شرح شافية ابن الحاجب ركن الدين الاستراباذي

 [التقاء الساكنين] :
قوله1: "التقاء الساكنين يغتفر في الوقف مطلقا...."2.
أي: يجوز التقاء الساكنين في الوقف على كل كلمة قبل آخرها ساكن، كزيد وسميع؛ لأن الوقف محل تخفيف، ويجوز في غير الوقف، لا مطلقا، بل في مواضع:
أحدها: أن يكون أحد الساكنين مدغما في حرف والساكن الآخر حرف لين قبل المدغم [إذا كان الحرف المدغم] 3 وحرف اللين في كلمة واحدة، وحرف4 اللين الذي5 قبل المدغم إما ياء، نحو خُوَيِّصة6، في تصغير: خاصّة، وإما ألف نحو: الضّالّين، وإما واو، نحو: تُمُوَدّ الثوب.
وتُمُوَدَّ: فعل ما لم يسم فاعله، من7: تَمادَدْنا الثوب.
فإذا بني "تمادّ" لما لم يسم فاعله، ضم أوله وثانيه على ما
__________
1 قوله: موضعها بياض في "هـ".
2 تكملة عبارة ابن الحاجب: "وَفِي الْمُدْغَمِ قَبْلَهُ لِينٌ فِي كَلِمَةٍ نَحْوُ خُوَيصة وَالضَّالِّينَ وتُمُوَدّ الثَّوْبُ، وفي نَحْوِ مِيْمْ وَقَافْ وَعَيْنْ مِمَّا بُنِيَ لِعَدَم التَّرْكِيبِ، وَقْفاً وَوَصْلاً، وَفِي نَحْوِ الْحَسَنُ عِنْدَكَ وَآيْمُنُ الله يَمِينُكَ؛ لِلاِلْتِبَاسِ، وَفِي نَحْوِ لاَهَا اللهِ وَإي الله جائز".
"الشافية: ص7".
3 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
4 في "هـ": وحروف.
5 في "هـ": التي.
6 لفظة في: ساقطة من "هـ".
7 لفظة من: ساقطة من "هـ".

(1/485)


هو المقرر في النحون فيلزم انقلاب الألف واوا لضم ما قبلها، نحو: تُضُورِب.
وإنما جاز التقاء الساكنين ههنا؛ لأن المد الذي في الساكن الأول قام مقام الحركة فكأنه لم يجتمع ساكنان، ولأن الحرف المدغم في آخر يتوهم1 أنه متحرك.
وإنما قال: "في كلمة"؛ لأنهما لو كانا في كلمتين يكون حرف2 اللين في آخر كلمة والحرف المدغم في أول كلمة أخرى لم يجز التقاء الساكنين، بل يجب [حذف] 3 حرف اللين، سواء كان واوا، نحو: "قالوا ادّارأنا"، أو ألفا، نحو: "قالا ادّارأنا"، أو ياء، نحو: "في ادّارأنا"4.
وإنما يجب حذفه5 ههنا؛ لأنه وقع آخر الكلمة وآخر الكلمة6 محل التغير7 بخلاف8 ما إذا كانا في كلمة واحدة.
__________
1 في "ق": "في الآخر يوهم". وفي "هـ": "في آخر يوهم".
2 في "ق": ككون الحرف. وفي "هـ": ككون حرف.
3 في "ق": "حذفه، أي": موضع "حذف".
4 ادّارأنا: اختلفنا وتدافعنا. أصله: تدارأنا، فأدغمت التاء في الدال، واجتلبت الألف ليصح الابتداء بها.
"ينظر الصحاح: "درأ": 1/ 49".
5 في "ق": حذفها.
6 "وآخر الكلمة": ساقط من "ق".
7 في "هو": التغييرات.
8 في "هـ": للإعراب بخلاف.

(1/486)


وثانيهما1: [أنه يجوز التقاء الساكنين وصلا ووقفا] 2 في الكلمات إذا عددت تقديرا3 وكان قبل آخرها حرف لين، سواء كانت تلك الكلمات من حروف الهجاء، نحو: قاف وميم وعين، أو لم يكن منها، نحو: زَيْد وإنسان، وغيرهما4 مما بناؤه5 لعدم التركيب.
أما جواز التقاء الساكنين فيها حالة الوقف فظاهر؛ لما ذكرناه في أول الباب، وأما جوازه حالة الوصل؛ فللفرق بين ما بُنِي لوجود المانع من الإعراب وبين ما بُنِي لعدم المقتضي الإعراب وهو التركيب.
وإنما لم يفعل بالعكس؛ لقلة ما بني لعدم مقتضي الإعراب6 وكثرة ما بني لوجود المانع من الإعراب.
ومنهم من زعم أن السكون فيها سكون الوقف حال7 الوصل "69"8 وإنما سكنت أواخرها بنية الوقف، ولذلك جاز التقاء الساكنين فيها.
__________
1 في الأصل: وثانيهما. والصحيح ما أثبتناه من "ق"، "هـ".
2 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
3 في الأصل: تقديرا. وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
4 في "هـ": وغيرهما.
5 في "ق": مما بني.
6 في "هـ": المقتضي للإعراب.
7 في "هـ": حالة.
8 الواو ساقطة من "ق".

(1/487)


وثالثها: أنه يجوز التقاء الساكنين في الاسم المعرف باللام، [نحو: الحسن1] 2، وفي أيمن الله يمينك، [وأيم الله يمينك3] إذا كان قبلها4 همزة الاستفهام.
وإنما جوزوا التقاء الساكنين ههنا؛ لأنه لو حذفت همزة الوصل ههنا5 لالتبس الاستفهام بالخبر، فأتى بمدة عوضا عن همزة الوصل قبل الساكن [وهو اللام في المعرف باللام، وهمزة القطع في أيمن الله، وأيم الله] 6، فقيل: آلحسين عندك، وآيمن الله وآيم الله7 يمينك.
ومن العرب من يجعل همزة الوصل بين بين؛ أي: بين المدة والهمزة، فيقول: أألحسن عندك، وأأيمن الله يمينك وأأيم الله يمينك -وهو ليس بفصيح.
والذي يدل على وقوع هذا قول الشاعر8:
__________
1 فيقال: آلحسن؛ حيث دخلت همزة الاستفهام على "الحسن" وأوله همزة وصل مفتوحة، فلم يجز حذف همزة الوصل وإن وقعت في الدرج لئلا يلتبس الاستخبار بالخبر؛ لأن حركتي الهمزتين متفقتان، إذ هما مفتوحتان. "ينظر شرح الشافية للرضي: 2/ 224".
2 "نحو الحسن": ساقط من "ق".
3 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
4 في الأصل، "هـ": فيها. وما أثبتناه من "ق".
5 "ههنا": ساقطة من "هـ".
6 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
7 "وآيم الله": من طق"؛ فهي مشطوبة من الأصل، وساقطة من "هـ".
8 في "هـ": قوله.

(1/488)


"12"
وَمَا أَدْرِي إذَا يَمَّمْت وَجْهاً ... أُريد الخَيْر أَيُّهما يَلِيني
أَأَلْخير الَّذِي أنَا أبْتَغِيهِ ... أمِ الشَّرُّ الَّذِي هو يبتغيني1
فلو لم تجعل الهمزة في هذا البيت بين بين لم يتزن البيت.
قوله: "وحَلََقتا البِطان شاذ".
أي: التقاء الساكنين في قولهم: "التقت حَلَقَتا البِطان"2 شاذ؛ لأن الساكن الأول وإن كان مدة لكن لم يكن الثاني حرفا مدغما، على أن الساكنين ليسا من كلمة بل من كلمتين.
والبطان، للقتب: الحزام الذي يُجعل تحت بطن البعير، فيه حلقتان متى التقيا فقد بلغ الشد غايته3. ويضرب مثلا في الحادثة إذا بلغت النهاية، فيقال للحادثة إذا اشتدت: "التقت حَلَقَتا البِطان"4.
__________
1 هذان بيتان من الوافر، قالهما المثقِّب العبدي، واسمه عائذ بن محصن بن وائلة بن عَدِي، وهو شاعر جاهلي أقدم من النابغة الذبياني. وهما آخر بيتين في قصيدة له بعنوان مفاجأة وعتاب، وقال في بدايتها:
أفاطِم قبل بَيْنك متِّعيني ... ومنعك ما سألت كأن تَبِيني
ينظر في البيتين: المغني: 69، وابن يعيش: 9/ 138 والمفضليات: 292. وقد أنشد الرضي البيت الثاني في شرحه على الشافية: 2/ 268 رقم 282، وينظر كذلك: شرح شواهد شروح الشافية، للبغدادي 188 "رقم 96".
2 الصحاح: "بطن": 5/ 2079.
3 الصحاح: "بطن": 5/ 2079.
4 ينظر مجمع الأمثال: 2/ 186، والصحاح: "بطن": 5/ 2079.

(1/489)


قوله: "وإن كان غير ذلك وأولهما مَدّة1...." إلى آخره2.
أي: فإن كان التقاء الساكنين في غير ما ذكرنا؛ أي: في غير الوقف وفي غير ما كان الأول من الساكنين مدّة والثاني مدغما في كلمة، وفي غير الحسن وآيمن الله وآيم الله، فلا يخلو من أن يكون أولهما مدة أو لا يكون.
فإن كان أولهما مدّة حذفت تلك المدّة، نحو: خَفْ وقُل وبِع، فإنه حذفت الألف في: خَفْ، والواو في: قُلْ, والياء في: بِع.
ونحو: تَخْشيْن يا امرأة، أصله: تَخْشَيِين؛ قُلبت الياء ألفا لتحركِها وانفتاح ما قبلها، فالتقى ساكنان [هما: الألف وياء الضمير، فحُذِفَت الألف، فصار: تَخْشَين.
ونحو: اغزوا يا قوم؛ أصله: اغْزُوُوا؛ استثقلت الضمة على الواو فحذفت الضمة، فالتقى ساكنان] 3 وهما: الواو التي حذفت الضمة عنها، وواو الضمير، فحذفت الأولى.
ونحو: ارمي يا امرأة؛ أصله: ارْمِيِي؛ استثقلت الكسرة على الياء مع كسرة ما قبلها فحُذِفَت الكسرة، فالتقى ساكنان: تلك الياء وياء الضمير، فحذفت تلك الياء.
__________
1 "وأولها مدة" ساقط من "هـ".
2 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "فإنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ وَأوَّلُهُمَا مَدَّةٌ حُذِفَت، نَحْوُ: خَف وقُل وبِع وتَخْشَين واغْزُوا وارْمِي واغْزُنَّ وارْمِنّ ويخشى القوم ويَغْزُو الجيشَ ويَرْمِي الغرضَ" "الشافية: ص7، 8".
3 ما بين المعقوفتين ساقط برمته من "هـ".

(1/490)


ونحو اغْزُنَّ يا قوم؛ اصله: اغْزُوُون؛ حُذفت الواو التي هي ضمير كما حُذِفت في: اغْزُوا القوم، فصار: اغْزُوُنَّ، فحذفت الضمة للاستثقال، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين.
ونحو: ارْمِنَّ يا امرأة؛ أصله: ارْمِييِنَّ؛ حُذفت الياء التي هي الضمير لالتقاء الساكنين كما حذفت في: ارْمِيي القوم؛ وحذفت كسرة الياء لاستثقالها مع كسرة ما قبلها، ثم حذفت الياء أيضا لالتقاء الساكنين.
ونحو: يَخْشَى القوم، ويَغْزُو العدو1، ويَرْمِي الغَرَضَ؛ فإنه حذف2 الألف في يخشى، والواو في يغزو، والياء في يرمي، لالتقاء الساكنين.
وإنما أورد هذه الثلاثة [أيضا تنبيها على أن المدة تحذف لالتقاء الساكنين من كلمتين "70" كما] 3 تحذف من كلمة.
قوله4: "والحركة5 في خَفِ الله...." إلى آخره6.
__________
1 في "ق"، "هـ": "الجيش" بدلا من "العدو".
2 في "هـ": حذفت.
3 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
4 قوله: موضعها بياض في "هـ".
5 في "هـ": "من"، بدلا من "في".
6 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "والحركة في نحو: خَفِ الله واخْشَوُا الله واخْشى الله واخْشُون واخْشَيِن غَيْرُ مُعْتَدّ بها، بخلاف نحو خَافا وخافنَّ". "الشافية: ص8".

(1/491)


هذا جواب عن سؤال مقدر. وتقدير السؤال: أنه إنما حُذف الألف من: خَف، والواو من: اخْشَوا، والياء من: اخْشِي لالتقاء الساكنين، وقد انْتَفَتْ1 هذه العِلَّة في: خَفِ الله، واخْشَوُا الله، واخشوُنَّ، واخْشين؛ لحركة2 الفاء في خَفِ الله، والواو في: اخْشوا الله، واخْشَوُنّ, وحركة3 الياء في اخْشَيِنّ, فيجب أن يُرَدَّ الألف: في خَفِ الله، [والواو في: اخْشَوا الله، واخشَوُنّ] 4 والياء في: اخْشَيِنَّ، لكنها لا تُرَدّ.
وأجاب عنه بأن حركة الفاء [والواو] 5 والياء غير معتد بها؛ لأنها عارضة أتي بها لمجيء ساكن بعدها في كلمة أخرى [أو بمنزلة كلمة أخرى] 6 وذلك غير لازم، فوجودها كعدمها، بخلاف حركة الفاء في نحو: خَافا وخَافُوا وخافِي7، وخافن؛ لأن حركة الفاء فيهن8 كالحركة الأصلية لاتصال ما بعد الفاء بالكلمة اتصال الجزء, فلهذا رُدَّت الألف فيه.
__________
1 في الأصل، "ق": انتقى وما أثبتناه من "هـ".
2 في الأصل، "ق": لحركة. وما أثبتناه من "هـ".
3 لفظة "حركة" ساقطة من "ق"، "هـ".
4 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
5 والواو: إضافة من المحقق.
6 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق".
7 وخافي: إضافة من "ق"، "هـ".
8 في الأصل، "ق": فيه. وما أثبتناه من "هـ".

(1/492)


قوله: "فإن1 لم يَكُنْ مَدَّة حُرِّك2...." إلى آخره3.
أي: فإن كان التقاء الساكنين في غير ما جوّزناه ولم يكن أولهما مَدَّة حرك الساكن الأول، نحو اذْهَبِ [اذْهَبْ؛ فإن باء اذهب الأول ساكنة والذال في اذْهَب] 4 الثاني ساكنة فحركت الباء.
ونحو: لم أبِلَهْ. أصله: لم5 أبالي؛ حذفت6 الياء للجزم، وكثر استعمال "أُبَال" -بحذف الياء- حتى صار كأنه لم يحذف منه شيء وصار اللام كآخر الكلمة، فأسكنت اللام كما يسكن آخر الكلمة الصحيحة فاجتمع حينئذ ساكنان -الألف واللام- فحذفت الألف كما في نحو: لم يَخَفْ. و7 ليس هذا الحذف موضع الاستشهاد، فصار: لم أُبلّ، فألحق به هاء السكت لمراعاة حركة اللام الأصلية فالتقى ساكنان -اللام وهاء السكت، فحركت اللام بالكسر8 لالتقاء الساكنين- وهو موضع الاستشهاد -فروعيت حركة اللام حيث ألحقت هاء السّكت وروعي سكون اللام حيث حذف الألف
__________
1 في "هـ": وإن.
2 في الأصل: حركت. واللفظة ساقطة من "هـ".
3 تمام عبارة ابن الحاجب: "فَإنْ لَمْ يَكُنْ مَدَّةً حُرِّكَ، نَحْوُ: اذْهَبِ اذْهَبْ، ولم أبَلِهْ، وألم الله واخْشَوُا الله واخشي الله". "الشافية: ص8".
4 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ"، لانتقال نظر الناسخ.
5 في "هـ": ألم.
6 في "هـ": فحذفت.
7 الواو ساقطة من "هـ".
8 بالكسر: ساقطة من "ق"، "هـ".

(1/493)


وحُركت لالتقاء الساكنين.
وفي1 نحو: {الم، اللَّهُ} 2، فإن الميم الثانية ساكنة ولام التعريف بعدها ساكنة، فالتقى ساكنان ليس أولهما مدة، فحرك الأول أعني الميم -لالتقاء الساكنين- وإنما حرك بالفتح محافظة على بقاء التفخيم في اسم الله تعالى.
وفي نحو: اخْشَوُا الله، واخْشَيِ الله. وأصل "اخْشَوُا الله":
اخْشَيُوا الله3؛ قلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين، ثم اجتمعت الواو ساكنة، مع لام التعريف بعدها ولم تكن الواو مدة، فوجب تحريك الواو لالتقاء الساكنين.
وحركت بالضم للفرق بين واو الجمع "وواو غير الجمع4 كواو "لو" في نحو: "لو استطعنا"5.
__________
1 لفظة "في" ساقطة من "ق"، "هـ".
2 سورة آل عمران: 1، 2.
ومن وقف على "ألم" وعدها آية وابتدأ بـ"الله" محركاًَ لهمزته بالفتح فلا كلام فيه، وأما من وصل ألم بالله، فإنه يحرك ميم "ميم" بالفتح لا غير، وهو مذهب سيبويه، والمسموح من كلامهم. واختلف في هذه الفتحة، والأقرب -كما قال الزمخشري- أنها فتحة همزة "الله" ثقلت إلى "ميم" كما قلنا في ثَلا ثَهَرْبَعَه. وقال بعضهم: هي لإزالة الساكنين. "ينظر: شرح الشافية، للرضي: 2/ 235, 236 والمفصل ص353".
3 لفظة الجلالة سقط من "ق"، "هـ".
4 في "هـ": وإن لم تكن.
5 في الأصل: وبين غير واو الجمع. وفي "ق": وبين غير الجمع. وما أثبتناه من "هـ".

(1/494)


وأصل "اخشَيِ الله": اخْشَيي [الله] 1، قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين -وهما الألف وياء الضمير- ثم التقى ساكنان -ياء الضمير واللام التي بعدها- ولم تكن الياء مَدّة، فوجب تحريك الياء؛ ولأنه لو حذفت الياء، وقيل: اخْشَ الله، التبس "71" بالمذكر.
قوله: "ومن ثم قيل اخْشَوُنَّ واخْشَيِنَّ؛ لأنه كالمنفَصِل"2.
أي: و3 من أجل أنه إذا كان بعد "اخْشَوا"4 أو بعد "اخْشَي" كلمة منفصلة أولها ساكن لم تحذف الواو والياء -بل5 تحرك6 الواو بالضم والياء بالكسر- ضم واو "اخشوا" وكسر ياء "اخْشَي" عند اتصال نون التأكيد بهما7 فتقول: اخْشَوُنَّ واخْشَيِنَّ
__________
1 لفظ الجلالة: إضافة من "ق"، "هـ".
2 اعترض الرضي على قول المصنف: "لأنه كالمنفصل"، قائلا: لا وجه لا يراد هذا الكلام ههنا أصلاً؛ لأن الساكن الأول يحرك إذا لم يكن مدة وإن كان الثاني متصلاً مثل الهاء في "لم أبله" أو منفصلا كاخْشَوا الله واخْشَى الله، أو كالمفصل كاخْشَوُنّ واخْشَيِنَّ فأي فائدة لقوله: "لأنه كالمنفصل" وحكم المتصل أيضاً كذلك؟ وهذا مثل ما قاله في آخر الكافية: "وهما في غيرهما مع الضمير البارز كالمنفصل" كأنه توهم ههنا أن حق الواو والياء في مثله الحذف كما في اغْرُنَّ، لكن لما كان النون المؤكدة التي بعد الضمة كالكلمة المنفصلة لم يحذف، كما لم يحذفا في نحو: اخْشَوُا الله وأخُشَيِ الله". "شرح الشافية: 2/ 237".
3 الواو ساقطة من "هـ".
4 في "ق": "و"، بدلا من "أو".
5 لفظة "بل" ساقطة من "هـ".
6 في "ق"، "هـ": حرك.
7 في الأصل: بها. وما أثبتناه من "ق"، "هـ".

(1/495)


لأن نون التأكيد في "اخْشَوا" و"اخْشَي" بمنزلة كلمة منفصلة، بخلاف "خافن"؛ فإن نون التأكيد فيه كالكلمة المتصلة؛ لأن نون التأكيد مع الضمير البارز كالمنفصل، ومع غير البارز1 كالمتصل كما مر في النحو.
قوله: "إلا في نحو: انطلقَ ... "2.
أي: فإن لم يكن أولهما مدّة حُرك الأول إلا في نحو3 "انْطَلْقَ" و"لم يَلْدَهُ"4. أي: إلا في كل موضع سُكّن الأول للتخفيف، فإنه حرك الثاني لا الأول؛ لئلا يلزم ما فروا منه، نحو: "انْطَلْقَ" -أمرا للمخاطب، و"لَمْ يَلْدَهُ"؛ فإن أصل5 "انْطَلْقَ": انْطَلِقْ [بكسر اللام وسكون القاف] 6، فسكنت اللام للتخفيف كما سكنت في نحو "كَتْف"7؛ فكأنهم عاملوا بعض الكلمة معاملة كلها، فالتقى ساكنان -اللام والقاف- فحركت القاف - لا اللام - لما ذكرناه.
ونحو: لم يَلْدَه، في قوله:
__________
1 في "ق": ومع الضمير غير البارز. وفي "هـ": ومع غير الضمير البارز.
2 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "إلا في نحو انْطَلْْقَ وَلَمْ يَلْدَهُ، وَفِي نَحْوِ: رُدّ وَلَمْ يَرُدّ فِي تَمِيمٍ مِمَّا فَرَّ مِنْ تَحْرِيكِهِ لِلتَّخفِيفِ فحرك الثاني". "الشافية: ص8".
3 لفظة "نحو" ساقطة من "ق".
4 الهاء ساقطة من "هـ".
5 لفظة "أصل" ساقطة من "ق". وفي "هـ": الأصل.
6 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
7 أي: فشبه طَلِق بكَتِف في لغة تميم. "ينظر شرح الشافية، للرضي: 2/ 238".

