سير أعلام النبلاء، ط الرسالة

الْجُزْءُ الْثَّالِثُ
بَقِيَّةُ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ

1 - أَبُو بَكْرَةَ الثَّقَفِيُّ الطَّائِفِيُّ نُفَيْعُ بنُ الحَارِثِ * (ع)
مَوْلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
اسْمُهُ: نُفَيْعُ بنُ الحَارِثِ.
وَقِيْلَ: نُفَيْعُ بنُ مَسْرُوْحٍ.
تَدَلَّى فِي حِصَارِ الطَّائِفِ بِبَكْرَةٍ، وَفَرَّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ عَبْدٌ، فَأَعْتَقَهُ (1) .
رَوَى: جُمْلَةَ أَحَادِيْثَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: بَنُوْهُ الأَرْبَعَةُ؛ عُبَيْدُ اللهِ؛ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ؛ وَعَبْدُ العَزِيْزِ؛ وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ،
__________
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 15، طبقات خليفة: ت 367، 982، 1420، المحبر: 129، 189، تاريخ البخاري: 8 / 112، المعارف: 288، الكنى: 1 / 18، الجرح والتعديل: 8 / 489، الاستيعاب: 1530، الجمع بين رجال الصحيحين: 2 / 533، تاريخ ابن عساكر: 17 / 316 / آ، أسد الغابة: 5 / 38، 151، الكامل لابن الأثير: 3 / 443، تهذيب الأسماء واللغات: الجزء الثاني من القسم الأول: 198، تهذيب الكمال: 1422، تاريخ الإسلام: 2 / 329، العبر: 1 / 58، تذهيب التهذيب: 4 / 205 / 1، البداية والنهاية: 8 / 57، العقد الثمين: 7 / 347 و8 / 29، الإصابة: ت 8795، تهذيب التهذيب: 10 / 469، خلاصة تهذيب الكمال: 346، شذرات الذهب: 1 / 58.
(1) انظر ابن سعد: 2 / 159، 160 و7 / 15، وأخرج البخاري 8 / 36، 37 في المغازي: باب غزوة الطائف: من طريق شعبة، عن عاصم بن سليمان، قال: سمعت أبا عثمان النهدي قال: سمعت سعدا - وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله - وأبا بكرة - وكان تسور حصن الطائف في أناس فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم - فقالا: سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام ".

(3/5)


وَعُقْبَةُ بنُ صُهْبَانَ، وَرِبْعِيُّ بنُ حِرَاشٍ، وَالأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، وَغَيْرُهُم.
سَكَنَ البَصْرَةَ، وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ، وَوَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ.
وَأُمُّهُ: سُمَيَّةُ، فَهُوَ أَخُو زِيَادِ بنِ أَبِيْهِ لأُمِّهِ (1) .
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: اسْمُهُ: نُفَيْعُ بنُ الحَارِثِ.
وَكَذَا سَمَّاهُ: ابْنُ سَعْدٍ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ (2) : أَبُو بَكْرَةَ بنُ الحَارِثِ بنِ كَلَدَةَ بنِ عَمْرٍو.
وَقِيْلَ: كَانَ عَبْداً لِلْحَارِثِ بنِ كَلَدَةَ، فَاسْتَلْحَقَهُ.
وَسُمَيَّةُ: هِيَ مَوْلاَةُ الحَارِثِ، تَدَلَّى مِنَ الحِصْنِ بِبَكْرَةٍ، فَمِنْ يَوْمَئِذٍ كُنِّيَ: بِأَبِي بَكْرَةَ.
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ رَوَّادٌ، وَكَيِّسَةُ.
وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ يُنْكِرُ أَنَّهُ وَلَدُ الحَارِثِ، وَيَقُوْلُ: أَنَا أَبُو بَكْرَةَ مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ أَبَى النَّاسُ إِلاَّ أَنْ يَنْسُبُوْنِي، فَأَنَا نُفَيْعُ بنُ مَسْرُوْحٍ.
وَقِصَّةُ عُمَرَ مَشْهُوْرَةٌ فِي جَلْدِهِ: أَبَا بَكْرَةَ، وَنَافِعاً، وَشِبْلَ بنَ مَعْبَدٍ؛ لِشَهَادَتِهِم عَلَى المُغِيْرَةِ بِالزِّنَى، ثُمَّ اسْتَتَابَهُم، فَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ أَنْ يَتُوْبَ، وَتَابَ الآخَرَانِ.
فَكَانَ إِذَا جَاءهُ مَنْ يُشْهِدُهُ، يَقُوْلُ: قَدْ فَسَّقُوْنِي (3).
__________
(1) انظر " تاريخ ابن الأثير " 3 / 443.
(2) بسنده في أماكن متفرقة من ترجمة أبي بكرة.
(3) في صحيح البخاري: 5 / 187 في الشهادات: باب شهادة القاذف: وجلد عمر أبا بكرة، وشبل بن معبد، ونافعا بقذف المغيرة، ثم استتابهم، وقال: من تاب، قبلت شهادته.
ووصله الشافعي في مسنده الذي بهامش " الام ": 6 / 157، قال: سمعت الزهري يقول: زعم أهل العراق أن شهادة المحدود لا تجوز، فأشهد لاخبرني فلان أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكرة، تب وأقبل شهادتك، قال سفيان: سمى الزهري الذي أخبره فحفظته، ثم نسيته، فقال لي عمرو ابن قيس: هو ابن المسيب، وأخرجه أيضا من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب ولفظه: أن عمر بن الخطاب ضرب أبا بكرة، وشبل بن معبد، ونافع بن الحارث بن كلدة
الحد، وقال لهم: من أكذب نفسه أجزت شهادته فيما أستقبل، ومن لم يفعل، لم أجز شهادته، فأكذب شبل نفسه، ونافع، وأبى أبو بكرة أن يفعل، قال الزهري: هو والله سنة فاحفظوه وانظر =

(3/6)


قَالَ البَيْهَقِيُّ (1): إِنَّ صَحَّ هَذَا، فَلأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنَ التَّوْبَةِ مِنْ قَذْفِهِ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ.
قُلْتُ: كَأَنَّهُ يَقُوْلُ: لَمْ أَقْذِفِ المُغِيْرَةَ، وَإِنَّمَا أَنَا شَاهِدٌ، فَجَنَحَ إِلَى الفَرْقِ بَيْنَ القَاذِفِ وَالشَّاهِدِ، إِذْ نِصَابُ الشَّهَادَةِ لَوْ تَمَّ بِالرَّابِعِ، لَتَعَيَّنَ الرَّجْمُ، وَلَمَا سُمُّوا قَاذِفِيْنَ.
قَالَ أَبُو كَعْبٍ صَاحِبُ الحَرِيْرِ (2) : حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي بَكْرَةَ:
أَنَّ أَبَاهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَمَاتَتْ، فَحَالَ إِخْوَتُهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ عَلَيْهَا، فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهَا.
قَالُوا: صَدَقَ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ثُمَّ إِنَّهُ دَخَلَ القَبْرَ، فَدَفَعُوْهُ بِعُنْفٍ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ، فَحُمِلَ إِلَى أَهْلِهِ، فَصَرَخَ عَلَيْهِ عِشْرُوْنَ مِنِ ابْنٍ وَبِنْتٍ - وَأَنَا أَصْغَرُهُم - فَأَفَاقَ، فَقَالَ: لاَ تَصْرُخُوا، فَوَاللهِ مَا مِنْ نَفْسٍ تَخْرُجُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي.
فَفَزِعَ القَوْمُ، وَقَالُوا: لِمَ يَا أَبَانَا؟!
قَالَ: إِنِّيْ أَخْشَى أَنْ أُدْرِكَ زَمَاناً لاَ أَسْتَطِيْعُ أَنْ آمُرَ بِمَعْرُوْفٍ، وَلاَ أَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ، وَمَا خَيْرٌ يَوْمَئِذٍ (3) .
هَذَا مِنْ (مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ).
ابْنُ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا أَبُو خُشَيْنَةَ، عَنْ عَمِّهِ؛ الحَكَمِ بنِ الأَعْرَجِ، قَالَ:
جَلَبَ رَجُلٌ خَشَباً، فَطَلَبَهُ زِيَادٌ، فَأَبَى أَنْ يَبِيْعَهُ، فَغَصَبَهُ إِيَّاهُ، وَبَنَى صُفَّةَ مَسْجِدِ البَصْرَةِ.
قَالَ: فَلَمْ يُصَلِّ أَبُو بَكْرَةَ فِيْهَا حَتَّى قُلِعَتْ (4) .
ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدٍ:
أَنَّ عُمَرَ جَلَدَ: أَبَا بَكْرَةَ، وَنَافِعَ
__________
= " تاريخ الطبري " 4 / 70 وما بعدها، و" المصنف " 8 / 362، وسنن البيهقي: 10 / 152، و" معجم الطبراني " 7 / 372، 373، و" مجمع الزوائد " 6 / 280.
(1) في " سننه " 10 / 152.
(2) هو عبد ربه بن عبيد الأزدي، من رجال " التهذيب ".
(3) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 319 / ب و320 / آ.
(4) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 320 / آ.

(3/7)


بنَ الحَارِثِ، وَشِبْلاً، فَتَابَا، فَقَبِلَ عُمَرُ شَهَادَتَهُمَا، وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ، فَلَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ، وَكَانَ أَفْضَلَ القَوْمِ (1) .
سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَمَّا جُلِدَ أَبُو بَكْرَةَ، أَمَرَتْ جَدَّتِي أَمُّ كُلْثُوْمٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بِشَاةٍ، فَسُلِخَتْ، ثُمَّ أُلْبِسَ مَسْكَهَا (2) ، فَهَلْ ذَا إِلاَّ مِنْ ضَرْبٍ شَدِيْدٍ (3) ؟
بَقِيَّةُ: عَنْ سُلَيْمَانَ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ، قَالَ:
بَايَعْتُ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَرَآنِي أَبُو بَكْرَةَ وَأَنَا مُتَقَلِّدٌ السَّيْفَ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا ابْنَ أَخِي؟
قُلْتُ: بَايَعْتُ عَلِيّاً.
قَالَ: لاَ تَفْعَلْ، إِنَّهُم يَقْتَتِلُوْنَ عَلَى الدُّنْيَا؛ وَإِنَّمَا أَخَذُوْهَا بِغَيْرِ مَشُوْرَةٍ (4) .
هَوْذَةُ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ:
كُنْتُ خَلِيْلاً لأَبِي بَكْرَةَ، فَقَالَ لِي: أَيَرَى النَّاسُ أَنِّي إِنَّمَا عَتَبْتُ عَلَى هَؤُلاَءِ لِلدُّنْيَا، وَقَدِ اسْتَعْمَلُوا ابْنِي عُبَيْدَ اللهِ عَلَى فَارِسٍ، وَاسْتَعْمَلُوا رَوَّاداً عَلَى دَارِ الرِّزْقِ،
__________
(1) رجاله ثقات، وهو في " تفسير ابن كثير ": 18 / 76، وسعيد: هو ابن المسيب.
(2) المسك: خصه بعضهم بجلد السخلة، ثم كثر حتى صار كل جلد مسكا.
(3) تاريخ ابن عساكر ": 17 / 320 / آ.
(4) بقية: هو ابن الوليد مدلس. وقد عنعن، وسليمان الأنصاري لم أعرفه.
والصحيح في هذا ما رواه البخاري: 3 / 81 في الايمان: با ب (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما)، و12 / 173 في الديات: باب (ومن أحياها)، ومسلم (2888) في الفتن: باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، وأبو داود (4268) في الفتن: باب في النهي عن القتال في الفتنة، من طريق حماد بن زيد، عن أيوب السختياني ويونس بن عبيد البصري عن الحسن، عن الاحنف بن قيس، قال: خرجت وأنا أريد هذا الرجل، فلقيني أبو بكرة، فقال: أين تريد يا أحنف ؟ قال: قلت: أريد نصر ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني عليا، قال: فقال لي: يا أحنف ارجع، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار " قلت: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول ؟ قال: " إنه كان حريصا على قتل صاحبه ".
وانظر في شرح هذا الحديث " فتح الباري " 13 / 27، 29.

(3/8)


وَاسْتَعْمَلُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَلَى بَيْتِ المَالِ؛ أَفَلَيْسَ فِي هَؤُلاَءِ دُنْيَا؟ إِنِّيْ إِنَّمَا عَتَبْتُ عَلَيْهِم لأَنَّهُم كَفَرُوا.
هَوْذَةُ: وَحَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ:
مَرَّ بِي أَنَسٌ، وَقَدْ بَعَثَهُ زِيَادُ بنُ أَبِيْهِ إِلَى أَبِي بَكْرَةَ يُعَاتِبُهُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَهُوَ مَرِيْضٌ، وَذُكِرَ لَهُ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ أَوْلاَدَهُ، فَقَالَ: هَلْ زَادَ عَلَى أَنَّهُ أَدْخَلَهُمُ النَّارَ؟
فَقَالَ أَنَسٌ: إِنِّيْ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ مُجْتَهِداً.
قَالَ: أَهْلُ حَرُوْرَاءَ (1) اجْتَهَدُوا، أَفَأَصَابُوا أَمْ أَخْطَؤُوا؟
فَرَجَعْنَا مَخْصُوْمِيْنَ.
ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنْ عُيَيْنَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَمَّا اشْتَكَى أَبُو بَكْرَةَ، عَرَضَ عَلَيْهِ بَنُوْهُ أَنْ يَأْتُوْهُ بِطَبِيْبٍ، فَأَبَى، فَلَمَّا نَزل بِهِ المَوْتُ، قَالَ: أَيْنَ طَبِيْبُكُم؟ لِيَرُدَّهَا إِنْ كَانَ صَادِقاً!
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا بَكْرَةَ أَوْصَى، فَكَتَبَ فِي وَصَيَّتِهِ: هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ نُفَيْعٌ الحَبَشِيُّ...، وَسَاقَ الوَصِيَّةَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : مَاتَ أَبُو بَكْرَةَ فِي خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، بِالبَصْرَةِ.
فَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ.
وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ.
قَالَهُ: خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ (3)، وَصَلَّى عَلَيْهِ: أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ الصَّحَابِيُّ.
__________
(1) ضبطها ياقوت في " معجم البلدان " بفتحتين، وضبطه بفتح الحاء وضم الراء ابن ماكولا وابن الأثير، وصاحب القاموس، وحروراء: موضع على بعد ميلين من الكوفة، اجتمع به الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه حين جرى أمر المحكمين، فسموا حرورية نسبة إلى هذا الموضع.
(2) في " الطبقات " 7 / 16.
(3) في " تاريخه " 218.

(3/9)


وَرَوَيْنَا عَنِ: الحَسَنِ البَصْرِيِّ، قَالَ: لَمْ يَنْزِلِ البَصْرَةَ أَفْضَلُ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ، وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ.
مُغِيْرَةُ: عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ رَجُلٍ:
أَنَّ ثَقِيْفاً سَأَلُوا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِم أَبَا بَكْرَةَ عَبْداً.
فَقَالَ: (لاَ، هُوَ طَلِيْقُ اللهِ، وَطَلِيْقُ رَسُوْلِهِ (1)).
يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: أَخْبَرَنَا عُيَيْنَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنِي أَبِي:
أَنَّهُ رَأَى أَبَا بَكْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَلَيْهِ مِطْرَفُ خَزٍّ، سَدَاهُ حَرِيْرٌ (2).

2 - عُثْمَانُ بنُ طَلْحَةَ بنِ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدِ اللهِ العَبْدَرِيُّ * (م، د)
ابْنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ الدَّارِ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ القُرَشِيُّ، العَبْدَرِيُّ، الحَجَبِيُّ.
حَاجِبُ البَيْتِ الحَرَامِ، وَأَحَدُ المُهَاجِرِيْنَ.
هَاجَرَ مَعَ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَعَمْرِو بنِ العَاصِ إِلَى المَدِيْنَةِ.
__________
(1) رجاله ثقات إلا أن مغيرة - وهو ابن مقسم - وشباك مدلسان، وقد عنعنا، وهو في " المسند " 4 / 168 من طريق يحيى بن آدم، عن مفضل بن مهلهل، عن مغيرة، وأخرجه " ابن سعد " 7 / 15 من طريق الفضل بن دكين، عن أبي الاحوص، عن مغيرة، وأخرجه أحمد من طريق أبي الاحوص، عن مغيرة، عن شباك، عن الشعبي، عن رجل من ثقيف.
(2) إسناده صحيح، وهو في " طبقات ابن سعد " 7 / 16.
(*) طبقات ابن سعد 5 / 448، طبقات خليفة ت 73 و2503، المعرفة والتاريخ: 1 / 272، الجرح والتعديل 6 / 155، معجم الطبراني 9 / 53، 55، جمهرة أنساب العرب: 127، الاستيعاب 1034، الجمع بين رجال الصحيحين: 1 / 352، تاريخ ابن عساكر: 11 / 52 ب، أسد الغابة 3 / 372، الكامل لابن الأثير: 3 / 169، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 320، تهذيب الكمال: 912، تاريخ الإسلام: 1 / 380 و2 / 232 تذهيب التهذيب: 3 / 30 / 1، البداية والنهاية 8 / 23، العقد الثمين: 6 / 21، الإصابة: ت 5442، تهذيب التهذيب 7 / 124، خلاصة تذهيب الكمال: 220.

(3/10)


لَهُ رِوَايَةُ خَمْسَةِ أَحَادِيْثَ؛ مِنْهَا وَاحِدٌ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (1)).
ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِفْتَاحَ الكَعْبَةِ يَوْمَ الفَتْحِ (2) .
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عُمَرَ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ شَيْبَةُ بنُ عُثْمَانَ الحَاجِبُ.
قَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ: أَخْبَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَرَجَ مِنَ الكَعْبَةِ، أَمَرَ عُثْمَانَ بنَ طَلْحَةَ أَنْ يُغَيِّبَ قَرْنَيِ الكَبْشِ -يَعْنِي: كَبْشَ الذَّبِيْحِ - وَقَالَ: (لاَ يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ يَشْغَلُهُ (3)).
وَقَدْ قُتِلَ أَبُوْهُ طَلْحَةُ يَوْمَ أُحُدٍ مُشْرِكاً.
__________
(1) رقم (1329) (394) في الحج: باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره.
(2) انظر " طبقات ابن سعد ": 2 / 136، 137 و" معجم الطبراني ": (8395) و" والمصنف ": (9073) و" سيرة ابن هشام " 2 / 412، و" تفسير الطبري ": 8 / 491، و" مجمع الزوائد " 6 / 177، و" ابن كثير " 1 / 515، 516، و" شرح المواهب " 2 / 340، 341، و" لباب النقول " 71.
أخرج البخاري في " صحيحه " 8 / 15، من طريق ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته مردفا أسامة بن زيد، ومعه بلال، ومعه عثمان بن طلحة من الحجبة حتى أناخ في المسجد، فأمره أن يأتي بمفتاح البيت..وأخرج ابن إسحاق كما في " السيرة ": 2 / 411، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن صفية بنت شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مكة، واطمأن الناس، خرج حتى جاء البيت، فطاف به سبعا على راحلته، يستلم الركن بمحجن في يده، فلما قضى طوافه، دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، ففتحت له، فدخلها، فوجد فيها حمامة من عيدان، فكسرها بيده، ثم طرحها، ثم وقف على باب الكعبة، وقد استكف له الناس في المسجد.
وحسنه الحافظ في " الفتح ": 8 / 15.
(3) أخرجه " أحمد ": 4 / 68 و5 / 380، وأبو داود (2030)، والحميدي (565)، والطبراني (8396) من طريق سفيان، عن منصور، عن خاله مسافع، عن صفية بنت شيبة، أخبرتني امرأة من بني سليم...ورجاله ثقات.
وفيه عنده: قال سفيان: لم يزل قرنا الكبش في البيت حتى احترق البيت فاحترقا.

(3/11)


وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ المُؤَمَّلِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (خُذُوْهَا يَا بَنِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً، لاَ يَنْزِعُهَا مِنْكُم إِلاَّ ظَالِمٌ).
يَعنِي: الحِجَابَةَ (1) .
قَالَ الهَيْثَمُ، وَالمَدَائِنِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ.

3 - شَيْبَةُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي طَلْحَةَ القُرَشِيُّ * (خَ، د، ق)
عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ العُزَّى العَبْدَرِيُّ، المَكِّيُّ، الحَجَبِيُّ، حَاجِبُ الكَعْبَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
كَانَ مُشَارِكاً لابْنِ عَمِّهِ عُثْمَانَ الحَجَبِيِّ فِي سَدَانَةِ بَيْتِ اللهِ -تَعَالَى -.
وَهُوَ أَبُو صَفِيَّةَ.
وَقِيْلَ: كُنْيَتُهُ أَبُو عُثْمَانَ.
وَكَانَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ العَبْدَرِيُّ الشَّهِيْدُ خَالَهُ، وَحَجَبَةُ البَيْتِ بَنُوْ شَيْبَةَ مِنْ ذُرِّيَتِهِ.
قُتِلَ أَبُوْهُ يَوْمَ أُحُدٍ كَافِراً، قَتَلَهُ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن المؤمل، وانظر " الفتح ": 8 / 15، وذكره الهيثمي في " المجمع " 3 / 285، ونسبه إلى الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " وأعله بعبد الله بن المؤمل.
(*) طبقات ابن سعد: 5 / 248، نسب قريش: 252، 253، طبقات خليفة ت 74 و2504، المحبر: 17، تاريخ البخاري: 4 / 241، الجرح والتعديل: 4 / 335، الاستيعاب: 712، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 219، تاريخ ابن عساكر: 8 / 77 / 1، أسد الغابة: 3 / 7، تهذيب الكمال: 593، تاريخ الإسلام: 2 / 293، تذهيب التهذيب: 2 / 84 ب، مرآة الجنان: 1 / 131، البداية والنهاية: 8 / 213، العقد الثمين: 5 / 19، الإصابة ت 3945، تهذيب التهذيب: 4 / 376، خلاصة تذهيب الكمال: 142 شذرات الذهب: 1 / 65، تهذيب ابن عساكر: 6 / 349.

(3/12)


فَلَمَّا كَانَ عَامُ الفَتْحِ، مَنَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْبَةَ، وَأَمْهَلَهُ، وَخَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى حُنَيْنٍ عَلَى شِرْكِهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ نَوَى أَنْ يَغْتَالَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ بِالإِسْلاَمِ، وَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ، وَقَاتَلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَثَبَتَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَحَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ مُصْعَبُ بنُ شَيْبَةَ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَعِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَفِيْدُهُ مُسَافِعُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ شَيْبَةَ.
وَلَهُ حَدِيْثٌ فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ (1) .
وَرَوَى لَهُ أَيْضاً: أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَه.
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقِيْلَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، بِمَكَّةَ.
وَصَفِيَّةُ بِنْتُهُ وُلِدَتْ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَيُقَالُ: لَهَا صُحْبَةٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ (2).
__________
(1) أخرجه البخاري: 3 / 363 في الحج: باب كسوة الكعبة من طريق عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا سفيان، حدثنا واصل الاحدب، عن أبي وائل، قال: جلست مع شيبة على الكرسي في الكعبة، فقال: لقد جلس هذا المجلس عمر رضي الله عنه، فقال: لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها، قلت: إن صاحبيك لم يفعلا، قال: هما المرآن أقتدي بهما.
ولفظ ابن ماجه (3116): لقد جلس عمر بن الخطاب مجلسك الذي جلست فيه، فقال: لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة بين فقراء المسلمين، قلت: ما أنت فاعل.
قال: لافعلن، قال: ولم ذاك ؟ قلت: لان النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى مكانه، وأبو بكر وهما أحوج منك إلى المال، فلم يحركاه، فقام كما هو، فخرج.
(2) لكن نقل الحافظ في " الفتح " 9 / 207، عن المزي في " الأطراف " أن البخاري أخرج في كتاب الحج عقب حديث أبي هريرة وابن عباس في تحريم مكة، قال: وقال أبان بن صالح عن الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب عام الفتح، فقال: يا أيها الناس، إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والارض...، ووصله ابن ماجه (3109) =

(3/13)


4 - أَبُو رِفَاعَةَ العَدَوِيُّ تَمِيْمُ بنُ أُسَيْدٍ * (م، س (1))
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ابْنِ عَدِيِّ بنِ عَبْدِ مَنَاةَ بنِ أُدِّ بنِ طَابِخَةَ المُضَرِيُّ.
عِدَادُهُ فِيْمَنْ نَزَلَ البَصْرَةَ.
لَهُ أَحَادِيْثُ.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَصِلَةُ بنُ أَشْيَمَ، وَحُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ خَلِيْفَةُ (2) : هُوَ مِنْ فُضَلاَءِ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ: هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ، مِنْ بَنِي عَدِيِّ الرَّبَابِ.
رَوَى: غَيْلاَنُ بنُ جَرِيْرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، عَنْ رَجُلٍ - كَأَنَّهُ أَبُو رِفَاعَةَ - قَالَ:
كَانَ لِي رَئِيٌّ مِنَ الجِنِّ (3) ، فَأَسْلَمْتُ، فَفَقَدْتُهُ، فَوَقَفْتُ
__________
= من طريق ابن نمير، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا أبان بن صالح، عن الحسن بن مسلم بن يناق، عن صفية بنت شيبة..وهذا سند قوي، وأبان بن صالح كما قال الحافظ في " مقدمة الفتح ": وثقه الجمهور، ويحيى بن معين، وأبو حاتم وغيرهم من النقاد، وشذ ابن عبد البر، فقال: ضعيف.
وأخرج أبو داود (1878)، وابن ماجه (2947) من طريق ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن صفية بنت شيبة، قالت: لما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح، طاف على بعير يستلم الركن بمحجن في يده، قال: وأنا أنظر إليه.
وهذا سند حسن يضعف قول من أنكر لها رؤية.
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 68، طبقات خليفة: 258 و1375، تاريخ البخاري: 2 / 151، الكنى: 1 / 29 وفيه أبو رفاعة بن أسد، الجرح والتعديل: 2 / 440، الاستيعاب: 194، الجمع بين رجال الصحيحين: 1 / 64، أسد الغابة: 1 / 214 و5 / 193، تهذيب الكمال: 1604، تاريخ الإسلام: 2 / 253، تذهيب التهذيب: 4 / 212 / ب، الإصابة كنى ت 410، تهذيب التهذيب: 12 / 96، خلاصة تذهيب الكمال: 379.
(1) كذا ضبطه المؤلف بالضم والفتح، وتبعه ابن حجر في " الإصابة ".
(2) في " الطبقات " في ترجمته.
(3) قال ابن الأثير في " النهاية ": يقال للتابع من الجن: رئي بوزن كمي، سمي به لأنه يتراءى لمتبوعه، أو هو من الرأي، من قولهم: فلان رئي قومه إذا كان صاحب رأيهم.

(3/14)


بِعَرَفَةَ، فَسَمِعْتُ حِسَّهُ، فَقَالَ: أَشَعَرْتَ أَنِّي أَسْلَمْتُ؟
قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ أَصْوَاتَ النَّاسِ يَرْفَعُوْنَهَا، قَالَ: عَلَيْكَ الخُلُقَ الأَسَدَّ، فَإِنَّ الخَيْرَ لَيْسَ بِالصَّوْتِ الأَشَدِّ (1) .
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو رِفَاعَةَ العَدَوِيُّ يَقُوْلُ: مَا عَزَبَتْ عَنِّي سُوْرَةُ البَقَرَةِ مُنْذُ عَلَّمَنِيْهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذْتُ مَعَهَا مَا أَخَذْتُ مِنَ القُرْآنِ، وَمَا وَجِعَ ظَهْرِي مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ قَطُّ (2) .
وَكَانَ أَبُو رِفَاعَةَ ذَا تَعَبُّدٍ وَتَهَجُّدٍ.
قَالَ حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: خَرَجَ أَبُو رِفَاعَةَ فِي جَيْشٍ، عَلَيْهِم عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَمُرَةَ، فَبَاتَ تَحْتَ حِصْنٍ يُصَلِّي لَيْلَهُ، ثُمَّ تَوَسَّدَ تُرْسَهُ، فَنَامَ، وَرَكِبَ أَصْحَابُهُ وَتَرَكُوْهُ نَائِماً، فَبَصُرَ بِهِ العَدُوُّ، فَنَزَلَ ثَلاَثَةُ أَعْلاَجٍ، فَذَبَحُوْهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (3) -.
قَالَ حُمَيْدٌ: قَالَ صِلَةُ: رَأَيْتُ كَأَنِّيْ أَرَى أَبَا رِفَاعَةَ عَلَى نَاقَةٍ سَرِيْعَةٍ، وَأَنَا عَلَى جَمَلٍ قَطُوْفٍ، فَأَنَا عَلَى أَثَرِهِ، فَأَوَّلْتُ أَنِّي عَلَى طَرِيْقِهِ، وَأَنَا أَكُدُّ العَمَلَ بَعْدَهُ كَدّاً (4) .
5 - ثَوْبَانُ النَّبَوِيُّ * (م، 4)
مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
سُبِيَ مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ، فَاشْتَرَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
__________
(1) " ابن سعد ": 7 / 68، 69، ورجاله ثقات، وقد تحرف فيه رئي إلى " زي " و" الخلق الاسد " إلى " الحلق الاشد ".
(2) " ابن سعد ": 7 / 69، ورجاله ثقات.
(3) أورده ابن سعد في " الطبقات ": 7 / 69 مفصلا.
ورجاله ثقات.
(4) انظر " ابن سعد " 7 / 70، والقطوف من الدواب: البطئ.
(*) " طبقات ابن سعد " 7 / 400، طبقات خليفة ت 15 و2710، المحبر: 128، تاريخ البخاري: 2 / 181، الجرح والتعديل: 2 / 469، معجم الطبراني: 2 / 85، 102، =

(3/15)


وَأَعْتَقَهُ، فَلَزِمَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحِبَهُ، وَحَفِظَ عَنْهُ كَثِيْراً مِنَ العِلْمِ، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ.
يُكْنَى: أَبَا عَبْدِ اللهِ.
وَيُقَالُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَقِيْلَ: هُوَ يَمَانِيٌّ.
وَاسْمُ أَبِيْهِ: جَحْدَرٌ، وَقِيْلَ: بُجْدَدٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ: شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَمَعْدَانُ بنُ طَلْحَةَ، وَأَبُو الخَيْرِ اليَزَنِيُّ، وَأَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَأَبُو كَبْشَةَ السَّلُوْلِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَرَاشِدُ بنُ سَعْدٍ.
نَزَلَ حِمْصَ.
وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: سَكَنَ الرَّمْلَةَ، وَلَهُ بِهَا دَارٌ، وَلَمْ يُعْقِبْ، وَكَانَ مِنْ نَاحِيَةِ اليَمَنِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : نَزَلَ حِمْصَ، وَلَهُ بِهَا دَارٌ، وَبِهَا مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ.
يَذْكُرُوْنَ أَنَّهُ مِنْ حِمْيَرٍ.
وَذَكَرَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سَعِيْدٍ فِي (تَارِيخِ حِمْصَ): أَنَّهُ مِنْ أَلْهَانَ (2) ، وَقُبِضَ بِحِمْصَ، وَدَارُهُ بِهَا حُبْساً عَلَى فُقَرَاءِ أَلْهَانَ.
وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ، وَاخْتَطَّ بِهَا.
______________
= الحلية: 1 / 180، 350، الاستيعاب: 218، الجمع بين رجال الصحيحين: 1 / 68، تاريخ ابن عساكر: 3 / 297 / ب، أسد الغابة: 1 / 250، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول: 140، تهذيب الكمال: 1179، تاريخ الإسلام: 2 / 273، العبر:
1 / 59، تذهيب التهذيب: 1 / 98 / 2، الإصابة ت 967، تهذيب التهذيب: 2 / 31، خلاصة تذهيب الكمال: 50، شذرات الذهب: 1 / 59، تهذيب ابن عساكر: 3 / 381.
(1) في " الطبقات ": 7 / 400.
(2) ألهان: جد قبيلة، وهو ابن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان، وهو أخو همدان.
قال ابن دريد: ألهان من قولهم: " لهنوا ضيفكم " أي أطعموه ما يتعلل به قبل إنى القرى، وكأن ألهان جمع لهن، واسم ما يأكله الضيف لهنة.
انظر " الاشتقاق ": 419، 433، و" جمهرة ابن حزم " 392:

(3/16)


وَقَالَ ابْنُ مَنْدَةَ: لَهُ بِحِمْصَ دَارٌ، وَبِالرَّمْلَةِ دَارٌ، وَبِمِصْرَ دَارٌ.
عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: عَنْ أَبِي العَالِيَةِ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ تَكَفَّلَ لِي أَنْ لاَ يَسْأَلَ أَحَداً شَيْئاً، وَأَتَكَفَّلُ لَهُ بِالجَنَّةِ؟).
فَقَالَ ثَوْبَانُ: أَنَا.
فَكَانَ لاَ يَسْأَلُ أَحَداً شَيْئاً (1) .
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ ضَمْضَمِ بنِ زُرْعَةَ:
قَالَ شُرَيْحُ بنُ عُبَيْدٍ: مَرِضَ ثَوْبَانُ بِحِمْصَ، وَعَلَيْهَا عَبْدُ اللهِ بنُ قُرْطٍ، فَلَمْ يَعُدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى ثَوْبَانَ رَجُلٌ يَعُوْدُهُ.
فَقَالَ لَهُ ثَوْبَانُ: أَتَكْتُبُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: اكْتُبْ.
فَكَتَبَ: لِلأَمِيْرِ عَبْدِ اللهِ بنِ قُرْطٍ، مِنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لِمُوْسَى وَعِيْسَى مَوْلَىً بِحَضْرَتِكَ لَعُدْتَهُ.
فَأُتِي بِالكِتَابِ، فَقَرَأَهُ، وَقَامَ فَزِعاً.
قَالَ النَّاسُ: مَا شَأْنُهُ! أَحَضَرَ أَمْرٌ؟!
فَأَتَاهُ، فَعَادَهُ، وَجَلَسَ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَ.
فَأَخَذَ ثَوْبَانُ بِرِدَائِهِ، وَقَالَ: اجْلِسْ حَتَّى أُحَدِّثَكَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (لَيَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُوْنَ أَلْفاً لاَ حِسَابَ عَلَيْهِم، وَلاَ عَذَابَ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُوْنَ أَلْفاً).
أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) (2).
__________
(1) أخرجه أبو داود (1643) في الزكاة: باب كراهية المسألة، من طريق عبيد الله بن معاذ ، عن أبيه، عن شعبة بهذا الإسناد، وهذا سند صحيح، وهو في " المسند ": 5 / 276 و277 و279 و281، ومعجم الطبراني (1433).
وقال المنذري في " الترغيب والترهيب ": 2 / 8، بعد أن ذكره، ونسبه لأحمد والنسائي وابن ماجه وأبي داود: وإسناده صحيح.
وأخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (2009) من طريق معمر، عن عاصم به، وأخرجه ابن ماجه (1837) من طريق علي بن محمد، عن وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن قيس، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ثوبان.
(2) 5 / 280، 281 من طريق أبي اليمان بهذا الإسناد، وهذا سند حسن، فإن إسماعيل ابن عياش ثقة في روايته عن أهل بلده وضمضم بن زرعة حمصي من أهل بلده، وأخرجه ابن عساكر: 3 / 300، والطبراني (1413).
وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد: 2 / 359، وسنده جيد كما قال الحافظ في " الفتح " 11 / 356، وعن حذيفة عند أحمد، وعن أنس عند =

(3/17)


عَنْ ثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ: أَنَّ ثَوْبَانَ مَاتَ بِحِمْصَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ.

6 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرِ بنِ كُرَيْزِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ حَبِيْبٍ العَبْشَمِيُّ *
ابْنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ، الأَمِيْرُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، العَبْشَمِيُّ، الَّذِي افْتَتَحَ إِقْلِيْمَ خُرَاسَانَ.
رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى عَنْهُ حَدِيْثاً فِي: (مَنْ قُتِلَ دُوْنَ مَالِهِ (1)).
رَوَاهُ عَنْهُ: حَنْظَلَةُ بنُ قَيْسٍ.
وَهُوَ ابْنُ خَالِ عُثْمَانَ، وَأَبُوْهُ عَامِرٌ: هُوَ ابْنُ عَمَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البَيْضَاءِ بِنْتِ عَبْدِ المُطَّلِبِ.
وَلِيَ البَصْرَةَ لِعُثْمَانَ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَزَوَّجَهُ بِابْنَتِهِ هِنْدٍ، وَدَارُهُ بِدِمَشْقَ بِالحُوَيْرَةِ؛ هِيَ دَارُ ابْنِ الحَرَسْتَانِيِّ.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: اسْتَعْمَلَ عُثْمَانُ عَلَى البَصْرَةِ ابْنَ عَامِرٍ، وَعَزَلَ أَبَا
__________
= البزار، وعن أبي أمامة عند الترمذي (2437)، وحسنه، وصححه ابن حبان (2642)، وعن عتبة بن عبد السلمي عند ابن حبان (2643).
(*) طبقات ابن سعد: 5 / 44، نسب قريش: 147، 148، المحبر انظر الفهارس، المعارف: 320، فتوح البلدان: 396، تاريخ الطبري: 5 / 170، المستدرك: 3 / 639، جمهرة أنساب العرب: 75، الاستيعاب: 931، تاريخ ابن عساكر: 9 / 229 / ب، أسد الغابة: 3 / 191، الكامل لابن الأثير: 3 / 206، تاريخ الإسلام: 2 / 266، العبر: 1 / 64، البداية والنهاية: 8 / 88، العقد الثمين: 5 / 185، الإصابة ت 6181، تهذيب التهذيب: 5 / 272، شذرات الذهب: 1 / 36 و65.
(1) أخرجه الحاكم 3 / 639 من طريق مصعب بن عبد الله، عن أبيه، عن جده مصعب ابن ثابت بن عبد الله بن الزبير، عن حنظلة بن قيس، عن عبد الله بن عامر.
مرفوعا، ولفظه: " من قتل دون ماله فهو شهيد ".
وهذا سند ضعيف لضعف والد مصعب وجده، لكن في الباب ما يقويه، منها عن عبد الله بن عمرو عند أحمد والبخاري ومسلم، وعن سعيد بن زيد عند الترمذي وابن حبان، وعن بريدة عند النسائي.

(3/18)


مُوْسَى.
فَقَالَ أَبُو مُوْسَى: قَدْ أَتَاكُم فَتَىً مِنْ قُرَيْشٍ، كَرِيْمُ الأُمَّهَاتِ وَالعَمَّاتِ وَالخَالاَتِ، يَقُوْلُ بِالمَالِ فِيْكُم هَكَذَا وَهَكَذَا.
وَهُوَ الَّذِي دَعَا طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ إِلَى البَصْرَةِ، وَقَالَ: إِنَّ لِي فِيْهَا صَنَائِعَ.
وَهُوَ الَّذِي افْتَتَحَ خُرَاسَانَ، وَقُتِلَ كِسْرَى فِي وِلاَيَتِهِ، وَأَحْرَمَ مِنْ نَيْسَابُوْرَ شُكْراً للهِ، وَعَمِلَ السِّقَايَاتِ بِعَرَفَةَ، وَكَانَ سَخِيّاً كَرِيْماً (1) .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : أَسْلَمَ أَبُوْهُ عَامِرٌ يَوْمَ الفَتْحِ، وَبَقِيَ إِلَى زَمَنِ عُثْمَانَ، وَعَقِبُهُ بِالبَصْرَةِ وَالشَّامِ كَثِيْرٌ.
قَدِمَ عَلَى وَلَدِهِ عَبْدِ اللهِ وَهُوَ وَالِي البَصْرَةِ.
وَقِيْلَ: وُلِدَ عَبْدُ اللهِ بَعْدَ الهِجْرَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ مُعْتَمِراً عُمْرَةَ القَضَاءِ، حُمِلَ إِلَيْهِ ابْنُ عَامِرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، فَحَنَّكَهُ، وَوُلِدَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَأَمَّا ابْنُ مَنْدَةَ، فَقَالَ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلابْنِ عَامِرٍ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: يُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ لاَ يُعَالِجُ أَرْضاً إِلاَّ ظَهَرَ لَهُ المَاءُ (3) .
وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: أُرْتِجَ عَلَيْهِ يَوْمَ أَضْحَى بِالبَصْرَةِ، فَمَكَثَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ:
وَاللهِ لاَ أَجْمَعُ عَلَيْكُم عِيّاً وَلُؤْماً، مَنْ أَخَذَ شَاةً مِنَ السُّوْقِ، فَثَمَنُهَا عَلَيَّ (4) .
أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ مِهْرَانَ، عَنْ سَعْدِ بنِ أَوْسٍ، عَنْ
__________
(1) أورده ابن عساكر مطولا: 9 / 229 / آ.
(2) انظر بعض هذا القول في " الطبقات ": 5 / 45.
وهو عند ابن عساكر في: " تاريخه ": 9 / 229 / ب، 230 / آ.
(3) انظر " المستدرك " 3 / 639، وابن عساكر: 9 / 231 / آ.
(4) " تاريخ ابن عساكر ": 9 / 231 / آ.

(3/19)


زِيَادِ (1) بنِ كُسَيْبٍ، قَالَ:
كُنْتُ مَعَ أَبِي بَكْرَةَ تَحْتَ مِنْبَرِ ابْنِ عَامِرٍ وَهُوَ يَخْطُبُ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ رِقَاقٌ.
فَقَالَ أَبُو بِلاَلٍ: انْظُرُوا إِلَى أَمِيْرِكُم يَلْبِسُ ثِيَابَ الفُسَّاقِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللهِ فِي الأَرْضِ أَهَانَهُ اللهُ (2)).
أَبُو بِلاَلٍ: هُوَ مِرْدَاسُ بنُ أُدَيَّةَ، مِنَ الخَوَارِجِ.
قَالَ خَلِيْفَةُ (3) : وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ عَزَلَ عُثْمَانُ أَبَا مُوْسَى عَنِ البَصْرَةِ، وَعُثْمَانَ بنَ أَبِي العَاصِ عَنْ فَارِسٍ، وَجَمَعَهُمَا لابْنِ عَامِرٍ.
وَعَنِ الحَسَنِ، قَالَ: غَزَا ابْنُ عَامِرٍ، وَعَلَى مُقَدَّمَتِهِ ابْنُ بُدَيْلٍ، فَأَتَى أَصْبَهَانَ، فَصَالَحُوْهُ، وَتَوَجَّهَ إِلَى خُرَاسَانَ عَلَى مُقَدَّمَتِهِ الأَحْنَفُ، فَافْتَتَحَهَا -يَعْنِي: بَعْضَهَا عَنْوَةً، وَبَعْضَهَا صُلْحاً -.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: خَرَجَ يَزْدَجِرْدُ فِي مائَةِ أَلْفٍ، فَنَزَلَ مَرْوَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى إِصْطَخْرَ رَجُلاً، فَأَتَاهَا ابْنُ عَامِرٍ، فَافْتَتَحَهَا.
قَالَ: وَقُتِلَ يَزْدَجِرْدُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بِمَرْوَ، وَنَزَلَ ابْنُ عَامِرٍ بِأَبْرَشَهْرَ، وَبِهَا بِنْتَا كِسْرَى، فَحَاصَرَهَا، فَصَالَحُوْهُ.
وَبَعَثَ الأَحْنَفَ، فَصَالَحَهُ أَهْلُ هَرَاةَ.
وَبَعَثَ حَاتِمَ (4) بنَ النُّعْمَانِ البَاهِلِيَّ إِلَى مَرْوَ، فَصَالَحُوْهُ، ثُمَّ سَارَ مُعْتَمِراً مِنْ نَيْسَابُوْرَ إِلَى مَكَّةَ شُكْراً للهِ.
وَقَدِ افْتَتَحَ كَرْمَانَ، وَسِجِسْتَانَ (5).
__________
(1) في الأصل يزيد، وهو خطأ.
(2) أخرجه الطيالسي في " مسنده " 2 / 167، وأحمد 5 / 42 و49، والترمذي (2224) وحسنه، وهو كما قال.
وأخرجه ابن عساكر في " تاريخه " 9 / 231.
(3) في " تاريخه ": 161.
(4) في الأصل: غانم بن النعمان، وهو خطأ.
(5) أورده ابن عساكر عن الزهري مطولا 9 / 232 / 1.
ومرو وإصطخر وأبر شهر وهراة وكرمان وسجستان: من بلدان فارس الشهيرة، انظرها في " معجم البلدان "، وانظر فتوحها في " تاريخ الطبري ": 4 / 293 وما بعدها.

(3/20)


وَكَانَ مِنْ كِبَارِ مُلُوْكِ العَرَبِ، وَشُجْعَانِهِم، وَأَجَوَادِهِم.
وَكَانَ فِيْهِ رِفْقُ وَحِلْمٌ.
وَلاَّهُ مُعَاوِيَةُ البَصْرَةَ.
تُوُفِّيَ: قَبْلَ مُعَاوِيَةَ، فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: بِمَنْ نُفَاخِرُ؟ وَبِمَنْ نُبَاهِي بَعْدَهُ؟! (1)

7 - المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ بنِ أَبِي عَامِرٍ بنِ مَسْعُوْدِ بنِ مُعَتِّبٍ * (ع)
الأَمِيْرُ أَبُو عِيْسَى.
وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ.
وَقِيْلَ: أَبُو مُحَمَّدٍ.
مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ أُوْلِي الشَّجَاعَةِ وَالمَكِيْدَةِ.
شَهِدَ بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ.
كَانَ رَجُلاً طُوَالاً، مَهِيْباً، ذَهَبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ، وَقِيْلَ: يَوْمَ القَادِسِيَّةِ.
رَوَى: مُغِيْرَةُ بنُ الرَّيَّانِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ:
قَالَتْ عَائِشَةُ: كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ.
__________
(1) انظر " ابن سعد ": 5 / 49.
(*) طبقات ابن سعد: 4 / 284 و6 / 20، طبقات خليفة: 361، 884، 1419، المحبر انظر الفهارس، تاريخ البخاري: 7 / 316، المعارف: 294، الجرح والتعديل: 8 / 224، تاريخ الطبري: 5 / 234، مروج الذهب: 3 / 67، الاغاني: 16 / 79، 101، جمهرة أنساب العرب: 267، الاستيعاب: 1445، تاريخ بغداد: 1 / 191، الجمع بين رجال الصحيحين: 2 / 499، تاريخ ابن عساكر: 17 / 33 / ب، أسد الغابة: 4 / 406، الكامل في التاريخ: 3 / 461، تهذيب الأسماء واللغات: القسم الأول من الجزء الثاني 109، تهذيب الكمال: 1360، تاريخ الإسلام: 2 / 247، تذهيب التهذيب: 4 / 60 / آ، العبر: 1 / 56، مرآة الجنان: 1 / 124، البداية والنهاية: 8 / 48، العقد الثمين: 7 / 255، الإصابة ت 8181، تهذيب التهذيب: 10 / 262، خلاصة تذهيب الكمال: 329، شذرات الذهب: 1 / 56.

(3/21)


قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : كَانَ المُغِيْرَةُ أَصْهَبَ الشَّعْرِ جِدّاً، يَفْرِقُ رَأْسَهُ فُرُوْقاً أَرْبَعَةً، أَقْلَصَ الشَّفَتَيْنِ، مَهْتُوْماً، ضَخْمَ الهَامَةِ، عَبْلَ الذِّرَاعَيْنِ، بَعِيْدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ.
وَكَانَ دَاهِيَةً، يُقَالُ لَهُ: مُغِيْرَةُ الرَّأْيُ.
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ المُغِيْرَةَ سَارَ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى الكُوْفَةِ خَمْساً.
حَدَّثَ عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ عُرْوَةُ، وَحَمْزَةُ، وَعَقَّارٌ، وَالمِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ، وَأَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَمَسْرُوْقٌ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ رَبِيْعَةَ الوَالِبِيُّ، وَطَائِفَةٌ، خَاتِمَتُهُم: زِيَادُ بنُ عِلاَقَةَ.
الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ، سَمِعَ أَبَا إِدْرِيْسَ، قَالَ:
قَدِمَ المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ دِمَشْقَ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: وَضَّأْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوْكٍ، فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ (2) .
مَعْمَرُ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
كَانَ دُهَاةُ النَّاسِ فِي الفِتْنَةِ خَمْسَةً، فَمِنْ قُرَيْشٍ: عَمْرٌو، وَمُعَاوِيَةُ، وَمِنَ الأَنْصَارِ: قَيْسُ بنُ سَعْدٍ، وَمِنْ ثَقِيْفٍ:
__________
(1) لم نجد هذا القول في " الطبقات " فلعله في الجزء المخروم من ترجمته، انظر " الطبقات ": 4 / 286، وهو في " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 35 / ب.
(2) أخرجه ابن عساكر: 17 / 33 / ب، وأخرجه من غير هذا الطريق البخاري: 1 / 265 في الوضوء: باب المسح على الخفين، وفي الصلاة: باب الصلاة بالجبة الشامية، وباب الصلاة في الخفاف، وفي الجهاد: باب الجبة في السفر والحرب، وفي المغازي: باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر، وفي اللباس: باب من لبس جبة ضيقة الكمين في السفر، وباب جبة الصوف في الغزو، ومسلم (274) في الطهارة: باب المسح على الخفين، ومالك في " الموطأ ": 1 / 36 في الطهارة: باب ما جاء في المسح على الخفين، وأبو داود (149) و(151)، والترمذي (97) و(98) و(99) و(100)، والنسائي: 1 / 82، ثلاثتهم في الطهارة: باب المسح على الخفين.
وفي رواية للبخاري أنه كان في سفر، وفي أخرى أنه كان في غزوة تبوك، على تردد في ذلك من رواته، ولمالك وأحمد وأبي داود من طريق عباد بن زياد، عن عروة بن المغيرة أنه كان في غزوة تبوك
بلا تردد وأن ذلك كان عند صلاة الفجر.

(3/22)


المُغِيْرَةُ، وَمِنَ المُهَاجِرِيْنَ: عَبْدُ اللهِ بنُ بُدَيْلِ بنِ وَرْقَاءَ الخُزَاعِيُّ.
فَكَانَ مَعَ عَلِيٍّ: قَيْسٌ، وَابْنُ بُدَيْلٍ، وَاعْتَزَلَ المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ (1) .
زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ المُغِيْرَةِ، قَالَ:
كَنَّانِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِأَبِي عِيْسَى (2) .
وَرَوَى: حَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ عُمَرَ قَالَ لابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَا أَبُو عِيْسَى؟
قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! اكْتَنَى بِهَا المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ:
أَنَّ عُمَرَ غَيَّرَ كُنْيَةَ المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَكَنَّاهُ: أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ: هَلْ لِعِيْسَى مِنْ أَبٍ (4) ؟
وَعَنْ أَبِي مُوْسَى الثَّقَفِيِّ، قَالَ: كَانَ المُغِيْرَةُ رَجُلاً طُوَالاً، أَعْوَرَ، أُصِيْبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ (5).
__________
(1) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 34 / ب.
(2) أخرجه أبو داود (4963) في الأدب: باب فيمن يتكنى بأبي عيسى، من طريق هارون ابن زيد بن أبي الزرقاء، حدثنا أبي، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر ابن الخطاب ضرب ابنا له تكنى بأبي عيسى، وأن المغيرة بن شعبة تكنى بأبي عيسى، فقال له عمر: أما يكفيك أن تكنى بأبي عبد الله ؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وإنا في جلجتنا.
فلم يزل يكنى بأبي عبد الله حتى هلك.
وهذا سند حسن، وقوله: وإنا في جلجتنا، معناه: إنا بقينا في عدد من أمثالنا من المسلمين، لا ندري ما يصنع بنا، وفي " النهاية " الجلج: رؤوس الناس واحدها جلجة: والحديث في " تاريخ دمشق ": 17 / 35 / آ لابن عساكر.
(3) أخرجه ابن عساكر: 17 / 135 / آ.
(4) في " المصنف " (19856) عن معمر، عن الزهري أن ابنا لعمر تكنى بأبي عيسى، فنهاه عمر، وأخرج أيضا (19857) من طريق معمر، عن أيوب، عن نافع مثله، وزاد: فقال عمر: إن عيسى لا أب له.
(5) " ابن سعد ": 6 / 20.

(3/23)


وَعَنْ غَيْرِهِ: ذَهَبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ القَادِسِيَّةِ.
وَقِيْلَ: بِالطَّائِفِ، وَمَرَّ أَنَّهَا ذَهَبَتْ مِنْ كُسُوْفِ الشَّمْسِ.
وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ بنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ، قَالُوا:
قَالَ المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ: كُنَّا مُتَمَسِّكِيْنَ بِدِيْنِنَا وَنَحْنُ سَدَنَةُ اللاَّتِ، فَأُرَانِي لَوْ رَأَيْتُ قَوْمَنَا قَدْ أَسْلَمُوا مَا تَبِعْتُهُم.
فَأَجْمَعَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي مَالِكٍ الوُفُوْدَ عَلَى المُقَوْقِسِ، وَإِهْدَاءَ هَدَايَا لَهُ، فَأَجْمَعْتُ الخُرُوْجَ مَعَهُم، فَاسْتَشَرْتُ عَمِّي عُرْوَةَ بنَ مَسْعُوْدٍ، فَنَهَانِي، وَقَالَ: لَيْسَ مَعَكَ مِنْ بَنِي أَبِيْكَ أَحَدٌ.
فَأَبَيْتُ، وَسِرْتُ مَعَهُم، وَمَا مَعَهُم مِنَ الأَحْلاَفِ غَيْرِي؛ حَتَّى دَخَلْنَا الإِسْكَنْدَرِيَّةَ، فَإِذَا المُقَوْقِسِ فِي مَجْلِسٍ مُطِلٍّ عَلَى البَحْرِ، فَرَكِبْتُ زَوْرَقاً حَتَّى حَاذَيْتُ مَجْلِسَهُ، فَأَنْكَرَنِي، وَأَمَرَ مَنْ يَسْأَلُنِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِأَمْرِنَا وَقُدُوْمِنَا.
فَأَمَرَ أَنْ نَنْزِلَ فِي الكَنِيْسَةِ، وَأَجْرَى عَلَيْنَا ضِيَافَةً، ثُمَّ أَدْخَلَنَا عَلَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَى رَأْسِ بَنِي مَالِكٍ، فَأَدْنَاهُ، وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ: أَكُلُّكُم مِنْ بَنِي مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، سِوَى رَجُلٍ وَاحِدٍ.
فَعَرَّفَهُ بِي، فَكُنْتُ أَهْوَنَ القَوْمِ عَلَيْهِ، وَسُرَّ بِهَدَايَاهُم، وَأَعْطَاهُمُ الجَوَائِزَ، وَأَعْطَانِي شَيْئاً لاَ ذِكْرَ لَهُ.
وَخَرَجْنَا، فَأَقْبَلَتْ بَنُوْ مَالِكٍ يَشْتَرُوْنَ هَدَايَا لأَهْلِهِمْ، وَلَمْ يَعْرِضْ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْهُم مُوَاسَاةً، وَخَرَجُوا، وَحَمَلُوا مَعَهُمُ الخَمْرَ، فَكُنَّا نَشْرَبُ.
فَأَجْمَعْتُ عَلَى قَتْلِهِم، فَتَمَارَضْتُ، وَعَصَبْتُ رَأْسِي، فَوَضَعُوا شَرَابَهُم، فَقُلْتُ: رَأْسِي يُصَدَّعُ، وَلَكِنِّي أَسْقِيْكُم.
فَلَمْ يُنْكِرُوا، فَجَعَلْتُ أَصْرِفُ لَهُم (1) ، وَأُتْرِعُ لَهُمُ الكَأْسَ، فَيَشْرَبُوْنَ وَلاَ يَدْرُوْنَ، حَتَّى نَامُوا سُكْراً، فَوَثَبْتُ، وَقَتَلْتُهُم جَمِيْعاً، وَأَخَذْتُ مَا مَعَهُم.
فَقَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجِدُهُ جَالِساً فِي المَسْجَدِ مَعَ أَصْحَابِهِ، وَعَلَيَّ ثِيَابُ سَفَرِي، فَسَلَّمْتُ، فَعَرَفَنِي أَبُو بَكْرٍ.
__________
(1) أي يسقيهم الخمر صرفا من غير مزج بالماء.

(3/24)


فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلإِسْلاَمِ).
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِنْ مِصْرَ أَقْبَلْتُم؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: مَا فَعَلَ المَالِكِيُّوْنَ؟
قُلْتُ: قَتَلْتُهُم، وَأَخَذْتُ أَسْلاَبَهُم، وَجِئْتُ بِهَا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ لِيَخْمُسَهَا.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَمَّا إِسْلاَمُكَ فَنَقْبَلُهُ، وَلاَ آخُذُ مِنْ أَمْوَالِهِم شَيْئاً، لأَنَّ هَذَا غَدْرٌ، وَلاَ خَيْرَ فِي الغَدْرِ).
فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ، وَقُلْتُ: إِنَّمَا قَتَلْتُهُم وَأَنَا عَلَى دِيْنِ قَوْمِي، ثُمَّ أَسْلَمْتُ السَّاعَةَ.
قَالَ: (فَإِنَّ الإِسْلاَمَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ).
وَكَانَ قَتَلَ مِنْهُم ثَلاَثَةَ عَشَرَ (1) ، فَبَلَغَ ثَقِيْفاً بِالطَّائِفِ، فَتَدَاعَوْا لِلْقِتَالِ، ثُمَّ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَحْمِلَ عَنِّي عُرْوَةُ بنُ مَسْعُوْدٍ ثَلاَثَ عَشْرَةَ دِيَةً.
وَأَقَمْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى اعْتَمَرَ عُمْرَةَ الحُدَيْبِيَةِ، فَكَانَتْ أَوَّلَ سَفْرَةٍ خَرَجْتُ مَعَهُ فِيْهَا.
وَكُنْتُ أَكُوْنُ مَعَ الصِّدِّيْقِ، وَأَلْزَمُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيْمَنْ يَلْزَمُهُ.
قَالَ: وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ عُرْوَةَ بنَ مَسْعُوْدٍ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُكَلِّمَهُ، فَأَتَاهُ، فَكَلَّمَهُ، وَجَعَلَ يَمَسُّ لِحْيَتَهُ، وَأَنَا قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ رَسُوْلِ اللهِ مُقَنَّعٌ فِي الحَدِيْدِ.
فَقَالَ المُغِيْرَةُ لِعُرْوَةَ: كُفَّ يَدَكَ قَبْلَ أَنْ لاَ تَصِلَ إِلَيْكَ.
فَقَالَ: مَنْ ذَا يَا مُحَمَّدُ؟ مَا أَفَظَّهُ وَأَغْلَظَهُ!
قَالَ: (ابْنُ أَخِيْكَ).
فَقَالَ: يَا غُدَرُ، وَاللهِ مَا غَسَلْتُ عَنِّي سَوْءتَكَ إِلاَّ بِالأَمْسِ (2).
__________
(1) هو في " طبقات ابن سعد ": 4 / 285، 286 إلى هنا.
وبقية الخبر مخروم.
وانظر: " المصنف " رقم (9678).
(2) أخرجه بطوله صاحب الاغاني: 16 / 80، 82، وابن عساكر: 17، 35 / آ / 36 من طريق الواقدي، وقوله " إن الإسلام يجب ما قبله " حديث صحيح أخرجه أحمد 4 / 199 و204 و205، ومسلم في " صحيحه " (121) من حديث عمرو بن العاص، ومن قوله: وبعثت قريش، إلى آخر الخبر معناه في صحيح البخاري: 5 / 249 في الشروط: باب الشروط في الجهاد والمصالحة، وهو جزء من خبر صلح الحديبية الطويل.
وقول عروة: " والله ما غسلت عني سوأتك إلا بالامس ": قال ابن هشام في " السيرة " 2 / 313: أراد عروة بقوله هذا أن المغيرة بن شعبة قبل إسلامه قتل ثلاثة عشر رجلا من بني مالك من ثقيف، فنهايج الحيان من ثقيف: بنو مالك رهط المقتولين، والاحلاف رهط المغيرة، فودى عروة المقتولين ثلاث عشرة دية، وأصلح ذلك الامر.

(3/25)


ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ عَامِرِ بنِ وَهْبٍ، قَالَ:
خَرَجَ المُغِيْرَةُ فِي سِتَّةٍ مِنْ بَنِي مَالِكٍ إِلَى مِصْرَ تُجَّاراً، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبُزَاقٍ (1) عَدَا عَلَيْهِم، فَذَبَحَهُم، وَاسْتَاقَ العِيْرَ، وَأَسْلَمَ (2).
هُشَيْمٌ: حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ المُغِيْرَةِ، قَالَ:
أَنَا آخِرُ النَّاسِ عَهْداً بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دُفِنَ، خَرَجَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ القَبْرِ، فَأَلْقَيْتُ خَاتَمِي، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الحَسَنِ، خَاتَمِي!
قَالَ: انْزِلْ، فَخُذْهُ.
قَالَ: فَمَسَحْتُ يَدِي عَلَى الكَفَنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ (3) .
وَرَوَاهُ: مُحَاضِرٌ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ:
قَالَ عَلِيٌّ لَمَّا أَلْقَى المُغِيْرَةُ خَاتَمَهُ: لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّكَ نَزَلْتَ فِي قَبْرِ نَبِيِّ اللهِ، وَلاَ يَتَحَدَّثُوْنَ أَنَّ خَاتَمَكَ فِي قَبْرِهِ.
وَنَزَلَ عَلِيٌّ، فَنَاوَلَهُ إِيَّاهُ.
حُسَيْنُ بنُ حَفْصٍ: عَنْ هِشَامِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ المُغِيْرَةَ بنَ شُعْبَةَ عَلَى البَحْرَيْنِ، فَكَرِهُوْهُ، فَعَزَلَهُ عُمَرُ، فَخَافُوا أَنْ يَرُدَّهُ.
فَقَالَ دِهْقَانُهُم (4) : إِنْ فَعَلْتُم مَا آمُرُكُم، لَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْنَا.
قَالُوا: مُرْنَا.
قَالَ: تَجْمَعُوْنَ مائَةَ أَلْفٍ حَتَّى أَذْهَبَ بِهَا إِلَى عُمَرَ، فَأَقُوْلُ: إِنَّ المُغِيْرَةَ اخْتَانَ هَذَا، فَدَفَعَهُ إِلَيَّ.
قَالَ: فَجَمَعُوا لَهُ مائَةَ أَلْفٍ، وَأَتَى عُمَرَ، فَقَالَ ذَلِكَ.
فَدَعَا المُغِيْرَةَ، فَسَأَلَهُ، قَالَ: كَذَبَ - أَصْلَحَكَ اللهُ - إِنَّمَا كَانَتْ مائَتَيْ أَلْفٍ.
قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟
قَالَ: العِيَالُ وَالحَاجَةُ.
فَقَالَ عُمَرُ
__________
(1) بزاق: موضع قريب من مكة، وهو بالصاد أعرف.
انظر " معجم البلدان " (بصاق) و" معجم ما استعجم ": 1 / 253.
(2) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 36 / ب.
وله تتمة.
(3) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 37 / ب.
(4) الدهقان: القوي على التصرف، ورئيس الاقليم - معرب.

(3/26)


لِلْعِلْجِ: مَا تَقُوْلُ؟
قَالَ: لاَ -وَاللهِ - لأَصْدُقَنَّكَ، مَا دَفَعَ إِلَيَّ قَلِيْلاً وَلاَ كَثِيْراً.
فَقَالَ عُمَرُ لِلْمُغِيْرَةِ: مَا أَرَدْتَ إِلَى هَذَا؟
قَالَ: الخَبِيْثُ كَذَبَ عَلَيَّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُخْزِيَهُ (1) .
سَلَمَةُ بنُ بِلاَلٍ: عَنْ أَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ، قَالَ:
كَانَ فَتْحُ الأُبُلَّةِ (2) عَلَى يَدِ عُتْبَةَ بنِ غَزْوَانَ، فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى عُمَرَ، قَالَ لِلْمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ: صَلِّ بِالنَّاسِ (3) .
فَلَمَّا هَلَكَ عُتْبَةُ، كَتَبَ عُمَرُ إِلَى المُغِيْرَةِ بِإِمْرَةِ البَصْرَةِ، فَبَقِيَ عَلَيْهَا ثَلاَثَ سِنِيْنَ.
عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ: أَخْبَرَنَا سَعِيْدٌ، عَنْ قَتَادَةَ:
أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ، وَنَافِعَ بنَ الحَارِثِ (4) ، وَشِبْلَ بنَ مَعْبَدٍ، شَهِدُوا عَلَى المُغِيْرَةِ أَنَّهُم رَأَوْهُ يُوْلِجُهُ وَيُخْرِجُهُ، وَكَانَ زِيَادٌ رَابِعَهُم، وَهُوَ الَّذِي أَفْسَدَ عَلَيْهِم.
فَأَمَّا الثَّلاَثَةُ فَشَهِدُوا.
فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: وَاللهِ لَكَأَنِّي بِأَيْرِ جُدَرِيٍّ فِي فَخِذِهَا.
فَقَالَ عُمَرُ حِيْنَ رَأَى زِيَاداً: إِنِّيْ لأَرَى غُلاَماً لَسِناً، لاَ يَقُوْلُ إِلاَّ حَقّاً، وَلَمْ يَكُنْ لِيَكْتُمَنِي.
فَقَالَ: لَمْ أَرَ مَا قَالُوا، لَكِنِّي رَأَيْتُ رِيْبَةً، وَسَمِعْتُ نَفَساً عَالِياً.
فَجَلَدَهُم عُمَرُ، وَخَلاَّهُ (5) .
وَهُوَ زِيَادُ بنُ أَبِيْهِ.
ذَكَرَ القِصَّةَ: سَيْفُ بنُ عُمَرَ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ النَّجَّارِيُّ مُطَوَّلَةً بِلاَ سَنَدٍ (6).
__________
(1) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 38 / آ.
(2) الابلة: بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة انظر " معجم البلدان ".
(3) زاد ابن عساكر: " صل بالناس، فإذا قدم مجاشع بن مسعود من الفرات فهو الأمير، فلما..." والخبر عنده: 17 / 38 / آ / ب.
(4) في الأصل: " نافع بن عبد الحارث " زيادة من الناسخ.
(5) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 38 / ب.
(6) سيف بن عمر: هو كالواقدي متروك، وانظر روايته في " تاريخ الطبري ": 4 / 70.
وأوردها ابن عساكر في تاريخه: 17 / 39 / ب، 40 / 1 / ب.
وانظر الصفحة (6) تعليق (3).

(3/27)


وَقَالَ أَبُو عَتَّابٍ الدَّلاَّلُ: حَدَّثَنَا أَبُو كَعْبٍ صَاحِبُ الحَرِيْرِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ:
كُنَّا جُلُوْساً وَأَبُو بَكْرَةَ وَأَخُوْهُ نَافِعٌ، وَشِبْلٌ، فَجَاءَ المُغِيْرَةُ، فَسلَّم عَلَى أَبِي بَكْرَةَ، فَقَالَ:
أَيُّهَا الأَمِيْرُ! مَا أَخْرَجَكَ مِنْ دَارِ الإِمَارَةِ؟
قَالَ: أَتَحَدَّثُ إِلَيْكُم.
قَالَ: بَلْ تَبْعَثُ إِلَى مَنْ تَشَاءُ.
ثُمَّ دَخَلَ، فَأَتَى بَابَ أُمِّ جَمِيْلٍ (1) العَشِيَّةَ، فَدَخَلَ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: لَيْسَ عَلَى هَذَا صَبْرٌ.
وَقَالَ لِغُلاَمٍ: ارْتَقِ غُرْفَتِي، فَانْظُرْ مِنَ الكُوَّةِ.
فَانْطَلَقَ، فَنَظَرَ، وَجَاءَ، فَقَالَ: وَجَدْتُهُمَا فِي لِحَافٍ، فَقَالَ لِلْقَوْمِ: قَوْمُوا مَعِي.
فَقَامُوا، فَنَظَرَ أَبُو بَكْرَةَ، فَاسْتَرْجَعَ، ثُمَّ قَالَ لأَخِيْهِ: انْظُرْ.
فَنَظَرَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ الزِّنَى مَحْضاً؟
قَالَ: وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بِمَا رَأَى، فَأَتَاهُ أَمْرٌ فَظِيْعٌ.
فَبَعَثَ عَلَى البَصْرَةِ أَبَا مُوْسَى، وَأَتَوْا عُمَرَ، فَشَهِدُوا حَتَّى قَدَّمُوا زِيَاداً، فَقَالَ:
رَأَيْتُهُمَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ، وَسَمِعْتُ نَفَساً عَالِياً، وَلاَ أَدْرِي مَا وَرَاءهُ؟
فَكَبَّرَ عُمَرُ، وَضَرَبَ القَوْمَ إِلاَّ زِيَاداً.
شُعْبَةُ: عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ:
أَوَّلُ مَنْ سُلِّمَ عَلَيْهِ بِالإِمْرَةِ: المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ (2) .
يَعْنِي: قَوْلَ المُؤَذِّنِ عِنْدَ خُرُوْجِ الإِمَامِ إِلَى الصَّلاَةِ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الأَمِيْرُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُوْلُ لِلآخَرِ: غَضِبَ اللهُ عَلَيْك كَمَا غَضِبَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلَى المُغِيْرَةِ، عَزَلَهُ عَنِ البَصْرَةِ، فَوَلاَّهُ الكُوْفَةَ.
قَالَ اللَّيْثُ: وَقْعَةُ أَذْرَبِيْجَانَ كَانَتْ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ، وَأَمِيْرُهَا المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ.
وَقِيْلَ: افْتَتَحَ المُغِيْرَةُ هَمَذَانَ عَنْوَةً.
__________
(1) هي أم جميل بنت الافقم إحدى بني عامر بن صعصعة.
انظر " جمهرة ابن حزم ": 274، و" الطبري ": 4 / 70، و" الاغاني ": 16 / 99.
(2) " ابن سعد ": 6 / 20.

