شرح شافية ابن الحاجب ركن الدين الاستراباذي الإدغام:
قوله: "الإدغام: أن تأتي بحرفين...."1 إلى آخره2.
اعلم أن الإدغام في اللغة: الإخفاء
والإدخال. قال ابن دريد3: "أدغمت اللجام الفرس، إذا4 أدخلته في فيه5"6.
وفي الاصطلاح: أنْ تَأْتِي بِحَرْفَيْن، سَاكِنٍ فَمُتَحَرِّك، مِنْ
مُخْرَجٍ واحد، من غير فصل7.
وقوله: "ساكن فمتحرك" بمنزلة جنسه، وباقي قيوده كالفصل.
وإنما قال: "فمتحرك" -بالفاء- ولم يقل بالواو؛ ليعلم الترتيب, ولم يقل8
بثم؛ ليعلم انتفاء المهلة والتراخي.
__________
1 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "الإِدْغَامُ: أنْ تَأْتِي بِحَرْفَيْن,
سَاكِنٍ فَمُتَحَرِّك, مِنْ مخرج واحد, من غير فصل". "الشافية، ص14".
2 إلى آخره: ساقط من "ق".
3 سبقت الترجمة له.
4 في "هـ": أي.
5 في "ق": فمه.
6 وهذه العبارة ذكرها الجوهري في صحاحه "دغم": 5/ 1920.
7 وهذا التعريف بنصه نقله الأشموني عن ابن الحاجب ولم يشر إليه. "ينظر
شرح الأشموني: 3/ 889".
وقال ابن عصفور: "الإدغام هو رفعك اللسان بالحرفين رفعة واحدة, ووضعك
إياه بهما موضعا واحدا, وهو لا يكون إلا في المثلين أو المتقاربين".
الممتع: 2/ 631.
8 لفظة "يقل" ساقطة من "هـ".
(2/889)
وقوله: "من مخرج واحد" احتراز به عن مثل
فَلْس؛ فإن اللام ساكنة1 والسين متحركة، لكنهما ليسا2 من مخرج واحد.
وقوله: "من غير فصل" احتراز به عن مثل "رِيْيًا"3 [فإن4 الياءين ههنا
ساكنا فمتحركا، من مخرج واحد] 5، لكن فصل بينهما بنقل اللسان؛ فإن
الفصل قد يكون بحرف وقد يكون بنقل اللسان من محل إلى محل آخر، ومن محل
ثم إلى ذلك المحل، بخلاف النطق بهما دفعة؛ ولهذا يوجد الفرق "158" بين
قولنا: قَدَّ، وقَوَّلَ بالإدغام، وبين قولنا: قَدْدَ وقَوْوَلَ بفك
الإدغام، فإنه يتلفظ بالدالين والواوين في الأول برفع اللسان دفعة، وفي
الثاني برفعه مرتين.
لا يقال: لا حاجة إليه لأنه يعلم ذلك من الفاء في قوله: "فمتحرك" لأنا
نقول: لا نسلم ذلك؛ لأن الفاء تدل على التعقيب عادة، نحو: مررت بمراغة6
فتِبْرِيز7. ولا يلزم منه ألا يكون التلفظ بحرفين يفصل بينهما بنَفَس8
أو غيره.
__________
1 في "ق"، "هـ": ساكن.
2 لكنهما ليسا: ساقط من "ق".
3 في الأصل, "ق": لأن, والأنسب ما أثبتناه من "هـ".
4 ينظر ص 726.
5 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق".
6 مراغة: أشهر بلاد آذربيجان. ينظر معجم البلدان: 8/ 5.
7 تبريز: من أشهر مدن آذربيجان. ينظر المصدر السابق 1/ 362, 363.
8 في الأصل: بتنفيس, وما أثبتناه من "ق". واللفظة ساقطة من "هـ".
(2/890)
لا يقال: يشكل بمثل قولنا: قُلْ لزيد،
وقُلْ لنا بالإظهار؛ فإن التعريف المذكور ينطبق عليه مع أنه ليس
بإدغام.
لأنا نقول: لا نسلّم انطباق التعريف عليه؛ لوجود الفصل فيه بين
الحرفين.
[لا يقال: الإدغام واجب في هذه الصور، فلا يجوز الإظهار، فلا يتوجه
النقض1؛ لأنا نقول: لا نحتاج توجه هذا النقض على جواز هذا الإظهار؛ فإن
الحد المذكور يتوجه عليه2 هذا الإظهار، مع أنه ليس بإدغام، سواء يجوز
هذا الإظهار أو لا يجوز] 3.
قوله: "ويكون في المثلين4 ... "5 إلى آخره6.
أي: الإدغام7 قد يكون في المثلين، وقد يكون في المتقاربين لكن بعد أن
يصيرا مثلين ليمكن الإدغام, وقد يجيء تعريف المتقاربين.
ثم اعلم أن الإدغام يجب، ويمتنع، ويجوز جوازا مستحسنا وجوازا مستقبحا.
ويكون في كلمة و [في] 8 كلمتين، ويكون بين
__________
1 في "هـ": فهذا النقض لا يتوجه.
2 في "هـ": على.
3 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق".
4 في "هـ": مثلين.
5 وتمام عبارة ابن الحاجب: "..... والمتقاربين". "الشافية، ص14".
6 إلى آخره: ساقط من "ق".
7 أي الإدعام: ساقط من "ق".
8 لفظة "في": إضافة من "ق"، "هـ".
(2/891)
متماثلين ومتقاربين1. [لكنه في كلمة أولى
منه في كلمتين، وفي مثلين أكثر منه في المتقاربين] 2، وفي حروف الضم
أولى منه في حروف الطرفين, وفيما سكونه لازم أولى منه فيما سكونه غير
لازم.
__________
1 في "هـ": متقاربين ومتماثلين.
2 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق".
(2/892)
[إدغام المثلين]
:
قوله: "فالمثلان واجب ... "1إلى آخره2.
اعلم أن الإدغام في المثلين واجب3 عند سكون الأول وتحرك4 الثاني، نحو:
"لم يبرح حَّاتم"، و"لم يذهب بَّكر"، إلا إذا كان الساكن الأول
والمتحرك الثاني همزتين، نحو: املأ إجابة؛ فإنه لا يدغم؛ للاستثقال،
إلا إذا كانتا في كلمة وبعد الهمزة الثانية ألف،
__________
1 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "فَالْمِثْلاَنِ وَاجِبٌ عِنْدَ سُكُونِ
الأَوَّلِ إلاَّ فِي الهمزتين, إلا في السأَّال والدّأَّاث، وإلا في
الألفين لتعذره، وإلا فِي نَحْو: قُووِل لِلإِلْبَاسِ، وَفِي نَحْو:
تُووِي ورِييا -عَلَى الْمُخْتَارِ- إِذَا خَفَّفْتَ، وَفِي نَحْوِ:
قَالُوا وَمَا، وَفِي يَوْم, وَعِنْدَ تَحَرُّكِهِمَا فِي كَلِمَةٍ
وَلاَ إِلْحَاقَ وَلاَ لَبْس نَحْوُ: رَدَّ يردّ، إلا في نحو: حيي،
فإنه جائز، وإلا في نحو: اقتتل, وتتبزل، وتتباعد وسيأتي". "الشافية،
ص14".
2 إلى آخره: ساقط من "ق".
3 والسبب في ذلك أن النطق بالمثلين ثقيل؛ لأنك تحتاج فيهما إلى إعمال
العضو الذي يخرج منه الحرف المضعف مرتين، فيكثر العمل على العضو
الواحد, وإذا كان الحرفان غَيْرَيْنِ لم يكن الأمر كذلك؛ لأن الذي يعمل
في أحدهما لا يعمل في الآخر. وأيضا فإن الحرفين إذا كانا مثلين فإن
اللسان يرجع في النطق كما يتسرح في الغيرين، بل يكون في ذلك شبيهًا
بمشي المقيد، فلما كان فيه هذا الثقل رفع اللسان بهما رفعة واحدة؛ ليقل
العمل ويخفّ النطق بهما على اللسان. "الممتع: 2/ 631".
4 في "هـ": وتحريك.
(2/892)
نحو: سأَّال، والدَّأَّاث -اسم داء1- من:
دأث الطعام دَأْثًا: أكله, والشيء: دنسه2.
وإلا إذا كان المثلان المذكوران ألفين؛ فإنه لا يدغم لتعذر الإدغام.
وإلا في مجهول فاعَل معتل العين، نحو: قُووِلَ؛ لئلا يحصل الالتباس؛
لأنه لو أدغم لقيل: قُوِّل، فلم يعلم3 أنه مجهول فاعل4 أو مجهول
فَعَّل. وكذا5 في بُويِعَ.
وإلا في6 نحو "تُووِي"، من الإيواء، من: آويته: أنزلته وضممته7. وفي
"رِييا"8، للمنظر الحسن، على المختار، إذا خففت همزته؛ لأن الواو
الأولى في "تووي"، والياء الأولى في "رييا" بدل عن9 الهمزة، فتكون
الواو والياء عارضتين10،
__________
1 في الأصل: اسم وادٍ, والصحيح ما أثبتناه من "ق"، "هـ".
2 اللسان "دأث" 2/ 1310، وينظر كذلك الصحاح "دأث" 1/ 281.
3 لفظة "يعلم" ساقطة من "ق".
4 لفظة "فاعل" ساقطة من "هـ".
5 وكذا: ساقطة من "ق".
6 في الأصل: "ففي", وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
7 ينظر اللسان "أوا": 1/ 179.
8 من الآية "74" من سورة "مريم". والآية بتمامها: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا
قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} . ووقف حمزة
على "رئيا" بإبدال الهمزة ياء مع الإظهار. "ينظر النشر: 1/ 389،
والإتحاف: 300".
9 في "هـ": من.
10 في "ق": عارضين.
(2/893)
فلم يلزم الإدغام؛ لأنه ليس مما اجتمع فيه
المثلان، لمراعاة الهمزة الأصلية.
ويظهر منه أن المراد بنحو "تووي" أن تكون الواو الأولى1 بدلا من
الهمزة.
ومنهم2 من قرأ: "ورِيَّا" بالإدغام3. وفيه قولان:
أحدهما4: أن أصله: "رئيا"، فخففت5 همزته6, واعتد فيه بالعارض فأُدغم7.
والثاني: أنه -فعّل- من: رَوِي؛ لأن للريان نضارة8 وحسنا9.
وإلا في نحو: {قَالُوا وَمَا} 10, وفي نحو: {فِي يَوْمٍ} 11 فإنه لا
تدغم واو {قَالُوا} في واو {وَمَا} ، ولا ياء {فِي} ؛ في
__________
1 لفظة "الأولى" ساقطة من "هـ", وفي "ق": الثاني.
2 ومنهم: ساقطة من "هـ".
3 وهي قراءة أبي جعفر وقالون وابن ذكوان. "ينظر النشر: 1/ 389،
والإتحاف: 300".
4 أحدهما: ساقط من "ق".
5 في "هـ": فخفف.
6 في "هـ": الهمزة.
7 ينظر الصحاح "رأى": 6/ 2439.
8 في "هـ": نظارة. تحريف.
9 ينظر الصحاح "روي": 6/ 2364.
10 سورة البقرة: من الآية "246".
11 سورة "إبراهيم": من الآية "14".
(2/894)
ياء {يَوْمٍ} ؛ لأنه لا يجوز حذف المد الذي
بين الحرفين؛ لأن هذا المد من صفة الواو والياء "159" في هذا المحل،
ومع بقائه يمتنع الإدغام لوجود الفصل بين الحرفين المدغم أحدهما في
الآخر.
ولقائل أن يقول: كان من الواجب على المصنف أن يقول: وفي نحو:
{مَالِيَهْ، هَلَكَ} 1؛ فإن هاء السكت لا تدغم2 لأنه إما3 موقوف عليه،
أو منويّ به الوقف عليه. ثم يقول: وعند تحركهما في كلمة.
قوله: "عند تَحَرُّكِهِمَا فِي كَلِمَةٍ, وَلاَ إِلْحَاقَ4 وَلاَ
لَبْس".
هذا معطوف على: "عند سكون الأول".
أي: الإدغام واجب عند سكون الأول، وعند تحرك المثلين في كلمة واحدة،
والحال أن الحرف الثاني لا يكون للإلحاق، وأنه5 لا يحصل اللبس بالإدغام
إلا في نحو: حيي؛ فإن الإدغام فيه جائز لا واجب؛ لأن وجوبه مستلزم6
وجوب الإدغام في مضارعه وهو يُحيي، مع ضم الياء في المضارع، وهو مرفوض
في كلامهم غير جائز.
__________
1 من الآيتين "28، 29" من سورة الحاقة.
2 ينظر شرح الكافية الشافية: 4/ 2175.
3 لفظة "إما" مطموسة في "هـ".
4 ولا إلحاق: مطموس في "هـ".
5 في "هـ": فإنه.
6 في "هـ": يستلزم.
(2/895)
ولقائل أن يقول: لو جاز الإدغام في حيي
لجاز في مضارعه مع ضم الياء فيه, وهو مرفوض.
وإلا في نحو: اقْتَتَلَ، وتَتَنَزَّل، وتَتَبَاعَد؛ فإن الإدغام فيه لا
يجب.
وإنما لم يجب الإدغام فيهما؛ لأن الإدغام يؤدي إلى قوة ليس صيغة بصيغة؛
لأنه لو أدغم اقتتل لنقل حركة التاء الأولى إلى القاف، فأدغمت في
الثانية، وحذفت همزة الوصل للاستغناء عنها حينئذ، وقيل: قتَّل، فهو في
قوة الالتباس بقتَّل الذي هو ماضي التقتيل, ولو أدغم: تتنزل، وتتباعد
لقيل: اتَّنَزل، واتَّبَاعد؛ لوجوب إسكان التاء الأولى، والإتيان بهمزة
الوصل. واتنزل في قوة الالتباس في الكتابة بمضارع: نَزَّل، وتَنَزَّل
ماضي: يَتَنَزَّل؛ لاحتمال أن تكون الهمزة فيه همزة الاستفهام.
واتَّباعد في قوة الالتباس في الكتابة بماضيه وهو تباعد؛ لاحتمال أن
تكون الهمزة فيه همزة الاستفهام, بل يجوز فيه الإدغام لما في "حَيَّ".
ولقائل أن يقول: جواز الإدغام مستلزم لجواز الإدغام المقتضي للالتباس,
فينبغي ألا يجوز.
ويمكن أن يجاب عنه بأن جواز الإدغام لا يقتضي إلا جواز الالتباس، ووجوب
الإدغام يقتضي وجوب الالتباس, وهو أقبح.
واعلم أنه لو قال: إلا في نحو: حي، واقتتل، وتتنزل، وتتباعد فإنه جائز،
لكان أولى؛ لأن الكل يشترك في جواز الإدغام, أو
(2/896)
عدم وجوب الإدغام.
وإنما قال: "ولا إلحاق ولا لبس" لأنه لو كان إلحاق نحو: قَرْدَد1،
واقْعَنسَسَ2، لم يدغم؛ لما مر من أن الإدغام يقضي إلى عدم المقصود.
ولقائل أن يقول: لا حاجة حينئذ إلى قوله: "وإلا في نحو اقتتل" وما
بعده؛ لأن عدم وجوب الإدغام فيه للالتباس.
ويمكن أن يجاب عنه بأن الالتباس لم يحصل ههنا في اللفظ.
والمراد بقوله: "ولا لبس" هو اللبس لفظا، لما مر.
ولعدم حصول اللبس ههنا لفظا جاز الإدغام، وأيضا -كما مر- جاز الفك.
وإنما قال: "في كلمة"؛ لأنه لو "160" كان في كلمتين نحو: ضرب بكر، لم
يجب الإدغام؛ لأنه لا يلزم3 أن يلقى أول الكلمة الثانية آخر الكلمة
الأولى متماثلين, وفيه نظر4.
قوله: "وتنقل حركته إن كان قبله ساكن ... "5 إلى آخره.
__________
1 القردد: المكان الغليظ المرتفع. وإنما أظهر التضعيف لأنه ملحق
بفَعْلَلَ والملحق لا يدغم, والجمع: قرادد. "الصحاح قرد: 2/ 524".
2 القعس: هو دخول الظهر وخروج البطن, والاقعنساس مثله. قاله الأصمعي في
كتاب خلق الإنسان: ص211.
3 في "هـ": لا يجب.
4 جملة "وفيه نظر": ساقطة من "ق".
5 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "وَتُنْقَلُ حَرَكَتُهُ إنْ كَانَ
قَبْلَهُ سَاكِنٌ غَيْرُ لين، نحو: يَرُدّ وسكون الوقف كالحركة".
"الشافية، ص14".
(2/897)
أي: في صورة يجب الإدغام عند [اجتماع
المثلين المتحركين بنقل1 حركة المثل الأول إلى ما قبله, إن كان ما
قبله2 ساكنا] 3 غير حرف من حروف اللين، نحو: يَرْدّ, أصله: يَرْدُدُ؛
فإنه تنقل حركة الدال الأولى إلى الراء4 ليمكن الإدغام، ثم تدغم في
الدال الثانية.
وكذا يَعَضّ، ويَجِدّ. أصلهما: يَعْضُض ويَجْدِد، وسكون الحرف الثاني
للوقف كحركته في عدم منع الإدغام.
ولو كان قبله متحرك5، نحو: رد، أو ساكن6 هو حرف لين، نحو: تُمُودّ
الثوب، لم تنقل حركة الحرف الأول إلى ما قبله, بل تُحذف وتُدغم.
قوله: "ومكَّنني ويمكنني...."7 إلى آخره8.
هذا جواب عن سؤال مقدر, وتقدير السؤال: أنه اجتمع مثلان متحركان على
الوجه الموجب للإدغام، وهما: النونان في
__________
1 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق".
2 ما قبله: ساقط من "ق".
3 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
4 في "هـ": إلى ما قبلها.
5 لفظة "متحرك" مطموسة في "هـ".
6 لفظة "ساكن" مطموسة في "هـ".