(1/496)


13-
عجبت لمولود ولي لَهُ ابٌ ... وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبَوَانِ1
المراد بالأول: عيسى، وبالثاني آدم [عليهما السلام] 2.
وأصل "لم يَلْدَهُ": لم يَلِدْهُ3 -بسكون الدال وكسر اللام- فسكنت اللام للتخفيف، وحركت الدال لالتقاء الساكنين.
وإنما فتحت القاف في "انْطَلْقَ" والدال في "لم يَلْدَهُ" ولم يكسرا لالتقاء الساكنين اتباعا لفتحة الطاء والياء؛ لعدم اعتدادهم بالحاجز لكونه سكونا ولأنه لو كسرا لزم التزام ما فروا4 منه في الساكن الأول وهو الكسر.
__________
1 هذا بيت من الطويل، لرجل من أزد السراة. وقد أنشده سيبويه في كتابه: "2/ 266 4/ 115، والكامل: 2/ 132، وابن جني في الخصائص "2/ 333"، وابن عصفور في المقرب: "ص42"، وابن يعيش في شرح المفصل: "4/ 84، 9/ 123، 126" والرضي في شرحه على الشافية رقم "9": "1/ 45، 2/ 238"، وابن هشام في شرح اللخمة البدرية، "2/ 245"، وفي المغني: "1/ 135"، والشيخ خالد في التصريح: 2/ 18، السيوطي في الهمع: 1/ 54، 2/ 26، وابن الحنبلي في ربط الشوارد: 108، والشنقيطي في الدرر: 1/ 31، 2/ 18.
وينظر في البيت كذلك: شرح شواهد سيبويه، للأعلم، بهامش الكتاب: "1/ 341، 2/ 258 - بولاق"، وشرح شواهد الشافية، للبغدادي "رقم 10" ص22، 23، والخزانة 2/ 381".
والشاهد في قوله: "لم يلد"؛ حيث إنه سكن اللام وفتح الدال وكان أصله: "لم يَلِدْهُ - بكسر اللام وسكون الدال. وفيه رواية أخرى وهي: ألارُبَّ مَوْلود ... ، شاهدا على مجيء رب للتقليل.
2 ما بين المعقوفتين إضافة من "هـ".
3 في "هـ": لم يلد.
4 في "ق"، "هـ": ما فر.

(1/497)


ونحو: رُدَّ، ولم يَرُدَّ في لغة تميم؛ لأن أصل "رُدَّ": ارْدُدْ، وأصل "لم يَرُدَّ"1: لم يَرْدُد، فنقلت حركة الدال الأولى2 إلى ما قبلها للإدغام، لاجتماع المثلين، فاجتمع ساكنان -وهما الدال الأولى المسكنة للإدغام والدال المسكنة للأمر أو النهي- فحركت الثانية لالتقاء الساكنين وأدغمت الأولى في الثانية.
وإنما قال: "في تميم"؛ لأن أهل الحجاز يقولون: ارْدُدْ، ولم يَرْدُدْ -على الأصل من غير تسكين الدال الأولى للإدغام؛ لأن من3 شرط الإدغام تَحَرُّك الحرف الثاني؛ لئلا يلزم التقاء الساكنين وكأن بني تميم4 لا يلتفتون إلى سكون الثانية لكونه عارضا.
قوله: "وقراءة حَفْص: "ويَتَّقْهِ" ليست5 منه على الأصح".
اعلم أن أكثر6 الناس ذهبوا إلى أن قراءة حفص: "ويَتَّقْهِ7" بسكون الفاء8 من هذا الباب، وقالوا: كأن أصله: يتقي، فحذفت الياء
__________
1 لفظة: "يرد" ساقطة من "هـ".
2 في الأصل "الأول". وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
3 لفظة "من" ساقطة من "ق".
4 في "هـ": "بنو تميم".
5 في الأصل، "ق": ليس. والصحيح ما أثبتناه من "هـ".
6 في "ق" "كثيرا من"، بدلا من: "أكثر".
7 وذلك في قول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [سورة النور الآية: 52] .
8 وتسكين القاف ههنا انفرد به حفص، فكلهم كسر القاف. ووافق حفصا في اختلاس كسرة الهاء، قالون ويعقوب. وقرأها أبو عمرو وأبو بكر بإسكان الهاء ووافقهما اليزيدي والحسن البصري والأعمش "ينظر الإتحاف، ص35".

(1/498)


للجزم، ثم ألحقت هاء السكت فصار: يَتَّقِهْ -بفتح التاء وكسر القاف- ثم سكّنت القاف تشبيها ليِتَّقِهْ بكتف، كما ذكرناه في: يَلْدَه، ثم حركت هاء السكت لالتقاء الساكنين، وهما القاف وهاء السكت1.
وقال المصنف: "الأصح أنه ليس منه"؛ لأن فيه نوعا من التعسف "72" مع الاستغناء عنه، والأولى أن يقال: الهاء2 في "يَتَّقْهِ" ضمير عائد إلى الله [تعالى] 3. وأصله: ويَتَّقيهِ4؛ فحذفت الياء للجزم، فصار: يَتَّقِهِ، ثم سكنت القاف كما سكنت [التاء] 5 في: كتف6 -هذا هو الوجه في هذه القراءة7.
فلو جعلنا هذه القراءة مما نحن فيه لزم ارتكاب مُسْتَبْعَدَيْنِ، أحدهما: تحريك هاء السكت. والثاني: إثباتها في الوصل8.
__________
1 وهذا مذهب الزمخشري وجمهور النحاة. "ينظر الكشاف: 3/ 249". وينظر كذلك: شرح الشافية للرضي: 2/ 239, 240".
2 في الأصل: أنها وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
3 لفظة "تعالى" إضافة من "ق"، "هـ".
4 في "ق": ويتقي.
5 "التاء" إضافة من المحقق.
6 حيث شُبّه تَقِهِ بكَتِف ههنا.
7 وهذا مذهب المصنف واختاره الرضي "ينظر شرح الشافية: 2/ 240". وهذا الذي ذهب إليه المصنف واختاره الرضي وركن الدين هو مذهب عبد القاهر حكاه عنه الجاربردي في شرحه على الشافية "مجموعة الشافية: 1/ 159".
8 وهو بهذا يرد على الزمخشري فيما ذهب إليه. "ينظر شرح الرضي على الشافية: 2/ 239, 240".

(1/499)


قوله: "والأصل الكسر؛ فإن خُولِف فلعارض ... "1.
أي: الأصل في التحريك لالتقاء الساكنين هو التحريك بالكسر؛ لأن السكون في الأفعال المجزومة عِوَضٌ عن الكسر الذي في الأسماء المعربة المجرورة، فلما احتيج ههنا2 إلى تحريك الساكن كان الأَوْلى التحريك بحركة كان السكون عوضا عنها على سبيل المقاصَّة3 والمعاوضة، فإن حرك الساكن بغير الكسر فذلك لعارض اقتضى ذلك وجوب غير الكسر أو اختيار غير الكسر، مع جواز الكسر أيضا أو مساواة غير الكسر الكسر4. وقد تجيء أمثلة الوجوب والاختيار والمساواة بالتفصيل.
وأشار إلى أمثلة الوجوب بقوله: "كوجوب الضم5 في ميم الجمع ومُذ".
اعلم أنه يجب لالتقاء الساكنين ضم ميم الجمع, الذي لا تقع تلك الميم فيه بعد الهاء [التي بعد الياء] 6 أو بعد الكسرة، نحو: "عَلَيْكُمُ اليوم" 7؛ لأن أصل هذه8 الميم الضم، يدل عليه قراءة
__________
1 وتمام العبارة قوله: " ... كوجوب الضم في ميم الجمع وفي مذ". "الشافية: ص8".
2 لفظة "ههنا" ساقطة من "هـ".
3 في الأصل: المقاصصة. والصحيح ما أثبتناه من "ق"، "هـ".
4 لفظة "الكسر" ساقطة من "هـ".
5 في "ق": "الضمة".
6 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
7 وذلك في قوله تعالى: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [سورة يوسف الآية: 92] .
8 في النسخ الثلاث: هذا. والصحيح ما أثبتناه.

(1/500)


أهل مكة بضم هذه الميمات بواو بعدها نحو: "عَلَيْكُمُو1 اليوم2".
ولما كان أصل هذه3 الميم الضم واحتيج إلى تحريكه4 وجب تحريكه بالحركة الأصلية.
واحترزنا بقولنا: "بعد الهاء التي بعد الياء" عن مثل: "عليهم الله"، وبقولنا: "بعد الهاء التي بعد كسرة" عن مثل قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} 5, لأنه لم يجب ضم ميم الجمع لالتقاء الساكنين: فإنه كسره بعضهم6؛ لأنه لما كسرت الهاء [بالياء] 7 في مثل قولهم8: "عليهم" وبالكسرة التي قبلها في مثل9 "في10 قلوبهم العجل" كسرت الميم تبعا للتخفيف.
__________
1 في الأصل: عليكم.
2 لفظة "اليوم" ساقطة من "هـ".
3 في "هـ": هذا.
4 في "هـ": تحريك.
5 سورة البقرة: من الآية "93".
6 وهو أبو عمرو. ووافقه اليزيدي والحسن البصري، وكسر الميم عندهم لمجاوزة كسرة الهاء.
وقرأها نافع وابن كثير وابن عامر وعاصم، وكذا أبو جعفر بضم الميم وكسر الهاء، وهي لغة بني أسد وأهل الحرمين. ووافقهم ابن مُحَيْصِن. "ينظر الإتحاف: 124".
7 بالياء: إضافة من "ق"، "هـ".
8 في "ق"، "هـ": قوله.
9 في "هـ": قوله.
10 لفظة "في" ساقطة من"هـ".

(1/501)


ومنهم1 من يُبْقِي2 ضمة الميم مع ذلك، ومنهم من لا يكسر الهاء حينئذ بل يضمها.
وإنما وجب ضم [الذال في] 3 "مُذْ" لالتقاء الساكنين؛ لأن أصلها "مُنْذُ" -بضم الذال فلما احتيج إلى تحريكها حركت بحركتها الأصلية.
قوله: "وكاختيار الفتح في4: آلم. الله".
هذا مثال ما يكون الفتح مختارا5 فيه لالتقاء الساكنين مع جواز الكسر. وإنما كان الفتح مختارا فيه [مع جواز الكسر] 6 محافظة لبقاء التفخيم في اسم الله [تعالى] 7.
قوله: "وكجواز الضم ... إلى آخره"8.
هذا مثال ما يجوز الضم فيه مع جواز الكسر بالسوية، وهو أنه إذا كان بعد الساكن الثاني ضمة أصلية في كلمة الساكن الثاني جاز
__________
1 "ومنهم" ساقطة من "ق".
2 في الأصل, "ق": يتقي. والصحيح ما أثبتناه من "هـ".
3 ما بين المعقوفتين إضافة من "هـ".
4 في "ق": "نحو". بدلا من "في".
5 في "هـ": مختار.
6 ما بين المعقوفتين إضافة من "هـ".
7 لفظة تعالى إضافة من "هـ".
8 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "وَكَجَوَازِ الضَّمِّ إذَا كَانَ بَعْدَ الثَّانِي مِنْهُمَا ضمة أصلية في كلمته نحو: و {قَالَتِ اخْرُجْ} وقالت اغزِي، بخلاف "إن امرؤ" وقالت ارموا، و"إن الحكم" "الشافية: ص8".

(1/502)


ضم الساكن الأول مع جواز كسره، سواء "73" بقيت الضمة، نحو {قَالَتِ اخْرُجْ} 1 و {قُلِ ادْعُوا اللَّه} 2. أو لم يبق لعارض، نحو "قَالَتِ اغْزِي" فإن الساكن الأول هو التاء والساكن الثاني هو الغين وبعده ضمة أصلية، لكنها غير باقية لإبدال الكسرة عنها لأجل الياء.
وإنما3 جاز ضم الساكن الأول لاتباعه الضمة التي بعد الساكن الثاني مع ضعف الحاجز4.
وإنما قيد الضمة بالأصلية؛ لأنها لو لم تكن أصلية لم يجز الضم، نحو5: "قالت ارموا"؛ فإن ضمة الميم عارضة، لنقل ضمة الياء إليها.
ونحو "إنِ امْرُؤٌ"6؛ فإن ضمة الراء بتبعية ضمة الهمزة، ولهذا تكسر الراء إذا كانت الهمزة مكسورة، وتفتح إذا كانت مفتوحة وإذا كانت عارضة كان وجودها كعدمها، فلهذا لا يجوز ضم الساكن الأول بل يجب كسره.
وإنما قال: "في كلمته"؛ لأنه لو كانت الضمة الأصلية في غير كلمة الساكن الثاني لم يجز ضم الساكن الأول لالتقاء الساكنين،
__________
1 سورة يوسف: من الآية "31".
2 سورة الإسراء: من الآية "110".
3 في "هـ": فإنما.
4 في "ق": الحاج.
5 لفظة "نحو" ساقطة من "هـ".
6 سورة النساء: من الآية "176".

(1/503)


نحو: {إِنِ الْحُكْمُ} 1؛ فإن الساكن الأول هو النون والساكن الثاني هو اللام، والضمة التي بعد اللام ليست في كلمة اللام؛ لأن اللام كلمة برأسها، وما بعدها2 كلمة أخرى.
وإنما شرط أن تكون الضمة في كلمة الساكن الثاني؛ لأنه لو كان في كلمة أخرى لم تكن لازمة بالنسبة إلى الساكنين، فكانت كالعارض، نحو: "قَالَتِ ارْمُوا" فلا يعتد بذلك الضم كما لا يعتد بالضم الذي3 في: "قَالَتِ ارْمُوا".
لا يقال: لو كانت عارضة لم يحتج إلى هذا القيد لخروج مثله عنه بقوله: "لازمة"؛ لأنا نقول لا نسلم عدم الاحتجاج إليه حينئذ؛ لأن ضمة الحاء في: {إِنِ الْحُكْمُ} وإن كانت لازمة للحكم لكنها غير لازمة للساكنين. فإن قالت: الكسرة جائزة في الساكن الأول لالتقاء الساكنين في مثل: {قَالَتِ اخْرُجْ} 4 و {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ} 5 فلم لا يجوز في همزة الوصل في مثل هذا المحل، نحو: اقْتُل واخْرُج؟
قالت: لأن همزة الوصل ههنا من الكلمة التي فيها الضمة التي بعد الساكن فكانت أتم لزوما فلزمها الاتباع؛ لئلا يخرج من كسر إلى الضم في كلمة واحدة.
__________
1 الأنعام: من الآية "57".
ويوسف: من الآيتين "40، 67".
2 في "ق": وما بعده.
3 في النسخ الثلاث: "التي". والصحيح ما أثبتناه.
4 سورة يوسف: من الآية "31".
5 سورة الإسراء: من الآية "110".

(1/504)


قوله1: "وَاخْتِيَارِهِ في نَحْوِ: اخْشَوُا الْقَوْمَ"، عَكْسَ2: "لَوْ استطعنا".
أي: وكاختيار الضم لالتقاء الساكنين في واو الضمير المتصل بالفعل الذي حذف لامه إذا كان بعده لام التعريف، نحو: اخْشَوُا اللهَ.
وإنما كان ضم الواو محتارا لكراهة الكسر3 على الواو والإشعار4 بأنه ضمير جمع، فيحصل الفرق بين واو الضمير وبين الواو التي ليست بضمير نحو واو "لو".
وعكس واو "اخْشَوُا اللهَ" واو "لو" في نحو "لو استطعنا" يعني أن المختار في واو "لو" الكسر.
ويعلم من اختيار الضم في واو الضمير واختيار الكسر في واو "لو" جواز الكسر في واو الجمع وجواز الضم في واو "لو"، تشبيها لها بواو الضمير؛ فإن كسر الواوين5 لغة قوم، وضمهما لغة آخرين.
وقوله: "وَكَجَوَازِ الضَّمِّ وَالفَتْحِ في نَحْوُ "74" رُدّ، وَلَمْ يَرُدّ" فإنه يجوز في مثل: رُدّ، ولم يَرُدّ الضم للاتباع6، والفتح لكونه
__________
1 قوله: موضعها بياض في "هـ".
2 في النسخ الثلاث: وعكسه. وما أثبتناه من الشافية، ص8.
3 في "هـ": الكسرة.
4 في "ق"، "هـ": وللإشعار.
5 في "ق": فإن الكسر، أي: كسر الواوين.
6 وهو الأكثر في كلامهم. "ينظر الكتاب: 3/ 531".

(1/505)


أخف1، 2 والكسر على الأصل3، بخلاف ما إذا كان بعده ساكن، نحو: ردّ القوم4، ولم يَرُدّ5 القوم؛ فإن المختار كسره مع جواز الضم والفتح؛ لأن الكسر حركته في الأصل إذا قدر فك الإدغام ولهذا تقول6: "ارْدُدِ القَوْمَ" -بالكسر لا غير، فكأنهم
__________
1 وهي لغة أسد، وناس غيرهم "ينظر الكتاب 3/ 533، والمفضل ص354".
2 الواو ساقطة من "ق".
3 وهي لغة كعب وغَنِيّ، كما قال سيبويه في كتابه: 3/ 534، وقال الرضي في شرحه على الشافية "2/ 243": "أقول: اعلم أن بني تميم ومن تبعهم إذا أدغموا مثل هذا الموقوف والمجزوم كما ذكرنا -ذهبوا فيه مذاهب: منهم من يفتحه كما في نحو: انْطَلْقَ ولم يَلْدَهُ، نظرا إلى كونه فعلا، فتجنيبه الكسرة اللازمة أولى، وأما في "ارْدُدْ القوم" فعروضها سهل أمرها، فتقول: مُدّ وعَضّ وعِزَّ, وفتح عَضّ عنده ليس للاتباع، وإلا قال مُدّ بالضم وعِزّ بالكسر، ومنهم من يفر من الكسر إلى الاتباع كما في مُنْذُ، فنقول مُدّ وعِزّ وغَضّ، والكسر في عِزّ ليس عنده؛ لأن الساكن يحرك بالكسر، إلا كسر عَضّ ومُدّ أيضا، ومنهم من يبقي الجميع على الكسر الذي هو الأصل في إزالة الساكنين، وهم كعب وغَنِي، فنقول: مُدّ وعَضّ وعِزّ، والكسر في عِزّ عنده ليس للاتباع، وإلا أتبع في مد وعض أيضا" ا. هـ.
4 قال الأشموني في شرحه على الألفية في باب الإدغام "3/ 897": والتزم أكثرهم الكسر قبل ساكن فقالوا: "رُدّ القومَ" لأنها حركة التقاء الساكنين في الأصل، ومنهم من يفتح وهم بنو أسد، وحكى ابن جني الضم، وقد روي بهن قوله وهو جرير:
فَغُضّ الطرف، إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
نعم الضم قليل، قال في التسهيل في باب التقاء الساكنين: "ولا يضم قبل ساكن، بل يكسر، وقد يفتح، هذا لفظه" ا. هـ.
5 في "ق"، "هـ": لا ترد.
6 في "ق": منقول.

(1/506)


لما أدغموا أبقوا الثاني على حركته وهي الكسر، والذين ضموه وفتحوه لم يراعوا عروض الساكن بعده.
اعلم أن جواز الضم والفتح والكسر في أمر المضاعف الذي مضارعه على يفعل -بضم العين- أما إذا كان على1 يفعَل أو يفعِل بفتح العين أو كسرها، نحو "عض" من "يعض"2 و"نم"، من "ينم" فإنه لا يجوز فيه إلا الكسر والفتح؛ لأنه لا يمكن الضم بالاتباع. قوله: "وَكَوُجُوبِ الْفَتْحِ [فِي نَحْوِ رُدَّها، وَالضَّمِّ فِي نحو: رُدُّهُ] 3".
أي: وجب الفتح في "رُدَّها"، "عضَّها"، و"لم يَرُدَّها" لكون الهاء بعد الدال [خفية، فكأن4 بعد الدال ألفا، ووجبت5 الفتحة قبل الألف، ووجب الضم في: ردُّه وعضُّه؛ لخفاء الهاء، فكأن6 الواو واقعة بعد الدال و7 الضاد] 8 والضمة مناسبة للواو9.
__________
1 لفظة "على" ساقطة من "هـ".
2 في "هـ": من عض.
3 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
4 في "ق": وكأن.
5 في "ق": ووجب.
6 في "ق": وكأن.
7 في "ق": "أو" بدل "و".
8 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
9 وحكى الكوفيون "رُدُِّها" بالضم والكسر، و"رُدَِّه" بالفتح والكسر وذلك في المضموم الفاء. وحكى ثعلب الأوجه الثلاثة قبل هاء الغائب. "شرح الأشموني: 3/ 897".

