخَسَفْنَا بهُو وَبِدَارِهُو الأَرْضَ} وعليهو مَال وَهَذِه عصاهو يَا فَتى وَهَذَا أَخوهو فَاعْلَم هَذَا الأَصل فِي هَذَا كلِّه فإِن كَانَ قبل هَذِه الهاءِ ياءٌ / أَو كسرة كَانَ الأَحسن أَن تبدل من ضمّتها كسرة - لاستثقالهم الضمّة بعد الياءِ والكسرة - وَمن الْوَاو يَاء وإِن جِئْت بهَا على الأَصل كَمَا بدأْنا بِهِ فعربيّ جيّد فأَمّا مَا كَانَت قبلهَا كسرة فنحو مَرَرْت بهى يَا فَتى وَنزلت فِي دارهى ياهذا وَنَحْو ذَلِك وأَمَّا مَا كَانَ بالياءِ فإِنَّما يصلُح إِذا كَانَت الياءُ سَاكِنة نَحْو نزلت عليهى يَا فَتى وَذَهَبت إِليهى يَا رجل

(1/264)


وإِن شِئْت حذفت الَّتِي بعد الهاءِ لسكونها وَسُكُون الياءِ لأَنَّ الهاءَ الَّتِي بَينهمَا حاجز لَيْسَ بحصين فَتَقول نزلت عَلَيْهِ يَا فَتى وَذَهَبت إِليه فَاعْلَم وَكَذَلِكَ تفعل بِمَا كَانَ مثله نَحْو قَوْله عزَّ وجلّ {فَألْقى مُوسَى عَصَاهُ} لأَنَّ هَذَا يشبّه بالتقاءِ الساكنين لخفاءِ الهاءِ فإِن كَانَت الياءُ متحرّكة لم يكن ذَلِك لأَنَّ الْحَرَكَة حاجزة بَينهمَا تَقول رأَيت قاضيَهو يَا فَتى وكلَّمت غازيهو فَاعْلَم فإِن كَانَت هَذِه الهاءُ لمؤنث لزمتها الأَلف والفتحة للفصل بَين المؤنّث والمذكَّر وجري ذَلِك فِي الْوَقْف مجْرَاه فِي الْوَصْل لخفَّة الفتحة والأَلف كَمَا أَنَّك تَقول رأَيت زيدا فِي النصب وتقف فِي الرّفْع والخفض بِغَيْر وَاو وَلَا ياءٍ وَذَلِكَ قَوْلك رأَيتها وضربتها وَهَذَا غازيْها ورأَيت قاضيَها

(1/265)


(هَذَا بَاب مَا يخْتَار فِيهِ حذف الْوَاو والياءِ من هَذِه الهاءَات)
اعْلَم أَنَّه إِذا كَانَ قبل هاءِ المذكَّر ياءٌ سَاكِنة أَو وَاو سَاكِنة أَو أَلف كَانَ الَّذِي يخْتَار حذف الْوَاو والياءِ بعْدهَا وَذَلِكَ لأَنَّ قبلهَا حرف لين وَهِي خفيّة وَبعدهَا حرف لين فكرهوا اجْتِمَاع حرفين ساكنين كِلَاهُمَا حرف لين لَيْسَ بَينهمَا إِلاَّ حرف خفيّ مخرجه مخرج الأَلف وَهِي إِحْدَى / هَذِه الثَّلَاث وَذَلِكَ قَوْله {فَألْقى مُوسَى عَصَاهُ} {وَعَلَيْهِ مَا حُمِّلَ} وفِيْهِ بَصَائِرُ ورأَيت قَفاهُ يَا فَتى وإِن أَتممت فعربيّ حسن وَهُوَ الأَصل وَهُوَ الِاخْتِيَار لما ذكرت لَك فإِن كَانَ قبل الهاءِ حرف سَاكن لَيْسَ من هَذِه الْحُرُوف فإِنَّ سِيبَوَيْهٍ والخليل يختاران الإِتمام والحذف عِنْدِي أَحسن وَذَلِكَ قَوْله {مِنْهُ آيَات محكمات} وَمن لدْنهُ يَا فَتى فِي إِلا وسيبويه والخليل يختاران {إِتمام} الْوَاو لما ذكرت لَك فالإِتمام {عِنْدهمَا أَجود} لأَنَّها قد خرجت من حُرُوف اللين تَقول رأَيت يَا فَتى وَاعْلَم أَنَّ الشعراءَ يضطرون {فيحذفون} هَذِه الياءَ وَالْوَاو ويبقون الْحَرَكَة لأَنَّها لَيست بأَصل {كَمَا يحذفون} سَائِر الزَّوَائِد فَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر
(فإِنْ يكُ غَثَّا أَو سَمينا فإِنَّني ... سأَجعَلُ عَيْنيْهِىْ لنفسهِ مَقْنَعا)
وَقَالَ الآخر
(وَمَا لهُ من مَجْدٍ قديمٍ وَلَا لهُ ... منَ الرّيح حَظٌ لَا الجَنُوبِ وَلَا الصَّبا)