(3/28)


قَالَ اللَّيْثُ: وَحَجَّ بِالنَّاسِ المُغِيْرَةُ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ.
جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ: عَنْ مُغِيْرَةَ:
أَنَّ المُغِيْرَةَ بنَ شُعْبَةَ، قَالَ لِعَلِيٍّ حِيْنَ قُتِلَ عُثْمَانُ: اقْعُدْ فِي بَيْتِكَ، وَلاَ تَدْعُ إِلَى نَفْسِكَ، فَإِنَّكَ لَوْ كُنْتَ فِي جُحْرٍ بِمكَّةَ لَمْ يُبَايِعُوا غَيْرَكَ.
وَقَالَ لِعَلِيٍّ: إِنْ لَمْ تُطِعْنِي فِي هَذِهِ الرَّابِعَةِ، لأَعْتَزِلَنَّكَ، ابْعَثْ إِلَى مُعَاوِيَةَ عَهْدَهُ، ثُمَّ اخْلَعْهُ بَعْدُ.
فَلَمْ يَفْعَلْ، فَاعْتَزَلَهُ المُغِيْرَةُ بِاليَمَنِ.
فَلَمَّا شُغِلَ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ، فَلَمْ يَبْعَثُوا إِلَى المَوْسِمِ أَحَداً؛ جَاءَ المُغِيْرَةُ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، وَدَعَا لِمُعَاوِيَةَ (1) .
سَعِيْدُ بنُ دَاوُدَ الزَّنْبَرِيُّ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَمِّهِ؛ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَقِيَ عَمَّارٌ المُغِيْرَةَ فِي سِكَكِ المَدِيْنَةِ، وَهُوَ مُتَوَشِّحٌ سَيْفاً، فَنَادَاهُ: يَا مُغِيْرَةُ!
فَقَالَ: مَا تَشَاءُ؟
قَالَ: هَلْ لَكَ فِي اللهِ؟
قَالَ: وَدِدْتُ - وَاللهِ - أَنِّي عَلِمْتُ ذَلِكَ، إِنِّي - وَاللهِ - مَا رَأَيْتُ عُثْمَانَ مُصِيْباً، وَلاَ رَأَيْتُ قَبْلَهُ صَوَاباً، فَهَلْ لَكَ يَا أَبَا اليَقْظَانِ أَنْ تَدْخُلَ بَيْتَكَ، وَتَضَعَ سَيْفَكَ حَتَّى تَنْجَلِيَ هَذِهِ الظُّلْمَةُ، وَيَطْلُعَ قَمَرُهَا، فَنَمْشِيَ مُبْصِرِيْنَ؟
قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَعْمَى بَعْدَ إِذْ كُنْتُ بَصِيْراً.
قَالَ: يَا أَبَا اليَقْظَانِ، إِذَا رَأَيْتَ السَّيْلَ، فَاجْتَنِبْ جِرْيَتَهُ (2) .
حَجَّاجُ بنُ أَبِي مَنِيْعٍ: حَدَّثَنَا جَدِّي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
دَعَا مُعَاوِيَةُ عَمْرَو بنَ العَاصِ بِالكُوْفَةِ، فَقَالَ: أَعِنِّي عَلَى الكُوْفَةِ.
قَالَ: كَيْفَ بِمِصْرَ؟
قَالَ: أَسْتَعْمِلُ عَلَيْهَا ابْنَكَ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو.
قَالَ: فَنَعَمْ.
فَبَيْنَا هُم عَلَى ذَلِكَ، جَاءَ المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ - وَكَانَ مُعْتَزِلاً بِالطَّائِفِ - فَنَاجَاهُ مُعَاوِيَةُ.
فَقَالَ المُغِيْرَةُ: تُؤَمِّرُ عَمْراً عَلَى الكُوْفَةِ، وَابْنَهُ عَلَى مِصْرَ، وَتَكُوْنُ كَالقَاعِدِ بَيْنَ لَحْيَيِ الأَسَدِ.
قَالَ: مَا تَرَى؟
قَالَ: أَنَا أَكْفِيْكَ الكُوْفَةَ.
قَالَ: فَافْعَلْ.
فَقَالَ
__________
(1) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 41 / ب.
(2) أورده ابن عساكر: 17 / 41 / ب، 42 / آ مطولا، وله تتمة.

(3/29)


مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو حِيْنَ أَصْبَحَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ كَذَا.
فَفَهِمَ عَمْرٌو، فَقَالَ: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَمِيْرِ الكُوْفَةِ؟
قَالَ: بَلَى.
قَالَ: المُغِيْرَةُ، وَاسْتَغْنِ بِرَأْيِهِ، وَقُوَّتِهِ عَنِ المَكِيْدَةِ، وَاعْزِلْهُ عَنِ المَالِ، قَدْ كَانَ قَبْلَكَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، فَفَعَلاَ ذَلِكَ.
قَالَ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ.
فَدَخَلَ عَلَيْهِ المُغِيْرَةُ، فَقَالَ: إِنِّيْ كُنْتُ أَمَّرْتُكَ عَلَى الجُنْدِ وَالأَرْضِ، ثُمَّ ذَكَرْتُ سُنَّةَ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ قَبْلِي.
قَالَ: قَدْ قَبِلْتُ (1) .
قَالَ اللَّيْثُ: كَانَ المُغِيْرَةُ قَدِ اعْتَزَلَ، فَلَمَّا صَارَ الأَمْرُ إِلَى مُعَاوِيَةَ كَاتَبَهُ المُغِيْرَةُ.
طَلْقُ بنُ غَنَّامٍ: حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ:
كَتَبَ المُغِيْرَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَذَكَر فَنَاءَ عُمُرِهِ، وَفَنَاءَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَجَفْوَةَ قُرَيْشٍ لَهُ.
فَوَرَدَ الكِتَابُ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَزِيَادٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! وَلِّنِي إِجَابَتَهُ.
فَأَلْقَى إِلَيْهِ الكِتَابَ، فَكَتَبَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ ذَهَابِ عُمُرِكَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ غَيْرُكَ، وَأَمَّا فَنَاءُ أَهْلِ بَيْتِكَ، فَلَو أَنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدَرَ أَنْ يَقِيَ أَحَداً لَوَقَى أَهْلَهُ، وَأَمَّا جَفْوَةُ قُرَيْشٍ؛ فَأَنَّى يَكُوْنُ ذَاكَ وَهُمْ أَمَّرُوْكَ (2) .
قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: أَحْصَنَ المُغِيْرَةُ أَرْبَعاً مِنْ بَنَاتِ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَ آخِرُ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْهُنَّ، بِهَا عَرَجٌ (3) .
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ:
سَمِعْتُ قَبِيْصَةَ بنَ جَابِرٍ يَقُوْلُ: صَحِبْتُ المُغِيْرَةَ بنَ شُعْبَةَ، فَلَو أَنَّ مَدِيْنَةً لَهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، لاَ يُخْرَجُ مِنْ بَابٍ مِنْهَا إِلاَّ بِمَكْرٍ، لَخَرَجَ مِنْ أَبْوَابِهَا كُلِّهَا (4).
__________
(1) " ابن عساكر ": 17 / 42 / آ مطولا.
(2) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 43 / 1، وزاد: " فلما قدم الكتاب على المغيرة، فقرأه، قال: اللهم عليك بزياد، اللهم عليك بزياد ".
وما بين الحاصرتين منه.
وقد تحرفت " فأنى " في المطبوع إلى " فإني ".
(3) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 43 / آ، و" الاغاني ": 16 / 86.
(4) المصدر السابق: 17 / 43 / ب.

(3/30)


يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنْ أَبِي السَّفَرِ:
قِيْلَ لِلْمُغِيْرَةِ: إِنَّك تُحَابِي.
قَالَ: إِنَّ المَعْرِفَةَ تَنْفَعُ عِنْدَ الجَمَلِ الصَّؤُوْلِ وَالكَلْبِ العَقُوْرِ، فَكَيْفَ بِالمُسْلِمِ (1) .
عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: عَنْ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، قَالَ: لَقَدْ تَزَوَّجْتُ سَبْعِيْنَ امْرَأَةً، أَوْ أَكْثَرَ.
أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، قَالَ:
كَانَ تَحْتَ المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ.
قَالَ: فَصَفَّهُنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: أَنْتُنَّ حَسَنَاتُ الأَخْلاَقِ، طَوِيْلاَتُ الأَعْنَاقِ، وَلَكِنِّي رَجُلٌ مِطْلاَقٌ، فَأَنْتُنَّ الطَّلاَقُ (2) .
ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ:
كَانَ المُغِيْرَةُ نَكَّاحاً لِلنِّسَاءِ، وَيَقُوْلُ: صَاحِبُ الوَاحِدَةِ إِنْ مَرِضَتْ مَرِضَ، وَإِنْ حَاضَتْ حَاضَ، وَصَاحِبُ المَرْأَتَيْنِ بَيْنَ نَارَيْنِ تُشْعَلاَنِ.
وَكَانَ يَنْكِحُ أَرْبَعاً جَمِيْعاً، وَيُطَلِّقُهُنَّ جَمِيْعاً (3) .
شُعْبَةُ: عَنْ زِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، سَمِعْتُ جَرِيْراً يَقُوْلُ حِيْنَ مَاتَ المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ:
أُوْصِيْكُم بِتَقْوَى اللهِ، وَأَنْ تَسْمَعُوا وَتُطِيْعُوا حَتَّى يَأْتِيَكُم أَمِيْرٌ، اسْتَغْفِرُوا لِلْمُغِيْرَةِ، غَفَرَ اللهُ لَهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ العَافِيَةَ (4) .
وَفِي لَفْظِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ زِيَادٍ: فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ العَفْوَ.
أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ هِلاَلِ بنِ يِسَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ ظَالِمٍ، قَالَ:
كَانَ المُغِيْرَةُ يَنَالُ فِي خُطْبَتِهِ مِنْ عَلِيٍّ، وَأَقَامَ خُطَبَاءَ يَنَالُوْنَ مِنْهُ...،
__________
(1) المصدر السابق: 17 / 44 / آ.
والجمل الصؤول: الذي يأكل راعيه، ويواثب الناس فيأكلهم.
والكلب العقور: كل سبع يجرح ويقتل ويفترس.
(2) المصدر السابق: 17 / 44 / ب، و" الاغاني ": 16 / 87.
(3) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 44، و" البداية ": 8 / 49.
(4) أورد نحوه ابن سعد في " الطبقات ": 6 / 20، 21 من طريق مسعر عن زياد.
وهو عند ابن عساكر: 17 / 45 / آ.

(3/31)


وَذَكَرَ الحَدِيْثَ فِي العَشْرَةِ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ، لِسَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ (1) .
حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ: حَدَّثَنِي إِيَاسُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ القَادِسِيَّةِ، ذَهَبَ المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ فِي عَشْرَةٍ إِلَى صَاحِبِ فَارِسٍ، فَقَالَ:
إِنَّا قَوْمٌ مَجْوُسٌ، وَإِنَّا نَكْرَهُ قَتْلَكُم، لأَنَّكُم تُنَجِّسُوْنَ عَلَيْنَا أَرْضَنَا.
فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نَعْبُدُ الحِجَارَةَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُوْلاً، فَاتَّبَعْنَاهُ، وَلَمْ نَجِئْ لِطَعَامٍ، بَلْ أُمِرْنَا بِقِتَالِ عَدُوِّنَا، فَجِئْنَا لِنَقْتُلَ مُقَاتِلَتَكُم، وَنَسْبِيَ ذَرَارِيَّكُم، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الطَّعَامِ، فَمَا نَجِدُ مَا نَشْبَعُ مِنْهُ؛ فَجِئْنَا، فَوَجَدنَا فِي أَرْضِكُم طَعَاماً كَثِيْراً، وَمَاءً، فَلاَ نَبْرَحُ حَتَّى يَكُوْنَ لَنَا وَلَكُم.
فَقَالَ العِلْجُ: صَدَقَ.
قَالَ: وَأَنْتَ تُفْقَأُ عَيْنُكَ غَداً.
فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ بِسَهْمٍ.
قَالَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ: رَأَيْتُ زِيَاداً وَاقِفاً عَلَى قَبْرِ المُغِيْرَةِ يَقُوْلُ:
إِنَّ تَحْتَ الأَحْجَارِ حَزْماً وَعَزْماً ... وَخَصِيْماً أَلَدَّ ذَا مِعْلاَقِ (2)
حَيَّةٌ فِي الوِجَارِ أَرْبَدُ لاَ يَنْـ ... ـفَعُ مِنْهُ السَّلِيْمَ نَفْثَةُ رَاقِ (3)
وَقَالَ الجَمَاعَةُ: مَاتَ أَمِيْرُ الكُوْفَةِ؛ المُغِيْرَةُ فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ، فِي شَعْبَانَ، وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً.
وَلَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ): اثْنَا عَشَرَ حَدِيْثاً.
وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ: بِحَدِيْثٍ، وَمُسْلِمٌ بِحَدِيْثَيْنِ (4).
__________
(1) انظر تتمة الحديث في " سنن أبي داود " (4648) و(4649) و(4650)، والترمذي
(3749) و(3758).
(2) يقال: رجل معلاق، وذو معلاق، أي: خصم شديد الخصومة يتعلق بالحجج ويستدركها، والمعلاق: اللسان البليغ، ورواه ابن دريد: ذا مغلاق، قال الزمخشري عن المبرد: من رواه بالعين المهملة، فمعناه: إذا علق خصما لم يتخلص منه، وبالغين المعجمة، فتأويله: يغلق الحجة على الخصم، انظر " تاج العروس ": علق.
والبيتان لمهلهل في رثاء أخيه كليب.
(3) انظر " الاغاني ": 16 / 92، و" أسد الغابة ": 5 / 249، و" الصحاح ": علق.
(4) انظر " البخاري ": 1 / 265 و2 / 275 و438 و3 / 13 و130 و6 / 189 - =

(3/32)


8 - عَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي سَرْحٍ بنِ الحَارِثِ العَامِرِيُّ *
الأَمِيْرُ، قَائِدُ الجُيُوْشِ، أَبُو يَحْيَى القُرَشِيُّ، العَامِرِيُّ؛ مِنْ عَامِرِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ.
هُوَ أَخُو عُثْمَانَ مِنَ الرَّضَاعَةِ.
لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةُ حَدِيْثٍ.
رَوَى عَنْهُ: الهَيْثَمُ بنُ شَفِيٍّ.
وَلِيَ مِصْرَ لِعُثْمَانَ.
وَقِيْلَ: شَهِدَ صِفِّيْنَ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اعْتَزَلَ الفِتْنَةَ، وَانْزَوَى إِلَى الرَّمْلَةِ.
قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: اسْتَأْمَنَ عُثْمَانُ لابْنِ أَبِي سَرْحٍ يَوْمَ الفَتْحِ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ.
وَهُوَ الَّذِي فَتَحَ إِفْرِيْقِيَةَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ارْتَدَّ، فَأَهْدَرَ النَّبِيُّ دَمَهُ، ثُمَّ عَادَ مُسْلِماً، وَاسْتَوْهَبَهُ عُثْمَانَ.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: كَانَ صَاحِبَ مَيْمَنَةِ عَمْرِو بنِ العَاصِ، وَكَانَ فَارِسَ بَنِي عَامِرٍ المَعْدُوْدَ فِيْهِم.
غَزَا إِفْرِيْقِيَةَ (1) .
نَزَلَ بِأَخَرَةٍ عَسْقَلاَنَ، فَلَمْ يُبَايِعْ عَلِيّاً وَلاَ مُعَاوِيَةَ.
__________
= 190، و8 / 449، و12 / 155 و13 / 80 - 81 و249. و" مسلم ": (4) في المقدمة، و(189) و(274) و(593) و(915) و(933) و(1499) و(1682) و(1921) و(2135) و(2152) و(2819) و(2939).
(*) طبقات ابن سعد 7 / 496، نسب قريش: 433، طبقات خليفة ت 708 و2713، تاريخ البخاري 5 / 29، المعارف: 300، المعرفة والتاريخ 1 / 253، تاريخ دمشق لأبي زرعة: 1 / 183 و185، الجرح والتعديل 5 / 63، الولاة والقضاة: 11، جمهرة أنساب العرب: 170، الاستيعاب: 918، تاريخ ابن عساكر 9 / 169 / ب، الكامل لابن الأثير 3 / 88، أسد الغابة 3 / 173، تهذيب الأسماء واللغات، القسم الأول من الجزء الأول: 269، العقد الثمين 5 / 166، الإصابة ت 4711، النجوم الزاهرة 1 / 79، حسن المحاضرة 1 / 579، شذرات الذهب 1 / 44.
(1) فتوح مصر ص 183 لابن عبد الحكم، وتاريخ دمشق / 185 و290 لأبي زرعة.

(3/33)


قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
الحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ: عَنْ يَزِيْدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ يَكْتُبُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ، فَلَحِقَ بِالكُفَّارِ.
فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْتَلَ، فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ (1) .
عَلِيُّ بنُ جُدْعَانَ: عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ أَمَرَ بِقَتْلِ ابْنِ أَبِي سَرْحٍ يَوْمَ الفَتْحِ، فَشَفَعَ لَهُ عُثْمَانُ (2).
أَبُو صَالِحٍ: عَنِ اللَّيْثِ، قَالَ:
كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ، وَالِياً لِعُمَرَ عَلَى الصَّعِيْدِ، ثُمَّ وَلاَّهُ عُثْمَانُ مِصْرَ كُلَّهَا، وَكَانَ مَحْمُوْداً.
غَزَا إِفْرِيْقِيَةَ، فَقَتَلَ جُرْجِيْرَ صَاحِبَهَا.
وَبَلَغَ السَّهْمُ لِلْفَارِسِ ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، وَللرَّاجِلِ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
ثُمَّ غَزَا ذَاتِ الصَّوَارِي، فَلَقَوْا أَلْفَ مَرْكَبٍ لِلرُّوْمِ، فَقُتِلَتِ الرُّوْمُ مَقْتَلَةً لَمْ يُقْتَلُوا مِثْلَهَا قَطُّ.
ثُمَّ غَزْوَةَ الأَسَاوِدِ (3) .
وَقِيْلَ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ أَسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ، وَلاَ فَعَلَ مَا يُنْقَمُ عَلَيْهِ بَعْدَهَا.
وَكَانَ أَحَدَ عُقَلاَءِ الرِّجَالِ، وَأَجَوَادِهِم.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، قَالَ:
كَانَ عَمْرُو بنُ العَاصِ عَلَى مِصْرَ لِعُثْمَانَ، فَعَزَلَهُ عَنِ الخَرَاجِ (4) ، وَأَقَرَّهُ عَلَى الصَّلاَةِ وَالجُنْدِ.
وَاسْتَعْمَلَ عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي سَرْحٍ عَلَى الخَرَاجِ، فَتَدَاعَيَا (5) . فَكَتَبَ
__________
(1) سنده حسن، أخرجه أبو داود (4358) في أول الحدود، والنسائي 7 / 107 في تحريم الدم: باب الحكم في المرتد من طريق علي بن الحسين بهذا الإسناد.
وهو في " تاريخ دمشق ": 9 / 172 لابن عساكر.
(2) أخرجه بأطول مما هن " ابن عساكر " 9 / 172 / آ.
(3) " تاريخ ابن عساكر ": 9 / 174 / ب.
(4) في الأصل: " من الخراج " والتصويب من " ابن عساكر ".
(5) لفظ ابن عساكر: " فتباغيا ".

(3/34)


ابْنُ أَبِي سَرْحٍ إِلَى عُثْمَانَ: إِنَّ عَمْراً كَسَرَ الخَرَاجَ عَلَيَّ.
وَكَتَبَ عَمْرٌو: إِنَّ ابْنَ سَعْدٍ (1) كَسَرَ عَلَيَّ مَكِيْدَةَ الحَرْبِ.
فَعَزَلَ عَمْراً، وَأَضَافَ الخَرَاجَ إِلَى ابْنِ أَبِي سَرْحٍ (2) .
وَرَوَى: ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، قَالَ:
أَقَامَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ بِعَسْقَلاَنَ، بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ، وَكَرِهَ أَنْ يَكُوْنَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ: لَمْ أَكُنْ لأُجَامِعَ رَجُلاً قَدْ عَرَفْتُهُ، إِنْ كَانَ لَيَهْوَى قَتْلَ عُثْمَانَ.
قَالَ: فَكَانَ بِهَا حَتَّى مَاتَ (3) .
سَعِيْدُ بنُ أَبِي أَيُّوْبَ: حَدَّثَنِي يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، قَالَ:
لَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ وَهُوَ بِالرَّمْلَةِ، وَكَانَ خَرَجَ إِلَيْهَا فَارّاً مِنَ الفِتْنَةِ، فَجَعَلَ يَقُوْلُ مِنَ اللَّيْلِ: آصْبَحْتُم؟
فَيَقُوْلُوْنَ: لاَ.
فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ، قَالَ: يَا هِشَامُ! إِنِّيْ لأَجِدُ بَرْدَ الصُّبْحِ، فَانْظُرْ.
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَاتِمَةَ عَمَلِي الصُّبْحَ.
فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى، فَقَرَأَ فِي الأُوْلَى: بِأُمِّ القُرْآنِ وَالعَادِيَاتِ، وَفِي الأُخْرَى: بِأُمِّ القُرْآنِ وَسُوْرَةٍ، وَسَلَّمَ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَذَهَبَ يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ، فَقُبِضَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
وَمَرَّ أَنَّهُ تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَالأَصَحُّ: وَفَاتُهُ فِي خِلاَفَةِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (4).
__________
(1) في الأصل: " إن أبي سعد " تصحيف.
(2) " تاريخ ابن عساكر ": 9 / 175 / آ.
(3) " المعرفة والتاريخ ": 1 / 254، و" تاريخ ابن عساكر ": 9 / 176 / ب.
وما بين الحاصرتين منهما.
(4) " تاريخ ابن عساكر ": 9 / 176 / ب، وقوله: " من الفتنة " أي: الفتنة التي وقعت بعد مقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه.

(3/35)


9 - رُوَيفِعُ بنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ * (د، ت، س)
المَدَنِيُّ، ثُمَّ المِصْرِيُّ، الأَمِيْرُ.
لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ: بُسْرُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَحَنَشٌ الصَّنْعَانِيُّ، وَزِيَادُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَأَبُو الخَيْرِ مَرْثَدٌ اليَزَنِيُّ، وَوَفَاءُ بنُ شُرَيْحٍ، وَآخَرُوْنَ.
نَزَلَ مِصْرَ، وَاخْتَطَّ بِهَا.
وَوَلِيَ طَرَابُلْسَ المَغْرِبِ لِمُعَاوِيَةَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ، فَغَزَا إِفْرِيْقِيَةَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ، وَدَخَلَهَا، ثُمَّ انْصَرَفَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: تُوُفِّيَ رُوَيْفِعٌ بِبَرْقَةَ، وَهُوَ أَمِيْرٌ عَلَيْهَا، وَقَدْ رَأَيْتُ قَبْرَهُ بِهَا.
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ بِبَرْقَةَ أَمِيْراً عَلَيْهَا لِمَسْلَمَةَ بنِ مُخَلَّدٍ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ.
قَالَ: وَقَبْرُهُ مَعْرُوْفٌ إِلَى اليَوْمِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
وَأَوَّلُ مَا غُزِيَتْ إِفْرِيْقِيَةُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَكَانَ عَلَى البَرْبَرِ جُرْجِيْرُ فِي مائَتَيْ أَلْفٍ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيْسَ:
أَنَّهُ غَزَا مَعَ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعْدٍ إِفْرِيْقِيَةَ، فَافْتَتَحَهَا، فَأَصَابَ كُلُّ إِنْسَانٍ أَلْفَ دِيْنَارٍ (1).
__________
(*) طبقات ابن سعد 4 / 354، طبقات خليفة ت 724، تاريخ البخاري 3 / 338، الاستيعاب: 504، أسد الغابة 2 / 191، تهذيب الأسماء واللغات: القسم الأول من الجزء الأول: 192، تهذيب الكمال: 423، تاريخ الإسلام 2 / 223، 279، تذهيب التهذيب 1 / 229 ب، البداية والنهاية 8 / 61، الإصابة ت 2699، تهذيب التهذيب 3 / 299، خلاصة تذهيب الكمال: 102، شذرات الذهب 1 / 55.
(1) وأخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق ": 1 / 184، 185 و290 من طريق ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن أبي أويس ! مولى لهم...وفيه: فبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار.
والخبر أيضا عند ابن عبد الحكم في " فتوح مصر ": 1830.

(3/36)


10

- مُعَاوِيَةُ بنُ حُدَيْجِ بنِ جَفْنَةَ بنِ قَتِيْرَةَ (1) الكِنْدِيُّ * (د، س، ق)
الأَمِيْرُ، قَائِدُ الكَتَائِبِ، أَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكِنْدِيُّ، ثُمَّ السَّكُوْنِيُّ.
لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ قَلِيْلَةٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: عُمَرَ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَمُعَاوِيَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شِمَاسَةَ المَهْرِيُّ، وَسُوَيْدُ بنُ قَيْسٍ التُّجِيْبِيُّ، وَعُرْفُطَةُ بنُ عَمْرٍو، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَالِكٍ الشَّيْبَانِيُّ، وَصَالِحُ بنُ حُجَيْرٍ، وَسَلَمَةُ بنُ أَسْلَمَ.
وَوَلِيَ إِمْرَةَ مِصْرَ لِمُعَاوِيَةَ، وَغَزْوَ المَغْرِبِ، وَشَهِدَ وَقْعَةَ اليَرْمُوْكِ.
رَوَى أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ فِي (جُزْئِهِ): أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي أَيُّوْبَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ سُوَيْدِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ حُدَيْجٍ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ شِفَاءٌ، فَشُرْبَةُ عَسَلٍ، أَوْ شَرْطَةُ مِحْجَمٍ، أَوْ كَيَّةٌ بِنَارٍ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ) (2).
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 503، طبقات خليفة ت 477 و2723، تاريخ البخاري 7 / 328، المعرفة والتاريخ 2 / 528، الجرح والتعديل 8 / 377، جمهرة أنساب العرب 429، الاستيعاب 1413، تاريخ ابن عساكر 16 / 327 / ب، أسد الغابة 4 / 383، تهذيب الأسماء واللغات: القسم الأول من الجزء الثاني 101، تهذيب الكمال: 1342، تاريخ الإسلام 2 / 317، العبر 1 / 57، تذهيب التهذيب 4 / 49 ب، البداية والنهاية 8 / 60، الإصابة ت 8064، تهذيب التهذيب 10 / 203، النجوم الزاهرة 1 / 151، حسن المحاضرة 1 / 237، شذرات الذهب 1 / 58.
(1) كذا ضبط في الأصل، وكتب فوقها كلمة (صح) لكن ابن دريد في " الاشتقاق " 369 ضبطها بالتصغير.
وانظر " جمهرة ابن حزم ": 429، و" القاموس " (قتر).
(2) إسناده صحيح، وأحمد بن الفرات: هو الحافظ الحجة محدث أصبهان ت 258 ه.
مترجم في " تذكرة الحفاظ ": 1 / 544، وهو في " المسند " 6 / 401 بهذا الإسناد، وأخرجه =

(3/37)


حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ صَالِحِ بنِ حُجَيْرٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ حُدَيْجٍ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ: (مَنْ غَسَّلَ مَيْتاً، وَكَفَّنَهُ، وَتَبِعَهُ، وَوَلِيَ جُنَّتَهُ، رَجَعَ مَغْفُوْراً لَهُ).
هَذَا مَوْقُوْفٌ.
أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنِدِهِ (1)) هَكَذَا، عَنْ عَفَّانَ، عَنْهُ.
جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بنُ عِمْرَانَ (2) ؛ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شِمَاسَةَ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: مِمَّنْ أَنْتِ؟
قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ مِصْرَ.
قَالَتْ: كَيْفَ وَجَدْتُمُ ابْنَ حُدَيْجٍ فِي غَزَاتِكُم هَذِهِ؟
قُلْتُ: خَيْرُ أَمِيْرٍ، مَا يَقِفُ لِرَجُلٍ مِنَّا فَرَسٌ وَلاَ بَعِيْرٌ إِلاَّ أَبْدَلَ مَكَانَهُ بَعِيْراً، وَلاَ غُلاَمٌ إِلاَّ أَبْدَلَ مَكَانَهُ غُلاَماً.
قَالَتْ: إِنَّهُ لاَ يَمْنَعُنِي قَتْلُهُ أَخِي أَنْ أُحَدِّثَكُم مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنِّيْ سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِم، فَارْفُقْ بِهِ، وَمَنْ شَقَّ عَلَيْهِم، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ (3)).
أَخْبَرْنَا ابْنُ عَسَاكِرَ؛ عَنْ أَبِي رَوْحٍ الهَرَوِيِّ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ، أَخْبَرَنَا
__________
= " البخاري ": 10 / 129 في الطب: باب الحجم من الشقيقة والصداع، ومسلم (2205) (71) في السلام: باب لكل داء دواء، وأحمد 3 / 343، من طريق عاصم بن عمر، عن جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله...فذكره.
(1) 6 / 401، 402، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات ": 7 / 503 من طريق عفان.
ورجاله ثقات خلا صالح بن حجير، فإنه لم يوثقة غير ابن حبان.
وفي الباب عن أبي رافع عند الحاكم: 1 / 354 و362، والبيهقي 3 / 395 مرفوعا بلفظ " من غسل مسلما، فكتم عليه، غفر له أربعين مرة، ومن حفر له، فأجنه، أجري عليه كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة، ومن كفنه كساه الله يوم القيامة من سندس وإستبرق الجنة ".
وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
وقوى إسناده الحافظ ابن حجر في " الدراية ": 140.
(2) في الأصل: " بن أبي عمران " وما أثبتناه هو الصواب كما في " التهذيب " وفروعه.
(3) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1828) في الامارة: باب فضيلة الامام العادل، من طريق جرير بن حازم، وابن وهب، كلاهما عن حرملة، عن عبد الرحمن بن شماسة.
وهو في " المسند ": 6 / 93.

(3/38)


الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُوْسَى السُّدِّيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ خُثَيْمٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ يَسَارٍ (1) الهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَلْحَةَ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ، قَالَ:
حَجَّ مُعَاوِيَةُ وَمَعَهُ مُعَاوِيَةُ بنُ حُدَيْجٍ، وَكَانَ مِنْ أَسَبِّ النَّاسِ لِعَلِيٍّ، فَمَرَّ فِي المَدِيْنَةِ، وَالحَسَنُ جَالِسٌ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَتَاهُ رَسُوْلٌ، فَقَالَ: أَجِبِ الحَسَنَ.
فَأَتَاهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ مُعَاوِيَةُ بنُ حُدَيْجٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَأَنْتَ السَّابُّ عَلِيّاً - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -؟
قَالَ: فَكَأَنَّهُ اسْتَحْيَى.
فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ لَئِنْ وَرَدْتَ عَلَيْهِ الحَوْضَ - وَمَا أُرَاكَ تَرِدُهُ - لَتَجِدَنَّهُ مُشَمِّرَ الإِزَارِ عَلَى سَاقٍ، يَذُوْدُ عَنْهُ رَايَاتِ المُنَافِقِيْنَ ذَوْدَ غَرِيْبَةِ الإِبِلِ، قَوْلَ الصَّادِقِ المَصْدُوْقِ: {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (2) }.
وَرَوَى نَحْوَهُ: قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ، عَنْ بَدْرِ بنِ الخَلِيْلِ، عَنْ مَوْلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ:
قَالَ الحَسَنُ: أَتَعْرِفُ مُعَاوِيَةَ بنَ حُدَيْجٍ؟
قُلْتُ: نَعَمْ...، فَذَكَرَهُ.
قُلْتُ: كَانَ هَذَا عُثْمَانِيّاً، وَقَدْ كَانَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ أَهْلِ صِفِّيْنَ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنَ السَّبِّ؛ السَّيْفُ، فَإِنْ صَحَّ شَيْءٌ، فَسَبِيْلُنَا الكَفُّ وَالاسْتِغْفَارُ لِلصَّحَابَةِ، وَلاَ نُحِبُّ مَا شَجَرَ بَيْنَهُم، وَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنْهُ، وَنَتَوَلَّى أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيّاً.
وَفِي كِتَابِ (الجَمَلِ) لِعَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ مِنْ طرِيقِ ابْنِ لَهِيْعَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَبِيْلٍ، قَالَ:
لَمَّا قُتِلَ حُجْرٌ وَأَصْحَابُهُ، بَلَغَ مُعَاوِيَةَ بنَ حُدَيْجٍ بِإِفْرِيْقِيَةَ، فَقَامَ فِي أَصْحَابِهِ، وَقَالَ:
يَا أَشِقَّائِي وَأَصْحَابِي وَخِيْرَتِي! أَنُقَاتِلُ لِقُرَيْشٍ فِي المُلْكِ، حَتَّى إِذَا اسْتَقَامَ لَهُم وَقَعُوا يَقْتُلُوْنَنَا؟ وَاللهِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهَا ثَانِيَةً بِمَنْ
__________
(1) في الأصل: بشار، والتصويب من " الإكمال " لابن ماكولا: 1 / 318.
(2) أورده ابن عساكر: 16 / 330 / آ / ب.

(3/39)


أَطَاعَنِي مِنَ اليَمَانِيَّةِ لأَقُوْلَنَّ لَهُم:
اعْتَزِلُوا بِنَا قُرَيْشاً، وَدَعُوْهُم يَقْتُلْ بَعْضُهُم بَعْضاً، فَمَنْ غَلَبَ اتَّبَعْنَاهُ (1) .
قُلْتُ: قَدْ كَانَ ابْنُ حُدَيْجٍ مَلِكاً مُطَاعاً مِنْ أَشْرَافِ كِنْدَةَ، غَضِبَ لِحُجْرِ بنِ عَدِيٍّ لأَنَّهُ كِنْدِيٌّ.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ بِمِصْرَ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ، وَوَلَدُهُ إِلَى اليَوْمِ بِمِصْرَ.
قُلْتُ: ذَكَرَ الجُمْهُوْرُ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لَهُ صُحْبَةٌ.
وَذَكَرَهُ فِي بُقْعَةٍ أُخْرَى فِي الطَّبَقَةِ الأُوْلَى بَعْدَ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ: مُعَاوِيَةُ بنُ حُدَيْجٍ الكِنْدِيُّ، لَقِيَ عُمَرَ.

11 - أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ نَضْلَةُ بنُ عُبَيْدٍ * (ع)
صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَضْلَةُ بنُ عُبَيْدٍ عَلَى الأَصَحِّ.
وَقِيْلَ: نَضْلَةُ بنُ عَمْرٍو.
وَقِيْلَ: نَضْلَةُ بنُ عَائِذٍ.
وَيُقَالُ: ابْنُ عَبْدِ اللهِ.
وَقِيْلَ: عَبْدُ اللهِ بنُ نَضْلَةَ.
وَيُقَالُ: خَالِدُ بنُ نَضْلَةَ.
رَوَى: عِدَّةَ أَحَادِيْثَ.
__________
(1) أورده ابن عساكر: 16 / 330 / ب، 331 / آ.
ولم يذكر كتاب الجمل.
(*) طبقات ابن سعد 4 / 298 و7 / 9 و366، طبقات خليفة ت 680 و1466 و3170، تاريخ البخاري 8 / 118، المعارف 336، الكنى 1 / 17، الجرح والتعديل 3 / 355 و8 / 499.
الحلية 2 / 32، الاستيعاب 1495، تاريخ بغداد 1 / 182، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 534، تاريخ ابن عساكر 17 / 286 / آ، أسد الغابة 2 / 93 و3 / 268 و5 / 19، 146،
تهذيب الأسماء واللغات: القسم الأول من الجزء الثاني 179، تاريخ الإسلام 2 / 328، تذهيب التهذيب 4 / 97 ب، الإصابة ت 2117 و8718، تهذيب التهذيب 10 / 446، خلاصة تذهيب الكمال 348.

(3/40)


رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ المُغِيْرَةُ، وَحَفِيْدَتُهُ؛ مُنْيَةُ بِنْتُ عُبَيْدٍ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَأَبُو المِنْهَالِ سَيَّارٌ، وَأَبُو الوَضِيْءِ عَبَّادُ بنُ نُسَيْبٍ، وَكِنَانَةُ بنُ نُعَيْمٍ، وَأَبُو الوَازِعِ جَابِرُ بنُ عَمْرٍو، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، وَآخَرُوْنَ.
نَزَلَ البَصْرَةَ، وَأَقَامَ مُدَّةً مَعَ مُعَاوِيَةَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَسْلَمَ قَدِيْماً، وَشَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ.
قُلْتُ: وَشَهِدَ خَيْبَرَ.
وَكَانَ آدَمَ، رَبْعَةً، وَحَضَرَ حَرْبَ الحَرُوْرِيَّةِ (1) مَعَ عَلِيٍّ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: هُوَ الَّذِي قَتَلَ عَبْدَ العُزَّى بنَ خَطَلٍ (2) تَحْتَ أَسْتَارِ الكَعْبَةِ بِإِذْنِ النَّبِيِّ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
يَحْيَى الحِمَّانِيُّ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ الأَزْرَقِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ:
كُنَّا عَلَى شَاطِئ نَهْرٍ بِالأَهْوَازِ، فَجَاءَ أَبُو بَرْزَةَ يَقُوْدُ فَرَساً، فَدَخَلَ فِي صَلاَةِ العَصْرِ.
فَقَالَ رَجُلٌ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ.
وَكَانَ انْفَلَتَ فَرَسُهُ، فَاتَّبَعَهَا فِي القِبْلَةِ حَتَّى أَدْرَكَهَا، فَأَخَذَ بِالمِقْوَدِ، ثُمَّ صَلَّى.
قَالَ: فَسَمِعَ أَبُو بَرْزَةَ قَوْلَ الرَّجُلِ، فَجَاءَ، فَقَالَ:
مَا عَنَّفَنِي أَحَدٌ مُنْذُ فَارَقْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ هَذَا، إِنِّيْ شَيْخٌ كَبِيْرٌ، وَمَنْزِلِي مُتَرَاخٍ، وَلَوْ أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاَتِي، وَتَرَكْتُ فَرَسِي، ثُمَّ ذَهَبْتُ أَطْلُبُهَا، لَمْ آتِ أَهْلِي إِلاَّ فِي جُنْحِ اللَّيْلِ، لَقَدْ صَحِبْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَيْتُ مِنْ يُسْرِهِ.
فَأَقْبَلْنَا نَعْتِذِرُ مِمَّا قَالَ الرَّجُلُ.
__________
(1) انظر الصفحة (9) تعليق (1).
(2) " زاد المعاد ": 3 / 441، وسماه ابن هشام: 2 / 409، والطبري 3 / 59، 60، ومحمد بن سعد: عبد الله.
(3) انظر " ابن سعد ": 4 / 299 و7 / 366، و" شرح المواهب " 2 / 314، و" عيون الاثر " 2 / 176.

(3/41)


وَكَذَا رَوَاهُ: شُعْبَةُ، عَنِ الأَزْرَقِ، قَالَ:
كُنْتُ مَعَ أَبِي بَرْزَةَ بِالأَهْوَازِ، فَقَامَ يُصَلِّي العَصْرَ، وَعِنَانُ فَرَسِهِ بِيَدِهِ، فَجَعَلَتْ تَرْجِعُ، وَجَعَلَ أَبُو بَرْزَةَ يَنْكُصُ مَعَهَا.
قَالَ: وَرَجُلٌ مِنَ الخَوَارِجِ يَشْتُمُهُ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ:
إِنِّيْ غَزَوْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتّاً، أَوْ سَبْعاً، وَشَهِدْتُ تَيْسِيْرَهُ (1) .
هَمَّامٌ: عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيُّ:
أَنَّ أَبَا بَرْزَةَ كَانَ يَلْبَسُ الصُّوْفَ، فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ أَخَاكَ عَائِذَ بنَ عَمْرٍو يَلْبَسُ الخَزَّ.
قَالَ: وَيْحَكَ! وَمَنْ مِثْلُ عَائِذٍ؟!
فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَأَخْبَرَ عَائِذاً، فَقَالَ: وَمَنْ مِثْلُ أَبِي بَرْزَةَ (2) ؟!
قُلْتُ: هَكَذَا (3) كَانَ العُلَمَاءُ يُوَقِّرُوْنَ أَقْرَانَهُم.
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، قَالَ:
كُنَّا نَقُوْلُ فِي الجَاهِلِيَّةِ: مَنْ أَكَلَ الخَمِيْرَ (4) سَمِنَ، فَأَجْهَضْنَا القَوْمَ (5) يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ خُبْزَةٍ لَهُم، فَجَعَلَ أَحَدُنَا يَأْكُلُ مِنْهُ الكِسْرَةَ، ثُمَّ يَمَسُّ عِطْفَيْهِ، هَلْ سَمِنَ؟
(6) وَقِيْلَ: كَانَتْ لأَبِي بَرْزَةَ جَفْنَةٌ مِنْ ثَرِيْدٍ غُدْوَةً، وَجَفْنَةٌ عَشِيَّةً، لِلأَرَامِلِ وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِيْنِ (7) .
وَكَانَ يَقُوْمُ إِلَى صَلاَةِ اللَّيْلِ، فَيَتَوَضَّأُ، وَيُوْقِظُ أَهْلَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
__________
(1) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 289 / آ.
(2) أورده ابن سعد: 4 / 300 مفصلا، وكذا ابن عساكر: 17 / 290 / ب.
(3) في الأصل: " هذا هكذا " فلعلها زيادة من الناسخ.
(4) لفظ " ابن عساكر " و" المطالب العالية ": " الخبز ".
(5) فأجهضنا القوم: غلبناهم نحيناهم عن مكانهم.
والخبزة: الطلمة: وهي عجين يوضع في الملة حتى ينضج، والملة: الرماد والتراب الذي أوقد فيه النار.
(6) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 289 / ب، وأورده ابن حجر في " المطالب العالية ": 3 / 165، ونسبه لأحمد بن منيع.
(7) الخبر في " ابن سعد " 4 / 299.

(3/42)


وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسِّتِيْنَ (1) إِلَى المائَةِ.
يُقَالُ: مَاتَ أَبُو بَرْزَةَ بِالبَصْرَةِ.
وَقِيْلَ: بِخُرَاسَانَ.
وَقِيْلَ: بِمَفَازَةٍ (2) بَيْنَ هَرَاةَ وَسِجِسْتَانَ.
وَقِيْلَ: شَهِدَ صِفِّيْنَ مَعَ عَلِيٍّ.
يُقَالُ: مَاتَ قَبْلَ مُعَاوِيَةَ فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ بِمَرْوَ.
قِيْلَ: كَانَ أَبُو بَرْزَةَ وَأَبُو بَكْرَةَ مُتَوَاخِيَيْنِ (3) .
الأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنَا أَبُو المِنْهَالِ، قَالَ:
لَمَّا فَرَّ ابْنُ زِيَادٍ، وَرُتِّبَ مَرْوَانُ بِالشَّامِ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، اغْتَمَّ أَبِي، وَقَالَ: انْطَلِقْ مَعِي إِلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ.
فَانْطَلَقْنَا إِلَيْهِ فِي دَارِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَرْزَةَ، أَلاَ تَرَى؟
فَقَالَ: إِنِّيْ أَحْتَسِبُ عِنْدَ اللهِ أَنِّي أَصْبَحْتُ سَاخِطاً عَلَى أَحْيَاءِ (4) قُرَيْشٍ...، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (5).
__________
(1) تحرف في المطبوع إلى " بالسنن " وأخرج أحمد في " المسند " 4 / 419، من طريق يزيد ابن هارون، أخبرنا سليمان التيمي، عن سيار أبي المنهال، عن أبي برزة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يقرأ في صلاة الغداة بالستين إلى المئة.
وإسناده صحيح.
(2) تصحف في المطبوع إلى " بمغارة ".
(3) " طبقات ابن سعد " 7 / 9
(4) تحرف في المطبوع إلى " أخيار ".
(5) الخبر مخروم عند ابن سعد: 4 / 300، وأورده أبو نعيم في " الحلية ": 2 / 32، من طريق الحارث بن أبي أسامة، حدثنا هوذة بن خليفة، حدثنا عوف الاعرابي، عن أبي المنهال، فذكره.
وتمامه: " وأنكم معشر العرب كنتم على الحال الذي قد علمتم من جهالتكم والقلة والذلة والضلالة، وأن الله عزوجل نعشكم بالاسلام، وبمحمد صلى الله عليه وسلم خير الانام، حتى بلغ بكم ما ترون وأن هذه الدنيا هي التي أفسدت بينكم، وأن ذاك الذي بالشام والله إن يقاتل إلا على الدنيا، وأن الذي حولكم الذين تدعونهم قراءكم والله لن يقاتلوا إلا على الدنيا.
قال: فلما لم يدع أحدا، قال له أبي: بما تأمر إذن ؟ قال: لاأرى خير الناس اليوم إلا عصابة ملبدة، خماص البطون من أموال الناس، خفاف الظهور من دمائهم ".
ورجاله ثقات.

(3/43)


12 - حَكِيْمُ بنُ حِزَامِ بنِ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدٍ الأَسَدِيُّ * (ع)
ابْنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ، أَبُو خَالِدٍ القُرَشِيُّ الأَسَدِيُّ.
أَسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ، وَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ.
وَغَزَا حُنَيْناً وَالطَّائِفَ.
وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، وَعُقَلاَئِهَا، وَنُبَلاَئِهَا.
وَكَانَتْ خَدِيْجَةُ عَمَّتَهُ، وَكَانَ الزُّبَيْرُ ابْنَ عَمِّهِ (1) .
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ هِشَامٌ الصَّحَابِيُّ، وَحِزَامٌ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَيُوْسُفُ بنُ مَاهَكَ، وَآخَرُوْنَ، وَعِرَاكُ بنُ مَالِكٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ.
فَأَظُنُّ رِوَايَةَ هَؤُلاَءِ عَنْهُ مُرْسَلَةٌ.
وَقَدِمَ دِمَشْقَ تَاجِراً.
قِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ إِذَا اجْتَهَدَ فِي يَمِيْنِهِ، قَالَ: لاَ وَالَّذِي نَجَّانِي يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ القَتْلِ (2) .
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ: عَاشَ مائَةً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
وَوُلِدَ قَبْلَ عَامِ الفِيْلِ بِثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً.
__________
(*) مسند أحمد 4 / 401 - 403، نسب قريش: 231، طبقات خليفة ت 70، المحبر 176، 473، تاريخ البخاري 3 / 11، جمهرة نسب قريش 1 / 353، المعارف: 311، الجرح والتعديل 3 / 202، المستدرك 3 / 482 - 485، جمهرة أنساب العرب: 121، الاستيعاب 362، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 105، تاريخ ابن عساكر 5 / 123 / آ، أسد الغابة 2 / 40، تهذيب الأسماء واللغات، القسم الأول من الجزء الأول 166، تهذيب الكمال 321، تاريخ الإسلام 2 / 277، العبر 1 / 60، تذهيب التهذيب 1 / 169 ب، مرآة الجنان 1 / 127، البداية والنهاية 8 / 68، العقد الثمين 4 / 221، الإصابة ت 1800، تهذيب التهذيب 2 / 447، خلاصة تذهيب الكمال 77، شذرات الذهب 1 / 60، تهذيب ابن عساكر 4 / 416 .
(1) تحرف في المطبوع إلى " عمته ".
(2) " نسب قريش ": 231.
و" جمهرة نسب قريش ": 363.

(3/44)


وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: كَانَ مِنَ المُؤلَّفَةِ، أَعْطَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ مائَةَ بَعِيْرٍ - فِيْمَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ (1) -.
وَأَوْلاَدُهُ هُم: هِشَامٌ، وَخَالِدٌ، وَحِزَامٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَيَحْيَى، وَأُمُّ سُمَيَّةَ، وَأُمُّ عَمْرٍو، وَأُمُّ هِشَامٍ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ): عَاشَ سِتِّيْنَ سَنَةً فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَسِتِّيْنَ فِي الإِسْلاَمِ.
قُلْتُ: لَمْ يَعِشْ فِي الإِسْلاَمِ إِلاَّ بِضْعاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ عُرْوَةُ عَمَّنْ حَدَّثَهُ:
إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (يَا حَكِيْمُ، إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةً حُلْوَةً (2)).
قَالَ: فَمَا أَخَذَ حَكِيْمٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَلاَ مِمَّنْ بَعْدَهُ دِيْوَاناً وَلاَ غَيْرَهُ.
وَقِيْلَ: قُتِلَ أَبُوْهُ يَوْمَ الفِجَارِ الأَخِيْرِ (3).
__________
(1) " سيرة ابن هشام ": 2 / 493.
(2) أخرجه البخاري 3 / 265 في الزكاة: باب الاستعفاف عن المسألة، و5 / 283 في الوصايا، و6 / 178 في الخمس: باب ماكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم، ومسلم (1035) في الزكاة: باب اليد العليا خير من اليد السفلى، والترمذي (2463)، والنسائي 5 / 101، 102، من طرق عن الزهري، عن عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، أن حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال لي: " يا حكيم، إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس، بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس، لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى " فقال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق، لا أرزأ أحدا بعدك شيئا، حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر يدعو حكيما إلى العطاء.
فيأبي أن يقبله منه، ثم إن عمر دعاه ليعطيه، فأبي أن يقبل منه، فقال: إني أشهدكم معشر المسلمين على حكيم، أني أعرض عليه حقه من هذا الفئ، فيأبي أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه حتى توفي.
وقوله: لا أرزأ: أي ال أنقص ماله بالطلب منه.
(3) الفجار: بالكسر بمعنى المفاجرة، كالقتال والمقاتلة، وذلك أنه كان قتال في الشهر الحرام، ففجروا فيه جميعا، فسمي الفجار.
وللعرب فجارات أربعة، والفجار الأخير هذا شهده =

(3/45)


قَالَ ابْنُ مَنْدَةَ: وُلِدَ حَكِيْمٌ فِي جَوْفِ الكَعْبَةِ، وَعَاشَ مائَةً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ.
رَوَى: الزُّبَيْرُ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ عُثْمَانَ، قَالَ:
دَخَلَتْ أُمُّ حَكِيْمٍ فِي نِسْوَةٍ الكَعْبَةَ، فَضَرَبَهَا المَخَاضُ، فَأُتِيَتْ بِنِطْعٍ حِيْنَ أَعْجَلَتْهَا الوِلاَدَةُ، فَوَلَدَتْ فِي الكَعْبَةِ (1) .
وَكَانَ حَكِيْمٌ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ.
قَالَ الزُّبَيْرُ: كَانَ شَدِيْدَ الأُدْمَةِ، خَفِيْفَ اللَّحْمِ.
(مُسْنَدُ أَحْمَدَ): حَدَّثَنَا عَتَّابُ بنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ عِرَاكِ بنِ مَالِكٍ، أَنَّ حَكِيْمَ بنَ حِزَامٍ قَالَ:
كَانَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا نُبِّئَ وَهَاجَرَ، شَهِدَ حَكِيْمٌ المَوْسِمَ كَافِراً، فَوَجَدَ حُلَّةً لِذِي يَزَنٍ تُبَاعُ؛ فَاشْتَرَاهَا بِخَمْسِيْنَ دِيْنَاراً لِيَهْدِيَهَا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ.
فَقَدِمَ بِهَا عَلَيْهِ المَدِيْنَةَ، فَأَرَادَهُ عَلَى قَبْضِهَا هَدِيَّةً، فَأَبَى.
قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: حَسِبْتُهُ قَالَ: (إِنَّا لاَ نَقْبَلُ مِنَ المُشْرِكِيْنَ شَيْئاً، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ بِالثَّمَنِ).
قَالَ: فَأَعْطَيْتُهُ حِيْنَ أَبَى عَلَيَّ الهَدِيَّةَ (2).
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ.
فَالطَّبَرَانِيُّ وَأَحْمَدُ فِيْهِ طَبَقَةٌ.
__________
= رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أعمامه، وعمره إذ ذاك صلى الله عليه وسلم عشرون سنة، وكانت هذه الحرب بين قريش ومن معهم وبين قيس عيلان.
انظر خبرها في " سيرة ابن هشام " 1 / 184 - 187.
(1) " جمهرة نسب قريش " ص: 353.
والنطع: قطعة من الجلد يوقى بها ما تحتها، وقد تحرفت في المطبوع " حين " إلى " حتى ".
(2) أخرجه أحمد 3 / 402، 403، والطبراني رقم (3125)، ورجال أحمد ثقات، وصححه الحاكم 3 / 484، 485، ووافقه الذهبي، وانظر " المجمع " 4 / 151، و8 / 278.
وانظر - " جمهرة نسب قريش " ص: 361 و362، و" تهذيب ابن عساكر " 4 / 417، 418.

(3/46)


وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ صَالِحٍ زِيَادَةٌ: فَلَبِسَهَا، فَرَأَيْتُهَا عَلَيْهِ عَلَى المِنْبَرِ، فَلَمْ أَرَ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ فِيْهَا، ثُمَّ أَعْطَاهَا أُسَامَةَ.
فَرَآهَا حَكِيْمٌ عَلَى أُسَامَةَ، فَقَالَ: يَا أُسَامَةُ! أَتَلْبَسُ حُلَّةَ ذِي يَزَنٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَاللهِ لأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، وَلأَبِي خَيْرٌ مِنْ أَبِيْهِ.
فَانْطَلَقْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَأَعْجَبْتُهُم بِقَوْلِهِ.
الوَاقِدِيُّ: عَنِ الضَّحَّاكِ بنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَهْلِهِ، قَالُوا:
قَالَ حَكِيْمٌ: كُنْتُ تَاجِراً أَخْرُجُ إِلَى اليَمَنِ وَآتِي الشَّامَ، فَكُنْتُ أَرْبَحُ أَرْبَاحاً كَثِيْرَةً، فَأَعُوْدُ عَلَى فُقَرَاءِ قَوْمِي.
وَابْتَعْتُ بِسُوْقِ عُكَاظٍ زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ لِعَمَّتِي بِسِتِّ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا تَزَوَّجَ بِهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَبَتْهُ زَيْداً، فَأَعْتَقَهُ.
فَلَمَّا حَجَّ مُعَاوِيَةُ، أَخَذَ مُعَاوِيَةُ مِنِّي دَارِي بِمَكَّةَ بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، فَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ: مَا يَدْرِي هَذَا الشَّيْخُ مَا بَاعَ.
فَقُلْتُ: وَاللهِ مَا ابْتَعْتُهَا إِلاَّ بِزِقٍّ مِنْ خَمْرٍ.
وَكَانَ لاَ يَجِيْءُ أَحَدٌ يَسْتَحْمِلُهُ فِي السَّبِيْلِ إِلاَّ حَمَلَهُ (1) .
الزُّبَيْرُ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمْزَةَ، قَالَ:
كَانَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ لَمَّا حَصَرُوا بَنِي هَاشِمٍ فِي الشِّعْبِ، كَانَ حَكِيْمٌ تَأْتِيْهِ العِيْرُ بِالحِنْطَةِ، فَيُقْبِلَهَا (2) الشِّعْبَ، ثُمَّ يَضْرِبُ أَعْجَازَهَا، فَتَدْخُلُ عَلَيْهِم، فَيَأْخُذُوْنَ مَا عَلَيْهَا.
عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَمَّا قَرُبَ مِنْ مَكَّةَ: (أَرْبَعَةٌ أَرْبَأُ بِهِم عَنِ الشِّرْكِ: عَتَّابُ بنُ أَسِيْدٍ، وَجُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ، وَحَكِيْمُ بنُ حِزَامٍ، وَسُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو (3)).
قُلْتُ: أَسْلَمُوا، وَحَسُنَ إِسْلاَمُهُم.
__________
(1) " جمهرة نسب قريش " 367 - 369 مطولا.
(2) يقال: أقبل الابل الطريق: أسلكها إياه، وذكل أن يجعل وجوهها مستقبلة وجه
الطريق وقد تصحف في المطبوع إلى " فيقيلها ".
والخبر في " جمهرة نسب قريش " ص: 355.
(3) أخرجه الزبير في " جمهرة نسب قريش " ص: 362، 363، وفيه: عن عطاء، قال: لا أحسبه إلا رفعه إلى ابن عباس.
وإسناده ضعيف: فيه مجهول وضعيفان.

(3/47)


حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَ الفَتْحِ: (مَنْ دَخَلَ دَار أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ حَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ بُدَيْلِ بنِ وَرْقَاءَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ (1)).
ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ، وَحَكِيْمَ بنَ حِزَامٍ، وَبُدَيْلَ بنَ وَرْقَاءَ أَسْلَمُوا، وَبَايَعُوا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَعَثَهُمْ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَدْعُوْنَهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ (2) .
مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدٍ، وَعُرْوَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى حَكِيْماً يَوْمَ حُنَيْنٍ فَاسْتَقَلَّهُ، فَزَادَهُ.
فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَيُّ عَطِيَّتِكَ خَيْرٌ؟
قَالَ: (الأُوْلَى).
وَقَالَ: (يَا حَكِيْمٌ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ، وَحُسْنِ أُكْلَةٍ، بُوْرِكَ لَهُ فِيْهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِاسْتِشْرَافِ نَفْسٍ، وَسُوْءِ أُكْلَةٍ، لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيْهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ).
قَالَ: وَمِنْكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (وَمِنِّي).
قَالَ: فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لاَ أَرْزَأُ أَحَداً بَعْدَكَ شَيْئاً.
قَالَ: فَلَمْ يَقْبَلْ دِيْوَاناً وَلاَ عَطَاءً حَتَّى مَاتَ.
فَكَانَ عُمَرُ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُشْهِدُكَ عَلَى حَكِيْمٍ أَنِّي أَدْعُوْهُ لِحَقِّهِ وَهُوَ يَأْبَى.
فَمَاتَ حِيْنَ مَاتَ، وَإِنَّهُ لَمِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالاً.
__________
(1) رجاله ثقات، لكنه مرسل، وقد أورده الحافظ في " الفتح " 8 / 11، ونسبه إلى موسى
ابن عقبة في " المغازي ".
وفي " صحيح مسلم " (1780) (86) في الجهاد: باب فتح مكة من حديث أبي هريرة، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن ".
(2) رجاله ثقات، لكنه مرسل، وأبو سلمة هو موسى بن إسماعيل التبوذكي.

(3/48)


رَوَاهُ هَكَذَا: عَبْدُ الرَّزَّاقِ (1) .
وَرَوَاهُ: الوَاقِدِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ؛ وَفِيْهِ: قَالاَ: حَدَّثَنَا حَكِيْمٌ.
هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ حَكِيْمٍ:
أَعْتَقْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَرْبَعِيْنَ مُحَرَّراً، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ (2)).
لَفْظُ ابْنُ عُيَيْنَةَ.
أَبُو مُعَاوِيَةَ: عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا، وَفِيْهِ: (أَسْلَمْتَ عَلَى صَالِحِ مَا سَلَفَ لَكَ).
فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، لاَ أَدَعُ شَيْئاً صَنَعْتُهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ إِلاَّ صَنَعْتُ للهِ فِي الإِسْلاَمِ مِثْلَهُ.
وَكَانَ أَعْتَقَ فِي الجَاهِلِيَّةِ مائَةَ رَقَبَةٍ، وَأَعْتَقَ فِي الإِسْلاَمِ مِثْلَهَا، وَسَاقَ فِي الجَاهِلِيَّةِ مائَةَ بَدَنَةٍ، وَفِي الإِسْلاَمِ مِثْلَهَا.
الزُّبَيْرُ: أَخْبَرَنَا مُصْعَبُ بنُ عُثْمَانَ؛ سَمِعْتُهُم يَقُوْلُوْنَ: لَمْ يَدْخُلْ دَارَ
__________
(1) أخرجه الطبراني (3078) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، وعن هشام بن عروة، عن أبيه، ورواية الواقدي أخرجها في " مغازيه " 3 / 945، وانظر " مسند الحميدي " رقم (553)، وانظر الصفحة 45، تعليق (2) (2) أخرجه أحمد في " المسند " 3 / 434، من طريق سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن حكيم، وأخرجه الحميدي في " مسنده " (554) من طريق سفيان، عن هشام، وأخرجه الطبراني (3084) من طريق بشر بن موسى، عن الحميدي، عن سفيان بن عيينة به، وأخرجه أحمد 3 / 402، والبخاري 3 / 239 في الزكاة، و10 / 355 في الأدب، ومسلم (123)
في الايمان، من طريق ابن شهاب، عن عروة، عن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية، هل لي فيها من شيء ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسلمت على ما أسلفت من خير " " هذا لفظ مسلم ".
والتحنث: التعبد.
وأخرج البخاري 5 / 122 في العتق، ومسلم (123) (196) من طريقين عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن حكيم بن حزام أعتق في الجاهلية مئة رقبة، وحمل على مئة بعير، فلما أسلم حمل على مئة بعير، وأعتق مئة رقبة، قال: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، أرأيت اشياء كنت أصنعها في الجاهلية، كنت أتحنث بها، (يعني: أتبرر بها) قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسلمت على ما سلف لك من خير ".

(3/49)


النَّدْوَةِ لِلرَّأْيِ أَحَدٌ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، إِلاَّ حَكِيْمَ بنَ حِزَامٍ، فَإِنَّهُ دَخَلَ لِلرَّأْيِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ.
وَهُوَ أَحَدُ النَّفَرِ الَّذِيْنَ دَفَنُوا عُثْمَانَ لَيْلاً (1) .
يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ مُصْعَبَ بنَ ثَابِتٍ يَقُوْلُ:
بَلَغَنِي -وَاللهِ - أَنَّ حَكِيْمَ بنَ حِزَامٍ حَضَرَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَمَعَهُ مائَةُ رَقَبَةٍ، وَمائَةُ بَدَنَةٍ، وَمائَةُ بَقَرَةٍ، وَمائَةُ شَاةٍ، فَقَالَ: الكُلُّ للهِ (2) .
وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: مَا بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ بِالمَدِيْنَةِ أَكْثَرَ حَمْلاً فِي سَبِيْلِ اللهِ مِنْ حَكِيْمٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّ حَكِيْماً بَاعَ دَارَ النَّدْوَةِ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِمائَةَ أَلْفٍ.
فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: بِعْتَ مَكْرُمَةَ قُرَيْشٍ.
فَقَالَ: ذَهَبَتِ المَكَارِمُ يَا ابْنَ أَخِي إِلاَّ التَّقْوَى، إِنِّيْ اشْتَرَيْتُ بِهَا دَاراً فِي الجَنَّةِ، أُشْهِدُكُم أَنِّي قَدْ جَعَلْتُهَا للهِ (3) .
الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ الزُّبَيْرُ، لَقِيَ حِكِيْمٌ عَبْدَ اللهِ بنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: كَمْ تَرَكَ أَخِي مِنَ الدَّيْنِ؟
قَالَ: أَلْفَ أَلْفٍ.
قَالَ: عَلَيَّ خَمْسُ مائَةِ أَلْفٍ (4) .
مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَنْ أَبِيْهِ:
قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: قُتِلَ أَبِي، وَتَرَكَ دَيْناً كَثِيْراً، فَأَتَيْتُ حَكِيْمَ بنَ حِزَامٍ أَسْتَعِيْنُ بِرَأْيِهِ، فَوَجَدْتُهُ يَبِيْعُ بَعِيْراً...، الحَدِيْثَ (5).
__________
(1) " جمهرة نسب قريش " ص: 376.
(2) أخرجه الطبراني (3075)، ومصعب بن ثابت لين، ثم هو مرسل، وانظر الهيثمي 9 / 384، وهو في " تهذيب ابن عساكر " 4 / 442، وانظر، " جمهرة نسب قريش " ص: 356 و372.
(3) أخرجه الطبراني (3073) بإسنادين، قال الهيثمي في " المجمع " 9 / 384: أحدهما حسن، وانظر " جمهرة نسب قريش " ص: 354.
(4) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 424.
(5) أخرجه مطولا بتمامه الزبير بن بكار في " جمهرة نسب قريش " ص: 364.

(3/50)


الأَصْمَعِيُّ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ سَعْدٍ صَاحِبُ المَحَامِلِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَالَ حَكِيْمُ بنُ حِزَامٍ: مَا أَصْبَحْتُ وَلَيْسَ بِبَابِي صَاحِبُ حَاجَةٍ، إِلاَّ عَلِمْتُ أَنَّهَا مِنَ المَصَائِبِ الَّتِي أَسْأَلُ اللهَ الأَجْرَ عَلَيْهَا (1).
قَالَ الهَيْثَمُ، وَالمَدَائِنِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَشَبَابٌ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ دُخِلَ عَلَى حَكِيْمٍ عِنْدَ المَوْتِ وَهُوَ يَقُوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، قَدْ كُنْتُ أَخْشَاكَ، وَأَنَا اليَوْمَ أَرْجُوْكَ (2) .
وَكَانَ حَكِيْمٌ عَلاَّمَةً بِالنَّسَبِ، فَقِيْهَ النَّفْسِ، كَبِيْرَ الشَّأْنِ.
يَبْلُغُ عَدَدُ مُسْنَدِهِ أَرْبَعِيْنَ (3) حَدِيْثاً.
لَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) أَرْبَعَةُ أَحَادِيْثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا (4).
وَ

13 - هِشَامُ بنُ حَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ الأَسَدِيُّ ابْنُهُ * (م، د، س)
لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ.
__________
(1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 424.
(2) ذكره الزبير بن بكار في " جمهرة نسب قريش " ص: 377، عن إبراهيم بن المنذر، عن سفيان بن حمزة الاسلمي، عن كثير بن زيد مولى الاسلميين، عن عثمان بن سليمان بن أبي حثمة.
(3) في الأصل: " أربعون " وهو خطأ.
(4) انظر البخاري: 3 / 235 و239، و4 / 263، و11 / 221، ومسلم: (123) و(1034) و(1035) و(1532).
(*) مسند أحمد 3 / 403 و468، نسب قريش 231، طبقات خليفة: ت (71)، تاريخ البخاري 8 / 191، جمهرة نسب قريش 1 / 377، الجرح والتعديل 9 / 53، معجم الطبراني 3 / 207، الاستيعاب: 1538، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 550، أسد الغابة 5 / 61، تهذيب الأسماء واللغات: القسم الأول من الجزء الثاني 137، تهذيب الكمال: 1438، تذهيب التهذيب 4 / 114 / ب، العقد الثمين 7 / 370، الإصابة: ت (8965)، تهذيب التهذيب 11 / 37، خلاصة تذهيب الكمال: 351.

(3/51)


حَدَّثَ عَنْهُ: جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرُهُمَا.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ صَلِيْباً، مَهِيْباً.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ يَأْمُرُ بِالمَعْرُوْفِ، وَيَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، فَكَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى مُنْكَراً، قَالَ: أَمَّا مَا عِشْتُ أَنَا وَهِشَامُ بنُ حَكِيْمٍ، فَلاَ يَكُوْنُ هَذَا (1).
وَقِيْلَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَارَعَهُ مَرَّةً، فَصَرَعَهُ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ.

14 - كَعْبُ بنُ عُجْرَةَ الأَنْصَارِيُّ السَّالِمِيُّ المَدَنِيُّ * (ع)
مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ.
لَهُ: عِدَّةُ أَحَادِيْثَ.
رَوَى عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ سَعْدٌ، وَمُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ المَلِكِ، وَرَبِيْعٌ، وَطَارِقُ بنُ شِهَابٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَعْقِلٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، وَآخَرُوْنَ.
حَدَّثَ بِالكُوْفَةِ وَبِالبَصْرَةِ - فِيْمَا أَرَى -.
__________
(1) " جمهرة نسب قريش " ص 378.
(*) مسند أحمد 4 / 241، طبقات خليفة: ت (938)، تاريخ البخاري 7 / 220، المعرفة والتاريخ 1 / 319، الجرح والتعديل 7 / 160، جمهرة أنساب العرب: 442، الاستيعاب: 1321، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 429، تاريخ ابن عساكر 14 / 277 / ب، أسد الغابة 4 / 243، تهذيب الأسماء واللغات: القسم الأول من الجزء الثاني 68، تهذيب الكمال: 1146، تاريخ الإسلام 2 / 313، العبر 1 / 57، تذهيب التهذيب 3 / 170 / آ، مرآة الجنان 1 / 125، البداية والنهاية 8 / 60، الإصابة: ت (7421)، تهذيب التهذيب 8 / 435، خلاصة تذهيب الكمال: 273، شذرات الذهب 1 / 58.

(3/52)


مَاتَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ.
قَالَ كَعْبٌ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالحُدَيْبِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُوْنَ، وَقَدْ صَدَّهُ المُشْرِكُوْنَ، فَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ (1) ، فَجَعَلَتِ الهَوَامُّ تَسَّاقَطُ عَلَى وَجْهِي.
فَمَرَّ بِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (أَتُؤْذِيْكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟).
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَأَمَرَ أَنْ يُحْلَقَ، وَنَزَلَتْ فِيَّ آيَةُ الفِدْيَةِ (2) .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هُوَ بَلَوِيٌّ مِنْ حُلفَاءِ الخَزْرَجِ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: هُوَ مِنْ أَنْفُسِهِم.
وَذَكَرَ عَنْ رِجَالِهِ، قَالُوا: اسْتَأْخَرَ إِسْلاَمُ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ.
وَكَانَ لَهُ صَنَمٌ يُكْرِمُهُ وَيَمْسَحُهُ، فَكَانَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلاَمِ، فَيَأْبَى.
وَكَانَ عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ لَهُ خَلِيْلاً، فَرَصَدَهُ يَوْماً، فَلَمَّا خَرَجَ، دَخَلَ عُبَادَةُ وَمَعَهُ قَدُوْمٌ، فَكَسَرَهُ.
فَلَمَّا أَتَى كَعْبٌ، قَالَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟
قَالُوا: عُبَادَةُ.
فَخَرَجَ مُغْضَباً، ثُمَّ فَكَّرَ فِي نَفْسِهِ، وَأَتَى عُبَادَةَ، فَأَسْلَمَ.
ضِمَامُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: حَدَّثَنِي يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَمُوْسَى بنُ وَرْدَانَ، عَنْ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، قَالَ:
أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْماً، فَرَأَيْتُهُ مُتَغَيِّراً.
__________
(1) في " النهاية " لابن الأثير: الوفرة: شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الاذن.
(2) أخرجه البخاري 7 / 351 في المغازي: باب غزوة الحديبية.
وآية الفدية هي: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أؤ صدقة أو نسك).
وأخرجه البخاري في عدة مواطن، فهو عنده في الحج: باب قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية)، وباب النسك شاة، وفي التفسير: باب (فمن كان منكم مريضا)، وفي المرضى: باب قول المريض: إني وجع، أو وارأساه، وفي الطب: باب الحلق من الأذى، وفي الايمان والنذور: باب كفارات الايمان، وأخرجه مالك 1 / 417 في الحج: باب فدية من حلق قبل أن ينحر، ومسلم (1201) في الحج: باب جواز حلق الرأس للمحرم، وأبو داود (1856) و(1857) و(1858) و(1859) و(1860) و(1861)، والترمذي (953)، والنسائي 5 / 194، 195، وابن ماجه (3079)، وهو في " تاريخ دمشق " لابن عساكر 14 / 277 / ب.