(1/507)


وأما كسر1 الدال، نحو: "ردِّه"2 فلغة قليلة سمعها الأخفش من بني عقيل3؛ لأن الواو تنقلب ياء لكسرة الهاء، ولا يستكره اجتماع الياء مع كسرتين -كسرة الدال وكسرة الهاء- لكون الهاء خفية.
وغلطوا ثعلبا4 في تجويزه في فصيحه5 فتح الدال في "رُدَّه" [لأنه منكور حمله على صورة فقد الضمير] 6، "لأنه حمل "رُدَّه" على "رُدَّ" والحمل عليه لا يجوز؛ لأن الواو بعد الضمير موجودة، والهاء حاجز غير حصين، فوجب الضم في "رُدُّه"، بخلاف [رُدَّ] 7.
قوله8: "والفتح في نون من [مع لام التعريف] 9".
__________
1 في "ق": كسرة.
2 ومثله: عضه.
3 ينظر المفصل ص354، وينظر كذلك: شرح الأشموني: 3/ 897.
4 هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن يسار الشيباني، المعروف بثعلب إمام الكوفة في النحو واللغة والحديث، ولد سنة مائتين، وتوفي سنة إحدى وتسعين ومائتين. وله مؤلفات كثيرة أربت على الأربعين، من أشهرها: الفصيح، والمجالس. ينظر في ترجمته: طبقات النحويين واللغويين: للزبيدي: 141-150.، والفهرست لابن النديم: ص110، تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي: 5/ 204، ومعجم الأدباء: 5/ 102، وبغية الوعاة: ص172، وشذرات الذهب: 2/ 207.
5 وفي فصيحه: ساقطة من "هـ".
6 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
7 ما بين المعقوفتين إضافة من "هـ".
8 قوله: موضعها بياض في "هـ".
9 ما بين المعقوفتين إضافة من "ق".

(1/508)


أي: وكوجوب الفتح في نون "مِن" مع لام التعريف، نحو "مِنَ الرَّجل"، طلبا للتخفيف لكثرة استعمال "من" مع لام التعريف مع لزوم الكسر قبلها1.
وقد جاء كسر "من" مع لام التعريف على الأصل، نحو: مِنِ الرَّجُل, وهو ضعيف2.
قوله: "عكس: مِنِ ابنِك".
أي: حكم "مِنْ" مع لام التعريف عكس "من" مع نحو "ابنك"؛ فيكون الكسر3 في نون "مِنِ ابْنِكِ" وغيره من الساكن الذي4 لا يكون لام التعريف واجبا؛ لأن كسر نون "مِن" هو الأصل مع أنه يكثر كثرته مع لام التعريف.
وقد جاء فتح نون "من" في: مِنَ ابْنِكَ؛ كراهة توالي الكسرتين وهو ضعيف5.
وأما نون "عن" فمكسورة6 مع لام التعريف ومع غيره على الأصل؛ لأنها لم تكثر كثرة [مِن] 7، مع أن قبل نونها فتحة في
__________
1 قبلها: إضافة من "ق"، "هـ".
2 وقد حكى سيبويه ذلك "الكتاب: 4/ 154".
وقال الزمخشري: وهي لغة خبيثة "الفصل، ص 355".
3 لفظة "الكسر" ساقطة من "هـ".
4 في "هـ": والذين.
5 ولغة الفتح هذه حكاها سيبويه عن قوم فصحاء "الكتاب: 4/ 155".
6 في "ق"، "هـ": مكسورة.
7 لفظة "من": إضافة من "ق".

(1/509)


حرف1 مستعل2، فكره توالي الفتحات3 مع حروف الاستعلاء نحو: عَنِ الرَّجُلِ, وعَنِ ابْنِكَ.
وقد حكي عن الأخفش: عَنُ الرَّجل -بضم النون- فإنه لغة قبيحة رديئة4. وتوجيهها التشبيه5 بواو الضمير في: اخْشَوُا اللهَ قوله6: "وجاء في المُغْتَفَر: النَّقُر7 ... " إلى آخره8.
أي: وجاء في المغتفر في الوقف -أي: المرخص الجائز فيه نحو النَّقُر، ومِنَ النَّقِر، لالتقاء الساكنين، واضْرِبُهْ.
وجاء قلب الألف همزة مفتوحة فيما كان أول الساكنين ألفا والثاني مدغما، نحو: دَأَبَّه وشَأَبَّه، بخلاف ما كان فيه أول الساكنين مدة غير ألف، نحو: "تَأْمُرُونِّي"9؛ فإنها لا تنقلب همزة. اعلم أنه جاز الوقف في نحو: النُّقُر، على ما يجيء، بنقل حركة
__________
1 في "هـ": حروف.
2 في "هـ": مستعمل.
3 في "هـ": الحركات.
4 ينظر المفصل: ص355، وشرح الشافية، للرضي: 2/ 247.
5 في "ق": التشبة.
6 قوله: موضعها بياض في "هـ".
7 لفظة "النقر" ساقطة من "هـ".
8 إلى آخره: ساقطة من "هـ". وعبارة ابن الحاجب بتمامها: "وَجَاءَ فِي الْمُغْتَفَرِ: النَّقُر، ومِنَ النَّقِر، واضْربِهُ ودَأَبَّه، وشَأَبَّه، وجَأَنَّ: تَأْمُرُونِّي. "الشافية: ص8".
9 في قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [سورة الزمر: 64] .

(1/510)


الحرف1 الموقوف عليه إلى ما قبله حالتي الرفع والجر "75" فإذا وقفت عليه -لا على هذه اللغة بل على اللغة الكثرى -التقى ساكنان هما الراء والقاف وحينئذ جاء تحريك الساكن الأول بحركة الساكن للوقف فرارا من التقاء الساكنين2.
وكذلك إذا وقف على الهاء في نحو "اضْرِبْه" بسكون الهاء جاز تحريك الباء بحركة الهاء فيقال "اضْرِبُهْ".
وإذا كان أول الساكنين ألفا والثاني مدغما قُلب الألف همزة مفتوحة نحو: دَأَبَّه وشَأَبَّه، وجَأْنَّ. في دَابَّة وشَابَّة، وجَانَّ، مبالغة في الهرب من التقاء3 الساكنين. وإن كان أول الساكنين مَدَّة غير ألف نحو "تَأْمُرُونِّي" لم يجئ قبلها همزة.
النَّقْر: التِقاط الطائر الحبَّة4. وهو أيضا صُوَيْتٌ5 يُزْعَجُ به الفرسُ وذلك بأن تلصق لسانك بحنكك ثم تفتح6. وقيل صُوَيت7 يسكن به الفرس إذا احتد في حركته8، 9.
__________
1 لفظة "الحرف" ساقطة من "ق". وفي "هـ": حرف.
2 في الأصل: الساكنين. خطأ.
3 في الأصل: "ق": لالتقاء. وما أثبتناه من "هـ".
4 ينظر الصحاح "نقر": 2/ 834.
5 في الأصل: صوت. وما أثبتناه من "ق"، "هـ" يتفق مع ما في الصحاح.
6 الصحاح "نقر": 2/ 834.
7 في الأصل: صوت. وما أثبتناه من "ق"، "هـ" يتفق مع ما في الصحاح.
8 في "هـ": في حركة.
9 وقيل: النَّقْر ضرب الرحى والحجر وغيره بالمنقار. وقيل: النَّقْر هو صُوَيْت يُسمع من قرع الإبهام على الوسطى. "ينظر اللسان "نقر": 6/ 4519, 4520".

(1/511)


[الابتداء] :
قوله: "الابتداء: لا يُبتدأ إلا بمتحرك ... " إلى آخره1.
اعلم أنه لا يبتدأ بساكن لتعذره [كما لا يوقف إلا على ساكن لا لتعذره] 2 بل للاستحسان؛ لأن الوقف ليس إلا على آخر الكلمة وآخر الكلمة محل التخيف، فناسب ذلك أن يؤتى بالحرف على أخف أحواله.
ثم إذا3 كان أول الكلمة ساكنا، وذلك السكون في الأسماء والأفعال والحروف كما يجيء، فإن كان في الأسماء فهو إما سماعي أو قياسي. والسماعي في عشرة أسماء لا غير4، وهي: "ابن وابنة ... " إلى قوله: "وايمن الله".
أما الابن والابنة والاسم والاست، فأصلهما: بَنَوٌ وسُِمْوٌ -بكسر السين، أو ضمها وسكون الميم- وسته، فلما حذف الواو من بَنَو وسُِمْو، والهاء من سَتَه وأسكن الفاء احتيج إلى همزة الوصل5.
__________
1 إلى آخره: موضعها بياض في "هـ".
وعبارة ابن الحاجب بتمامها: "الابْتِدَاءُ: لاَ يُبْتَدَأُ إلاَّ بِمُتَحَرِّكٍ كما لا يُوقَفُ إلاَّ عَلَى سَاكِنٍ فَإنْ كَانَ الأَوَّلُ سَاكِناً -وَذلِكَ في عَشَرَةِ أسْمَاءٍ مَحْفُوظَةٍ، وَهِيَ: ابْنٌ، وَابْنَةٌ، وابْنُمٌ، واسْمٌ واسْتٌ، واثْنَان، وَاثْنَتَانِ، وامْرُؤٌ، وامرأة، وايْمُنُ الله، وَفِي كُلِّ مَصْدَرٍ بَعْدَ ألِفِ فِعْلِهِ المَاضِي أرْبَعَةٌ فَصَاعِداً، كالاِقْتِدَارِ وَالاسْتِخْرَاجِ وَفِي أَفْعَالِ تِلْكَ الْمَصَادِرِ مِنْ مَاضٍ وَأمْرٍ، وَفِي صيغة أمر الثلاثي، وفي لام التعريف وميمه" "الشافية: ص8".
2 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق"، "هـ".
3 في "ق"، "هـ": إن.
4 لا غير: ساقطة من "ق".
5 في "هـ": وصل.

(1/512)


لامتناع الابتداء بالساكن، وكذلك ابنم؛ أصله: بَنَوٌ: حذف الواو وأسكن الفاء فاحتيج إلى همزة الوصل فأُتِي بها وزيد الميم في آخره.
واثنان واثنتان أولهما ساكن؛ لأنهما من الثني، فاحتيج فيهما1 إلى همزة وصل2، فأتي بها3.
[وكذا أصل امرئ وامرأة، مَرْءٌ ومرأة] 4، فلما أسكن فاؤهما احتيج إلى همزة وصل5 فأتي بها.
وكذا في "ايْمِ الله"، "وايْمُنِ الله"؛ لأنهما من اليمين -والياء ساكنة6. والقياس في كل مصدر بعد ألف فعله الماضي أربعة7 أحرف [فصاعدا كالاقتدار والانطلاق] 8 والاستخراج والاحمرار والاحميرار9 والاسحنكال ونحوها.
وإنما قال: "بعد ألف فعله الماضي أربعة أحرف فصاعدا"؛ لأنه
__________
1 فيهما: ساقطة من "ق".
2 في "ق"، "هـ": الوصل.
3 فأتي بها: إضافة من "هـ".
4 في "هـ": عبارة فيها بعض الاختلاف، عما بين المعقوفتين، وهي: "وكذا في امرئ وامرأة، أصلهما: مرء ومرأة".
5 في "ق"، "هـ": الوصل.
6 في "ق": ساكن.
7 أربعة: موضعها بياض في "هـ".
8 ما بين المعقوفتين موضعه بياض في "هـ".
9 في الأصل: الاحميرار. وما أثبتناه من "ق"، "هـ".

(1/513)


لو كان بعدها حرفان، نحو: أَكَل، أو ثلاثة أحرف1، نحو: أَكْرَم لا يكون أول مصدرهما ساكنا، نحو: الأَكْل والإِكْرَام. وإن كان سكون الأول في الأفعال فهو في أفعال تلك المصادر؛ أعني [التي] 2 بعد ألف فعله الماضي أربعة أحرف فصاعدا من ماض، نحو: انْطَلَقَ واقْتَدَرَ واسْتَخْرَجَ. أو أمر، نحو: انْطَلِقَ واقْتَدِرَ واسْتَخْرِجَ.
وفي صيغة الأمر الثلاثي، نحو: اخْرُج واعْلَمْ واضْرِب، كما مر في النحو.
أعلم أنه أراد بصيغة أمر3 الثلاثي بعض صيغة أمر4 الثلاثي وهو الذي لم يعتل من مضارعه الفاء والعين؛ لأن الأول5 فيما اعتل من الثلاثي الفاء والعين لا يكون "76" ساكنا، نحو عِدْ وثِقْ6 وقُلْ وبِعْ وخَفْ. وأنه يلزم منه أن تكون الهمزة7 في أهراق إهراقة وأسطاع إسطاعه همزة وصل. وليست كذلك.
ويمكن أن يجاب عنه بأنه أراد بالحروف في قوله: "بعد ألف فعله الماضي أربعة أحرف فصاعدا" حروفا أصلية، وحينئذ لم
__________
1 لفظة "أحرف" ساقطة من "هـ".
2 لفظة "التي" إضافة من "هـ".
3 في "هـ": الأمر.
4 في "ق"، "هـ": الأمر.
5 في "ق": الأولى.
6 عد وثق: ساقط من "ق"، "هـ".
7 في "هـ": همزة.

(1/514)


يلزم؛ لأن أصل أهراق وأسطاع1: أراق وأطاع، وإن كان سكون الأول في الحرف2 فهو في3 لام التعريف وميم التعريف في لغة طيئ، نحو: الرَّجُل وامرَجُل4.
قوله: "ألحق في الابتداء [خاصة ... " إلى آخره] 5.
جواب6: فإن كان الأول ساكنا؛ "أي"7: فإن كان أول الكلمة ساكنا، وذلك في عشرة أسماء وفي المصادر المذكورة، وفي أفعالها من الماضي والأمر، وفي صيغة الأمر الثلاثي، وفي لام التعريف وميم التعريف، ألحق في ابتداء الكلمة خاصة همزة وصل مكسورة على الأصل، إلا فيما كان بعد ساكنه ضمة أصلية؛ فإن همزة الوصل تضم حينئذ للاتباع، سواء كانت صورة الضمة باقية، نحو: اقْتُل واغْزُ، أو لم تكن باقية لعارض؛ نحو: اغْزِي؛ فإن
__________
1 في الأصل: واستطاع. والصحيح ما أثبتناه من "ق"، "هـ".
2 في الأصل: "ق": الحرف. وما أثبتناه من "هـ".
3 لفظة "في" ساقطة من "ق".
4 روي أن النمر بن توْلَب قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: $"ليس من امبر امصيام في امسفر؛ يريد: ليس من البر الصيام في السفر؛ فأبدل لام التعريف ميما "ينظر اللسان "برر": 1/ 252".
5 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
وعبارة ابن الحاجب بتمامها: "أُلْحِقَ في الابْتِدَاءِ خَاصَّةً هَمْزَةُ وَصْلٍ مَكْسُورَةٌ إلا فيما بعد ساكنه ضمة أصلية فإنما تُضَمُّ، نَحْوُ اقْتُلْ اغْزُ، اغْزِي، بِخِلاَفِ أرْمُوا. وَإلاَّ في لاَمِ التَّعْرِيفِ وَايْمُنٍ، فَإِنَّهَا تُفتح". "الشافية: ص7".
6 لفظة "جواب" ساقطة من "ق".
7 لفظة "أي" إضافة من "ق".

(1/515)


الضمة زالت لعارض, وهو ياء الضمير بخلاف باب "امرئ" وباب "ارمُوا"1؛ لأن الضمة فيهما غير أصلية؛ لأن ضمة ميم2 "ارموا" عرضت بسبب نقل حركة الياء إليها، وضمة راء3 "امرئ" عرضت لاتباع حركة آخره4.
ولا يشكل بمثل انْطُلِقَ به5، واقْتُدِرَ عليه -مفعول ما لم يسمَّ فاعله فإن ضمة الطاء والتاء6 عارضة؛ لأنها عرضت لبناء ما لم يسمّ فاعله مع وجوب ضم الهمزة، و7 لأنا نمنع عروضها فإنها8 أصلية لازمة بالنسبة إلى ما لم يسم فاعله وإن كانت عارضة بالنسبة إلى ما يُسمّى فاعله قوله: "وإلا في لام التعريف وايمن الله"9 عطف10 على "إلا فيما11 بعد ساكنه"؛ فإنه يجب فتح الهمزة الداخلة على لام التعريف؛ إما لأن الهمزة ليست همزة وصل؛ لأن12 الهمزة مع
__________
1 في "ق"، "هـ": "بخلاف باب ارموا وباب امرئ".
2 في "ق"، "هـ": راء.
3 في "ق"، "هـ": ميم.
4 في "ق"، "هـ": "أخيره".
5 به: "ساقطة من "هـ".
6 في "هـ": التاء والطاء.
7 الواو ساقطة من "ق".
8 فإنها: ساقطة من "ق".
9 لفظة الجلالة "الله" من "هـ".
10 في الأصل: عطفا. وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
11 فيما: مطموسة في الأصل.
12 في "ق"، "هـ": بل.

(1/516)


قوله1: "وإثباتها وصلا لحن"2.
أي: وإثبات همزة الوصل حالة الوصل لحن؛ لأنه خروج عن كلام العرب؛ لأنه3 إنما أتى4 بها ليُتوصَّل بها إلى النطق بالساكن5 فإذا أوصل6 الساكن بما قبله استغني عنها لزوال علة حاجتها7.
وإثبات همزة الوصل "77" في الوصل8 للضرورة شاذ، كقوله:
14-
إِذَا جَاوزَ الإِثْنَيْنِ سِرٌّ فَإِنَّهُ ... بِنَثّ وتكثير الوشاة قمين9
__________
1 قوله موضعها بياض في "هـ".
2 لفظة "لحن" ساقطة من "هـ".
3 في النسخ الثلاث: "لأنها". والصحيح ما أثبتناه.
4 إنما أتى: ساقط من "هـ".
5 ولهذا سماها الخليل سلم اللسان "شرح الجاربردي: مجموعة الشافية: 1/ 166".
6 في "ق"، "هـ": وصل.
7 في "هـ": حالتها: تحريف.
8 في الوصل: ساقط من "هـ".
9 هذا بيت من الطويل، وهو من أبيات لقيس من الخطيم رواها أبو علي القالي في أماليه وقبله:
أجود بمضمون التِّلاد وإنني ... بسرك عمن سألني لضنين
وبعده:
وإن ضيع الإخوان سرا فإنني ... كتوم لأسرار العشير أمين
وهو في ديوانه ص28 "برواية: بنشر، بدلا من: بنث. والحديث، يدل: الوشاة".
وينظر في البيت: الصحاح "بثت": 1/ 294، والمفصل "ص356" وشرح الشافية للرضي: "2/ 265" وشرح الجاربردي "مجموعة الشافية: 1/ 167، واللسان "نثث": 6/ 4339 وشرح شواهد الشافية: ص183 "رقم 94". والشاهد في قوله: "الإثنين" حيث قطع همزة الوصل للضرورة.

(1/518)


قوله: "والتزموا جعلها ألفا لا بَيْن بَيْن".
أي: والتزموا جعل همزة الوصل التي مع لام التعريف خاصة1 والتي مع ايمن الله وايم الله2 في الاستفهام ألفا؛ لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر، لا جعلها بَيْن بَيْن -على الأفصح- على ما تقدم في باب التقاء الساكنين.
قوله3: "وأما سكون [هاء: وَهْوَ وَهْيَ ... " إلى آخره4] 5.
أي: وأما سكون أول: هو وهي الواقعتين بعد الفاء والواو ولام الابتداء، كقوله تعالى: "وَهْوَ خَيْرٌ لَكُمْ"6، وقوله تعالى: "فَهْيَ كَالْحِجَارَة"7، وقوله تعالى: "لَهْوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ"8
__________
1 لفظة "خاصة" ساقطة من "هـ".
2 وايم الله: ساقطة من "ق".
3 قوله: ساقطة من "هـ".
4 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
5 وتكملة عبارة ابن الحاجب: "وفَهْوَ وفَهْيَ ولَهْيَ ولَهْوَ فَعَارِضٌ فَصِيحٌ وَكَذَلِكَ لاَمُ الأَمْرِ نَحْوُ: "وَلْيُوفوا"، وشبّه به: أَهْوَ وأَهْيَ، و"ثُمّ" ليَقْضوا. ونحو "أن يُمِلَّ هو" قليل". "الشافية: ص8".
6 سورة البقرة: من الآية "216". وإسكان الهاء ههنا قراءة قالون وأبي عمرو والكسائي وأبي جعفر في واحدة من روايتين عنه. "ينظر النشر: 2/ 209، والإتحاف: 132".
7 سورة البقرة من الآية "74". وهي قراءة قالون وأبي عمرو والكسائي وكذا أبي جعفر "ينظر المصدران السابقان".
8 سورة الحج: من الآية "58". وهي قراءة قالون وأبي عمرو والكسائي وكذا أبي جعفر في رواية عنه. "ينظر النشر: 2/ 209، والإتحاف: 132".

(1/519)


فليس بأصل حتى يحتاج إلى همزة وصل، بل عارض لمجيء ما اتصل به؛ لأن قولك "وَهُوَ" كعَضُد، وقولك "وَهِيَ" ككَبِدَ، فلهذا سكّن تخفيفا على1 ما ذكر من الاتصال.
وإذا ابتُدِئ به رُدّ إلى أصله، نحو: هُوَ، وَهِيَ. فنبه بقوله: "عارض" على أن سكونه مستغن عن همزة الوصل2. وبقوله: "فصيح" على عدم شذوذه.
قوله: "وكذلك لام الأمر".
أي: وكذلك سكون لام الأمر بعد الواو والفاء، كقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُم} 3 وقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرْ} 4 ليس بأصل، بل عارض؛ لأن "وَلْيَ" من {وَلْيُوفُوا} ، و"فَلْيَ" {فَلْيَنْظُرْ} ككبد، فخففت5.
قوله: "وشُبّه به: أَهْوَ، وأَهْيَ"6.
أي: وشبه بقولك: وَهْوَ ووَهْيَ، قولك: أَهْوَ وأَهْيَ: ونحو "أَنْ يُمِلَّ هْوَ"7 في إسكان الهاء.
__________
1 في "ق"، "هـ": عندما.
2 في الأصل: وصل. وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
3 سورة الحج: من الآية "29".
4 الكهف "19"، الحج "15"، عبس "24"، والطارق "5".
5 ينظر الكتاب: 4/ 151.
6 أهو، وأهي: ساقط من "هـ".
7 سورة البقرة: من الآية "282" وهي قراءة قالون وأبي جعفر. وقرأ الاثنان أعني: قالون وأبا جعفر بالضم كذلك، قال ابن الجزري: "والوجهان فيهما صحيحان عن قالون وأبي جعفر" "النشر: 2/ 209. وينظر كذلك: الإتحاف: 132".