7 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "ونحو: مكنني ويمكنني، و {مَنَاسِكَكُمْ}
, و {مَا سَلَكَكُمْ} من باب كلمتين". "الشافية، ص14".
8 إلى آخره: ساقط من "ق".
(2/898)
"مَكَّنَنِي"1، ويمكِّنني، والكافان في:
{مَنَاسِكَكُمْ} 2 و {مَا سَلَكَكُمْ} 3 مع عدم وجوب الإدغام فيه.
وأجاب عنه بمنع اجتماع المثلين المتحركين على الوجه الموجب للإدغام؛
لكون المثلين ههنا من كلمتين، وإن كانا في الصورة من كلمة واحدة؛ لأن
إحدى4 النونين لام الفعل الماضي، والأخرى ليست5 منه؛ لأنه مع ياء
المتكلم بمنزلة كلمة أخرى, وإحدى6 الكافين من تتمة الاسم أو الفعل
والأخرى7 من الضمير المخاطب.
ونحن قلنا: يجب الإدغام إذا كانا من كلمة واحدة؛ ولهذا كان الإدغام فيه
جائزا لا واجبا.
قوله: "وممتنع [في] 8 الهمزة...."9 إلى آخره.
__________
1 وهي قراءة ابن كثير لقوله تعالى في: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ
رَبِّي خَيْرٌ} [الكهف: 95] . وقرأ الباقون بنون واحدة مشددة مكسورة
بإدغام النون التي هي لام الفعل في نون الوقاية. "ينظر الإتحاف: 295".
2 من الآية "200" من سورة "البقرة".
3 من الآية "42" من سورة "المدثر".
4 في الأصل, "ق": أحد, وما أثبتناه من "هـ".
5 في الأصل: والآخر لي, وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
6 في الأصل, "ق": أحد, وما أثبتناه من "هـ".
7 في الأصل, "ق": والآخر, وما أثبتناه من "هـ".
8 لفظة "في" إضافة من "هـ".
9 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "وممتنع في الهمزة على الأكثر، وفي الألف,
وعند سكون الثاني لغير الوقف نحو: ظَلِلْتُ ورسُول الحَسَن، وتميم تدغم
في نحو: رُدَّ ولم يَرُدَّ". "الشافية، ص14".
(2/899)
أي: ويمتنع الإدغام في الهمزتين في غير
نحو1، 2: سأّال وجأّار والدأّاث عند الأكثرين3؛ لزيادة الثقل، والمطلوب
من الإدغام التخفيف.
والمراد بـ "سأّال وجأّار" أن يكون بعد الهمزتين ألف نحو فعّال.
وإنما جاز إدغام الهمزتين فيه لوجود الألف بعدهما، والألف مسهلة من4
أمره، فيحصل تخفيف ما.
والمراد بغير "سأال" ألا يكون بعد الهمزتين ألف.
ويمتنع الإدغام أيضا في الألفين؛ لتعذر الإدغام لتعذر حركتهما, ووجوب
حركة المدغم فيه5.
ويمتنع أيضا عند سكون المماثل الثاني لغير الوقف، سواء كان في كلمة
نحو: "ظَلِلْتُ"، أو في كلمتين نحو: "رَسُول الحَسَن"؛ لأنه لو أدغم
لوجب تحريك المماثل الثاني، وذلك يمتنع في نحو: ظَلِلْتُ؛ لأنه لا يكون
قبل ضمير الفاعل المتحرك إلا ساكن. وكذلك في نحو: "رسول الحسن"؛ لأنه
لا يحرك لام التعريف للإدغام.
__________
1 لفظة "نحو" ساقطة من "هـ".
2 في النسخ الثلاث: "في نحو: غير"، والأصح ما أثبتناه.
3 وقد يجوز الإدغام في الهمزتين على ما حكي عن عبد الله بن أبي إسحاق
الحضرمي وناس معه من أنهم كانوا يحققون الهمزتين إذا كانتا في كلمتين
نحو: "قدأ أبوك"؛ لأنه يجتمع لهم مثلان. وقيل: قد تكلمت العرب بذلك,
وهو رديء. "ينظر الكتاب: 4/ 433, والممتع: 2/ 633".
4 لفظة "من" ساقطة من "هـ".
5 أي: لأنه لا يدغم إلا في متحرك، والألف لاتتحرك. "وينظر الممتع: 2/
623".
(2/900)
وأما بنو تميم فيدغمون فيما وقع السكون في
ثاني المثلين عارضًا، ولم يعتدوا بالسكون العارض، نحو: رُدَّ، ولم
يَرُدَّ1, فإن "161" أصل "رُدَّ": ارْدُدْ، وأصل "لم يَرُدّ": لم
يَرْدُدْ2.
فسكون الثاني عارض في "لم يرد" للجزم, وفي "اردد" للجزم3 عند الكوفيين،
أو لأن حكمه4 حكم المجزوم عند البصريين5.
لا يقال: سكون اللام في "ظللت" عارض، فينبغي أن يجوز فيه الإدغام عند
بني تميم، كما جاز في: رُدّ، ولم يَرُدّ.
فإن قلت: يزول السكون في "لم يرد" بزوال الجازم, قلنا: يزول السكون في
"ظللت" بزوال ضمير الفاعل المتحرك، فهما
__________
1 أشار الفراء إلى هذه اللغة وهو بصدد تفسيره لقوله تعالى: {وَإِنْ
تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل
عمران: 120] . "ينظر معاني القرآن: 1/ 232" وتحدث عنها سيبويه أيضا في
كتابه: 4/ 423.
2 في الأصل "ق": فإن أصل "لم يرد": لم يردد, وأصل "رد": اردد, وما
أثبتناه من "هـ".
3 لفظة "للجزم" ساقطة من "هـ".
4 "حكمه" ساقطة من "هـ".
5 فعل الأمر "اردد" وغيره مجزوم عند الكوفيين؛ لأنه عندهم مقتطع من
المضارع؛ لأن الأفعال عندهم قسمان بإسقاط فعل الأمر، وأصل "افْعَل"
عندهم: لِتَفْعَلْ، وذلك كأمر الغائب، ولكن لما كان أمر المخاطب أكثر
على ألسنتهم استثقلوا مجيء اللام فيه, فحذفوها مع حرف المضارعة طلبًا
للتخفيف مع كثرة الاستعمال؛ لذا فهو عندهم معرب.
ولكن البصريين يرون أن الفعل ثلاثة أقسام: ماضٍ ومضارع وأمر. والأمر
عندهم حكمه حكم المجزوم، لكنه مبني على ما يجزم به مضارعه. ينظر
المسألة رقم "72" في كتاب الإنصاف للأنباري, وينظر كذلك: التصريح: 1/
55.
(2/901)
متشاركان1 في امتناع زوال السكون مع وجود
الجازم والفاعل المذكور, وجواز زوال السكون مع زوال الجازم وزوال
الفاعل المذكور؛ لأنا نقول: الفرق بينهما أن التاء في "ظللت" كالجزء من
الكلمة، والجازم كلمة مستقلة. فالسكون في "ظللت" كاللازم، وفي نحو2:
"لم يرد" عارض؛ ولهذا لم يدغم أحد في "ظللت" إلا في شذوذ رديء.
ويمكن أن يقال: لم يدغم في "رد"، و"لم يرد" إلا بعد أن3 أسكن المثل
الأول، ثم حرك الثاني4 لالتقاء الساكنين.
وهو الجواب فيما نقل عن بكر بن وائل5 من "مرت" و"ردت" في: مررن ورددن,
ولاحتمال أنهم قدروا [انفصال ضمير] 6 الفاعل [فأدغموه ثم ألحقوا به,
أو7 لأنهم أجروا ضمير الفاعل مثل الفاعل] 8 مظهرا، نحو: رد زيد.
__________
1 في "ق": مشاركان, وفي "هـ": مشتركان.
2 لفظة "نحو" ساقطة من "ق"، "هـ".
3 لفظة "أن" ساقطة من "ق".
4 لفظة "الثاني": ساقطة من "ق".
5 جاء في الممتع "2/ 660": "إلا ناسا من بكر بن وائل، فإنهم يدغمون في
مثل هذا، فيقولون: رَدَّتُ، ورَدَّنَ، كأنهم قدروا الإدغام قبل دخول
النون والتاء، فلما دخلتا أبقوا اللفظ على ما كان عليه قبل دخولهما".
ا. هـ.
وينظر: شرح الشافية للرضي: 2/ 246، والتصريح: 2/ 403.
6 ما بين المعقوفتين مطموس في "هـ".
7 في "ق": "و" بدل "أو".
8 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
(2/902)
قوله: "وعند الإلحاق واللبس ... "1 إلى
آخره.
أي: ويمتنع2 الإدغام عند الإلحاق، كقَرْدَد، [وجَلْبَب؛ فإنه ألحق:
قردد بجعفر، بزيادة الدال] 3, وجلبب بدحرج؛ بزيادة الباء, فلو أدغم
لبطل هذا الغرض؛ ولذلك لا يدغم قَرَادِد.
ويمتنع الإدغام عند لبس زنة بزنة أخرى، نحو "سُرُر" بضمتين جمع سرير،
و"سُرَر" -بضم الفاء وفتح العين- جمع سُرَّة؛ لأنه لو أدغم "سُرُر" جمع
سرير مثلا, لالتبس فُعُل بفُعْل, ساكن العين.
ولا يقال: الالتباس حاصل في "رَدَّ"؛ لأنه لا يعلم أنه فَعَل أو فَعُل؛
لأنا نقول: يزول4 الالتباس عند الفك، نحو: رددتُ, ونحو: ظللتُ5؛ فإنه
لا يدغم؛ لأنه لو أدغم لالتبس بفِعْل كالظِّلّ.
ويعلم من قوله: "وعند الإلحاق واللبس" وشرحه كميةُ الاحترازات في قوله:
"وَعِنْدَ تَحَرُّكِهِمَا6 فِي كَلِمَةٍ, وَلاَ إِلْحَاقَ وَلاَ لبس".
__________
1 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "وَعِنْدَ الإِلْحَاقِ وَاللَّبْسِ
بِزْنَةٍ أُخْرَى نَحْو: قَرْدَد وسُرُر، وعند ساكن صحيح قبلهما في
كلمتين نَحْوُ: قَرْم مالِك, وحُمل قَوْلُ القُرَّاءِ عَلَى الإخفاء،
وجائز فيما سوى ذلك". "الشافية، ص14".
2 في "ق": ويمنع.
3 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق".
4 في "ق": بزوال.
5 في الأصل: ظلل, وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
6 في "ق": تحريكهما.
(2/903)
واعلم أنه لو قال: "ولا عروض لحركة الثاني"
لكان أولى؛ لأنها إذا كانت عارضة لا يجب الإدغام، نحو: ارْدُدِ القوم.
واعلم أيضا أنه يمتنع الإدغام فيما شذ فكه، نحو: قَطِط الشعر: اشتدت
جعودته1, ودَبِبت المرأة: نبت الشعر على جبينها2, ولححت العين ولخخت:
التصقت3, وصَكِك4 الفرس: صك أحد عرقوبيه الآخر5، 6.
واعلم أيضا أنه يجوز فك الإدغام للضرورة فيما يجب إدغامه، كقوله:
"43"
مهلا أعاذل قد جربت من خلقي ... أني أجود لأقوام وإن ضَنِنُوا7، 8
__________
1 ينظر الصحاح "قطط": 3/ 1154، وشرح الكافية الشافية 4/ 2181.
2 ينظر اللسان "دبب": 2/ 1316.
3 ينظر المصدر السابق "لحح": 5/ 4004، "لخخ": 5/ 4016.
4 في "هـ": وصكيك.
5 ينظر المصدر السابق "صكك": 4/ 2475.
6 حكى ابن منظور عن ابن عمرو قوله: "كل ما جاء على فَعِلَتْ ساكنة
التاء من ذوات التضعيف فهو مدغم نحو: صَمَّتِ المرأة وأشباهه، إلا
أحرفا جاءت نوادر في إظهار التضعيف وهو: لَحِحَت عينه إذا التصقت، وقد
مَشِشَت الدابة، وصَكِكَت, وقد ضَبِبَت البلد إذا كثر ضبابه، وأَلِل
السقاء إذا تغيرت ريحه، وقد قَطِط شعره". "المصدر السابق".
7 في الأصل: ظننوا تحريف, والصواب ما أثبتناه من "ق"، "هـ".
8 هذا بيت من البسيط قاله قعنب ابن أم صاحب الغطفاني أحد بني سعد بن
سحيم, واسم أبيه ضمرة. ينظر البيت في: الكتاب: 1/ 3، 29/ 535،
والمقتضب: 1/ 142, 253, 3/ 354، والموشح: 94، والمنصف: 1/ 2، 69, 303,
339، والخصائص: 1/ 160, 757، والصحاح "ضنن": 6/ 2156، وشرح الشافية
للرضي: 3/ 241، وشرح شواهدها: 490، واللسان "ضنن": 4/ 2614، وربط
الشوارد: 98. والشاهد فيه: فك التضعيف في "ضَنِنُوا"، وكان القياس
"ضَنُّوا".
(2/904)
قوله: "وعند ساكن صحيح قبلهما"1.
أي: يمتنع الإدغام إذا وقع قبل المثلين ساكن صحيح من كلمتين نحو:
قَرْمُ مَالك, بالراء.
والقرم: السيد2، وهو في الأصل اسم للفحل من "162" الإبل3.
لأنه لو أدغم، فإذا سكن الميم الأول، فإن لم تنقل حركته إلى القاف
وأدغم4 لزم التقاء الساكنين في آخر الكلمة، وذلك لا يجوز إلا عند
الوقف، ومع الإدغام لا يكون الوقف و5 إن نقل حركته6 إلى القاف7 تغير
بناء الكلمة.
وكذا8 في نحو9: {كُنْتُ تُرَابًا} 10، وأَنْتَ تُكْرِهُ، و {مَسَّ
سَقَرَ} 11.
__________
1 في الأصل: قبلها, والصحيح ما أثبتناه من "ق"، "هـ".
2 في اللسان: السيد المعظم. "ينظر: قرم: 4/ 3604".
3 وخُصّ بالفحل الذي يترك من الركوب والعمل, ويودع للفحلة.
4 عبارة المصنف المذكورة فيها انغلاق شديد, وصوابها أن يقول: لأنه لو
أدغم ولم تنقل حركة الميم الأولى إلى القاف الساكنة.
5 الواو ساقطة من "هـ".
6 في "ق": حركة الراء.
7 في "هـ": إلى الراء.
8 في "هـ": وكذلك.
9 لفظة "نحو" ساقطة من "هـ".
10 سورة "النبأ": من الآية "40".
11 سورة "القمر": من الآية "48".
(2/905)
اعلم أن المراد بالصحيح في قوله: "ساكن
صحيح" حرف المد، وحينئذ لا يدغم في: دَلْو وَالد1، وظَبْي يَاسر، وقرمِ
مَالك لما ذكرناه.
فإن قيل: ينبغي أن يجوز الإدغام في نحو: عدوّ وَليد، ووليّ يَزيد لوجود
المدة قبلهما مع أنه لا يدغم أيضا؛ لأن الواو الأولى من عدو والياء
الأولى من ولي بمنزلة الواو2 من دلو والياء من ظبي؛ فإذا سكن الحرف
الثاني للإدغام، فإما أن تنقل حركة الواو إلى الواو الأولى وحركة الياء
الأولى أو لا تنقل، فإن نقل تغير بناء الكلمة، وإن لم ينقل لزم التقاء
الساكنين في آخر الكلمة، وهو لا يجوز إلا للوقوف.
قلنا: لا نسلم وجود المدة ههنا؛ لأنه لم تبق المدة عند الإدغام؛ لأنها
تذهب بالإدغام، فصارت الواو والياء بمنزلة غيرهما من الحروف التي لا
تكون للمدة.
وقد أورد ههنا سؤالا، تقديره: إن النحاة قالوا: لا يجوز الإدغام في
المثلين3 المتحركين في كلمتين إذا كان قبل الأول ساكن غير مدة، والقراء
أطبقوا على جواز الإدغام في مثله, والجمع بين قولهما متعذر4؟
__________
1 في "ق": ولد.
2 في الأصل, "ق": اللام, وما أثبتناه من "هـ".
3 لفظة "المثلين" ساقطة من "هـ".
4 ينظر الإيضاح: 2/ 479.
(2/906)
وأجاب عنه الشاطبي1 في قصيدته2 بأنه يمكن
الجمع بينهما, وذلك بأن يحمل قول النحاة على الإدغام المحض الصريح3،
وقول القراء على الإخفاء الذي هو قريب من الإدغام. فعلى هذا لا يلزم
التناقض4.
وقال المصنف في شرح المفصل5: "هذا الجواب، وإن كان جيدا على ظاهره، إلا
أنه لم يثبت أن القراء امتنعوا من الإدغام الصريح، بل ثبت أنهم أدغموا
الإدغام الصريح".
وهذا المجيب -وهو الشاطبي- يقرأ به في نحو: {الْعِلْمِ مَا لَكَ} 6.
وقال المصنف: "والأولى أن يمنع إجماع النحاة [حينئذ] 7 على امتناع
الإدغام؛ لأن من8 القراء جماعة من النحاة، وهم يقولون بالإدغام الصريح,
فلا يكون إجماع النحاة حينئذ9 حجة؛ لأنه ليس
__________
1 هو القاسم بن فيرة بن خلف بن أحمد الشاطبي الرعيني الضرير. قرأ على
أبي عبد الله محمد بن أبي العاص وابن هذيل ومحمد بن حميد، نظم قصيدة في
القراءات, وتوفي "590 هـ". "ينظر في ترجمته: ذيل الروضتين: 7، وغاية
النهاية: 2/ 30، ووفيات الأعيان: 1/ 422، وبغية الوعاة: 379".
2 المسماة: حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع.
3 في الأصل: الصحيح، والأنسب ما أثبتناه من "ق"، "هـ".
