سير أعلام
النبلاء، ط الرسالة وَمِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ:
46 - الضَّحَّاكُ بنُ قَيْسِ بنِ خَالِدٍ الفِهْرِيُّ
القُرَشِيُّ * (س)
الأَمِيْرُ، أَبُو أُمَيَّةَ.
وَقِيْلَ: أَبُو أُنَيْسٍ.
وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَقِيْلَ: أَبُو سَعِيْدٍ الفِهْرِيُّ، القُرَشِيُّ.
عِدَادُهُ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَلَهُ أَحَادِيْثُ.
خَرَّجَ لَهُ النَّسَائِيُّ.
وَقَدْ رَوَى عَنْ: حَبِيْبِ بنِ مَسْلَمَةَ أَيْضاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ -
وَوَصَفَهُ بِالعَدَالَةِ - وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ،
وَالشَّعْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُوَيْدٍ الفِهْرِيُّ،
وَعُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ، وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَأَبُو
إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ (1) : شَهِدَ
فَتْحَ دِمَشْقَ، وَسَكَنَهَا.
وَكَانَ عَلَى عَسْكرِ دِمَشْقَ يَوْمَ صِفِّيْنَ.
حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ، عَنْ
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 410، نسب قريش: 447، طبقات خليفة: ت
163، 837، 1437، 2831، المحبر: 295، 302، التاريخ الكبير 4
/ 332، المعارف: 412، الجرح والتعديل 4 / 457، مشاهير
علماء الأمصار: ت 368، المستدرك 3 / 524، جمهرة أنساب
العرب: 178، الاستيعاب: 744، تاريخ ابن عساكر 8 / 205 ب،
أسد الغابة 3 / 37. الكامل 4 / 149، تهذيب الكمال. 617،
تاريخ الإسلام 3 / 21، العبر 1 / 70، تذهيب التهذيب 2 /
198 آ، البداية والنهاية 8 / 241، العقد الثمين 5 / 48،
الإصابة 2 / 207، تهذيب التهذيب 4 / 448، خلاصة تذهيب
الكمال: 149.
(1) في " تاريخه " 8 / 255 ب
(3/241)
مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ قَالَ عَلَى
المِنْبَرِ:
حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بنُ قَيْسٍ - وَهُوَ عَدْلٌ عَلَى
نَفْسِهِ -:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قَالَ: (لاَ يَزَالُ وَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى النَّاسِ
(1)).
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ جُدْعَانَ: عَنِ الحَسَنِ:
أَنَّ الضَّحَّاكَ بنَ قَيْسٍ كَتَبَ إِلَى قَيْسِ بنِ
الهَيْثَمِ - حِيْنَ مَاتَ يَزِيْدُ -:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّ بَيْنَ
يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَناً كَقِطَعِ الدُّخَانِ، يَمُوْتُ
فِيْهَا قَلْبُ الرَّجُلِ كَمَا يَمُوْتُ بَدَنُهُ)
وَإِنَّ يَزِيْدَ قَدْ مَاتَ، وَأَنْتُم إِخْوَانُنَا،
فَلاَ تَسْبِقُونَا بِشَيْءٍ حَتَّى نَخْتَارَ
لأَنْفُسِنَا (2).
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ الضَّحَّاكُ بنُ
قَيْسٍ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَولاَّهُ الكُوْفَةَ، وَهُوَ
الَّذِي صَلَّى عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَقَامَ بِخِلاَفَتِهِ
حَتَّى قَدِمَ يَزِيْدُ، ثُمَّ بَعْدَهُ دَعَا إِلَى ابْنِ
الزُّبَيْرِ، وَبَايعَ لَهُ، ثُمَّ دَعَا إِلَى نَفْسِهِ.
وَفِي بَيْتِ أُخْتِهِ فَاطِمَةَ اجْتَمَعَ أَهْلُ
الشُّوْرَى، وَكَانَتْ نَبيلَةً (3) .
وذَكَرَهُ مُسْلِمٌ: أَنَّهُ بَدْرِيٌّ، فَغَلِطَ.
وَقَالَ شَبَابٌ (4) : مَاتَ زِيَادُ بنُ أَبِيْهِ سَنَةَ
ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ بِالكُوْفَةِ، فَوَلاَّهَا
مُعَاوِيَةُ الضَّحَّاكَ، ثُمَّ صَرَفَهُ، وَوَلاَّهُ
دِمَشْقَ، وَوَلَّى الكُوْفَةَ ابْنَ أُمِّ الحَكَمِ.
فَبَقيَ الضَّحَّاكُ عَلَى دِمَشْقَ حَتَّى هَلكَ
يَزِيْدُ.
وَقِيْلَ: إِنَّ الضَّحَّاكَ خَطبَ بِالكُوْفَةِ قَاعِداً.
وَكَانَ جَوَاداً، لَبِسَ بُرْداً تُسَاوِي ثَلاَثَ مائَةِ
دِيْنَارٍ، فَسَاومَهُ رَجُلٌ بِهِ، فَوَهَبَهُ لَهُ،
وَقَالَ: شُحٌّ بِالمَرْءِ أَنْ يَبيعَ عِطَافَهُ (5).
__________
(1) ابن عساكر 8 / 205 ب.
ومحمد بن طلحة لم يوثقه غير ابن حبان على عادته في توثيق
المجاهيل.
(2) أخرجه أحمد 3 / 453، وابن سعد 7 / 410 وإسناده ضعيف
لضعف علي بن زيد بن جدعان، وهو عند ابن عساكر 8 / 206 آ،
وابن الأثير في " أسد الغابة " 3 / 50.
(3) ابن عساكر 8 / 206.
(4) في " تاريخه ": 219.
(5) ابن عساكر 8 / 208 آ.
(3/242)
قَالَ اللَّيْثُ: أَظهرَ الضَّحَّاكُ
بَيْعَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِدِمَشْقَ، وَدَعَا لَهُ،
فَسَارَ عَامَّةُ بَنِي أُمَيَّةَ وَحَشَمُهُم، فَلَحِقُوا
بِالأُرْدُنِّ، وَسَارَ مَرْوَانُ وَبَنُو بَحْدَلٍ إِلَى
الضَّحَّاكِ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا المَدَائِنِيُّ، عَنْ خَالِدِ
بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِيْهِ، وَعَنْ مَسْلَمَةَ بنِ
مُحَارِبٍ، عَنْ حَرْبِ بنِ خَالِدٍ، وَغَيْرِهِ:
أَنَّ مُعَاوِيَةَ بنَ يَزِيْدَ لَمَّا مَاتَ، دَعَا
النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ بِحِمْصَ إِلَى ابْنِ
الزُّبَيْرِ، وَدَعَا زُفَرُ بنُ الحَارِثِ أَمِيْرُ
قِنَّسْرِيْنَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَدَعَا إِلَيْهِ
بِدِمَشْقَ الضَّحَّاكُ سِرّاً لِمَكَانِ بَنِي أُمَيَّةَ
وَبَنِي كَلْبٍ.
وَبلغَ حَسَّانَ بنَ بَحْدَلٍ وَهُوَ بِفِلَسْطِيْنَ
وَكَانَ هَوَاهُ فِي خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ.
فَكَتَبَ إِلَى الضَّحَّاكِ يُعْظِمُ حَقَّ بَنِي
أُمَيَّةَ، وَيَذُمُّ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ
لِلرَّسُوْلِ: إِنْ قَرَأَ الكِتَابَ، وَإِلاَّ
فَاقْرَأْهُ عَلَى النَّاسِ.
وَكَتَبَ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ.
فَلَمْ يَقْرَأِ الضَّحَّاكُ كِتَابَهُ، فَكَانَ فِي
ذَلِكَ اخْتِلاَفٌ، فَسَكَّتَهُم خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ،
وَدَخَلَ الضَّحَّاكُ دَارَهُ (1) أَيَّاماً، ثُمَّ صَلَّى
بِالنَّاسِ، وَذَكَرَ يَزِيْدَ، فَشَتَمَهُ، فَقَامَ
رَجُلٌ مِنْ كَلْبٍ فَضَرَبَهُ بِعَصاً فَاقتتلَ النَّاسُ
بِالسُّيوفِ، وَدَخَلَ الضَّحَّاكُ دَارَ الإِمَارَةِ،
فَلَمْ يَخْرُجْ، وَتَفرَّقَ النَّاسُ؛ فَفِرقَةٌ
زُبَيْرِيَّةٌ، وَأُخْرَى بَحْدَلِيَّةٌ (2) ، وَفِرقَةٌ
لاَ يُبالُوْنَ.
ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يُبَايعُوا الوَلِيْدَ بنَ عُتْبَةَ
بنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَبَى، ثُمَّ تُوُفِّيَ.
وَطَلبَ الضَّحَّاكُ مَرْوَانَ، فَأَتَاهُ هُوَ وَعَمُّهُ،
وَالأَشْدَقُ، وَخَالِدُ بنُ يَزِيْدَ، وَأَخُوْهُ،
فَاعْتذَرَ إِلَيْهِم، وَقَالَ:
اكتُبُوا إِلَى ابْنِ بَحْدَلٍ حَتَّى يَنْزِلَ
الجَابِيَةَ، وَنَسيرُ إِلَيْهِ، وَيَستخلِفُ أَحَدُكُم.
فَقَدِمَ ابْنُ بَحْدَلٍ، وَسَارَ الضَّحَّاكُ وَبَنُو
أُمَيَّةَ يُرِيْدُوْنَ الجَابِيَةَ.
فَلَمَّا اسْتَقَلَّتِ الرَّايَاتُ مُوجّهَةً، قَالَ
مَعْنُ بنُ ثَوْرٍ، وَالقَيْسِيَّةُ لِلضَّحَّاكِ:
دَعَوْتَ إِلَى بَيْعَةِ رَجُلٍ أَحْزمِ النَّاسِ رَأْياً
وَفَضلاً وَبَأساً،
__________
(1) في " تهذيب ابن عساكر " 7 / 4: وكانت داره في حجر
الذهب مما يلي حائط المدينة مشرفة على بردى.
(2) زاد ابن عساكر: هواهم لبني حرب.
(3/243)
فَلَمَّا أَجبنَاكَ، سِرْتَ إِلَى هَذَا
الأَعْرَابِيِّ تُبَايعُ لابْنِ أُخْتِهِ!
قَالَ: فَمَا العَمَلُ؟
قَالُوا: تَصرِفُ الرَّايَاتِ، وَتَنْزِلُ، فَتُظْهِرُ
البَيْعَةَ لابْنِ الزُّبَيْرِ.
فَفَعَلَ، وَتَبِعَهُ النَّاسُ.
فكَتَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهِ بِإِمْرَةِ الشَّامِ،
وَطَرْدِ الأُمَوِيَّةِ مِنَ الحِجَازِ.
وَخَافَ مَرْوَانُ، فَسَارَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ
لِيُبَايِعَ، فَلَقِيَهُ بِأَذْرِعَاتٍ عُبَيْدُ اللهِ بنُ
زِيَادٍ مُقْبِلاً مِنَ العِرَاقِ، فَقَالَ:
أَنْتَ شَيْخُ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، سُبْحَانَ اللهِ!
أَرْضِيتَ أَنْ تُبَايِعَ أَبَا خُبَيْبٍ وَلأَنْتَ
أَوْلَى.
قَالَ: فَمَا تَرَى؟
قَالَ: ادْعُ إِلَى نَفْسِكَ، وَأَنَا أَكْفِيكَ قُرَيْشاً
وَمَوَالِيهَا.
فَرَجَعَ، وَنَزلَ بِبَابِ الفَرَادِيْسِ (1) .
وَبَقيَ يَرْكَبُ إِلَى الضَّحَّاكِ كُلَّ يَوْمٍ،
فَيُسلِّمُ عَلَيْهِ، وَيَرْجِعُ إِلَى مَنْزِلِهِ،
فَطَعَنَهُ رَجُلٌ بِحَربَةٍ فِي ظَهْرِهِ، وَعَلَيْهِ
دِرْعٌ، فَأَثْبَتَ الحَرْبَةَ، فَرُدَّ إِلَى مَنْزِلِهِ،
وَعَادَهُ الضَّحَّاكُ، وَأَتَاهُ بِالرَّجُلِ، فَعَفَا
عَنْهُ.
ثُمَّ قَالَ لِلضَّحَّاكِ: يَا أَبَا أُنَيْسٍ! العَجبُ
لَكَ وَأَنْت شَيْخُ قُرَيْشٍ، تَدعُو لابْنِ الزُّبَيْرِ،
وَأَنْتَ أَرْضَى مِنْهُ! لأَنَّكَ لَمْ تَزلْ
مُتَمَسِّكاً بِالطَّاعَةِ، وَهُوَ فَفَارقَ الجَمَاعَةَ.
فَأَصْغَى إِلَيْهِ، وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ ثَلاَثَةَ
أَيَّامٍ، فَقَالُوا: أَخَذْتَ عُهُودَنَا وَبَيعتَنَا
لِرَجُلٍ، ثُمَّ تَدْعُو إِلَى خَلْعِهِ مِنْ غَيْرِ
حَدَثٍ!
وَأَبَوْا، فَعَاودَ الدُّعَاءَ لابْنِ الزُّبَيْرِ،
فَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ.
فَقَالَ لَهُ ابْنُ زِيَادٍ: مَنْ أَرَادَ مَا تُرِيْدُ
لَمْ يَنْزِلِ المَدَائِنَ وَالحُصُونَ، بَلْ يَبرزُ،
وَيَجمعُ إِلَيْهِ الخَيلَ، فَاخْرُجْ، وَضُمَّ
الأَجْنَادَ.
فَفَعَلَ، وَنَزَلَ المَرجَ، فَانضمَّ إِلَى مَرْوَانَ
وَابْنِ زِيَادٍ جَمْعٌ.
وَتَزوَّجَ مَرْوَانُ بوَالِدَةِ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ،
وَهِيَ ابْنَةُ هَاشِمِ بنِ عُتْبَةَ بنِ رَبِيْعَةَ،
وَانضمَّ إِلَيْهِمْ عَبَّادُ بنُ زِيَادٍ فِي
مَوَالِيْهِ، وَانضمَّ إِلَى الضَّحَّاكِ زُفَرُ بنُ
الحَارِثِ الكِلاَبِيُّ أَمِيْرُ قِنَّسْرِيْنَ،
وَشُرَحْبِيْلُ بنُ ذِي الكَلاَعِ، فَصَارَ فِي
ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، وَمَرْوَانُ فِي ثَلاَثَةَ عَشَرَ
أَلْفاً، أَكْثَرُهُم رَجَّالَةٌ.
وَقِيْلَ: لَمْ يَكُنْ مَعَ مَرْوَانَ سِوَى ثَمَانِيْنَ
فَرَساً، فَالتَقَوْا بِالمَرجِ أَيَّاماً.
فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ:
__________
(1) باب الفراديس: من أبواب دمشق القديمة، ويقال له اليوم:
باب العمارة، ويقع في شمال الجامع الأموي.
(3/244)
لاَ تَنَالُ مِنْ هَذَا إِلاَّ بِمَكيدَةٍ،
فَادْعُ إِلَى المُوَادعَةِ، فَإِذَا أَمِنَ، فَكُرَّ
عَلَيْهِم.
فَرَاسَلَهُ، فَأَمْسَكُوا عَنِ الحَرْبِ.
ثُمَّ شدَّ مَرْوَانُ بِجَمْعهِ عَلَى الضَّحَّاكِ،
وَنَادَى النَّاسَ: يَا أَبَا أُنَيْسٍ! أَعَجْزاً بَعْدَ
كَيْسٍ؟
فَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَعَمْ لَعَمْرِي.
وَالتحَمَ الحَرْبُ، وَقُتِلَ الضَّحَّاكُ، وَصَبرَتْ
قَيْسٌ، ثُمَّ انهزَمُوا، فَنَادَى مُنَادِي مَرْوَانَ:
لاَ تَتْبَعُوا مُوَلِّياً (1) .
قَالَ الوَاقِدِيُّ: قُتِلَتْ قَيْسٌ بِمَرْجِ رَاهِطٍ
مَقْتَلَةً لَمْ تُقْتَلْهَا قَطُّ فِي نِصْفِ ذِي
الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ.
وَقِيْلَ: إِنَّ مَرْوَانَ لَمَّا أُتِيَ بِرَأْسِ
الضَّحَّاكِ، كَرِهَ قَتْلَهُ، وَقَالَ: الآنَ حِيْنَ
كَبِرَتْ سِنِّي، وَاقْتربَ أَجَلِي، أَقْبَلْتُ
بِالكَتَائِبِ أَضْرِبُ بَعضَهَا بِبَعْضٍ؟ (2)
47 - الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ بنِ عَبْدِ
المُطَّلِبِ * (ع)
ابْنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، الإِمَامُ السَّيِّدُ،
رَيْحَانَةُ
__________
(1) الخبر بطوله عند ابن عساكر 8 / 208 ب - 210 آ ما بين
الحاصرتين منه، وأثبته بدران في " تهذيبه " 7 / 7، 9.
(2) ابن عساكر 8 / 210 آ.
(*) نسب قريش: 46، طبقات خليفة: ت 8، 822، 1482، 1968،
المخبر: 18، 19، 45، 46، 57، 66، 293، 326، التاريخ الكبير
2 / 286، تاريخ الطبري 5 / 158، الجرح والتعديل 3 / 19،
مشاهير علماء الأمصار: ت 6، مروج الذهب 3 / 181، الحلية 2
/ 35، جمهرة أنساب العرب: 38، 39، الاستيعاب: 383، تاريخ
بغداد 1 / 138، تاريخ ابن عساكر 4 / 244 ب، جامع الأصول 9
/ 27، 36، أسد الغابة 2 / 9، الكامل 3 / 460، معجم
الطبراني 3 / 5، 97، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 158،
وفيات الأعيان 2 / 65، تهذيب الكمال: 271، تاريخ الإسلام 2
/ 216، تذهيب التهذيب 1 / 140 آ، الوافي بالوفيات 12 /
107، مرآة الجنان 1 / 122، البداية والنهاية 8 / 14 و33
و45، مجمع الزوائد 9 / 174، العقد الثمين 4 / 157، الإصابة
1 / 328، تهذيب التهذيب 2 / 295، تاريخ الخلفاء: 187،
خلاصة تذهيب الكمال: 67، شذرات الذهب 1 / 55، 56، تهذيب
ابن عساكر 4 / 202.
(3/245)
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَسِبْطُهُ، وَسَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ
الجَنَّةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ،
المَدَنِيُّ، الشَّهِيْدُ.
مَوْلِدُهُ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ مِنَ
الهِجْرَةِ.
وَقِيْلَ: فِي نِصْفِ رَمَضَانِهَا.
وَعَقَّ عَنْهُ جَدُّهُ بِكَبشٍ (1) .
وَحَفِظَ عَنْ جَدِّهِ أَحَادِيْثَ، وَعَنْ أَبِيْهِ
وَأُمِّهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُه؛ الحَسَنُ بنُ الحَسَنِ،
وَسُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ، وَأَبُو الحَوْرَاءِ (2)
السَّعْدِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَهُبَيْرَةُ بنُ يَرِيْمَ،
وَأَصْبَغُ بنُ نُبَاتَةَ، وَالمُسَيَّبُ بنُ نَجَبَةَ.
وَكَانَ يُشْبِهُ جَدَّهُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَهُ: أَبُو جُحَيْفَةَ (3) .
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ:
سَمِعْتُ بُرَيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ يُحدِّثُ عَنْ أَبِي
الحَوْرَاءِ:
قُلْتُ لِلْحَسَنِ: مَا تَذكُرُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
قَالَ: أَذْكُرُ أَنِّي أَخذْتُ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ
الصَّدَقَةِ، فَجَعَلتُهَا فِي فِيَّ، فَنَزَعهَا رَسُوْلُ
اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِلُعَابِهَا، فَجَعَلَهَا فِي التَّمْرِ.
فَقِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَمَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ
هَذِهِ التَّمْرَةِ لِهَذَا الصَّبيِّ؟
قَالَ: (إِنَّا - آلَ مُحَمَّدٍ - لاَ تَحِلُّ لَنَا
الصَّدَقَةُ).
قَالَ: وَكَانَ يَقُوْلُ: (دَعْ مَا يَرِيْبُكَ إِلَى مَا
لاَ يَرِيْبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِيْنَةٌ،
وَالكَذِبَ رِيْبَةٌ).
وَكَانَ يُعلِّمُنَا هَذَا الدُّعَاءَ: (اللَّهُمَّ
اهْدِنِي فِيْمَنْ هَدَيْتَ...)، الحَدِيْثَ (4).
__________
(1) أخرجه من حديث ابن عباس أبو داود (2841) بلفظ " عق
النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن بكبش، وعن الحسين بكبش
" وإسناده صحيح.
وأخرجه من حديث أنس ابن حبان (1061) والبيهقي 9 / 299،
ولفظه " عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حسن وحسين
بكبشين " وإسناده صحيح
(2) تصحف في المطبوع إلى " أبي الجوزاء " واسم أبي
الحوراء: ربيعة بن شيبان.
(3) هو وهب بن عبد الله السوائي، وقوله هذا أخرجه البخاري
في " صحيحه " 6 / 411 في المناقب: باب صفة النبي صلى الله
عليه وسلم.
وهو في " تاريخ دمشق " 1 / 587 لأبي زرعة.
(4) وتمامه.
" وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما
أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنه لايذل من واليت "، وربما قال
" تباركت ربنا وتعاليت " وهو في " المسند " 1 / 200،
وإسناده صحيح.
وأخرجه أبو داود (1425)، والترمذي (464) والنسائي 3 / 248،
=
(3/246)
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ،
أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ
بُرَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي الحَوْرَاءِ،
عَنِ الحَسَنِ، قَالَ:
عَلَّمَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَلمَاتٍ أَقُوْلُهُنَّ فِي القُنُوتِ:
(اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيْمَنْ هَدَيْتَ (1)).
إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئ، عَنْ
عَلِيٍّ، قَالَ:
لَمَّا وُلِدَ الحَسَنُ، جَاءَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (أَرُوْنِي ابْنِي؛
مَا سَمَّيْتُمُوْهُ؟).
قُلْتُ: حَرْبٌ.
قَالَ: (بَلْ هُوَ حَسَنٌ...)، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (2) .
يَحْيَى بنُ عِيْسَى التَّمِيْمِيُّ: حَدَّثَنَا
الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ:
قَالَ عَلِيٌّ: كُنْتُ رَجُلاً أُحبُّ الحَرْبَ، فَلَمَّا
وُلِدَ الحَسَنُ، هَمَمْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ حَرْباً.
فَسَمَّاهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: الحَسَنَ.
فَلَمَّا وُلِدَ الحُسَيْنُ، هَمَمْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ
حَرْباً، فَسَمَّاهُ: الحُسَيْنَ، وَقَالَ: (إِنَّنِي
سَمَّيْتُ ابْنَيَّ هَذَيْنِ بِاسْمِ ابْنَيْ هَرُوْنَ
شَبَّرَ وَشَبِيْرَ (3)).
عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ: عَنْ مُحَمَّدِ
بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّهُ سَمَّى ابْنَهُ الأَكْبَرَ حَمْزَةَ، وَسَمَّى
حُسَيْناً بِعَمِّهِ جَعْفَرٍ.
فَدَعَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فَقَالَ: (قَدْ غَيَّرْتُ اسْمَ ابْنَيَّ هَذَيْنِ).
فَسَمَّى: حَسَناً، وَحُسَيْناً (4).
__________
= وابن ماجه (1178)، والدارمي 1 / 373، والطيالسي (1179)،
وعبد الرزاق (4984) والطبراني (2701)، و(2702) و(3703)
و(2704) و(2705) و(2706) و(2707) و(2708) و(2711) و(2712)،
وصححه ابن حبان (512)، والحاكم 3 / 172.
(1) إسناده صحيح، وأخرجه الطبراني (2702) من طريق أبي مسلم
الكشي، عن الحكم ابن مروان بهذا الإسناد، وانظر الحديث
السابق.
وقوله في " القنوت " أي: قنوت الوتر كما هو مصرح به في
رواية الترمذي وغيره.
(2) أخرجه أحمد 1 / 98 و118، والطبراني (2713) و(2774)
و(2775) و(2776) وأورده الهيثمي في " المجمع " 8 / 52،
وزاد نسبته للبزار، وقال: ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح
غير هانئ بن هانئ، وهو ثقة، وصححه ابن حبان (2227).
(3) أخرجه الطبراني (2777) من طريق محمد بن عبد الله
الحضرمي، عن عبد الله بن عمر بن أبان بهذا الإسناد، وانظر
" المجمع " 8 / 52.
(4) أخرجه أحمد 1 / 159، والطبراني برقم (2780) وأورده في
" المجمع " 8 / 52، =
(3/247)
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ
عِكْرِمَةَ، قَالَ:
لَمَّا وَلدَتْ فَاطِمَةُ حَسَناً، أَتَتِ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمَّاهُ:
حَسَناً.
فَلَمَّا وَلَدَتِ الآخرَ، سَمَّاهُ: حُسَيْناً، وَقَالَ:
(هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا).
فَشقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ.
ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: أَنَّهُ - أَعْنِي
الحَسَنَ - وُلِدَ فِي نِصْفِ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ،
وَفِي شَعْبَانَ أَصَحُّ.
السُّفْيَانَانِ: عَنْ عَاصِمِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ
عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَذَّنَ فِي أُذُنِ الحَسَنِ بِالصَّلاَةِ حِيْنَ وُلِدَ
(1) .
أَيُّوْبُ: عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عَقَّ عَنِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ كَبْشاً كَبْشاً (2) .
شَرِيْكٌ: عَنِ ابْنِ عَقِيْلٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ
الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ:
لَمَّا وَلدَتْ فَاطِمَةُ حَسَناً، قَالَتْ: يَا رَسُوْلَ
اللهِ! أَلاَ أَعُقُّ عَنِ ابْنِي بِدَمٍ؟
قَالَ: (لاَ، وَلَكِنِ احْلِقِي رَأْسَهُ، وَتَصَدَّقِي
بِوَزْنِ شَعْرِهِ فِضَّةً عَلَى المَسَاكِيْنِ).
فَفَعَلْتُ (3).
__________
= وزاد نسبته إلى أبي يعلى والبزار، وقال: وفيه عبد الله
بن محمد بن عقيل، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(1) عاصم بن عبيد الله ضعيف، وباقي رجاله ثقات.
وهو في " المصنف " (7986)، و" المسند " 6 / 9، 392، وأبي
داود (5105)، والترمذي (1514)، والطبراني (2578)، والبيهقي
9 / 305، وله شاهد من حديث ابن عباس عند البيهقي في " شعب
الايمان " يتقوى به نقله عنه ابن القيم في " تحفة المودود
" ص (31).
(2) أخرجه أبو داود (2841) في الاضاحي: باب في العقيقة،
والطبراني برقم (2566)، والنسائي 7 / 166، وإسناده صحيح،
وصححه ابن دقيق العيد، وله شاهد من حديث أنس، وقد تقدم في
الصفحة (246) ت (1).
(3) أخرجه أحمد 6 / 390 و392، والطبراني (917) و(2576)،
وذكره الهيثمي في " المجمع " 4 / 57، وقال: وهو حديث حسن.
وفي الأصل " بدنة " بدل " بدم " وانظر " تحفة
المودود " 97، 99 لابن القيم.
(3/248)
جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: عَنْ أَبِيْهِ،
قَالَ:
وَزَنَتْ فَاطِمَةُ شَعْرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ، وَأُمِّ
كُلْثُوْمٍ، فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَتِهِ فِضَّةً (1) .
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ
ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ الحَارِثِ،
قَالَ:
صَلَّى بِنَا أَبُو بَكْرٍ العَصرَ، ثُمَّ قَامَ وَعَلِيٌّ
يَمْشيَانِ، فَرَأَى الحَسَنَ يَلعبُ مَعَ الغِلْمَانِ،
فَأَخَذَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَحَمَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ،
وَقَالَ:
بأَبِي شَبِيْهٌ النَّبِيّ ... لَيْسَ شَبِيْهٌ بِعَلِيّ
(2)
وَعَلِيٌّ يَتبسَّمُ.
عَلِيُّ بنُ عَابِسٍ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي
زِيَادٍ، عَنِ البَهِيِّ، قَالَ:
دَخَلَ عَلَيْنَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ
الحَسَنَ يَأْتِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَهُوَ سَاجِدٌ، يَرْكَبُ عَلَى ظَهْرِهِ،
وَيَأْتِي وَهُوَ رَاكعٌ، فَيَفْرِجُ لَهُ بَيْنَ
رِجْلَيْهِ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الجَانبِ الآخَرِ (3) .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ أَنَسٌ: كَانَ أَشْبَهَهُم
بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ -
الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ (4) .
إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئ، عَنْ
عَلِيٍّ، قَالَ: الحَسَنُ
__________
(1) رجاله ثقات لكنه مرسل، وانظر " الفتح " 9 / 515، فقد
نسبه لسعيد بن منصور.
(2) كذا الأصل " شبيه " بالرفع، وهو كذلك في البخاري 7 /
75 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب مناقب
الحسن والحسين، والوجه النصب، وخرج ابن مالك رواية الرفع
على أن " ليس " حرف عطف، وهو مذهب كوفي، قال: ويجوز أن
يكون " شبيه " اسم ليس، ويكون خبرها ضميرا متصلا حذف
استغناء عن لفظه بنيته، ونحوه قوله في خطبة الحج: " أليس
ذو الحجة ".
وأخرجه الطبراني (2527)، والحاكم 3 / 168.
(3) إسناده ضعيف لضعف علي بن عابس وشيخه، وأورده الهيثمي
في " المجمع " 9 / 175، وأعله بعلي بن عابس.
(4) أخرجه عبد الرزاق (20984)، والترمذي (3778)، والطبراني
(2543) من طريق معمر، عن الزهري، عن أنس..وهذا سند صحيح،
وقال الترمذي: حسن صحيح.
(3/249)
أَشْبَهُ النَّاسِ بِرَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَيْنَ
الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ، وَالحُسَيْنُ أَشْبَهُ بِهِ
مَا كَانَ أَسفلَ مِنْ ذَلِكَ (1) .
عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ:
أَنَّهُ شَبَّهَ الحَسَنَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ أُسَامَةُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأخُذُنِي وَالحَسَنَ، وَيَقُوْلُ:
(اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُحِبُّهُمَا، فَأَحِبَّهُمَا (2)).
وَفِي (الجَعْدِيَّاتِ) لِفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ: عَنْ
عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، عَنِ البَرَاءِ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لِلْحَسَنِ: (اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ،
وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ).
صَحَّحَهُ: التِّرْمِذِيُّ (3) .
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ
اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ، عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ لِلْحَسَنِ: (اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُحِبُّهُ،
فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ (4)).
وَرَوَاهُ: نُعَيْمٌ المُجْمِرُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
فَزَادَ: قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ الحَسَنَ إِلاَّ دَمَعَتْ
عَيْنِي (5).
__________
(1) أخرجه الترمذي (3781) في المناقب، وحسنه، وصححه ابن
حبان (2235).
(2) أخرجه البخاري 7 / 70 في فضائل أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم: باب ذكر أسامة بن زيد، وأحمد 5 / 210، وابن سعد
4 / 62.
(3) رقم (3782) ولفظه: أبصر حسنا وحسينا، فقال: " اللهم
إني أحبهما فأحبهما " وليس فيه عنده " وأحب من يحبهما "،
وأخرجه بدونها البخاري 7 / 75، ومسلم (2422) من طريق شعبة،
عن عدي بن ثابت، عن البراء قال: رأيت الحسن بن علي على
عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " اللهم إني
أحبه، فأحبه " وهو في " معجم الطبراني " (2583) مع
الزيادة، وذكره الهيثمي 9 / 176، وزاد نسبته للطبراني في "
الأوسط " والبزار وأبي يعلى، وقال: ورجال الكبير رجال
الصحيح.
(4) أسناده صحيح، وهو في " المسند " 2 / 249 و331.
(5) أخرجه أبو نعيم 2 / 35.
(3/250)
وَرَوَى نَحْوَهُ: ابْنُ سِيْرِيْنَ،
عَنْهُ، وَفِي ذَلِكَ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ، فَهُوَ
مُتَوَاتِرٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرَةَ: رَأَيتُ رَسُولَ الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى المِنْبَرِ،
وَالحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: (إِنَّ
ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ
بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ (1)).
يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، مَرْفُوعاً: (الحَسَنُ
وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ).
صَحَّحَهُ: التِّرْمِذِيُّ (2) .
وَحَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيْثِ أُسَامَةَ بنِ
زَيْدٍ، قَالَ:
خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- لَيْلَةً وَهُوَ مُشتمِلٌ عَلَى شَيْءٍ.
قُلْتُ: مَا هَذَا؟
فَكَشَفَ، فَإِذَا حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ عَلَى وَرِكَيْهِ،
فَقَالَ: (هَذَانِ ابْنَايَ وَابْنَا بِنْتِي، اللَّهُمَّ
إِنِّيْ أُحِبُّهُمَا، فَأَحِبَّهُمَا، وَأَحِبَّ مَنْ
يُحِبُّهُمَا) (3).
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 74 في فضائل أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم: باب مناقب الحسن والحسين، وفي الصلح: باب قول
النبي صلى الله عليه وسلم للحسن: " إن ابني هذا سيد...وفي
الأنبياء: باب علامات النبوة في الإسلام، وفي العتق: باب
قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن: " إن ابني هذا لسيد "
والترمذي (3775)، والنسائي 3 / 107، وأبو داود (4662)،
والطبراني (2588) و(2592) و(2593)، وأحمد 5 / 38 و44 و49
و51.
(2) وهو عنده برقم (3768)، وأخرجه أحمد 3 / 3 و62 و44 و84،
والطبراني (2610) و(2612)، وأبو نعيم 5 / 71، والخطيب 4 /
207 و11 / 90، والحاكم 3 / 166، 167، والفسوي في " تاريخه
" 2 / 644، كلهم من طريق عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي
سعيد.
وهو صحيح، فإن له شواهد كثيرة، منها عن حذيفة، وإسناده
صحيح، وسيذكره المصنف في الصفحة (252) تعليق (3)، وعن عبد
الله بن مسعود عند الحاكم 3 / 167 وصححه، ووافقه الذهبي،
وعن أسامة بن زيد عند الطبراني (2618)، وعن جابر بن عبد
الله عند ابن حبان (2236)، وعن علي عند الخطيب البغدادي 1
/ 140، والطبراني، وعن عمر عند أبي نعيم 4 / 139، 140، وعن
قرة بن إياس، ومالك بن الحويرث، والحسين بن علي، والبراء
بن عازب.
انظر " مجمع الزوائد " 9 / 182.
(3) أخرجه الترمذي (3769).
(3/251)
تَفَرَّدَ بِهِ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي
بَكْرٍ بنِ زَيْدِ بنِ المُهَاجَرِ المَدَنِيُّ، عَنْ
مُسْلِمِ بنِ أَبِي سَهْلٍ النَّبَّالِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ
أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيْهِ.
وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ مُوْسَى بنِ يَعْقُوْبَ
الزَّمْعِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ.
فَهَذَا مِمَّا يُنتقَدُ تَحسينُهُ عَلَى التِّرْمِذِيِّ
(1) .
وَحَسَّنَ أَيْضاً لِيُوْسُفَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ
أَنَسٍ:
سُئِلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: أَيُّ أَهْلِ بَيْتِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟
قَالَ: (الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ).
وَكَانَ يَشَمُّهُمَا، وَيَضُمُّهُمَا إِلَيْهِ (2) .
مَيْسَرَةُ بنُ حَبِيْبٍ: عَنِ المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو،
عَنْ زِرٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ:
سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَقُوْلُ: (هَذَا مَلَكٌ لَمْ يَنْزِلْ قَبْلَ هَذِهِ
اللَّيْلَةِ، اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ،
وَيُبَشِّرَنِي بِأَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ
أَهْلِ الجَنَّةِ، وَأَنَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ سَيِّدَا
شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ).
حَسَّنَهُ: التِّرْمِذِيُّ (3) .
وَصَحَّحَ لِلْبَرَاءِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْصرَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ،
فَقَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُحِبُّهُمَا،
فَأَحِبَّهُمَا) (4).
__________
(1) نص كلام المؤلف في " تاريخه " 2 / 217: رواه من حديث
عبد الله بن أبي بكر بن زيد بن مهاجر - مدني مجهول - عن
مسلم بن أبي سهل النبال - وهو مجهول أيضا - عن الحسن بن
أسامة بن زيد - وهو كالمجهول - عن أبيه، وما أظن لهؤلاء
الثلاثة ذكر في رواية إلا في هذا الواحد، تفرد به موسى بن
يعقوب الزمعي، عن عبد الله.
وتحسين الترمذي لا يكفي في الاحتجاج بالحديث، فإنه قال:
وما ذكرنا في كتابنا من حديث حسن، فإنما أردنا بحسن إسناده
عندنا كل حديث لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون
الحديث شاذا، ويروى من غير وجه نحو ذلك، فهو عندنا حديث
حسن.
(2) أخرجه الترمذي (3772)، ويوسف بن إبراهيم ضعيف.
(3) وهو كما قال، وهو عنده برقم (3781)، وأخرجه أحمد 5 /
391، والخطيب 6 / 372، وإسناده صحيح، وصححه الحاكم 3 /
151، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان (2229)، لكنه اختصره.
(4) هو في " سنن الترمذي " (3782)، وقد تقدم.
(3/252)
قَالَ قَابُوسُ بنُ أَبِي ظِبْيَانَ: عَنْ
أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَي الحَسَنِ، وَقَبَّلَ زُبَيْبَهُ
(1).
وَقَدْ كَانَ هَذَا الإِمَامُ سَيِّداً، وَسِيماً،
جَمِيْلاً، عَاقِلاً، رَزِيناً، جَوَاداً، مُمَدَّحاً،
خَيِّراً، دَيِّناً، وَرِعاً، مُحتشِماً، كَبِيرَ
الشَّأْنِ.
وَكَانَ مِنْكَاحاً، مِطْلاَقاً، تَزَوَّجَ نَحْواً مِنْ
سَبْعِيْنَ امْرَأَةً، وَقَلَّمَا كَانَ يُفَارِقُهُ
أَرْبَعُ ضَرَائِرَ.
عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ: أَنَّ عَلِيّاً قَالَ: يَا
أَهْلَ الكُوْفَةِ! لاَ تُزَوِّجُوا الحَسَنَ، فَإِنَّهُ
مِطْلاَقٌ.
فَقَالَ رَجُلٌ: وَاللهِ لَنُزَوِّجَنَّهُ، فَمَا رَضِيَ
أَمْسَكَ، وَمَا كَرِهَ طَلَّقَ.
قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: تَزَوَّجَ الحَسَنُ امْرَأَةً،
فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِمائَةِ جَارِيَةٍ، مَعَ كُلِّ
جَارِيَةٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ (2) .
وَكَانَ يُعطِي الرَّجُلَ الوَاحِدَ مائَةَ أَلْفٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ حَجَّ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، وَحَجَّ
كَثِيْراً مِنْهَا مَاشياً مِنَ المَدِيْنَةِ إِلَى
مَكَّةَ، وَنَجَائِبُهُ تُقَادُ مَعَهُ.
الحَاكِمُ فِي (مُسْتَدْرَكِهِ): مِنْ طرِيقِ عَمْرِو بنِ
مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ زُهَيْرِ
بنِ الأَقْمَرِ البَكْرِيِّ، قَالَ:
قَامَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ يَخْطُبُهُم، فَقَامَ رَجُلٌ
مِنْ أَزْدِ شَنُوْءةَ، فَقَالَ:
أَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاضِعَهُ فِي حَبْوَتِهِ، وَهُوَ
يَقُوْلُ: (مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّهُ، وَلْيُبَلِّغِ
الشَّاهِدُ الغَائِبَ) (3).
__________
(1) أخرجه الطبراني برقم (2658).
وقابوس بن أبي ظبيان لينه الحافظ في " التقريب "، ومع ذلك
فقد قال المؤلف في " تاريخه " 2 / 217: قابوس حسن الحديث.
(2) " حلية الأولياء " 2 / 38.
(3) أخرجه الحاكم 3 / 173، 174.
(3/253)
وَفِي (جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ): مِنْ
طرِيقِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ،
عَنْ جَدِّهِ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَخذَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ، فَقَالَ: (مَنْ أَحَبَّ
هَذَيْنِ، وَأَبَاهُمَا، وَأُمَّهُمَا، كَانَ مَعِي فِي
دَرَجَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ (1)).
إِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ، وَالمَتْنُ مُنْكَرٌ.
(المُسْنَدُ): حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
الحَارِثِ، عَنْ زُهَيْرِ بنِ الأَقْمَرِ، قَالَ:
بَيْنَمَا الحَسَنُ يَخطُبُ بَعْدَ مَا قُتِلَ عَلِيٌّ،
إِذْ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَزْدِ، آدَمُ، طُوَالٌ،
فَقَالَ:
لَقدْ رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَاضِعَهُ فِي حَبْوَتِهِ يَقُوْلُ: (مَنْ
أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّهُ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ
الغَائِبَ).
وَلَوْلاَ عِزمَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا حَدَّثْتُكُم (2) .
عَلِيُّ بنُ صَالِحٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ (3) :
عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: (هَذَانِ ابْنَايَ، مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ
أَحَبَّنِي).
جَمَاعَةٌ: عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
جَلَّلَ حَسَناً وَحُسَيْناً وَفَاطِمَةَ بِكسَاءٍ، ثُمَّ
قَالَ: (اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتِي،
اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ، وَطَهِّرْهُم
تَطْهِيْراً) (4).
____________
(1) أخرجه الترمذي (3734).
(2) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 5 / 366.
(3) تصحف في المطبوع إلى " عباس "، وسند الحديث حسن، وقد
أورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 180، وقال: رواه البزار،
وإسناده جيد.
(4) حديث صحيح بطرقه وشواهده، وهو في " المسند " 6 / 298،
304 والطبراني (2664) و(2665) و(2666)، والطبري في "
تفسيره " 22 / 67 من طريق شهر بن حوشب، عن أم سلمة، وهو
عند الطبري أيضا من طريق سعيد بن زربى، عن محمد بن سيرين،
عن أبي هريرة، عن أم سلمة، ومن طريق فضيل بن مرزوق، عن
عطية، عن أبي سعيد، عن أم سلمة.
ومن طريق هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن عبد الله
بن وهب ابن زمعة، عن أم سلمة، ومن طريق الأعمش، عن حكيم بن
سعد، عن أم سلمة، وأخرجه أحمد 6 / 292 من طريق ابن نمير،
عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، عمن =
(3/254)
إِسْرَائِيْلُ: عَنِ ابْنِ أَبِي
السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(يَا حُذَيْفَةُ، جَاءنِي جِبْرِيْلُ، فَبَشَّرَنِي أَنَّ
الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ
(1)).
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ: قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ،
وَزِرٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ رَاشِدٍ، عَنْ
يَعْلَى بنِ مُرَّةَ، قَالَ:
جَاءَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ يَسعيَانِ إِلَى رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ
أَحَدُهُمَا قَبْلَ الآخَرِ، فَجَعَلَ يَدَهُ فِي
رَقبتِهِ، ثُمَّ ضَمَّهُ إِلَى إِبطِهِ، ثُمَّ قَبَّلَ
هَذَا، ثُمَّ قَبَّلَ هَذَا، وَقَالَ: (إِنِّيْ
أُحِبُّهُمَا، فَأَحِبَّهُمَا).
ثُمَّ قَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الوَلَدَ
مَبْخَلَةٌ، مَجْبَنَةٌ، مَجْهَلَةٌ (2)).
مَعْمَرٌ: عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
الأَسْوَدِ بنِ خَلَفٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ
__________
= سمع أم سلمة، عنها، وأخرجه الترمذي (3205) و(3787)، وابن
جرير 22 / 8 من طريق محمد بن سليمان الأصبهاني، عن يحيى بن
عبيد، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمر بن أبي سلمة، عن أم
سلمة، وأخرجه الطبراني (2668) من طريق جعفر الاحمر، عن عبد
الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن أم سلمة، وأخرجه الحاكم
3 / 146 من طريق شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أم
سلمة، وفي الباب عن عائشة عند مسلم (2424) في فضائل
الصحابة: باب فضائل أهل البيت، وعن واثلة عند أحمد 4 /
107، وصححه ابن حبان (2245)، والحاكم 3 / 147، ووافقه
الذهبي.
(1) رجاله ثقات، وهو في " المسند " 5 / 392، وقد تقدم
تخريجه في ص (252) ت (3)
(2) سعيد بن راشد ويقال: ابن أبي راشد لم يوثقه غير ابن
حبان، وباقي رجاله ثقات، فهو حسن بالشواهد، وأخرجه أحمد 4
/ 172، وابن ماجه (3666)، والبيهقي في " الأسماء والصفات
": 164 من طريق عفان، عن وهيب، عن عبد الله بن عثمان بن
خيثم، عن سعيد بن أبي راشد، عن يعلى بن أمية، أنه قال: جاء
الحسن والحسين يسعيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضمهما
إليه، وقال: " إن الولد مبخلة مجبنة "، وقال البوصيري في "
الزوائد " الورقة 247: هذا إسناد صحيح، وصححه الحاكم 3 /
164، وأقره الذهبي، وله شاهد عند البزار (1892) من حديث
أبي سعيد، وفي سنده عطية العوفي وهو ضعيف، وآخر وهو الحديث
الآتي: عند البزار (1891)، وسنده حسن في الشواهد، وثالث عن
عائشة عند البغوي في " شرح السنة " 12 / 35. فالحديث قوي.
(3/255)
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَخذَ حَسَناً، فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ
عَلَيْهِم، فَقَالَ: (إِنَّ الوَلَدَ مَبْخَلَةٌ،
مَجْبَنَةٌ (1)).
كَامِلٌ أَبُو العَلاَءِ: عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ:
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي صَلاَةِ العِشَاءِ، فَكَانَ إِذَا سَجدَ،
رَكبَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا
رَفعَ رَأْسَهُ، رَفَعَهُمَا رَفْعاً رَفِيقاً، ثُمَّ
إِذَا سَجدَ، عَادَا.
فَلَمَّا صَلَّى، قُلْتُ: أَلاَ أَذْهبُ بِهِمَا إِلَى
أُمِّهِمَا؟
قَالَ: فَبَرقَتْ بَرْقَةٌ، فَلَمْ يَزَالاَ فِي ضَوئهَا
حَتَّى دَخَلاَ عَلَى أُمِّهِمَا (2) .
رَوَاهُ: أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَسْبَاطُ بنُ
مُحَمَّدٍ، عَنْهُ.
زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: عَنْ حُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ،
قَالَ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- يَخطُبُ، فَأَقْبَلَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، عَلَيْهِمَا
قَمِيْصَانِ أَحْمَرَانِ، يَعْثُرَانِ وَيَقُوْمَانِ،
فَنَزَلَ، فَأَخَذَهُمَا، فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ؛
ثُمَّ قَالَ: (صَدَقَ اللهُ: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُم
وَأَوْلاَدُكُم فِتْنَةٌ} [التَّغَابُنُ: 15] رَأَيْتُ
هَذَيْنِ، فَلَمْ أَصْبِرْ).
ثُمَّ أَخَذَ فِي خُطبتِهِ (3) .
أَبُو شِهَابٍ: مَسْرُوْحٌ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ، وَعَلَى
ظَهْرِهِ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: (نِعْمَ
الجَمَلُ جَمَلُكُمَا، وَنِعْمَ العِدْلاَنِ أَنْتُمَا
(4)).
مَسْرُوحٌ: لَيِّنٌ (5).
__________
(1) أخرجه البزار (1891)، وسنده حسن كما تقدم في التعليق
السابق.
(2) أبو صالح: هو مولى ضباعة اسمه مينا، لم يوثقه غير ابن
حبان، ومع ذلك فقد صححه الحاكم 3 / 167، ووافقه الذهبي.
وهو في " المسند " 2 / 513، وانظر " المجمع " 9 / 181.
(3) إسناده حسن كما قال الترمذي، وهو في " المسند " 5 /
354، وسنن أبي داود (1109)، والترمذي (3774)، وابن ماجه
(3600)، والنسائي 3 / 193.
(4) هو في " معجم الطبراني " رقم (2661) وأورده في "
المجمع " 9 / 182 عنه.
(5) نقل المؤلف في " ميزانه " عن أبي حاتم قوله فيه: يحتاج
إلى التوبة من حديث باطل رواه =
(3/256)
جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
بنِ شَدَّادٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَهُوَ حَامِلٌ حَسَناً أَوْ حُسَيْناً،
فَتَقَدَّمَ، فَوَضَعَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ فِي الصَّلاَةِ،
فَسَجَدَ سجدَةً أَطَالَهَا، فَرفعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا
الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِهِ، فَرَجعْتُ فِي سُجُودِي.
فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ، قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ،
إِنَّكَ أَطَلْتَ!
قَالَ: (إِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ
أُعْجِلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ (1)).
قُلْتُ: أَيْنَ الفَقِيْهُ المُتَنَطِّعُ عَنْ هَذَا
الفِعْلِ؟
عَنْ سَلَمَةَ بنِ وَهْرَامَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ:
خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- حَامِلَ الحَسَنِ عَلَى عَاتِقِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا
غُلاَمُ! نِعْمَ المَرْكَبُ رَكِبْتَ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(وَنِعْمَ الرَّاكِبُ هُوَ (2)).
رَوَاهُ: أَبُو يَعْلَى فِي (مُسْنَدِهِ).
أَحْمَدُ فِي (مُسْندِهِ (3)): حَدَّثَنَا تَلِيْدُ بنُ
سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الجَحَّافِ، حَدَّثَنَا
أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
نَظَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- إِلَى
__________
عن الثوري، يزيد هذا الحديث، وقال ابن حبان في " المجروحين
" 3 / 19: يروي عن الثوري مالا يتابع عليه، لا يجوز
الاحتجاج بخبره لمخالفة الاثبات في كل ما يروي، ثم أورد له
هذا الحديث.
(1) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 3 / 493، 494،
والنسائي 2 / 229، 230 في التطبيق: باب هل يجوز أن تكون
سجدة أطول من سجدة.
وفي الباب بنحوه عن أنس عند أبي يعلى كما في " المجمع " 9
/ 181.
(2) وأخرجه الترمذي (3784) من طريق محمد بن بشار، عن أبي
عامر العقدي، عن زمعة ابن صالح بهذا الإسناد، وزمعة ضعيف،
وباقي رجاله ثقات، وصححه الحاكم 3 / 170، وتعقبه الذهبي
بقوله: قلت: لا.
(3) 2 / 442، ومن طريقه الطبراني (2621)، وهو في " تاريخ
بغداد " 7 / 137، والحاكم 3 / 149 وحسنه، وأقره الذهبي،
وله شاهد ضعيف يتقوي به من حديث زيد بن أرقم عند الترمذي
(3879)، وابن ماجه (145)، والطبراني (2619)، وابن حبان
(2244).
(3/257)
عَلِيٍّ وَابْنَيْهِ وَفَاطِمَةَ، فَقَالَ:
(أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُم، سِلْمٌ لِمَنْ
سَالَمَكُم).
الطَّيَالِسِيُّ فِي (مُسْنَدِهِ (1)): حَدَّثَنَا عَمْرُو
بنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي فَاخِتَةَ:
قَالَ عَلِيٌّ: زَارَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَاتَ عِنْدَنَا، وَالحَسَنُ
وَالحُسَيْنُ نَائِمَانِ، فَاسْتَسقَى الحَسَنُ، فَقَامَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إِلَى قُرْبَةٍ، وَسَقَاهُ.
فَتنَاوَلَ الحُسَيْنُ لِيَشْرَبَ، فَمَنَعَهُ، وَبدَأَ
بِالحَسَنِ.
فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! كَأَنَّهُ
أَحَبُّهُمَا إِلَيْكَ.
قَالَ: (لاَ، وَلَكِنْ هَذَا اسْتَسقَى أَوَّلاً).
ثُمَّ قَالَ: (إِنِّيْ وَإِيَّاكِ وَهَذَيْنِ يَوْمَ
القِيَامَةِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ).
وَأَحسِبُهُ قَالَ: (وَعَلِيّاً).
بَقِيَّةُ: عَنْ بَحِيْرٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ،
عَنِ المِقْدَامِ بنِ مَعْدِ يْكَرِبٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: (حَسَنٌ مِنِّي، وَالحُسَيْنُ مِنْ عَلِيٍّ (2)).
رَوَاهُ: ثَلاَثَةٌ، عَنْهُ، وَإِسْنَادُهُ قويٌّ (3).
ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
كُنْتُ مَعَ الحَسَنِ، فَلَقِيَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ،
فَقَالَ: أَرِنِي أُقَبِّلُ مِنْكَ حَيْثُ رَأَيتُ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يُقَبِّلُ.
فَقَالَ بِقمِيْصِهِ (4) ، فَقَبَّلَ سُرَّتَهُ (5).
__________
(1) 2 / 129، 130، وأسناده ضعيف لضعف عمرو بن ثابت، وهو في
" معجم الطبراني " (2622) من طريق أبي داود الطيالسي،
وأخرجه أحمد 1 / 101 من طريق عفان، عن معاذ بن معاذ، عن
قيس بن الربيع، عن أبي المقدام (ثابت بن هرمز) عن عبد
الرحمن الازرق، عن علي.
وقيس بن الربيع فيه كلام، وعبد الرحمن الازرق مجهول.
ومع ذلك فقد قال الهيثمي في " المجمع " 9 / 170: وفي
أسناده قيس بن الربيع، وهو مختلف فيه، وبقية رجاله ثقات.
(2) بقية بن الوليد مدلس وقد عنعن، وباقي رجاله ثقات، وهو
في " معجم الطبراني " (2628).
(3) هذا مسلم لو أن بقية صرح بالتحديث، أما وقد عنعن فلا.
(4) أي: رفع قيمصه، وقد التبست الجملة على محقق المطبوع
فقرأها هكذا: فقام لقميصه.
ولابن حبان: فكشف عن بطنه، فقبل سرته.
(5) أخرجه أحمد 2 / 255 و427 و488 و493، والطبراني (2580)
و(2764)، =
(3/258)
رَوَاهُ: عِدَّةٌ، عَنْهُ.
حَرِيزُ (1) بنُ عُثْمَانَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
أَبِي عَوْفٍ الجُرَشِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ:
رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَمُصُّ لِسَانَهُ أَوْ شَفَتَهُ -يَعْنِي:
الحَسَنَ - وَإِنَّهُ لَنْ يُعَذَّبَ لِسَانٌ أَوْ
شَفَتَانِ مَصَّهُمَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
رَوَاهُ: أَحْمَدُ (2) .
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ
الأُمَوِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ
جَابِرٍ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَنَّهُ قَالَ لِلْحَسَنِ: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ،
يُصْلِحُ اللهُ بِهِ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ (3)).
وَمِثْلُهُ مِنْ: حَدِيْثِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ
(4) .
رَوَاهُ: يُوْنُسُ، وَمَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ،
وَإِسْرَائِيْلُ أَبُو مُوْسَى، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ،
وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ، وَمُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ،
وَغَيْرُهُم، عَنْهُ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ مُحَمَّدٍ
التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ عُمَرَ لَمَّا دَوَّنَ الدِّيْوَانَ، أَلْحقَ
الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ بِفَرِيضَةِ أَبِيهِمَا؛
لِقَرَابَتِهِمَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَةَ
آلاَفِ دِرْهَمٍ.
__________
= وصححه ابن حبان (2238)، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 /
177، ونسبه لأحمد والطبراني، وقال: ورجالهما رجال الصحيح
غير عمير بن إسحاق وهو ثقة، وصححه الحاكم 3 / 168، ووافقه
الذهبي، لكنه ذكر عنده في السند " محمد " بدل عمير بن
إسحاق، وربما يكون سقط لفظ " أبي " لان كنية عمير بن إسحاق
أبو محمد، واحتمال كون محمد هو ابن سيرين بعيد، لان الحديث
لا يعرف إلا من رواية عمير بن إسحاق.
(1) تصحف في المطبوع إلى " جرير " وكذلك جاء مصحفا في "
المسند "، و" البداية " 8 / 36.
(2) 4 / 93، وإسناده صحيح.
(3) إسناده قوي، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 178،
وقال: رواه الطبراني في " الأوسط " و" الكبير "، والبزار،
وفيه عبد الرحمن بن مغراء: وثقه غير واحد، وفيه ضعف وبقية
رجال البزار رجال الصحيح.
(4) تقدم تخريجه في الصفحة (251) ت (1).
(3/259)
أَبُو المَلِيحِ الرَّقِّيُّ: حَدَّثَنَا
هَاشِمٌ الجُعْفِيُّ، قَالَ:
فَاخَرَ يَزِيْدُ بنُ مُعَاوِيَةَ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ،
فَقَالَ لَهُ أَبُوْهُ: فَاخَرْتَ الحَسَنَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: لَعَلَّكَ تَظُنُّ أَنَّ أُمَّكَ مِثْلُ أُمِّهِ،
أَوْ جَدَّكَ كَجَدِّهِ، فَأَمَّا أَبُوْكَ وَأَبُوْهُ
فَقَدْ تَحَاكَمَا إِلَى اللهِ، فَحَكَمَ لأَبِيْكَ عَلَى
أَبِيْهِ (1) .
زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ
الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ بنِ
عُمَيْرٍ:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ فَاتَنِي
فِي شَبَابِي إِلاَّ أَنِّي لَمْ أَحُجَّ مَاشياً،
وَلَقَدْ حَجَّ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ
حَجَّةً مَاشِياً، وَإِنَّ النَّجَائِبَ لَتُقَادُ مَعَهُ،
وَلَقَدْ قَاسَمَ اللهَ مَالَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، حَتَّى
إِنَّهُ يُعطِي الخُفَّ وَيُمْسِكُ النَّعْلَ (2) .
رَوَى نَحْواً مِنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بنُ عُبَيْدٍ،
عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ؛ لَكنْ قَالَ: خَمْسَ عَشْرَةَ
مَرَّةً.
رَوَى: مُغِيْرَةُ بنُ مِقْسَمٍ، عَنْ أُمِّ مُوْسَى:
كَانَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ
قَرَأَ الكَهْفَ.
قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: سَمِعَ الحَسَنُ
بنُ عَلِيٍّ رَجُلاً إِلَى جَنْبِهِ يَسْأَلُ اللهَ أَنْ
يَرزُقَهُ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَانْصَرَفَ،
فَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ.
رَجَاءٌ: عَنِ الحَسَنِ:
أَنَّهُ كَانَ مُبَادراً إِلَى نُصْرَةِ عُثْمَانَ،
كَثِيرَ الذَّبِّ عَنْهُ، بَقِيَ فِي الخِلاَفَةِ بَعْدَ
أَبِيْهِ سَبْعَةَ أَشهُرٍ.
إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ،
عَنْ عَلِيٍّ:
أَنَّهُ خَطبَ، وَقَالَ: إِنَّ الحَسَنَ قَدْ جَمَعَ
مَالاً، وَهُوَ يُرِيْدُ أَنْ يَقسِمَهُ بَينَكُم،
فَحَضَرَ
__________
(1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 216.
(2) عبيد الله بن الوليد هو الوصافي ضعيف، وباقي رجاله
ثقات، ونسبه ابن كثير في " البداية " 8 / 37 للبيهقي، وهو
في " تهذيب ابن عساكر " 4 / 216، 217، وعلق البخاري في "
صحيحه " أنه حج ماشيا والجنائب تقاد بين يديه.
وانظر " حلية الأولياء " 2 / 37.
(3/260)
النَّاسُ، فَقَامَ الحَسَنُ، فَقَالَ:
إِنَّمَا جَمَعتُهُ لِلْفُقَرَاءِ.
فَقَامَ نِصْفُ النَّاسِ (1) .
القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ الحُدَّانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو
هَارُوْنَ، قَالَ:
انْطَلَقْنَا حُجَّاجاً، فَدَخَلْنَا المَدِيْنَةَ،
فَدَخَلْنَا عَلَى الحَسَنِ، فَحَدَّثْنَاهُ بِمَسيْرِنَا
وَحَالِنَا، فَلَمَّا خَرَجْنَا، بَعثَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ
مِنَّا بِأَرْبَعِ مائَةٍ.
فَرَجَعْنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ بِيَسَارِنَا، فَقَالَ: لاَ
تَرُدُّوا عَلَيَّ مَعْرُوفِي، فَلَو كُنْتُ عَلَى غَيْرِ
هَذِهِ الحَالِ، كَانَ هَذَا لَكُم يَسِيْراً، أَمَا
إِنِّيْ مُزوِّدُكُم: إِنَّ اللهَ يُبَاهِي مَلاَئِكَتَهُ
بِعِبَادِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ (2) .
قَالَ المَدَائِنِيُّ: أَحصَنَ الحَسَنُ تِسْعيْنَ
امْرَأَةً.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ
دَاوُدَ بنِ الحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ:
خَرَجْنَا إِلَى الجَمَلِ سِتَّ مائَةٍ، فَأَتَينَا
الرَّبَذَةَ، فَقَامَ الحَسَنُ، فَبَكَى، فَقَالَ عَلِيٌّ:
تَكلَّمْ، وَدَعْ عَنْكَ أَنْ تَحِنَّ حَنِينَ
الجَارِيَةِ.
قَالَ: إِنِّيْ كُنْتُ أَشَرْتُ عَلَيْكَ بِالمقَامِ،
وَأَنَا أُشيْرُهُ الآنَ؛ إِنَّ لِلْعَرَبِ جَولَةً،
وَلَوْ قَدْ رَجَعَتْ إِلَيْهَا عَوَازِبُ أَحلاَمِهَا،
قَدْ ضَرَبُوا إِلَيْكَ آبَاطَ الإِبِلِ حَتَّى
يَسْتَخْرِجُوكَ وَلَوْ كُنْتَ فِي مِثْلِ جُحْرِ ضَبٍّ.
قَالَ: أَتَرَانِي - لاَ أَبَالَكَ - كُنْتُ مُنتَظراً
كَمَا يَنتَظرُ الضَّبُعُ اللَّدْمَ (3) ؟
إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ بنِ
يَرِيْمَ، قَالَ:
قِيْلَ لِعَلِيٍّ: هَذَا الحَسَنُ فِي المَسجدِ يُحدِّثُ
النَّاسَ، فَقَالَ: طَحْنُ إِبلٍ لَمْ تَعَلَّمْ طحناً.
شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مَعْدِ يْكَرِبٍ:
أَنَّ عَلِيّاً مَرَّ عَلَى قَوْمٍ قَدِ
__________
(1) وحارثة: هو ابن مضرب العبدي الكوفي ثقة.
والخبر في " تهذيب ابن عساكر " 4 / 217.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 218.
(3) اللدم: اللطم والضرب بشيء ثقيل يسمع وقعه، وكانوا إدا
أرادوا صيد الضبع، يجيؤون إلى حجرها فيضربون بحجر أو
بأيديهم، فتحسبه شيئا تصيده، فتخرج لتأخذه، فتصاد.
أراد: أي لا أخدع كما تخدع الضبع باللدم.
(3/261)
اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: مَنْ
ذَا؟
قَالُوا: الحَسَنُ.
قَالَ: طَحنُ إِبلٍ لَمْ تَعَوَّدْ طَحناً، إِنَّ لِكُلِّ
قَوْمٍ صُدَّاداً، وَإِنَّ صُدَّادَنَا الحَسَنُ.
جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنْ أَبِيْهِ؛ قَالَ عَلِيٌّ:
يَا أَهْلَ الكُوْفَةِ! لاَ تُزوِّجُوا الحَسَنَ،
فَإِنَّهُ رَجُلٌ مِطْلاَقٌ، قَدْ خَشِيْتُ أَنْ
يُورِثَنَا عَدَاوَةً فِي القبَائِلِ.
عَنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ، قَالَ: كَانَتِ
الخَثْعَمِيَّةُ تَحْتَ الحَسَنِ، فَلَمَّا قُتلَ عَلِيٌّ،
وَبُوْيِعَ الحَسَنُ، دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ:
لِتَهْنِكَ الخِلاَفَةُ.
فَقَالَ: أَظْهَرتِ الشَّمَاتَةَ بِقَتْلِ عَلِيًّ! أَنْتِ
طَالِقٌ ثَلاَثاً.
فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا أَردْتُ هَذَا.
ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهَا بِعِشْرِيْنَ أَلْفاً، فَقَالَتْ:
مَتَاعٌ قَلِيلٌ مِنْ حَبِيْبٍ مُفَارقِ (1) ...
شَرِيْكٌ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِيْنٍ، قَالَ:
خَطَبَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَقَرَأَ
سُورَةَ إِبْرَاهِيْمَ عَلَى المِنْبَرِ حَتَّى خَتَمهَا.
مَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ:
كَانَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ لاَ يَدعُو أَحَداً إِلَى
الطَّعَامِ، يَقُوْلُ: هُوَ أَهوَنُ مِنْ أَنْ يُدعَى
إِلَيْهِ أَحَدٌ.
قَالَ المُبَرِّدُ: قِيْلَ لِلْحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ:
إِنَّ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ: الفَقْرُ أَحبُّ إِلَيَّ مِنَ
الغِنَى، وَالسُّقْمُ أَحبُّ إِلَيَّ مِنَ الصِّحَّةِ.
فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ أَبَا ذَرٍّ، أَمَّا أَنَا
فَأَقُوْلُ: مَنِ اتَّكَلَ عَلَى حُسْنِ اخْتيَارِ اللهِ
لَهُ، لَمْ يَتَمَنَّ شَيْئاً.
وَهَذَا حَدُّ الوُقُوفِ عَلَى الرِّضَى بِمَا تَصَرَّفَ
بِهِ القَضَاءُ (2).
__________
(1) أخرجه الطبراني (2757) من طريق علي بن سعيد الرازي، عن
محمد بن حميد
الرازي، عن سلمة بن الفضل، عن عمرو بن أبي قيس، عن إبراهيم
بن عبد الأعلى، عن سويد ابن غفلة... وهذا سند ضعيف لضعف
محمد بن حميد، وسلمة بن الفضل، وأورده الهيثمي في " المجمع
" 4 / 339، وقال: رواه الطبراني، وفي رجاله ضعف، وقد
وثقوا.
وهو في " سنن البيهقي " 7 / 337.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 220، و" البداية " 8 / 39.
(3/262)
عَنِ الحرْمَازِيِّ: خَطبَ الحَسَنُ بنُ
عَلِيٍّ بِالكُوْفَةِ، فَقَالَ:
إِنَّ الحِلْمَ زِينَةٌ، وَالوَقَارَ مُرُوءةٌ،
وَالعَجَلَةَ سَفَهٌ، وَالسَّفَهَ ضَعْفٌ، وَمُجَالَسَةَ
أَهْلِ الدَّنَاءةِ شَيْنٌ، وَمُخَالَطَةَ الفُسَّاقِ
رِيْبَةٌ (1) .
زُهَيْرٌ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بنِ
الأَصَمِّ:
قُلْتُ لِلْحَسَنِ: إِنَّ الشِّيْعَةَ تَزْعُمُ أَنَّ
عَلِيّاً مَبْعُوْثٌ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ.
قَالَ: كَذَبُوا وَاللهِ، مَا هَؤُلاَءِ بِالشِّيْعَةِ،
لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَبْعُوْثٌ مَا زَوَّجْنَا
نِسَاءهُ، وَلاَ اقْتسَمْنَا مَالَهُ (2) .
قَالَ جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: قُتِلَ عَلِيٌّ، فَبَايَعَ
أَهْلُ الكُوْفَةِ الحَسَنَ، وَأَحبُّوهُ أَشَدَّ مِنْ
حُبِّ أَبِيْهِ.
وَقَالَ الكَلْبِيُّ: بُوْيِعَ الحَسَنُ، فَوَلِيَهَا
سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَأَحَدَ عَشَرَ يَوْماً، ثُمَّ سَلَّمَ
الأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ.
وَقَالَ عَوَانَةُ بنُ الحَكَمِ: سَارَ الحَسَنُ حَتَّى
نَزَلَ المَدَائِنَ، وَبَعثَ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ عَلَى
المُقَدَّمَاتِ، وَهُمُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً، فَوَقَعَ
الصَّائِحُ: قُتلَ قَيْسٌ.
فَانْتَهَبَ النَّاسُ سُرَادِقَ الحَسَنِ، وَوَثَبَ
عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الخَوَارِجِ، فَطَعَنَهُ
بِالخِنْجَرِ، فَوَثَبَ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ،
فَقَتَلُوْهُ.
فَكَتبَ الحَسَنُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي الصُّلْحِ (3) .
ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، عَنْ
مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَعَنْ يُوْنُسَ بنِ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ أَهْلَ العِرَاقِ لَمَّا بَايَعُوا الحَسَنَ،
قَالُوا لَهُ: سِرْ إِلَى هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ عَصَوُا
اللهَ وَرَسُوْلَهُ وَارتَكَبُوا العَظَائِمَ، فَسَارَ
إِلَى أَهْلِ
__________
(1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 222 وفيه " والوفاء مروءة ".
(2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 222، و" البداية " 8 / 41 عن
ابن سعد، حدثنا الحسن بن موسى وأحمد بن يونس، قالا: حدثنا
زهير بن معاوية، حدثنا أبو إسحاق عن عمرو الأصم.
(3) " الطبري " 5 / 159 و160، و" البداية " 8 / 14، و"
تهذيب ابن عساكر " 4 / 223
(3/263)
الشَّامِ، وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ حَتَّى
نَزَلَ جِسرَ مَنْبِجٍ، فَبَيْنَا الحَسَنُ بِالمَدَائِنِ،
إِذْ نَادَى مُنَادٍ فِي عَسْكَرِهِ: أَلاَ إِنَّ قَيْسَ
بنَ سَعْدٍ قَدْ قُتِلَ.
فَشَدَّ النَّاسُ عَلَى حُجْرَةِ الحَسَنِ، فَنَهَبُوْهَا
حَتَّى انْتُهِبَتْ بُسطُهُ، وَأَخَذُوا رِدَاءهُ،
وَطَعَنَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فِي ظَهرِهِ
بِخِنْجَرٍ مَسْمُوْمٍ فِي أَلْيَتِهِ، فَتحوَّلَ،
وَنَزَلَ قَصرَ كِسْرَى الأَبْيَضَ، وَقَالَ: عَلَيْكُم
لَعنَةُ اللهِ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ، قَدْ عَلِمْتُ أَنْ
لاَ خَيرَ فِيْكُم، قَتلتُم أَبِي بِالأَمسِ، وَاليَوْمَ
تَفْعَلُوْنَ بِي هَذَا.
ثُمَّ كَاتَبَ مُعَاوِيَةَ فِي الصُّلْحِ عَلَى أَنْ
يُسِلِّمَ لَهُ ثَلاَثَ خِصَالٍ: يُسلِّمَ لَهُ بَيْتَ
المَالِ فَيَقْضِي مِنْهُ دَيْنَهُ وَمَوَاعِيدَهُ
وَيَتحمَّلَ مِنْهُ هُوَ وَآلُهُ، وَلاَ يُسَبَّ عَلِيٌّ
وَهُوَ يَسَمَعُ، وَأَنْ يُحملَ إِلَيْهِ خَرَاجُ فَسَا
وَدَرَابْجِرْدَ كُلَّ سَنَةٍ إِلَى المَدِيْنَةِ،
فَأَجَابَهُ مُعَاوِيَةُ، وَأَعْطَاهُ مَا سَأَلَ (1) .
وَيُقَالُ: بَلْ أَرْسَلَ عَبْدَ اللهِ بنَ الحَارِثِ بنِ
نَوْفَلٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ حَتَّى أَخذَ لَهُ مَا سَألَ،
فَكَتبَ إِلَيْهِ الحَسَنُ: أَنْ أَقبِلْ.
فَأَقْبَلَ مِنْ جِسْرِ مَنْبِجٍ إِلَى مَسْكَنَ فِي
خَمْسَةِ أَيَّامٍ، فَسَلَّمَ إِلَيْهِ الحَسَنُ الأَمْرَ،
وَبَايَعَهُ حَتَّى قَدِمَا الكُوْفَةَ.
وَوَفَّى مُعَاوِيَةُ لِلْحَسَنِ بِبَيْتِ المَالِ،
وَكَانَ فِيْهِ يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ آلاَفِ أَلْفِ
دِرْهَمٍ؛ فَاحتَمَلهَا الحَسَنُ، وَتَجَهَّزَ هُوَ
وَأَهْلُ بَيْتِهِ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَكَفَّ
مُعَاوِيَةُ عَنْ سَبِّ عَلِيٍّ وَالحَسَنُ يَسَمَعُ.
وَأَجْرَى مُعَاوِيَةُ عَلَى الحَسَنِ كُلَّ سَنَةٍ أَلْفَ
أَلْفِ دِرْهَمٍ.
وَعَاشَ الحَسَنُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ سِنِيْنَ (2) .
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا
حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ
دِيْنَارٍ:
أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يَعلَمُ أَنَّ الحَسَنَ أَكْرَهُ
النَّاسِ لِلْفِتْنَةِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ عَلِيٌّ بَعثَ
إِلَى الحَسَنِ، فَأَصْلَحَ مَا بَينَهُ وَبَينَهُ سِرّاً،
وَأَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ عَهداً إِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ
وَالحَسَنُ حَيٌّ لَيُسَمِّيَنَّهُ، وَلَيَجْعَلَنَّ
الأَمْرَ إِلَيْهِ.
فَلَمَّا تَوثَّقَ مِنْهُ الحَسَنُ، قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ:
وَاللهِ إِنِّيْ لَجَالِسٌ عِنْدَ الحَسَنِ، إِذْ أَخذْتُ
لأَقُوْمَ،
__________
(1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 222، 223.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 224.
(3/264)
فَجَذَبَ بِثَوْبِي، وَقَالَ: يَا هنَاهُ
اجلِسْ!
فَجلَسْتُ، فَقَالَ: إِنِّيْ قَدْ رَأَيْتُ رَأْياً،
وَإِنِّي أُحبُّ أَنْ تُتَابِعَنِي عَلَيْهِ!
قُلْتُ: مَا هُوَ؟
قَالَ: قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَعمَدَ إِلَى المَدِيْنَةِ،
فَأَنْزِلَهَا، وَأُخَلِّيَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ
هَذَا الحَدِيْثِ، فَقَدْ طَالتِ الفِتْنَةُ، وَسُفِكَتِ
الدِّمَاءُ، وَقُطعَتِ الأَرْحَامُ وَالسُّبُلُ،
وَعُطِّلَتِ الفُرُوْجُ.
قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: جَزَاكَ اللهُ خَيراً عَنْ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ، فَأَنَا مَعَكَ.
فَقَالَ: ادْعُ لِي الحُسَيْنَ!
فَأَتَاهُ، فَقَالَ: أَيْ أَخِي! قَدْ رَأَيْتُ كَيْتَ
وَكَيْتَ.
فَقَالَ: أُعِيذُكَ بِاللهِ أَنْ تُكذِّبَ عَلِيّاً،
وَتُصَدِّقَ مُعَاوِيَةَ.
فَقَالَ الحَسَنُ: وَاللهِ مَا أَردْتُ أَمراً قَطُّ
إِلاَّ خَالَفْتَنِي، وَاللهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ
أَقذِفَكَ فِي بَيْتٍ، فَأُطَيِّنَهُ عَلَيْكَ، حَتَّى
أَقْضِيَ أَمْرِي.
فَلَمَّا رَأَى الحُسَيْنُ غَضَبَهُ، قَالَ: أَنْتَ
أَكْبَرُ وَلَدِ عَلِيٍّ، وَأَنْتَ خَلِيفَتُهُ،
وَأَمْرُنَا لأَمْرِكَ تَبَعٌ.
فَقَامَ الحَسَنُ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّيْ
كُنْتُ أَكْرَهُ النَّاسِ لأَوِّلِ هَذَا الأَمْرِ،
وَأَنَا أَصلَحْتُ آخِرَهُ...، إِلَى أَنْ قَالَ:
إِنَّ اللهَ قَدْ وَلاَّكَ يَا مُعَاوِيَةُ هَذَا
الحَدِيْثَ لِخيرٍ يَعْلَمُهُ عِنْدَكَ، أَوْ لِشَرٍّ
يَعْلَمُهُ فِيكَ: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ
لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِيْنٍ} [الأَنْبِيَاءُ: 111]
ثُمَّ نَزَلَ (1) .
شَرِيْكٌ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِيْنٍ، قَالَ:
خَطَبنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَقَرَأَ
(إِبْرَاهِيْمَ) عَلَى المِنْبَرِ حَتَّى خَتَمهَا (2) .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ: كَانَ الحَسَنُ
وَالحُسَيْنُ لاَ يَرَيَانِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ رُؤْيَتَهُنَّ حَلاَلٌ
لَهُمَا.
قُلْتُ: الحِلُّ مُتَيَقَّنٌ.
ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ مُحَمَّدٍ:
قَالَ الحَسَنُ: الطَّعَامُ أَدقُّ مِنْ أَنْ نُقْسِمَ
عَلَيْهِ.
وَقَالَ قُرَّةُ: أَكلْتُ فِي بَيْتِ ابْنِ سِيْرِيْنَ،
فَلَمَّا رَفَعْتُ يَدَيَّ، قَالَ: قَالَ
__________
(1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 224، 225.
(2) أورده ابن كثير 8 / 19 عن ابن سعد: أخبرنا أبو نعيم
بهذا الإسناد.
(3/265)
الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ: إِنَّ الطَّعَامَ
أَهْوَنُ مِنْ أَنْ يُقْسَمَ عَلَيْهِ.
رَوَى: جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ كَانَا يَقْبَلاَنِ جَوَائِزَ
مُعَاوِيَةَ.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُسَافِرٌ الجَصَّاصُ، عَنْ
رُزَيْقِ (1) بنِ سَوَّارٍ، قَالَ:
كَانَ بَيْنَ الحَسَنِ وَمَرْوَانَ كَلاَمٌ، فَأَغلظَ
مَرْوَانُ لَهُ، وَحَسَنٌ سَاكِتٌ، فَامْتَخَطَ مَرْوَانُ
بِيَمِيْنِهِ.
فَقَالَ الحَسَنُ: وَيْحَكَ! أَمَا عَلمْتَ أَنَّ
اليَمِينَ لِلوَجْهِ، وَالشِّمَالَ لِلْفَرْجِ؟ أُفٍّ
لَكَ!
فَسَكَتَ مَرْوَانُ (2) .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ: أَنَّ
عُمَرَ أَلْحقَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ بفَرِيضَةِ
أَبِيهِمَا مَعَ أَهْلِ بَدْرٍ؛ لِقَرَابَتِهِمَا
بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ
حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
اتَّحدَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ يَقُوْلُ:
(هَيَّ يَا حَسَنُ، خُذْ يَا حَسَنُ).
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: تُعِيْنُ الكَبِيْرَ؟
قَالَ: (إِنَّ جِبْرِيْلَ يَقُوْلُ: خُذْ يَا حُسَيْنُ
(3)).
شَيْبَانُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بنِ
مُضَرِّبٍ:
سَمِعَ الحَسَنَ يَقُوْلُ: وَاللهِ لاَ أُبَايعُكُم إِلاَّ
عَلَى مَا أَقُوْلُ لَكُم.
قَالُوا: مَا هُوَ؟
قَالَ: تُسَالِمُوْنَ مَنْ سَالَمْتُ، وَتُحَارِبُوْنَ
مَنْ حَارَبْتُ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَدَائِنِيُّ: عَنْ
خَلاَّدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ
__________
(1) تحرف في المطبوع إلى " رزين " وكذا في " البداية "،
ورزيق بن سوار ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 3
/ 504، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 220، و" البداية " 8 / 39 من
طريق ابن سعد، عن الفضل ابن دكين، عن مساور الجصاص...
(3) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 212، وسيورده المؤلف في
الصفحة 284 من طريق آخر وفيه: " فاعتركا " بدل " اتحد "
وفي " المطالب العالية ": اصطرع الحسن والحسين.
(3/266)
جُدْعَانَ، قَالَ: حَجَّ الحَسَنُ بنُ
عَلِيٍّ خَمْسَ عَشْرَةَ حَجَّةً مَاشياً، وَإِنَّ
النَّجَائِبَ لَتُقَادُ مَعَهُ، وَخَرجَ مِنْ مَالهِ
مَرَّتَيْنِ، وَقَاسَمَ اللهَ مَالَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ؛ عَنْ
جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
قَالَ عَلِيٌّ: مَا زَالَ حَسَنٌ يَتَزوَّجُ وَيُطلِّقُ
حَتَّى خَشِيْتُ أَنْ يَكُوْنَ يُورِثَنَا عَدَاوَةً فِي
القَبَائِلِ، يَا أَهْلَ الكُوْفَةِ! لاَ تُزَوِّجُوهُ،
فَإِنَّهُ مِطْلاَقٌ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ: وَاللهِ لَنُزَوِّجَنَّهُ،
فَمَا رَضِيَ أَمْسَكَ، وَمَا كَرِهَ طَلَّقَ (1) .
قَالَ المَدَائِنِيُّ: أَحصَنَ الحَسَنُ تِسْعِيْنَ
امْرَأَةً.
شَرِيْكٌ: عَنْ عَاصِمٍ (2) ، عَنْ أَبِي رَزِيْنٍ، قَالَ:
خَطَبنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ سُودٌ
وَعِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا مُخَوَّلٌ، عَنْ
أَبِي سَعِيْدٍ (3) :
أَنَّ أَبَا رَافِعٍ أَتَى الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ، وَهُوَ
يُصَلِّي عَاقِصاً رَأْسَهُ، فَحَلَّهُ، فَأَرْسَلَهُ.
فَقَالَ الحَسَنُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (لاَ يُصَلِّي الرَّجُلُ عَاقِصاً
رَأْسَهُ (4)).
وَرَوَى نَحْوَهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ
مُوْسَى، أَخْبَرَنِي سَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ: أَنَّ أَبَا
رَافِعٍ مَرَّ بِحَسَنٍ وَقَدْ غَرزَ ضَفِيْرَتَهُ فِي
قَفَاهُ، فَحَلَّهَا، فَالْتفَتَ
__________
(1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 219، و" البداية " 8 / 38.
(2) في الأصل: " شريك بن عاصم " وهو خطأ.
(3) كذا الأصل، وفي ابن ماجه (1042): عن أبي سعد رجل من
أهل المدينة، وفي " التذهيب " و" التهذيب ": أبو سعد
المدني.
(4) وأخرجه ابن ماجه (1042) من طريق شعبة، عن مخول
به...وأخرجه مختصرا عبد الرزاق (2990)، وأحمد 6 / 8 و391،
عن الثوري، عن مخول، عن رجل، عن أبي رافع.
وأبو سعد لايعرف، لكن الطريق الآتية تقويه.
وعقص الشعر: ضفره وشده، وغرز طرفه في أعلاه.
(3/267)
مُغْضَباً.
قَالَ: أَقْبِلْ عَلَى صَلاَتِكَ وَلاَ تَغضَبْ، فَإِنِّي
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (ذَلِكَ كِفْلُ الشَّيْطَانِ (1)).
يَعْنِي: مَقْعَدَ الشَّيْطَانِ.
حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ،
عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ كَانَا يَتَخَتَّمَانِ فِي
اليَسَارِ (2) .
الثَّوْرِيُّ: عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، عَنْ
قَيْسٍ مَوْلَى خَبَّابٍ: رَأَيْتُ الحَسَنَ يَخْضِبُ
بِالسَّوَادِ (3) .
حجَّاجُ بنُ نُصَيْرٍ: حَدَّثَنَا يَمَانُ بنُ
المُغِيْرَةِ، حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ،
قَالَ: رَأَيْتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ يَخْضِبُ
بِالسَّوَادِ (4) .
أَبُو الرَّبِيْعِ السَّمَّانُ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ
أَبِي يَزِيْدَ، قَالَ:
رَأَيْتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ قَدْ خَضَبَ بِالسَّوَادِ
(5).
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق (2991)، ومن طريقه أبو داود (646)،
والترمذي (384)، وسنده قوي، فقد صرح ابن جريج بالتحديث عند
أبي داود.
وقوله: " كفل الشيطان " قال الخطابي: وأما الكفل، فأصله أن
يجمع الكساء على سنام البعير ثم يركب عليه.
والمراد: تشبيه اجتماع الشعر على القفا بموضع الركوب كأن
الشيطان يرتحله.
وإنما أمره بإرسال شعره ليسقط معه على الموضع الذي يسجد
عليه، ويصلي فيه، فيسجد معه.
(2) أخرجه الترمذي في السنن (1743) و(96) في " الشمائل "
ورجاله ثقات إلا أنه منقطع: محمد بن علي بن الحسين لم يسمع
من جده.
وقد صح من حديث أنس بن مالك قال: كان خاتم النبي صلى الله
عليه وسلم في هذه، وأشار إلى خنصره من يده اليسرى.
أخرجه مسلم في " صحيحه " (2095).
(3) قيس مولى خباب ترجمه البخاري في " تاريخه " 7 / 151،
وأورد له هذا الاثر، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وباقي
رجاله ثقات، وانظر " الطبراني " رقم (2532) و(2533)
و(2534) و(2535)، و" مجمع الزوائد " 5 / 163.
(4) حجاج بن نصير ضعيف، وكذا شيخه.
(5) أبو ربيع السمان - واسمه أشعث - متروك.
(3/268)
مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَعَنْ
يُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيْهِ، وَعَنْ
غَيْرِهِمَا، قَالُوا:
بَايعَ أَهْلُ العِرَاقِ الحَسَنَ، وَقَالُوا لَهُ: سِرْ
إِلَى هَؤُلاَءِ.
فَسَارَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهُ
قَيْسُ بنُ سَعْدٍ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً.
وَقَالَ غَيْرُهُ: فَنَزَلَ المَدَائِنَ، وَأَقْبَلَ
مُعَاوِيَةُ، إِذْ نَادَى مُنَادٍ فِي عَسْكَرِ الحَسَنِ:
قُتلَ قَيْسٌ.
فَشدَّ النَّاسُ عَلَى حُجْرَةِ الحَسَنِ،
فَانْتَهَبُوْهَا، حَتَّى انْتَهَبُوا جَوَارِيَه،
وَسَلبُوْهُ رِدَاءهُ، وَطَعَنهُ ابْنُ أُقَيْصِرٍ
بِخِنْجَرٍ مَسْمُوْمٍ فِي أَلْيتِهِ، فَتَحوَّلَ،
وَنَزَلَ قَصرَ كِسْرَى، وَقَالَ: عَليكُمُ اللَّعْنَةُ،
فَلاَ خَيرَ فِيكُم.
ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ (1) بنُ
الحُبَابِ، عَنْ حُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ
اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ:
أَنَّ الحَسَنَ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ:
لأُجِيْزَنَّكَ بِجَائِزَةٍ لَمْ أُجِزْ بِهَا أَحَداً.
فَأَجَازَهُ بِأَرْبَعِ مائَةِ أَلْفٍ، أَوْ أَرْبَعِ
مائَةِ أَلْفِ أَلْفٍ، فَقَبِلَهَا (2).
وَفِي (مُجْتَنَى) ابْنِ دُرَيْدٍ: قَامَ الحَسَنُ بَعْدَ
مَوْتِ أَبِيْهِ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا ثَنَانَا عَنْ
أَهْلِ الشَّامِ شَكٌّ وَلاَ نَدَمٌ، وَإِنَّمَا كُنَّا
نُقَاتِلُهُم بِالسَّلاَمَةِ وَالصَّبرِ، فَشِيبَتِ
السَّلاَمَةُ بِالعَدَاوَةِ، وَالصَّبرُ بِالجَزعِ،
وَكُنْتُم فِي مُنتدَبِكُم إِلَى صِفِّيْنَ؛ دِيْنُكُم
أَمَامَ دُنْيَاكُم، فَأَصْبَحْتُم وَدُنْيَاكُم أَمَامَ
دِيْنِكُم، أَلاَ وَإِنَّا لَكُم كَمَا كُنَّا، وَلَسْتُم
لَنَا كَمَا كُنْتُم، أَلاَ وَقَدْ أَصْبَحْتُم بَيْنَ
قَتِيْلَيْنِ؛ قَتيلٍ بِصِفِّيْنَ تَبكُوْنَ عَلَيْهِ،
وَقَتيلٍ بِالنَّهْرَوَانِ تَطلُبُوْنَ بِثَأْرِهِ،
فَأَمَّا البَاقِي، فَخَاذِلٌ، وَأَمَّا البَاكِي،
فَثَائِرٌ.
أَلاَ وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ دَعَانَا إِلَى أَمرٍ ليسَ
فِيْهِ عِزٌّ وَلاَ نَصَفَةٌ؛ فَإِنْ أَردْتُمُ الموتَ،
رَدَدْنَاهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَردْتُمُ الحَيَاةَ
قَبِلنَاهُ.
قَالَ: فَنَادَاهُ القَوْمُ مِنْ كُلِّ جَانبٍ؛
التَّقِيَّةَ التَّقِيَّةَ.
فَلَمَّا أَفْردُوْهُ، أَمْضَى الصُّلْحَ.
يَزِيْدُ: أَخْبَرَنَا العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ، عَنْ
هِلاَلِ بنِ يِسَافٍ: سَمِعْتُ الحَسَنَ
__________
(1) في الأصل " يزيد " وهو خطأ.
(2) إسناده حسن.
(3/269)
يَخطُبُ، وَيَقُوْلُ: يَا أَهْلَ
الكُوْفَةِ! اتَّقُوا الله فِيْنَا، فَإِنَّا
أُمَرَاؤُكُم، وَإِنَّا أَضْيَافُكُم، وَنَحْنُ أَهْلُ
البَيْتِ الَّذِيْنَ قَالَ اللهُ فِيهِم: {إِنَّمَا
يُرِيْدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
البَيْتِ} [الأَحْزَابُ: 33].
قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ قَطُّ بَاكِياً أَكْثَرَ مِنْ
يَوْمَئِذٍ (1) .
أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ حُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
عَنْ أَبِي جَمِيْلَةَ مَيْسَرَةَ بنِ يَعْقُوْبَ:
أَنَّ الحَسَنَ بَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي، إِذْ وَثَبَ
عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَطَعَنَهُ بِخِنْجَرٍ.
قَالَ حُصَيْنٌ: وَعَمِّي أَدْركَ ذَاكَ، فَيَزعُمُوْنَ
أَنَّ الطَّعْنَةَ وَقَعَتْ فِي وَرِكِهِ، فَمَرِضَ
مِنْهَا أَشهُراً، فَقَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ:
اتَّقُوا اللهَ فِيْنَا، فَإِنَّا أُمَرَاؤُكُم
وَأَضْيَافُكُمُ الَّذِي قَالَ اللهُ فِيْنَا.
قَالَ: فَمَا أَرَى فِي المَسجدِ إِلاَّ مَنْ يَحِنُّ
بُكَاءً (2) .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُوْسَى:
سَمِعَ الحَسَنَ يَقُوْلُ: اسْتَقبلَ -وَاللهِ - الحَسَنُ
بنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ مِثْلِ الجِبَالِ.
فَقَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ: إِنِّيْ لأَرَى كَتَائِبَ
لاَ تُوَلِّي حَتَّى تَقتُلَ أَقرَانَهَا.
فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ - وَكَانَ وَاللهِ خَيْرَ
رَجُلَيْنِ -: أَيْ عَمْرُو! إِنْ قَتَلَ هَؤُلاَءِ
هَؤُلاَءِ، وَهَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ، مَنْ لِي بِأُمُوْرِ
المُسْلِمِيْنَ، مَنْ لِي بِنِسَائِهِم، مَنْ لِي
بِضَيْعَتِهِم؟!
فَبعثَ إِلَيْهِم بِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ؛ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ سَمُرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ
كُرَيْزٍ، فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ،
فَاعْرِضَا عَلَيْهِ، وَقُوْلاَ لَهُ، وَاطْلُبَا
إِلَيْهِ.
فَأَتيَاهُ، فَقَالَ لَهُمَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ: إِنَّا
بنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ قَدْ أَصَبنَا مِنْ هَذَا
المَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي
دِمَائِهَا.
قَالاَ: فَإِنَّا نَعرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا،
وَنَطلُبُ إِلَيْكَ، وَنَسْأَلُكَ.
قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا؟
قَالاَ: نَحْنُ
__________
(1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 225.
(2) وأخرجه الطبراني (2761)، وأورده الهيثمي في " المجمع "
9 / 172، وقال: رجاله ثقات.
(3/270)
لَكَ بِهِ.
فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئاً إِلاَّ قَالاَ: نَحْنُ لَكَ
بِهِ، فَصَالَحَهُ.
قَالَ الحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ
يَقُوْلُ:
رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ...)،
وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1).
ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ أَنَسِ بنِ
سِيْرِيْنَ، قَالَ:
قَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ: مَا بَيْنَ جَابَرْسَ
وَجَابَلْقَ رَجُلٌ جَدُّهُ نَبِيٌّ غَيرِي وَغَيرَ أَخِي،
وَإِنّي رَأَيْتُ أَنْ أُصلِحَ بَيْنَ الأُمَّةِ، أَلاَ
وَإِنَّا قَدْ بَايعنَا مُعَاوِيَةَ، وَلاَ أَدْرِي
لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُم وَمَتَاعٌ إِلَى حِيْنَ (2) .
قَالَ مَعْمَرٌ: جَابَلْقُ وَجَابَرْسُ (3) : المَشْرِقُ
وَالمَغْرِبُ.
هُشَيْمٌ: عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ:
أَنَّ الحَسَنَ خَطبَ، فَقَالَ: إِنَّ أَكْيَسَ الكَيْسِ
التُّقَى، وَإِنَّ أَحْمَقَ الحُمْقِ الفُجُورُ، أَلاَ
وَإِنَّ هَذِهِ الأُمُوْرَ الَّتِي اخْتَلفتُ فِيهَا أَنَا
وَمُعَاوِيَةُ، تَركْتُ لِمُعَاوِيَةَ إِرَادَةَ إِصلاَحِ
المُسْلِمِيْنَ وَحَقْنِ دِمَائِهِم.
هَوْذَةُ: عَنْ عَوْفٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
لَمَّا وَرَدَ مُعَاوِيَةُ الكُوْفَةَ، وَاجْتمَعَ
عَلَيْهِ النَّاسُ، قَالَ لَهُ عَمْرُو بنُ العَاصِ: إِنَّ
الحَسَنَ مُرتَفِعٌ فِي الأَنْفُسِ؛ لِقَرَابتِه مِنْ
رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَإِنَّهُ حَدِيثُ السِّنِّ، عَيِيٌّ، فَمُرْهُ
فَلْيَخْطُبْ، فَإِنَّهُ سَيَعْيَى، فَيسقُطُ مِنْ
أَنْفُسِ النَّاسِ.
فَأَبَى، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَمَرهُ، فَقَامَ
عَلَى المِنْبَرِ دُوْنَ مُعَاوِيَةَ: فَحَمِدَ اللهَ،
وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: لَوِ ابْتغَيْتُم بَيْنَ
جَابَلْقَ
__________
(1) وتمامه " ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من
المسلمين " أخرجه البخاري 5 / 225 في الصلح: باب قول النبي
صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما: إن ابني
هذا سيد...
(2) رجاله ثقات، وأخرجه عبد الرزاق (20980) ومن طريقه
الطبراني (2748) عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين أن
الحسن...
(3) تصحفت الكلمتان في المطبوع من " المصنف " 11 / 452 إلى
" حابلق وحالوس " وقال ياقوت في " معجم البلدان ": وجابرس:
مدينة بأقصى المشرق...وجابلق: مدينة بأقصى
المغرب، وأورد هذا الخبر.
(3/271)
وَجَابَرْسَ رَجُلاً جَدُّهُ نَبيٌّ غَيرِي
وَغَيرَ أَخِي لَمْ تَجِدُوْهُ، وَإِنَّا قَدْ أَعْطَيْنَا
مُعَاوِيَةَ بَيْعَتَنَا، وَرَأَينَا أَنَّ حَقْنَ
الدِّمَاءِ خَيْرٌ: {وَمَا أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ
لَكُم وَمَتَاعٌ إِلَى حِيْنٍ}.
وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فغَضِبَ
مُعَاوِيَةُ، فَخَطَبَ بَعْدَهُ خُطبَةً عَيِيَّة
فَاحِشَةً، ثُمَّ نَزَل.
وَقَالَ: مَا أَردتَ بِقَوْلكَ: فِتْنَةٌ لَكُم وَمَتَاعٌ؟
قَالَ: أَردْتُ بِهَا مَا أَرَادَ اللهُ بِهَا (1) .
القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ الحُدَّانِيُّ: عَنْ يُوْسُفَ بنِ
مَازِنٍ، قَالَ:
عَرضَ لِلْحَسَنِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا مُسَوِّدَ وُجُوهِ
المُؤْمِنِيْنَ!
قَالَ: لاَ تَعْذُلْنِي، فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرِيهِم يَثِبُوْنَ عَلَى
مِنْبَرهِ رَجُلاً رَجُلاً، فَأَنْزَلَ اللهُ -تَعَالَى -:
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ}.
قَالَ: أَلْفُ شَهْرٍ يَملِكُونَهُ بَعْدِي -يَعْنِي:
بَنِي أُمَيَّةَ -.
سَمِعَهُ مِنْهُ: أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ،
وَفِيْهِ انْقطَاعٌ (2) .
وَعَنْ فُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ؛ قَالَ:
أَتَى مَالِكُ بنُ ضَمْرَةَ الحَسَنَ (3) ، فَقَالَ:
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مُسَخِّمَ وُجُوهِ
المُؤْمِنِيْنَ.
فَقَالَ: لاَ تَقُلْ هَذَا...، وَذَكرَ كَلاَماً يَعتَذِرُ
بِهِ - رضيَ اللهُ عَنْهُ -.
وَقَالَ لَهُ آخَرُ: يَا مُذِلَّ المُؤْمِنِيْنَ!
فَقَالَ: لاَ، وَلَكِنْ كَرِهتُ أَنْ أَقتلَكُم عَلَى
المُلْكِ (4) .
عَاصِمُ بنُ بَهْدَلَةَ: عَنْ أَبِي رَزِيْنٍ، قَالَ:
خَطَبنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ سُودٌ
وَعِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
__________
(1) إسناده صحيح، هوذة: هو ابن خليفة، وعوف: هو ابن أبي
جميلة الاعرابي، وذكره ابن كثير في " البداية " 8 / 42،
ونسبه لابن سعد بهذا الإسناد.
(2) كذا قال هنا، وقال في " مختصر المستدرك " قلت: وروى عن
يوسف نوح بن قيس، وما علمت أن أحدا تكلم فيه، والقاسم
وثقوه، رواه عنه أبو داود الطيالسي والتبوذكي، وما أدري
آفته
من أين.
والحديث في " سنن الترمذي " (3408)، والحاكم 3 / 170، 171،
والطبراني (2754)، ومتنه منكر كما أوضحه الحافظ ابن كثير
في " تفسيره " 4 / 530.
فارجع إليه.
(3) تحرفت الجملة في المطبوع بعد إسقاط " أتى " إلى " قال
مالك بن ضمرة للحسن ".
(4) انظر " المستدرك " 3 / 175، فقد أورده بنحوه من طريق
آخر.
(3/272)
مُحَمَّدُ بنُ رَبِيْعَةَ الكِلاَبِيُّ:
عَنْ مُسْتَقِيْمِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، قَالَ:
رَأَيْتُ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ شَابَا، وَلَمْ يَخْضِبَا،
وَرَأَيتُهُمَا يَرْكَبَانِ البَرَاذِيْنَ بِالسُّرُوجِ
المُنَمَّرَةِ (1) .
جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ كَانَا يَتَخَتَّمَانِ فِي
يَسَارِهِمَا، وَفِي الخَاتَمِ ذِكْرُ اللهِ (2) .
وَعَنْ قَيْسٍ مَوْلَى خَبَّابٍ، قَالَ: رَأَيْتُ الحَسَنَ
يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ (3) .
شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ العَيْزَارِ: أَنَّ
الحَسَنَ كَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ: رَأَيْتُ
الحَسَنَ خَضَبَ بِالسَّوَادِ.
ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ:
دَخَلْنَا عَلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ نَعُوْدُهُ، فَقَالَ
لِصَاحِبِي: يَا فُلاَنُ! سَلْنِي.
ثُمَّ قَامَ مِنْ عِنْدِنَا، فَدَخَلَ كَنِيْفاً، ثُمَّ
خَرَجَ، فَقَالَ: إِنِّيْ -وَاللهِ - قَدْ لَفظْتُ
طَائِفَةً مِنْ كَبِدِي قَلَبْتُهَا بِعُوْدٍ، وَإِنِّي
قَدْ سُقِيْتُ السُّمَّ مِرَاراً، فَلَمْ أُسْقَ مِثْلَ
هَذَا.
فَلَمَّا كَانَ الغَدُ، أَتيتُهُ وَهُوَ يَسُوْقُ، فَجَاءَ
الحُسَيْنُ، فَقَالَ: أَيْ أَخِي! أَنْبِئنِي مَنْ
سَقَاكَ؟
قَالَ: لِمَ! لِتَقْتُلَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: مَا أَنَا مُحدِّثُكَ شَيْئاً، إِنْ يَكُنْ
صَاحِبِي الَّذِي أَظُنُّ، فَاللهُ أَشَدُّ نِقْمَةً،
وَإِلاَّ - فَوَاللهِ - لاَ يُقتلُ بِي بَرِيْءٌ (4).
__________
(1) أي: السروج المتخذة من جلود النمور وهي السباع
المعروفة.
ولاخبر في " معجم
الطبراني " (2537) دون قوله: ورأيتهما...وفي سنده جمهور بن
منصور، قال الهيثمي في " المجمع " 5 / 161: لم أعرفه،
وبقية رجاله ثقات.
(2) تقدم في الصفحة (268).
(3) تقدم في الصفحة (268).
(4) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 2 / 38 من طريق محمد بن
علي، حدثنا أبو عروبة الحراني، حدثنا سليمان بن عمر بن
خالد بهذا الإسناد.
وقوله: أتيته وهو يسوق: يقال: ساق المريض يسوق: إذا أصابه
النزع.
(3/273)
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ جُبَيْرِ بنِ
نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَقُوْلُوْنَ: إِنَّك تُرِيْدُ
الخِلاَفَةَ.
فَقَالَ: كَانَتْ جَمَاجِمُ العَربِ فِي يَدِي،
يُسَالِمُوْنَ مَنْ سَالَمْتُ، وَيُحَاربُوْنَ مَنْ
حَاربْتُ، فَتركْتُهَا للهِ، ثُمَّ أَبْتَزُّهَا
بِأَتْيَاسِ الحِجَازِ (1) ؟
رَوَاهُ: الطَّيَالِسِيُّ فِي (مُسْنَدِهِ)، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ خُمَيْرٍ، فَقَالَ مَرَّةً:
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي (العِلَلِ (2)): وَهَذَا
أَصَحُّ.
قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ الحَسَنُ لِلْحُسَيْنِ: قَدْ
سُقِيْتُ السُّمَّ غَيرَ مَرَّةٍ، وَلَمْ أُسْقَ مِثْلَ
هَذِهِ، إِنِّيْ لأَضعُ كَبِدِي.
فَقَالَ: مَنْ فَعَلَهُ؟
فَأَبَى أَنْ يُخْبِرَهُ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ، قَالَ:
كَانَ الحَسَنُ كَثِيْرَ النِّكَاحِ، وَقَلَّ مَنْ
حَظِيَتْ عِنْدَهُ، وَقَلَّ مَنْ تَزَوَّجَهَا إِلاَّ
أَحبَّتْهُ، وَصَبَتْ بِهِ.
فَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ سُقِيَ، ثُمَّ أُفْلِتَ، ثُمَّ
سُقِيَ فَأُفْلِتَ، ثُمَّ كَانَتِ الآخِرَةُ، وَحَضرَتْهُ
الوَفَاةُ، فَقَالَ الطَّبِيْبُ: هَذَا رَجُلٌ قَدْ قَطَعَ
السُّمُّ أَمْعَاءهُ.
وَقَدْ سَمِعْتُ بَعضَ مَنْ يَقُوْلُ: كَانَ مُعَاوِيَةُ
قَدْ تَلَطَّفَ لِبَعضِ خَدَمِهِ أَنْ يَسْقِيَهُ سُمّاً.
أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ أُمِّ مُوْسَى:
أَنَّ جَعْدَةَ بِنْتَ الأَشْعَثِ بنِ
__________
(1) وأخرجه الحاكم 3 / 170، وأبو نعيم في " الحلية " 2 /
36، 37 من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة، عن يزيد بن خمير عن
عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه قال: قلت
للحسن...وصححه الحاكم، وواقفه الذهبي.
(2) 2 / 352، ونص كلامه بعد أن أورد الحديث من طريق أبي
داود الطيالسي، عن شعبة، عن يزيد بن خمير...فأملى علي أبي:
هذا الحديث خطأ إنما هو عبد الرحمن بن نمير، عن أبيه،
حدثنا سليمان بن منصور، عن أبي داود هكذا.
وقوله: ثم " أبتزها " أي: أستلبها.
وقد تصحفت في " العلل " إلى " وأثيرها ".
(3/274)
قَيْسٍ، سَقَتِ الحَسَنَ السُّمَّ،
فَاشْتَكَى، فَكَانَ تُوضَعُ تَحْتَهُ طِشْتٌ، وَتُرفَعُ
أُخْرَى نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ رَقَبَةَ بنِ مَصْقَلَةَ (1) :
لَمَّا احتُضِرَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْرِجُوا
فِرَاشِي إِلَى الصَّحْنِ.
فَأَخْرَجُوْهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّيْ أَحتسِبُ
نَفْسِي عِنْدَكَ، فَإِنَّهَا أَعزُّ الأَنْفُسِ عَلَيَّ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
حَضَرْتُ مَوْتَ الحَسَنِ، فَقُلْتُ لِلْحُسَيْنِ: اتَّقِ
اللهَ، وَلاَ تُثِرْ فِتْنَةً، وَلاَ تَسفِكِ الدِّمَاءَ،
ادفُنْ أَخَاكَ إِلَى جَنْبِ أُمِّهِ، فَإِنَّهُ قَدْ
عَهِدَ بِذَلِكَ إِلَيْكَ.
أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ،
قَالَ:
لَمَّا حُضِرَ الحَسَنُ، قَالَ لِلْحُسَيْنِ: ادفِنِّي
عِنْد أَبِي -يَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إِلاَّ أَنْ تَخَافُوا الدِّمَاءَ،
فَادْفِنِّي فِي مَقَابرِ المُسْلِمِيْنَ.
فَلَمَّا قُبِضَ، تَسَلَّحَ الحُسَيْنُ، وَجَمعَ
مَوَالِيهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنْشُدُكَ
اللهَ وَوَصِيَّةَ أَخِيْكَ، فَإِنَّ القَوْمَ لَنْ
يَدَعُوْكَ حَتَّى يَكُوْنَ بَيْنَكُم دِمَاءٌ.
فَدفَنَهُ بِالبَقِيْعِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
أَرَأَيْتُم لَوْ جِيْءَ بِابْنِ مُوْسَى لِيُدفَنَ مَعَ
أَبِيْهِ، فَمُنِعَ، أَكَانُوا قَدْ ظَلمُوْهُ؟
فَقَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: فَهَذَا ابْنُ نَبِيِّ الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جِيْءَ لِيُدْفَنَ مَعَ
أَبِيْهِ.
وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ:
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَرَّةً يَوْمَ دُفِنَ الحَسَنُ:
قَاتَلَ اللهُ مَرْوَانَ.
قَالَ: وَاللهِ مَا كُنْتُ لأَدَعَ ابْنَ أَبِي تُرَابٍ
يُدفَنُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَقَدْ دُفنَ عُثْمَانُ بِالبَقِيْعِ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مِرْدَاسٍ،
عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ
الحَنَفِيَّةِ، قَالَ:
جَعَلَ الحَسَنُ يُوعِزُ لِلْحُسَيْنِ: يَا أَخِي؛
إِيَّاكَ أَنْ تَسفِكَ دَماً، فَإِنَّ النَّاسَ سِرَاعٌ
إِلَى الفِتْنَةِ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ، ارْتَجَّتِ المَدِيْنَةُ صيَاحاً،
فَلاَ
__________
(1) مصقلة بفتح الميم وسكون الصاد، وفتح القاف، وقد تحرف
في المطبوع إلى " مقصلة ".
(3/275)
تَلْقَى إِلاَّ بَاكِياً.
وَأَبردَ مَرْوَانُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِخَبرِهِ،
وَأَنَّهُم يُرِيْدُوْنَ دَفْنَهُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلاَ يَصِلُوْنَ إِلَى
ذَلِكَ أَبَداً وَأَنَا حَيٌّ.
فَانْتَهَى حُسَيْنٌ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: احْفِرُوا.
فَنكبَ عَنْهُ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ -يَعْنِي: أَمِيْرَ
المَدِيْنَةِ - فَاعْتزلَ، وَصَاحَ مَرْوَانُ فِي بَنِي
أُمَيَّةَ، وَلَبِسُوا السِّلاَحَ.
فَقَالَ لَهُ حُسَيْنٌ: يَا ابْنَ الزَّرْقَاءِ، مَا لَكَ
وَلِهَذَا! أَوَالٍ أَنْتَ؟
فَقَالَ: لاَ تَخْلُصُ إِلَى هَذَا وَأَنَا حَيٌّ.
فَصَاحَ حُسَيْنٌ بِحلفِ الفُضُولِ، فَاجتمعتْ هَاشِمٌ،
وَتَيْمٌ، وَزُهْرَةُ، وَأَسدٌ فِي السِّلاَحِ، وَعَقَدَ
مَرْوَانُ لِوَاءً، وَكَانَتْ بَيْنَهُم مُرَامَاةٌ.
وَجَعلَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ يُلِحُّ عَلَى
الحُسَيْنِ، وَيَقُوْلُ: يَا ابْنَ عَمِّ! أَلَمْ تَسْمَعْ
إِلَى عَهدِ أَخِيْكَ؟ أُذَكِّرُكَ اللهَ أَنْ تَسفِكَ
الدِّمَاءَ، وَهُوَ يَأبَى.
قَالَ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ: فَسَمِعْتُ أَبِي،
يَقُوْلُ:
لَقَدْ رَأَيتُنِي يَوْمَئِذٍ وَإِنِّي لأُرِيْدُ أَنْ
أَضْرِبَ عُنُقَ مَرْوَانَ، مَا حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ
ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ أَكُوْنَ أَرَاهُ مُسْتوجِباً (1)
لِذَلِكَ.
ثُمَّ رَفقتُ (2) بِأَخِي، وَذَكَّرْتُهُ وَصيَّةَ
الحَسَنِ، فَأَطَاعنِي.
قَالَ جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: لَمَّا أَخرجُوا
جَنَازَةَ الحَسَنِ، حَمَلَ مَرْوَانُ سَرِيرَهُ، فَقَالَ
الحُسَيْنُ: تَحملُ سَرِيْرَهُ! أَمَا وَاللهِ لَقَدْ
كُنْتَ تُجَرِّعُهُ الغَيْظَ.
قَالَ: كُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْ يُوَازِنُ حِلْمُهُ
الجِبَالَ.
وَيُرْوَى أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لاَ يَكُوْنُ لَهُم
رَابعٌ أَبَداً، وَإِنَّهُ لَبَيْتِي أَعْطَانِيْهُ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
حَيَاتِهِ.
إِسْنَادهُ مُظْلِمٌ.
الثَّوْرِيُّ: عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ؛ سَمِعَ
أَبَا حَازِمٍ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لَشَاهِدٌ يَوْمَ مَاتَ
الحَسَنُ، فَرَأَيْتُ الحُسَيْنَ يَقُوْلُ لِسَعِيْدِ بنِ
العَاصِ، وَيَطْعَنُ فِي
__________
(1) تحرف في المطبوع إلى " مستوحيا ".
(2) تحرف في المطبوع إلى " دفعت ".
(3/276)
عُنُقِهِ:
تَقَدَّمْ، فَلَوْلاَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مَا قُدِّمْتَ
-يَعْنِي: فِي الصَّلاَةِ -.
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (مَنْ
أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا
فَقَدْ أَبْغَضَنِي) (1).
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُسَاوِرٌ السَّعْدِيُّ،
قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَائِماً عَلَى مَسجدِ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ مَاتَ
الحَسَنُ؛ يَبْكِي، وَيُنَادِي بِأَعلَى صَوْتِهِ: يَا
أَيُّهَا النَّاسُ! مَاتَ اليَوْمَ حِبُّ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَابْكُوا.
قَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: عَاشَ الحَسَنُ سَبْعاً
وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: وَغَلِطَ مَنْ نَقَلَ عَنْ جَعْفَرٍ أَنَّ
عُمُرَهُ ثَمَانٍ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً غَلطاً بَيِّناً.
قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ،
وَخَلِيْفَةُ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ المَدَائِنِيُّ، وَالغَلاَبِيُّ، وَالزُّبَيْرُ،
وَابْنُ الكَلْبِيِّ، وَغَيْرُهُم: مَاتَ سَنَةَ
خَمْسِيْنَ.
وَزَادَ بَعْضُهُم: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ.
وَغَلِطَ أَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ، وَقَالَ: سَنَةَ
ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: أَنَّهُم لَمَّا
التَمَسُوا مِنْ عَائِشَةَ أَنْ يُدفنَ الحَسَنُ فِي
الحُجْرَةِ، قَالَتْ: نَعَمْ وَكَرَامَةٌ.
فَردَّهُم مَرْوَانُ، وَلَبِسُوا السِّلاَحَ، فَدُفنَ
عِنْدَ أُمِّهِ بِالبَقِيْعِ إِلَى جَانِبِهَا.
وَمِنَ (الاسْتِيْعَابِ) لأَبِي عُمَرَ، قَالَ:
سَارَ الحَسَنُ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَسَارَ مُعَاوِيَةُ
إِلَيْهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لاَ تَغْلِبُ طَائِفَةٌ
الأُخْرَى حَتَّى تَذهبَ أَكْثَرُهَا، فَبَعَثَ إِلَى
مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ يَصِيْرُ الأَمْرُ إِلَيْكَ بِشَرْطِ
أَنْ لاَ تَطْلُبَ أَحَداً بِشَيْءٍ كَانَ فِي أَيَّامِ
أَبِي،
__________
(1) إسناده حسن وهو في " المسند " 2 / 531، وسنن البيهقي 4
/ 28، 29 وصححه الحاكم 3 / 171 ووافقه الذهبي، وأورده
الهيثمي في " المجمع " 3 / 31، وقال: رواه الطبراني في "
الكبير "، والبزار (814)، ورجاله موثقون.
(3/277)
فَأَجَابَهُ، وَكَادَ يَطِيرُ فَرَحاً،
إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: أَمَّا عَشْرَةُ أَنْفُسٍ فَلاَ.
فَرَاجَعَهُ الحَسَنُ فِيْهِم، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنِّيْ
قَدْ آلَيْتُ مَتَى ظَفِرْتُ بِقَيْسِ بنِ سَعْدٍ أَنْ
أَقْطَعَ لِسَانَهُ وَيَدَهُ.
فَقَالَ: لاَ أُبَايِعُكَ.
فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بِرَقٍّ أَبْيضَ، وَقَالَ:
اكتُبْ مَا شِئْتَ فِيْهِ، وَأَنَا أَلتَزِمُهُ.
فَاصْطَلَحَا عَلَى ذَلِكَ.
وَاشْتَرطَ عَلَيْهِ الحَسَنُ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ الأَمْرُ
مِنْ بَعْدِهِ، فَالْتَزمَ ذَلِكَ كُلَّهُ مُعَاوِيَةُ.
فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: إِنَّهُ انفَلَّ حَدُّهُم،
وَانكسَرَتْ شَوْكتُهُم.
قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ بَايَعَ عَلِيّاً
أَرْبَعُوْنَ أَلْفاً عَلَى المَوْتِ، فَوَاللهِ لاَ
يُقتَلُوْنَ حَتَّى يُقتَلَ أَعْدَادُهُم مِنَّا، وَمَا
-وَاللهِ - فِي العَيشِ خَيْرٌ بَعْدَ ذَلِكَ (1) .
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَسَلَّمَ فِي نِصْفِ جُمَادَى
الأَوَّلِ الأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، سَنَةَ إِحْدَى
وَأَرْبَعِيْنَ (2) .
قَالَ: وَمَاتَ - فِيْمَا قِيْلَ - سَنَةَ تِسْعٍ
وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقِيْلَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ (3) .
قَالَ: وَرَوَيْنَا مِنْ وُجُوْهٍ: أَنَّ الحَسَنَ لَمَّا
احتُضِرَ، قَالَ لِلْحُسَيْنِ:
يَا أَخِي! إِنَّ أَبَاكَ لَمَّا قُبِضَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَشْرَفَ لِهَذَا
الأَمْرِ، فَصَرَفَهُ اللهُ عَنْهُ، فَلَمَّا احْتُضِرَ
أَبُو بَكْرٍ، تَشَرَّفَ أَيْضاً لَهَا، فَصُرِفَتْ عَنْهُ
إِلَى عُمَرَ، فَلَمَّا احتُضِرَ عُمَرُ، جَعَلَهَا
شُوْرَى، أَبِي (4) أَحَدُهُم، فَلَمْ يَشُكَّ أَنَّهَا
لاَ تَعْدُوْهُ، فَصُرِفَتْ عَنْهُ إِلَى عُثْمَانَ،
فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، بُوْيِعَ، ثُمَّ نُوزِعَ
حَتَّى جَرَّدَ السَّيْفَ وَطَلَبَهَا، فَمَا صَفَا لَهُ
شَيْءٌ مِنْهَا، وَإِنِّي -وَاللهِ - مَا أَرَى أَنْ
يَجْمَعَ اللهُ فِيْنَا - أَهْلَ البَيْتِ - النُّبُوَّةَ
وَالخِلاَفَةَ؛ فَلاَ أَعْرِفَنَّ مَا اسْتَخَفَّكَ
سُفَهَاءُ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَأَخرَجُوكَ، وَقَدْ كُنْتُ
طَلَبتُ إِلَى عَائِشَةَ أَنْ أُدفَنَ فِي حُجرَتِهَا؛
فَقَالَتْ: نَعَمْ، وَإِنِّي لاَ أَدْرِي لَعَلَّ ذَلِكَ
كَانَ مِنْهَا حَيَاءً، فَإِذَا مَا مِتُّ، فَاطلُبْ
ذَلِكَ
__________
(1) " الاستيعاب " 1 / 370، 371.
(2) " الاستيعاب " 1 / 372.
(3) " الاستيعاب " 1 / 374
(4) لفظ " أبي " تحرف في المطبوع إلى " إلى ".
(3/278)
إِلَيْهَا، وَمَا أَظنُّ القَوْمَ إِلاَّ
سَيَمنعُوْنَكَ، فَإِنْ فَعَلُوا، فَادْفِنِّي فِي
البَقِيْعِ.
فَلَمَّا مَاتَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: نَعَمْ، وَكرَامَةٌ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ مَرْوَانَ، فَقَالَ: كَذَبَ وَكَذَبَتْ،
وَاللهِ لاَ يُدفَنُ هُنَاكَ أَبَداً؛ مَنَعُوا عُثْمَانَ
مِنْ دَفْنهِ فِي المَقْبُرَةِ، وَيُرِيْدُوْنَ دَفْنَ
حَسَنٍ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ.
فَلَبِسَ الحُسَيْنُ وَمَنْ مَعَهُ السِّلاَحَ،
وَاسْتَلأمَ مَرْوَانُ أَيْضاً فِي الحَديدِ، ثُمَّ قَامَ
فِي إِطفَاءِ الفِتْنَةِ أَبُو هُرَيْرَةَ (1).