(1/520)


وشبه بقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرْْ} ، {وَلْيُوفُوا} قوله تعالى1 {ثُمَّ لْيَقْضُوا} 2 في إسكان اللام3.
أما تشبيه: أَهْوَ وأَهْيَ بقولنا: وَهْوَ, وَهْيَ؛ فلكونه على صيغته. وأما تشبيه نحو "أَنْ يُمِلَّ هْوَ" بقولنا: وَهْوَ؛ فلكون "لَهْوَ" في نحو "أَنْ يُمِلَّ هْوَ" على صيغة "وَهْوَ". وأما تشبيه: {ثُمَّ لْيَقْضُوا} بقوله [تعالى] 4 {فَلْيَنْظُرِ} ، {وَلْيُوفُوا} ؛ فلوقوع لام الأمر في الصورتين بعد حرف العطف، وأن "وَلْيَ" في {ثُمَّ لْيَقْضُوا} مثل "وَلْيَ"، "وفَلْيَ" في {وَلْيُوفُوا} ، و {فَلْيَنْظُرِ} .
وإنما قل سكون: أهْو وأهْي دون وهْو، وهْي؛ لقلته في كلامهم وقد جاء:
15-
............................................... ... فقلت أهي سَرَتْ أم عادَنِي5 حُلُم6
__________
1 لفظة "تعالى" ساقطة من "ق".
2 سورة الحج: من الآية "29".
3 قرأ ابن عامر وأبو عمرو وورش ورويس بكسر اللام على الأصل في لام الأمر؛ فرقا بينها وبين لام التأكيد، ووافقهم اليزيدي وقُنبل. وقرأ الباقون بإسكان اللام للتخفيف. "ينظر النشر: 2/ 326، والإتحاف ص314". وذكر الرضي أن الإسكان قراءة الكسائي وغيره وذكر أن البصريين يستقبحونها؛ لأن "ثم" مستقلة يوقف عليها. "شرح الشافية: 2/ 270".
4 لفظة "تعالى" إضافة من المحقق.
5 في "ق"، "هـ": عاقني.
6 هذا عجز بيت من البسيط، قاله المرار العدوي، نسبه إليه البغدادي في شرح شواهد شروح الشافية "الشاهد رقم 98, ص190" وكذا في شرح شواهد الشافية "الشاهد رقم 379". وصدره:
وقمت للزّور مرتاعا
وأرقني
وقبل الشاهد، قوله:
زارت رويقةة شعثا بعد ما هجعوا ... لدى نواحل في أرساغها الخدم
والشاهد أنشده الجاربردي في شرحه "مجموعة الشافية: 1/ 167" وأنشده ركن الدين في البسيط "رقم 98".

(1/521)


بسكون الهاء.
وأما: {ثُمَّ لْيَقْضُوا} وإن كان أقل من نحو: "و1 لْيَقْضُوا" في الاستعمال؛ لأن امتزاج حرف واحد -وهو الواو- بما بعده2 أشد من امتزاج ما هو على ثلاثة أحرف -وهو ثُمّ- بما بعده، فليس في القلة كـ"أَهْوَ وأَهْيَ".
وأما نحو "أَنْ يُمِلَّ هْوَ"، فهو في القلة مثل "أَهْوَ".
اعلم أن قوله: "وأما سكون هاء وَهْو ... " إلى آخره. جواب عن سؤال مقدّر وتقدير3 السؤال: أنكم قلتم ما يكون أوله ساكنا أتي بهمزة وصل4 للنطق به. وأول: وَهْوَ وَهْيَ في الصورتين المذكورة ولام الأمر، بعد حرف العطف ساكن، ولم يؤت بهمزة وصل للنطق به.
وأجاب عنه بأن السكون في مثل هذه الصور5 غير أصيل، بل عارض
__________
1 الواو ساقطة من "هـ".
2 في الأصل: بما بعدها، وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
3 في "ق"، "هـ": وتقدير.
4 في "ق": الوصل.
5 في "هـ": الصورة.

(1/522)


اللام للتعريف كـ"هَلْ وبَلْ" -كما هو مذهب الخليل1- وإنما حذف حركتها عند وجود الحركة قبلها للتخفيف؛ لكثرة استعمالها، فإذا ابتُدِئ بها رُدّت إلى أصلها. وإما لكثرة استعمالها في كلامهم مع كونها همزة وصل ففتحوها للتخفيف -كما هو مذهب سيبويه2.
وأما فتح الهمزة الداخلة على ميم التعريف فبالحمل على الهمزة الداخلة على لام التعريف.
وأما فتح همزة "ايم الله"، و"ايمن الله" فلكثرة استعمالها3. وإنما سميت هذه الهمزة همزة الوصل؛ لأن يتوصل بها إلى النطق بالساكن.
وقيل إنما سمّيت4 همزة الوصل؛ لسقوطها في الوصل -وهو ضعيف- لأنه تسمية للشيء بالنسبة إلى حال عدمه. واللائق أن تُسمّى همزة الابتداء لثبوتها فيه. وحال الثبوت أشرف من حال العدم.
ومنهم من سماها ألف5 الوصل؛ لأن صورتها في الخط ألف. والمصنف سماها بذلك، لقوله: "بعد ألف فعله الماضي".
__________
1 قال سيبويه: "وزعم الخليل أن الألف واللام اللتين يعرفون بهما حرف واحد كقَدْ، وأن ليست واحدة منهما منفصلة عن الأخرى كانفصال ألف الاستفهام في قوله: أأربد، ولكن الألف كألف "أيم" في "ايم الله", وهي موصولة كما أن ألف "ايم" موصولة, حدثنا بذلك يونس عن أبي عمرو، وهو رأيه". "الكتاب: 3/ 324".
2 ينظر الكتاب: 4/ 147.
3 تشبيها لهذه الهمزة بالهمزة التي قال "ال". "ينظر الكتاب: 4/ 147".
4 في الأصل: سمى. وما أبثتناه من "ق"، "هـ".
5 في "ق"، "هـ": بألف.

(1/217)


[الوقف] :
قوله: "الوقف: قطع الكلمة عما بعدها".
أي: الوقف قطع الكلمة عما بعدها إن كان بعدها شيء.
[وإنما قيدنا بهذا القيد؛ لأنه قد يقف الواقف لا يكون بعدها شيء] 1
وإنما سُمّي الوقف وقفا؛ لأنه وقف فيه عن وصله بما بعده.
ويدل على صحّة ما ذكرناه أنه لو أسكن آخر الكلمة ووصل2 ما بعدها بها من غير سكنة تُؤذِن بوقفة [78] لم يعد ذلك السكون وقفا ولا ذلك المسكن واقفا.
ولو حرك آخر الكلمة وقَطَعَها عما بعدها كان ذلك القطع وقفا, وكان ذلك القاطع واقفا، إلا أنه مخطئ3 في تركه حكم الوقف.
والمشهور عنهم أنه إنما سُمّي الوقف وقفا؛ لأنه وقف عن تحريكه.
وقال المصنف إنه غير واضح؛ لأنه قد لا يكون متحركا حتى يوقف عن تحريكه؛ نحو: مَْن وهَلْ؛ ولأنه قد يوقف عن تحريكه وهو لا يكون وقفا، ولا الواقف عن4 تحريكه واقفا؛ لأنه لو قال واحد اثنان ثلاثة5، عد واصلا مع كونه وقفا6 عن التحريك.
__________
1 ما بين المعقوفتين إضافة من "ق"، "هـ".
2 في "هـ": وفصل.
3 في الأصل: مخط. وفي "هـ": يخطئ. وما أثبتناه من "ق".
4 في "هـ": ولا الوقف.
5 في الأصل: وثلاثة. والصحيح إسقاط الواو، كما في "ق"، "هـ".
6 لفظة "وقفا" ساقطة من "هـ". وهي في الأصل: "وقف" خطأ. وما أثبتناه من "ق".

(1/523)


قوله: "وفيه وُجُوه [مختلفة في الحُسْن والْمَحَلّ] 1.
أي:2 وفي الوقف وجوه مترتبة في الحسن، وذلك بأن بعض الوقوف3 أحسن من بعض، ووجوه مختلفة في محل أحكامه، كما يجيء.
ووجوه الوقف: الإسكان الصريح، والرَّوْم، والإشمام [وإبدال الألف من التنوين، وإبدال تاء التأنيث هاء، وزيادة الألف وإلحاق هاء السكت، وحذف الباء، وحذف الواو] 4 وإبدال الهمزة والتضعيف، ونقل الحركة إلى ما قبلها، وغير ذلك5 على ما يجيء تفاصيله.
ثم شرع في بيان أحكام الوقف على التفصيل ومحال أحكام الوقف فقال: "فالإسكان المجرد" عن الرَّوْم والإشمام لا يكون إلا "في المتحرك"6 -وهو ظافر- سواء كان قبله ساكن، نحو: زيد وعمرو، أو لم يكن، نحو: جَعْفَر.
والرَّوم أيضا لا يكون إلا في المتحرك؛ [لأن الرَّوْم هو7] :
__________
1 ما بين المعقوفتين ساقط من عبارة ابن الحاجب من "هـ".
2 الواو ساقطة من "ق".
3 في "هـ": الوقف.
4 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
5 ينظر النشر: 2/ 120.
6 لأن الوقف بالسكون هو تفريغ الحرف من الحركات الثلاث، وهو لغة أكثر العرب، وهو اختيار جماعة من النحاة وكثير من القراء "المصدر السابق".
7 في "هـ": وهو موضع ما بين المعقوفتين.

(1/524)


[أن يأتي بحركة الحرف الموقوف عليه خفية1. ولا يمكن الإتيان بحركته خفية] 2 إلا بعد أن كان متحركا.
والرَّوْم في المفتوح قليل لخفة الفتحة والعين بالإتيان بها خفيّة، ولهذا لم يقرأ أحد من القراء بالرَّوْم3 في المفتوح في القرآن، وإنما ذكره سيبويه عن العرب4.
والإشمام لا يكون إلا في المضموم؛ لأن الإشمام هو أن تضم الشفتين بعد إسكان الحرف الموقوف عليه ليعلم أنه مضموم في الوصل، فلو أشممته في غير المضموم لأوهمت خلافه5.
__________
1 هذا عند النحاة، قال الجوهري في صحاحه "روم": 5/ 1938: "وروم الحركة الذي ذكره سيبويه، هي حركة مختلسة مختفاة لضرب من التخفيف، وهي أكثر من الإشمام؛ لأنها تسمع، وهي بزنة الحركة وإن كانت مختلسة مثل همزة بَيْن بَيْن" ا. هـ. وينظر ما قاله سيبويه في معنى الرَّوْم في الكتاب: 4/ 168.
وأما الرَّوم عند القراء فهو عبارة عن النطق ببعض الحركة. وقال بعضهم: هو تضعيف الصوت بالحركة حتى يذهب معظمها. وكلا القولين واحد. "ينظر النشر: 2/ 121".
2 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
3 بالروم: ساقط من "هـ".
4 قال سيبويه: "وأما ما كان في موضع نصب أو جر فإنك تروم فيه الحركة وتضاعف وتفعل فيه ما تفعل بالمجزوم على كل حال، وهو أكثر في كلامهم ... وأما رَوْم الحركة فقولك: رأيت الحارث، ومررت بخالد. وإجراؤه كإجراء المجزوم أكثر" "الكتاب: 4/ 171, 172".
5 وقال ابن الجزري: وأما الإشمام فهو عبارة عن الإشارة إلى الحركة من غير تصويت بها وقال بعضهم: أن تجعل شفتيك على صورتها إذا لفظت بالضمة. وكلاهما واحد، ولا تكون الإشارة إلا بعد سكون الحرف. وهذا مما لا يختلف فيه. نعم حكي عن الكوفيين أنهم يسمعون الإشمام رَوْما والرَّوْم إشماما، قال مكي: وقد روي عن الكسائي الإشمام في المخفوض. قال: وأراه يريد به الروم؛ لأن الكوفيين يجعلون ما سميناه رَوْما إشماما وما سميناه إشماما رَوْما. "النشر: 2/ 121".

(1/525)


والأكثرون1 على أنه لاَ رَوْمَ وَلاَ إشْمَامَ فِي هَاء التَّأْنِيثِ -أي: في تاء التأنيث المبدلة هاء في الوقف، نحو: ضَارِبَه- ولا في ميم الجمع، ولا في الحركة العارضة2، أمّا إنّه لا رَوْم في هاء التأنيث على الأكثر فلأنّ الحركة إنما كانت على التاء لا على الهاء التي هي بدل عن التاء، فلو أتيت بها على الهاء لأتيت بحركة على حرف لم يكن عليه [إعراب] 3 وأما أنه لا إشمام في هاء التأنيث؛ فلأن الغرض به الدلالة على أن الحرف الموقوف عليه مضموم في الوصل فلو أشممت مع الوقف بالهاء الذي هو العوض لأوهمت أن الضمة على الهاء، وصل، وذلك لا يجوز. نعم لو وقفت
__________
1 تابع ركن الدين ابن الحاجب في قوله "الأكثر". ولكن الرضي يعترض على كلام ابن الحاجب ههنا ويبيّن منشأ توهمه في أن بعض النحاة أو القراء جوّز الرَّوْم والإشمام فِي هَاء التَّأْنِيثِ ومِيمِ الْجَمْعِ وَالْحَرَكَةِ الْعَارِضَة، بقوله: "لم أر أحداً: لا من القراء ولا من النحاة ذكر أنه يجوز الروْم والإشمام في أحد الثلاثة المذكورة، بل كلهم منعوهما فيها مطلقاً، وأرى أن الذي أوهم المصنف أنه يجوز الروم والإشمام فيها قول الشاطبي -رحمه الله تعالى بعد قوله:
وَفِي هَاءِ تَأْنِيثٍ وَميم الجميع قل ... وَعَارِض شكل لم يكونا ليدخلا
وفي الهاء للإضمام قوم أبوهما ... ومن قبله أو الكسر مثلا
أو أما هما واو وياء وبعضهم ... يرى لهما في كل حال محللا
فظن أنه أراد بقوله: "في كل حال" في هاء التأنيث وميم الجمع وعارض الشكل وهاء المذكر، كما وهم بعض شراح كلامه أيضا، وإنما عني الشاطبي في كل حال من أحوال هاء المذكر فقط، كما يجيء كلامه" "شرح الشافية، للرضي: 2/ 276, 277".
2 ينظر النشر: 2/ 122.
3 لفظة "الإعراب" إضافة من المحقق.

(1/526)


بالتاء لجرى الرَّوم والإشمام فيها اتفاقا نحو: أُخْت وبِنْت؛ لعدم المانع1.
ووجه2 من وقف على الهاء المبدلة عن تاء التأنيث بالإشمام والروم هو أن الغرض بيان حركة الحرف في الوصل مضموم والوقف عليها بالروم أضعف من الوقف عليها بالإشمام.
وأما أنه لا رَوْم ولا إشمام في ميم الجمع، مثل: إليهم وعليهم وفيهم على الأكثر3 لأن عدم الرَّوْم والإشمام عند من وصل بالإسكان واضح4 لأن الوصل لا حركة فيه والروم هو الإتيان بحركة الوصل خفّية، والإشمام ضم الشفتين بعد الإسكان لبيان حركة الوصل.
وأما "79" أنه لا يحسن الرَّوم والإشمام عند من ضم ميم الجمع ووصلها بواو؛ فلأنه لما وقف بحذف الواو لم يبق للروم والإشمام تحقيق؛ لأن الروم هو الإتيان بحركة الحرف الذي هو آخر الكلمة [خفية والإشمام هو ضم الشفتين بعد إسكان آخر الكلمة لبيان ضم آخر الكلمة] 5
__________
1 لأن الوقف إذ ذاك على الحرف الذي كانت الحركة لازمة له فيسوغ فيه الروم والإشمام والله أعلم "النشر: 2/ 126".
2 في "ق": ووجوه.
3 وذلك في قراءة من حرك ميم الجمع في الوصل ووصله، وفي قراءة من لم يحركه ولم يصله. وشذ مكي فأجاز الروم والإشمام في ميم الجمع لمن وصلها، قياسا على هاء الضمير وانتصر لذلك وقواه. وقال ابن الجزري: "وهو قياس غير صحيح؛ لأن هاء الضمير كانت متحركة قبل الصلة، بخلاف الميم، بدليل قراءة الجماعة، فعوملت حركة الهاء في الوقف معاملة سائر الحركات ولم يكن للميم حركة فعوملت بالسكون، فهي كالذي تحرك لالتقاء الساكنين. "النشر: 2/ 122".
4 في "ق"، "هـ": فواضح.
5 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".

(1/527)


ولما لم يكن الميم آخر الكلمة لم يحسن ذلك فيه. والرَّوْم والإشمام فيمن1 ضم الميم في الوصل أشبه من الرَّوْم والإشمام فيمن سكّنه في الوصل وهو ظاهر.
وأما وجه الحركة العارضة نحو {قُلِ ادْعُوا اللَّه} 2، 3 يوقف عليها بالإسكان لا بالرَّوم والإشمام على الأكثر؛ فلأنه4 ليس للحرف حركة بنفسه بل لالتقاء الساكنين؛ فتلك الحركة كالعدم عند الوقف لزوال المقتضي له وحينئذ يمتنع الرَّوْم والإشمام؛ لأنهما لبيان حركة ذلك الحرف عند الوصل.
فقوله: "والرَّوم في المتحرك": مبتدأ وخبر. وهما معطوفان على قوله: "فالإسكان المجرد في المتحرك". وكذا5 "الإشمام في المضموم" على قوله: "فالإسكان المجرد في المتحرك".
قوله: "وإبدال الألف في المنصوب" [المنون، و [في] إذا و"في"6 نحو اضْرِبَنْ] 7، 8.
اعلم أن "وإبدال الألف" مبتدأ. وقوله: "في المنصوب" خبره9 ومجموعهما معطوف على قوله: "فالإسكان المجرد في المتحرك".
__________
1 في الأصل: من. وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
2 لفظة الجلالة ساقط من "ق"، "هـ".
3 سورة الإسراء: من الآية "110".
4 في "ق"، "هـ": لأنه.
5 في "ق", "هـ": لأنه.
6 لفظة "في" إضافة من الشافية.
7 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
8 وتكملة العبارة: "بِخِلاَف الْمَرْفُوع وَالْمَجْرُور فِي الْوَاوِ وَالْيَاءِ، عَلَى الأفصح" "الشافية: ص8".
9 في "هـ": خبر.

(1/528)


أي: وإبدال الألف عن التنوين في المنصوب المنون، نحو: "رأيت زيدا" لا في المرفوع والمجرور وفي1 إذا، وفي نحو: اضْرِبَنْ.
اعلم أن في المنوَّن في الوقف ثلاثَ لغات:
إحداها: أن يقلب التنوين حرف مَدّ من جنس حركة ما قبله2، فتقول: جاءني زيدو، ورأيت زيدا، ومررت بزيدي3.
والثانية: أن يحذف التنوين في الأحوال الثلاثة كلها وتقف عليها كما تقف على غير المنون، فتقول: جاءني زيد، ورأيت زيد، ومررت بزيد.4 وليست هاتان اللغتان فصيحتين.
والثالثة: أن تبدل الألف من التنوين في المنصوب المنون ولا يدل في المرفوع والمجرور الواو والياء من التنوين، لثقل الضمة والكسرة مع الواو والياء وخفة الفتحة مع الألف, وهذه اللغة هي الفصيحة5.
__________
1 الواو ساقطة من "هـ".
2 في الأصل، "ق": ما قبلها. والصحيح ما أثبتناه من "هـ".
3 زعم أبو الخطاب أنها لغة أَزْد السَّراة. "الكتاب: 4/ 166, 167".
4 وهذه لغة ربيعة، نسبها إليها ابن مالك "ينظر شرح الأشموني 3/ 747".
وهذه اللغة حكاها أبو الحسن عن بعض العرب. "ينظر حاشية "2" من الكتاب: 4/ 166".
5 ينظر الكتاب: 4/ 166, 167. وقال ابن مالك في ألفيته.
تنوينا إثر فتح اجعل ألفا ... وقفا، وتلو غير فتح احذفا

(1/529)


وأجري "إذا" مجرى المنصوب في1 قلب نونها ألفا -على الأكثر2- لأن صورته صورة المنصوب المنون.
وكذا تقلب نون باب "اضْرِبَنْ" في الوقف ألفا ولا تثبت؛ لئلا يكون [للفعل على الاسم مزية] 3 وستجيء الأحكام إذا وقعت الضمة أو الكسرة قبل نون التأكيد على تفصيلها، إن شاء الله تعالى.
ولقائل أن يقول: لو قال وإبدال الألف في المنصوب المنوَّن غير المؤنث بالتاء لكان4 أولى؛ لأن الوقف في نحو: رأيت ضَارِبَهْ، بإبدال التاء هاء، لا بإبدال التنوين ألفا.
ويمكن أن يجاب عنه بأنه يعرف ذلك من قوله: "وإبدال تاء التأنيث الاسمية هاء".
__________
1 في الأصل: "وأجري مجرى المنصوب إذا". وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
2 يقول ابن هشام في المغني، ص20: "والصحيح أن نونها تبدل ألفا، تشبيها لها بتنوين المنصوب. وقيل: يوقف بالنون؛ لأنها كنون "لن"، و"أن" روي عن المبرد والمازني.
وينبني على الخلاف في الوقف عليها خلاف في كتابتها، فالجمهور يكتبونها بالألف، وكذا رسمت في المصاحف، والمازني والمبرد بالنون، وعن الفراء: إن عملت كتبت بالألف، وإلا كتبت بالنون، للفرق بينها وبين "إذا". وتبعه ابن خروف" ا. هـ. "وينظر كذلك: شرح الشافية، للرضي: 2/ 279, 280، وشرح الأشموني: 3/ 1750".
3 في "ق": اختلاف طفيف في العبارة التي بين المعقوفتين، إذ جاءت هكذا: "للفعل مزية على الاسم".
4 في "ق"، "هـ": كان.