4 ينظر سراج القارئ المبتدي وتذكار القارئ المنتهي في شرح منظومة
الشاطبي: ص36.
5 2/ 479.
6 سورة البقرة: من الآية "120".
7 "حينئذ" إضافة من "هـ".
8 لفظة "من" ساقطة من "هـ".
9 "حينئذ": ساقطة من "ق".
(2/907)
إجماعهم إجماعا لجميع النحويين مع مخالفة
القراء. ولئن سلمنا أنه ليس في القراء نحاة، إلا أن القراء ناقلون لهذه
اللغة، فهم مشاركون للنحاة في نقل اللغة, فلا يكون إجماع النحاة وحدهم
حجة.
وإذا ثبت ذلك كان المصير إلى قول القراء أولى؛ لأنهم ناقلون القرآن عمن
ثبتت عصمته من الغلط في مثله؛ لأن ما نقله القراء من القراءات تواتر،
وما نقله النحاة آحاد, فقولهم أرجح.
ولئن سلمنا أنه ليس تواترا، لكن القراء أكثر وأعدل، فكان الرجوع إلى
قولهم1 أولى"2.
__________
1 في الأصل "ق": أقوالهم, وما أثبتناه من "هـ".
2 الإيضاح: 2/ 479.
(2/908)
[الإدغام
الجائز] :
قوله: "وجائز فيما سوى ذلك".
اعلم أنك إذا عرفت أن الإدغام [في أي موضع واجب] 1 وأنه في أي موضع
ممتنع, فاعلم أن الإدغام فيما سواهما2 جائز "163".
وفيه نظر؛ لأن المثلين المتحركين إذا كان أولهما كلمة يصح الابتداء به
نحو: جادَ بِبَدره، غير القسمين المذكورين، مع أن الإدغام فيه ممتنع،
لا يقول أحد بجوازه، بخلاف المثلين اللذين أولهما كلمة لا يصح الابتداء
به، نحو: اخشَوْا وَاقدا، واخشَيْ يَاسرا, فإن إدغامه جائز؛ لأنه
بمنزلة جزء كلمة, فصحّ فيه الإدغام.
__________
1 تكررت العبارة في "هـ".
2 في "ق"، "هـ": فيما عداهما.
(2/908)
[إدغام
المتقاربين] :
قوله: "المتقاربان ... "1 إلى آخره2.
المتقاربان: حرفان متقاربان في المخرج وفي صفة تقوم مقام تقاربهما في
المخرج، على ما يجيء3.
فإذا كان الإدغام يقع في المتقاربين كما يقع في المتماثلين, فلا بد من
ذكر مخارج الحروف لتتميز الحروف المتقاربة المخرج من الحروف المتباعدة
المخرج.
__________
1 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "الْمُتِقَارِبَانِ، وَنَعْنِي بِهِمَا
مَا تَقَارَبَا فِي الْمَخْرَج أوْ فِي صِفَةٍ تَقُومُ مَقَامَهُ،
وَمَخَارِجُ الْحُرُوفِ سِتَّةَ عَشَرَ تَقْرِيباً وَإلاَّ فَلِكُلٍّ
مَخْرَجٌ، فَلِلْهَمْزَة والهاء والألف أقصى الحلق، وللعين والحاء
وسطه، وَلِلْغَيْنِ وَالْخَاءِ أدْنَاهُ، وَلِلْقَافِ أقْصَى
اللِّسَانِ وَمَا فَوْقَهُ مِنَ الْحَنَكِ، وَلِلْكَافِ مِنْهُمَا مَا
يَلِيهِمَا، وللجيم والشين والياء وسط اللسان وما فوقه من الحنك،
وللضاد أول إحدى حافتيه وما يليهما من الأضراس، وللام ما دون طرف
اللسان إلى منتهاه وما فوق ذلك، وللراء منهما ما يليهما، وللنون منهما
ما يليهما، وللطاء والدال والتاء طرف اللسان وأصول الثنايا، وللصاد
والزاي والسين طرف اللسان والثنايا، وللظاء والذال والثاء طرف اللسان
وطرف الثنايا، وللفاء باطن الشفة السفلى وطرف الثنايا العليا، وللباء
والميم والواو ما بين الشفتين". "الشافية، ص14".
2 إلى آخره: ساقط من "ق".
3 في الأصل: يجيء, وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
(2/909)
[مخارج الحروف
الأصلية] :
ومخارج الحروف ستة عشر تقريبا1.
وإنما قلنا: "تقريبا" لأن مخارجها بالتحقيق أكثر من ذلك؛ لأن لكل واحد
من الحروف مخرجا بالتحقيق2.
الأول: مخرج الهمزة والهاء والألف، على الترتيب3 وهو أقصى الحنك.
__________
1 ينظر الأصل: 4/ 433، والمقتضب: 1/ 192، وسر الصناعة: 1/ 52, 53,
والمفصل: 393، وشرحه لابن الحاجب: 2/ 480، وشرحه لابن يعيش: 10/
123-125، والممتع: 2/ 668، والتسهيل: 319، والنشر: 1/ 198-202، وشمس
العلوم: 1/ 20, 21، وشرح الشافية للرضي: 3/ 250-254.
2 قال ابن الحاجب: "قسم النحويون مخارج الحروف إلى ستة عشر على
التقريب، وإلحاق ما اشتد تقاربه بمقاربه وجعله معه من مخرج واحد،
والتحقيق أن كل حرف له مخرج يخالف الآخر, وإلا كان إياه....".
"الإيضاح: 2/ 480".
3 هذا الترتيب الذي ذكره ركن الدين هو ترتيب سيبويه، حيث يقول في كتابه
"4/ 433": "فأقصاها مخرجا: الهمزة والهاء والألف". واختاره الزمخشري في
مفصله "393", وابن الحاجب في الشافية, وابن مالك في التسهيل "319".
ولكن ابن الحاجب في شرح المفصل يختار ترتيبا آخر حيث يقول: "فجعلوا
للهمزة والألف والهاء أقصى الحلق، ولا شك أن الهمزة أول والألف بعدها
والهاء بعدها، ولكن لما اشتد التقارب اغتفروا ذكر التفرقة". "الإيضاح:
2/ 480".
وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أن الهمزة أول، وأن الهاء والألف بعدها
وليست واحدة عنده أسبق من الأخرى. "الممتع: 2/ 688".
وزعم ابن عصفور أن مذهب سيبويه أن الهمزة أولى، والألف بعدها والهاء
بعدها, معتمدا في ذلك على ترتيب سيبويه لحروف العربية الأصول في كتابه
"4/ 431".
يختار هذا المذهب ويعترض على مذهب الأخفش بقوله: "والذي يدل على فساد
مذهبه وصحة ما ذهب إليه سيبويه أنه متى احتِيج إلى تحريك الألف اعتمد
بها على أقرب الحروف إليها فقلبت همزة نحو: رسالة ورسائل. فلو كانت
الهاء من مخرج واحد لقلبت هاء؛ لأنها إذ ذاك أقرب إليها من الهمزة".
"الممتع: 2/ 668".
(2/910)
والثاني: مخرج العين والحاء، وهو وسط
الحلق.
والثالث: مخرج العين والخاء، وهو أدنى الحلق, وتسمى هذه الحروف حروف
الحلق.
والرابع1: مخرج القاف، وهو أقصى اللسان وما فوقه من الحنك [الأعلى] 2.
والخامس3: مخرج الكاف، وهو ما يلي مخرج القاف من اللسان والحنك. ويعرف
ذلك بأن تقف على القاف والكاف نحو: ثوبك؛ فإنك تجد القاف أدخل إلى
الحلق.
والسادس4: مخرج الجيم والشين والياء, وهو وسط اللسان وما يحاذيه من وسط
الحنك الأعلى, وهي مترتبة في النطق على الوجه الذي ذكرناه.
والسابع: مخرج الضاد، وهو أول أحد طرفي اللسان وما يليه من الأضراس,
والأكثر على إخراجها من الجانب الأيسر. وقد يتيسر لبعض من الجانب
الأيمن, وقد يستوي الجانبان عند بعض.
والثامن: مخرج اللام، وهو ما دون أول طرف اللسان إلى
__________
1 لفظة "الرابع" موضعها بياض في "هـ".
2 لفظة "الأعلى" إضافة من المحقق.
3 لفظة "الخامس" مطموسة في "هـ".
4 لفظة "السادس" موضعها بياض في "هـ".
(2/911)
منتهى طرفه وما يحاذي ذلك من أدنى الحنك
الأعلى فُوَيْق الثنية.
فأُخِّرت عن الضاد؛ لأن مخرجها يشترك فيه طرف اللسان1 إلى منتهاه,
والضاد لا تصل2 إلى منتهاه.
والتاسع3: مخرج الراء.
والعاشر: مخرج النون4.
وأشار إلى تعريفهما بقوله: وَلِلرَّاءِ مِنْهُمَا مَا يَلِيهِمَا،
وَلِلنُّونِ مِنْهُمَا مَا يليهما5.
والظاهر أن ضمير المثنى يعود إلى ما دون أول6 طرف اللسان وما يحاذيه من
أدنى الحنك الأعلى، أي: وللراء والنون [منهما] 7 ما يلي8 ما دون أول
طرف اللسان وما يحاذيه, ولم يظهر من بين مخرجيهما فرق على ما ذكر.
__________
1 في "هـ" زادت لفظة "اللام" بعد "اللسان".
2 لا تصل: ساقطة من "هـ".
3 لفظة "التاسع" ساقطة من "هـ".
4 ذكر سيبويه النون قبل الراء في الترتيب، حيث قال: "ومن حافة اللسان
من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينهما وبين ما يليهما من الحنك
الأعلى وما فويق الثنايا مخرج النون. ومن مخرج النون غير أنه أدخل في
ظهر اللسان قليلا؛ لانحرافه إلى اللام مخرج الراء". "الكتاب: 4/ 433".
5 عبارة "وللنون منهما ما يليهما" ساقطة من "هـ".
6 لفظة "أول" مشطوبة في الأصل.
7 منهما: إضافة من "ق"، "هـ".
8 لفظة "ما" ساقطة من "هـ".
(2/912)
[لكن ذكر] 1 في المفصل: وللنون ما بين
طرفي2 اللسان وفويق الثنايا، وللراء ما هو داخل في ظهر اللسان قليلا من
مخرج النون3, والنون أخرج من مخرج اللام قليلا, والراء أدخل في ظهر4
اللسان قليلا5 من مخرج النون6.
والحادي عشر: مخرج الطاء والدال والتاء، وهو ما بين طرفي اللسان وأصول
الثنايا. وقيل: أو بعد أصول الثنايا قليلا.
والثاني عشر: مخرج الصاد والزاي "164" والسين، وهو ما بين طرف اللسان
والثنايا.
والثالث عشر7: مخرج الظاء والذال والثاء، وهو ما بين طرف اللسان وأطراف
الثنايا.
__________
1 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق".
2 في "ق": طرف.
3 المفصل: 394.
4 في "هـ": ظاهر.
5 في "ق": في.
6 وأضاف ابن الحاجب قائلًا: "وذكر مخرج الراء بهذه الصفة مقتصرًا, يؤذن
بأنه قبل النون؛ لأنه إذا كان أدخل كان قبل، وإنما أراد أن المخرج بعد
مخرج النون يستثقل به. ألا ترى أنك إذا نطقت بالنون والراء ساكنين وجدت
طرف اللسان عند النطق بالراء فيما هو بعد مخرج النون، هذا هو الذي يجده
المستقيم الطبع، وقد يمكن إخراج الراء مما هو أدخل من مخرج النون، ومن
مخرجها، ولكن يتكلف لا على حسب إجراء ذلك على الطبع المستقيم. والكلام
في المخارج إنما هو على حسب استقامة الطبع, لا على التكلف". ينظر
الإيضاح: 2/ 481.
7 الثالث عشر: موضعه بياض في "هـ".
(2/913)
والرابع عشر: مخرج الفاء، وهو باطن الشفة
السفلى وأطراف الثنايا العليا.
المراد بالثنايا في جميع هذه المواضع هو ثنيتان1, وعبروا عنهما بالجمع؛
لأنه أخف نطقا2، مع أنه لا لبس3.
والخامس عشر: مخرج الباء والميم4 والواو، وهو ما بين الشفتين.
اعلم أن المصنف وصاحب المفصل ذكرا أن المخارج ستة عشر5 تقريبا, ولم
يعدا إلا خمسة عشر6.
لا يقال: السادس عشر هو النون الخفية7، ويقال: الخفيفة، نحو: عنك؛
لأنهما8 يذكرانها في المتفرع على الحروف الأصلية.
والمراد بالمخارج المذكورة مخارج الحروف الأصلية، وإلا زادت على ستة
عشر، على أنهما ذكرا الحروف التسعة والعشرين في المخارج الخمسة عشر
المذكورة، فلم يبق شيء حتى يكون له مخرج
__________
1 ثنيتان: مطموسة في "هـ".
2 في "ق": مطلقا.
3 ينظر الإيضاح: 2/ 481.
4 والميم: ساقطة من "هـ".
5 ستة عشر: ساقط من "هـ".
6 ينظر المفصل "393, 394"، وشرحه لابن الحاجب "2/ 480, 481".
7 عدها سيبويه المخرج السادس عشر، وذكر أنها تخرج من الخياشيم, وتابعه
ابن عصفور. "ينظر الكتاب: 4/ 434، والممتع: 2/ 670".
8 لأنهما: ساقطة من "هـ".
(2/914)
السادس عشر.
اعلم أن المراد بمخرج كل حرف هو الموضع الذي يتقطع ذلك الحرف1 عنده ولا
يشاركه فيه غيره، فإن شاركه فلا بد من امتيازه بصفة غير عمل اللسان.
ويعتبر المخرج بأن يزاد على الحرف همزة الوصل مكسورة، ثم ينطق به
ساكنًا بحيث ينقطع جرس الحرف، فهو مخرجه، نحو: اعْ، اقْ، اهْ.
قيل2: ومن ثمة3 لم يكن للألف مخرج؛ لأن صوتها لا ينقطع عند مركز معين,
بل هو4 هواء مستطيل يمتد من غير حصر.
اعلم أن هذا منافٍ لما ذكره5 من قبل، وهو أن أقصى الحلق مخرج الهمزة
والهاء والألف.
__________
1 في "هـ": الحروف.
2 لفظة "قيل" ساقطة من "ق".
3 في "هـ": ثم.
4 لفظة "هو" ساقطة من "هـ".
5 في الأصل: لما ذكرناه, والأنسب ما أثبتناه من "ق"، "هـ".
(2/915)
[مخارج الحروف
الفرعية] :
قوله: "ومخرج المتفرع واضح ... "1 إلى آخره.
اعلم أن عدد الحروف يرتقي إلى اثنين وأربعين2، لكن حروف العربية الأصول
في اللسان العربي تسعة وعشرون3.
وإنما كانت هذه الأصول في اللسان العربي لتصفيتها وخلاصتها عند إخراجها
من مخارجها, من غير أن يختلط بها غيرها, والذي يتفرع منها يمتزج عند
النطق بها من غيرها ويختلط بها.
ويتفرع على هذه الأصول ما ذكره في الكتاب4 ثلاثة عشر،
__________
1 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "وَمَخْرَج الْمُتَفَرِّع وَاضِحْ،
وَالْفَصِيحُ ثَمَانِيَةٌ: هَمْزَةُ بَيْنَ بين وهي ثلاثة، والنون
الخفيفة نَحْوُ عَنْكَ، وَأَلِفُ الإِمَالَةِ، وَلاَمُ التَّفْخِيم،
وَالصَّادُ كالزَّاي, وَالشِّينُ كالْجِيم. وَأَمَّا الصَّادُ
كالسِّينِ والطَّاءُ كالتَّاء وَالْفَاءُ كالْبَاءِ وَالضَّادُ
الضَّعِيفَةُ, وَالْكَافُ كَالْجِيم فَمُسْتَهْجَنَةٌ. وَأَمَّا
الْجِيمُ كالكاف والجيم كالشَّين فَلاَ يتحقق". "الشافية: 14, 15".
2 ينظر الكتاب: 4/ 432. وذكر الزمخشري أنها ترتقي إلى ثلاثة وأربعين؛
منها تلك التسعة والعشرون الأصول، وتتفرع منها ستة مأخوذ بها في القرآن
وكل كلام فصيح, والبواقي حروف مستهجنة. ينظر المفصل: 394. وهو ما ذكره
ابن عصفور في الممتع: 2/ 665.
3 ينظر الكتاب: 4/ 431، وسر الصناعة: 1/ 46-51، والمفصل: 394، وشرحه
لابن يعيش: 10/ 125-128، والممتع: 2/ 663، وشرح الشافية: 3/ 250-257.
وخالف في ذلك أبو العباس المبرد، حيث جعل حروف المعجم الأصول ثمانية
وعشرين, أولها الباء وآخرها الياء، وأخرج الهمزة من حروف المعجم بحجة
أنها لا تثبت على صورة واحدة، فكأنها عنده من قبيل الضبط، إذ لو كانت
حرفا من حروف المعجم لكان لها شكل واحد لا تنتقل عنه كسائر حروف
المعجم. "ينظر المقتضب: 2/ 192". ورَدّ عليه ابن عصفور في الممتع
"ينظر: 2/ 664".
4 أي: في كتاب الشافية.
(2/916)
بعضها مستحسن موجود في القرآن وكلام فصيح،
وهي1 ثمانية عند المصنف، وستة عند صاحب المفصل.
وإنما استحسنت لما استفادت بالامتزاج من تسهيل اللفظ, وتحقيق النطق
بها.
أحدها وثانيها وثالثها: الهمزة التي2 بين بين؛ لأن همزة بين بين هي
الهمزة التي تجعل بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها3؛ فإن كانت
مكسورة فجعلت بين بين [فهي بين الهمزة والياء. وإن كانت مضمومة فجعلت
بين بين] 4 فهي بين الهمزة والواو. وإن كانت مفتوحة فجعلت بين بين، فهي
بين الهمزة والألف.