(3/53)


قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي، مَا لِي أَرَاكَ مُتَغَيِّراً؟
قَالَ: (مَا دَخَلَ جَوْفِي شَيْءٌ مُنْذُ ثَلاَثٍ).
فَذَهَبْتُ، فَإِذَا يَهُوْدِيٌّ يَسْقِي إِبِلاً لَهُ، فَسَقَيْتُ لَهُ عَلَى كُلِّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، فَجَمَعْتُ تَمْراً، فَأَتَيْتُهُ بِهِ.
فَقَالَ: (أَتُحِبُّنِي يَا كَعْبُ؟).
قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ، نَعَمْ.
قَالَ: (إِنَّ الفَقْرَ أَسْرَعُ إِلَى مَنْ يُحِبُّنِي مِنَ السَّيْلِ إِلَى مَعَادِنِهِ، وَإِنَّكَ سَيُصِيْبُكَ بَلاَءٌ، فَأَعِدَّ لَهُ تِجْفَافاً).
قَالَ: فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: مَرِيْضٌ.
فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ: (أَبْشِرْ يَا كَعْبُ).
فَقَالَتْ أُمُّهُ: هَنِيْئاً لَكَ الجَنَّةَ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ هَذِهِ المُتَأَلِّيَةُ عَلَى اللهِ؟).
قَالَ: هِيَ أُمِّي.
قَالَ: (مَا يُدْرِيْكِ يَا أُمَّ كَعْبٍ، لَعَلَّ كَعْباً قَالَ مَا لاَ يَنْفَعُهُ، أَوْ مَنَعَ مَا لاَ يُغْنِيْهِ).
رَوَاهُ: الطَّبَرَانِيُّ (1) .
مِسْعَرٌ: عَنْ ثَابِتِ بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ:
بَعَثَنِي أَبِي إِلَى كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، فَإِذَا هُوَ أَقْطَعُ، فَقُلْتُ لأَبِي: بَعَثْتَنِي إِلَى رَجُلٍ أَقْطَعَ!
قَالَ: إِنَّ يَدَهُ قَدْ دَخَلَتِ الجَنَّةَ، وَسَيَتْبَعُهَا - إِنْ شَاءَ اللهُ - (2).

15 - عَمْرُو بنُ العَاصِ بنِ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ - وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ - السَّهْمِيُّ .
__________
(1) أخرجه ابن عساكر 14 / 279 / آ، وقال في آخر الحديث: قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن كعب بن عجرة إلا موسى بن وردان. تفرد به ضمام.
وذكره المنذري في " الترغيب والترهيب " 4 / 191، 192، ونقل عن شيخه الحافظ أبي الحسن قوله: إسناده جيد.
(2) ابن عساكر 14 / 279 / ب.
(*) مسند أحمد 4 / 202، طبقات ابن سعد 4 / 254 و7 / 493، نسب قريش: 409 وما بعدها، طبقات خليفة: ت (147)، (970)، (2820)، المحبر: 77، 121، 177، تاريخ البخاري 6 / 303، المعارف: 285، المستدرك 3 / 452 - 455، المعرفة والتاريخ 1 / 323، تاريخ الطبري 4 / 558، مروج الذهب 3 / 212، الولاة والقضاة: انظر الفهوس، =

(3/54)


دَاهِيَةُ قُرَيْشٍ، وَرَجُلُ العَالَمِ، وَمَنْ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي الفِطْنَةِ، وَالدَّهَاءِ، وَالحَزْمِ.
هَاجَرَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْلِماً فِي أَوَائِلِ سَنَةِ ثَمَانٍ، مُرَافِقاً لِخَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَحَاجِبِ الكَعْبَةِ عُثْمَانَ بنِ طَلْحَةَ، فَفَرِحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُدُوْمِهِمْ وَإِسْلاَمِهِم، وَأَمَّرَ عَمْراً عَلَى بَعْضِ الجَيْشِ، وَجَهَّزَهُ لِلْغَزْوِ.
لَهُ أَحَادِيْثُ لَيْسَتْ كَثِيْرَةً؛ تَبْلُغُ بِالمُكَرَّرِ نَحْوَ الأَرْبَعِيْنَ.
اتَّفَقَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ مِنْهَا.
وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثٍ، وَمُسْلِمٌ بِحَدِيْثَيْنِ (1) .
وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: عَائِشَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَمَوْلاَهُ؛ أَبُو قَيْسٍ، وَقَبِيصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَجَعْفَرُ بنُ المُطَّلِبِ بنِ أَبِي وَدَاعَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُنَيْنٍ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ مُرْسَلاً، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شِمَاسَةَ المَهْرِيُّ، وَعُمَارَةُ بنُ خُزَيْمَةَ بنِ ثَابِتٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ، وَأَبُو مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيْلٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الأَشْعَرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
= جمهرة أنساب العرب: 163، وانظر الفهرس، الاستيعاب: 1184، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 362، تاريخ ابن عساكر 13 / 245 / آ، جامع الأصول 9 / 103، أسد الغابة 4 / 115، الكامل 3 / 274، الحلة السيراء 1 / 13، تهذيب الأسماء واللغات: القسم الأول من الجزء الثاني: 30، تهذيب الكمال ص: 1038، تاريخ الإسلام 2 / 235، تذهيب التهذيب 3 / 101 / آ، مرآة الجنان 1 / 119، العقد الثمين 6 / 398، غاية النهاية: ت (2455)، الإصابة: ت (5884)، تهذيب التهذيب 8 / 56، النجوم الزاهرة 1 / 113، خلاصة تذهيب الكمال: 246، شذرات الذهب 1 / 53، حسن المحاضرة 1 / 224، البداية والنهاية 4 / 236 - 238، و8 / 24 - 27، المغازي 2 / 741.
(1) انظر البخاري 7 / 19، و10 / 351، و13 / 268، ومسلم: (121) و(215) و(1096) و(1716) و(2384).

(3/55)


قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: هُوَ أَخُو عُرْوَةَ بنِ أُثَاثَةَ لأُمِّهِ.
وَكَانَ عُرْوَةُ مِمَّنْ هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ البَرْقِيِّ: كَانَ عَمْرٌو قَصِيْراً، يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
أَسْلَمَ قَبْلَ الفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ.
وَقِيْلَ: قَدِمَ هُوَ، وَخَالِدٌ، وَابْنُ طَلْحَةَ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ مِنْهَا.
قَالَ البُخَارِيُّ: وَلاَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ.
نَزَلَ المَدِيْنَةَ، ثُمَّ سَكَنَ مِصْرَ، وَبِهَا مَاتَ.
رَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ابْنَا العَاصِ مُؤْمِنَانِ، عَمْرٌو وَهِشَامٌ (1)).
وَرَوَى: عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ ا لوَرْدِ؛ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ طَلْحَةُ:
أَلاَ أُحَدِّثُكُم عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ؟ إِنِّيْ سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (عَمْرُو بنُ العَاصِ مِنْ صَالِحِي قُرَيْشٍ؛ نِعْمَ أَهْلُ البَيْتِ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأُمُّ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدُ اللهِ (2)).
الثَّوْرِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ:
عَقَدَ
__________
(1) إسناده حسن، أخرجه أحمد 2 / 304 و327 و353، وابن سعد 4 / 191، والحاكم 3 / 240 و452، وابن عساكر 13 / 252 / آ، من طرق عن حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
وله شاهد عند ابن سعد 4 / 192، عن عمرو بن حكام، عن شعبة، عن عمرو بن دينار، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمه..وهذا سند حسن في الشواهد، لان عمرو بن حكام يكتب حديثه على ضعفه للاستشهاد.
(2) وأخرجه أحمد 1 / 161 من طريق وكيع، حدثنا نافع بن عمر وعبد الجبار بن الورد بهذا الإسناد، ورجاله ثقات، لكنه منقطع، لان ابن أبي مليكة - وهو عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله - لم يدرك طلحة، فإن طلحة قتل يوم الجمل سنة 36، وابن أبي مليكة مات سنة 117 ه، فبين وفاتيهما 81 سنة، وأخرجه الترمذي (3845) مختصرا بلفظ: " إن عمرو بن العاص من صالح قريش " وقال: هذا حديث إنما نعرفه من حديث نافع بن عمر الجمحي، ونافع ثقة، وليس إسناده بمتصل، ابن أبي مليكة لم يدرك طلحة، وهو في " تاريخ ابن عساكر " 13 / 253 / آ، وسيذكره المصنف في ترجمة ابنه عبد الله.

(3/56)


رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوَاءً لِعَمْرٍو عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَسَرَاةِ أَصْحَابِهِ.
قَالَ الثَّوْرِيُّ: أُرَاهُ، قَالَ: فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ (1) .
مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ قَبِيصَةَ بنِ جَابِرٍ:
قَدْ صَحِبْتُ عَمْرَو بنَ العَاصِ، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَبْيَنَ، أَوْ أَنْصَعَ رَأْياً، وَلاَ أَكْرَمَ جَلِيْساً مِنْهُ، وَلاَ أَشْبَهَ سَرِيْرَةً بِعَلاَنِيَةٍ مِنْهُ (2).
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: كَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى الرَّجُلَ يَتَلَجْلَجُ فِي كَلاَمِهِ، قَالَ: خَالِقُ هَذَا وَخَالِقُ عَمْرِو بنِ العَاصِ وَاحِدٌ (3) !
رَوَى: مُوْسَى بنُ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ؛ سَمِعَ عَمْراً يَقُوْلُ:
لاَ أَمَلُّ ثَوْبِي مَا وَسِعَنِي، وَلاَ أَمَلُّ زَوْجَتِي مَا أَحْسَنَتْ عِشْرَتِي، وَلاَ أَمَلُّ دَابَّتِي مَا حَمَلَتْنِي، إِنَّ المَلاَلَ مِنْ سَيِّئِ الأَخْلاَقِ.
وَرَوَى: أَبُو أُمَيَّةَ بنُ يَعْلَى، عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ:
قَالَ رَجُلٌ لِعَمْرِو بنِ العَاصِ: صِفْ لِيَ الأَمْصَارَ.
قَالَ: أَهْلُ الشَّامِ: أَطْوَعُ النَّاسِ لِمَخْلُوْقٍ، وَأَعْصَاهُ لِلْخَالِقِ، وَأَهْلُ مِصْرَ: أَكْيَسُهُم صِغَاراً، وَأَحْمَقُهُم كِبَاراً، وَأَهْلُ الحِجَازِ: أَسْرَعُ النَّاسِ إِلَى الفِتْنَةِ، وَأَعْجَزُهُم عَنْهَا، وَأَهْلُ العِرَاقِ: أَطْلَبُ النَّاسِ لِلْعِلْمِ، وَأَبْعَدُهُم مِنْهُ (4).
__________
(1) ابن عساكر 13 / 255 / آ.
وغزوة ذات السلاسل كانت في جمادى الآخرة سنة ثمان، وهي وراء وادي القرى، وبينها وبين المدينة عشرة أيام، وقد نزلوا على ماء لجذام، يقال له: السلسل فيما قال ابن إسحاق، ولذلك سميت ذات السلاسل.
انظر خبرها في " طبقات ابن سعد " 2 / 131، و" سيرة ابن هشام " 2 / 623، و" شرح المواهب " 2 / 277 - 280.
(2) سيرد الخبر مطولا ص 49.
(3) وأورده ابن عساكر 13 / 264 / آ.
(4) أبو أمية بن يعلى ضعيف، وكذا شيخه علي بن زيد، فالخبر لا يصح، وأورده الفسوي في " تاريخه " 2 / 411، من طريق نعيم بن حماد ورشدين بن سعد - وكلاهما ضعيف - عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله.

(3/57)


رَوَى: مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
دُهَاةُ العَرَبِ أَرْبَعَةٌ: مُعَاوِيَةُ، وَعَمْرٌو، وَالمُغِيْرَةُ، وَزِيَادٌ، فَأَمَّا مُعَاوِيَةُ: فَلِلأَنَاةِ وَالحِلْمِ؛ وَأَمَّا عَمْرٌو: فَلِلْمُعْضِلاَتِ؛ وَالمُغِيْرَةُ: لِلمُبَادَهَةِ؛ وَأَمَّا زِيَادٌ: فَلِلصَّغِيْرِ وَالكَبِيْرِ.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ (1) : كَانَ عَمْرٌو مِنْ فُرْسَانِ قُرَيْشٍ وَأَبْطَالِهِم فِي الجَاهِلِيَّةِ، مَذْكُوْراً بِذَلِكَ فِيْهِم.
وَكَانَ شَاعِراً، حَسَنَ الشِّعْرِ، حُفِظَ عَنْهُ مِنْهُ الكَثِيْرُ فِي مَشَاهِدَ شَتَّى، وَهُوَ القَائِلُ:
إِذَا المَرْءُ لَمْ يَتْرُكْ طَعَاماً يُحِبُّهُ ... وَلَمْ يَنْهَ قَلْباً غَاوِياً حَيْثُ يَمَّمَا
قَضَى وَطَراً مِنْهُ وَغَادَرَ سُبَّةً ... إِذَا ذُكِرَتْ أَمْثَالُهَا تَمْلأُ الفَمَا (2)
وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَكَانَ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَذْكُرُ اللَّيْلَةَ الَّتِي وُلِدَ فِيْهَا عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
وَقَدْ سُقْنَا مِنْ أَخْبَارِ عَمْرٍو فِي (المَغَازِي) وَفِي مَسِيْرِهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَفِي سِيْرَةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَفِي الحَوَادِثِ، وَأَنَّهُ افْتَتَحَ إِقْلِيْمَ مِصْرَ، وَوَلِيَ إِمْرَتَهُ زَمَنَ عُمَرَ، وَصَدْراً مِنْ دَوْلَةِ عُثْمَانَ.
ثُمَّ أَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ الإِقْلِيْمَ، وَأَطْلَقَ لَهُ مَغَلَّهُ سِتَّ سِنِيْنَ لِكَوْنِهِ قَامَ بِنُصْرَتِهِ، فَلَمْ يَلِ مِصْرَ مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ إِلاَّ سَنَتَيْنِ وَنَيِّفاً.
وَلَقَدْ خَلَّفَ مِنَ الذَّهَبِ قَنَاطِيْرَ مُقَنْطَرَةً.
وَقَدْ سُقْتُ مِنْ أَخْبَارِهِ فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ (3)) جُمْلَةً، وَطَوَّلَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ تَرْجَمَتَهُ (4).
__________
(1) في " الاستيعاب " في ترجمته ص 1188.
(2) من قصيدة له يذكر عمارة بن الوليد المخزومي عند ما اتهمه النجاشي بالزنى، أوردها صاحب " الاغاني ": 9 / 57، 58 والبيتان في " الاستيعاب ".
(3) 2 / 235 - 241.
(4) من 245 / 1 - 270 / 2 في " تاريخه ".

(3/58)


وَكَانَ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ رَأْياً، وَدَهَاءً، وَحَزْماً، وَكَفَاءةً، وَبَصَراً بِالحُرُوْبِ، وَمِنْ أَشْرَافِ مُلُوْكِ العَرَبِ، وَمِنْ أَعْيَانِ المُهَاجِرِيْنَ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ وَيَعفُو عَنْهُ، وَلَوْلاَ حُبُّهُ لِلدُّنْيَا، وَدُخُوْلُهُ فِي أُمُوْرٍ، لَصَلُحَ لِلْخِلاَفَةِ، فَإِنَّ لَهُ سَابِقَةً لَيْسَتْ لِمُعَاوِيَةَ.
وَقَدْ تَأَمَّرَ عَلَى مِثْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؛ لِبَصَرِهِ بِالأُمُوْرِ وَدَهَائِهِ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ رَاشِدٍ مَوْلَى حَبِيْبٍ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَوْسٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ العَاصِ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفْنَا مِنَ الخَنْدَقِ، جَمَعْتُ رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ، فَقُلْتُ:
وَاللهِ إِنَّ أَمْرَ مُحَمَّدٍ يَعْلُو عُلُوّاً مُنْكَراً، وَاللهِ مَا يَقُوْمُ لَهُ شَيْءٌ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَأْياً.
قَالُوا: وَمَا هُوَ؟
قُلْتُ: أَنْ نَلْحَقَ بِالنَّجَاشِيِّ عَلَى حَامِيَتِنَا، فَإِنْ ظَفِرَ قَوْمُنَا، فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا نَرْجِعُ إِلَيْهِم، وَإِنْ يَظْهَرْ مُحَمَّدٌ، فَنَكُوْنُ تَحْتَ يَدَيِ النَّجَاشِيِّ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُوْنَ تَحْتَ يَدَيْ مُحَمَّدٍ.
قَالُوا: أَصَبْتَ.
قُلْتُ: فَابْتَاعُوا لَهُ هَدَايَا، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يُهْدَى إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الأَدَمُ، فَجَمَعْنَا لَهُ أَدَماً كَثِيْراً، وَقَدِمْنَا عَلَيْهِ، فَوَافَقْنَا عِنْدَهُ عَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ، قَدْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ.
فَلَمَّا رَأَيْتُهُ، قُلْتُ: لَعَلِّي أَقْتُلُهُ.
وَأَدْخَلْتُ الهَدَايَا، فَقَالَ: مَرْحَباً وَأَهْلاً بِصَدِيْقِي.
وَعَجِبَ بِالهَدِيَّةِ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا المَلِكُ! إِنِّيْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ مُحَمَّدٍ عِنْدَكَ، وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ وَتَرَنَا، وَقَتَلَ أَشْرَافَنَا، فَأَعْطِنِيْهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ.
فَغَضِبَ، وَضَرَبَ أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ كَسَرَهُ، فَلَو انْشَقَّتْ لِيَ الأَرْضُ دَخَلْتُ فِيْهَا، وَقُلْتُ: لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَكْرَهُ هَذَا لَمْ أَسْأَلْكَهُ.
فَقَالَ: سَأَلْتَنِي أَنْ أُعْطِيَكَ رَسُوْلَ رَجُلٍ يَأْتِيْهِ النَّامُوْسُ (1) الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوْسَى الأَكْبَرَ تَقْتُلَهُ؟!
فَقُلْتُ: وَإِنَّ ذَاكَ لَكَذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَاللهِ إِنِّيْ لَكَ نَاصِحٌ فَاتَّبِعْهُ، فَوَاللهِ
__________
(1) الناموس: جبريل عليه السلام، وكذا ؟ ؟ أهل الكتاب.
وفي حديث ورقة لخديجة رضي الله عنها: إن كان ما تقولين حقا، فإنه ليأتيه الناموس الذي كان يأتي موسى عليه السلام.

(3/59)


لَيَظْهَرَنَّ كَمَا ظَهَرَ مُوْسَى وَجُنُوْدُهُ.
قُلْتُ: أَيُّهَا المَلِكُ! فَبَايِعْنِي أَنْتَ لَهُ عَلَى الإِسْلاَمِ.
فَقَالَ: نَعَمْ.
فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الإِسْلاَمِ، وَخَرَجْتُ عَلَى أَصْحَابِي وَقَدْ حَالَ رَأْيٌ.
فَقَالُوا: مَا وَرَاءكَ؟
فَقُلْتُ: خَيْرٌ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ، جَلَسْتُ عَلَى رَاحِلَتِي، وَانْطَلَقْتُ، وَتَرَكْتُهُم، فَوَاللهِ إِنِّيْ لأَهْوِي إِذْ لَقِيْتُ خَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ، فَقَلْتُ: إِلَى أَيْنَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ؟
قَالَ: أَذْهَبُ -وَاللهِ - أُسْلِمُ، إِنَّهُ -وَاللهِ - قَدِ اسْتَقَامَ المِيْسَمُ، إِنَّ الرَّجُلَ لَنَبِيٌّ مَا أَشُكُّ فِيْهِ.
فَقُلْتُ: وَأَنَا وَاللهِ.
فَقَدِمْنَا المَدِيْنَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي، وَلَمْ أَذْكُرْ مَا تَأَخَّرَ.
فَقَالَ لِي: (يَا عَمْرُو! بَايِعْ، فَإِنَّ الإِسْلاَمَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ (1)).
ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ سُوَيْدِ بنِ قَيْسٍ (2) ، عَنْ قَيْسِ بنِ سُمَيٍّ (3) :
أَنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ
__________
(1) رجاله ثقات خلا راشد مولى حبيب، فلم يوثقه غير ابن حبان، وأخرجه من طريق ابن
إسحاق بنحوه ابن هشام في " السيرة ": 2 / 276، 277، وأحمد في " المسند ": 4 / 198، 199، وهو في " تاريخ ابن عساكر ": 13 / 249 / آ، وأخرجه الواقدي في " مغازيه ": 2 / 741 - 745 من طريق عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه قال: قال عمرو بن العاص...بأبسط من رواية ابن إسحاق.
وأخرج مسلم في " صحيحه " (121) في الايمان: باب كون الإسلام يهدم ما قبله، من طريق ابن شماسة المهري قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت، فبكى طويلا، حول ووجهه إلى الجدار..وفيه: فلما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابسط يمينك فلابايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي قال: " مالك يا عمرو ؟ قال: قلت: أردت أن اشترط.
قال: " تشترط بماذا " ؟ قلت: أن يغفر لي.
قال: " أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وان الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله..."
(2) تحرف في المطبوع إلى " نصر ".
(3) قيس بن سمي - وفي الأصل ومسند أحمد " شفي " وهو تحريف - ترجمه الحسيني فقال: قيس بن سمي بن الأزهر التجيبي، شهد فتح مصر، وروى عن عمرو بن العاص، وعنه سويد بن قيس: ليس بالمشهور.
وتعقبه الحافظ ابن حجر في " تعجيل المنفعة "، فقال: قد عرفه أبو سعيد ابن يونس، ونسبه، فساق نسبه إلى سعد بن تجيب، ثم قال: وهو جد حيوة بن الرواع بن عبد =

(3/60)


لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي؟
قَالَ: (إِنَّ الإِسْلاَمَ وَالهِجْرَةَ يَجُبَّانِ مَا كَانَ قَبْلَهُمَا).
قَالَ: فَوَاللهِ إِنِّيْ لأَشَدُّ النَّاسِ حَيَاءً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا مَلأْتُ عَيْنِي مِنْهُ وَلاَ رَاجَعْتُهُ (1) .
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ الطَّائِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
لَمَّا رَأَى عَمْرُو بنُ العَاصِ أَمْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَظْهَرُ، خَرَجَ إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَأَهْدَى لَهُ، فَوَافَقَ عِنْدَهُ عَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ فِي تَزْوِيْجِ أُمِّ حَبِيْبَةَ، فَلَقِيَ عَمْرٌو عَمْراً، فَضَرَبَهُ، وَخَنَقَهُ.
ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَأَخْبَرَهُ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: وَاللهِ لَوْ قَتَلْتَهُ مَا أَبْقَيْتُ مِنْكُم أَحَداً، أَتَقْتُلَ رَسُوْلَ رَسُوْلِ اللهِ؟
فَقُلْتُ: أَتَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُوْلُ اللهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَقُلْتُ: وَأَنَا أَشْهَدُ؛ ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ.
ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ، فَعَانَقْتُهُ، وَعَانَقَنِي، وَانْطَلَقْتُ سَرِيْعاً إِلَى المَدِيْنَةِ، فَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَايَعْتُهُ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لِي مَا تَقدَّمَ مِنْ ذَنْبِي (2) .
النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: أَخْبَرْنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ:
اسْتَأْذَنَ جَعْفَرٌ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ائْذَنْ لِي أَنْ آتِيَ أَرْضاً أَعَبْدُ اللهَ فِيْهَا لاَ أَخَافُ أَحَداً.
فَأَذِنَ لَهُ؛ فَأَتَى النَّجَاشِيَّ.
قَالَ عُمَيْرٌ: فَحَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ العَاصِ، قَالَ:
لَمَّا رَأَيْتُ مَكَانَهُ، حَسَدْتُهُ، فَقُلْتُ لِلنَّجَاشيِّ: إِنَّ بِأَرْضِكَ رَجُلاً ابْنُ عَمِّهِ بِأَرْضِنَا، وَإِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاسِ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّكَ - وَاللهِ - إِنْ لَمْ
__________
= الملك بن قيس صاحب الدار المعروفة بمصر.
قال: وكان ولده بإفريقية، ومن شهد فتح مصر يكون إما صحابيا وإما مخضرما، فلا يقال فيه بعد هذا التعريف: ليس بمشهور.
(1) أخرجه أحمد في " المسند ": 4 / 204، وحديث مسلم في ص (60) ت (1) يشهد له.
(2) محمد بن عمر هو الواقدي متروك.
والخبر منقطع.
ولم نجده في المطبوع من " طبقات ابن سعد " وربما يكون سقط من ترجمته فإن بها خرما كبيرا يزيد على عشرين صفحة، فقد قال المؤلف الذهبي في " تاريخ الإسلام ": 2 / 240: " ولعمرو بن العاص ترجمة طويلة في " طبقات ابن سعد " ثمان عشرة ورقة " والمطبوع من ترجمته خمس ورقات تقريبا.

(3/61)


تَقْتُلْهُ وَأَصْحَابَهُ، لاَ أَقْطَعْ هَذِهِ النُّطْفَةَ (1) إِلَيْكَ أَبَداً.
قَالَ: ادْعُهُ.
قُلْتُ: إِنَّهُ لاَ يَجِيْءُ مَعِي.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مَعِي رَسُوْلاً، فَجَاءَ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى البَابِ، نَادَيْتُ: ائْذَنْ لِعَمْرِو بنِ العَاصِ.
وَنَادَى هُوَ: ائْذَنْ لِحِزْبِ اللهِ.
فَسَمِعَ صَوْتَهُ، فَأَذِنَ لَهُ وَلأَصْحَابِهِ، ثُمَّ أَذِنَ لِي، فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ جِئْتُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلْتُهُ خَلْفِي.
قَالَ: وَأَقْعَدْتُ بَيْنَ كُلِّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِي.
فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: نَخِّرُوا (2) .
فَقُلْتُ: إِنَّ ابْنَ عَمِّ هَذَا بِأَرْضِنَا يَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ.
قَالَ: فَتَشَهَّدَ، فَإِنِّي أَوَّلُ مَا سَمِعْتُ التَّشَهُّدَ لَيَوْمَئِذٍ.
وَقَالَ: صَدَقَ، هُوَ ابْنُ عَمِّي، وَأَنَا عَلَى دِيْنِهِ.
قَالَ: فَصَاحَ صِيَاحاً، وَقَالَ: أَوَّه.
حَتَّى قُلْتُ: مَا لابْنِ الحَبَشِيَّةِ؟
فَقَالَ: نَامُوْسٌ مِثْلُ نَامُوْسِ مُوْسَى، مَا يَقُوْلُ فِي عِيْسَى؟
قَالَ: يَقُوْلُ: هُوَ رُوْحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ.
فَتَنَاوَلَ شَيْئاً مِنَ الأَرْضِ، فَقَالَ: مَا أَخْطَأَ مِنْ أَمْرِهِ مِثْلَ هَذِهِ.
وَقَالَ: لَوْلاَ مُلْكِي لاتَّبَعْتُكُم.
وَقَالَ لِعَمْرٍو: مَا كُنْتُ أُبَالِي أَنْ لاَ تَأْتِيَنِي أَنْتَ وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ أَبَداً.
وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: اذْهَبْ، فَأَنْتَ آمِنٌ بِأَرْضِي، مَنْ ضَرَبَكَ قَتَلْتُهُ (3) .
قَالَ: فَلَقِيْتُ جَعْفَراً خَالِياً، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: نَعَمْ (4) ، إِنِّيْ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ وَعَبْدُهُ.
فَقَالَ: هَدَاكَ اللهُ.
فَأَتَيْتُ أَصْحَابِي، فَكَأَنَّمَا
__________
(1) النطفة: أراد بها ماء البحر.
أي: لا نسافر إليك.
(2) أي: تكلموا.
كما جاء مفسرا في رواية البزار من قبل عمرو بن العاص راوي الحديث.
قال ابن الأثير في " النهاية ": نخروا: أي تكلموا.
كذا فسر في الحديث، ولعله إن كان عربيا مأخوذ من النخير: الصوت، ويروى بالجيم نجروا: أي سوقوا الكلام.
وقد التبست على محقق المطبوع، فلم يتبينها، فرسمها كما هي، وقال: هكذا في الأصل.
(3) في رواية أبي يعلى زيادة هي: " ومن سبك غرمته، وقال لآذنه: متى أتاك هذا يستأذن علي.
فائذن له، إلا أن أكون عند أهلي، فإن كنت عند أهلي، فأخبره، فإن أبي، فائذن له ".
(4) في " المطالب العالية ": " تعلمن "، وفي " المجمع ": " أتعلم "، وفي " كشف الاستار ": " تعلم ".

(3/62)


شَهِدُوْهُ مَعِي، فَأَخَذُوْنِي، فَأَلْقَوْا عَلَيَّ قَطِيْفَةً، وَجَعَلُوا يَغُمُّوْنِي (1) ، وَجَعَلْتُ أُخْرِجُ رَأْسِي مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا، حَتَّى أَفْلَتُّ وَمَا عَلَيَّ قِشْرَةٌ (2).
فَلَقِيْتُ حَبَشِيَّةً، فَأَخَذْتُ قِنَاعَهَا (3) ، فَجَعَلْتُهُ عَلَى عَوْرَتِي، فَقَالَتْ كَذَا وَكَذَا.
وَأَتَيْتُ جَعْفَراً، فَقَالَ: مَا لَكَ؟
قُلْتُ: ذُهِبَ بِكُلِّ شَيْءٍ لِي.
فَانْطَلَقَ مَعِي إِلَى بَابِ المَلِكِ، فَقَالَ: ائْذَنْ لِحِزْبِ اللهِ.
فَقَالَ آذِنُهُ: إِنَّهُ مَعَ أَهْلِهِ.
قَالَ: اسْتَأْذِنْ لِي.
فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّ عَمْراً قَدْ بَايَعَنِي (4) عَلَى دِيْنِي.
فَقَالَ: كَلاَّ.
قَالَ: بَلَى.
فَقَالَ لإِنْسَانٍ: اذْهَبْ، فَإِنْ كَانَ فَعَلَ، فَلاَ يَقُوْلَنَّ لَكَ شَيْئاً إِلاَّ كَتَبْتَهُ.
قَالَ: فَجَاءَ، فَجَعَلَ يَكْتُبُ مَا أَقُوْلُ حَتَّى مَا تَرَكْنَا شَيْئاً حَتَّى القَدَحَ، وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ آخُذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِلَى مَالِي لَفَعَلْتُ (5) .
وَعَنْ عَمْرٍو، قَالَ: حَضَرْتُ بَدْراً مَعَ المُشْرِكِيْنَ، ثُمَّ حَضَرْتُ أُحُداً،
__________
(1) أي: يغطوني، ويحبسون نفسي من الخروج.
(2) أي: اللباس.
(3) القناع: ما تغطي به المرأة رأسها.
(4) في " المطالب " و" المجمع ": " تابعني "، وفي " كشف الاستار ": " إن عمرا قد ترك دينه واتبع ديني ".
(5) عمير بن إسحاق لم يرو عنه غير عبد الله بن عون فيما قاله أبو حاتم والنسائي، وقال ابن معين: لا يساوي شيئا، ووثقه مرة.
وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في " الثقات ".
وأورده العقيلي في " الضعفاء " لأنه لم يرو عنه غير واحد.
وقال ابن عدي: لا أعلم روى عنه غير ابن عون، وله من الحديث شيء يسير، ويكتب حديثه.
وباقي رجال الإسناد ثقات.
وأورده ابن حجر في " المطالب العالية ": 4 / 195 - 198، ونسبه لأبي يعلى، وقال: هذا إسناد حسن، إلا أنه مخالف للمشهور أن إسلام عمرو على يد النجاشي نفسه.
وأخرجه البزار في " مسنده " كما في " كشف الاستار " (1740)، وقال: لا نعلمه يروى عن جعفر عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد وذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد ": 6 / 27 - 29، وقال: رواه الطبراني والبزار، وعمير بن إسحاق وثقه ابن حبان وغيره، وفيه كلام لا يضره، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وقد تقدم الحديث في الجزء الأول: 437 في أخبار النجاشي.

(3/63)


فَنَجَوْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: كَمْ أَوْضَعُ؟
فَلَحِقْتُ بِالوَهْطِ (1) ، وَلَمْ أَحْضُرْ صُلْحَ الحُدَيْبِيَةِ.
سُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ الطَّلْحِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ يَحْيَى، عَنْ عَمِّهِ مُوْسَى بنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيْهِ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ لَرَشِيْدُ الأَمْرِ (2)).
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، حَدَّثَنِي مِشْرَحٌ، سَمِعْتُ عُقْبَةَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بنُ العَاصِ (3)).
عَمْرُو بنُ حَكَّامٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمِّهِ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ابْنَا العَاصِ مُؤْمِنَانِ) (4).
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَمْرِو بنِ
__________
(1) الوهط - وقد تحرف في المطبوع إلى " الرهط " -: قربة بالطائف على ثلاثة أميال من وج كانت لعمرو بن العاص.
وقال ابن الاعرابي: عرش عمرو بن العاص بالوهط ألف ألف عود كرم على ألف ألف خشبة، ابتاع كل خشبة بدرهم، فحج سليمان بن عبد الملك، فمر بالوهط، فقال: أحب أن أنظر إليه، فلما رآه، قال: هذا أكرم مال وأحسنه، ما رأيت لأحد مثله لولا أن هذه الحرة في وسطه، فقيل له: ليست بحرة ولكنها مسطاح الزبب، وكان زبيبه جمع في وسطه.
انظر
" معجم البلدان "، وانظر تعريف المصنف للوهط ص 89
(2) إسناده ضعيف لضعف إسحاق بن يحيى، وجهالة راويه عنه، وهو في " تاريخ ابن عساكر ": 13 / 252 / آ.
(3) إسناده حسن، والمقرئ هو عبد الله بن يزيد المخزومي المدني، وروايته عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه، وهو في " المسند " 4 / 155، وأخرجه الترمذي (3844) من طريق قتيبة عن ابن لهيعة به.
(4) عمرو بن حكام ضعيف، وباقي رجاله ثقات، وهو في " طبقات ابن سعد " 4 / 192، و" تاريخ ابن عساكر " 13 / 252 / آ، وله شاهد حسن تقدم في الصفحة (56) ت (1) يتقوى به.

(3/64)


العَاصِ، قَالَ:
كَانَ فَزَعٌ بِالمَدِيْنَةِ، فَأَتَيْتُ سَالِماً مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَهُوَ مُحْتَبٍ بِحَمَائِلِ سَيْفِهِ، فَأَخَذْتُ سَيْفاً، فَاحْتَبَيْتُ بِحَمَائِلِهِ.
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ كَانَ مَفْزَعُكُم إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ؟ أَلاَ فَعَلْتُم كَمَا فَعَلَ هَذَانِ المُؤْمِنَانِ (1) ؟).
اللَّيْثُ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، عَنِ ابْنِ يَخَامِرَ (2) السَّكْسَكِيِّ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَإِنَّهُ يُحِبُّكَ وَيُحِبُّ رَسُوْلَكَ (3)).
مُنْقَطِعٌ.
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيْدَ، عَنْ سُوَيْدِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ زُهَيْرِ بنِ قَيْسٍ البَلَوِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ رَمْثَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عَمْرَو بنَ العَاصِ إِلَى البَحْرَيْنِ، فَخَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ فِي سَرِيَّةٍ، وَخَرَجْنَا مَعَهُ، فَنَعَسَ، وَقَالَ: (يَرْحَمُ اللهُ عَمْراً).
فَتَذَاكَرْنَا كُلَّ مَنِ اسْمُهُ عَمْرٌو.
قَالَ: فَنَعَسَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: (رَحِمَ اللهُ عَمْراً).
ثُمَّ نَعَسَ الثَّالِثَةَ، فَاسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: (رَحِمَ اللهُ عَمْراً).
قُلْنَا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَنْ عَمْرٌو هَذَا؟
قَالَ: (عَمْرُو بنُ العَاصِ).
قُلْنَا: وَمَا شَأْنُهُ؟
قَالَ: (كُنْتُ إِذَا نَدَبْتُ النَّاسَ إِلَى الصَّدَقَةِ، جَاءَ فَأَجْزَلَ مِنْهَا.
فَأَقُوْلُ: يَا عَمْرُو! أَنَّى لَكَ هَذَا؟
فَقَالَ: مِنْ عِنْدِ اللهِ.
قَالَ: وَصَدَقَ عَمْرٌو؛ إِنَّ لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْراً كَثِيْراً) (4).
__________
(1) إسناده حسن، وهو في " المسند " 4 / 203.
و" تاريخ ابن عساكر " 13 / 252.
(2) بفتح الياء والخاء وكسر الميم، وقد تحرف في المطبوع إلى " مخامر " وهو مالك بن يخامر السكسكي الحمصي صاحب معاد بن جبل.
(3) أورده ابن عساكر: 13 / 252 / ب، وخص بالصلاة أبا بكر وعمر وعثمان وأبا عبيدة ثم عمرو بن العاص، وقال في نهايته: هذا الحديث على إرساله فيه انقطاع بين يزيد ومالك بن يخامر.
(4) رجاله ثقات خلا زهير بن قيس البلوي، فقد ترجمه البخاري: 3 / 428 وابن أبي حاتم: 3 / 568، فلم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، وأخرجه الفسوي في " تاريخه ": 2 / 512 =

(3/65)


الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: عَنْ يَحْيَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حِبَّانَ بنِ أَبِي جَبَلَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ، قَالَ:
مَا عَدَلَ بِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِخَالِدٍ مُنْذُ أَسْلَمْنَا أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي حَرْبِهِ (1) .
مُوْسَى بنُ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، سَمِعَ عَمْراً يَقُوْلُ:
بَعَثَ إِلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (خُذْ عَلَيْكَ ثِيَابَكَ (2) وَسِلاَحَكَ، ثُمَّ ائْتِنِي).
فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَصَعَّدَ فِيَّ البَصَرَ، وَصَوَّبَهُ، فَقَالَ: (إِنِّيْ أُرِيْدُ أَنْ أَبْعَثَكَ عَلَى جَيْشٍ، فَيُسَلِّمَكَ اللهُ وَيُغْنِمَكَ، وَأَرْغَبُ لَكَ رَغْبَةً صَالِحَةً مِنَ المَالِ).
قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا أَسْلَمْتُ مِنْ أَجْلِ المَالِ، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِي الإِسْلاَمِ، وَلأَنْ أَكُوْنَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ: (يَا عَمْرُو! نِعِمَّا بِالمَالِ الصَّالِحِ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ (3)).
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْسٍ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْراً فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ، فَأَصَابَهُم بَرْدٌ.
فَقَالَ لَهُم عَمْرٌو: لاَ يُوْقِدَنَّ أَحَدٌ نَاراً.
فَلَمَّا قَدِمَ شَكَوْهُ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! كَانَ فِيْهِم قِلَّةٌ، فَخَشِيْتُ أَنْ يَرَى العَدُوُّ قِلَّتَهُم، وَنَهَيْتُهُم أَنْ يَتَّبِعُوا العَدُوَّ مَخَافَةَ أَنْ يَكُوْنَ لَهُم كَمِيْنٌ.
فَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (4).
__________
= وابن عبد الحكم في " فتوح مصر ": 307 من طريق الليث به وأورده الحافظ في " الإصابة " في ترجمة علقمة بن رمثة: 7 / 47، ونسبه للبخاري في " تاريخه ": 7 / 40، وابن يونس وأحمد والبغوي وابن مندة من طرق عن يزيد بن أبي حبيب بهذا الإسناد.
وهو في " أسد الغابة ": 4 / 84، و" تاريخ دمشق " لابن عساكر: 13 / 253 / ب.
(1) " ابن عساكر " 13 / 253 / ب.
(2) تحرف في المطبوع إلى " شأنك ".
(3) أخرجه أحمد: 4 / 197 و202، والبخاري في " الأدب المفرد " (299) من طرق عن موسى بن علي، عن أبيه، عن عمرو بن العاص، وهذا سند صحيح، وصححه ابن حبان (1089) والحاكم 2 / 2، ووافقه الذهبي، وهو في " ابن عساكر " 13 / 253 / ب.
(4) " ابن عساكر " 13 / 254 / ب.

(3/66)


وَكِيْعٌ: عَنْ مُنْذْرِ بنِ ثَعْلَبَةَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ:
قَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ: لَمْ يَدَعْ عَمْرُو بنُ العَاصِ النَّاسَ أَنْ يُوْقِدُوا نَاراً، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا صَنَعَ بِالنَّاسِ، يَمْنَعُهْم مَنَافِعَهُم؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: دَعْهُ، فَإِنَّمَا وَلاَّهُ رَسُوْلُ اللهِ لِعِلْمِهِ بِالحَرْبِ (1) .
وَكَذَا رَوَاهُ: يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُنْذِرٍ.
وَصَحَّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ عَمْرٍو:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ، وَفِيْهِم أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ (2) .
يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ: عَنْ عِمْرَانَ بنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ:
أَنَّ عَمْراً كَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ، فَأَصَابَهُم بَرْدٌ شَدِيْدٌ لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ، فَخَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ، فَقَالَ:
احْتَلَمْتُ البَارِحَةَ، وَلَكِنِّي -وَاللهِ - مَا رَأَيْتُ بَرْداً مِثْلَ هَذَا.
فَغَسَلَ مَغَابِنَهُ، وَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ صَلَّى بِهِم.
فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ: (كَيْفَ وَجَدْتُم عَمْراً وَصَحَابَتَهُ؟).
فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْراً، وَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! صَلَّى بِنَا وَهُوَ جُنُبٌ.
فَأَرْسَلَ إِلَى عَمْرٍو، فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ وَبِالَّذِي لَقِيَ مِنَ البَرْدِ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَالَ: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم، إِنَّ اللهَ كَانَ بكُم رَحِيْماً} [النِّسَاءُ: 28]، وَلَوِ اغْتَسَلْتُ مِتُّ.
فَضَحِكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (3).
__________
(1) " ابن عساكر 13 2 / 254 / ب.
(2) أخرجه البخاري: 7 / 18، 19، في الفضائل، و8 / 59، 60 في المغازي، ومسلم (2384)، وهو في " ابن عساكر " 13 / 255 / آ.
(3) إسناده صحيح، والمغابن: الارفاغ وهي بواطن الافخاذ عند الحوالب جمع مغبن من غبن الثوب: إذا ثناه وعطفه، وأخرجه أبو داود (335) في الطهارة: باب إذا خاف الجنب البرد تيمم، والبيهقي: 1 / 226 من طريق ابن وهب، عن ابن لهيعة، وعمرو بن الحارث بهذا الإسناد، وصححه ابن حبان (202).
وهو في " ابن عساكر " 13 / 255 / ب.
وأخرجه أبو داود =

(3/67)


جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ:
قَالَ رَجُلٌ لِعَمْرِو بنِ العَاصِ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً مَاتَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُحِبُّهُ، أَلَيْسَ رَجُلاً صَالِحاً؟
قَالَ: بَلَى.
قَالَ: قَدْ مَاتَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُحِبُّكَ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَكَ.
قَالَ: بَلَى، فَوَاللهِ مَا أَدْرِي أَحُبّاً كَانَ لِي مِنْهُ، أَوِ اسْتِعَانَةً بِي، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ بِرَجُلَيْنِ مَاتَ وَهُوَ يُحِبُّهُمَا؛ ابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَعَمَّارٌ، فَقَالَ: ذَاكَ قَتِيْلُكُم بِصِفِّيْنَ.
قَالَ: قَدْ -وَاللهِ - فَعَلْنَا (1) .
مُعْتَمِرٌ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرَجَ شُقَّةَ خَمِيْصَةٍ سَوْدَاءَ (2) ، فَعَقَدَهَا فِي رُمْحٍ، ثُمَّ هَزَّ الرَّايَةَ، فَقَالَ: (مَنْ يَأْخُذُهَا بِحَقِّهَا؟).
فَهَابَهَا المُسْلِمُوْنَ مِنْ أَجْلِ الشَّرْطِ.
فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَمَا حَقُّهَا؟
قَالَ: (لاَ تُقَاتِلُ بِهَا مُسْلِماً، وَلاَ تَفِرُّ بِهَا عَنْ كَافِرٍ).
قَالَ: فَأَخَذَهَا، فَنَصَبَهَا عَلَيْنَا يَوْمَ صِفِّيْنَ، فَمَا رَأَيْتُ رَايَةً كَانَتْ أَكْسَرَ أَوْ أَقْصَمَ لِظُهُوْرِ الرِّجَالِ مِنْهَا؛ وَهُوَ عَمْرُو بنُ العَاصِ (3) .
سَمِعَهُ مِنْهُ: أُمَيَّةُ بنُ بِسطَامَ.
__________
= (334)، والبيهقي: 1 / 225 من طريق وهب بن جرير، عن أبيه، عن يحيى بن أيوب، عن يزيد ابن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص، قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب " ؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل شيئا.
وعلقه البخاري في " صحيحه " 1 / 385، وقواه الحافظ، وصححه الحاكم: 1 / 177، ووافقه الذهبي، وحسنه المنذري.
وانظر " زاد المعاد " 3 / 388.
(1) هو في " المسند " 4 / 203 من طريق الأسود بن عامر، عن جرير بن حازم، ورجاله ثقات.
(2) قال ابن الأثير: هي ثوب خز أو صوف معلم، وقيل: لا تمسى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة، وكانت من لباس الناس قديما، وجمعها الخمائص.
(3) " تاريخ ابن عساكر " 13 / 256 / آ.

(3/68)


وَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَمْرٌو عَلَى عُمَانَ، فَأَتَاهُ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ بِوَفَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
اللَّيْثُ: عَنْ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ نُشَيْطٍ:
أَنَّ قُرَّةَ بنَ هُبَيْرَةَ قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ...، الحَدِيْثَ (1) .
وَفِيْهِ: فَبَعَثَ عَمْراً عَلَى البَحْرَيْنِ، فَتُوُفِّيَ وَهُوَ ثَمَّ.
قَالَ عَمْرٌو: فَأَقْبَلْتُ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُسَيْلِمَةَ، فَأَعْطَانِي الأَمَانَ، ثُمَّ قَالَ:
إِنَّ مُحَمَّداً أُرْسِلَ فِي جَسِيْمِ الأُمُوْرِ، وَأُرْسِلْتُ فِي المُحَقَّرَاتِ.
قُلْتُ: اعْرِضْ عَلَيَّ مَا تَقُوْلُ.
فَقَالَ: يَا ضِفْدَعُ نُقِّي، فَإِنَّكِ نِعْمَ مَا تَنُقِّيْنَ، لاَ زَاداً تُنَقِّرِيْنَ، وَلاَ مَاءً تُكَدِّرِيْنَ.
ثُمَّ قَالَ: يَا وَبْرُ يَا وَبْرُ؛ وَيَدَانِ وَصَدْرُ، وَبَيَانُ خَلْقِهِ حَفْرُ.
ثُمَّ أُتِيَ بِأُنَاسٍ يَخْتَصِمُوْنَ فِي نَخْلاَتٍ قَطَعَهَا بَعْضُهُم لِبَعْضٍ، فَتَسَجَّى قَطِيْفَةً، ثُمَّ كَشَفَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ:
وَاللَّيْلِ الأَدْهَمِ، وَالذِّئْبِ الأَسْحَمِ، مَا جَاءَ ابْنُ أَبِي مُسْلِمٍ مِنْ مُجْرِمٍ.
ثُمَّ تَسَجَّى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: وَاللَّيْلِ الدَّامِسِ، وَالذِّئْبِ الهَامِسِ، مَا حُرْمَتُهُ رَطْباً إِلاَّ كَحُرْمَتِهِ يَابِسٌ، قَوْمُوا فَلاَ أَرَى عَلَيْكُم فِيْمَا صَنَعْتُمْ بَأْساً (2) .
قَالَ عَمْرٌو: أَمَا -وَاللهِ - إِنَّكَ كَاذِبٌ، وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ إِنَّكَ لَمِنَ الكَاذِبِيْنَ.
فَتَوَعَّدَنِي (3).
__________
(1) وتمامه عند ابن الأثير وابن عساكر: " فلما كان حجة الوداع، نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على نافة قصيرة، فقال: يا قرة، فقال الناس: يا قرة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف قلت حين أتيتني ؟ قال: قلت: يا رسول الله كان لنا أرباب وربات من دون الله تدعوهم فلا يجيبونا، ونسألهم فلا يعطونا، فلما بعثك الله أجبناك وتركناهم، فلما أدبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد أفلح من رزق لبا " فبعث...
(2) وكلام مسيلمة هذا - كما يقول الامام الباقلاني في " التمهيد ": 182 - دال على جهل
مورده، وضعف عقله ورأيه، وما يوجب السخرية منه، والهزء به، وليس هو مع ذلك خارجا عن وزن ركيك السجع وسخيفه.
(3) هو على إرساله فيه سعيد بن أبي هلال، حكي عن أحمد أنه اختلط، وشيخه سعيد بن نشيط مجهول كما في " الجرح والتعديل " 4 / 69.
والخبر في " أسد الغابة " 4 / 402، و" تاريخ ابن عساكر " 13 / 257 / آ، وأورده ابن حجر في " الإصابة " في ترجمة قرة بن هبيرة، ونسبه إلى ابن أبي =

(3/69)


رَوَى: ضَمْرَةُ، عَنِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ:
نَظَرَ عُمَرُ إِلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لأَبِي عَبْدِ اللهِ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ أَمِيْراً (1) .
وَشَهِدَ عَمْرٌو يَوْمَ اليَرْمُوْكِ، وَأَبْلَى يَوْمَئِذٍ بَلاَءً حَسَناً.
وَقِيْلَ: بَعَثَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَصَالَحَ أَهْلَ حَلَبَ وَأَنْطَاكِيَةَ، وَافْتَتَحَ سَائِرَ قِنَّسْرِيْنَ عَنْوَةً.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: وَلَّى عُمَرُ عَمْراً فِلَسْطِيْنَ وَالأُرْدُنَّ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ، فَسَارَ إِلَى مِصْرَ، وَافْتَتَحَهَا، وَبَعَثَ عُمَرُ الزُّبَيْرَ مَدَداً لَهُ (2) .
وَقَالَ ابْنُ لَهِيْعَةَ: فَتَحَ عَمْرُو بنُ العَاصِ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، ثُمَّ انَتَقَضُوا فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ (3) .
وَقَالَ الفَسَوِيُّ: كَانَ فَتْحُ لُيُوْنَ (4) سَنَةَ عِشْرِيْنَ، وَأَمِيْرُهَا عَمْرٌو.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: افْتَتَحَ عَمْرٌو طَرَابُلْسَ الغَرْبِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ (5) .
خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ: خَرَجَ جَيْشٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ أَنَا أَمِيْرُهُم حَتَّى نَزَلْنَا الإِسْكَنْدَرِيَّةَ، فَقَالَ عَظِيْمٌ مِنْهُم: أَخْرِجُوا إِلَيَّ رَجُلاً أُكَلِّمْهُ وَيُكَلِّمْنِي.
فَقُلْتُ: لاَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ غَيْرِي.
فَخَرَجْتُ مَعِي تَرْجُمَانِي، وَمَعَهُ تَرْجُمَانٌ، حَتَّى وُضِعَ لَنَا مِنْبَرَانِ، فَقَالَ: مَا أَنْتُم؟ قُلْتُ: نَحْنُ العَرَبُ، وَمِنْ أَهْلِ
__________
= داود والبغوي وابن شاهين.
ورواه من طريق آخر، وفيه من لم يسم.
(1) ابن عساكر: 13 / 257 / ب.
(2) " تاريخ خليفة ": 142 و155.
(3) ابن عساكر: 13 / 258 / ب.
(4) ليون: كصبور، ويقال: أليون، وباب أليون: قرية بمصر، انظر " تاريخ الطبري " 4 / 104 و" تاريخ الإسلام " 2 / 29 للمؤلف.
(5) " تاريخ خليفة ": 152.

(3/70)


الشَّوْكِ وَالقُرْظِ، وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ اللهِ، كُنَّا أَضْيَقَ النَّاسِ أَرْضاً، وَشَرَّهُ عَيْشاً، نَأْكُلُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ، وَيُغِيْرُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ، كُنَّا بِشَرِّ عَيْشٍ عَاشَ بِهِ النَّاسُ، حَتَّى خَرَجَ فِيْنَا رَجُلٌ لَيْسَ بِأَعْظَمِنَا يَوْمَئِذٍ شَرَفاً وَلاَ أَكْثَرِنَا مَالاً، قَالَ: أَنَا رَسُوْلُ اللهِ إِلَيْكُم، يَأْمُرُنَا بِمَا لاَ نَعْرِفُ، وَيَنْهَانَا عَمَّا كُنَّا عَلَيْهِ.
فَشَنِفْنَا لَهُ، وَكَذَّبْنَاهُ، وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ، حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنْ غَيْرِنَا، فَقَالُوا: نَحْنُ نُصَدِّقُكَ، وَنُقَاتِلُ مَنْ قَاتَلَكَ.
فَخَرَجَ إِلَيْهِم، وَخَرَجْنَا إِلَيْهِ، وَقَاتَلْنَاهُ، فَظَهَرَ عَلَيْنَا، وَقَاتَلَ مَنْ يَلِيْهِ مِنَ العَرَبِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِم، فَلَو تَعْلَمُ مَا وَرَائِي مِنَ العَرَبِ مَا أَنْتُم فِيْهِ مِنَ العَيْشِ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ جَاءكُم.
فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُوْلَكُم قَدْ صَدَقَ، وَقَدْ جَاءتْنَا رُسُلٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَكُنَّا عَلَيْهِ حَتَّى ظَهَرَتْ فِيْنَا مُلُوْكٌ، فَعَمِلُوا فِيْنَا بِأَهْوَائِهِم، وَتَرَكُوا أَمْرَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنْ أَنْتُم أَخَذْتُمْ بِأَمْرِ نَبِيِّكُمْ، لَمْ يُقَاتِلْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبْتُمُوْهُ، وَإِذَا فَعَلْتُم مِثْلَ الَّذِي فَعَلْنَا، فَتَرَكْتُمْ أَمَرَ نَبِيِّكُم، لَمْ تَكُوْنُوا أَكْثَرَ عَدَداً مِنَّا، وَلاَ أَشَدَّ مِنَّا قُوَّةً (1) .
قَالَ الزُّهْرِيُّ: اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ، فَنَزَعَ عَنْ مِصْرَ عَمْراً، وَأَمَّرَ عَلَيْهَا عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي سَرْحٍ.
جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ يَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا أَشْيَاخُنَا:
أَنَّ الفِتْنَةَ لَمَّا وَقَعَتْ، مَا زَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ مُعْتَصِماً بِمَكَّةَ حَتَّى كَانَتْ وَقْعَةُ الجَمَلِ، فَلَمَّا كَانَتْ، بَعَثَ إِلَى وَلَدَيْهِ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدٍ، فَقَالَ:
قَدْ رَأَيْتُ رَأْياً، وَلَسْتُمَا بِاللَّذَيْنِ تَرُدَّانِي عَنْهُ، وَلَكِنْ أَشِيْرَا عَلَيَّ، إِنِّيْ رَأَيْتُ العَرَبَ صَارُوا غَارَيْنِ (2) يَضْطَرِبَانِ، فَأَنَا طَارِحٌ نَفْسِي بَيْنَ
__________
(1) " ابن عساكر ": 3 / 258 / ب، 259 / آ.
(2) تثنية غار: وهو الجمع الكثير من الناس، وقيل: الجيش الكثير، يقال: التقى الغاران، أي: الجيشان، ومنه قول الاحنف بن قيس في انصراف ابن الزبير عن وقعة الجمل: وما أصنع به إن كان جمع بين غارين من الناس، ثم تركهم، وذهب.

(3/71)


جَزَّارِي مَكَّةَ، وَلَسْتُ أَرْضَى بِهَذِهِ المَنْزِلَةِ، فَإِلَى أَيِّ الفَرِيْقَيْنِ أَعْمَدُ؟
قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنْ كُنْتَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَإِلَى عَلِيٍّ.
قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، إِنِّيْ إِنْ أَتَيْتُهُ، قَالَ لِي: إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، وَإِنْ أَتَيْتُ مُعَاوِيَةَ، خَلَطَنِي بِنَفْسِهِ، وَشَرَكَنِي فِي أَمْرِهِ.
فَأَتَى مُعَاوِيَةَ (1) .
وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ: إِنَّكَ أَشَرْتَ عَلَيَّ بِالقُعُوْدِ، وَهُوَ خَيْرٌ لِي فِي آخِرَتِي، وَأَمَّا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ، فَأَشَرْتَ عَلَيَّ بِمَا هُوَ أَنْبَهُ لِذِكْرِي، ارْتَحِلاَ.
فَأَتَى مُعَاوِيَةَ، فَوَجَدَهُ يَقُصُّ، وَيُذَكِّرُ أَهْلَ الشَّامِ فِي دَمِ الشَّهِيْدِ.
فَقَالَ لَهُ: يَا مُعَاوِيَةُ، قَدْ أَحْرَقْتَ كَبِدِي بِقَصَصِكَ، أَتُرَى إِنْ خَالَفْنَا عَلِيّاً لِفَضْلٍ مِنَّا عَلَيْهِ، لاَ وَاللهِ! إِنْ هِيَ إِلاَّ الدُّنْيَا نَتَكَالَبُ عَلَيْهَا، أَمَا وَاللهِ لَتَقْطَعَنَّ لِي مِنْ دُنْيَاكَ أَوْ لأُنَابِذَنَّكَ.
فَأَعْطَاهُ مِصْرَ، وَقَدْ كَانَ أَهْلُهَا بَعَثُوا بِطَاعَتِهِم إِلَى عَلِيٍّ (2) .
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ يَعْلَى بنِ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَعَمْرُو بنُ العَاصِ مَعَهُ، فَجَلَسَ شَدَّادٌ بَيْنهُمَا، وَقَالَ:
هَلْ تَدْرِيَانِ مَا يُجْلِسُنِي بَيْنَكُمَا؟
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِذَا رَأَيْتُمُوْهُمَا جَمِيْعاً، فَفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا، فَوَاللهِ مَا اجْتَمَعَا إِلاَّ عَلَى غَدْرَةٍ (3)).
وَقِيْلَ: كَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى عَمْرٍو، فَأَقْرَأَهُ مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ: قَدْ تَرَى مَا كَتَبَ إِلَيَّ عَلِيٌّ، فَإِمَّا أَنْ تُرْضِيَنِي، وَإِمَّا أَنْ أَلْحَقَ بِهِ.
قَالَ: مَا تُرِيْدُ؟
قَالَ: مِصْرَ.
فَجَعَلهَا لَهُ (4).
__________
(1) " ابن عساكر " 13 / 260 / آ.
(2) الخبر في " ابن عساكر " 13 / 260 / ب مطولا.
(3) أورده " ابن عساكر " 13 / 261 / آ، وقال: سعيد بن عبد الرحمن وأبوه مجهولان، وسعيد بن كثير بن عفير وإن كان قد روى عنه البخاري، فقد ضعفه غيره.
(4) " ابن عساكر " 13 / 261 ب، والزيادة منه.

(3/72)


الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي عَوْنٍ، قَالاَ:
لَمَّا صَارَ الأَمْرُ فِي يَدِ مُعَاوِيَةَ، اسْتَكْثَرَ مِصْرَ طُعْمَةً لِعَمْرٍو مَا عَاشَ، وَرَأَى عَمْرٌو أَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ قَدْ صَلُحَ بِهِ وَبِتَدْبِيْرِهِ، وَظنَّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ سَيَزِيْدُهُ الشَّامَ، فَلَمْ يَفْعَلْ.
فَتَنَكَّرَ لَهُ عَمْرٌو، فَاخْتَلَفَا، وَتَغَالَظَا، فَأَصْلَحَ بَيْنهُمَا مُعَاوِيَةُ بنُ حُدَيْجٍ، وَكَتَبَ بَيْنهُمَا كِتَاباً بِأَنَّ: لِعَمْرٍو وِلاَيَةَ مِصْرَ سَبْعَ سِنِيْنَ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِمَا شُهُوداً.
وَسَارَ عَمْرٌو إِلَى مِصْرَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ، فَمَكَثَ نَحْوَ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، وَمَاتَ (1) .
المَدَائِنِيُّ: عَنْ جُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ:
أَنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: يَا بَنِي هَاشِمٍ، لَقَدْ تَقَلَّدْتُمْ بِقَتْلِ عُثْمَانَ فَرَمَ الإِمَاءِ العَوَارِكِ، أَطَعْتُم فُسَّاقَ العِرَاقِ فِي عَيْبِهِ، وَأَجْزَرْتُمُوْهُ مُرَّاقَ أَهْلِ مِصْرَ، وَآوَيْتُم قَتَلَتَهُ.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا تَكَلَّمُ لِمُعَاوِيَةَ، إِنَّمَا تَكَلَّمُ عَنْ رَأْيِكَ، وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمَ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ لأَنْتُمَا.
أَمَّا أَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ، فَزَيَّنْتَ لَهُ مَا كَانَ يَصْنَعُ، حَتَّى إِذَا حُصِرَ طَلَبَ نَصْرَكَ، فَأَبْطَأْتَ عَنْهُ، وَأَحْبَبْتَ قَتْلَهُ، وَتَرَبَّصْتَ بِهِ.
وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَمْرُو، فَأَضْرَمْتَ عَلَيْهِ المَدِيْنَةَ، وَهَرَبْتَ إِلَى فِلَسْطِيْنَ تَسْأَلُ عَنْ أَنْبَائِهِ، فَلَمَّا أَتَاكَ قَتْلُهُ، أَضَافَتْكَ عَدَاوَةُ عَلِيٍّ أَنْ لَحِقْتَ بِمُعَاوِيَةَ، فَبِعْتَ دِيْنَكَ بِمِصْرَ.
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: حَسْبُكَ، عَرَّضَنِي لَكَ عَمْرٌو، وَعَرَّضَ نَفْسَهُ (2) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: كَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى مَنْ يَتَلَجْلَجُ فِي كَلاَمِهِ، قَالَ: هَذَا خَالِقُهُ خَالِقُ عَمْرِو بنِ العَاصِ (3) ؟!
مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ قَبِيْصَةَ بنِ جَابِرٍ:
صَحِبْتُ عُمَرَ: فَمَا رَأَيْتُ
__________
(1) " طبقات ابن سعد " 4 / 258 وهو عند ابن عساكر: 13 / 262 / ب.
(2) " ابن عساكر ": 13 / 263 / ب، والزيادة منه.
والقرم: شدة الشهوة، والعوارك: الحيض، وأجزرتموه: جعلتموه جزر سيوفهم فذبحوه، ومراق أهل مصر: فساقهم.
(3) تقدم ص 57.

(3/73)


أَقْرَأَ لِكِتَابِ اللهِ مِنْهُ، وَلاَ أَفْقَهَ، وَلاَ أَحْسَنَ مُدَارَاةً مِنْهُ.
وَصَحِبْتُ طَلْحَةَ: فَمَا رَأَيْتُ أَعْطَى لِجَزِيْلٍ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ مِنْهُ.
وَصَحِبْتُ مُعَاوِيَةَ: فَمَا رَأَيْتُ أَحْلَمَ مِنْهُ.
وَصَحِبْتُ عَمْرَو بنَ العَاصِ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَبْيَنَ -أَوْ قَالَ: أَنْصَعَ - طَرَفاً مِنْهُ، وَلاَ أَكْرَمَ جَلِيْساً مِنْهُ.
وَصَحِبْتُ المُغِيْرَةَ: فَلَو أَنَّ مَدِيْنَةً لَهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ لاَ يُخْرَجُ مِنْ بَابٍ مِنْهَا إِلاَّ بِمَكْرٍ، لَخَرَجَ مِنْ أَبوَابِهَا كُلِّهَا (1) .
مُوْسَى بنُ عُلَيٍّ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنِي أَبُو قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ:
أَنَّ عَمْراً كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ، وَقَلَّمَا كَانَ يُصِيْبُ مِنَ العِشَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّ فَصْلاً بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الكِتَابِ: أَكْلَةُ السَّحَرِ (2)).
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، أَخْبَرَنِي مَوْلَىً لِعَمْرِو بنِ العَاصِ:
أَنَّ عَمْراً أَدْخَلَ فِي تَعْرِيْشِ الوَهْطِ - بُسْتَانٍ بِالطَّائِفِ - أَلْفَ أَلْفِ عُوْدٍ، كُلُّ عُوْدٍ بِدِرْهَمٍ (3) .
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ:
لَيْسَ العَاقِلُ مَنْ يَعْرِفُ الخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ، وَلَكِنْ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ خَيْرَ الشَّرَّيْنِ (4) .
أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:
لَمَّا احْتُضِرَ عَمْرُو بنُ العَاصِ، قَالَ: كِيْلُوا مَالِي.
فَكَالُوْهُ، فَوَجَدُوْهُ اثْنَيْنِ وَخَمْسِيْنَ مُدّاً، فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذُهُ بِمَا فِيْهِ؟ يَا لَيْتَهُ كَانَ بَعْراً.
قَالَ: وَالمُدُّ: سِتَّ عَشْرَةَ أُوْقِيَّةَ، الأُوْقِيَّةُ: مَكُّوْكَانِ.
أَشْعَثُ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ:
لَمَّا احْتُضِرَ عَمْرُو بنُ العَاصِ، نَظَرَ إِلَى
__________
(1) أخرجه الفسوي في " تاريخه " 1 / 457، 458، وابن عساكر 13 / 264 / آ.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (1096)، والترمذي (708)، وأبو داود (2343)، والنسائي 4 / 146، وأحمد: 4 / 197 من طرق، عن موسى بن علي بهذا الإسناد.
(3) " ابن عساكر " 13 / 265 / آ.
(4) " ابن عساكر " 13 / 266 / آ.

(3/74)


صَنَادِيْقَ، فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذُهَا بِمَا فِيْهَا؟ يَا لَيْتَهُ كَانَ بَعْراً.
ثُمَّ أَمَرَ الحَرَسَ، فَأَحَاطُوا بِقَصْرِهِ.
فَقَالَ بَنُوْهُ: مَا هَذَا؟
فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ هَذَا يُغْنِي عَنِّي شَيْئاً (1) .
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرْنَا ابْنُ الكَلْبِيِّ، عَنْ عَوَانَةَ بنِ الحَكَمِ، قَالَ:
قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ: عَجَباً لِمَنْ نَزَلَ بِهِ المَوْتُ وَعَقْلُهُ مَعَهُ، كَيْفَ لاَ يَصِفُهُ؟
فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ المَوْتُ، ذَكَّرَهُ ابْنُهُ بِقَوْلِهِ، وَقَالَ: صِفْهُ.
قَالَ: يَا بُنَيَّ! المَوْتُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُوْصَفَ، وَلَكِنِّي سَأَصِفُ لَكَ؛ أَجِدُنِي كَأَنَّ جِبَالَ رَضْوَى عَلَى عُنُقِي، وَكَأَنَّ فِي جَوْفِي الشَّوْكَ (2) ، وَأَجِدُنِي كَأَنَّ نَفَسِي يَخْرُجُ مِنْ إِبْرَةٍ (3) .
يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو:
أَنَّ أَبَاهُ قَالَ حِيْنَ احْتُضِرَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَ بِأُمُوْرٍ، وَنَهَيْتَ عَنْ أُمُوْرٍ، تَرَكْنَا كَثِيْراً مِمَّا أَمَرْتَ، وَرَتَعْنَا فِي كَثِيْرٍ مِمَّا نَهَيْتَ، اللَّهُمَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ.
ثُمَّ أَخَذَ بِإِبْهَامِهِ، فَلَمْ يَزَلْ يُهَلِّلُ حَتَّى فَاضَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (4) -.
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو نَوْفَلٍ بنُ أَبِي عَقْرَبٍ، قَالَ:
جَزِعَ عَمْرُو بنُ العَاصِ عِنْدَ المَوْتِ جَزَعاً شَدِيْداً، فَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ:
مَا هَذَا الجَزَعُ، وَقَدْ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُدْنِيْكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ؟!
قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! قَدْ كَانَ ذَلِكَ، وَسَأُخْبِرُكَ، إِيْ وَاللهِ مَا أَدْرِي أَحُبُّاً كَانَ أَمْ تَأَلُّفاً، وَلَكِنْ أَشْهَدُ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُ فَارَقَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُمَا؛ ابْنُ سُمَيَّةَ، وَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ.
فَلَمَّا جَدَّ بِهِ، وَضَعَ يَدَهُ مَوْضِعَ الأَغْلاَلِ مِنْ ذَقْنِهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَمَرْتَنَا فَتَرَكْنَا، وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، وَلاَ يَسَعُنَا إِلاَّ مَغْفِرَتُكَ.
فَكَانَتْ تِلْكَ هَجِّيْرَاهُ حَتَّى مَاتَ (5).
__________
(1) " ابن عساكر " 13 / 267 / آ.
(2) في ابن سعد: " شوك السلاء " وهو شوك النخل، واحدتها سلاءة.
(3) " ابن سعد " 4 / 260.
(4) " ابن عساكر " 13 / 268 / ب.
(5) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 4 / 199، 200، وابن عساكر: 13 / 269 / آ.