(1/530)


لا يقال: كان من الواجب عليه أن يقول: "بخلاف المرفوع والمجرور في الياء والواو1 على الأفصح" بل يحذف التنوين؛ لأن قوله المذكور يدل على أن الأفصح عدم إبدال التنوين فيهما واوا أو ياء وذلك لا يدل على حذف التنوين فيهما؛ لأنا نقول ذلك معلوم من قوله: "فالإسكان المجرد في المتحرك".
قوله: "ويُوقَفُ على الألف2 [في بَابِ عَصاً، ورَحًى باتفاق] "3.
اعلم أنه يوقف على كل منوّن مقصور4، ثلاثيا كان أو غيره على الألف باتفاق، سواء كان مرفوعا أو منصوبا، أو مجرورا، نحو: هذه5 عصى ورحى ومسمى "80" ومعلى، ورأيت عصى ورحى ومسمى ومعلى، ومررت بعصى ورحى ومسمى ومعلى.
لكن اختلفوا في هذه الألف؛ فقال المبرد هي الألف الأصلية في
__________
1 واعترض الرضي على عبارة المصنف هذه، وقال: "قوله: بخلاف المرفوع والمجرور في الواو والياء" عبارة ركيكة، ولو قال: بخلاف الواو والياء في المرفوع والمجرور لكان أوضح، يعني لا يقلب تنوين المرفوع واواً وتنوين المجرور ياء، كما قلبت تنوين المنصوب ألفاً، لأداء ذلك إلى الثقل في موضع الاستخفاف. "شرح الشافية، 2/ 280".
2 في "ق": ألف.
3 ما بين المعقوفتين ساقط من عبارة ابن الحاجب من "هـ".
4 لفظة "مقصور" ساقطة من "هـ".
5 في الأصل: "هـ": "هذا". وما أثبتناه من "ق".

(1/531)


الأحوال الثلاث1. وقال المازني2: هي الألف المبدلة من التنوين في الأحوال الثلاث3.وقال سيبويه هي الألف المبدلة من التنوين حالة النصب، والألف الأصلية حالتي الرفع والجر4، 5.
واستدل على قول المبرد بوجهين:
أحدهما: أنهم أمالوا رحًى ومسمًّى ومُعَلًّى في الوقف "حالة النصب والرفع والجر"6؛ فلو كانت الألف فيها عوضا عن التنوين [لم تمل] .
__________
1 ينظر المقتضب: 1/ 258.
2 هو: أبو عثمان بكر بن محمد بن حبيب بن بقية، من بني مازن الشيبانيين من أهل البصرة، بها مولده ومربّاه. أكب منذ صباه على حلقات النحاة واللغويين البصريين كما أكب على حلقات المتكلمين ولزم الأخفش وقرأ كتاب سيبويه عليه. وكان إماما في اللغة وراوية واسع الرواية. كما كان بارعا في الحجاج والمناظرة توفي سنة 249هـ، على أرجح الروايات. وله مؤلفات كثيرة ومفيدة منها: علل النحو، والتصريف، والعروض والقوافي وغير ذلك. "ينظر ترجمته في: طبقات النحويين واللغويين: 87-93، وإنباه الرواة: 1/ 246".
3 ينظر المنصف: هو مذهب أبي الحسن والفراء وأبى علي الفارسي في التذكرة "ينظر: شرح الأشموني: 3/ 748".
4 نص عبارة سيبويه: "واعلم أن كل ياء أو واو كانت لاما، وكان الحرف قبلها مفتوحا فإنها مقصورة تبدل مكانها الألف، ولا تحذف في الوقف، وحالها في التنوين وترك التنوين بمنزلة ما كان غير معتل، إلا أن الألف تحذف لسكون التنوين، ويتمون الأسماء في الوقف "الكتاب: 3/ 309".
وهذا هو مذهب معظم النحويين، وإليه ذهب أبو علي الفارسي في غير التذكرة، وذهب في التذكرة إلى موافقة المازني "الأشموني: 3/ 749".
5 وثمة مذهب آخر، وهو: أنها الألف المنقلبة في الأحوال الثلاث، وأن التنوين حذف، فلما حذفت عادت الألف، وهو مروي عن أبي عمرو والكسائي والكوفيين، وإليه ذهب ابن كيسان والسيرافي، ونقله ابن الباذش عن سيبويه والخليل. "ينظر شرح الأشموني: 3/ 748".
6 في "هـ": "حالة الرفع والنصب والجر".

(1/532)


والثاني: أنهم كتبوا مُعَلًّى ومُسمًّى بالياء في الأحوال الثلاث، [فلو كانت الألف عوضا عن التنوين] 1 لوجب أن يكتبا ألفا، كما كتبت: رأيت زيدا بالألف.
واستدل على قول المازني بأنه إنما قلب2 التنوين ألفا في الوقف حالة النصب لوقوعه3 بعد الفتحة وهذه العلة موجودة في الأحوال الثلاث في4 هذا الباب فوجب قلبها ألفا في الأحوال الثلاث عملا بالعلة.
واستدل على قول سيبويه بأن المعتل الذي يشكل أمره يحمل على مثاله من الصحيح، لكنه قد ثبت في الصحيح أنهم يقلبون التنوين ألفا في حالة النصب و5 يحذفونه في حالة الرفع والجر، فوجب أن يكون المعتل كذلك.
ويمكن أن يجاب عن دليل المبرد بأنا لا نسلم أن من كان رأيه غير رأي المبرد أمالها وكتبها بالياء، بل أمالها بالياء6 من كان رأيه رأي المبرد، فلم 7قلتم أنه ليس كذلك.
__________
1 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
2 في "ق":قلبت.
3 في "ق"، "هـ": لوقوعها.
4 لفظة "في" ساقطة من "ق".
5 في الأصل، "ق"، أو. وما أثبتناه من "هـ".
6 بالياء: ساقطة من "هـ".
7 في "ق": ولم.

(1/533)


وعن دليل المازني بأنا لا نسلم أن الفتحة المقتضية لقلب التنوين ألفا موجودة قبل التنوين في الأحوال الثلاث؛ لأن الفتحة المقتضية له هي الفتحة المقدرة لا الملفوظة العارضة. ولهذا لا اعتبار1 للحركة والسكون العارضين، بل للحركة والسكون الأصليين كما مر في باب التقاء الساكنين.
والمقدّر في مُسَمًّى2 حالة الرفع هو الضمة؛ لأن أصله مسمّيٌ [بضم الياء، وحالة الجر هو الكسر؛ لأن أصله مسمّيٍ] 3 -بكسر الياء- وحالة النصب هو الفتح؛ لأن أصله: رأيت مسميا.
قوله: "وقلبها وقلب كل ألف ... "4 إلى آخره5.
أي: وقلب الألف وقلب6 كل ألف همزة في الوقف، نحو: رأيت عصأ ورحأ ورجلأ، ضعيف.
وكذا قلب ألف التأنيث همزة أو واو أو ياء في الوقف، نحو: حُبْلأ وحُبْلَوْ وحُبْلَيْ: ضعيف.
__________
1 في "ق"، "هـ": الاعتبار.
2 في "هـ": المسمى.
3 ما بين المعقوفتين إضافة من "ق"، "هـ".
4 في "هـ" فقط من عبارة ابن الحاجب: "وقبلها وقلب ... ".
5 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "قلبها وقلب كل ألف همزة ضعيف. وكَذَلِكَ قَلْبُ ألِفٍ نَحْوُ حُبْلَى هَمْزَةً أوْ واوا أو ياء" "الشافية: ص8".
6 لفظة "قلب" ساقطة من "هـ".

(1/534)


اعلم أن في عبارته نظرا؛ لأن قوله: "وقلب1 كل ألف" يغني عن قوله: "وقلبها" وعن ذكر الهمزة في قوله: "وكذا قلب ألف التأنيث نحو حبلى همزة"2.
اعلم أن ناسا من فزارة وقيس يقلبون ألف التأنيث ياء في الوقف فيقولون: حُبْلَيْ -بالياء3 - وأن بعض طيّئ يقلب ألف التأنيث واوا فيقول: حُبْلَو4. ومنهم من يُسَوِّي في القلب بين الوقف والوصل فيقول فيهما: حُبْلَوْ وحُبْلَيْ5. فقال المصنف إنه ضعيف.
قوله: "وَإبْدَالُ تَاءِ التَّأْنِيثِ [الاسْمِيَّةِ هَاءً فِي نَحْوِ رَحْمَة على الأكثر] 6.
اعلم أن "إبدال تاء التأنيث" مبتدأ. وقوله: "في نحو رحمة" خبره. والمجموع معطوف على قوله: "فالإسكان المجرد في المتحرك".
__________
1 وقلب: ساقط من "هـ".
2 وهذا الاعتراض على عبارة المصنف اعترضه الرضي أيضا في شرحه على الشافية "2/ 285, 286".
3 خص المصنف هذا القلب عند هؤلاء بألف نحو حُبْلَي، وتابعه في ذلك ركن الدين، ولكن الرضي يعترض على ذلك ويذكر أن هؤلاء يقلبون كل ألف في الآخر ياء سواء كان للتأنيث كحُبْلَى، أو لا كمُثَنَّى، ويشير إلى أنه قول النحاة ويعلل لقلبها ياء بأن الألف خفية. "ينظر شرح الشافية: 2/ 286".
4 ينظر المصدر السابق.
5 ينظر المصدر السابق.
6 ما بين المعقوفتين ساقط من عبارة ابن الحاجب من "هـ".

(1/535)


أي: وإبدال تاء التأنيث الاسمية [في الاسم المفرد] 1 هاء في الوقف -عند الأكثر- في نحو رحمة؛ فرقا بينها وبين التاء الأصلية نحو: وَقْت ومَوْت وأُخْت2.
واحترزنا بقولنا: "في الاسم المفرد" عن [التاء في] 3 الجمع، نحو: غرفات وظلمات.
واحترزنا بقولنا [81] : "الاسمية" عن تاء التأنيث الفعلية في الوقف؛ فإنها لا تبدل هاء؛ للفرق بين تاء التأنيث الاسمية والفعلية، [فإن تاء التأنيث الفعلية لا تُبْدَل هاء في الوقف4] 5.
وإنما قلنا: عند الأكثر6؛ لأن بعض العرب لا يقلبها هاء في الوقف، بل يَقِف عليها تاء فتقول7: رَحْمَت وظُلْمَت8. وقرئ في
__________
1 ما بين المعقوفتين إضافة من "هـ".
2 وهذا الذي اختاره هو مذهب سيبويه "الكتاب: 4/ 166"، ووافقه الفراء وابن كيسان وأكثر النحاة "ينظر شرح الشافية: 2/ 288".
3 ما بين المعقوفتين إضافة من "هـ".
4 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
5 بل تبدل تاء وأصلها تاء أيضا.
6 في "هـ": الأكثرين.
7 في "هـ": "نحو".
8 وهذه اللغة حكاها أبو الخطاب عن ناس من العرب. "ينظر الكتاب: 4/ 167" ومن الشواهد التي جاءت على هذه اللغة قول الراجز:
الله نجاك بكفي مَسْلَمَتْ
من بعد ما وبعد مَتْ
صارت نفوس القوم عند الغَلْصَمَتْ
وكادت الحردة أن تُدعى أَمَتْ
"الشاهد "رقم 91" من شواهد شرح الرضي على الشافية: 2/ 289".

(1/536)


القرآن بالهاء والتاء جميعا1 ومنه قول الشاعر:
16-
دارا لسلمى بعد حول قد عَفَتْ
بل جوز تَيْهاء كظهر الحَجَفَتْ2
__________
1 وجاء ذلك في كلمات وقف عليها بالتاء والهاء، وهذه الكلمات هي:
- "رَحْمَتْ" في البقرة "218"، والأعراف "56"، وهود "73"، مريم "2"، والروم "50"، والزخرف "32".
- و"نِعْمَتْ" في البقرة "231"، وآل عمران "103"، والمائدة "11"، وإبراهيم "28"، والنحل "72"، وفي لقمان "31"، وفاطر "3". والطور "29".
- و"امْرَأَتْ" في آل عمران "35"، يوسف "51"، القصص "9"، والتحريم "10"، "11".
- و"سُنَّتْ" في الأنفال "38"، فاطر "43"، غافر "85".
- و"لَعْنَتْ" في آل عمران "61"، النور "7".
- و"مَعْصَيِتْ" في المجادلة "8، 9".
- و"كَلِمَتْ" في الأعراف "137"، و"بقيت" في هود "86".
- و"قُرَّتْ" في القصص "9".
- و"فِطْرَتْ" في الروم "30".
- و"شَجَرَتْ" في الدخان "43".
- و"جَنَّتْ" في الواقعة "89".
- و"ابْنَتْ" في التحريم "12".
فوقف عليها بالتاء: نافع وابن عامر وعاصم وحمزة، ووقف عليها بالهاء ابن كثير وأبو عمرو والكسائي. وقيل ويعقوب.
"ينظر النشر: 2/ 129, 130".
2 رجز، نسبه ابن بري في أماليه على الصحاح لسؤر الذئب، ونقله صاحب اللسان وكذا نقله البغدادي في شرح الشواهد.
ينظر في الشاهد: الصحاح "حجف": 4/ 1341، والمفصل ص341" والإنصاف ص232، مسألة "55"، وشرح الجاربردي "مجموعة الشافية: 1/ 174"، وحاشية ابن جماعة، بهامشة، وشرح شواهد الشافية، للبغدادي ص198، "برقم 101"، وينظر كذلك اللسان "حجف": 2/ 786. وقد أورد ابن منظور الأرجوزة كاملة: والشاهد في قوله: "كظَهْرِ الحَجَفَتْ"؛ حيث وقف على الحجفة بالتاء.

(1/537)


أي: كظهر1 الحَجَفَة -وُقِفَ عليها بالتاء- وهي تُرْس من الصَرْم يشبه التَّيْهَاء2، وهي المغازة بظهر التُّرْسِ الذي من الصَّرْمِ، في الملامسة3.
ودارا: منصوبة بعرفت، مذكورا4 قبل البيت. وجَوْز الشيء: وَسَطُه. وجره بإضمار "رب".
قوله: "وتشبيه تاء هَيْهَات به قليل"5.
أي: وتشبيه "تاء هيهات"6 بتاء التأنيث قليل. ولو أشبهت7 تاء هيهات بتاء التأنيث؛ وذلك بأن تجعل "هيهات" مفردة وأصلها: هَيْهَيَة، فانقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، تقلب8 ياؤه هاء
__________
1 في "هـ": ظهر.
2 ينظر الصحاح "حجف": 4/ 1341, واللسان "حجف": 2/ 786.
3 في "هـ": الملامسة.
4 لفظة "مذكورا" ساقطة من "هـ".
5 به قليل: ساقط من عبارة ابن الحاجب من "هـ".
6 تاء هيهات: ساقطة من "هـ".
7 في "ق"، "هـ": وإذا.
8 في "هـ": فتقلب.

(1/538)


في الوقف وهو قليل. وإن جعلت جمع "هيهية" أصلها: هيهاة1 فحذفت2 اللام على غير قياس.
ويمكن أن يقال: قلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها "ثم حذفت"3 الألف لالتقاء الساكنين، فبقي: هيهات، فوقفت بالتاء لا غير.
وقد قرئ "هيهات" بالتاء والهاء4 حال الوقف5.
قوله: "وفي الضاربات6 ضعيف"7.
أي: وتشبيه تاء الجمع، الضاربات بتاء التأنيث في المفرد حتى يوقف عليها بالهاء ضعيف.
قوله: "وعِرْقَات ... " إلى آخره8.
__________
1 في الأصل: هيهات. وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
2 في "هـ": فحذف.
3 في الأصل: فحذفت، وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
4 في "هـ": وبالهاء.
5 في قوله تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} . في الآية "36" من سورة "المؤمنون".
وجاء في النشر "2/ 231, 232" "وأما هيهات, وهو الحرفان في "المؤمنون" فوقف عليها بالهاء الكسائي والبزي. واختلف عن قُنْبُل فروي عنه العراقيون قاطبة الهاء كالبزي وهو الذي في الكافي والهداية والهادي والتجريد وغيرها, وقطع له بالتاء فيهما صاحب التبصرة والتيسير والشاطبية والعنوان والتذكرة وتلخيص العبارات وغيرها. وبذلك قرأ الباقون. إلا أن الخلاف في العنوان والتذكرة والتخلص لم يذكر في الأول، وانفرد صاحب العنوان عن أبي الحارث بالتاء في الثانية كالجماعة".
6 في "هـ": ضاربات.
7 لفظة "ضعيف" ساقطة من عبارة ابن الحاجب من "ق"، "هـ".
8 إلى آخره: ساقطة من "هـ". وعبارة ابن الحاجب بتمامها: "وعرقات إن فتحت تاؤه في النصب فبالهاء، وإلا فبالتاء" "الشافية: ص8".

(1/539)


اعلم أنه روي "عرقاتهم" في قولهم: "استأصل الله عِرْقاتِهم" بفتح التاء وكسرها -فإن فُتِح تاؤه1 في النصب فالوقف عليها بالهاء، وكان بمنزلة "سعلاة"2، والألف للإلحاق والتاء لتأنيث الواحد -وهي العرق- وإن كسر تاؤه في النصب كان جمعا، كأنه: عِرْقَة وعِرْقَات -أي: عُروق، كسِدْرَة وسِدْرات- فالوقف عليها بالتاء. والراء من "عريقات" تسكّن وتكسر.
اعلم أن الوقف على تاء الفعل، نحو: "ضربت" بالتاء؛ للفرق بين التاء التي تدخل الاسم والتاء التي تدخل الفعل. وكذا الوقف على التاء التي تلحق الحروف، نحو: ثُمَّت ورُبَّت.
قوله: "وأما ثلاثَةَ أَرْبَعَهْ ... " إلى آخره3.
هذا4 جواب عن سؤال "مقدر"5 وتقدير السؤال: أن تاء الثلاثة لا تنقلب هاء إلا حالة الوقف6. والوقف عليها مع7 حركتها متعذر.
__________
1 في الأصل: هاؤه. وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
2 في الأصل: سعلات. وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
3 إلى آخره: ساقطة من "هـ". وعبارة ابن الحاجب بتمامها "وَأَمَّا ثلاثَةَ ارْبَعَةَ فِيمَنْ حَرَّكَ؛ فَلأَنَّهُ نَقَلَ حركة همزة القطع لما وصل، بخلاف: ألم الله؛ فإنه لما وصل التقى ساكنان" "الشافية: ص8".
4 لفظة "هذا" ساقطة من "هـ".
5 لفظة "مقدر" إضافة من "ق"، "هـ".
6 لفظة "الوقف" ساقطة من "هـ".
7 في الأصل: من. والصحيح ما أثبتناه من "ق"، "هـ".

(1/540)


وتقرير الجواب: أنا لا نسلم أن تاء الثلاثة لا تنقلب هاء إلا حالة الوقف، لجواز أن تنقلب هاء حالة الوصل؛ بأن يجري الوصل مجرى الوقف باعتبار وقلب تاء ثلاثة هاء والحركة التي على هاء ثلاثة تكون حركة همزة القطع -أعني حركة همزة أربعة- نقلت إلى هاء ثلاثة، بخلاف الحركة التي على الميم في {الم، اللَّهُ} 1؛ فإنها ليست كذلك، بل لما وصل {الم} بالله التقى ساكنان -الميم الأخيرة من ميم ولام التعريف- فحركت الميم لالتقاء الساكنين.
وإنما ذكر هذا الكلام ههنا؛ لأن من الناس من يتوهم أن حركة الميم هي الحركة المنقولة من لام {اللهُ} إليها، فدفع هذا الوهم بأن ما ذكرناه في "ثَلاثَةَ ارْبَعَهْ" للضرورة، وهي منتفية ههنا.
قوله: "وزيادة الألف في أنا"2.
زيادة الألف "82": مبتدأ. وخبره: في أنا. والجملة معطوفة على قوله: "فالإسكان المجرد في المتحرك"؛ لأن زيادة الألف قسم من أقسام الوقف.
فإذا وُقِفَ على "أنا" فالفصيح3 أن يقال: أنا -بزيادة الألف ومن أجل أن الوقف على "أنا" بزيادة الألف كان الوقف على "لَكِنَّا" في قوله تعالى: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} 4 بالألف؛ لأن أصل "لَكِنَّا"، لَكِنْ أَنَا، فكما
__________
1 آل عمران: "1"، "2".
2 وتكملة عبارة ابن الحاجب: "وَمِنْ ثَمَّ وُقِفَ عَلَى {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ} بالألف" "الشافية: ص8".
3 في "ق": فالصحيح.
4 سورة الكهف: من الآية "38".