أَعَاذنَا اللهُ مِنَ الفِتَنِ، وَرَضِيَ عَنْ جَمِيْعِ
الصَّحَابَةِ، فَترضَّ عَنْهُم يَا شِيْعِيُّ تُفلحْ،
وَلاَ تَدْخُلْ بَيْنَهُم، فَاللهُ حَكَمٌ عَدْلٌ، يَفعلُ
فِيْهِم سَابقَ عِلْمِهِ، وَرَحْمتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ
شَيْءٍ، وَهُوَ القَائِلُ: (إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ
غَضَبِي (2))، وَ: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَهُم
يُسَألُوْنَ} [الأَنْبِيَاءُ: 23].
فَنسَألُ اللهَ أَنْ يَعفُوَ عَنَّا، وَأَنْ يُثَبِّتَنَا
بِالقَولِ الثَّابتِ، آمِيْنَ.
فَبنُو الحَسَنِ هُم: الحَسَنُ، وَزَيْدٌ، وَطَلْحَةُ،
وَالقَاسِمُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ - فَقُتِلُوا
بِكَرْبَلاَءَ مَعَ عَمِّهِمُ الشَّهِيْدِ - وَعَمْرٌو،
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَالحُسَيْنُ، وَمُحَمَّدٌ،
وَيَعْقُوْبُ، وَإِسْمَاعِيْلُ، فَهَؤُلاَءِ الذُّكُورُ
مِنْ أَوْلاَدِ السَّيِّدِ الحَسَنِ.
وَلَمْ يُعْقِبْ مِنْهُم سِوَى الرَّجُلَيْنِ
الأَوَّلَيْنِ؛ الحَسَنِ، وَزَيْدٍ.
فَلِحَسَنٍ خَمْسَةُ أَوْلاَدٍ أَعْقَبُوا، وَلزِيدٍ ابْنٌ
وَهُوَ الحَسَنُ بنُ زَيْدٍ، فَلاَ عَقِبَ لَهُ إِلاَّ
مِنْهُ، وَلِي إِمْرَةَ المَدِيْنَةِ، وَهُوَ وَالِدُ
السِّتِّ نَفِيْسَةَ، وَالقَاسِمِ، وَإِسْمَاعِيْلَ،
وَعَبْدِ اللهِ، وَإِبْرَاهِيْمَ، وَزَيْدٍ، وَإِسْحَاقَ،
وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم -.
__________
(1) " الاستيعاب " 1 / 376، 377.
(2) أخرجه من حديث أبي هريرة البخاري 13 / 325 في التوحيد:
باب قول الله: (ويحذركم الله نفسه)، وباب: (وكان عرشه على
الماء) وباب قول الله تعالى: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا
المرسلين)، وباب قول الله: (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ)
وفي بدء الخلق: باب ما جاء في قول الله (وهو الذي يبدأ
الخلق ثم يعيده)، ومسلم (2751) في التوبة: باب في سعة رحمة
الله تعالى، وأنها سبقت غضبه، والترمذي (3537).
(3/279)
48 - الحُسَيْنُ الشَّهِيْدُ أَبُو عَبْدِ
اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ بنِ عَبْدِ
المُطَّلِبِ * (ع)
الإِمَامُ، الشَّرِيْفُ، الكَامِلُ، سِبْطُ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَيْحَانتُهُ مِنَ
الدُّنْيَا، وَمَحبُوْبُهُ.
أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ ابْنُ أَمِيْرِ
المُؤْمِنِيْنَ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ
بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ
بنِ قُصَيٍّ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: جَدِّه، وَأَبَوَيْهِ، وَصِهْرِهِ عُمَرَ،
وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ،
وَعُبَيْدُ بنُ حُنَيْنٍ، وَهَمَّامٌ الفَرَزْدَقُ،
وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَطَلْحَةُ العُقَيْلِيُّ،
وَابْنُ أَخِيْهِ؛ زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، وَحَفِيْدُهُ؛
مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ البَاقِرُ - وَلَمْ يُدْرِكْهُ -
وَبِنْتُهُ سُكَيْنَةُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الزُّبَيْرُ: مَوْلِدُهُ فِي خَامِسِ شَعْبَانَ،
سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الهِجْرَةِ.
قَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: بَيْنَ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ
فِي الحَمْلِ طُهْرٌ وَاحِدٌ.
قَدْ مَرَّتْ فِي تَرْجَمَةِ الحَسَنِ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ
مُتَعَلِّقَةٌ بِالحُسَيْنِ.
رَوَى: هَانِئُ بنُ هَانِئ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
الحُسَيْنُ أَشبَهُ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَدْرِهِ إِلَى قَدَمَيْهِ (1)
.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
__________
(*) نسب قريش: 57، طبقات خليفة: ت 9، 1483، 1969، المحبر:
66، 293، 396، 448، 480، 490، التاريخ الكبير 2 / 381،
الجرح والتعديل 3 / 55، تاريخ الطبري 5 / 347، 381، 400،
مروج الذهب 3 / 248، الاغاني 14 / 163، المستدرك 3 / 176،
الحلية 2 / 39، جمهرة أنساب العرب: 52، الاستيعاب: 392،
تاريخ بغداد 1 / 141، تاريخ ابن عساكر 5 / 6 آ، أسد الغابة
2 / 18، الكامل 4 / 46، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 /
162، تهذيب الكمال: 290، تاريخ الإسلام 2 / 340 و3 / 5،
13، العبر 1 / 65، تذهيب التهذيب 1 / 149 آ، الوافي
بالوفيات 12 / 423، مرآة الجنان 1 / 131، البداية والنهاية
8 / 149 وما بعدها، العقد الثمين 4 / 202، غاية النهاية: ت
1114، الإصابة 1 / 332، تهذيب التهذيب 2 / 345، خلاصة
تذهيب الكمال: 71، شذرات الذهب 1 / 66، تهذيب ابن عساكر 4
/ 314.
(1) تقدم تخريجه في الصفحة (250) ت (1).
(3/280)
شَهِدْتُ ابْنَ زِيَادٍ حَيْثُ أُتِيَ
بِرَأْسِ الحُسَيْنِ، فَجَعَلَ يَنكُتُ بِقَضِيْبٍ مَعَهُ،
فَقُلْتُ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ أَشْبَهَهُمَا بِالنَّبِيِّ
(1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَرَوَاهُ: جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَأَمَّا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، فَرَوَاهُ: عَنْ هِشَامِ
بنِ حَسَّانٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيْرِيْنَ،
حَدَّثَنِي أَنَسٌ، وَقَالَ: يَنْكُتُ بِقَضِيْبٍ فِي
أَنفِهِ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي
يَزِيْدَ، قَالَ:
رَأَيْتُ الحُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ أَسودَ الرَّأْسِ
وَاللِّحْيَةِ، إِلاَّ شَعرَاتٍ فِي مُقَدَّمِ لِحْيَتِهِ.
ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عُمَرَ بنِ عَطَاءٍ:
رَأَيْتُ الحُسَيْنَ يَصبغُ بِالوَسِمَةِ (2) ، كَانَ
رَأْسُهُ وَلِحْيتُهُ شَدِيدَيِ السَّوَادِ.
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ: عَنِ
ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ
البَعُوضِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟
فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ.
قَالَ: انظُرْ إِلَى هَذَا يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ
البَعُوضِ، وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ:
(هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا) (3).
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 75 في الفضائل، من طريق جرير بن
حازم، عن محمد بن سيرين، وأخرجه الترمذي (3778)، وابن حبان
(2243)، والطبراني (2879) من طريق النضر بن شميل، أخبرنا
هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين...وقوله " فجعل ينكت "
أي: يقرع ويضرب من النكت: وهو أن يقرع بطرف القضيب الأرض،
فيؤثر فيها، فعل المفكر المهمرم.
وفي رواية الترمذي وابن حبان: فجعل يقول بقضيب له في أنفه،
وللطبراني (5107) من حديث زيد ابن أرقم: فجعل ينقر بقضيب
في يده في عينه وأنفه، فقال له زيد: ارفع القضيب، فلقد
رأيت فم رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعه.
(2) الوسمة: نبت يختضب به يميل إلى سواد.
(3) أخرجه البخاري 7 / 77، 78 في فضائل أصحاب النبي: باب
مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما، و10 / 357 في الأدب:
باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، والترمذي (3770)، و؟ ؟ 2
/ 93 و110، والطبراني (2884).
قال ابن الأثير: والريحان والريحانة: =
(3/281)
رَوَاهُ: جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ،
وَمَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ، عَنْهُ.
عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ:
دَخَلتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ يَلْعَبَانِ عَلَى
صَدْرِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَتُحِبُّهُمَا؟!
قَالَ: (كَيْفَ لاَ أُحِبُّهُمَا، وَهُمَا رَيْحَانَتَايَ
مِنَ الدُّنْيَا).
رَوَاهُ: الطَّبَرَانِيُّ فِي (المُعْجَمِ) (1).
وَعَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، مَرْفُوعاً: (الحَسَنُ
وَالحُسَيْنُ: سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ (2)).
وَيُرْوَى عَنْ: شُرَيْحٍ، عَنْ عَلِيٍّ.
وَفِي البَابِ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ،
وَعُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَمَالِكِ بنِ
الحُوَيْرِثِ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَأَنَسٍ،
وَجَابِرٍ مِنْ وُجُوهٍ يُقَوِّي بَعضُهَا بَعْضاً.
مُوْسَى بنُ عُثْمَانَ الحَضْرَمِيُّ - شِيْعِيٌّ وَاهٍ -:
عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ:
كَانَ الحُسَيْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يُحبُّهُ حُبّاً شَدِيداً،
فَقَالَ: (اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ).
فَقُلْتُ: أَذْهبُ مَعَهُ؟
فَقَالَ: (لاَ).
فَجَاءتْ بَرْقَةٌ، فَمَشَى فِي ضَوئِهَا حَتَّى بَلغَ
إِلَى أُمِّهِ (3) .
وَكِيْعٌ: حَدَّثَنَا رَبِيْع بنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ سَابِطٍ، عَنْ جَابِرٍ:
أَنَّهُ قَالَ - وَقَدْ دَخَلَ الحُسَيْنُ المَسْجِدَ -:
(مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى سَيِّدِ شَبَابِ
__________
= الرزق والراحة، ويسمى الولد ريحانا وريحانة لذلك.
(1) رقم (3890) وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 181،
وقال: رواه الطبراني، وفيه الحسن بن عنبسة وهو ضعيف.
(2) أخرجه الطبراني (2599) و(2601)، والحارث ضعيف، لكن متن
الحديث صحيح وقد تقدم.
(3) أورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 186، وقال: رواه
الطبراني، وفيه موسى بن عثمان وهو متروك.
(3/282)
أَهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى
هَذَا).
سَمِعتُه مِنْ رَسُوْلِ اللهِ (1) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
تَابَعَهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، عَنْ رَبِيْعٍ
الجُعْفِيِّ.
أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ).
وَقَالَ شَهْرٌ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ:
إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
جَلَّلَ عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَابْنَيْهِمَا بِكسَاءٍ،
ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِ بِنْتِي
وَحَامَتِي (2) ، اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ،
وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيْراً).
فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَنَا مِنْهُم؟
قَالَ: (إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ (3)).
إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ عَنْ شَهْرٍ.
وَفِي بَعضِهَا يَقُوْلُ: دَخَلتُ عَلَيْهَا أُعَزِّيْهَا
عَلَى الحُسَيْنِ.
وَرَوَى نَحْوَهُ: الأَعْمَشُ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ حَكِيْمِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ.
وَرَوَى: شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، عَنْ وَاثِلَةَ بنِ
الأَسْقَعِ، قِصَّةَ الكِسَاءِ.
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، عَنْ
سَعِيْدِ بنِ رَاشِدٍ، عَنْ يَعْلَى العَامِرِيِّ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: (حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الأَسْبَاطِ، مَنْ أَحَبَّنِي
فَلْيُحِبَّ حُسَيْناً).
وَفِي لَفظٍ: (أَحَبَّ اللهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً) (4).
__________
(1) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 187، ونسبه إلى أبي
يعلى وليس لأحمد، وقال: رجاله
رجال الصحيح غير الربيع بن سعد وهو ثقة.
(2) حامة الإنسان: خاصته وما يقرب منه، وهو الحميم أيضا،
وقد غيرها محقق المطبوع إلى خاصتي.
(3) الحديث صحيح بشواهده وطرقه كما تقدم في الصفحة (254) ت
(4) فراجعه.
(4) هو في " المسند " 4 / 172، وأخرجه ابن ماجه (144)،
والترمذي (3775)، وحسنه، وصححه الحاكم 3 / 177، ووافقه
الذهبي.
(3/283)
أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ عَاصِمٍ،
عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ:
رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَخذَ بِيدِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ،
وَيَقُوْلُ: (هَذَانِ ابْنَايَ؛ فَمَنْ أَحَبَّهُمَا
فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ
أَبْغَضَنِي (1)).
وَرَوَى مِثْلَهُ: أَبُو الجَحَّافِ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي
حَفْصَةَ، وَغَيرُهُمَا، عَنْ أَبِي حَازِمٍ
الأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً (2) .
وَفِي البَابِ: عَنْ أُسَامَةَ، وَسَلْمَانَ الفَارِسِيِّ،
وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ (3) .
عَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَغَيْرُهُ: عَنْ
عَلِيِّ بنِ أَبِي عَلِيٍّ اللَّهَبِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ
بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَعدَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- مَوْضِعَ الجَنَائِزِ، فَطَلَعَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ،
فَاعْتَرَكَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِيْهاً حَسَنُ).
فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَعَلَى حُسَيْنٍ
تُوَالِيهِ؟
فَقَالَ: (هَذَا جِبْرِيْلُ يَقُوْلُ: إِيْهاً حُسَيْنُ
(4)).
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً، نَحْوُهُ (5)
.
وَفِي مَرَاسِيْلِ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
سَمِعَ حُسَيْناً يَبْكِي، فَقَالَ لأُمِّهِ: (أَلَمْ
تَعْلَمِي أَنَّ بُكَاءهُ يُؤْذِيْنِي) (6).
__________
(1) حسن، وقد تقدم تخريجه في الصفحة (254) ت (3).
(2) حسن، وقد تقدم تخريجه في الصفحة (277) ت (1).
(3) انظر " مجمع الزوائد " 9 / 179 وما بعدها.
(4) هو على انقطاعه ضعيف جدا لضعف علي بن أبي علي اللهبي،
وقد تحرف في الأصل إلى " الليثي ".
وقوله: " إيها " معناها هنا: التحريض والت ؟ جيع
والاستحسان. والأصل فيها أنها للكف.
(5) نسبه الحافظ في " الإصابة " 1 / 332 إلى أبي يعلى.
وانظر الصفحة (266) من هذا الجزء.
(6) أخرجه الطبراني رقم (2847)، وقال الهيثمي في " المجمع
" 9 / 201: إسناده منقطع.
(3/284)
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ حُنَيْنٍ
(1) ، عَنِ الحُسَيْنِ، قَالَ:
صَعِدتُ المِنْبَرَ إِلَى عُمَرَ، فَقُلْتُ: انزِلْ عَنْ
مِنْبَرِ أَبِي، وَاذْهَبْ إِلَى مِنْبَرِ أَبِيْكَ.
فَقَالَ: إِنَّ أَبِي لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْبَرٌ!
فَأَقْعَدَنِي مَعَهُ، فَلَمَّا نَزَلَ، قَالَ: أَيْ
بُنَيَّ! مَنْ علَّمَكَ هَذَا؟
قُلْتُ: مَا عَلَّمَنِيْهِ أَحَدٌ.
قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَهَلْ أَنْبتَ عَلَى رُؤُوْسِنَا
الشَّعْرَ إِلاَّ اللهُ ثُمَّ أَنْتُم!
وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ!
لَوْ جَعَلْتَ تَأْتِينَا وَتَغْشَانَا (2) .
إِسْنَادُه صَحِيْحٌ.
رَوَى: جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ عُمَرَ جَعلَ لِلْحُسَيْنِ مِثْلَ عَطَاءِ عَلِيٍّ،
خَمْسَةَ آلاَفٍ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ:
أَنَّ عُمَرَ كَسَا أَبْنَاءَ الصَّحَابَةِ؛ وَلَمْ يَكُنْ
فِي ذَلِكَ مَا يَصلُحُ لِلْحَسَنِ وَالحُسَيْنِ؛ فَبَعثَ
إِلَى اليَمَنِ، فَأُتِي بِكِسْوَةٍ لَهُمَا، فَقَالَ:
الآنَ طَابَتْ نَفْسِي.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ عُمَرَ أَلحقَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ بِفرِيضَةِ
أَبِيهِمَا؛ لِقَرَابَتِهِمَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُلِّ وَاحِدٍ
خَمْسَةُ آلاَفٍ (3) .
يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنِ العَيْزَارِ بنِ
حُرَيْثٍ، قَالَ:
بَيْنَا عَمْرُو بنُ العَاصِ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، إِذْ
رَأَى الحُسَيْنَ، فَقَالَ: هَذَا أَحبُّ أَهْلِ الأَرْضِ
إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ اليَوْمَ.
__________
(1) في الأصل: " حسين " وهو خطأ.
(2) أخرجه الخطيب في " تاريخه " 1 / 141، وذكره الحافظ في
" الإصابة " 1 / 333، وصحح إسناده.
(3) انظر الصفحة (266).
(3/285)
فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: بَلَغَنِي أَنَّ
رَجُلاً جَاءَ إِلَى عَمْرٍو، فَقَالَ: عَلَيَّ رَقَبَةٌ
مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيْلَ.
فَقَالَ: مَا أَعْلَمُهَا إِلاَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ.
قُلْتُ: مَا فَهِمْتُه (1) .
إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَافِعٍ: عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ،
قَالَ:
كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَتَى ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّ
عَلَيَّ رَقَبَةً مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ:
عَلَيْكَ بِالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ.
هَوْذَةُ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الأَزْرَقِ بنِ قَيْسٍ،
قَالَ:
قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أُسْقُفُ نَجْرَانَ وَالعَاقِبُ (2) ،
فَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الإِسْلاَمَ، فَقَالاَ: كُنَّا
مُسْلِمَينِ قَبْلكَ.
قَالَ: (كَذَبْتُمَا! إِنَّهُ مَنَعَ الإِسْلاَمَ
مِنْكُمَا ثَلاَثٌ؛ قَوْلُكُمَا: اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً،
وَأَكْلُكُمَا الخِنْزِيْرَ، وَسُجُوْدُكُمَا لِلصَّنَمِ).
قَالاَ: فَمَنْ أَبُو عِيْسَى؟
فَمَا عَرَفَ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ: {إِنَّ
مَثَلَ عِيْسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ}...، إِلَى
قَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ الحَقُّ} [آلُ
عِمْرَانَ: 59 - 63].
فَدَعَاهُمَا إِلَى المُلاَعَنَةِ (3) ، وَأَخَذَ بِيَدِ
فَاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، وَقَالَ: (هَؤُلاَءِ
بَنِيَّ).
قَالَ: فَخَلاَ أَحَدُهُمَا بِالآخرِ، فَقَالَ: لاَ
تُلاَعِنْهُ، فَإِنْ كَانَ نَبِيّاً فَلاَ بَقِيَّةَ.
فَقَالاَ: لاَ حَاجَةَ لَنَا فِي الإِسْلاَمِ وَلاَ فِي
مُلاَعَنَتِكَ، فَهَلْ مِنْ ثَالِثَةٍ؟
قَالَ: (نَعَمْ؛ الجِزْيَةُ).
فَأَقَرَّا بِهَا، وَرَجَعَا (4).
__________
(1) لعل عمرا أراد أن عتق رقبة من بني إسماعيل متعذر، فإنه
أحاله على الحسن والحسين، وهما - وإن كانا ينتسبان إلى
إسماعيل - حران لا يملكان، فكأنه أيأسه من الوفاء بنذره.
(2) هو أمير القوم، وذو رأيهم، وصاحب مشورتهم، والذين لا
يصدرون إلا عن رأيه وأمره، واسمه عبد المسيح، انظر ابن
هشام 1 / 573 وما بعدها.
(3) الملاعنة: تفسيرها كما جاء في الآية الكريمة: (فقل
تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا
وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين).
(4) أورده السيوطي في " الدر المنثور " 2 / 38، ونسبه لابن
سعد وعبد بن حميد، وانظر ابن كثير 1 / 370، 371.
(3/286)
مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:
لَمَّا أَرَادَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَاهِلَ (1) أَهْلَ نَجْرَانَ، أَخذَ
بِيَدِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ:
(اتْبَعِيْنَا).
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَعْدَاءُ الله، رَجَعُوا.
أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ
أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، عَنِ المُسَيَّبِ
بنِ نَجَبَةَ:
سَمِعَ عَلِيّاً يَقُوْلُ: أَلاَ أُحدِّثُكُم عَنِّي
وَعَنْ أَهْلِ بَيتِي؟ أَمَّا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ؛
فَصَاحِبُ لَهْوٍ، وَأَمَّا الحَسَنُ، فَصَاحِبُ جَفْنَةٍ
مِنْ فِتْيَانِ قُرَيْشٍ؛ لَوْ قَدِ الْتَقَتْ حَلَقتَا
البِطَانِ لَمْ يُغْنِ فِي الحَرْبِ عَنْكُم، وَأَمَّا
أَنَا وَحُسَيْنٌ؛ فَنَحْنُ مِنْكُم، وَأَنْتُم مِنَّا (2)
.
إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ.
وَعَنْ سَعِيْدِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ الحَسَنَ قَالَ
لِلْحُسَيْنِ: وَدِدْتُ أَنَّ لِي بَعضَ شِدَّةِ قَلْبِكَ.
فَيَقُوْلُ الحُسَيْنُ: وَأَنَا وَدِدْتُ أَنَّ لِي بَعضَ
مَا بُسِطَ مِنْ لِسَانِكَ.
عَنْ أَبِي المُهَزِّمِ، قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ،
فَأَقْبَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَنْفُضُ بِثَوْبِهِ
التُّرَابَ عَنْ قَدَمِ الحُسَيْنِ.
وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: حَجَّ الحُسَيْنُ
خَمْساً وَعِشْرِيْنَ حَجَّةً مَاشياً (3).
__________
(1) المباهلة: الملاعنة، يقال في الكلام: ماله بهله الله،
أي: لعنه الله، وماله ؟ عليه بهلة الله، يريد: اللعن.
(2) أخرجه الطبراني (2801)، وقد تصحف فيه " نجبة " إلى "
نجية " ورجاله ثقات كما قال الهيثمي في " المجمع " 9 /
191.
وتمامه: " والله لقد خشيت أن يدال هؤلاء القوم عليكم
بصلاحهم في أرضهم، وفسادكم في أرضكم، وبأدائهم الامانة،
وخيانتكم، وبطواعيتهم إمامهم، ومعصيتكم له، واجتماعهم على
باطلهم، وتفرقكم على حقكم، حتى تطول دولتهم حتى لا يدعو
الله محرما إلا استحلوه، ولا يبقى مدر ولا وبر إلا دخله
ظلمهم، وحتى يكون أحدكم تابعا لهم، وحتى يكون نصرة أحدكم
منهم كنصرة العبد من سيده، إذا شهد، أطاعه، وإذا غاب عنه،
سبه، وحتى يكون أعظمكم فيها غناء أحسنكم بالله ظنا، فإن
أتاكم الله بعافية، فاقبلوا، فإن ابتليتم، فاصبروا، فإن
العاقبة للمتقين ".
(3) أخرجه الطبراني (2844)، وهو منقطع كما قال الهيثمي 9 /
201.
(3/287)
وَكَذَا رَوَى: عُبَيْدُ اللهِ
الوَصَّافِيُّ (1) ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ
عُمَيْرٍ، وَزَادَ: وَنجَائِبُه تُقَادُ مَعَهُ.
لَكنِ اخْتلَفتِ الرِّوَايَةُ عَنِ الوَصَّافِيِّ، فَقَالَ
يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، عَنْهُ: الحَسَنُ، وَرَوَى عَنْهُ:
زُهَيْرٌ نَحوَهُ، فَقَالَ فِيْهِ: الحَسَنُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ المُثَنَّى: كَانَ عَلَى
المَيْسَرَةِ يَوْمَ الجَمَلِ الحُسَيْنُ.
أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ): أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا شُرَحْبِيْلُ بنُ مُدْرِكٍ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بنِ نُجَيٍّ (2) ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّهُ سَارَ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ صَاحِبَ مَطهَرَتِه،
فَلَمَّا حَاذَى نِيْنَوَى، وَهُوَ سَائِرٌ إِلَى
صِفِّيْنَ، نَادَاهُ عَلِيٌّ: اصْبِرْ أَبَا عَبْدِ اللهِ
بِشَطِّ الفُرَاتِ.
قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟
قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ، وَعَيْنَاهُ
تَفِيضَانِ، فَقَالَ: (قَامَ مِنْ عِنْدِي جِبْرِيْلُ،
فَحَدَّثَنِي أَنَّ الحُسَيْنَ يُقْتَلُ، وَقَالَ: هَلْ
لَكَ أَنْ أُشِمَّكَ (3) مِنْ تُرْبتِه؟
قُلْتُ: نَعَم.
فَمدَّ يَدهُ، فَقَبضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ.
قَالَ: فَأَعْطَانِيْهَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنِي (4) .
هَذَا غَرِيْبٌ، وَلَهُ شُوَيْهِدٌ.
يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ: عَنْ رَجُلٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ:
أَنَّ عَلِيّاً قَالَ وَهُوَ بِشَطِّ الفُرَاتِ: صَبْراً
أَبَا عَبْدِ اللهِ.
عُمَارَةُ بنُ زَاذَانَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ،
قَالَ:
استَأْذنَ مَلَكُ القَطْرِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(يَا أُمَّ سَلَمَةَ! احْفَظِي عَلَيْنَا البَابَ).
فَجَاءَ الحُسَيْنُ، فَاقْتَحَمَ، وَجَعلَ يَتَوَثَّبُ
عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَرَسُوْلُ اللهِ يُقَبِّلُهُ.
فَقَالَ المَلَكُ: أَتُحِبُّهُ؟
قَالَ: (نَعَمْ).
قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتلُه، إِنْ شِئْتَ
أَرَيْتُكَ
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " عبد الله الرصافي ".
(2) تحرف في المطبوع إلى " يحيى ".
(3) تحرفت في المطبوع إلى " آتيك ".
(4) هو في " المسند " 1 / 85، والطبراني (2811)، وأورده
الهيثمي في " المجمع " 9 / 187، وزاد نسبته للبزار، وقال:
رجاله ثقات، ولم ينفرد نجي بهذا.
(3/288)
المَكَانَ الَّذِي يُقتَلُ فِيْهِ.
قَالَ: (نَعَم).
فَجَاءهُ بِسَهْلَةٍ، أَوْ تُرَابٍ أَحْمَرَ (1) .
قَالَ ثَابِتٌ: كُنَّا نَقُوْلُ: إِنَّهَا كَرْبَلاَءُ.
عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ: حَدَّثَنَا أَبِي،
حَدَّثَنَا أَبُو غَالِبٍ (2) ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- لِنسَائِهِ: (لاَ تُبَكُّوا هَذَا).
يَعْنِي: حُسَيْناً.
فَكَانَ يَوْمُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيْلُ،
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ لأُمِّ سَلَمَةَ: (لاَ تَدَعِي
أَحَداً يَدْخُلُ).
فَجَاءَ حُسَيْنٌ، فَبَكَى؛ فَخَلَّتْهُ يَدْخُلُ،
فَدَخَلَ حَتَّى جَلَسَ فِي حَجْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَقَالَ جِبْرِيْلُ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتلُهُ.
قَالَ: (يَقْتُلُوْنَهُ وَهُمْ مُؤْمِنُوْنَ؟).
قَالَ: نَعَمْ.
وَأَرَاهُ تُرْبَتَهُ.
إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ يَعْقُوْبَ،
عَنْ هَاشِمِ بنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبِ
بنِ زَمْعَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- اضْطَجَعَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَاسْتيقَظَ وَهُوَ خَاثِرٌ،
ثُمَّ رَقَدَ، ثُمَّ اسْتيقَظَ خَاثِراً، ثُمَّ رَقَدَ،
ثُمَّ اسْتيقَظَ، وَفِي يَدِهِ تُربَةٌ حَمْرَاءُ، وَهُوَ
يُقَلِّبُهَا (3) .
قُلْتُ: مَا هَذِهِ؟
قَالَ: (أَخْبَرَنِي جِبْرِيْلُ أَنَّ هَذَا يُقْتَلُ
بِأَرْضِ العِرَاقِ، لِلْحُسَيْنِ، وَهَذِهِ تُرْبتُهَا)
(4).
__________
(1) أخرجه أحمد 3 / 242 و265، والطبراني (2813)، وعمارة بن
زاذان كثيرا الخطأ، وباقي رجاله ثقات، وأورده الهيثمي في "
المجمع " 9 / 187، وزاد نسبته لأبي يعلى والبزار، وقال:
وفيها عمارة بن زاذان، وثقه جماعة، وفيه ضعف، وبقية رجال
أبي يعلى رجال الصحيح.
(2) في " التقريب ": أبو غالب صاحب أبي أمامة بصري، نزل
أصبهان، قيل: اسمه حزور، وقيل سعيد بن الحزور - وقيل: نافع
-: صدوق يخطئ من الخامسة.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " يقبلها ".
(4) وأخرجه الطبراني برقم (2821) من طريق ابن أبي فديك، عن
موسى بن يعقوب الزمعي به، وموسى بن يعقوب الزمعي سيء الحفظ
لكن تابعه عباد بن إسحاق كما سيذكره المؤلف، وقوله " وهو
خاثر " أي: ثقيل النفس غير طبيب ولا نشيط.
(3/289)
وَرَوَاهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ،
عَنْ عَبَّادِ بنِ إِسْحَاقَ (1) ، عَنْ هَاشِمٍ، وَلَمْ
يَذكُرِ: اضْطَجَعَ.
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ
بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَوْ أُمِّ
سَلَمَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قَالَ لَهَا: (لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ البَيْتَ مَلَكٌ
لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ قَبْلَهَا، فَقَالَ: إِنَّ
حُسَيْناً مَقْتُوْلٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ
التُّرْبَةَ...)، الحَدِيْثَ (2).
وَرَوَاهُ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ
مِثْلَهُ، وَقَالَ: أُمُّ سَلَمَةَ، وَلَمْ يَشُكَّ.
وَيُرْوَى عَنْ: أَبِي وَائِلٍ، وَعَنْ: شَهْرِ بنِ
حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.
وَرَوَاهُ: ابْنُ سَعْدٍ مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ.
وَلَهُ طُرُقٌ أُخَرُ.
وَعَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُمْهَانَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَتَاهُ جِبْرِيْلُ بِتُرَابٍ مِنَ التُّرْبَةِ الَّتِي
يُقْتَلُ بِهَا الحُسَيْنُ.
وَقِيْلَ: اسْمُهَا كَرْبَلاَءُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(كَرْبٌ وَبَلاَءٌ (3)).
إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئ بنِ
هَانِئ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
لَيُقْتَلَنَّ الحُسَيْنُ قَتْلاً، وَإِنِّي لأَعْرفُ
تُرَابَ الأَرْضِ الَّتِي يُقتَلُ بِهَا (4) .
أَبُو نُعَيْمٍ (5) : حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ
العَبَّاسِ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ: أَنَّ
__________
(1) ويقال: هو عبد الرحمن بن إسحاق صدوق من رجال مسلم.
(2) إسناده صحيح كما قال المؤلف في " تاريخه " 3 / 11،
وعبد الله بن سعيد: هو ابن أبي هند، وهو في " المسند " 6 /
294، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 187، عن أحمد،
وقال: ورجاله رجال الصحيح.
(3) مرسل وانظر الطبراني (2819) و(2902)، و" مجمع الزوائد
" 9 / 189.
(4) أخرجه الطبراني (2824)، وقال الهيثمي في " المجمع " 9
/ 190: ورجاله ثقات.
(5) سقط لفظ " أبو نعيم " من المطبوع.
(3/290)
كَعْباً مَرَّ عَلَى عَلَيٍّ، فَقَالَ:
يُقتَلُ مِنْ وَلَدِ هَذَا رَجُلٌ فِي عِصَابَةٍ لاَ
يَجِفُّ عَرَقُ خَيْلِهِم حَتَّى يَرِدُوا عَلَى مُحَمَّدٍ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَمرَّ حَسَنٌ، فَقِيْلَ: هَذَا؟
قَالَ: لاَ.
فَمَرَّ حُسَيْنٌ، فَقِيْلَ: هَذَا؟
قَالَ: نَعَمْ (1) .
حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: عَنِ العَلاَءِ بنِ
أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ رَأْسِ الجَالُوْتِ،
قَالَ:
كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّهُ يُقتَلُ بِكَرْبَلاَءَ ابْنُ
نَبِيٍّ (2) .
المُطَّلِبُ بنُ زِيَادٍ: عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ:
رَأَيْتُ الحُسَيْنَ وَلَهُ جُمَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تَحْتِ
عِمَامَتِهِ (3) .
وَقَالَ العَيْزَارُ بنُ حُرَيْثٍ: رَأَيْتُ عَلَى
الحُسَيْنِ مِطْرَفاً مِنْ خَزٍّ.
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ الحُسَيْنَ
يَتَخَتَّمُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ (4) .
وَرَوَى جَمَاعَةٌ: أَنَّ الحُسَيْنَ كَانَ يَخْضِبُ
بِالوَسِمَةِ، وَأَنَّ خِضَابَهُ أَسْودُ (5) .
بلَغَنَا أَنَّ الحُسَيْنَ لَمْ يُعجِبْهُ مَا عَمِلَ
أَخُوْهُ الحَسَنُ مِنْ تَسْلِيمِ الخِلاَفَةِ إِلَى
مُعَاوِيَةَ، بَلْ كَانَ رَأْيُهُ القِتَالَ، وَلَكِنَّهُ
كَظَمَ وَأَطَاعَ أَخَاهُ، وَبَايَعَ.
وَكَانَ يَقبَلُ جَوَائِزَ مُعَاوِيَةَ، وَمُعَاوِيَةُ
يَرَى لَهُ، وَيَحتَرِمُهُ، وَيُجِلُّهُ، فَلَمَّا أَنْ
فَعلَ مُعَاوِيَةُ مَا فَعلَ بَعْدَ وَفَاةِ السَّيِّدِ
الحَسَنِ مِنَ العَهْدِ بِالخِلاَفَةِ إِلَى وَلَدِهِ
يَزِيْدَ، تَأَلَّمَ
__________
(1) أخرجه الطبراني (2851) ورجاله ثقات إلا أنه منقطع،
عمار الدهني لم يدرك القصة.
(2) أخرجه الطبراني (2827) وأورده الطبري في تاريخه 5 /
393 من طريق العلاء بن أبي
عائشة قال: حدثني رأس الجالوت، عن أبيه...
(3) أخرجه الطبراني برقم (2796).
(4) " تاريخ الإسلام " 3 / 12، وفيه: رأيت الحسين يخضب
بالوسمة، ويتختم في شهر رمضان.
(5) انظر " الطبراني " رقم (2779) و(2781) و(2782)
و(2783)، و" مجمع الزوائد " 5 / 163.
(3/291)
الحُسَيْنُ، وَحُقَّ لَهُ، وَامتنَعَ هُوَ
وَابْنُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ مِنَ
المُبَايعَةِ، حَتَّى قَهَرَهُم مُعَاوِيَةُ، وَأَخَذَ
بَيْعتَهُم مُكْرَهِيْنَ، وَغُلِبُوا، وَعَجَزُوا عَنْ
سُلْطَانِ الوَقْتِ.
فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ، تَسَلَّمَ الخِلاَفَةَ
يَزِيْدُ، وَبَايَعَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَلَمْ
يُبَايِعْ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَلاَ الحُسَيْنُ،
وَأَنِفُوا مِنْ ذَلِكَ، وَرَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
الأَمْرَ لِنَفْسِهِ، وَسَارَا فِي اللَّيْلِ مِنَ
المَدِيْنَةِ.
سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُوْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
اسْتَشَارَنِي الحُسَيْنُ فِي الخُرُوْجِ، فَقُلْتُ:
لَوْلاَ أَنْ يُزْرَى بِي وَبِكَ، لَنَشَبْتُ يَدِي فِي
رَأْسِكَ.
فَقَالَ: لأَنْ أُقتَلَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا أَحبُّ
إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَسْتحِلَّ حُرمَتَهَا -يَعْنِي:
مَكَّةَ -.
وَكَانَ ذَلِكَ الَّذِي سَلَّى نَفْسِي عَنْهُ (1) .
يَحْيَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ البَجَلِيُّ (2) : حَدَّثَنَا
الشَّعْبِيُّ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ عُمَرَ قَدِمَ المَدِيْنَةَ، فَأُخبِرَ أَنَّ
الحُسَيْنَ قَدْ تَوجَّهَ إِلَى العِرَاقِ، فَلَحِقَهُ
عَلَى مَسِيْرَةِ لَيْلَتَيْنِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيْدُ؟
قَالَ: العِرَاقَ.
وَمَعَهُ طَوَامِيْرُ وَكُتُبٍ، فَقَالَ: لاَ تَأْتِهِم.
قَالَ: هَذِهِ كُتُبُهُم وَبَيْعتُهُم.
فَقَالَ: إِنَّ اللهَ خَيَّرَ نَبِيَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ، فَاخْتَارَ الآخِرَةَ، وَإِنَّكُم بَضْعَةٌ
مِنْهُ، لاَ يَلِيهَا أَحَدٌ مِنْكُم أَبَداً، وَمَا
صَرَفهَا اللهُ عَنْكُم إِلاَّ لِلَّذِي هُوَ خَيرٌ لَكُم،
فَارْجِعُوا.
فَأَبَى، فَاعْتَنَقَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَقَالَ:
أَسْتَوْدِعُكَ اللهَ مِنْ قَتِيْلٍ (3) .
زَادَ فِيْهِ الحَسَنُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ يَحْيَى بنِ
إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ:
__________
(1) رجاله ثقات وأخرجه الطبراني (2859)، وقال الهيثمي 9 /
192: ورجاله رجال الصحيح.
(2) كذا الأصل، وفي " البداية " 8 / 160 يحيى بن إسماعيل
بن سالم الأسدي وهو الاصح فإن هذا الاثر رواه عنه شبابة بن
سوار، وفي " الجرح والتعديل " 9 / 126 في ترجمة يحيى ابن
إسماعيل بن سالم الأسدي أنه روى عنه شبابة، وأما يحيى بن
إسماعيل البجلي، - وإن روى عن الشعبي - فإنهم لم يذكروا
شبابة بن سوار فيمن روى عنه.
(3) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 332.
(3/292)
نَاشَدَهُ، وَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ
العِرَاقِ قَوْمٌ مَنَاكِيْرُ، قَتَلُوا أَبَاكَ،
وَضَرَبُوا أَخَاكَ، وَفَعَلُوا وَفَعَلُوا.
ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ بِشْرِ بنِ غَالِبٍ، أَنَّ
الزُّبَيْرَ قَالَ لِلْحُسَيْنِ: إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟
إِلَى قَوْمٍ قَتَلُوا أَبَاكَ، وَطَعَنُوا أَخَاكَ!
فَقَالَ: لأَنْ أُقتلَ، أَحبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ
تُسْتَحَلَّ -يَعْنِي: مَكَّةَ (1) -.
أَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ
عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ، حَدَّثَنِي
الفَرَزْدَقُ؛ قَالَ:
لَمَّا خَرَجَ الحُسَيْنُ، لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بنَ
عَمْرٍو؛ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا قَدْ خَرَجَ، فَمَا تَرَى؟
قَالَ: أَرَى أَنْ تَخْرُجَ مَعَهُ، فَإِنَّكَ إِنْ
أَرَدْتَ دُنْيَا، أَصَبْتَهَا، وَإِنْ أَرَدْتَ آخِرَةً،
أَصَبْتَهَا.
فَرَحلْتُ نَحْوَهُ، فَلَمَّا كُنْتُ فِي بَعْضِ
الطَّرِيْقِ، بَلَغَنِي (2) قَتْلُهُ، فَرَجَعْتُ إِلَى
عَبْدِ اللهِ، وَقُلْتُ: أَيْنَ مَا ذَكَرتَ؟
قَالَ: كَانَ رَأْياً رَأَيْتُهُ.
قُلْتُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى تَصْوِيبِ عَبْدِ اللهِ بنِ
عَمْرٍو لِلْحُسَيْنِ فِي مَسِيْرِهِ، وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ
الزُّبَيْرِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ شَهِدُوا
الحَرَّةَ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا الوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ
أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَيْرٍ (ح).
وَأَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِي
وَجْزَةَ (ح)، وَيُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ
أَبِيْهِ - وَسَمَّى طَائِفَةً - ثُمَّ قَالَ:
فَكَتَبْتُ جَوَامِعَ حَدِيثِهِم فِي مَقْتَلِ الحُسَيْنِ.
قَالَ: كَانَ أَهْلُ الكُوْفَةِ يَكتُبُوْنَ إِلَى
الحُسَيْنِ يَدْعُوْنَهُ إِلَى الخُرُوجِ إِلَيْهِم زَمَنَ
مُعَاوِيَةَ، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَقَدِمَ مِنْهُم
قَوْمٌ إِلَى مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَطَلَبُوا
إِلَيْهِ المَسِيْرَ مَعَهُم، فَأَبَى، وَجَاءَ إِلَى
الحُسَيْنِ، فَأَخْبَرَهُ،
__________
(1) ذكره ابن كثير في " البداية " 8 / 161 من طريق يعقوب
بن سفيان، حدثنا أبو بكر الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عبد
الله بن شريك، عن بشر بن غالب...
(2) في الأصل " لقيني ".
(3/293)
وَقَالَ: إِنَّ القَوْمَ يُرِيْدُوْنَ أَنْ
يَأكُلُوا بِنَا، وَيَشِيْطُوا دِمَاءنَا.
فَأَقَامَ حُسَيْنٌ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مُتَرَدِّدُ
العَزْمِ، فَجَاءهُ أَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ، فَقَالَ:
يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنِّيْ لَكَ نَاصِحٌ وَمُشْفِقٌ،
وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَاتَبَكَ قَوْمٌ مِنْ
شِيْعتِكَ، فَلاَ تَخْرُجْ إِلَيْهِم، فَإِنِّي سَمِعْتُ
أَبَاكَ يَقُوْلُ بِالكُوْفَةِ: وَاللهِ لَقَدْ
مَلِلْتُهُم وَمَلُّونِي، وَأَبْغَضْتُهُم وَأَبْغَضُونِي،
وَمَا بَلَوْتُ مِنْهُم وَفَاءً، وَلاَ لَهُم ثَبَاتٌ
وَلاَ عَزْمٌ وَلاَ صَبرٌ عَلَى السَّيْفِ (1) .
قَالَ: وَقَدِمَ المُسَيَّبُ بنُ نَجَبَةَ وَعِدَّةٌ إِلَى
الحُسَيْنِ بَعْدَ وَفَاةِ الحَسَنِ، فَدَعَوْهُ إِلَى
خَلْعِ مُعَاوِيَةَ، وَقَالُوا: قَدْ عَلِمْنَا رَأْيَكَ
وَرَأْيَ أَخِيْكَ.
فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ يُعطِيَ اللهُ أَخِي عَلَى
نِيَّتِهِ، وَأَنْ يُعطِيَنِي عَلَى نِيَّتِي فِي حُبِّي
جِهَادَ الظَّالِمِيْنَ (2) .
وَكَتَبَ مَرْوَانُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: إِنِّيْ لَسْتُ
آمَنُ أَنْ يَكُوْنَ الحُسَيْنُ مَرصَداً لِلْفِتْنَةِ،
وَأَظُنُّ يَوْمَكُم مِنْهُ طَوِيْلاً (3) .
فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الحُسَيْنِ: إِنَّ مَنْ
أَعْطَى اللهَ صَفْقَةَ يَمِينِهِ وَعَهْدَهُ، لَجَدِيرٌ
أَنْ يَفِي، وَقَدْ أُنْبِئتُ بِأَنَّ قَوْماً مِنَ
الكُوْفَةِ دَعَوْكَ إِلَى الشِّقَاقِ، وَهُمْ مَنْ قَدْ
جَرَّبتَ، قَدْ أَفْسَدُوا عَلَى أَبِيْكَ وَأَخِيْكَ،
فَاتَّقِ اللهَ، وَاذْكُرِ المِيْثَاقَ، فَإِنَّكَ مَتَى
تَكِدْنِي، أَكِدْكَ (4) .
فَكَتَبَ إِلَيْهِ الحُسَيْنُ: أَتَانِي كِتَابُكَ،
وَأَنَا بِغَيْرِ الَّذِي بَلَغَكَ جَدِيرٌ، وَمَا
أَرَدْتُ لَكَ مُحَارَبَةً وَلاَ خِلاَفاً، وَمَا أَظُنُّ
لِي عُذْراً عِنْدَ اللهِ فِي تَرْكِ جِهَادِكِ، وَمَا
أَعْلَمُ فِتْنَةً أَعْظَمَ مِنْ وَلاَيَتِكَ.
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنْ أَثَرْنَا بِأَبِي عَبْدِ اللهِ
إِلاَّ أَسَداً (5).
__________
(1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 329، 330.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 330
(3) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 330.
(4) تهذيب ابن عساكر " 4 / 330.
(5) " تاريخ الإسلام " 2 / 341.
(3/294)
-وَعَنْ جُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ، عَنْ
مُسَافِعِ بنِ شَيْبَةَ، قَالَ:
لَقِيَ الحُسَيْنُ مُعَاوِيَةَ بِمَكَّةَ عِنْدَ
الرَّدْمِ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ رَاحِلتِهِ، فَأَنَاخَ
بِهِ، ثُمَّ سَارَّهُ طَوِيْلاً، وَانْصَرَفَ، فَزَجَرَ
مُعَاوِيَةُ الرَّاحِلَةَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ يَزِيْدُ:
لاَ يَزَالُ رَجُلٌ قَدْ عَرَضَ لَكَ، فَأَنَاخَ بِكَ.
قَالَ: دَعْهُ، لَعَلَّهُ يَطلُبُهَا مِنْ غَيرِي، فَلاَ
يُسوِّغُهُ، فَيَقتُلُهُ -.
رَجَعَ الحَدِيْثُ إِلَى الأَوَّلِ (1) :
قَالُوا: وَلَمَّا حُضِرَ مُعَاوِيَةُ، دَعَا يَزِيْدَ،
فَأَوْصَاهُ، وَقَالَ:
انظُرْ حُسَيْناً، فَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى
النَّاسِ، فَصِلْ رَحِمَهُ، وَارْفُقْ بِهِ، فَإِنْ يَكُ
مِنْهُ شَيْءٌ، فَسَيَكْفِيْكَ اللهُ بِمَنْ قَتَلَ
أَبَاهُ، وَخَذَلَ أَخَاهُ.
وَمَاتَ مُعَاوِيَةُ فِي نِصْفِ رَجَبٍ، وَبَايَعَ
النَّاسُ يَزِيْدَ، فَكَتَبَ إِلَى وَالِي المَدِيْنَةِ
الوَلِيْدِ بنِ عُتْبَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ: أَنِ ادْعُ
النَّاسَ وَبَايِعْهُم، وَابْدَأْ بِالوُجُوهِ، وَارْفُقْ
بِالحُسَيْنِ.
فَبَعثَ إِلَى الحُسَيْنِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي
اللَّيْلِ، وَدَعَاهُمَا إِلَى بَيْعَةِ يَزِيْدَ،
فَقَالاَ: نُصبِحُ وَنَنْظُرُ فِيمَا يَعمَلُ النَّاسُ.
وَوَثَبَا، فَخَرَجَا.
وَقَدْ كَانَ الوَلِيْدُ أَغْلَظَ لِلْحُسَيْنِ،
فَشَتَمَهُ حُسَيْنٌ، وَأَخَذَ بِعِمَامَتِهِ،
فَنَزَعَهَا، فَقَالَ الوَلِيْدُ: إِنْ هِجْنَا بِهَذَا
إِلاَّ أَسَداً.
فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ - أَوْ غَيرُهُ -: اقْتُلْهُ.
قَالَ: إِنَّ ذَاكَ لَدَمٌ مَصُونٌ (2) .
وَخَرَجَ الحُسَيْنُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ لِوَقْتِهِمَا
إِلَى مَكَّةَ، وَنَزَلَ الحُسَيْنُ بِمَكَّةَ دَارَ
العَبَّاسِ، وَلَزِمَ عَبْدُ اللهِ الحِجْرَ، وَلَبِسَ
المَعَافِرِيَّ (3) ، وَجَعَلَ يُحرِّضُ عَلَى بَنِي
أُمَيَّةَ، وَكَانَ يَغْدُو وَيَرُوحُ إِلَى الحُسَيْنِ،
وَيُشِيرُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْدَمَ العِرَاقَ، وَيَقُوْلُ:
هُم شِيْعَتُكُم.
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْهَاهُ (4).
__________
(1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 330.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 330.
(3) المعافري: برود باليمن منسوبة إلى قبيلة معافر.
(4) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 331.
(3/295)
وَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ مُطِيْعٍ:
فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، مَتِّعْنَا بِنَفْسِكَ وَلاَ
تَسِرْ، فَوَاللهِ لَئِنْ قُتِلْتَ لَيَتَّخِذُوْنَا
خَوَلاً وَعَبِيداً (1) .
وَلَقِيَهُمَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللهِ
بنُ عَيَّاشٍ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ مُنْصَرِفَيْنِ مِنَ
العُمْرَةِ، فَقَالَ لَهُمَا: أُذَكِّرُكُمَا اللهَ إِلاَّ
رَجَعْتُمَا، فَدَخَلْتُمَا فِي صَالِحِ مَا يَدْخُلُ
فِيْهِ النَّاسُ وَتَنْظُرَانِ، فَإِنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ
النَّاسُ لَمْ تَشُذَّا، وَإِنِ افْترَقَ عَلَيْهِ كَانَ
الَّذِي تُرِيْدَانِ (2) .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِلْحُسَيْنِ: لاَ تَخْرُجْ، فَإِنَّ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَاختَارَ
الآخِرَةَ، وَإِنَّكَ بَضْعَةٌ مِنْهُ وَلاَ تَنَالُهَا.
ثُمَّ اعْتَنَقَهُ، وَبَكَى، وَوَدَّعَهُ.
فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُوْلُ: غُلِبْنَا بِخُرُوجِهِ،
وَلَعَمْرِي لَقَدْ رَأَى فِي أَبِيْهِ وَأَخِيْهِ
عِبْرَةً، وَرَأَى مِنَ الفِتْنَةِ وَخُذْلاَنِ النَّاسِ
لَهُم مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لاَ يَتَحَرَّكَ (3)
.
وَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْنَ تُرِيْدُ يَا ابْنَ
فَاطِمَةَ؟
قَالَ: العِرَاقَ وَشِيْعَتِي.
قَالَ: إِنِّيْ كَارِهٌ لِوَجهِكَ هَذَا، تَخْرُجُ إِلَى
قَوْمٍ قَتَلُوا أَبَاكَ...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَقَالَ لَهُ أَبُو سَعِيْدٍ: اتَّقِ اللهَ، وألزم
بَيْتَكَ.
وَكَلَّمَهُ جَابِرٌ، وَأَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: لَوْ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ،
لَكَانَ خَيراً لَهُ.
قَالَ: وَكَتَبَتْ إِلَيْهِ عَمْرَةُ (4) تُعظِّمُ مَا
يُرِيْدُ أَنْ يَصْنَعَ، وَتُخبِرُهُ أَنَّهُ إِنَّمَا
يُسَاقُ إِلَى مَصْرَعِهِ، وَتَقُوْلُ:
حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
__________
(1) " طبقات ابن سعد " 5 / 145، و" تهذيب ابن عساكر " 4 /
331.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 331.
(3) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 331.
(4) تحرفت الجملة في المطبوع: وكتب إليك ابن عمر.
(3/296)
يَقُوْلُ: (يُقْتَلُ حُسَيْنٌ بِأَرْضِ
بَابِلَ).
فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهَا، قَالَ: فَلاَ بُدَّ إِذاً
مِنْ مَصْرعِي (1).
وَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ يُحَذِّرُهُ
وَيُنَاشِدُهُ اللهَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
إِنِّيْ رَأَيْتُ رُؤْيَا، رَأَيْتُ فِيْهَا رَسُوْلَ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَنِي
بِأَمْرٍ أَنَا مَاضٍ لَهُ (2) .
وَأَبَى الحُسَيْنُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَشَارَ عَلَيْهِ
إِلاَّ المَسِيْرَ إِلَى العِرَاقِ (3) .
وَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنِّيْ لأَظنُّكَ سَتُقتَلُ
غَداً بَيْنَ نِسَائِكَ وَبَنَاتِكَ كَمَا قُتِلَ
عُثْمَانُ، وَإِنِّي لأَخَافُ أَنْ تَكُوْنَ الَّذِي
يُقَادُ بِهِ عُثْمَانُ، فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُوْنَ (4) .
قَالَ: أَبَا العَبَّاسِ! إِنَّكَ شَيْخٌ قَدْ كَبِرْتَ.
فَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ يُزْرَى بِي وَبِكَ، لَنَشَبْتُ
يَدِي فِي رَأْسِكِ، وَلَوْ أَعلَمُ أَنَّكَ تُقِيمُ،
إِذاً لَفَعَلْتُ.
ثُمَّ بَكَى، وَقَالَ: أَقْرَرْتَ عيْنَ ابْنِ
الزُّبَيْرِ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدُ لابْنِ الزُّبَيْرِ: قَدْ أَتَى مَا
أَحْبَبْتَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، يَخْرُجُ إِلَى العِرَاقِ،
وَيَتْرُكُكَ وَالحِجَازَ:
يَا لَكِ مِنْ قُنْبَرَةٍ بِمَعْمَرِ ... خَلاَ لَكِ
البَرُّ فَبِيْضِي وَاصْفِرِي
وَنَقِّرِيْ مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي ... (5)
__________
(1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 332، 333.
(2) " تاريخ الطبري " 5 / 388.
(3) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 333.
(4) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 334.
(5) " تاريخ الطبري " 5 / 384، و" ابن الأثير " 4 / 39، و"
تاريخ الإسلام " 2 / 343، و" البداية " 8 / 160، و" تهذيب
ابن عساكر " 4 / 334.
وقوله: " قنبرة " ويروى " قبرة " وهي بضم القاف وتشديد
الباء، واحدة القبر، قال البطليوسي في " شرح أدب الكاتب ":
وقنبرة أيضا بإثبات النون وهي لغة فصيحة: وهو ضرب من الطير
يشبه الحمر.
وينسب الرجز لطرفة انظر ملحق ديوانه: 193.
يقال: إن طرفة كان مع عمه في سفر وهو ابن سبع سنين، فنزلوا
على ماء، فذهب طرفة بفخ له، فنصبه للقنابر، =
(3/297)
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: كَتَبَ
الأَحْنَفُ إِلَى الحُسَيْنِ: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ
اللهِ حَقٌّ، وَلاَ يَسْتَخِفَنَّكَ الَّذِيْنَ لاَ
يُوْقِنُوْنَ} [الرُّوْمُ: 60].
عَوَانَةُ بنُ الحَكَمِ: عَنْ لَبَطَةَ بنِ الفَرَزْدَقِ،
عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَقِيتُ الحُسَيْنَ، فَقُلْتُ: القُلُوبُ مَعَكَ،
وَالسُّيوفُ مَعَ بَنِي أُمَيَّةَ (1) .
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ لَبَطَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَقِيَنِي الحُسَيْنُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ فِي
جَمَاعَةٍ عَلَيْهِم يَلاَمِقُ (2) الدِّيبَاجِ؛ فَقَالَ:
مَا وَرَاءكَ؟
قَالَ: وَكَانَ فِي لِسَانِهِ ثِقَلٌ مِنْ بِرْسَامٍ
عَرَضَ لَهُ.
وَقِيْلَ: كَانَ مَعَ الحُسَيْنِ وَجَمَاعَتِهِ اثْنَانِ
وَثَلاَثُونَ فَرَساً.
وَرَوَى: ابْنُ سَعْدٍ بِأَسَانِيْدِهِ، قَالُوا:
وَأَخَذَ الحُسَيْنُ طَرِيقَ العُذَيْبِ (3) ، حَتَّى
نَزَلَ قَصْرَ أَبِي مُقَاتِلٍ (4) ، فَخَفَقَ خَفْقَةً،
ثُمَّ اسْتَرْجَعَ، وَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنَّ فَارِساً
يُسَايِرُنَا، وَيَقُوْلُ: القَوْمُ يَسِيْرُوْنَ،
وَالمنَايَا تَسْرِي إِلَيْهِم.
ثُمَّ نَزَلَ كَرْبَلاَءَ، فَسَارَ إِلَيْهِ عُمَرُ بنُ
سَعْدٍ كَالمُكْرَهِ...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَقُتلَ أَصْحَابُهُ حَوْلَهُ، وَكَانُوا خَمْسِيْنَ،
وَتَحوَّلَ إِلَيْهِ مِنْ أُوْلَئِكَ عِشْرُوْنَ، وَبَقِيَ
عَامَّةَ نَهَارِهِ لاَ يَقْدَمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ،
وَأَحَاطَتْ بِهِ الرَّجَّالَةُ، وَكَانَ يَشُدُّ
عَلَيْهِم، فَيَهْزِمُهُم، وَهُم يَكرَهُوْنَ الإِقدَامَ
عَلَيْهِ، فَصَرَخَ بِهِم شِمْرٌ: ثَكِلَتْكُم
أُمَّهَاتُكُم، مَاذَا تَنْتَظرُوْنَ
__________
= وبقي عامة يومه لم يصد شيئا، ثم حمل فخه وعاد إلى عمه،
فحملوا ورحلوا من ذلك المكان، فرأى القنابر يلتقطن مانثر
لهن من الحب، فقال ذلك.
وقوله " خلا لك البر " ويروى: " خلا لك الجو " ومعناه هنا:
" وما اتسع من الأودية "
(1) انظر " الطبري " 5 / 386.
(2) اليلامق: جمع يلمق: وهو القباء المحشو، وأصله
بالفارسية " يلمه " وانظر " الفسوي " 2 / 673، فقد روى
الخبر مطولا من طريق ابن عيينة.
(3) قال ياقوت: العذيب: ماء بين القادسية والمغيثة.
(4) في " الطبري " 5 / 407، وابن الأثير 4 / 50: قصر بني
مقاتل، قال ياقوت في " معجم البلدان " 4 / 364: وقصر
مقاتل: كان بين عين التمر والشام، وقال السكوني: هو قرب
القطقطانة وسلام ثم القريات: منسوب إلى مقاتل بن حسان بن
ثعلبة بن أوس...
(3/298)
بِهِ؟
وَطَعَنَهُ سِنَانُ بنُ أَنَسٍ النَّخَعِيُّ فِي
ترقُوتِهِ، ثُمَّ طَعَنَهُ فِي صَدْرِهِ، فَخَرَّ،
وَاحْتَزَّ رَأْسَهُ خَوْلِيٌّ الأَصْبَحِيُّ - لاَ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمَا -.
ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ بِأَسَانِيْدَ لَهُ، قَالُوا:
قَدَّمَ الحُسَيْنُ مُسْلِماً، وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْزِلَ
عَلَى هَانِئ بنِ عُرْوَةَ، وَيَكْتُبَ إِلَيْهِ بِخَبَرِ
النَّاسِ، فَقَدِمَ الكُوْفَةَ مُسْتَخْفِياً، وَأَتَتْهُ
الشِّيْعَةُ، فَأَخَذَ بَيْعَتَهُم، وَكَتَبَ إِلَى
الحُسَيْنِ: بَايَعَنِي إِلَى الآنَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ
أَلْفاً، فَعَجِّلْ، فَلَيْسَ دُوْنَ الكُوْفَةِ مَانِعٌ.