وإنما جعلها سيبويه واحدة؛ لأن جعل الهمزة بين بين يشمل الأقسام
الثلاثة؛ فهو كالجنس لها5.
__________
1 في الأصل, "ق": وهو, والأصح ما أثبتناه من "هـ".
2 في "ق": الذي.
3 في "هـ": حركاتها.
4 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
5 وعلى ذلك تكون الحروف المستحسنة عند سيبويه ستة لا ثمانية, وتابعه في
ذلك الزمخشري في مفصله كما ذكر ركن الدين. ينظر الكتاب: 4/ 432،
والمفصل: 394.
ولكن ابن الحاجب يفصل في الهمزة التي بين بين فيجعلها ثلاثة، استمع
إليه وهو يقول في الإيضاح "2/ 482": "ولو عددت همزة بين بين ثلاثة
باعتبار حقيقة تفاصيلها وتميز أحدهما عن الآخر لكان صوابا؛ لأن الغرض
تعداد حروف زائدة على الأصول، فهذه وإن سميت باسم جنس فلها ثلاثة
أنواع، فهي في الحقيقة ثلاثة أحرف، فيكون على هذا المتفرع الفصيح
ثمانية أحرف بالخمسة التي ذكرها الزمخشري والساقط الذي ذكرنا أنه ثلاثة
أنواع حرف بين الألف والهمزة، وحرف بين الواو والهمزة، وحرف بين الياء
والهمزة، وإن شئت قلت: والهمزة التي كالألف، والهمزة التي كالواو،
والهمزة التي كالياء". ا. هـ.
(2/917)
والرابع: النون [الخفية, ويقال لها: النون
الخفيفة] 1، وهي نون ساكنة تخرج من الخيشوم، لا عمل2 للفم فيها، نحو:
عَنْكَ.
وشروط خروج النون من الخيشوم أن تقع قبل الحروف التي يخفى فيها، وهي
غير حروف الحلق، أعني3 حروف الفم، نحو: عنك4.
وحروف الفم التي تخفى النون بعدها "165" خمسة عشر حرفا, وهي: القاف
والكاف والجيم والشين والصاد والضاد والسين والزاي والطاء والدال
والتاء والظاء والذال والثاء والفاء.
وإذا كان بعدها حرف من هذه الحروف فمخرجها من الخيشوم، لا علاج للفم5
في إخراجها, هكذا ذكره سيبويه6.
فلو كانت آخرا نحو "عن" أو كـ "عن", أو بعدها حرف حلق7 نحو: {مَنْ
خَلَقَ} 8، ومن أبوك؟ تعين أن تكون الأولى, أعني: من التسعة والعشرين،
ويكون مخرجها من الفم.
__________
1 في "ق"، "هـ": "الخفيفة.... الخفية".
2 في "هـ": لا علم. تحريف.
3 في "هـ": عني.
4 "نحو: عنك": ساقط من "هـ".
5 في النسخ الثلاث: على الفم, والأنسب ما أثبتناه.
6 ينظر الكتاب: 4/ 434.
7 لفظة "حلق" ساقطة من "هـ".
8 سورة العنكبوت "من الآية: 44"، وسورة لقمان "من الآية: 25"، وسورة
الزمر "من الآية: 38"، والزخرف "من الآية: 9", والملك "من الآية: 14".
(2/918)
والخامس1: ألف الإمالة، نحو2: رمى، وهي ألف
يُنْحَى بها نحو الياء.
والسادس: لام التفخيم, نحو3: الصلاة، بتفخيم الصلاة.
وذكر صاحب المفصل4 ألف الإمالة5، نحو: عالم، وألف التفخيم نحو: الصلاة.
وألف التفخيم: ألف ينحى بها6 نحو الواو. وزعموا أن كتابة الصلاة بالواو
تنبيه على هذه الألف, ولم يذكر في المفصل لام التفخيم7.
والسابع: الصاد التي هي كالزاي، نحو: يصدر، ويصدق, وقرئ به في المشهور
في8 نحو قوله [تعالى] 9: {حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} 10، و
{الصِّرَاطَ} 11.
__________
1 لفظة "الخامس" مطموسة في "هـ".
2 لفظة "نحو" مطموسة في "هـ".
3 لفظة "نحو" ساقطة من "ق".
4 في ص394.
5 ألف الإمالة: مطموسة في "هـ".
6 لفظة "بها" ساقطة من "هـ".
7 ولم يذكرها سيبويه، ولا ابن عصفور، وذكرا بدلا منها ألف التفخيم.
8 لفظة "في" ساقطة من "هـ".
9 لفظة "تعالى" إضافة من المحقق.
10 سورة "القصص" من الآية "23". وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف, ووافقهم
رويس. "ينظر النشر: 2/ 250, 341".
11 سورة "الفاتحة" من الآية "6"، و"طه" من الآية "135"، و"الصافات" من
الآية "118"، وهي قراءة خلف عن حمزة، ووافقه المطوعي, وهي لغة قيس.
"ينظر الإتحاف: 123".
(2/919)
والثامن: الشين التي هي1 كالجيم, ولم يقرأ
به في المشهور نحو2: أجدق, في: أشدق.
وإنما قربوا الشين من لفظ الجيم في مثل: أشدق؛ لأن الدال مجهورة شديدة،
[والجيم أيضا مجهور شديد] 3، والشين حرف مهموس رخو، فهو ضد الدال
لكونها للرخاوة والهمس، وكون الدال للجهارة، فقربوها من لفظ الجيم؛ لأن
الجيم قريبة من مخرج الشين، مع كونها موافقة للدال في4 الجهر.
قوله: "وأما5 الضاد كالسين" إلى قوله: "فمستهجنة" هذه خمسة أحرف
مستهجنة:
أحدها: الصاد التي كالسين، فإن الصاد تقرب من السين لكونهما6 من مخرج
واحد، فيقال في صِبْغ: سِبْغ، وهو7 مستهجن؛ لأنه ليس في هذا الإبدال
حسن؛ لأن الصاد أصفى في السمع وأصفر في الفم8.
__________
1 لفظة "هي": ساقطة من "هـ".
2 لفظة "نحو": ساقطة من "هـ".
3 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
4 في "هـ": "مع" بدل "في".
5 في "هـ": وإنما.
6 في "هـ": لكونها.
7 "وهو": ساقط من "هـ".
8 ينظر الممتع: 2/ 666.
(2/920)
والثاني: الطاء التي كالتاء. تكثر1 هذه في
العجم، لا سيما في عجم أهل الشرق؛ لأن الطاء لا توجد في أصل حروفهم،
فإذا احتاجوا إلى النطق بشيء من العربية التي فيها2 طاء, ضعف نطقهم
بها، فيقولون في طالع: تالع، وهو3 مستهجن؛ لأنه ليس بعربي؛ والعربي
الذي يتكلم به إنما يتكلم به لمخالطته4 العجم، لا سيما عجم أهل الشرق5.
والثالث: الفاء التي كالباء. يكثر هذا في لغة الفرس وغيرهم، فإنهم
أخرجوا حرفا من الفاء والباء المخلصين6. والذين تكلموا بهذا الحرف من
العرب قوم خالطوا العجم فاسترقوا لغتهم؛ لأن الطبع سَرّاق.
والرابع: الضاد الضعيفة. هذه الضاد7 من لغة قوم ليست في أصل لغتهم
الضاد، فإذا أرادوا التكلم بها من لغة غيرهم عصت عليهم، فأخرجوها8 ظاء؛
لأنهم يخرجونها من طرف اللسان وأطراف الثنايا، وربما تكلفوا إخراجها من
مخرج الضاد، فلم يتأتَّ
__________
1 في الأصل: تكثرت, وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
2 في "هـ": هي.
3 في "هـ": وهي.
4 في "هـ": لمخالطة, وفي "ق": لمخاطبته.
5 ينظر الممتع: 2/ 666.
6 ينظر الممتع: 2/ 667.
7 في "هـ": أيضا.
8 في "ق": أخرجوا.
(2/921)
لهم فخرجت بين الضاد والظاء، فيقولون في
ضَرَبَ: ظَرَبَ.
فالضاد الضعيفة هي التي انحرفت1 عن مخرجها إلى اليمين أو2 الشمال؛ وذلك
لأن مخرجها من أول "166" حافة اللسان وما يليها من الأضراس مطبقة، فإن
انصرفت عنه ظهرت ضعيفة وزال الإطباق، وصارت بتكلف الإطباق في غير
موضعه. ولأجل هذا كان هذا الحرف مستهجنا.
والخامس: الكاف التي كالجيم. قال ابن دريد3: "هي لغة أهل اليمن، يقولون
في جمل: كمل. وهي كثيرة في عوامّ أهل بغداد، فإنهم يقولون في جَمَلَ:
كَمَلَ، وفي رَجُل: رَكُل, وهي مردودة رديئة".
وأما4 الجيم التي كالكاف، وهي5 عكس الكاف التي كالجيم، فلا يتحقق أنها
غير الكاف التي كالجيم، بل هما شيء واحد.
وكذلك6 الجيم التي كالشين لا يتحقق أنها غير الشين التي كالجيم، بل هما
واحد7 كالفاء التي كالباء، والباء التي كالفاء8.
__________
1 في "هـ": انحرف.
2 في "ق": "و" بدل "أو".
3 الجمهرة: 1/ 5, وينظر ابن يعيش: 10/ 127، والممتع: 2/ 665.
4 في "ق": فأما.
5 في الأصل, "هـ": وهو, وما أثبتناه من "ق".
6 في الأصل: وكذا, وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
7 نحو: اشتمعوا, وأشدر في: اجتمعوا، وأجدر. "ينظر الممتع: 2/ 666".
8 التي كالفاء: مطموس في "هـ".
(2/922)
وإذا كان كذلك, فلا حاجة إلى ذكر الجيم
التي كالكاف، ولا إلى ذكر الجيم التي كالشين. هذا ما فهمته.
ولقائل أن يقول: لا نسلّم أنه لا حاجة إليه؛ لأن1 منهم من يأتي في موضع
الجيم من نحو2: جزر وجهم وملجم3 وخلج بحرف بين الجيم والكاف4. [ومنهم
من يأتي في موضع الجيم بحرف بين الجيم والشين] 5. ومنهم6 من يأتي في
موضع الكاف من نحو: كَسْب ووَكْد ومُلْك بحرف بين الكاف والجيم. ومنهم7
من يأتي في موضع الشين من شُكْر وحَشْد ونَهْش بحرف بين الجيم والشين.
فلا بد من التنبيه على هذه اللغات، ولا يصح الاستغناء بذكر بعضها عن
بعض؛ لأنه لا يلزم من المجيء بجيم كالكاف في موضع الجيم وبجيم كالشين
في موضع الجيم، المجيء بكاف كالجيم في موضع الكاف، وبشين كالجيم في
موضع الشين، كما لا يلزم من المجيء بصاد كالزاي في موضع الصاد, المجيء
بزاي كالصاد في موضع الزاي؛ فلهذا احتِيج إلى التنبيه على ذلك كله.
__________
1 "لأن": ساقطة من "هـ".
2 لفظة "نحو" ساقطة من "ق"، "هـ".
3 "وملجم": من "ق".
4 في "هـ": والشين.
5 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق"، "هـ".
6 "ومنهم": ساقطة من "هـ".
7 "ومنهم": ساقطة من "ق".
(2/923)
وإنما1 سُمِّيت هذه الحروف مستهجنة؛ لأنها
غير مستعملة في الشعر ولا في كلام فصيح، مع رداءتها2 على ما ذكرناه.
اعلم أن المصنف ذكر من المتفرع عن الأصول الذي هو مستحسن3 ثمانية، ومن
المستهجن خمسة، وهما مع الأصول التي هي تسعة وعشرون, اثنان وأربعون
التي هي رأي سيبويه4.
وقد ذكروا من المستهجنات أكثر من ذلك، كالشين التي كالزاي، نحو:
أَزَرْتُ في: أَشَرْتُ, وكالجيم التي كالزاي، نحو: اخْرُزْ [في:
اخْرُجْ] 5, وكالقاف التي كالكاف، نحو كال في: قال6.
__________
1 في الأصل: وإن, والصحيح ما أثبتناه من "ق"، "هـ".
2 ينظر الكتاب: 4/ 432، والممتع: 2/ 665.
3 في "هـ": التي هي مستحسنة.
4 ينظر الكتاب: 4/ 432.
5 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
6 وذكروا أيضا من المستهجن الياء التي كالواو في: قُيِل وبُيِع
بالإشمام، والواو التي كالياء في: مذعُور، وابن نَور.
"ينظر شرح الرضي على الشافية: 3/ 257".
(2/924)
[صفات الحروف]
:
قوله: "ومنها المجهورة والمهموسة...."1 إلى آخره2.
اعلم أن هذه قسمة الحروف باعتبار الصفات, لا باعتبار المخارج.
والحروف بهذا3 الاعتبار تنقسم إلى ثمانية عشر قسمًا، وهي: المجهورة,
والمهموسة، والشديدة4، والرِّخْوة، وما بينهما،
__________
1 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "وَمِنْهَا الْمَجْهُورَةُ،
وَالْمَهْمْوسَة، وَمِنْها الشَّدِيدَةُ وَالرِّخْوَةُ وَمَا بينهما،
ومنها المطبقة والمنفتحة، ومنها المستعلية وَالْمُنْخَِفضَةُ،
وَمِنْهَا حُرُوفُ الذَّلاَقَةِ وَالْمُصْمَتَهُ، وَمِنْهَا حُرُوفُ
القلقلة والصفير واللينة والمنحرف والمكرر, والهاوي والمهتوت.
فالمجهورة ما ينحصر جري النَّفَس مع تحركه وهي ما عدا حروف: "ستشجثك
خصفه"، والمهموسة بخلافها، ومثلا بققق وككك، وخالفهم بعضهم فجعل الضاد
والظاء والذال والزاي والعين والغين والياء من المهموسة، والكاف والتاء
من المجهورة، ورأى أن الشدة تؤكد الجهر، والشديدة: ما ينحصر جري صوته
عند إسكانه في مخرجه فلا يجري, ويجمعها: "أَجِدُكَ قَطَبْتَ" والرخوة
بخلافها، وما بينهما لا يتم له الانحصار ولا الجري، ويجمعها: "لم
يروعنا"، ومثلت بالحج والطش والخل، والمطبقة: ما ينطبق على مخرجه
الحنك، وهي الصاد والضاد والطاء والظاء، والمنفتحة بخلافها,
والمستعلية: ما يرتفع اللسان بها إلى الحنك وهي المطبقة والخاء والغين
والقاف، والمنخفضة بخلافها، وحروف الذلاقة: ما لا ينفك رباعي أو خماسي
عن شيء منها لسهولتها، ويجمعها: "مُرْ بِنَفْلٍ"، والمصمتة بخلافها؛
لأنه صمت عنها في بناء رباعي أو خماسي منها، وحروف القلقلة: ما ينضم
إلى الشدة فيها ضغط في الوقف، ويجمعها: "قَدْ طُبِجَ"، وحروف الصفير:
ما يُصفر بها، وهي الصاد والزاي والسين، واللينة: حروف اللين، والمنحرف
اللام؛ لأن اللسان ينحرف به، والمكرر الراء؛ لتعثر اللسان به، والهاوي
الألف؛ لاتساع هواء الصوت به، والمهتوت التاء؛ لخفائها". "الشافية،
ص14".
2 إلى آخره: ساقط من "ق".
3 في "ق"، "هـ": بهذه.
4 والشديدة: ساقطة من "هـ".
(2/925)
والمطبقة [والمنفتحة والمستعلية والمنخفضة
وحروف الذلاقة والمصمتة وحروف القلقلة وحروف الصفير واللينة والمنحرف]
1 والمكرر والهاوي والمَهْتُوت.
فالمجهورة: حروف2 ينحصر جري النفس مع تحركها فيرتفع الصوت، وهي ما عدا
حروف3 "سَتَشْحَثُكَ خَصَفَهُ"، وهي الحروف المهموسة "167".
فالحروف المجهورة تسعة عشر حرفًا، وهي: الهمزة والألف والعين والغين
والقاف والجيم والياء والضاد واللام والنون والراء والطاء والذال
والزاي والظاء والدال والياء والميم والواو.
والمهموسة بخلاف المجهورة4، وهي حروف5 لا ينحصر النفس مع تحركها.
والمهموسة عشرة، وهي: الحاء والهاء والخاء والكاف والسين والتاء والفاء
والثاء والصاد والشين, ويجمعها "سَتَشْحَثُكَ خَصَفَهُ".
__________
1 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
2 في "هـ": فالمجهورة حرف. تحريف.
3 لفظة "حروف" ساقطة من "ق".
4 المجهور: حرف أشيع الاعتماد عليه في موضعه، فمنع النفس أن يجري معه
حتى ينقضي الاعتماد. غير أن الميم والنون من جملة المجهورة قد يعتمد
لهما في الفم والخياشيم فتصير فيهما غنة. والمهموس: حرف أضعف الاعتماد
عليه في موضعه حتى جرى معه النفس, واعتبار ذلك بأن تكرر الحرف نحو:
سَسَ، كَكَكَكَ، فتجد النفس يجري مع الحرف ولو رُمْتَ ذلك في المجهور
لما أمكنك. ينظر الكتاب: 4/ 434، والممتع: 2/ 671، 672.
5 في "هـ": حرف.
(2/926)
والخَصَفَة: وعاء التمر1, وخَصَفَة من
أسماء الرجال2.
وقيل: إن "شَحَثَ" ما جاء من كلام العرب3 ولا "شسثا" من تأليف "شر ح
ث".
وقيل: شحث بمعنى: شحذ.
ومثل لتصور انحصار جري النفس مع تحرك الحرف المجهور4 بتكرر الحروف
المجهورة، نحو: قَقَ.
ومثل لعدم انحصار النفس مع تحرك الحروف المهموسة بتكرار المهموس5.
فإذا قلت: قَقَ، وجدت النَّفَس محصورا لا يحس مع النطق بشيء بين
الحرفين.