(1/541)


يوقف على "أنا" بالألف يوقف على "لكنا" بالألف؛ فنُقِلت1 حركة الهمزة إلى النون، وحذفت الهمزة ثم أدغمت النون في النون، فقيل: لَكِنَّا.
أما إثبات الألف فيه في الوصل -وهي قراءة ابن عامر2 فليست بضعيفة، بخلاف إثبات الألف في "أنا" في الوصل؛ لئلا يحصل اللبس بلَكِنَّ.
وإنما قلنا إن أصل "لكنا" ههنا: لَكِنْ أَنَا؛ لأن "لكنَّ" المشددة لا يقع بعدها المضمر3 المرفوع، كما يقع بعد "إن". ولا يمكن أن يقدر ضمير الشأن "المحذوف حتى يكون اسم "لكن" ويكون المبتدأ والخبر بعدها -أعني: هو الله- خبر "لكن" لأنه لا يحذف ضمير الشأن"4 إلا في حال الضرورة؛ ولأنه لولا أن أصله: "لكِن أَنَا" لم يَجْرِ5 الوقف عليها بالألف.
قوله: "وَمَهْ وأَنَهْ قَلِيل".
يعني: أن الوقف على "ما" الاستفهامية بالهاء6 والوقف على
__________
1 في "هـ": نقلت.
2 وهي أيضا قراءة أبي جعفر ورويس، وقرأ الباقون بغير ألف ولا خلاف في إثباتها في الوقف اتباعا لرسم المصحف. "ينظر النشر: 2/ 311".
3 في "هـ":الضمير.
4 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
5 في الأصل: "لم يجري" خطأ.
6 أقول: أجاز بعضهم حذف ألف ما، والوقف عليه بالهاء، وإن لم مجروراً، كما في حديث أبي ذؤيب: قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلوا بالإحرام، فقلت: مَهْ فقيل: هلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم. "ينظر شرح الشافية، للرضي 2/ 296".

(1/542)


"أنا" بالهاء قليل1.
قوله: "وَإلْحَاقُ هَاءِ السَّكت لاَزِمٌ فِي نَحْوِ: رَهْ ... " إلى آخره2 عطف على قوله: "فالإسكان المجرد في المتحرك"؛ لأن إلحاق هاء السكت قسم من أقسام الوقف.
اعلم أن إلحاق هاء السكت على ضربين: أحدهما لازم والآخر جائز. أما اللازم ففي كلمة ليست كالجزء مع ما قبلها؛ أي: ليست مع ما قبلها كشيء واحد، وليس لحوق الهاء به لتبيين الألف، نحو: رَهْ أمرًا -من: رَأَى يَرَى- وَرِه -أمرا من وَرِيَ يَرِي، وَقِهْ- أمرا من وَقَى يَقِي، و: مَجِيءَ مَهْ، ومِثْل: مَهْ فِي: مَجِيءَ مَ جِئْتَ؟ ومثل مَ أَنْتَ؟.
أما: رَهْ وَرِهْ وَقِهْ فظاهر أنها ليست مع ما قبلها كلمة3 واحدة وأما "ما" فِي مَجِيء مَ جئتَ؟ وَمِثْلُ مَ أنتَ؟ فلأن "ما" متصل باسم مستقل بفائدته في مدلوله الإفرادي، فليست كالجزء مما قبلها. و"ما" فيهما استفهامية وقعت مضافا إليها، فوجب تقديم المضاف وهو المجيء والمثل عليها؛ لأنه لا يمكن تقديم المضاف إليه على
__________
1 الوقف على "أنا" بالهاء لغة لبعض طيئ، فيقولون: إنه. "ينظر المصدر السابق".
2- في "هـ" فقط من عبارة ابن الحاجب: "وإلحاق هاء السكت" وتمامها: "وقِهْ، ومَهْ في: مَجِيء مَهْ جِئْتَ؟، ومثل مَهْ أنتَ؟ وجائز في نحو: لَمْ يَخْشَهْ وَلَمْ يَغْزُهْ وَلَمْ يَرْمِهْ وغُلامِيَهْ وغُلامُهْ، وحَتَّامَه وإلامهْ مِمَّا حَرَكَتُهُ غَيْرُ إعْرَابِيَّةٍ وَلاَ مشبهة بها، كالماضي وباب يا زيدو لا رجل" "الشافية: ص8".
3 في "ق"، "هـ" ككلمة.

(1/543)


المضاف ووجب تأخير الفعل، وهو: جئتَ؛ لأن الاستفهام يقتضي صدر الكلام.
وأصله: جئتَ مجيءَ أي شيء؟، ومثل أي شيء أنت؟ فالأول استفهام عن صفة المجيء، والثاني استفهام عن مثل أي شيء هو، فلما وقف على "ما" وجب الوقف بالهاء؛ لأن ألفها1 قد زالت، لوقوعها مضافا إليها، فوجب إلحاق الهاء.
وأما الجائز ففي كلمة كانت كالجزء مع ما قبلها ولم تكن حركة آخره إعرابا، نحو: حركة الرجل ويضرب، ولا مشبهة بحركة الإعراب كحركة الماضي، فإن الماضي مبني2 على حركة لمشابهته المضارع، وكحركة باب يا زيد، ولا رجل؛ فإن حركة المنادى المضموم وحركة المبني مع "لا" على الفتح تشبه حركة الإعراب؛ لعروضها في المنادى "83"، والمنفي بـ"لا"، بما يشبه العامل؛ لعروض3 حركة الإعراب بالعامل، ولهذا جاءت صفة المنادى المفرد المعرفة والنكرة المبنية مع "لا" على الفتح معربة على لفظها أو في كلمة كأن إلحاق الهاء بها لتبين الألف.
ويعلم مما ذكرنا أنه لا تلحق هاء السكت في الوقف نحو الرجل، وضَرَبَ، ويا زيد، ولا رجلَ؛ أما عدم إلحاقه بالرجل؛ فلأنه اسم
__________
1 في "ق": الألف.
2 في "هـ": بني.
3 في "ق"، "هـ": بعروض.

(1/544)


معرب. وأما عدم إلحاقه بمثل يا زيد، ولا رجل؛ فلمشابهة حركتهما حركة الإعراب. وأما عدم إلحاق بمثل ضَرَبَ؛ فلأنه لو ألحق به نحو: ضَرَبَهُ، التبس بهاء الضمير من غير اضطراب في بابه.
وإنما قلنا: من غير اضطراب في بابه. احترازا عن مثل: لم يَخْشَهْ؛ فإنه يحصل الالتباس، لكن اضطر إلى1 إلحاقه ببابه، نحو: رَهْ، فألحق الكل؛ أي: بكل الباب، إجراء للباب كله مجرى واحد.
وإنما قلنا إنَّ "رَهْ"، [ولم يَخْشَ] من باب واحد؛ لأن الأمر مأخوذ من المضارع. والأمر حكمه حكم المجزوم، أو مجزوم، كما أن مثل: "لم يَخْشَ" مجزوم.
وأما مثال جواز إلحاق الهاء بكلمة لكونها مع ما قبلها ككلمة "واحدة"2، ففي نحو: لَمْ يَخْشَهُ، وَلَمْ يَغْزُهُ، وَلَمْ يَرْمِهِ، وَغُلاَمِيَةْ فيمن حرَّك الياء في غُلامِيَه، وفي حَتَّامه والإمه وعَلامَه؛ لأنها صارت متوسطة.
[و] 3 أما كون: يَخْشَ ويَغْزُ4 ويَرْمِ، مع "لم" ككلمة واحدة فظاهر. وكذا الياء في غلامي؛ لأنه لا يمكن التلفظ بالياء, التي هي الضمير المتصل من غير المضاف.
وأما "ما" الاستفهامية بعد حرف الجر، نحو: حَتَّامَهْ وإلامَهْ
__________
1 لفظة "إلى" ساقطة من "هـ".
2 لفظة "واحدة" إضافة من "ق".
3 الواو إضافة من "هـ".
4 في الأصل: ويغزو.

(1/545)


وعلامه؛ فلأن الجار والمجرور بمنزلة كلمة واحدة ولهذا كتبت ياء حتى وإلى وعلى، في: حتامهْ وإلامه وعلامه بالألف، بخلاف ما الاستفهامية التي تقع بعد الاسم؛ لأن الاسم مستقل بفائدته في مدلوله الإفرادي، ولهذا لم يجعل كالمتصل معه.
وإنما قلنا: "غلامَيْه" فيمن حرّك الياء في "غُلامِيَ"؛ لأنه عند من لا يحرّك الياء وقال غلاميْ بإسكان الياء, لم يقف عليه بإلحاق الهاء، [بل بحذف الياء] 1؛ لأن الوقف بالهاء في "غلامي" بحركة الياء، إنما هو لبيان حركة الياء مع أنه يجوز في "غلامي" بحركة الياء الوقف2 عليه بسكون الياء. وحكم "ضربنيَ" بحركة الياء كحكم: غلامي بحركة الياء، فيجوز الوقف عليه بحذف الياء وسكون النون، كقوله تعالى: {رَبِّي أَكْرَمَن} 3، و {أَهَانَنِ} 4 في قراءة أبي5 عمرو6.
__________
1 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
2 في "ق": للوقف.
3 سورة الفجر: من الآية "15".
4 سورة الفجر: من الآية "16".
5 في الأصل: "ابن". والصحيح ما أثبتناه من "ق"، "هـ".
6 هذا في الوقف. واختلف عن أبي عمرو وصلا، والذي عليه الجمهور عنه التخيير في إثبات الياء أو حذفها. والآخرون بالحذف، وعليه عوَّل الداني والشاطبي. قال في النشر: "والوجهان صحيحان مشهوران عن أبي عمرو،
والتخيير أكثر والحذف أشهر".
"النشر: 2/ 191، وينظر كذلك: الإتحاف، ص438".
وأثبت الياء فيهما وصلا نافع وأبو جعفر، وفي الحالين فيهما البزي ويعقوب. "ينظر المصدران السابقان".

(1/546)


وأما وقف على الكاف "أكرمتك" بالهاء فجائز، لبيان حركة الكاف -لا واجب- لأنه اسم منفصل عما قبله؛ لأنه مفعول، والمفعول لا يمتزج بالفعل امتزاج الفاعل به والوقف عليه بالإسكان جائز؛ لأنه ممتزج بالفعل ولا يلفظ به منفردا.
وكذا الوقف على الكاف في "عنك" بالسكون.
قوله: "وفي نحو ههناه وهؤلاء".
أي: وإلحاق هاء السكت للوقف جائز في نحو ههناه، وهؤلاء بالقصر, ووازيدا وشبهه "وهو"1 معطوف على لم يخشه، هذا مثال "84" كلمة تلحق هاء السكت بها لتبيين الألف.
وإنما قلنا: وهؤلاء بالقصر؛ لأنه إذا كان بالمد كان ألفه بينا لا يحتاج إلى بيان الألف.
وإنما لم يوقف على نحو حُبْلَى وأَعْمَى وأَفْعَى بالهاء، فلا يقال حُبْلَاهْ وأَعْمَاهْ، وأفعاهْ تبيينا للألف، لئلا يظن أنه مضاف كعصاه ورحاه.
قوله: "وحذف الياء في نحو القاضي ... " إلى آخره2.
فـ"حذف الياء": مبتدأ. و"في نحو القاضي": خبره.
__________
1 وهو: إضافة من "هـ".
2 في "هـ" جاء في عبارة ابن الحاجب فقط قوله: "وحذف الياء". والعبارة بتمامها: "وَحَذْفُ الْيَاءِ في نحو الْقَاضِي وَغُلاَمِي حُرِّكَتْ أو سكنت، وإثباتها أكثر، عكس قاض".
"الشافية: ص8".

(1/547)


ومجموعهما معطوف على قوله: "فالإسكان المجرد في المتحرك" لأنه وجه من وجوه الوقف.
اعلم أن الاسم إذا كان في آخره ياء ثابتة في الوصل قبلها كسرة نحو القاضي، ويا قاضي، وغلامي، سواء حركت ياء غلامي أو سكنت وقف عليه بحذف الياء عند الأقلين1 فرقا بين الوصل والوقف والوقف2 عليه عند الأكثرين3 بإثبات الياء في الأحوال الثلاث؛ لأنها كانت ثابتة في الوصل فتثبت في الوقف؛ لعدم موجب حذف الياء.
وإن كانت الياء ساقطة في الوصل بالتنوين، نحو قاض، سقطت تلك الياء في الوقف عند الأكثرين -وهو اختيار سيبويه4؛ لأن ذلك التنوين مقدر لكونه متصرفا غير معرف5 باللام والإضافة.
ومنهم من يقف عليها6 بالياء, وهو أجود عند يونس7،
__________
1 في "هـ": عند الأولين: والصحيح ما أثبتناه.
والوقف بحذف الياء في: يا قاضي، وغلامي، هو اختيار يونس وقواه سيبويه وأما في نحو: القاضي، فالبيان عنده أجود من الحذف "الكتاب: 4/ 183, 184".
2 لفظة "الوقف" ساقطة من "هـ".
3 وهو مذهب الخليل حكاه عنه تلميذه سيبويه "ينظر الكتاب: 4/ 183" وينظر كذلك "شرح الشافية، للرضي: 2/ 301".
4 ينظر الكتاب: 4/ 183.
5 في "هـ": غير معروف.
6 في الأصل، "ق": عليه. وما أثبتناه من "هـ".
7 قال سيبويه: "وحدثنا أبو الخطاب ويونس أن بعض من يوثق بعربيته من العرب يقول: هذا رامي وغازي، وعَمِي؛ أظهروا في الوقف حيث صارت في موضع غير التنوين؛ لأنهم لم يضطروا ههنا إلى مثل ما اضطروا إليه في الوصل من الاستثقال فإذا لم يكن في موضع تنوين فإن البيان أجود في الوقف. وذلك قولك: هذا القاضي، وهذا العمي؛ لأنها ثابتة في الوصل. "الكتاب: 4/ 183".
موضع تنوين فإن البيان أجود في الوقف. وذلك قولك: هذا القاضي، وهذا العمي؛ لأنها ثابتة في الوصل. "الكتاب: 4/ 183".

(1/548)


لزوال موجب حذف الياء وهو التنوين عند الوقف، لكن إثبات الياء في نحو القاضي، للوقف أكثر من إثباتها له في نحو قاض، لعدم موجب حذف الياء في نحو القاضي بوجه من الوجوه، ووجود1 موجب حذفها في نحو قاض وهو التنوين المقدر حكما.
قوله: "وإثباتها في نحو يا مُرِي اتفاق"2.
أي: وإثبات الياء في نحو: يا مُرِي، في الوقف اتفاق.
اعلم أن أصل يا مُري: يا مُرْئِيٌ من أَرَى يُرِي؛ أصلها3: أرْ أي: يُرْئِي؛ فتقلب حركة الهمزة إلى ما قبلها4 وحذفوها قياسا, فصار: يا مُرِيٌ، بضم الياء فاستثقلت الضمة على الياء مع كسرة ما قبلها، فحذفت فصار: يا مُرِي بسكو الياء. وإذا وقفوا عليه لم يحذفوا5 الياء في الوقف كما حذفوها في "نحو"6 القاضي، ويا قاضي في الوقف؛ لئلا يلزم اختلال الكلمة بحذف بعد حذف من غير إعلال موجب للحذف. ولا7 يلزم النقض بباب: "جاءني مُرٍ
__________
1 ووجود: ساقط من "هـ".
2 لم يرد من عبارة ابن الحاجب في "هـ" إلا قول المصنف: "وإثباتها".
3 في "ق": أصلهما.
4 في "هـ": وحذفت.
5 في "ق"، "هـ": لم تحذف.
6 لفظة "نحو" إضافة من "ق"، "هـ".
7 في الأصل: ولم. وما أثبتناه من "ق"، "هـ".

(1/549)


يا فتى" وباب "وزيدا"، مع حذف الهمزة والياء في "مُرٍ" و "ر" لأن حذف الهمزة فيهما قياس وحذف الياء فيهما للإعلال الموجب للحذف.
أما في: "جاءني مُرِ"1 فلالتقاء الساكنين وهما الياء والتنوين. وأما في "رَ" فلكونه: مجزوما أو شبيها بالمجزوم على اختلاف فيه، بخلاف [حذف] 2 الياء في يا مُرِي للوقف، لوجوب حذفه في باب "القاضي" في الوقف، فإنه لمجرد التخفيف.
قوله: "وإثْبِاتُ الواو والياء ... " إلى آخره3.
أي: وإثبات الواو والياء فيما آخره واو أو4 ياء جزء كلمة، وحذفهما في الفواصل5 والقوافي فصيح، نحو: زيد يغزو ويرمي، وجاءني القاضي، وقوله تعالى: {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} 6 {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ 7}
__________
1 في الأصل، "ق" مري. وما أثبتناه من "هـ".
2 لفظة "حذف" إضافة من "ق"، "هـ".
3 لم يرد هي "هـ" من عبارة المتن إلا قوله: "وإثبات الواو". وعبارة ابن الحاجب بتمامها هي: "وإثْبَاتُ الْوَاوِ وَالْيَاءِ وَحَذْفُهُمَا فِي الْفَوَاصِلِ وَالْقَوَافِي فصحيح. وحذفهما فيهما في نحو لم يغزو ولم تَرمي وصنعوا قليل". "الشافية: ص8".
4 في الأصل: "و".
5 يعني بالفواصل: رءوس الآي ومقاطع الكلام.
6 سورة الرعد: من الآية "9". وقد أثبت الياء في الحالين ابن كثير ويعقوب وحذفها في الحالين قُنْبُل. وحذفها الباقون موافقة لرسم المصحف الشريف ورءوس الآي. "ينظر النشر 298، والإتحاف ص270".
7 سورة الفجر: من الآية "4" وأثبت الياء بعد الراء وصلا في "يسر" نافع وأبو عمرو وأبو جعفر وفي الحالين: ابن كثير ويعقوب وإثباتها هو الأصل؛ لأنها لام فعل مضارع.
وحذفها الباقون موافقة لخط المصحف الكريم ورءوس الآي. ومن فرق بين حالتي الوقف والوصل؛ فلأن الوقف محل استراحة "ينظر النشر: 2/ 400، والإتحاف 438".

(1/550)


و"يَوْمَ التَّنَادِ"1 إلا أن الأقيس إثباتهما مع أن الحذف أيضا فصيح2 لأن المحل محل التخفيف، بخلاف "85" وقوعهما في غير الفواصل والقوافي -أعني في أثناء الكلام- فإنه ليس بفصيح؛ لأنه يجوز في القوافي والفواصل3 ما لا يجوز في غيرهما للتناسب وحذف الواو والياء في الفواصل والقوافي في4 نحو: الزيدون لم يغزوا، وأنت يا امرأة لم ترمي، وأنت يا امرأة لم تحملي5. ونحو الزيدون صنع6 قليل قبيح؛ لأن الواو والياء فيهما ذكرناه اسم مستقل وحذفه محال7، بخلاف الواو والياء في نحو: زيد8 يغزو وزيد9 يرمي، وجاءني
__________
1 سورة غافر، من الآية "32" وقد أثبت الياء في "التناد" وصلا ورش وابن وردان، وفي الحالين ابن كثير ويعقوب. وحذفها الباقون موافقة لخط المصحف الكريم ورءوس الآي. "ينظر الإتحاف، ص378".
2 وهو قول سيبويه. "الكتاب: 4/ 185".
3 في "ق": الفواصل والقوافي.
4 لفظة "في" ساقطة من "هـ".
5 في "ق"، "هـ": لم تكلمي.
6 أي: صنعوا. وحذف الواو والياء اللتين هما ضميران لغة لبعض قيس وأسد. "ينظر شرح الشافية، للرضي: 2/ 305".
7 في "ق": مخل.
8 لفظة "زيد" ساقطة من "هـ".
9 لفظة "زيد" ساقطة من "هـ".

(1/551)


القاضي؛ لأنها جزء كلمة في الآخر؛ فإذا حذفت "في الآخر"1 كانت بقية الكلام دالة عليها فلذلك استقبح قوله:
17-
لا يُبعِدِ الله أقواما تركتهم ... لم أدر بعد غداة البَيْن، ما صَنع2
أي: ما صنعوا.
وقوله:
18-
يا دار3 عبلة بالجَواء تكلَّمِ ... ............................4
__________
1 في الآخر: إضافة من "هـ".
2 هذا بيت من البسيط، قاله تميم بن أبي بن مقبل، وهو شاعر إسلامي معاصر للفرزدق وجرير. وهو في ديوانه ص168 برواية ما صنعوا. وينظر فيه: الكتاب: 4/ 211، برواية "أصحابا" بدلا من "أقواما" وشرح الشافية للرضي: 2/ 306 "رقم 102" برواية "إخوانا" وشرح شواهد الشافية للبغدادي ص236 "رقم 120".
والمشاهد فيه حذف واو الجماعة من صنعوا، كما تحذف الواو الزائدة إذا لم يريدوا الترنم. وهو قبيح؛ لأن الواو اسم جاء لمعنى فلا يحسن حذفه.
3 في النسخ الثلاث: ديار. بدلا من: يا دار. وما أثبتناه هو الصحيح، كما جاء في ديوان عنترة.
4 هذا صدر بيت من الكامل، قاله عنترة بن شداد العبسي، وعجزه:
"وعَمِيِ صَبَاحا دار عَبْلَةَ واسْلَمِي"
وهو أول بيت في معلقته الشهيرة، وهو في ديوانه ص "15" برواية: تكلمي، اسلمي. وينظر فيه: الكتاب: 2/ 269، 4/ 213، وشرح الشافية، للرضي: 2/ 206، "رقم 103"، وشرح شواهد شروح الشافية ص238 "رقم 121"، وحاشية ابن جماعة على شرح الجاربردي "مجموعة الشافية: 1/ 184" والتصريح 2/ 185.
والشاهد فيه حذف ضمير المخاطبة من "تكلمي" وهو الياء للوقف.