(3/75)


وَعَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، قَالَ:
كَانَ عَمْرٌو عَلَى مِصْرَ، فَثَقُلَ، فَقَالَ لِصَاحِبِ شُرْطَتِهِ: أَدْخِلْ وُجُوْهَ أَصْحَابِكَ.
فَلَمَّا دَخَلُوا، نَظَرَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: هَا قَدْ بَلَغْتُ هَذِهِ الحَالَ، رُدُّوْهَا عَنِّي.
فَقَالُوا: مِثْلُكَ أَيُّهَا الأَمِيْرُ يَقُوْلُ هَذَا؟ هَذَا أَمْرُ اللهِ الَّذِي لاَ مَرَدَّ لَهُ.
قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ تَتَّعِظُوا، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ.
فَلَمْ يَزَلْ يَقُوْلُهَا حَتَّى مَاتَ (1).
رَوْحٌ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ (2) ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ دَعَا حَرَسَهُ عِنْدَ المَوْتِ، فَقَالَ: امْنَعُوْنِي مِنَ المَوْتِ.
قَالُوا: مَا كُنَّا نَحْسِبُكَ تَكَلَّمُ بِهَذَا.
قَالَ: قَدْ قُلْتُهَا، وَإِنِّي لأَعْلَمُ ذَلِكَ؛ وَلأَنْ أَكُوْنَ لَمْ أَتَّخِذْ مِنْكُم رَجُلاً قَطُّ يَمْنَعُنِي مِنَ المَوْتِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا، فَيَا وَيْحَ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ إِذْ يَقُوْلُ: حَرَسَ امْرَءاً أَجَلُهُ.
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ لاَ بَرِيْءٌ فَأَعْتَذِرَ، وَلاَ عَزِيْزٌ فَأَنْتَصِرَ، وَإِنْ لاَ تُدْرِكْنِي مِنْكَ رَحْمَةٌ، أَكُنْ مِنَ الهَالِكِيْنَ (3) .
إِسْرَائِيْلُ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ المُخْتَارِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، حَدَّثَنِي أَبُو حَرْبٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو:
أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَاهُ: إِذَا مِتُّ، فَاغْسِلْنِي غَسْلَةً بِالمَاءِ، ثُمَّ جَفِّفْنِي فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ اغْسِلْنِي الثَّانِيَةَ بِمَاءٍ قَرَاحٍ، ثُمَّ جَفِّفْنِي، ثُمَّ اغْسِلْنِي الثَّالِثَةَ بِمَاءٍ فِيْهِ كَافُوْرٌ، ثُمَّ جَفِّفْنِي، وَأَلْبِسْنِي الثِّيَابَ، وَزِرَّ عَلَيَّ، فَإِنِّي مُخَاصَمٌ.
ثُمَّ إِذَا أَنْتَ حَمَلْتَنِي عَلَى السَّرِيْرِ، فَامْشِ بِي مَشْياً بَيْنَ المِشْيَتَيْنِ، وَكُنْ خَلْفَ الجَنَازَةِ، فَإِنَّ مُقَدَّمَهَا لِلْمَلاَئِكَةِ، وَخَلْفَهَا لِبَنِي آدَمَ، فَإِذَا أَنْتَ وَضَعْتَنِي فِي القَبْرِ، فَسُنَّ (4) عَلَيَّ التُّرَابَ سَنّاً.
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا فَأَضَعْنَا، وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، فَلاَ بَرِيْءٌ فَأَعْتَذِرَ، وَلاَ
__________
(1) " ابن عساكر " 13 / 269 / آ.
(2) هو عوف بن أبي جميلة الاعرابي العبدي البصري، وقد تحرف في المطبوع إلى " عون ".
(3) " طبقات ابن سعد " 4 / 259، 260، و" ابن عساكر " 13 / 269.
(4) سن بالسين المهملة: أي: صب، ويروى شن بالشين المعجمة وهما بمعنى.

(3/76)


عَزِيْزٌ فَأَنْتَصِرَ، وَلَكِنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ.
وَمَا زَالَ يَقُوْلُهَا حَتَّى مَاتَ (1) .
قَالُوا: تُوُفِّيَ عَمْرٌو لَيْلَةَ عِيْدِ الفِطْرِ.
فَقَالَ اللَّيْثُ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَالوَاقِدِيُّ، وَغَيْرُهُمْ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَغَيْرُهُ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: سَنَةَ ثَلاَثٍ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ مائَةِ سَنَةٍ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: وَسِنُّهُ تِسْعٌ وَتِسْعُوْنَ.
وَأَمَّا الوَاقِدِيُّ، فَرَوَى عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ:
أَنَّ عَمْراً مَاتَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِيْنَ سَنَةً؛ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَيُرْوَى عَنِ الهَيْثَمِ: أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، وَهَذَا خَطَأٌ.
وَعَنْ طَلْحَةَ القَنَّادِ، قَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، وَهَذَا لاَ شَيْءَ.
قُلْتُ: كَانَ أَكْبَرَ مِنْ عُمَرَ بِنَحْوِ خَمْسِ سِنِيْنَ.
كَانَ يَقُوْلُ: أَذْكُرُ اللَّيْلَةَ الَّتِي وُلِدَ فِيْهَا عُمَرُ، وَقَدْ عَاشَ بَعْدَ عُمَرَ عِشْرِيْنَ عَاماً، فَيُنْتِجُ هَذَا: أَنَّ مَجْمُوْعَ عُمُرِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، مَا بَلَغَ التِّسْعِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
وَخَلَّفَ أَمْوَالاً كَثِيْرَةً، وَعَبِيْداً، وَعَقَاراً.
يُقَالُ: خَلَّفَ مِنَ الذَّهَبِ سَبْعِيْنَ رَقَبَةَ (2) جَمَلٍ مَمْلُوْءةً ذَهَباً.
أَخُوْهُ:

16 - هِشَامُ بنُ العَاصِ السَّهْمِيُّ *
الرَّجُلُ الصَّالِحُ، المُجَاهِدُ؛ ابْنُ أُخْتِ أَبِي جَهْلٍ، وَهِيَ أُمُّ
__________
(1) إسناده قوي، وهو في " طبقات ابن سعد " 4 / 260، و" ابن عساكر " 13 / 269 / آ.
(2) تصحفت في المطبوع إلى " زقية ".
(*) طبقات ابن سعد 4 / 191، نسب قريش: 409، طبقات خليفة: ت 148 و2821 المحبر: 433، الجرح والتعديل 9 / 63، المستدرك 3 / 240، جمهرة أنساب العرب: 163، =

(3/77)


حَرْمَلَةَ المَخْزُوْمِيَّةُ.
وَقَدْ مَضَى قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ابْنَا العَاصِ مُؤْمِنَانِ (1)).
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ هِشَامٌ قَدِيْمَ الإِسْلاَمِ بِمَكَّةَ، وَهَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ، ثُمَّ رُدَّ إِلَى مَكَّةَ إِذْ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ هَاجَرَ لِيَلْحَقَ بِهِ، فَحَبَسَهُ قَوْمُهُ بِمَكَّةَ.
ثُمَّ قَدِمَ بَعْدَ الخَنْدَقِ مُهَاجِراً، وَشَهِدَ مَا بَعْدَهَا.
وَكَانَ عَمْرٌو أَكْبَرَ مِنْهُ، لَمْ يُعْقِبْ (2) .
عَمْرُو بنُ حَكَّامٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمِّهِ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (ابْنَا العَاصِ مُؤْمِنَانِ (3)).
القَعْنَبِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنَيِ العَاصِ، قَالاَ:
مَا جَلَسْنَا مَجْلِساً كُنَّا بِهِ أَشَدَّ اغْتِبَاطاً مِنْ مَجْلِسٍ، جِئْنَا يَوْماً، فَإِذَا أُنَاسٌ عِنْدَ الحُجَرِ يَتَرَاجَعُوْنَ فِي القُرْآنِ، فَاعْتَزَلْنَاهُم، وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَ الحُجَرِ يَسْمَعُ كَلاَمَهُم.
فَخَرَجَ عَلَيْنَا مُغْضَباً، فَقَالَ: (أَيْ قَوْمِ! بِهَذَا ضَلَّتِ الأُمَمُ قَبْلَكُم، بِاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِم، وَضَرْبِهِمُ الكِتَابَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ) (4).
__________
= المستدرك 3 / 240، 241، الاستيعاب: 539، أسد الغابة 5 / 401، 402، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 137، تاريخ الإسلام 1 / 382، العقد الثمين 7 / 374، الإصابة 3 / 604 .
(1) صحيح. وقد تقدم تخريجه في الصفحة (56) ت (1).
(2) " طبقات ابن سعد " 4 / 191، وانظر " أسد الغابة " 5 / 401، 402.
(3) أخرجه ابن سعد: 4 / 192، وعمرو بن حكام ضعيف، وباقي رجاله ثقات، وله شاهد يتقوى به، وقد تقدم في الصفحة (64).
(4) أخرجه ابن سعد 4 / 192، وما بين الحاصرتين منه، وتمامه " إن القرآن لم ينزل لتضربوا بعضه ببعض، ولكن يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم منه، فاعملوا به، وما تشابه عليكم فآمنوا به " وسنده حسن، وابنا العاص هنا عبد الله وأخوه كما جاء مصرحا بذلك في رواية " المسند "
2 / 181 من طريق أنس بن عياض، حدثنا أبو حازم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: لقد جلست أنا وأخي مجلسا ما أحب أن لي به حمر النعم أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس عند باب من أبوابه، فكرهنا أن نفرق بينهم، فجلسنا حجرة، إذ =

(3/78)


قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالُوا لِعَمْرِو بنِ العَاصِ: أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ أَخُوْكَ هِشَامٌ؟
قَالَ: أُخْبِرُكُم عَنِّي وَعَنْهُ، عَرَضْنَا أَنْفُسَنَا عَلَى اللهِ، فَقَبِلَهُ وَتَرَكَنِي.
قَالَ سُفْيَانُ: قُتِلَ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ، أَوْ غَيْرَهُ شَهِيْداً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (1).

17 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ بنِ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ * (ع)
ابْنِ هَاشِمِ بنِ سُعَيْدِ بنِ سَعْدِ بنِ سَهْمِ بنِ عَمْرِو بنِ هُصَيْصِ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ.
__________
= ذكروا آية من القرآن، فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا قد احمر وجهه يرميهم بالتراب، ويقول: " مهلا يا قوم، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا، بل يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم منه، فاعملوا به، وما جهلتم، فردوه إلى عالمه " وهذا سند حسن، وأخو عبد الله ابن عمرو: الظاهر أنه محمد بن عمرو بن العاص، وهو من صغار الصحابة مترجم في " الاستيعاب ": 3 / 345، 346. و" الإصابة " 3 / 381.
وأخرجه أحمد 2 / 195، 196، وابن ماجه (85) من طريقين عن داود بن أبي هند، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وأخرجه أحمد 2 / 196 من طريق حماد بن سلمة عن حميد ومطر الوراق، وداود بن أبي هند، ثلاثتهم عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده،..وفيه: أنهم كانوا يتنازعون في القدر، وأخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (20367) من طريق معمر، عن الزهري، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.
(1) " طبقات ابن سعد " 4 / 192، وأخرجه ابن المبارك في " الزهد " فيما نقله الحافظ في " الإصابة " 3 / 604 من طريق جرير بن حازم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: مر عمرو بن العاص بنفر من قريش، فذكروا هشاما، فقالوا: أيهما أفضل ؟ فقال عمرو: شهدت أنا وهشام اليرموك، فكلنا نسأل الله الشهادة، فلما أصبحنا، حرمتها، ورزقها.
وكذا قال ابن سعد، وابن أبي حاتم 9 / 63، وأبو زرعة الدمشقي 1 / 217.
وذكره موسى بن عقبة، وأبو الأسود عن عروة، وابن إسحاق، وأبو عبيد، ومصعب، والزبير، وآخرون فيمن استشهد بأجنادين.
(*) طبقات ابن سعد 2 / 373 و4 / 261، 268، و7 / 494، نسب قريش: 411، طبقات خليفة: ت 149، 971، 2822، المحبر: 293، التاريخ الكبير 5 / 5، المعارف: 286، المعرفة والتاريخ 1 / 251، الجرح والتعديل 5 / 116، المستدرك 3 / 525، الحلية 1 / 283، جمهرة أنساب العرب: 163، الاستيعاب: 956، طبقات الشيرازي: 50، الجمع بين رجال =

(3/79)


الإِمَامُ، الحَبْرُ، العَابِدُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنُ صَاحِبِهِ، أَبُو مُحَمَّدٍ.
وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَقِيْلَ: أَبُو نُصَيْرٍ القُرَشِيُّ، السَّهْمِيُّ.
وَأُمُّهُ: هِيَ رَائِطَةُ بِنْتُ الحَجَّاجِ بنِ مُنَبِّهٍ السَّهْمِيَّةُ، وَلَيْسَ أَبُوْهُ أَكْبَرَ مِنْهُ إِلاَّ بِإِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ نَحْوِهَا.
وَقَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَبِيْهِ - فِيْمَا بَلَغَنَا -.
وَيُقَالُ: كَانَ اسْمُهُ العَاصَ، فَلَمَّا أَسْلَمَ غَيَّرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَبْدِ اللهِ (1) .
وَلَهُ: مَنَاقِبُ، وَفَضَائِلُ، وَمَقَامٌ رَاسِخٌ فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ، حَمَلَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِلْماً جَمّاً.
يَبْلُغُ مَا أَسْنَدَ: سَبْعُ مائَةِ حَدِيْثٍ (2) ، اتَّفَقَا لَهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحَادِيْثَ، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِثَمَانِيَةٍ، وَمُسْلِمٌ بِعِشْرِيْنَ.
وَكَتَبَ الكَثِيْرَ بِإِذْنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَرْخِيْصِهِ لَهُ فِي الكِتَابَةِ بَعْدَ كَرَاهِيَتِهِ لِلصَّحَابَةِ أَنْ يَكْتُبُوا عَنْهُ سِوَى القُرْآنِ (3) ، وَسَوَّغَ ذَلِكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ثُمَّ انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ بَعْدَ اخْتِلاَفِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم - عَلَى الجَوَازِ وَالاسْتِحْبَابِ لِتَقْيِيْدِ العِلْمِ بِالكِتَابَةِ.
__________
= الصحيحين 1 / 239، تاريخ ابن عساكر: مصورة المجمع: 205 - 272، أسد الغابة 3 / 349، 351، الحلة السيراء 1 / 17، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 281، تهذيب الكمال: 716، تاريخ الإسلام 3 / 37، تذكرة الحفاظ 1 / 39، تذهيب التهذيب 2 / 169 ب، مجمع الزوائد 9 / 354، العقد الثمين 5 / 223، غاية النهاية: ت 1835، الإصابة 2 / 351، تهذيب التهذيب 5 / 337، خلاصة تذهيب الكمال: 176،، شذرات الذهب 1 / 73.
(1) " ابن عساكر ": 205 و218.
(2) عدد أحاديثه في " مسند أحمد " (626).
انظر " المسند " 2 / 158، 226.
(3) وذلك فيما أخرجه أحمد 1 / 171، ومسلم في " صحيحه " (3004) في الزهد والرقائق: باب التثبت في الحديث، وحكم كتابة العلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن، فليمحه " وقد أعله البخاري وغيره، وقالوا: الصواب وقفه على أبي سعيد، انظر " الفتح " 1 / 185.

(3/80)


وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْيَ كَانَ أَوَّلاً لِتَتَوَفَّرَ هِمَمُهُم عَلَى القُرْآنِ وَحْدَهُ، وَلِيَمْتَازَ القُرْآنُ بِالكِتَابَةِ عَمَّا سِوَاهُ مِنَ السُّنَنِ النَّبَوَيَّةِ، فَيُؤْمَنُ اللَّبْسُ، فَلَمَّا زَالَ المَحْذُوْرُ وَاللَّبْسُ، وَوَضَحَ أَنَّ القُرْآنَ لاَ يَشْتَبِهُ بِكَلاَمِ النَّاسِ، أُذِنَ فِي كِتَابَةِ العِلْمِ - وَاللهُ أَعْلَمُ (1) -.
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللهِ أَيْضاً عَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَمُعَاذٍ، وَسُرَاقَةَ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِيْهِ؛ عَمْرٍو، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَطَائِفَةٍ، وَعَنْ أَهْلِ الكِتَابِ، وَأَدْمَنَ النَّظَرَ فِي كُتُبِهِم، وَاعْتَنَى بِذَلِكَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُحَمَّدٌ - عَلَى نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ، وَرِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْهُ فِي (أَبِي دَاوُدَ)، وَ(التِّرْمِذِيِّ) وَ(النَّسَائِيِّ) - وَمَوْلاَهُ أَبُو قَابُوْسٍ، وَحَفِيْدُهُ شُعَيْبُ بنُ مُحَمَّدٍ، فَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَخَدَمَهُ، وَلَزِمَهُ، وَتَرَبَّى فِي حَجْرِهِ، لأَنَّ أَبَاهُ مُحَمَّداً مَاتَ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ عَبْدِ اللهِ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: مَوْلاَهُ إِسْمَاعِيْلُ، وَمَوْلاَهُ سَالِمٌ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَأَبُو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ، وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَخَيْثَمَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُعْفِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّائِبُ بنُ فَرُّوْخٍ الشَّاعِرُ، وَالسَّائِبُ الثَّقَفِيُّ وَالِدُ عَطَاءٍ، وَطَاوُوْسٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعِكْرِمَةُ، وَعَطَاءٌ، وَالقَاسِمُ، وَمُجَاهِدٌ، وَيَزِيْدُ بنُ الشِّخِّيْرِ، وَأَبُو المَلِيْحِ بنُ أُسَامَةَ،
__________
(1) قال ابن القيم رحمه الله في " تهذيب السنن " 5 / 245: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الكتابة والاذن فيها متأخر، فيكون ناسخا لحديث النهي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزاة الفتح " اكتبوا لأبي شاه " يعني خطبته التي سأل أبوشاه كتابتها، وأذن لعبد الله بن عمرو في الكتابة، وحديثه متأخر عن النهي، لأنه لم يزل يكتب، ومات وعنده كتابته، وهي الصحيفة التي كان يسميها " الصادقة " ولو كان النهي عن الكتابة متأخرا، لمحاها عبد الله، لامر النبي صلى الله عليه وسلم بمحو ما كتب عنه غير القرآن، فلما لم يمحها، وأثبتها، دل على أن الاذن في الكتابة متأخر عن النهي عنها، وهذا واضح والحمد لله.
وانظر بحث هذه المسألة بتوسع في " المحدث الفاصل ": 363 وما بعدها. و" جامع بيان العلم وفضله ": 79، 100، و" تقييد العلم ": 68، 70، و" الالماع ": 146، 149، و" توضيح الافكار ": 2 / 364، و" فتح المغيث ": 227.

(3/81)


وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَأَبُو الجَوْزَاءِ أَوْسٌ الرَّبَعِيُّ، وَعِيْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ، وَبِشْرُ بنُ شَغَافٍ، وَجُنَادَةُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَرَبِيْعَةُ بنُ سَيْفٍ، وَرَيْحَانُ بنُ يَزِيْدَ العَامِرِيُّ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَأَبُو السَّفَرِ سَعِيْدُ بنُ يُحْمِدَ، وَسَلْمَانُ الأَغَرُّ، وَشُفْعَةُ السَّمَعِيُّ، وَشُفَيُّ بنُ مَاتِعٍ، وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، وَطَلْقُ بنُ حَبِيْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بَابَاه، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ فَيْرُوْزٍ الدَّيْلَمِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ جُبَيْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حُجَيْرَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ رَافِعٍ قَاضِي إِفْرِيْقِيَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شِمَاسَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ رَبِّ الكَعْبَةِ، وَعَبْدَةُ بنُ أَبِي لُبَابَةَ - وَلَمْ يُدْرِكْهُ - وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ،
وَعَطَاءٌ العَامِرِيُّ، وَعُقْبَةُ بنُ أَوْسٍ، وَعُقْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ، وَعُمَارَةُ بنُ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، وَعُمَرُ بنُ الحَكَمِ بنِ رَافِعٍ، وَأَبُو عِيَاضٍ عَمْرُو بنُ الأَسْوَدِ العَنْسِيُّ، وَعَمْرُو بنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ، وَعَمْرُو بنُ حَرِيْشٍ الزُّبَيْدِيُّ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعَمْرُو بن مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيُّ، وَعِمْرَانُ بنُ عَبْدٍ المَعَافِرِيُّ، وَعِيْسَى بنُ هِلاَلٍ الصَّدَفِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ رَبِيْعَةَ الغَطَفَانِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ مُخَيْمِرَةَ، وَقَزَعَةُ بنُ يَحْيَى، وَكَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَدِيَّةَ الصَّدَفِيُّ، وَأَبُو الخَيْرِ اليَزَنِيُّ، وَمُسَافِعُ بنُ شَيْبَةَ الحَجَبِيُّ، وَمَسْرُوْقُ بنُ الأَجْدَعِ، وَأَبُو يَحْيَى مِصْدَعٌ، وَنَاعِمٌ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَنَافِعُ بنُ عَاصِمِ بنِ عُرْوَةَ بنِ مَسْعُوْدٍ الطَّائِفِيُّ، وَأَخُوْهُ؛ يَعْقُوْبُ، وَأَبُو العُرْيَانِ الهَيْثَمُ النَّخَعِيُّ، وَالوَلِيْدُ بنُ عَبَدَةَ، وَوَهْبُ بنُ جَابِرٍ الخَيْوَانِيُّ، وَوَهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ، وَيَحْيَى بنُ حَكِيْمِ بنِ صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ، وَيُوْسُفُ بنُ مَاهَكَ، وَأَبُو أَيُّوْبَ المَرَاغِيُّ، وَأَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى، وَأَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ - وَلَمْ يَلْقَهُ - وَأَبُو حَرْبٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، وَأَبُو رَاشِدٍ الحُبْرَانِيُّ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ بنُ عَمْرِو بنِ حَرِيْزٍ، وَأَبُو سَالِمٍ الجَيْشَانِيُّ، وَأَبُو فِرَاسٍ مَوْلَى وَالِدِهِ عَمْرٍو، وَأَبُو

(3/82)


قَبِيْلٍ المَعَافِرِيُّ، وَأَبُو كَبْشَةَ السَّلُوْلِيُّ، وَأَبُو كَثِيْرٍ الزُّبَيْدِيُّ، وَأَبُو المَلِيْحِ بنُ أُسَامَةَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ رَجُلاً سَمِيْناً.
وَرَوَى: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنِ العُرْيَانِ بنِ الهَيْثَمِ، قَالَ:
وَفَدْتُ مَعَ أَبِي إِلَى يَزِيْدَ، فَجَاءَ رَجُلٌ طُوَالٌ، أَحْمَرُ، عَظِيْمُ البَطْنِ، فَجَلَسَ.
فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قِيْلَ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو (1) .
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ الجَبَّارِ بنُ وَرْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (نِعْمَ أَهْلُ البَيْتِ: عَبْدُ اللهِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأُمُّ عَبْدِ اللهِ (2)).
وَرَوَى: ابْنُ لَهِيْعَةَ؛ عَنْ مِشْرَحِ بنِ هَاعَانَ (3) ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، مَرْفُوْعاً نَحْوَهُ (4) .
ابْنُ جُرَيْجٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ حَكِيْمِ بنِ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ:
جَمَعْتُ القُرْآنَ، فَقَرَأْتُهُ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ.
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ).
قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي.
قَالَ: (اقْرَأْهُ فِي عِشْرِيْنَ).
قُلْتُ: دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ.
قَالَ: (اقْرَأْهُ فِي سَبْعِ لَيَالٍ).
قُلْتُ: دَعْنِي يَا رَسُوْلَ اللهِ أَسْتَمْتِعْ.
قَالَ: فَأَبَى (5).
__________
(1) " ابن عساكر ": 219، وأخرجه " ابن سعد " 4 / 265، 266 و7 / 495، وفيه عنده بدل " فقلت ": " فقال أبي ".
(2) تقدم تخريجه ص (56) ت (2)، وهو في " ابن عساكر ": 220.
(3) تحرف في المطبوع إلى " ماهان ".
(4) أخرجه ابن عساكر: 220.
(5) رجاله ثقات غير يحيى بن حكيم بن صفوان، فلم يوثقه غير ابن حبان، وأخرج البخاري: 9 / 84 في فضائل القرآن، ومسلم (1159) (184) من طريق أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو بن رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقرأ القرآن في كل شهر " قال: قلت: إني أجد قوة، قال: " فاقرأه في عشرين ليلة " قال: قلت: إني أجد قوة، قال: " فاقرأه في سبع =

(3/83)


رَوَاهُ: النَّسَائِيُّ.
وَصَحَّ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَازَلَهُ إِلَى ثَلاَثِ لَيَالٍ، وَنَهَاهُ أَنْ يَقْرَأَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ (1) ، وَهَذَا كَانَ فِي الَّذِي نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا القَوْلِ نَزَلَ مَا بَقِيَ مِنَ القُرْآنِ.
فَأَقَلُّ مَرَاتِبِ النَّهْيِ أَنْ تُكْرَهَ تِلاَوَةُ القُرْآنِ كُلِّهِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ، فَمَا فَقِهَ وَلاَ تَدَبَّرَ مَنْ تَلاَ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَوْ تَلاَ وَرَتَّلَ فِي أُسْبُوْعٍ، وَلاَزَمَ ذَلِكَ، لَكَانَ عَمَلاً فَاضِلاً، فَالدِّيْنُ يُسْرٌ، فَوَاللهِ إِنَّ تَرْتِيْلَ سُبُعِ القُرْآنِ فِي تَهَجُّدِ قِيَامِ اللَّيْلِ مَعَ المُحَافَظَةِ عَلَى النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ، وَالضُّحَى، وَتَحِيَّةِ المَسْجِدِ، مَعَ الأَذْكَارِ المَأْثُوْرَةِ الثَّابِتَةِ، وَالقَوْلِ عِنْدَ النَّوْمِ وَاليَقَظَةِ، وَدُبُرَ المَكْتُوبَةِ وَالسَّحَرِ، مَعَ النَّظَرِ فِي العِلْمِ النَّافِعِ وَالاشْتِغَالِ بِهِ مُخْلَصاً للهِ، مَعَ الأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ، وَإِرْشَادِ الجَاهِلِ وَتَفْهِيْمِهِ، وَزَجْرِ الفَاسِقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، مَعَ أَدَاءِ الفَرَائِضِ فِي جَمَاعَةٍ بِخُشُوْعٍ وَطُمَأْنِيْنَةٍ وَانْكِسَارٍ وَإِيْمَانٍ، مَعَ أَدَاءِ الوَاجِبِ، وَاجْتِنَابِ الكَبَائِرِ، وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ وَالاسْتِغْفَارِ، وَالصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَالتَّوَاضُعِ، وَالإِخْلاَصِ فِي جَمِيْعِ ذَلِكَ، لَشُغْلٌ عَظِيْمٌ جَسِيْمٌ، وَلَمَقَامُ أَصْحَابِ اليَمِيْنِ وَأَوْلِيَاءِ اللهِ المُتَّقِيْنَ، فَإِنَّ سَائِرَ ذَلِكَ مَطْلُوْبٌ.
فَمَتَى تَشَاغَلَ العَابِدُ بِخِتْمَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَقَدْ خَالَفَ الحَنِيْفِيَّةَ السَّمْحَةَ، وَلَمْ يَنْهَضْ بِأَكْثَرِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلاَ تَدَبَّرَ مَا يَتْلُوْهُ.
هَذَا السَّيِّدُ العَابِدُ الصَّاحِبُ كَانَ يَقُوْلُ لَمَّا شَاخَ: لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (2) .
وَكَذَلِكَ قَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - فِي الصَّوْمِ، وَمَا زَالَ يُنَاقِصُهُ
__________
= ولا تزد على ذلك ".
(1) أخرجه أبو داود (1394) في الصلاة: باب تخريب القرآن، والترمذي (2950) في القراءات: باب في كم يختم القرآن، وابن ماجه (1347) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث " قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال.
(2) قطعة من حديث أخرجه البخاري: 4 / 189، 191 في الصوم: باب حق الجسم في =

(3/84)


حَتَّى قَالَ لَهُ: (صُمْ يَوْماً، وَأَفْطِرْ يَوْماً، صَوْمَ أَخِي دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ (1) -).
وَثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُدَ) (2).
وَنَهَى - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ (3).
وَأَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - بِنَوْمِ قِسْطٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَقَالَ: (لَكِنِّي أَقُوْمُ وَأَنَامُ، وَأَصُوْمُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَآكُلُ اللَّحْمَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي (4)).
وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَزُمَّ نَفْسَهُ فِي تَعَبُّدِهِ وَأَوْرَادِهِ بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، يَنْدَمُ وَيَتَرَهَّبُ وَيَسُوْءُ مِزَاجُهُ، وَيَفُوْتُهُ خَيْرٌ كَثِيْرٌ مِنْ مُتَابَعَةِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ الرَّؤُوْفِ الرَّحِيْمِ بِالمُؤْمِنِيْنَ، الحَرِيْصِ عَلَى نَفْعِهِم، وَمَا زَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَلِّماً لِلأُمَّةِ أَفْضَلَ الأَعْمَالِ، وَآمِراً بِهَجْرِ التَّبَتُّلِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُبْعَثْ بِهَا، فَنَهَى عَنْ سَرْدِ الصَّوْمِ، وَنَهَى عَنِ الوِصَالِ، وَعَنْ قِيَامِ أَكْثَرِ اللَّيْلِ إِلاَّ فِي العَشْرِ الأَخِيْرِ، وَنَهَى عَنِ العُزْبَةِ لِلْمُسْتَطِيْعِ، وَنَهَى عَنْ تَرْكِ اللَّحْمِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَوَامِرِ
__________
= الصوم، و9 / 83 في فضال القرآن: باب في كم يقرأ القران، وإنما قال ذلك بعد ما كبر وعجز عن المحافظة على ما التزمه، وفي رواية " لان أكون قبلت الثلاثة أيام التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أهلي ومالي ".
(1) هو قطعة من الحديث السابق.
(2) أخرجه البخاري: 3 / 13، 14 في قيام الليل: باب من نام عند السحر، ومسلم (1159) (189) في الصيام: باب النهي عن صوم الدهر، من حديث عبد الله بن عمرو.
(3) أخرجه البخاري: 4 / 195 في الصوم: باب صوم داود، ومسلم (1159) (187) في الصيام: باب النهي عن صيام الدهر بلفظ " لا صام من صام الابد ".
(4) أخرجه البخاري: 9 / 89، 90، ومسلم (1401) في أول النكاح، والنسائي 6 / 60، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
قال الحافظ في " الفتح ": والمراد بالسنة: الطريقة، لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشئ: الاعراض عنه إلى غيره، والمراد: من ترك طريقتي، وأخذ بطريقة غيري، فليس مني، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية، فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة، فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة، وإعفاف النفس، وتكثير النسل.

(3/85)


وَالنَّوَاهِي.
فَالعَابِدُ بِلاَ مَعْرِفَةٍ لِكَثِيْرٍ مِنْ ذَلِكَ مَعْذُوْرٌ مَأْجُوْرٌ، وَالعَابِدُ العَالِمُ بِالآثَارِ المُحَمَّدِيَّةِ، المُتَجَاوِزِ لَهَا مَفْضُوْلٌ مَغْرُوْرٌ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ -تَعَالَى - أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ.
أَلْهَمَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ حُسْنَ المُتَابَعَةِ، وَجَنَّبَنَا الهَوَى وَالمُخَالَفَةَ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ):
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ وَاهِبِ بنِ عَبْدِ اللهِ المَعَافِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ:
رَأَيْتُ فِيْمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّ فِي أَحَدِ أُصْبُعَيَّ سَمْناً، وَفِي الأُخْرَى عَسَلاً، فَأَنَا أَلْعَقُهُمَا.
فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (تَقْرَأُ الكِتَابَيْنِ؛ التَّورَاةَ وَالفُرْقَانَ).
فَكَانَ يَقْرَؤُهُمَا (1) .
ابْنُ لَهِيْعَةَ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ.
وَهَذَا خَبَرٌ مُنْكَرٌ، وَلاَ يُشْرَعُ لأَحَدٍ بَعْدَ نُزُوْلِ القُرْآنِ أَنْ يَقْرَأَ التَّوْرَاةَ، وَلاَ أَنْ يَحْفَظَهَا، لِكَوْنِهَا مُبَدَّلَةً، مُحَرَّفَةً، مَنْسُوْخَةَ العَمَلِ، قَدِ اخْتَلَطَ فِيْهَا الحَقُّ بِالبَاطِلِ، فَلْتُجْتَنَبْ.
فَأَمَّا النَّظَرُ فِيْهَا لِلاعْتِبَارِ، وَلِلرَّدِّ عَلَى اليَهُوْدِ، فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ لِلرَّجُلِ العَالِمِ قَلِيْلاً، وَالإِعْرَاضُ أَوْلَى (2) .
فَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لِعَبْدِ اللهِ أَنْ يَقُوْمَ بِالقُرْآنِ لَيْلَةً، وَبِالتَّوْرَاةِ لَيْلَةً، فَكَذِبٌ مَوْضُوْعٌ، قَبَّحَ اللهُ مَنِ افْتَرَاهُ.
وَقِيْلَ: بَلْ عَبْدُ اللهِ هُنَا هُوَ ابْنُ
__________
(1) أخرجه أحمد: 2 / 222، وهو في " تاريخ دمشق ": 228، و" حلية الأولياء ": 1 / 286.
(2) فقد روى أبو عبيد، وأحمد: 3 / 338 و381 من طريق مجالد، عن الشعبي، عن جابر ابن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه عمر، فقال: إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها ؟ فقال: " أمتهوكون (أمتحيرون) كما تهوكت اليهود والنصارى، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيا، ما وسعه إلا اتباعي " وهو حديث حسن بشواهده.
انظر " شرح السنة ": 1 / 270.

(3/86)


سَلاَمٍ.
وَقِيْلَ: إِذْنُهُ فِي القِيَامِ بِهَا، أَي يُكَرِّرُ عَلَى المَاضِي، لاَ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا فِي تَهَجُّدِهِ.
كَامِلُ بنُ طَلْحَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَمْرٍو، عَنْ شُفَيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ:
حَفِظْتُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْفَ مَثَلٍ (1) .
يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ: عَنْ أَبِي قَبِيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ نَكْتُبُ مَا يَقُوْلُ (2) .
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، غَرِيْبٌ.
رَوَاهُ: سَعِيْدُ (3) بنُ عُفَيْرٍ، عَنْهُ.
وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ كَتَبُوا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَ أَقْوَالِهِ، وَهَذَا عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كَتَبَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيْثَ فِي صَحِيْفَةٍ صَغِيْرَةٍ، قَرَنَهَا بِسَيْفِهِ (4).
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: (اكْتُبُوا لأَبِي شَاه).
وَكَتَبُوا عَنْهُ كِتَابَ
__________
(1) أخرجه ابن عساكر: 230 من طريق أبي يعلى بهذا الإسناد.
(2) رجاله ثقات.
سعيد بن عفير: هو سعيد بن كثير بن عفير المصري، ويحيى بن أيوب هو
الغافقي، وأبو قبيل: هو حي بن هانئ المعافري المصري، وقد تحرف في المطبوع من " التقريب " إلى البصري، فقلده محقق " تاريخ دمشق " فكتبه كذلك.
وأخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق ": 1514 بهذا الإسناد، واقتبسه ابن عساكر: 230.
(3) تحرف في المطبوع إلى " سعد ".
(4) أخرج البخاري: 12 / 217 في الديات: باب العاقلة، وباب لا يقتل مسلم بكافر، وفي العلم: باب كتابة العلم، وفي الجهاد: باب فكاك الاسير، من طريق الشعبي قال: سمعت أبا جحيفة، قال: سألت عليا رضي الله عنه: هل عندكم شيء ما ليس في القرآن ؟ وقال مرة: ما ليس عند الناس ؟ فقال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن إلا فهما يعطى رجل في كتابه، وما في الصحيفة.
قلت: وما في الصحيفة ؟ قال: " العقل، وفكاك الاسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر ".
وللبخاري: 4 / 73، ومسلم (1370) من طريق يزيد التيمي عن علي: قال: ما عندنا شيء نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة، فإذا فيها: " المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا، أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا = ولا عدلا ".

(3/87)


الدِّيَاتِ، وَفَرَائِضَ الصَّدَقَةِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ (1) .
ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَكْتُبُ مَا أَسْمَعُ مِنْكَ؟
قَالَ: (نَعَمْ).
قُلْتُ: فِي الرِّضَى وَالغَضَبِ؟
قَالَ: (نَعَمْ، فَإِنِّي لاَ أَقُوْلُ إِلاَّ حَقّاً (2)).
يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: وَهُوَ فِي (المُسْنَدِ) عَنْهُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ
__________
= ولمسلم (1978) (45) عن أبي الطفيل عن علي: ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعم به
الناس كافة إلا ما كان في قراب سيفي هذا، وأخرج صحيفة مكتوب فيها: " لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثا ".
وللنسائي: 8 / 24 من طريق الاشتر وغيره عن علي " فإذا فيها المؤمنون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده " وسنده حسن كما قال الحافظ في " الفتح " 12 / 231.
ولاحمد 1 / 100، 102، 110، من طريق طارق بن شهاب " فيها فرائض الصدقة ".
ولمسلم (1370) " فيها أسنان الابل وأشياء من الجراحات ".
قال الحافظ في " الفتح " 1 / 182: والجمع بين هذه الأحاديث أن الصحيفة كانت واحدة، وكان جميع ذلك مكتوبا فيها، فنقل كل واحد من الرواة عنه ما حفظه.
وحديث أبي شاه أخرجه البخاري: 1 / 183، 184 في العلم وفي اللقطة: باب كيف تعرف لقطة أهل مكة، وفي الديات: باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، ومسلم (1355) في الحج: باب تحريم مكة، وأحمد رقم (7241)، وأبو داود (2017) والرامهرمزي في " المحدث الفاصل " رقم (314) من حديث أبي هريرة، وفيه قال الوليد بن مسلم: قلت للاوزاعي: ما قوله: " اكتبوا لأبي شاه ؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأبو شاه رجل من أهل اليمن.
(1) انظر " نصب الراية " 2 / 335، 344.
(2) أخرجه أحمد: 2 / 207 و215، والرامهرمزي في " المحدث الفاصل " رقم (316) والخطيب في " تقييد العلم ": 77، وابن عبد البرفي " جامع بيان العلم ": 89، وأبو زرعة في " تاريخ دمشق " (1516)، وابن عساكر: 231 و232، ورجاله ثقات. وأخرجه أحمد: 2 / 161 و192، وأبو داود (3646)، والدارمي: 1 / 125، والحاكم: 1 / 105، 106 كلهم من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن عبيد الله بن الاخنس، عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عمرو، وإسناده صحيح. وهو في " الالماع ": 146، و" تقييد العلم ": 74، و" جامع بيان العلم ": 89، 90.

(3/88)


الأَخْنَسِ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ (1) بنِ عَمْرٍو، نَحْوَهُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ: عُقَيْلِ بنِ خَالِدٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، نَحْوَهُ.
وَثَبَتَ عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَخِيْهِ هَمَّامٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ:
لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ حَدِيْثاً مِنِّي، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ (2) .
وَهُوَ فِي صَحِيْفَةِ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ.
وَيَرْوِيْهِ: ابْنُ إِسْحَاقَ؛ عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَآخَرُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ (3).
أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ، وَسَعْدَوَيْه، قَالاَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى بنِ طَلْحَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، فَتَنَاوَلْتُ صَحِيْفَةً تَحْتَ رَأْسِهِ، فَتَمَنَّعَ عَلَيَّ.
فَقُلْتُ: تَمْنَعُنِي شَيْئاً مِنْ كُتُبِكَ؟
فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّحِيْفَةَ الصَّادِقَةَ الَّتِي سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَحَدٌ، فَإِذَا سَلِمَ لِي كِتَابُ اللهِ وَهَذِهِ الصَّحِيْفَةُ وَالوَهْطُ، لَمْ أُبَالِ مَا ضَيَّعْتُ الدُّنْيَا (4) .
الوَهْطُ: بُسْتَانٌ عَظِيْمٌ بِالطَّائِفِ، غَرِمَ مَرَّةً عَلَى عُرُوْشِهِ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
__________
(1) من قوله: عن يوسف إلى هنا سقط من المطبوع.
(2) أخرجه البخاري في " صحيحه " 1 / 184 في العلم: باب كتابة العلم، والرامهرمزي في " المحدث الفاصل " برقم (328)، والخطيب في " تقييد العلم ": 82.
(3) أخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " رقم (1515)، واقتبسه ابن عساكر: 235.
وانظر " المحدث الفاصل " رقم (329) و" تقييد العلم ": 83.
(4) أخرجه ابن عساكر: 236، وإسحاق بن يحيى بن طلحة ضعيف، وأخرجه ابن سعد: 2 / 273 و4 / 262 بأخصر مما هنا.

(3/89)


قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، وَآخَرُ، عَنْ عَيَّاشِ بنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو، يَقُوْلُ:
لأَنْ أَكُوْنَ عَاشِرَ عَشْرَةِ مَسَاكِيْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُوْنَ عَاشِرَ عَشْرَةِ أَغْنِيَاءَ، فَإِنَّ الأَكْثَرِيْنَ هُمُ الأَقَلُّوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِلاَّ مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا، يَقُوْلُ: يَتَصَدَّقُ يَمِيْناً وَشِمَالاً (1) .
هُشَيْمٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ وَحُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ:
زَوَّجَنِي أَبِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيَّ، جَعَلْتُ لاَ أَنْحَاشُ لَهَا مِمَّا بِي مِنَ القُوَّةِ عَلَى العِبَادَةِ.
فَجَاءَ أَبِي إِلَى كِنَّتِهِ، فَقَالَ: كَيْفَ وَجَدْتِ بَعْلَكِ؟
قَالَتْ: خَيْرُ رَجُلٍ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يُفَتِّشْ لَهَا كَنَفاً، وَلَمْ يَقْرَبْ لَهَا فِرَاشاً.
قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، وَعَضَّنِي بِلِسَانِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَنْكَحْتُكَ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ، فَعَضَلْتَهَا، وَفَعَلْتَ.
ثُمَّ انْطَلَقَ، فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَطَلَبَنِي، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي: (أَتَصُوْمُ النَّهَارَ، وَتَقُوْمُ اللَّيْلَ؟).
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: (لَكِنِّي أَصُوْمُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَمَسُّ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي (2)).
قُلْتُ: وَرِثَ عَبْدُ اللهِ مِنْ أَبِيْهِ قَنَاطِيْرَ مُقَنْطَرَةً مِنَ الذَّهَبِ المِصْرِيِّ، فَكَانَ مِنْ مُلُوْكِ الصَّحَابَةِ.
__________
(1) رجاله ثقات، وهو في " الحلية " 1 / 288، وقد تصحف فيه " عباس " إلى " عياش ".
واقتبسه ابن عساكر: 241، 242.
(2) رجاله ثقات، وأخرجه أحمد في " المسند " 2 / 158 بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري: 9 / 82 في فضائل القرآن بأحصر مما هنا من طريق موسى بن إسماعيل، عن أبي عوانة، عن مغيرة، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال: " أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كنته، فيسألها عن بعلها، فتقول: نعم الرجل من رجل لم يطألنا فراشا، ولم يفتش لنا كنفا منذ أتيناه " فلما طال ذلك عليه، ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: القني به...والكنة: زوج الولد، وقولها: " لم يفتش لنا كنفا ": الكنف: الجانب، أرادت أنه لم يقربها، ولم يطلع منها على ما جرت به عادة الرجال مع نسائهم.
واسم المرأة: أم محمد بنت محمية بن جزء الزبيدي حليف قريش، ذكرها الزبير.

(3/90)


الأَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بنُ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
كُنْتُ أَصْنَعُ الكُحْلَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَكَانَ يُطْفِئُ السِّرَاجَ بِاللَّيْلِ، ثُمَّ يَبْكِي حَتَّى رَسِعَتْ عَيْنَاهُ (1) .
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ:
دَخَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْتِي هَذَا، فَقَالَ: (يَا عَبْدَ اللهِ! أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَكَلَّفْتَ قِيَامَ اللَّيْلِ، وَصِيَامَ النَّهَارِ؟).
قُلْتُ: إِنِّيْ لأَفْعَلُ.
فَقَالَ: (إِنَّ مِنْ حَسْبِكَ أَنْ تَصُوْمَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَكَأَنَّكَ قَدْ صُمْتَ الدَّهْرَ كُلَّهُ).
قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنِّيْ أَجِدُ قُوَّةً، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَزِيْدَنِي.
فَقَالَ: (فَخَمْسَةُ أَيَّامٍ).
قُلْتُ: إِنِّيْ أَجِدُ قُوَّةً.
قَالَ: (سَبْعَةُ أَيَّامٍ).
فَجَعَلَ يَسْتَزِيْدُهُ، وَيَزِيْدُهُ حَتَّى بَلَغَ النِّصْفَ، وَأَنْ يَصُوْمَ نِصْفَ الدَّهْرِ.
(إِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِعَبْدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقّاً).
فَكَانَ بَعْدَ مَا كَبُرَ وَأَسَنَّ يَقُوْلُ: أَلاَ كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي (2) .
وَهَذَا الحَدِيْثُ لَهُ طُرُقٌ مَشْهُوْرَةٌ (3) .
وَقَدْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ، وَهَاجَرَ بَعْدَ سَنَةِ سَبْعٍ، وَشَهِدَ بَعْضَ المَغَازِي.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ مُعَاوِيَةَ يَوْمَ صِفِّيْنَ.
وَذَكَرَهُ: خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ فِي تَسْمِيَةِ عُمَّالِ مُعَاوِيَةَ عَلَى الكُوْفَةِ. قَالَ: ثُمَّ
__________
(1) رسعت عيناه: أي تغيرت وفسدت والتصقت ؟ أجفانها، وانظر " حلية الأولياء " 1 / 290، وابن عساكر: 243.
(2) إسناده حسن، وهو في " المسند " 2 / 200 من طريق عبد الوهاب بن عطاء بهذا الإسناد.
(3) في " الصحيحين " وغيرهما، انظر " جامع الأصول " 1 / 297، 302 و6 / 329، 334.

(3/91)


عَزَلَهُ، وَوَلَّى المُغِيْرَةَ بنَ شُعْبَةَ.
وَفِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ): حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، أَنْبَأَنَا العَوَّامُ، حَدَّثَنِي أَسْوَدُ بنُ مَسْعُوْدٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بنِ خُوَيْلِدٍ العَنْبَرِيِّ، قَالَ:
بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، إِذْ جَاءهُ رَجُلاَنِ يَخْتَصِمَانِ فِي رَأْسِ عَمَّارٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ.
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو: لِيَطِبْ بِهِ أَحَدُكُمَا نَفْساً لِصَاحِبِهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ).
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا عَمْرُو! أَلاَ تُغْنِي عَنَّا مَجْنُوْنَكَ، فَمَا بَالُكَ مَعَنَا؟
قَالَ: إِنَّ أَبِي شَكَانِي إِلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: (أَطِعْ أَبَاكَ مَا دَامَ حَيّاً)، فَأَنَا مَعَكُم، وَلَسْتُ أُقَاتِلُ (1) .
وَرَوَى: نَافِعُ بنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: مَا لِيَ وَلِصِفِّيْنَ، مَا لِيَ وَلِقِتَالِ المُسْلِمِيْنَ، لَوَدِدْتُ أَنِّي مِتُّ قَبْلَهَا بِعِشْرِيْنَ سَنَةً -أَوْ قَالَ: بِعَشْرِ سِنِيْنَ - أَمَا وَاللهِ عَلَى ذَلِكَ مَا ضَرَبْتُ بِسَيْفٍ، وَلاَ رَمَيْتُ بِسَهْمٍ.
وَذُكِرَ أَنَّهُ كَانَتِ الرَّايَةُ بِيَدِهِ (2) .
يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ قُدَامَةَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ:
أَنَّ أَبَاهُ عَمْراً قَالَ لَهُ يَوْمَ صِفِّيْنَ: اخْرُجْ، فَقَاتِلْ.
قَالَ: يَا أَبَه! كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَخْرُجُ فَأُقَاتِلُ، وَقَدْ سَمِعْتَ مِنْ عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيَّ مَا سَمِعْتَ؟!
فَقَالَ: نَشَدْتُكَ بِاللهِ! أَتَعْلَمُ أَنَّ آخِرَ مَا كَانَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْكَ أَنْ أَخَذَ بِيَدِكَ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِي، فَقَالَ: (أَطِعْ عَمْرَو بنَ العَاصِ مَا دَامَ حَيّاً)؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَإِنِّي آمُرُكَ أَنْ تُقَاتِلَ (3).
__________
(1) إسناده صحيح، يزيد.
هو ابن هارون، والعوام: هو ابن حوشب الشيباني.
وهو في " المسند " 2 / 164، وابن عساكر: 248.
(2) رجاله ثقات.
أخرجه ابن سعد: 4 / 266 من طريق هشام بن عبد الملك أبي الوليد الطيالسي بهذا الإسناد، وهو في " ابن عساكر ": 257.
(3) إسناده ضعيف لضعف عبد الملك بن قدامة، ضعفه أبو حاتم والدار قطني والنسائي وابن حبان وغيرهم.

(3/92)


عَبْدُ المَلِكِ: ضُعِّفَ.
عَفَّانُ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ الرَّبِيْعِ (1) ، قَالَ:
انْطَلَقْتُ فِي رَهْطٍ مِنْ نُسَّاكِ أَهْلِ البَصْرَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَقُلْنَا: لَوْ نَظَرْنَا رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَدُلِلْنَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، فَأَتَيْنَا مَنْزِلَهُ، فَإِذَا قَرِيْبٌ مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ رَاحِلَةٍ، فَقُلْنَا: عَلَى كُلِّ هَؤُلاَءِ حَجَّ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو؟
قَالُوا: نَعَمْ، هُوَ وَمَوَالِيْهِ وَأَحِبَّاؤُهُ.
قَالَ: فَانْطَلَقْنَا إِلَى البَيْتِ، فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، بَيْنَ بُرْدَيْنِ قِطْرِيَّيْنِ، عَلَيْهِ عِمَامَةٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَمِيْصٌ (2) .
رَوَاهُ: حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، فَقَالَ:
عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ رَبِيْعَةَ الغَنَوِيِّ (3) : أَنَّهُ حَجَّ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ فِي عِصَابَةٍ مِنَ القُرَّاءِ، فَحُدِّثْنَا أَنَّ عَبْدَ اللهِ فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ.
فَعَمِدْنَا إِلَيْهِ، فَإِذَا نَحْنُ بِثِقْلٍ عَظِيْمٍ يَرْتَحِلُوْنَ ثَلاَثَ مائَةِ رَاحِلَةٍ، مِنْهَا مائَةُ رَاحِلَةٍ وَمائَتَا زَامِلَةٍ (4) ، وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ أَشَدُّ النَّاسِ تَوَاضُعاً.
فَقُلْنَا: مَا هَذَا؟
قَالُوا: لإِخْوَانِهِ يَحْمِلُهُم عَلَيْهَا، وَلِمَنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ.
فَعَجِبْنَا، فَقَالُوا: إِنَّهُ رَجُلٌ غَنِيٌّ.
وَدَلُّوْنَا عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي المَسْجَدِ الحَرَامِ، فَأَتَيْنَاهُ، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَصِيْرٌ، أَرْمَصُ (5) ، بَيْنَ بُرْدَيْنِ وَعِمَامَةٍ، قَدْ عَلَّقَ نَعْلَيْهِ (6) فِي شِمَالِهِ.
__________
(1) مترجم في " تاريخ البخاري " 4 / 12، " الجرح والتعديل ": 4 / 117، وقد حرف في المطبوع إلى " سلمان بن ربيعة ".
(2) هو عند ابن سعد: 4 / 267 بهذا الإسناد، وله تتمة انظرها فيه.
(3) في المطبوع من " تاريخ الإسلام ": 3 / 39: سليمان بن ربيعة.
(4) الراحلة من الابل: البعير النجيب القوي على الاسفاروالاحمال، الذكر والانثى فيه سواء، وهي التي يختارها الرجل لمركبه، والهاء فيه للمبالغة في الصفة كما يقال: رجل داهية وباقعة وعلامة، الزاملة: بعيريستظهر به الرجل، يحمل عليه متاعه وطعامه.
(5) الرمص: قذى يجتمع في الموق.
(6) في الأصل: " نعل " وما أثبتناه من ابن عساكر.

(3/93)


مُسْلِمٌ الزَّنْجِيُّ: عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ:
أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو المَسْجَدَ الحَرَامَ، وَالكَعْبَةُ مُحْتَرِقَةٌ حِيْنَ أَدْبَرَ جَيْشُ حُصَيْنِ بنِ نُمَيْرٍ، وَالكَعْبَةُ تَتَنَاثَرُ حِجَارَتُهَا، فَوَقَفَ، وَبَكَى، حَتَّى إِنِّي لأَنْظُر إِلَى دُمُوْعِهِ تَسِيْلُ عَلَى وَجْنَتَيْهِ، فَقَالَ:
أَيُّهَا النَّاسُ! وَاللهِ لَوْ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَكُم أَنَّكُم قَاتِلُو ابْنِ نَبِيِّكُم، وَمُحْرِقُو (1) بَيْتِ رَبِّكُم، لَقُلْتُم: مَا أَحَدٌ أَكْذَبُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
فَقَدْ فَعَلْتُم، فَانْتَظِرُوا نِقْمَةَ اللهِ، فَلَيَلْبِسَنَّكُم شِيَعاً، وَيُذِيْقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ.
شُعْبَةُ: عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنْ أُمِّهِ: أَنَّهَا كَانَتْ تَصْنَعُ الكُحْلَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو.
وَكَانَ يُكْثِرُ مِنَ البُكَاءِ، يُغْلِقُ عَلَيْهِ بَابَهُ وَيَبْكِي، حَتَّى رَمِصَتْ عَيْنَاهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَاتَ عَبْدُ اللهِ لَيَالِيَ الحَرَّةِ (2) ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو بِمِصْرَ، وَدُفِنَ بِدَارِهِ الصَّغِيْرَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ.
وَكَذَا قَالَ فِي تَارِيْخِ مَوْتِهِ: خَلِيْفَةُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَالوَاقِدِيُّ، وَالفَلاَّسُ، وَغَيْرُهُم (3) .
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ بِالطَّائِفِ، وَيُقَالُ: بِمَكَّةَ.
وَقَالَ ابْنُ البَرْقِيِّ أَبُو بَكْرٍ: فَأَمَّا وَلَدُهُ، فَيَقُوْلُوْنَ: مَاتَ بِالشَّامِ.
__________
(1) في الأصل: قاتلي ومحرقي.
(2) انظر تفاصيل حوادثها في " تاريخ الإسلام ": 2 / 345، 360 للمؤلف.
(3) وهو الصحيح، فقد روى الكندي في كتاب " الولاة ": 645 قصة قتل الاكدر بن حمام الذي قتله مروان بن الحكم حين قدم مصر سنة 65، قال: حدثنا يحيى بن أبي معاوية التجيبي، قال: حدثني خلف بن ربيعة الحضرمي، قال: حدثني أبي ربيعة بن الوليد، عن موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، قال: كنت واقفا بباب مروان حين أتي بالاكدر..وكان قتل الاكدر للنصف من جمادى الآخرة سنة خمس وستين، ويومئذ توفي عبد الله بن عمرو بن العاص، فلم يستطع أن يخرج بجنازته إلى المقبرة لتشغيب الجند على مروان، فدفن في داره.
وانظر للمؤلف " تذكرة الحفاظ " 1 / 42، و" تاريخ الإسلام " 2 / 365، 366، و" البداية " 8 / 263، 264.

(3/94)


18 - جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمِ بنِ عَدِيِّ بنِ نَوْفَلٍ النَّوْفَلِيُّ * (ع)
ابْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ، شَيْخُ قُرَيْشٍ فِي زَمَانِهِ، أَبُو مُحَمَّدٍ -
وَيُقَالُ: أَبُو عَدِيٍّ - القُرَشِيُّ، النَّوْفَلِيُّ، ابْنُ عَمِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
مِنْ الطُّلَقَاءِ الَّذِيْنَ حَسُنَ إِسْلاَمُهُم، وَقَدْ قَدِمَ المَدِيْنَةَ فِي فِدَاءِ الأُسَارَى مِنْ قَوْمِهِ.
وَكَانَ مَوْصُوْفاً بِالحِلْمِ، وَنُبْلِ الرَّأْيِ كَأَبِيْهِ.
وَكَانَ أَبُوْهُ هُوَ الَّذِي قَامَ فِي نَقْضِ صَحِيْفَةِ القَطِيْعَةِ (1) .
وَكَانَ يَحْنُو عَلَى أَهْلِ الشِّعْبِ، وَيَصِلُهُم فِي السِّرِّ.
وَلذَلِكَ يَقُوْلُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ: (لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ حَيّاً، وَكلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى، لَتَرَكْتُهُم لَهُ (2)).
وَهُوَ الَّذِي أَجَارَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِيْنَ رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ حَتَّى طَافَ بِعُمْرَةٍ.
ثُمَّ كَانَ جُبَيْرٌ شَرِيْفاً، مُطَاعاً، وَلَهُ رِوَايَةُ أَحَادِيْثَ.
رَوَى عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ الفَقِيْهَانِ مُحَمَّدٌ وَنَافِعٌ، وَسُلَيْمَانُ بنُ صُرَدَ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَآخَرُوْنَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَزْهَرَ،
__________
(*) نسب قريش: 201، طبقات خليفة: ت 43، المحبر: 67، 69، التاريخ الكبير 2 / 223، المعارف: 485، الجرح والتعديل 2 / 512، مشاهير علماء الأمصار: ت 35، جمهرة أنساب العرب: 116، الاستيعاب 1 / 230، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 76، أسد الغابة 1 / 323، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 146، تهذيب الكمال: 188، تاريخ الإسلام 2 / 274، العبر 1 / 59، تذهيب التهذيب 1 / 102 آ، مرآة الجنان 1 / 127 و130، البداية والنهاية 8 / 46، العقد الثمين 3 / 408، الإصابة: 1 / 225، تهذيب التهذيب 2 / 63، خلاصة تذهيب الكمال: 52، شذرات الذهب 1 / 64.
(1) انظر " سيرة ابن هشام " 1 / 374، 381.
(2) أخرجه البخاري 6 / 173 في الخمس: باب ما من النبي صلى الله عليه وسلم على الاسارى من غير أن يخمس، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن محمد بن جبير، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدر " لو كان المطعم بن عدي حيا، ثم كلميي في هؤلاء النتنى لتركتهم له " وهو في " مسند الحميدي " رقم (558).

(3/95)


وَعَبْدُ اللهِ بنُ بَابَاه، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ.
وَوَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فِي أَيَّامِهِ.
ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ جَاءَ فِي فِدَاءِ أُسَارَى بَدْرٍ.
قَالَ: فَوَافَقْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ: {وَالطُّوْرِ، وَكِتَابٍ مَسْطُوْرٍ} [الطُّوْرُ: 1 - 2]، فَأَخَذَنِي مِنْ قِرَاءتِهِ كَالكَرْبِ (1).
ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ عَامِرِ بنِ يَحْيَى، عَنْ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، قَالَ:
كُنْتُ أَكْرَهُ أَذَى قُرَيْشٍ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا ظَنَنَّا أَنَّهُم سَيَقْتُلُوْنَهُ، لَحِقْتُ بِدَيْرٍ مِنَ الدِّيَارَاتِ، فَذَهَبَ أَهْلُ الدَّيْرِ إِلَى رَأْسِهِمْ، فَأَخْبَرُوْهُ، فَاجْتَمَعْتُ بِهِ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ أَمْرِي، فَقَالَ: تَخَافُ أَنْ يَقْتُلُوْهُ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: وَتَعْرِفُ شَبَهَهُ لَوْ رَأَيْتَهُ مُصَوَّراً؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: فَأَرَاهُ صُوْرَةً مُغَطَّاةً كَأَنَّهَا هُوَ.
وَقَالَ: وَاللهِ لاَ يَقْتُلُوْهُ، وَلَنَقْتُلَنَّ مَنْ يُرِيْدُ قَتْلَهُ، وَإِنَّهُ
__________
(1) إسناده حسن، أمامة بن زيد هو الليثي، قال الحافظ في " التقريب ": صدوق يهم، وأخرجه الطبراني برقم (1498) من طريق أحمد بن صالح عن ابن وهب بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري 2 / 206، في الصلاة، ومسلم (463)، ومالك 1 / 99، وأبو داود (811)، وابن ماجه (832)، والنسائي 2 / 169، والطبراني (1491)، وعبد الرزاق (2692)، كلهم من طريق الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بالطور في المغرب.
ورواه البخاري 6 / 116 في الجهاد: وزاد فيه: وكان جاء في أسارى بدر، وأخرجه الحميدي (556)، وعنه البخاري 8 / 463 في التفسير عن سفيان، قال: حدثوني عن الزهري،
عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون.
أم خلقوا السماوات والارض بل لا يوقنون.
أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون).
كاد قلبي يطير.
قال سفيان: فأما أنا فإنما سمعت الزهري يحدث عن محمد بن جبير بن مطعم، عنه أبيه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، لم أسمعه زاد الذي قالو لي.
وانظر الطبراني برقم (1502) و(1585) و(1596).

(3/96)


لَنَبِيٌّ.
فَمَكَثْتُ عِنْدَهُمْ حِيْناً، وَعُدْتُ إِلَى مَكَّةَ، وَقَدْ ذَهَبَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى المَدِيْنَةِ.
فَتَنَكَّرَ لِي أَهْلُ مَكَّةَ، وَقَالُوا: هَلُمَّ أَمْوَالَ الصِّبْيَةِ الَّتِي عِنْدَكَ اسْتَوْدَعَهَا أَبُوْكَ.
فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ حَتَّى تُفَرِّقُوا بَيْنَ رَأْسِي وَجَسَدِي، وَلَكِنْ دَعُوْنِي أَذْهَبُ، فَأَدْفَعُهَا إِلَيْهِم.
فَقَالُوا: إِنَّ عَلَيْكَ عَهْدَ اللهِ وَمِيْثَاقَهِ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْ طَعَامِهِ.
فَقَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، وَقَدْ بَلَغَ رَسُوْلَ اللهِ الخَبَرُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي فِيْمَا يَقُوْلُ: (إِنِّيْ لأَرَاكَ جَائِعاً، هَلُمُّوا طَعَاماً).
قُلْتُ: لاَ آكُلُ خُبْزَكَ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ آكُلَ أَكَلْتُ؛ وَحَدَّثْتُهُ.
قَالَ: (فَأَوْفِ بِعَهْدِكَ) (1).
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ (2) اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا:
أَعْطَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المُؤلَّفَةَ قُلُوْبُهُم، فَأَعْطَى جُبَيْرَ بنَ مُطْعِمٍ مائَةً مِنَ الإِبِلِ.
قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَ جُبَيْرٌ مِنْ حُلَمَاءِ قُرَيْشٍ، وَسَادَتِهِم، وَكَانَ يُؤْخَذُ عَنْهُ النَّسَبُ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ عُتْبَةَ، عَنْ شَيْخٍ، قَالَ:
لَمَّا قُدِمَ عَلَى عُمَرَ بِسَيْفِ النُّعْمَانِ بنِ المُنْذِرِ، دَعَا جُبَيْرَ بنَ مُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ، فَسَلَّحَهُ (3) إِيَّاهُ.
وَكَانَ جُبَيْرٌ أَنْسَبَ العَرَبِ لِلْعَرَبِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: إِنَّمَا أَخَذْتُ النَّسَبَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَنْسَبَ العَرَبِ.
عَدَّ خَلِيْفَةُ جُبَيْراً فِي عُمَّالِ عُمَرَ عَلَى الكُوْفَةِ، وَأَنَّهُ وَلاَّهُ قَبْلَ المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أُمُّ أُمِّ جُبَيْرٍ، هِيَ جَدَّتُهُ أُمُّ حَبِيْبٍ بِنْتُ العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ
__________
(1) إسناده ضعيف اضعف ابن لهيعة، وهو في " معجم الطبراني " برقم (1609) من طريق المقدام بن داود، عن أبي الأسود النضر بن عبد الجبار بهذا الإسناد، وانظر " المجمع " 8 / 233 و234.
(2) تحرف في المطبوع إلى " عبيد ".
(3) في المطبوع: " فسلمه ".

(3/97)


بنِ (1) عَبْدِ شَمْسٍ.
وَمَاتَ أَبُوْهُ المُطْعِمُ بِمَكَّةَ قَبْلَ بَدْرٍ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
فَرَثَاهُ حَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ - فِيْمَا قِيْلَ - فَقَالَ:
فَلَوْ كَانَ مَجْدٌ يُخْلِدُ اليَوْمَ وَاحِداً ... مِنَ النَّاسِ أَنْجَى مَجْدُهُ اليَوْمَ مُطْعِمَا (2)
أَجَرْتَ رَسُوْلَ اللهِ مِنْهُم فَأَصْبَحُوا ... عَبِيْدُكَ مَا لَبَّى مُلَبٍّ وَأَحْرَمَا
الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنَا المُؤَمِّلِيُّ، عَنْ زَكَرِيَّا بنِ عِيْسَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ:
أَنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ قَالَ لأَبِي مُوْسَى لَمَّا رَأَى كَثْرَةَ مُخَالَفَتِهِ لَهُ: هَلْ أَنْتَ مُطِيْعِي؟ فَإِنَّ هَذَا الأَمْرَ لاَ يَصْلُحُ أَنْ نَنْفَرِدَ بِهِ حَتَّى نُحْضِرَهُ رَهْطاً مِنْ قُرَيْشٍ نَسْتَشِيْرُهُم، فَإِنَّهُم أَعْلَمُ بِقَوْمِهِم.
قَالَ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ.
فَبَعَثَا إِلَى خَمْسَةٍ؛ ابْنِ عَمْرٍو، وَأَبِي جَهْمٍ بنِ حُذَيْفَةَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَجُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، فَقَدِمُوا عَلَيْهِم.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ:
أَنَّ جُبَيْرَ بنَ مُطْعِمٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَسَمَّى لَهَا صَدَاقَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُوْلِ، فَتَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: {إِلاَّ أَنْ يَعْفُوْنَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البَقَرَةُ: 237].
فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِالعَفْوِ مِنْهَا.
فَسَلَّمَ إِلَيْهَا الصَّدَاقَ كَامِلاً.
__________
(1) لفظ " أمية بن " سقط من المطبوع.
(2) رواية البيت في " الديوان " ص: 326:
ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا * من الناس أبقى مجده الدهر مطعما
والبيتان من قصيدة قالها في رثاء المطعم بن عدي، ومطلعها: أعين ألا ابكي سيد الناس واسفحي * بدمع فإن أنزفته فاسكبي الدما (3) أخرجه البيهقي في " سننه " 7 / 251 من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب، عن يحيى ابن أبي طالب، عن عبد الوهاب بن عطاء بهذا الإسناد، وأخرجه الطبري برقم (5321) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن عبد الله بن جعفر، عن واصل بن أبي سعيد، عن محمد بن جبير بن مطعم أن أباه تزوج امرأة، ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فأرسل بالصداق، وقال: أنا أحق بالعفو

(3/98)


قَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَخَلِيْفَةُ، وَغَيْرُهُمَا: تُوُفِّيَ جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.

19 - عَقِيْلُ بنُ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ * (س، ق)
ابْنُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو يَزِيْدَ، وَأَبُو عِيْسَى.
قَدْ ذَكَرْتُهُ، وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ أَخِيْهِ عَلِيٍّ بِعِشْرِيْنَ سَنَةً؛ وَمِنْ أَخِيْهِ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ بِعَشْرِ سِنِيْنَ.
هَاجَرَ فِي مُدَّةِ الهُدْنَةِ، وَشَهِدَ غَزْوَةَ مُؤْتَةَ، وَلَهُ جَمَاعَةُ (1) أَحَادِيْثَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُحَمَّدٌ، وَحَفِيْدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَعَطَاءٌ، وَالحَسَنُ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ.
وَعُمِّرَ بَعْدَ أَخِيْهِ الإِمَامِ عَلِيٍّ.
ثُمَّ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ بَسَّاماً، مَزَّاحاً، عَلاَّمَةٌ بِالنَّسَبِ وَأَيَّامِ العَرَبِ.
شَهِدَ بَدْراً مَعَ قَوْمِهِ مُكْرَهاً، فَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ لاَ مَالَ لَهُ، فَفَدَاهُ عَمُّهُ العَبَّاسُ.
وَقَدْ مَرِضَ مُدَّةً، فَلَمْ نَسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ فِي المَغَازِي بَعْدَ مُؤْتَةَ، وَأَطْعَمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ كُلَّ عَامٍ مائَةً وَأَرْبَعِيْنَ وَسْقاً.
__________
(*) طبقات ابن سعد 4 / 42، طبقات خليفة: ت 17 و820 و1481، التاريخ الكبير 7 / 50، التاريخ الصغير 1 / 145، الجرح والتعديل 6 / 218، مروج الذهب 3 / 227، المستدرك 3 / 575، جمهرة أنساب العرب: 69، الاستيعاب: 1078، تاريخ ابن عساكر 11 / 363 آ، أساد الغابة 3 / 422، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 337، تهذيب الكمال: 949، تاريخ الإسلام 2 / 233، تذهيب التهذيب 3 / 47 ب، البداية والنهاية 8 / 47، مجمع الزوائد 9 / 273، العقد الثمين 6 / 113، الإصابة 2 / 494، تهذيب التهذيب 7 / 254، خلاصة تذهيب الكمال: 228.
(1) غيرها في المطبوع إلى " جملة "، ولم يشر إلى صنيعه.

(3/99)


وَرُوِيَ مِنْ وُجُوْهٍ مُرْسَلَةٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: (إِنِّيْ أُحِبُّكَ لِقَرَابَتِكَ مِنِّي، وَلِحُبِّ أَبِي طَالِبٍ لَكَ (1)).
قَالَ حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: سَأَلَ عَقِيْلٌ عَلِيّاً، وَشَكَا حَاجَتَهُ، قَالَ: اصْبِرْ حَتَّى يَخْرُجُ عَطَائِي.
فَأَلَحَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: انْطَلِقْ، فَخُذْ مَا فِي حَوَانِيْتِ النَّاسِ.
قَالَ: تُرِيْدُ أَنْ تَتَّخِذَنِي سَارِقاً؟
قَالَ: وَأَنْتَ تُرِيْدُ أَنْ تَتَّخِذَنِي سَارِقاً، وَأُعْطِيْكَ أَمْوَالَ النَّاسِ؟
فَقَالَ: لآتِيَنَّ مُعَاوِيَةَ.
قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ.
فَسَارَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَعْطَاهُ مائَةَ أَلْفٍ، وَقَالَ: اصْعَدْ عَلَى المِنْبَرِ، فَاذْكُرْ مَا أَوْلاَكَ عَلِيٌّ وَمَا أَوْلَيْتُكَ.
فَصَعِدَ، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّيْ أَرَدْتُ عَلِيّاً عَلَى دِيْنِهِ، فَاخْتَارَ دِيْنَهُ عَلَيَّ، وَأَرَدْتُ مُعَاوِيَةَ عَلَى دِيْنِهِ، فَاخْتَارَنِي عَلَى دِيْنِهِ.
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا الَّذِي تَزْعُمُ قُرَيْشٌ أَنَّهُ أَحْمَقُ (2) !
وَقِيْلَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ، قَالَ لَهُم: هَذَا عَقِيْلٌ وَعَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ، فَقَالَ: هَذَا مُعَاوِيَةُ، وَعَمَّتُهُ حَمَّالَةُ الحَطَبِ (3).