وبهذا الاعتبار سميت حروف الجهر مجهورة؛ لأن النفس إذا6 انحصر7 مع هذه
الحروف قوي الصوت بها.
وإذا قلت: كَكَ، [وجدت النفس جاريا مع] 8 النطق بها غير
__________
1 وهي جُلَّة تُعمَل من الخوص. "الصحاح "خصف": 4/ 1350".
2 وهو خصفة بن قيس عيلان، أبو حيّ من العرب "المصدر السابق".
3 جاء في اللسان "شحث": "قال الليث: بلغنا أن شحيثا كلمة سريانية,
وأنها تنفتح بها الأغاليق بلا مفاتيح". "3/ 2204".
4 في "هـ": الحروف المجهورة.
5 في "ق": الحروف, وفي "هـ": الحروف المهموسة.
6 لفظة "إذا" مطموسة في "هـ".
7 في "هـ": انحصرت.
8 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
(2/927)
محصور1. وبهذا الاعتبار سميت حروف الهمس
مهموسة؛ لأنه إذا جرى النفس مع الحروف ضعف الصوت بها, هذا قول
المتقدمين2.
وأما بعض المتأخرين, فجعل الضاد والطاء والدال والزاي والراء والعين
والعين والياء من المهموسة، وجعل الكاف والتاء من المجهورة؛ لأن الكاف
والتاء من الحروف الشديدة، ورأى أن الشدة تأكد الجهر3.
وقال المصنف في الشرح4: و5 لو قال ذلك البعض من المتأخرين في الضاد وما
بعدها ... إلى قوله "والياء": إنها بين المجهورة والمهموسة، لكان
أقرب6، مع أن الصاد بعيدة من الهمس. وأما جعله الكاف والتاء من
المجهورة فبعيد؛ لأنه ليس الشدة في الجهر, وإنما الشدة في انحصار جري
الصوت عند الإسكان.
والجهر: انحصار جري النفس مع تحركه، كما مر. وقد يجري النفس ولا يجري
الصوت، كالكاف والياء, وقد يجري الصوت ولا يجري النفس، كالضاد والعين7.
__________
1 في "هـ": محصورة.
2 ينظر الكتاب: 4/ 434.
3 قاله ابن الحاجب في الشافية "ص15"، وينظر شرح الجاربردي "مجموعة
الشافية: 1/ 341".
4 أي: شرح الشافية.
5 الواو ساقطة من "هـ".
6 في "هـ": أولى.
7 ونقله أيضا الجاربردي في شرح الشافية "ينظر مجموعة الشافية: 1/ 341".
(2/928)
والحروف الشديدة: حروف ينحصر جري صوتها عند
إسكانها في مخرجها ولا يجري. وهي ثمانية أخرى، وهي: الهمزة والقاف
والكاف والجيم والطاء والدال والتاء والباء. وبجمع هذه الحروف:
"أَجِدُكَ قَطَبْتَ" أو: "أَجَدْتَ طَبَقَكَ"1.
والحروف الرخوة بخلاف2 الحروف الشديدة؛ فهي حروف لا ينحصر جري صوتها
عند إسكانها. وهي ما عدا [الحروف] 3 الشديدة، وهي ثلاثة عشر حرفًا:
الهاء، والحاء, والخاء، والعين، والشين، والصاد، والضاد، والزاي،
والسين، والظاء، والذال، والثاء، والفاء4.
والحروف التي "بين الشديدة والرِّخْوة"5: حروف لا يتم لها الانحصار
المذكور ولا الجري المذكور، كاللام والميم, وهي ثمانية ويجمعها: "لم
يرو عنا"6 أو: "لم يروعنا"7.
ومثل للحروف الشديدة بالحَجّ، وللحروف الرخوة بالطَّشّ للمطر الضعيف8،
ولما بينهما بالخَلّ "168".
__________
1 ينظر الكتاب 4/ 434، والممتع: 2/ 672.
2 لفظة "بخلاف" تكررت في "هـ".
3 لفظة "الحروف" إضافة من "هـ".
4 ينظر الكتاب: 4/ 434, 435، والممتع: 2/ 672.
5 في الأصل: بين الحروف الشديدة, والحروف الرخوة.
6 ينظر الممتع: 2/ 673، والتسهيل: 320.
7 "لم يروعنا": ساقطة من "هـ".
8 الصحاح "طشش": 3/ 1009.
(2/929)
فإذا قلت: الحج بالوقف [وجدت الصوت منحصرا
لا يجري، وهو معنى الشدة, وإذا قلت: الطش -بالوقف] 1- وجدت الصوت
جاريا. وإذا قلت: الخل -بالوقف- وجدت الصوت بالحروف2 لا يجري مثل جري
الطش ولا ينحصر مثل انحصار الحج، بل يخرج على اعتدال بينهما.
والحروف المطبقة: حروف "لا"3 ينطبق الحنك على مخارجها من اللسان، بل
ينطبق اللسان على ما حاذاه من4 الحنك الأعلى، وهي5: الصاد والضاد
والطاء والظاء6؛ ولهذا سميت مطبقة.
والحروف المنفتحة7: حروف ينفتح الحنك عند النطق بها عن اللسان، وهي ما
عدا الحروف المطبقة8.
والمستعلية: حروف يرتفع اللسان بها إلى الحنك، وهي: الخاء والغين
والقاف والحروف المطبقة، أعني: الصاد والضاد والطاء والظاء9.
__________
1 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
2 في "هـ": بالحرف.
3 لفظة "لا" إضافة من "ق"، "هـ".
4 لفظة "من" ساقطة من "هـ".
5 في "هـ": "وهو".
6 ينظر الكتاب: 4/ 436.
7 ينظر المصدر السابق.
8 في "هـ": المنطبقة.
9 ينظر الممتع: 2/ 675.
(2/930)
ولا يلزم من الاستعلاء الإطباق المذكور,
ويلزم من الإطباق المذكور الاستعلاء؛ [فإذا قلت: حَجَ، أو غَغَ، أو
قَقَ استعلى أقصى اللسان إلى الحنك من غير إطباق] 1. وإذا قلت: صَصَ،
وطَطَ، استعلى اللسان وانطبق الحنك على وسط اللسان.
وإنما سميت مستعلية؛ لأن اللسان يستعلي عند النطق بها إلى الحنك.
فالأربعة منها2 مستعلية مطبقة، والثلاثة3 الباقية مستعلية غير مطبقة.
والمنخفضة: حروف لا يرتفع اللسان بها إلى الحنك، وهي ما عدا الحروف
المستعلية4.
وحروف الذَّلاقة: حروف لا ينفكّ رباعي وخماسي عن شيء منها؛ لسهولتها
نطقًا.
ولهذا قيل5: لو رأيت رباعيا أو خماسيا، ولم يكن فيه حرف من
__________
1 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
2 لفظة "منها" ساقطة من "هـ".
3 في الأصل: والثالثة, وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
4 ينظر الممتع: 2/ 675، والتسهيل: 320.
5 قال ابن عصفور: "وفي الحروف الذلقية سر طريف يُنتفع به في اللغة؛
وذلك أنك متى رأيت اسما رباعيا أو خماسيا غير ذي زوائد, فلا بد فيه من
حرف منها أو حرفين أو ثلاثة، نحو: جعفر، وقَعْضَب، وسَلْهَب،
وفَرَزْدَق، وسفرجل, وقِرْطَعْب, فمتى وجدت كلمة رباعية أو خماسية
معرّاة من حروف الذلاقة فاقضِ بأنه دخيل في كلام العرب وليس منه؛ ولذلك
سمي ما عدا هذه الحروف مصمتا؛ أي: صُمت عن أن تُبنى منه كلمة رباعية أو
خماسية. وربما جاء بعض ذوات الأربعة معرى من حروف الذلاقة، وذلك قليل
جدا، نحو: العَسْجَد والعَسَطُوس والدَّهْدَقة والزَّهْزَقة". "الممتع:
2/ 677".
(2/931)
حروف الذلاقة أو الألف, فليست1 عربية
أصلية، نحو: عَسْجَد2، وهي ستة أحرف: الباء والراء والفاء واللام
والميم والنون3. ويجمعها "مُرْ بِنَفْل"4، سميت بذلك لاعتماد اللافظ
بها على ذَوْلَق اللسان -وهو5 طرفه- من: ذَلِق اللسان وذَلُق ذلاقة
وذَلَقا وذَلْقا: حَدَّ. يقال: لسان ذَلْق؛ أي: حادّ6.
[وإنما سميت حروف الذلاقة؛ لأنها تخرج من ذولق اللسان7, وهو طرفه] 8.
والحروف المصمتة، وهي حروف ينفكّ عنها رباعي وخماسي, وإنما سميت بها
لأنها صُمِت عنها في بناء رباعي وخماسي؛ لأنهم لم يبنوا منها رباعيا
ولا خماسيا لكونها ثقيلة9.
وحروف القلقلة ينضم فيها إلى الشدة ضغط في الوقف, وإنما سميت [بها
لتقلقل] 10 الصوت وحفزه وضغطه عند النطق بها،
__________
1 في "ق": ليس, وفي "هـ": لم تكن.
2 أي: ذهب.
3 الواو ساقطة من "هـ".
4 ينظر التسهيل: 320.
5 في الأصل: وهي, وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
6 الصحاح "ذلق": 4/ 1479. وحكى الجوهري عن ابن الأعرابي: لسان ذَلْق:
طَلْق، وذَلِيق: طَلِيق، وذُلُق: وطُلُق، وذُلَق: طُلَق. "المصدر
السابق".
7 ينظر المصدر السابق.
8 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
9 في الأصل: ثقيلة. تحريف.
10 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
(2/932)
فإذا وقفت على "الحق"1 وجدت الصدر حَفِزًا،
يصعد الصوت عنه، ولا تجده في غيرها.
والحفز: الدفع2.
والقلقلة: شدة الصوت3.
وهي خمسة؛ وهي: الباء والجيم والطاء والدال والقاف, ويجمعها "قد طبج"4.
والطَّبْج: الضرب على الشيء المجوف كالبطيخ5.
وزاد المبرد الكاف، [وقال: الكاف] 6 دون القاف7.
وحروف الصفير: حروف توجد الصفير عند النطق بها [وهي ثلاثة: الصاد
والزاي والسين8، وسميت بها لما فيها من شبه الصفير عند النطق بها] 9.
والحروف اللينة: حروف المد واللين، وهي: الواو والياء والألف.
__________
1 في "هـ": الحلق.
2 ينظر الصحاح "حفز": 3/ 874.
3 ينظر اللسان "قلقل": 5/ 3729.
4 وقيل: يجمعها: "قُطْبُ جُد". ينظر التسهيل: 320.
5 حكاه ابن منظور عن ابن حمويه عن شَمِر. "ينظر اللسان "طبج" 4/ 2632".
6 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
7 قال المبرد, وهو بصدد الحديث عن حروف القلقلة: "فمنها القاف والكاف،
إلا لأنها دون القاف؛ لأن حصر القاف أشد". "المقتضب 1/ 196".
8 ينظر المفصل: 395.
9 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
(2/933)
وإنما سميت بها لما فيها من اللين وقبول
المد.
ولا يكون الواو والياء حرفي لين1 إلا أن يكون قبلهما حركة مجانسة.
والحرف المنحرف اللام2؛ لأن اللسان "169" ينحرف به عند النطق إلى داخل
الحنك قليلا.
والحرف المكرر الراء. وإنما سميت مكررا؛ لما فيه من التكرار، يعرف ذلك
بالوقف عليها مشددة3.
والحرف الهاوي الألف. وإنما سميت الهاوي؛ لاتساع مخرجه لهواء الصوت به
أشد من اتساع مخرج الياء والواو4.
والحرف المهتوت: التاء5. إنما سميت التاء بالمهتوت لضعفها وخفائها, من:
هَتّ، إذا أسرع في الكلام6.
وقد غلّط بعض الفضلاء قول المصنف: المهتوت التاء, وقال: الصواب أن
المهتوت الهمزة7؛ لأن فيها عصرا، والناطق بها
__________
1 في "هـ": المد.
2 ينظر الكتاب: 4/ 435.
3 ينظر الكتاب: 4/ 435.
4 ينظر الكتاب: 4/ 435، 436.
5 ينظر المفصل: 396.
6 حكى الجوهري عن الأصمعي: "يقال للرجل إذا كان جيد السياق للحديث: هو
يسرده سردًا, ويَهُتُّه هَتًّا". وأضاف الجوهري: "ورجل مِهَتّ
وهَتَّات، أي: خفيف, سريع الكلام". "الصحاح هتت: 1/ 270".
7 هذا قول ابن مالك "672هـ". ينظر التسهيل: 320. =
(2/934)
كالساعل، فهي حرف مهتوت، أي: معصور،
والهَتّ شبه العصر للصوت.
وقال أبو بكر بن القوطية1: "هَتّ الإنسان: تكلم بالهمزة؛ لأنها مهتوتة
في أقصى الحلق"2.
اعلم أن الفائدة في معرفة هذه الصفات كبيرة، إلا أن الفائدة في باب
الإدغام العلم بما يجوز3 أن يدغم وبما لا يجوز أن يدغم. فإذا عرف ما له
فضيلة وقوة ومزية على غيره لم يجز أن يدغم في ذلك الغير؛ لئلا تذهب تلك
المزية؛ كالميم التي لها غُنَّة لا تدغم في الباء التي ليس لها غنة؛
لأنه لو أدغمت في الباء لذهبت فضيلة الغنة4.
__________
ونجد أيضا محقق كتاب الإيضاح لابن الحاجب يثبت "الياء" بدل "التاء" في
المهتوت, ولعله سهو منه أو خطأ في الطباعة.
1 هو أبو بكر محمد بن عمر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن عيسى بن مزاحم
النحوي, مولى عمر بن عبد العزيز. طال عمره حتى سمع منه طبقة بعد طبقة,
وصنف كتبا عظيمة, من أهمها: الأفعال، والمقصود والممدود، وتاريخ
الأندلس، وشرح رسالة أدب الكاتب. توفي بقرطبة سنة 367هـ. ينظر ترجمته
في: البغية: 1/ 198، والشذرات: 3/ 62، والأعلام: 7/ 201.
2 كتاب "الأفعال": 189.
3 لفظة "يجوز" مطموسة في "هـ".
4 فالميم لا تدغم في الباء, ولكن تدغم الباء فيها؛ إذ هي لا تدغم في
مثل قولنا: أَكْرِمْ بِهِ؛ لأنهم يقلبون النون ميما في قولهم: العنبر،
ومن بدا لك، فلما وقع مع الباء الحرف =
(2/935)
[طريق إدغام
المتقاربين] :
قوله1 "ومتى قُصد إدغام المتقارب....2" إلى آخره.
أي: متى قصد إدغام أحد المتقاربين في الآخر، فلا بد3 من قلب أحدهما إلى
الآخر ليصيرا من جنس واحد؛ لأنه لا تتحقق حقيقة الإدغام إلا بذلك.
ثم القياس أن يقلب الأول إلى4 الثاني وهو الكثير؛ لأن الأول "لا"5 يدغم
في الثاني إلا العارض يقتضي قلب الثاني أول6، نحو: اذبَحْ عَتُودًا،
وهو من أولاد المعز: ما رعى وقوي, واذبح هذه؛ فإنه تقلب العين حاء،
والهاء حاء, ثم تدغم الحاء في الحاء7.
ولم تقلب الحاء عينا ولا هاء؛ لأن العين والهاء أدخل في الحلق من
الحاء، والحاء أقرب إلى الفم، ولا تدخل الحاء في الأدخل في الحلق.
__________
1 لفظة "قوله" موضعها بياض في "ق"، "هـ".
2 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "ومتى قصد إدغام الْمُتَقَارِبَيْنِ فَلاَ
بُدَّ مِنَ الْقَلَبِ، وَالْقِيَاسُ قَلْبُ الأَوَّلِ إلاَّ لِعَارِضٍ
في نِحْوِ: اذْبَحَّتُودًا واذبحَّاذِهِ، وَفِي جُمْلَةٍ مِنْ تَاءِ
الافْتِعَالِ لِنَحْوِهِ وَلِكَثْرَةِ تَغَيُّرِهَا، ومَحُّمْ فِي
مَعَهُمْ ضَعِيفٌ، وَسِتٌّ أصْلُهُ: سِدْس, شاذ لازم". "الشافية، ص15".
3 في "هـ": لا بد.
4 لفظة "إلى" ساقطة من "ق"، "هـ".
5 لفظة "لا" إضافة من "هـ".
6 في "هـ": الأول.
7 فيقال: اذبحَّتُودًا، واذبَحَّاذِهِ.
(2/936)
وفي جملة من تاء الافتعال, فإنها تقلب إلى
الحرف الذي قبلها ولا ينعكس لنحوه, ولكثرة تغير هذه التاء على ما
سيأتي.
وأما مَحُّمْ، في: مَعَهُمْ، فضعيف؛ لأنهم قلبوا المتقاربين، وهما
العين والهاء، غيرهما وهو الحاء، وهو على خلاف القياس؛ لأن القياس قلب
أحد المتقاربين إلى الآخر.
وأما ست في: سِدْس، فشاذ لازم؛ أما شذوذه فلأنه مثل محم في قلب الدال
والسين إلى غيرهما, وهو التاء.
(2/937)
[امتناع إدغام المتقاربين للبس, أو ثقل] :
قوله: "ولا يدغم منها في كلمة...."1 إلى آخره2.
أي: ولا يدغم من الحروف في كلمة ما يؤدي إلى اللبس في حروف الكلمة،
نحو: وَطَدَه وأَطَدَه3 وَطْدًا، أي: أثبته وثقَّله4, ووتد الوتد
يَتِده وَتْدًا؛ فإنه لو أدغما نحو: وَدّ لم يدر هل5 هما دالان، أو طاء
ودال، أو تاء ودال؟
__________
1 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "وَلاَ يُدْغَمُ مِنْهَا فِي كَلِمَةٍ مَا
يُؤَدِّي إلَى لَبْسٍ بِتَرْكِيبٍ آخَرَ، نَحْوُ: وَطَدَ وَوَتَدَ
وَشَاةٍ زَنْماء، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَقُولُوا: وَطْداً وَلاَ وَتْداً،
بل قَالُوا: طِدَة وتِدَة، لِمَا يَلْزَمُ مِنْ ثِقَلٍ أَوْ لَبْسٍ،
بِخِلاَفِ نَحْوِ: امَّحَى واطَّيَّر، وَجَاءَ وَدّ فِي وَتِد, فِي
تميم". "الشافية، ص15".