(1/552)


[يريد: تكلمي] 1.
قوله: "وحذف الواو في ضربه...." إلى آخره2.
حذف الواو: مبتدأ. وقوله "في ضربه": خبره. ومجموعهما معطوف على قوله: "في ضربه": خبره. ومجموعهما معطوف على قوله: " [فالإسكان المجرد] 3 في المتحرك"؛ لأنه وجه من وجوه الوقف؛ أي: و4 حذف الواو في نحو ضربه وضربهم فيمن ألحق الواو "بضربهم" في الوصل. وحذف الياء في نحو "تِهِ وذِهِ" فيمن ألحق الياء به في الوصل.
اعلم أنك تقول في الوصل: ضَرَبَهُ زَيْدٌ. فإذا وقف عليه تقول: ضَرَبَهْ -بحذف الواو وإسكان الهاء- وإن من ألحق الواو بـ"ضربهم" في الوصل؛ فإذا وقف عليه وقف5 بحذف الواو وسكون الميم.
وإنما قيده بهذا القيد؛ لأن من لم يلحق الواو بـ"ضربهم" في الوصل امتنع منه حذف الواو في الوقف.
وكذلك الوقف على "تِهِي، وذِهِ" بإلحاق الياء في الوصل إنما هو بحذف الياء وسكون الهاء كما يكون الوقف على "بهِ وضربهِ" بحذف الياء والواو وسكون الهاء.
__________
1 ما بين المعقوفتين إضافة من "ق".
2 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "وَحَذْفُ الْوَاوِ في ضَرَبَهُ وضَرَبَهُم فيمَنْ ألحَقَ وحذف الياء في تِهِ وهَذِهِ" "الشافية: ص8".
3 ما بين المعقوفتين ساقط برمته من "هـ".
4 الواو ساقطة من "هـ".
5 لفظة "وقف" ساقطة من "هـ".

(1/553)


قوله: وإبدال الهمزة حرفا من حَرَكَتِها ... " إلى آخره1.
إبدال الهمزة: مبتدأ. وقوله: "عند قوم": خبره. ومجموعهما معطوف على قوله: "فالإسكان المجرد في المتحرك"؛ لأنه وجه آخر من وجوه الوقف.
اعلم أن بعض العرب يقف على الاسم الذي2 في آخره همزة قبلها فتحة3 أو ساكن بإبدال الهمزة حرفا من جنس حركة تلك الهمزة، ثم إن كان ما قبل الهمزة مفتوحا تبقى الفتحة على حالها بعد الإبدال، وإن كان ما قبل ساكنا4 حرك الساكن بحركة الهمزة قبل الإبدال، فتقول في: الكَلَأ والخَبْء والبُطْء والرِّدْء، إذا وقفت5 عليها حال الرفع "هذا6" الكَلَوْ والخَبُوْ والبُطُوْ والرِّدُوْ بإبدال الهمزة واوا7. وحال النصب: رأيتُ الكَلَا والخَبَا والبُطَا والرِّدَا بإبدال الهمزة ألفا. وحال الجر: مررت بالكَليْ والخَبِي والبُطِي والرِّدِي
__________
1 لم يرد من عبارة ابن الحاجب في "هـ" إلا قوله: "وإبدال الهمزة". والعبارة بتمامها: "وإبدال الهمزة حرفا من حَرَكَتِها عند قوم في مِثْل: هَذَا الكَلَوْ والخَبُوْ والبُطُوْ والرِّدُو، ورأيتُ الكَلَا والخَبَا والبُطَا، والرِّدا، ومررتُ بالكَلِي والخَبِي والبُطِي والرِّدَي. ومنهم من يقول: هَذَا الرِّدِي، ومن البُطُو فيتبع" "الشافية: ص8".
2 لفظة "في" ساقطة من "هـ".
3 في "هـ": همزة.
4 في الأصل: ساكن. وكذا في "هـ": والصحيح ما أثبتناه "ق".
5 في "ق": وقف.
6 لفظة "هذا" إضافة من "ق"، "هـ".
7 الواو ساقطة من "ق"، "هـ".

(1/554)


بإبدال الهمزة ياء.
والخَبْءُ: ما خُبِّئ1. والبُطْء: خلاف السُّرعة2. والرِّدْءُ: العون3.
اعلم أنه قد أُورِدَ على المصنف أن لغة هؤلاء الذين نقل عنهم أن يوقف على الهمزة بإبدالها من جنس حركتها من غير تغيير الفتحة التي قبلها ولا السكون الذي قبلها إلا في حال النصب؛ فإنه إذا أبدلت الهمزة ألفا حال النصب فُتِحَ الساكن الذي قبل الهمزة "86" لتعذر مجيء الألف بعد الساكن؛ فيقال: هَذَا4 الكَلَوْ والخَبْو والبِطْو والرِّدْو، ورأيت الكَلَا والخَبَا والرِّدَا والبُطَا، ومررتُ بالكَلْي والخَبْي والرِّدْي والبُطْي. وأما قول بعضهم: الخَبْوْ والبُطْوْ والرِّدْوْ، فليس على هذه اللغة5، بل إنما هو على لغة النقل، فلما نُقلت حركة: الهمزة و6 بقيت ساكنة خففها بالإبدال كما خففوا راسا وبيرا وبوسا.
__________
1 ينظر الصحاح "خبأ": 1/ 46.
2 ينظر المصدر السابق "بطأ": 1/ 36.
3 ينظر المصدر السابق "ردأ": 1/ 52.
4 في الأصل، "هـ": هذه. والصحيح ما أثبتناه.
5 أي: فليس ما ذكرناه جاريا على هذه اللغة، فأصحابها يحذفون حركة الهمزة ولا ينقلونها ثم يقلبون الهمزة إلى حرف علة يجانس حركة الهمزة, فيقولون: هذا الخَبْوْ والبُطْوْ والرِّدْوْ, ومررتُ بالخَبْيْ والبُطْيْ والرِّدْيْ. وأما في حالة النصب فلا يمكنهم تسكين ما قبل الألف؛ إذ الألف لا تجيء إلا بعد فتحة كما ذكر الشارح، فيقولون رأيت الخَبَا، والبُطَا والرِّدَا؛ بالنقل والقلب. "ينظر شرح الشافية للرضي: 2/ 312".
6 الواو ساقط من "هـ".

(1/555)


ومن هؤلاء من يقول -وهم ناس من بَنِي تميم- في الردء والبطؤ إذا وقفت1 عليهما: هذا الرِّدِي، ومن البُطُو -بكسر الدال اتباعا لحركة الراء، وبضم الطاء اتباعا لحركة الباء2.
ولم يُقَل: هذا3 الرِّدؤْ ومن البُطِئ؛ لعدم مجيء "فِعُل" -بكسر الفاء وضم العين- وعدم مجيء "فُعِل"- بضم الفاء وكسر العين في الأسماء في كلامهم.
"ولقائل أن يقول: ليس في كلامهم ما آخره واوا قبلها"4 ضمة فإن وُجِد ذلك في موضع فُرَّ منه، وقلبت الواو ياء والضمة كسرة.
وأجيب عنه بأنه ليس في كلامهم ما آخره واو أصلية وقبلها ضمة. والبُطُو ليس كذلك؛ لأن الواو فيه عارضة.
ولقائل أن يقول: "فُعِل" -بضم الفاء وكسر العين- "وبالعكس5" ليس في كلامهم إذا كان أصليا، أما إذا كان عارضا فَلِمَ لا يجوز. والبطو والردي عارض في الوقف.
__________
1 في "ق"، "هـ": وقف.
2 أي: إنهم يتبعون العينَ فيهما الفاء في الأحوال الثلاث، فيقولون: هذا البُطُؤ؛ ورأيتُ البُطُؤ، ومررتُ بالبُطُؤ، وهذا الرِّدِئ ومَرَرْتُ بالرِّدِئ، ورأيتُ الرِّدِئ،؛ وذلك أنهم لما رأوا أنه يؤدي النقل في البُطء في الحال الجر، وفي الردء في حال الرفع إلى الوزنين المرفوضين أتبعوا العين الفاء في حال الجر في البطؤ وفي حال الرفع في الرِّدْء، فتساوى الرفع والجر فيهما، فكرهوا مخالفة النصب إياهما، فأتبعوا العين الفاء في الأحوال الثلاث. "ينظر شرح الشافية، للرضي: 2/ 312".
3 في الأصل: هذه. وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
4 ما بين المعقوفتين موضعه بياض في "هـ".
5 وبالعكس: إضافة من "ق"، "هـ".

(1/556)


[وأما إذا كان قبل الهمزة ضمّة أو كسرة، نحو: أَكْمُؤ - جمع كَمْء1، وهو نبت2 -ونحو أَهْنِئ، يقال في الوقف] 3 عليهما4 في5 لغة من يقول: هذا الرِّدِي ومن البُطُو: أَكْمُو وأَهْنِي، فتصير الهمزة ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
وأَهْنِئُ6: اسم رجل؛ من: هَنَأَنِي الطعام يُهْنِئُنِي، أو من هَنَأْتُ الرجل: أَهْنَؤُهُ وأَهْنِئُهُ أيضا7: إذا أعطيته8.
قوله: "والتَّضْعِيف في المتُحَرِّك الصحيح ... " إلى آخره9.
التضعيف: مبتدأ. وقوله: "في المتحرك": خبره. والمجموع معطوف على قوله: "فالإسكان المجرَّد في المتحرك"؛ لأنه نوع من أنواع الوقف.
والوقف بالتضعيف إنما يكون في المتحرك الآخر الصحيح الآخر غير الهمزة المتحرك ما قبل الآخر.
__________
1 في النسخ الثلاث: كمئ. والصحيح ما أثبتناه.
2 ينقص الأرض فيخرج كما يخرج الفطر. "اللسان "كما": 5/ 3926".
3 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
4 في الأصل: عليهم. والصحيح ما أثبتناه من "ق"، "هـ".
5 في "ق"، "هـ": على.
6 وأَهْنِئُ: مع هِنْءِ، وهو العطاء.
7 لفظة "أيضا" ساقطة من "هـ".
8 أو من هَنَأْتُ البعير أَهْنُؤُه: إذا طليته بالهِنَاء، وهو القَطِران. "الصحاح "هنأ": 1/ 84"
9 لم يرد من عبارة ابن الحاجب في "هـ" إلا قوله: "التضعيف". وعبارة ابن الحاجب بتمامها: "وَالتَّضْعِيفُ فِي الْمُتَحَرِّكِ الصَّحِيح غَيْرِ الْهَمْزَةِ الْمُتَحَرِّكِ ما قبله مثل: هذا جعفر، وهو قليل" "الشافية: ص8".

(1/557)


و1 احترز بقوله: "المتحرك الآخر" عن ساكن الآخر؛ لأنه إذا كان ساكنا لم يوقف بالتضعيف؛ لأن التضعيف كالعوض من الحركة في الوقف.
واحترز بقوله: الصحيح الآخر "عن معتل2 الآخر، نحو: رأيت القاضي؛ فإنه لا يوقف بالتضعيف؛ لأن المعتل ثقيل، فلا يزاد ثقلا بالتضعيف واحترز بقوله: "غير3 الهمزة" عن المهموز، مثل الكلأ، فإنه لا يوقف عليه بالتضعيف؛ لاستثقال تضعيف الهمزة.
واحترز بقوله: "المتحرك ما قبله" عن الساكن ما قبله، نحو: بَكْر؛ فإنه لا يوقف عليه بالتضعيف4؛ لئلا يلزم اجتماع ثلاث سواكن5، نحو: جَعْفَرّ ويَجْعَلّ6.
__________
1 الواو ساقطة من "ق"، "هـ".
2 في "هـ": المعتل.
3 في "ق"، و"هـ": عن.
4 في الأصل: بالتسكين. والصحيح ما أثبتناه من "ق"، "هـ".
5 يجوز الوقف على المشدد الذي تقع الألف قبله، نحو: الدوابّْ، وصواف وغير مضارّْ ولا جانّْ، وما أشبهه مما يجتمع فيه ثلاث سواكن في الوقف، وكذلك: اللذانّْ وهذانّْ، على قراءة ابن كثير؛ لأن التقاء الساكنين ههنا يجري مجرى التقاء متحرك وساكن؛ لأن الألف للزوم حركة ما قبله قوي المد بها فصارت لذلك بمنزلة المتحرك، فلذلك تمكن التقاء الساكن بعد الألف في الوقف "ينظر النشر: 2/ 127، وحاشية ابن جماعة بهامش شرح الجاربردي "مجموعة الشافية: 1/ 187".
6 وأجاز عبد القاهر تضعيف الحرف إذا كان قبله مدة كسعيد وثمود نظرا إلى إسكان الجمع بين اللين والمضاعف الساكن بعده، ويدفعه السماع والقياس. قاله الرضي في شرح الشافية: 1/ 315.

(1/558)


والوقف بالتضعيف قليل؛ لأنه مخالف للقياس لمجيء التضعيف في الموضوع الذي يقصد فيه التخفيف.
قوله1: "ونحو القَصَبَّا شاذ ضرورة".
أي: و2 تضعيف القَصَبَّا في مثل3 قوله:
19-
مثل الحريق وافَقَ القَصَبَّا4
شاذح لأنه أتى بحكم الوقف في5 حال الوصل لضرورة الشعر لا يقال هذا التضعيف جاء في آخر البيت، وآخر البيت موضع الوقف فأتى بحكم الوقف حالة الوقف، فلا يكون شاذا؛ لأنا [تقول لا] 6 نسلم أنه أتى بحكم الوقف حالة الوقف؛ لأن حكم الوقف بالتضعيف
__________
1 قوله: ساقطة من "هـ".
2 الواو ساقطة من "هـ".
3 لفظة "مثل": ساقطة من "ق"، "هـ".
4 هذا بيت من مشطور الرجز، وقد عده بعض العروضيين من مشطور السريع ونحن نتفق مع أستاذنا الدكتور شعبان صلاح في أن إلحاق هذا البيت، وما جاء على صورته، بالرجز أحق من إلحاقه بالسريع المشطور "ينظر: موسيقى الشعر بين الاتباع والابتداع: 122, 123". والبيت لرؤبة بن العجاج "في ملحقات ديوانه، ص169". وينظر في البيت: الكتاب: 4/ 170، وشرح الشافية للرضي: 2/ 318، رقم "111"، وشرح الجاربردي "مجموعة الشافية: 1/ 187", وحاشية ابن جماعة بهامشه, وشرح النقره كار "مجموعة الشافية: 2/ 32" وشرح شواهد الشافية: 254 "رقم 130".
والشاهد فيه: تحريك "القصبا"، المضعف للوقف, وهو شاذ للضرورة عند غير سيبويه، وليس ضرورة عند سيبويه، وتابعه الزمخشري في مفصله "ص342".
5 لفظة "في" ساقطة من "هـ".
6 ما بين المعقوفتين إضافة من "ق"، "هـ".

(1/559)


هو تضعيف الحرف الموقوف عليه من غير الحركة، وههنا حركة الباء، وحركة الباء لا تكون إلا في الوصل؛ ولأنه1 "87" ما وقف على الباء؛ لأنه زاد على الباء الألف فهو حالة الوقف، فأجري الوصل مجرى الوقف في إعطائه حكم الوقف. وشذ من ذلك قوله:
20-
لقد خشيت أن أرى جَدَبَّا ... في عامنا ذا بعد ما أَخْصَبَّا2
أراد: جَدَبَّا ففتح الساكن ليمكنه التضعيف.
قوله: "ونقل الحركة [فيما قبله ساكن] 3.. "إلى آخره4.
__________
1 في الأصل: "أن". وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
2 هذا بيتان من الرجز المشطور. وقد عدهما بعض العروضيين من السريع المشطور ولكن أستاذنا الدكتور شعبان صلاح يرى أن إلحاقهما بالرجز أحق من إلحاقهما بالسريع، كما ذكرنا في البيت الساق. ينظر حاشية "8". من الصفحة السابقة.
البيتان لرؤبة "في ملحقات ديوانه: 169". وقال البغدادي: "نسبهما ابن عصفور وابن يَسْعون نقلاً عن الْجَرْمي والسخاوي إلى ربيعة بن صبيح". ينظر في البيتين: الكتاب: 4/ 170، وشرح شواهده للأعلم: بهامش الكتاب: 2/ 282، 283 "بولاق، وابن يعيش: 9/ 69، وشرح الشافية للرضي: 2/ 319، وشرح شواهد شروح الشافية ص254، التصريح، 2/ 346 والشاهد في قوله: "جَدَتَّا، أَخْصَبَّا"، حيث شدد الباء ضرورة وحرك الدال بحركة الباء قبل التشديد؛ لالتقاء الساكنين وكذلك شدد أَخْصَبَّا؛ للضرورة.
3 ما بين المعقوفتين ساقط من عبارة ابن الحاجب من "هـ".
4 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "ونقل الحركة فيما قبله ساكن صحيح إلا الفتحة إلا في الهمزة، وهو أيضا قليل، مثل: هذا بَكُرْ وخَبُؤْ، ومررت بِبَكِرْ وخَبِئ، ورأيت الخَبَأ، ولا يقال: رأيت البَكَرْ، ولا هذا جِبُرْ، ولا من قُفِل، ويقال: هذا الرِّدُؤْ ومن البُطِئْ، ومنهم من يَفِرّ فَيُتْبِع "الشافية: 8، 9".

(1/560)


نقل الحركة: مبتدأ. وقوله: "فيما قبله ساكن": خبره. والجموع معطوف على قوله: "فالإسكان المجرد في المتحرك"؛ لأنه وجه آخر من وجوه الوقف؛ أي: ونقل حركة الحرف الموقوف عليه إلى ما قبله إنما يكون قبل آخره حرف ساكن صحيح إلا الفتحة فإنها لا تنقل إلى ما قبله إلا إذا كانت تلك الفتحة1 على الهمزة، فإنها تنقل إلى ما قبلها.
فقوله: "ساكن". احتراز به عما قبلَه متحرك، نحو: رجل؛ فإنه لا ينقل حركته إلى ما قبله؛ لأن المتحرك لا يقبل الحركة.
وقوله: "صحيح". احتراز به أن يكون قبله ساكن غير صحيح نحو: زيد، وثمود2؛ فإنه لا تنقل حركته إلى ما قبله؛ لاستثقال الحركة على حرف العلة.
وقوله: "إلا الفتح" احترز به عن مثل: رأيت البَكَرْ؛ فإنه لا تنقل حركته3 إلى ما قبل الراء؛ لأنهم إنما نقلوا الضمة والكسرة لقوتهما وكراهتهم حذف القوي مع إمكان بقائه بوجه، بخلاف الفتحة فإنها خفيفة فجوز حذفها. ولأن: رأيت البَكَرْ فرع: رأيت بَكْرا؛ لأن المعروف فرع المنكر، فكما4 لا يجوز النقل في الأصل لا يجوز النقل في الفرع.
__________
1 في "هـ": الحركة.
2 في الأصل: وثمود. والصحيح ما أثبتناه من "ق"، "هـ".
3 في "ق"، "هـ": فتحته.
4 في "ق": وكما.

(1/561)


وإذا كانت الفتحة على الهمزة جاز نقلها إلى ما قبلها؛ لأنَّ الوقف على قولك: رأيت الخَبَأْ1 -بإسكان الهمزة- مستثقل، بخلاف الوقف على قولك: رأيت البَكَرْ ... بإسكان الراء، فلما كان الاستثقال لازما للوقف على ما آخره همزة قبلها ساكن بالإسكان -بخلاف غيره- نُقِلَتْ حركته في جميع أحواله إلى ما قبله، فقيل: رأيت الخَبَأْ، ولم يقل: رأيتُ البَكَرْ.
اعلم أنه لا بد لجواز النقل للوقف من أن يكون الحرف الموقوف عليه صحيحا، وأن تكون إعرابية؛ لأنه لو كان معتلا، نحو2 ظَبْي ودَلْو لم يُنْقَل؛ لأنه يُفْضِي إلى الإعلال بتغير الكلمة. ولو كانت حركته بنائية نحو حركة "أمس"، ومن قبل لم تنقل؛ لأن حركة الإعراب يؤذن بها العامل؛ لا حركة البناء. لكنه3 قد جاء قليلا في الأفعال نحو اضْرِبُهْ وضَرَبَتُهْ4، كقوله:
21-
عَجِبْتُ والدَّهْرُ كثير عَجَبُهْ ... من عَنَزِيّ سَبَّنِي لم أضرِبُه5
__________
1 في "هـ": خبأ.
2 لفظة "نحو" ساقطة من "هـ".
3 في "هـ": لكن.
4 حكاه سيبويه عن بعض العرب "ينظر الكتاب: 4/ 179".
5 رجز لزياد الأعجم، نسبه إليه سيبويه، وكذا الأعلم في شرح شواهده.
ينظر في هذا البيت: الكتاب: 4/ 179, 180، وشرح شواهده، للأعلم بهامش الكتاب: 2/ 287 "بولاق"، وابن يعيش: 9/ 70, 71، وشرح الشافية للرضي: 2/ 322 "رقم 114"، وشرح شواهد شروح الشافية، ص261 "رقم 131" والهمع: 2"/ 208".
وينظر كذلك: الصحاح "لمم": 5/ 2032 برواية: "يا عجبا والدهر جم عجبه"، واللسان "لمم": 5/ 4081".
والعَنَزِيّ: منسوب إلى عَنَزة -بفتح العين والنون- وهي قبيلة من ربيعة بن نزار.
والشاهد في قوله: "لم أضْرِبُه"؛ حيث نقل حركة هاء "اضْرِبُه" إلى الباء قبلها لتكون أبين للهاء في الوقف؛ لأن مجيئها ساكنة بعد ساكن أخفى الهاء.