20 - يَعْلَى بنُ أُمَيَّةَ بنِ أَبِي عُبَيْدَةَ التَّمِيْمِيُّ المَكِّيُّ * (ع)
حَلِيْفُ قُرَيْشٍ.
وَهُوَ يَعْلَى بنُ مُنْيَةَ بِنْتِ غَزْوَانَ؛ أُخْتِ عُتْبَةَ بنِ غَزْوَانَ.
__________
(1) أخرجه ابن سعد 4 / 44 من طريق الفضل بن دكين، عن عيسى بن عبد الرحمن السلمي، عن أبي إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم...ورجاله ثقات لكنه مرسل كما قال المؤلف.
(2) أخرجه ابن عساكر 11 / 368 / آ.
(3) ابن عساكر 11 / 368 / ب.
(*) طبقات ابن سعد 5 / 456، طبقات خليفة: ت 291، التاريخ الكبير 8 / 414، المعرفة والتاريخ 1 / 308، الجرح والتعديل 9 / 301، جمهرة أنساب العرب: 229 المستدرك 3 / 423، الاستيعاب: 1584، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 586، تاريخ ابن عساكر: باريس 21 آ، أسد الغابة 5 / 128، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 165، تهذيب الكمال: 1554، تاريخ الإسلام 2 / 326، تذهيب التهذيب 4 / 187 آ، العقد الثمين 7 / 478، الإصابة =

(3/100)


أَسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ، وَحَسُنَ إِسلاَمُهُ.
وَشَهِدَ: الطَّائِفَ، وَتَبُوْكَ، وَلَهُ: عِدَّةُ أَحَادِيْثَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ صَفْوَانُ، وَعُثْمَانُ، وَمُحَمَّدٌ، وَأَخُوْهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ صَفْوَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بَابَيْه، وَمُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَآخَرُوْنَ.
لَهُ: نَحْوٌ مِنْ عِشْرِيْنَ حَدِيْثاً، وَحَدِيْثُهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ (1)).
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ يَعْلَى بنُ مُنْيَةَ يُفْتِي بِمَكَّةَ.
وَقِيْلَ: وَلِيَ نَجْرَانَ لِعُمَرَ.
وَكَانَ مِنْ أَجْوَادِ الصَّحَابَةِ، وَمُتَمَوِّلِيْهِمْ.
رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ: عَنْ زَكَرِيَّا بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ:
كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَرَّخَ الكُتُبَ يَعْلَى بنُ أُمَيَّةَ وَهُوَ بِاليَمَنِ (2) .
قُلْتُ: وَلِيَ اليَمَنَ لِعُثْمَانَ، وَكَانَ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَ عَائِشَةَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ نَوْبَةَ الجَمَلِ فِي الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ الشَّهِيْدِ، فَأَنْفَقَ أَمْوَالاً جَزِيْلَةً فِي العَسْكَرِ كَمَا يُنْفِقُ المُلُوْكُ، فَلَمَّا هُزِمُوا، هَرَبَ يَعْلَى إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى شَأْنِهِ.
بَقِيَ إِلَى قَرِيْبِ السِّتِّيْنَ، فَمَا أَدْرِي أَتُوُفِّيَ قَبْلَ مُعَاوِيَةَ أَوْ بَعْدَهُ؟
__________
= 3 / 668، تهذيب التهذيب 11 / 399، خلاصة تذهيب الكمال: 7 376 أمالي اليزيدي: 96، أسماء الصحابة الرواة: 281، الوسائل إلى مسامرة الاوائل: 34، 129، ذيل المذيل: 40.
(1) انظر البخاري 3 / 311 و4 / 365 و8 / 437، ومسلم (871) و(1180) و(1674).
(2) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 424، وتمامه: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في شهر ربيع الأول، وإن الناس أرخوا لأول السنة، وإنما أرخ الناس لمقدم النبي صلى الله عليه وسلم.

(3/101)


21 - قَيْسُ بنُ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ بنِ دُلَيْمٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع)
ابْنِ حَارِثَةَ بنِ أَبِي حَزِيْمَةَ (1) بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ طَرِيْفِ بنِ الخَزْرَجِ بنِ سَاعِدَةَ بنِ كَعْبِ بنِ الخَزْرَجِ، الأَمِيْرُ، المُجَاهِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، سَيِّدُ الخَزْرَجِ وَابْنُ سَيِّدِهِم أَبِي ثَابِتٍ، الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، السَّاعِدِيُّ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنُ صَاحِبِهِ.
لَهُ: عدَّةُ أَحَادِيْثَ.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ مَالِكٍ الجَيْشَانِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو عَمَّارٍ الهَمْدَانِيُّ، وَعُرْوَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَيْمُوْنُ بنُ أَبِي شَبِيْبٍ، وَعَرِيْبُ بنُ حُمَيْدٍ الهَمْدَانِيُّ، وَالوَلِيْدُ بنُ عَبَدَةَ، وَآخَرُوْنَ.
وَوَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَاحْتَرَمَهُ، وَأَعْطَاهُ مَالاً.
وَقَدْ حَدَّثَ بِالكُوْفَةِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ المَلِكِ، لَمْ يَزَلْ مَعَ عَلِيٍّ، فَلَمَّا قُتِلَ عَلِيٌّ، رَجَعَ قَيْسٌ إِلَى وَطَنِهِ.
__________
(*) طبقات ابن سعد 6 / 52، طبقات خليفة: ت 603 و973 و2556 و2722، المحبر: 155، 184، 233، 292، 305، التاريخ الكبير 7 / 141، المعرفة والتاريخ 1 / 299، تاريخ الطبري 4 / 546، 5 / 163، الجرح والتعديل 7 / 99، مروج الذهب 3 / 205، الولاة والقضاة: 20، جمهرة أنساب العرب: 365، الاستيعاب: 1289، تاريخ بغداد 1 / 177، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 417، تاريخ ابن عساكر 14 / 224 ب، جامع الأصول 9 / 101، أسد الغابة 4 / 215، الكامل 3 / 862، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 61، تهذيب الكمال: 1135، تاريخ الإسلام 2 / 311، تذهيب التهذيب 3 / 163 ب، البداية والنهاية 8 / 99، الإصابة 3 / 249، تهذيب التهذيب 8 / 395، النجوم الزاهرة 1 / 95، خلاصة تذهيب الكمال: 270.
(1) تصحف في المطبوع إلى " خزيمة ".

(3/102)


قَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: كَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ النَّبِيِّ فِي بَعْضِ مَغَازِيْهِ، وَكَانَ بِمِصْرَ وَالِياً عَلَيْهَا لِعَلِيٍّ.
وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ، وَاخْتَطَّ بِهَا دَاراً، وَوَلِيَهَا لِعَلِيٍّ سَنَةَ سِتٍّ، وَعَزَلَهُ عَنْهَا سَنَةَ سَبْعٍ.
وَقَالَ عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ: كَانَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ رَجُلاً ضَخْماً، جَسِيْماً، صَغِيْرَ الرَّأْسِ، لَيْسَتْ لَهُ لِحْيَةٌ، إِذَا رَكِبَ حِمَاراً، خَطَّتْ رِجُلاَهُ الأَرْضَ، فَقَدِمَ مَكَّةَ، فَقَالَ قَائِلٌ: مَنْ يَشْتَرِي لَحْمَ الجَزُوْرِ.
يُعَرِّضُ بِقَيْسٍ أَنَّهُ لاَ يَأْكُلُ لَحْمَ الجَزُوْرِ (1) .
أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ يَرِيْمَ أَبِي العَلاَءِ:
قَالَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ: صَحِبْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ سِنِيْنَ (2) .
ثُمَامَةُ: عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
كَانَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ مِنَ الأَمِيْرِ، فَكَلَّمَ أَبُوْهُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَيْسٍ، فَصَرَفَهُ عَنِ المَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى شَيْءٍ، فَصَرَفَهُ (3) .
لَفْظُ أَبِي حَاتِمٍ (4) ، عَنِ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ ثُمَامَةَ.
__________
(1) أخرجه ابن عساكر 14 / 226.
(2) ابن عساكر 14 / 226 / ب وزاد: " قال ابن صاعد: وقول قيس هذا غريب ".
(3) أخرجه البخاري 13 / 118، 119 في الاحكام: باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجه عليه دون الامام الذي فوقه، من طريق محمد بن خالد الذهلي، عن محمد بن عبد الله الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة، عن أنس، دون قوله: فكلم أبوه...وهو في " سنن الترمذي " (3850)، وأخرجه بتمامه الاسماعيلي من طريق الهيثم بن خلف، عن محمد بن المثنى، عن الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة، عن أنس...وهو عند ابن عساكر 14 / 227 / آ.
والشرطة: بضم الشين وسكون الراء، والنسبة إليها: شرطي، وقد تفتح الراء فيهما: هم أعوان الأمير.
(4) أخرجه ابن مندة في " المعرفة " فيما قاله الحافظ في " الفتح " 13 / 119 من طريق محمد بن عيسى، قال حدثنا أبو حاتم الرازي، عن الأنصاري...

(3/103)


الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي ثَعْلَبَةُ بنُ أَبِي مَالِكٍ:
أَنَّ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ - وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ الحَجَّ، فَرَجَّلَ أَحَدَ شِقَّيْ رَأْسِهِ؛ فَقَامَ غُلاَمٌ لَهُ، فَقَلَّدَ هَدْيَهُ، فَأَهَلَّ، وَمَا رَجَّلَ شِقَّهُ الآخَرَ (1) .
وَذَكَرَ عَاصِمُ بنُ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ عَلَى الصَّدَقَةِ (2).
وَجَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيْثِ الحُوْتِ الَّذِي يُقَالَ لَهُ: العَنْبَرُ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ أَمِيْرَهُم كَانَ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ، وَإِنَّمَا المَحْفُوْظُ: أَبُو عُبَيْدَةَ (3).
وَرَوَى: عُمَرُو بنُ دِيْنَارٍ، سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ السَّمَّانَ يَذْكُرُ:
أَنَّ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ نَحَرَ لَهُم -يَعْنِي: فِي تِلْكَ الغَزْوَةِ - عِدَّةَ جَزَائِرَ (4) .
وَقَدْ جَوَّدَ ابْنُ عَسَاكِرَ طُرُقَهُ (5).
__________
(1) ابن عساكر 14 / 227 / آ بنحوه.
(2) ابن عساكر 14 / 227 / آ.
(3) قال الحافظ في " الفتح " 8 / 62 بعد أن نسب الرواية التي فيها أن قيس بن سعد هو الأمير إلى ابن أبي عاصم: والمحفوظ ما اتفقت عليه روايات " الصحيحين " أنه أبو عبيدة، وكأن أحد رواته ظن من صنيع قيس بن سعد في تلك الغزوة ما صنع من نحر الابل التي اشتراها أنه كان أمير السرية، وليس كذلك.
وخبر هذه السرية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح في ثالث مئة رجل من المهاجرين والانصار، وفيهم عمر بن الخطاب، إلى حي من جهينة بالقبلية مما يلي ساحل البحر، وأصابهم في الطريق جوع شديد، فأكلوا الخبط (ورق السلم)، فسميت تلك السرية سرية الخبط، وألقى إليهم البحر حوتا يقال له: العنبر، فأكلوا منه نصف شهر.
انظر خبرها بطوله في البخاري 8 / 63، 64 في المغازي: باب غزوة سيف البحر، ومسلم (1935) في الصيد، وأبو داود (3840)، والنسائي 7 / 207، 208، وأحمد 3 / 309.
وانظر البخاري (الطبعة السلفية) رقم (2483) و(2983) و(4360) و(4361) و(4362) و(5493) و(5494).
(4) انظر الحميدي رقم (1244)، البخاري 8 / 64، وابن عساكر 14 / 227 / ب.
(5) انظر " تاريخه " 14 / 227 / ب، 228 / آ.

(3/104)


وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ قَيْسٍ، وَمَالِكٌ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا:
بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا عُبَيْدَةَ فِي سَرِيَّةٍ فِيْهَا المُهَاجِرُوْنَ وَالأَنْصَارُ، وَهُم ثَلاَثُ مائَةٍ، إِلَى سَاحِلِ البَحْرِ، إِلَى حَيٍّ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَصَابَهُم جُوْعٌ شَدِيْدٌ.
فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِالزَّادِ، فَجُمِعَ؛ حَتَّى كَانُوا يَقْتَسِمُوْنَ التَّمْرَةَ.
فَقَالَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ: مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي تَمْراً بِجُزُرٍ، يُوَفِّيْنِي الجُزُرَ هَا هُنَا، وَأُوَفِّيْهِ التَّمْرَ بِالمَدِيْنَةِ.
فَجَعَلَ عُمَرُ يَقُوْلُ: يَا عَجَباً لِهَذَا الغُلاَمِ، يَدِيْنُ (1) فِي مَالِ غَيْرِهِ.
فَوَجَدَ رَجُلاً مِنْ جُهَيْنَةَ، فَسَاوَمَهُ، فَقَالَ: مَا أَعْرِفُكَ!
قَالَ: أَنَا قَيْسُ بنُ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ بنِ دُلَيْمٍ.
فَقَالَ: مَا أَعْرَفَنِي بِنَسَبِكَ، أَمَا إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدٍ خُلَّةً، سَيِّدُ أَهْلِ يَثْرِبَ.
فَابْتَاعَ مِنْهُ خَمْسَ جَزَائِرَ، كُلُّ جَزُوْرٍ بِوَسْقٍ (2) مِنْ تَمْرٍ، وَأَشْهَدَ لَهُ نَفَراً.
فَقَالَ عُمَرُ: لاَ أَشْهَدُ، هَذَا يَدِيْنُ وَلاَ مَالَ لَهُ، إِنَّمَا المَالُ لأَبِيْهِ.
فَقَالَ الجُهَنِيُّ: وَاللهِ مَا كَانَ سَعْدٌ لِيُخْنِيَ بِابْنِهِ فِي شِقَّةٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَرَى وَجْهاً حَسَناً، فَنَحَرَهَا لَهُم فِي ثَلاَثَةِ مَوَاطِنَ.
فَلَمَّا كَانَ فِي اليَوْمِ الرَّابِعِ، نَهَاهُ أَمِيْرُهُ، وَقَالَ: تُرِيْدُ أَنْ تُخْرِبَ ذِمَّتَكَ وَلاَ مَالَ لَكَ (3) !
قَالَ (4) : فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ رَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، قَالَ:
بَلَغَ سَعْداً مَا أَصَابَ القَوْمَ مِنَ المَجَاعَةِ، فَقَالَ: إِنْ يَكُ قَيْسٌ كَمَا
__________
(1) وفي " المغازي " وابن عساكر: " ادان " وهما بمعنى، يقال: دان واستدان وادان: إذا أخد الدين واقترض.
(2) في ابن عساكر: " بوسقين ".
(3) هو في " مغازي الواقدي " 2 / 774، 775 بأطول مما هنا، وما بين حاصرتين منه، وأخرجه ابن عساكر 14 / 228، وقوله: " ليخني " أي: يسلمه ويخفر ذمته، من أخنى عليه الدهر، وقد تصحف في المطبوع إلى " ليجني " بالجيم.
وقوله: " في شقة من تمر " أي: قطعة تشق منه، وفي " المغازي " " سقة " بالسين: أي: الوسق مثل العدة في الوعد، والزنة في الوزن، والرقة في الورق، والهاء فيه عوض من الواو.
(4) أي: الواقدي، وهو في " مغازيه " 2 / 775، 776، وأخرجه ابن عساكر 14 / 228 / ب.

(3/105)


أَعْرِفُ، فَسَوْفَ يَنْحَرُ لِلْقَوْمِ.
فَلَمَّا قَدِمَ، قَصَّ عَلَى أَبِيْهِ، وَكَيْفَ مَنَعُوْهُ آخِرَ شَيْءٍ مِنَ النَّحْرِ، فَكَتَبَ لَهُ أَرْبَعَ حَوَائِطَ (1) ، أَدْنَى (2) حَائِطٍ مِنْهَا يَجُدُّ خَمْسِيْنَ وَسْقاً.
فَقِيْلَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَلَغَهُ، قَالَ: (أَمَا إِنَّهُ فِي بَيْتِ جُوْدٍ).
أَبُو عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، قَالَ:
كَانَ قَيْسٌ يَسْتَدِيْنُ وَيُطْعِمُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ: إِنْ تَرَكْنَا هَذَا الفَتَى، أَهْلَكَ مَالَ أَبِيْهِ.
فَمَشَيَا فِي النَّاسِ، فَقَامَ سَعْدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: مَنْ يَعْذِرُنِي مِنِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ وَابْنِ الخَطَّابِ، يُبَخِّلاَنِ عَلَيَّ ابْنِي (3) .
وَقِيْلَ: وَقَفَتْ عَلَى قَيْسٍ عَجُوْزٌ، فَقَالَتْ: أَشْكُو إِلَيْكَ قِلَّةَ الجِرْذَانِ.
فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذِهِ الكِنَايَةَ، امْلَؤُوا بَيْتَهَا خُبْزاً وَلَحْماً وَسَمْناً وَتَمْراً (4) .
مَالِكٌ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ:
كَانَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ يُطْعِمُ النَّاسَ فِي أَسْفَارِهِ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ إِذَا نَفِدَ مَا مَعَهُ تَدَيَّنَ، وَكَانَ يُنَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ: هَلُمُّوا إِلَى اللَّحْمِ وَالثَّرِيْدِ (5) .
قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: كَانَ سَعْدٌ يُنَادِي عَلَى أُطُمِهِ: مَنْ أَحَبَّ شَحْماً وَلَحْماً، فَلْيَأْتِ، ثُمَّ أَدْرَكْتُ ابْنَهُ مِثْلَ ذَلِكَ (6) .
وَعَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بَاعَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ مَالاً مِنْ
__________
(1) الحوائط: جمع حائط وهو البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار.
(2) تحرف في المطبوع إلى " أدى " و" يجد " إلى " بحد "، ويجد: من الجداد وهو قطع الثمرة، والمعنى: أقل بستان منها يعطي من الثمار خمسين وسقا.
(3) ابن عساكر 14 / 228 / ب.
وقوله: " من يعذرني " أي: من يقوم بعذري إذا كافأتهما على سوء صنيعهما فلا يلومني.
(4) ابن عساكر 14 / 229 / آ.
(5) ابن عساكر 14 / 229 / آ.
(6) ابن عساكر 14 / 229 / آ.
والأطم، بضم الهمزة والطاء: بناء مرتفع قوي، وجمعه آطام.

(3/106)


مُعَاوِيَةَ بِتِسْعِيْنَ أَلْفاً؛ فَأَمَرَ مَنْ نَادَى فِي المَدِيْنَةِ: مَنْ أَرَادَ القَرْضَ، فَلْيَأْتِ.
فَأَقْرَضَ أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً، وَأَجَازَ بِالبَاقِي، وَكَتَبَ عَلَى مَنْ أَقْرَضَهُ.
فَمَرِضَ مَرَضاً قَلَّ عُوَّادُهُ، فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ قُرَيْبَةَ أُخْتِ الصِّدِّيْقِ: لِمَ قَلَّ عُوَّادِي؟
قَالَتْ: لِلدَّيْنِ، فَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ بِصَكِّهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مَالاً وَفَعَالاً، فَإِنَّهُ لاَ تَصْلُحُ الفَعَالُ إِلاَّ بِالمَالِ (1) .
عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ: عَنْ أَبِي صَالِحٍ:
أَنَّ سَعْداً قَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ وَلَدِهِ، وَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَمَاتَ، وَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدُ؛ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إِلَى ابْنِهِ قَيْسٍ، فَقَالاَ: نَرَى أَنْ تَرُدَّ عَلَى هَذَا.
فَقَالَ: مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ شَيْئاً صَنَعَهُ سَعْدٌ، وَلَكِنَّ نَصِيْبِي لَهُ (2) .
وَجَاءتْ هَذِهِ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، وَعَنْ عَطَاءٍ.
قَالَ مِسْعَرٌ: عَنْ مَعْبَدِ بنِ خَالِدٍ، قَالَ:
كَانَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ لاَ يَزَالُ هَكَذَا رَافِعاً أُصْبُعَهُ المُسَبِّحَةَ -يَعْنِي: يَدْعُو (3) -.
وَجُوْدُ قَيْسٍ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ، وَكَذَلِكَ دَهَاؤُهُ.
رَوَى: الجَرَّاحُ بنُ مَلِيْحٍ البَهْرَانِيُّ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ قَيْسِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ:
لَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (المَكْرُ وَالخَدِيْعَةُ فِي النَّارِ) (4)
__________
(1) ابن عساكر 14 / 229 / ب.
(2) ابن عساكر 14 / 230 / آ.
والرواية الآتية عنده أيضا.
(3) ابن عساكر 14 / 230 / ب.
(4) أخرجه ابن عدي في " الكامل " بسند قال فيه الحافظ في " الفتح " 4 / 298: لا بأس به، وأخرجه الطبراني في " الصغير " من حديث ابن مسعود، والحاكم في " المستدرك " من حديث
أنس، وإسحاق بن راهويه في " مسنده " من حديث أبي هريرة، وفي إسناد كل منها مقال، لكن مجموعها يدل على أن للمتن أصلا، فهو حسن..والمكر والخديعة: اسمان لكل فعل يقصد فاعله في باطنه خلاف ما يقتضيه ظاهره، والمذموم من ذلك أن يقصد فاعله إنزال مكروه بالمخدوع، وإياه قصد المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، ومعناه: يوديان بقاصدهما إلى النار. قاله الراغب.

(3/107)


لَكُنْتُ مِنْ أَمْكَرِ هَذِهِ الأُمَّةِ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنِي عَمْرٌو، قَالَ:
قَالَ قَيْسٌ: لَوْلاَ الإِسْلاَمُ، لَمَكَرْتُ مَكْراً لاَ تُطِيْقُهُ العَرَبُ.
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانُوا يَعُدُّوْنَ قَيْساً مِنْ دُهَاةِ العَرَبِ، وَكَانَ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ.
وَقَالُوا: دُهَاةُ العَرَبِ حِيْنَ ثَارَتِ الفِتْنَةُ خَمْسَةٌ: مُعَاوِيَةُ، وَعَمْرٌو، وَقَيْسٌ، وَالمُغِيْرَةُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بُدَيْلِ بنِ وَرْقَاءَ الخُزَاعِيُّ (1) .
وَكَانَ قَيْسٌ وَابْنُ بُدَيْلٍ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ عَمْرُو بنُ العَاصِ مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ المُغِيْرَةُ مُعْتَزِلاً بِالطَّائِفِ حَتَّى حَكَمَ الحَكَمَانِ (2) .
عَوْفٌ: عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
كَانَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بنِ عُتْبَةَ مِنْ أَشَدِّهِمْ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَمَّرَ عَلِيٌّ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ عَلَى مِصْرَ، وَكَانَ حَازِماً.
فَنُبِّئْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: لَوْلاَ أَنَّ المَكْرَ فُجُوْرٌ، لَمَكَرْتُ مَكْراً تَضْطَرِبُ مِنْهُ أَهْلُ الشَّامِ بَيْنَهُم.
فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ وَعَمْرٌو إِلَيْهِ، يَدْعُوَانِهِ إِلَى مُبَايَعَتِهِمَا.
فَكَتَبَ إِلَيْهِمَا كِتَاباً فِيْهِ غِلْظٌ.
فَكَتَبَا إِلَيْهِ بِكِتَابٍ فِيْهِ عُنْفٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمَا بِكِتَابٍ فِيْهِ لِيْنٌ.
فَلَمَّا قَرَآهُ، عَلِمَا أَنَّهُمَا لاَ يَدَانِ لَهُمَا بِمَكْرِهِ.
فَأَذَاعَا بِالشَّامِ أَنَّهُ قَدْ تَابَعَنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيّاً، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: أَدْرِكْ مِصْرَ، فَإِنَّ قَيْساً قَدْ بَايَعَ مُعَاوِيَةَ.
فَبَعَثَ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي بَكْرٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ أَبِي حُذَيْفَةَ إِلَى مِصْرَ، وَأَمَّرَ ابْنَ أَبِي بَكْرٍ.
فَلَمَّا قَدِمَا عَلَى قَيْسٍ بِنَزْعِهِ، عَلِمَ أَنَّ عَلِيّاً قَدْ خُدِعَ، فَقَالَ لِمُحَمَّدٍ:
يَا ابْنَ أَخِي احْذَرْ -يَعْنِي: أَهْلَ مِصْرَ - فَإِنَّهُم سَيُسَلِّمُوْنَكُمَا، فَتُقْتَلاَنِ .
فَكَانَ كَمَا قَالَ (3).
__________
(1) عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي الصحابي الجليل، انتهت إليه رئاسة خزاعة، وكان فصيحا لسنا، أسلم يوم الفتح، وشهد حنينا وما بعدها، وقتل يوم صفين.
(2) ابن عساكر 14 / 230 / ب، 231 / آ.
(3) ابن عساكر 14 / 231 / آ.

(3/108)


وَعَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، قَالَ:
ضَبَطَ قَيْسٌ مِصْرَ، وَكَانَ مُمْتَنِعاً بِالمَكِيْدَةِ وَالدَّهَاءِ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَعَمْرٍو، أَدَرَّ الأَرْزَاقَ عَلَيْهِم، وَلَمْ يَحْمِلْ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ طَعَاماً.
قَالَ: فَمَكَرَا بِعَلِيٍّ، وَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ كِتَاباً مِنْ قَيْسٍ إِلَيْهِ، يَذْكُرُ فِيْهِ مَا أَتَى إِلَى عُثْمَانَ مِنَ الأَمْرِ العَظِيْمِ، وَإِنِّي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ.
ثُمَّ نَادَى مُعَاوِيَةُ: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ، فَخَطَبَ، وَقَالَ: يَا أَهْلَ الشَّامِ، إِنَّ اللهَ يَنْصُرُ خَلِيْفَتَهُ المَظْلُوْمَ، وَيَخْذُلُ عَدُوَّهُ، أَبْشِرُوا، هَذَا قَيْسُ بنُ سَعْدٍ نَابُ العَرَبِ قَدْ أَبْصَرَ الأَمْرَ، وَعَرَّفَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَرَجَعَ إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِ خَلِيْفَتِكُم، وَكَتَبَ إِلَيَّ.
فَأَمَرَ بِالكِتَابِ، فَقُرِئَ، وَقَدْ أَمَرَ بِحَمْلِ الطَّعَامِ إِلَيْكُم، فَادْعُوا اللهَ لِقَيْسٍ، وَارْفَعُوا أَيْدِيَكُم، فَعَجُّوا، وَعَجَّ مُعَاوِيَةُ، وَرَفَعُوا أَيْدِيَهِم سَاعَةً.
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو: تَحَيَّنْ خُرُوْجَ العُيُوْنِ، فَفِي سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ يَصِلُ الخَبَرُ إِلَى عَلِيٍّ، فَيَعْزِلُ قَيْساً، وَكُلُّ مَنْ وَلَّى مِصْرَ كَانَ أَهْوَنَ عَلَيْنَا.
فَلَمَّا وَرَدَ عَلَى عَلِيٍّ الخَبَرُ، دَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ وَالأَشْتَرُ، وَذَمَّا قَيْساً، وَجَعَلَ عَلِيٌّ لاَ يَقْبَلُ.
ثُمَّ عَزَلَهُ، وَوَلَّى الأَشْتَرَ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا (1) .
قُلْتُ: فَقِيْلَ: سُمَّ.
وَوَلَّى مُحَمَّدَ بنَ أَبِي بَكْرٍ، فَقُتِلَ بِهَا، وَغَلَبَ عَلَيْهَا عَمْرٌو.
قَالَ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: جَعَلَ مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ: ادْعُوا لِصَاحِبِكُم - يَعْنِي قَيْساً - فَإِنَّهُ عَلَى رَأْيِكُم.
فَعَزَلَهُ عَلِيٌّ، وَوَلاَّهَا مُحَمَّدَ بنَ أَبِي بَكْرٍ.
وَتَقَدَّم إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَعْرِضَ لابْنِ حُدَيْجٍ وَأَصْحَابِهِ، وَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفٍ قَدْ نَزَلُوا بِنُخَيْلَةَ (2) ، وَتَنَحَّوْا عَنِ الفَرِيْقَيْنِ بَعْدَ صِفِّيْنَ، فَعَبَثَ بِهِم.
قَالَ: وَرَحَلَ قَيْسٌ إِلَى المَدِيْنَةِ،
__________
(1) ابن عساكر 14 / 231 / آ.
(2) نخيلة تصغير نخلة: موضع قرب الكوفة على طريق الشام، وهو الموضع الذي نزله علي رضي الله عنه لما بلغه ما فعل بالانبار من قتل عامله، وخطب الخطبة المشهورة التي ذم فيها أهل الكوفة.

(3/109)


وَعَبَثَتْ بِهِ بَنُو أُمَيَّةَ، فَلَحِقَ بِعَلِيٍّ.
فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ: مَاذَا صَنَعْتُم مِنْ إِخْرَاجِكُم قَيْساً إِلَيْهِ؟
قَالَ: وَكَتَبَ ابْنُ حُدَيْجٍ وَأَصْحَابُهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: ابْعَثْ إِلَيْنَا أَمِيْراً.
فَبَعَثَ عَمْرَو بنَ العَاصِ إِلَيْهِم، فَلَجَأَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى عَجُوْزٍ، فَأَقَرَّ عَلَيْهِ ابْنُهَا، فَقَتَلُوْهُ، وَأُحْرِقَ فِي بَطْنِ حِمَارٍ، وَهَرَبَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَقُتِلَ أَيْضاً (1) .
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
قَدِمَ قَيْسٌ المَدِيْنَةَ، فَتَوَامَرَ فِيْهِ الأَسْوَدُ بنُ أَبِي البَخْتَرِيِّ وَمَرْوَانُ أَنْ يُبَيِّتَاهُ، وَبَلَغَ ذَلِكَ قَيْساً، فَقَالَ:
وَاللهِ إِنَّ هَذَا لَقَبِيْحٌ (2) أَنْ أُفَارِقَ عَلِيّاً وَإِنْ عَزَلَنِي، وَاللهِ لأَلْحَقَنَّ بِهِ.
فَلَحِقَ بِهِ، وَحَدَّثَهُ بِمَا كَانَ يَعْتَمِدُ بِمِصْرَ، فَعَرَفَ عَلِيٌّ أَنَّ قَيْساً كَانَ يُدَارِي أَمْراً عَظِيْماً بِالمَكِيْدَةِ، فَأَطَاعَ (3) عَلِيٌّ قَيْساً فِي الأَمْرِ كُلِّهِ، وَجَعَلَهُ عَلَى مُقَدِّمَةِ جَيْشِهِ.
فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ يُؤَنِّبُ (4) مَرْوَانَ وَالأَسْوَدَ، وَقَالَ: أَمْدَدْتُمَا (5) عَلِيّاً بِقَيْسٍ؟ وَاللهِ لَوْ أَمْدَدْتُمَاهُ بِمائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، مَا كَانَ بِأَغْيَظَ عَلَيَّ مِنْ إِخْرَاجِكُمَا قَيْساً إِلَيْهِ (6) .
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ: مَعْمَرٍ أَيْضاً، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ أَبِيْهِ:
كَانَ قَيْسٌ مَعَ عَلِيٍّ فِي مُقَدِّمَتِهِ وَمَعَهُ خَمْسَةُ آلاَفٍ قَدْ حَلَقُوا رُؤُوْسَهُم بَعْدَ مَا مَاتَ عَلِيٌّ، فَلَمَّا دَخَلَ الحَسَنُ (7) فِي بَيْعَةِ مُعَاوِيَةَ، أَبَى قَيْسٌ أَنْ يَدْخُلَ، وَقَالَ لأَصْحَابِهِ:
إِنْ شِئْتُمْ جَالَدْتُ بِكُم أَبَداً حَتَّى يَمُوْتَ الأَعْجَلُ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَخَذْتُ لَكُم أَمَاناً.
فَقَالُوا: خُذْ لَنَا.
__________
(1) ابن عساكر 14 / 231 / ب.
(2) في الأصل " لقبيحا ".
(3) تحرف في المطبوع إلى " فأطلع ".
(4) في المطبوع حذفت كلمة " يؤنب "، وأثبت مكانها " إلى ".
(5) في الأصل " أمددتكما " والتصويب من ابن عساكر.
(6) ابن عساكر 14 / 231 / ب، 232 / آ.
(7) في الأصل: الجيش.

(3/110)


فَأَخَذَ لَهُم، وَلَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً.
فَلَمَّا ارْتَحَلَ نَحْوَ المَدِيْنَةِ وَمَعَهُ أَصْحَابَهُ، جَعَلَ يَنْحَرُ لَهُم كُلَّ يَوْمٍ جَزُوْراً حَتَّى بَلَغَ صِرَاراً (1) .
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ أَبِي هَارُوْنَ المَدَنِيِّ، قَالَ:
قَالَ مُعَاوِيَةُ لِقَيْسِ بنِ سَعْدٍ: إِنَّمَا أَنْتَ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ يَهُوْدٍ؛ إِنْ ظَهَرْنَا عَلَيْكَ قَتَلْنَاكَ، وَإِنْ ظَهَرْتَ عَلَيْنَا نَزَعْنَاكَ.
فَقَالَ: إِنَّمَا أَنْتَ وَأَبُوْكَ صَنَمَانِ مِنْ أَصْنَامِ الجَاهِلِيَّةِ، دَخَلْتُمَا فِي الإِسْلاَمِ كُرْهاً، وَخَرَجْتُمَا مِنْهُ طَوْعاً (2) .
هَذَا مُنْقَطِعٌ.
المَدَائِنِيُّ: عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَجْلاَنِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَسَّانٍ، قَالَ:
دَخَلَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ فِي رَهْطٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! بِمَا تَطْلُبُوْنَ مَا قِبَلِي؟ فَوَاللهِ لَقَدْ كُنْتُمْ قَلِيْلاً مَعِي، كَثِيْراً عَلَيَّ، وَأَفْلَلْتُم حَدِّي يَوْمَ صِفِّيْنَ، حَتَّى رَأَيْتُ المَنَايَا تَلَظَّى فِي أَسِنَّتِكُم، وَهَجَوْتُمُوْنِي (3) ، حَتَّى إِذَا أَقَامَ اللهُ مَا حَاوَلْتُم مَيْلَهُ، قُلْتُم: ارْعَ فِيْنَا وَصِيَّةَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَيْهَاتَ يَأْبَى الحَقِيْنُ العِذْرَةَ (3).
فَقَالَ قَيْسٌ: نَطْلُبُ مَا قِبَلَكَ بِالإِسْلاَمِ الكَافِي بِهِ اللهُ مَا سِوَاهُ، لاَ بِمَا تَمُتُّ بِهِ إِلَيْكَ الأَحْزَابُ، فَأَمَّا عَدَاوَتُنَا لَكَ، فَلَو شِئْتَ كَفَفْتَهَا عَنْكَ، وَأَمَّا الهِجَاءُ فَقَوْلٌ يَزُوْلُ بَاطِلُهُ، وَيَثْبُتُ حَقُّهُ، وَأَمَّا اسْتِقَامَةُ الأَمْرِ عَلَيْكَ فَعَلَى كُرْهٍ مِنَّا، وَأَمَّا فَلُّنَا حَدَّكَ، فَإِنَّا كُنَّا مَعَ رَجُلٍ نَرَى طَاعَتَهُ للهِ، وَأَمَّا وَصِيَّةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَا، فَمَنْ أَبِهَ (4) رَعَاهَا،
__________
(1) ابن عساكر 14 / 232 آ، وصرار: موضع على ثلاثة أميال من المدينة على طريق العراق.
(2) ابن عساكر 14 / 232 / آ.
(3) تحرف في المطبوع إلى " هجرتموني ".
(3) العذرة: العذر وهو مثل يضرب للرجل يعتذر ولا عذر له، قال أبو عبيد: أصل ذلك أن رجلا ضاف قوما، فاستسقاهم لبنا، وعندهم لبن قد حقنوه في وطب، فاعتلوا عليه، واعتذروا، فقال: أبى الحقين العذرة، أي: هذا الحقين يكذبكم.
(4) في " ابن عساكر ": فمن آمن به، رعاها.

(3/111)


وَأَمَّا قَوْلُكَ: يَأْبَى الحَقِيْنُ العِذْرَةَ، فَلَيْسَ دُوْنَ اللهِ يَدٌ تَحْجُزُكَ، فَشَأْنُكَ.
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: سَوْءةً، ارْفَعُوا حَوَائِجَكُم (1).
أَبُو تُمِيْلَةَ - يَحْيَى بنُ وَاضِحٍ -: أَنْبَأَنَا رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ الحَارِثِ بنِ الصِّمَّةِ، يُكْنَى أَبَا عُثْمَانَ:
أَنَّ قَيْصَرَ بَعَثَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: ابْعَثْ إِلَيَّ سَرَاوِيْلَ أَطْوَلِ رَجُلٍ مِنَ العَرَبِ.
فَقَالَ لِقَيْسِ بنِ سَعْدٍ: مَا أَظُنُّنَا إِلاَّ قَدِ احْتَجْنَا إِلَى سَرَاوِيْلِكَ.
فَقَامَ، فَتَنَحَّى، وَجَاءَ، فَأَلْقَاهَا، فَقَالَ: أَلاَ ذَهَبْتَ إِلَى مَنْزِلِكَ، ثُمَّ بَعَثْتَ بِهَا؟
فَقَالَ:
أَرَدْتُ بِهَا كَيْ يَعْلمَ النَّاسُ أَنَّهَا ... سَرَاوِيْلُ قَيْسٍ وَالوُفُوْدُ شُهُوْدُ
وَأَنْ لاَ يَقُوْلُوا: غَابَ قَيْسٌ وَهَذِهِ ... سَرَاوِيْلُ عَادِيٍّ نَمَتْهُ ثَمُوْدُ
وَإِنِّي مِنَ الحَيِّ اليَمَانِيِّ سَيِّدٌ ... وَمَا النَّاسُ إِلاَّ سَيِّدٌ وَمَسُوْدُ
فَكِدْهُم بِمِثْلِي إِنَّ مِثْلِي عَلَيْهُمُ ... شَدِيْدٌ وَخَلْقِي فِي الرِّجَالِ مَدِيْدُ
فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ بِأَطْوَلِ رَجُلٍ فِي الجَيْشِ فَوُضِعَتْ عَلَى أَنْفِهِ.
قَالَ: فَوَقَفَتْ بِالأَرْضِ (2) .
وَرُوِيَتْ بِإِسْنَادٍ آخَرَ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ قَيْسٌ فِي آخِرِ خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ.

22 - عَبْدُ المُطَّلِب بنُ رَبِيْعَةَ بنِ الحَارِثِ الهَاشِمِيُّ * (م، د، س، ت)
ابْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ الهَاشِمِيُّ، وَالِدُ مُحَمَّدٍ.
__________
(1) ابن عساكر 14 / 232 / ب.
والسوءة: الفاحشة، وكل عمل وأمر شائن.
(2) الخبر والابيات في " ابن عساكر " 14 / 232، وهو باطل كما في " الاستيعاب " * طبقات ابن سعد 4 / 57، طبقات خليفة: ت 14 و2808، التاريخ الكبير 6 / 131، الجرح والتعديل 6 / 68، جمهرة أنساب العرب: 71، الاستيعاب: 1006، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 329، أسد الغابة 3 / 331، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 208، تهذيب =

(3/112)


لَهُ: صُحْبَةٌ، وَحَدِيْثٌ يَرْوِيْهِ عَنْهُ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ الهَاشِمِيُّ (1) .
وَرَوَى: عَنْ عَلِيٍّ حَدِيْثاً آخَرَ.
قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: أَمَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا سُفْيَانَ بنَ الحَارِثِ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَهُ بِعَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ رَبِيْعَةَ، فَفَعَلَ.
سَكَنَ الشَّامَ فِي أَيَّامِ عُمَرَ.
وَقَالَ شَبَابٌ: تُوُفِّيَ عَبْدُ المُطَّلِبِ فِي دَوْلَةِ يَزِيْدَ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ.
قُلْتُ: لَهُ بِدِمَشْقَ دَارٌ كَبِيْرَةٌ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.

23 - فَضَالَةُ بنُ عُبَيْدِ بنِ نَافِذِ بنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيُّ * (م، 4)
ابْنِ صُهَيْبِ بنِ أَصْرَمَ بنِ جَحْجَبَى (2) القَاضِي،
__________
= الكمال: 852، تاريخ الإسلام 3 / 46، العبر 1 / 66، تذهيب التهذيب 2 / 248 آ، مرآة الجنان 1 / 137، العقد الثمين 5 / 494، الإصابة 2 / 430، تهذيب التهذيب 6 / 383، خلاصة تهذيب الكمال: 269، شذرات الذهب 1 / 70.
(1) أخرجه مسلم (1072) في الزكاة: باب ترك استعمال آل النبي على الصدقة، وأبو داود (1285) في الخراج: باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى، وابن سعد: 4 / 58، 59 من طريق الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن المطلب بن ربيعة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ".
(*) طبقات ابن سعد 7 / 401، طبقات خليفة: ت 546، المحبر: 294، التاريخ الكبير: 7 / 124، التاريخ الصغير 1 / 119، المعرفة والتاريخ 1 / 341، أخبار القضاة 3 / 200، الجرح والتعديل 7 / 77، المستدرك 3 / 473، الحلية 2 / 17، الاستيعاب: 1262، تاريخ ابن عساكر 14 / 111 ب، أسد الغابة 4 / 182، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 50، تهذيب الكمال: 1096، تاريخ الإسلام 2 / 311، العبر 1 / 58، تذهيب التهذيب 3 / 136 ب، البداية والنهاية 8 / 78، الإصابة 3 / 206، تهذيب التهذيب 8 / 267، خلاصة تذهيب الكمال: 262.
(2) قال ابن دريد في " الاشتقاق ": 441: بنو جحجبى: بطن، واشتقاقه من الجحجبة: وهو التردد في الشئ والمجئ والذهاب.

(3/113)


الفَقِيْهُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ.
صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ.
وَلِيَ الغَزْوَ لِمُعَاوِيَةَ، ثُمَّ وَلِيَ لَهُ قَضَاءَ دِمَشْقَ، وَكَانَ يَنُوْبُ عَنْ مُعَاوِيَةَ فِي الإِمْرَةِ إِذَا غَابَ.
وَلَهُ: عِدَّةُ أَحَادِيْثَ، وَلَهُ: عَنْ عُمَرَ، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: حَنَشٌ الصَّنْعَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَيْرِيْزٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ جُبَيْرٍ، وَعَمْرُو بنُ مَالِكٍ الجَنْبِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي الصَّعْبَةِ، وَالقَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَمَيْسَرَةُ مَوْلَى فَضَالَةَ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: شَهِدَ فَضَالَةُ أُحُداً، وَالخَنْدَقَ، وَالمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَسَكَنَهَا، وَكَانَ قَاضِياً بِالشَّامِ.
وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ، وَوَلِيَ بِهَا القَضَاءَ وَالبَحْرَ لِمُعَاوِيَةَ.
فَرَوَى عَنْهُ مِنْ أَهْلِهَا: أَبُو خِرَاشٍ الصَّحَابِيُّ، وَالهَيْثَمُ بنُ شُفَيٍّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ جَحْدَمٍ (1) ، ... وَسَمَّى جَمَاعَةً.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: كَانَ فَضَالَةُ أَصْغَرَ مَنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ.
قُلْتُ: إِنْ ثَبَتَ شُهُوْدُهُ أُحُداً، فَمَا كَانَ يَوْمَ الشَّجَرَةِ صَغِيْراً.
قَالَ: وَقَالَ مُعَاوِيَةُ - حِيْنَ هَلَكَ فَضَالَةُ، وَهُوَ يَحْمِلُ نَعْشَهُ - لابْنِهِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُعَاوِيَةَ: تَعَالَ اعْقُبْنِي، فَإِنَّكَ لَنْ تَحْمِلَ مِثْلَهُ أَبَداً (2) .
قَالَ الوَلِيْدُ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ غَزَا فَضَالَةُ الشَّاتِيَةَ (3).
__________
(1) في الأصل: جحدب وهو خطأ، وعبد الرحمن هذا مترجم في " الجرح والتعديل " 5 / 221.
(2) " أسد الغابة " 4 / 364.
(3) انظر " تاريخ خليفة ": 218، و" الكامل " 3 / 472 لابن الأثير.

(3/114)


أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ: عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ:
غَزَوْنَا مَعَ فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ - وَلَمْ يَغْزُ فَضَالَةُ فِي البَرِّ غَيْرَهَا - فَبَيْنَا نَحْنُ نُسْرِعُ فِي السَّيْرِ، وَهُوَ أَمِيْرُ الجَيْشِ، وَكَانَتِ الوُلاَةُ إِذْ ذَاكَ يَسْمَعُوْنَ مِمَّنْ اسْتَرْعَاهُمُ اللهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ قَائِلٌ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ! إِنَّ النَّاسَ قَدْ تَقَطَّعُوا، قِفْ حَتَّى يَلْحَقُوا بِكَ.
فَوَقَفَ فِي مَرْجٍ عَلَيْهِ قَلْعَةٌ، فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ أَحْمَرَ ذِي شَوَارِبَ، فَأَتَيْنَا بِهِ فَضَالَةَ، فَقُلْنَا: إِنَّهُ هَبَطَ مِنَ الحِصْنِ بِلاَ عَهْدٍ.
فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: إِنِّيْ البَارِحَةَ أَكَلْتُ الخِنْزِيْرَ، وَشَرِبْتُ الخَمْرَ، فَأَتَانِي فِي النَّوْمِ رَجُلاَنِ، فَغَسَلاَ بَطْنِي، وَجَاءتْنِي امْرَأَتَانِ، فَقَالَتَا: أَسْلِمْ، فَأَنَا مُسْلِمٌ.
فَمَا كَانَتْ كَلِمَتُهُ أَسْرَعَ مِنْ أَنْ رُمِيْنَا بِالزِّبَارِ (1) ، فَأَصَابَهُ، فَدَقَّ عُنُقَهَ.
فَقَالَ فَضَالَةُ: اللهُ أَكْبَرُ! عَمِلَ قَلِيْلاً، وَأُجِرَ كَثِيْراً.
فَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ، ثُمَّ دَفَنَّاهُ (2) .
الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَقْضِي عَلَى دِمَشْقَ، وَإِنَّهُ لَمَّا احْتُضِرَ، أَتَاهُ مُعَاوِيَةُ عَائِداً، فَقَالَ: مَنْ تَرَى لِلأَمْرِ بَعْدَكَ؟
قَالَ: فَضَالَةُ بنُ عُبَيْدٍ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِفَضَالَةَ: إِنِّيْ قَدْ وَلَّيْتُكَ القَضَاءَ.
فَاسْتَعْفَى مِنْهُ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا حَابَيْتُكَ بِهَا، وَلَكِنِّي اسْتَتَرْتُ بِكَ مِنَ النَّارِ، فَاسْتَتِرْ مِنْهَا مَا اسْتَطَعْتَ (3) .
قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: لَمَّا سَارَ مُعَاوِيَةُ إِلَى صِفِّيْنَ، اسْتَعْمَلَ عَلَى دِمَشْقَ فَضَالَةَ (4) .
إِبْرَاهِيْمُ بنُ هِشَامٍ الغَسَّانِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: وَقَعَتْ
__________
(1) الزبار: كأنها الحجارة من قولهم: زبر الرجل إذا رماه بالحجارة، والزبر: الحجارة.
(2) ابن عساكر 14 / 113 ب.
(3) " تاريخ دمشق " 1 / 119 لأبي زرعة و" ابن عساكر " 14 / 114 / آ.
(4) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة: 1 / 199 و223، و" ابن عساكر " 14 / 114 / آ و" قضاة دمشق ": 2 لابن طولون.

(3/115)


مِنْ رَجُلٍ مائَةُ دِيْنَارٍ، فَنَادَى: مَنْ وَجَدَهَا، فَلَهُ عِشْرُوْنَ دِيْنَاراً.
فَأَقْبَلَ الَّذِي وَجَدَهَا، فَقَالَ: هَذَا مَالُكَ، فَأَعْطِنِي الَّذِي جَعَلْتَ لِي.
فَقَالَ: كَانَ مَالِي عِشْرِيْنَ وَمائَةَ دِيْنَارٍ.
فَاخْتَصَمَا إِلَى فَضَالَةَ، فَقَالَ لِصَاحِبِ المَالِ: أَلَيْسَ كَانَ مَالُكَ مائَةً وَعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً كَمَا تَذْكُرُ؟
قَالَ: بَلَى.
وَقَالَ لِلآخَرِ: أَنْتَ وَجَدْتَ مائَةً؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَاحْبِسْهَا، وَلاَ تُعْطِهِ، فَلَيْسَ هُوَ بِمَالِهِ حَتَّى يَجِيْءَ صَاحِبُهُ (1) .
وَعَنْ فَضَالَةَ، قَالَ: لأَنْ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ تَقَبَّلَ مِنِّي مِثْقَالَ حَبَّةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا، لأَنَّهُ تَعَالَى يَقُوْلُ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِيْنَ (2) } [المَائِدَةُ: 30].
أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ اليَرْبُوْعِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ حَفْصٍ، عَنْ دَاوُدَ بنِ مُهَاجَرٍ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيْزٍ؛ سَمِعَ فَضَالَةَ بنَ عُبَيْدٍ - وَقُلْتُ لَهُ: أَوْصِنِي - قَالَ:
خِصَالٌ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ؛ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعْرِفَ وَلاَ تُعْرَفَ، فَافْعَلْ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَسْمَعَ وَلاَ تَكَلَّمَ، فَافْعَلْ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَجْلِسَ وَلاَ يُجْلَسَ إِلَيْكَ، فَافْعَلْ (3) .
قَدْ عُدَّ فَضَالَةُ فِي كِبَارِ القُرَّاءِ.
وَقِيْلَ: لَكِنَّ ابْنَ عَامِرٍ تَلاَ عَلَيْهِ.
سُفْيَانُ: عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ هِلاَلِ بنِ يِسَافٍ، عَنْ نُعَيْمِ بنِ ذِي جَنَابٍ، عَنْ فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ:
ثَلاَثٌ مِنَ الفَوَاقِرِ: إِمَامٌ إِنْ أَحْسَنْتَ لَمْ يَشْكُرْ، وَإِنْ أَسَأْتَ لَمْ يَغْفِرْ، وَجَارٌ إِنْ رَأَى حَسَنَةً دَفَنَهَا، وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً
__________
(1) ابن عساكر 14 / 114 آ.
(2) تحرفت في المطبوع كلمة " المتقين " إلى " المؤمنين " والخبر في: ابن عساكر: 14 /
114 / ب.
(3) ابن عساكر 14 / 114 / ب.

(3/116)


أَفْشَاهَا، وَزَوْجَةٌ إِنْ حَضَرْتَ آذَتْكَ، وَإِنْ غِبْتَ خَانَتْكَ فِي نَفْسِهَا وَفِي مَالِكَ (1) .
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: دُفِنَ فَضَالَةُ بِبَابِ الصَّغِيْرِ.
وَقَالَ المَدَائِنِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ.

24 - أَبُو مَحْذُوْرَةَ الجُمَحِيُّ أَوْسُ بنُ مِعْيَرٍ * (م، 4)
مُؤَذِّنُ المَسْجَدِ الحَرَامِ، وَصَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْسُ بنُ مِعْيَرِ بنِ لَوْذَانَ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ سَعْدِ بنِ جُمَحٍ.
وَقِيْلَ: اسْمُهُ: سُمَيْرُ بنُ عُمَيْرِ بنِ لَوْذَانَ بنِ وَهْبِ بنِ سَعْدِ بنِ جُمَحٍ.
وَأُمُّهُ خُزَاعِيَّةٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ المَلِكِ، وَزَوْجَتُهُ، وَالأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَيْرِيْزٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَآخَرُوْنَ.
كَانَ مِنْ أَنْدَى النَّاسِ صَوْتاً وَأَطْيَبِهِ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ أُمِّ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي مَحْذُوْرَةَ، عَنْ أَبِي مَحْذُوْرَةَ، قَالَ:
لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حُنَيْنٍ، خَرَجْتُ عَاشِرَ عَشْرَةٍ مِنْ مَكَّةَ نَطْلُبُهُم، فَسَمِعْتُهُم يُؤَذِّنُوْنَ لِلصَّلاَةِ، فَقُمْنَا
__________
(1) ابن عساكر 14 / 114 / ب.
(*) طبقات ابن سعد 5 / 450، طبقات خليفة: ت 139 و2512، المحبر: 161، المعارف: 306، الكنى 1 / 52، جمهرة أنساب العرب: 162، 163، المستدرك 3 / 514 الاستيعاب 121، 1751، أسد الغابة 1 / 150 و5 / 292، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 266، تهذيب الكمال: 1643، تاريخ الإسلام 2 / 332، العبر 1 / 63، مرآة الجنان 1 / 131، العقد الثمين 8 / 99، تهذيب التهذيب 12 / 222، الإصابة 4 / 176، خلاصة تذهيب الكمال: 395، شذرات الذهب 1 / 65.

(3/117)


نُؤَذِّنُ نَسْتَهْزِئُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَقَدْ سَمِعْتُ فِي هَؤُلاَءِ تَأْذِيْنَ إِنْسَانٍ حَسَنِ الصَّوْتِ).
فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا، فَأَذَّنَّا رَجُلاً رَجُلاً، فَكُنْتُ آخِرَهُم، فَقَالَ حِيْنَ أَذَّنْتُ: (تَعَالَ).
فَأَجْلَسَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِي، وَبَارَكَ عَلَيَّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: (اذْهَبْ، فَأَذِّنْ عِنْدَ البَيْتِ الحَرَامِ).
قُلْتُ: كَيْفَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
فَعَلَّمَنِي الأُوْلَى كَمَا يُؤَذِّنُوْنَ بِهَا، وَفِي الصُّبْحِ: (الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ)، وَعَلَّمَنِي الإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ...، الحَدِيْثَ (1) .
ابْنُ جُرَيْجٍ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي مَحْذُوْرَةَ:
أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَيْرِيْزٍ أَخْبَرَهُ - وَكَانَ يَتِيْماً فِي حَجْرِ أَبِي مَحْذُوْرَةَ - حِيْنَ جَهَّزَهُ إِلَى الشَّامِ؛ فَعَلَّمَهُ الأَذَانَ (2) .
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ أَبُو مَحْذُوْرَةَ يُؤَذِّنُ بِمَكَّةَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ، فَبَقِيَ الأَذَانُ فِي وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ إِلَى اليَوْمِ بِمَكَّةَ (3) .
وَأَنْشَدَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ لِبَعْضِهِم:
أَمَا وَرَبِّ الكَعْبَةِ المَسْتُوْرَهْ ... وَمَا تَلاَ مُحَمَّدٌ مِنْ سُوْرَهْ
وَالنَّغَمَاتِ مِنْ أَبِي مَحْذُوْرَهْ ... لأَفْعَلَنَّ فِعْلَةً مَنْكُوْرَهْ
حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى أَبَا مَحْذُوْرَةَ الأَذَانَ، فَقَدِمَ عُمَرُ، فَنَزَلَ دَارَ النَّدْوَةِ، فَأَذَّنَ، وَأَتَى يُسَلِّمُ، فَقَالَ
__________
(1) حديث صحيح أخرجه أبو داود (501) في الصلاة: باب كيف الاذان، والنسائي 2 / 7، 8، وأحمد 3 / 408 بهذا الإسناد، وأخرجه الشافعي في " مسنده " 1 / 57، 59،
والدار قطني: 86، والبيهقي: 1 / 393 من طريق مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن جريج، أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، أن عبد الله بن محيريز أخبره عن أبي محذورة، ورواه أحمد 3 / 409، والطحاوي 1 / 78، والدار قطني: 86 من طريق روح بن عبادة، عن ابن جريج، عن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، عن عبد الله بن محيريز، عن أبي محذورة.
(2) أخرجه الشافعي 1 / 57، 59، وانظر ما تقدم.
(3) ابن سعد 5 / 450.

(3/118)


عُمَرُ: مَا أَنْدَى صَوْتَكَ! أَمَا تَخْشَى أَنْ يَنْشَقَّ مُرَيْطَاؤُكَ (1) مِنْ شِدَّةِ صَوْتِكَ؟
قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدِمْتَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُسْمِعَكَ صَوْتِي.
قَالَ: يَا أَبَا مَحْذُوْرَةَ، إِنَّكَ بِأَرْضٍ شَدِيْدَةِ الحَرِّ، فَأَبْرِدْ عَنِ الصَّلاَةِ، ثُمَّ أَبْرِدْ عَنْهَا، ثُمَّ أَذِّنْ، ثُمَّ أَقِمْ، تَجِدْنِي عِنْدَكَ.
أَبُو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ: حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ بنُ ثَابِتٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ بَحْرَةَ (2) :
أَنَّ أَبَا مَحْذُوْرَةَ كَانَتْ لَهُ قُصَّةٌ فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، فَإِذَا قَعَدَ أَرْسَلَهَا، فَتَبْلُغُ الأَرْضَ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ:
عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: أَذَّنَ مُؤَذِّنُ مُعَاوِيَةَ، فَاحْتَمَلَهُ أَبُو مَحْذُوْرَةَ، فَأَلْقَاهُ فِي زَمْزَمٍ.

25 - مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بنِ حَرْبٍ الأُمَوِيُّ * (ع)
ابْنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ
__________
(1) المريطاء بوزن الحميراء: أسفل البطن ما بين السرة والعانة.
(2) بحرة: بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة كما في " المشتبه " 1 / 50، و" الإكمال " 1 / 191، و" تبصير المنتبه " 1 / 66، و" توضيح المشتبه "، وفي الأصل " تجراة " وهو تحريف.
(*) طبقات ابن سعد 3 / 32 و7 / 406، نسب قريش: 124 وما بعدها، طبقات خليفة: ت 51 و969 و2809، المحبر: انظر الفهرس، التاريخ الكبير 7 / 326، المعارف: 344، المعرفة والتاريخ 1 / 305، أنساب الاشراف 4 / 5، 136، الجرح والتعديل 8 / 377، تاريخ الطبري 5 / 323 وما بعدها، مروج الذهب 3 / 188 وما بعدها، 220 وما بعدها، جمهرة أنساب العرب: 112، 113، وانظر الفهرس، الاستيعاب: 1416، تاريخ بغداد 1 / 207، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 489، تاريخ ابن عساكر 16 / 336 ب، طبقات فقهاء اليمن: 47، جامع الأصول 9 / 107، أسد الغابة 4 / 385، الكامل 4 / 5، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 102، تهذيب الكمال: 1343، تاريخ الإسلام 2 / 318، تذهيب التهذيب 4 / 50 آ، مرآة الجنان 1 / 131، البداية والنهاية 8 / 20 و117، مجمع الزوائد 9 / 354، العقد الثمين =

(3/119)


كِلاَبٍ، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، مَلِكُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، المَكِّيُّ.
وَأُمُّهُ: هِيَ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ.
قِيْلَ: إِنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ أَبِيْهِ وَقْتَ عُمْرَةِ القَضَاءِ، وَبَقِيَ يَخَافُ مِنَ اللَّحَاقِ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَبِيْهِ، وَلَكِنْ مَا ظَهَرَ إِسْلاَمُهُ إِلاَّ يَوْمَ الفَتْحِ.
حَدَّثَ عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَتَبَ لَهُ مَرَّاتٍ يَسِيْرَةً.
وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: أُخْتِهِ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ أُمِّ حَبِيْبَةَ، وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ، وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَهَمَّامُ بنُ مُنَبِّهٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرٍ المُقْرِئُ، وَالقَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُمَيْرُ بنُ هَانِئ، وَعُبَادَةُ بنُ نُسَيٍّ، وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَوَالِدُ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَيْضاً: جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو سَعِيْدٍ، وَالنُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ.
ذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَغَيْرُهُ:
أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ طَوِيْلاً، أَبْيَضَ، جَمِيْلاً، إِذَا ضَحِكَ انْقَلَبَتْ شَفَتُهُ العُلْيَا، وَكَانَ يَخْضِبُ.
رَوَى: سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ رَبٍّ:
رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ يَخْضِبُ
__________
= 7 / 227، غاية النهاية: ت 3625، الإصابة 3 / 433، تهذيب التهذيب 10 / 207، المطالب العالية 4 / 108، تاريخ الخلفاء: 194، خلاصة تذهيب الكمال: 326، شذرات الذهب 1 / 65.

(3/120)


بِالصُّفْرَةِ، كَأَنَّ لِحْيَتَهُ الذَّهَبُ (1) .
قُلْتُ: كَانَ ذَلِكَ لاَئِقاً فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَاليَوْمَ لَوْ فُعِلَ، لاسْتُهْجِنَ.
وَرَوَى: عَبْدُ الجبَّارِ بنُ عُمَرَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قَارِظٍ:
سَمِعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنْبَرِ المَدِيْنَةِ يَقُوْلُ: أَيْنَ فُقَهَاؤُكُم يَا أَهْلَ المَدِيْنَةِ؟ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ هَذِهِ القُصَّةِ.
ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى رَأْسِهِ، فَلَمْ أَرَ عَلَى عَرُوْسٍ وَلاَ عَلَى غَيْرِهَا أَجْمَلَ مِنْهَا عَلَى مُعَاوِيَةَ (2) .
وَعَنْ أَبَانَ بنِ عُثْمَانَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ وَهُوَ غُلاَمٌ يَمْشِي مَعَ أُمِّهِ هِنْدٍ، فَعَثَرَ، فَقَالَتْ: قُمْ، لاَ رَفَعَكَ اللهُ.
وَأَعْرَابِيٌّ يَنْظُرُ، فَقَالَ: لِمَ تَقُوْلِيْنَ لَهُ؟ فَوَاللهِ إِنِّيْ لأَظُنُّهُ سَيَسُوْدُ قَوْمَهُ.
قَالَتْ: لاَ رَفَعَهُ إِنْ لَمْ يَسُدْ إِلاَّ قَوْمَهُ (3) .
قَالَ أَسْلَمُ مَوْلَى عُمَرَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ وَهُوَ أَبَضُّ النَّاسِ، وَأَجْمَلُهُم.
__________
(1) أخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " 1 / 349 عن أبي مسهر بهذا الإسناد.
(2) عبد الجبار بن عمر: هو الايلي أبو الصباح الأموي مولاهم: ضعيف، وباقي رجاله ثقات، وهو في ابن عساكر 16 / 338 / ب، 339 / آ، وأخرجه مالك 3 / 323، 124، والبخاري 10 / 314، 315 في اللباس: باب وصل الشعر، ومسلم (2127) في اللباس والزينة: باب تحريم الواصلة...، وأبو داود (4167)، والترمذي (2781)، وأحمد 4 / 95 من طرق، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج وهو على المنبر وهو يقول - وتناول قصة من شعر كانت بيد حرسي -: أين علماؤكم ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه، ويقول: " إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم " ولمسلم رقم الحديث الخاص (124) من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب أن معاوية قال ذات يوم: إنكم قد أحدثتم زي سوء، وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الزور، وللنسائي 8 / 144 من طريق ابن وهب، عن مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن سعيد المقبري، قال: رأيت معاوية بن أبي سفيان على المنبر ومعه في يده كبة من كبب النساء من شعر، فقال: ما بال المسلمات يضعن مثل هذا ؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أيما امرأة زادت في رأسها شعرا ليس منه، فإنه زور تزيد فيه " والقصة، بضم القاف: الخصلة من الشعر.
(3) ابن عساكر 16 / 339 / آ.

(3/121)


ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ أَبِيْهِ:
رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ بِالأَبْطَحِ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، كَأَنَّهُ فَالِجٌ (1) .
قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يَقُوْلُ: أَسْلَمْتُ عَامَ القَضِيَّةِ.
ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عُمَرَ بنِ عَبْدِ اللهِ العَنْسِيِّ:
قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَمَّا كَانَ عَامُ الحُدَيْبِيَةِ، وَصَدُّوا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ البَيْتِ، وَكَتَبُوا بَيْنَهُم القَضِيَّةَ، وَقَعَ الإِسلاَمُ فِي قَلْبِي، فَذَكَرْتُ لأُمِّي، فَقَالَتْ: إِيَّاكَ أَنْ تُخَالِفَ أَبَاكَ.
فَأَخْفَيْتُ إِسْلاَمِي، فَوَاللهِ لَقَدْ رَحَلَ رَسُوْلُ اللهِ مِنَ الحُدَيْبِيَةِ وَإِنِّي مُصَدِّقٌ بِهِ، وَدَخَلَ مَكَّةَ عَامَ عُمْرَةَ القَضِيَّةِ وَأَنَا مُسْلِمٌ.
وَعَلِمَ أَبُو سُفْيَانَ بِإِسْلاَمِي، فَقَالَ لِي يَوْماً: لَكِنَّ أَخُوْكَ خَيْرٌ مِنْكَ، وَهُوَ عَلَى دِيْنِي.
فَقُلْتُ: لَمْ آلُ نَفْسِي خَيْراً، وَأَظْهَرْتُ إِسْلاَمِي يَوْمَ الفَتْحِ، فَرَحَّبَ بِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَتَبْتُ لَهُ (2) .
ثُمَّ قَالَ الوَاقِدِيُّ: وَشَهِدَ مَعَهُ حُنَيْناً، فَأَعْطَاهُ مِنَ الغَنَائِمِ مائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَرْبَعِيْنَ أُوْقِيَّةً.
قُلْتُ: الوَاقِدِيُّ لاَ يَعِي مَا يَقُوْلُ، فَإِنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ كَمَا نَقَلَ قَدِيْمَ الإِسْلاَمِ، فَلِمَاذَا يَتَأَلَّفُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَلَوْ كَانَ أَعْطَاهُ، لَمَا قَالَ عِنْدَمَا خَطَبَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ: (أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوْكٌ لاَ مَالَ لَهُ) (3).
وَنَقَلَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ (4) : عَنْ أَبِي الحَسَنِ الكُوْفِيِّ، قَالَ: كَانَ زَيْدُ (5)
__________
(1) الفالج: هو البعير ذو السنامين.
(2) ابن عساكر 16 / 339، وانظر ابن سعد 7 / 406.
(3) تحرف في المطبوع إلى " تقدم ".
(4) هو المفضل بن غسان المفضل أبو عبد الرحمن الغلابي بصري الأصل، سكن بغداد، وهو ثقة مترجم في " تاريخ بغداد " 13 / 124.
(5) تحرف في المطبوع إلى " يزيد ".

(3/122)


بنُ ثَابِتٍ كَاتِبَ الوَحْيِ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ كَاتِباً فِيْمَا بَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ العَرَبِ.
عَمْرُو بنُ مُرَّةَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ زُهَيْرِ بنِ الأَقْمَرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ:
كَانَ مُعَاوِيَةُ يَكْتُبُ لِرَسُوْلِ اللهِ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَدَعَانِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: (ادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ).
وَكَانَ يَكْتُبُ الوَحْيَ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (2)).
وَزَادَ فِيْهِ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حَمْشَادَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ: فَدَعَوْتُهُ.
فَقِيْلَ: إِنَّهُ يَأْكُلُ.
فَأَتَيْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، هُوَ يَأْكُلُ.
قَالَ: (اذْهَبْ، فَادْعُهُ).
فَأَتَيْتُهُ الثَّانِيَةَ، فَقِيْلَ: إِنَّهُ يَأْكُلُ.
فَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ، فَأَخْبَرْتُهُ.
فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: (لاَ أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ).
قَالَ: فَمَا شَبِعَ بَعْدَهَا.
رَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، وَهُشَيْمٌ، وَفِيْهِ: (لاَ أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ (3)).
فَسَّرَهُ بَعْضُ المُحِبِّيْنَ، قَالَ: لاَ أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ؛ حَتَّى لاَ يَكُوْنَ مِمَّنْ يَجُوْعُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لأَنَّ الخَبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (أَطْوَلُ النَّاسِ شِبَعاً فِي الدُّنْيَا، أَطْوَلُهُم جُوْعاً يَوْمَ القِيَامَةِ) (4).
__________
(1) رجاله ثقات.
(2) 1 / 335، وسنده قوي، وهو في " المستدرك ".
وانظر " المسند " 1 / 240 و338.
(3) هو في " مسند الطيالسي " رقم (2746)، وأخرجه مسلم (2604) في البر والصلة: باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلا لذلك، كان له زكاة وأجرا ورحمة من طريق شعبة، عن أبي حمزة القصاب، عن ابن عباس.
وانظر: " أنساب الاشراف " 4 / 125، 126.
(4) حديث قوي بشواهده، أخرجه من حديث ابن عمر: الترمذي (2478)، وابن ماجه (3350)، وأخرجه من حديث أبي جحيفة: ابن أبي الدنيا في " الجوع " 2 / 2، والطبراني في " الأوسط " و" الكبير " كما في " المجمع " 5 / 31، وأخرجه من حديث عبد الله بن عمر: =

(3/123)


قُلْتُ: هَذَا مَا صَحَّ، وَالتَّأْوِيْلُ رَكِيْكٌ، وَأَشْبَهُ مِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: (اللَّهُمَّ مَنْ سَبَبْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ مِنَ الأُمَّةِ، فَاجْعَلْهَا لَهُ رَحْمَةً (1))، أَوْ كَمَا قَالَ.
وَقَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ مَعْدُوْداً مِنَ الأُكَلَةِ.
جَمَاعَةٌ: عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ سَيْفٍ، عَنِ الحَارِثِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي رُهْمٍ السَّمَاعِيِّ (2) ، عَنِ العِرْبَاضِ:
سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَدْعُو إِلَى السُّحُوْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ: (هَلُمَّ إِلَى الغَدَاءِ المُبَارَكِ).
ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ عَلِّمْ مُعَاوِيَةَ الكِتَابَ، وَالحِسَابَ، وَقِهِ العَذَابَ (3)).
رَوَاهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَسَدُ السُّنَّةِ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَبِشْرُ بنُ السَّرِيِّ، عَنْهُ.
وَهَذَا فِي (جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ): مُعْضَلٌ (4)، سَقَطَ مِنْهُ: العِرْبَاضُ، وَأَبُو رُهْمٍ.
وَلِلْحَدِيْثِ شَاهِدٌ قَوِيٌّ.
أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَمِيْرَةَ المُزَنِيِّ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ، وَالحِسَابَ، وَقِهِ العَذَابَ (5)).
أَبُو هِلاَلٍ مُحَمَّدُ بنُ سَلِيْمٍ: حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بنُ عَطِيَّةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ
__________
= الطبراني، ومن حديث ابن عباس: الطبراني، وأبو نعيم 3 / 345، 346، ومن حديث سلمان: ابن ماجه (3351).
(1) أخرجه مسلم (2600) من حديث عائشة، و(2601) من حديث أبي هريرة، و(2602) من حديث جابر بن عبد الله، ولفظ حديث أبي هريرة: " اللهم إنما أنا بشر فأيما رجل من المسلمين سبيته، أو لعنته، أو جلدته، فاجعلها له زكاة ورحمة ".
(2) ويقال: " السمعي " كما في " التهذيب ".
(3) الحارث بن زياد الشامي قال الحافظ في " التقريب ": لين الحديث، وباقي رجاله ثقات.
وهو في " المسند " 4 / 127.
وانظر: " البداية " 8 / 121.
(4) المعضل: هو الحديث الذي سقط من إسناده اثنان على التوالي.
(5) رجاله ثقات إلا أن سعيد بن عبد العزيز قد اختلط، وهو شاهد لما قبله، ونسبه الحافظ في " الإصابة " في ترجمة عبد الله بن أبي عميرة المزني إلى الطبراني.