فَأَغذَّ السَّيْرَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى زبَالَةَ (1) ،
فَجَاءتْ رُسُلُ أَهْلِ الكُوْفَةِ إِلَيْهِ بِدِيوَانٍ
فِيْهِ أَسْمَاءُ مائَةِ أَلْفٍ، وَكَانَ عَلَى الكُوْفَةِ
النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ، فَخَافَ يَزِيْدُ أَنْ لاَ
يُقْدِمَ النُّعْمَانُ عَلَى الحُسَيْنِ.
فَكَتَبَ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ وَهُوَ عَلَى البَصْرَةِ،
فَضَمَّ إِلَيْهِ الكُوْفَةَ، وَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانَ
لَكَ جَنَاحَانِ، فَطِرْ إِلَى الكُوْفَةِ!
فَبَادَرَ مُتَعَمِّماً مُتَنَكِّراً، وَمَرَّ فِي
السُّوقِ، فَلَمَّا رَآهُ السَّفَلَةُ، اشتَدُّوا بَيْنَ
يَدَيْهِ - يَظُنُّونَهُ الحُسَيْنَ - وَصَاحُوا: يَا
ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ! الحمدُ للهِ الَّذِي أَرَانَاكَ.
وَقَبَّلُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ؛ فَقَالَ: مَا أَشدَّ مَا
فَسَدَ هَؤُلاَءِ.
ثُمَّ دَخَلَ المسجِدَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَصَعِدَ
المِنْبَرَ، وَكَشَفَ لِثَامَهُ، وَظَفِرَ بِرَسُوْلِ
الحُسَيْنِ - وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ بُقْطرٍ -
فَقَتَلَهُ.
وَقَدِمَ مَعَ عُبَيْدِ اللهِ؛ شَرِيْكُ بنُ الأَعْوَرِ -
شِيْعِيٌّ -؛ فَنَزَلَ عَلَى هَانِئ بنِ عُرْوَةَ،
فَمَرِضَ، فَكَانَ عُبَيْدُ اللهِ يَعُوْدُهُ، فَهَيَّؤُوا
لِعُبَيْدِ اللهِ ثَلاَثِيْنَ رَجُلاً لِيَغتَالُوْهُ،
فَلَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ.
وَفَهِمَ عُبَيْدُ اللهِ، فَوَثَبَ، وَخَرَجَ، فَنَمَّ
عَلَيْهِم عَبْدٌ لِهَانِئ، فَبَعثَ إِلَى هَانِئ - وَهُوَ
شَيْخٌ - فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تُجِيْرَ
عَدُوِّي؟
قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، جَاءَ حَقٌّ هُوَ أَحَقُّ مِنْ
حَقِّكَ.
فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللهِ بِالعَنَزَةِ حَتَّى
غَرزَ رَأْسَهُ بِالحَائِطِ.
وَبَلغَ الخبَرُ مُسلِماً، فَخَرَجَ فِي نَحْوِ الأَرْبَعِ
مائَةِ، فَمَا وَصَلَ القَصْرَ إِلاَّ فِي نَحْوِ
السِّتِّيْنَ، وَغَربَتِ الشَّمْسُ، فَاقْتَتَلُوا،
وَكَثُرَ عَلَيْهِم أَصْحَابُ عُبَيْدِ
__________
(1) قال ياقوت: زبالة: منزل معروف بطريق مكة من الكوفة.
(3/299)
اللهِ، وَجَاءَ اللَّيْلُ، فَهَرَبَ
مُسْلِمٌ، فَاسْتَجَارَ بِامْرَأَةٍ مِنْ كِنْدَةَ، ثُمَّ
جِيْءَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَقَتَلَهُ؛ فَقَالَ:
دَعْنِي أُوصِ.
قَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ لِعُمَرَ بنِ سَعْدٍ: يَا هَذَا! إِنَّ لِي
إِلَيْكَ حَاجَةً، وَلَيْسَ هُنَا قُرَشِيٌّ غَيرُكَ،
وَهَذَا الحُسَيْنُ قَدْ أَظَلَّكَ، فَأَرسِلْ إِلَيْهِ
لِيَنصَرِفْ، فَإِنَّ القَوْمَ قَدْ غَرُّوهُ،
وَكَذَّبُوْهُ، وَعَلَيَّ دَيْنٌ، فَاقْضِهِ عَنِّي،
وَوَارِ جُثَّتِي، فَفَعَلَ ذَلِكَ.
وَبَعَثَ رَجُلاً عَلَى نَاقَةٍ إِلَى الحُسَيْنِ،
فَلَقِيَهُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ، فَقَالَ لَهُ
ابْنُهُ عَلِيٌّ الأَكْبَرُ: ارْجِعْ يَا أَبَه،
فَإِنَّهُم أَهْلُ العِرَاقِ وَغَدْرُهُم وَقِلَّةُ
وَفَائِهِم.
فَقَالَتْ بَنُو عَقِيْلٍ: لَيْسَ بِحِينِ رُجُوْعٍ.
وَحَرَّضُوهُ، فَقَالَ حُسَيْنٌ لأَصْحَابِهِ: قَدْ
تَرَوْنَ مَا أَتَانَا، وَمَا أَرَى القَوْمَ إِلاَّ
سَيَخْذُلُوْنَنَا، فَمَنْ أَحبَّ أَنْ يَرْجِعَ،
فَلْيَرْجِعْ.
فَانْصَرَفَ عَنْهُ قَوْمٌ، وَأَمَّا عُبَيْدُ اللهِ
فَجَمعَ المُقَاتِلَةَ، وَبَذَلَ لَهُمُ المَالَ،
وَجَهَّزَ عُمَرَ بنَ سَعْدٍ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفٍ،
فَأَبَى، وَكَرِهَ قِتَالَ الحُسَيْنِ، فَقَالَ: لَئِنْ
لَمْ تَسِرْ إِلَيْهِ لأَعْزِلَنَّكَ، وَلأَهْدِمَنَّ
دَارَكَ، وَأَضْرِبَ عُنُقَكَ.
وَكَانَ الحُسَيْنُ فِي خَمْسِيْنَ رَجُلاً، مِنْهُم
تِسْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
وَقَالَ الحُسَيْنُ: يَا هَؤُلاَءِ! دَعُوْنَا نَرجِعْ
مِنْ حَيْثُ جِئْنَا.
قَالُوا: لاَ.
وَبَلَغَ ذَلِكَ عُبَيْدَ اللهِ، فَهَمَّ أَنْ يُخَلِّيَ
عَنْهُ، وَقَالَ: وَاللهِ مَا عَرَضَ لِشَيْءٍ مِنْ
عَمَلِي، وَمَا أَرَانِي إِلاَّ مُخْلٍ سَبِيلَهُ يَذْهَبُ
حَيْثُ يَشَاءُ.
فَقَالَ شِمْرٌ: إِنْ فَعَلْتَ، وَفَاتَكَ الرَّجُلُ، لاَ
تَسْتَقِيلُهَا أَبَداً.
فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ:
الآنَ حَيْثُ تَعَلَّقَتْهُ حِبَالُنَا ... يَرْجُو
النَّجَاةَ وَلاَتَ حِيْنَ مَنَاصِ (1)
فَنَاهَضَهُ، وَقَالَ لِشِمْرٍ: سِرْ، فَإِنْ قَاتَلَ
عُمَرَ، وَإِلاَّ فَاقْتُلْهُ، وَأَنْتَ عَلَى النَّاسِ.
وَضَبَطَ عُبَيْدُ اللهِ الجِسْرَ، فَمَنَعَ مَنْ
يَجُوزُهُ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ نَاساً يَتَسلَّلُوْنَ
إِلَى الحُسَيْنِ.
__________
(1) رواية الشطر الأول في " الطبري " 5 / 411، و" ابن
الأثير " 4 / 53: الآن إذ علقت مخالبنا به.
(3/300)
قَالَ: فَرَكِبَ العَسْكَرُ، وَحُسَيْنٌ
جَالِسٌ، فَرَآهُم مُقَبِلِيْنَ، فَقَالَ لأَخِيْهِ
عَبَّاسٍ: الْقَهُم فَسَلْهُم: مَا لَهُم؟
فَسَأَلَهُم، قَالُوا: أَتَانَا كِتَابُ الأَمِيْرِ
يَأْمُرُنَا أَنْ نَعرِضَ عَلَيْكَ النُّزَولَ عَلَى
حُكْمِهِ، أَوْ نُنَاجِزُكَ.
قَالَ: انْصَرِفُوا عَنَّا العَشِيَّةَ حَتَّى نَنظُرَ
اللَّيْلَةَ.
فَانْصَرَفُوا، وَجَمَعَ حُسَيْنٌ أَصْحَابَهُ لَيْلَةَ
عَاشُورَاءَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَقَالَ: إِنِّيْ لاَ
أَحْسِبُ القَوْمَ إِلاَّ مُقَاتِلِيكُم غَداً، وَقَدْ
أَذِنتُ لَكُم جَمِيْعاً، فَأَنْتُم فِي حِلٍّ مِنِّي،
وَهَذَا اللَّيْلُ قَدْ غَشِيَكُم، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ
قُوَّةٌ، فَلْيَضُمَّ إِلَيْهِ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ
بَيْتِي، وَتَفَرَّقُوا فِي سَوَادِكُم، فَإِنَّهُم
إِنَّمَا يَطْلبُوْنَنِي، فَإِذَا رَأَوْنِي، لَهَوْا عَنْ
طَلَبِكُم.
فَقَالَ أَهْلُ بَيْتِهِ: لاَ أَبْقَانَا اللهُ بَعْدَكَ،
وَاللهِ لاَ نُفَارِقُكَ.
وَقَالَ أَصْحَابُهُ كَذَلِكَ (1) .
-الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي الجَحَّافِ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلْحُسَيْنِ: إِنَّ عَلَيَّ دَيْناً،
قَالَ: لاَ يُقَاتِلْ مَعِيَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ (2) -.
رَجَعَ الحَدِيْثُ إِلَى الأَوَّلِ:
فَلَمَّا أَصْبَحُوا، قَالَ الحُسَيْنُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ
ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ، وَرَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ،
وَأَنْتَ فِيمَا نَزَلَ بِي ثِقَةٌ، وَأَنْت وَلِيُّ كُلِّ
نِعْمَةٍ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ.
وَقَالَ لِعُمَرَ وَجُنْدِهِ: لاَ تَعْجَلُوا، وَاللهِ مَا
أَتيتُكُم حَتَّى أَتَتْنِي كُتُبُ أَمَاثِلِكُم بِأَنَّ
السُّنَّةَ قَدْ أُمِيتَتْ، وَالنِّفَاقَ قَدْ نَجَمَ،
وَالحُدُوْدَ قَدْ عُطِّلَتْ؛ فَاقْدَمْ، لَعَلَّ اللهَ
يُصلِحُ بِكَ الأُمَّةَ.
فَأَتَيْتُ؛ فَإِذْ كَرِهتُم ذَلِكَ، فَأَنَا رَاجِعٌ،
فَارْجِعُوا إِلَى أَنْفُسِكُم؛ هَلْ يَصلُحُ لَكُم
قَتْلِي، أَوْ يَحِلُّ دَمِي؟ أَلَسْتُ ابْنَ بِنْتِ
نَبِيِّكُم وَابْنَ ابْنِ عَمِّهِ؟ أَوَلَيْسَ حَمْزَةُ
وَالعَبَّاسُ وَجَعْفَرٌ عُمُوْمَتِي؟ أَلَمْ يَبلُغْكُم
قَوْلُ
__________
(1) " الكامل " لابن الأثير 4 / 57.
(2) أخرجه الطبراني (2872) وفي سنده موسى بن عمير، قال
المؤلف في " الميزان ": لا يعرف.
(3/301)
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِيَّ وَفِي أَخِي: (هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ
أَهْلِ الجَنَّةِ)؟
فَقَالَ شِمْرٌ: هُوَ يَعَبْدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ إِنْ
كَانَ يَدْرِي مَا يَقُوْلُ.
فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ كَانَ أَمرُكَ إِلَيَّ، لأَجَبْتُ.
وَقَالَ الحُسَيْنُ: يَا عُمَرُ! لَيَكُوْنَنَّ لِمَا
تَرَى يَوْمٌ (1) يَسُوؤُكَ، اللَّهُمَّ إِنَّ أَهْلَ
العِرَاقِ غَرُّوْنِي، وَخَدَعُوْنِي، وَصَنَعُوا بِأَخِي
مَا صَنَعُوا، اللَّهُمَّ شَتِّتْ عَلَيْهِم أَمْرَهُم،
وَأَحْصِهِمْ عَدَداً.
فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَاتَلَ مَوْلَىً لِعُبَيْدِ (2)
اللهِ بنِ زِيَادٍ، فَبَرَزَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ
تَمِيْمٍ الكَلْبِيُّ، فَقَتَلَهُ، وَالحُسَيْنُ جَالِسٌ
عَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ دَكْنَاءُ، وَالنَّبْلُ يَقعُ
حَوْلَهُ، فَوَقَعَتْ نَبْلَةٌ فِي وَلدٍ لَهُ ابْنُ
ثَلاَثِ سِنِيْنَ، فَلَبِسَ لأْمَتَهُ، وَقَاتَلَ حَوْلَهُ
أَصْحَابُهُ، حَتَّى قُتِلُوا جَمِيْعاً، وَحَمَلَ وَلدُهُ
عَلِيٌّ يَرْتَجِزُ:
أَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيّ ... نَحْنُ
وَبَيْتِ اللهِ أَوْلَى بِالنَّبِيّ
فَجَاءتْهُ طَعنَةٌ، وَعَطِشَ حُسَيْنٌ، فَجَاءَ رَجُلٌ
بِمَاءٍ، فَتَنَاوَلَهُ، فَرمَاهُ حُصَيْنُ بنُ تَمِيْمٍ
بِسَهْمٍ، فَوَقَعَ فِي فِيْهِ، فَجَعَلَ يَتَلقَّى
الدَّمَ بِيَدِهِ وَيَحْمَدُ اللهَ.
وَتَوجَّهَ نَحْوَ المُسَنَّاةِ يُرِيْدُ الفُرَاتَ،
فَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَاءِ، وَرَمَاهُ رَجُلٌ
بِسَهْمٍ، فَأَثبتَهُ فِي حَنَكِهِ، وَبَقِيَ عَامَّةَ
يَوْمِهِ لاَ يَقْدَمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، حَتَّى أَحَاطَتْ
بِهِ الرَّجَّالَةُ، وَهُوَ رَابطُ الجَأْشِ، يُقَاتِلُ
قِتَالَ الفَارِسِ الشُّجَاعِ، إِنْ كَانَ لَيَشُدُّ
عَلَيْهِم، فَيَنكَشِفُوْنَ عَنْهُ انكِشَافَ المِعْزَى
شَدَّ فِيْهَا الأَسَدُ، حَتَّى صَاحَ بِهِم شِمْرٌ:
ثَكلتْكُم أُمَّهَاتُكُم! مَاذَا تَنْتَظرُونَ بِهِ؟
فَانْتَهَى إِلَيْهِ زُرْعَةُ التَّمِيْمِيُّ، فَضَرَبَ
كَتِفَهُ، وَضرَبَهُ الحُسَيْنُ عَلَى عَاتقِهِ،
فَصَرَعَهُ، وَبرَزَ سِنَانٌ النَّخَعِيُّ، فَطعَنَهُ فِي
ترقُوتِهِ وَفِي صَدْرِهِ، فَخَرَّ، ثُمَّ نَزَلَ
لِيَحتَزَّ رَأْسَهُ، وَنَزَلَ خَوْلِيٌّ الأَصْبَحِيُّ،
فَاحتَزَّ رَأْسَهُ، وَأَتَى بِهِ عُبَيْدَ اللهِ بنَ
زِيَادٍ، فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئاً.
قَالَ: وَوُجِدَ بِالحُسَيْنِ ثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ
جِرَاحَةً، وَقُتِلَ مِنْ جَيْشِ عُمَرَ بنِ
__________
(1) في الأصل " يوما ".
(2) تحرف في المطبوع إلى " لعبد ".
(3/302)
سَعْدٍ ثَمَانِيَةٌ وَثَمَانُوْنَ نَفْساً.
قَالَ: وَلَمْ يَفْلِتْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الحُسَيْنِ
سِوَى وَلَدِهِ عَلِيٍّ الأَصْغَرِ - فَالحُسَيْنِيَّةِ
مِنْ ذُرِّيَّتِهِ - كَانَ مَرِيضاً.
وَحَسَنُ بنُ حَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ،
وَأَخُوْهُ عَمْرٌو، وَلاَ عَقِبَ لَهُ، وَالقَاسِمُ بنُ
عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ،
فَقَدِمَ بِهِم وَبِزَيْنَبَ وَفَاطِمَةَ بِنْتَيْ
عَلِيٍّ، وَفَاطِمَةَ وَسُكَيْنَةَ بِنْتَيِ الحُسَيْنِ،
وَزَوْجَتِهِ الرَّبَابِ الكَلْبِيَّةِ وَالِدَةِ
سُكَيْنَةَ، وَأُمِّ مُحَمَّدٍ بِنْتِ الحَسَنِ بنِ
عَلِيٍّ، وَعَبِيدٍ وَإِمَاءٍ لَهُم.
قَالَ: وَأُخِذَ ثَقَلُ الحُسَيْنِ، وَأَخَذَ رَجُلٌ
حُلِيَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ، وَبَكَى؛ فَقَالَتْ:
لِمَ تَبْكِي؟
فَقَالَ: أَأَسْلُبُ بِنْتَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلاَ أَبْكِي؟
قَالَتْ: فَدَعْهُ.
قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَأْخُذَهُ غَيْرِي.
وَأَقْبَلَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: مَا رَجَعَ رَجُلٌ
إِلَى أَهْلِهِ بِشَرٍّ مِمَّا رَجَعْتُ بِهِ، أَطَعْتُ
ابْنَ زِيَادٍ، وَعَصَيْتُ اللهَ، وَقَطَعْتُ الرَّحِمَ.
وَوَردَ البَشِيْرُ عَلَى يَزِيْدَ؛ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ،
دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَقَالَ: كُنْتُ أَرْضَى مِنْ
طَاعَتِكُم بِدُوْنِ قَتْلِ الحُسَيْنِ.
وَقَالَتْ سُكَيْنَةُ: يَا يَزِيْدُ؛ أَبَنَاتُ رَسُوْلِ
اللهِ سَبَايَا؟
قَالَ: يَا بِنْتَ أَخِي! هُوَ -وَاللهِ - عَلَيَّ أَشدُّ
مِنْهُ عَلَيْكِ، أَقْسَمْتُ وَلَوْ أَنَّ بَيْنَ ابْنِ
زِيَادٍ وَبَيْنَ حُسَيْنٍ قَرَابَةٌ مَا أَقدَمَ (1)
عَلَيْهِ، وَلَكِنْ فَرَّقَتْ بَيْنَهُ وَبينَهُ
سُمَيَّةُ، فَرَحِمَ اللهُ حُسَيْناً، عَجَّلَ عَلَيْهِ
ابْنُ زِيَادٍ، أَمَا وَاللهِ لَوْ كُنْتُ صَاحِبَهُ،
ثُمَّ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى دَفْعِ القَتْلِ عَنْهُ إِلاَّ
بِنَقْصِ بَعْضِ عُمُرِي، لأَحْبَبْتُ أَنْ أَدْفعَهُ
عَنْهُ، وَلَوَدِدْتُ أَنْ أُتِيتُ بِهِ سلماً.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، فَقَالَ:
أَبُوْكَ قَطَعَ رَحِمِي، وَنَازَعَنِي سُلطَانِي.
فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّ سِبَاءهُم لَنَا حَلاَلٌ.
قَالَ عَلِيٌّ: كَذَبْتَ، إِلاَّ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ
مِلَّتِنَا.
فَأَطْرَقَ يَزِيْدُ، وَأَمَرَ بِالنِّسَاءِ، فَأُدْخِلْنَ
عَلَى نِسَائِهِ، وَأَمَرَ
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " ما قدم ".
(3/303)
نِسَاءَ آلِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَقَمْنَ
المَأْتَمَ عَلَى الحُسَيْنِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ...، إِلَى
أَنْ قَالَ:
وَبَكَتْ أُمُّ كُلْثُوْمٍ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بنِ
عَامِرٍ، فَقَالَ يَزِيْدُ وَهُوَ زَوْجُهَا: حُقَّ لَهَا
أَنْ تُعْوِلَ عَلَى كَبِيْرِ قُرَيْشٍ وَسيِّدِهَا.
جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: عَنِ الزُّبَيْرِ بن الخِرِّيْتِ،
سَمِعَ الفَرَزْدَقَ يَقُوْلُ:
لَقِيتُ الحُسَيْنَ بِذَاتِ عِرْقٍ، فَقَالَ: مَا تَرَى
أَهْلَ الكُوْفَةِ صَانِعِيْنَ مَعِي؟ فَإِنَّ مَعِي
حِمْلاً مِنْ كُتُبِهِم؟
قُلْتُ: يَخذُلُوْنَكَ، فَلاَ تَذْهَبْ.
وَكَتَبَ يَزِيْدُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَذكُرُ لَهُ
خُروجَ الحُسَيْنِ، وَيَقُوْلُ:
نَحسِبُ أَنَّهُ جَاءهُ رِجَالٌ مِنَ المَشْرِقِ،
فَمَنَّوْهُ الخِلاَفَةَ، وَعِنْدَكَ مِنْهُم خَبَرُهُ،
فَإِنْ فَعلَ، فَقَدْ قَطَعَ القَرَابَةَ وَالرَّحِمَ،
وَأَنْتَ كَبِيْرُ أَهْلِ بَيْتِكَ وَالمَنظُورُ إِلَيْهِ،
فَاكْفُفْهُ عَنِ السَّعِيِ فِي الفُرْقَةِ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنِّيْ لأَرْجُو أَنْ
لاَ يَكُوْنَ خُروجُهُ لأَمرٍ تَكرَهُ، وَلَسْتُ أَدَعُ
النَّصيحَةَ لَهُ.
وَبَعَثَ حُسَيْنٌ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَلحِقَ بِهِ مَنْ
خَفَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ؛ وَهُم تِسْعَةَ
عَشَرَ رَجُلاً، وَنِسَاءٌ، وَصِبيَانُ، وَتَبِعَهُم
أَخُوْهُ مُحَمَّدٌ، فَأَدْرَكَهُ بِمَكَّةَ، وَأَعْلَمَهُ
أَنَّ الخُرُوجَ يَوْمَهُ هَذَا لَيْسَ بِرَأْيٍ، فَأَبَى،
فَمَنَعَ مُحَمَّدٌ وَلَدَهُ، فَوجَدَ عَلَيْهِ
الحُسَيْنُ، وَقَالَ: تَرغَبُ بوَلَدِكَ عَنْ مَوْضِعٍ
أُصَابُ فِيْهِ.
وَبَعَثَ أَهْلُ العِرَاقِ رُسُلاً وَكُتُباً إِلَيْهِ،
فَسَارَ فِي آلِهِ، وَفِي سِتِّيْنَ شَيْخاً مِنْ أَهْلِ
الكُوْفَةِ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ.
فَكَتَبَ مَرْوَانُ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادِ بنِ
أَبِيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الحُسَيْنَ قَدْ
تَوجَّهَ إِلَيْكَ، وَتَاللهِ مَا أَحَدٌ يُسلِمهُ اللهُ
أَحبُّ إِلَيْنَا مِنَ الحُسَيْنِ، فَإِيَّاكَ أَنْ
تَهِيْجَ عَلَى نَفْسِكَ مَا لاَ يَسُدُّه شَيْءٌ.
(3/304)
وَكَتَبَ إِلَيْهِ عَمْرُو بنُ سَعِيْدٍ
الأَشْدَقُ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَقَدْ تَوجَّهَ إِلَيْك
الحُسَيْنُ، وَفِي مِثْلِهَا تُعتَقُ أَوْ تُستَرَقُّ.
الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ، عَنْ
أَبِيْهِ، قَالَ:
خَرَجَ الحُسَيْنُ، فَكَتَبَ يَزِيْدُ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ
نَائِبِهِ (1) : إِنَّ حُسَيْناً صَائِرٌ إِلَى
الكُوْفَةِ، وَقَدِ ابْتُلِيَ بِهِ زَمَانُكَ مِنْ بَيْنِ
الأَزْمَانِ، وَبَلَدُكَ مِنْ بَيْنِ البُلدَانِ، وَأَنْتَ
مِنْ بَيْنِ العُمَّالِ، وَعِنْدَهَا تُعتَقُ، أَوْ
تَعُوْدُ عَبْداً.
فَقَتَلَهُ ابْنُ زِيَادٍ، وَبَعَثَ بِرَأْسِهِ إِلَيْهِ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنِي أَعْرَابِيٌّ يُقَالَ لَهُ:
بُجَيْرٌ مِنْ أَهْلِ الثَّعْلَبِيَّة (2) لَهُ مائَةٌ
وَسِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، قَالَ:
مَرَّ الحُسَيْنُ وَأَنَا غُلاَمٌ، وَكَانَ فِي قِلَّةٍ
مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ أَخِي: يَا ابْنَ بِنْتِ
رَسُوْلِ اللهِ! أَرَاكَ فِي قِلَّةٍ مِنَ النَّاسِ.
فَقَالَ بِالسَّوْطِ - وَأَشَارَ إِلَى حَقِيبَةِ
الرَّحْلِ -: هَذِهِ خَلْفِي مَمْلُوْءةٌ كُتُباً.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ، عَنْ
رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالَ:
كُنْتُ فِي الجَيْشِ الَّذِيْنَ جَهَّزَهُم عُبَيْدُ اللهِ
بنُ زِيَادٍ إِلَى الحُسَيْنِ، وَكَانُوا أَرْبَعَةَ
آلاَفٍ يُرِيْدُوْنَ الدَّيْلَمَ، فَصَرَفَهُم عُبَيْدُ
اللهِ إِلَى الحُسَيْنِ، فَلَقِيْتُهُ، فَقُلْتُ:
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
قَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ.
وَكَانَتْ فِيْهِ غُنَّةٌ.
قَالَ شِهَابٌ: فَحَدَّثْتُ بِهِ زَيْدَ بنَ عَلِيٍّ،
فَأَعْجَبَهُ؛ وَكَانَتْ فِيْهِ غُنَّةٌ (3) .
جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ يَزِيْدَ الرِّشْكِ،
قَالَ:
حدَّثَنِي مَنْ شَافَهَ الحُسَيْنَ، قَالَ: رَأَيْتُ
أَبْنِيَةً مَضْرُوْبَةً لِلْحُسَيْنِ، فَأَتَيْتُ،
فَإِذَا شَيْخٌ يَقرَأُ القُرْآنَ، وَالدُّمُوعُ تَسِيْلُ
عَلَى خَدَّيْهِ، فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا ابْنَ
رَسُوْلِ اللهِ! مَا أَنْزَلَكَ
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " بن أبيه ".
(2) قال ياقوت: الثعلبية: من منازل طريق مكة من الكوفة بعد
الشقوق وقبل الخزيمية، وهي ثلثا الطريق.
(3) " المعرفة والتاريخ " 3 / 325.
(3/305)
هَذِهِ البلاَدَ وَالفَلاَةَ؟
قَالَ: هَذِهِ كُتُبُ أَهْلِ الكُوْفَةِ إِلَيَّ، وَلاَ
أَرَاهُم إِلاَّ قَاتلِيَّ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، لَمْ
يَدَعُوا للهِ حُرمَةً إِلاَّ انْتَهَكُوهَا، فَيُسَلِّطُ
اللهُ عَلَيْهِم مَنْ يُذِلُّهُم حَتَّى يَكُوْنُوا أَذلَّ
مِنْ فَرَمِ (1) الأَمَةِ - يَعْنِي: مَقنعَتهَا -.
المَدَائِنِيُّ: عَنِ الحَسَنِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ
مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، قَالَ:
قَالَ الحُسَيْنُ: وَاللهِ لَيُعْتَدَيَنَّ عَلَيَّ كَمَا
اعْتَدَتْ بَنُو إِسْرَائِيْلَ فِي السَّبتِ (2) .
أَحْمَدُ بنُ جَنَابٍ المَصِّيْصِيُّ: حَدَّثَنَا خَالِدُ
بنُ يَزِيْدَ القَسْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَمَّارٌ
الدُّهْنِيُّ:
قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ: حَدِّثْنِي بِقَتْلِ
الحُسَيْنِ.
فَقَالَ: مَاتَ مُعَاوِيَةُ، فَأَرْسَلَ الوَلِيْدُ بنُ
عُتْبَةَ وَالِي المَدِيْنَةِ إِلَى الحُسَيْنِ
لِيُبَايِعَ، فَقَالَ: أَخِّرْنِي.
وَرَفَقَ بِهِ، فَأَخَّرهُ، فَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ،
فَأَتَاهُ رُسُلُ أَهْلِ الكُوْفَةِ، وَعَلَيْهَا
النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ، فَبَعثَ الحُسَيْنُ ابْنَ
عَمِّهِ مُسْلِمَ بنَ عَقِيْلٍ: أَنْ سِرْ، فَانظُرْ مَا
كَتَبُوا بِهِ.
فَأَخَذَ مُسْلِمٌ دَليلَيْنِ وَسَارَ، فَعطِشُوا فِي
البَرِّيَّةِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا.
وَكَتَبَ مُسْلِمٌ إِلَى الحُسَيْنِ يَسْتَعْفِيهِ،
فَكَتَبَ إِلَيْهِ: امْضِ إِلَى الكُوْفَةِ.
وَلَمْ يُعْفِهِ، فَقَدِمَهَا، فَنَزَلَ عَلَى عَوْسَجَةٍ،
فَدَبَّ إِلَيْهِ أَهْلُ الكُوْفَةِ، فَبَايَعَهُ اثْنَا
عَشَرَ أَلْفاً.
فَقَامَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُسْلِمٍ؛ فَقَالَ
لِلنُّعْمَانِ: إِنَّكَ لَضَعِيْفٌ!
قَالَ: لأَنْ أَكُوْنَ ضَعيفاً أَحبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ
أَكُوْنُ قَوِيّاً فِي مَعصِيَةِ اللهِ، وَمَا كُنْتُ
لأَهْتِكَ سِتراً سَتَرَهُ اللهُ.
وَكَتَبَ بِقَوْلِهِ إِلَى يَزِيْدَ، وَكَانَ يَزِيْدُ
سَاخِطاً عَلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، فَكَتَبَ
إِلَيْهِ بِرِضَاهُ عَنْهُ، وَأَنَّهُ وَلاَّهُ الكُوْفَةَ
مُضَافاً إِلَى البَصْرَةِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ
يَقتُلَ مُسْلِماً.
فَأَسرعَ عُبَيْدُ اللهِ فِي وُجُوهِ أَهْلِ البَصْرَةِ
إِلَى الكُوْفَةِ مُتَلَثِّماً، فَلاَ يَمرُّ بِمَجْلِسٍ،
فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِم إِلاَّ قَالُوا: وَعَلَيْكَ
__________
(1) تصحفت في المطبوع إلى " قرم " قال ابن الأثير في "
النهاية " بعد أن أورد خير الحسين هذا: هو بالتحريك: ما
تعالج به المرأة فرجها ليضيق، وقيل: هو خرقة الحيض.
والخبر في " الطبري " 5 / 394، و" تهذيب ابن عساكر " 4 /
336.
(2) " تاريخ الطبري " 5 / 385.
(3/306)
السَّلاَمُ يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ -
يَظنُّونَهُ الحُسَيْنَ -.
فَنَزَلَ القَصْرَ؛ ثُمَّ دَعَا مَوْلَىً لَهُ،
فَأَعْطَاهُ ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: اذهَبْ
حَتَّى تَسْأَلَ عَنِ الَّذِي يُبَايِعُ أَهْلَ
الكُوْفَةِ، فَقُلْ: أَنَا غَرِيْبٌ، جِئْتُ بِهَذَا
المَالِ يَتَقْوَّى بِهِ.
فَخَرَجَ، وَتَلَطَّفَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى شَيْخٍ يَلِي
البَيْعَةَ، فَأَدخلَهُ عَلَى مُسْلِمٍ، وَأَعْطَاهُ
الدَّرَاهِمَ، وَبَايَعَهُ، وَرَجَعَ، فَأَخْبَرَ عُبَيْدَ
اللهِ.
وَتَحوَّلَ مُسْلِمٌ إِلَى دَارِ هَانِئ بنِ عُرْوَةَ
المُرَادِيِّ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: مَا بَالُ هَانِئ
لَمْ يَأْتِنَا؟
فَخَرَجَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ الأَشْعَثِ، وَغَيرُهُ،
فَقَالُوا: إِنَّ الأَمِيْرَ قَدْ ذَكَرَكَ.
فَرَكِبَ مَعَهُم، وَأَتَاهُ وَعِنْدَهُ شُرَيْحٌ
القَاضِي، فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَتَتْكَ بِحَائِنٍ
رِجْلاَهُ (1) .
فَلَمَّا سَلَّمَ، قَالَ: يَا هَانِئُ! أَيْنَ مُسْلِمٌ؟
قَالَ: مَا أَدْرِي.
فَخَرَجَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الدَّرَاهمِ، فَلَمَّا رَآهُ،
قَطَعَ بِهِ، وَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ! وَاللهِ مَا
دَعَوتُهُ إِلَى مَنْزلِي، وَلَكِنَّهُ جَاءَ، فَرَمَى
نَفْسَهُ عَلَيَّ.
قَالَ: ائْتِنِي بِهِ.
قَالَ: وَاللهِ لَوْ كَانَ تَحْتَ قَدَمَيَّ، مَا
رَفَعْتُهُمَا عَنْهُ.
فَضَرَبَهُ بِعَصاً، فَشَجَّهُ، فَأَهْوَى هَانِئٌ إِلَى
سَيْفِ شُرَطِيٍّ يَسْتَلُّهُ، فَمَنَعَهُ، وَقَالَ: قَدْ
حَلَّ دَمُكَ.
وَسَجَنَهُ، فطَارَ الخَبرُ إِلَى مَذْحِجٍ، فَإِذَا عَلَى
بَابِ القَصْرِ جَلَبَةٌ، وَبلغَ مُسلِماً الخبرُ،
فَنَادَى بِشعَارِهِ، فَاجتَمَعَ إِلَيْهِ أَرْبَعُوْنَ
أَلْفاً، فَعَبَّأَهُم، وَقَصَدَ القَصْرَ، فَبَعَثَ
عُبَيْدُ اللهِ إِلَى وُجُوهِ أَهْلِ الكُوْفَةِ،
فَجَمَعَهُم عِنْدَهُ، وَأَمَرَهُم، فَأَشْرَفُوا مِنَ
القَصْرِ عَلَى عَشَائِرِهِم، فَجَعَلُوا يُكلِّمُونَهُم،
فَجَعَلُوا يَتَسلَّلُوْنَ حَتَّى بَقِيَ مُسْلِمٌ فِي
خَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ كَانَ كَتَبَ إِلَى الحُسَيْنِ
لِيُسرِعَ، فَلَمَّا دَخَلَ اللَّيْلُ، ذهبَ أُوْلَئِكَ،
حَتَّى بَقِيَ مُسْلِمٌ وَحدَهُ يَتردَّدُ فِي الطُّرُقِ.
فَأَتَى بَيْتاً! فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ، فَقَالَ:
اسْقِنِي.
فَسَقَتْهُ، ثُمَّ دَخَلَتْ، وَمَكَثَتْ مَا شَاءَ اللهُ،
ثُمَّ خَرَجَتْ، فَإِذَا بِهِ عَلَى البَابِ، فَقَالَتْ:
يَا هَذَا، إِنَّ مَجْلِسَكَ مَجْلِسُ رِيْبَةٍ،
__________
(1) مثل: يضرب للرجل يسعى إلى المكروه حتى يقع فيه،
والحين: الهلاك، وقد حان الرجل: هلك، وأحانه الله، وكل شيء
لم يوفق للرشاد، فقد حان.
(3/307)
فَقُمْ.
فَقَالَ: أَنَا مُسْلِمُ بنُ عَقِيْلٍ، فَهَلْ مَأْوَىً؟
قَالَتْ: نَعَمْ.
فَأَدَخَلَتْهُ، وَكَانَ ابْنُهَا مَوْلَىً لِمُحَمَّدِ
بنِ الأَشْعَثِ، فَانْطَلقَ إِلَى مَوْلاَهُ، فَأَعلَمَهُ،
فَبَعثَ عُبَيْدُ اللهِ الشُّرَطَ إِلَى مُسْلِمٍ،
فَخَرَجَ، وَسَلَّ سَيْفَهُ، وَقَاتَلَ، فَأَعْطَاهُ ابْنُ
الأَشْعَثِ أَمَاناً، فَسَلَّمَ نَفْسَهُ، فَجَاءَ بِهِ
إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَضَربَ عُنُقَهُ، وَأَلقَاهُ إِلَى
النَّاسِ، وَقَتَلَ هَانِئاً، فَقَالَ الشَّاعِرُ (1) :
فَإِنْ كُنْتِ لاَ تَدْرِينَ مَا المَوْتُ فَانْظُرِي ...
إِلَى هَانِئ فِي السُّوقِ وَابْنِ عَقِيْلِ
أَصَابَهُمَا أَمْرُ الأَمِيْرِ فَأَصْبَحَا ...
أَحَادِيْثَ مَنْ يَسْعَى بِكُلِّ سَبِيلِ
أَيَرْكَبُ أَسْمَاءُ الهَمَالَيجَ آمِناً ... وَقَدْ
طَلَبَتْهُ مَذْحِجٌ بِقَتِيْلِ
يَعنِي: أَسْمَاءَ بنَ خَارِجَةَ.
قَالَ: وَأَقبلَ حُسَيْنٌ عَلَى كِتَابِ مُسْلِمٍ، حَتَّى
إِذَا كَانَ عَلَى سَاعَةٍ مِنَ القَادِسِيَّةِ، لَقيَهُ
رَجُلٌ؛ فَقَالَ لِلْحُسَيْنِ: ارْجِعْ، لَمْ أَدَعْ لَكَ
وَرَائِي خَيْراً.
فَهَمَّ أَنْ يَرْجِعَ، فَقَالَ إِخوَةُ مُسْلِمٍ: وَاللهِ
لاَ نَرجِعُ حَتَّى نَأْخُذَ بِالثَّأْرِ، أَوْ نُقتَلَ.
فَقَالَ: لاَ خَيْرَ فِي الحَيَاةِ بَعْدَكُم.
وَسَارَ، فَلَقِيَتْهُ خَيلُ عُبَيْدِ اللهِ، فَعَدَلَ
إِلَى كَرْبَلاَءَ، وَأَسندَ ظَهْرَهُ إِلَى قُصَمْيَا
حَتَّى لاَ يُقَاتَلَ إِلاَّ مِنْ وَجهٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ
مَعَهُ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ فَارِساً، وَنَحْوٌ مِنْ
مائَةِ رَاجِلٍ.
وَجَاءَ عُمَرُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ - وَقَدْ
وَلاَّهُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ عَلَى العَسْكَرِ -
وَطلبَ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ أَنْ يَعْفِيَهُ مِنْ ذَلِكَ،
فَأَبَى.
فَقَالَ الحُسَيْنُ: اخْتَارُوا وَاحِدَةً مِنْ ثَلاَثٍ:
إِمَّا أَنْ تَدَعُوْنِي، فَأَلْحَقَ بِالثُّغُوْرِ؛
وَإِمَّا أَنْ أَذهَبَ إِلَى يَزِيْدَ، أَوْ أُرَدَّ إِلَى
المَدِيْنَةِ.
فَقَبِلَ عُمَرُ ذَلِكَ، وَكَتَبَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ
اللهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: لاَ وَلاَ كرَامَةَ حَتَّى
يَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِي.
فَقَالَ الحُسَيْنُ: لاَ وَاللهِ!
وَقَاتَلَ، فَقُتِلَ أَصْحَابُهُ، مِنْهُم بِضْعَةَ عَشَرَ
شَابّاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
__________
(1) في " الكامل " 4 / 36: فقال عبد الله بن الزبير في قتل
هانئ ومسلم، وقيل: قاله الفرزدق.
والخبر بطوله مع الشعر في " تهذيب ابن عساكر " 4 / 339،
340.
(3/308)
قَالَ: وَيَجِيْءُ سَهْمٌ، فَيَقَعُ
بِابْنٍ لَهُ صَغِيْرٍ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْهُ،
وَيَقُوْلُ:
اللَّهُمَّ احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا،
دَعَوْنَا لِيَنْصُرُونَا، ثُمَّ يَقْتُلُوْنَنَا.
ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، قَتَلَهُ رَجُلٌ
مَذْحِجِيٌّ، وَحَزَّ رَأْسَهُ، وَمَضَى بِهِ إِلَى
عُبَيْدِ اللهِ، فَقَالَ:
أَوْقِرْ رِكَابِي ذَهَبَا ... فَقَدْ قَتَلْتُ المَلِكَ
المُحَجَّبَا
قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ أُمّاً وَأَبَا (1) ...
فَوفَدَهُ إِلَى يَزِيْدَ وَمَعَهُ الرَّأْسُ، فَوُضِعَ
بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعِنْدَهُ أَبُو بَرْزَةَ
الأَسْلَمِيُّ؛ فَجَعَلَ يَزِيْدُ يَنكُتُ بِالقَضِيْبِ
عَلَى فِيْهِ، وَيَقُوْلُ (2) :
نُفَلِّقُ هَاماً مِنْ أُنَاسٍ أَعِزَّةٍ ... عَلَيْنَا
وَهُم كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا
كَذَا قَالَ أَبُو بَرْزَةَ.
وَإِنَّمَا المَحْفُوظُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ
عُبَيْدِ اللهِ.
قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ: ارْفَعْ قَضِيبَكَ؛ لَقَدْ
رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَاهُ عَلَى فِيْهِ.
قَالَ: وَسَرَّحَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ بِحَرِيْمِهِ
وَعِيَالِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ (3).
وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْهُم إِلاَّ غُلاَمٌ كَانَ
مَرِيضاً مَعَ النِّسَاءِ، فَأَمَرَ بِهِ عُبَيْدُ اللهِ
لِيُقْتَلَ، فَطَرَحَتْ عَمَّتُهُ زَيْنَبُ نَفْسَهَا
عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: لاَ يُقتَلُ حَتَّى تَقْتُلُوْنِي.
فَرَقَّ لَهَا، وَجَهَّزَهُم إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا
قَدِمُوا عَلَى يَزِيْدَ، جَمَعَ مَنْ كَانَ بِحَضَرتِهِ،
وَهَنَّؤُوهُ؛ فَقَامَ رَجُلٌ
__________
(1) انظر " الطبراني " (2852).
(2) هو للحصين بن الحمام بن ربيعة المري الذبياني، شاعر
فارس جاهلي كان سيد بني سهم بن مرة، ويلقب " مانع الضيم "
وهو ممن نبذوا عبادة الاوثان في الجاهلية.
والبيت من قصيدة مطلعها: جزى الله أفناء العشيرة كلها *
بدارة موضوع عقوقا ومأثما وهي في " المفضليات ".
ص 64 - 69 فانظر تخريجها ثمة.
(3) انظر " الطبراني " (2846) و" المجمع " 9 / 193.
(3/309)
أَحْمَرُ أَزرقُ، وَنَظَرَ إِلَى صَبِيَّةٍ
مِنْهُم، فَقَالَ: هَبْهَا لِي يَا أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ.
فَقَالَتْ زَيْنَبُ: لاَ وَلاَ كرَامَةَ لَكَ إِلاَّ أَنْ
تَخْرُجَ مِنْ دِيْنِ اللهِ.
فَقَالَ لَهُ يَزِيْدُ: كُفَّ.
ثُمَّ أَدخَلَهُم إِلَى عِيَالِهِ، فَجَهَّزَهُم،
وَحَمَلَهُم إِلَى المَدِيْنَةِ (1) .
إِلَى هُنَا عَنْ: أَحْمَدَ بنِ جَنَابٍ.
الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ:
لَمَّا نَزلَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ بِالحُسَيْنِ، خَطبَ
أَصْحَابَهُ، وَقَالَ: قَدْ نَزلَ بِنَا مَا تَرَوْنَ،
وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَغَيَّرَتْ وَتَنكَّرَتْ،
وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا، وَاسْتُمْرِئَتْ (2) حَتَّى لَمْ
يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ، وَإِلاَّ
خَسِيسُ (3) عَيْشٍ كَالمَرْعَى الوَبِيْلِ، أَلاَ
تَرَوْنَ الحَقَّ لاَ يُعْمَلُ بِهِ، وَالبَاطِلَ لاَ
يُتنَاهَى عَنْهُ؟ لِيَرْغَبَ المُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ
اللهِ، إِنِّيْ لاَ أَرَى المَوْتَ إِلاَّ سَعَادَةً،
وَالحيَاةَ مَعَ الظَّالِمِيَنَ إِلاَّ نَدَماً (4) .
خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ
رَجُلٍ:
أَنَّ الحُسَيْنَ لَمَّا أَرهَقَهُ السِّلاَحُ، قَالَ:
أَلاَ تَقْبَلُوْنَ مِنِّي مَا كَانَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْبَلُ مِنَ
المُشْرِكِيْنَ؟ كَانَ إِذَا جَنَحَ أَحَدُهُم، قَبِلَ
مِنْهُ.
قَالُوا: لاَ.
قَالَ: فَدَعُوْنِي أَرجِعُ.
قَالُوا: لاَ.
قَالَ: فَدَعُوْنِي آتِي أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.
فَأَخَذَ لَهُ رَجُلٌ السِّلاَحَ، فَقَالَ لَهُ: أَبْشِرْ
بِالنَّارِ.
فَقَالَ: بَلْ - إِنْ شَاءَ اللهُ - بِرَحْمَةِ رَبِّي،
وَشَفَاعَةِ نَبِيِّي.
فَقُتِلَ، وَجِيْءَ بِرَأْسِهِ، فَوُضِعَ فِي طَسْتٍ
بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ زِيَادٍ، فَنَكتَهُ بِقَضِيْبِهِ،
وَقَالَ: لَقَدْ كَانَ غُلاَماً صَبِيْحاً.
ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُم قَاتِلُهُ؟
فَقَامَ الرَّجُلُ، فَقَالَ:
__________
(1) " البداية " 8 / 194.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " استمرت ".
(3) تصحفت في المطبوع إلى " حشيش ".
(4) الخبر في " الطبراني " برقم (2842)، و" الحلية " 2 /
39، و" الطبري " 5 / 403، 404، والزبير هو ابن بكار، ومحمد
بن حسن هو ابن زبالة، وهو متروك متفق على ضعفه، ولم يدرك
القصة.
كما قال الهيثمي في " المجمع " 9 / 193، وقوله " إلا ندما
" في الطبري والطبراني " إلا برما ".
(3/310)
وَمَا قَالَ لَكَ؟...، فَأَعَادَ
الحَدِيْثَ.
قَالَ: فَاسوَدَّ وَجهُهُ (1) .
أَبُو مَعْشَرٍ: عَنْ رِجَالِهِ، قَالَ:
قَالَ الحُسَيْنُ حِيْنَ نَزَلُوا كَرْبَلاَءَ: مَا اسمُ
هَذِهِ الأَرْضِ؟
قَالُوا: كَرْبَلاَءَ.
قَالَ: كَرْبٌ وَبَلاَءٌ.
وَبَعَثَ عُبَيْدُ اللهِ لِحَرْبِهِ عُمَرَ بنَ سَعْدٍ،
فَقَالَ: يَا عُمَرُ! اخْتَرْ مِنِّي إِحْدَى ثَلاَثٍ:
إِمَّا أَنْ تَتْرُكَنِي أَرجِعُ، أَوْ فَسَيِّرْنِي إِلَى
يَزِيْدَ، فَأَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ، فَإِنْ أَبَيْتَ،
فَسَيِّرْنِي إِلَى التُّركِ، فَأُجَاهِدَ حَتَّى
أَمُوْتَ.
فَبَعثَ بِذَلِكَ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَهَمَّ أَنْ
يُسَيِّرَهُ إِلَى يَزِيْدَ، فَقَالَ لَهُ شِمْرُ بنُ ذِي
الجَوْشِنِ: لاَ، إِلاَّ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى حُكمِكَ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، فَقَالَ الحُسَيْنُ:
وَاللهِ لاَ أَفعَلُ.
وَأَبطَأَ عُمَرُ عَنْ قِتَالِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ
عُبَيْدُ اللهِ شِمْرَ بنَ ذِي الجَوْشِنِ، فَقَالَ: إِنْ
قَاتَلَ، وَإِلاَّ فَاقْتُلْهُ، وَكُنْ مَكَانَهُ (2) .
وَكَانَ مِنْ جُندِ عُمَرَ ثَلاَثُونَ مِنْ أَهْلِ
الكُوْفَةِ، فَقَالُوا: يَعرِضُ عَلَيْكُم ابْنُ بِنْتِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ثَلاَثَ خِصَالٍ فَلاَ تَقْبَلُوْنَ وَاحِدَةً!
وَتَحوَّلُوا إِلَى الحُسَيْنِ، فَقَاتَلُوا (3) .
عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ: عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ:
أَدْرَكْتُ مَقْتَلَ الحُسَيْنِ، فحَدَّثَنِي سَعْدُ بنُ
عُبَيْدَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ الحُسَيْنَ وَعَلَيْهِ
جُبَّةٌ برُودٌ، رَمَاهُ رَجُلٌ يُقَالَ لَهُ: عَمْرُو بنُ
خَالِدٍ الطُّهَوِيُّ بِسَهْمٍ، فَنَظَرْتُ إِلَى
السَّهْمِ فِي جَنْبِهِ (4) .
هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
رَمَى زُرْعَةُ الحُسَيْنَ بِسَهمٍ، فَأَصَابَ حَنَكَهُ،
فَجَعلَ يَتَلَقَّى الدَّمَ، ثُمَّ يَقُوْلُ هَكَذَا إِلَى
السَّمَاءِ.
وَدَعَا بِمَاءٍ لِيَشْرَبَ، فَلَمَّا رَمَاهُ، حَالَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَاءِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ظَمِّهِ.
قَالَ: فَحَدَّثَنِي مِنْ شَهِدَهُ وَهُوَ يَمُوتُ، وَهُوَ
يَصِيحُ مِنَ الحَرِّ فِي بَطْنِهِ وَالبَرْدِ فِي
ظَهْرِهِ، وَبَيْنَ
__________
(1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 337.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 338.
(3) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 338.
(4) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 338.
(3/311)
يَدَيْهِ المَرَاوِحُ وَالثَّلجُ وَهُوَ
يَقُوْلُ: اسْقُونِي أَهْلَكَنِي العَطَشُ، فَانْقَدَّ
بَطْنُهُ (1) .
الكَلْبِيُّ: رَافِضِيٌّ، مُتَّهَمٌ.
قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: أَقْبَلَ مَعَ الحُسَيْنِ
سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: لَمْ تَبْكِ السَّمَاءُ عَلَى
أَحَدٍ بَعْدَ يَحْيَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ - إِلاَّ
عَلَى الحُسَيْنِ (2).
عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ
جَدِّي، عَنْ عِيْسَى بنِ الحَارِثِ الكِنْدِيِّ، قَالَ:
لَمَّا قُتِلَ الحُسَيْنُ، مَكَثْنَا أَيَّاماً سَبْعَةً،
إِذَا صَلَّينَا العَصرَ، فَنَظَرْنَا إِلَى الشَّمْسِ
عَلَى أَطرَافِ الحِيطَانِ كَأَنَّهَا المَلاَحِفُ
المُعَصْفَرَةُ، وَنَظَرْنَا إِلَى الكَوَاكبِ يَضرِبُ
بَعْضُهَا بَعْضاً (3) .
المَدَائِنِيُّ: عَنْ عَلِيِّ بنِ مُدْرِكٍ، عَنْ جَدِّهِ
الأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ:
احْمَرَّتْ آفَاقُ السَّمَاءِ بَعْدَ قَتْلِ الحُسَيْنِ
سِتَّةَ أَشْهُرٍ تُرَى كَالدَّمِ.
هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
تَعْلَمُ هَذِهِ الحُمْرَةُ فِي الأُفُقِ مِمَّ؟ هُوَ مِنْ
يَوْمِ قَتْلِ الحُسَيْنِ.
الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ،
قَالَ:
حَدَّثَتْنَا أُمُّ سُوْقٍ العَبْديَّةُ؛ قَالَتْ:
حدَّثَتْنِي نَضْرَةُ الأَزْدِيَّةُ، قَالَتْ:
لَمَّا أَنْ قُتِلَ الحُسَيْنُ، مَطَرِتِ السَّمَاءُ
مَاءً، فَأَصْبَحْتُ وَكُلُّ شَيْءٍ لَنَا مَلآنُ دَماً.
جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ: حَدَّثَتْنِي
خَالتِي، قَالَتْ:
لَمَّا قُتلَ الحُسَيْنُ، مُطِرْنَا مَطَراً كَالدَّمِ.
__________
(1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 341.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 342.
(3) " الطبراني " (2839) و" تهذيب ابن عساكر " 4 / 342.
(3/312)
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ،
عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ:
قُتِلَ الحُسَيْنُ وَلِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً،
وَصَارَ الوَرسُ الَّذِي كَانَ فِي عَسْكَرِهِم رَمَاداً،
وَاحْمَرَّتْ آفَاقُ السَّمَاءِ، وَنَحَرُوا نَاقَةً فِي
عَسكَرِهِم، فَكَانُوا يَرَوْنَ فِي لَحْمِهَا النِّيرَانَ
(1) .
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي، قَالَتْ:
لَقَدْ رَأَيْتُ الوَرسَ عَادَ رَمَاداً، وَلَقَدْ
رَأَيْتُ اللَّحمَ كَأَنَّ فِيْهِ النَّارَ حيَنَ قُتِلَ
الحُسَيْنُ (2) .
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنِي جَمِيْلُ بنُ مُرَّةَ،
قَالَ:
أَصَابُوا إِبِلاً فِي عَسكَرِ الحُسَيْنِ يَوْمَ قُتِلَ،
فَطَبَخُوا مِنْهَا، فَصَارَتْ كَالعَلْقَمِ.
قُرَّةُ بنُ خَالِدٍ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ
العُطَارِدِيَّ، قَالَ:
كَانَ لَنَا جَارٌ مِنْ بَلْهُجَيْمٍ، فَقَدِمَ
الكُوْفَةَ، فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ هَذَا الفَاسِقَ ابْنَ
الفَاسِقِ قَتَلَهُ اللهُ -يَعْنِي: الحُسَيْنَ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ -.
فَرَمَاهُ اللهُ بِكَوْكَبَيْنِ مِنَ السَّمَاءِ، فَطُمِسَ
بَصَرُهُ (3) .
قَالَ عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ الحَلَبِيُّ: قَالَ
السُّدِّيُّ:
أَتيتُ كَرْبَلاَءَ تَاجِراً، فَعَمِلَ لَنَا شَيْخٌ مِنْ
طَيٍّ طَعَاماً، فَتَعَشَّيْنَا عِنْدَهُ، فَذَكَرْنَا
قَتْلَ الحُسَيْنَ، فَقُلْتُ: مَا شَارَكَ أَحَدٌ فِي
قَتْلِهِ إِلاَّ مَاتَ مِيْتَةَ سُوءٍ.
فَقَالَ: مَا أَكْذَبَكُم، أَنَا مِمَّنْ شَرَكَ فِي
ذَلِكَ.
فَلَمْ نَبْرحْ حَتَّى دَنَا مِنَ السِّرَاجِ وَهُوَ
يَتَّقِدُ بِنَفْطٍ، فَذَهَبَ يُخرِجُ الفَتِيْلَةَ
بِأُصبُعِهِ، فَأَخَذَتِ النَّارُ فِيْهَا، فَذَهَبَ
يُطفِئُهَا بِرِيقِهِ، فَعَلِقَتِ النَّارُ فِي لِحْيتِهِ،
فَعَدَا، فَأَلقَى نَفْسَهُ فِي المَاءِ، فَرَأَيْتُهُ
كَأَنَّهُ حُمَمَةً (4).
__________
(1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 342.
(2) " الطبراني " (2858).
(3) " الطبراني " (2830) قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح.
(4) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 343.
(3/313)
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حدَّثَتْنِي جدَّتِي
أُمُّ أَبِي، قَالَتْ:
أَدْرَكتُ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ شَهِدَ قَتْلَ الحُسَيْنِ؛
فَأَمَّا أَحَدُهُمَا؛ فَطَالَ ذَكَرُهُ حَتَّى كَانَ
يَلُفُّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ؛ فَكَانَ يَسْتَقبِلُ
الرَّاوِيَةَ، فَيَشْرَبُهَا كُلَّهَا (1) .
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ:
أَوَّلُ مَا عُرِفَ الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي
مَجْلِسِ الوَلِيْدِ؛ فَقَالَ الوَلِيْدُ: أَيُّكُم
يَعْلَمُ مَا فَعَلَتْ أَحْجَارُ بَيْتِ المَقْدِسِ يَوْمَ
قَتْلِ الحُسَيْنِ؟
فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يُقْلَبْ
حَجَرٌ إِلاَّ وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيْطٌ (2) .
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ
أَنَسٍ، قَالَ:
لَمَّا قُتِلَ الحُسَيْنُ، جِيْءَ بِرَأْسِهِ إِلَى ابْنِ
زِيَادٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِقَضِيْبٍ عَلَى ثَنَايَاهُ،
وَقَالَ: إِنْ كَانَ لَحَسَنَ الثَّغْرِ.
فَقُلْتُ: أَمَا -وَاللهِ - لأَسُوءنَّكَ.
فَقُلْتُ: لَقَدْ رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقبِّلُ مَوْضِعَ قَضِيبِكَ مِنْ
فِيْهِ (3) .
الحَاكِمُ (4) فِي (الكُنَى): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ
أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
عُمَرَ الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ يُوْنُسَ،
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ
الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي
شَدَّادُ بنُ عَبْدِ اللهِ:
سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بنَ الأَسْقَعِ وَقَدْ جِيْءَ بِرَأْسِ
الحُسَيْنِ، فَلعَنَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ،
فَغضِبَ وَاثِلَةَ، وَقَامَ، وَقَالَ:
وَاللهِ لاَ أَزَالُ أُحِبُّ عَلِيّاً وَوَلَدَيْهِ بَعْدَ
أَنْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي
__________
(1) " الطبراني " (2857) و" مجمع الزوائد " 9 / 197.
(2) انظر " معجم الطبراني " (2834) و(2856) و" المجمع " 9
/ 196.
(3) علي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف، وهو في " معجم الطبراني
" (2878) وانظر الصفحة 281 ت (1) من هذا الجزء.
(4) هو شيخ الحاكم صاحب " المستدرك " واسمه محمد بن محمد
بن أحمد بن إسحاق النيسابوري محدث خراسان.
مترجم في " تذكرة الحفاظ 3 / 976 للمؤلف.
(3/314)
مَنْزِلِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَأَلْقَى عَلَى
فَاطِمَةَ وَابْنَيْهَا وَزَوْجِهَا كِسَاءً خَيْبَرِيّاً،
ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُم
تَطْهِيْراً} [الأَحْزَابُ: 33].
سُلَيْمَانُ: ضَعَّفُوهُ، وَالحَنَفِيُّ: مُتَّهَمٌ.
وَيُرْوَى عَنْ: أَبِي دَاوُدَ السَّبِيْعِيِّ، عَنْ
زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ، فَأُتِيَ بِرَأْسِ
الحُسَيْنِ، فَأَخَذَ قَضِيباً، فَجَعَلَ يَفْتَرُّ بِهِ
عَنْ شَفَتَيْهِ، فَلَمْ أَرَ ثَغْراً كَانَ أَحْسَنَ
مِنْهُ كَأَنَّهُ الدُّرُّ، فَلَمْ أَمْلِكْ أَنْ رَفَعْتُ
صَوْتِي بِالبُكَاءِ.
فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ؟
قُلْتُ: يُبكِيْنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَيْتُهُ يَمُصُّ
مَوْضِعَ هَذَا القَضِيبِ، وَيَلثُمُهُ، وَيَقُوْلُ:
(اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ).
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي النَّومِ نِصْفَ النَّهَارِ، أَشْعَثَ
أَغْبَرَ، وَبِيَدِهِ قَارُوْرَةٌ فِيْهَا دَمٌ.
قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَا هَذَا؟
قَالَ: (هَذَا دَمُ الحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ، لَمْ أَزَلْ
مُنْذُ اليَوْمَ أَلتَقِطُهُ).
فَأُحصِيَ ذَلِكَ اليَوْمُ، فَوَجَدُوْهُ قُتِلَ
يَوْمَئِذٍ (1) .
ابْنُ سَعْدٍ: عَنِ الوَاقِدِيِّ، وَالمَدَائِنِيِّ، عَنْ
رِجَالِهِمَا:
أَنَّ مُحفزَ بنَ ثَعْلَبَةَ العَائِذِيَّ قَدِمَ بِرَأْسِ
الحُسَيْنِ عَلَى يَزِيْدَ، فَقَالَ: أَتَيتُكَ يَا
أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ بِرَأْسِ أَحْمَقِ النَّاسِ
وَأَلأَمِهِم.
فَقَالَ يَزِيْدُ: مَا وَلدَتْ أُمُّ مُحفزٍ أَحْمَقُ
وَأَلأَمُ؛ لَكِنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَتَدَبَّرْ كَلاَمَ
اللهِ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي
المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [آلُ عِمْرَانَ: 26].
ثُمَّ بَعَثَ يَزِيْدُ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ إِلَى
مُتَوَلِّي المَدِيْنَةِ،
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 283، والطبراني (2822) وسنده قوي كما
قال الحافظ ابن كثير في " البداية " 8 / 200.
وهو في " تهذيب ابن عساكر " 4 / 343 و
(3/315)
فَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ عِنْدَ أُمِّهِ (1)
.
وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سَعِيْدٍ القَاضِي:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ
البَهْرَائِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا أُمَيَّةَ الكَلاَعِيَّ،
قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا كَرِبٍ، قَالَ: كُنْتُ فِيْمَنْ تَوثَّبَ
عَلَى الوَلِيْدِ بنِ يَزِيْدَ بِدِمَشْقَ، فَأَخذْتُ
سَفَطاً، وَقُلْتُ: فِيْهِ غَنَائِي، فَرَكِبْتُ فَرَسِي،
وَخَرَجتُ بِهِ مِنْ بَابِ تُوْمَا.
قَالَ: فَفَتَحْتُهُ، فَإِذَا فِيْهِ رَأْسٌ مَكْتُوبٌ
عَلَيْهِ: هَذَا رَأْسُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ،
فَحَفَرْتُ لَهُ بِسَيْفِي، فَدَفَنْتُهُ (2) .
أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ: حَدَّثَنَا رَزِيْنٌ،
حدَّثَتْنِي سَلْمَى، قَالَتْ:
دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ تَبْكِي؛ قُلْتُ:
مَا يُبْكِيْكِ؟
قَالَتْ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي المَنَامِ، وَعَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيتِهِ
التُّرَابُ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (شَهِدْتُ قَتْلَ الحُسَيْنِ آنِفاً (3)).
رَزِيْنٌ: هُوَ ابْنُ حَبِيْبٍ، وَثَّقهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ؛
سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُوْلُ:
سَمِعْتُ الجِنَّ يَبكِيْنَ عَلَى حُسَيْنٍ، وَتَنُوحُ
عَلَيْهِ (4).
سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ ثَابِتٍ،
حَدَّثَنَا حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ:
أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ سَمِعَتْ نَوْحَ الجِنِّ عَلَى
الحُسَيْنِ (5) .
عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ،
عَنْ أَبِي جَنَابٍ الكَلْبِيِّ، قَالَ:
أَتيْتُ كَرْبَلاَءَ، فَقُلْتُ لِرَجُلٍ مِنْ أَشْرَافِ
العَربِ: بَلَغَنِي أَنَّكُم تَسْمَعُوْنَ نَوْحَ الجِنِّ!
قَالَ: مَا تَلْقَى حُرّاً وَلاَ عَبْداً إِلاَّ أَخبَرَكَ
أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ.
قُلْتُ: فَمَا سَمِعْتَ أَنْتَ؟ قَالَ: سَمِعتُهُم
يَقُوْلُوْنَ:
__________
(1) انظر " الطبري " 5 / 463.
(2) لا يصح، فيه من لايعرف.
(3) أخرجه الترمذي (3771) في المناقب، وسلمى لا تعرف وباقى
رجاله ثقات.
(4) " معجم الطبراني " (2867) ورجاله رجال الصحيح كما قال
الهيثمي 9 / 199.
(5) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 344.
(3/316)
مَسَحَ الرَّسولُ جَبِينَهُ ... فَلَهُ
بَرِيقٌ فِي الخُدُوْدِ
أَبَوَاهُ مِنْ عَلْيَا قُرَيْ* ـ ... ـشٍ وَجَدُّهُ خَيرُ
الجُدُوْدِ (1)
مُحَمَّدُ بنُ جَرِيرٍ: حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ،
حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ حَبِيْبٍ، قَالَ:
لَمَّا قَتَلَ عُبَيْدُ اللهِ الحُسَيْنَ وَأَهْلَهُ،
بَعثَ بِرُؤُوْسِهِم إِلَى يَزِيْدَ، فَسُرَّ بِقَتْلِهِم
أَوَّلاً؛ ثُمَّ لَمْ يَلبَثْ حَتَّى نَدِمَ عَلَى
قَتْلِهِم، فَكَانَ يَقُوْلُ: وَمَا عَلَيَّ لَوِ
احتَمَلْتُ الأَذَى، وَأَنْزَلتُ الحُسَيْنَ مَعِي،
وَحَكَّمْتُه فِيمَا يُرِيْدُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيَّ فِي
ذَلِكَ وَهَنٌ، حِفْظاً لِرَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِعَايَةً لِحَقِّهِ، لَعَنَ اللهُ
ابْنَ مَرْجَانَةَ - يَعْنِي: عُبَيْدَ اللهِ - فَإِنَّهُ
أَحْرَجَهُ، وَاضْطَرَّهُ، وَقَدْ كَانَ سَأَلَ أَنْ
يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ حَيْثُ أَقبَلَ،
أَوْ يَأْتِيَنِي، فَيَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِي، أَوْ
يَلحَقَ بِثَغْرٍ مِنَ الثُّغُورِ، فَأَبَى ذَلِكَ
عَلَيْهِ، وَقَتلَهُ، فَأَبغَضَنِي بِقَتْلِهِ
المُسْلِمُوْنَ، وَزَرَعَ لِي فِي قُلُوْبِهِمُ
العَدَاوَةَ.
جَرِيرٌ: عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ:
تَغوَّطَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ عَلَى قَبْرِ
الحُسَيْنِ، فَأَصَابَ أَهْلَ ذَلِكَ البَيْتِ خَبَلٌ،
وَجُنُوْنٌ، وَبَرَصٌ، وَفَقْرٌ، وَجُذَامٌ (2) .
قَالَ هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ: لَمَّا أُجرِيَ المَاءُ
عَلَى قَبْرِ الحُسَيْنِ، انْمَحَى أَثَرُ القَبْرِ،
فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَتَتَبَّعَهُ، حَتَّى وَقعَ عَلَى
أَثَرِ القَبْرِ، فَبَكَى، وَقَالَ:
أَرَادُوا لِيُخْفُوا قَبْرَهُ عَنْ عَدُوِّهِ ...
فَطِيْبُ تُرَابِ القَبْرِ دَلَّ عَلَى القَبْرِ
سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قُتلَ عَلِيٌّ وَهُوَ
__________
(1) " معجم الطبراني " (2865) و(2866) قال الهيثمي في "
المجمع " 9 / 199: وفيه من لم أعرفه، وأبو جناب مدلس، وهو
في " تهذيب ابن عساكر " 4 / 344، و" البداية "
8 / 200.
(2) " معجم الطبراني " (2860) ورجاله ثقات، و" ابن عساكر "
4 / 345، و" البداية " 8 / 203.
(3/317)
ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، وَمَاتَ لَهَا
حَسَنٌ، وَقُتِلَ لَهَا حُسَيْنٌ (1) .
قُلْتُ: قَوْلُهُ: مَاتَ لَهَا حَسَنٌ: خَطَأٌ، بَلْ عَاشَ
سَبْعاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ الجَمَاعَةُ: مَاتَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، سَنَةَ
إِحْدَى وَسِتِّيْنَ.
زَادَ بَعضُهُم: يَوْمَ السَّبتِ.
وَقِيْلَ: يَوْمَ الجُمُعَةِ.
وَقِيْلَ: يَوْمَ الاثْنَيْنِ.
وَمَوْلِدُهُ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ
الهِجْرَةِ.
عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ، وَآخرُ ثِقَةٌ: عَنْ
شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَتَاهَا قَتْلُ
الحُسَيْنِ، فَقَالَتْ: قَدْ فَعلُوْهَا؟! مَلأَ اللهُ
بُيُوتَهُم وَقُبُورَهُم نَاراً.
وَوَقَعَتْ مَغْشِيَّةً عَلَيْهَا، فَقُمْنَا.
وَنَقَلَ: الزُّبَيْرُ لِسُلَيْمَانَ بنِ قَتَّةَ (2) ،
يَرْثِي الحُسَيْنَ:
وَإِنَّ قَتِيْلَ الطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... أَذَلَّ
رِقَاباً مِنْ قُرَيْشٍ فَذَلَّتِ
فَإِنْ يُتْبِعُوْهُ عَائِذَ البَيْتِ يُصْبِحُوا ...
كَعَادٍ تَعَمَّتْ عَنْ هُدَاهَا فَضَلَّتِ
مَررْتُ عَلَى أَبْيَاتِ آلِ مُحَمَّدٍ ...
فَأَلْفَيْتُهَا أَمْثَالَهَا حِيْنَ حَلَّتِ (3)
__________
(1) " الطبراني " (2784).
(2) بفتح القاف ومثناة من فوق مشددة كما ضبطه ابن ناصر
الدين في " توضيح المشتبه " ورقة 215، وابن حجر في " تبصير
المنتبه " 3 / 1122، وابن الجزري في " طبقات القراء " 1 /
314، وقد تصحف في " تعجيل المنفعة " إلى " قنة "، وهو
سليمان بن قتة التيمي مولاهم البصري، روى عن ابن عباس،
وعمرو بن العاص وغيرهما، روى عنه موسى بن أبي عائشة وغيره،
وكان فارسا شاعرا، قال ابن الجزري: عرض القرآن على ابن
عباس ثلاث عرضات، وعرض عليه عاصم الجحدري، مترجم في "
تاريخ البخاري " 4 / 32، و" الجرح والتعديل " 4 / 136.
والأبيات منسوبة له في " الاستيعاب " 1 / 379، و" البداية
" 8 / 211، و" تهذيب ابن عساكر " 4 / 345، 346، والأول
والثالث والرابع والخامس منها في " حماسة أبي تمام " 2 /
961، 962 بشرح المرزوقي.
ونسبه ياقوت الحموي إلى أبي دهبل، ولم يتابع على ذلك.
(3) رواية الشطر الثاني في " الحماسة ": فلم أرها أمثالها
يوم حلت قال المرزوقي: يريد أنه قد ظهر عليها من آثار
الفجع والمصيبة ما صارت له دهشا، =
(3/318)
وَكَانُوا لَنَا غُنْماً، فَعَادُوا
رَزِيَّةً ... لَقَدْ عَظُمَتْ تِلْكَ الرَّزَايَا
وَجَلَّتِ
فَلاَ يُبْعِدِ اللهُ الدِّيَارَ وَأَهْلَهَا ... وَإِنْ
أَصْبَحَتْ مِنْهُم بِرَغْمِي تَخَلَّتِ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الأَرْضَ أَضْحَتْ مَرِيضَةً ...
لِفَقْدِ حُسَيْنٍ وَالبلاَدُ اقْشَعَرَّتِ
قَوْلُهُ: أَذَلَّ رِقَاباً؛ أَي: لاَ يَرِعُوْنَ عَنْ
قَتْلِ قُرَشِيٍّ بَعْدَهُ.
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبِي حَمْزَةُ بنُ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيُّ،
قَالَ:
رَأَيْتُ امْرَأَةً مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ
وَأَعْقَلِهِنَّ، يُقَالُ لَهَا: رَيَّا؛ حَاضِنَةُ
يَزِيْدَ - يُقَالَ: بلَغَتْ مائَةَ سَنَةٍ - قَالَتْ:
دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى يَزِيْدَ، فَقَالَ: أَبْشِرْ، فَقَدْ
أَمْكَنَكَ اللهُ مِنَ الحُسَيْنِ.
وَجِيْءَ بِرَأْسِهِ، قَالَ: فَوُضِعَ فِي طِسْتٍ،
فَأَمَرَ الغُلاَمَ، فَكَشَفَ، فَحِيْنَ رَآهُ، خَمَّرَ
وَجْهَهُ، كَأَنَّهُ شَمَّ مِنْهُ.
فَقُلْتُ لَهَا: أَقَرَعَ ثَنَايَاهُ بِقَضِيبٍ؟
قَالَتْ: إِيْ وَاللهِ.
ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعضُ أَهْلِنَا:
أَنَّهُ رَأَى رَأْسَ الحُسَيْنِ مَصْلُوْباً بِدِمَشْقَ
ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
وَحَدَّثَتْنِي رَيَّا: أَنَّ الرَّأْسَ مَكثَ فِي
خَزَائِنِ السِّلاَحِ حَتَّى وَلِيَ سُلَيْمَانُ،
فَبَعَثَ، فَجِيْءَ بِهِ، وَقَدْ بَقِيَ عَظْماً أَبْيَضَ،
فَجَعَلَهُ فِي سَفَطٍ، وَطَيَّبَهُ، وَكَفَّنَهُ،
وَدفَنَهُ فِي مَقَابرِ المُسْلِمِيْنَ.
فَلَمَّا دَخَلَتِ المُسَوِّدَةُ، سَأَلُوا عَنْ مَوْضِعِ
الرَّأْسِ، فَنَبَشُوهُ، وَأَخَذُوهُ، فَاللهُ أَعْلَمُ
مَا صُنِعَ بِهِ.
وَذَكَرَ باقِي الحِكَايَةِ وَهِيَ قَوِيَّةُ الإِسْنَادِ.
يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ:
أَبَى الحُسَيْنُ أَنْ يَسْتَأسِرَ حَتَّى قُتلَ
بِالطَّفِّ، وَانْطَلَقُوا بِبَنِيْهِ: عَلِيٍّ،
وَفَاطِمَةَ، وَسُكَيْنَةَ إِلَى يَزِيْدَ، فَجَعَلَ
سُكَيْنَةَ خَلْفَ سَرِيْرِهِ، لِئَلاَّ تَرَى رَأْسَ
أَبِيْهَا، وَعَلِيٌّ فِي غِلٍّ، فَضَربَ عَلَى
ثَنِيَّتَيِ
__________
= فحالها في ظهور الجزع عليها ليست كحالها في السرور أيام
حلوها.
(3/319)
الحُسَيْنِ، وَتَمثَّلَ بِذَاكَ البَيْتِ.
فَقَالَ عَلِيٌّ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيْبَةٍ فِي
الأَرْضِ...} [الحَدِيْدُ: 22]، الآيَةَ.
فَثَقُلَ عَلَى يَزِيْدَ أَنْ تَمثَّلَ بِبَيْتٍ، وَتَلاَ
عَلِيٌّ آيَةً، فَقَالَ: بَلْ: {بِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِيَكُم} [الشُّوْرَى: 30].
فَقَالَ: أَمَا -وَاللهِ - لَوْ رَآنَا رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأَحَبَّ أَنْ
يُخَلِّيَنَا.
قَالَ: صَدَقْتَ، فَخَلُّوهُم.
قَالَ: وَلَوْ وَقَفْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ، لأَحَبَّ أَنْ
يُقَرِّبَنَا.
قَالَ: صَدَقْتَ، قَرِّبُوْهُم.
فَجَعَلَتْ سُكَيْنَةُ وَفَاطِمَةُ تَتَطَاوَلاَنِ
لِتَرَيَا الرَّأْسَ، وَبَقِيَ يَزِيْدُ يَتَطَاوَلُ فِي
مَجْلسِهِ لِيَستُرَهُ عَنْهُمَا.
ثُمَّ أَمرَ لَهُم بِجَهَازٍ، وَأَصْلَحَ آلَتَهُم،
وَخَرجُوا إِلَى المَدِيْنَةِ (1) .
كَثِيْرُ بنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ،
عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ:
لَمَّا أُتِيَ يَزِيْدُ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ، جَعَلَ
يَنكُتُ سِنَّهُ، وَيَقُوْلُ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَبَا
عَبْدِ اللهِ بَلغَ هَذَا السِّنَّ.
وَإِذَا لِحْيَتُهُ وَرَأْسُهُ قَدْ نَصَلَ مِنَ
الخِضَابِ.
وَمِمَّنْ قُتلَ مَعَ الحُسَيْنِ: أُخُوَّته الأَرْبَعَةُ؛
جَعْفَرٌ، وَعَتِيْقٌ، وَمُحَمَّدٌ، وَالعَبَّاسُ
الأَكْبَرُ، وَابْنُهُ الكَبِيْرُ عَلِيٌّ، وَابْنُهُ
عَبْدُ اللهِ، وَكَانَ ابْنُهُ عَلِيٌّ زِينُ
العَابِدِيْنَ مَرِيضاً، فَسَلِمَ، وَكَانَ يَزِيْدُ
يُكرِمُهُ وَيَرعَاهُ.
وَقُتِلَ مَعَ الحُسَيْنِ: ابْنُ أَخِيْهِ؛ القَاسِمُ بنُ
الحَسَنِ، وَعَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنَا
مُسْلِمِ بنِ عَقِيْلِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمُحَمَّدٌ
وَعَوْنٌ ابْنَا عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بن أَبِي
طَالِبٍ.
المَدَائِنِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ
عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ،
عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قُتلَ الحُسَيْنُ، وَأُدخِلْنَا الكُوْفَةَ، فَلَقِيَنَا
رَجُلٌ، فَأَدْخَلَنَا مَنْزِلَهُ، فَأَلْحَفَنَا،
فَنِمْتُ، فَلَمْ أَسْتيقِظْ إِلاَّ بِحِسِّ الخَيلِ فِي
الأَزِقَّةِ، فَحُمِلْنَا إِلَى يَزِيْدَ، فَدمعَتْ
عَينُهُ حِيْنَ رَآنَا، وَأَعْطَانَا مَا شِئْنَا،
وَقَالَ: إِنَّهُ سَيَكُوْنُ فِي قَوْمِكَ أُمُوْرٌ، فَلاَ
تَدْخُلْ مَعَهُم.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الحَرَّةِ مَا كَانَ؛ كَتَبَ
__________
(1) الطبراني (2806).
(3/320)
مَعَ مُسْلِمِ بنِ عُقْبَةَ بِأَمَانِي،
فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ القِتَالِ مُسْلِمٌ، بَعثَ إِلَيَّ،
فَجِئْتُهُ، فَرَمَى إِلَيَّ بِالكِتَابِ، وَإِذَا فِيْهِ:
اسْتوصِ بعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ خَيراً، وَإِنْ دَخَلَ
مَعَهُم فِي أَمرِهِم، فَأَمِّنْهُ، وَاعْفُ عَنْهُ،
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُم، فَقَدْ أَصَابَ وَأَحْسَنَ.
فَأَولاَدُ الحُسَيْنِ هُمْ: عَلِيٌّ الأَكْبَرُ الَّذِي
قُتِلَ مَعَ أَبِيْهِ، وَعَلِيٌّ زِينُ العَابِديْنَ،
وَذُرِّيَتُهُ عَدَدٌ كَثِيْرٌ، وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ
اللهِ، وَلَمْ يُعْقِبَا.
فَوُلِدَ لِزَيْنِ العَابِدِيْنَ: الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ
مَاتَا صَغِيْرَيْنِ، وَمُحَمَّدٌ البَاقِرُ، وَعَبْدُ
اللهِ، وَزَيْدٌ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَمُحَمَّدٌ
الأَوْسَطُ وَلَمْ يُعْقِبْ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ،
وَحُسَيْنٌ الصَّغِيْرُ، وَالقَاسِمُ وَلَمْ يُعْقِبْ.
49 - عَبْدُ اللهِ بنُ حَنْظَلَةَ الغَسِيْلِ
الأَنْصَارِيُّ * (د)
ابْنِ أَبِي عَامِرٍ الرَّاهبِ عَبْدِ عَمْرٍو بنِ
صَيفِيِّ بنِ النُّعْمَانِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ، المَدَنِيُّ، مِنْ صِغَارِ
الصَّحَابَةِ.
استُشْهِدَ أَبُوْهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَغَسَّلَتْهُ
الملاَئِكَةُ لِكَوْنِهِ جُنُباً (1) ، فَلَو غُسِّلَ
__________
(*) طبقات ابن سعد 5 / 65، طبقات خليفة: ت 2023، المحبر
403، 424، التاريخ الكبير 5 / 68، المعرفة والتاريخ 1 /
263، الجرح والتعديل 5 / 29، الاستيعاب: 892، تاريخ ابن
عساكر 9 / 74 آ، أسد الغابة 3 / 218، تهذيب الكمال: 676،
تاريخ الإسلام 3 / 28، تذهيب التهذيب 2 / 139 ب، الإصابة 2
/ 299، تهذيب التهذيب 5 / 193، خلاصة تذهيب الكمال: 165.
(1) أخرج الحاكم في " المستدرك " 3 / 204، 205، والبيهقي 4
/ 15 من طريق ابن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله،
عن أبيه، عن جده رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول عند قتل حنظلة بن أبي عامر...: " إن
صاحبكم تغسله الملائكة " فسألوا صاحبته، فقالت: إنه خرج
لما سمع الهائعة وهو جنب، فقال رسول الله صلى الله عيله
وسلم: " لذلك غسلته الملائكة " وهذا سند جيد، وصححه
الحاكم، وأقره الذهبي، وله شاهد من حديث ابن عباس عند
الطبراني بسند حسن، كما قال الهيثمي في " المجمع " 3 / 23.
(3/321)
الشَّهِيْدُ الَّذِي يَكُوْنُ جُنُباً
اسْتِدْلاَلاً بِهَذَا، لَكَانَ حَسَناً.
حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللهِ: عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ
الخَطْمِيُّ - رَفِيقُهُ - وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ،
وَضَمْضَمُ بنُ جَوْسٍ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ زَيْدٍ
العَدَوِيَّةُ.
وَقَدْ رَوَى أَيْضاً عَنْ: عُمَرَ، وَعَنْ كَعْبِ
الأَحْبَارِ.
وَكَانَ رَأْسَ الثَّائِرِيْنَ عَلَى يَزِيْدَ نَوْبَةَ
الحَرَّةِ (1) .
وَقَدْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَطُوْفُ بِالبَيْتِ عَلَى نَاقَةٍ.
إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَهُوَ: ابْنُ جَمِيْلَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللهِ بنِ أُبَيِّ
ابْنِ سَلُوْلٍ.
وَفَدَ فِي بَنِيْهِ الثَّمَانِيَةِ عَلَى يَزِيْدَ،
فَأَعْطَاهُم مائَتَيْ أَلْفٍ وَخِلَعاً؛ فَلَمَّا رَجَعَ،
قَالَ لَهُ كُبَرَاءُ المَدِيْنَةِ: مَا وَرَاءكَ؟
قَالَ: جِئْتُ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ لَوْ لَمْ أَجِدْ إِلاَّ
بَنِيَّ، لَجَاهَدتُهُ بِهِم.
قَالُوا: إِنَّهُ أَكْرَمَكَ وَأَعْطَاكَ!
قَالَ: وَمَا قَبْلتُ إِلاَّ لأَتَقَوَّى بِهِ عَلَيْهِ.
وَحَضَّ النَّاسَ فَبَايَعُوْهُ، وَأُمِّرَ عَلَى
الأَنْصَارِ، وَأُمِّرَ عَلَى قُرَيْشٍ عَبْدُ اللهِ بنُ
مُطِيْعٍ العَدَوِيُّ، وَعَلَى بَاقِي المُهَاجِرِيْنَ
مَعْقِلُ بنُ سِنَانٍ الأَشْجَعِيُّ، وَنَفَوْا بَنِي
أُمَيَّةَ (2) .
فَجَهَّزَ يَزِيْدُ لَهُم جَيْشاً، عَلَيْهِم مُسْلِمُ بنُ
عُقْبَةَ - وَيُدْعَى: مُسْرِفاً المُرِّيَّ - فِي اثْنَيْ
عَشَرَ أَلْفاً، فَكلَّمَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ فِي
أَهْلِ المَدِيْنَةِ، فَقَالَ:
دَعْنِي أَشْتَفِي؛ لَكنِّي آمُرُ مُسْلِمَ بنَ عُقْبَةَ
أَنْ يَتَّخذَ المَدِيْنَةَ طَرِيقَهُ إِلَى مَكَّةَ،
فَإِنْ هُم لَمْ يُحَارِبُوهُ وَتَركُوهُ، فَيَمْضِيَ
لِحَرْبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِنْ حَاربُوْهُ
قَاتَلَهُم، فَإِنْ نُصِرَ قَتَلَ، وَأَنْهَبَ
المَدِيْنَةَ ثَلاَثاً، ثُمَّ يَمضِي إِلَى ابْنِ
الزُّبَيْرِ.
__________
(1) الحرة: كل أرض ذات حجارة سود، وأكثر الحرار حول مدينة
الرسول صلى الله عليه وسلم، والمراد بالحرة هنا: حرة واقم،
وهي الشرفية من حرتي المدينة، كانت فيها الوقعة سنة 63 ه
بين أهل المدينة وأهل الشام.
انظر خبرها في " تاريخ الطبري " 5 / 482، 495، و" ابن
الأثير " 4 / 111، 121، و" ابن كثير " 8 / 217.
(2) " تاريخ خليفة ": 237.
(3/322)
وَكَتَبَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ
إِلَيْهِم لِيَكُفُّوا، فَقَدِمَ مُسْلِمٌ، فَحَارَبُوْهُ،
وَنَالُوا مِنْ يَزِيْدَ، فَأَوقَعَ بِهِم، وَأَنْهَبَهَا
ثَلاَثاً، وَسَارَ، فَمَاتَ بِالشَّلَلِ، وَعَهِدَ إِلَى
حُصَيْنِ بنِ نُمَيْرٍ فِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعٍ
وَسِتِّيْنَ، وَذَمَّهُمُ ابْنُ عُمَرَ عَلَى شَقِّ
العَصَا.
قَالَ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ: دخلَ ابْنُ مُطِيْعٍ عَلَى
ابْنِ عُمَرَ لَيَالِيَ الحَرَّةِ؛ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (مَنْ نَزَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ
لَمْ يَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ (1)).
قَالَ المَدَائِنِيُّ: تَوجَّهَ إِلَيْهِم مُسْلِمُ بنُ
عُقْبَةَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، وَأَنفَقَ فِيْهم
يَزِيْدُ فِي الرَّجُلِ أَرْبَعِيْنَ دِيْنَاراً.
فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ: وَجِّهْنِي،
أَكْفِكَ.
قَالَ: لاَ، لَيْسَ لَهُم إِلاَّ هَذَا الغُشَمَةُ؛
وَاللهِ لاَ أُقِيلُهُم بَعْد إِحْسَانِي إِلَيْهِم،
وَعَفْوِي عَنْهُم مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ.
فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ
فِي عَشيْرَتِكَ، وَأَنْصَارِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَكَلَّمَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، فَقَالَ: إِنْ
رَجَعُوا فَلاَ سَبِيلَ عَلَيْهِم، فَادْعُهُم يَا
مُسْلِمُ ثَلاَثاً، وَامضِ إِلَى المُلْحِدِ ابْنِ
الزُّبَيْرِ.
قَالَ: وَاسْتَوصِ بِعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ خَيراً.
جَرِيرٌ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ:
وَاللهِ مَا كَادَ يَنجُو مِنْهُم أَحَدٌ، لَقَدْ قُتلَ
وَلَدَا زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ (2) .
قَالَ مُغِيْرَةُ بنُ مِقْسَمٍ: أَنْهبَ مُسْرِفُ بنُ
عُقْبَةَ المَدِيْنَةَ ثَلاَثاً، وَافْتُضَّ بِهَا أَلْفُ
عَذْرَاءَ.
قَالَ السَّائِبُ بنُ خَلاَّدٍ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (مَنْ أَخَافَ أَهْلَ
__________
(1) أخرجه أحمد في " مسنده " 2 / 70 و83 و97 و123 و133
و154 من طرق عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر، وهذا سند
صحيح.
(2) " تاريخ خليفة ": 239.
(3/323)
المَدِيْنَةِ، أَخَافَهُ اللهُ، وَعَلَيْهِ
لَعنَةُ اللهِ (1)).
رَوَاهُ: مُسْلِمُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَجَمَاعَةٌ، عَنْ
عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْهُ.
وَرَوَى: جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ، عَنْ أَشْيَاخِهِ،
قَالُوا:
خَرَجَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ يَوْمَ الحَرَّةِ بِجُمُوعٍ
وَهَيْئَةٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا، فَلَمَّا رَآهُم عَسكَرُ
الشَّامِ، كَرِهُوا قِتَالَهُم؛ فَأَمَرَ مُسْرِفٌ
بِسَرِيرِهِ، فَوُضِعَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَنَادَى
مُنَادِيْهِ: قَاتِلُوا عَنِّي، أَوْ دَعُوا.
فَشَدُّوا، فَسَمِعُوا التَّكَبِيْرَ خَلفَهُم مِنَ
المَدِيْنَةِ، وَأَقَحَمَ عَلَيْهِم بَنُو حَارِثَةَ،
فَانْهَزَمَ النَّاسُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الغَسِيْلِ
مُتَسَانِدٌ إِلَى ابْنِهِ نَائِمٌ، فَنَبَّهَهُ، فَلَمَّا
رَأَى مَا جَرَى، أَمَرَ أَكْبَرَ بَنِيْهِ، فَقَاتَلَ
حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُقدِّمُهُمْ وَاحِداً
وَاحِداً حَتَّى قُتِلُوا، وَكَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ،
وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ (2) .
وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادٍ، قَالَ:
لَمَّا وَثَبَ أَهْلُ الحَرَّةَ، وَأَخْرَجُوا بَنِي
أُمَيَّةَ مِنَ المَدِيْنَةِ، بَايَعُوا ابْنَ الغَسِيْلِ
عَلَى المَوْتِ، فَقَالَ:
يَا قَوْمُ! وَاللهِ مَا خَرَجْنَا حَتَّى خِفْنَا أَنْ
نُرجَمَ مِنَ السَّمَاءِ، رَجُلٌ يَنْكِحُ أُمَّهَاتِ
الأَولاَدِ، وَالبَنَاتِ، وَالأَخَوَاتِ، وَيَشرَبُ
الخَمْرَ، وَيَدَعُ الصَّلاَةَ.
قَالَ: وَكَانَ يَبِيتُ تِلْكَ اللَّيَالِي فِي
المَسْجَدِ، وَمَا يَزِيْدُ فِي إِفطَارِهِ عَلَى شَربَةِ
سَوِيْقٍ، وَيَصُومُ الدَّهْرَ، وَلاَ يَرفعُ رَأْسَهُ
إِلَى السَّمَاءِ؛ فَخَطَبَ، وَحَرَّضَ عَلَى القِتَالِ،
وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا بِكَ وَاثقُوْنَ.
فَقَاتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ، وَكَبَّرَ أَهْلُ الشَّامِ،
وَدُخِلَتِ المَدِيْنَةُ مِنَ النَّوَاحِي كُلِّهَا،
وَقُتِلَ النَّاسُ، وَبَقِيَ لِوَاءُ ابْنِ الغَسِيْلِ مَا
حَوْلَهُ خَمْسَةٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، رَمَى
دِرْعَهُ، وَقَاتَلَهُم حَاسِراً حَتَّى قُتِلَ، فَوَقَفَ
عَلَيْهِ مَرْوَانُ وَهُوَ مَادٌّ إِصْبَعَهُ
السَّبَّابَةَ؛ فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ، لَئِنْ
نَصَبْتَهَا
__________
(1) وتمامه " والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه
يوم القيامة صرفا ولا عدلا " أخرجه أحمد 4 / 55 و56،
وإسناده صحيح، ونسبه الحافظ في " الإصابة " إلى النسائي،
وفي الباب عن جابر بن عبد الله، عند ابن حبان (1039).
(2) " تاريخ خليفة ": 238، و" ابن عساكر " 9 / 77 آ.
(3/324)
مَيِّتاً، لَطَالَمَا نَصَبْتَهَا (1)
حَيّاً.
قَالَ أَبُو هَارُوْنَ العَبْدِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا
سَعِيْدٍ الخُدْرِيَّ مُمَعَّطَ اللِّحْيَةِ، فَقَالَ:
هَذَا مَا لَقِيتُ مِنْ ظَلَمَةِ أَهْلِ الشَّامِ،
أَخَذُوا مَا فِي البَيْتِ، ثُمَّ دَخَلَتْ طَائِفَةٌ،
فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئاً، فَأَسِفُوا، وَأَضْجَعُوْنِي،
فَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُم يَأخُذُ مِنْ لِحْيَتِي
خُصْلَةً.
قَالَ خَلِيْفَةُ: أُصِيْبَ مِنْ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ
يَوْمَئِذٍ ثَلاَثُ مائَةٍ وَسِتَّةُ رِجَالٍ، ثُمَّ
سَمَّاهُم (2) .
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، قَالَ:
مَا خَرَجَ فِيْهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ،
لَزِمُوا بُيُوْتَهُم، وَسَأَلَ مُسْرِفٌ عَنْ أَبِي،
فَجَاءهُ وَمَعَهُ ابْنَا مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ،
فَرَحَّبَ بِأَبِي، وَأَوْسَعَ لَهُ، وَقَالَ: إِنَّ
أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَوْصَانِي بِكَ.
كَانَتِ الوَقْعَةُ لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنْ ذِي
الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ، وَأُصِيْبَ
يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدِ بنِ عَاصِمٍ حَاكِي
وُضُوءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَمَعْقِلُ بنُ سِنَانٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أُبَيِّ بنِ
كَعْبٍ، وَعِدَّةٌ مِنْ أَوْلاَدِ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ،
وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ صَبْراً.
وَعَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، قَالَ:
قُتِلَ يَوْمَ الحَرَّةِ مِنْ حَمَلَةِ القُرْآنِ سَبْعُ
مائَةٍ.
قُلْتُ: فَلَمَّا جَرَتْ هَذِهِ الكَائِنَةُ، اشتَدَّ
بُغْضُ النَّاسِ لِيَزِيْدَ مَعَ فِعْلِهِ بِالحُسَيْنِ
وَآلِهِ، وَمَعَ قِلَّةِ دِيْنِهِ؛ فَخَرَجَ عَلَيْهِ
أَبُو بِلاَلٍ مِرْدَاسُ بنُ أُدَيَّةَ الحَنْظَلِيُّ،
وَخَرَجَ نَافِعُ بنُ الأَزْرَقِ، وَخَرَجَ طَوَّافٌ
السَّدُوْسِيُّ، فَمَا أَمْهَلَهُ اللهُ، وَهَلَكَ بَعْدَ
نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ يَوْماً.
__________
(1) تحرفت الجملة في المطبوع إلى " لئن يصبها ميتا، لطالما
يصيبها حيا " والخبر أورده ابن عساكر مطولا 9 / 77 ب، 78
آ.
(2) " تاريخ خليفة ": 240، 250.
(3/325)
50 - سَلَمَةُ ابْنُ الأَكْوَعِ سِنَانِ
بنِ عَبْدِ اللهِ الأَسْلَمِيُّ * (ع)
هُوَ: سَلَمَةُ بنُ عَمْرِو بنِ الأَكْوَعِ، وَاسمُ
الأَكْوَعِ: سِنَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَبُو عَامِرٍ،
وَأَبُو مُسْلِمٍ.
وَيُقَالُ: أَبُو إِيَاسٍ الأَسْلَمِيُّ، الحِجَازِيُّ،
المَدَنِيُّ.
قِيْلَ: شَهِدَ (1) مُؤْتَةَ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ
الرُّضْوَانِ.
رَوَى: عِدَّةَ أَحَادِيْثَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ إِيَاسٌ، وَمَوْلاَهُ؛ يَزِيْدُ
بنُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ
اللهِ بنِ كَعْبٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ
الحَنَفِيَّةِ، وَيَزِيْدُ بنُ خُصَيْفَةَ.
قَالَ مَوْلاَهُ يَزِيْدُ: رَأَيْتُ سَلَمَةَ يُصَفِّرُ
لِحْيَتَهُ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: بَايَعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى المَوْتِ، وَغَزَوتُ
مَعَهُ سَبْعَ غَزَوَاتٍ.
__________
(*) طبقات ابن سعد 4 / 305، طبقات خليفة: ت 689، المحبر:
119، 289، التاريخ الكبير 4 / 69، المعارف: 323، المعرفة
والتاريخ 1 / 336، مشاهير علماء الأمصار: ت 80، المستدرك 3
/ 562، جمهرة أنساب العرب: 240، الاستيعاب: 639، الجمع بين
رجال الصحيحين 1 / 190، تاريخ ابن عساكر 7 / 245 آ، أسد
الغابة 2 / 423، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 229، تهذيب
الكمال: 525، تاريخ الإسلام 3 / 158، العبر 1 / 84، الوافي
بالوفيات 15 / 321، البداية والنهاية 9 / 6، الإصابة 2 /
66، مجمع الزوائد 9 / 363، تهذيب التهذيب 4 / 150، معجم
الطبراني 7 / 5، 41، خلاصة تذهيب الكمال: 126، شذرات الذهب
1 / 81، تهذيب ابن عساكر 6 / 232.
(1) تحرفت الجملة في المطبوع إلى " قتل شهيد ".
(2) أخرج البخاري 7 / 346 في المغازي: باب غزوة الحديبية،
ومسلم (1860) في الامارة، والترمذي (1952) والنسائي 7 /
141 عن يزيد بن أبي عبيد قال: قلت لسلمة: على أي شيء
بايعتم رسول الله يوم الحديبية ؟ قال: على الموت، وأخرج
البخاري 7 / 399، ومسلم (1815) وابن سعد 4 / 305 من طريق
يزيد بن أبي عبيد قال: سمعت سلمة يقول: غزوت مع النبي صلى
الله عليه وسلم سبع غزوات، فذكر خيبر، والحديبية، ويوم
حنين، ويوم القرد، قال يزيد: ونسيت بقيتها.
(3/326)
ابْنُ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ
بنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيْهِ،
قَالَ:
بَيَّتْنَا هَوَازِنَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ،
فَقَتَلْتُ بِيَدي لَيْلَتَئِذٍ سَبْعَةَ أَهْلِ أَبيَاتٍ
(1) .
عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا إِيَاسٌ، عَنْ
أَبِيْهِ، قَالَ:
خَرَجْتُ أَنَا وَرَبَاحٌ غُلاَمُ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِظَهْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَرَجْتُ بِفَرسٍ
لِطَلْحَةَ (2) ، فَأَغَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
عُيَيْنَةَ عَلَى الإِبِلِ، فَقَتلَ رَاعِيْهَا، وَطَرَدَ
الإِبِلَ هُوَ وَأَنَاسٌ مَعَهُ فِي خَيْلٍ، فَقُلْتُ:
يَا رَبَاحُ! اقعُدْ عَلَى هَذَا الفَرَسِ، فَألْحِقْهُ
بِطَلْحَةَ، وَأَعْلِمْ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقُمْتُ عَلَى تَلٍّ، ثُمَّ نَادَيْتُ ثَلاَثاً: يَا
صَبَاحَاهُ! وَاتَّبَعْتُ القَوْمَ، فَجَعَلْتُ
أَرْمِيهِم، وَأَعْقِرُ بِهِم، وَذَلِكَ حِيْنَ يَكْثُرُ
الشَّجَرُ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ، قَعَدْتُ لَهُ
فِي أَصلِ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَمَيْتُهُ، وَجَعَلْتُ
أَرمِيْهِم، وَأَقُوْلُ:
أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ ... وَاليَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ
وَأَصَبتُ رَجُلاً بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَكُنْتُ إِذَا
تَضَايَقَتِ الثَّنَايَا، عَلَوْتُ الجَبلَ، فَرَدَأْتُهُم
بِالحِجَارَةِ، فَمَا زَالَ ذَلِكَ شَأْنِي وَشَأْنُهُم
حَتَّى مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ ظَهْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلاَّ خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ
ظَهْرِي، وَاسْتَنْقَذْتُهُ.
ثُمَّ لَمْ أَزَلْ أَرْمِيْهِم حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ
مِنْ ثَلاَثِيْنَ رُمْحاً، وَأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ
بُرْدَةً يَسْتَخِفُّونَ مِنْهَا، وَلاَ يُلْقُوْنَ
شَيْئاً إِلاَّ جَعَلْتُ عَلَيْهِ حِجَارَةً، وَجَمَعتُهُ
عَلَى طَرِيقِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - حَتَّى إِذَا امتَدَّ الضُّحَى، أَتَاهُم
عُيَيْنَةُ بنُ بَدْرٍ مَدَداً لَهُم، وَهُم فِي ثَنِيَّةٍ
ضَيِّقَةٍ، ثُمَّ عَلَوْتُ الجَبَلَ.
فَقَالَ عُيَيْنَةُ: مَا هَذَا؟
قَالُوا: لَقِيْنَا مِنْ هَذَا البَرْحَ، مَا فَارَقَنَا
بِسَحَرٍ
__________
(1) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 4 / 46، وأبو داود (2638)،
وابن ماجه (2840)، وابن سعد 4 / 305، وفيه عندهم: وكان
شعارنا تلك الليلة: أمت أمت.
والتبييت: الطروق ليلا على غفلة للغارة.
ومعنى " أمت ": أمر بالموت.
(2) في مسلم: وخرجت معه بفرس طلحة أنديه مع الظهر، فلما
أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري..، وفي ابن سعد: وخرجت بفرس
لطلحة بن عبيد الله كنت أريد...
(3/327)
إِلَى الآنَ، وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ
فِي أَيْدِيْنَا.
فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَوْلاَ أَنَّهُ يَرَى أَنَّ وَرَاءهُ
طَلَباً لَقَدْ تَرَكَكُمْ، لِيَقُمْ إِلَيْهِ نَفَرٌ
مِنْكُم.
فَصَعِدَ إِلَيَّ أَرْبَعَةٌ، فَلَمَّا أَسْمَعتُهُم
الصَّوتَ، قُلْتُ: أَتَعرِفُونِي؟
قَالُوا: وَمَنْ أَنْتَ؟
قُلْتُ: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ، وَالَّذِي أَكَرَمَ
وَجْهَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
لاَ يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُم فَيُدْرِكَنِي، وَلاَ
أَطْلُبُهُ فَيَفُوتَنِي.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُم: إِنِّيْ أَظُنُّ.
فَمَا بَرِحْتُ ثَمَّ، حَتَّى نَظَرتُ إِلَى فَوَارِسِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَتَخَلَّلُوْنَ الشَّجَرَ، وَإِذَا أَوَّلُهُمُ
الأَخْرَمُ الأَسَدِيُّ، وَأَبُو قَتَادَةَ،
وَالمِقْدَادُ؛ فَولَّى المُشرِكُوْنَ.
فَأَنْزِلُ، فَأَخَذتُ بِعِنَانِ فَرَسِ الأَخْرَمِ، لاَ
آمَنُ أَنْ يَقتَطِعُوكَ، فَاتَّئِدْ حَتَّى يَلْحَقَكَ
المُسْلِمُوْنَ.
فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ! إِنْ كُنْتَ تُؤمِنُ بِاللهِ
وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتَعلَمُ أَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ
وَالنَّارَ حَقٌّ، فَلاَ تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ
الشَّهَادَةِ.
فَخَلَّيتُ عِنَانَ فَرَسِهِ، وَلَحِقَ بِعَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ عُيَيْنَةَ، فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ،
فَعَقَرَ الأَخْرَمُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرَسَهُ، ثُمَّ
قَتلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَتَحوَّلَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ عَلَى فَرَسِ الأَخْرَمِ، فَيَلْحَقُ أَبُو
قَتَادَةَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَاخْتَلَفَا
طَعْنَتَيْنِ، فَعَقَرَ بِأَبِي قَتَادَةَ، فَقَتَلَهُ
أَبُو قَتَادَةَ، وَتَحوَّلَ عَلَى فَرسِهِ.
وَخَرَجْتُ أَعْدُو فِي أَثَرِ القَوْمِ حَتَّى مَا أَرَى
مِنْ غُبَارِ أَصْحَابِنَا شَيْئاً، وَيَعرِضُونَ قُبَيْلَ
المَغِيبِ إِلَى شِعْبٍ فِيْهِ مَاءٌ، يُقَالَ لَهُ: ذُو
قَرَدٍ (1) ، فَأَبْصرُوْنِي أَعْدُو وَرَاءهُم،
فَعَطَفُوا عَنْهُ، وَأَسْنَدُوا فِي الثَّنِيَّةِ،
وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَلْحَقُ رَجُلاً، فَأَرمِيْهِ؛
فَقُلْتُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ ...
وَاليَوْمَ
__________
(1) ذو قرد: ماء على ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر،
قال البخاري في " صحيحه " 7 / 352: وهي الغزوة التي أغاروا
فيها على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم قبل خيبر بثلاث.
قال الحافظ: كذا جزم به، ومستنده في ذلك حديث إياس بن سلمة
بن الاكوع، عن أبيه، فإنه قال في آخر الحديث الطويل الذي
أخرجه مسلم (1807) من طريقه، قال: فرجعنا، أي: من الغزوة
إلى المدينة، فوالله ما لبثنا بالمدينة إلا ثلاث ليال حتى
خرجنا إلى خيبر، وأما ابن سعد، فقال: 2 / 80: كانت غزوة ذي
قرد في ربيع الأول سنة ست قبل الحديبية، وقيل في جمادى
الأولى، وعن ابن إسحاق: في شعبان منها.
(3/328)
يَوْمُ الرُّضَّعِ
فَقَالَ: يَا ثُكْلَ أُمِّي، أَكْوَعِيٌّ بُكْرَةَ؟
قُلْتُ: نَعَمْ يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ.
وَكَانَ الَّذِي رَمَيتُهُ بُكْرَةَ، فَأَتْبَعتُهُ
سَهْماً آخَرَ، فَعَلِقَ بِهِ سَهمَانِ.
وَيُخَلِّفُوْنَ فَرَسَينِ، فَسُقْتُهُمَا إِلَى رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى
المَاءِ الَّذِي حَلَّيْتُهُم (1) عَنْهُ - ذُو قَرَدٍ -
وَهُوَ فِي خَمْسِ مائَةٍ، وَإِذَا بِلاَلٌ نَحَرَ
جَزُوْراً مِمَّا خَلَّفْتُ، فَهُوَ يَشوِي لِرَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ:
يَا رَسُوْلَ اللهِ! خَلِّنِي فَأَنْتَخِبَ مِنْ
أَصْحَابِكَ مائَةً، فآخُذَ عَلَيْهِم بِالعَشْوَةِ، فَلاَ
يَبْقَى مِنْهُم مُخَبِّرٌ.
قَالَ: (أَكُنْتَ فَاعِلاً يَا سَلَمَةُ؟).
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ فِي ضَوءِ النَّارِ،
ثُمَّ قَالَ: (إِنَّهُم يُقْرَوْنَ الآنَ بِأَرْضِ
غَطَفَانَ).
قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ، فَأَخبرَ أَنَّهُم مَرُّوا عَلَى
فُلاَنٍ الغَطَفَانِيِّ، فَنَحَرَ لَهُم جَزُوْراً،
فَلَمَّا أَخَذُوا يَكْشِطُونَ جِلْدَهَا، رَأَوْا
غَبْرَةً، فَهَرَبُوا.
فَلَمَّا أَصْبَحنَا، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (خَيْرُ فُرْسَانِنَا:
أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا: سَلَمَةُ).
وَأَعطَانِي سَهْمَ الرَّاجِلِ وَالفَارِسِ جَمِيْعاً،
ثُمَّ أَرْدَفَنِي وَرَاءهُ عَلَى العَضْبَاءِ رَاجِعِيْنَ
إِلَى المَدِيْنَةِ.
فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا قَرِيباً مِنْ
ضَحْوَةٍ، وَفِي القَوْمِ رَجُلٌ كَانَ لاَ يُسبَقُ، جَعلَ
يُنَادِي: أَلاَ رَجُلٌ يُسَابِقُ إِلَى المَدِيْنَةِ؟
فَأَعَادَ ذَلِكَ مِرَاراً، فَقُلْتُ: مَا تُكرِمُ
كَرِيْماً وَلاَ تَهَابُ شَرِيفاً؟
قَالَ: لاَ، إِلاَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! بِأَبِي وَأُمِّي، خَلِّنِي
أُسَابِقْهُ.
قَالَ: (إِنْ شِئْتَ).
وَقُلْتُ: امْضِ.
وَصَبَرْتُ عَلَيْهِ شَرفاً أَوْ شَرَفَيْنِ حَتَّى
اسْتبْقَيْتُ نَفسِي، ثُمَّ إِنِّيْ عَدَوْتُ حَتَّى
أَلحَقَهُ، فَأَصُكُّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَقُلْتُ:
سَبَقتُكَ وَاللهِ - أَوْ كَلمَةً نَحْوَهَا -.
فَضَحِكَ، وَقَالَ: إِنْ أَظُنُّ، حَتَّى قَدِمْنَا
المَدِيْنَةَ.
__________
(1) أي: صددتهم عنه، ومنعتهم من وروده.
(3/329)
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) مُطوَّلاً.
العَطَّافُ بنُ خَالِدٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
رَزِيْنٍ، قَالَ:
أَتَينَا سَلَمَةَ ابْنَ الأَكْوَعِ بِالرَّبَذَةِ،
فَأَخرَجَ إِلَيْنَا يَداً ضَخْمَةً، كَأَنَّهَا خُفُّ
البَعِيرِ، فَقَالَ: بَايَعتُ بِيَدِي هَذِهِ رَسُوْلَ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ: فَأَخَذْنَا يَدَهُ، فَقَبَّلْنَاهَا (2) .
الحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ يَزِيْدَ (3)
الأَسْلَمِيُّ، حَدَّثَنَا إِيَاسُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ
أَبِيْهِ، قَالَ:
أَرْدَفَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مِرَاراً، وَمَسَحَ عَلَى وَجْهِي مِرَاراً،
وَاسْتَغْفرَ لِي مِرَاراً، عَدَدَ مَا فِي يَدَيَّ مِنَ
الأَصَابِعِ (4) .
قَالَ يَزِيْدُ بنُ أَبِي عُبَيْدٍ: عَنْ سَلَمَةَ:
أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي البَدْوِ، فَأَذِنَ لَهُ (5) .
رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ)، عَنْ حَمَّادِ بنِ
مَسْعَدَةَ، عَنْهُ.
ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ زِيَادِ بنِ مِيْنَاءَ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٌ،
وَرَافِعُ بنُ خَدِيْجٍ، وَسَلَمَةُ ابْنُ الأَكْوَعِ مَعَ
أَشْبَاهٍ لَهُم يُفْتُوْنَ بِالمَدِيْنَةِ،
__________
(1) رقم (1807) في الجهاد: باب غزوة ذي قرد وغيرها، وهو في
" طبقات ابن سعد " 2 / 81، 84، و" تاريخ ابن عساكر " 7 /
248 ب، 249 أ.
(2) سنده حسن، وأخرجه ابن سعد 4 / 306 من طريق سعيد بن
منصور بهذا الإسناد،
وقد تحرف فيه، " عطاف " إلى " عكاف " وهو في " تاريخ ابن
عساكر " 7 / 249 ب.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " زيد ".
(4) أخرجه الطبراني في " معجمه " (6267) من طريق الحميدي،
وعلي بن يزيد ترجمه ابن أبي حاتم 6 / 209 فلم يذكر فيه
جرحا ولا تعديلا، ومع ذلك فقد قال الهيثمي في " المجمع " 9
/ 363: ورجاله رجال الصحيح غير علي بن يزيد بن أبي حكيمة
وهو ثقة.
وهو في " تاريخ ابن عساكر " 7 / 249 ب.
(5) أخرجه أحمد 4 / 47 و54، والبخاري 13 / 30 في الفتن:
باب التغرب في الفتنة، ومسلم (1862) والنسائي 7 / 151،
152، والطبراني (6298) وابن عساكر 7 / 250 آ.
(3/330)
وَيُحدِّثُونَ مِنْ لَدُنْ تُوُفِّيَ
عُثْمَانُ إِلَى أَنْ تُوُفُّوا (1) .
وَعَنْ عُبَادَةَ بنِ الوَلِيْدِ: أَنَّ الحَسَنَ بنَ
مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ قَالَ:
اذْهَبْ بِنَا إِلَى سَلَمَةَ ابْنِ الأَكْوَعِ،
فَلْنَسْأَلْهُ، فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِي أَصْحَابِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
القُدْمِ.
فَخَرَجْنَا نُرِيْدُهُ، فَلَقِيْنَاهُ يَقُودُهُ
قَائِدُهُ، وَكَانَ قَدْ كُفَّ بَصَرُهُ (2) .
وَعَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ:
لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، خَرَجَ سَلَمَةُ إِلَى
الرَّبَذَةِ، وَتَزَوَّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً، فَوَلَدَتْ
لَهُ أَوْلاَداً، وَقَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِلَيَالٍ، نَزَلَ
إِلَى المَدِيْنَةِ (3) .
قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ
أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ، وَحَدِيْثُه
مِنْ عَوَالِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ).
51 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ البَحْرُ أَبُو العَبَّاسِ
الهَاشِمِيُّ * (ع)
حَبْرُ الأُمَّةِ، وَفَقِيْهُ العَصْرِ، وَإِمَامُ
التَّفْسِيْرِ، أَبُو العَبَّاسِ عَبْدُ اللهِ، ابْنُ
__________
(1) هو في " طبقات ابن سعد " 2 / 372، ومحمد بن عمر هو
الواقدي ضعيف.
(2) " ابن عساكر " 7 / 250 ب، والزيادة منه.
(3) أخرجه البخاري 13 / 35 في الفتن، وابن عساكر 7 / 250
ب.
والربذة: من قرى المدينة على ثلاثة أميال قريبة من ذات عرق
على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة.
قال الحافظ في " الفتح ": ويستفاد من هذه الرواية مدة سكنى
سلمة البادية وهي نحو الأربعين سنة، لان قتل عثمان كان في
ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وموت سلمة سنة أربع وسبعين على
الصحيح.
(*) طبقات ابن سعد 2 / 365، نسب قريش، 26، طبقات خليفة: ت
821، 1485، 2605، الزهد: 188، المحبر: 16، 24، 92، 289،
292، 378، التاريخ الكبير 5 / 3، التاريخ الصغير 1 / 126،
127، 137، أنساب الاشراف 3 / 27، 55، المعرفة والتاريخ 1 /
241، 270، 493، الجرح والتعديل 5 / 116، المستدرك 3 / 533،
الحلية 1 / 314، جمهرة أنساب العرب: 19، 20، وانظر الفهرس،
الاستيعاب: 933، تاريخ بغداد 1 / 173، الجمع بين رجال
الصحيحين 1 / 239، تاريخ ابن عساكر 9 / 238 ب، جامع الأصول
9 / 63، أسد الغابة 3 / 290، الحلة السيراء 1 / 20، تهذيب
الأسماء واللغات 1 / 1 / 274، =
(3/331)
عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ
شَيْبَةَ بنِ هَاشِمٍ، وَاسْمُهُ عَمْرُو بنُ عَبْدِ
مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ
بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ بنِ فِهْرٍ القُرَشِيُّ،
الهَاشِمِيُّ، المَكِّيُّ، الأَمِيْرُ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ -.
مَوْلِدُهُ: بِشِعْبِ (1) بَنِي هَاشِمٍ، قَبْلَ عَامِ
الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.
صَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
نَحْواً مِنْ ثَلاَثينَ شَهْراً، وَحَدَّثَ عَنْهُ
بِجُمْلَةٍ صَالِحَةٍ.
وَعَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَمُعَاذٍ، وَوَالِدِهِ،
وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ
صَخْرِ بنِ حَرْبٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ،
وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَخَلْقٍ.
وَقَرَأَ عَلَى: أُبَيٍّ، وَزَيْدٍ.
قَرَأَ عَلَيْهِ: مُجَاهِدٌ، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ،
وَطَائِفَةٌ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُه؛ عَلِيٌّ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ عَبْدُ
اللهِ بنُ مَعْبَدٍ، وَمَوَالِيهِ؛ عِكْرِمَةُ،
وَمِقْسَمٌ، وَكُرَيْبٌ، وَأَبُو مَعْبَدٍ نَافِذٌ،
وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَأَبُو الطُّفَيْلِ، وَأَبُو
أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ، وَأَخُوْهُ؛ كَثِيْرُ بنُ
العَبَّاسِ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَعُبَيْدُ اللهِ
بنُ عَبْدِ اللهِ، وَطَاوُوْسٌ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ
جَابِرٌ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَسَعِيْدُ بنُ
جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدُ بنُ جَبْرٍ، وَالقَاسِمُ بنُ
مُحَمَّدٍ؛ وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَأَبُو رَجَاءٍ
العُطَارِدِيُّ، وَأَبُو العَالِيَةِ، وَعُبَيْدُ بنُ
عُمَيْرٍ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَعَطَاءُ بنُ
يَسَارٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْبَدٍ،
وَأَرْبَدَةُ التَّمِيْمِيُّ -
__________
= وفيات الأعيان 3 / 62، تهذيب الكمال: 698، تاريخ الإسلام
3 / 30، تذكرة الحفاظ 1 / 37، العبر 1 / 76، معرفة القراء:
41، تهذيب التهذيب 2 / 156 ب، البداية والنهاية 8 / 295،
العقد الثمين 5 / 190، غاية النهاية: ت 1791، الإصابة 2 /
330، تهذيب التهذيب 5 / 276، المطالب العالية 4 / 114،
النجوم الزاهرة 1 / 182، خلاصة تذهيب الكمال: 172.
(1) شعب بكسر الشين، كان منزل بني هاشم غير مساكنهم، ويعرف
بشعب أبي يوسف، وهو الشعب الذي أوى إليه رسول الله صلى
الله عليه وسلم وبنو هاشم لما تحالفت قريش على بني هاشم،
وكتبوا الصحيفة.
انظر شرح المواهب 1 / 278.
(3/332)
صَاحِبُ التَّفْسِيْرِ - وَأَبُو صَالِحٍ
بَاذَامُ، وَطَلِيْقُ بنُ قَيْسٍ الحَنَفِيُّ، وَعَطَاءُ
بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالحَسَنُ، وَابْنُ
سِيْرِيْنَ؛ وَمُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ، وَشَهْرُ
بنُ حَوْشَبٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرُو بنُ
دِيْنَارٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي يَزِيْدَ، وَأَبُو
جَمْرَةَ نَصْرُ بنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ،
وَالضَّحَّاكُ بنُ مُزَاحِمٍ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ
المَكِّيُّ، وَبَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيُّ،
وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي
الحَسَنِ، وَإِسْمَاعِيْلُ السُّدِّيُّ، وَخَلْقٌ
سِوَاهُم.
وَفِي (التَّهْذِيْبِ) مِنَ الرُّوَاةِ عَنْهُ: مائَتَانِ،
سِوَى ثَلاَثَةِ أَنْفُسٍ.