(1/266)


أَو أَكثر قَالَ فعلنَا وَلم يجز فعل نَحن وَلما ذكرت لَك
(لهُ زَجَلٌ كأَنَّهُ صَوْتُ حادٍ ... إِذا طلب الوسِيْقَةَ أَو زَمِيرُ)
وَهَذَا كثير فِي الشّعْر جدّا وَقد اضطرّ الشَّاعِر أَشدَّ من هَذِه الضَّرُورَة فَحذف الْحَرَكَة مَعَ الْحَرْف وَكَانَ ذَلِك جَائِزا لأَنَّها زِيَادَة وَهُوَ قَوْله
(فَظلتُ لَدَى البيتِ الْعَتِيق أُريغْهُ ... ومِطْوايَ مُشْتاقان لَهُ أَرِقانِ)

(1/267)


(هَذَا بَاب إِضمار جمع المذكَّر)
اعْلَم أَنَّ حدّ الإِضمار أَن يكون كافا وميما وواوا إِذا كَانَ المخاطبون مذكَّرِين فَتَقول ضربتكمو يَا قوم ورأَيتكمو المنطلقين وإِنَّما كَانَت الْوَاو لهَذَا لَازِمَة لأَنَّ التَّثْنِيَة رأَيتكما وإِذا لَزِمت التثنيةَ الأَلف لَزِمت الْجمع الْوَاو كَقَوْلِك مسلمان ومسلمون ولكنَّك تحذف إِن شِئْت هَذِه الْوَاو اسْتِخْفَافًا / فَتَقول رأَيتكمْ وضربتكمْ وإِنَّما كَانَ ذَلِك لأَنَّ التَّثْنِيَة تلزمها الأَلفُ فَلَا يكون هَا هُنَا التباس فإِن قَالَ قَائِل فَلم لم تحذف الأَلف من الِاثْنَيْنِ وَتبقى الْوَاو فِي الْجمع قيل لما تقدّم ذكره مِنْ خفَّة الفتحة والأَلف أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي الْمُؤَنَّث مَرَرْت بهَا فَلَا تقف إِلاَّ بالأَلف وَفِي وقف المذكَّر مَرَرْت بهْ ورأَيتهْ بِغَيْر ياءٍ وَلَا وَاو كَمَا وصفت لَك فِي قَوْلك مَرَرْت بزيْد ورأَيت زيدا فإِن قَالَ قَائِل فَمَا بالكم إِذا قُلْتُمْ رأَيتكم حذفتم الْوَاو وَلم تثبتوا الْحَرَكَة قيل لأَنَّ الضمّة فِي الاستثقال مَعَ هَذَا كالواو وإِنَّما بقيت الْحَرَكَة فِي الْوَاحِد فِي قَوْله {مِنْهُ آيَات محكمات} و {عَلَيْهِ مَا حمل} لأَنَّ مَا قبل الهاءِ سَاكن فَلم يجز إِسكانها فيلتقي ساكنان

(1/268)


وإِن خبّرت عَن جمَاعَة مخاطبين أَنَّهم فعلوا فحقُّه أَن يُقَال فعلتمو وذهبتمو كَمَا يُقَال للاثنين فعلتما وأَمَّا الْكَاف فِي ضربتكم فإِنَّما جاءَت لأَنَّها ضمير / الْمَنْصُوب والمخفوض ثمّ لحقها زِيَادَة للْجمع أَلا ترى أَنَّك تَقول ضربتك وضربتكما وضربتكمو وَتقول إِذا كَانُوا فاعلين ضربت ضربتما وضربتمو وَتقول ضَرَبْتُمْ بِغَيْر وَاو لما أَخبرتك فِي أَوّل الْبَاب فَهَذَا ذَاك بِعَيْنِه فإِن كَانَ المذكَّرون غُيَّابا وضعت الهاءَ مَكَان الْكَاف إِذا كَانُوا منصوبين أَو مخفوضين تَقول رأَيتهمو يَا فَتى ومررت بهمو فَاعْلَم وَيجوز الْحَذف وَيكون حسنا يختاره أَكثر النَّاس كَمَا كَانَ فِي المخاطبين إِلاَّ أَنَّه يجوز فِي الهاءِ أَن تكسر إِذا كَانَ قبلهَا كسرة أَو ياءٌ فَتَقول مَرَرْت بهِمى وَنزلت عليهِمى وَمن حذف قَالَ مَرَرْت بهِمْ وَنزلت عليْهِمْ وإِنَّما جَازَ هَذَا فِي الهاءِ لخفائها كَمَا ذكرت لَك فِي الْوَاحِد وَمِنْهُم من يكسر الهاءَ لخفائها ويدع مَا بعْدهَا مضموما لأَنَّه لَيْسَ من الْحُرُوف الخفيّة فَيَقُول مَرَرْت بهِمو والإِتباع أَحسن وَهُوَ أَن يَقُول مَرَرْت بهِمِى وَنزلت عليهِمى وناس من بكر بن وَائِل يُجْرون الْكَاف مُجْرَى الهاءِ إِذ كَانَت مهموسة مثلهَا / وَكَانَت عَلامَة إِضمار كالهاءِ