(1/562)


وكقول الآخر:
22-
فَقَرَّبَنْ هذا وهذا زَحِّلُه1
أي: بَعِّده.
وإنما جاز "ذلك"2؛ لأنه لما كانت الهاء خفيفة وكان سكون ما قبلها يضعف اعتمادها في النطق نقلوا الحركة ليتمكن.
قوله: وهو قليل. أي: الوقف بنقل حركة الحرف الموقوف عليه إلى ما قبله قليل، كما أن الوقف بتضعيف الحرف الأخير من الكلمة قليل، نحو: هذا بَكُرْ وضَبُؤْ، ومَرَرْتُ ببَكِرْ وخَبِئْ، وَرَأَيْتُ الخَبَأ.
وَلاَ يُقَالُ: رأيت البَكَرْ، بنقل حركة الراء إلى الكاف؛ لما "88" ذكرناه.
ولا يقال في هذا: حِبْر، عند الوقف عليه: هذا حِبُر، بالنقل، ولا: من قُفِلْ؛ لأن عليهما بالنقل مؤدٍّ إلى مثال ليس في أبنية
__________
1 رجز، لأبي النجم العجلي، نسبة إليه سيبويه وكذا الأعلم في شرح شواهده.
ينظر في البيت: الكتاب: 4/ 180، وشرح شواهده، للأعلم بهامش الكتاب: 2/ 287 "بولاق"، والمقرب: 154، وابن يعيش: 9/ 71 "برواية: أزحله". والأرجوزة في العقد الفريد: 1/ 172.
والشاهد في قوله: "زحله"، حيث نقل حركة الهاء إلى اللام قبلها ليكون أبين لها في الوقف.
2 لفظة "ذلك" إضافة من "هـ".

(1/563)


أسمائهم, على ما مر في أمثلة1 الثلاثي.
قوله: "ويقال هذا الرِّدُو، ومن2 البُطِي".
أي: ويقال في الردء والبطء -عند الوقف عليهما: الرِّدُو ومن البُطِي، ينقل حركة الحرف الموقوف عليه إلى ما قبله وقلب الهمزة حرفا من جنس حركتها، وإن لم يقل: هذا حِبُرْ، ومن قُفِل بنقل الحركة لوجود التخفيف بالنقل وإبدال الهمزة حرفا من جنس حركتها فيما آخره همزة وعدم التخفيف بالنقل في مثل: هذا حِبُرْ، ومن قُفِل، بل حصول الثقل به.
قوله: "ومنهم من يَفِرُّ فيُتْبِع"3
أي: و4 منهم من يفر عن الزنة المستكرهة -أعني: فِعُل وفُعِل، بضم العين وكسر الفاء وبالعكس- إلى نقل حركة الهمزة إلى ما قبلها وجعل الحركة المنقولة تابعة لحركة ما قبل الساكن من الكسرة و5الضمة، لقوة كراهة الهمزة الساكنة بعد الساكن فيحصل التخفيف بالنقل والفرار عن الزنة المستكرهة بالاتباع، فيقولون:
__________
1 لفظة "أمثلة" مطموسة في "هـ".
2 لفظة "من": ساقطة من "هـ".
3 فيتبع: ساقطة من "هـ".
4 الواو ساقطة من "هـ".
5 في "هـ": أو الضمة.

(1/564)


هذا الرِّدِيْ، ومررتُ1 بالبُطُوْ، فيتبعون الحركة المنقولة حركة ما قبل الساكن من الكسرة والضمة. وهؤلاء لا ينقلون مع الاتباع في باب حبر وقفل؛ لأن سكون الحرف الموقوف عليه مع سكون ما قبله ليس بمستكره؛ لأنه ليس بثقيل بخلاف ما إذا كان الحرف الموقوف عليه همزة ساكنة، ما قبلها ساكن.
__________
1 في "ق": ومن.

(1/565)


[المقصور والممدود] :
قوله1: "المقصور ما آخره ألف مفردة ... " إلى آخره2.
الاسم المقصور: اسم [معرب] 3 آخره ألف مفردة، أي: ليس بعدها همزة، كالعصا والرَّحى والاسم الممدود اسم [معرب] 4 في آخره ألف بعدها همزة؛ كالكساء والرِّدَاء.
وإنما سُمي المقصور مقصورا؛ لأنه قُصِر منه الإعراب لفظا -أي: مُنع- لأن الألف لا تقبل الحركة أو لأنه لا يمد إلا مقدار ما في ألفه من المد.
وإنما سُمّي المدود ممدودا؛ لأن ألفه تمد، لأجل وقوع الهمزة بعد ألفه.
ولا يُشْكَل تعريف المقصور بمثل: إلى وحَتّى، لأنهما ليسا باسم بل يشكل أما أولا: فيمثل: إذا ومتى، مع أنه لا يسمى مقصورا إلا الاسم المعرب إذا كان في آخره ألف. وأما ثانيا؛ فلأنه لا حاجة إلى تقييد الألف بالمفردة، لأنه ليس في آخر الممدود ألف، بل همزة، فإن التزم بأن الهمزة ألف أيضا دخل في حده الخطأ والفَرَأ5.
__________
1 قوله: ساقطة من "هـ".
2 لم يرد من عبارة ابن الحاجب في "هـ": إلا قوله: "المقصور ما آخره". وتمام عبارة ابن الحاجب: "كَالْعَصَا والرَّحَى. والْمَمْدُودُ: مَا كَان بَعْدَهَا فيه همزة كالكساء والرداء". "الشافية: ص9".
3 لفظة "معرب" إضافة من المحقق.
4 لفظة "معرب" إضافة من المحقق.
5 عد الفراء الخَطَأ والفَرَأ من المقصور والمهموز الذي لا نظير له "ينظر المنقوص والممدود، ص31" والفراء: الحمار الوحشي. "المصدر السابق".

(1/566)


ولا يُشكل تعريف الممدود بمثل جاء وشاء؛ لأنه ليس باسم.
وتسمية الفراء مثل جاء وشاء ممدودا1 إنما هي على مقتضى اللغة لا الاصطلاح. بل2 يشكل: أما أولا: فلأنه ليس آخر الممدود ألف3 بعدها همزة بل آخره همزة. وأما ثانيا فلأنه يدخل في تعريفه ما آخره همزة بعد ألف بدل عن أصل، نحو: ماء وراي؛ أصلهما: مَوَهٌ وروى من رَوَيْتُ الحديث؛ قلبت الواو ألفا، وهاء ماء وياء راي همزة، مع أنه لا يسمى ممدودا، نص عليه أبو علي الفارسي4، 5 لعروض المد فيه؛ لأن ألفها واو في الأصل. فلو قيل: الممدود ما في آخره همزة بعد ألف زائدة كان أولى6.
__________
1 المصدر السابق: ص50.
2 في الأصل، "ق": بلى. وما أثبتناه من "هـ".
3 في الأصل: ألفا.
4 هو الحسن بن أحمد، المعروف بأبي علي الفارسي. ولد بِغَا مدينة قريبة من شيراز, وأخذ عن ابن السراج وغيره، رحل إلى أقطار من الدولة وتوفي ببغداد سنة 377هـ.
وله مصنفات كثيرة، منها: الإيضاح في النحو، والتكملة في الصرف، والحجة في علل القراءات السبع.
"ينظر ترجمته في: إنباه الرواة: 1/ 273-275، ومعجم الأدباء 7/ 232، والنجوم الزاهرة: 4/ 151، ونزهة الألباء: 216, 217، وشذرات الذهب: 3/ 88.
5 التكملة:
6 وهذا هو تعريف الممدود في الاصطلاح، إذ الممدود كل اسم معرب آخره همزة قبلها ألف زائدة.

(1/567)


قوله: "والقياسي من المقصور أن يكون ما قبل آخر نظيره من الصحيح ... "1 إلى آخره.
اعلم أن كل واحد من الاسم "89" المقصور والممدود إما قياسي وإما سماعي. فالقياسي ما عرف بقاعدة معلومة من استقراء كلامهم يرجع إليها فيه، والسماعي ما ليس كذلك بل يفتقر معرفة قصر كل كلمة ومدها إلى السماع2.
فالقياسي من المقصور ما تكون حركة ما قبل آخر نظيره من الصحيح فتحه. والقياسي من الممدود وما يكون ما3 قبل آخره ألِفاً.
فَالْمُعْتَلُّ اللاَّمِ مِنْ أسْمَاءِ الْمَفَاعِيلِ مِنْ غير الثلاثي المجرد مقصور، نحو: مُعَطيٌ ومُشْتَرَيٌ: قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
وكذلك المعتل اللام من أسماء الزمان والمكان والمصدر من الأفعال التي يكون قياس أسماء الزمان والمكان والمصدر منها على وزن مُفْعَل -بضم الميم وفتح العين- أو على وزن مَفْعَل -بفتح
__________
1 لم يرد من عبارة ابن الحاجب في "هـ" إلا قوله: "والقياسي". وتكملة عبارة ابن الحاجب: "فتحة. ومن الممدود أن يكُونُ ما قَبْلَه ألِفاً؛ فَالْمُعْتَلُّ اللاَّمِ مِنْ أسْمَاءِ الْمَفَاعِيلِ مِنْ غَيْرِ الثَّلاَثِيِّ الْمُجَرَّدِ مَقْصُورٌ كمُعْطَى ومُشْتَرًى؛ لأَنَّ نَظَائِرَهُمَا مُكْرَم ومُشْتَرَك، وَأَسْمَاءِ الزمان والمكان والمصدر مما قياسه مَفْعَل ومُفْعَل كمَغْزَى ومَلْهَى؛ لأَنَّ نَظَائِرَهُمَا مَقْتَلٌ ومَخْرَج، وَالْمَصْدَرُ مِنْ فَعِلَ فَهْوَ أَفْعَلُ أوْ فَعْلَانُ أوْ فَعِلٌ كالعَشَى والصَّدَى والطَّوَى؛ لأن نظائرها الحَوَل والعَطَشُ والفَزَعُ. والفَرَأُ شَاذٌّ، والأَصْمَعِيُّ يَقْصُرُه، وجَمْعِ فُعْلَة وفِعْلَة كعُرى وجِزًى؛ لأن نظائرهما قُرَب وقِرَب". "الشافية: ص9".
2 في "هـ": سماع.
3 لفظة "ما" ساقطة من "ق".

(1/568)


الميم والعين -كمُغْزًى ومُلْهًى، وكمَغْزًى ومَلْهًى يجب أن تكون مقصورة؛ لأن نظائرها من الصحيح على وزن: مَفْعَل ومُفْعَل، نحو مَقْعَد ومُخْرَج.
وكذلك المعتل اللام من المصادر التي من فِعل -بكسر العين- فهو أَفْعَل أو فَعْلان أو فَعِل؛ لأن قياس مصدرها: فَعَل كالعَشَى والصَّدَى والطَّوَى؛ فإن العَشَى من: عَشِي -بالكسر- يَعْشَى عَشًى فهو أَعْشَى -وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار1.
وإنما قلنا: إنه مقصور؛ لأن نظيره: حَوِل يَحْوَل حَوَلا، فهو أَحْوَل. وأصله2: عَشَي؛ قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
والصَّدَى: العَطَش، من صَدِيَ يَصْدَى صَدًى3، فهو صَدٍ وصَدْيَان4. وإنما قلنا إنه مقصور؛ لأن نظيره عَطِشَ يَعْطَشُ عَطَشًا فهو عَطْشان. وأصله: صَدَي؛ قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ونظيره أيضا: فَرِقَ يَفْرَقُ5 فَرَقًا، فهو فَرِق.
والطَّوَى: الجوع، من: طَوِي -بالكسر- يَطْوَى طَوًى، فهو طيَّان6.
__________
1 ينظر الصحاح "عشا": 6/ 2427.
2 في "هـ": وأصل.
3 لفظة "صدى" ساقطة من "هـ".
4 ينظر الصحاح "صدى": 6/ 2399.
5 لفظة "يفرق" ساقطة من "هـ".
6 وأيضا. هو طاو. ينظر الصحاح "طوي": 6/ 2415.

(1/569)


وإنما قلنا إنه مقصور؛ لأن نظيره: عَطِش -بالكسر- يَعْطَشُ عَطَشا، فهو عَطْشان.
والمصنف جعل في الشرح نظير الطَّوَى الفَرَق -وهو الخوف- وكذا ينبئ1 المتن. وفيه نظر؛ لأن فَرِق وطَوِي ليسا نظرين في اسم الفاعل؛ لأن اسم فاعل طَوِي -بالكسر- طاو وطيَّان، واسم فاعل فَرِق -بالكسر- ليس على وزن فاعل وفَعْلان، بل فَعِل -بكسر العين.
وجعل في شرح المفصل نظير الطَّوَى: عَطِشَ يَعْطَش، فهو عَطْشان2. ونظير الصَّدَى -من صَدِي يَصْدَى، فهو صَد, الفَرِق من: فَرِق يَفْرَق، فهو فَرِق3- وهو صحيح ظاهر.
والغَرَاء -بفتح الغين والمد- للذي يُلْزَق به الشيء يكون من السمك،4 شاذ؛ لأن القياس القصر كما يقول الأصمعي5؛ لأنه من غَرِي -بالكسر- فهو غَرٍ كصَدِيَ فهو صَدٍ6.
__________
1 في "هـ": "في". موضع: ينبئ.
2 ينظر شرح المفصل، للمصنف: 1/ 623.
3 ينظر المصدر السابق.
4 الذي في الصحاح: "الغراء: الذي يُلْصَقُ به الشيء، يكون من السمك، إذا فتحت الغين قصرت وإن كسرت مددت؛ تقول منه: غَرَوت الجلد، أي: ألصقته بالغِرَاء" "غرا": 6/ 2445".
5 وحكاه عنه الزمخشري في مفصله "ص217". وقد اعتمدت على النقل لا النص لأني لم أعثر على النص في كتب الأصمعي.
6 وفي اللسان: "الغِرَاء -بالمد والقصر- هو الذي يلصق به الأشياء وتتخذ من أطراف الجلود والسمك. "غرا: 5/ 3249".

(1/570)


بالمد نقله سيبويه1 والفراء2، 3.
وكذلك جمع فُعْلَة وفِعْلَة إذا كان معتل اللام مقصور، نحو عُرًى جمع عُرْوَة4 وجِزًى جمع جِزْية؛ لأن نظيرهما قُرْبَة وقُرَب وقِرْبَة وقِرَب.
أصل عُرَّى وجِزًى: عُرَوٌ وجِزَيٌ؛ قلبت الواو والياء ألفا لتحركهما وانفتاح ما قبلهما.
قوله: "ونحو الإعطاء والرِّماء ... "5 إلى آخره.
أي: القياس من الممدود، كمصدر: أعطَى ورامَى واشترى واحْبَنْطَى فهو إعطاء ورِماء واشْتِرَاء واحْبِنْطَاء6.
وإنما قلنا إنها ممدودة؛ لوقوع "90" الألف قبل الأواخر في نظائرهن7 من الصحاح8؛ لأن نظير الإعطاء من الصحيح الإكرام،
__________
1 الكتاب: 3/ 538.
2 قال الفراء في المنقوص والممدود "ص24, 25": "الغِرَاء الذي يُغْرَى به، مقصور وممدود. وإذا فتح أوله قصر وكتب بالألف لأنه من الواو؛ يقال: سرج مَغْرُوّ، وسهم مَغْرُوّ. وفي أمثالهم أدركني ولو بأحد المَغْرُوّين.
3 وبالمد أيضا نقله ابن السكيت، وشارحه التبريزي. "ينظر تهذيب إصلاح المنطق: 2/ 27".
4 في الأصل: عرية. وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
5 في "هـ": لم يرد من عبارة ابن الحاجب إلا قوله: "ونحو الإعطاء". والعبارة بتمامها: "وَنَحْوُ الإِعْطَاءِ، والرِّماء، والاشْتِراء، وَالاِحْبِنْطَاء" مَمْدُودٌ؛ لأنَّ نظائرها الإكرام والطِّلاب والافتتاح والاحرِنْجام، وأسماء الأصوات المضموم أولها، كالعُواء والثُّغاء؛ لأن نظائرها النُّبَاح والصُّراخ ومفرد أَفْعِلَة، نحو كِساء وقِباء؛ لأن نظائرها حمار وقَذَال، وأندية شاذ. "الشافية: ص9".
6 ينظر المفصل، ص217.
7 في "هـ": نظائر.
8 وهذه العلة أخذها ركن الدين عن ابن الحاجب، الذي أخذها عن الزمخشري "ينظر المفصل، ص217".

(1/571)


ونظير1 الرِّماء2 الطِّلاب، ونظير الاشتراء الافتتاح ونظير الاحبنطاء الاحْرِنْجام.
وأصلها: إعطاي، ورِمَاي واشْتِراي واحْبِنطاي؛ قلبت الياء همزة لوقوعها طرفا قبلها ألف زائدة.
وكأسماء الأصوات المضموم أوائلها كالعُواء -صوت الذئب3 والثُّغاء -صوت الغنم4 والرُّغاء5؛ لأن نظائرها من الصحاح الأصوات: النُّباح، والصُّراخ، والضُّبَاح وهو صوت الثعلب6.
وحكم الداء7 حكم الصوت نحو النُّزاء -بالضم- وهو داء يقع في الشاة8، وهو ممدود؛ لأن نظيره من الصحيح9 من الداء10 القُمَاص وهو داء يقع في الغنم والإبل11.
__________
1 لفظة "نظير" ساقطة من "هـ".
2 الرِّماء: مصدر رَامَيْته. "ينظر الصحاح "رمي": 6/ 2362".
3 وأيضا العُواء: صوت الكلب وابن آوَى "ينظر المصدر السابق "عوى": 6/ 2441".
4 ينظر المصدر السابق "ثغا": 6/ 2293.
5 الرُّغاء: صوت ذوات الخُفّ "المصدر السابق "رغا": 6/ 2359".
6 قاله الجوهري في صحاحه: "صنيح": 1/ 385.
7 في الأصل، "ق": العلاج. والصحيح ما أثبتناه من "هـ".
8 قاله الجوهري في الصحاح "نزا": 6/ 2507.
9 في "ق"، "هـ": الصحاح.
10 في الأصل، "ق": العلاج. والصحيح ما أثبتناه من "هـ".
11 وهو أن يرفع البعير أو الفرس أو غيرهما يديه ويطرحهما معا ويَعْجِن برجليه.
"ينظر القاموس المحيط "قمص": 2/ 315".

(1/572)


وكمفرد1 أَفْعِلَة إذا كان ذلك المفرد معتل اللام فإنه ممدد، نحو: كِسَاء وأَكْسِيَة، وقَبَاء وأَقْبِية؛ لأن نظير كِساء وأَكْسِيَة من الصحيح: حمار وأحمرة، ونظير قَبَاء وأَقْبِيَة قَذَال وأَقْذِلَة، فعلم أن2 قبل آخرها ألف. أصلها: كِسَاو وقَبَاي؛ قلبت الواو والياء ألفا لوقوعهما طرفا قبلهما ألف زائدة3.
قوله4: "وأندية شاذ". جواب عن سؤال [مقدر] 5. وتقدير السؤال: أنكم قلتم: مفرد أفعلة إذا كان معتل اللام ممدود، وهو منقوص بندًى؛ فإنه مفرد "أَنْدِية" مع أنه معتل اللام ليس بممدود، بل مقصور.
والنَّدَى: المطر، والبلل. ويجمع على: أَنْدَاء وأَنْدِية، لقوله6:
23-
في ليلة من جُمادى ذات أَنْدِية
لا يبصر الكلب من ظَلْمائها الطُّنُبا7
__________
1 وكمفرد: مطموسة في "هـ".
2 في "هـ": أنها.
3 لفظة "زائدة" ساقطة من "ق".
4 قوله: موضعها بياض في "هـ".
5 لفظة "مقدر" إضافة من "ق"، "هـ".
6 في "ق"، "هـ": كقوله.
7 هذا بيت من البسيط، لمرة بن مَحْكان التميمي، وهو شاعر أموي عاصر جريرا والفرزدق، وكان شاعرا مقلا. والبيت من قصيدة له، وقد اختار أبو تمام منها ثلاثة عشر بيتا في باب المديح والأضياف "الحماسية رقم 689 - ص501 -510" وأولها:
أنا ابن مَحْكان أَخْوالِ بَنُو مَطَر ... أُنْمي إلَيْهِمْ وَكَانُوا مَعْشَراً نُجُبا
والطُّنُب: حبل الخباء، وعِرْق الشجر، وعصب الجسد "الصحاح: طنب: 1/ 172"، ينظر في البيت: الصحاح "ندى": 6/ 2507، والمفصل: 218، والإيضاح في شرح المفصل: 1/ 625.
"174" وابن يعيش 6/ 41، والأزمنة والأمكنة للمرزوقي: 1/ 168، وشرح الشافية للرضي: 2/ 329 "117" واللسان "ندى": 6/ 4386،وشرح شواهد شروح الشافية: 277 "134". الشاهد في قوله "أندية"؛ حيث إنه جمع "ندى" المقصور على أندية، وهو شاذ؛ لأن أَفْعِلَة جمع للمدود لا المقصور.

(1/573)


وأجاب عنه بأنه شاذ، لا يعوَّل عليه؛ أي: جمع نَدًى على أَنْدِية شاذ، كما أن جمع نَجْد على أَنْجِدَة شاذ1.
قوله2: "والسَّماعي ... " إلى آخره3، 4.
أي: والمقصور السماعي، نحو: الرَّحَى والعَصَا5، والممدود السماعي، نحو: الخَفَاء والأَبَاء مما ليس له نظير في الصحيح ليحمل عليه فيعلم من نظيره قصره أو مده، وحينئذ لا يعلم قصره ومده إلا بالسماع؛ لعدم الطريق للقياس فيه.
والخَفَاء من خَفِي.
والأَبَاء بفتح أوله: القَصَب، والواحدة أَباءَة، وقيل هو6 أَجَمَة الحَلْفاء والقصب خاصَّة7.
__________
1 ينظر المفصل، ص218.
2 قوله: موضعها بياض في "ق".
3 إلى آخره: ساقطة من "هـ".
4 وعبارة ابن الحاجب بتمامها: "والسَّمَاعِيُّ نَحْوُ: العَصَا والرَّحَى والخَفَاء والأَبَاء مِمَّا ليس له نظير يحمل عليه".
5 في "هـ": العصا والرحى.
6 في "ق": هي.
7 قاله الجوهري في الصحاح "أبا": 6/ 2259.

(1/574)