(3/124)


مَسْلَمَةَ بنِ مُخَلَّدٍ:
أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بنِ العَاصِ، وَمُعَاوِيَةُ يَأْكُلُ: إِنَّ ابْنَ عَمِّكَ هَذَا لَمِخْضَدٌ، أَمَا إِنِّيْ أَقُوْلُ هَذَا، وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ، وَمَكِّنْ لَهُ فِي البِلاَدِ، وَقِهِ العَذَابَ (1)).
فِيْهِ رَجُلٌ مَجْهُوْلٌ.
وَجَاءَ نَحْوُهُ مِنْ مَرَاسِيْلِ الزُّهْرِيِّ، وَمَرَاسِيْلِ عُرْوَةَ بنِ رُوَيْمٍ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ.
مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنِي رَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي عَمِيْرَةَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ لِمُعَاوِيَةَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِياً، مَهْدِيّاً، وَاهْدِ بِهِ (2)).
حَسَّنَهُ: التِّرْمِذِيُّ.
صَفْوَانُ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ، وَمَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ نَحْوَهُ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ، وَعَبَّاسٌ التَّرْقُفِيُّ (3) : حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ نَحْوَهُ، وَفِيْهِ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ.
أَحْمَدُ بنُ المُعَلَّى: حَدَّثَنَا مَحْمُوْدٌ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ:
أَنَّ بَعْثاً مِنْ أَهْلِ الشَّامِ كَانُوا مُرَابِطِيْنَ بِآمِدَ، وَأَنَّ عُمَيْرَ بنَ سَعْدٍ كَانَ عَلَى حِمْصَ، فَعَزَلَهُ عُثْمَانُ، وَوَلَّى مُعَاوِيَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلُ
__________
(1) ابن عساكر 16 / 343 / آ.
ومخضد: مفعل من الخضد شدة الاكل وسرعته، جعله كأنه آلة الاكل، أي: أنه يأكل بجفاء وسرعة.
(2) أخرجه أحمد 4 / 216، والترمذي (3841) في المناقب، وابن عساكر 16 / 343 / ب
(3) تحرف في المطبوع إلى " الرفقي " وأبو زرعة النصري هو الدمشقي صاحب " تاريخ دمشق "، والنصري، بفتح النون وشكون الصاد نسبه إلى نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن.
وقد تصحف في المطبوع إلى " النضري " ولم أجده في " تاريخ دمشق " المطبوع.

(3/125)


حِمْصَ، فَشَقَّ عَلَيْهِم.
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عَمِيْرَةَ المُزَنِيُّ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ لِمُعَاوِيَةَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِياً، مَهْدِيّاً، وَاهْدِ بِهِ (1)).
أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَمِيْرَةَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ لِمُعَاوِيَةَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِياً، مَهْدِيّاً، وَاهْدِ بِهِ (2)).
عَمْرُو بنُ وَاقِدٍ: عَنْ يُوْنُسَ بنِ حَلْبَسٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، قَالَ:
لَمَّا عَزَلَ عُمَرُ عُمَيْرَ بنَ سَعْدٍ عَنْ حِمْصَ، وَلَّى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَيْرٌ:
لاَ تَذْكُرُوا مُعَاوِيَةَ إِلاَّ بِخَيْرٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ اهْدِ بِهِ (3)).
رَوَاهُ (4) : عَنِ الذُّهْلِيِّ، عَنِ النُّفَيْلِيِّ، عَنْهُ.
هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الوَلِيْدِ بنِ سُلَيْمَانَ (5) ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
إِنَّ عُمَرَ وَلَّى مُعَاوِيَةَ، فَقَالُوا: وَلاَّهُ حَدِيْثَ السِّنِّ.
فَقَالَ: تَلُوْمُوْنَنِي، وَأَنَا سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِياً، مَهْدِيّاً، وَاهْدِ بِهِ (6)).
هَذَا مُنْقَطِعٌ.
__________
(1) ابن عساكر 16 / 344 / آ، وسعيد هو ابن عبد العزيز، وآمد: هي أعظم مدن ديار بكر، قال ياقوت: هي بلد حصين ركين، بني بالحجارة السود على نشز، دجلة محيطة بأكثره، فتحت سنة 20 ه.
(2) رجاله ثقات غير أن سعيدا قد اختلط كما مر.
(3) أخرجه الترمذي (3843) في المناقب، وعمرو بن واقد متروك.
(4) أي: الترمذي.
والذهلي: هو محمد بن يحيى.
(5) تحرف في المطبوع إلى " سلمان ".
(6) أخرجه ابن عساكر 16 / 344 / ب، وهو منقطع لأن الوليد بن سليمان لم يدرك عمر.

(3/126)


مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ جَنَاحٍ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ مَيْسَرَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَأْذَنَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي أَمْرٍ، فَقَالاَ: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ.
فَقَالَ: (أَشِيْرَا عَلَيَّ).
ثُمَّ قَالَ: (ادْعُوا مُعَاوِيَةَ).
فَقَالَ: (أَحْضِرُوْهُ أَمْرَكُم، وَأَشْهِدُوْهُ أَمْرَكُم، فَإِنَّهُ قَوِيٌّ أَمِيْنٌ (1)).
وَرَوَاهُ: نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ شُعَيْبٍ؛ فَوَصَلَهُ بِعَبْدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ.
أَبُو مُسْهِرٍ، وَابْنُ عَائِذٍ: عَنْ صَدَقَةَ بنِ خَالِدٍ، عَنْ وَحْشِيِّ بنِ حَرْبِ بنِ وَحْشِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
أَرْدَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاوِيَةَ خَلْفَهُ، فَقَالَ: (مَا يَلِيْنِي مِنْكَ؟).
قَالَ: بَطْنِي يَا رَسُوْلَ اللهِ.
قَالَ: (اللَّهُمَّ امْلأْهُ عِلْماً (2)).
زَادَ فِيْهِ أَبُو مُسْهِرٍ: (وَحِلْماً).
قَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: لاَ يُشْتَغَلُ بِوَحْشِيٍّ وَلاَ بِأَبِيْهِ.
بَقِيَّةُ: عَنْ بَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسِيْرُ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَذَكَرُوا الشَّامَ، فَقَالَ رَجُلٌ: كَيْفَ نَسْتَطِيْعُ الشَّامَ وَفِيْهِ الرُّوْمُ؟
قَالَ: وَمُعَاوِيَةُ فِي القَوْمِ - وَبِيَدِهِ عَصاً - فَضَرَبَ بِهَا كَتِفَ مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ: (يَكْفِيْكُمُ اللهُ بِهَذَا (3)).
هَذَا مُرْسَلٌ، قَوِيٌّ (4) .
فَهَذِهِ أَحَادِيْثَ مُقَارِبَةٌ (5) .
وَقَدْ سَاقَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي التَّرْجَمَةِ أَحَادِيْثَ وَاهِيَةً وَبَاطِلَةً، طَوَّلَ بِهَا جِدّاً (6).
__________
(1) ابن عساكر 16 / 344 / ب، 345 / آ.
(2) ابن عساكر 16 / 345 / آ.
(3) ابن عساكر 16 / 346 / آ.
(4) أنى له القوة وفيه تدليس بقية.
(5) تحرفت في المطبوع إلى " معاوية ".
(6) انظر ابن عساكر 16 / 345، 350

(3/127)


وَخَلَفَ مُعَاوِيَةَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ يُحِبُّوْنَهُ وَيَتَغَالُوْنَ فِيْهِ، وَيُفَضِّلُوْنَهُ، إِمَّا قَدْ مَلَكَهُم بِالكَرَمِ وَالحِلْمِ وَالعَطَاءِ، وَإِمَّا قَدْ وُلِدُوا فِي الشَّامِ عَلَى حُبِّهِ، وَتَرَبَّى أَوْلاَدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ.
وَفِيْهِمْ جَمَاعَةٌ يَسِيْرَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ مِنَ التَّابِعِيْنَ وَالفُضَلاَءِ، وَحَارَبُوا مَعَهُ أَهْلَ العِرَاقِ، وَنَشَؤُوا عَلَى النَّصْبِ - نَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الهَوَى -.
كمَا قَدْ نَشَأَ جَيْشُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَرَعِيَّتُهُ - إِلاَّ الخَوَارِجَ مِنْهُم - عَلَى حُبِّهِ، وَالقِيَامِ مَعَهُ، وَبُغْضِ مَنْ بَغَى عَلَيْهِ، وَالتَّبَرِّي مِنْهُم، وَغَلاَ خَلْقٌ مِنْهُم (1) فِي التَّشَيُّعِ.
فَبِاللهِ كَيْفَ يَكُوْنُ حَالُ مَنْ نَشَأَ فِي إِقْلِيْمٍ، لاَ يَكَادُ يُشَاهِدُ فِيْهِ إِلاَّ غَالِياً فِي الحُبِّ، مُفْرِطاً فِي البُغْضِ، وَمِنْ أَيْنَ يَقَعُ لَهُ الإِنْصَافُ وَالاعْتِدَالُ؟
فَنَحْمَدُ اللهَ عَلَى العَافِيَةِ الَّذِي أَوْجَدَنَا فِي زَمَانٍ قَدِ انْمَحَصَ فِيْهِ الحَقُّ، وَاتَّضَحَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَعَرَفْنَا مَآخِذَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، وَتَبَصَّرْنَا، فَعَذَرْنَا، وَاسْتَغْفَرْنَا، وَأَحْبَبْنَا بِاقْتِصَادٍ، وَتَرَحَّمْنَا عَلَى البُغَاةِ بِتَأْوِيْلٍ سَائِغٍ فِي الجُمْلَةِ، أَوْ بِخَطَأٍ - إِنْ شَاءَ اللهُ - مَغْفُوْرٍ، وَقُلْنَا كَمَا عَلَّمَنَا اللهُ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِيْنَ سَبَقُوْنَا بِالإِيْمَانِ، وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوْبِنَا غِلاًّ لِلَّذِيْنَ آمَنُوا} [الحَشْرُ: 10].
وَتَرَضَّيْنَا أَيْضاً عَمَّنِ اعْتَزَلَ الفَرِيْقَيْنِ، كَسَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ، وَخَلْقٍ.
وَتَبَرَّأْنَا مِنَ الخَوَارِجِ المَارِقِيْنَ الَّذِيْنَ حَارَبُوا عَلِيّاً، وَكَفَّرُوا الفَرِيْقَيْنِ.
فَالخَوَارِجُ كِلاَبُ النَّارِ، قَدْ مَرَقُوا مِنَ الدِّيْنِ، وَمَعَ هَذَا فَلاَ نَقْطَعُ لَهُم بِخُلُوْدِ النَّارِ، كَمَا نَقْطَعُ بِهِ لِعَبَدَةِ الأَصْنَامِ وَالصُّلْبَانِ.
فَمِنَ الأَبَاطِيْلِ المُخْتلَقَةِ:
عَنْ وَاثِلَةَ، مَرْفُوْعاً: (كَادَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيّاً مِنْ حِلْمِهِ وَائْتِمَانِهِ عَلَى كَلاَمِ رَبِّي).
__________
(1) من قوله: " منهم على حبه " إلى هنا سقط من المطبوع.

(3/128)


وَعَنْ عُثْمَانَ، مَرْفُوعاً: (هَنِيْئاً لَكَ يَا مُعَاوِيَةُ، لَقَدْ أَصْبَحْتَ أَمِيْناً عَلَى خَبَرِ السَّمَاءِ).
عَنْ أَبِي مُوْسَى: نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ، طَلَبَ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا كَتَبَهَا -يَعْنِي: آيَةَ الكُرْسِيِّ - قَالَ: (غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا مُعَاوِيَةُ مَا تَقَدَّمَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ).
عَنْ مُرِّيٍّ الحَوْرَانِيِّ، عَنْ رَجُلٍ:
نَزَلَ جِبْرِيْلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، لَيْسَ لَكَ أَنْ تَعْزِلَ مَنِ اخْتَارَهُ اللهُ لِكِتَابَةِ وَحْيِهِ، فَأَقِرَّهُ، إِنَّهُ أَمِيْنٌ.
عَنْ سَعْدٍ، مَرْفُوعاً: (يُحْشَرُ مُعَاوِيَةُ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ مِنْ نُوْرٍ).
عَنْ أَنَسٍ: هَبَطَ جِبْرِيْلُ بِقَلَمٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ:
يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ العَلِيَّ الأَعْلَى يَقُوْلُ: (قَدْ أَهْدَيْتُ القَلَمَ مِنْ فَوْقِ عَرْشِي إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَمُرْهُ أَنْ يَكْتُبَ آيَةَ الكُرْسِيِّ بِهِ، وَيُشْكِلَهُ، وَيُعْجِمَهُ...، فَذَكَر خَبَراً طَوِيْلاً.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
لَمَّا أُنْزِلَتْ آيَةُ الكُرْسِيِّ، دَعَا مُعَاوِيَةَ، فَلَمْ يَجِدْ قَلَماً، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ أَمَرَ جِبْرِيْلَ أَنْ يَأْخُذَ الأَقْلاَمَ مِنْ دَوَاتِهِ، فَقَامَ لِيَجِيْءَ بِقَلَمٍ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (خُذِ القَلَمَ مِنْ أُذُنِكَ).
فَإِذَا قَلَمُ ذَهَبٍ، مَكْتُوْبٌ عَلَيْهِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، هَدِيَّةٌ مِنَ اللهِ إِلَى أَمِيْنِهِ مُعَاوِيَةَ.
وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعاً: كَأَنِّيْ أَنْظُرُ إِلَى سُوَيْقَتَيْ مُعَاوِيَةَ تَرْفُلاَنِ فِي الجَنَّةِ.
عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لأُخْرِجَنَّ مَا فِي عُنُقِي لِمُعَاوِيَةَ، قَدِ اسْتَكْتَبَهُ نَبِيُّ اللهِ وَأَنَا جَالِسٌ، فَعَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ مِنَ اللهِ.
عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوعاً: (الأُمَنَاءُ عِنْدَ اللهِ سَبْعَةٌ: القَلَمُ، وَجِبْرِيْلُ، وَأَنَا، وَمُعَاوِيَةُ، وَاللَّوْحُ، وَإِسْرَافِيْلُ، وَمِيْكَائِيْلُ).
عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ: دَخَلَ النَّبيُّ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - عَلَى أُمِّ حَبِيْبَةَ، وَمُعَاوِيَةُ

(3/129)


نَائِمٌ عَلَى فَخِذِهَا.
فَقَالَ: (أَتُحِبِّيْنَهُ؟).
قَالَتْ: نَعَم.
قَالَ: (لَلَّهُ أَشَدُّ حُبّاً لَهُ مِنْكِ لَهُ، كَأَنِّيْ أَرَاهُ عَلَى رَفَارِفِ الجَنَّةِ).
عَنْ جَعْفَرٍ: أَنَّهُ أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَفَرْجَلٌ، فَأَعْطَى مُعَاوِيَةَ مِنْهُ ثَلاَثاً، وَقَالَ: (الْقَنِي بِهِنَّ (1) فِي الجَنَّةِ).
قُلْتُ: وَجَعْفَرٌ قَدِ اسْتُشْهِدَ قَبْلَ قُدُوْمِ مُعَاوِيَةَ مُسْلِماً.
وَعَنْ حُذَيْفَةَ، مَرْفُوعاً: (يُبْعَثُ مُعَاوِيَةُ وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ مِنْ نُوْرِ الإِيْمَانِ).
عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، مَرْفُوعاً: (يَخْرُجُ مُعَاوِيَةُ مِنْ قَبْرِهِ عَلَيْهِ رِدَاءٌ مِنْ سُنْدُسٍ مُرَصَّعٌ بِالدُّرِّ وَاليَاقُوْتِ).
عَنْ عَلِيٍّ: (أَنَّ جِبْرِيْلَ نَزَلَ، فَقَالَ: اسْتَكْتِبْ مُعَاوِيَةَ، فَإِنَّهُ أَمِيْنٌ).
أَبُو هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعاً: (الأُمَنَاءُ ثَلاَثَةٌ: أَنَا، وَجِبْرِيْلُ، وَمُعَاوِيَةُ).
وَعَنْ وَاثِلَةَ: بِنَحْوِهِ.
أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاوَلَ مُعَاوِيَةَ سَهْماً، وَقَالَ: (خُذْهُ حَتَّى تُوَافِيَنِي بِهِ فِي الجَنَّةِ).
أَنَسٌ، مَرْفُوعاً: (لاَ أَفْتَقِدُ أَحَداً غَيْرَ مُعَاوِيَةَ، لاَ أَرَاهُ سَبْعِيْنَ عَاماً؛ فَإِذَا كَانَ بَعْدُ أَقْبَلَ عَلَى نَاقَةٍ مِنَ المِسْكِ، فَأَقُوْلُ: أَيْنَ كُنْتَ؟
فَيَقُوْلُ: فِي رَوْضَةٍ تَحْتَ العَرْشِ...)، الحَدِيْثَ (2) .
وَعَنْ بَعْضِهِمْ: (جَاءَ جِبْرِيْلُ بِوَرَقَةِ آسٍ عَلَيْهَا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، حُبُّ
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " نحن "، وهو في " أنساب الاشراف " 4 / 127، وممن حكم بوضعه أيضا: ابن حبان، وقال الخطيب البغدادي: الحديث غير ثابت، وجعفر قتل في مؤتة، ومعاوية إنما أسلم عام الفتح، فلعن الله الكذابين.
(2) أخرجه الخطيب في " تاريخه " 9 / 449، في ترجمة عبد الله بن حفص به عمر الوكيل، وقال: هذا حديث باطل إسنادا ومتنا، ونراه مما وضعه الوكيل.

(3/130)


مُعَاوِيَةَ فَرْضٌ عَلَى عِبَادِي).
ابْنُ عُمَرَ، مَرْفُوعاً: (يَا مُعَاوِيَةُ؛ أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ، لَتُزَاحِمَنِّي عَلَى بَابِ الجَنَّةِ).
فَهَذِهِ الأَحَادِيْثُ ظَاهِرَةُ الوَضْعِ - وَاللهُ أَعْلَمُ - (1) .
وَيُرْوَى فِي فَضَائِلِ مُعَاوِيَةَ أَشْيَاءُ ضَعِيْفَةٌ تُحْتَمَلُ، مِنْهَا:
فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ: عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعاً: (دَعُوا لِي أَصْحَابِي وَأَصْهَارِي (2)).
أَحْمَدُ فِي (المُسْنَدِ): حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ عَمْرُو بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا جَدِّي:
أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَخَذَ الإِدَاوَةَ، وَتَبِعَ بِهَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ: (يَا مُعَاوِيَةَ؛ إِنْ وُلِّيْتَ أَمْراً، فَاتَّقِ اللهَ، وَاعْدِلْ).
فَمَا زِلْتُ أَظُنُّ أَنِّي مُبْتَلَىً بِعَمَلٍ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى ابْتُلِيْتُ (3) .
وَلِهَذَا طُرُقٌ مُقَارِبَةٌ:
يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجَرٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ:
قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَاللهِ مَا حَمَلَنِي عَلَى الخِلاَفَةِ إِلاَّ قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِي: (يَا مُعَاوِيَةُ؛ إِنْ مَلَكْتَ، فَأَحْسِنْ).
ابْنُ مُهَاجَرٍ ضَعِيْفٌ، وَالخَبَرُ مُرْسَلٌ.
__________
(1) وقد ذكر أكثر هذه الأحاديث: الشوكاني في " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " في الصفحة 403 - 407، وقال الحافظ ابن كثير في " البداية " 8 / 120 بعد أن ذكر حديثا منها: وقد أورد ابن عساكر بعد هذا أحاديث كثيرة موضوعة، والعجب منه مع حفظه واطلاعه كيف لا ينبه عليها وعلى نكارتها وضعف حالها.
(2) إسناده ضعيف لجهالة الرجل.
(3) رجاله ثقات، وهو في " المسند " 4 / 101، وانظر " البداية " 8 / 123.

(3/131)


الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ ابْنَ رَاهَوَيْه يَقُوْلُ:
لاَ يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فَضْلِ مُعَاوِيَةَ شَيْءٌ (1) .
ابْنُ فُضَيْلٍ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ عَمْرِو بنِ الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ:
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعَ صَوْتَ غِنَاءٍ، فَقَالَ: (انْظُرُوا مَا هَذَا؟).
فَصَعِدْتُ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا مُعَاوِيَةُ، وَعَمْرُو بنُ العَاصِ يَتَغَنَّيَانِ، فَجِئْتُ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ أَرْكِسْهُمَا فِي الفِتْنَةِ رَكْساً، وَدُعَّهُمَا فِي النَّارِ دَعّاً (2)).
هَذَا مِمَّا أُنْكِرَ عَلَى يَزِيْدَ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ:
قَدِمَ عُمَرُ الجَابِيَةَ، فَبَقَّى عَلَى الشَّامِ أَمِيْرَيْنِ؛ أَبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ، وَيَزِيْدَ بنَ أَبِي سُفْيَانَ.
ثُمَّ تُوُفِّيَ يَزِيدُ، فَنَعَاهُ عُمَرُ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: وَمَنْ أَمَّرْتَ مَكَانَهُ؟
قَالَ: مُعَاوِيَةُ.
فَقَالَ: وَصَلَتْكَ - يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ - رَحِمٌ (3) .
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: ثُمَّ جَمَعَ عُمَرُ الشَّامَ كُلَّهَا لِمُعَاوِيَةَ، وَأَقَرَّهُ عُثْمَانُ (4) .
قُلْتُ: حَسْبُكَ بِمَنْ يُؤَمِّرُهُ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ عَلَى إِقْلِيْمٍ - وَهُوَ ثَغْرٌ - فَيَضْبِطُهُ، وَيَقُوْمُ بِهِ أَتَمَّ قِيَامٍ، وَيُرْضِي النَّاسَ بِسَخَائِهِ وَحِلْمِهِ، وَإِنْ كَانَ
__________
(1) ابن راهوية: هو إسحاق، وقد أورد الخبر الشوكاني في " الفوائد المجموعة ": 407.
(2) يزيد بن أبي زياد الهاشمي ضعيف كبر فتغير وصار يتلفن، وشيخه فيه وهو سليمان بن عمرو بن الاحوص مجهول الحال، وهو في " المسند " 4 / 421، ونسبه الشوكاني في " الفوائد المجموعة ": 408 لأبي يعلى، وقد ذكره ابن الجوزي في " موضوعاته " وقال: لا يصح، يزيد بن أبي زياد كان يتلقن.
وله شاهد بنحوه يزيده وهنا، رواه الطبراني في " الكبير " عن ابن عباس.
وفيه عيسى بن سوادة النخعي وهو كذاب.
وركست الشئ إذا رددته ورجعته، واندع: الطرد والدفع.
(3) انظر " تاريخ دمشق " 1 / 218 لأبي زرعة.
(4) " تاريخ خليفة ": 155، 178.

(3/132)


بَعْضُهُمْ تَأَلَّمَ مَرَّةً مِنْهُ، وَكَذَلِكَ فَلْيَكُنِ المَلِكُ.
وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْراً مِنْهُ بِكَثِيْرٍ، وَأَفْضَلَ، وَأَصْلَحَ، فَهَذَا الرَّجُلُ سَادَ وَسَاسَ العَالَمَ بِكَمَالِ عَقْلِهِ، وَفَرْطِ حِلْمِهِ، وَسَعَةِ نَفْسِهِ، وَقُوَّةِ دَهَائِهِ وَرَأْيِهِ.
وَلَهُ هَنَاتٌ وَأُمُوْرٌ، وَاللهُ المَوْعِدُ.
وَكَانَ مُحَبَّباً إِلَى رَعِيَّتِهِ.
عَمِلَ نِيَابَةَ الشَّامِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَالخِلاَفَةَ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَلَمْ يَهِجْهُ أَحَدٌ فِي دَوْلَتِهِ، بَلْ دَانَتْ لَهُ الأُمَمُ، وَحَكَمَ عَلَى العَرَبِ وَالعَجَمِ، وَكَانَ مُلْكُهُ عَلَى الحَرَمَيْنِ، وَمِصْرَ، وَالشَّامِ، وَالعِرَاقِ، وَخُرَاسَانَ، وَفَارِسٍ، وَالجَزِيْرَةِ، وَاليَمَنِ، وَالمَغْرِبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ: أَنَّ عُمَرَ أَفْرَدَ مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، وَرَزَقَهُ فِي الشَّهْرِ ثَمَانِيْنَ دِيْنَاراً.
وَالمَحْفُوْظُ (1) : أَنَّ الَّذِي أَفْرَدَ مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ عُثْمَانُ.
وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ، تَلَقَّاهُ مُعَاوِيَةُ فِي مَوْكِبٍ عَظِيْمٍ، وَهَيْئَةٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ، قَالَ: أَنْتَ صَاحِبُ المَوْكِبِ العَظِيْمِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: مَعَ (2) مَا بَلَغَنِي عَنْكَ مِنْ طُوْلِ وُقُوْفِ ذَوِي الحَاجَاتِ بِبَابِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَلِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَحْنُ بِأَرْضٍ جَوَاسِيْسُ العَدُوِّ بِهَا كَثِيْرٌ، فَيَجِبُ أَنْ نُظْهِرَ مِنْ عِزِّ السُّلْطَانِ مَا يُرْهِبُهُم، فَإِنْ نَهَيْتَنِي، انْتَهَيْتُ.
قَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ! مَا أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ تَرَكْتَنِي فِي مِثْلِ رَوَاجِبِ الضَّرِسِ، لَئِنْ كَانَ مَا قُلْتَ حَقّاً، إِنَّهُ لَرَأْيُ أَرِيْبٍ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلاً، فَإِنَّهُ لَخُدْعَةُ أَدِيْبٍ.
قَالَ: فَمُرْنِي.
قَالَ: لاَ آمُرُكَ، وَلاَ أَنْهَاكَ.
فَقِيْلَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا أَحْسَنَ مَا صَدَرَ عَمَّا أَوْرَدْتَهُ.
قَالَ: لِحُسْنِ مَصَادِرِهِ وَمَوَارِدِهِ جَشَّمْنَاهُ مَا جَشَّمْنَاهُ (3).
__________
(1) تحرف في المطبوع إلى " المفهوم ".
(2) كلمة " مع " سقطت من المطبوع.
(3) أخرجه ابن أبي الدنيا فيما ذكره ابن كثير 8 / 124 من طريق محمد بن قدامة الجوهري، عن عبد العزيز بن يحيى، عن شيخ له.

(3/133)


وَرُوِّيْتُ بِإِسْنَادَيْنِ، عَنِ العُتْبِيِّ (1) ، نَحْوَهَا.
مُسْلِمُ بنُ جُنْدُبٍ: عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ، قَالَ:
قَدِمَ مُعَاوِيَةُ وَهُوَ أَبَضُّ النَّاسِ وَأَجْمَلُهُم؛ فَخَرَجَ مَعَ عُمَرَ إِلَى الحَجِّ، وَكَانَ عُمَرُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَيَعْجَبُ، وَيَضَعُ أُصْبُعَهُ عَلَى مَتْنِهِ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا عَنْ مِثْلِ الشِّرَاكِ، فَيَقُوْلُ: بَخٍ بَخٍ، نَحْنُ إِذاً خَيْرُ النَّاسِ إِنْ جُمِعَ لَنَا خَيْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! سَأُحَدِّثُكَ؛ إِنَّا بِأَرْضِ الحَمَّامَاتِ وَالرِّيْفِ.
قَالَ عُمَرُ: سَأُحَدِّثُكَ، مَا بِكَ إِلاَّ إِلْطَافُكَ نَفْسَكَ بِأَطْيَبِ الطَّعَامِ، وَتَصَبُّحُكَ حَتَّى تَضْرِبَ الشَّمْسُ مَتْنَيْكَ، وَذَوُو الحَاجَاتِ وَرَاءَ البَابِ.
قَالَ: فَلَمَّا جِئْنَا ذَا طُوَىً، أَخْرَجَ مُعَاوِيَةُ حُلَّةً، فَلَبِسَهَا، فَوَجَدَ عُمَرُ مِنْهَا طِيْباً، فَقَالَ:
يَعْمَدُ أَحَدُكُم يَخْرُجُ حَاجّاً تَفِلاً (2) ، حَتَّى إِذَا جَاءَ أَعْظَمَ بَلَدٍ للهِ حُرْمَةً، أَخْرَجَ ثَوْبَيْهِ كَأَنَّهُمَا كَانَا فِي الطِّيْبِ (3) فَلَبِسَهُمَا.
قَالَ: إِنَّمَا لَبِسْتُهُمَا لأَدْخُلَ فِيْهْمَا عَلَى عَشِيْرَتِي، وَاللهِ لَقَدْ بَلَغَنِي أَذَاكَ هُنَا وَبِالشَّامِ، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي قَدْ عَرَفْتُ الحَيَاءَ فِيْهِ.
وَنَزَعَ مُعَاوِيَةُ الثَّوْبَيْنِ، وَلَبِسَ ثَوْبَيْ إِحْرَامِهِ (4) .
قَالَ المَدَائِنِيُّ: كَانَ عُمَرُ إِذَا نَظَرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، قَالَ: هَذَا كِسْرَى العَرَبِ (5) .
ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: عَنِ المَقْبُرِيِّ؛ قَالَ عُمَرُ: تَعْجَبُوْنَ مِنْ دَهَاءِ هِرَقْلَ
__________
(1) هو أبو عبد الرحمن محمد بن عبيد الله بن عمرو الأموي الاخباري، متوفى سنة (228).
مترجم في " العبر " 1 / 403، و" وقيات الأعيان " 4 / 398.
(2) التفل: الذي قد ترك استعمال الطيب، من التفل: وهي الريح الكريهة.
وقد تحرف في المطبوع إلى " قولا ".
(3) تحرف في المطبوع إلى " العلب ".
(4) أخرجه عبد الله بن المبارك في " الزهد " فيما ذكره ابن كثير 8 / 125، وابن حجر 3 / 134 من طريق ابن أبي ذئب بهذا الإسناد.
وذو طوى: موضع عند مكة.
(5) أورده ابن كثير 8 / 125، ونسبه لابن أبي الدنيا.

(3/134)


وَكِسْرَى، وَتَدَعُوْنَ مُعَاوِيَةَ؟
عَمْرُو بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ: عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
دَخَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى عُمَرَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ خَضْرَاءُ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا الصَّحَابَةُ.
قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: اللهَ اللهَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! فِيْمَ فِيْمَ؟
فَلَمْ يُكَلِّمْهُ حَتَّى رَجَعَ.
فَقَالُوا: لِمَ ضَرَبْتُهُ، وَمَا فِي قَوْمِكَ مِثْلُهُ؟
قَالَ: مَا رَأَيْتُ وَمَا بَلَغَنِي إِلاَّ خَيْراً، وَلَكِنَّهُ رَأَيْتُهُ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ - فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَضَعَ مِنْهُ (1) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: فُتِحَتْ قَيْسَارِيَّةُ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَأَمِيْرُهَا مُعَاوِيَةُ (2).
قَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبِيْدَةَ: غَزَا مُعَاوِيَةُ قُبْرُصَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ (3) .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: نَزَعَ عُثْمَانُ عُمَيْرَ بنَ سَعْدٍ، وَجَمَعَ الشَّامَ لِمُعَاوِيَةَ.
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَمْ يَنْفَرِدْ مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ.
سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ قَيْسِ بنِ الحَارِثِ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَشْبَهَ صَلاَةً بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَمِيْرِكُم هَذَا -يَعْنِي: مُعَاوِيَةَ (4) -.
وَكِيْعٌ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: كَانَ الحَادِي يَحْدُو بِعُثْمَانَ:
__________
(1) ذكره ابن كثير 8 / 125، وزاد في آخره: ما شمخ.
(2) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 179.
(3) أخرجه أبو زرعة 1 / 184 في " تاريخ دمشق " من طريق الوليد بن عتبة، عن الوليد بن مسلم، عن عثمان بن حصن بن علاق، عن يزيد بن عبيدة..
(4) رجاله ثقات.
وقد تحرف في المطبوع " عبيد ".
إلى " عبد "، والصنابحي - وقد تصحف
في المطبوع إلى " الضنابحي " -: هو عبد الرحمن بن عسيلة المرادي أبو عبد الله ثقة من كبار التابعين، قدم المدينة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أيام، مات في خلافة عبد الملك.

(3/135)


إِنَّ الأَمِيْرَ بَعْدَهُ عَلِيُّ ... وَفِي الزُّبَيْرِ خَلَفٌ رَضِيُّ
فَقَالَ كَعْبٌ: بَلْ هُوَ صَاحِبُ البَغْلَةِ الشَّهْبَاءِ -يَعْنِي: مُعَاوِيَةَ -.
فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! تَقُوْلُ هَذَا وَهَا هُنَا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَأَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟!
قَالَ: أَنْتَ صَاحِبُهَا (1) .
قَالَ الوَاقِدِيُّ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، بَعَثَتْ نَائِلَةُ بِنْتُ الفَرَافِصَةِ امْرَأَتُهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ كِتَاباً بِمَا جَرَى، وَبَعَثَتْ بِقَمِيْصِهِ بِالدَّمِ، فَقَرَأَ مُعَاوِيَةُ الكِتَابَ، وَطِيْفَ بِالقَمِيْصِ فِي أَجْنَادِ الشَّامِ، وَحَرَّضَهُمْ عَلَى الطَّلَبِ بِدَمِهِ.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَلِيٍّ: اكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَقِرَّهُ عَلَى الشَّامِ، وَأَطْمِعْهُ (2) يَكْفِكَ نَفْسَهُ وَنَاحِيَتَهُ، فَإِذَا بَايَعَ لَكَ النَّاسُ، أَقْرَرْتَهُ أَوْ عَزَلْتَهُ.
قَالَ: إِنَّهُ لاَ يَرْضَى حَتَّى أُعْطِيَهُ عَهْدَ اللهِ وَمِيْثَاقَهُ أَنْ لاَ أَعْزِلَهُ.
وَبَلَغَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَلِي لَهُ شَيْئاً، وَلاَ أُبَايِعُهُ.
وَأَظْهَرَ بِالشَّامِ أَنَّ الزُّبَيْرَ قَادِمٌ عَلَيْكُم وَنُبَايِعُهُ.
فَلَمَّا بَلَغَهُ مَقْتَلُهُ، تَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَبَعَثَ عَلِيٌّ جَرِيْراً إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَكَلَّمَهُ، وَعَظَّمَ عَلِيّاً، فَأَبَى أَنْ يُبَايِعَ، فَرُدَّ جَرِيْرٌ، وَأَجْمَعَ عَلَى المَسِيْرِ إِلَى صِفِّيْنَ.
فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ أَبَا مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيَّ إِلَى عَلِيٍّ بِأَشْيَاءَ يَطْلُبُهَا مِنْهُ، وَأَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ قَتَلَةَ عُثْمَانَ، فَأَبَى، وَرَجَعَ أَبُو مُسْلِمٍ، وَجَرَتْ بَيْنَهُمَا رَسَائِلُ، وَقَصَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا الآخَرَ، فَالْتَقَوْا لِسَبْعٍ بَقِيْنَ مِنَ المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ (3) .
وَفِي أَوَّلِ صَفَرٍ شَبَّتِ (4) الحَرْبُ، وَقُتِلَ خَلْقٌ، وَضَجِرُوا، فَرَفَعَ أَهْلُ الشَّامِ المَصَاحِفَ، وَقَالُوا: نَدْعُوْكُم إِلَى كِتَابِ اللهِ، وَالحُكْمِ بِمَا فِيْهِ، وَكَانَ
__________
(1) " البداية " 8 / 127.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " وأطعمه ".
(3) أي: سبع وثلاثين انظر " الطبري " 5 / 6 وما بعدها، وابن الأثير 3 / 289، 326.
وابن كثير 7 / 258، 278.
(4) تحرف في المطبوع إلى " نشبت ".

(3/136)


ذَلِكَ مَكِيدَةً مِنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَاصْطَلَحُوا، وَكَتَبُوا (1) بَيْنَهُم كِتَاباً عَلَى أَنْ يُوَافُوا أَذْرُحَ (2) ، وَيُحَكِّمُوا حَكَمَيْنِ.
قَالَ: فَلَمْ يَقَعِ اتَّفَاقٌ، وَرَجَعَ عَلِيٌّ إِلَى الكُوْفَةِ بِالدَّغَلِ (3) مِنْ أَصْحَابِهِ وَالاخْتِلاَفِ.
فَخَرَجَ مِنْهُم الخَوَارِجُ، وَأَنْكَرُوا تَحْكِيْمَهُ، وَقَالُوا: لاَ حُكْمَ إِلاَّ للهِ.
وَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ بِالأُلْفَةِ وَالاجْتِمَاعِ، وَبَايَعَهُ أَهْلُ الشَّامِ بِالخِلاَفَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ.
فَكَانَ يَبْعَثُ الغَارَاتِ، فَيَقْتُلُوْنَ مَنْ كَانَ فِي طَاعَةِ عَلِيٍّ، أَوْ مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ، وَبَعَثَ بُسْرَ بنَ أَبِي أَرْطَاةَ إِلَى الحِجَازِ وَاليَمَنِ يَسْتَعْرِضُ النَّاسَ، فَقَتَلَ بِاليَمَنِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَقُثَماً؛ وَلَدَيْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ عَلِيٌّ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ.
وَصَالَحَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ، وَبَايَعَهُ، وَسُمِّيَ عَامَ الجَمَاعَةِ (4) ، فَاسْتَعْمَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى الكُوْفَةِ المُغِيْرَةَ بنَ شُعْبَةَ، وَعَلَى البَصْرَةِ عَبْدَ اللهِ (5) بنَ عَامِرِ بنِ كُرَيْزٍ، وَعَلَى المَدِيْنَةِ أَخَاهُ عُتْبَةَ ثُمَّ مَرْوَانَ، وَعَلَى مِصْرَ عَمْرَو بنَ العَاصِ، وَحَجَّ بِالنَّاسِ سَنَةَ خَمْسِيْنَ.
وَكَانَ عَلَى قَضَائِهِ بِالشَّامِ: فَضَالَةُ بنُ عُبَيْدٍ.
ثُمَّ اعْتَمَرَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ فِي رَجَبٍ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحُسَيْنِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ أَبِي بَكْرٍ، كَلاَمٌ فِي بَيْعَةِ العَهْدِ لِيَزِيْدَ.
ثُمَّ قَالَ: إِنِّيْ مُتَكَلِّمٌ بِكَلاَمٍ، فَلاَ تَرُدُّوا عَلَيَّ أَقْتُلْكُم. فَخَطَبَ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُم قَدْ
__________
(1) لفظ " كتبوا " سقط من المطبوع.
(2) أذرح: اسم بلد في أطراف الشام من نواحي البلقاء وعمان مجاورة لارض الحجاز.
(3) الدغل: الفساد.
(4) في " تاريخ دمشق " 1 / 190 لأبي زرعة: سمعت أبا مسهر أملاه علينا أن معاوية بويع سنة أربعين وهو عام الجماعة.
وانظر " تاريخ خليفة " 203.
(5) تحرف في المطبوع إلى " عبد الرحمن ".

(3/137)


بَايَعُوا، وَسَكَتُوا، وَلَمْ يُنْكِرُوا (1) ، وَرَحَلَ عَلَى هَذَا (2) .
وَادَّعَى زِيَاداً أَنَّهُ أَخُوْهُ (3) ، فَوَلاَّهُ الكُوْفَةَ بَعْدَ المُغِيْرَةِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ فِي حُجْرِ بنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ، وَحَمَلَهُم إِلَيْهِ، فَقَتَلَهُم بِمَرْجِ عَذْرَاءَ (4) .
ثُمَّ ضَمَّ الكُوْفَةَ وَالبَصْرَةَ إِلَى زِيَادٍ، فَمَاتَ، فَوَلاَّهُمَا ابْنَهُ عُبَيدَ اللهِ بنَ زِيَادٍ.
__________
(1) جملة " ولم ينكروا " سقطت من المطبوع.
(2) انظر " الطبري " 5 / 303، 304، و" ابن الأثير " 3 / 506، 511، وابن كثير: 8 / 79، 80، و" تاريخ خليفة ": 213، 217، و" تاريخ الإسلام " 2 / 250، 262، للمؤلف.
(3) وأخرج مسلم في " صحيحه " (63) في الايمان: باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم، من طريق أبي عثمان، قال: لما ادعي زياد، لقيت أبا بكرة، فقلت له: ما هذا الذي صنعتم ؟ إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: سمع أذناي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام "، فقال أبو بكرة: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج المرفوع منه البخاري: 12 / 46 في الفرائض.
قال الحافظ: والمراد بزياد الذي ادعي: زياد بن سمية وهي أمه، كانت أمة للحارث بن كلدة وهو زوجها لمولى عبيد، فأتت بزياد على فراشه وهم بالطائف قبل أن يسلم أهل الطائف، فلما كان في خلافة عمر، سمع أبو سفيان
ابن حرب كلام زياد عند عمر، وكان بليغا فأعجبه، فقال: إني لاعرف من وضعه في أمه، ولو شئت لسميته، ولكن أخاف من عمر، فلما ولي معاوية الخلافة، كان زياد على فارس من قبل علي، فأراد مداراته، فأطمعه في أنه يلحقه بأبي سفيان، فأصعى زياد إلى ذلك، فجرت في ذلك خطوب إلى أن ادعاه معاوية، فأمره على البصرة، ثم على الكوفة، وأكرمه، وسار زياد سيرته المشهورة، وسياسته المذكورة، فكان كثير من الصحابة والتابعين ينكرون ذلك على معاوية محتجين يحديث " الولد للفراش ".
(4) انظر " الطبري " 5 / 253، 270 و" ابن الأثير " 3 / 472، 488، وابن كثير: 8 / 53، 54 و" تاريخ الإسلام " 2 / 276. و" تاريخ خليفة ": 213، وروى الحاكم في " المستدرك " 3 / 469 من طريق إسماعيل بن علية، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين أن زيادا أطال الخطبة، فقال حجر بن عدي: الصلاة، فمضى في خطبته، فقال له: الصلاة، وضرب بيده إلى الحصى، وضرب الناس بأيديهم إلى الحصى، فنزل، فصلى، ثم كتب فيه إلى معاوية، فكتب معاوية: أن سرح به إلي، فسرحه إليه، فلما قدم عليه، قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، قال: وأمير المؤمنين أنا ؟ إني لا أقيلك ولا أستقيلك، فأمر بقتله، فلما انطلقوا به، طلب منهم أن يأذنوا له، فيصلي ركعتين، فأذنوا له، فصلى ركعتين، ثم قال: لا تطلقوا عني حديدا، ولا تغسلوا عني دما. وادفنوني في ثيابي، فإني مخاصم، قال: فقتل.

(3/138)


عَنْ عَبْدِ المَجِيْدِ بنِ سُهَيْلٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
اسْتَعْمَلَنِي عُثْمَانُ عَلَى الحَجِّ، ثُمَّ قَدِمْتُ وَقَدْ بُوْيِعَ لِعَلِيٍّ، فَقَالَ لِي: سِرْ إِلَى الشَّامِ، فَقَدْ وَلَّيْتُكَهَا.
قُلْتُ: مَا هَذَا بِرَأْيٍ، مُعَاوِيَةُ أُمَوِيٌّ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ عُثْمَانَ وَعَامِلُهُ عَلَى الشَّامِ، وَلَسْتُ آمَنُ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقِي بِعُثْمَانَ، أَوْ أَدْنَى مَا هُوَ صَانِعٌ أَنْ يَحْبِسَنِي.
قَالَ عَلِيٌّ: وَلِمَ؟
قُلْتُ: لِقَرَابَةِ مَا بَيْنِي وَبَيْنِكَ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ حَمَلَ عَلَيْكَ حَمَلَ عَلَيَّ، وَلَكِنِ اكْتُبْ إِلَيْهِ، فَمَنِّهِ، وَعِدْهُ.
فَأَبَى عَلِيٌّ، وَقَالَ: لاَ وَاللهِ، لاَ كَانَ هَذَا أَبَداً.
مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
أَرْسَلَتْ أُمُّ حَبِيْبَةَ إِلَى أَهْلِ عُثْمَانَ: أَرْسِلُوا إِلَيَّ بِثِيَابِ عُثْمَانَ الَّتِي قُتِلَ فِيْهَا.
فَبَعَثَوا بِقَمِيْصِهِ بِالدَّمِ وَبِالخُصْلَةِ الَّتِي نُتِفَتْ مِنْ لِحْيَتِهِ، وَدَعَتِ النُّعْمَانَ بنَ بَشِيْرٍ، فَبَعَثَتْ بِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَصَعِدَ مُعَاوِيَةُ المِنْبَرَ، وَنَشَرَ القَمِيْصَ، وَجَمَعَ النَّاسَ، وَدَعَا إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِهِ.
فَقَامَ أَهْلُ الشَّامِ، وَقَالُوا: هُوَ ابْنُ عَمِّكَ، وَأَنْتَ وَلِيُّهُ، وَنَحْنُ الطَّالِبُوْنَ مَعَكَ بِدَمِهِ.
ابْنُ شَوْذَبٍ: عَنْ مَطَرٍ الوَرَّاقِ، عَنْ زَهْدَمٍ الجَرْمِيِّ، قَالَ:
كُنَّا فِي سَمَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ مَا كَانَ -يَعْنِي: عُثْمَانَ - قُلْتُ لِعَلِيٍّ: اعْتَزِلِ النَّاسَ، فَلَو كُنْتَ فِي جُحْرٍ (1) ، لَطُلِبْتَ حَتَّى تُسْتَخْرَجَ.
فَعَصَانِي، وَايْمُ اللهِ لَيَتَأَمَّرَنَّ عَلَيْكُم مُعَاوِيَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ يَقُوْلُ: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوْماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً، فَلاَ يَسْرِفْ فِي القَتْلِ، إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوْراً (2) } [الإِسْرَاءُ: 33].
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " حجر ".
(2) أخرجه الطبراني في " الكبير " برقم (1063) من طريق يحيى بن عبدا لباقي الاذني، حدثنا أبو عمير بن النحاس، حدثنا ضمرة بن ربيعة بهذا الإسناد.
ويحيى وأبو عمير لم أجد لهما ترجمة، وباقي رجله ثقات، وأورده في " المجمع " 7 / 236، وقال: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم، وذكره ابن كثير في " تفسيره " 3 / 39 عن الطبراني، وسكت عنه.

(3/139)


يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
لَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ هَزِيْمَةُ يَوْمِ الجَمَلِ، وَظُهُوْرُ عَلِيٍّ، دَعَا أَهْلَ الشَّامِ لِلْقِتَالِ مَعَهُ عَلَى الشُّوْرَى، وَالطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ، فَبَايَعُوْهُ عَلَى ذَلِكَ أَمِيْراً غَيْرَ خَلِيْفَةٍ.
وَفِي (كِتَابِ صِفِّيْنَ) لِيَحْيَى بنِ سُلَيْمَانَ الجُعْفِيِّ (1) بِإِسْنَادٍ لَهُ:
أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِجَرِيْرٍ البَجَلِيِّ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ رَسُوْلاً بَعْدَ مُحَاوَرَةٍ طَوِيْلَةٍ: اكْتُبْ إِلَى عَلِيٍّ أَنْ يَجْعَلَ لِيَ الشَّامَ، وَأَنَا أُبَايِعُ لَهُ مَا عَاشَ.
فَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عَلِيٍّ، فَفَشَا كِتَابُهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الوَلِيْدُ بنُ عُقْبَةَ:
مُعَاوِيُ، إِنَّ الشَّامَ شَامُكَ فَاعْتَصِمْ ... بِشَامِكَ لاَ تُدْخِلْ عَلَيْكَ الأَفَاعِيَا
وَحَامِ عَلَيْهَا بِالقَنَابِلِ وَالقَنَا ... وَلاَ تَكُ مَخْشُوْشَ الذِّرَاعَيْنِ وَانِيَا (2)
فَإِنَّ عَلِيّاً نَاظِرٌ مَا تُجِيْبُهُ ... فَأَهْدِ لَهُ حَرْباً تُشِيْبُ النَّوَاصِيَا (3)
ثُمَّ قَالَ الجُعْفِيُّ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
جَاءَ أَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ وَأُنَاسٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَقَالُوا: أَنْتَ تُنَازِعُ عَلِيّاً، أَمْ أَنْتَ مِثْلُهُ؟
فَقَالَ: لاَ وَاللهِ، إِنِّيْ لأَعْلَمُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنِّي، وَأَحَقُّ بِالأَمْرِ مِنِّي، وَلَكِنْ أَلَسْتُم تَعْلَمُوْنَ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُوْماً، وَأَنَا ابْنُ عَمِّهِ، وَالطَّالِبُ بِدَمِهِ، فَائْتُوْهُ، فَقُوْلُوا لَهُ، فَلْيَدْفَعْ إِلَيَّ قَتَلَةَ عُثْمَانَ، وَأُسْلِمَ لَهُ.
فَأَتَوْا عَلِيّاً، فَكَلَّمُوْهُ، فَلَمْ يَدْفَعْهُم إِلَيْهِ (4).
__________
(1) هو يحيى بن سليمان بن يحيى بن سعيد الجعفي الكوفي المقرئ الحافظ نزيل مصر روى له البخاري، ومع ذلك فقد قال الحافظ في " التقريب ": صدوق يخطئ.
مات سنة 237 ه، أو التي بعدها.
(2) مخشوش، بالخاء المعجمة والشين، أي: ولاتك مقيد اليدين، من قولهم خش البعير: إذا جعل في أنفه الخشاش، وهو عود من خشب يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع لا نقياده.
وقد تصحف في المطبوع إلى " محسوس ".
(3) الخبر مع الابيات عند ابن عساكر 16 / 355 / ب، 356 / آ.
(4) رجاله ثقات، وانظر " البداية " 8 / 129.

(3/140)


عَمْرُو بنُ شَمِرٍ: عَنْ جَابِرٍ الجُعْفِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ - أَوْ أَبِي جَعْفَرٍ - قَالَ:
لَمَّا ظَهَرَ أَمْرُ مُعَاوِيَةَ، دَعَا عَلِيٌّ رَجُلاً، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيْرَ إِلَى دِمَشْقَ، فَيَعْقِلَ رَاحِلَتَهُ عَلَى بَابِ المَسْجَدِ، وَيَدْخُلَ بِهَيْئَةِ السَّفَرِ، فَفَعَلَ، وَكَانَ وَصَّاهُ.
فَسَأَلَهُ أَهْلُ الشَّامِ، فَقَالَ: مِنَ العِرَاقِ.
قَالُوا: وَمَا وَرَاءكَ؟
قَالَ: تَرَكْتُ عَلِيّاً قَدْ حَشَدَ إِلَيْكُم، وَنَهَدَ فِي أَهْلِ العِرَاقِ.
فَبَلَغَ مُعَاوِيَةَ، فَبَعَثَ أَبَا الأَعْوَرِ يُحَقِّقُ أَمْرَهُ (1) ، فَأَتَاهُ، فَأَخْبَرَهُ، فَنُوْدِيَ: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ.
وَامْتَلأَ المَسْجَدُ، فَصَعِدَ مُعَاوِيَةُ، وَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ عَلِيّاً قَدْ نَهَدَ إِلَيْكُم، فَمَا الرَّأْيُ؟
فَضَرَبَ النَّاسُ بِأَذْقَانِهِم عَلَى صُدُوْرِهِم، وَلَمْ يَرْفَعْ أَحَدٌ إِلَيْهِ طَرْفَهُ، فَقَامَ ذُو الكَلاَعِ الحِمْيَرِيُّ، فَقَالَ: عَلَيْكَ الرَّأْيُ، وَعَلَيْنَا أَمْ فِعَالُ - يَعْنِي: الفِعَالَ -.
فَنَزَلَ مُعَاوِيَةُ، وَنُوْدِيَ: مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ مُعَسْكَرِهِ بَعْدَ ثَلاَثٍ أَحَلَّ بِنَفْسِهِ.
فَرُدَّ رَسُوْلُ عَلِيٍّ حَتَّى وَافَاهُ، فَأَخْبَرَهُ، فَأَمَرَ، فَنُوْدِيَ: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ.
وَاجْتَمَعَ النَّاسُ، فَصَعِدَ المِنْبَرَ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلِي قَدْ قَدِمَ وَأَخْبَرَنِي أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَدْ نَهَدَ إِلَيْكُم، فَمَا الرَّأْيُ؟
فَأَضَبَّ أَهْلُ المَسْجَدِ يَقُوْلُوْنَ: الرَّأْيُ كَذَا، الرَّأْيُ كَذَا.
فَلَمْ يَفْهَمْ عَلِيٌّ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ تَكَلَّمَ، فَنَزَلَ وَهُوَ يَقُوْلُ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، ذَهَبَ بِهَا ابْنُ أَكَّالَةِ الأَكْبَادِ (2) .
الأَعْمَشُ: عَمَّنْ رَأَى عَلِيّاً يَوْمَ صِفِّيْنَ يُصَفِّقُ بِيَدَيْهِ، وَيَعَضُّ عَلَيْهَا، وَيَقُوْلُ:
يَا عَجَباً! أُعْصَى وَيُطَاعُ مُعَاوِيَةُ (3).
__________
(1) تحرف في المطبوع إلى " يحيق بأميره ".
(2) أخرجه ابن عساكر 16 / 375، وسنده تألف، عمرو بن شمر متروك الحديث، وبعضهم اتهمه، وجابر الجعفي ضعيف.
وهو في " البداية " 8 / 129، ونهد إليه: نهض، وقوله: " فأضب أهل المسجد " أي: صاحوا وجلبوا، وتكلموا متتابعا.
وابن أكالة الاكباد: معاوية لان أمه هند بقرت عن كبد حمزة رضي الله عنه حين استشهد في غزوة أحد، فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها.
(3) ابن عساكر 16 / 357 / ب.

(3/141)


أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ:
قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِي فِي الرِّكَابِ، وَهَمَمْتُ يَوْمَ صِفِّيْنَ بِالهَزِيْمَةِ، فَمَا مَنَعَنِي إِلاَّ قَوْلُ ابْنِ الإِطْنَابَةِ:
أَبَتْ لِي عِفَّتِي وَأَبَى بَلاَئِي ... وَأَخْذِي الحَمْدَ بِالثَّمَنِ الرَّبِيْحِ
وَإِكْرَاهِي عَلَى المَكْرُوْهِ نَفْسِي ... وَضَرْبِي هَامَةَ البَطَلِ المُشِيْحِ
وَقَوْلِي كُلَّمَا جَشَأَتْ وَجَاشَتْ : ... مَكَانَكِ تُحْمَدِي أَوْ تَسْتَرِيْحِي (1)
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: سَأَلَ رَجُلٌ الحَسَنَ البَصْرِيَّ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ، فَقَالَ:
كَانَتْ لِهَذَا سَابِقَةٌ وَلِهَذَا سَابِقَةٌ، وَلِهَذَا قَرَابَةٌ وَلِهَذَا قَرَابَةٌ، وَابْتُلِيَ هَذَا، وَعُوْفِيَ هَذَا.
فَسَأَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: كَانَ لِهَذَا قَرَابَةٌ وَلِهَذَا قَرَابَةٌ، وَلِهَذَا سَابِقَةٌ وَلَيْسَ لِهَذَا سَابِقَةٌ، وَابْتُلِيَا جَمِيْعاً.
قُلْتُ: قُتِلَ بَيْنَ الفَرِيْقَيْنِ نَحْوٌ مِنْ سِتِّيْنَ أَلْفاً.
وَقِيْلَ: سَبْعُوْنَ أَلْفاً.
وَقُتِلَ عَمَّارٌ مَعَ عَلِيٍّ، وَتَبَيَّنَ لِلنَّاسِ قَوْلُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ) (2).
__________
(1) الخبر مع الابيات عند ابن عساكر 16 / 357 / ب، والابيات في " الوحشيات " 77، و" الاختيارين ": 159، 160، و" عيون الاخبار " 1 / 126، و" العقد الفريد " 1 / 104، 105، وانظر " سمط اللآلي " 574.
وابن الاطنابة: هو عمرو بن عامر بن زيد مناة الخزرجي، شاعر فارس من فرسان الجاهلية، والاطنابة: أمه: بنت شهاب من بني القين، ومعنى الاطنابة: سير الحزام يكون عونا لسير آخر إذا قلق: وسير يشد في وتر القوس العربية.
مترجم في " معجم الشعراء ": 203، 204 للمرزباني.
(2) وهو حديث صحيح مشهور بل متواتر، ولما لم يقدر معاوية على إنكاره، وقال: إنما قتله الذين جاؤ وابه، كما في " المسند " 2 / 161 بسند صحيح، فأجابه علي رضي الله عنه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن قتل حمزة حين أخرجه، وهذا منه رضي الله عنه إلزام مفحم لا جواب عنه، وحجة لا اعتراض عليها.
وما ذهب إليه المؤلف من كون طائفة معاوية هي الباغية هو مذهب فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي، منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والاوزاعي، وغيرهم كما قال الامام عبد القاهر الجرجاني في كتاب " الإمامة ".
نقله عنه المناوي في " فيض القدير " 6 / 663.

(3/142)


الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ أَبِي مَنِيْعٍ، حَدَّثَنَا جَدِّي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
تَعَاهَدَ ثَلاَثَةٌ مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ عَلَى قَتْلِ: مُعَاوِيَةَ، وَعَمْرِو بنِ العَاصِ، وَحَبِيْبِ بنِ مَسْلَمَةَ.
وَأَقْبَلُوا بَعْدَ بَيْعَةِ مُعَاوِيَةَ بِالخِلاَفَةِ حَتَّى قَدِمُوا إِيْلِيَاءَ، فَصَلَّوْا مِنَ السَّحَرِ فِي المَسْجَدِ، فَلَمَّا خَرَجَ مُعَاوِيَةُ لِصَلاَةِ الفَجْرِ كَبَّرَ، فَلَمَّا سَجَدَ انْبَطَحَ أَحَدُهُمْ عَلَى ظَهْرِ الحَرَسِيِّ السَّاجِدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ حَتَّى طَعَنَ مُعَاوِيَةَ فِي مَأْكَمَتِهِ.
فَانْصَرَفَ مُعَاوِيَةُ، وَقَالَ: أَتِمُّوا صَلاَتَكُم.
وَأُمْسِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ الطَّبِيْبُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ الخِنْجَرُ مَسْمُوْماً، فَلاَ بَأْسَ عَلَيْكَ.
فَأَعَدَّ الطَّبِيْبُ عَقَاقِيْرَهُ، ثُمَّ لَحَسَ الخِنْجَرَ، فَلَمْ يَجِدْهُ مَسْمُوْماً، فَكَبَّرَ، وَكَبَّرَ مَنْ عِنْدَهُ.
وَقِيْلَ: لَيْسَ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ بَأْسٌ (1) .
قُلْتُ: هَذِهِ المَرَّةُ غَيْرُ المَرَّةِ الَّتِي جُرِحَ فِيْهَا وَقْتَمَا قُتِلَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَإِنَّ تِلْكَ فَلَقَ أَلْيَتَهُ (2) ، وَسُقِيَ أَدْوِيَةً خَلَّصَتْهُ مِنَ السُّمِّ، لَكِنْ قُطِعَ نَسْلُهُ.
أَيُّوْبُ بنُ جَابِرٍ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ:
قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَلاَ تَعْجَبِيْنَ لِرَجُلٍ مِنَ الطُّلَقَاءِ يُنَازِعُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فِي الخِلاَفَةِ؟
قَالَتْ: وَمَا يُعْجَبُ؟ هُوَ سُلْطَانُ اللهِ يُؤْتِيْهِ البَرَّ وَالفَاجِرَ، وَقَدْ مَلَكَ فِرْعَوْنُ مِصْرَ أَرْبَعَ مائَةِ سَنَةٍ (3) .
زَيْدُ بنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ (4) ، عَنْ يَزِيْدَ (5) بنِ الأَصَمِّ،
__________
(1) رجاله ثقات، وجد حجاج: اسمه عبيد الله بن أبي زياد الرصافي.
وإيلياء: اسم مدينة بيت المقدس، وقوله: " طعن في مأكمته " المأكمة: العجيزة.
وقد أورد الفسوي في " تاريخه " 1 / 413 خبرا بمعناه من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا عن عبد الرحمن بن نمر، عن الزهري، أخبرني خالد بن عبد الله بن رباح السلمي أنه صلى مع معاوية يوم طعن بإيلياء...
(2) فلق، تصحفت في المطبوع إلى " قلق "، و" الالية " بفتح الهمزه: العجيزة، وقد كسرت همزتها في المطبوع وهو خطأ.
(3) ذكره ابن كثير 8 / 131 نقلا عن ابن عساكر بإسناده عن أبي داود الطيالسي بهذا الإسناد.
(4) برقان، بضم الباء وقد تحرف في المطبوع إلى " زبرقان " بزيادة زاي في أوله.
(5) تحرف في المطبوع إلى " مؤمل ".

(3/143)


قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: قَتْلاَيَ وَقَتْلَى مُعَاوِيَةَ فِي الجَنَّةِ.
صَدَقَةُ بنُ خَالِدٍ: عَنْ زَيْدِ بنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَشْيَاخِهِم:
أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا بُوْيِعَ، وَبَلَغَهُ قِتَالُ عَلِيٍّ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ (1) ، كَاتَبَ وُجُوْهَ مَنْ مَعَهُ مِثْلَ الأَشْعَثِ، وَمَنَّاهُم، وَبَذَلَ لَهُم حَتَّى مَالُوا إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَتَثَاقَلُوا عَنِ المَسِيْرِ مَعَ عَلِيٍّ، فَكَانَ يَقُوْلُ: فَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِهِ.
وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَقُوْلُ: لَقَدْ حَارَبْتُ عَلِيّاً بَعْدَ صِفِّيْنَ بِغَيْرِ جَيْشٍ وَلاَ عَتَادٍ.
شُعْبَةُ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ (2) اللهِ الثَّقَفِيُّ، سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ يَقُوْلُ:
شَهِدْتُ عَلِيّاً وَضَعَ المُصْحَفَ عَلَى رَأْسِهِ، حَتَّى سَمِعْتُ تَقَعْقُعَ الوَرَقِ، فَقَالَ:
اللَّهُمَّ إِنِّيْ سَأَلْتُهُم مَا فِيْهِ، فَمَنَعُوْنِي، اللَّهُمَّ إِنِّيْ قَدْ مَلِلْتُهُم وَمَلُّوْنِي، وَأَبْغَضْتُهُم وَأَبْغَضُوْنِي، وَحَمَلُوْنِي عَلَى غَيْرِ أَخْلاَقِي، فَأَبْدِلْهُم بِي شَرّاً مِنِّي، وَأَبْدِلْنِي بِهِم خَيْراً مِنْهُم، وَمِثْ (3) قُلُوْبَهُم مِيْثَةَ المِلْحِ فِي المَاءِ.
مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
لاَ تَكْرَهُوا إِمْرَةَ مُعَاوِيَةَ، فَلَو قَدْ فَقَدْتُمُوْهُ لَرَأَيْتُمُ الرُّؤُوْسَ تَنْدُرُ (4) عَنْ كَوَاهِلِهَا.
لَمَّا قُتِلَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيٌّ؛ بَايَعَ أَهْلُ العِرَاقِ ابْنَهُ الحَسَنَ، وَتَجَهَّزُوا لِقَصْدِ الشَّامِ فِي كَتَائِبَ أَمْثَالِ الجِبَالِ، وَكَانَ الحَسَنُ سَيِّداً، كَبِيْرَ القَدْرِ، يَرَى
__________
(1) وهم الخوارج، والنهروان: كورة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي، كانت بها وقعة بين أمير المؤمنين علي رضي الله عنه والخوارج سنة 38 ه قتل فيها رأس الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي وأكثر أتباعه.
" تاريخ خليفه ": 197، و" العبر " 1 / 44 وقد تحرف فيه الراسبي إلى السبائى، فلم يهتد إليه محقق المطبوع، فظنه عبد الله بن سبأ، فترجم له.
(2) تحرف في المطبوع إلى " عبد " وأبو صالح: هو الحنفي، واسمه عبد الرحمن بن قيس الكوفي ثقة من رجال مسلم.
(3) يقال: مثت الملح في الماء: إذا أذبته.
(4) ندر: أي: سقط ووقع، والخبر في، " أنساب الاشراف " 4 / 2، و" البداية " 8 / 131، و" تاريخ الإسلام " 2 / 302.

(3/144)


حَقْنَ الدِّمَاءِ، وَيَكْرَهُ الفِتَنَ، وَرَأَى مِنَ العِرَاقِيِّيْنَ مَا يَكْرَهُ.
قَالَ جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: بَايَعَ أَهْلُ الكُوْفَةِ الحَسَنَ بَعْدَ أَبِيْهِ، وَأَحَبُّوْهُ أَكْثَرَ مِنْ أَبِيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: سَارَ الحَسَنُ يَطْلُبُ الشَّامَ، وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ فِي أَهْلِ الشَّامِ، فَالْتَقَوْا، فَكَرِهَ الحَسَنُ القِتَالَ، وَبَايَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى أَنْ جَعَلَ لَهُ العَهْدَ بِالخِلاَفَةِ مِنْ بَعْدِهِ، فَكَانَ أَصْحَابُ الحَسَنِ يَقُوْلُوْنَ لَهُ: يَا عَارَ المُؤْمِنِيْنَ.
فَيَقُوْلُ: العَارُ خَيْرٌ مِنَ النَّارِ (1) .
وَعَنْ عَوَانَةَ بنِ الحَكَمِ، قَالَ:
سَارَ الحَسَنُ حَتَّى نَزَلَ المَدَائِنَ، وَبَعَثَ عَلَى المُقَدَّمَةِ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، فَبَيْنَا الحَسَنُ بِالمَدَائِنِ إِذْ صَاحَ صَائِحٌ: أَلاَ إِنَّ قَيْساً قَدْ قُتِلَ.
فَاخْتَبَطَ النَّاسُ، وَانْتَهَبَ الغَوْغَاءُ سُرَادِقَ الحَسَنِ حَتَّى نَازَعُوْهُ بِسَاطاً تَحْتَهُ، وَطَعَنَهُ خَارِجِيٌّ مِنْ بَنِي أَسَدٍ بِخِنْجَرٍ، فَقَتَلُوا الخَارِجِيَّ، فَنَزَلَ الحَسَنُ القَصْرَ الأَبْيَضَ، وَكَاتَبَ مُعَاوِيَةَ فِي الصُّلْحِ.
وَرَوَى نَحْواً مِنْ هَذَا: الشَّعْبِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ (2) .
وَتَوَجَّعَ مِنْ تِلْكَ الضَّرْبَةِ أَشْهُراً، وَعُوْفِيَ.
قَالَ هِلاَلُ بنُ خَبَّابٍ: قَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ:
يَا أَهْلَ الكُوْفَةِ! لَوْ لَمْ تَذْهَلْ نَفْسِي عَلَيْكُم إِلاَّ لِثَلاَثٍ لَذَهِلَتْ؛ لِقَتْلِكُم أَبِي، وَطَعْنِكُم فِي فَخِذِي، وَانْتِهَابِكُم ثَقَلِي (3).
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الحَسَنِ: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ
__________
(1) ذكره الحافظ في " الفتح " 13 / 56، ونسبه لابن أبي خيثمة.
(2) أبو إسحاق هو السبيعي، واسمه عمرو بن عبد الله الهمداني، وقد تحرف في المطبوع إلى " ابن إسحاق ".
(3) الثقل: متاع المسافر وحشمه.

(3/145)


عَظِيْمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ (1)).
ثُمَّ إِنَّ مُعَاوِيَةَ أَجَابَ إِلَى الصُّلْحِ، وَسُرَّ بِذَلِكَ، وَدَخَلَ هُوَ وَالحَسَنُ الكُوْفَةَ رَاكِبَيْنِ، وَتَسَلَّمَ مُعَاوِيَةُ الخِلاَفَةَ فِي آخِرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، وَسُمِّيَ عَامَ الجَمَاعَةِ؛ لاجْتِمَاعِهِم عَلَى إِمَامٍ، وَهُوَ عَامُ أَحَدٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: بُوْيِعَ مُعَاوِيَةُ بِالخِلاَفَةِ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ، لَمَّا دَخَلَ الكُوْفَةَ.
وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: بَايَعَهُ الحَسَنُ بِأَذْرُحَ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، وَهُوَ عَامُ الجَمَاعَةِ.
قَالَ المَدَائِنِيُّ: أَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى العِرَاقِ فِي سِتِّيْنَ أَلْفاً، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الشَّامِ الضَّحَّاكَ بنَ قَيْسٍ، فَلَمَّا بَلَغَ الحَسَنَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ عَبَرَ جِسْرَ مَنْبِجٍ، عَقَدَ لِقَيْسِ بنِ سَعْدٍ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، فَسَارَ إِلَى مَسْكِنٍ (2) ، وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الأُخْنُوْنِيَّةِ (3) فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ، مَعَهُ القُصَّاصُ يَعِظُوْنَ، وَيَحُضُّوْنَ أَهْلَ الشَّامِ.
فَنَزَلُوا بِإِزَاءِ عَسْكَرِ قَيْسٍ، وَقَدِمَ بُسْرُ بنُ أَبِي أَرْطَاةَ إِلَيْهِم، فَكَانَ بَيْنَهُم مُنَاوَشَةٌ، ثُمَّ تَحَاجَزُوْا (4) .
قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَمِلَ مُعَاوِيَةُ عَامَيْنِ مَا يَخْرِمُ عَمَلَ (5) عُمَرَ، ثُمَّ إِنَّهُ بَعُدَ.
الأَعْمَشُ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ سُوَيْدٍ، قَالَ:
صَلَّى بِنَا مُعَاوِيَةُ فِي النُّخَيْلَةِ الجُمُعَةَ فِي الضُّحَى، ثُمَّ خَطَبَ، وَقَالَ: مَا قَاتَلْنَا لِتَصُوْمُوا،
__________
(1) أخرجه البخاري 5 / 224، 225 في الصلح، و13 / 52، 57، وسيذكره المؤلف بتمامه ص 270، 271.
(2) مسكن: قال ياقوت: موضع قريب من أوانا عند نهر دجيل عند دير الجاثليق، به كانت الموقعة بين عبد الملك بن مروان، ومصعب بن الزبير سنة 72 ه.
فقتل مصعب، وقبره هناك.
(3) بضم الهمزة، وسكون الحاء، وضم النون وواو ساكنة ونون أخرى مكسورة وياء مشددة: موضع من أعمال بغداد.
(4) أخرجه ابن عساكر 16 / 360 / ب.
(5) تحرف في المطبوع إلى " على ".