2 إلى آخره، ساقط من "ق" في هذا الموضع، وساقط أيضا في موضعه في
الصفحات التالية، حتى نهاية الكتاب, ونكتفي بالإشارة إليها ههنا.
3 لفظة "أطده" ساقطة من "ق".
4 ينظر الصحاح "وطد" 2/ 551.
5 في الأصل على, والصحيح ما أثبتناه من "ق"، "هـ".
(2/937)
وكذلك لو أدغم في شاة زَنْمَاء، بقلب النون
ميمًا، وإدغام الميم في الميم، لم يدر أنهما ميمان، أو نون وميم؛ ولهذا
لا يدغم في مصدرهما.
والزنماء1: مقطوع2 شيء من أذنها3, من: زَنِمَتِ العَنْزُ فهي زنماء؛
أي: صار تحت أذنها زنمة, وهي للمعز كالقُرْط للمرأة "170"4.
من أجل أنه لا يدغم في "وطد" و"وتد" لحصول الالتباس، لم يقولوا: وطْدا
ولا وتْدا -بسكون الطاء والتاء- لأنهم لو أدغموا لأدى إلى اللبس، وإن
أظهروا لأدى إلى الثقل المدرك عند النطق ضرورة.
بخلاف: امَّحَى، واطَّيَّر, أصلهما: انمحى واتطير؛ فقلبت النون ميما،
وأدغمت الميم في الميم، وقلبت التاء في اتطير طاء، وأدغمت الطاء في
الطاء5، وأُتي بهمزة الوصل لامتناع الابتداء [بالساكن] 6.
وإنما جاز الإدغام ههنا؛ لأنه لا لبس7؛ لأن انمحى: انْفَعَلَ؛
__________
1 في "هـ": وزنماء.
2 زادت في "هـ" لفظة "شاة".
3 في "هـ": الأذن.
4 ينظر الصحاح "زنم": 5/ 1945، واللسان "زنم": 3/ 1873.
5 في الطاء: ساقط من "هـ".
6 بالساكن: إضافة من "هـ".
7 في "ق"، "هـ": لا يلتبس.
(2/938)
لأنه لو جعل افّعَل للزم بناء ما ليس في
كلامهم.
وكذلك اطَّيَّر: تَفَعَّل1؛ لانتفاء: افَّعَّل2 في كلامهم.
[وكذلك أدغم [في: هَنْمَرِش، فقيل] 3: هَمَّرِش؛ لعدم اللبس للعلم4
بأنه فَنْعَلِل؛ لعدم بناء فَعَّلِل في كلامهم] 5.
وقد جاء: وَدّ في: وَتِد -أحد الأوتاد- في بني تميم6, وهو شاذّ7.
اعلم أن في عدم قولهم: وَطْدًا، ووَتْدًا نظرًا؛ لأنه ذكر في الصحاح8:
"وطدت الشيء أطده وطدا؛ أي: أثبتّه".
وكذا ذكر ابن القطاع في كتاب "الأبنية"9: "وطد الشيء وطْدا، وطِدَة:
ثَبَتَ".
[وحكى ابن القوطية10: وتدت الوتد وتدا، وأوتدته، أي: أثبتّه في الأرض]
11.
__________
1 في الأصل, "ق": افتعّل, وما أثبتناه من "هـ".
2 في "هـ": فعّل.
3 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق".
4 في "هـ": للفم.
5 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق".
6 حيث إنهم يخففون "وَتِد" بحذف كسرة التاء، كما في: كَبْد وفَخْذ.
"ينظر شرح الشافية للرضي: 3/ 268".
7 لفظة "شاذ" ساقطة من "هـ".
8 في "وطد": 2/ 551.
9 الجزء الثاني، ص239.
10 كتاب الأفعال: 161.
11 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
(2/939)
[امتناع إدغام المتقاربين؛ للمحافظة على
صفة الحرف] :
قوله: "ولا تدغم حروف: ضَوِيَ مِشْفَر ... "1.
أي2: ولا يدغم شيء من حروف "ضوي مشفر" فيما يقاربها من الحروف في
المخرج؛ لزيادة صفتها على صفة غيرها. أما الضاد؛ فلأن فيها استطالة,
وأما الواو والياء؛ فلما فيهما من المد واللين, وأما الميم؛ فلما فيها
من الغنة, وأما الشين والفاء، فلما فيهما من التفشِّي؛ لزيادة
رخاوتهما، وأما الراء، فلما فيها من التكرار.
فلو أدغمت في مقاربها لزالت صفتها من غير3 شيء يخلفها لعدم صفتها في
مقاربها. يقال4: ضوي الرجل: هَزُل جسمه5.
والمشفر من البعير بمنزلة الشَّفَة للإنسان6، 7.
قوله: "ونحو: سيد، ولية ... "8 إلى آخره.
__________
1 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "ولم تدغم حُرُوفُ "ضَوِيَ مِشْفَرٌ" فيما
يُقارِبُهَا؛ لِزِيَادَةِ صِفَتِهَا". "الشافية، ص15".
2 لفظة "أي": ساقطة من "هـ".
3 في "ق": لغير.
4 لفظة "يقال": ساقطة من "هـ".
5 ينظر الصحاح "ضوي": 6/ 2410.
6 للإنسان: ساقطة من "ق".
7 اللسان "شفر": 4/ 2288.
8 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "وَنَحْوُ: سَيِّد وَلَيَّةٍ, إنَّمَا
أُدغما لأَنَّ الإعْلاَلَ صيرهما مثلين". "الشافية، ص15".
(2/940)
هذا جواب عن سؤال مقدر، وتقدير السؤال: إن
أصل سَيِّد ولَيَّة: سَيْوِد ولَيْوَة، مع أنهم أدغموا الواو في الياء1
-والواو من حروف: ضوي مشفر- وأنتم قلتم: لا يجوز ذلك؟
وأجاب عنه بأنه لم2 تقلب الواو ياء للإدغام، بل لما أعل الواو لوجود
مقتضى الإعلال اجتمع ياءان، فلزم من ذلك الإدغام.
[وإذا كان كذلك لم يدغم إلا مثلان, ونحن قلنا: لا يجوز إدغام] 3 حروف
"ضوي مشفر" فيما يقاربها؛ أي: لا يقلب أحد حروفه حرفا يقاربه لأجل
الإدغام.
قوله: "وأدغمت النون ... "4 إلى آخره.
أي: وأدغمت النون في اللام والراء، مع ما فيه من الغنة نحو: مَن لَّك،
ومن رَّاشد؛ لكراهة5 نبرتها؛ أي: لكراهة6 رفع صوتها. فلهذا لم يأتوا
بها ظاهرة إلا مع حروف الحلق، على ما سيأتي
__________
1 في "هـ": الياء في الواو.
2 لفظة "لم" ساقطة من "هـ".
3 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق".
4 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "وَأُدْغِمَتِ النُّونُ فِي اللاّمِ
والرَّاءِ لِكَرَاهَةِ نَبْرَتِهَا، وفي الميم -وإن لم يتقاربا-
لغنتها، وَفِي الْوَاو وَالْيَاءِ لإِمْكَانِ بَقَائِهَا، وَقَدْ
جَاءَ: لِبَعْض شَّأنهِمْ, وَاغْفِر لي، ونَخْسِف بِّهِمْ، وَلاَ
حُرُوفُ الصَّفِيرِ فِي غَيْرِهَا؛ لِفَوَاتِ صِفَتِهَا، وَلا
الْمُطْبَقَةُ فِي غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ إِطْبَاقٍ عَلَى الأَفْصَح،
وَلا حَرْفُ حَلْقٍ فِي أَدْخَلَ مِنْهُ إلاَّ الْحَاءُ فِي الْعَيْنِ
وَالْهَاءِ، وَمِنْ ثَمَّ قالوا فيهما: اذبحَّتودا، واذبحّاذه".
"الشافية، ص269".
5 في "هـ": لكراهية.
6 في "هـ": لكراهية.
(2/941)
وقد أورد عليه أن النبرة ليست للنون، بل
للهمزة؛ لأن النفس بها يرتفع من أقصى الحلق. وحكى ابن القطاع: نَبَرَ
"171" الحرف: همزه1.
وقريش لا تنبر؛ أي: لا تهمز2, ولا يعرف أحد النبر من صفات النون.
فالأولى أن يقال: النون تدغم بغنة وغير غنة في اللام؛ لقرب مخرجها من
مخرج اللام.
وأدغمت في الراء أيضا؛ لقرب مخرجها من مخرج الراء؛ لكونها مثلها في
الشدة.
وأدغمت النون في الميم [نحو] 3 مِن مّحمد4، مع أنهما لا يتقاربان في
المخرج5؛ لما فيهما6 من الغنة التي جعلتهما كالمتقاربين في المخرج.
وأدغمت في الواو والياء، نحو: "من وَّاقد"، و"من يَّقول"؛ لإمكان بقاء
غنة النون7 عند إدغامها في الياء والواو8، لما فيهما من اللين.
__________
1 ينظر الأبنية.
2 ينظر النشر: 1/ 22.
3 لفظة "نحو" إضافة من "ق"، "هـ".
4 زاد في "هـ": صلى الله عليه وسلم.
5 في المخرج: ساقط من "ق".
6 في "ق": فيها.
7 لفظة "النون" ساقطة من "هـ".
8 في "هـ": في الواو والياء, وفي "ق": في الياء والياء.
(2/942)
وإنما لم تدغم النون فيما هو قريب من
مخرجها كالجيم؛ لعدم بقاء غنتها لو أدغمت في الجيم، لما فيها من الشدة.
وقد جاء إدغام "الضاد في الشين"1 في قوله تعالى: {لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ}
2 في قراءة أبي عمرو3؛ لقرب مخرجها، والشين أكثر استطالة، وفي الشين
تفشٍّ ليس في الضاد.
والنحويون ينكرونه4؛ لأن الضاد، بل سائر حروف "ضوي مشفر" لا تدغم إلا
في مثلها، ولأنه لو أدغمت ههنا لزم التقاء الساكنين على غير حدّه، مع
أنه لم يرو عنه الإدغام في قوله تعالى: {وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا
يَسْتَطِيعُونَ} 5، ولا في قوله تعالى: {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ
شَقًّا} 6.
اعلم أنه لو قدّم إدغام النون فيما ذكره على إدغام حروف "ضوي مشفر" أو
أخّره عنه لكان أولى؛ لأنه لا وجه لذكره في الكتاب؛ [لأن النون ليست من
تلك الحروف] 7.
__________
1 في "ق": "النون في الهاء" لعله سهو من الناسخ.
2 سورة "النور" من الآية "62".
3 ينظر النشر: 1/ 291.
4 ويرون أن ذلك ينبغي أن يحمل على الإخفاء؛ لما في الإدغام من الجمع
بين ساكنين وليس الأول حرف مد ولين. "ينظر الممتع: 2/ 725".
5 سورة "النحل" من الآية "73". ونقل ابن الجزري عن الداني قوله: "ولا
أعلم خلافا بين أهل الأداء في إظهاره". "النشر: 1/ 291".
6 سورة "عبس" من الآية "26".
7 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق".
(2/943)
وقد جاء إدغام الراء في اللام1 مع أن الراء
من حروف "ضوي مشفر" [واللام ليست كذلك، نحو: "اغفر لّي"2, وإدغام الفاء
في الباء نحو: "يخسف بّهم"3 في قراءة الكسائي4، مع أن الفاء من حروف
"ضوي مشفر"، والياء ليست كذلك] 5.
والنحويون ينكرون ذلك6.
قوله: "ولا تدغم حروف الصفير في غيرها".
__________
1 ومن ذلك ما روي عن يعقوب الحضرمي من إدغام الراء في اللام, وكذلك
أيضا روى أبو بكر بن مجاهد عن أبي عمرو أنه كان يدغم الراء في اللام,
متحركة كانت الراء أو ساكنة. قاله ابن عصفور في الممتع: 2/ 723, 724.
2 سورة "الأعراف" من الآية "151"، و"إبراهيم" من الآية "41"، و"ص" من
الآية "35"، و"نوح" من الآية "28".
3 سورة "سبأ" من الآية "9".
4 ينظر النشر: 2/ 12، وينظر كذلك الممتع: 2/ 720.
5 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق"، "هـ".
6 لأن الفاء من الحروف التي لا تدغم في مقاربها، ولا يحفظ ذلك من
كلامهم وهو ضعيف في القياس لما فيه من إذهاب التفشي الذي في الفاء. قال
ابن عصفور في الممتع "2/ 720": "وهذا مخالف لما ذكره سيبويه من أن
الراء لا تدغم في مقاربها لما فيها من التكرار، وهو القياس، ولم يحفظ
عن سيبويه الإدغام في ذلك. وروى أبو بكر بن مجاهد عن أحمد بن يحيى عن
أصحابه عن الفراء أنه قال: كان أبو عمرو يروي عن العرب إدغام الراء في
اللام. وقد أجازه الكسائي أيضا، وله وجه من القياس، وهو أن الراء إذا
أدغمت في اللام صارت لاما، ولفظ اللام أسهل من الراء لعدم التكرار
فيها، وإذا لم تدغم الراء كان في ذلك ثقل؛ لأن الراء فيها تكرار,
فكأنها راءان واللام قريبة من الراء، فتصير كأنك قد أتيت بثلاثة أحرف
من جنس واحد". "الممتع: 2/ 724, 725, وينظر الكتاب: 4/ 448". وأجازه
ابن مالك أيضا في التسهيل "ينظر: 323".
(2/944)
وإنما لم تدغم1؛ لفوات الصفير منها2.
ولا الحروف الْمُطْبَقَةُ فِي غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ إِطْبَاقٍ، عَلَى
الأفصح، كإدغام الطاء في التاء نحو قولك: أحبطت, و [قوله تعالى] 3:
{فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} 4.
ويعلم من قوله: "من غير إطباق" أنه تدغم الحروف المطبقة في غيرها مع
تبقية الإطباق، كقراءة أبي عمرو: "فرطتُّ في جنب الله" وفيه نظر5
سيأتي.
ولا يدغم حرف حلق في حرف6 حلق آخر أدخل منه؛ لأنه يؤدي إلى إدغام
الأسهل في الأثقل، إلا الحاء في العين والهاء؛ فإنها تدغم في العين، مع
أنها أدخل في الحلق منها؛ لشدة تقاربهما في المخرج, وتدغم في الهاء؛
لأنها مثلها في الهمس والانخفاض، لكن لا تدغم الحاء فيها على ما عهد في
إدغام المتقاربين من قلب الأول والثاني، بل على العكس من ذلك؛ لأن
التقاء الحاءين أخف7 عليهم من التقاء العينين أو الهاءين.
__________
1 في "ق": لم يدغموا.
2 لفظة "منها" ساقطة من "ق".
3 ما بين المعقوفتين إضافة من المحقق.
4 سورة "الزمر" من الآية "56".
5 لفظة "نظر": ساقطة من "هـ".
6 في "هـ": حروف.
7 لفظة "أخف" ساقطة من "هـ".
(2/945)
وأشار إليه بقوله: "ومن ثم1 قالوا فيهما:
اذبَحَّتُودًا".
أي: ومن أجل أنه لا يدغم حروف حلق [في حرف2] 3 حلق آخر أدخل منه، لم
يقولوا في: اذبحْ عَتُودًا، واذبح هذه: اذبَعَّتودا ولا: اذبَهَّذه,
بقلب [الحاء عينا أو هاء، بل قالوا: اذبَحَّتودُا واذبَحَّذه بقلب
العين] 4 والهاء حاء.
وقد خُولف هذا الاستعمال في قراءة أبي عمرو5: "فمن زحزح عَّن النار"6
-بقلب الحاء عينا- فرارًا من الأمثال، يعني7 الحاءين؛ ولذلك [لم يقرأ
به في] 8 مثل: {ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} 9.
__________
1 في الأصل: ثمة, وما أثبتناه من "ق"، "هـ" يناسب ما جاء في الشافية.
2 في "ق": حروف.
3 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
4 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق".
5 من رواية شجاع وعباس وأبي زيد، وعن اليزيدي من رواية ابنه. "ينظر
النشر: 1/ 288".
وقال ابن عصفور: "ومن ذلك إدغام أبي عمرو الحاء في العين من قوله
تعالى: "فمن زحزح عَّن النار" في إحدى الروايتين. وذلك أن اليزيدي روي
عنه أنه قال: من العرب من يدغم الحاء في العين كقوله تعالى: "فمن زحزح
عَّن النار" قال: وكان أبو عمرو لا يرى ذلك. الصحيح أن إدغام الحاء في
العين لم يثبت, وإن جاء من ذلك ما يوهم أنه إدغام فإنما يحمل على
الإخفاء". "الممتع: 2/ 722, 723".
6 سورة "آل عمران" من الآية "185".
7 في "هـ": أعني.
8 في "ق" موضع ما بين المعقوفتين: "لم يقرأ بقراءته في".
9 سورة "المائدة" من الآية "3".
(2/946)
[إدغام حروف
الحلق] :
قوله: "فالهاء في الحاء والعين...." إلى آخره1.
هذا شروع في ذكر الحروف على التفصيل، وفي بيان ما يدغم فيه كل حرف من
مقاربه, أو ما2 يتنزّل منزلته3.
فالهاء تدغم في الحاء نحو: اجْبَحَّاتمًا؛ أي: اجْبَه حاتمًا.
والعين تدغم في الحاء، نحو: ادفَحَّاتمَا "172" في: ادفَعْ حاتمًا.