وَأُمُّهُ؛ هِيَ أُمُّ الفَضْلِ لُبَابَةُ بِنْتُ
الحَارِثِ بنِ حَزْنِ بنِ بُجَيْرٍ الهِلاَلِيَّةُ، مِنْ
هِلاَلِ بنِ عَامِرٍ.
وَلَهُ جَمَاعَةُ أَوْلاَدٍ؛ أَكْبَرُهُمُ: العَبَّاسُ -
وَبهِ كَانَ يُكْنَى - وَعَلِيٌّ أَبُو الخُلَفَاءِ -
وَهُوَ أَصْغَرُهُم - وَالفَضْلُ، وَمُحَمَّدٌ، وَعُبَيْدُ
اللهِ، وَلُبَابَةُ، وَأَسْمَاءُ.
وَكَانَ وَسِيماً، جَمِيْلاً، مَدِيدَ القَامَةِ،
مَهِيباً، كَامِلَ العَقْلِ، ذَكِيَّ النَّفْسِ، مِنْ
رِجَالِ الكَمَالِ.
وَأَوْلاَدُهُ: الفَضْلُ، وَمُحَمَّدٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ،
مَاتُوا وَلاَ عَقِبَ لَهُم.
وَلُبَابَةُ، وَلَهَا أَوْلاَدٌ، وَعَقِبٌ مِنْ زَوْجِهَا
عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ،
وَبِنْتُهُ الأُخْرَى أَسْمَاءُ، وَكَانَتْ عِنْدَ ابْنِ
عَمِّهَا عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ،
فَوَلَدَتْ لَهُ: حَسَناً، وَحُسَيْناً.
انتَقَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَ أَبَويهِ إِلَى دَارِ
الهِجْرَةِ سَنَةَ الفَتْحِ، وَقَدْ أَسْلَمَ قَبلَ
ذَلِكَ، فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:
كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِيْنَ؛ أَنَا
مِنَ الوِلْدَانِ، وَأُمِّي مِنَ النِّسَاءِ (1).
__________
(1) أخرجه بهذا اللفظ الاسماعيلي من طريق إسحاق بن موسى،
عن ابن عيينة، عن =
(3/333)
رَوَى: خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
مَسَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
رَأْسِي، وَدَعَا لِي بِالحِكْمَةِ (1) .
شَبِيْبُ بنُ بِشْرٍ: عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ:
دَخَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- المَخْرَجَ وَخَرَجَ، فَإِذَا تَوْرٌ مُغَطَّى،
قَالَ: (مَنْ صَنَعَ هَذَا؟).
فَقُلْتُ: أَنَا.
فَقَالَ: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ تَأْوِيْلَ القُرْآنِ
(2)).
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ:
أَقْبَلْتُ عَلَى أَتَانٍ، وَقَدْ نَاهَزتُ الاحْتِلاَمَ،
وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنَىً (3).
__________
= عبيد الله، عن ابن عباس فيما ذكره الحافظ في " الفتح "
وأخرجه البخاري في " صحيحه " 8 / 192 من طريق عبد الله بن
محمد، عن سفيان بن عيينة، عن عبيد الله، قال: سمعت ابن
عباس قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين.
وأخرجه البخاري أيضا، والطبري في " تفسيره " (10270) من
طريقين عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عبد الله بن أبي
مليكة، أن ابن عباس تلا (إلا المستضعفين من الرجال والنساء
والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) قال: كنت أنا
وأمي ممن عذر الله. وهو في " سنن البيهقي " 9 / 13.
(1) أخرجه البخاري 1 / 155 في العلم: باب قول النبي صلى
الله عليه وسلم: " اللهم علمه الكتاب " و7 / 78 في فضائل
الصحابة: باب ذكر ابن عباس و13 / 208 في أول كتاب
الاعتصام، والترمذي (3824) وابن ماجه (166) والطبراني
(10588) والبلاذري في " أنساب الاشراف " 3 / 29 كلهم من
طريق خالد الحذاء عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني النبي
صلى الله عليه وسلم إلى صدره، وقال: " اللهم علمه الحكمة "
وأخرجه ابن سعد 2 / 365 من طريق عمرو بن دينار عن طاووس،
عن ابن عباس قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فمسح على ناصيتي وقال: " اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب
".
(2) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 537، وصححه، وتعقبه
المؤلف في مختصره، فقال: شبيب فيه لين.
(3) أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 155 في قصر الصلاة في
السفر: باب الرخصة في المرور بين يدي المصلي، والبخاري 1 /
472 في أول سترة المصلي: باب الامام سترة من خلفه، وفي صفة
الصلاة: باب وضوء الصبيان، وفي الحج: باب حج الصبيان، وفي
العلم: باب متى يصح سماع الصغير، ومسلم (504) في الصلاة:
باب سترة المصلي، وأحمد 1 / 264 أن ابن عباس قال: أقبلت
راكبا على أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله
صلى الله عليه وسلم =
(3/334)
وَرَوَى: أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- وَأَنَا ابْنُ عَشرٍ (1) .
رَوَاهُ: شُعْبَةُ، وَغَيْرُه، عَنْهُ.
وَقَالَ هُشَيْمٌ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ
سَعِيْدٍ، عَنْهُ:
جَمعْتُ المُحْكَمَ فِي عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُبِضَ وَأَنَا ابْنُ
عَشْرِ حِجَجٍ (2) .
وَقَالَ شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيْدِ
بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً،
وَأَنَا خَتِيْنٌ (3) .
قَالَ الوَاقِدِيُّ: لاَ خِلاَفَ أَنَّهُ وُلِدَ فِي
الشِّعْبِ، وَبَنُو هَاشِمٍ مَحْصُوْرُوْنَ، فَوُلِدَ
قَبْلَ خُرُوجِهِم مِنْهُ بِيَسِيْرٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ
الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.
أَلاَ تَرَاهُ يَقُوْلُ: وَقَدْ رَاهَقْنَا الاحْتِلاَمَ.
وَهَذَا أَثْبَتُ مِمَّا نَقَلهُ أَبُو بِشْرٍ فِي
سِنِّهِ.
__________
= يصلي بالناس بمنى، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت،
فأرسلت الاتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد.
قوله: وناهزت الاحتلام، أي: قاربته.
قلت: وكان ذلك في حجة الوداع.
(1) إسناده صحيح أخرجه أحمد 1 / 253 و287 و337 و357 من طرق
عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
(2) أخرجه الطيالسي 2 / 148 من طريق شعبة، عن أبي بشر، عن
سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: توفي رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين مختون، قد قرأت المحكم من
القرآن.
وأخرجه الطبراني (10577) من طريق شعبة به إلا أنه لم يذكر
فيه جملة " وأنا ابن عشر سنين مختون ".
(3) أخرجه الطيالسي 2 / 149، والحاكم 3 / 533، والطبراني
(10578) وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
وأورده في " المجمع " 9 / 285، ونسبه للطبراني وقال: رجاله
رجال الصحيح.
وأخرج البخاري في " صحيحه " 11 / 75 في الاستئذان: باب
الختان بعد الكبر من طريق إسماعيل بن جعفر، عن إسرائيل، عن
أبي إسحاق، عن سعيد ابن جبير، قال: سئل ابن عباس: مثل من
أنت حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أنا يومئذ
مختون.
قال: وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك.
(3/335)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ - فِيمَا
رَوَاهُ ابْنُه عَبْدُ اللهِ عَنْهُ -: حَدِيْثُ أَبِي
بِشْرٍ عِنْدِي وَاهٍ، قَدْ رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ
سَعِيْدٍ، فَقَالَ: خَمْسَ عَشْرَةَ.
وَهَذَا يُوَافقُ حَدِيْثَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ
اللهِ (1) .
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلابْنِ عَبَّاسٍ
ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: غَزَا ابْنُ عَبَّاسٍ
إِفْرِيْقِيَةَ مَعَ ابْنِ أَبِي سَرْحٍ؛ وَرَوَى عَنْهُ
مِنْ أَهْلِ مِصْرَ: خَمسَةَ عَشَرَ نَفْساً.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ: أُمُّهُ هِيَ:
أُمُّ الفَضْلِ، أُخْتُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ
مَيْمُوْنَةَ، وُلِدَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ.
وَكَانَ أَبيضَ، طَوِيْلاً، مُشْرَباً صُفْرَةً، جَسِيماً،
وَسِيماً، صَبِيْحَ الوَجْهِ، لَهُ وَفْرَةٌ، يَخْضِبُ
بِالحِنَّاءِ، دَعَا لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالحِكْمَةِ.
قُلْتُ: وَهُوَ ابْنُ خَالَةِ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ
المَخْزُوْمِيِّ.
سَعِيْدُ بنُ سَالِمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ:
كُنَّا جُلُوْساً مَعَ عَطَاءٍ فِي المَسْجَدِ الحَرَامِ،
فَتَذَاكَرْنَا ابْنَ عَبَّاسٍ؛ فَقَالَ عَطَاءٌ:
مَا رَأَيْتُ القَمَرَ لَيْلَةَ أَرْبَعَ
__________
(1) قال الحافظ في " الفتح " 11 / 76: المحفوظ الصحيح أنه
ولد بالشعب وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، فيكون له عند
الوفاة النبوية ثلاث عشرة سنة، وبذلك قطع أهل السير، وصححه
ابن عبد البر، وأورد بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال: ولدت
وبنو هاشم في
الشعب، وهذا لا ينافي قوله: " ناهزت الاحتلام " ولاقوله:
وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك، لاحتمال أن يكون أدرك،
فختن قبل الوفاة النبوية وبعد حجة الوداع، وأما قوله "
وأنا ابن عشار " فمحمول على إلغاء الكسر، ورواية أحمد "
وأنا ابن خمس عشرة " يمكن ردها إلى رواية ثلاث عشرة بأن
يكون ابن ثلاث عشرة وشئ، وولد في أثناء السنة، فجبر
الكسرين، بأن يكون ولد مثلا في شوال، فله من السنة الأولى
ثلاثة أشهر، فأطلق عليها سنة، وقبض النبي صلى الله عليه
وسلم في ربيع، فله من السنة الأخيرة ثلاثة أخرى، وأكمل
بينهما ثلاث عشرة، فمن قال: " ثلاث عشرة " ألغى الكسرين،
ومن قال " خمس عشرة " جبرهما، والله أعلم.
(3/336)
عَشْرَةَ إِلاَّ ذَكَرتُ وَجْهَ ابْنِ
عَبَّاسٍ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَكَمِ بنِ أَبَانَ: عَنْ أَبِيْهِ،
عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا مَرَّ فِي الطَّرِيْقِ، قُلْنَ
النِّسَاءُ عَلَى الحِيْطَانِ: أَمَرَّ المِسْكُ، أَمْ
مَرَّ ابْنُ عَبَّاسٍ؟
الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنِي سَاعِدَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ
المُزَنِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ
أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ عُمَرَ دَعَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَرَّبه، وَكَانَ
يَقُوْلُ:
إِنِّيْ رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - دَعَاكَ يَوْماً، فَمَسحَ رَأْسَكَ، وَتَفَلَ
فِي فِيْكَ، وَقَالَ: (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي
الدِّيْنِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيْلَ (1)).
دَاوُدُ: مَدَنِيٌّ، ضَعِيْفٌ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَغَيْرُه: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُوْنَةَ، فَوَضَعتُ
لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
غُسْلاً، فَقَالَ: (مَنْ وَضَعَ هَذَا؟).
قَالُوا: عَبْدُ اللهِ.
فَقَالَ: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ التَّأْوِيْلَ،
وَفَقِّهْهُ فِي الدِّيْنِ) (2).
__________
(1) أخرجه البلاذري في " أنساب الاشراف " 3 / 37.
(2) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 1 / 266 و314 و328
و335، والطبراني (10587)، وتاريخ الفسوي 1 / 494، وابن سعد
2 / 365، والبلاذري 3 / 28 وصححه الحاكم 3 / 534، ووافقه
الذهبي.
وكان ابن عباس رضي الله عنه من أعلم الصحابة في تفسير
القرآن، فقد روى يعقوب بن سفيان في " تاريخه " 1 / 495
بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال: لو أدرك ابن عباس أسناننا
ما عاشره منا رجل، وكان يقول: نعم ترجمان القرآن ابن عباس،
وروى هذه الزيادة ابن سعد في " الطبقات " 2 / 366 من وجه
آخر عن عبد الله بن مسعود، وروى أبو زرعة الدمشقي في
تاريخه عن ابن عمر، قال: هو أعلم الناس بما أنزل الله على
محمد.
وروى يعقوب أيضا 1 / 495 بإسناد صحيح عن أبي وائل قال: قرأ
ابن عباس سورة النور، ثم جعل يفسرها، فقال رجل: " لو سمعت
هذا الديلم، لاسلمت ".
ورواه أبو نعيم =
(3/337)
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ،
أَخْبَرْنَا ابْنُ خَلِيْلٍ (1) ، أَخْبَرْنَا
اللَّبَّانُ، أَخْبَرْنَا الحَدَّادُ، أَخْبَرْنَا أَبُو
نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ
الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي العَوَّامِ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ
بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ: أَنَّ
كُرَيْباً أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
صَلَّيْتُ خَلفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَجَعَلَنِي حِذَاءهُ،
فَلَمَّا انْصرفَ، قُلْتُ: وَيَنْبَغِي لأَحدٍ أَنْ
يُصَلِّيَ حِذَاءكَ وَأَنْتَ رَسُوْلُ اللهِ؟!
فَدَعَا اللهَ أَنْ يَزِيْدَنِي فَهْماً وَعِلْماً (2) .
حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ: عَنْ عَمْرِو بنِ
دِيْنَارٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- دَعَا لَهُ: أَنْ يَزِيدَهُ اللهُ فَهْماً وَعِلْماً (3)
.
وَرْقَاءُ (4) : سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ أَبِي
يَزِيْدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَضَعْتُ
__________
= في " الحلية " 1 / 324 من وجه آخر بلفظ " سورة البقرة "
وزاد أنه كان على الموسم يعني سنة خمس وصلاثين، كان عثمان
رضي الله عنه أرسله لما حصر.
(1) تحرف في المطبوع إلى " خالد ".
(2) هو في " الحلية " 1 / 314، 315، وأخرجه بنحوه أحمد 1 /
330، ويعقوب الفسوي في " تاريخه " 1 / 518 من طريق عبد
الله بن بكر، عن حاتم بن أبي صغيرة بهذا الإسناد.
(3) أخرجه البلاذري في " أنساب الاشراف " 3 / 29 من طريق
عبد الله بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن بكر السهمي بهذا
الإسناد.
(4) هو ورقاء بن عمر اليشكري أبو بشر الكوفي، قال الحافظ
في " التقريب ": صدوق.
وقد وقع لمحقق المطبوع هنا تحريف طريف، فقد ظن أن " ورقاء
" هو من تتمة الخبر السابق، فذكره فيه، وحرفه إلى " ورزقا
".
والحديث أخرجه البخاري في " صحيحه " 1 / 214 في الوضوء:
باب وضع الماء عند الخلاء من طريق عبد الله بن محمد، حدثنا
هاشم بن القاسم، حدثنا ورقاء، عن عبيد الله بن أبي
يزيد...وليس فيه " وعلمه التأويل " وأخرجه مسلم (2477) من
طريق ورقاء به، ولفظه " اللهم فقهه "، وأخرجه البخاري 1 /
155 في العلم و13 / 208 في الاعتصام من طريق خالد بن مهران
الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس بلفظ " اللهم علمه الكتاب
"، وهو عنده أيضا 7 / 78 في المناقب بلفظ " اللهم علمه
الحكمة ".
(3/338)
لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَضُوءاً، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي
الدِّيْنِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيْلَ).
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: دَعَا لِي رَسُوْلُ اللهِ
بِالحِكْمَةِ مَرَّتينِ (1) .
كَوْثَرُ بنُ حَكِيْمٍ - وَاهٍ -: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوعاً: (إِنَّ حَبْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ
ابْنُ عَبَّاسٍ).
تَفَرَّد بِهِ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ
الرُّهَاوِيُّ (2) .
عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَالِدٍ: عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
انْتَهَيتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُ جِبْرِيْلُ، فَقَالَ لَهُ
جِبْرِيْلُ: إِنَّهُ كَائِنٌ هَذَا حَبْرَ الأُمَّةِ،
فَاسْتَوصِ بِهِ خَيراً (3) .
حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.
تَفَرَّدَ بِهِ: سَعْدَانُ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ
المُؤْمِنِ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كُنْتُ مَعَ أَبِي عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ كَالمُعْرِضِ عَنْ أَبِي،
فَخَرَجنَا مِنْ عِنْدِهِ، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ ابْنَ
عَمِّكَ كَالمُعْرِضِ عَنِّي؟
فَقُلْتُ: إِنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ يُنَاجِيهِ.
قَالَ: أَوَ كَانَ عِنْدَهُ أَحَدٌ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَلْ
كَانَ عِنْدَكَ أَحَدٌ؟
فَقَالَ لِي: (هَلْ رَأَيْتَهُ يَا عَبْدَ اللهِ؟).
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: (ذَاكَ جِبْرِيْلُ، فَهُوَ الَّذِي شَغَلَنِي
عَنْكَ).
__________
(1) أخرجه ابن سعد 2 / 365 من طريق القاسم بن مالك، عن عبد
الملك، عن عطاء، عن ابن عباس، وأخرجها البلاذري 3 / 28 من
طريق يحيى بن آدم، عن أبي كدينة يحيى بن المهلب البجلي، عن
أبيه، عن مجاهد، عن ابن عباس.
وللترمذي (3823) من طريق عطاء عن ابن عباس قال: دعا لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوتى الحكمة مرتين.
(2) وهو ضعيف كما في " الميزان "
(3) هو في " الحلية " 1 / 316 وقد قال أبو نعيم في سعدان
بن جعفر: " ثقة أمين "
(3/339)
أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ
(1)).
المِنْهَالُ بنُ بَحْرٍ: حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ
مُحَمَّدٍ، عَنِ الفَضْلِ بنِ حَبِيْبٍ، عَنْ فُرَاتِ بنِ
السَّائِبِ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ:
مَررْتُ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ نَقِيَّةٌ، وَهُوَ
يُنَاجِي دِحْيَةَ بنَ خَلِيْفَةَ الكَلْبِيَّ، وَهُوَ
جِبْرِيْلُ وَأَنَا لاَ أَعْلَمُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟
فَقَالَ: ابْنُ عَمِّي.
قَالَ: مَا أَشَدَّ وَسَخَ ثِيَابهِ، أَمَا إِنَّ
ذُرِّيَتَهُ سَتَسُودُ بَعْدَهُ.
ثُمَّ قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: (رَأَيْتَ مَنْ يُنَاجِيْنِي؟).
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: (أَمَا إِنَّهُ سَيَذْهَبُ بَصَرُكَ (2)).
إِسْنَادُهُ لَيِّنٌ.
ثَوْرُ بنُ زَيْدٍ الدِّيْلِيُّ، عَنْ مُوْسَى بنِ
مَيْسَرَةَ:
أَنَّ العَبَّاسَ بَعثَ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ إِلَى
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
حَاجَةٍ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ رَجُلاً، فَرَجَعَ، وَلَمْ
يُكَلِّمْهُ.
فَلَقِيَ العَبَّاسُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَرْسَلتُ
إِلَيْكَ ابْنِي، فَوَجَدَ عِنْدَكَ رَجُلاً، فَلَمْ
يَسْتَطِعْ أَنْ يُكَلِّمَهُ.
فَقَالَ: (يَا عَمِّ! تَدْرِي مَنْ ذَاكَ الرَّجُلُ؟).
قَالَ: لاَ.
قَالَ: (ذَاكَ جِبْرِيْلُ لَقِيَنِي، لَنْ يَمُوْتَ
ابْنُكَ حَتَّى يَذْهَبَ بَصَرُهُ، وَيُؤْتَى عِلْماً).
رَوَى: سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ،
عَنْ ثَوْرٍ، نَحْوَهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ: مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الزِّيَادِيُّ،
عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ (3) ، فَقَالَ: عَنْ أَيُّوْبَ،
عَنْ مُوْسَى بنِ
__________
(1) رجاله ثقات وهو في " المسند " 1 / 293 و294 و312،
وأخرجه أبو داود الطيالسي 2 / 149، والبلاذري 3 / 28،
وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 276، وقال: رواه أحمد
والطبراني بأسانيد، ورجالها رجال الصحيح.
(2) أخرجه بأطول مما هنا الطبراني (10586) من طريق علي بن
عبد العزيز بهذا الإسناد، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9
/ 276، ونسبه للطبراني، وقال: وفيه من لم أعرفه.
(3) سقط من المطبوع من قوله " عن ثور " إلى هنا.
(3/340)
مَيْسَرَةَ، عَنْ بَعْضِ وَلَدِ
العَبَّاسِ...، فَذَكَرَهُ (1) .
زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ:
دَخَلَ العَبَّاسُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَرَ عِنْدَهُ أَحَداً،
فَقَالَ لَهُ ابْنُه عَبْدُ اللهِ: لَقَدْ رَأَيتُ
عِنْدَهُ رَجُلاً.
فَسَأَلَ العَبَّاسُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (ذَاكَ جِبْرِيْلُ (2)).
هَذَا مُرْسَلٌ.
حِبَّانُ بنُ عَلِيٍّ: عَنْ رِشْدِيْنَ (3) بنِ كُرَيْبٍ،
عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
أَتيتُ خَالَتِي مَيْمُوْنَةَ، فَقَلْتُ: إِنِّيْ أُرِيْدُ
أَنْ أَبِيْتَ اللَّيْلَةَ عِنْدَكُم.
فَقَالَتْ: وَكَيْفَ تَبِيْتُ، وَإِنَّمَا الفِرَاشُ
وَاحِدٌ؟
فَقُلْتُ: لاَ حَاجَةَ لِي بِهِ، أَفْرُشُ إِزَارِي،
وَأَمَّا الوِسَادُ، فَأَضَعُ رَأْسِي مَعَ رُؤُوْسِكُمَا
مِنْ وَرَاءَ الوِسَادَةِ.
قَالَ: فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَحَدَّثَتْهُ مَيْمُوْنَةُ بِمَا قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ، فَقَالَ: (هَذَا شَيْخُ قُرَيْشٍ).
إِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ (4) .
قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ، أَخْبَرَكُم ابْنُ
خَلِيْلٍ، أَخْبَرْنَا اللَّبَّانُ، أَخْبَرْنَا أَبُو
عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ،
حَدَّثَنَا حَبِيْبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ
البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا
نَافِعُ بنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ:
سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا بَلَغَ مِنْ هَمِّ يُوْسُفَ؟
قَالَ: جَلَسَ يَحُلُّ هِمْيَانَهُ، فَصِيحَ بِهِ، يَا
يُوْسُفُ! لاَ تَكُنْ كَالطَّيْرِ لَهُ رِيْشٌ، فَإِذَا
زَنَى، قَعَدَ لَيْسَ لَهُ رِيْشٌ (5).
__________
(1) أورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 277، وقال: رواه
الطبراني بأسانيد ورجاله ثقات.
(2) ذكره الحافظ في " الإصابة " 2 / 331، ونسبه لابن سعد.
(3) تحرف في المطبوع إلى " رشد ".
(4) لضعف حبان بن علي وشيخه فيه رشدين بن كريب.
(5) هو في " الحلية " 1 / 323، 324.
(3/341)
صَالِحُ بنُ رُسْتُمَ الخَزَّازُ: عَنِ
ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ:
صَحِبْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى المَدِيْنَةِ،
فَكَانَ إِذَا نَزَلَ، قَامَ شَطْرَ اللَّيْلِ، فَسَأَلَهُ
أَيُّوْبُ: كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءتُهُ؟
قَالَ: قَرَأَ: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ،
ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيْدُ} [ق: 19]، فَجَعَلَ
يُرَتِّلُ، وَيُكْثِرُ (1) فِي ذَلِكَ النَّشِيْجَ (2) .
ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذَهَبَ النَّاسُ وَبَقِيَ
النَّسْنَاسُ.
قِيْلَ: مَا النَّسْنَاسُ؟
قَالَ: الَّذِيْنَ يُشْبِهُوْنَ النَّاسَ وَلَيْسُوا
بِالنَّاسِ (3) .
ابْنُ طَاوُوْسٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
قَالَ لِي مُعَاوِيَةُ: أَنْتَ عَلَى مِلَّةِ عَلِيٍّ؟
قُلْتُ: وَلاَ عَلَى مِلَّةِ عُثْمَانَ، أَنَا عَلَى
مِلَّةِ رَسُوْلِ اللهِ (4) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -.
وَعَنْ طَاوُوْسٍ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشدَّ تَعْظِيماً لِحُرُمَاتِ اللهِ
مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (5) .
جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: عَنْ يَعْلَى بنِ حَكِيْمٍ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ: هَلُمَّ
نَسْأَلْ أَصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُمُ اليَوْمَ كَثِيْرٌ.
فَقَالَ: وَاعَجَباً لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! أَتَرَى
النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إِلَيْكَ، وَفِي النَّاسِ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ
__________
(1) تصحفت في المطبوع إلى " ويكبر "
(2) هو في " الحلية " 1 / 327، والنشيج: أحر البكاء، وهو
مثل البكاء للصبي إذا ردد صوته في صدره، ولم يخرجه.
(3) هو في " الحلية " 1 / 328 وفيه " يتشبهون بالناس ".
(4) هو في " الحلية " 1 / 329 من طريق أبي بكر بن خلاد، عن
أسحاق بن إبراهيم الحربي، عن عباد بن موسى بهذا الإسناد،
وأخرجه البلاذري 3 / 35 من طريق عبد الله بن صالح، عن يحيى
بن يمان، عن سفيان الثوري به.
(5) " الحلية " 1 / 329.
(3/342)
والسَّلاَمُ - مَنْ تَرَى؟
فَتَرَكَ (1) ذَلِكَ، وَأَقْبَلْتُ عَلَى المَسْألَةِ،
فَإِنْ كَانَ لَيبْلُغُنِي الحَدِيْثُ عَنِ الرَّجُلِ،
فَآتِيهِ وَهُوَ قَائِلٌ، فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى
بَابِهِ، فَتَسْفِي الرِّيْحُ عَلَيَّ التُّرَابَ،
فَيَخرجُ، فَيَرَانِي، فَيَقُوْلُ: يَا ابْنَ عَمِّ
رَسُوْلِ اللهِ! أَلاَ أَرْسَلتَ إِلَيَّ فَآتِيَكَ؟
فَأَقُوْلُ: أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ، فَأَسْأَلَكَ.
قَالَ: فَبَقِيَ الرَّجُلُ حَتَّى رَآنِي وَقَدِ اجْتَمَعَ
النَّاسُ عَلَيَّ، فَقَالَ: هَذَا الفَتَى أَعقَلُ مِنِّي
(2) .
عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ
جُبَيْرٍ، قَالَ:
كَانَ نَاسٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ قَدْ وَجَدُوا عَلَى
عُمَرَ فِي إِدْنَائِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ دُوْنَهم.
قَالَ: وَكَانَ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنِّيْ
سَأُرِيْكُمُ اليَوْمَ مِنْهُ مَا تَعْرِفُوْنَ فَضْلَهُ.
فَسَأَلَهُم عَنْ هَذِهِ السُّوْرَةِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ
اللهِ} [النَّصْرُ: 1]، فَقَالَ بَعْضُهُم:
أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ إِذَا رَأَى النَّاسَ يَدخُلُوْنَ
فِي دِيْنِ اللهِ أَفْوَاجاً أَنْ يَحْمَدَهُ
وَيَسْتَغْفِرَهُ.
فَقَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، تَكَلَّمْ.
فَقَالَ: أَعْلَمَهُ مَتَى يَمُوتُ، أَيْ: فَهِيَ آيَتُكَ
مِنَ المَوْتِ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ
وَاسْتَغْفِرْهُ (3).
__________
(1) في " الطبقات " و" المستدرك ": " فتركت " وفي " المجمع
": " فركبت " وهو تحريف.
(2) إسناده صحيح، وهو عند ابن سعد 2 / 367، 368، والفسوي 1
/ 542، وصححه الحاكم 3 / 538، ووافقه الذهبي، وأورده
الهيثمي في " المجمع " 9 / 277، وقال: رواه الطبراني
ورجاله رجال الصحيح.
(3) إسناده قوي، وهو بهذا السند عند البلاذري 3 / 33،
وأخرجه البخاري في المناقب و8 / 99 في المغازي: باب منزل
النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وفي المغازي: باب مرض
النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، وفي التفسير: باب قوله:
(فسبح بحمد ربك واستغفره) من طريقين عن أبي بشر، عن سعيد
بن جبير، عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر،
فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا
أبناء مثله ؟ فقال عمر: إنه من حيث علمتم، فدعا ذات يوم
فأدخله معهم، فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم.
قال: ما تقولون في قول الله تعالى: (إذا جاء نصر الله
والفتح) فقال بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا
وفتح علينا، وسكت بعضهم، فلم يقل شيئا.
فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس ؟ فقلت: لا، قال: فما
تقول ؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له
قال: (إذا جاء نصر الله والفتح) وذلك علامة أجلك (فسبح
بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا).
فقال: عمر: ما =
(3/343)
وَرَوَى نَحْوَهُ: أَحْمَدُ فِي
(مُسْنَدِهِ): حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ،
عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ:
وَجَدْتُ عَامَّةَ عِلْمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ هَذَا الحَيِّ مِنَ
الأَنْصَارِ، إِنْ كُنْتُ لآتِي الرَّجُلَ مِنْهُم،
فَيُقَالُ: هُوَ نَائِمٌ؛ فَلَو شِئْتُ أَنْ يُوْقَظَ لِي،
فَأَدَعُهُ حَتَّى يَخرُجَ لأَسْتطِيبَ (1) بِذَلِكَ
قَلْبَهُ (2) .
يَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ،
عَنْ طَاوُوْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
إِنْ كُنْتُ لأَسْأَلُ عَنِ الأَمرِ الوَاحِدِ ثَلاَثِيْنَ
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -.
إِسْنَادُه صَحِيْحٌ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ، عَنِ
الحَسَنِ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنَ الإِسْلاَمِ بِمَنْزِلٍ،
وَكَانَ مِنَ القُرْآنِ بِمَنْزِلٍ، وَكَانَ يَقُومُ عَلَى
مِنْبَرِنَا هَذَا، فَيَقرَأُ البَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ،
فَيُفَسِّرُهُمَا آيَةً آيَةً. وَكَانَ عُمَرُ -رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ - إِذَا
__________
= أعلم منها إلا ما تقول.
وأخرجه أحمد 1 / 337، 338، والترمذي (3362)، والطبراني
(10616) و(10617) وابن جرير 30 / 333، والحاكم 3 / 539،
وأبو نعيم 1 / 316، 317، وذكره السيوطي في " الدر المنثور
" 6 / 407، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وابن
المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في " الدلائل ".
وقوله: " قد وجدوا على عمر " معناه: غضبوا، ولفظ " وجد "
الماضي يستعمل بالاشتراك بمعنى الغضب، والحب، والغنى،
واللقاء.
(1) تحرفت في المطبوع إلى " لا يستطيب ".
(2) أخرجه ابن سعد 2 / 368، فقال: أخبرت عن محمد بن
عمرو...، وأخرجه البلاذري 3 / 34، 35 من طريق وهب بن بقية،
عن يزيد بن هارون، عن محمد بن عمرو...وهذا سند حسن.
ولفظه عندهما: لو شئت أن يوقظ لي لاوقظ، فأجلس على بابه
تسفي الريح على وجهي التراب حتى يستيقظ متى استيقظ، فأسأله
عما أريد، ثم أنصرف.
(3/344)
ذَكَرَهُ، قَالَ:
ذَلِكَ فَتَى الكُهُولِ، لَهُ لِسَانٌ سَؤُولٌ، وَقَلْبٌ
عَقُوْلٌ (1) .
إِسْرَائِيْلُ: أَخْبَرَنَا سِمَاكٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كُلُّ القُرْآنِ أَعْلَمُهُ إِلاَّ ثَلاَثاً؛
(الرَّقِيْمَ)، و(غِسْلِيْنَ)، و(حَنَاناً (2)).
يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي
سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ:
قَالَ عُمَرُ لابْنِ عَبَّاسٍ: لَقَدْ عَلِمْتَ عِلْماً
مَا عَلِمْنَاهُ (3) .
عَاصِمُ بنُ كُلَيْب: عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ:
دَعَانِي عُمَرُ مَعَ الأَكَابِرِ، وَيَقُوْلُ لِي: لاَ
تَتَكَلَّمْ حَتَّى يَتَكَلَّمُوا، ثُمَّ يَسْأَلُنِي،
ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَيْهِم، فَيَقُوْلُ:
مَا مَنَعَكُم أَنْ تَأْتُونِي بِمِثلِ مَا يَأْتِينِي
بِهِ هَذَا الغُلاَمُ الَّذِي لَمْ تَسْتَوِ شُؤُونُ
رَأْسِهِ (4) .
مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
قَالَ المُهَاجِرُوْنَ لِعُمَرَ: أَلاَ تَدْعُو
أَبْنَاءنَا كَمَا تَدْعُو ابْنَ عَبَّاسٍ؟
قَالَ: ذَاكُم فَتَى الكُهُولِ؛ إِنَّ لَهُ لِسَاناً
سَؤُولاً، وَقَلْباً عَقُوْلاً (5).
__________
(1) أخرجه الطبراني (10620)، وعنه أبو نعيم 1 / 318،
والبلاذري 3 / 37، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 277،
ونسبه للطبراني، وقال: وأبو بكر الهذلي ضعيف.
(2) أخرجه الطبراني 15 / 199 من طريق عبد الرزاق بهذا
الإسناد، وسماك - وهو ابن حرب - صدوق إلا أن روايته خاصة
عن عكرمة مضطربة.
وذكره السيوطي في " الاتقان " / 10 / 113 ونسبه للفريابي
من طريق سماك، عن عكرمة...وقد ورد عن ابن عباس تفسير "
الرقيم " بالكتاب واللوح، أو أنه اسم جبل أصحاب الكهف، و"
حنانا ": بالرحمة، و" غسلين ": بأنه صديد أهل النار.
انظر الطبري 15 / 198، 199 و16 / 55، و29 / 65.
(3) أخرجه البلاذري 3 / ؤ 37 من طريق عبد الله بن صالح
وعمرو، عن يحيى بن يمان بهذا الإسناد.
(4) شؤون الرأس: عظامه والشعب التي تجمع بين قبائل الرأس،
وهي أربعة أشؤن.
(5) هو في " المستدرك " 3 / 539، 540 ورجاله ثقات إلا أنه
منقطع.
(3/345)
مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: عَنْ يَعْقُوْبَ
بنِ زَيْدٍ، قَالَ:
كَانَ عُمَرُ يَسْتَشِيرُ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي الأَمْرِ
إِذَا أَهَمَّه، وَيَقُوْلُ: غُصْ غَوَّاصُ.
أَبُو يَحْيَى الحِمَّانِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ
ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ:
قَالَ عُمَرُ: لاَ يَلُوْمَنِّي أَحَدٌ عَلَى حُبِّ ابْنِ
عَبَّاسٍ.
وَعَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ!
إِنَّ عُمَرَ يُدنِيكَ، فَاحفَظْ عَنِّي ثَلاَثاً: لاَ
تُفْشِيَنَّ لَهُ سِرّاً، وَلاَ تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ
أَحَداً، وَلاَ يُجَرِّبَنَّ عَلَيْكَ كَذِباً (1) .
ابْنُ عُلَيَّةَ: حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ:
أَنَّ عَلِيّاً حَرقَ نَاساً ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلاَمِ،
فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ:
لَمْ أَكُنْ لأَحرِقَهُم أَنَا بِالنَّارِ، إِنَّ رَسُوْلَ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لاَ
تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللهِ).
وَكُنْتُ قَاتِلَهُم، لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: (مَنْ بَدَّلَ دِيْنَهُ، فَاقْتُلُوْهُ).
فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيّاً، فَقَالَ: وَيْحَ ابْنِ أُمِّ
الفَضْلِ، إِنَّهُ لَغَوَّاصٌ عَلَى الهَنَاتِ (2).
__________
(1) " الحلية " 1 / 318، " ونسب قريش ": 36، و" أنساب
الاشراف " 3 / 51، وو " الطبراني " (1069)، والفسوي 1 /
533، 534، وفي مجالد كلام، وباقي رجاله ثقات وانظر "
المجمع " 4 / 221.
(2) إسناده صحيح وهو في " تاريخ الفسوي " 1 / 516 من طريق
سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة..-،
وأخرجه البخاري 6 / 106 في الجهاد: باب لا يعذب بعذاب
الله، و12 / 237 في استتابة المرتدين: باب حكم المرتد
والمرتدة، والنسائي 7 / 104 في تحريم الدم: باب الحكم في
المرتد، من طرق عن أيوب، عن عكرمة.
-.
دون قوله: " فبلغ ذلك..." وأخرجه أبو داود (4351) في أول
الحدود، والحاكم 3 / 538، 539، وفيه " فبلغ ذلك عليا،
فقال: ويح ابن عباس "، قال الخطابي: قوله " ويح ابن عباس
": لفظه لفظ الدعاء عليه، ومعناه المدح له، والاعجاب
بقوله، وهذا كقول الرسول صلى الله عليه وسلم في أبي بصير:
" ويل أمه مسعر حرب " وكقول عمر رضي الله عنه حين أعجبه
قول الوادعي في تفضيل سهمان الخيل على المقاريف: " هبلت
الوادعي أمه لقد أذكرت به " يريد: ما أعلمه، أو ما أصوب
رأيه، ولفظ الترمذي (1458) في الحدود: " فبلغ ذلك عليا،
فقال: صدق ابن عباس " ولفظ البلاذري 3 / 35: " فبلغ ذلك
عليا، فقال: لله در ابن عباس ".
(3/346)
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ
أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُوْسَى بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَامِرِ
بنِ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ:
سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْضَرَ
فَهْماً، وَلاَ أَلَبَّ لُبّاً، وَلاَ أَكْثَرَ عِلماً،
وَلاَ أَوسعَ حِلماً مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لَقَدْ رَأَيْتُ
عُمَرَ يَدعُوْهُ لِلمُعْضِلاَتِ فَيَقُوْلُ: قَدْ جَاءت
مُعْضِلَةٌ، ثُمَّ لاَ يُجَاوِزُ قَوْلَه، وَإِنَّ
حَوْلَهُ لأَهْلُ بَدْرٍ (1) .
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ مُحَمَّدٍ
التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَبِي
عَامِرٍ، سَمِعَ طَلْحَةَ بنَ عُبَيْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
لَقَدْ أُعْطِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَهْماً، وَلَقناً،
وَعِلْماً، مَا كُنْتُ أَرَى عُمَرَ يُقَدِّمُ عَلَيْهِ
أَحَداً (2) .
الأَعْمَشُ: عَنْ مُسْلِمِ بنِ صُبَيْحٍ (3) ، عَنْ
مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
لَوْ أَدْركَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَسْنَانَنَا، مَا عَشَرهُ
مِنَّا أَحَدٌ (4) .
وَفِي رِوَايَةٍ: مَا عَاشَرَهُ.
الأَعْمَشُ: حَدِّثُوْنَا: أَنَّ عَبْدَ اللهِ قَالَ:
وَلَنِعْمَ تَرْجُمَانُ القُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ (5) .
الأَعْمَشُ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ:
قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ أَنَّ هَذَا الغُلاَمَ أَدْرَكَ
مَا أَدْرَكْنَا، مَا تَعلَّقْنَا مَعَهُ بِشَيْءٍ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثنَا مَخْرَمَةُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ بُسْرِ بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ
__________
(1) هو في " طبقات ابن سعد " 2 / 369.
(2) " طبقات ابن سعد " 2 / 370.
(3) في الأصل " مسلمة " وهو خطأ.
(4) في الأصل " مسلمة " وهو خطأ.
(4) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 2 / 366، و" تاريخ
الفسوي " 1 / 495، و" المستدرك 3 / 537 من طرق عن الأعمش
به.
(5) " طبقات ابن سعد " 2 / 366، و" تاريخ الفسوي " 1 /
495، وأخرجه الحاكم 3 / 537، وقال: هذا حديث صحيح على شرط
الشيخين، ووافقه الذهبي.
(3/347)
مُحَمَّدِ بنِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ؛ سَمِعَ
أَبَاهُ يَقُوْلُ - وَكَانَ عِنْدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ،
فَقَامَ -، فَقَالَ:
هَذَا يَكُوْنُ حَبْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ، أَرَى عَقْلاً
وَفَهْماً، وَقَدْ دَعَا لَهُ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُفَقِّهَهُ فِي
الدِّيْنِ.
وَعَنْ عِكْرِمَةَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ لِي:
مَوْلاَكَ -وَاللهِ - أَفْقَهُ مَنْ مَاتَ وَمَنْ عَاشَ.
وَيُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ
بِالحجِّ ابْنُ عَبَّاسٍ (1) .
قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ يَرَى مُتعَةَ الحجِّ حَتْماً (2) .
قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
أَخْبَرَكُم عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سَنَةَ
سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ
مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ،
حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ
عَلِيِّ بنِ بَذِيْمَةَ (3) ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ
الأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَدِمَ عَلَى عُمَرَ رَجُلٌ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَسْأَلُهُ
عَنِ النَّاس، فَقَالَ: يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ
قَرَأَ القُرْآنَ مِنْهُم كَذَا وَكَذَا.
فَقُلْتُ: وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ يُسَارعُوا يَوْمَهم
هَذَا فِي القُرْآنِ هَذِهِ المُسَارَعَةَ.
قَالَ: فَزَبَرَنِي عُمَر، ثُمَّ قَالَ: مَهْ.
فَانطَلَقتُ إِلَى مَنْزِلِي مُكْتَئِباً حَزِيناً،
فَقُلْتُ: قَدْ كُنْتُ نَزَلتُ مِنْ هَذَا بِمَنْزِلَةٍ،
وَلاَ أُرَانِي إِلاَّ قَدْ سَقَطتُ مِنْ نَفْسِهِ،
فَاضْطَجَعتُ عَلَى فِرَاشِي، حَتَّى عَادَنِي نِسْوَةُ
أَهْلِي وَمَا بِيَ وَجعٌ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى ذَلِكَ،
قِيْلَ لِي: أَجِبْ أَمِيْرَ
__________
(1) انظر " تاريخ الفسوي " 1 / 495، و" ابن سعد " 2 / 369.
(2) أي: أن يحرم قاصد الحج من الميقات بنية العمرة، فإذا
فرغ منها تحلل من إحرامه، وبقي متحللا إلى اليوم الثامن من
ذي الحجة، ثم يحرم في اليوم الثامن بينة الحج.
انظر " زاد المعاد " 2 / 178 وما بعدها.
(3) بذيمة: بفتح الباء، وكسر الذال، وقد تصحف في المطبوع
إلى " نديمة ".
(3/348)
المُؤْمِنِيْنَ.
فَخَرَجتُ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ عَلَى البَابِ
يَنْتَظِرُنِي، فَأَخَذَ بِيَدِي، ثُمَّ خَلاَ بِي،
فَقَالَ: مَا الَّذِي كَرِهتَ مِمَّا قَالَ الرَّجُلُ
آنِفاً؟
قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنْ كُنْتُ
أَسَأْتُ، فَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ اللهَ، وَأَتُوبُ
إِلَيْهِ، وَأَنْزِلُ حَيْثُ أَحْبَبْتَ.
قَالَ: لَتُخْبِرَنِّي.
قُلْتُ: مَتَى مَا يُسَارِعُوا هَذِهِ المُسَارَعَةَ
يَحْتَقُّوا (1) ، وَمَتَى مَا يَحْتَقُّوا يَخْتَصِمُوا،
وَمَتَى مَا اخْتَصَمُوا يَخْتَلِفُوا، وَمَتَى مَا
يَخْتَلِفُوا يَقْتَتِلُوا.
قَالَ: للهِ أَبُوْكَ، لَقَدْ كُنْتُ أَكْتُمُهَا النَّاسَ
حَتَّى جِئْتَ بِهَا (2) .
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
أَبِي مُرَّةَ - مَكِّيٌّ - حَدَّثَنَا نَافِعُ بنُ
عُمَرَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ:
أَنَّ أَهْلَ المَدِيْنَةِ كَلَّمُوا ابْنَ عَبَّاسٍ أَنْ
يَحُجَّ بِهِم، فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَمَّرَهُ،
فَحَجَّ، ثُمَّ رَجَعَ، فَوَجَدَ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ؛
فَقَالَ لِعَلِيٍّ:
إِنْ أَنْتَ قُمْتَ بِهَذَا الأَمْرِ الآنَ، أَلْزَمَكَ
النَّاسُ دَمَ عُثْمَانَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ (3) .
وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ:
أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ لَمَّا قَالَ: سِرْ، فَقَدْ
وَلَّيْتُكَ الشَّامَ، فَقَالَ: مَا هَذَا بِرَأْيٍ،
وَلَكِنِ اكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَمَنِّهِ، وَعِدْهُ.
قَالَ: لاَ كَانَ هَذَا أَبَداً (4) .
وَعَنْ عِكْرِمَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقُوْلُ:
قُلْتُ لِعَلِيٍّ: لاَ تُحَكِّمْ أَبَا مُوْسَى، فَإِنَّ
مَعَهُ رَجُلاً، حَذِراً، مَرِساً، قَارِحاً مِنَ
الرِّجَالِ، فَلُزَّنِي إِلَى
__________
(1) أي: يختصموا، ويقول كل واحد منهم: الحق في يدي.
وقد تصحف في " المصنف " إلى " يحيفوا ".
(2) رجاله ثقات.
وهو في " المنصف " برقم (20368) و" تاريخ الفسوي " 1 /
516، 517.
(3) رجاله ثقات ما خلا أبا بكر بن محمد فإنني لم أظفر له
بترجمة.
(4) انظر الصفحة 139 من هذا الجزء في ترجمة معاوية.
(3/349)
جَنْبِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَحُلُّ عُقْدَةً
إِلاَّ عَقَدْتُهَا، وَلاَ يَعْقِدُ عُقْدَةً إِلاَّ
حَلَلْتُهَا.
قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! فَمَا أَصْنَعُ؟ إِنَّمَا
أُوْتَى مِنْ أَصْحَابِي، قَدْ ضَعُفَتْ نِيَّتُهُم
وَكَلُّوا، هَذَا الأَشْعَثُ يَقُوْلُ: لاَ يَكُوْنُ
فِيْهَا مُضَرِيَّانِ أَبَداً.
فَعَذَرْتُ عَلِيّاً (1) .
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ فَاتَ النَّاسَ بِخِصَالٍ:
بِعِلْمِ مَا سَبَقَ، وَفِقْهٍ فِيمَا احتِيجَ إِلَيْهِ
مِنْ رَأْيِهِ، وَحِلْمٍ، وَنَسَبٍ، وَنَائِلٍ، وَمَا
رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِمَا سَبَقَهُ مِنْ حَدِيْثِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَلاَ بِقَضَاءِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ
مِنْهُ، وَلاَ أَعْلَمَ بِمَا مَضَى، وَلاَ أَثقَبَ
رَأْياً فِيمَا احتِيجَ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَلَقَدْ كُنَّا
نَحضُرُ عِنْدَهُ، فَيُحَدِّثُنَا العَشِيَّةَ كُلَّهَا
فِي المَغَازِي، وَالعَشِيَّةَ كُلَّهَا فِي النَّسَبِ،
وَالعَشِيَّةَ كُلَّهَا فِي الشِّعْرِ (2) .
ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ طَاوُوْسٍ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَورَعَ مِنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلاَ أَعْلَمَ
مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (3) .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ مِثْلَ
ابْنِ عَبَّاسٍ، لَقَدْ مَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَإِنَّهُ
لَحَبْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ (4) .
الأَعْمَشُ: عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُسَمَّى البَحْرَ؛ لِكَثْرَةِ
عِلْمِهِ (5) .
ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ: عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: مَا
سَمِعْتُ فُتْيَا أَحْسَنَ مِنْ فُتْيَا ابْنِ
__________
(1) أورده ابن عساكر في " تاريخه " 540 من طريق ابن سعد عن
الواقدي.
(2) " طبقات ابن سعد " 2 / 368، وقد تحرف فيه " نسب " إلى
" سيب ".
(3) " تاريخ الفسوي " 1 / 496، و" ابن سعد " 2 / 366.
(4) أخرجه الحاكم 3 / 535.
(5) " أنساب الاشراف " 3 / 33، و" المستدرك " 3 / 535، و"
الحلية " 1 / 316.
(3/350)
عَبَّاسٍ، إِلاَّ أَنْ يَقُوْلَ قَائِلٌ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-.
وَعَنْ طَاوُوْسٍ، قَالَ:
أَدْرَكْتُ نَحْواً مِنْ خَمْسِ مائَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ،
إِذَا ذَاكَرُوا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَخَالَفُوهُ، فَلَمْ
يَزَلْ يُقَرِّرُهُم حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى قَوْلِهِ.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ الأَصَمِّ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ حَاجّاً
مَعَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَكَانَ لِمُعَاوِيَةَ مَوْكِبٌ،
وَلابْنِ عَبَّاسٍ مَوْكِبٌ مِمَّنْ يَطْلُبُ العِلْمَ.
الأَعْمَشُ: حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ، قَالَ:
خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَمِيْرٌ عَلَى
المَوْسِمِ، فَافْتَتَحَ سُورَةَ النُّوْرَ، فَجَعَلَ
يَقْرَأُ، وَيُفَسِّرُ، فَجَعَلْتُ أَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ وَلاَ سَمِعْتُ كَلاَمَ رَجُلٍ مِثْلَ هَذَا،
لَوْ سَمِعَتْهُ فَارِسُ، وَالرُّوْمُ، وَالتُّرْكُ،
لأَسْلَمَتْ (1) .
وَرَوَى: عَاصِمُ بنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ،
مِثْلَهُ.
رَوَى: جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ بَيْتاً أَكْثَرَ خُبْزاً وَلَحْماً مِنْ
بَيْتِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
سُلَيْمُ بنُ أَخْضَرَ: عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ،
قَالَ:
أَنْبَأَنِي مَنْ أَرْسَلَهُ الحَكَمُ بنُ أَيُّوْبَ إِلَى
الحَسَنِ، فَسَأَلَهُ: مَنْ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ النَّاسَ
فِي هَذَا المَسْجَدِ يَوْمَ عَرَفَةَ؟
فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَ: ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَعَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ:
كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قُلْتُ: أَجْمَلُ
النَّاسِ، فَإِذَا نَطَقَ، قُلْتُ: أَفصَحُ النَّاسِ،
فَإِذَا تَحَدَّثَ، قُلْتُ: أَعْلَمُ النَّاسِ (2) .
قَالَ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: مَا رَأَيْتُ فِي مَجْلِسِ
ابْنِ عَبَّاسٍ بَاطِلاً قَطُّ.
__________
(1) " أنساب الاشراف " 3 / 38، و" المستدرك " 3 / 537، و"
الحلية " 1 / 324.
(2) أخرجه البلاذري 3 / 30 من طريق خلف بن هشام البزار،
حدثنا شريك بن عبد الله، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن
مسروق.
(3/351)
قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ
يُدْرَكْ مِثْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي زَمَانِهِ، وَلاَ
مِثْلُ الشَّعْبِيِّ فِي زَمَانِهِ، وَلاَ مِثْلُ
الثَّوْرِيِّ فِي زَمَانِهِ.
أَبُو عَامِرٍ الخَزَّازُ: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ:
صَحِبتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى المَدِيْنَةِ،
فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا نَزَلَ، قَامَ
شَطْرَ اللَّيْلِ، وَيُرَتِّلُ القُرْآنَ حَرْفاً حَرْفاً،
وَيُكْثِرُ فِي ذَلِكَ مِنَ النَّشِيْجِ وَالنَّحِيْبِ.
مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ شُعَيْبِ بنِ دِرْهَمٍ،
عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَسفَلَ مِنْ عَيْنَيْهِ
مِثْلُ الشِّرَاكِ البَالِي مِنَ البُكَاءِ.
عَبْدُ الوَهَّابِ الخَفَّافُ: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ بنِ
يَعْلَى، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ:
يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! كَيْفَ صَومُكَ؟
قَالَ: أَصُومُ الاثْنَيْنِ وَالخَمِيْسَ.
قَالَ: وَلِمَ؟
قَالَ: لأَنَّ الأَعمَالَ تُرْفَعُ فِيْهِمَا، فَأُحِبُّ
أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ (1) .
إِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا
سِنَانٍ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ:
أَنَّ أَبَا أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيَّ أَتَى مُعَاوِيَةَ،
فَشَكَا دَيْناً، فَلَمْ يَرَ مِنْهُ مَا يُحِبُّ،
فَقَدِمَ البَصْرَةَ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ،
فَفَرَّغَ لَهُ بَيْتَهُ، وَقَالَ:
لأَصْنَعَنَّ بِكَ كَمَا صَنَعتَ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ثُمَّ قَالَ: كَمْ دَيْنُكَ؟
قَالَ: عِشْرُوْنَ أَلْفاً.
فَأَعْطَاهُ أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً، وَعِشْرِيْنَ
مَمْلُوْكاً، وَكُلَّ مَا فِي البَيْتِ (2).
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف أبي أمية بن يعلى، واسمه إسماعيل بن
يعلى الثقفي البصري، قال يحيى: ضعيف، ليس حديثه بشيء، وقال
مرة: متروك الحديث، وقال النسائي والدار قطني: متروك، وقال
البخاري: سكتوا عنه.
وفعل ابن عباس ثابت عن النبي
صلى الله عليه وسلم، فقد روى الترمذي (747) من حديث أبي
هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تعرض
الاعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم
" وهو حديث حسن كما قال الترمذي، فإن له شاهدا من حديث
أسامة بن زيد عند أبي داود (2436) والنسائي 4 / 201، 202
وسنده حسن، ومن حديث حفصة عند النسائي 4 / 203، 204.
(2) رجاله ثقات إلا أنه منقطع، أبو سنان: هو سعيد بن سنان
الشيباني الاصغر.
(3/352)
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، وَغَيْرِهِ: أَنَّ
عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَقَامَ بَعْدَ وَقْعَةِ
الجَمَلِ بِالبَصْرَةِ خَمْسِيْنَ لَيْلَةً، ثُمَّ سَارَ
إِلَى الكُوْفَةِ، وَاسْتَخلَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى
البَصْرَةِ، وَوَجَّهَ الأَشْتَرَ عَلَى مُقَدِّمَتِهُ
إِلَى الكُوْفَةِ، فَلَحِقَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَنِ
اسْتَخلَفَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلَى البَصْرَةِ؟
قَالَ: ابْنُ عَمِّهِ.
قَالَ: فَفِيمَ قَتَلْنَا الشَّيْخَ أَمْسَ
بِالمَدِيْنَةِ؟
قَالَ: فَلَمْ يَزَلِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى البَصْرَةِ
حَتَّى سَارَ إِلَى صِفِّيْنَ، فَاسْتَخلَفَ أَبَا
الأَسْوَدِ بِالبَصْرَةِ عَلَى الصَّلاَةِ، وَزِيَاداً
عَلَى بَيْتِ المَالِ.
قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ لَمَّا بُوْيِعَ، قَالَ
لابْنِ عَبَّاسٍ: اذهَبْ عَلَى إِمْرَةِ الشَّامِ.
فَقَالَ: كَلاَّ، أَقَلُّ مَا يَصنَعُ بِي مُعَاوِيَةُ
إِنْ لَمْ يَقْتُلْنِي الحَبْسُ، وَلَكِنِ اسْتَعْمِلْهُ،
وَبَيْنَ يَدَيْكَ عَزْلُهُ بَعْدُ، فَلَمْ يَقبَلْ
مِنْهُ.
وَكَذَلِكَ أَشَارَ عَلَى عَلِيٍّ أَنْ لاَ يُوَلِّيَ
أَبَا مُوْسَى يَوْمَ الحَكَمَيْنِ، وَقَالَ: وَلِّنِي،
أَوْ فَوَلِّ الأَحْنَفَ.
فَأَرَادَ عَلِيٌّ ذَلِكَ، فَغَلَبُوهُ عَلَى رَأْيِهِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي تَسْمِيَةِ أُمَرَاءِ عَلِيٍّ
يَوْمَ صِفِّيْنَ:
فَكَانَ عَلَى المَيْسَرَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ، ثُمَّ رُدَّ
بَعْدُ إِلَى وِلاَيَةِ البَصْرَةِ.
وَمِمَّا قَالَ حَسَّانٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِيمَا
بَلَغَنَا:
إِذَا مَا ابْنُ عَبَّاسٍ بَدَا لَكَ وَجْهُهُ ...
رَأَيْتَ لَهُ فِي كُلِّ أَقْوَالِهِ فَضْلاَ
إِذَا قَالَ لَمْ يَتْرُكْ مَقَالاً لِقَائِلٍ ...
بِمُنْتَظَمَاتٍ لاَ تَرَى بَيْنَهَا فَصْلاَ
كَفَى وَشَفَى مَا فِي النُّفُوْسِ فَلَمْ يَدَعْ ...
لِذِي أَرَبٍ فِي القَوْلِ جِدّاً وَلاَ هَزْلاَ
سَمَوْتَ إِلَى العَلْيَا بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ ... فَنِلْتَ
ذُرَاهَا لاَ دَنِيّاً وَلاَ وَغْلاَ
خُلِقْتَ حَلِيْفاً لِلمُرُوْءةِ وَالنَّدَى ... بَلِيْجاً
وَلَمْ تُخْلَقْ كَهَاماً وَلاَ خَبْلاَ (1)
__________
(1) الأبيات بتمامها في " الاستيعاب " 2 / 354، " ومجمع
الزوائد " 9 / 285، وهي عدا الأول والاخير في ديوان حسان
ص: 212، و" أنساب الاشراف " 3 / 43، و" نسب =
(3/353)
رَوَى: العُتْبِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَمَّا سَارَ الحُسَيْنُ إِلَى الكُوْفَةِ، اجْتَمَعَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، فَضَرَبَ
ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى جَيْبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ،
وَتَمَثَّلَ:
يَا لَكِ مِنْ قُنْبَرَةٍ بِمَعْمَرِ ... خَلاَ لَكِ
الجَوُّ فَبِيْضِي وَاصْفِرِي
وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي ...
خَلاَ لَكَ -وَاللهِ - يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ الحِجَازُ،
وَذَهَبَ الحُسَيْنُ.
فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَاللهِ مَا تَرَوْنَ إِلاَّ
أَنَّكُم أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ.
فَقَالَ: إِنَّمَا يَرَى مَنْ كَانَ فِي شَكٍّ، وَنَحْنُ
فَعَلَى يَقِينٍ، لَكنْ أَخْبِرْنِي عنْ نَفْسِكَ: لِمَ
زَعَمْتَ أَنَّكَ أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ سَائِرِ
العَرَبِ؟
فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لِشَرَفِي عَلَيْهِم.
قَالَ: أَيُّمَا أَشْرَفُ، أَنْتَ أَمْ مَنْ شُرِّفْتَ
بِهِ؟
قَالَ: الَّذِي شَرُفْتُ بِهِ زَادَنِي شَرَفاً.
قَالَ: وَعَلَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى اعتَرَضَ
بَيْنَهُمَا رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَكَّتُوهُمَا (1) .
وَعَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي
العِلْمِ بَحْراً يَنشَقُّ لَهُ الأَمْرُ مِنَ الأُمُوْرِ،
وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: (اللَّهُمَّ أَلْهِمْهُ الحِكْمَةَ، وَعَلِّمْهُ
التَّأْوِيْلَ).
فَلَمَّا عَمِيَ، أَتَاهُ النَّاسُ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ
وَمَعَهُم عِلْمٌ مِنْ عِلْمِهِ -أَوْ قَالَ: كُتُبٌ مِنْ
كُتُبِهِ - فَجَعَلُوا يَسْتَقْرِؤُونَهُ، وَجَعَلَ
يُقدِّمُ وَيُؤَخِّرُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، قَالَ:
إِنِّيْ قَدْ
__________
= قريش ": 27، و" المستدرك " 3 / 545، و" الإصابة " 2 /
330.