(3/146)


وَلاَ لِتُصَلُّوا، وَلاَ لِتَحُجُّوا، أَوْ تُزَكُّوا، قَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُم تَفْعَلُوْنَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ إِنَّمَا قَاتَلْنَاكُم لأَتَأَمَّرَ عَلَيْكُم، فَقَدْ أَعْطَانِيَ اللهُ ذَلِكَ وَأَنْتُم كَارِهُوْنَ (1) .
السَّرِيُّ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: عَنِ الشَّعْبِيِّ؛ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بنُ اللَّيْلِ، قُلْتُ لِلْحَسَنِ لَمَّا رَجَعَ إِلَى المَدِيْنَةِ مِنَ الكُوْفَةِ: يَا مُذِلَّ المُؤْمِنِيْنَ.
قَالَ: لاَ تَقُلْ ذَلِكَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: لاَ تَذْهَبُ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى يَمْلِكَ مُعَاوِيَةُ، فَعَلِمْتُ أَنَّ أَمْرَ اللهِ وَاقِعٌ، فَكَرِهْتُ القِتَالَ (2) .
السَّرِيُّ: تَالِفٌ (3) .
شُعَيْبٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ:
أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا قَدِمَ المَدِيْنَةَ حَاجّاً، دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَلَمْ يَشْهَدْ كَلاَمَهُمَا إِلاَّ ذَكْوَانُ مَوْلاَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: أَمِنْتَ أَنْ أَخْبَأَ لَكَ رَجُلاً يَقْتُلُكَ بِأَخِي مُحَمَّدٍ.
قَالَ: صَدَقْتِ.
ثُمَّ وَعَظَتْهُ، وَحَضَّتْهُ عَلَى الاتِّبَاعِ، فَلَمَّا خَرَجَ، اتَّكَأَ عَلَى ذَكْوَانَ، وَقَالَ:
وَاللهِ مَا سَمِعْتُ خَطِيْباً - لَيْسَ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْلَغَ مِنْ عَائِشَةَ. (4)
__________
(1) أورده ابن كثير في " البداية " 8 / 131 من طريق ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، قالا: حدثنا أبو معاوية بهذا الإسناد، وسعيد بن سويد مجهول، وقال البخاري في " تاريخه " 3 / 477: لا يتابع في حديثه، فالسند ضعيف، والخبر في " ابن عساكر " 6 / 360 / ب.
(2) ابن عساكر 16 / 360 / آ.
(3) قال يحيى القطان: استبان لي كذبه في مجلس واحد، وقال النسائي: متروك، وقال غيره: ليس بشيء، وقال أحمد: ترك الناس حديثه.
(4) ابن عساكر 16 / 361، وأخرج أحمد في " مسنده " 4 / 92 من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب أن معاوية دخل على عائشة، فقالت، له: أما خفت أن أقعد لك رجلا، فيقتلك ؟ فقال: ما كنت لتفعليه وأنا في بيت أمان، وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " الايمان قيد الفتك " وللمرفوع منه شاهد من حديث الزبير عند أحمد: 1 / 166، 167، وعبد الرزاق (9676)، وآخر من حديث أبي هريرة عند أبي داود (2769) فالحديث صحيح.
قال أبو عبيد: الفتك: أن يأتي الرجل الرجل وهو غار غافل حتى يشد عليه فيقتله، وقوله: " الايمان قيد الفتك " أي أن الايمان يمنع القتل كما يمنع القيد عن التصرف، فكأنه جعل الفتك مقيدا.

(3/147)


مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بنُ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ:
قَدِمَ مُعَاوِيَةُ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ: أَنْ أَرْسِلِي إِلَيَّ بِأَنْبِجَانِيَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَعْرِهِ.
فَأَرْسَلَتْ بِهِ مَعِيَ أَحْمِلُهُ، حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ الأَنْبِجَانِيَّةَ، فَلَبِسَهَا، وَدَعَا بِمَاءٍ فَغَسَلَ الشَّعْرَ، فَشَرِبَهُ، وَأَفَاضَ عَلَى جِلْدِهِ (1) .
أَبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ مُعَاوِيَةُ المَدِيْنَةَ عَامَ الجَمَاعَةِ، تَلَقَّتْهُ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَعَزَّ نَصْرَكَ، وَأَعْلَى أَمْرَكَ.
فَسَكَتَ حَتَّى دَخَلَ المَدِيْنَةَ، وَعَلاَ المِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي -وَاللهِ - وَلِيْتُ أَمْرَكُم حِيْنَ وَلِيْتُهُ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُم لاَ تُسَرُّوْنَ بِوِلاَيَتِي، وَلاَ تُحِبُّوْنَهَا، وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا فِي نُفُوْسِكُم، وَلَكِنْ خَالَسْتُكُمْ بِسَيْفِي هَذَا مُخَالَسَةً، وَلَقَدْ أَرَدْتُّ نَفْسِي عَلَى عَمَلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَمْ أَجِدْهَا تَقُوْمُ بِذَلِكَ، وَوَجَدْتُهَا عَنْ عَمَلِ عُمَرَ أَشَدَّ نُفُوْراً، وَحَاوَلْتُهَا عَلَى مِثْلِ سُنَيَّاتِ عُثْمَانَ، فَأَبَتْ عَلَيَّ، وَأَيْنَ مِثْلَ هَؤُلاَءِ؛ هَيْهَاتَ أَنْ يُدْرَكَ فَضَلُهُم، غَيْرَ أَنِّي سَلَكْتُ طَرِيْقاً لِي فِيْهِ مَنْفَعَةٌ، وَلَكُم فِيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلِكُلٍّ فِيْهِ مُوَاكَلَةٌ حَسَنَةٌ، وَمُشَارَبَةٌ جَمِيْلَةٌ، مَا اسْتقَامَتِ السِّيْرَةُ، فَإِنْ (2) لَمْ تَجِدُوْنِي خَيْرَكُم، فَأَنَا خَيْرٌ لَكُم، وَاللهِ لاَ أَحْمِلُ السَّيْفَ عَلَى مَنْ لاَ سَيْفَ مَعَهُ، وَمَهْمَا تَقَدَّمَ مِمَّا قَدْ عَلِمْتُمُوْهُ، فَقَدْ جَعَلْتُهُ دُبُرَ أُذُنِي، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوْنِي أَقُوْمُ بِحَقِّكُم كُلِّهِ، فَارْضَوْا بِبَعْضِهِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِقَائِبَةٍ قُوْبُهَا، وَإِنَّ السَّيْلَ إِنْ جَاءَ تَتْرَى - وَإِنْ قلَّ - أَغْنَى، إِيَّاكُم وَالفِتْنَةَ،
__________
(1) أورده ابن عساكر 16 / 361، ب من طريق ابن سعد.
والانبجانية: كساء منبجي يتخذ من الصوف وله خمل ولا علم له، وهو من أدون الثياب الغليظة، وكان أبو جهم قد أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم خميصة ذات أعلام، فلما شغلته في الصلاة، قال: " ردوها عليه واثتوني بأنبجانيته " والخبر عند البخاري 1 / 406، 407، ومسلم (556)،
ومالك: 1 / 97، 98، من حديث عائشة.
(2) في الأصل " فإني ".

(3/148)


فَلاَ تَهُمُّوا بِهَا، فَإِنَّهَا تُفْسِدُ المَعِيْشَةَ، وَتُكَدِّرُ النِّعْمَةَ، وَتُوْرِثُ الاسْتِئْصَالَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم.
ثُمَّ نَزَلَ (1) .
القَائِبَةُ: البَيْضَةُ، وَالقُوْبُ: الفَرْخُ، يُقَالُ: قَابَتِ البَيْضَةُ: إِذَا انْفَلَقَتْ عَنِ الفَرْخِ.
مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ العَبْدِيُّ: حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنْ أَبِي الوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، مَرْفُوعاً: (إِذَا رَأَيْتُم فُلاَناً يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِي، فَاقْتُلُوْهُ (2)).
رَوَاهُ: جَنْدَلُ بنُ وَالِقٍ (3) ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ، فَقَالَ بَدَلَ فُلاَناً: مُعَاوِيَةَ.
وَتَابَعَهُ: الوَلِيْدُ بنُ القَاسِمِ، عَنْ مُجَالِدٍ.
وَقَالَ حَمَّادٌ، وَجَمَاعَةٌ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، مَرْفُوعاً: (إِذَا رَأَيْتُم مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنْبَرِي، فَاقْتُلُوْهُ (4)).
الحَكَمُ بنُ ظُهَيْرٍ - وَاهٍ (5) -: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ (6) مَرفُوعاً، نَحْوَهُ.
وَجَاءَ عَنِ الحَسَنِ مُرْسَلاً (7) .
وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ مُظْلِمٍ، عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوعاً: (إِذَا رَأَيْتُم مُعَاوِيَةَ يَخْطُبُ
__________
(1) أخرجه ابن عساكر 16 / 316 / ب وهو في " البداية " 8 ؟ 132.
(2) أخرجه ابن عدي في " الكامل " ومجالد ضعيف.
(3) ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 2 / 535، ونقل عن أبيه أنه صدوق.
وقد تحرف عند ابن عساكر إلى " واثق ".
(4) أخرجه ابن عدي وابن عساكر، وعلي بن زيد ضعيف.
(5) قال ابن معين: ليس بثقة، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال مرة: تركوه.
(6) في المطبوع: عن زر بن عبد الله وهو خطأ.
قال ابن كثير في " البداية " 8 / 133 بعد أن ذكره عن ابن مسعود وأبي سعيد: وهذا الحديث كذب بلا شك، ولو كان صحيحا، لبادر الصحابة إلى فعل ذلك، لانهم كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم.
(7) قال ابن كثير: وأرسله عمرو بن عبيد عن الحسن البصري.
قال أيوب: وهو كذب

(3/149)


عَلَى مِنْبَرِي، فَاقْبَلُوْهُ، فَإِنَّهُ أَمِيْنٌ، مَأْمُوْنٌ (1)).
هَذَا كَذِبٌ.
وَيُقَالُ: هُوَ مُعَاوِيَةُ بنُ تَابُوْه المُنَافِقُ.
قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، وَوَقَعَ الاخْتِلاَفُ، لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ غَزْوٌ حَتَّى اجْتَمَعُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَغْزَاهُم مَرَّاتٍ.
ثُمَّ أَغْزَى ابْنَهُ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بَرّاً وَبَحْراً، حَتَّى أَجَاز بِهِمُ الخَلِيْجَ، وَقَاتَلُوا أَهْلَ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ عَلَى بَابِهَا، ثُمَّ قَفَلَ (2) .
اللَّيْثُ: عَنْ (3) بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بنِ سَعِيْدٍ، أَنَّ سَعْدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً بَعْدَ عُثْمَانَ أَقْضَى بِحَقٍّ مِنْ صَاحِبِ هَذَا البَابِ -يَعْنِي: مُعَاوِيَةَ (4) -.
أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ ثَابِتٍ مَوْلَى سُفْيَانَ؛ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ يَقُوْلُ:
إِنِّيْ لَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، وَإِنَّ فِيْكُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي: ابْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، وَغَيْرُهُمَا، وَلَكِنِّي عَسَيْتُ أَنْ أَكُوْنَ أَنْكَاكُم فِي عَدِوِّكُم، وَأَنْعَمَكُم لَكُم وِلاَيَةً، وَأَحْسَنَكُم خُلُقاً (5) .
عَقِيْلٌ، وَمَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ: أَنَّ المِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ
__________
(1) أخرجه الخطيب في " تاريخه " 1 / 259 من طريق محمد بن إسحاق الفقيه، عن أبي النضر الغازي، عن الحسن بن كثير، عن بكر بن أيمن القيسي، عن عامر بن يحيى الصر ؟ مي، عن أبي
الزبير، عن جابر، وقال: لم أكتب هذا الحديث إلا من هذا الوجه، ورجال إسناده ما بين محمد بن إسحاق وأبي الزبير كلهم مجهولون.
(2) أخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " 1 / 188 و346، من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم، عن الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، وهو عند ابن عساكر 16 / 362 / ب
(3) تحرفت في المطبوع إلى " بن " وكانت الجملة في المطبوع: " ثم نقل الليث بن بكير " فحرف " قفل " إلى " نقل " وجعلها من جملة الخبر الجديد.
(4) ابن عساكر 16 / 363 / آ.
وقد تحرف في المطبوع " سعيد " إلى " سعد ".
(5) ابن عساكر 16 / 363 / ب.

(3/150)


أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَضَى (1) حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَلاَ بِهِ، فَقَالَ: يَا مِسْوَرُ! مَا فَعَلَ طَعْنُكَ عَلَى الأَئِمَّةِ؟
قَالَ: دَعْنَا مِنْ هَذَا وَأَحْسِنْ.
قَالَ: لاَ وَاللهِ، لَتُكَلِّمَنِّي بِذَاتِ نَفْسِكَ بِالَّذِي تَعِيْبُ عَلَيَّ.
قَالَ مِسْوَرٌ: فَلَمْ أَتْرُكْ شَيْئاً أَعِيْبُهُ عَلَيْهِ إِلاَّ بَيَّنْتُ لَهُ.
فَقَالَ: لاَ أَبْرَأُ مِنَ الذَّنْبِ، فَهَلْ تَعُدُّ لَنَا يَا مِسْوَرُ مَا نَلِي مِنَ الإِصْلاَحِ فِي أَمْرِ العَامَّةِ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، أَمْ تَعُدُّ الذُّنُوْبَ، وَتَتْرُكُ الإِحْسَانَ؟
قَالَ: مَا تُذْكَرُ إِلاَّ الذُّنُوْبُ.
قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَإِنَّا نَعْتَرِفُ للهِ بِكُلِّ ذَنْبٍ أَذْنَبْنَاهُ، فَهَلْ لَكَ يَا مِسْوَرُ ذُنُوْبٌ فِي خَاصَّتِكَ تَخْشَى أَنْ تُهْلِكَكَ إِنْ لَمْ تُغْفَرْ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَمَا يَجْعَلُكَ اللهُ بِرَجَاءِ المَغْفِرَةِ أَحَقَّ مِنِّي، فَوَاللهِ مَا أَلِي مِنَ الإِصْلاَحِ أَكْثَرَ مِمَّا تَلِي، وَلَكِنْ -وَاللهِ - لاَ أُخَيَّرُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، إِلاَّ اخْتَرْتُ اللهَ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَإِنِّي لَعَلَى دِيْنٍ يُقْبَلُ فِيْهِ العَمَلُ وَيُجْزَى فِيْهِ بِالحَسَنَاتِ، وَيُجْزَى فِيْهِ بِالذُّنُوْبِ إِلاَّ أَنْ يَعْفُوَ اللهُ عَنْهَا.
قَالَ: فَخَصَمَنِي.
قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمْ أَسْمَعِ المِسْوَرَ ذَكَرَ مُعَاوِيَةَ إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ (2) .
عَمْرُو بنُ وَاقِدٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ عَلَى مِنْبَرِ دِمَشْقَ:
تَصَدَّقُوا، وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُم: إِنِّيْ مُقِلٌّ، فَإِنَّ صَدقَةَ المُقِلِّ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ الغَنِيِّ (3) .
الشَّافِعِيُّ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ المَجِيْدِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عُتْبَةُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّهُ رَأَى مُعَاوِيَةَ صَلَّى العِشَاءَ، ثُمَّ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَزِدْ، فَأَخَبَرَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَصَابَ، أَيْ بُنَيَّ! لَيْسَ
__________
(1) تحرف في المطبوع إلى " يقضي ".
(2) رجاله ثقات، وهو في " المصنف " (20717) بنحوه من طريق معمر، عن الزهري.
عن حميد بن عبد الرحمن، عن المسور...وانظر " أنساب الاشراف " 4 / 47.
و" تاريخ الإسلام " 3 / 80، و" تاريخ بغداد " 1 / 208، و" البداية " 8 / 133.
(3) ابن عساكر 6 / 363 / ب.

(3/151)


أَحَدٌ مِنَّا أَعْلَمَ مِنْ مُعَاوِيَةَ، هِيَ وَاحِدَةٌ أَوْ خَمْسٌ أَوْ سَبْعٌ، أَوْ أَكْثَرُ (1) .
أَبُو اليَمَانِ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَطِيَّةَ بنِ قَيْسٍ، قَالَ:
خَطَبَنَا مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: إِنَّ فِي بَيْتِ مَالِكُم فَضْلاً عَنْ عَطَائِكُم، وَأَنَا قَاسِمُهُ بَيْنَكُم (2) .
هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ وَاقِدٍ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ حَلْبَسٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ فِي سُوْقِ دِمَشْقَ عَلَى بَغْلَةٍ، خَلْفَهُ وَصِيْفٌ قَدْ أَرْدَفَهُ، عَلَيْهِ قَمِيْصٌ مَرْقُوْعُ الجَيْبِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ، وَمَا رَأَيْنَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ؛ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ:
لَوْ أَنَّ عَلِيّاً لَمْ يَفْعَلْ مَا فَعَلَ، ثُمَّ كَانَ فِي غَارٍ، لَذَهَبَ النَّاسُ إِلَيْهِ حَتَّى يَسْتَخْرِجُوْهُ مِنْهُ.
العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ: عَنْ جَبَلَةَ بنِ سُحَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ.
قُلْتُ: وَلاَ عُمَرُ؟
قَالَ: كَانَ عُمَرُ خَيْراً مِنْهُ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ أَسْوَدَ مِنْهُ (3).
وَرُوِيَ عَنْ: أَبِي يَعْقُوْبَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوَهُ.
وَرَوَى: ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ، وَلَفْظُهُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ.
فَقُلْتُ: كَانَ أَسْوَدَ
__________
(1) رجاله ثقات، وهو في " مسند الشافعي " 1 / 108، و" تاريخ ابن عساكر " 16 / 364 / آ
(2) ابن عساكر 16 / 366 / آ.
(3) ابن عساكر 16 / 366 / آ.

(3/152)


مِنْ أَبِي بَكْرٍ؟
فَقَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ خَيْراً مِنْهُ، وَهُوَ كَانَ أَسْوَدَ.
قُلْتُ: كَانَ أَسْوَدَ مِنْ (1) عُمَرَ؟...، الحَدِيْثَ (2) .
مَعْمَرٌ: عَنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ رَجُلاً كَانَ أَخْلَقَ لِلمُلْكِ مِنْ مُعَاوِيَةَ، كَانَ النَّاسُ يَرِدُوْنَ مِنْهُ عَلَى أَرْجَاءِ وَادٍ رَحْبٍ، لَمْ يَكُنْ بِالضَّيِّقِ، الحَصِرِ، العُصْعُصِ (3) ، المُتَغَضِّبِ -يَعْنِي: ابْنَ الزُّبَيْرِ (4) -.
أَيُّوْبُ: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ:
قَالَ كَعْبُ بنُ مَالِكٍ: لَنْ يَمْلِكَ أَحَدٌ هَذِهِ الأُمَّةَ مَا مَلَكَ مُعَاوِيَةُ.
مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ قَبِيْصَةَ بنِ جَابِرٍ؛ قَالَ:
صَحبْتُ مُعَاوِيَةَ، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَثْقَلَ حِلْماً، وَلاَ أَبْطَأَ جَهْلاً، وَلاَ أَبْعَدَ أَنَاةً مِنْهُ (5) .
وَيُرْوَى عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: إِنِّيْ لأَرْفَعُ نَفْسِي أَنْ يَكُوْنَ ذَنْبٌ أَوْزَنَ مِنْ حِلْمِي (6) .
مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَغْلَظَ رَجُلٌ لِمُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: أَنْهَاكَ عَنِ السُّلْطَانِ، فَإِنَّ غَضَبَهُ غَضَبُ الصَّبِيِّ، وَأَخْذَهُ أَخْذَ الأَسَدِ (7).
__________
(1) سقط من المطبوع من قوله " أبي بكر " إلى هنا.
(2) ابن عساكر 16 / 366 / آ.
(3) في " اللسان " فلان ضيق العصعص.
أي: نكد قليل الخير، وهو من اضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها، وفي حديث ابن عباس - وذكر ابن الزبير - ليس مثل الحصر العصعص، في رواية، والمشهور: ليس مثل الحصر العقص، وذكره في مادة عقص، وقال: العقص الالوى الصعب الاخلاق تشبيها بالقرن الملتوي.
(4) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (20985) بهذا الإسناد، وهو في ابن عساكر 16 / 366 آ، ب.
(5) ابن عساكر 16 / 367 / آ.
(6) ابن عساكر 16 / 367 / آ.
(7) ابن عساكر 16 / 368 / آ.

(3/153)


الأَصْمَعِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُوْلُ لِمُعَاوِيَةَ: وَاللهِ لَتَسْتَقِيْمَنَّ بِنَا يَا مُعَاوِيَةُ، أَوْ لَنُقَوِّمَنَّكَ.
فَيَقُوْلُ: بِمَاذَا؟
فَيَقُوْلُوْنَ: بِالخُشُبِ.
فَيَقُوْلُ: إِذاً أَسْتَقِيْمُ (1) .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: عَلِمْتُ بِمَا كَانَ مُعَاوِيَةُ يَغْلِبُ النَّاسَ؛ كَانَ إِذَا طَارُوا وَقَعَ، وَإِذَا وَقَعُوا طَارَ (2) .
مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ زِيَادِ بنِ أَبِيْهِ، قَالَ:
مَا غَلَبَنِي مُعَاوِيَةُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ بَاباً وَاحِداً؛ اسْتَعْمَلْتُ فُلاَناً، فَكَسَرَ الخَرَاجَ، فَخَشِيَ أَنْ أُعَاقِبَهُ، فَفَرَّ مِنِّي إِلَى مُعَاوِيَةَ.
فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ: إِنَّ هَذَا أَدَبُ سُوْءٍ لِمَنْ قِبَلِي.
فَكَتَبَ إِلَيَّ: إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ نَسُوْسَ النَّاسَ سِيَاسَةً وَاحِدَةً؛ أَنْ نَلِيْنَ جَمِيْعاً فَيَمْرَحُ النَّاسُ فِي المَعْصِيَةِ، وَلاَ نَشْتَدَّ جَمِيْعاً، فَنَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى المَهَالِكِ، وَلَكِنْ تَكُوْنُ لِلشِدَّةِ وَالفَظَاظَةِ، وَأَكُوْنُ أَنَا لِلِّيْنِ وَالأُلْفَةِ (3) .
أَبُو مُسْهِرٍ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ:
قَضَى مُعَاوِيَةُ عَنْ عَائِشَةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
وَقَالَ عُرْوَةُ: بَعَثَ مُعَاوِيَةُ مَرَّةً إِلَى عَائِشَةَ بِمائَةِ أَلْفٍ، فَوَاللهِ مَا أَمْسَتْ حَتَّى فَرَّقَتْهَا.
حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ: عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ:
دَخَلَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: لأُجِيْزَنَّكَ بِجَائِزَةٍ لَمْ يُجِزْهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي.
فَأَعْطَاهُ أَرْبَعَ مائَةِ أَلْفٍ (4) .
جَرِيْرٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ:
بَعَثَ الحَسَنُ وَابْنُ جَعْفَرٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ
__________
(1) ابن عساكر 16 / 368 / ب.
والخشب جمع خشيب: وهو السيف - الصقيل.
(2) " أنساب الاشراف " 4 / 85، و" ابن عساكر " 16 / 369 / آ، و" العقد الفريد " 4 / 364.
(3) ابن عساكر 16 / 369 / ب.
(4) ابن عساكر 16 / 370 / ب.

(3/154)


يَسْأَلاَنِهِ، فَأَعْطَى كُلاًّ مِنْهُمَا مائَةَ أَلْفٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيّاً، فَقَالَ لَهُمَا: أَلاَ تَسْتَحِيَانِ؟ رَجُلٌ نَطْعَنُ فِي عَيْبِهِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً تَسْأَلاَنِهِ المَالَ؟!
قَالاَ: لأَنَّكَ حَرَمْتَنَا، وَجَادَ هُوَ لَنَا (1) .
أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ قَتَادَةَ:
قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَاعَجَباً لِلْحَسَنِ! شَرِبَ شُرْبَةً مِنْ عَسَلٍ بِمَاءِ رُوْمَةَ، فَقَضَى نَحْبَهُ.
ثُمَّ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: لاَ يَسُوْؤُكَ اللهُ وَلاَ يُحْزِنُكَ فِي الحَسَنِ.
قَالَ: أَمَّا مَا أَبْقَى اللهُ لِي أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَلَنْ يَسُوْءنِي اللهُ، وَلَنْ يُحْزِنَنِي.
قَالَ: فَأَعْطَاهُ أَلْفَ أَلْفٍ مِنْ بَيْنِ عَرُوْضٍ وَعَيْنٍ.
قَالَ: اقْسِمْهُ فِي أَهْلِكَ (2) .
رَوَى العُتْبِيُّ، قَالَ:
قِيْلَ لِمُعَاوِيَةَ: أَسْرَعَ إِلَيْكَ الشَّيْبُ؟
قَالَ: كَيْفَ لاَ؛ وَلاَ أَعْدَمُ رَجُلاً مِنَ العَرَبِ قَائِماً عَلَى رَأْسِي يُلْقِحُ لِي كَلاَماً يُلْزِمُنِي جَوَابَهُ، فَإِنْ أَصَبْتُ لَمْ أُحْمَدْ، وَإِنْ أَخْطَأْتُ سَارَتْ بِهِ البُرُدُ (3) .
قَالَ مَالِكٌ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ: لَقَدْ نَتَفْتُ الشَّيْبَ مُدَّةً.
قَالَ: وَكَانَ يَخْرُجُ إِلَى مُصَلاَّهُ، وَرِدَاؤُهُ يُحْمَلُ مِنَ الكِبَرِ.
وَدَخَلَ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ، وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ؟
قَالَ: هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ لِي.
مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ (4) : عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
لَمَّا أَصَابَ مُعَاوِيَةَ اللَّقْوَةُ (5) بَكَى، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: مَا يُبْكِيْكَ؟
قَالَ: رَاجَعْتُ مَا كُنْتُ عَنْهُ عَزُوْفاً، كَبِرَتْ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَكَثُرَ دَمْعِي،
__________
(1) ابن عساكر 16 / 370 / ب.
(2) ابن عساكر 16 / 371 / ب، وقوله: بماء رومة.
أي بماء بئر رومة وكان ماؤها عذبا وهي في عقيق المدينة.
كانت لرجل من غفار يقال له رومة، ابتاعها منه عثمان رضي الله عنه وتصدق بها.
انظر " فتح الباري " 5 / 22، و305
(3) ابن عساكر 16 / 375 ب.
(4) تحرف في المطبوع إلى " مزيد ".
(5) اللقوة: داء يعرض للوجه يعوج منه الشدق.

(3/155)


وَرُمِيْتُ فِي أَحْسَنِي وَمَا يَبْدُو مِنِّي، وَلَوْلاَ هَوَايَ فِي يَزِيْدَ، لأَبْصَرْتُ قَصْدِي (1) .
هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ مُهَلْهِلٍ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ، قَالَ:
حَجَّ مُعَاوِيَةُ، فَاطَّلَعَ فِي بِئْرِ عَادِيَّةَ (2) بِالأَبْوَاءِ، فَضَرَبَتْهُ اللَّقْوَةُ (3) ، فَدَخَلَ دَارَهُ بِمَكَّةَ، وَأَرْخَى حِجَابَهُ، وَاعْتَمَّ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ عَلَى شِقِّهِ الَّذِي لَمْ يُصَبْ.
ثُمَّ أَذِنَ لِلنَّاسِ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ ابْنَ آدَمَ بِعَرَضِ بَلاَءٍ؛ إِمَّا مُبْتَلَىً لِيُؤْجَرَ؛ أَوْ مُعَاقَبٌ بِذَنْبٍ، وَإِمَّا مُسْتَعْتِبٌ لِيُعْتَبَ، وَمَا أَعْتَذِرُ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ ثَلاَثٍ، فَإِنِ ابْتُلِيْتُ، فَقَدِ ابْتُلِيَ الصَّالِحُوْنَ قَبْلِي، وَإِنْ عُوْقِبْتُ، فَقَدْ عُوْقِبَ الخَاطِئُوْنَ قَبْلِي، وَمَا آمَنُ أَنْ أَكُوْنَ مِنْهُم، وَإِنْ مَرِضَ عُضْوٌ مِنِّي، فَمَا أُحْصِي صَحِيْحِي، وَلَوْ كَانَ الأَمْرُ إِلَى نَفْسِي، مَا كَانَ لِي عَلَى رَبِّي أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَانِي، فَأَنَا ابْنُ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ، فَرَحِمَ اللهُ مَنْ دَعَا لِي بِالعَافِيَةِ، فَوَاللهِ لَئِنْ عَتِبَ عَلَيَّ بَعْضُ خَاصَّتِكُم، لَقَدْ كُنْتُ حَدِباً (4) عَلَى عَامَّتِكُم.
فَعَجَّ النَّاسُ يَدْعُوْنَ لَهُ، وَبَكَى (5) .
مُغِيْرَةُ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
أَوَّلُ مَنْ خَطَبَ جَالِساً مُعَاوِيَةُ حِيْنَ سَمِنَ.
__________
(1) " تاريخ الإسلام " 2 / 323، و" البداية " 8 / 118، و" محاضرات الراغب " 1 / 155، والفاضل: 123، وابن عساكر 16 / 375 ب و" أنساب الاشراف " 4 / 28، و" عيون الاخبار " 3 / 46.
(2) عادية: قديمة، كأنها نسبت إلى عاد وهم قوم هود، وكل قديم ينسبونه إلى عاد وإن لم يدركهم.
والابواء: قرية من أعمال الفرع من المدينة المنورة، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا، وبه قبر آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) قال المؤلف في " تاريخه " 2 / 343: يعني بطل نصفه.
(4) في الأصل " حربا " وهو خطأ، يقال: حدب فلان على فلان، يحدب حدبا، فهو حدب، وتحدب: تعطف وحنا عليه، يقال: هو كالوالد الحدب.
(5) ابن عساكر 16 / 375 ب.

(3/156)


أَبُو المَلِيْحِ: عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ:
أَوَّلُ مَنْ جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ، وَاسْتَأْذَنَ النَّاسَ مُعَاوِيَةُ؛ فَأَذِنُوا لَهُ.
وَعَنْ عُبَادَةَ بنِ نُسَيٍّ: خَطَبَنَا مُعَاوِيَةُ بِالصِّنَّبْرَةِ (1) ، فَقَالَ:
لَقَدْ شَهِدَ مَعِي صِفِّيْنَ ثَلاَثُ مائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَقِيَ مِنْهُم غَيْرِي (2) .
إِسْنَادُهُ لَيِّنٌ.
يُوْسُفُ بنُ عَبْدَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ يَقُوْلُ:
أَخَذَتْ مُعَاوِيَةَ قِرَّةٌ (3) ، فَاتَّخَذَ لُحُفاً خِفَافاً تُلْقَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ يَتَأَذَّى بِهَا، فَإِذَا رُفِعَتْ، سَأَلَ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ:
قَبَّحَكِ اللهُ مِنْ دَارٍ، مَكَثْتُ فِيْكِ عِشْرِيْنَ سَنَةً أَمِيْراً، وَعِشْرِيْنَ سَنَةً خَلِيْفَةً، وَصِرْتُ إِلَى مَا أَرَى.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ مُعَاوِيَةُ أَوَّلَ مَنِ اتَّخَذَ الدِّيْوَانَ لِلْخَتْمِ، وَأَمَرَ بِالنَّيْرُوْزِ وَالمَهْرَجَانِ، وَاتَّخَذَ المَقَاصِيْرَ فِي الجَامِعِ، وَأَوَّلَ مَنْ قَتَلَ مُسْلِماً صَبْراً (4) ، وَأَوَّلَ مَنْ قَامَ عَلَى رَأْسِهِ حَرَسٌ، وَأَوَّلَ مَنْ قُيِّدَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ الجَنَائِبُ، وَأَوَّلَ مَنِ اتَّخَذَ الخُدَّامَ الخِصْيَانَ فِي الإِسْلاَمِ، وَأَوَّلَ مَنْ بَلَّغَ دَرَجَاتِ المِنْبَرِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِرْقَاةً، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَنَا أَوَّلُ المُلُوْكِ.
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَدْ رَوَى سَفِيْنَةُ: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (الخِلاَفَةُ بَعْدِي ثَلاَثُوْنَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُوْنُ مُلْكاً (5)).
فَانْقَضَتْ خِلاَفَةُ النُّبُوَّةِ ثَلاَثِيْنَ عَاماً،
__________
(1) الصنبرة: بالكسر ثم الفتح والتشديد، ثم سكون الباء الموحدة وراء، قال ياقوت: موضع بالاردن مقابل لعقبة افيق، بينه وبين طبرية ثلاثة أميال كان معاوية يشتو بها.
(2) ابن عساكر 16 / 375 ب 376 آ وتمامه عبده: وإنما ذلك فناء قرني، وإن فناء الرجل فناء قرنه.
ثم ودعنا، وصعد الثنية فكان آخر العهد به.
(3) القرة: ما أصابك من القر وهو البرد، وهي البرد أيضا، وفي " تاريخ الإسلام " 2 / 324: قرحة.
(4) يريد حجر بن عدي وأصحابه.
(5) أخرجه أحمد 5 / 220 و221، والطيالسي 2 / 163، وأبو داود (4646)، و(4647)، والطحاوي في " مشكل الآثار " 4 / 313، والطبراني رقم (13)، والترمذي (2226) =

(3/157)


وَوَلِيَ مُعَاوِيَةُ، فَبَالَغَ فِي التَّجَمُّلِ وَالهَيْئَةِ، وَقَلَّ أَنْ بَلَغَ سُلْطَانٌ إِلَى رُتْبَتِهِ، وَلَيْتَهُ لَمْ يَعْهَدْ بِالأَمْرِ إِلَى ابْنِهِ يَزِيْدَ، وَتَرَكَ الأُمَّةَ مِنِ اخْتِيَارِهِ لَهُم.
عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الحَسَنِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُوْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
لَمَّا احْتُضِرَ مُعَاوِيَةُ، قَالَ: إِنِّيْ كُنْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّفَا، وَإِنِّي دَعَوْتُ بِمِشْقَصٍ، فَأَخَذْتُ مِنْ شَعْرِهِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا أَنَا مِتُّ، فَخُذُوا ذَلِكَ الشَّعْرَ، فَاحْشُوا بِهِ فَمِي وَمَنْخِرِي (1) .
وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ نَحْوُهُ.
مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ بَحِيْرٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، قَالَ:
وَفَدَ المِقْدَامُ بنُ مَعْدِيْ كَرِبٍ، وَعَمْرُو بنُ الأَسْوَدِ، وَرَجُلٌ مِنَ الأَسَدِ لَهُ صُحْبَةٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ.
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِلْمِقْدَامِ: تُوُفِّيَ الحَسَنُ.
فَاسْتَرْجَعَ، فَقَالَ: أَتَرَاهَا مُصِيْبَةً؟
قَالَ: وَلِمَ لاَ؟ وَقَدْ وَضَعَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجْرِهِ، وَقَالَ: (هَذَا مِنِّي، وَحُسَيْنٌ مِنْ عَلِيٍّ).
فَقَالَ لِلأَسَدِيِّ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ؟
قَالَ: جَمْرَةٌ أُطْفِئَتْ.
فَقَالَ المِقْدَامُ: أَنْشُدُكَ اللهُ! هَلْ سَمِعْتَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ
__________
= من طرق عن سعيد بن جمهان، عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا، قال سعيد: قال لي سفينة: أمسك خلافة أبي بكر سنتين،
وعمر عشر، وعثمان ثنتي عشرة، وعلي ست.
قال سعيد: قلت لسفينة: إن هؤلاء يزعمون أن عليا عليه السلام لم يكن بخليفة، قال: كذبت أستهاه بني الزرقاء.
يعني مروان.
وسنده حسن، وصححه ابن حبان (1534) و(1535)، والحاكم 3 / 71 و145، ووافقه الذهبي، وله شاهد من حديث أبي بكره عند البيهقي في " الدلائل " وآخر من حديث جابر عند الواحدي في " الوسيط " 3 / 126 / 2.
(1) رجاله ثقات خلا علي بن عاصم - وهو الواسطي - فإنه يخطئ ويصر على خطئه.
وتقصيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره بمشقص ثابت عند البخاري 3 / 448، 449، ومسلم (1246)، والمشقص: نصل السهم إذا كان طويلا ليس بعريض.

(3/158)


لُبْسِ الذَّهَبِ وَالحَرِيْرِ، وَعَنْ جُلُوْدِ السِّبَاعِ وَالرُّكُوْبِ عَلَيْهَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا كُلَّهُ فِي بَيْتِكَ.
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: عَرَفْتُ أَنِّي لاَ أَنْجُو مِنْكَ (1) .
إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ.
وَمُعَاوِيَةُ: مِنْ خِيَارِ المُلُوْكِ الَّذِيْنَ غَلَبَ عَدْلُهُم عَلَى ظُلْمِهِم، وَمَا هُوَ بِبَرِيْءٍ مِنَ الهَنَاتِ - وَاللهُ يَعْفُو عَنْهُ -.
المَدَائِنِيُّ: عَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عُبَادَةَ بنِ نُسَيٍّ، قَالَ:
خَطَبَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: إِنِّيْ مِنْ زَرْعٍ قَدِ اسْتَحْصَدَ، وَقَدْ طَالَتْ إِمْرَتِي عَلَيْكُم حَتَّى مَلِلْتُكُم وَمَلِلْتُمُوْنِي، وَلاَ يَأْتِيْكُم بَعْدِي خَيْرٌ مِنِّي، كَمَا أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلِي خَيْرٌ مِنِّي، اللَّهُمَّ قَدْ أَحْبَبْتُ لِقَاءكَ فَأَحِبَّ لِقَائِي (2) .
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مَرْوَانَ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ بنِ المُعَلَّى، قَالَ:
قَالَ مُعَاوِيَةُ لِيَزِيْدَ وَهُوَ يُوْصِيْهِ: اتَّقِ اللهَ، فَقَدْ وَطَّأْتُ لَكَ الأَمْرَ، وَوَلِيْتُ مِنْ ذَلِكَ مَا وَلِيْتُ، فَإِنْ يَكُ خَيْراً فَأَنَا أَسْعَدُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ شَقِيْتُ بِهِ، فَارْفُقْ بِالنَّاسِ، وَإِيَّاكَ وَجَبْهَ أَهْلِ الشَّرَفِ، وَالتَّكَبُّرَ عَلَيْهِم.
وَقِيْلَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِيَزِيْدَ:
إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُهُ شَيْءٌ عَمِلْتُهُ فِي أَمْرِكَ، شَهِدْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْماً قَلَّمَ أَظْفَارَهُ، وَأَخَذَ مِنْ شَعْرِهِ، فَجَمَعْتُ ذَلِكَ، فَإِذَا مِتُّ، فَاحْشُ بِهِ فَمِي وَأَنْفِي.
عَبْدُ الأَعْلَى بنُ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ: عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَوْصَى، فَقَالَ:
__________
(1) رجاله ثقات إلا أن فيه تدليس بقية، وهو في سنن أبي داود (4131) في اللباس مطولا، وأخرج الامام أحمد 4 / 132 اوله إلى قوله " من علي " وقد صرح فيه بقية بالتحديث.
(2) " أنسب الاشراف " 4 / 44، و" الامالي " للقالي 2 / 311، و" تاريخ الإسلام " 2 / 323، وأورده ابن كثير 8 / 141 بأطول مما هنا، ونسبه لابن أبى الدنيا.

(3/159)


كُنْتُ أُوَضِّئُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَعَ قَمِيْصَهُ، وَكَسَانِيْهُ، فَرَفَعْتُهُ، وَخَبَّأْتُ قُلاَمَةَ أَظْفَارِهِ، فَإِذَا مِتُّ، فَأَلْبِسُوْنِي القَمِيْصَ عَلَى جِلْدِي، وَاجْعَلُوا القُلاَمَةَ مَسْحُوْقَةً فِي عَيْنِي، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَرْحَمَنِي بِبَرَكَتِهَا (1) .
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ أَبِي بُرْدَةَ؛ قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ حِيْنَ أَصَابَتْهُ قَرْحَتُهُ، فَقَالَ: هَلُمَّ يَا ابْنَ أَخِي فَانْظُرْ.
فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هِيَ قَدْ سَرَتْ (2).
قَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ: لَمَّا احْتُضِرَ مُعَاوِيَةُ، قِيْلَ لَهُ: أَلاَ تُوْصِي؟
فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَقِلِ العَثْرَةَ، وَاعْفُ عَنِ الزَّلَّةِ، وَتَجَاوَزْ بِحِلْمِكَ عَنْ جَهْلِ مَنْ لَمْ يَرْجُ غَيْرَكَ، فَمَا وَرَاءكَ مَذْهَبٌ.
وَقَالَ:
هُوَ المَوْتُ لاَ مَنْجَى مِنَ المَوْتِ وَالَّذِي ... نُحَاذِرُ بَعْدَ المَوْتِ أَدْهَى وَأَفْظَعُ
قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: صَلَّى الضَّحَّاكُ بنُ قَيْسٍ الفِهْرِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَدُفِنَ بَيْنَ بَابِ الجَابِيَةِ وَبَابِ الصَّغِيْرِ (3) - فِيمَا بَلَغَنِي -.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: عَنْ أَبِي يَعْقُوْبَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ:
لَمَّا ثَقُلَ مُعَاوِيَةُ، قَالَ: احْشُوا عَيْنِي بِالإِثْمِدِ، وَأَوْسِعُوا رَأْسِي دُهْناً.
فَفَعَلُوا، وَبَرَّقُوا (4) وَجْهَهُ بِالدُّهْنِ، ثُمَّ مُهِّدَ لَهُ، وَأُجْلِسَ وَسُنِدَ.
ثُمَّ قَالَ: لِيَدْنُ النَّاسُ، فَلْيُسَلِّمُوا قِيَاماً.
فَيَدْخُلُ الرَّجُلُ، وَيَقُوْلُ: يَقُوْلُوْنَ: هُوَ لِمَا بِهِ، وَهُوَ أَصَحُّ النَّاسِ.
فَلَمَّا خَرَجُوا، قَالَ مُعَاوِيَةُ:
__________
(1) " أنساب الاشراف " 4 / 153، و" تاريخ الإسلام " 2 / 323، وابن عساكر 16 / 378 ب، و" تاريخ الطبري " 5 / 326، 327.
(2) " أنساب الاشراف " 4 / 41، و" طبقات ابن سعد " 4 / 1 / 83، و" تاريخ الإسلام " 2 / 323، وابن عساكر 16 / 287 ب.
(3) دخل قبره اليوم في مقبرة الباب الصغير إحدى مقابر دمشق، وهو ؟ ؟ ؟ ؟ وقد جدد بناؤه في السنوات الأخيرة.
(4) أي: لمعوا وجهه.

(3/160)


وَتَجَلُّدِي لِلشَّامِتِيْنَ أُرِيْهُمُ ... أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لاَ أَتَضَعْضَعُ
وَإِذَا المَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا ... أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيْمَةٍ لاَ تَنْفَعُ (1)
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْسٍ، قَالَ:
أَخْرَجَ مُعَاوِيَةُ يَدَيْهِ كَأَنَّهُمَا عَسِيْبَا نَخْلٍ، فَقَالَ: هَلِ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا ذُقْنَا وَجَرَّبْنَا، وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَغْبُرْ فِيْكُم إِلاَّ ثَلاَثاً، ثُمَّ أَلْحَقُ بِاللهِ.
قَالُوا: إِلَى مَغْفِرَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ.
قَالَ: إِلَى مَا شَاءَ اللهُ، قَدْ عَلِمَ اللهُ أَنِّي لَمْ آلُ، وَلَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُغَيِّرَ غَيَّرَ (2) .
وَعَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، قَالَ: مَاتَ مُعَاوِيَةُ وَابْنُهُ يَزِيْدُ بِحُوَّارِيْنَ (3) .
أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ، حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ حُرَيْثٍ، قَالَ:
مَاتَ مُعَاوِيَةُ، فَفَزِعَ النَّاسُ إِلَى المَسْجَدِ، فَأَتَيْتُ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ وَهُمْ يَبْكُوْنَ فِي الخَضْرَاءِ، وَابْنُهُ يَزِيْدُ فِي البَرِّيَّةِ (4) ، وَهُوَ وَلِيُّ عَهْدِهِ، وَكَانَ مَعَ أَخْوَالِهِ بَنِي كَلْبٍ، فَقَدِمَ فِي زِيِّهِمْ، فَتَلَقَّيْنَاهُ، وَهُوَ عَلَى بُخْتِيٍّ لَهُ زَجَلٌ.
قَالَ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ وَلاَ سَيْفٌ، وَكَانَ عَظِيْمَ الجِسْمِ، سَمِيْناً، فَسَارَ إِلَى
__________
(1) الخبر في " الطبري " 5 / 327، وابن عساكر 16 / 377 ب، وابن الأثير 4 / 7، وابن كثير 8 / 142، وابيتان لأبي ذؤيب الهذلي خويلد بن خالد أشعر شعراء هذيل من قصيدته السائرة التي رثى بها بنيه الخمسة هلكوا بالطاعون في عام واحد ومطلعها: أمن المنون وريبها تتوجع * والدهر ليس بمعتب من يجزع وهي في " شرح أشعار الهذليين " 1 / 3، 43، و" المفضليات ": 421، 429.
(2) " أنساب الاشراف " 4 / 50، وابن عساكر 16 / 377.
(3) " أنساب الاشراف " 4 / 154.
(4) مر في الخبر المتقدم أنه كان في " حوارين " وهي موضعان، أحدهما قرية من جلب المعروفة إلى أيامنا هذه، والثاني: حصن حوارين بقرب حمص، وفي كتاب الفتوح لأبي حذيفة إسحاق بن بشير: سار خالد بن الوليد من تدمر حتى مر بالقريتين وهي التي تدعى بحوارين، وهي من تدمر على مرحلتين، وبهامات يزيد بن معاوية سنة 64، " معجم البلدان " 2 / 315، 316، وقال ابن الأثير في " الكامل " 4 / 9: كان ولده يزيد بحوارين، فكتبوا إليه يحثونه على المجئ ليدركه...فأقبل يزيد وقد دفن.

(3/161)


بَابِ الصَّغِيْرِ، فَنَزَلَ، وَمَشَى بَيْنَ يَدَيْهِ الضَّحَّاكُ الفِهْرِيُّ إِلَى قَبْرِ مُعَاوِيَةَ، فَصَفَّنَا خَلْفَهُ، وَكَبَّرَ أَرْبَعاً، ثُمَّ رَكِبَ بَغْلَتَهُ إِلَى الخَضْرَاءِ (1) ، ثُمَّ نُوْدِيَ وَقْتَ الظُّهْرِ: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ.
فَاغْتَسَلَ، وَخَرَجَ، فَجَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ، وَعَجَّلَ العَطَاءَ، وَأَعْفَاهُم مِنْ غَزْوِ البَحْرِ، فَافْتَرَقُوا، وَمَا يُفَضِّلُوْنَ عَلَيْهِ أَحَداً (2) .
قَالَ اللَّيْثُ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، وَعِدَّةٌ: مَاتَ مُعَاوِيَةُ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتِّيْنَ.
فَقِيْلَ: فِي نِصْفِ رَجَبٍ.
وَقِيْلَ: لِثَمَانٍ بَقِيْنَ مِنْهُ.
وَعَاشَ: سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
مُسْنَدُهُ فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ): مائَةٌ وَثَلاَثَةٌ وَسِتُّوْنَ حَدِيْثاً.
وَقَدْ عَمِلَ الأَهْوَازِيُّ (مُسْنَدَهُ) فِي مُجَلَّدٍ.
وَاتَّفَقَ لَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيْثَ.
وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِأَرْبَعَةٍ، وَمُسْلِمٌ بِخَمْسَةٍ (3).

26 - عَدِيُّ بنُ حَاتِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعْدٍ الطَّائِيُّ * (ع)
ابْنِ الحَشْرَجِ بنِ امْرِئِ القَيْسِ بنِ عَدِيٍّ، الأَمِيْرُ،
__________
(1) الخضراء: قصر معاوية في دمشق، وكانت بجانب الجامع الأموي من جهة القبلة.
(2) ابن عساكر 16 / 380 / آ، وابن كثير 8 / 143، 144.
(3) انظر البخاري 1 / 150، و2 / 328، و3 / 450، و4 / 412، و7 / 81، و10 / 315، و13 / 102، و281، ومسلم (387) و(883) و(1037) و(1038) و(1129) و(1246) و(2127) و(2352) و(2701).
(*) طبقات ابن سعد 6 / 22، طبقات خليفة: 463، و904، المحبر: 126، 156، 233، 241، 261، التاريخ الكبير 7 / 43، التاريخ الصغير 1 / 148، المعارف: 313، الجرح والتعديل 7 / 2، مروج الذهب 3 / 190، جمهرة أنساب العرب: 402، الاستيعاب: 1057، تاريخ بغداد 1 / 189، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 398، تاريخ ابن عساكر 11 / 234 آ، أسد الغابة 3 / 392، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 327، تهذيب الكمال: 925، تاريخ الإسلام 3 / 46، العبر 1 / 74، تذهيب التهذيب 3 / 36 آ، جامع الأصول 9 / 111، مراة الجنان 1 / 142، الإصابة 2 / 468، تهذيب التهذيب 7 / 166، خلاصة تذهيب =

(3/162)


الشَّرِيْفُ، أَبُو وَهْبٍ، وَأَبُو طَرِيْفٍ الطَّائِيُّ، صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَدُ حَاتِمِ طَيٍّ الَّذِي يُضْرَبُ بِجُوْدِهِ المَثَلُ.
وَفَدَ عَدِيٌّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَسْطِ سَنَةِ سَبْعٍ، فَأَكْرَمَهُ، وَاحْتَرَمَهُ.
لَهُ: أَحَادِيْثُ.
رَوَى عَنْهُ: الشَّعْبِيُّ، وَمُحِلُّ بنُ خَلِيْفَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَخَيْثَمَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَتَمِيْمُ بنُ طَرَفَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَعْقِلٍ المُزَنِيُّ، وَمُصْعَبُ بنُ سَعْدٍ، وَهَمَّامُ بنُ الحَارِثِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ أَحَدَ مَنْ قَطَعَ بَرِّيَّةَ السَّمَاوَةِ مَعَ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ إِلَى الشَّامِ، وَقَدْ وَجَّهَهُ خَالِدٌ بِالأَخْمَاسِ إِلَى الصِّدِّيْقِ، نَزَلَ الكُوْفَةَ مُدَّةً، ثُمَّ قَرْقِيْسِيَا مِنَ الجَزِيْرَةِ.
أَيُّوْبُ السَّخْتِيَانِيُّ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ حُذَيْفَةَ، قَالَ:
كُنْتُ أَسْأَلُ النَّاسَ عَنْ حَدِيْثِ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، وَهُوَ إِلَى جَنْبِي لاَ آتِيْهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ:
بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ كُنْتُ بِأَرْضِ الرُّوْمِ، فَقُلْتُ: لَوْ أَتَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ، فَإِنْ كَانَ صَادِقاً تَبِعْتُهُ.
فَلَمَّا قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، اسْتَشْرَفَنِي النَّاسُ، فَقَالَ لِي: (يَا عَدِيُّ! أَسْلِمْ تَسْلَمْ).
قُلْتُ: إِنَّ لِي دِيْناً.
قَالَ: (أَنَا أَعْلَمُ بِدِيْنِكَ مِنْكَ، أَلَسْتَ تَرْأَسُ قَوْمَكَ؟).
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: (أَلَسْتَ رَكُوْسِيّاً (1) تَأْكُلُ المِرْبَاعَ (2) ؟).
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: (فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَحِلُّ لَكَ فِي دِيْنِكَ).
فَتَضَعْضَعْتُ لِذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ: (يَا عَدِيُّ! أَسْلِمْ تَسْلَمْ، فَأَظُنُّ مِمَّا
__________
= الكمال: 223، شذرات الذهب 1 / 74.
(1) قال في " النهاية ": الركوسية: هو دين بين النصارى والصابئين.
(2) كانوا في الجاهلية إذا غزا بعضهم بعضا، وغنموا، أخذ الرئيس ربع الغنيمة خالصا دون أصحابه، ويسمى ذلك الربع المرباع.

(3/163)


يَمْنَعُكَ أَنْ تُسْلِمَ خَصَاصَةٌ تَرَاهَا بِمَنْ حَوْلِي، وَأَنَّكَ تَرَى النَّاسَ عَلَيْنَا إِلْباً وَاحِداً، هَلْ أَتَيْتَ الحِيْرَةَ؟).
قُلْتُ: لَمْ آتِهَا، وَقَدْ عَلِمْتُ مَكَانَهَا.
قَالَ: (تُوْشِكُ الظَّعِيْنَةُ أَنْ تَرْتَحِلَ مِنَ الحِيْرَةِ بِغَيْرِ جِوَارٍ حَتَّى تَطُوْفَ بِالبَيْتِ، وَلَتُفْتَحَنَّ عَلَيْنَا كُنُوْزُ كِسْرَى).
قُلْتُ: كِسْرَى بنُ هُرْمُزَ!
قَالَ: (كِسْرَى بنُ هُرْمُزَ، وَلَيَفِيْضَنَّ المَالُ حَتَّى يَهِمَّ الرَّجُلُ مَنْ يَقْبَلُ مِنْهُ مَالَهُ صَدَقَةً).
قَالَ عَدِيٌّ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَتَيْنِ، وَأَحْلِفُ بِاللهِ لَتَجِيْئَنَّ الثَّالِثَةُ -يَعْنِي: فَيْضَ المَالِ (1) -.
رَوَى قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ: أَنَّ عَدِيَّ بنَ حَاتِمٍ جَاءَ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟
قَالَ: أَعْرِفُكَ، أَقَمْتَ (2) إِذْ كَفَرُوا، وَوَفَّيْتَ إِذْ غَدَرُوا، وَأَقْبَلْتَ إِذْ أَدْبَرُوا (3) .
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حُدِّثْتُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيٍّ، قَالَ:
مَا دَخَلَ وَقْتُ صَلاَةٍ حَتَّى أَشْتَاقَ إِلَيْهَا.
وَعَنْهُ: مَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلاَّ وَأَنَا عَلَى وُضُوْءٍ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَ عَدِيُّ بنُ حَاتِمٍ عَلَى طَيِّئ يَوْمَ صِفِّيْنَ مَعَ عَلِيٍّ.
وَرَوَى: سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ:
لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، قَالَ عَدِيٌّ: لاَ يَنْتَطِحُ فِيْهَا عَنْزَانِ (4) .
فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ صِفِّيْنَ، فَقِيْلَ
__________
(1) إسناده قوي، وهو في " المسند " 4 / 377، 378 من طريق محمد بن أبي عدي، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، عن أبي عبيدة بن حذيفة، عن عدي، وأورده ابن الأثير في " أسد الغابة " 4 / 8 من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين به، وهو عند ابن عساكر 16 / 237 آ.
(2) أقمت: أي ثبت على الإسلام ولم ترتد، فقد قدم على أبي بكر الصديق في وقت الردة بصدقة قومه، وفي " تاريخ الإسلام " 3 / 47: " آمنت " وفي " تاريخ بغداد " 1 / 190 و" أسد الغابة " 4 / 10: " أسلمت ".
(3) ابن عساكر 16 / 239 آ.
(4) أي: لا يلتقي فيها اثنان ضعيفان، لان النطاح من شأن التيوس والكباش لا العنوز، =

(3/164)


لَهُ: أَمَا قُلْتَ: لاَ يَنْتَطِحُ فِيْهَا عَنْزَانِ؟
قَالَ: بَلَى، وَتُفْقَأُ عُيُوْنٌ كَثِيْرَةٌ (1) .
وَقِيْلَ: قُتِلَ وَلَدُهُ يَوْمَئِذٍ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: رَأَيْتُ عَدِيّاً رَجُلاً جَسِيْماً، أَعْوَرَ، يَسْجُدُ عَلَى جِدَارٍ ارْتِفَاعُهُ نَحْوُ ذِرَاعٍ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: قَالُوا: عَاشَ عَدِيُّ بنُ حَاتِمٍ مائَةً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً (2) .
جَرِيْرٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ:
خَرَجَ عَدِيٌّ، وَجَرِيْرٌ البَجَلِيُّ، وَحَنْظَلَةُ الكَاتِبُ مِنَ الكُوْفَةِ، فَنَزَلُوا قَرْقِيْسِيَاءَ، وَقَالُوا: لاَ نُقِيْمُ بِبَلَدٍ يُشْتَمُ فِيْهِ عُثْمَانُ (3) .
قَالَ ابْنُ الكَلْبِيِّ: مَاتَ عَدِيٌّ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ، وَلَهُ مائَةٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ.

27 - زَيْدُ بنُ أَرْقَمَ بنِ زَيْدِ بنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع)
ابْنِ النُّعْمَانِ بنِ مَالِكٍ الأَغَرِّ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ كَعْبِ بنِ
__________
= وهو إشارة إلى قضية مخصوصة لا يجري فيها خلف ونزاع.
(1) ابن عساكر 11 / 241 ب، وزاد: كذا قال: يوم صفين، وإنما فقئت عين عدي يوم الجمل.
(2) ذكره المؤلف في " تاريخه " 3 / 48، وزاد، فلما أسن، استأذن قومه في وطاء يجلس فيه في ناديهم، وقال: أكره أن يظن أحدكم أني أرى أن لي فضلا، ولكني قد كبرت ورق عظمي
(3) " تاريخ بغداد " 1 / 191، و" ابن عساكر " 11 / 243 آ.
وقرقيسيا: بلد في الشام على نهر الخابور قرب رحبة مالك بن طوق على ستة فراسخ، وعندها مصب الخابور في الفرات، فهي في مثلث بين الخابور والفرات " معجم البلدان ".
(4) نسب المصنف هذا القول في " تاريخه " 3 / 48 إلى أبي عبيد.
* طبقات ابن سعد 6 / 18، طبقات خليفة: ت 594، 931، التاريخ الكبير 3 / 385، المعرفة والتاريخ 1 / 303، الجرح والتعديل 3 / 554، مشاهير علماء الأمصار: ت 296، جمهرة =

(3/165)


الخَزْرَجِ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ، أَبُو عَمْرٍو.
وَيُقَالُ: أَبُو عَامِرٍ.
وَيُقَالُ: أَبُو سَعِيْدٍ.
وَيُقَالُ: أَبُو سَعْدٍ.
وَيُقَالُ: أَبُو أُنَيْسَةَ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، نَزِيْلُ الكُوْفَةِ، مِنْ مَشَاهِيْرِ الصَّحَابَةِ.
شَهِدَ: غَزْوَةَ مُؤْتَةَ، وَغَيْرَهَا.
وَلَهُ: عِدَّةُ أَحَادِيْثَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ، وَطَاوُوْسٌ، وَالنَّضْرُ بنُ أَنَسٍ، وَيَزِيْدُ بنُ حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ (1) ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ بَعْضِ قَوْمِهِ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ، قَالَ:
كُنْتُ يَتِيْماً فِي حَجْرِ ابْنِ رَوَاحَةَ، فَخَرَجَ بِي مَعَهُ إِلَى مُؤْتَةَ مُرْدِفِي عَلَى حَقِيْبَةِ رَحْلِهِ (2) .
وَعَنْ عُرْوَةَ، قَالَ:
رَدَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَراً يَوْمَ أُحُدٍ اسْتَصْغَرَهُم، مِنْهُم: أُسَامَةُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَالبَرَاءُ، وَزَيْدُ بنُ أَرْقَمَ، وَزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَجَعَلَهُم حَرَساً لِلذُّرِّيَّةِ (3) .
يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنْ أَبِيْهِ:
قَالَ زَيْدُ بنُ أَرْقَمَ: رَمِدْتُ، فَعَادَنِي
__________
= أنساب العرب: 365، الاستيعاب: 535، المستدرك 3 / 532، 533، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 143، تاريخ ابن عساكر 6 / 268 آ، أسد الغابة 2 / 219، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 199، تهذيب الكمال: 450، تاريخ الإسلام 3 / 16، العبر 1 / 73، تذهيب التهذيب 1 / 247 آ، مجمع الزوائد 9 / 381، الإصابة 1 / 560، تهذيب التهذيب 3 / 394، الوافي بالوفيات 15 / 22، الطبراني 5 / 183، 242، خلاصة تذهيب الكمال: 108، شذرات الذهب 1 / 74، خزانة الأدب 1 / 363، تهذيب ابن عساكر 5 / 439.
(1) من قوله " وطاووس " إلى هنا سقط من المطبوع.
(2) هو في " الإصابة " 1 / 560، و" الوافي بالوفيات " 15 / 22.
(3) انظر ابن هشام 2 / 66، و" زاد المعاد " 3 / 195، و" شرح المواهب " 2 / 25، 26، وفي الباب عن زيد بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استصغر ناسا يوم أحد، منهم زيد بن أرقم.
أخرجه الطبراني برقم (4962).

(3/166)


رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (أَرَأَيْتَ يَا زَيْدُ إِنْ كَانَتْ عَيْنَاكَ (1) لِمَا بِهِمَا، كَيْفَ تَصْنَعُ؟).
قُلْتُ: أَصْبِرُ، وَأَحْتَسِبُ.
قَالَ: (إِنْ فَعَلْتَ دَخَلْتَ الجَنَّةَ).
وَفِي لَفْظٍ: (إِذاً تَلْقَى اللهَ وَلاَ ذَنْبَ لَكَ (2)).
وَفِي (مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى): مِنْ طَرِيْقِ أُنَيْسَةَ:
أَنَّ أَبَاهَا زَيْدَ بنَ أَرْقَمَ عَمِيَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ (3) .
قَالَ أَبُو المِنْهَالِ: سَأَلْتُ البَرَاءَ عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالَ: سَلْ زَيْدَ بنَ أَرْقَمَ؛ فَإِنَّهُ خَيْرٌ مِنِّي، وَأَعْلَمُ.
أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ:
كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزَاةٍ، فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُوْلٍ يَقُوْلُ:
لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ عِنْدِهِ، وَلَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِيْنَةِ، لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ.
فَحَدَّثْتُ بِهِ عَمِّي، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ.
فَدَعَانِي رَسُوْلُ اللهِ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَبَعَثَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ، فَجَاؤُوا، فَحَلَفُوا بِاللهِ مَا قَالُوا.
فَصَدَّقَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
__________
(1) في الأصل " عينيك " والتصويب من " المسند " والطبراني.
(2) رجاله ثقات، أخرجه أحمد 4 / 375، والطبراني (5052) من طريق يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن زيد بن أرقم، وأخرجه الطبراني برقم (5098) من طريق سفيان، عن جابر، عن خيثمة، عن زيد بن أرقم، وجابر وهو ابن يزيد الجعفي ضعيف، وله طريق ثالث سيأتي.
وأخرجه مختصرا أبو داود (3102)، والحاكم 1 / 342 من طريق يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن زيد بن أرقم، قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني، وصححه الحاكم، وواقفه الذهبي.
(3) وأخرجه الطبراني برقم (5126) من طريق أمية بن بسطام، حدثنا معتمر بن سليمان، حدثنا نباتة بنت بريد، عن حمادة، عن أنيسة بنت زيد بن أرقم، عن أبيها، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على زيد بن أرقم يعوده من مرض كان به قال: " ليس عليك من مرضك هذا بأس ولكن كيف بك إذا عمرت بعدي فعميت " قال: إذا أحتسب وأصبر، قال: " إذا تدخل الجنة بغير حساب "، قال: فعمي بعدما مات النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رد الله عليه بصره، ثم مات رحمه الله، ونباتة وحمادة وأنيسة مجهولات.

(3/167)


وَكَذَّبَنِي، فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ هَمٌّ.
وَقَالَ لِي عَمِّي: مَا أَرَدْتَ إِلَى أَنْ كَذَّبَكَ رَسُوْلُ اللهِ، وَمَقَتَكَ.
فَأَنْزَلَ اللهُ: {إِذَا جَاءكَ المُنَافِقُوْنَ}.
فَدَعَاهُم رَسُوْلُ اللهِ، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِم، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ اللهَ قَدْ صَدَّقَكَ يَا زَيْدُ (1)).
وَرَوَى: شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ نَحْواً مِنْهُ (2) .
قَالَ المَدَائِنِيُّ، وَخَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ زَيْدُ بنُ أَرْقَمَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ: مَاتَ بِالكُوْفَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ.
وَقَدْ طَوَّلَ تَرْجَمَتَهُ: أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ (3).

28 - أَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ سَعْدُ بنُ مَالِكِ بنِ سِنَانٍ * (ع)
الإِمَامُ، المُجَاهِدُ، مُفْتِي المَدِيْنَةِ، سَعْدُ بنُ مَالِكِ بنِ سِنَانِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ
__________
(1) أخرجه البخاري 8 / 494 و496 و497 في تفسير سورة المنافقين، ومسلم (2772) في أول صفات المنافقين، وأحمد 4 / 373، والطبراني رقم (5050).
(2) هو في سنن الترمذي برقم (3314) في التفسير، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(3) انظر " تاريخه " 6 / 268 آ، 278 آ.
(*) طبقات خليفة: ت 601، المحبر: 291، 429، المعارف: 268، مشاهير علماء الأمصار: ت 26، المستدرك 3 / 563، جمهرة أنساب العرب: 362، معجم الطبراني الكبير 6 / 40، الاستيعاب: 602، تاريخ بغداد: 180، طبقات الشيرازي: 51، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 158، تاريخ ابن عساكر 7 / 90 ب، أسد الغابة 2 / 289 و5 / 211، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 237، تهذيب الكمال: 476، تاريخ الإسلام 3 / 220، تذكرة الحفاظ 1 / 41، العبر 1 / 84، تذهيب التهذيب 2 / 10 ب، الوافي بالوفيات 15 / 148، مرآة الجنان 1 / 155، البداية والنهاية 9 / 3، الإصابة 2 / 35، تهذيب التهذيب 3 / 479، النجوم الزاهرة 1 / 192، خلاصة تذهيب الكمال: 115، شذرات الذهب 1 / 81، تهذيب ابن عساكر 6 / 110.

(3/168)


عُبَيْدِ بنِ الأَبْجَرِ بنِ عَوْفِ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ.
وَاسْمُ الأَبْجَرِ: خُدْرَةُ.
وَقِيْلَ: بَلْ خُدْرَةُ هِيَ أُمُّ الأَبْجَرِ (1) .
وَأَخُو أَبِي سَعِيْدٍ لأُمِّهِ هُوَ: قَتَادَةُ بنُ النُّعْمَانِ الظَّفَرِيُّ، أَحَدُ البَدْرِيِّيْنَ.
اسْتُشْهِدَ أَبُوْهُ مَالِكٌ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشَهِدَ أَبُو سَعِيْدٍ الخَنْدَقَ، وَبَيْعَةَ الرُّضْوَانِ.
وَحَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكْثَرَ، وَأَطَابَ، وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَطَائِفَةٍ.
وَكَانَ أَحَدَ الفُقَهَاءِ المُجْتَهِدِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عُمَرَ، وَجَابِرٌ، وَأَنَسٌ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَعَامِرُ بنُ سَعْدٍ، وَعَمْرُو بنُ سُلَيْمٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَنَافِعٌ العُمَرِيُّ، وَبُسْرُ بنُ سَعِيْدٍ، وَبِشْرُ بنُ حَرْبٍ النَّدَبِيُّ، وَأَبُو الصِّدِّيْقِ النَّاجِي، وَأَبُو الوَدَّاكِ، وَأَبُو المُتَوَكِّلِ النَّاجِي، وَأَبُو نَضْرَةَ العَبْدِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ خَبَّابٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نُعْمٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَعَطَاءُ بنُ يَزِيْدَ اللَّيْثِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَعَطِيَّةُ العَوْفِيُّ، وَأَبُو هَارُوْنَ العَبْدِيُّ، وَعِيَاضُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَقَزَعَةُ بنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ البَاقِرُ، وَأَبُو الهَيْثَمِ سُلَيْمَانُ بنُ عَمْرٍو العُتْوَارِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
عُرِضْتُ يَوْمَ أُحُدٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، فَجَعَلَ أَبِي يَأْخُذُ بِيَدِي، وَيَقُوْلُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّهُ عَبْلُ العِظَامِ.
وَجَعَلَ نَبِيُّ اللهِ يُصَعِّدُ فِيَّ النَّظَرَ، وَيُصَوِّبُهُ، ثُمَّ قَالَ: (رُدَّهُ). فَرَدَّنِي (2).
__________
(1) انظر " المستدرك " 3 / 563، و" أسد الغابة " 2 / 365، و" الاستيعاب " 2 / 47.
(2) ابن عساكر 7 / 94 / ب، و" تهذيبه " 6 / 113، و" تاريخ الإسلام " 3 / 220، وفي =

(3/169)


إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: أَنْبَأَنَا عَقِيْلُ بنُ مُدْرِكٍ، يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ:
عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَلَيْكَ بِالجِهَادِ، فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَةُ الإِسْلاَمِ، وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللهِ وَتِلاَوَةِ القُرْآنِ، فَإِنَّهُ رُوْحُكَ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ، وَذِكْرُكَ فِي أَهْلِ الأَرْضِ، وَعَلَيْكَ بِالصَّمْتِ إِلاَّ فِي حَقٍّ، فَإِنَّكَ تَغْلِبُ الشَّيْطَانَ (1) .
وَرَوَى: حَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَشْيَاخِهِ:
أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَحْدَاثِ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمَ مِنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ (2) .
قَالَ أَبُو عَقِيْلٍ الدَّوْرَقِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ يُحَدِّثُ، قَالَ:
دَخَلَ أَبُو سَعِيْدٍ يَوْمَ الحَرَّةِ غَاراً، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فِيْهِ رَجُلٌ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ: أَدُلُّكَ عَلَى رَجُلٍ تَقْتُلُهُ؟
فَلَمَّا انْتَهَى الشَّامِيُّ إِلَى بَابِ الغَارِ، وَفِي عُنُقِ أَبِي سَعِيْدٍ السَّيْفُ، قَالَ لأَبِي سَعِيْدٍ: اخْرُجْ.
قَالَ: لاَ أَخْرُجُ، وَإِنْ تَدْخُلْ أَقتُلْكَ.
فَدَخَلَ الشَّامِيُّ عَلَيْهِ، فَوَضَعَ أَبُو سَعِيْدٍ السَّيْفَ، وَقَالَ: بُؤْ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ، وَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ.
قَالَ: أَنْتَ أَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَاسْتَغْفِرْ لِي، غَفَرَ اللهُ لَكَ (3) .
عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: عَنْ وَهْبِ بنِ كَيْسَانَ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الخُدْرِيَّ يَلْبَسُ الخَزَّ (4).
__________
= الطبراني برقم (5150) من طريق زيد بن جارية قال: استصغر النبي صلى الله عليه وسلم ناسا يوم أحد، منهم زيد ابن جارية - يعني نفسه - والبراء بن عازب، وسعد بن خيثمة، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله.
(1) " ابن عساكر " 7 / 95 ب، من طريق ابن المبارك، و" تاريخ الإسلام " 3 / 220، وفيه انقطاع بين عقيل بن مدرك وأبي سعيد، وفيه: أن رجلا أتى أبا سعيد، فقال له: أوصني يا أبا سعيد، فقال له: سألت عما سألت من قبلك...
(2) ابن سعد 2 / 374، وابن عساكر 7 / 96 آ، و" تاريخ الإسلام " 3 / 220.
(3) ابن عساكر 7 / 96، و" تاريخ الإسلام " 3 / 220، 221.
(4) " تاريخ الإسلام " 3 / 221.