فالحاء تدغم في العين والهاء بقلبهما حاء، كما تقدم.
وقد جاء إدغام الحاء في العين -بقلب الحاء عينا- في قراءة أبي عمرو:
"فمن زُحْزِعَ عن النار"4 لشدة التقارب بين الحاء والعين.
والعين تدغم في الخاء، نحو: ادفع خَّالدا، في: ادفعْ خَالدًا.
[والخاء تدغم في الغين] 5 نحو "اسلُخ غَّنمك" في "اسلخ غنمك"؛ فقلب
الخاء غينا، وإن كان الغين أدخل6 في الحلق من7 الخاء؛ لشدة تقاربهما.
__________
1 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "فَالْهَاءُ فِي الْحَاءِ, وَالْعَيْنُ
فِي الْحَاءِ, وَالْحَاءُ فِي الْهَاءِ وَالْعَيْنِ بِقَلْبِهِمَا
حَاءَيْنِ، وَجَاءَ "فَمَنْ زُحْزِعَ عَّنِ النَّارِ" وَالْغَيْنُ فِي
الْخَاءِ, وَالْخَاءُ في الغين, وَالْقَافُ فِي الْكَافِ, وَالْكَافُ
فِي الْقَافِ, وَالْجِيمُ في الشين". "الشافية، ص15".
2 لفظة "ما" ساقطة من "ق".
3 في الأصل: منزلة, وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
4 سورة آل عمران من الآية "185", وينظر حاشية "5" صفحة ص946.
5 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق".
6 في "هـ": أول.
7 لفظة: "من" مطموسة في "هـ".
(2/947)
والقاف تدغم في الكاف، مثل: "خَلَقكُّمْ"1.
والكاف تدغم في القاف، نحو: "لَك قَّالَ"2.
والجيم تدغم في الشين، نحو: أخرج شَّيئًا.
__________
1 سورة النساء من الآية "1".
2 سورة يوسف من الآية "23".
(2/948)
[إدغام لام
التعريف] :
ولام التعريف تدغم وجوبًا في اللام1، نحو: اللَّحم واللَّبن، وفي ثلاثة
عشر حرفا2، وهي: التاء، والثاء، والدال، والذال، والراء، والزاي،
والسين، والشين، والصاد، والضاد، والطاء3, والنون4؛ فإنه يجب إدغامها
مع هذه الحروف لكثرة دورها في الكلام وموافقتها لهذه الحروف في المخرج؛
لأن اللام من طرف اللسان, [وأحد عشر حرفا منها أيضا من طرف اللسان] 5,
[وحرفين منها مخالطان لطرف اللسان، وهما الشين والصاد] 6.
__________
1 قال ابن الحاجب: "وَالَّلامُ الْمُعَرِّفَةُ تُدْغَمُ وُجُوباً فِي
مِثْلِهَا وَفِي ثلاثة عشر حرفا, وغير المعرفة لازم في نحو: "بل
رَّانَ" وجائز في البواقي". "الشافية، ص15".
2 ينظر الكتاب: 4/ 457.
3 والضاد والطاء: ساقطة من "هـ".
4 جاء في حاشية الورقة "173" من الأصل ما نصه: "وقد نظمت هذه الحروف
التي تدغم فيها لام التعريف في هذين البيتين:
واللام للتعريف قد أدغمت ... في النون والتاء والثاء
وفي حروف نصفها خمسة ... وهي من الدال إلى الظاء
5 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
6 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق".
(2/948)
وأما اللام التي هي غير لام التعريف، نحو
لام: هَلْ وبَلْ، فإدغامها لازم في1 نحو: "بل رَّانَ"2 لشدة التقارب
بين اللام والراء3.
وران على الشيء، رَيْنًا، ورَانًا، ورُيُونًا: أحاط به4.
وجائز في القوافي5.
وقال صاحب المفصل: "إدغام اللام التي لغير التعريف في هذه الحروف جائز,
لكن يتفاوت جوازا إلى حسن6، وهو إدغامها في الراء، نحو: هل رَّأيت,
وإلى قبيح؛ وهو إدغامها في النون، نحو: هل نخرج, وإلى وسط، وهو إدغامها
في البواقي. وقرئ: "هَثّوّبَ الكفار"7، أي8: {هَلْ ثُوِّبَ
الْكُفَّارُ} .
__________
1 لفظة "في" ساقطة من "هـ".
2 سورة المطففين من الآية "14".
3 وسكت حفص على لام "بل" سكتة لطيفة بلا تنفس وصلًا، ويبتدئ بـ "ران".
"ينظر الكشاف 4/ 721، والنشر 2/ 399، والإتحاف 435".
4 ينظر الصحاح "رين" 5/ 2129، واللسان "رين" 3/ 1796.
5 بل جائز في القوافي وفي غيرها، غير أنه لازم في القرآن فقط، وهو ما
يفهم من نص سيبويه السابق، وأيضا من كلام الرضي في شرح الشافية "3/
279".
6 في الأصل "ق": إلى الحسن, وما أثبتناه من "هـ" يتفق مع ما في المفصل.
7 سورة "المطففين" من الآية "36" وهي قراءة حمزة والكسائي وهشام في
المشهور عنه "ينظر الإتحاف: 435". وفي البحر المحيط "8/ 443": "قراءة
الجمهور: {هَلْ ثُوِّبَ} بإظهار لام هل, والنحويان وحمزة وابن محيصن
بإدغامها في الثاء, والنحويان هما: أبو عمرو بن العلاء، وعلي بن حمزة
الكسائي.
8 المفصل: 399، وينظر الكتاب: 4/ 459.
(2/949)
واعلم أن كلام سيبويه يدل على ما ذكره صاحب
المفصل؛ لأن سيبويه بعدما ذكر إدغام لام التعريف في الحروف الثلاثة عشر
قال: "فإذا كانت غير لام "هل" و"بل" كان الإدغام في بعضها أحسن...."1
إلى آخر ما ذكره2, ولم يذكر أن إدغامها في شيء منها لازم.
ولا يدغم في اللام غير المعرفة إلا مثلها والنون، نحو: من لك.
ولا تدغم الراء في اللام، في الأفصح؛ لما فيها من التكرير.
والمجوز اغتفر ذهاب التكرير لشدة3 التقارب.
وقال صاحب المفصل: وإدغام الراء في اللام حسن4.
__________
1 قال سيبويه: "فإذا كانت غير لام المعرفة نحو لام وبل، فإن الإدغام في
بعضها أحسن، وذلك قولك: هل رأيت؛ لأنها أقرب الحروف إلى اللام وأشبهها
بها منها ولا أقرب، كما أن الطاء ليس حرف أقرب إليها ولا أشبه بها من
الدال. وإن لم تدغم فقلت: هل رأيت، فهي لغة لأهل الحجاز، وهي عربية
جائزة". "الكتاب: 4/ 457".
2 في "هـ" أضيفت عبارة "صاحب المفصل" بعد قوله "ما ذكره". والصواب
حذفها؛ إذ إن الضمير في "ذكره" راجع إلى سيبويه، لا إلى صاحب المفصل.
3 لشدة: ساقطة من "هـ".
4 المفصل: 400.
وقال ابن يعيش: اختلف النحويون في إدغام الراء في اللام، فقال سيبويه
وأصحابه: لا تدغم الراء في اللام ولا في النون, وإن كن متقاربات لما في
الراء من التكرير، ولتكريرها تشبه بحرفين ولم يخالف سيبويه أحد من
البصريين إلا ما روي عن يعقوب الحضرمي أنه كان يدغم الراء في اللام في
قوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ} وحكى أبو بكر بن مجاهد عن أبي عمرو أنه
كان يدغم الراء في اللام، ساكنة كانت اللام أو متحركة، وأجاز الكسائي
والفراء إدغام الراء في اللام، والظاهر أن هذا الرأي موافق لرأي ابن
الحاجب ومخالف للزمخشري. "شرح المفصل: 10/ 143".
ويعلق ابن الحاجب على عبارة الزمخشري المذكورة بقوله: "على أن نقل
إدغام الراء في اللام أوضح وأشهر، ووجهه من حيث التعليل ما بينهما من
شدة التقارب حتى صارا كالمثلين، بدليل لزوم إدغام اللام في الراء في
اللغة الفصيحة, ولولا شدة التقارب لم يكن ذلك، وكان ذلك يقتضي أن تدغم
في اللام لزومًا إلا أنه عارضه ما في الراء من التكرار, فلمح تارة
فأظهر واغتفر تارة لشدة التقارب, وذلك واضح". "الإيضاح: 2/ 505, 506".
(2/950)
[إدغام النون]
:
وللنون الساكنة مع الحروف خمس أحوال1:
إحداها: وجوب إدغامها في حروف "يَرْمُلُونَ" مع بقاء الغنة2.
والثانية: وجوب إدغامها [فيها مع ذهاب الغنة.
لكن الأفصح بقاء الغنة مع إدغامها في الواو والياء3, مع أنه جاء ذهاب
الغنة مع إدغامها] 4 فيهما في قراءة حمزة. والأفصح ذهاب الغنة مع
إدغامها في اللام والراء5, وبقاء الغنة فيهما رديء.
والثالثة: أن تقلب النون ميمًا قبل الباء؛ لكراهة6 نبرتها نحو: شمباء
وعمبر, في: شنباء، وعنبر7.
__________
1 قال ابن الحاجب: "وَالنُّونُ السَّاكِنَةُ تُدْغَمُ وَجُوباً فِي
حُرُوف "يَرْمُلُون" وَالأَفْصَحُ إبْقَاءُ غُنَّتها فِي الَْوَاوِ
والْيَاءِ وَإِذْهَابُهَا فِي اللاَّمِ وَالرَّاءِ، وَتُقْلَبُ مِيماً
قَبْلَ الْبَاءِ، وتخفى في حُرُوف الْحَلْقِ؛ فَيَكُونُ لَهَا خَمْسُ
أحْوَالٍ، وَالْمُتَحَرِّكَةُ تدغم جوازا". "الشافية، ص15".
2 ينظر المفصل: 400.
3 ينظر الإيضاح: 2/ 506.
4 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق".
5 ينظر الإيضاح: 2/ 506.
6 في "هـ": لكراهية.
7 قال سيبويه: "وإذا كانت مع الباء لم تتبين، وذلك قولك: شمباء
والعمبر، ولأنك لا تدغم النون وإنما تحوِّلها ميمًا, والميم لا تقع
ساكنة قبل الباء في كلمة، فليس في هذا =
(2/951)
والرابعة: أن تخفى النون مع غير حروف
الحلق، وهي خمسة عشر حرفا "173" وهي: القاف والكاف والجيم والسين
والشين والصاد والضاد والزاي والطاء والظاء والدال والذال والتاء
والثاء والفاء نحو: من جابر، ومن كفر، ومن قتل.
وإنما أخفيت عند هذه الحروف؛ لأنها حروف1 الفم فصارت هذه الحروف
ملابسة2 بالاشتراك في الفم، والنون تدغم في بعض حروف الفم, والمقصود من
الإخفاء والإدغام واحد وهو الخِفَّة3.
وقال أبو عثمان المازني: بيانها مع حروف الفم لَحْن4.
والخامسة: أن تبين مع حروف الحلق5، نحو: مِنْ أَجلك، ومنْ هَانئ، ومنْ
عِندك، ومن جملك، ومن غيرك، ومن خافك6،
__________
= التباس بغيره". "الكتاب: 4/ 455, 456".
وعلة قلبها ميما ههنا وعدم الإدغام أن الباء لا تقارب النون في المخرج
كما قاربتها الراء واللام، ولا فيما يشبه الغنة وهو اللين، ولا في
الغنة كما قاربتها الميم، فلما تعذر إدغامها في الباء قلبت معها ميما؛
لأن الباء من مخرج الميم فعُوملت معاملتها، فلما قلبت النون مع الميم
قلبت ميما أيضا مع الباء، وأُمن الالتباس؛ لأنه ليس في الكلام ميم
ساكنة قبل باء. "الممتع: 2/ 698, 699".
1 في "هـ": حرف.
2 لفظة "ملابسة" مطموسة في "هـ".
3 ينظر الممتع: 2/ 700.
4 المنصف, وينظر التكملة للفارسي: 374، والمفصل: 401، والإيضاح لابن
الحاجب: 2/ 507.
5 ينظر الإيضاح: 2/ 506.
6 في "ق": خالك.
(2/952)
إلا في لغة قوم أخفوها1 مع الغين والخاء،
فقالوا: مُنْخَل، ومُنْغَل اسم فعل2 من: نَغِل الأديم، إذا فسد3؛ لأن
النون سهلة الإخراج لا يحتاج معها إلى كلفة.
وإنما يجب تبيين النون قبل حروف الحلق؛ لتعذر إخفائها أو لبعد إخفائها
قبل هذه الحروف؛ لأن حروف الحلق أشد علاجا وأصعب إخراجا وأحوج إلى
تمكن4 حركة الصوت لها من غيرها. ولأجل ذلك لا يمكن النطق بالهمزة
والهاء والعين والحاء، وقبلها النون الساكنة التي مخرجها الخيشوم؛ إذ
لا علاج ولا اعتماد في إخراجها وحروف الحلق تحتاج إلى اعتماد في
اللسان، بخلاف ما إذا كانت النون متحركة, فإنها تمكن العلاج والاعتماد
حينئذ5.
والنون المتحركة تدغم في حروف "يرملون" جوازًا، مع بقاء الغنة، ومع
ذهابها، نحو: من يَّقول، ومن رَّاشد، ومن محمد، ومن لك، ومن واقد، ومن
نكر؛ بغنة، وبغير غنة.
قوله: "والطاء والدال6...." إلى آخره.
__________
1 ينظر المفصل: 400.
2 هذا مصطلح لركن الدين أراد به اسم المفعول، إذ إن "مُنْغَلّ" اسم
مفعول من انغلّ الأديم: أفسده، فهو مُنْغَلّ.
3 ينظر الصحاح "نغل": 5/ 1832.
4 في "هـ": التمكن.
5 ينظر الممتع: 2/ 699.
6 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "والطاء والدال والتاء والظاء والذال
والثاء تدغم بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ, وَفِي الصَّادِ وَالزَّاي
وَالسِّين". "الشافية، ص15".
(2/953)
أي: والطاء والدال والذال والثاء والظاء
والذال والتاء تدغم بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، [وَفِي الصَّادِ وَالزَّاي
وَالسِّين.
مثال إدغام الطاء1 في هذه الحروف التي بعدها] 2: فرطتّ فرط3 دّائما4،
فرط ظّالم، فرط ذّا، فرط ثّمود، فرط صّابر, فرط زّايد، فرط سّابق.
مثال إدغام التاء في هذه الحروف الثمانية: سكت طَّالب، سكت دائما، سكت
ظالم5, سكت ذلك، سكت6 ثمود، سكت صابر، سكت زايد، سكت سابق.
[مثال إدغام الدال في هذه الحروف الثمانية: وجد7 طّالبا، وجدتّهم، وجد
ظّالم، وجد ذلك، وجد ثمود، وجد صابر، وجد زايد، وجد سابق] 8.
مثال إدغام الظاء في هذه الحروف: وعظ طّالب، وعظ تّميم، وعظ داود، وعظ
ذلك، وعظ ثمود، وعظ سابق.
__________
1 في "ق": التاء.
2 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
3 لفظة "فرط" ساقطة من "هـ".
4 لفظة "دائما" ساقطة من "هـ".
5 "سكت ظالم" ساقطة من "هـ".
6 لفظة "سكت" ساقطة من "ق".
7 في الأصل: وجدت, والتمثيل الصحيح ما أثبتناه من "ق"، "هـ".
8 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق".
(2/954)
[ومثال إدغام الذال في هذه الحروف: أخذ
طّالب، أخذ دّاود، أخذ تّميم، أخذ ظالم، أخذ ثمود، أخذ صابر، أخذ زايد،
أخذ سابق] 1.
مثال إدغام الثاء في هذه الحروف: حنث2 طّالب، حنث دّاود, حنث تّميم،
حنث ظالم، حنث ذلك، حنث صابر, حنث زايد، حنث سابق.
ولا يدغم الصاد والزاي والسين في الطاء وما بعدها إلى الثاء؛ لأن الصاد
والزاي والسين حروف صغيرة، ففيها زيادة تبطل الإدغام3.
قوله: "الإطباق في نحو: فرطت...."4 إلى آخره.
هذا إشكال على قولهم: تدغم المطبقة في غيرها مع بقاء الإطباق.
[وتقديره: أن "174" الإطباق] 5 في الطاء والظاء في نحو: فرطت وأغلظت،
مع الإدغام مما يتنافيان؛ لأن الإطباق لا يوجد إلا مع المطبقة، وعند
الإدغام لم تبقَ المطبقة فلا يمكن وجود الإطباق. فإن كان فيهما إطباق
مع الإدغام فلا يكون إلا بإتيان طاء
__________
1 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
2 في الأصل, "ق": حث, وما أثبتناه من "هـ".
3 ينظر الممتع: 2/ 708.
4 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "وَالإِطْبَاقُ فِي نَحْوِ: فَرَّطْتُ,
إنْ كَانَ مَعَ الإدغام فهو إتيان بطاء أخرى، وجمع بين ساكنين،
بِخِلاَفِ غُنَّةِ النُّونِ فِي "مَنَ يَّقُولُ". وَالصَّادُ
وَالزَّايُ وَالسِّينُ يُدْغَمُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، وَالْبَاءُ في
الميم والفاء". "الشافية، ص280".
5 ما بين المعقوفتين ساقط من "هـ".
(2/955)
أخرى بعد التاء الأولى المبدلة من الطاء،
فيلزم اجتماع ساكنين: التاء المبدلة1 من الطاء، والطاء المأتِيّ بها
للإطباق.
ولا يجاب عنه بمنع أن الإطباق لا يبقى بدون المطبقة، قياسا على الغنة
بدون النون عند إدغام النون في الراء واللام والواو والياء نحو: من
يقول؛ لأن الغنة تخرج من الخيشوم, فيجوز أن تبقى بدون النون لأنه ليس
بين الغنة والنون ملازم من الطرفين، بخلاف الإطباق، فإن الإطباق والنطق
بالمطبقة متلازمان.