(1/269)


وَذَلِكَ غلط مِنْهُم فَاحش لأَنَّها لم تشبهها فِي الخفاءِ الَّذِي من أَجله جَازَ ذَلِك فِي الهاءِ وإِنَّما يَنْبَغِي أَن يجْرِي الْحَرْف مجْرى غَيره إِذا أَشبههه فِي علَّته فَيَقُولُونَ مَرَرْت بكِم وينشدون هَذَا الْبَيْت
(وإِن قَالَ مَوْلَاهُم على جُلِّ حادثٍ ... منَ الدَّهْر رُدُّوا فَضْلَ أَحلامِكِمْ رَدّوا)
وَهَذَا خطأْ عِنْد أَهل النّظر مَرْدُود وَاعْلَم أَنَّ المذكَّر الْوَاحِد لَا تظهر لَهُ عَلامَة فِي الْفِعْل وَذَلِكَ قَوْلك زيد قَامَ وإِنَّما ضَمِيره فِي النيّة وإِنَّما كَانَ للمخاطب عَلامَة الْجِهَة حرف المخاطبة فإِن ثنَّيت الْغَائِب أَلحقته أَلفا فَقلت فَعَلا وإِن جمعته أَلحقت واوا فَقلت فَعَلُوا لأَنَّ الأَلف إِذا لحقت فِي التَّثْنِيَة لحقت الْوَاو فِي الْجمع فأَمّا (يَفْعَلُونَ) وَمَا كَانَ مثله فإِنَّا أَخَّرنا ذكره حتَّى نذكرهُ فِي إِعراب الأَفعال وَاعْلَم أَنَّ الْمُؤَنَّث يجْرِي فِيمَا ذكرنَا مجْرى المذكَّر إِلاَّ أَنَّ عَلامَة المؤنَّث الْمُخَاطب أَن يلْحقهُ الكسرة لأَنَّ الكسرة / ممّا تونِّث وَجمع المؤنَّث بالنُّون مكانَ الْمِيم فكلّ مَوضِع {لَا تكون عَلامَة المذكَّر} فِيهِ واوا فِي الأَصل فالنون للمؤنَّث فِيهِ مضاعفة ليَكُون الحرفان بإِزاءِ الحرفين وكلّ مَوضِع {عَلامَة} المذكَّر {فِيهِ} الْوَاو وَحدهَا فنون الْمُؤَنَّث فِيهِ مُفْردَة

(1/270)


وَتقول فِيمَا كَانَ لمؤنث ضربتنّ وقلتن وَقلت للمذكَّرين ضربتمو وقلتمو وَفِي الْمَفْعُول (ضربتكنّ) كَمَا تَقول ضربتكمو وأَكرمتكمو والموضع الَّذِي تكون فِيهِ مُفْردَة ضربْنَ كَمَا تَقول للمذكَّرين ضربُوا وأَكرمُوا فَلَا تلْحق إِلاَّ واوا وَاحِدَة فإِن قلت فَمَا بَال الْوَاو سَاكِنة وَنون جمع المؤنَّث متحرّكة قيل نون التأْنيث أَصلها السّكُون ولكنَّها حرَّكت لالتقاءِ الساكنين لأَنَّ مَا قبلهَا لَا يكون إِلاَّ سَاكِنا فإِ، قيل فَلم فتحت فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَنَّها نون جمع فَحملت على نظيرها وَمن قَالَ قمتمْ وضربتمْ لم يحذف إِحدى النونين لأَنَّها إِنّما تحذف هَاهُنَا استثقالا للضمّة وَالْوَاو وَلَوْلَا ذَلِك لَكَانَ / الأَصل إِثباتها وإِنَّما هِيَ فِي المؤنَّث نون مدغمة - فإِذا أَدغمت الْحَرْف فِي الْحَرْف رفعت لسَانك رَفْعةً وَاحِدَة تمّ بِحَمْد الله

(1/271)