(3/170)


ابْنُ عَجْلاَنَ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا سَعِيْدٍ يُحْفِي شَارِبَهُ كَأَخِي الحِلَقِ (1) .
وَقَدْ رَوَى: بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ فِي (مُسْنَدِهِ الكَبِيْرِ) لأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ بِالمُكَرَّرِ أَلْفَ حَدِيْثٍ وَمائَةً وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثاً.
قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ.
وَلابْنِ المَدِيْنِيِّ (2) - مَعَ جَلاَلَتِهِ - فِي وَفَاةِ أَبِي سَعِيْدٍ قَوْلاَنِ، شَذَّ بِهِمَا وَوَهِمَ.
فَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ عَلِيٌّ: مَاتَ بَعْدَ الحَرَّةِ بِسَنَةٍ.
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا اللَّبَّانُ، أَخْبَرَنَا الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، أَخْبَرَنَا أَبُو حَصِيْنٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنِ المُعَلَّى بنِ زِيَادٍ، عَنِ العَلاَءِ بنِ بَشِيْرٍ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيْقِ النَّاجِي، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ:
أَتَى عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ ضَعَفَةِ المُسْلِمِيْنَ، مَا أَظُنُّ رَسُوْلَ اللهِ يَعْرِفُ أَحَداً مِنْهُم، وَإِنَّ بَعْضَهُم لَيَتَوَارَى مِنْ بَعْضٍ مِنَ العُرْيِ (3) .
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ بِيَدِهِ، فَأَدَارَهَا شِبْهَ الحَلْقَةِ.
قَالَ: فَاسْتَدَارَتْ لَهُ الحَلْقَةُ، فَقَالَ: (بِمَا كُنْتُم تُرَاجِعُوْنَ؟).
قَالُوا: هَذَا رَجُلٌ يَقْرَأُ لَنَا القُرْآنَ، وَيَدْعُو لَنَا.
قَالَ: (فَعُوْدُوا لِمَا كُنْتُم فِيْهِ).
ثُمَّ قَالَ: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُم).
ثُمَّ قَالَ: (لِيُبَشَّرَ فُقَرَاءُ المُؤْمِنِيْنَ بِالفَوْزِ يَوْمَ
__________
(1) " تاريخ الإسلام " 3 / 221.
والاحفاء: المبالغة في القص.
(2) هو علي بن المديني، وقد تحرف في المطبوع إلى " المدائني "، وفي " تاريخ الإسلام " 3 / 221 للمؤلف: وقال ابن المديني قولين لم يتابع عليهما.
(3) تحرفت الجملة في المطبوع إلى " وإن بعضهم لسوادي من بعض القرى ".
وهو تحريف شنيع.

(3/171)


القِيَامَةِ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِمِقْدَارِ خَمْسِ مائَةِ عَامٍ، هَؤُلاَءِ فِي الجَنَّةِ يَتَنَعَّمُوْنَ، وَهَؤُلاَءِ يُحَاسَبُوْنَ).
تَابَعَهُ: جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ المُعَلَّى.
أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (1) وَحْدَهُ.
مُسْنَدُ أَبِي سَعِيْدٍ: أَلْفٌ وَمائَةٌ وَسَبْعُوْنَ حَدِيْثاً، فَفِي (البُخَارِيِّ) وَ(مُسْلِمٍ): ثَلاَثَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ.
وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِسِتَّةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ: بِاثْنَيْنِ وَخَمْسِيْنَ.

29 - سَفِيْنَةُ مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - * (م، 4)
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَانَ عَبْداً لأُمِّ سَلَمَةَ، فَأَعْتَقَتْهُ، وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ خِدْمَةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عَاشَ (2).
__________
(1) رقم (3666) في العلم: باب في القصص، والعلاء بن بشير: قال ابن المديني: مجهول لم يرو عنه غير المعلى، وذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجله ثقات.
وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد 2 / 296، والترمذي (2354)، وابن ماجه (4122) بلفظ " يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم وهو خمس مئة عام " وسنده حسن، وصححه الترمذي، وابن حبان (2567).
(*) طبقات خليفة: ت 32، 117، المحبر: 128، التاريخ الكبير 4 / 209، و7 / 427 مهران، التاريخ الصغير 1 / 197، المعارف: 146، 147، الجرح والتعديل 4 / 320، و8 / 300 مهران، مشاهير علماء الأمصار: ت 250، المستدرك 3 / 606، الاستيعاب 2 / 129، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 206، أسد الغابة 2 / 190، 324 و4 / 424 مهران تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 225، نهاية الارب 18 / 233، تهذيب الكمال: 520، تاريخ الإسلام 3 / 158، تذهيب التهذيب 2 / 37 ب، الوافي بالوفيات 15 / 405، مجمع الزوائد 9 / 366، الإصابة 2 / 58، تهذيب التهذيب 4 / 125، المطالب العالية 4 / 125، معجم الطبراني 7 / 94، الوافي بالوفيات 15 / 285، خلاصة تذهيب الكمال: 137.
(2) أخرجه أبو داود (3932) في العتق: باب في العتق على الشرط، وابن ماجه (2526) في العتق: باب من أعتق عبدا واشترط خدمة، والطبراني (6447)، والحاكم 3 / 606 عن سعيد ابن جمهان، عن سفينة.
وسنده حسن، وفيه عند أبي داود والطبراني زيادة، وهي: فقلت: إن لم تشترطي علي، ما فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت، فأعتقتني، واشترطت علي.
وذكره في =

(3/172)


رُوِيَ لَهُ فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ): أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً.
وَحَدِيْثُهُ مُخَرَّجٌ فِي الكُتُبِ، سِوَى (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ).
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ جُمْهَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، وَأَبُو رَيْحَانَةَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَطَرٍ، وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَصَالِحٌ أَبُو الخَلِيْلِ، وَغَيْرُهُم.
وَسَفِيْنَةُ: لَقَبٌ لَهُ، وَاسْمُهُ: مِهْرَانُ.
وَقِيْلَ: رُوْمَانُ.
وَقِيْلَ: قَيْسٌ.
قِيْلَ: إِنَّهُ حَمَلَ مَرَّةً مَتَاعَ الرِّفَاقِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَا أَنْتَ إِلاَّ سَفِيْنَةٌ).
فَلَزِمَهُ ذَلِكَ (1) .
وَرَوَى: أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ سَفِيْنَةَ:
أَنَّهُ رَكِبَ البَحْرَ، فَانْكَسَرَ بِهِمُ المَرْكَبُ، فَأَلْقَاهُ البَحْرُ إِلَى السَّاحِلِ، فَصَادَفَ الأَسَدَ، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَسَدُ! أَنَا سَفِيْنَةُ مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَدَلَّهُ الأَسَدُ عَلَى الطَّرِيْقِ.
قَالَ: ثُمَّ هَمْهَمَ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِي السَّلاَمَ (2) .
تُوُفِّيَ: بَعْدَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ.
__________
= " الاستيعاب " 2 / 130، و" الإصابة " 2 / 58، و" تاريخ الإسلام " 3 / 158.
(1) أخرج الامام أحمد 5 / 121 و222، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 369، والطبراني
(6439)، وابن قتيبة في " المعارف ": 146، 147 من طريق حشرج بن نباتة، حدثني سعيد بن جمهان، قال: سألت سفينة عن اسمه، فقال: سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة، قلت: لم سماك سفينة ؟ قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه، فثقل عليهم متاعهم، فقال لي: " ابسط كساءك "، فبسطته، فجعلوا فيه متاعهم، ثم حملوه علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " احمل فإنما أنت سفينة " فلو حملت يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل علي. وإسناده حسن، وصححه الحاكم 3 / 606 ووافقه الذهبي لكن سقط من الإسناد عنده سعيد بن جمهان.
(2) أخرجه الطبراني برقم (6432) من طريق ابن وهب، عن أسامة بن زيد، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، عن محمد بن المنكدر أن سفينة...ورجاله ثقات، خلا أسامة بن زيد وهو الليثي، فقد قال الحافظ في " التقريب ": صدوق يهم، ومحمد بن المنكدر لم يثبت سماعه من سفينة، ومع ذلك، فقد صححه الحاكم 3 / 606 ووافقه الذهبي، وذكره السيوطي في =

(3/173)


30 - جُنْدُبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سُفْيَانَ البَجَلِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَجَلِيُّ، العَلَقِيُّ، صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
نَزَلَ الكُوْفَةَ وَالبَصْرَةَ.
وَلَهُ: عِدَّةُ أَحَادِيْثَ.
رَوَى عَنْهُ: الحَسَنُ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ، وَأَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ، وَأَنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَالأَسْوَدُ بنُ قَيْسٍ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَأَبُو السَّوَّارِ العَدَوِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
شُعْبَةُ، وَهِشَامٌ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ:
شَيَّعْنَا جُنْدُباً، فَقُلْتُ لَهُ: أَوْصِنَا.
قَالَ: أُوْصِيْكُم بِتَقْوَى اللهِ، وَأُوْصِيْكُم بِالقُرْآنِ، فَإِنَّهُ نُوْرٌ بِاللَّيْلِ المُظْلِمِ، وَهُدَىً بِالنَّهَارِ، فَاعْمَلُوا بِهِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ جُهْدٍ وَفَاقَةٍ، فَإِنْ عَرَضَ بَلاَءٌ، فَقَدِّمْ مَالَكَ دُوْنَ دِيْنِكَ، فَإِنْ تَجَاوَزَ البَلاَءُ، فَقَدِّمْ مَالَكَ وَنَفْسَكَ دُوْنَ دِيْنِكِ، فَإِنَّ المَخْرُوْبَ مَنْ خَرِبَ دِيْنُهُ، وَالمَسْلُوْبَ مِنْ سُلِبَ دِيْنُهِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ فَاقَةَ بَعْدَ الجَنَّةِ، وَلاَ غِنَىً بَعْدَ النَّارِ (1) .
حَمَّادُ بنُ نَجِيْحٍ: عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، عَنْ جُنْدُبٍ، قَالَ: كُنَّا
__________
= " الخصائص الكبرى " وزاد نسبته إلى ابن سعد، وأبي يعلى والبزار وابن مندة، والبيهقي، وأبي نعيم.
وأخرجه بنحوه عبد الرزاق في " المصنف " (20544) من طريق معمر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن جحش، عن ابن المنكدر، أن سفينة...وهذا سند رجاله ثقات لكن تبقى علة عدم سماع ابن المنكدر من سفينة.
(*) طبقات ابن سعد 6 / 35، طبقات خليفة: ت 734، 960، 1475، التاريخ الكبير 2 / 221، الجرح والتعديل 2 / 510، مشاهير علماء الأمصار: ت 300، الاستيعاب: 256، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 76، أسد الغابة 1 / 304، تهذيب الكمال: 208، تاريخ الإسلام 3 / 3، تذهيب التهذيب 1 / 111 آ، الإصابة 1 / 248، تهذيب التهذيب 2 / 117، معجم الطبراني 2 / 168، 191، خلاصة تذهيب الكمال: 55.
(1) رجاله ثقات.

(3/174)


غِلْمَاناً حَزَاوِرَةً مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَعَلَّمْنَا الإِيْمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ القُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا القُرْآنَ، فَازْدَدْنَا بِهِ إِيْمَاناً (1) .
عَاشَ جُنْدُبٌ البَجَلِيُّ - وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ - وَبَقِيَ إِلَى حُدُوْدِ سنَةِ سَبْعِيْنَ.
وَهُوَ غَيْرُ:

31 - جُنْدُبٍ الأَزْدِيِّ، أَبِي عَبْدِ اللهِ * (ت)
فَذَاكَ: جُنْدُبُ بنُ عَبْدِ اللهِ.
وَيُقَالُ: جُنْدُبُ بنُ كَعْبٍ.
أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيُّ، صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
رَوَى عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ: عَلِيٍّ، وَسَلْمَانَ الفَارِسِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَتَمِيْمُ بنُ الحَارِثِ، وَحَارِثَةُ بنُ وَهْبٍ.
قَدِمَ دِمَشْقَ، وَيُقَالُ لَهُ: جُنْدُبُ الخَيْرِ، وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ المُشَعْوِذَ.
رَوَى: خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ: أَنَّ سَاحراً كَانَ يَلْعَبُ
__________
(1) رجاله ثقات، أخرجه ابن ماجه (61) في المقدمة من طريق علي بن محمد، حدثنا وكيع بهذا الإسناد، وقال البوصيري في " الزوائد " 6 / 1: إسناده صحيح، رجاله ثقات.
وأخرجه الطبراني (1652) من طريقين، بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد 5 / 373 من طريق بهز، حدثنا حماد ابن سلمة، قال: أخبرنا أبوعمران الجوني، عن جندب قال: إني قد كنت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم غلاما حزورا، وإن فلانا أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يجئ المقتول يوم القيامة متعلقا بالقاتل، فيقول: رب، سله فيم قتلني ؟ فيقول في ملك فلان..." والحزاورة: جمع حزور وحزور: وهو الغلام إذا قارب البلوغ، والتاء لتأنيث الجمع.
(*) تذهيب التهذيب 1 / 111 آ، تاريخ الإسلام 3 / 3، الإصابة 1 / 250، خلاصة تذهيب الكمال: 55، تهذيب ابن عساكر 3 / 413.

(3/175)


عِنْدَ الوَلِيْدِ بنِ عُقْبَةَ الأَمِيْرِ، فَكَانَ يَأْخُذُ سَيْفَهُ، فَيَذْبَحُ نَفْسَهُ وَلاَ يَضُرُّهُ.
فَقَامَ جُنْدُبٌ إِلَى السَّيْفِ، فَأَخَذَهُ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {أَفَتَأْتُوْنَ السِّحْرَ وَأَنْتُم تُبْصِرُوْنَ (1) } [الأَنْبِيَاءُ: 3].
إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ: عَنِ الحَسَنِ، عَنْ جُنْدُبِ الخَيْرِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ (2)).
ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ:
أَنَّ الوَلِيْدَ كَانَ بِالعِرَاقِ، فَلَعِبَ بَيْنَ يَدَيْهِ سَاحِرٌ، فَكَانَ يَضْرِبُ رَأْسَ الرَّجُلِ، ثُمَّ يَصِيْحُ بِهِ، فَيَقُوْمُ خَارِجاً، فَيَرْتَدُّ إِلَيْهِ رَأْسُهُ.
فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ! سُبْحَانَ اللهِ!
وَرَآهُ رَجُلٌ مِنْ صَالِحِي المُهَاجِرِيْنَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ اشْتَمَلَ عَلَى سَيْفِهِ، فَذَهَبَ لِيَلْعَبَ، فَاخْتَرَطَ الرَّجُلُ سَيْفَهُ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَقَالَ: إِنْ كَانَ صَادِقاً، فَلْيُحْيِي نَفْسَهُ.
فَسَجَنَهُ الوَلِيْدُ، فَهَرَّبَهُ السَّجَّانُ لِصَلاَحِهِ (3) .
وَعَنْ أَبِي مِخْنَفٍ لُوْطٍ، عَنْ خَالِهِ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ:
جَاءَ سَاحِرٌ مِنْ بَابِلَ، فَأَخَذَ يُرِي النَّاسَ الأَعَاجِيْبَ، يُرِيْهِم حَبْلاً فِي المَسْجَدِ، وَعَلَيْهِ فِيْلٌ
__________
(1) أخرجه الطبراني برقم (1725) من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا إسماعيل ابن إبراهيم، حدثنا هشيم، أخبرنا خالد الحذاء، وهو في " تهذيب ابن عساكر " 3 / 413، وذكره المؤلف في " تاريخ الإسلام " 3 / 3،، وقال: إسناده صحيح، وأخرجه الدار قطني 3 / 114 إلا أنه قال جندب البجلي.
(2) إسناده ضعيف لضعف إسماعيل بن مسلم وهو المكي، وهو في " سنن الترمذي " (1460) في الحدود، و" المستدرك " 4 / 360، و" الدار قطني " 3 / 114.
قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، إسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث، والصحيح عن جندب موقوف، وضعفه أيضا الحافظ في " الفتح " وقال المؤلف في " الكبائر " ص 46: الصحيح أنه من قول جندب.
وقد أخرجه الطبراني (1666) من طريق جندب البجلي، فأخطأ.
(3) " تاريخ الإسلام " 3 / 3، وذكره الحافظ في " الإصابة " 1 / 250، ونسبه للبيهقي في " الدلائل ".

(3/176)


يَمْشِي، وَيُرِي حِمَاراً يَشْتَدُّ حَتَّى يَجِيْءَ، فَيَدْخُلَ فِي فَمِهِ، وَيَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ، وَيَضْرِبُ عُنُقَ رَجُلٍ، فَيَقَعُ رَأْسُهُ، ثُمَّ يَقُوْلُ لَهُ: قُمْ، فَيَعُوْدُ حَيّاً.
فَرَأَى جُنْدُبُ بنُ كَعْبٍ ذَلِكَ، فَأَخَذَ سَيْفاً، وَأَتَى وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُوْنَ عَلَى السَّاحِرِ، فَدَنَا مِنْهُ، فَضَرَبَهُ، فَأَذْرَى رَأْسَهُ، وَقَالَ: أَحْيِ نَفْسَكَ.
فَأَرَادَ الوَلِيْدُ بنُ عُقْبَةَ قَتْلَهُ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ، وَحَبَسَهُ (1) .
وَجُنْدُبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ زُهَيْرٍ (2) ، وَقِيْلَ: جُنْدُبُ بنُ زُهَيْرِ بنِ الحَارِثِ الغَامِدِيُّ، الأَزْدِيُّ، الكُوْفِيُّ.
قِيْلَ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَمَا رَوَى شَيْئاً.
شَهِدَ صِفِّيْنَ مَعَ عَلِيٍّ أَمِيْراً، كَانَ عَلَى الرَّجَّالَةِ، فَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: جُنْدُبُ الخَيْرِ: هُوَ جُنْدُبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ ضَبَّةَ، وَجُنْدُبُ بنُ كَعْبٍ: هُوَ قَاتِلُ السَّاحِرِ، وَجُنْدُبُ بنُ عَفِيْفٍ، وَجُنْدُبُ بنُ زُهَيْرٍ قُتِلَ بِصِفِّيْنَ، وَكَانَ عَلَى الرَّجَّالَةِ، فَالأَرْبَعَةُ مِنَ الأزْدِ.
وَجُنْدُبُ بنُ جُنْدُبِ بنِ عَمْرِو بنِ حُمَمَةَ (3) الدَّوْسِيُّ الأَزْدِيُّ، قُتِلَ يَوْمَ صِفِّيْنَ مَعَ مُعَاوِيَةَ.
نَقَلَهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَنَّ جَدَّهُ (4) مِنَ المُهَاجِرِيْنَ.

32 - النَّابِغَةُ الجَعْدِيُّ أَبُو لَيْلَى *
شَاعِرُ زَمَانِهِ.
لَهُ: صُحْبَةٌ، وَوِفَادَةٌ، وَرِوَايَةٌ.
وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ.
__________
(1) " تهذيب ابن عساكر " 3 / 414، وأبو محنف لوط بن يحيى أخباري تالف لا يوثق به، تركه أبو حاتم وغيره.
(3) مترجم في " الإصابة " 1 / 248.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " حمنة " وانظر " معجم الطبراني " 2 / 194.
(4) بل المهاجر أبوه كما في ترجمة جندب بن عمرو في " الإصابة " 1 / 249.
(*) طبقات خليفة: ت 410، المحبر: انظر الفهرس، طبقات فحول الشعراء 1 / 123، 131، الشعر والشعراء: 208، الاغاني 5 / 1، 34، معجم الشعراء: 195، المعمرين =

(3/177)


يُقَالُ: عَاشَ مائَةً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ يَتَنَقَّلُ فِي البِلاَدِ، وَيَمْتَدِحُ الأُمَرَاءَ، وَامْتَدَّ عُمُرُهُ.
قِيْلَ: عَاشَ إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ سَبْعِيْنَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ: اسْمُهُ: قَيْسُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُدَسِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ جَعْدَةَ (1) .
وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ فِي ابْنِ الزُّبَيْرِ:
حَكَيْتَ لَنَا الصِّدِّيْقَ لَمَّا وَلِيْتَنَا ... وَعُثْمَانَ، وَالفَارُوْقَ، فَارْتَاحَ مُعْدِمُ
وَسَوَّيْتَ بَيْنَ النَّاسِ فِي الحَقِّ فَاسْتَوَوْا ... فَعَادَ صَبَاحاً حَالِكُ اللَّيْلِ مُظْلِمُ (2)
... فِي أَبْيَاتٍ.
فَأَمَرَ لَهُ بِسَبْعِ قَلاَئِصَ، وَتَمْرٍ، وَبُرٍّ.
وَقَدْ حدَّثَ عَنْهُ: يَعْلَى بنُ الأَشْدَقِ (3) ، وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ.
وَيُقَالُ: عَاشَ مائَةً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَقِيْلَ: أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَشِعْرُهُ سَائِرٌ كَثِيْرٌ.
وَقِيْلَ: اسْمُهُ: حَيَّانُ بنُ قَيْسٍ، وَكَانَ فِيْهِ دِيْنٌ وَخَيْرٌ.
__________
= للسجستاني: 56، جمهرة أنساب العرب: 289، الاستيعاب: 1297، 1514، أسد الغابة 4 / 223 و5 / 2، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 120، 286، وفيه قيس بن عدي، تاريخ الإسلام 3 / 87، أمالي المرتضى 1 / 214، الإصابة 3 / 537، خزانة الأدب 1 / 512، شرح شواهد المغني 4 / 382، المؤتلف والمختلف: 292، سمط اللآآلي: 247.
(1) " طبقات فحول الشعراء " 1 / 123.
(2) " الإصابة " 3 / 540، والاول في " الاغاني " 5 / 28.
(3) في " تاريخ المؤلف " 3 / 87: وقال يعلى بن الاشدق - وليس بثقة -: سمعت النابغة يقول: أنشدت النبي صلى الله عليه وسلم: بلغنا السماء مجدنا وجدودنا * وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال: أين المظهر يا أبا ليلى ؟ قلت: الجنة، قال: أجل إن شاء الله، ثم قلت:
ولا خير في حلم إذا لم تكن له * بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له * حليم إذا ما أورد الامر أصدرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يفضض الله فاك " مرتين.
وذكره الحافظ في " الإصابة " 3 / 539.
وقال: أخرجه البزار والحسن بن سفيان في مسنديهما، وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان " والشيرازي في =

(3/178)


33 - عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ بنِ خُوَيْلِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الضَّمْرِيُّ * (ع)
ابْنِ إِيَاسٍ، أَبُو أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ هَارُوْنُ الحَمَّالُ: شَهِدَ مَعَ المُشْرِكِيْنَ بَدْراً وَأُحُداً.
قُلْتُ: بَعَثَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرِيَّةً وَحْدَهُ (1) ، وَبَعَثَهُ رَسُوْلاً إِلَى النَّجَاشِيِّ (2) ، وَغَزَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى أَحَادِيْثَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ جَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللهِ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ الزِّبْرِقَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ.
الزُّهْرِيُّ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مِنْ كَتِفٍ يُحْتَزُّ مِنْهَا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (3) .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَسْلَمَ حِيْنَ انْصَرَفَ المُشْرِكُوْنَ عَنْ أُحُدٍ. قَالَ: وَكَانَ
__________
= " الألقاب " كلهم من رواية يعلى بن الاشدق.
ويعلى بن الاشدق هذا قال فيه البخاري: لا يكتب حديثه، وقال ابن حبان: وضعوا له أحاديث، فحدث بها ولم يدر، وقال أبو زرعة: ليس بشيء لا يصدق.
قلت: والابيات من قصيدة طويلة انظرها في شعره.
* طبقات ابن سعد 4 / 248، طبقات خليفة: ت 182، المحبر: 76، 118، 119، 183، التاريخ الكبير 6 / 307، تاريخ الفسوي 1 / 325، الجرح والتعديل 6 / 220، المستدرك 3 / 623، جمهرة أنساب العرب: 185، الاستيعاب: 1162، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 362، تاريخ ابن عساكر 13 / 198 ب، أسد الغابة 4 / 86، تهذيب الأسماء واللغات
1 / 2 / 24، تهذيب الكمال: 1027، تاريخ الإسلام 2 / 524، تهذيب التهذيب 3 / 94 آ، البداية والنهاية 8 / 46، العقد الثمين 6 / 365، الإصابة 2 / 524، تهذيب التهذيب 8 / 6، خلاصة تذهيب الكمال: 243.
(1) " ابن سعد " 4 / 249، و" المسند " 4 / 139 و5 / 287.
(2) " الاستيعاب " 2 / 497.
(3) أخرجه مسلم (355) في الطهارة: باب نسخ الوضوء مما مست النار، وهو في صحيح البخاري 1 / 268 في الوضوء: باب من لم يتوضأ من لحم الشاة، والترمذي (1836) في الاطعمة، و" المسند " 4 / 139 و5 / 288.

(3/179)


شُجَاعاً، مِقْدَاماً، أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ: بِئْرُ مَعُوْنَةَ (1) .
ابْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عِيْسَى بنِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلْقَمَةَ بنِ الفَغْوَاءِ الخُزَاعِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
بَعَثَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَالٍ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ يُفَرِّقَهُ فِي فُقَرَاءِ قُرَيْشٍ، وَهُمْ مُشْرِكُوْنَ يَتَأَلَّفُهُم، فَقَالَ لِي: (الْتَمِسْ صَاحِباً).
فَلَقِيْتُ عَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ، فَقَالَ: أَنَا أَخْرُجُ مَعَكَ.
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِي دُوْنَهُ: (يَا عَلْقَمَةُ، إِذَا بَلَغْتَ بَنِي ضَمْرَةَ، فَكُنْ مِنْ أَخِيْكَ عَلَى حَذَرٍ، فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ القَائِلِ: أَخُوْكَ البَكْرِيُّ وَلاَ تَأْمَنْهُ).
فَخَرَجْنَا، حَتَّى إِذَا جِئْنَا الأَبْوَاءَ، وَهِيَ بلاَدُ بَنِي ضَمْرَةَ، قَالَ عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ:
إِنِّيْ أُرِيْدُ أَنْ آتِيَ بَعْضَ قَوْمِي هَا هُنَا لِحَاجَةٍ لِي.
قُلْتُ: لاَ عَلَيْكَ.
فَلَمَّا وَلَّى، ضَرَبْتُ بَعِيْرِي، وَذَكَرْتُ مَا أَوْصَانِي بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هُوَ -وَاللهِ - قَدْ طَلَعَ بِنَفَرٍ مِنْهُم مَعَهُ، مَعَهُم القِسِيُّ وَالنَّبْلُ.
فَلَمَّا رَأَيْتُهُم، ضَرَبْتُ بَعِيْرِي، فَلَمَّا رَآنِي قَدْ فُتُّ القَوْمَ، أَدْرَكَنِي.
فَقَالَ: جِئْتُ قَوْمِي، وَكَانَتْ لِي إِلَيْهِم حَاجَةٌ.
فَقُلْتُ: أَجَلْ.
فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ، دَفَعْتُ المَالَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَقُوْلُ:
مَنْ رَأَى أَبَرَّ مِنْ هَذَا وَأَوْصَلَ، إِنَّا نُجَاهِدُهُ وَنَطْلُبُ دَمَهُ، وَهُوَ يَبْعَثُ إِلَيْنَا بِالصِّلاَتِ (2) .
حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: عَنْ يَعْقُوْبَ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ، قَالَ:
بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَوَجَدَ لَهُم بَاباً صَغِيْراً يَدْخُلُوْنَ
__________
(1) ابن سعد 4 / 248.
(2) إسناده ضعيف لتدليس ابن إسحاق، ولين عيسى بن معمر، وجهالة عبد الله بن علقمة.
أخرجه ابن عساكر 13 / 200 آ، ب، وما بين حاصرتين منه ولابد منها فإنها هي التي تبين أن هذا الحديث له صلة بالمترجم، وأورده الحافظ في " الإصابة " 2 / 505 في ترجمة علقمة بن الفغواء، ونسبه إلى عمر بن شبة والبغوي، وهو عند أبي داود (4861) في الأدب: باب في الحذر من طريق ابن إسحاق، لكن قال: عن عبد الله بن عمرو بن الفغواء، عن أبيه.
وفي " التقريب " عبد الله بن عمرو بن الفغواء، وقيل: عبد الله بن علقمة بن الفغواء.
وقوله: " أخوك البكري ولا تأمنه " مثل مشهور للعرب.

(3/180)


مِنْهُ مُكَفِّرِيْنَ (1) ، فَدَخَلَ مِنْهُ القَهْقَرَى، فَشَقَّ عَلَيْهِم، وَهَمُّوا بِهِ.
فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: مَا مَنَعَكَ؟
قَالَ: إِنَّا لاَ نَصْنَعُ هَذَا بِنَبِيِّنَا.
قَالَ: صَدَقَ، دَعُوْهُ.
فَقِيْلَ لِلنَّجَاشيِّ: إِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ عِيْسَى عَبْدٌ.
قَالَ: مَا تَقُوْلُوْنَ فِي عِيْسَى؟
قَالَ: كَلِمَةُ اللهِ، وَرُوْحُهُ.
قَالَ: مَا اسْتَطَاعَ عِيْسَى أَنْ يَعْدُوَ ذَلِكَ (2) .
تُوُفِّيَ عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ.

34 - رَافِعُ بنُ خَدِيْجِ بنِ رَافِعِ بنِ عَدِيِّ بنِ تَزِيْدَ الأَنْصَارِيُّ * (3) (ع)
الخَزْرَجِيُّ، المَدَنِيُّ، صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
اسْتُصْغِرَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَشَهِدَ أُحُداً وَالمَشَاهِدَ، وَأَصَابَهُ سَهْمٌ يَوْمَ أُحُدٍ، فَانْتَزَعَهُ، فَبَقِيَ النَّصْلُ فِي لَحْمِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ.
وَقِيْلَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (أَنَا أَشْهَدُ لَكَ يَوْمَ القِيَامَةِ) (4).
__________
(1) أي منحنين من التكفير: وهو الانحناء في الصلاة.
وهو الانحناء الكثير في حالة القيام قبل الركوع.
(2) أخرجه ابن عساكر 13 / 201 ب، 222 آ.
(*) طبقات خليفة: ت 519، المحبر: 411، 412، التاريخ الكبير 3 / 299، التاريخ الصغير 1 / 105، المعارف: 306، الجرح والتعديل 3 / 479، مشاهير علماء الأمصار: ت 39، المستدرك 3 / 561، جمهرة أنساب العرب: 340، الاستيعاب: 479، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 139، أسد الغابة 1 / 151، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 187، تهذيب الكمال: 402، تذهيب التهذيب 1 / 214 آ، مرآة الجنان 1 / 155، البداية والنهاية 9 / 3، مجمع الزوائد 9 / 345، الإصابة 1 / 495، تهذيب التهذيب 3 / 229، المطالب العالية 4 / 110، معجم الطبراني 4 / 282، 343، خلاصة تذهيب الكمال: 97، شذرات الذهب 1 / 82.
(3) تزيد: بمثناة فوقية كما ضبط في الأصل، وأثبت فوقه كلمة " صح " وكما ضبطه المؤلف في " المشتبه " 2 / 668.
وقد تصحف في أكثر كتب التراجم إلى " يزيد ".
(4) أخرجه أحمد 6 / 378 من طريق عمرو بن مرزوق، عن يحيى بن عبد الحميد بن رافع بن خديج، أخبرتني جدتي امرأة رافع أن رافعا رمى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أو يوم خيبر...وانظر =

(3/181)


رَوَى: جَمَاعَةَ أَحَادِيْثَ.
وَكَانَ صَحْرَاوِيّاً، عَالِماً بِالمُزَارَعَةِ وَالمُسَاقَاةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: بُشَيْرُ بنُ يَسَارٍ، وَحَنْظَلَةُ بنُ قَيْسٍ، وَالسَّائِبُ بنُ يَزِيْدَ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَنَافِعٌ العُمَرِيُّ، وَابْنُهُ؛ رِفَاعَةُ بنُ رَافِعٍ، وَحَفِيْدُهُ؛ عَبَايَةُ بنُ رِفَاعَةَ، وَآخَرُوْنَ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ مِمَّنْ شَهِدَ وَقْعَةَ صِفِّيْنَ مَعَ عَلِيٍّ.
قَالَ خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ الهدَادِيُّ - وَهُوَ ثِقَةٌ -: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بنُ حَرْبٍ، قَالَ:
كُنْتُ فِي جَنَازَةِ رَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، وَنِسْوَةٌ يَبْكِيْنَ وَيُوَلْوِلْنَ عَلَى رَافِعٍ.
فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ رَافِعاً شَيْخٌ كَبِيْرٌ، لاَ طَاقَة لَهُ بِعَذَابِ اللهِ، وَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (المَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ (1)).
شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ مَاهَكَ، قَالَ:
رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَخَذَ بِعَمُوْدَيْ جَنَازَةِ رَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ، يَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ السَّرِيْرِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى القَبْرِ، وَقَالَ: إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاء الحَيِّ (2) .
قُلْتُ: كَانَ رَافِعُ بنُ خَدِيْجٍ مِمَّنْ يُفْتِي بِالمَدِيْنَةِ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ وَبَعْدَهُ.
تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ أَوْ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ، وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَلَهُ عِدَّةُ بَنِيْنَ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ بِشْرِ بنِ حَرْبٍ، قَالَ:
لَمَّا مَاتَ رَافِعُ بنُ خَدِيْجٍ، قِيْلَ لابْنِ عُمَرَ: أَخَّرَوْهُ لَيْلَتَهُ لِيُؤْذِنُوا أَهْلَ القُرَى.
قَالَ: نِعْمَ مَا رَأَيتُم.
__________
= " الطبراني " رقم (4242) و" مجمع الزوائد " 9 / 346.
(1) أخرجه بنحوه الطبراني برقم (4244)، وانظر " الإصابة " 1 / 496، وحديث ابن عمر مرفوعا: " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " متفق عليه.
انظر " فتح الباري " 3 / 127 وما بعدها، ومسلم (928).
(2) " المستدرك " 3 / 562.

(3/182)


هِشَامُ بنُ سَعْدٍ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ رَافِعٍ، قَالَ:
تُوُفِّيَ رَافِعٌ، فَأُتِيَ بِجِنَازَتِهِ، وَعَلَى المَدِيْنَةِ رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ زَمَنَ الفِتْنَةِ، فَأُتِيَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لاَ تُصَلُّوا عَلَيْهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنْ بَعْضِ وَلَدِ رَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، عَنْ بُشَيْرِ بنِ يَسَارٍ، قَالَ:
مَاتَ رَافِعُ بنُ خَدِيْجٍ: فِي أَوَّلِ سنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ (1).

35 - سَمُرَةُ بنُ جُنْدُبِ بنِ هِلاَلٍ الفَزَارِيُّ * (ع)
مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ، نَزَلَ البَصْرَةَ.
لَهُ: أَحَادِيْثُ صَالِحَةٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ سُلَيْمَانُ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، وَأَبُو رَجَاءٍ العُطَارِدِيُّ، وَأَبُو نَضْرَةَ العَبْدِيُّ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ، وَجَمَاعَةٌ.
وَبَيْنَ العُلَمَاءِ - فِيْمَا رَوَى الحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ - اخْتِلاَفٌ فِي الاحْتِجَاجِ
__________
(1) في الأصل بعد قوله " قال " بياض يقدر بنصف سطر، وأثبته من " المستدرك " 3 / 562.
(*) طبقات ابن سعد 6 / 34 و7 / 49، طبقات خليفة: ت 423، 1404، المحبر: 295، التاريخ الكبير 4 / 176، التاريخ الصغير 1 / 106 - 107، المعارف: 305، الجرح والتعديل 4 / 154، مشاهير علماء الأمصار: ت 223، جمهرة أنساب العرب: 259، الاستيعاب: 653، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 202، أسد الغابة 2 / 354، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 235، تهذيب الكمال: 553، تاريخ الإسلام 2 / 290، العبر 1 / 65، تذهيب التهذيب 2 / 58 ب، الوافي بالوفيات 15 / 454، مرآة الجنان 1 / 131، الإصابة 2 / 78، تهذيب التهذيب 4 / 236، معجم الطبراني 7 / 211، 325، خلاصة تذهيب الكمال: 132، شذرات الذهب 1 / 65.

(3/183)


بِذَلِكَ، وَقَدْ ثَبَتَ سَمَاعُ الحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ، وَلَقِيَهُ بِلاَ رَيْبٍ، صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي حَدِيْثَيْنِ (1) .
مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ (2) ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَشْرَةٍ - فِي بَيْتٍ - مِنْ أَصْحَابِهِ: (آخِرُكُمْ مَوْتاً فِي النَّارِ).
فِيْهِمْ سَمُرَةُ بنُ جُنْدُبٍ.
قَالَ أَبُو نَضْرَةَ: فَكَانَ سَمُرَةُ آخِرَهُم مَوْتاً.
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ جِدّاً.
وَلَمْ يَصِحَّ لأَبِي نَضْرَةَ سَمَاعٌ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَهُ شُوَيْهِدٌ.
رَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ حَكِيْمٍ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بنِ حَكِيْمٍ، قَالَ:
كُنْتُ أَمُرُّ بِالمَدِيْنَةِ، فَأَلْقَى أَبَا هُرَيْرَةَ، فَلاَ يَبْدَأُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَسْأَلَنِي عَنْ سَمُرَةَ، فَإِذَا أَخْبَرْتُهُ بِحَيَاتِهِ فَرِحَ.
فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا عَشْرَةً فِي بَيْتٍ، فَنَظَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وُجُوْهِنَا، ثُمَّ قَالَ: (آخِرُكُم مَوْتاً فِي النَّارِ).
فَقَدْ مَاتَ مِنَّا ثَمَانِيَةٌ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ المَوْتِ (3).
__________
(1) الأول: حديث " الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويسمى، ويحلق رأسه " أخرجه من رواية قتادة، عن الحسن، عن سمرة أحمد 5 / 7 و17 و22، وأبو داود (2838).
والنسائي 7 / 166، والترمذي (1522).
وإسناده صحيح، ففي البخاري 9 / 511 في العقيقة: حدثني عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا قريش بن أنس، عن حبيب بن الشهيد، قال: أمرني ابن سيرين أن أسأل الحسن ممن سمع حديث العقيقة ؟ فسألته: فقال: من سمرة بن جندب.
والثاني: حديث " قلما خطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمر فيها بالصدقة، ونهى عن المثلة " أخرجه أحمد 5 / 12 من طريق هشيم، حدثنا حميد، عن الحسن، قال: جاءه رجل، فقال: إن عبدا له أبق، وإنه نذر إن قدر عليه أن يقطع يده، فقال الحسن: حدثنا سمرة قال: فذكره.
(2) هو سعيد بن يزيد بن مسلمة الأزدي البصري ثقة روى له الستة، وقد تحرف في المطبوع إلى " سلمة ".
(3) لا يصح، إسماعيل بن حكيم هو الخزاعي صاحب الزيادي ترجمه ابن أبي حاتم 2 / 165،
فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأنس بن حكيم مجهول.

(3/184)


وَرَوَى نَحْوَهُ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَوْسِ بنِ خَالِدٍ، قَالَ:
كُنْتُ إِذَا قَدِمْتُ عَلَى أَبِي مَحْذُوْرَةَ، سَأَلَنِي عَنْ سَمُرَةَ، وَإِذَا قَدِمْتُ عَلَى سَمُرَةَ، سَأَلَنِي عَنْ أَبِي مَحْذُوْرَةَ.
فَقُلْتُ لأَبِي مَحْذُوْرَةَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّيْ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فِي بَيْتٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (آخِرُكُم مَوْتاً فِي النَّارِ).
فَمَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ، ثُمَّ مَاتَ أَبُو مَحْذُوْرَةَ (1).
مَعْمَرٌ: عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ، وَغَيْرِهِ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ، وَآخَرَ: (آخِرُكُم مَوْتاً فِي النَّارِ).
فَمَاتَ الرَّجُلُ قَبْلَهُمَا، فَكَانَ إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُغِيْظَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُوْلُ: مَاتَ سَمُرَةُ.
فَيُغْشَى عَلَيْهِ، وَيُصْعَقُ، فَمَاتَ قَبْلَ سَمُرَةَ.
وَقَتَلَ سَمُرَةُ بَشَراً كَثِيْراً.
سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا عَامِرُ بنُ أَبِي عَامِرٍ، قَالَ:
كُنَّا فِي مَجْلِسِ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، فَقَالُوا: مَا فِي الأَرْضِ بُقْعَةٌ نَشِفَتْ مِنَ الدَّمِ مَا نَشِفَتْ هَذِهِ - يَعْنُوْنَ دَارَ الإِمَارَةِ - قُتِلَ بِهَا سَبْعُوْنَ أَلْفاً.
فَسَأَلْتُ يُوْنُسَ، فَقَالَ: نَعَمْ، مِنْ بَيْنِ قَتِيْلٍ وَقَطِيْعٍ.
قِيْلَ: مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؟
قَالَ: زِيَادٌ، وَابْنُهُ، وَسَمُرَةُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ: نَرْجُو لَهُ بِصُحْبَتِهِ.
وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: كَانَ سَمُرَةُ عَظِيْمَ الأَمَانَةِ، صَدُوْقاً.
وَقَالَ هِلاَلُ بنُ العَلاَءِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ رَجُلٍ:
أَنَّ سَمُرَةَ اسْتَجْمَرَ، فَغَفِلَ عَنْ نَفْسِهِ، حَتَّى احْتَرَقَ (2) .
فَهَذَا إِنْ صَحَّ، فَهُوَ مُرَادُ
__________
(1) لا يصح، علي بن جدعان هو ابن زيد بن جدعان ضعيف، وأوس بن خالد هو ابن أبي أوس مجهول.
(2) انظر ابن سعد 6 / 34، و7 / 50.

(3/185)


النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي: نَارَ الدُّنْيَا (1) -.
مَاتَ سَمُرَةُ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَنَقَلَ ابْنُ الأَثِيْرِ: أَنَّهُ سَقَطَ فِي قِدْرٍ مَمْلُوْءةٍ مَاءً حَارّاً، كَانَ يَتَعَالَجُ بِهِ مِنَ البَارِدَةِ، فَمَاتَ فِيْهَا.
وَكَانَ زِيَادُ بنُ أَبِيْهِ يَسْتَخْلِفُهُ عَلَى البَصْرَةِ إِذَا سَارَ إِلَى الكُوْفَةِ، وَيَسْتَخْلِفُهُ عَلَى الكُوْفَةِ إِذَا سَارَ إِلَى البَصْرَةِ.
وَكَانَ شَدِيْداً عَلَى الخَوَارِجِ، قَتَلَ مِنْهُم جَمَاعَةً.
وَكَانَ الحَسَنُ وَابْنُ سِيْرِيْنَ يُثْنِيَانِ عَلَيْهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.

36 - جَابِرُ بنُ سَمُرَةَ بنِ جُنَادَةَ بنِ جُنْدُبٍ السُّوَائِيُّ * (ع)
أَبُو خَالِدٍ السُّوَائِيُّ.
وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ.
لَهُ: صُحْبَةٌ مَشْهُوْرَةٌ، وَرِوَايَةُ أَحَادِيْثَ.
وَلَهُ أَيْضاً عَنْ: عُمَرَ، وَسَعْدٍ، وَأَبِي أَيُّوْبَ، وَوَالِدِهِ.
شَهِدَ الخُطبَةَ بِالجَابِيَةِ، وَسَكَنَ الكُوْفَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ (2) : الشَّعْبِيُّ، وَتَمِيْمُ بنُ طَرَفَةَ، وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَأَبُو
__________
(1) في " تاريخ المؤلف " 2 / 291: إن صح هذا، فيكون إن شاء الله قوله عليه السلام " آخركم موتا في النار " متعلقا بموته في النار لا بذاته.
(*) طبقات ابن سعد 6 / 24، طبقات خليفة: ت 397، 894، التاريخ الكبير 2 / 205، الجرح والتعديل 2 / 493، مشاهير علماء الأمصار: ت 304، المستدرك 3 / 617، جمهرة أنساب العرب: 273، الاستيعاب: 224، تاريخ بغداد 1 / 186، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 72، تاريخ ابن عساكر 3 / 307 ب، أسد الغابة 1 / 254، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 142، تهذيب الكمال: 181، تاريخ الإسلام 3 / 2، العبر 1 / 74، تذهيب التهذيب
1 / 99 آ، الإصابة 1 / 212، تهذيب التهذيب 2 / 39، معجم الطبراني 2 / 212، 287، خلاصة تذهيب الكمال: 50، شذرات الذهب 1 / 74، تهذيب ابن عساكر 3 / 388.
(2) في المطبوع: " عن " بدل " حدث عنه ".

(3/186)


خَالِدٍ الوَالِبِيُّ، وَزِيَادُ بنُ عِلاَقَةَ، وَحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَأَبُو عَوْنٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ (1) اللهِ الثَّقَفِيُّ، وَابْنُ خَالِهِ؛ عَامِرُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ.
وَهُوَ وَأَبُوْهُ مِنْ حُلَفَاءِ زُهْرَةَ، وَلَهُ بِالكُوْفَةِ دَارٌ، وَعَقِبٌ.
وَشَهِدَ فَتْحَ المَدَائِنِ، وَخَلَّفَ مِنَ الأَوْلاَدِ: خَالِداً، وَطَلْحَةَ، وَسَالِماً.
شُعْبَةُ: عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُرُّ بِنَا، فَيَمْسَحُ خُدُوْدَنَا، فَمَرَّ ذَاتَ يَوْمٍ، فَمَسَحَ خَدِّي، فَكَانَ الخَدُّ الَّذِي مَسَحَهُ أَحْسَنَ (2).
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (3) : مَاتَ جَابِرُ بنُ سَمُرَةَ فِي وِلاَيَةِ بِشْرِ بنِ مَرْوَانَ عَلَى العِرَاقِ.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ (4) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ.
__________
(1) تحرف في المطبوع إلى " عبد ".
(2) أخرجه الطبراني برقم (1909) من طريق عثمان بن أبي شيبة، عن شعبة، وأخرجه مسلم (2329) من طريق عمرو بن حماد بن طلحة القناد، حدثنا أسباط، عن سماك، عن جابر ابن سمرة، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله، وخرجت معه، فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا، قال: وأما أنا، فمسح خدي، قال:
فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جؤنة عطار.
(3) في " الطبقات " 6 / 24.
(4) الذي في " طبقاته ": 57 و132 أنه مات في ولاية بشر بن مروان، وزاد في الرواية الثانية: سنة ثلاث وسبعين، وذكر في " تاريخه ": 273 أن ولاية بشر بن مروان للعراق كانت سنة أربع وسبعين، وقال: وفي ولاية بشر مات جابر بن سمرة السوائي، وفي التهذيب وفروعه نقلا عن خليفة أنه مات سنة ثلاث وسبعين إلا أن الحافظ ابن حجر قال: وقيل عنه أي: عن خليفة: 76.

(3/187)


وَبِكُلِّ حَالٍ مَاتَ قَبْلَ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ.
يَقَعُ لِي مِنْ عَوَالِيْهِمَا.

37 - حَبِيْبُ بنُ مَسْلَمَةَ بنِ مَالِكٍ القُرَشِيُّ الفِهْرِيُّ * (د، ق)
الأَمِيْرُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَقِيْلَ: أَبُو مَسْلَمَةَ - القُرَشِيُّ، الفِهْرِيُّ.
لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ يَسِيْرَةٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ: جُنَادَةُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَزِيَادُ بنُ جَارِيَةَ، وَقَزَعَةُ بنُ يَحْيَى، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَمَالِكُ بنُ شُرَحْبِيْلَ.
وَجَاهَدَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَشَهِدَ اليَرْمُوْكَ أَمِيْراً، وَسَكَنَ دِمَشْقَ، وَكَانَ مُقَدَّمَ مَيْسَرَةِ مُعَاوِيَةَ نَوْبَةَ صِفِّيْنَ.
وَهُوَ القَائِلُ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَّلَ الثُّلُثَ (1).
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 409، طبقات خليفة: ت 162، 2830، المحبر: 294، التاريخ الكبير 2 / 310، التاريخ الصغير 1 / 129، الجرح والتعديل 3 / 108، المستدرك 3 / 346 و432، جمهرة أنساب العرب: 178، 179، الاستيعاب: 320، تاريخ ابن عساكر 4 / 90 ب، أسد الغابة 1 / 374، تهذيب الكمال: 232، تاريخ الإسلام 2 / 215، تذهيب التهذيب 1 / 120 آ، العقد الثمين 4 / 94، الإصابة 1 / 309، تهذيب التهذيب 2 / 190، خلاصة
تذهيب الكمال: 61، تهذيب ابن عساكر 4 / 38.
(1) أخرجه أبو داود (2750) في الجهاد: باب فيمن قال: الخمس قبل النفل، من طريق مكحول، عن زياد بن جارية التميمي، عن حبيب بن مسلمة الفهري، قال: " شهدت النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة، والثلث في الرجعة " وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (1672)، وهو في معجم الطبراني برقم (3518) و(3519) و(3520) و(3521) و(3522) و(3523) و(3524) و(3525) و(3526) و(3528) و(3529) و(3530) و(3531) و(3532) وانظر " المسند " 4 / 159 و160، و" المصنف " (9331) و(9333)، و" مسند الحميدي " (871)، و" سنن أبي داود " (2748)، وابن ماجه (2851)، و" المستدرك " 2 / 133.
وفي الباب عن عبادة بن الصامت عند أحمد 5 / 319، 320، وابن ماجه (2852)، والترمذي (1561) وحسنه.

(3/188)


وَكَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوْكٍ ابْنَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً.
وَقِيْلَ: كَانَ يُقَالُ لَهُ: حَبِيْبُ الرُّوْمِ؛ لِكَثْرَةِ دُخُوْلِهِ بِغَزْوِهِم (1).
وَوَلِيَ أَرْمِيْنِيَةَ لِمُعَاوِيَةَ، فَمَاتَ بِهَا، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَلَهُ نِكَايَةٌ (2) قَوِيَّةٌ فِي العَدُوِّ.
لَهُ أَخْبَارٌ فِي (تَارِيْخِ دِمَشْقَ).

38 - جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ حَرَامٍ السَّلِمِيُّ * (ع)
ابْنِ ثَعْلَبَةَ بنِ حَرَامِ بنِ كَعْبِ بنِ غَنْمِ بنِ كَعْبِ بنِ سَلِمَةَ، الإِمَامُ الكَبِيْرُ، المُجْتَهِدُ، الحَافِظُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، السَّلِمِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ.
مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ شَهِدَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ مَوْتاً.
رَوَى: عِلْماً كَثِيْراً عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَالزُّبَيْرِ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُسَيِّبِ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، وَسَعِيْدُ بنُ مِيْنَاءٍ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، وَأَبُو سُفْيَانَ
__________
(1) " المستدرك " 3 / 347 و432.
(2) تحرف في الأصل إلى " مكانة ".
(*) طبقات خليفة: ت 623، المحبر: 298، التاريخ الكبير 2 / 207، الجرح والتعديل 2 / 492، مشاهير علماء الأمصار: ت 25، المتدرك 3 / 564، الاستيعاب: 219، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 72، تاريخ ابن عساكر 3 / 311 آ، جامع الأصول 9 / 86، أسد الغابة 1 / 256، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 142، تهذيب الكمال: 182، تاريخ الإسلام 3 / 143، تذكرة الحفاظ 1 / 40، العبر 1 / 89، تذهيب التهذيب 1 / 99 ب، جامع الأصول 9 / 86، الإصابة 1 / 213، تهذيب التهذيب 2 / 42، معجم الطبراني 2 / 194، خلاصة تذهيب الكمال 50، شذرات الذهب 1 / 84 وفيه ابن عمر بن حرام، تهذيب ابن عساكر 3 / 389.

(3/189)


طَلْحَةُ بنُ نَافِعٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَسِنَانُ بنُ أَبِي سِنَانٍ الدِّيْلِيُّ، وَأَبُو المُتَوَكِّلِ النَّاجِي، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ، وَمُعَاذُ بنُ رِفَاعَةَ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَمُحَارِبُ بنُ دِثَارٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَتِيْقٍ، وَشُرَحْبِيْلُ بنُ سَعْدٍ، وَطَاوُوْسٌ، وَعَاصِمُ بنُ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مِقْسَمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُرَاقَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي قَتَادَةَ، وَخَلْقٌ.
وَكَانَ مُفْتِي المَدِيْنَةِ فِي زَمَانِهِ.
عَاشَ بَعْدَ ابْنِ عُمَرَ أَعْوَاماً، وَتَفَرَّدَ.
شَهِدَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ مَعَ وَالِدِهِ، وَكَانَ وَالِدُهُ مِنَ النُّقَبَاءِ البَدْرِيِّيْنَ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَحْيَاهُ الله -تَعَالَى - وَكَلَّمَهُ كِفَاحاً (1) ، وَقَدِ انْكَشَفَ عَنْهُ قَبْرُهُ إِذْ أَجْرَى مُعَاوِيَةُ عَيْناً عِنْدَ قُبُوْرِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ، فَبَادَرَ جَابِرٌ إِلَى أَبِيْهِ بَعْدَ دَهْرٍ، فَوَجَدَهُ طَرِيّاً لَمْ يَبْلُ (2) .
وَكَانَ جَابِرٌ قَدْ أَطَاعَ أَبَاهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَعَدَ لأَجْلِ أَخَوَاتِهِ، ثُمَّ شَهِدَ الخَنْدَقَ وَبَيْعَةَ الشَّجَرَةِ، وَشَاخَ، وَذَهَبَ بَصَرُهُ، وَقَارَبَ التِّسْعِيْنَ.
رَوَى: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
اسْتَغْفَرَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ البَعِيْرِ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ مَرَّةً (3) .
وَقَدْ وَرَدَ: أَنَّهُ شَهِدَ بَدْراً.
__________
(1) أي مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول، والحديث أخرجه الترمذي (3010) في التفسير، وابن ماجه (190) في المقدمة من طريق موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري، عن طلحة بن خراش عن جابر.
وهذا سند حسن، وأخرجه بنحوه أحمد في " المسند " 3 / 361 من طريق علي بن المديني، عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن علي بن ربيعة السلمي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر...وهذا سند حسن في الشواهد، وانظر " المستدرك " 3 / 203.
(2) انظر تفصيل ذلك في " طبقات ابن سعد " 3 / 562 و563، والسند صحيح.
(3) رجاله ثقات، أخرجه الترمذي (3852) في المناقب، من طريق ابن أبي عمر، عن بشر بن السري بهذا الإسناد، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، ومعنى قوله: " ليلة البعير ": ما روي عن جابر من غير وجه: أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فباع بعيره من النبي صلى الله عليه وسلم، واشترط ظهره إلى المدينة.
يقول جابر: ليلة بعث من النبي صلى الله عليه وسلم العير استغفر لي خمسا وعشرين مرة. انظر =

(3/190)


قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
كُنْتُ أَمْتَحُ (1) لأَصْحَابِي يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَقِيَ عَطَاءٌ، وَعَمْرٌو جَابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ سَنَةَ جَاوَرَ بِمَكَّةَ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ عَاشَ أَرْبَعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، فَعَلَى هَذَا، كَانَ عُمُرُهُ يَوْمَ بَدْرٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً.
الوَاقِدِيُّ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
غَزَوْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتَّ عَشْرَةَ غَزْوَةٍ، لَمْ أَقْدِرْ أَنْ أَغْزُوَ حَتَّى قُتِلَ أَبِي بِأُحُدٍ، كَانَ يُخَلِّفُنِي عَلَى أَخَوَاتِي، وَكُنَّ تِسْعاً، فَكَانَ أَوَّلَ مَا غَزَوْتُ مَعَهُ حَمْرَاءُ الأَسَدِ (2) .
وَرَوَى: ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مِقْسَمٍ، قَالَ:
رَحَلَ جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ فِي آخِرِ عُمُرِهِ إِلَى مَكَّةَ فِي أَحَادِيْثَ سَمِعَهَا، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المَدِيْنَةِ.
وَيُرْوَى: أَنَّ جَابِراً رَحَلَ فِي حَدِيْثِ القِصَاصِ إِلَى مِصْرَ (3) ، لِيَسْمَعَهُ مِنْ
__________
= " جامع الأصول " 1 / 509، 517، بتحقيق الأستاذ عبد القادر الأرناؤوط.
وهو في " ابن عساكر " 3 / 317 آ.
(1) في الأصل: " مقيح أصحابي " وهو خطأ، وأورده المؤلف في " تاريخه " 3 / 143 من مسند الحسن بن سفيان، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: كنت أمتح لاصحابي الماء يوم بدر.
وأخرجه البخاري في " تاريخه " وصحح الحافظ في " الإصابة " 1 / 213 إسناده، وهو في " المستدرك " 3 / 565، وأنكر الواقدي رواية أبي سفيان عن جابر هذه وقال: وهذا وهم من أهل العراق، وعلق المؤلف على قول الواقدي هذا في " تاريخه " بقوله: صدق، فإن زكريا بن إسحاق روى عن أبي الزبير، عن جابر قال: ؟ ؟ أشهد بدرا ولا أحدا، منعني أبي فلما قتل، لم أتخلف عن غزوة. أخرجه مسلم (1813).
(2) وفي الطبراني برقم (1742) من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا عمر بن الحسن، حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن ياسين الزيات، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة غزوة.
(3) الصواب: إلى الشام، فقد أخرج الامام أحمد 3 / 495، والبخاري في " الأدب المفرد " (970)، واخطيب البغدادي في " الرحلة " (31) من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل =

(3/191)


عَبْدِ اللهِ بنِ أُنَيْسٍ.
سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ المِنْقَرِيُّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي خَارِجَةُ بنُ الحَارِثِ، قَالَ:
مَاتَ جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، وَرَأَيْتُ عَلَى سَرِيْرِهِ بُرْداً، وَصَلَّى عَلَيْهِ: أَبَانُ بنُ عُثْمَانَ، وَهُوَ وَالِي المَدِيْنَةِ (1).
وَرُوِيَ: عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي جَيْشِ خَالِدٍ فِي حِصَارِ دِمَشْقَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: شَهِدَ جَابِرٌ العَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِيْنَ، وَكَانَ أَصْغَرَهُم.
وَقَالَ جَابِرٌ: قَالَ لَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ: (أَنْتُمُ اليَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ).
وَكُنَّا أَلْفاً وَأَرْبَعَ مائَةٍ (2) .
وَقَالَ جَابِرٌ: عَادَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا لاَ أَعْقِلُ، فَتَوَضَّأَ، وَصَبَّ عَلَيَّ مِنْ
__________
= أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: بلغني عن رجل حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتريت بعيرا، ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرا، حتى قدمت عليه الشام، فإذا عبد الله بن أنيس، فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب، فقال: ابن عبد الله ؟ قلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه، فاعتنقني واعتنقته، فقلت: حديثا بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص، فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يحشر الناس يوم القيامة - أو قال العباد - عراة غرلا بهما، قال: قلنا: وما بهما ؟ قال: ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد - أحسبه قال - كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار، وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه حتى اللطمة. قال: قلنا: كيف وإنما نأتي الله عزوجل عراة غرلا بهما ؟ قال: " بالحسنات والسيئات ".
وحسنه الحافظ في " الفتح " 1 / 158، وصححه الحاكم 2 / 437، 438، ووافقه الذهبي، وله طريق أخرى عند الطبراني في " مسند الشاميين " من طريق الحجاج بن دينار، عن محمد بن المنكدر، عن جابر
نحوه، وله طريق ثالث عند الخطيب رقم (33) لكنه تالف.
(1) هو في " المستدرك " 3 / 565، والطبراني (1733) عن محمد بن عمر - وهو الواقدي -
(2) أخرجه البخاري 7 / 341 في المغازي، ومسلم (1856) (71) من طريق سفيان، عن عمرو، سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال.
فذكره.

(3/192)


وَضُوْئِهِ (1) ، فَعَقَلْتُ.
وَقَالَ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ: كُفَّ بَصَرُ جَابِرٍ.
وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنْ أُبَيِّ بنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
كُنَّا بِمِنَىً، فَجَعَلْنَا نُخْبِرُ جَابِراً بِمَا نَرَى مِنْ إِظْهَارِ قُطُفِ الخَزِّ وَالوَشْيِ -يَعْنِي: السُّلْطَانَ وَمَا يَصْنَعُوْنَ - فَقَالَ:
لَيْتَ سَمْعِي قَدْ ذَهَبَ، كَمَا ذَهَبَ بَصَرِي، حَتَّى لاَ أَسْمَعَ مِنْ حَدِيْثِهِم شَيْئاً، وَلاَ أُبْصِرُهُ.
وَيُرْوَى: أَنَّ جَابِراً دَخَلَ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ لَمَّا حَجَّ، فَرَحَّبَ بِهِ، فَكَلَّمَهُ فِي أَهْلِ المَدِيْنَةِ أَنْ يَصِلَ أَرْحَامَهُم، فَلَمَّا خَرَجَ، أَمَرَ لَهُ بِخَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَقَبِلَهَا.
وَعَنْ أَبِي الحُوَيْرِثِ، قَالَ:
هَلَكَ جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، فَحَضَرْنَا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَلَمَّا خَرَجَ سَرِيْرُهُ مِنْ حُجْرَتِهِ، إِذَا حَسَنُ بنُ حَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ بَيْنَ عَمُوْدَيِ السَّرِيْرِ، فَأَمَرَ بِهِ الحَجَّاجُ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ بَيْنِ العَمُوْدَيْنِ، فَيَأْبَى عَلَيْهِم.
فَسَأَلَهُ بَنُوْ جَابِرٍ إِلاَّ خَرَجَ، فَخَرَجَ، وَجَاءَ الحَجَّاجُ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ العَمُوْدَيْنِ، حَتَّى وُضِعَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى القَبْرِ، فَإِذَا حَسَنُ بنُ حَسَنٍ قَدْ نَزَلَ فِي القَبْرِ، فَأَمَرَ بِهِ الحَجَّاجُ أَنْ يُخْرَجَ، فَأَبَى.
فَسَأَلَهُ بَنُوْ جَابِرٍ بِاللهِ، فَخَرَجَ، فَاقْتَحَمَ الحَجَّاجُ الحُفْرَةَ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُ.
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ.
رَوَاهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادٍ المَكِّيُّ، عَنْ حَنْظَلَةَ بنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي الحُوَيْرِثِ (2) .
وَفِي وَقْتِ وَفَاةِ جَابِرٍ كَانَ الحَجَّاجُ عَلَى إِمْرَةِ العِرَاقِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ
__________
(1) تحرفت الجملة في المطبوع إلى " فتوضأت على وضوئه ".
(2) أخرجه الطبراني برقم (1788)، وقال الهيثمي في " المجمع " 3 / 31: وأبو الحويرث وثقه ابن حبان، وضعفه مالك وغيره.
وأورده المؤلف في " تاريخه " 3 / 145، وقال: هذا حديث منكر، فإن جابرا توفي والحجاج على إمرة العراق.

(3/193)


قَدْ وَفَدَ حَاجّاً أَوْ زَائِراً.
وَكَانَ آخِرَ مَنْ شَهِدَ العَقَبَةَ مَوْتاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ.
قِيْلَ: إِنَّهُ عَاشَ أَرْبَعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَأَضَرَّ بِأَخَرَةٍ.
(مُسْنَدُهُ): بَلَغَ أَلْفاً وَخَمْسَ مائَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً.
اتَّفَقَ لَهُ الشَّيْخَانِ: عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَخَمْسِيْنَ حَدِيْثاً، وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ: بِسِتَّةٍ وَعِشْرِيْنَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ: بِمائَةٍ وَسِتَّةٍ وَعِشْرِيْنَ حَدِيْثاً.
التَّبُوْذَكِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ دِيْنَارٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ:
كَانَ جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ عَرِيْفاً، عَرَّفَهُ عُمَرُ.
يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ المَدَنِيُّ، قَالَ:
كَانَ جَابِرٌ لاَ يَبْلُغُ إِزَارُهُ كَعْبَهُ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ بَيْضَاءُ، رَأَيْتُهُ قَدْ أَرْسَلَهَا مِنْ وَرَائِهِ.
وَقَالَ عَاصِمُ بنُ عُمَرَ: أَتَانَا جَابِرٌ وَعَلَيْهِ مُلاَءتَانِ - وَقَدْ عَمِي - مُصَفِّراً لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ بِالوَرْسِ، وَفِي يَدِهِ قَدَحٌ.
الوَاقِدِيُّ: أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بنُ وَرْدَانَ: رَأَيْتُ جَابِراً أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.

39 - البَرَاءُ بنُ عَازِبِ بنِ الحَارِثِ الأَنْصَارِيُّ الحَارِثِيُّ * (ع)
الفَقِيْهُ الكَبِيْرُ، أَبُو عُمَارَةَ الأَنْصَارِيُّ، الحَارِثِيُّ، المَدَنِيُّ،
__________
(*) طبقات ابن سعد 4 / 364 و6 / 17، طبقات خليفة: ت 522، 923، 1500، المحبر: 298، 412، التاريخ الكبير 2 / 117، التاريخ الصغير 1 / 164 - 165، المعارف: 326، الجرح والتعديل 2 / 399، مشاهير علماء الأمصار: ت 272، جمهرة أنساب العرب: 341، الاستيعاب: 155، تاريخ بغداد 1 / 177، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 61، أسد =

(3/194)


نَزِيْلُ الكُوْفَةِ، مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ.
رَوَى حَدِيْثاً كَثِيْراً، وَشَهِدَ غَزَوَاتٍ كَثِيْرَةً مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتُصْغِرَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَالَ: كُنْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ لِدَةً (1) .
وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَخَالِهِ؛ أَبِي بُرْدَةَ بنِ نِيَارٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الخَطْمِيُّ، وَأَبُو جُحَيْفَةَ السُّوَائِيُّ الصَّحَابِيَّانِ، وَعَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ، وَسَعْدُ بنُ عُبَيْدَةَ، وَأَبُو عُمَرَ زَاذَانُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَطَائِفَةٌ سِوَاهُم.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ.
وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ، عَنْ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَأَبُوْهُ مِنْ قُدَمَاءِ الأَنْصَارِ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: لَمْ نَسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ فِي المَغَازِي (2) .
وَرَوَى: أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ، قَالَ:
غَزَوْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَ عَشْرَةَ غَزْوَةً (3).
__________
= الغاية 1 / 171، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 132، تهذيب الكمال: 142، تاريخ الإسلام 3 / 139، العبر 1 / 79، تذهيب التهذيب 1 / 80 آ، معجم الطبراني 2 / 8، الوافي بالوفيات
10 / 104، مرآة الجنان 1 / 145، مجمع الزوائد 9 / 381، تهذيب التهذيب 1 / 425، الإصابة 1 / 142، خلاصة تذهيب الكمال: 39، شذرات الذهب 1 / 77، 78.
(1) ابن سعد 4 / 367 من طريق عبد الله بن نمير، عن الأعمش، عن أبي إسحاق - عن البراء، وأخرجه البخاري 7 / 226، من طريق شعبة، عن أبي إسحاق، سمع البراء يقول: استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر.
(2) وتمام كلامه كما في ابن سعد 4 / 365: وقد سمعنا بحديثه في الرجل الذي اشتراه منه أبو بكر، ثم أورد الحديث (وهو حديث الهجرة) من طريق عبيد الله بن موسى، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: اشترى أبو بكر من عازب رجلا بثلاثة عشر درهما، فقال أبو بكر لعازب: مر البراء، فليحمله إلى رحلي، فقال له عازب: لا حتى تحدثنا كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجتما والمشبركون يطلبونكم.
(3) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 4 / 368، و" مسند الطيالسي " 2 / 141.

(3/195)


الأَعْمَشُ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: رَأَيْتُ عَلَى البَرَاءِ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ فِيْهِ يَاقُوْتَةٌ (1).
(مُسْنَدُهُ): ثَلاَثُ مائَةٍ وَخَمْسَةُ أَحَادِيْثَ.
لَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ): اثْنَانِ وَعِشْرُوْنَ حَدِيْثاً.
وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِخَمْسَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ: بِسِتَّةٍ.
__________
(1) وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 368 من طريق الفضل بن دكين، حدثنا يونس ابن أبي إسحاق وشعبة، ومالك، عن أبي السفر سعيد بن محمد قال: رأيت على البراء بن عازب خاتم ذهب.
وإسناده صحيح كما قال الحافظ في " الفتح " 10 / 368، وحديث النهي مروي عنه في " الصحيحين " وقد قيل: إنه حمل النهي على التنزيه، أو أنه كان يرى أن ذلك خصوصية له انظر " الفتح ".

(3/196)