وأجاب عنه في الشرح2 بأن التحقيق [أنه لا إدغام] 3 محققا مع بقاء
الإطباق. لكنه لما اشتدت تقارب حروف المطبقة من غيرها صار في الصورة
كأنه إدغام, وليس بإدغام تحقيقًا.
قوله: "والصاد والزاي والسين تدغم بعضها في بعض":
- مثال إدغام الصاد في الزاي والسين: خلص زّايد، خلص سّائر.
- مثال إدغام الزاي في الصاد والسين: فاز صّابر، فاز سّائر.
- مثال إدغام السين في الصاد والزاي: أفلس4 صّابر، أفلس زّايد.
وتدغم الباء في الميم، نحو: "يعذب من يَّشَاءُ"5, وفي الفاء نحو: يعذب
في النار.
__________
1 لفظة "المبدلة" مطموسة في "هـ".
2 شرح الشافية.
3 في "ق": أن الإدغام.
4 لفظة "أفلس" ساقطة من "ق".
5 سورة "المائدة": من الآية "40"، والعنكبوت: من الآية "21".
(2/956)
[إدغام تاء
الافتعال والإدغام فيها] :
قوله: "وقد تدغم تاء افتعل...."1.
اعلم أن افتعل إذا كان بعد تائها تاء نحو "اقتتل" جاز البيان وجاز
الإدغام؛ وذلك بأن تسكن الأولى وتدغم في الثانية؛ فمنهم من يسكن التاء
الأولى ويحذف حركتها، فيلتقي ساكنان: القاف والتاء الأولى، فتكسر القاف
وتحذف همزة الوصل استغناءً عنها، فيقول: قِتّل بكسر القاف. ومنهم من
ينقل حركة التاء الأولى إلى القاف ويحذف همزة الوصل استغناء عنها
فيقول: قَتّل بفتح القاف، وقِتّل بكسر القاف. وقَتّل -بفتح القاف-
يُقَتّلون، ومُقَتّلون، ويُقِتّلون، ومُقِتّلون: بفتح القاف وكسرها2.
ويجوز: مُقُتّلون -بضم القاف- إتباعا للميم3, كما جاء عن بعضهم4:
"مُرُدِّفِينَ"5 بالإتباع، أصله: مُرْتَدفين6 من قولك:
__________
1 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "وَقَدْ تُدْغَمُ تَاءُ افْتَعَلَ فِي
مِثْلِهَا, فَيُقَالُ: قَتَّل وقِتَّل, وعليها مُقَتّلون ومُقِتّلون،
وقد جاء "مُرُدِّفِينَ" إتباعا، وتدغم الثاء فِيهَا وُجُوباً عَلَى
الْوِجْهَيْنِ نَحْوُ: اثَّأرَ وَاتَّأرَ. وَتُدْغَمُ فِيهَا السِّين
شَاذًّا عَلَى الشَّاذِّ نَحْوُ: اسَّمع؛ لامْتِنَاع اتّمَع،
وَتُقْلَبُ بَعْدَ حُرُوفِ الإِطْبَاقِ طاء؛ فتدغم فيها وجوبا في
اطَّلَبَ، وَجَوَازَاً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي اظطَلم، وَجَاءَتِ
الثَّلاَثُ فِي:
ويُظْلَم أَحْيَاناً فيظْطَلِم
وَشَاذّاً عَلَى الشَّاذِّ فِي: اصَّبَر واضَّرَب؛ لامْتِنَاعِ اطَّبَر
واطَّرَب". "الشافية، ص15".
2 وكسرها: ساقط من "ق"، "هـ".
3 ينظر الإيضاح: 2/ 513.
4 ينظر الكشاف: 2/ 201.
5 سورة الأنفال: من الآية "9".
6 ينظر المفصل: 401.
(2/957)
ارتدفه، أي1: استدبره.
وإذا بنيت من الثأر "افتعل" نحو: اثتأر2، وجب الإدغام، وذلك إما بقلب
التاء ثاء وإدغام الثاء في الثاء، نحو: اثّأر -وهو الأفصح- وإما بقلب
الثاء تاء وإدغام التاء في التاء نحو: اتّأر3 -وهو فصيح- ليس بأفصح4.
يقال: اثأر واتأر: إذا أخذ بالثأر5.
وإذا كان قبل تاء الافتعال سين، نحو: استمع6، فالأفصح الإظهار وعدم
الإدغام، نحو: استمع، وجاز الإدغام وذلك بقلب تاء الافتعال سينًا
وإدغام السين في السين نحو: اسَّمع، ومسَّمع؛ لامتناع: اتَّمع بقلب
السين تاء وإدغام التاء في التاء؛ لفوات صفير السين7 بإدغامها في
التاء.
وإنما سماه شاذا على الشاذ؛ لأن الأصل عدم الإدغام "175" ههنا, وإدغام
السين في التاء على هذا الوجه أيضا بخلاف الأصل؛ لأن الأصل في إدغام
أحد8 المتقاربين في الآخر أن يقلب
__________
1 لفظة "أي" ساقطة من "ق".
2 في "هـ": اثأره.
3 نحو اثأر: ساقطة من "هـ".
4 ليس بأفصح: ساقطة من "هـ".
5 ينظر اللسان "ثأر": 1/ 465, 466.
6 في "ق": استمر.
7 في "ق" زيادة "في الثاء" بعد "السين".
8 لفظة "أحد" ساقطة من "هـ".
(2/958)
الأول حرفًا من جنس الثاني, ويدغم في
الثاني.
قوله: "وتقلب بعد حروف الإطباق طاء".
أي: إذا وقعت تاء افتعل بعد حروف الإطباق قلبت طاء, فيدغم1 فيها وجوبا
في نحو: اطّلب، لاجتماع المثلين. أصله: اطْتَلَب، قلبت التاء طاء
وأدغمت الطاء في الطاء.
وجوازا على الوجهين في نحو: اظْتَلم؛ فإنه تقلب التاء طاء, وحينئذ يجوز
فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: الإظهار نحو: اظطلم.
الثاني: الإدغام؛ بقلب الطاء ظاء وإدغام الظاء في الظاء نحو: اظّلم.
الثالث: الإدغام؛ بقلب الظاء طاء فإدغام الطاء في الطاء نحو: اطّلم.
وعلى الوجوه الثلاثة2 ينشدون:
"44"
...................... ... ........... ويظلم أحيانا فيَظْطَلِم3
__________
1 في "هـ": ويدغم.
2 أي: الطاء والظاء المشدّدتان، والظاء قبل الطاء.
3 هذه قطعة من بيت من البسيط، لزهير بن أبي سلمى المزني "في ديوانه
ص152". وهو من قصيدة له يمدح فيها هرم بن سنان المري، وأولها قوله:
قِفْ بِالدِّيَارِ الَّتِي لَمْ يَعْفُها الْقِدَمُ ... بَلَى وغيرها
الأرواح والديم
والبيت بتمامه:
هُوَ الْجَوَادُ الَّذِي يُعْطِيكَ نَائِلَهُ ... عَفْواً وَيُظْلَمُ
أحيانا فيظطلم
وقد أنشده سيبويه محتجًّا به على وجه الطاء المشددة "فيطَّلم". ينظر
الكتاب: 4/ 468.
وينظر كذلك: ابن يعيش: 10/ 47، وشرح الشافية للرضي: 3/ 289، وشرح
شواهدها: 493، والتصريح: 2/ 391. والشاهد فيه: جواز الأوجه الثلاثة في
"فيظطلم" وهو ترك الإدغام، والإدغام على الوجهين بالظاء والطاء, وأورده
سيبويه على الإدغام بالوجهين. وينظر شرح شواهد سيبويه للأعلم، بهامش
الكتاب: 2/ 421, 422 "بولاق".
(2/959)
قوله: "وشاذاً على الشاذ في اصَّبَرَ"
[واضَّرَبَ] 1.
أي: وتدغم شاذا على2 الشاذ في: اصْطَبر واضْطَرب، اللذين أصلهما: اصتبر
واضترب، فيقال: اصّبر واضّرب، بقلب الطاء صادا، وإدغام الصاد في الصاد
في الأول، وضادا وإدغام الضاد في الضاد في الثاني لامتناع: اطبر واطرب,
بقلب الصاد طاء والضاد طاء وإدغام الطاء في الطاء؛ لزوال [المزيَّة
المذكورة] 3 [أعني] 4: الصفير الذي في الصاد والضاد5.
وإنما قال: "تدغم شاذا على الشاذ؛ لأن قلب تاء افتعل طاء خلاف الأصل،
ثم قلب الطاء صادا في: اصطبر، وضادا في: اضطرب خلاف الأصل. وكل ما كان
على خلاف الأصل كان شاذا
__________
1 واضرب: إضافة من الشافية.
2 في "ق": من.
3 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق".
4 لفظة "أعني" إضافة من المحقق.
5 عد الشارح الضاد من حروف الصفير وهي ليست كذلك؛ إذ إن حروف الصفير
هي: الصاد والزاي والسين. ينظر التسهيل ص319.
(2/960)
فيكون الإدغام شاذا1 على شاذ؛ لأنه خلاف
الأصل المخالف للأصل الآخر2.
[ويمكن أن يحمل الشاذ الأول على الإدغام في مثله؛ لأن الفصيح:
اصْطَبَر، من غير إدغام، والشاذ الثاني على قلب الثاني إلى الأول في
إدغام المتقاربين؛ لأن الأصل عكسه كما هو مقرر في قاعدتهم. وكان هذا
مراد المصنف3] 4.
قوله: "وتقلب مع الدال والذال والزاي ... " إلى آخره5.
أي: إذا وقعت تاء "افتعل" بعد الدال أو الذال أو الزاي قلبت دالا بعد
هذه الثلاثة. لكن أدغمت الدال في الدال وجوبا إذا كان قبل تاء الافتعال
دال، نحو: "ادّان" من الدين. أصله: ادْتَان؛ قلبت التاء دالا وأدغمت
الدال في الدال.
وأدغمت إدغاما قويا، لا وجوبا، إذا كان قبله ذال، نحو "اذَّكر" أصله:
اذْتَكر، من الذكر؛ قلبت التاء دالا، فصار: اذدكر, وحينئذ جاز: ادّكر؛
بقلب الذال دالاً، وإدغام الدال في الدال -وهو الفصيح- وجاز: اذدكر،
على الإظهار، وهو ضعيف, والإدغام قوي.
__________
1 لفظة "شاذا" ساقطة من "ق".
2 وينظر شرح الشافية، للرضي: 3/ 389.
3 وينظر شرح الشافية، للرضي: 3/ 389.
4 ما بين المعقوفتين ساقط من "ق".
5 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "وَتُقْلَبُ مَعَ الدَّالِ والذَّال
وَالزَّاي دَالاً, فَتُدْغَمُ وجوبا في ادَّان، وَقَويّاً في ادَّكَرَ،
وَجَاءَ: اذَّكَر واذْدَكر, وضعيفا في ازَّانَ؛ لامْتِنَاعِ ادَّانَ.
وَنَحْوُ: خَبَطُّ وحِصْطُ وفزدُ وعُدُّ في: خبطت وحصدت وفزت وعدت
شاذ". "الشافية، ص15".
(2/961)
ويدغم على ضعف إذا كان قبله زاي، نحو:
"ازدان". أصله: ازْتَان -من الزين- قلبت التاء دالا، فصار: ازْدَان،
فجاز على ضعف: "ازَّان" بقلب الدال زايا وإدغام الزاي في الزاي. ولم
يجز: ادَّان بقلب الزاي دالا، وإدغام الدال في الدال لما فيه من فوات
الصفير.
قوله: "وخَبَطْتُ وحِصْتُ"1.
اعلم أن بعض العرب يجري تاء الضمير في: خبطت وحصت وفزت وعدت مجرى تاء
الافتعال؛ فيقول في خبطت: خَبَطّ, بقلب تاء الضمير طاء وإدغام الطاء في
الطاء2, ويقول في [حصت] 3: حِصْط, بقلب التاء طاء, ويقول في فُزْتُ:
فزدُ, بقلب التاء دالا, وفي عُدْتُ: عُدُّ بقلب التاء دالا "176"
وإدغام الدال في الدال, وهو شاذ.
قوله: "ونحو: خَبَطّ": مبتدأ, وقوله: "شاذ": خبره.
[و] 4 يقال: حاص عنه يحيص, إذا عدل5.
__________
1 في الأصل: حصط, وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
2 لفظة "الطاء" مطموسة في "هـ".
3 لفظة "خضت" إضافة من المحقق.
4 الواو إضافة من المحقق.
5 حكاه الجوهري عن أبي زكريا الفراء. "ينظر الصحاح "حيص" 3/ 1035".
(2/962)
[إدغام تاء مضارع تفعّل وتفاعل] :
قوله: "وقد1 يدغم نحو: تتنزل أو تتنابز ... "2 إلى آخره.
أي: وتدغم تاء تفعّل وتتفعّل وتفاعل وتتفاعل، نحو: تتنزل وتتنابز في
التاء الأخرى في الوصل, إذا لم يكن قبلها ساكن صحيح؛ وذلك بأن يكون
قبلها متحرك، نحو: فَتَتنزل أو فَتَتنابز, أو قبلها ساكن غير صحيح؛ أي
ساكن مدة نحو: قالوا تتنزل وقالوا تتنابز؛ لاجتماع المثلين وعدم المانع
من الإدغام.
ويعلم من قوله: "وصلا" أنها لا تدغم ابتداء؛ لئلا يلزم الابتداء
بالساكن, ومن قوله: "وليس قبلها ساكن صحيح" أنها لا تدغم لو كان قبلها
ساكن صحيح، نحو: هل تتنزل؛ لاستلزامه التقاء الساكنين على غير حده.
على أنه قد جاء إدغامها في قوله تعالى: "قل هَلْ تَّرَبَّصُونَ3"4
وقوله تعالى: "من ألف شهر، تَّنَزَّلُ الملائكة"5 في قراءة البزي6, مع
أن قبله ساكنا صحيحا، وهو لام {هَلْ} والتنوين في {شَهْرٍ} .
__________
1 لفظة "قد" ساقطة من "ق".
2 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "وقد تدغم تاء نحو: تتنزل, تتنابزوا
وصلًا, وليس قبلها ساكن صحيح". "الشافية، ص15".
3 في "هـ": تربصوا، خطأ.
4 سورة "التوبة": من الآية "52".
5 سورة القدر: من الآية "4".
6 ينظر الإتحاف: 442, والبزي: هو أبو الحسن أحمد بن محمد, إمام في
القراءة، محقق، ضابط، متقن لها، ثقة، انتهت إليه مشيخة الإقراء بمكة.
وكان مؤذن المسجد =
(2/963)
قوله: "وتاء تفعل وتفاعل ... "1 إلى آخره.
أي: وتدغم تاء تفعل وتفاعل فيما تدغم فيه التاء، وهو الطاء والدال
والظاء والذال والثاء والصاد والزاي والسين، إلا أن هذا الإدغام لو كان
في الابتداء لوجب الإتيان بهمزة الوصل مكسورة؛ لامتناع الابتداء
بالساكن.
وإنما كسرت هذه الهمزة؛ لما مر، نحو: تَطيَّروا، وتزيّنوا, وتثاقلوا،
وتدارءوا؛ قلبت التاء طاء أو زايا أو ثاء أو دالا، وأدغمت فيما بعدها،
ووجب الإتيان بهمزة الوصل في الابتداء مكسورة، فإذا أتي بها قيل:
اطّيّروا، وازينوا، واثاقلوا, وادارءوا.
وتقول في المضارع إذا أدغمت: يطّيرون، ويزّينون، ويثاقلون، ويدارءون.
والأصل: يتطيرون، ويتثاقلون، ويتزينون2, ويتدارءون؛ فقلبت وأدغمت.
ويجوز هذا الإدغام في مصادر هذه الأفعال نحو: اطّير اطّيّرا, وازّين
ازّيّينا، واثاقل اثاقلا.
وكذلك يجوز في أمر هذه الأفعال ونهيها.
__________
1 عبارة ابن الحاجب بتمامها: "وتاء تفعل وتفاعل فيما تدغم فيه التاء،
فَتُجْلَبُ هَمْزَةُ الْوَصْل ابْتِدَاءً نحْوَ: اطَّيَّرُوا
وازَّيَّنُوا واثاقلوا وادارءوا، وَنَحْوُ: اسطَّاعَ مُدْغَماً مَعَ
بَقَاءِ صَوْتِ السِّينِ نادر". "الشافية، ص15".
2 في "ق": يتزيّنون ويتثاقلون.
(2/964)
وأما إدغام تاء استطاع1، واستطعم في الطاء,
وتاء استضاء واستضعف في الضاد، وتاء استدان، واستدرك في الدال مع بقاء
صوت السين فنادر؛ لأن الثاني ساكن في استطاع، واستطعم، واستضعف،
واستدرك, وأن الثاني في نية السكون في استضاء واستدان؛ لأن أصلهما:
استضْوَأ2 واستَدْون, ولأنه لو أدغم فيها لزم الجمع بين ساكنين على غير
حده, وهو في قراءة حمزة3، 4.
__________
1 في الأصل، "هـ": زادت لفظة "نحو" قبل "استطاع", والأنسب حذفها كما في
"ق".
2 في الأصل: استضواء, والصحيح ما أثبتناه من "ق"، "هـ".
3 وهو: حمزة بن حبيب بن عمارة الزيات الفرضي التميمي، الكوفي. توفي
بحلوان في خلافة أبي جعفر المنصور عام "156هـ". "غاية النهاية: 1/
261-263".
4 قراءته لقوله تعالى: "فما اسطَّاعوا أن يظهروه" [الكهف: 97] . ينظر
النشر: 2/ 316. وخطأه النحاة في ذلك، حيث جمع بين ساكنين وصلا. "ينظر
شرح الشافية للرضي 3/ 292".
(2/965)
|