وقوله " بليجا " أي: طلق الوجه بالمعروف، قالت الخنساء:
كأن لم يقل أهلا لطالب حاجة * وكان بليج الوجه منشرح الصدر
والكهام، يقال: سيف كهام: كليل لا يقطع، ومن المجاز، رجل
كهام: لا غناء عنده ولسان كهام: عيي، وفرس كهام: بطئ عن
الغاية، والخبل: الفساد.
وقد تحرفت في المطبوع من " الاستيعاب " " بليجا " إلى "
فليجا " و" خبلا " إلى " جبلا ".
(1) انظر ص 297 ت 5.
(3/354)
تَلِهْتُ مِنْ مُصِيْبَتِي هَذِهِ، فَمَنْ
كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ عِلْمِي، فَلْيَقْرَأْ
عَلَيَّ، فَإِنَّ إِقْرَارِي لَهُ كَقِرَاءتِي عَلَيْهِ.
قَالَ: فَقَرَؤُوا عَلَيْهِ.
تَلِهْتُ: تَحَيَّرْتُ، وَالأَصْلُ: وَلِهْتُ، كَمَا
قِيْلَ فِي وُجَاهُ: تِجَاهُ (1) .
أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ هِلاَلِ بنِ خَبَّابٍ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ الحَمَّامَ إِلاَّ وَحْدَهُ،
وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ صَفِيقٌ، يَقُوْلُ: إِنِّيْ أَسْتَحْيِي
اللهَ أَنْ يَرَانِي فِي الحَمَّامِ مُتَجَرِّداً.
أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ أَبِي الجُوَيْرِيَةِ، قَالَ:
رَأَيْتُ إِزَارَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ
أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ قَطِيفَةٌ رُوْمِيَّةٌ
وَهُوَ يُصَلِّي.
رِشْدِيْنُ بنُ كُرَيْب: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَعْتَمُّ (2) بِعِمَامَةٍ
سَوْدَاءَ، فَيُرْخِي شِبْراً بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَمِنْ
بَيْنِ يَدَيْهِ.
ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ:
أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَتَّخِذُ الرِّدَاءَ
بِأَلْفٍ.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بنُ شَابُوْرٍ؛ قَالَ
رَجُلٌ لِعَطِيَّةَ: مَا أَضْيَقَ كُمَّكَ!
قَالَ: كَذَا كَانَ كُمُّ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ.
__________
(1) جاء في " اللسان " التله: الحيرة، تله الرجل يتله
تلها: حار.
ورأيته يتتله، أي: يتردد متحيرا.
وقيل: أصل التله بمعنى الحيرة: الوله، قلبت الواو تاء، وقد
وله يوله، وتله يتله، وقيل: كان في الأصل: ائتله يأتله،
فأدغمت الواو في التاء، فقيل اتله يتله، ثم حذفت التاء،
فقيل: تله يتله، كما قالوا: تخذ يتخذ، وتقي يتقى، والاصل
فيهما: اتخذ يتخذ، واتقى يتقي.
وفي " التهذيب " 6 / 236 عن النوادر: تلهت كذا وتلهت عنه،
أي: ضللته وأنسيته.
(2) تحرفت في المطبوع من " تاريخ الإسلام " 3 / 35 إلى "
ويقيم ".
(3/355)
مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ: عَنْ عِكْرِمَةَ:
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَلْبَسُ الخَزَّ، وَيَكْرَهُ
المُصْمَتَ (1) .
عَنْ عَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، قَالَ:
لَمَّا وَقَعَتِ الفِتْنَةُ بَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ
وَعَبْدِ المَلِكِ، ارْتَحَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدُ
ابْنُ الحَنَفِيَّةِ بِأَهْلِهِمَا حَتَّى نَزَلُوا
مَكَّةَ؛ فَبَعَثَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهِمَا: أَنْ
بَايِعَا.
فَأَبَيَا، وَقَالاَ: أَنْتَ وَشَأْنُكَ، لاَ نَعرِضُ لَكَ
وَلاَ لِغَيْرِكَ.
فَأَبَى، وَأَلَحَّ عَلَيْهِمَا، وَقَالَ: وَاللهِ
لَتُبَايِعُنَّ، أَوْ لأُحَرِّقَنَّكُم بِالنَّارِ.
فَبَعَثَا أَبَا الطُّفَيْلِ عَامِرَ بنَ وَاثِلَةَ إِلَى
شِيْعَتِهِم بِالكُوْفَةِ، فَانْتَدَبَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ،
فَحَمَلُوا السِّلاَحَ، حَتَّى دَخَلُوا مَكَّةَ، ثُمَّ
كَبَّرُوا تَكْبِيْرَةً سَمِعَهَا أَهْلُ مَكَّةَ،
وَانْطَلَقَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنَ المَسْجَدِ هَارِباً
حَتَّى دَخَلَ دَارَ النَّدْوَةِ - وَقِيْلَ: بَلْ
تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ - وَقَالَ: أَنَا
عَائِذٌ بِبَيْتِ اللهِ.
قَالَ: ثُمَّ مِلْنَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ
الحَنَفِيَّةِ، قَدْ عُمِلَ حَوْلَ دُوْرِهِمُ الحَطَبُ
لِيُحْرِقَهَا، فَخَرَجْنَا بِهِم، حَتَّى نَزَلْنَا
بِهِمُ الطَّائِفَ.
وَلأَبِي الطُّفَيْلِ الكِنَانِيِّ حِيْنَ مَنَعَ ابْنُ
الزُّبَيْرِ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبَّاسٍ مِنَ الاجتِمَاعِ
بِالنَّاسِ، كَانَ يَخَافُهُ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ النَّاسَ
عَنْ بَيْعَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ - أَنْ لَوْ شَاءَ
الخِلاَفَةَ - ذَهَابُ بَصَرِهِ:
لاَ دَرَّ دَرُّ اللَّيَالِي كَيْفَ تُضْحِكُنَا ...
مِنْهَا خُطُوبٌ أَعَاجِيبٌ وَتُبْكِينَا
وَمِثْلُ مَا تُحْدِثُ الأَيَّامُ مِنْ غِيَرٍ ... فِي
ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الدُّنْيَا تُسَلِّينَا
كُنَّا نَجِيْءُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَيُقْبِسُنَا ... فِقْهاً
وَيُكْسِبُنَا أَجْراً وَيَهْدِيْنَا
وَلاَ يَزَالُ عُبَيْدُ اللهِ مُتْرَعَةً ... جِفَانُهُ
مُطْعِماً ضَيْفاً وَمِسْكِينَا
فَالبِرُّ وَالدِّيْنُ وَالدُّنْيَا بِدَارِهِمَا ...
نَنَالُ مِنْهَا الَّذِي نَبْغِي إِذَا شِيْنَا
__________
(1) في الأصل: " الصمت "، والخز: ثياب تنسج من صوف
وإبريسم، والمصمت: هو الذي جميعه إبريسم لا يخالطه قطن
ولاغيره.
(3/356)
إِنَّ الرَّسُولَ هُوَ النُّوْرُ الَّذِي
كُشِفَتْ ... بِهِ عَمَايَاتُ مَاضِينَا وَبَاقِيْنَا
وَرَهْطُهُ عِصْمَةٌ فِي دِيْنِنَا وَلَهُم ... فَضْلٌ
عَلَيْنَا وَحَقٌّ وَاجِبٌ فِيْنَا
فَفِيْمَ تَمْنَعُهُم مِنَّا وَتَمْنَعُنَا ... مِنْهُم،
وَتُؤْذِيْهُمُ فِيْنَا وَتُؤْذِيْنَا
لَنْ يُؤْتِيَ اللهُ إِنْسَاناً بِبُغْضِهِمُ ... فِي
الدِّيْنِ عِزّاً وَلاَ فِي الأَرْضِ تَمْكِينَا (1)
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ (2) فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ
عَبَّاسٍ:
هُوَ القَائِلُ مَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ:
إِنْ يَأْخُذِ اللهُ مِنْ عَيْنَيَّ نُورَهُمَا ... فَفِي
لِسَانِي وَقَلْبِي مِنْهُمَا نُورُ
قَلْبِي ذَكِيٌّ، وَعَقْلِي غَيْرُ ذِي دَخَلٍ ... وَفِي
فَمِي صَارِمٌ كَالسَّيْفِ مَأْثُورُ
قَالَ سَالِمُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ: عَنْ أَبِي كُلْثُوْمٍ:
أَنَّ ابْنَ الحَنَفِيَّةِ لَمَّا دُفِنَ ابْنُ عَبَّاسٍ،
قَالَ: اليَوْمَ مَاتَ رَبَّانِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ (3) .
وَرَوَاهُ بَعْضُهُم، فَقَالَ: عَنْ مُنْذِرٍ
الثَّوْرِيِّ، بَدَلَ أَبِي كُلْثُوْمٍ (4) .
قَالَ حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ المَرْوَزِيُّ: حَدَّثَنَا
أَبُو الزُّبَيْرِ، قَالَ:
لَمَّا مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ جَاءَ طَائِرٌ أَبْيَضُ،
فَدَخَلَ فِي أَكْفَانِهِ.
رَوَاهَا: الأَجْلَحُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، فَزَادَ:
فَكَانُوا يُرَوْنَ أَنَّهُ عِلْمُهُ (5) .
وَرَوَى: عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ
جُبَيْرٍ، نَحْوَهُ، وَزَادَ:
فَمَا رُئِيَ بَعْدُ -يَعْنِي: الطَّائِرَ -.
__________
(1) الابيات في " الاستيعاب " 2 / 355، 356.
(2) 2 / 356.
(3) أخرجه ابن سعد 2 / 368، والبلاذري 3 / 54، وهو في "
المستدرك " 5 / 543 من طريق آخر بنحوه.
(4) هذه الرواية في " تاريخ الفسوي " 1 / 540.
(5) انظر " أنساب الاشراف " 3 / 54، و" المستدرك " 3 /
543.
(3/357)
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ يَعْلَى بنِ
عَطَاءٍ، عَنْ بُجَيْرِ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ:
مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ، فَلَمَّا خَرَجُوا
بِنَعشِهِ، جَاءَ طيْرٌ عَظِيْمٌ أَبيضُ مِنْ قِبَلِ وَجٍّ
حَتَّى خَالطَ أَكْفَانَهُ، ثُمَّ لَمْ يَرَوْهُ،
فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ عِلْمُهُ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ (الإِحكَامِ (1)): جَمعَ
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ يَعْقُوْبَ بنِ
المَأْمُوْنِ أَحَدُ أَئِمَّةِ الإِسْلاَمِ فَتَاوَى ابْنِ
عَبَّاسٍ فِي عِشْرِيْنَ كِتَاباً.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ فِي كِتَابِهِ، عَنِ
ابْنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا
ابْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ شُجَاعٍ، عَنْ
سَالِمٍ الأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيْدٍ؛ قَالَ:
مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ، فَجَاءَ طَائِرٌ لَمْ
يُرَ عَلَى خِلْقتِهِ، فَدَخَلَ نَعْشَهُ، ثُمَّ لَمْ يُرَ
خَارِجاً مِنْهُ، فَلَمَّا دُفِنَ، تُلِيَتْ هَذِهِ
الآيَةُ عَلَى شَفِيْرِ القَبْرِ، لاَ يُدْرَى مَنْ
تَلاَهَا: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ
ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفَجْرُ:
27]، الآيَةَ (2) .
رَوَاهُ: بَسَّامٌ الصَّيْرَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
يَامِيْنَ (3)، وَسَمَّى الطَّائِرَ: غُرْنُوْقاً.
رَوَاهُ: فُرَاتُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ
مِهْرَان:
شَهِدتُ جِنَازَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ...، بنَحْوٍ مِنْ
حَدِيْثِ سَالِمٍ الأَفْطَسِ (4) .
فَهَذِهِ قَضِيَّةٌ مُتَوَاتِرَةٌ.
__________
(1): " الاحكام في أصول الاحكام " 5 / 92.
(2) أورده في " المجمع " 9 / 285، وقال: رواه الطبراني
ورجاله رجال الصحيح، وهو في " المستدرك " 3 / 543، 544.
(3) هو عبد الله بن يامين، بياء وميم، مجهول الحال، وقد
تحرف في المطبوع إلى " مأمن " وخبره هذا أخرجه الفسوي في "
تاريخه " 1 / 539.
(4) " حلية الأولياء " 1 / 329.
(3/358)
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ:
تُوُفِّيَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَنَةَ ثَمَانٍ، أَوْ سَبْعٍ
وَسِتِّيْنَ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَالهَيْثَمُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ:
سَنَةَ ثَمَانٍ.
وَقِيْلَ: عَاشَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
و(مُسْنَدُهُ): أَلْفٌ وَسِتُّ مائَةٍ وَسِتُّوْنَ
حَدِيثاً.
وَلَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ): خَمْسَةٌ
وَسَبْعُوْنَ.
وَتَفَرَّدَ: البُخَارِيُّ لَهُ بِمائَةٍ وَعِشْرِيْنَ
حَدِيثاً، وَتَفَرَّدَ: مُسْلِمٌ بِتِسْعَةِ أَحَادِيْثَ.
52 - أَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ * (ع)
صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَنَزِيلُ حِمْصَ.
رَوَى: عِلْماً كَثِيْراً.
وَحَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ (1) ، وَمُعَاذٍ، وَأَبِي
عُبَيْدَةَ.
رَوَى عَنْهُ: خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَالقَاسِمُ أَبُو
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ،
وَشُرَحْبِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ حَبِيْبٍ
المُحَارِبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ،
وَسُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ، وَأَبُو غَالِبٍ حَزَوَّرٌ،
وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ خَلِيْفَةُ: وَمِنْ قَيْسِ عَيْلاَنَ، ثُمَّ مِنْ
بَنِي أَعْصُرَ؛ صُدَيُّ بنُ عَجْلاَنَ
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 411، طبقات خليفة: ت 297، 2839،
المحبر: 291، 298، التاريخ الكبير 4 / 326، المعارف: 309،
الجرح والتعديل 4 / 454، مشاهير علماء الأمصار ت 327،
جمهرة أنساب العرب: 247، المستدرك 3 / 641، الاستيعاب:
736، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 226، تاريخ ابن عساكر 8
/ 145 ب، أسد الغابة 3 / 16، و6 / 16، تهذيب الأسماء
واللغات 1 / 2 / 176، تهذيب الكمال: 1576، تاريخ الإسلام 3
/ 313، العبر 1 / 101، تذهيب التهذيب 2 / 192، معجم
الطبراني 8 / 105، مرآة الجنان 1 / 177، البداية والنهاية
9 / 73، مجمع الزوائد 9 / 386، الإصابة 2 / 182، تهذيب
التهذيب 4 / 420، خلاصة تذهيب الكمال: 149، شذرات الذهب 1
/ 96، تهذيب ابن عساكر 6 / 419.
(1) تحرف في المطبوع إلى " عمرو " بواو.
(3/359)
بنِ وَهْبِ بنِ عَرِيْبِ بنِ وَهْبِ بنِ
رِيَاحِ بنِ الحَارِثِ بنِ مَعْنِ بنِ مَالِكِ بنِ
أَعْصُرَ.
قَالَ سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَقُوْلُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ.
قُلْتُ لأَبِي أُمَامَةَ: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ يَوْمَئِذٍ؟
قَالَ: أَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً (1) .
وَرُوِيَ: أَنَّهُ بَايعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.
رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قُلْتُ: يَا
رَسُوْلَ اللهِ! ادْعُ اللهَ لِي بِالشَّهَادَةِ.
فَقَالَ: (اللَّهُمَّ سَلِّمْهُمْ، وَغَنِّمْهُمْ).
فَغَزَوْنَا، فَسَلِمْنَا، وَغَنِمْنَا.
وَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ.
قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ
لَهُ).
فَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ، وَامْرَأَتُهُ، وَخَادِمُهُ لاَ
يُلْفَوْنَ إِلاَّ صِيَاماً (2) .
الحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، وَصَدَقَةُ بنُ هُرْمُزَ -
بِمَعْنَاهُ -: عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ:
أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إِلَى بَاهِلَةَ، فَأَتَيتُهُم، فَرَحَّبُوا
بِي، فَقُلْتُ:
جِئْتُ لأَنْهَاكُم عَنْ هَذَا الطَّعَامِ، وَأَنَا
رَسُوْلُ رَسُوْلِ اللهِ لِتُؤْمِنُوا بِهِ.
فَكَذَّبُوْنِي، وَرَدُّونِي، فَانْطَلقتُ وَأَنَا جَائِعٌ
ظَمْآنُ، فَنِمْتُ، فَأُتِيتُ فِي مَنَامِي بِشَربَةٍ مِنْ
لَبَنٍ، فَشَرِبتُ، فَشَبِعتُ، فَعَظُمَ بَطْنِي.
فَقَالَ القَوْمُ: [ أَتَاكُم ] رَجُلٌ مِنْ
__________
(1) " ابن عساكر " 8 / 148 آ.
(2) أخرجه أحمد 5 / 248، 249 من طريق روح بن عبادة، عن
هشام بن حسان، عن همام، عن واصل مولى أبي عيينة، عن محمد
بن أبي يعقوب، عن رجاء بن حيوة، عن أبي أمامة، وهذا سند
صحيح، وأخرجه الطبراني (7463)، وأحمد 5 / 249 من طريق مهدي
بن ميمون، حدثنا محمد بن أبي يعقوب، حدثنا رجاء بن حيوة،
عن أبي أمامة، وهذا سند صحيح أيضا، وصححه ابن حبان (929)،
وأخرجه مختصرا ابن خزيمة (1893)، والنسائي 4 / 165،
والحاكم 1 / 421، وابن حبان (930) من طريق محمد بن أبي
يعقوب، عن أبي نضرة، عن رجاء بن حيوة، عن أبي أمامة.
وانظر " ابن عساكر " 8 / 148 ب، و" المصنف " (7899).
(3/360)
أَشْرَافِكُم وَخِيَارِكُم،
فَرَدَدْتُمُوْهُ؟
قَالَ: فَأَتَوْنِي بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ، فَقُلْتُ: لاَ
حَاجَةَ لِي فِيْهِ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَطْعَمَنِي
وَسَقَانِي.
فَنَظَرُوا إِلَى حَالِي؛ فآمَنُوا (1) .
مِسْعَرٌ: عَنْ أَبِي العَنْبَسِ، عَنْ أَبِي العَدَبَّسِ،
عَنْ أَبِي مَرْزُوْقٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ، قَالَ:
خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُتَوَكِّئٌ عَلَى عَصاً، فَقُمْنَا
إِلَيْهِ، فَقَالَ: (لاَ تَقُوْمُوا كَمَا تَقُوْمُ
الأَعَاجِمُ، يُعَظِّمُ بَعْضُهَا بَعْضاً (2)).
ابْنُ المُبَارَكِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ
عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ:
رَأَيْتُ أَبَا أُمَامَةَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ فِي
المَسْجَدِ، وَهُوَ سَاجِدٌ يَبْكِي، وَيَدْعُو، فَقَالَ:
أَنْتَ أَنْتَ! لَوْ كَانَ هَذَا فِي بَيْتِكَ.
صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو: حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ،
قَالَ:
كُنَّا نَجْلِسُ إِلَى أَبِي أُمَامَةَ، فَيُحَدِّثُنَا
حَدِيْثاً كَثِيْراً عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَقُوْلُ: اعْقِلُوا،
وَبَلِّغُوا عَنَّا مَا تَسْمَعُوْنَ.
__________
(1) صدقه بن هرمز ضعيف، لكنه متابع، والخبر من طريقه عند
الحاكم 3 / 641، 642، وأبو غالب هو صاحب أبي أمامة، قال في
" التقريب ": صدوق يخطئ، فمثله يكون حديثه حسنا، وقد أورده
الهيثمي في " المجمع " 9 / 387، وقال: رواه الطبراني
بإسنادين، وإسناد الأولى حسن، فيها أبو غالب وقد وثق،
ونسبه الحافظ في " الإصابة " 2 / 182 إلى أبي يعلى،
وللبيهقي في " الدلائل ". وهو عند ابن عساكر 8 / 149 آ.
(2) أبو العدبس - وقد تصحف في المطبوع إلى العديس - مجهول،
وأبو مرزوق مجهول أيضا، وهو " في سنن أبي داود " (5230) في
الأدب: باب في قيام الرجل للرجل، من طريق أبي بكر بن أبي
شيبة، عن عبد الله بن نمير...، وأخرجه ابن ماجه (3836) في
الدعاء: باب دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق
علي بن محمد، عن وكيع، عن مسعر، عن أبي مرزوق، عن أبي
وائل، عن أبي أمامة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو متكئ على عصا، فلما رأيناه، قمنا، فقال: "
لا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها " قلنا يا رسول
الله: لو دعوت الله لنا، قال: " اللهم اغفر لنا وارحمنا،
وارض عنا، وتقبل منا، وأدخلنا الجنة، ونجنا من النار،
وأصلح لنا شأننا كله " قال: فكأنما أحببنا أن يزيدنا،
فقال: " أو ليس قد جمعت لكم الامر ؟ ".
وهو عند " ابن عساكر " 8 / 149 ب.
(3/361)
لأَبِي أُمَامَةَ كَرَامَةٌ بَاهِرَةٌ،
جَزِعَ هُوَ مِنْهَا، وَهِيَ فِي (كَرَامَاتِ
الدَّاكَالِيِّ)، وَأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِثَلاَثَةِ
دَنَانِيْرَ، فَلَقِيَ تَحْتَ كَرَاجَتِه ثَلاَثَ مائَةِ
دِيْنَارٍ (1) .
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ
سَعِيْدٍ الأَزْدِيِّ، قَالَ:
شَهِدْتُ أَبَا أُمَامَةَ وَهُوَ فِي النَّزْعِ، فَقَالَ
لِي: يَا سَعِيْدُ! إِذَا أَنَا مِتُّ، فَافْعَلُوا بِي
كَمَا أَمَرَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ لَنَا: (إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ،
فَنَثَرْتُمْ عَلَيْهِ التُّرَابَ، فَلْيَقُمْ رَجُلٌ
مِنْكُمْ عِنْدَ رَأْسِهِ، ثُمَّ لْيَقُلْ: يَا فُلاَنُ
بنُ فُلاَنَةَ؛ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ، وَلَكِنَّهُ لاَ
يُجِيْبُ، ثُمَّ لْيَقُلْ: يَا فُلاَنُ بنُ فُلاَنَةَ،
فَإِنَّهُ يَسْتَوِي جَالِساً، ثُمَّ لْيَقُلْ: يَا
فُلاَنُ بنُ فُلاَنَةَ، فَإِنَّهُ يَقُوْلُ: أَرْشِدْنَا
يَرْحَمْكَ اللهُ، ثُمَّ لْيَقُلْ: اذكُرْ مَا خَرَجْتَ
عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا؛ شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ،
وَأَنَّكَ رَضِيْتَ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ
نَبِيّاً، وَبَالإِسْلاَمِ دِيْناً، فَإِنَّهُ إِذَا
فَعَلَ ذَلِكَ، قَالَ مُنْكَرٌ وَنَكِيْرٌ: اخْرُجْ بِنَا
مِنْ عِنْدِ هَذَا، مَا نَصْنَعُ بِهِ وَقَدْ لُقِّنَ
حُجَّتَهُ؟!).
قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، فَإِنْ لَمْ أَعْرِفْ
أُمَّهُ.
قَالَ: (انْسِبْهُ إِلَى حَوَّاءَ) (2).
__________
(1) أورده الخبر بتمامه المؤلف في " تاريخه " 3 / 315 من
طريق الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جابر، عن مولاة لأبي أمامة
قالت: كان أبو أمامة يحب الصدقة، ولا يقف به سائل إلا
أعطاه، فأصبحنا يوما وليس عنده إلا ثلاثة دنانير، فوقف به
سائل، فأعطاه دينارا، ثم آخر، فكذلك، ثم آخر، فكذلك.
قلت: لم يبق لنا شيء، ثم راح إلى مسجده صائما، فرققت له،
واقترضت له ثمن عشاء، وأصلحت فراشه، فإذا تحت المرفقة ثلاث
مئة دينار، فلما دخل ورأى ما هيأت له، حمد الله وابتسم،
وقال: هذا خير من غيره، ثم تعشى، فقلت: يغفر الله لك جئت
بما جئت به، ثم تركته بموضع مضيعة ؟ قال: وما ذاك ؟ قلت:
الذهب، ورفعت المرفقة، ففزع لما رأى، وقال: ما هذا ويحك ؟
قلت: لاعلم لي، فكثر فزعه.
وابن جابر: هو عبد الرحمن بن يزيد الشامي الداراني وهو
ثقة، ومولاة أبي أمامة لا تعرف.
(2) أخرجه الطبراني (7979)، وأورده الهيثمي في " المجمع "
3 / 45، ونسبه للطبراني، وقال: وفي إسناده جماعة لم
أعرفهم، وهو عند ابن عساكر 8 / 151 ب.
(3/362)
وَيُرْوَى: بِإِسْنَادٍ آخَرَ، إِلَى
سَعِيْدٍ هَذَا.
قَالَ المَدَائِنِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ أَبُو
أُمَامَةَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى
وَثَمَانِيْنَ.
53 - عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ بنِ
خُوَيْلِدٍ الأَسَدِيُّ * (ع)
ابْنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبِ
بنِ مُرَّةَ، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، أَبُو بَكْرٍ،
وَأَبُو خُبَيْبٍ القُرَشِيُّ، الأَسَدِيُّ، المَكِّيُّ،
ثُمَّ المَدَنِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، وَلَدُ
الحَوَارِيِّ الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، ابْنِ عَمِّةِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَحَوَارِيِّهِ.
(مُسْنَدُهُ): نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثَةٍ وَثَلاَثِيْنَ
حَدِيْثاً.
اتَّفَقَا لَهُ عَلَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَانْفَرَدَ
البُخَارِيُّ: بِسِتَّةِ أَحَادِيْثَ، وَمُسْلِمٌ:
بِحَدِيْثَيْنِ (1) .
كَانَ عَبْدُ اللهِ أَوَّلَ مَولُودٍ لِلْمُهَاجِرِينَ
بِالمَدِيْنَةِ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ إِحْدَى.
__________
(*) نسب قريش: 237 وما بعدها، طبقات خليفة: ت 69، 1489،
1987، المحبر: 21، 55، 58، 275، 305، 481، التاريخ الكبير
5 / 6، المعرفة والتاريخ 1 / 243، 543، الجرح والتعديل 5 /
56، تاريخ الطبري 5 / 563، 582، 622 و6 / 166، 187، مروج
الذهب 3 / 272 وما بعدها، المستدرك 3 / 547، الحلية 1 /
329، جمهرة أنساب العرب: انظر الفهرس، الاستيعاب: 905،
طبقات الشيرازي: 50، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 240،
جامع الأصول 9 / 65، أسد الغابة 3 / 242، الكامل 4 / 348،
الحلة السيراء 1 / 24، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 266،
وفيات الأعيان 3 / 71، تهذيب الكمال: 682، تاريخ الإسلام 3
/ 167، تذهيب التهذيب 2 / 144 ب، البداية 8 / 332، 345
العقد الثمين 5 / 141، غاية النهاية: ت 1770، الإصابة 2 /
309، تهذيب التهذيب 5 / 213، تاريخ الخلفاء: 211، خلاصة
تذهيب الكمال: 167، شذرات الذهب 1 / 79، 80.
(1) انظر البخاري 3 / 391 في الحج، و5 / 27 في الشرب، و7 /
16 في المناقب، و8 / 229 و454 في التفسير، و10 / 243 في
اللباس، و1 / 218 في الرقاق، ومسلم (579) و(554) في
المساجد، و(2357) في الفضائل.
(3/363)
وَلَهُ صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةُ أَحَادِيْثَ.
عِدَادُه فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَإِنْ كَانَ
كَبِيْراً فِي العِلْمِ، وَالشَّرَفِ، وَالجِهَادِ،
وَالعِبَادَةِ.
وَقَدْ رَوَى أَيْضاً عَنْ: أَبِيْهِ، وَجَدِّهِ لأُمِّهِ؛
الصِّدِّيْقِ، وَأُمِّهِ أَسْمَاءَ، وَخَالَتِهِ
عَائِشَةَ، وَعَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَغَيْرِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَخُوْهُ؛ عُرْوَةُ الفَقِيْهُ،
وَابْنَاهُ عَامِرٌ وَعَبَّادٌ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛
مُحَمَّدُ بنُ عُرْوَةَ، وَعَبِيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ،
وَطَاوُوْسٌ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ،
وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَأَبُو
الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ
السَّبِيْعِيُّ، وَوَهْبُ بنُ كَيْسَانَ، وَسَعِيْدُ بنُ
مِيْنَاءَ، وَحَفِيدَاهُ: مُصْعَبُ بنُ ثَابِتِ بنِ عَبْدِ
اللهِ، وَيَحْيَى بنُ عَبَّادِ بنِ عَبْدِ اللهِ،
وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ المُنْذِرِ
بنِ الزُّبَيْرِ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ فَارِسَ قُرَيْشٍ فِي زَمَانِهِ، وَلَهُ مَوَاقِفُ
مَشهُودَةٌ.
قِيْلَ: إِنَّهُ شَهِدَ اليَرْمُوْكَ وَهُوَ مُرَاهِقٌ،
وَفَتْحَ المَغْرِبِ، وَغَزْوَ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ،
وَيَوْمَ الجَمَلِ مَعَ خَالَتِهِ.
وَبُوْيِعَ بِالخِلاَفَةِ عِنْدَ مَوْتِ يَزِيْدَ سَنَةَ
أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ، وَحَكَمَ عَلَى الحِجَازِ،
وَاليَمَنِ، وَمِصْرَ، وَالعِرَاقِ، وَخُرَاسَانَ، وَبَعضِ
الشَّامِ.
وَلَمْ يَسْتَوسِقْ لَهُ الأَمْرُ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ
يَعُدَّهُ بَعْضُ العُلَمَاءِ فِي أُمَرَاءِ
المُؤْمِنِيْنَ، وَعَدَّ دَوْلَتَهُ زَمَنَ فُرْقَةٍ،
فَإِنَّ مَرْوَانَ غَلَبَ عَلَى الشَّامِ ثُمَّ مِصْرَ،
وَقَامَ عِنْدَ مَصرعِهِ ابْنُهُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ
مَرْوَانَ، وَحَارَبَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَقُتِلَ ابْنُ
الزُّبَيْرِ -رَحِمَهُ اللهُ - فَاسْتقَلَّ بِالخِلاَفَةِ
عَبْدُ المَلِكِ وَآلُهُ، وَاسْتَوسَقَ لَهُمُ الأَمْرُ،
إِلَى أَنْ قَهَرَهُم بَنُو العَبَّاسِ بَعْدَ مُلْكِ
سِتِّيْنَ عَاماً.
قِيْلَ: إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَدْركَ مِنْ حَيَاةِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ثَمَانِيَةَ أَعْوَامٍ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَ
مُلاَزِماً لِلوُلُوجِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ، لِكَوْنِهِ
مِنْ آلِهِ، فَكَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَى
(3/364)
بَيْتِ خَالَتِهِ عَائِشَةَ.
شُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيْهِ، وَزَوْجَتِهِ فَاطِمَةَ، قَالاَ:
خَرَجَتْ أَسْمَاءُ حِيْنَ هَاجَرَتْ حُبْلَى، فَنُفِسَتْ
بِعَبْدِ اللهِ بِقُبَاءَ.
قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَجَاءَ عَبْدُ اللهِ بَعْدَ سَبْعِ
سِنِيْنَ لِيُبَايِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِذَلِكَ أَبُوْهُ الزُّبَيْرُ،
فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - حِيْنَ رَآهُ مُقْبِلاً، ثُمَّ بَايَعَهُ.
حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ (1) .
قَالَ الوَاقِدِيُّ: عَنْ مُصْعَبِ بنِ ثَابِتٍ، عَنْ
يَتِيْمِ عُرْوَةَ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُوْنَ، أَقَامُوا لاَ يُولَدُ
لَهُم، فَقَالُوا: سَحَرَتْنَا يَهُوْدُ، حَتَّى كَثُرتِ
القَالَةُ فِي ذَلِكَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَولُودٍ ابْنُ
الزُّبَيْرِ، فَكَبَّرَ المُسْلِمُوْنَ تَكْبِيرَةً
وَاحِدَةً حَتَّى ارْتَجَّتِ المَدِيْنَةُ، وَأَمَرَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا
بَكْرٍ، فَأَذَّنَ فِي أُذُنَيْهِ بِالصَّلاَةِ.
وَقَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ؛ عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
كَانَ عَارِضَا ابْنِ الزُّبَيْرِ خَفِيفَيْنِ، فَمَا
اتَّصَلَتْ لِحْيَتُهُ حَتَّى بَلَغَ السِّتِّيْنَ.
وَفِي البُخَارِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ:
أَنَّ الزُّبَيْرَ أَركَبَ وَلَدَهُ عَبْدَ اللهِ يَوْمَ
اليَرْمُوْكِ فَرَساً وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِيْنَ،
وَوَكَّلَ بِهِ رَجُلاً (2).
__________
(1) أخرجه مسلم (2146) في الآداب: باب استحباب تحنيك
المولود...من طريق الحكم بن موسى بهذا الإسناد.
وقد اختصره المصنف، ولفظه بتمامه: " خرجت أسماء بنت أبي
بكر، حين هاجرت، وهي حبلى بعبد الله بن الزبير.
فقدمت قباء.
فنفست بعبد الله بقباء.
ثم خرجت حين نفست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليحنكه.
فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فوضعه في حجره،
ثم دعا بتمرة.
قال قالت عائشة: فمكثنا ساعة نلتمسها قبل أن نجدها،
فمضغها.
ثم بصقها في فيه.
فإن أول شيء دخل بطنه لريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قالت أسماء: ثم مسحه وصلى عليه، وسماه عبد الله.
ثم جاء وهو ابن سبع سنين أو ثمان، ليبايع رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وأمره بذلك الزبير.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلا إليه،
ثم بايعه ".
(2) أخرجه البخاري 7 / 234 في المغازي: باب قتل أبي جهل.
(3/365)
التَّبُوْذَكِيُّ: حَدَّثَنَا هُنَيْدُ بنُ
القَاسِمِ: سَمِعْتُ عَامِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ
الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
إِنَّهُ أَتَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَحْتَجِمُ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ:
(يَا عَبْدَ اللهِ! اذْهَبْ بِهَذَا الدَّمِ، فَأَهْرِقْهُ
حَيْثُ لاَ يَرَاكَ أَحَدٌ).
فَلَمَّا بَرَزَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمدَ إِلَى الدَّمِ، فَشَرِبَهُ.
فَلَمَّا رَجَعَ، قَالَ: (مَا صَنَعْتَ بِالدَّمِ؟).
قَالَ: عَمدْتُ إِلَى أَخْفَى مَوْضِعٍ عَلِمْتُ،
فَجَعَلْتُهُ فِيْهِ.
قَالَ: (لَعَلَّكَ شَرِبْتَهُ؟).
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: (وَلِمَ شَرَبْتَ الدَّمَ؟ وَيْلٌ لِلنَّاسِ
مِنْكَ، وَوَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ).
قَالَ مُوْسَى التَّبُوْذَكِيُّ: فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا
عَاصِمٍ، فَقَالَ:
كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ القُوَّةَ الَّتِي بِهِ مِنْ
ذَلِكَ الدَّمِ.
رَوَاهُ: أَبُو يَعْلَى فِي (مُسْنَدِهِ)، وَمَا عَلِمْتُ
فِي هُنَيْدٍ جَرْحَةً (1) .
خَالِدٌ الحَذَّاءُ: عَنْ يُوْسُفَ أَبِي يَعْقُوْبَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ حَاطِبٍ، وَالحَارِثِ، قَالاَ:
طَالَمَا حَرَصَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى الإِمَارَةِ.
قُلْتُ: وَمَا ذَلِكَ؟
قَالاَ: أُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِلِصٍّ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ.
فَقِيْلَ: إِنَّهُ سَرَقَ.
فَقَالَ: (اقْطَعُوْهُ).
ثُمَّ جِيْءَ بِهِ فِي إِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ
سَرَقَ، وَقَدْ قُطِعَتْ قَوَائِمُهُ، فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ:
مَا أَجِدُ لَكَ شَيْئاً إِلاَّ مَا قَضَى فِيكَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أَمَرَ
بِقَتْلِكَ.
فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ أُغَيْلِمَةً مِنْ أَبْنَاءِ
المُهَاجِرِينَ أَنَا فِيْهم.
فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَمِّرُوْنِي عَلَيْكُم.
فَأَمَّرْنَاهُ، فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى البَقِيْعِ،
فَقَتَلْنَاهُ (2) .
هَذَا خَبَرٌ مُنْكَرٌ، فَاللهُ أَعْلَمُ.
__________
(1) ذكره ابن أبي حاتم 9 / 121، ولم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا، ولم يرو عنه غير التبوذكي موسى بن إسماعيل، وهو في
" الحلية " 1 / 330، و" المستدرك " 3 / 554، وأورده
الهيثمي في " المجمع " 8 / 72، وقال: رواه الطبراني
والبزار باختصار، ورجال البزار، رجال الصحيح، غير هنيد بن
القاسم وهو ثقة.
كذا قال، مع أنه لم يوثق ولم يجرح.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 398، 399.
(3/366)
قَالَ الحَارِثُ بنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا
أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ:
أَنَّ نَوْفاً البِكَالِيَّ (1) قَالَ: إِنِّيْ لأَجِدُ
فِي كِتَابِ اللهِ المُنْزَلِ: أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ
فَارِسُ الخُلَفَاءِ.
مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي
يَعْقُوْبَ:
أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يَلْقَى ابْنَ الزُّبَيْرِ،
فَيَقُوْلُ: مَرْحَباً بِابْنِ عَمِّةِ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنِ حَوَارِيِّ
رَسُوْلِ اللهِ.
وَيَأْمُرُ لَهُ بِمائَةِ أَلْفٍ (2) .
ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ:
ذُكِرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ:
قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ، عَفِيْفٌ فِي الإِسْلاَمِ،
أَبُوْهُ الزُّبَيْرُ، وَأُمُّهُ أَسْمَاءُ، وَجَدُّهُ
أَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّتُهُ خَدِيْجَةُ، وَخَالَتُهُ
عَائِشَةُ، وَجَدَّتُهُ صَفِيَّةُ، وَاللهِ إِنِّيْ
لأُحَاسِبُ لَهُ نَفْسِي مُحَاسَبَةً لَمْ أُحَاسِبْ بِهَا
لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (3) .
مُسْلِمٌ الزَّنْجِيُّ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ دِيْنَارٍ
يَقُوْلُ:
مَا رَأَيتُ مُصَلِّياً قَطُّ أَحسَنَ صَلاَةً مِنْ عَبْدِ
اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ (4) .
عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ: حَدَّثَتْنَا
مَاطِرَةُ المَهْرِيَّةُ، حَدَّثَتْنِي خَالَتِي أُمُّ
جَعْفَرٍ بِنْتُ النُّعْمَانِ:
أَنَّهَا سَلَّمَتْ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ،
وَعِنْدَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَتْ: قَوَّامٌ
اللَّيْلَ، صَوَّامٌ النَّهَارَ، وَكَانَ يُسَمَّى
حَمَامَةَ المَسْجَدِ (5) .
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ لِي عُمَرُ بنُ
عَبْدِ العَزِيْزِ: إِنَّ فِي قَلْبِكَ مِنِ ابْنِ
__________
(1) هو نوف بن فضالة البكالي، ابن امرأة كعب الاحبار، لم
يوثقه غير ابن حبان، وقال: كان راوية للقصص.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 399.
(3) أخرجه البخاري 8 / 245، 246 في التفسير: باب قوله
تعالى: (ثاني اثنين إذ هما في الغار...) وهو في " حلية
الأولياء " 1 / 334، و" المستدرك " 3 / 549.
(4) أخرجه أبو نعيم 1 / 335.
(5) " حلية الأولياء " 1 / 335.
(3/367)
الزُّبَيْرِ.
قُلْتُ: لَوْ رَأَيْتَهُ مَا رَأَيتَ مُنَاجِياً وَلاَ
مُصَلِّياً مِثْلَهُ (1) .
وَرَوَى: حَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي
مُلَيْكَةَ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُوَاصِلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ،
وَيُصْبِحُ فِي اليَوْمِ السَّابِعِ وَهُوَ أَلْيَثُنَا
(2) .
قُلْتُ: لَعَلَّهُ مَا بَلَغَهُ النَّهْيُ عَنِ الوِصَالِ
(3) ، وَنَبِيُّكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِالمُؤْمِنِيْنَ رَؤُوْفٌ رَحِيْمٌ، وَكُلُّ مَنْ
وَاصَلَ، وَبَالَغَ فِي تَجْوِيعِ نَفْسِهِ، انْحَرَفَ
مِزَاجُهُ، وَضَاقَ خُلُقُهُ، فَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ
أَوْلَى، وَلَقَدْ كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مَعَ مُلْكِهِ
صِنْفاً فِي العِبَادَةِ.
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ
خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرْنَا الحَدَّادُ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ،
أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ بنُ جَبَلَةَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ
عُمَرَ بنِ قَيْسٍ، قَالَ:
كَانَ لابْنِ الزُّبَيْرِ مائَةُ غُلاَمٍ، يُكَلِّمُ كُلَّ
غُلاَمٍ مِنْهُم بِلُغَةٍ أُخْرَى، فَكُنْتَ إِذَا
نَظَرْتَ إِلَيْهِ فِي أَمْرِ آخِرَتِهِ، قُلْتَ: هَذَا
رَجُلٌ لَمْ يُرِدِ الدُّنْيَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَإِذَا
نَظَرْتَ إِلَيْهِ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ، قُلْتَ: هَذَا
رَجُلٌ لَمْ يُرِدِ اللهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ (4) .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِذَا قَامَ
إِلَى الصَّلاَةِ، كَأَنَّهُ عُوْدٌ، وَحَدَّثَ
__________
(1) " حلية الأولياء " 1 / 335، و" المستدرك " 3 / 550.
(2) أي: أشدهم وأجلدهم، وبه سمي الاسد ليثا.
وقد تصحف في المطبوع إلى " البثنا " بالباء، والخبر في "
الحلية " 1 / 335.
وأخرجه الحاكم 3 / 549 من طريق حبيب بن الشهيد عن ابن أبي
مليكة قال: كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام، فيصبح يوم
الثالث وهو أليثنا، يعني به كأنه ليث.
(3) حديث النهي عن الوصال في الصوم، أخرجه من حديث أبي
هريرة البخاري 4 / 179، ومسلم (1103)، وأخرجه من حديث أنس
بن مالك مسلم (1104).
(4) هو في " الحلية " 1 / 334، وأخرجه الحاكم 3 / 549، و"
تهذيب ابن عساكر " 7 / 413، 414.
(3/368)
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -
كَانَ كَذَلِكَ (1) .
قَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: كُنْتُ أَمُرُّ بِابْنِ
الزُّبَيْرِ، وَهُوَ خَلْفَ المَقَامِ يُصَلِّي، كَأَنَّهُ
خَشَبَةٌ مَنْصُوْبَةٌ لاَ تَتَحَرَّكُ.
رَوَى: يُوْسُفُ بنُ المَاجِشُوْنِ، عَنِ الثِّقَةِ
يُسْنِدُهُ، قَالَ:
قَسمَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الدَّهْرَ عَلَى ثَلاَثِ لَيَالٍ؛
فَلَيْلَةٌ هُوَ قَائِمٌ حَتَّى الصَّبَاحِ، وَلَيْلَةٌ
هُوَ رَاكِعٌ حَتَّى الصَّباحِ، وَلَيْلَةٌ هُوَ سَاجِدٌ
حَتَّى الصَّباحِ (2) .
يَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيُّ: عَنْ عَبْدِ
اللهِ بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ يَنَّاقَ، قَالَ:
رَكَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَوْماً رَكْعَةً، فَقَرَأْنَا
(3) بِالبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ
وَالمَائِدَةِ، وَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا مَا بَلَغَ ابْنَ الزُّبَيْرِ فِيْهِ
حَدِيثُ النَّهْيِ (4) .
قَالَ يَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: عَنْ عَمْرِو بنِ
دِيْنَارٍ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي فِي الحِجْرِ،
وَالمِنْجَنِيْقُ يَصُبُّ تُوْبَهُ (5) ، فَمَا يَلتَفِتُ
-يَعْنِي: لَمَّا حَاصَرُوْهُ -.
وَرَوَى: هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ،
قَالَ:
لَوْ رَأَيتَ ابْنَ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي كَأَنَّهُ غُصْنٌ
تَصْفِقُهُ الرِّيْحُ، وَحَجَرُ المِنْجَنِيْقِ يَقَعُ هَا
هُنَا (6) .
أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ:
مَا رَأَيتُ أَحَداً أَعْظَمَ
__________
(1) " حلية الأولياء " 1 / 335.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 400.
(3) في الأصل: " فقرأ " وهو خطأ، والتصويب من " تاريخ
الإسلام " 3 / 169، ولفظ ابن عساكر 7 / 400: " فقرأت ".
(4) وهذا مبني على أن ابن الزبير هو الذي قرأ في ركوعه كما
جاء في الأصل، ولا يتجه على الرواية الصحيحة المذكورة في "
تاريخ المؤلف " و" ابن عساكر ".
(5) تحرفت الجملة في المطبوع إلى " يصيب ثوبه " والتوب:
حجر المنجنيق.
(6) " حلية الأولياء " 1 / 335.
(3/369)
سَجْدَةً بَيْنَ عَيْنَيْهِ مِنِ ابْنِ
الزُّبَيْرِ.
مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عُمَرَ
بنِ قَيْسٍ، عَنْ أُمِّهِ:
أَنَّهَا دَخَلتْ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ بَيْتَهُ،
فَإِذَا هُوَ يُصَلِّي، فَسَقطَتْ حَيَّةٌ عَلَى ابْنِهِ
هَاشِمٍ، فَصَاحُوا: الحَيَّةَ الحَيَّةَ.
ثُمَّ رَمَوْهَا، فَمَا قَطَعَ صَلاَتَهُ (1) .
قَالَ مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: رَأَيتُ ابْنَ
الزُّبَيْرِ يُوَاصِلُ مِنَ الجُمُعَةِ إِلَى الجُمُعَةِ،
فَإِذَا أَفطَرَ، اسْتَعَانَ بِالسَّمْنِ حَتَّى يَلِيْنَ.
لَيْثٌ: عَنْ مُجَاهِدٍ: مَا كَانَ بَابٌ مِنَ العِبَادَةِ
يَعْجِزُ عَنْهُ النَّاسُ إِلاَّ تَكَلَّفَهُ ابْنُ
الزُّبَيْرِ، وَلَقَدْ جَاءَ سَيْلٌ طَبَّقَ البَيْتَ،
فَطَافَ سِبَاحَةً (2) .
وَعَنْ عُثْمَانَ بنِ طَلْحَةَ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لاَ يُنَازَعُ فِي ثَلاَثَةٍ:
شَجَاعَةٍ، وَلاَ عِبَادَةٍ، وَلاَ بَلاغَةٍ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
أَنَسٍ:
أَنَّ عُثْمَانَ أَمَرَ زَيْداً، وَابْنَ الزُّبَيْرِ،
وَسَعِيْدَ بنَ العَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ
الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، فَنَسَخُوا المَصَاحِفَ، وَقَالَ:
إِذَا اخْتَلَفْتُم أَنْتُم وَزَيْدٌ فِي شَيْءٍ،
فَاكْتُبُوْهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ؛ فَإِنَّمَا نَزَلَ
بِلِسَانِهم (3) .
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ
أَيْمَنَ، قَالَ:
رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ رِدَاءً عَدَنِيّاً
يُصَلِّي فِيْهِ، وَكَانَ صَيِّتاً، إِذَا خَطَبَ
تَجَاوَبَ الجَبَلاَنِ.
وَكَانَتْ لَهُ جُمَّةٌ إِلَى العُنُقِ، وَلِحْيَتُهُ
صَفْرَاءُ.
__________
(1) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 401.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 401.
(3) أخرجه البخاري 9 / 13، 18 في فضائل القرآن: باب نزل
القرآن بلسان قريش من طريق موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد،
وأخرجه ابن أبي داود في " المصاحف ": 18، 19 من طريق محمد
بن بشار، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن إبراهيم بن سعد، به.
(3/370)
مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا
أَبِي، وَالزُّبَيْرُ بنُ خُبَيْبٍ، قَالاَ:
قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: هَجَمَ عَلَيْنَا جُرْجِيْرُ فِي
عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ أَلْفٍ، فَأَحَاطُوا بِنَا وَنَحْنُ
فِي عِشْرِيْنَ أَلْفاً -يَعْنِي: نَوْبَةَ إِفْرِيْقِيَةَ
-.
قَالَ: وَاختَلَفَ النَّاسُ عَلَى ابْنِ أَبِي سَرْحٍ،
فَدَخَلَ فُسْطَاطَهُ، فَرَأَيتُ غِرَّةً مِنْ جُرْجِيْرَ؛
بَصُرْتُ بِهِ خَلْفَ عَسَاكِرِهِ عَلَى بِرْذَوْنٍ
أَشْهَبَ، مَعَهُ جَارِيَتَانِ تُظَلِّلاَنِ عَلَيْهِ
بِرِيشِ الطَّوَاوِيْسِ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَيْشِهِ
أَرْضٌ بَيْضَاءُ، فَأَتَيتُ أَمِيْرَنَا ابْنَ أَبِي
سَرْحٍ، فَنَدَبَ لِيَ النَّاسَ، فَاختَرتُ ثَلاَثِيْنَ
فَارِساً، وَقُلْتُ لِسَائِرِهِم: الْبَثُوا عَلَى
مَصَافِّكُم.
وَحَمَلتُ، وَقُلْتُ لَهُم: احْمُوا ظَهْرِي.
فَخَرَقْتُ الصَّفَّ إِلَى جُرْجِيْرَ، وَخَرجْتُ
صَامِداً، وَمَا يَحْسِبُ هُوَ وَلاَ أَصْحَابُهُ إِلاَّ
أَنِّي رَسُولٌ إِلَيْهِ، حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُ،
فَعَرَفَ الشَّرَّ، فَثَابَرَ (1) بِرْذَوْنُهُ
مُوَلِّياً، فَأَدْركْتُهُ، فَطَعَنْتُهُ، فَسَقَطَ، ثُمَّ
احْتَزَزْتُ رَأْسَهُ، فَنَصَبْتُهُ عَلَى رُمْحِي،
وَكَبَّرْتُ، وَحَمَلَ المُسْلِمُوْنَ، فَارْفَضَّ
العَدُوُّ، وَمَنَحَ اللهُ أَكْتَافَهُم (2) .
مَعْمَرٌ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، قَالَ:
أُخِذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ وَسْطِ القَتْلَى يَوْمَ
الجَمَلِ، وَبهِ بِضْعٌ وَأَرْبَعُوْنَ ضَرْبَةً
وَطَعْنَةً (3) .
وَقِيْلَ: إِنَّ عَائِشَةَ أَعْطَتْ يَوْمَئِذٍ لِمَنْ
بَشَّرَهَا بِسَلاَمَتِهِ عَشْرَةَ آلاَفٍ.
وَعَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَحبَّ إِلَى
عَائِشَةَ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ،
وَبَعْدَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ (4).
__________
(1) في " نسب قريش ": فقبل برذونه موليا، وفي " تاريخ
الإسلام " 3 / 170: فتبادر برذونه موليا، وفيه أيضا 2 /
79: فوثب على برذونه وولى مدبرا، وفي " تهذيب ابن عساكر "
7 / 402: فثنى برذونه موليا.
(2) الخبر بأطول مما هنا في " نسب قريش ": 237، 238.
وفتح إفريقية كان في سنة سبع وعشرين ه.
انظر " تاريخ الإسلام " 2 / 78، 80 للمؤلف.
(3) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 402.
(4) هو والذي قبله في " تهذيب ابن عساكر " 7 / 402.
(3/371)
قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا رَبِيْعَةُ
بنُ عُثْمَانَ، وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، وَغَيْرُهُمَا،
قَالُوا:
جَاءَ نَعْيُ يَزِيْدَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ
أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ، فَقَامَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَدَعَا
إِلَى نَفْسِهِ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ.
فَدَعَا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ الحَنَفِيَّةِ إِلَى
بَيْعَتِهِ، فَامْتَنَعَا، وَقَالاَ: حَتَّى يَجْتَمِعَ
لَكَ النَّاسُ.
فَدَارَاهُمَا سَنَتَيْنِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَغلَظَ لَهُمَا،
وَدَعَاهُمَا، فَأَبَيَا (1) .
قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَغَيْرُهُ: كَانَ
يُقَالُ لابْنِ الزُّبَيْرِ: عَائِذُ بَيْتِ اللهِ (2) .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمَّتِهِ
أُمِّ بَكْرٍ، قَالَ:
وَحَدَّثَنِي شُرَحْبِيْلُ بنُ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ
أَبِيْهِ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ،
وَغَيْرُهُم، قَالُوا:
لَمَّا نَزَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِالمَدِيْنَةِ فِي
خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ...، إِلَى أَنْ قَالُوا:
فَخَرَجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَى مَكَّةَ، وَلَزِمَ
الحِجْرَ، وَلَبِسَ المَعَافِرِيَّ، وَجَعَلَ يُحرِّضُ
عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ، وَمَشَى إِلَى يَحْيَى بنِ
حَكِيْمٍ الجُمَحِيِّ وَالِي مَكَّةَ، فَبَايَعَهُ
لِيَزِيْدَ، فَلَمْ يَرْضَ يَزِيْدُ حَتَّى يُؤْتَى بِهِ
فِي جَامِعَةٍ وَوَثَاقٍ.
فَقَالَ لَهُ وَلدُهُ مُعَاوِيَةُ بنُ يَزِيْدَ: ادفَعْ
عَنْكَ الشَّرَّ مَا انْدَفَعَ، فَإِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ
لَجُوْجٌ لاَ يُطِيعُ لِهَذَا أَبَداً، فَكَفِّرْ عَنْ
يَمِيْنِكَ.
فَغَضِبَ، وَقَالَ: إِنَّ فِي أَمرِكَ لَعَجَباً!
قَالَ: فَادْعُ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ، فَاسْأَلْهُ
عَمَّا أَقُوْلُ.
فَدَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: أَصَابَ ابْنُكَ أَبُو لَيْلَى.
فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ، وَامْتَنَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ
أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّيْ
عَائِذُ بَيْتِكَ، فَقِيْلَ لَهُ: عَائِذُ البَيْتِ.
وَبَقِيَ لاَ يَعْرِضُ لَهُ أَحَدٌ، فَكَتَبَ يَزِيْدُ
إِلَى عَمْرٍو الأَشْدَقِ وَالِي المَدِيْنَةِ أَنْ
يُجَهِّزَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ جُنْداً، فَنَدَبَ
لِقِتَالِهِ أَخَاهُ عَمْرَو بنَ الزُّبَيْرِ فِي أَلْفٍ،
فَظَفِرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِأَخِيْهِ بَعْد قِتَالٍ،
فَعَاقَبَهُ. وَأَخَّرَ عَنْ
__________
(1) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 408.
(2) " نسب قريش ": 239، وفيه: وقال بعض الشعراء: وعائذ بيت
ربك قد أجرنا * وأبلينا فما نفع البلاء
(3/372)
الصَّلاَةِ بِمَكَّةَ الحَارِثَ بنَ
يَزِيْدَ، وَقَرَّرَ مُصْعَبَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
عَوْفٍ، وَكَانَ لاَ يَقْطَعُ أَمْراً دُوْنَ المِسْوَرِ
بنِ مَخْرَمَةَ، وَمُصْعَبِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَجُبَيْرِ بنِ شَيْبَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ صَفْوَانَ
بنِ أُمَيَّةَ، فَكَانَ يُشَاوِرُهُم فِي أَمْرِهِ
كُلِّهِ، وَيُرِيهِم أَنَّ الأَمْرَ شُوْرَى بَيْنَهم لاَ
يَسْتَبدُّ بِشَيْءٍ مِنْهُ دُوْنَهُم، وَيُصَلِّي بِهِمُ
الجُمُعَةَ، وَيَحُجُّ بِهِم بِلاَ إِمْرَةٍ.
وَكَانَتِ الخَوَارِجُ وَأَهْلُ الفِتَنِ قَدْ أَتَوْهُ،
وَقَالُوا: عَائِذُ بَيْتِ اللهِ.
ثُمَّ دَعَا إِلَى نَفْسِهِ، وَبَايَعُوْهُ، وَفَارَقَتْهُ
الخَوَارِجُ.
فَوَلَّى عَلَى المَدِيْنَةِ أَخَاهُ مُصْعَباً، وَعَلَى
البَصْرَةِ الحَارِثَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي
رَبِيْعَةَ، وَعَلَى الكُوْفَةِ عَبْدَ اللهِ بنَ
مُطِيْعٍ، وَعَلَى مِصْرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ جَحْدَمٍ
الفِهْرِيَّ، وَعَلَى اليَمَنِ، وَعَلَى خُرَاسَانَ،
وَأَمَّرَ عَلَى الشَّامِ الضَّحَّاكَ بنَ قَيْسٍ،
فَبَايَعَ لَهُ عَامَّةُ أَهْلِ الشَّامِ، وَأَبَتْ
طَائِفَةٌ، وَالْتَفَّتْ عَلَى مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ،
وَجَرَتْ أُمُوْر طَويلَةٌ، وَحُرُوْبٌ مُزْعِجَةٌ،
وَجَرَتْ وَقْعَةُ مَرْجِ رَاهِطٍ، وَقُتِلَ أُلُوفٌ مِنَ
العَرَبِ، وَقُتِلَ الضَّحَّاكُ، وَاسْتَفحَلَ أَمْرُ
مَرْوَانَ إِلَى أَنْ غَلَبَ عَلَى الشَّامِ، وَسَارَ فِي
جَيْشٍ عَرَمْرَمٍ، فَأَخَذَ مِصْرَ، وَاسْتَعْمَلَ
عَلَيْهَا وَلَدَهُ عَبْدَ العَزِيْزِ، ثُمَّ دَهَمَهُ
المَوْتُ.
فَقَامَ بَعْدَهُ وَلدُهُ الخَلِيْفَةُ عَبْدُ المَلِكِ،
فَلَمْ يَزَلْ يُحَارِبُ ابْنَ الزُّبَيْرِ حَتَّى ظَفِرَ
بِهِ بَعْدَ أَنْ سَارَ إِلَى العِرَاقِ، وَقَتَلَ
مُصْعَبَ بنَ الزُّبَيْرِ (1).
قَالَ شُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ يَزِيْدَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ: إِنِّيْ
قَدْ بَعَثتُ إِلَيْكَ بِسِلْسِلَةٍ فِضَّةً، وَقَيْداً
مِنْ ذَهَبٍ، وَجَامِعَةٍ مِنْ فِضَّةٍ، وَحَلَفْتُ
لَتَأْتِيَنِّي فِي ذَلِكَ.
فَأَلْقَى الكِتَابَ، وَأَنْشَدَ:
وَلاَ أَلِيْنُ لِغَيْرِ الحَقِّ أَسْأَلُهُ ... حَتَّى
يَلِيْنَ لِضِرْسِ المَاضِغِ الحَجَرُ (2)
__________
(1) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 410، و" تاريخ الإسلام " 3 /
170، 171.
(2) " حلية الأولياء " 1 / 331، و" المستدرك " 3 / 550.
(3/373)
قُلْتُ: ثُمَّ جَهَّزَ يَزِيْدُ جَيْشاً
سِتَّةَ آلاَفٍ، إِذْ بَلَغَهُ أَنَّ أَهْلَ المَدِيْنَةِ
خَلَعُوْهُ، فَجَرَتْ وَقْعَةُ الحَرَّةِ، وَقُتِلَ نَحْوُ
أَلْفٍ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، ثُمَّ سَارَ الجَيْشُ،
عَلَيْهِم حُصَيْنُ بنُ نُمَيْرٍ، فَحَاصَرُوا الكَعْبَةَ،
وَبِهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ عَظِيمَةٌ،
فَقَلَعَ اللهُ يَزِيْدَ، وَبَايَعَ حُصَيْنٌ وَعَسْكَرُهُ
ابْنَ الزُّبَيْرِ بِالخِلاَفَةِ، وَرَجَعُوا إِلَى
الشَّامِ.
قَالَ شَبَابٌ: حَضَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ المَوْسِمَ
سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ، فَحَجَّ بِالنَّاسِ،
وَحَجَّ بِأَهْلِ الشَّامِ الحَجَّاجُ، وَلَمْ
يَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ (1) .
قَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: أَوَّلُ مَنْ كَسَا
الكَعْبَةَ الدِّيبَاجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ
يُطَيِّبُهَا حَتَّى يُوجَدَ رِيْحُهَا مِنْ طَرَفِ
الحَرَمِ، وَكَانَتْ كِسْوَتُهَا قَبْلَهُ الأَنْطَاعَ (2)
.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ شُعَيْبٍ الحَجَبِيُّ: إِنَّ
المَهْدِيَّ لَمَّا جَرَّدَ الكَعْبَةَ، كَانَ فِيمَا
نَزَعَ عَنْهَا كِسْوَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِنْ دِيبَاجٍ
مَكْتُوبٍ عَلَيْهَا: لِعَبْدِ اللهِ أَبِي بَكْرٍ
أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.
وَقَالَ الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي الضُّحَى:
رَأَيتُ عَلَى رَأْسِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِسْكاً يُسَاوِي
مَالاً (3) .
قُلْتُ: عِيْبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -
بِشُحٍّ، فَرَوَى: الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ
أَبِي بَشِيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُسَاوِرٍ:
سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يُعَاتِبُ ابْنَ
__________
(1) " تاريخ خليفة ": 269.
(2) ذكره المصنف في " تاريخه " 3 / 172، فقال: وروى
الدراوردي عن هشام بن عروة، وأخرجه عبد الرزاق (9087) دون
قوله: وكان يطيبها..من طريق إبراهيم بن محمد ابن أبي يحيى
الاسلمي، عن هشام بن عروة، وإبراهيم متروك، وتابعه محمد بن
الحسن بن زبالة، وهو ضعيف أخرجه الزبير بن بكار عنه.
(3) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 414، و" تاريخ الإسلام " 3 /
172، ولفظه فيهما: رأيت على رأس ابن الزبير من المسك، ما
لو كان لي، كان رأس مال.
(3/374)
الزُّبَيْرِ فِي البُخْلِ، وَيَقُوْلُ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: (لَيْسَ المُؤْمِنُ الَّذِي يَبِيْتُ شَبْعَانَ
وَجَارُهُ جَائِعٌ (1)).
وَرَوَى: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ لَيْثٍ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُكْثِرُ أَنْ يُعَنِّفَ ابْنَ
الزُّبَيْرِ بِالبُخْلِ، فَقَالَ: كَمْ تُعَيِّرُنِي.
يَعْقُوْبُ القُمِّيُّ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ أَبِي
المُغِيْرَةِ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، عَنْ عُثْمَانَ:
أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ لَهُ حَيْثُ حُصِرَ: إِنَّ
عِنْدِي نَجَائِبَ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَتَحَوَّلَ إِلَى
مَكَّةَ، فَيَأْتِيَكَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَكَ؟
قَالَ: لاَ، إِنِّيْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (يُلْحِدُ
بِمَكَّةَ كَبْشٌ مِنْ قُرَيْشٍ، اسْمُهُ عَبْدُ اللهِ،
عَلَيْهِ مِثْلُ نِصْفِ أَوْزَارِ النَّاسِ).
رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (2)). وَفِي
إِسْنَادِهِ مَقَالٌ (3).
__________
(1) تحرف في المطبوع " بشير " إلى " بشر "، و" ليس " إلى "
بئس "، وأخرجه ابن أبي شيبة في " الايمان " (100)،
والبخاري في " الأدب المفرد " (112)، والخطيب في " تاريخه
" 10 / 391، 392 كلهم من طريق عبد الله بن أبي بشير، عن
عبد الله بن مساور، عن ابن عباس...وعبد الله بن مساور لم
يوثقه غير ابن حبان، وقال ابن المديني: مجهول لم يرو عنه
غير عبد الملك، وباقي رجاله ثقات، ومع ذلك فقد صححه الحاكم
4 / 167، ووافقه الذهبي، وقال المنذري في " الترغيب "
والهيثمي في " المجمع " 8 / 167: رجاله ثقات. وللحديث شاهد
من حديث أنس أخرجه الطبراني في " الكبير " 1 / 66 / 1،
والبزار رقم (119)، وفي سند الطبراني محمد بن سعيد الأثرم
وهو ضعيف، وفي سند البزار علي بن زيد ابن جدعان وهو ضعيف،
لكن يتقوى كل منهما بالآخر، فيحسن، وآخر من حديث ابن عباس
عند ابن عدي 89 / 2 وفي سنده حكيم بن جبير وهو ضعيف،
فالحديث صحيح بهذه الشواهد.
(2) 1 / 64، وفي " تهذيب ابن عساكر " 7 / 414، وقد قال
الحافظ ابن كثير في " البداية " 8 / 339 بعد أن أورده من "
المسند ": وهذا الحديث منكر جدا، وفي إسناده ضعف، ويعقوب
القمي فيه تشيع، ومثل هذا لا يقبل تفرده به، وبتقدير صحته،
فليس هو بعبد الله بن الزبير، فإنه كان على صفات حميدة،
وقيامه بالامارة إنما كان لله عزوجل، ثم هو كان الامام بعد
موت معاوية بن يزيد لا محالة، وهو أرشد من مروان بن الحكم،
حيث نازعه بعد أن اجتمعت الكلمة عليه، وقامت له البيعة في
الآفاق، وانتظم له الامر.
(3) تحرفت الجملة في المطبوع إلى " وفي إسناده، فقال " ثم
وصلها بعباس الترقفي.
(3/375)
عَبَّاسٌ التَّرْقُفِيُّ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ
يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
عَمْرٍو:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (يُلْحِدُ بِمَكَّةَ رَجُلٌ مِنْ
قُرَيْشٍ، يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللهِ، عَلَيْهِ نِصْفُ
عَذَابِ العَالَمِ)، فَوَاللهِ لاَ أَكُوْنُهُ.
فَتَحَوَّلَ مِنْهَا، وَسَكَنَ الطَّائِفَ.
قُلْتُ: مُحَمَّدٌ: هُوَ المَصِّيْصِيُّ، لَيِّنٌ (1) ،
وَاحتَجَّ بِهِ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
أَبُو النَّضْرِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ سَعِيْدٍ،
أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو، قَالَ:
أَتَى عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو عَبْدَ اللهِ بنَ
الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: إِيَّاكَ وَالإِلْحَادَ فِي حَرَمِ
اللهِ، فَأَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (يُحِلُّهَا -
وَتَحِلُّ بِهِ - رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، لَوْ وُزِنَتْ
ذُنُوْبُهُ بِذُنُوْبِ الثَّقَلَيْنِ، لَوَزَنَتْهَا).
قَالَ: فَانظُرْ يَا ابْنَ عَمْرٍو لاَ تَكُوْنُهُ...،
وَذَكَرَ الحَدِيثَ (2) .
شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ،
أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ:
{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ اقْتَتَلُوا}
[الحُجُرَاتُ: 9]، قَالَ:
قُلْتُ لأَبِي: مَنْ هُمْ؟
قَالَ: ابْنُ الزُّبَيْرِ بَغَى عَلَى أَهْلِ الشَّامِ.
وَرَوَاهُ: يُوْنُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَفِيهِ: بَغَى
عَلَى هَؤُلاَءِ، وَنَكَثَ عَهْدَهُم.
الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بنُ
وَضَّاحٍ، حَدَّثَنِي أَبُو الخَصِيْبِ نَافِعٌ مَوْلَى
آلِ الزُّبَيْرِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، قَالَ:
رَأَيْتُ الحَجَرَ مِنَ المِنْجَنِيْقِ يَهْوِي حَتَّى
أَقُوْلَ: لَقَدْ كَادَ أَنْ يَأْخُذَ لِحْيَةَ ابْنِ
الزُّبَيْرِ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وَاللهِ إِنْ أُبَالِي إِذَا
وَجَدْتُ ثَلاَثَ مائَةٍ يَصبِرُوْنَ صَبْرِي لَوْ
أَجْلَبَ عَلَيَّ أَهْلُ الأَرْضِ (3).
__________
(1) في " التقريب ": صدوق كثير الغلط، وقد أورد الحديث ابن
عساكر 7 / 414.
(2) وتمامه: فإنك قد قرأت الكتب، وصحبت الرسول صلى الله
عليه وسلم، قال: فإني أشهدك أن هذا وجهي إلى الشام مجاهدا.
أخرجه أحمد 2 / 219 ورجاله ثقات.
(3) خالد بن وضاح لم أجد من ترجمه، وأبو الخصيب نافع أورده
ابن أبي حاتم 8 / 454، ولم =
(3/376)
قُلْتُ: قَدْ كَانَ يُضْرَبُ بِشَجَاعَتِهِ
المَثَلُ.
وَعَنِ المُنْذِرِ بنِ جَهْمٍ (1) ، قَالَ: رَأَيتُ ابْنَ
الزُّبَيْرِ يَوْمَ قُتِلَ وَقَدْ خَذَلَهُ مَنْ كَانَ
مَعَهُ خِذْلاَناً شَدِيداً، وَجَعَلُوا يَتَسَلَّلُوْنَ
إِلَى الحَجَّاجِ، وَجَعَلَ الحَجَّاجُ يَصِيحُ: أَيُّهَا
النَّاسُ! عَلاَمَ تَقْتُلُوْنَ أَنْفُسَكُم؟ مَنْ خَرَجَ
إِلَيْنَا فَهُوَ آمِنٌ، لَكُم عَهْدُ اللهِ وَمِيْثَاقُهُ
- وَرَبِّ هَذِهِ البَنِيَّةِ - لاَ أَغْدِرُ بِكُم، وَلاَ
لَنَا حَاجَةٌ فِي دِمَائِكُم.
قَالَ: فَتَسَلَّلَ إِلَيْهِ نَحْوٌ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفٍ،
فَلَقَدْ رَأَيتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ
(2) .
وَعَنْ إِسْحَاقَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَضَرْتُ قَتْلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ؛ جَعَلَتِ الجُيُوْشُ
تَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجَدِ، فَكُلَّمَا
دَخَلَ قَوْمٌ مِنْ بَابٍ، حَمَلَ عَلَيْهِم وَحْدَهُ
حَتَّى يُخْرِجَهُم، فَبَيْنَا هُوَ عَلَى تِلْكَ الحَالِ،
إِذْ وَقَعَتْ شُرْفَةٌ مِنْ شُرُفَاتِ المَسْجَدِ عَلَى
رَأْسِهِ، فَصَرَعَتْهُ، وَهُوَ يَتَمَثَّلُ:
أَسْمَاءُ يَا أَسْمَاءُ لاَ تَبْكِينِي ... لَمْ يَبْقَ
إِلاَّ حَسَبِي وَدِيْنِي
وَصَارِمٌ لاَثَتْ بِهِ يَمِينِي (3) ...
قُلْتُ: مَا إِخَالُ أُوْلَئِكَ العَسْكَرَ إِلاَّ لَوْ
شَاؤُوا لأَتْلَفُوهُ (4) بِسِهَامِهِم، وَلَكِنْ حَرَصُوا
عَلَى أَنْ يُمْسِكُوهُ عَنْوَةً، فَمَا تَهَيَّأَ لَهُم،
فَلَيْتَهُ كَفَّ عَنِ القِتَالِ لَمَّا رَأَى الغَلَبَةَ،
بَلْ لَيْتَهُ لاَ الْتَجَأَ إِلَى البَيْتِ، وَلاَ
أَحْوَجَ أُوْلَئِكَ الظَّلَمَةَ وَالحَجَّاجَ - لاَ
__________
= يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
(1) تحرف في المطبوع إلى " جهيم " وهو مجهول مترجم في "
التاريخ الكبير " 7 / 358، و" الجرح والتعديل " 8 / 243،
244.
(2) أورده المؤلف في " تاريخه " 3 / 173 من طريق الواقدي،
حدثنا إسحاق بن عبد الله، عن المنذر بن جهم.
(3) ذكره ابن كثير في " البداية " 8 / 343 ونسبه للطبراني،
وعنه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 333
(4) تحرفت في المطبوع إلى " إلا تلقوه ".
(3/377)
بَارَكَ اللهُ فِيْهِ - إِلَى انتِهَاكِ
حُرْمَةِ بَيْتِ اللهِ وَأَمْنِهِ، فَنَعُوذُ بِاللهِ مِنَ
الفِتْنَةِ الصَّمَّاءِ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بنُ زُبَيْدٍ، عَنْ
عَبَّاسِ بنِ سَهْلٍ:
سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُوْلُ: مَا أُرَانِي
اليَوْمَ إِلاَّ مَقْتُوْلاً، لَقَدْ رَأَيْتُ فِي
لَيْلَتِي كَأَنَّ السَّمَاءَ فُرِجَتْ لِي،
فَدَخَلْتُهَا، فَقَدْ -وَاللهِ - مَلِلْتُ الحَيَاةَ
وَمَا فِيْهَا، وَلَقَدْ قَرَأَ يَوْمَئِذٍ فِي الصُّبْحِ:
{ن، وَالقَلَمِ} حَرْفاً حَرْفاً، وَإِنَّ سَيْفَهُ
لَمَسْلُولٌ إِلَى جَنْبِهِ (1) .
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ، عَنْ
أَبِيْهِ، قَالَ:
سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ التَّكْبِيرَ فِيمَا بَيْنَ
المَسْجَدِ إِلَى الحَجُوْنِ حِيْنَ قُتِلَ ابْنُ
الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: لَمَنْ كَبَّرَ حِيْنَ وُلِدَ
أَكْثَرُ وَخَيْرٌ مِمَّنْ كَبَّرَ لِقَتْلِهِ (2).
مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ:
قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: مَا شَيْءٌ كَانَ يُحَدِّثُنَا
كَعْبٌ إِلاَّ قَدْ أَتَى عَلَى مَا قَالَ، إِلاَّ
قَوْلُهُ: فَتَى ثَقِيْفٍ يَقْتُلُنِي، وَهَذَا رَأْسُهُ
بَيْنَ يَدَيَّ -يَعْنِي: المُخْتَارَ الكَذَّابَ -.
زِيَادٌ الجَصَّاصُ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ:
أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ لِغُلاَمِهِ: لاَ تَمُرَّ بِي
عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ -يَعْنِي: وَهُوَ مَصْلُوْبٌ -.
قَالَ: فَغَفِلَ الغُلاَمُ، فَمَرَّ بِهِ، فَرَفَعَ
رَأْسَهُ، فَرَآهُ، فَقَالَ:
رَحِمَكَ اللهُ أَبَا خُبَيْبٍ، مَا عَلِمْتُكَ إِلاَّ
صَوَّاماً قَوَّاماً، وَصُوْلاً لِرَحِمِكَ، أَمَا
-وَاللهِ - إِنِّيْ لأَرْجُو مَعَ مَسَاوِئِ مَا قَدْ
عَمِلْتَ أَنْ لاَ يُعَذِّبَكَ اللهُ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قَالَ: (مَنْ يَعْمَلْ سُوْءاً يُجْزَ بِهِ فِي
الدُّنْيَا) (3).
__________
(1) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 415.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 416.
(3) إسناد ضعيف لضعف زياد بن أبي زياد الجصاص، وشيخه علي
بن زيد، وأورده ابن كثير في " تفسير " 1 / 557، ونسبه إلى
أبي بكر بن مردويه، وذكره الهيثمي في " المجمع " 7 / 12
مختصرا، وقال: رواه البزار وفيه عبد الرحمن بن سليم بن
حيان ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
وأخرج مسلم في " صحيحه " (2545) من طريق الأسود بن شيبان،
عن أبي نوفل، أن عبد الله =
(3/378)
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ
(الخُلَفَاءِ): صَلَبُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ مُنَكَّساً،
وَكَانَ آدَمَ، نَحِيْفاً، لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ، بَيْنَ
عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُودِ، بَعَثَ عُمَّالَهُ إِلَى
المَشْرِقِ كُلِّهِ وَالحِجَازِ.
قَالَ جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: عَنْ جَدَّتِهِ:
إِنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ غَسَّلَتِ ابْنَ
الزُّبَيْرِ بَعْد مَا تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ، وَجَاءَ
الإِذْنُ مِنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ عِنْدَمَا
أَبَى الحَجَّاجُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا، فَحَنَّطَتْهُ،
وَكَفَّنَتْهُ، وَصَلَّتْ عَلَيْهِ، وَجَعَلَتْ فِيْهِ
شَيْئاً حِيْنَ رَأَتْهُ يَتَفَسَّخُ إِذَا مَسَّتْهُ.
وَقَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ،
فَدَفَنَتْهُ بِالمَدِيْنَةِ فِي دَارِ صَفِيَّةَ أُمِّ
المُؤْمِنِيْنَ، ثُمَّ زِيْدَتْ دَارُ صَفِيَّةَ فِي
المَسْجَدِ، فَهُوَ مَدْفُوْنٌ مَعَ النَّبِيِّ (1)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي:
بِقُرْبِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَعِدَّةٌ: قُتِلَ فِي جُمَادَى
الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ.
وَوَهِمَ ضَمْرَةُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، فَقَالاَ: قُتِلَ
سَنَةَ اثْنَتَيْنِ.
عَاشَ: نَيِّفاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
-.
وَمَاتَتْ أُمُّهُ بَعْدَهُ بِشَهْرَيْنِ، أَوْ نَحْوِ
ذَلِكَ، وَلَهَا قَرِيبٌ مِنْ مائَةِ عَامٍ.
هِيَ آخِرُ مَنْ مَاتَتْ مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ -
رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - وَيُقَالُ لَهَا: ذَاتُ
النِّطَاقَيْنِ.
كَانَتْ أَسَنَّ مِنَ عَائِشَةَ بِسَنَوَاتٍ.
__________
= ابن عمر مر على عبد الله بن الزبير وهو مصلوب، فقال:
السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك
أبا خبيب، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد
كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما
والله إن كنت ما علمت صواما قواما وصولا للرحم، أما والله
لامة أنت أشرها لامة خير.
(1) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 421
(3/379)
رَوَتْ عِدَّةَ أَحَادِيْثَ.
حَدَّثَ عَنْهَا: أَوْلاَدُهَا؛ عَبْدُ اللهِ، وَعُرْوَةُ،
وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ المُنْذِرِ، وَابْنُ
أَبِي مُلَيْكَةَ، وَوَهْبُ بنُ كَيْسَانَ، وَابْنُ
المُنْكَدِرِ، وَالمُطَّلِبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَخَلْقٌ.
وَهِيَ وَابْنُهَا عَبْدُ اللهِ، وَأَبُوْهَا أَبُو
بَكْرٍ، وَجَدُّهَا أَبُو قُحَافَةَ صَحَابِيُّونَ،
أَضَرَّتْ بِأَخَرَةٍ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ
عَائِشَةَ بِعَشْرِ سِنِيْنَ.
قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا يَكُوْنُ عُمُرُهَا إِحْدَى
وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَأَمَّا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، فَقَالَ: عَاشَتْ مائَةَ
سَنَةٍ، وَلَمْ يَسْقُطْ لَهَا سِنٌّ.
وَقَدْ طَلَّقَهَا الزُّبَيْرُ قَبْلَ مَوْتِهِ زَمَنَ
عُثْمَانَ.
وَقَالَ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: كَانَتْ أَسْمَاءُ لاَ
تَدَّخِرُ شَيْئاً لِغَدٍ (1) .
وَقِيْلَ: أَعْتَقَتْ عِدَّةَ مَمَالِيْكَ، وَقَدِ
اسْتَوْفَيْتُ تَرْجَمَتهَا فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ
(2)) - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -.
وَمِنْ أَوْلاَدِهَا: عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ الفَقِيْهُ
(3).
وَمِنْهُم:
__________
(1) وليس ذلك بغريب منها، فإنها سألت رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فقالت: يا نبي الله ليس لي شيء إلا ما أدخل علي
الزبير، فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل علي، فقال: " ارضخي
ما استعطت، ولا توعي فيوعي الله عليك " أخرجه البخاري 5 /
160، 161، ومسلم (1029) وفي رواية للبخاري 3 / 238 " لا
توكي فيوكى عليك " معناه: لا تدخري ما عندك وتمنعي ما في
يدك، فيقطع الله عليك مادة الرزق.
(2) 3 / 133، 137، وقد بسط ترجمتها أيضا في الجزء الثاني
من هذا الكتاب: 208 (3) سترد ترجمته في الجزء الرابع ص
421.
(3/380)
54 - المُنْذِرُ بنُ الزُّبَيْرِ
الأَسَدِيُّ أَبُو عُثْمَانَ *
الأَمِيْرُ، أَبُو عُثْمَانَ، أَحَدُ الأَبْطَالِ.
وُلِدَ: زَمَنَ عُمَرَ.
وَكَانَ مِمَّنْ غَزَا القُسْطَنْطِيْنِيَّة مَعَ
يَزِيْدَ، وَوَفَدَ بَعْدُ عَلَيْهِ.
قَالَ الزُّبَيْرُ: فَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بنُ عُثْمَانَ:
أَنَّ المُنْذِرَ غَاضَبَ أَخَاهُ عَبْدَ اللهِ، فَسَارَ
إِلَى الكُوْفَةِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ،
فَأَكْرَمَهُ، وَأَجَازَهُ بِأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ،
لَكِنْ مَاتَ مُعَاوِيَةُ قَبْلَ أَنْ يَقْبَضَ المُنْذِرُ
الجَائِزَةَ.
وَوَصَّى مُعَاوِيَةُ أَنْ يَنْزِلَ المُنْذِرُ فِي
قَبْرِهِ، وَكَانَ بِالكُوْفَةِ لَمَّا بَلَغَهُ خِلاَفُ
أَخِيْهِ عَلَى يَزِيْدَ، فَأَسْرَعَ إِلَى أَخِيْهِ
بِمَكَّةَ فِي ثَمَانِ لَيَالٍ، فَلَمَّا حَاصَرَ
الشَّامِيُّونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَسِتِّيْنَ، قُتِلَ تِلْكَ الأَيَّامَ المُنْذِرُ
-رَحِمَهُ اللهُ (1) -.
وَبِنْتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ المُنْذِرِ (2) ؛ لَهَا
رِوَايَةٌ عَالِيَةٌ.
وَهِيَ: زَوْجَةُ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ.
عَاشَ المُنْذِرُ: أَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
55 - عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ
الهَاشِمِيُّ **
ابْنُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -.
وَأُمُّهُ: عَاتِكَةُ بِنْتُ أَبِي وَهْبٍ
المَخْزُوْمِيَّةُ، مِنْ مُسْلِمَةِ الفَتْحِ.
__________
(*) طبقات ابن سعد 5 / 182، نسب قريش: 244، 245، المحبر:
70، 100، 448، جمهرة أنساب العرب: 123، تاريخ ابن عساكر 17
/ 102 ب، تاريخ الإسلام 3 / 86، البداية والنهاية 8 / 246،
العقد الثمين 7 / 280، تعجيل المنفعة: 269.
(1) أورده ابن عساكر 17 / 102 ب، 103 آ.
(2) ترجمتها في " طبقات ابن سعد " 8 / 477، وهي من رجال
التهذيب، أخرج حديثها الستة.
(* *) الاستيعاب: 904، تاريخ ابن عساكر 9 / 115 ب، أسد
الغابة 3 / 241، تهذيب ابن =
(3/381)
لاَ نَعْلَمُ لَهُ رِوَايَةً.
كَانَ مَوْصُوَفاً بِالشَّجَاعَةِ وَالفُرُوْسِيَّةِ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لِهَذَا نَحْوٌ مِنْ
ثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ،
حَدَّثَنِي هِشَامُ بنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي
الحُوَيْرِثِ، قَالَ:
أَوَّلُ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ أَجْنَادِيْنَ بَطْرِيقٌ،
بَرَزَ يَدْعُو إِلَى البِرَازِ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ عَبْدُ
اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ،
فَاختَلَفَا ضَرَبَاتٍ، ثُمَّ قَتَلَهُ عَبْدُ اللهِ،
ثُمَّ بَرَزَ آخَرُ، فَضَرَبَهُ عَبْدُ اللهِ عَلَى
عَاتِقِهِ، وَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ عَبْدِ
المُطَّلِبِ.
فَأَثْبَتَهُ، وَقَطَعَ سَيْفُهُ الدِّرْعَ، وَأَشْرَعَ
فِي مَنْكِبِهِ، ثُمَّ وَلَّى الرُّوْمِيُّ مُنْهَزِماً
(1) .
وَعَزمَ عَلَيْهِ عَمْرُو بنُ العَاصِ أَنْ لاَ يُبَارِزَ،
فَقَالَ: لاَ أَصبِرُ.
فَلَمَّا اخْتَلَطَتِ السُّيُوفُ، وُجِدَ فِي رِبْضَةٍ
مِنَ الرُّوْمِ عَشْرَةٍ مَقْتُولاً، وَهُمْ حَوْلَهُ،
وَقَائِمُ السَّيْفِ فِي يَدِهِ قَدْ غرِيَ (2) ، وَإِنَّ
فِي وَجْهِهِ لَثَلاَثِيْنَ ضَرْبَةً.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الزُّبَيْرَ بنَ
سَعِيْدٍ النَّوْفَلِيَّ، فَقَالَ:
سَمِعْتُ شُيُوْخَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا انْهَزَمَتِ
الرُّوْمُ يَوْمَئِذٍ، انْطَلَقَ الفَضْلُ بنُ عَبَّاسٍ
فِي مائَةٍ نَحْواً مِنْ مِيْلٍ، فَيَجِدُ عَبْدَ اللهِ
مَقْتُولاً فِي عَشْرَةٍ مِنَ الرُّوْمِ قَدْ قَتَلَهُم،
فَقَبَرُوْهُ (3) .
قَالَ الوَاقِدِيُّ: وَأَجْنَادِيْنُ (4) كَانَتِ يَوْمَ
الاَثْنَيْن، لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ
__________
= عساكر 7 / 396 تاريخ الإسلام 1 / 380، البداية والنهاية
8 / 238 و239 و332، العقد الثمين 5 / 140، الإصابة 2 /
308.
(1) ابن عساكر 9 / 115 ب، 116 آ، و" تهذيبه ".
(2) غري: لزق، وقد تصحف في المطبوع إلى " عري ".
(3) ابن عساكر 9 / 116 ب.
(4) موضع معروف بالشام: بين الرملة وبيت جبرين.
قال المؤلف في " العبر " 1 / 16: واستشهد يومئذ طائفة من
الصحابة، ثم كان النصر ولله الحمد، وكان ملحمة عظيمة.
(3/382)
جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثَ
عَشْرَةَ.
وَإِنَّمَا ضَمَمْتُ هَذَا البَطَلَ إِلَى البَطَلِ
الَّذِي قَبْلَهُ؛ لاشْتِرَاكِهِمَا فِي الاسْمِ
وَالشَّجَاعَةِ.
فَأَمَّا:
56 -عَبْدُ اللهِ بنُ الزَّبَيْرِ الأَسَدِيُّ *
بِفَتْحِ الزَّايِ، فَهُوَ الأَسَدِيُّ، أَسَدُ
خُزَيْمَةَ، كُوْفِيٌّ، شَاعِرٌ مَشْهُوْرٌ، لَهُ نَظْمٌ
بَدِيعٌ.
وَهُوَ الَّذِي امتَدَحَ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى
ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئاً، فَقَالَ:
لَعَنَ اللهُ نَاقَةً حَمَلَتْنِي إِلَيْكَ.
فَقَالَ: إِنَّ وَرَاكِبَهَا (1) .
وَقَدِمَ العِرَاقَ عَلَى مُصْعَبٍ، وَلَهُ أَخْبارٌ (2) .
ذَكَرْتُهُ لِلتَّمْيِيْزِ.
57 - وَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ بنِ كَعْبِ بنِ عَامِرٍ
اللَّيْثِيُّ ** (ع)
وَقِيْلَ: وَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ بنِ عَبْدِ العُزَّى
بنِ عَبْدِ
__________
(*) طبقات خليفة: ت 2593، الجرح والتعديل 5 / 56، الاغاني
13 / 33، جمهرة أنساب العرب: 195، تاريخ ابن عساكر: 9 /
149 ب، طبقات فقهاء اليمن: 51، تاريخ الإسلام 3 / 364،
البداية والنهاية 9 / 80، خزانة الأدب 1 / 345، تهذيب ابن
عساكر 7 / 423.
(1) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 424، و" البداية " 9 / 80،
81، و" إن " هنا بمعنى " نعم ".
انظر " المغني " 1 / 38.
(2) قال المصنف في " تاريخه " 3 / 264: يقال: مات زمن
الحجاج.
(* *) طبقات ابن سعد 7 / 407، طبقات خليفة: ت 181، 788،
1349، 2832،
التاريخ الصغير 1 / 184، الجرح والتعديل 9 / 47، المستدرك
3 / 569، الحلية 2 / 21، =
(3/383)
يَالَيْلَ بنِ نَاشِبٍ اللَّيْثِيُّ، مِنْ
أَصْحَابِ الصُّفَّةِ.
أَسلَمَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَشَهِدَ غَزْوَةَ تَبُوْكٍ،
وَكَانَ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِيْنَ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ - طَالَ عُمُرُه.
وَفِي كُنْيَتِهِ أَقْوَالٌ: أَبُو الخَطَّابِ، وَأَبُو
الأَسْقَعِ.
وَقِيْلَ: أَبُو قرْصَافَةَ.
وَقِيْلَ: أَبُو شَدَّادٍ.
لَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ،
وَشَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، وَبُسْرُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ،
وَعَبْدُ الوَاحِدِ النَّصْرِيُّ، وَمَكْحُوْلٌ،
وَيُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ بنِ حَلْبَسٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ
بنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَرَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ
القَصِيْرُ، وَيَحْيَى بنُ الحَارِثِ الذِّمَارِيُّ،
وَخَلْقٌ، آخِرُهُم: مَوْلاَهُ؛ مَعْرُوفٌ الخَيَّاطُ
البَاقِي إِلَى سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَلَهُ رِوَايَةٌ أَيْضاً عَنْ: أَبِي مَرْثَدٍ
الغَنَوِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
وَلَهُ مَسجدٌ مَشْهُوْرٌ بِدِمَشْقَ (1) ، وَسَكَنَ
قَرْيَةَ البَلاَطِ (2) مُدَّةً. وَلَهُ دَارٌ عِنْدَ
دَارِ ابْنِ البَقَّالِ بِدَرْبِ... (3)
__________
= الاستيعاب 3 / 643، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 544،
تاريخ ابن عساكر 17 / 353 آ، أسد الغابة 5 / 428، تهذيب
الأسماء واللغات 1 / 2 / 142، تهذيب الكمال: 1456، تاريخ
الإسلام 3 / 310، العبر 1 / 99، تذهيب التهذيب 4 / 127 ب،
غاية النهاية: ت 3797، الإصابة 3 / 626، تهذيب التهذيب 11
/ 101، خلاصة تذهيب الكمال: 350، شذرات الذهب 1 / 95،
خزانة الأدب 3 / 343.
(1) قال يوسف بن عبد الهادي في " ثمار المقاصد ": 63: مسجد
عند دار ابن ريش قبلة الزلاقة سفل، له إمام ووقف، ويقال:
إنه مسجد واثلة بن الاسقع، وقال أيضا: 64: مسجد واثلة
على رأس درب الزلاقة عند الخبازين كبير سفل، له إمام ومؤذن
ووقف، وعلى بابه قناة في سويقة باب الصغير وباب الصغير هو
باب الشاغور كما قال بدران.
(2) من غوطة دمشق الشرقية غربي زبدين.
(3) فوق كلمة " بدرب " ما نصه: كذا وجد. وفي " الاستيعاب "
3 / 644، و" أسد الغابة " =
(3/384)
صَدَقَةُ بنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنَا زَيْدُ
بنُ وَاقِدٍ، عَنْ بُسْرِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ
وَاثِلَةَ، قَالَ:
كُنَّا أَصْحَابَ الصُّفَّةِ مَا مِنَّا رَجُلٌ لَهُ
ثَوْبٌ تَامٌّ، وَلَقَدِ اتَّخَذَ العَرَقُ فِي جُلُودِنَا
طُرُقاً مِنَ الغُبَارِ، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْنَا
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ:
(لِيُبَشَّرَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ (1)).
الأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ - رَجُلٌ
مِنَّا - حَدَّثَنِي وَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَخَذَ حَسَناً، وَحُسَيْناً، وَفَاطِمَةَ، وَلَفَّ
عَلَيْهِم ثَوْبَهُ، وَقَالَ: ({إِنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ
لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ،
وَيُطَهِّرَكُم تَطْهِيْراً} [الأَحْزَابُ: 33] اللَّهُمَّ
هَؤُلاَءِ أَهْلِي).
قَالَ وَاثِلَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَأَنَا
مِنْ أَهْلِكَ؟
قَالَ: (وَأَنْتَ مِنْ أَهْلِي).
قَالَ: فَإِنَّهَا لَمِنْ أَرْجَى مَا أَرْجُو (2) .
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، غَرِيْبٌ.
قَالَ مَكْحُوْلٌ: عَنْ وَاثِلَةَ، قَالَ: إِذَا
حَدَّثْتُكُم بِالحَدِيْثِ عَلَى مَعْنَاهُ، فَحَسْبُكُم
(3).
__________
= 5 / 429: وكان منزله على ثلاثة فراسخ من دمشق بقرية يقال
لها: البلاط.
(1) ابن عساكر 17 / 357 آ، ورجاله ثقات.
(2) وأخرجه الطبري في " تفسيره " 22 / 7 من طريق عبد
الكريم بن أبي عمير، حدثنا الوليد ابن مسلم، حدثنا أبو
عمرو الأوزاعي، حدثني شداد أبو عمار، قال سمعت واثلة بن
الاسقع...وعبد الكريم بن أبي عمير، قال المصنف في "
الميزان ": فيه جهالة وباقي رجاله ثقات. وأخرجه دون قوله:
" قال واثلة..." أحمد 4 / 107 من طريق محمد بن مصعب، عن
الاوزاعي بهذا الإسناد، وأخرجه الطبري 22 / 6 من طريق عبد
الأعلى بن واصل، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا عبد السلام بن
حرب، عن كلثوم المحاربي عن أبي عمار، عن واثلة...وهذا سند
حسن.
كلثوم المحاربي هو ابن زياد، ترجمه ابن أبي حاتم 7 / 164،
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وروى عنه غير واحد، وباقي
رجاله ثقات.
(3) أخرجه الترمذي في " العلل " 1 / 145 بشرح ابن رجب، من
طريق محمد بن =
(3/385)
هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا
مَعْرُوفٌ الخَيَّاطُ، قَالَ: رَأَيْتُ وَاثِلَةَ بنَ
الأَسْقَعِ يُمْلِي عَلَيْهِمُ الأَحَادِيْثَ.
رَوَى إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ
خَالِدٍ:
تُوُفِّيَ وَاثِلَةُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ
(1)، وَهُوَ ابْنُ مائَةٍ وَخَمْسِ سِنِيْنَ.
اعتَمَدَهُ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ، وَعِدَّةٌ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ
وَثَمَانِيْنَ، وَلَهُ ثَمَانٍ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
قَالَ قَتَادَةُ: آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ
بِدِمَشْقَ: وَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ.
الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ، وَغَيْرُهُ:
أَنَّ وَاثِلَةَ قَالَ: وَقَفتُ فِي ظُلْمَةِ قَنْطَرَةِ
قَيْنِيَةَ (2) ، لِيَخْفَى عَلَى الخَارِجِيْنَ مِنْ
بَابِ الجَابِيَةِ (3) مَوْقِفِي.
وَعَنْ بُسْرِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ وَاثِلَةَ، قَالَ:
فَأَسْمَعُ صَرِيرَ بَابِ الجَابِيَةِ، فَمَكَثْتُ،
فَإِذَا بِخَيْلٍ عَظِيمَةٍ، فَأَمْهَلْتُهَا، ثُمَّ
حَمَلْتُ عَلَيْهِم، وَكَبَّرتُ، فَظَنُّوا أَنَّهُم
أُحِيْطَ بِهِم، فَانْهَزَمُوا إِلَى البَلَدِ،
وَأَسْلَمُوا عَظِيمَهُم، فَدَعَسْتُهُ
__________
= بشار، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن
العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن واثلة، وهذا سند رجاله
ثقات.
وهو في " المحدث الفاصل ": 533، و" المستدرك " 3 / 569، و"
الكفاية ": 204.
(1) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 239، و" المستدرك " 3 /
570.
(2) قال ياقوت: هي قرية كانت مقابل الباب الصغير من مدينة
دمشق، صارت الآن بساتين.
(3) باب الجابية: من أحياء دشمق، يقع غربي جامع بني أمية،
منسوب إلى قرية الجابية من ناحية الجولان قرب مرج الصفر في
شمالي حوران، لان الخارج إليها يخرج منه.
(3/386)
بِالرُّمْحِ، أَلْقَيْتُهُ عَنْ
بِرْذَوْنِهِ، وَضَربْتُ يَدِي عَلَى عِنَانِ
البِرْذَوْنِ، وَرَكَضْتُ (1) ، وَالتَفَتُوا، فَلَمَّا
رَأَوْنِي وَحْدِي، تَبِعُوْنِي، فَدَعَسْتُ فَارِساً
بِالرُّمْحِ، فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ دَنَا آخَرُ،
فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ خَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ،
فَأَخْبَرْتُهُ، وَإِذَا عِنْدَهُ عَظِيمٌ مِنَ الرُّوْمِ
يَلْتَمِسُ الأَمَانَ لأَهْلِ دِمَشْقَ (2).
58 - عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ جَزْءٍ
الزُّبَيْدِيُّ * (د، ت، ق)
الصَّحَابِيُّ، العَالِمُ، المُعَمَّرُ، شَيْخُ
المِصْرِيِّيْنَ، أَبُو الحَارِثِ الزُّبَيْدِيُّ،
المِصْرِيُّ.
شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ، وَسَكَنَهَا، فَكَانَ آخِرَ
الصَّحَابَةِ بِهَا مَوْتاً.
لَهُ جَمَاعَةُ أَحَادِيْثَ، رَوَى عَنْهُ أَئِمَّةٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ: يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَعُقْبَةُ
بنُ مُسْلِمٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ المُغِيْرَةِ،
وَسُلَيْمَانُ بنُ زِيَادٍ الحَضْرَمِيُّ، وَعَمْرُو بنُ
جَابِرٍ الحَضْرَمِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَزَعَمَ مَنْ لاَ مَعْرِفَةَ لَهُ: أَنَّ الإِمَامَ أَبَا
حَنِيْفَةَ لَقِيَهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ.
وَهَذَا جَاءَ مِنْ رِوَايَةِ رَجُلٍ مُتَّهَمٍ
بِالكَذِبِ.
وَلَعَلَّ أَبَا حَنِيْفَةَ أَخَذَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
الحَارِثِ الزُّبَيْدِيِّ الكُوْفِيِّ أَحَدِ
التَّابِعِيْنَ، فَهَذَا مُحْتَمَلٌ.
وَأَمَّا الصَّحَابِيُّ، فَلَمْ يَرَهُ أَبَداً.
وَيَزْعُمُ الوَاضِعُ: أَنَّ الإِمَامَ ارْتَحَلَ بِهِ
أَبُوْهُ، وَدَارَ عَلَى سَبْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ
المُتَأَخِّرِينَ، وَشَافَهَهُم، وَإِنَّمَا المَحْفُوظُ:
أَنَّهُ رَأَى أَنَسَ بنَ مَالِكٍ لَمَّا قَدِمَ
عَلَيْهِمُ الكُوْفَةَ.
__________
(1) في ابن عساكر: فراكضته حتى أنهكته، فالتفتوا إلى...
(2) هذا الخبر والذي قبله عند ابن عساكر 17 / 353 ب، 354
آ.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 497، طبقات خليفة: ت 495، 2715،
المعرفة والتاريخ 1 / 268، الجرح والتعديل 5 / 30،
المستدرك 3 / 633، الحلية 2 / 6، الاستيعاب: 883، أسد
الغابة 3 / 203، تهذيب الكمال: 672، تاريخ الإسلام 3 /
263، العبر 1 / 101، تذهيب =
(3/387)
نَعَمْ وَصَاحِبُ التَّرْجَمَةِ؛ هُوَ
ابْنُ أَخِي الصَّحَابِيِّ مَحْمِيَةَ بنِ جَزْءٍ
الزُّبَيْدِيِّ (1) .
وَقَدْ طَالَ عُمُرُهُ، وَعَمِيَ، وَمَاتَ بِقَرِيَةِ
سَفْطِ القُدُوْرِ مِنْ أَسْفَلِ مِصْرَ فِي سَنَةِ سِتٍّ
وَثَمَانِيْنَ (2) .
وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَالأَوَّلُ أَصَحُّ، وَأَشْهَرُ.
لَهُ رِوَايَةٌ فِي: (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) وَ(جَامِعِ
أَبِي عِيْسَى) وَ(سُنُنِ القَزْوِيْنِيِّ) - وَاللهُ
أَعْلَمُ -.
59 - عَبْدُ اللهِ بنُ السَّائِبِ القُرَشِيُّ * (بَخ، م،
4)
ابْنِ أَبِي السَّائِبِ صَيْفِيِّ بنِ عَابِدِ بنِ عُمَرَ
بنِ مَخْزُوْمِ بنِ يَقظَةَ بنِ مُرَّةَ، أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، وَأَبُو السَّائِبِ القُرَشِيُّ،
المَخْزُوْمِيُّ، المَكِّيُّ.
مُقْرِئُ مَكَّةَ، وَلَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، عِدَادُهُ
فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ.
__________
= التهذيب 2 / 136 ب، مرآة الجنان 1 / 177، الإصابة 2 /
291، تهذيب التهذيب 5 / 178، حسن المحاضرة 1 / 212، خلاصة
تذهيب الكمال: 164، شذرات الذهب 1 / 97.
(1) كان قديم الإسلام، وهو من مهاجرة الحبشة، وتأخز عوده
منها، وأول مشاهده المريسيع، واستعمله النبي صلى الله عليه
وسلم على الاخماس، كما في صحيح مسلم (1072)، مترجم في "
أسد الغابة " 5 / 119، و" الاستيعاب " 3 / 495، و" الإصابة
" 3 / 388.
(2) " المستدرك " 3 / 633.
(*) طبقات ابن سعد 5 / 445، طبقات خليفة: ت 110، 2506،
التاريخ الكبير 5 / 8، التاريخ الصغير 1 / 126، المعرفة
والتاريخ 1 / 247، الجرح والتعديل 5 / 65، جمهرة أنساب
العرب 143، الاستيعاب: 915، الجمع بين رجال الصحيحين 1 /
246، أسد الغابة 3 / 254، تهذيب الكمال: 685، تاريخ
الإسلام 3 / 29، معرفة القراء: 42، تذهيب التهذيب 2 / 147،
مجمع الزوائد 9 / 409، العقد الثمين 5 / 163، غاية
النهاية: ت 1775، الإصابة 2 / 314، تهذيب التهذيب 5 / 229،
خلاصة تذهيب الكمال: 168.
(3/388)
وَكَانَ أَبُوْهُ شَرِيْكَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ المَبْعَثِ
(1) .
قَرَأَ عَبْدُ اللهِ القُرْآنَ عَلَى: أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ،
وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً، وَعَنْ: عُمَرَ.
عَرَضَ عَلَيْهِ القُرْآنَ: مُجَاهِدٌ، وَيُقَالُ: إِنَّ
عَبْدَ اللهِ بنَ كَثِيْرٍ تَلاَ عَلَيْهِ - فَاللهُ
أَعْلَمُ -.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَطَاءٌ،
وَابْنُ بِنْتِهِ؛ مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ،
وَوَلَدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَمُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُوْمِيُّ، وَغَيْرُهُم.
وَصَلَّى خَلْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ، فَقَرَأَ بِسُوْرَةِ
المُؤْمِنِيْنَ (2) .
قَالَ مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ: لَهُ صُحْبَةٌ.
__________
(1) أخرج أحمد 3 / 425 من طريق عفان، عن وهيب، عن عبد الله
بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، عن السائب بن أبي السائب أنه
كان يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام في
التجارة، فلما كان يوم الفتح، جاءه، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: " مرحبا بأخي وشريكي، كان لا يداري ولا يماري
".
وأخرجه أبو داود (4836) في الأدب: باب كراهية المرء، وابن
ماجه (2287) من طريقين عن سفيان، عن إبراهيم بن أبي
المهاجر، عن مجاهد، عن قائد السائب، عن السائب قال: أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلوا يثنون علي ويذكروني،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا أعلمكم به "
قلت: صدقت بأبي وأمي، كنت شريكي، فنعم الشريك، كنت لا
تداري ولا تماري.
لا تداري: لا تخالف ولا تمانع، ولا تماري: لا تخاصم.
(2) أخرجه مسلم (455) في الصلاة: باب القراءة في الصبح،
وأحمد 3 / 411، والنسائي 2 / 176 في الافتتاح: باب قراءة
بعض السورة، وأبو داود (649) في الصلاة: باب الصلاة في
النعل، وابن ماجه (820) في إقامة الصلاة: باب القراءة في
صلاة الفجر، أن عبد الله بن السائب قال: صلى لنا النبي صلى
الله عليه وسلم الصبح بمكة، فاستفتح سورة المؤمنين حتى جاء
ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى، أخذت النبي صلى الله عليه
وسلم سعلة فركع، وعبد الله بن السائب حاضر ذلك.
(3/389)
وَرَوَى: أَنَسُ بنُ عِيَاضٍ، عَنْ رَجُلٍ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ السَّائِبِ، قَالَ:
اكْتَنَيْتُ بِكُنْيَةِ جَدِّي أَبِي السَّائِبِ.
وَكَانَ خَلِيْطاً لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي الجَاهِلِيَّةِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(نِعْمَ الخَلِيْطُ؛ كَانَ لاَ يُشَارِي وَلاَ يُمَارِي
(1)).
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ دَاوُدَ بنِ شَابُوْرٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، قَالَ:
كُنَّا نَفْخَرُ عَلَى النَّاسِ بِقَارِئِنَا عَبْدِ (2)
اللهِ بنِ السَّائِبِ، وَبِفَقِيهِنَا عَبْدِ اللهِ بنِ
عَبَّاسٍ، وَبِمُؤَذِّنِنَا أَبِي مَحْذُوْرَةَ،
وَبِقَاضِيْنَا عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ (3) .
قِيْلَ: مَاتَ ابْنُ السَّائِبِ فِي إِمَارَةِ ابْنِ
الزُّبَيْرِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ
قَامَ عَلَى قَبْرِ عَبْدِ اللهِ بنِ السَّائِبِ، فَدَعَا
لَهُ (4).
60 - المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ بنِ نَوْفَلِ بنِ أُهَيْبٍ
الزُّهْرِيُّ * (ع)
ابْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ زُهْرَةَ بنِ قُصَيِّ بنِ
كِلاَبٍ، الإِمَامُ
__________
(1) إسناده ضعيف لجهالة رواية عن عبد الله بن السائب، وقد
تقدم الحديث قريبا، وفيه أن شريك النبي صلى الله عليه وسلم
هو السائب أبو عبد الله، لا جده.
(2) تحرف في المطبوع إلى " عبيد ".
(3) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 5 / 445 من طريق الفضل
بن دكين بهذا الإسناد، وهو صحيح.
(4) ابن سعد 5 / 455 من طريق عبد الله بن نمير، عن عبد
الملك بن جريج، عن ابن أبي مليكة.
(*) نسب قريش: 262، 263، طبقات خليفة: ت 81، المحبر: 68،
التاريخ الكبير 7 / 410، المعارف: 429، المعرفة والتاريخ 1
/ 358، الجرح والتعديل 8 / 297، المستدرك 3 / 523، جمهرة
أنساب العرب: 129، الاستيعاب: 1399، الجمع بين رجال
الصحيحين 2 / 515، تاريخ ابن عساكر 16 / 251 آ، أسد الغابة
5 / 175، تهذيب الأسماء واللغات: 94، تهذيب الكمال: 1329،
تاريخ الإسلام 3 / 79، تذهيب التهذيب 4 / 40 ب، مرآة
الجنان 1 / 140، العقد الثمين 7 / 197، الإصابة 3 / 419،
تهذيب التهذيب 10 / 151، خلاصة =
(3/390)
الجَلِيْلُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَأَبُو عُثْمَانَ القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ.
وَأُمُّهُ: عَاتِكَةُ؛ أُخْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
عَوْفٍ، زُهْرِيَّةٌ أَيْضاً.
لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ.
وَعِدَادُهُ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ، كَالنُّعْمَانِ بنِ
بَشِيْرٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ.
وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: خَالِهِ، وَأَبِي بَكْرٍ،
وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَعُرْوَةُ،
وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ،
وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَوَلَدَاهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
وَأُمُّ بَكْرٍ، وَطَائِفَةٌ.
قَدِمَ دِمَشْقَ بَرِيْداً مِنْ عُثْمَانَ يَسْتَصْرِخُ
بِمُعَاوِيَةَ.
وَكَانَ مِمَّنْ يَلْزَمُ عُمَرَ، وَيَحْفَظُ عَنْهُ.
وَقَدِ انْحَازَ إِلَى مَكَّةَ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ،
وَسَخطَ إِمْرَةَ يَزِيْدَ، وَقَدْ أَصَابَهُ حَجَرُ
مِنْجَنِيْقٍ فِي الحِصَارِ (1) .
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَتِ الخَوَارِجُ
تَغْشَاهُ، وَيَنْتَحِلُوْنَهُ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مِسْوَرٌ ثِقَةٌ.
عُقَيْلٌ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ:
أَنَّ المِسْوَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى
مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: يَا مِسْوَرُ! مَا فَعَلَ طَعْنُكَ
عَلَى الأَئِمَّةِ؟
قَالَ: دَعْنَا مِنْ هَذَا، وَأَحْسِنْ فِيمَا جِئْنَا
لَهُ.
قَالَ: لَتُكَلِّمَنِّي بِذَاتِ نَفْسِكَ بِمَا تَعِيبُ
عَلَيَّ؟
قَالَ: فَلَمْ أَترُكْ شَيْئاً إِلاَّ بَيَّنْتُهُ.
فَقَالَ: لاَ أَبْرَأُ مِنَ الذَّنْبِ، فَهَلْ تَعُدُّ
لَنَا مِمَّا نَلِي مِنَ الإِصْلاَحِ فِي أَمْرِ
العَامَّةِ، أَمْ تَعُدُّ الذُّنُوبَ، وَتَتْرُكُ
الإِحْسَانَ؟
قُلْتُ: نَعم.
__________
= تذهيب الكمال: 322، شذرات الذهب 1 / 72.
(1) انظر " نسب قريش ": 263.
(3/391)
قَالَ: فَإِنَّا نَعتَرِفُ للهِ بِكُلِّ
ذَنْبٍ، فَهَلْ لَكَ ذُنُوبٌ فِي خَاصَّتِكَ تَخْشَاهَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَمَا يَجعلُكَ اللهُ بِرَجَاءِ المَغْفِرَةِ
أَحَقَّ مِنِّي، فَوَاللهِ مَا أَلِي مِنَ الإِصْلاَحِ
أَكْثَرَ مِمَّا تَلِي، وَلاَ أُخَيَّرُ بَيْنَ اللهِ
وَبَيْنَ غَيْرِهِ، إِلاَّ اخْتَرْتُ اللهَ عَلَى سِوَاهُ،
وَإِنِّي لَعَلَى دِيْنٍ يُقْبَلُ فِيْهِ العَمَلُ،
وَيُجْزَى فِيْهِ بِالحَسَنَاتِ.
قَالَ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ خَصَمَنِي.
قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمْ أَسْمَعِ المِسْوَرَ ذَكَرَ
مُعَاوِيَةَ إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ (1) .
عَنْ أُمِّ بَكْرٍ: أَنَّ أَبَاهَا كَانَ يَصُومُ
الدَّهْرَ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ، طَافَ لِكُلِّ
يَوْمٍ غَابَ عَنْهَا سَبْعاً، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ (2)
.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ
عَمَّتِهِ أُمِّ بَكْرٍ بِنْتِ المِسْوَرِ؛ عَنْ
أَبِيْهَا:
أَنَّهُ وَجَدَ يَوْمَ القَادِسِيَّةِ إِبْرِيقَ ذَهَبٍ
بِاليَاقُوْتِ وَالزَّبَرْجَدِ، فَنَفَلَهُ سَعْدٌ
إِيَّاهُ، فَبَاعَهُ بِمائَةِ أَلْفٍ (3) .
وَفِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) - وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ -:
حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا
أَبِي، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ، حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو (4) بنِ حَلْحَلَةَ، أَنَّ ابْنَ
شِهَابٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ
حَدَّثَهُ:
أَنَّهُم قَدِمُوا المَدِيْنَةَ مِنْ عِنْدِ يَزِيْدَ
مَقْتَلَ الحُسَيْنِ، فَلَقِيَهُ المِسْوَرُ بنُ
مَخْرَمَةَ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ إِلَيَّ مِنْ حَاجَةٍ
تَأْمُرُنِي بِهَا؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: هَلْ أَنْتَ مُعْطِيَّ سَيْفَ رَسُوْلِ اللهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَإِنِّي أَخَافُ
أَنْ يَغْلِبَكَ القَوْمُ عَلَيْهِ، وَايْمُ اللهِ، لَئِنْ
أَعَطَيْتَنِيْهِ لاَ يُخْلَصُ إِلَيْهِ أَبَداً حَتَّى
تَبْلُغَ نَفْسِي، إِنَّ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ
ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ، فَسَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
__________
(1) أخرجه ابن عساكر 16 / 253 آ، ب من طريق ابن وهب، عن
حيوة، بهذا الإسناد، وقد تقدم تخريجه في الصفحة 151.
(2) ابن عساكر 16 / 253 ب.
(3) ابن عساكر 16 / 254 آ.
(4) تحرف في المطبوع إلى " عمر ".
(3/392)
وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى
مِنْبَرِهِ هَذَا، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ،
فَقَالَ: (إِنَّ فَاطِمَةَ بِضْعَةٌ مِنِّي، وَأَنَا
أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِيْنِهَا).
ثُمَّ ذَكَرَ صِهْراً لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ،
فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ،
فَأَحْسَنَ، قَالَ: (حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي
فَوَفَّى لِي، وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلاَلاً، وَلاَ
أُحِلُّ حَرَاماً، وَلَكِنْ -وَاللهِ - لاَ تَجْتَمِعُ
ابْنَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَابْنَةُ عَدُوِّ اللهِ مَكَاناً وَاحِداً
أَبَداً (1)).
فَفِيْهِ: أَنَّ المِسْوَرَ كَانَ كَبِيْراً مُحْتَلِماً
إِذْ ذَاكَ.
وَعَنْ عَطَاءِ بنِ يَزِيْدَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ
الزُّبَيْرِ لاَ يَقْطَعُ أَمْراً دُوْنَ المِسْوَرِ
بِمَكَّةَ.
وَعَنْ أَبِي عَوْنٍ، قَالَ:
لَمَّا دَنَا الحُصَيْنُ بنُ نُمَيْرٍ لِحِصَارِ مَكَّةَ،
أَخْرَجَ المِسْوَرُ سِلاَحاً قَدْ حَمَلَهُ مِنَ
المَدِيْنَةِ وَدُرُوْعاً، فَفَرَّقهَا فِي مَوَالٍ لَهُ
فُرْسٍ جُلْدٍ، فَلَمَّا كَانَ القِتَالُ، أَحْدَقُوا
بِهِ، ثُمَّ انْكَشَفُوا عَنْهُ، وَالمِسْوَرُ يَضْرِبُ
بِسَيْفِهِ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ فِي الرَّعِيْلِ
الأَوَّلِ.
وَقَتَلَ مَوَالِي مِسْوَرٍ مِنَ الشَّامِيِّينَ نَفَراً.
وَقِيْلَ: أَصَابَهُ حَجَرُ المِنْجَنِيْقِ، فَانْفَلَقَتْ
(2) مِنْهُ قِطْعَةٌ أَصَابتْ خَدَّ المِسْوَرِ وَهُوَ
يُصَلِّي، فَمَرِضَ، وَمَاتَ فِي اليَوْمِ الَّذِي جَاءَ
فِيْهِ نَعْيُ يَزِيْدَ (3) .
فَعَنْ أُمِّ بَكْرٍ، قَالَتْ: كُنْتُ أَرَى العِظَامَ
تُنْزَعُ مِنْ خَدِّهِ.
بَقِيَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَمَاتَ.
وَقِيْلَ: أَصَابَهُ الحَجَرُ، فَحُمِلَ مَغْشِيّاً
عَلَيْهِ، وَبَقِيَ يَوْماً لاَ يَتَكَلَّمُ، ثُمَّ
__________
(1) هو في " المسند " 4 / 326، ومسلم (2449) (95) في فضائل
الصحابة: باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم.
(2) تحرف في المطبوع إلى " فانفلتت ".
(3) أخرجه ابن عساكر 16 / 254 ب، 255 آ.
(3/393)
أَفَاقَ.
وَجَعَلَ عُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ يَقُوْلُ: يَا أَبَا
عَبْدِ الرَّحْمَنِ! كَيْفَ تَرَى فِي قِتَالِ هَؤُلاَءِ؟
فَقَالَ: عَلَى ذَلِكَ قُتِلْنَا.
قَالَ: وَوَلِي ابْنُ الزُّبَيْرِ غَسْلَهُ، وَحَمَلَهُ
إِلَى الحَجُوْنِ (1) ، وَإِنَّا لَنَطَأُ بِهِ القَتْلَى،
وَنَمْشِي بَيْنَ أَهْلِ الشَّامِ، فَصَلَّوْا مَعَنَا
عَلَيْهِ.
قُلْتُ: كَانُوا قَدْ عَلِمُوا بِمَوْتِ يَزِيْدَ،
وَبَايَعُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ.
وَعَنْ أُمِّ بَكْرٍ، قَالَتْ:
وُلِدَ المِسْوَرُ بِمَكَّةَ، بَعْدَ الهِجْرَةِ
بِعَامَيْنِ، وَبِهَا تُوُفِّيَ لِهِلاَلِ رَبِيْعٍ
الآخِرِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ.
وَكَذَا أَرَّخَهُ فِيْهَا: جَمَاعَةٌ.
وَغَلِطَ المَدَائِنِيُّ، فَقَالَ: مَاتَ فِي سَنَةِ
ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ مِنْ حَجَرِ المِنْجَنِيْقِ.
61 - سُلَيْمَانُ بنُ صُرَدٍ أَبُو مُطَرِّفٍ الخُزَاعِيُّ
الكُوْفِيُّ * (ع)
الأَمِيْرُ، أَبُو مُطَرِّفٍ الخُزَاعِيُّ، الكُوْفِيُّ،
الصَّحَابِيُّ.
لَهُ: رِوَايَةٌ يَسِيْرَةٌ.
وَعَنْ: أُبَيٍّ، وَجُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ.
وَعَنْهُ: يَحْيَى بنُ يَعْمَرَ، وَعَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ،
وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) هو جبل بأعلى مكة عند مدافن أهلها.
(*) طبقات ابن سعد 4 / 292، و6 / 25، طبقات خليفة: ت 665،
942، المحبر: 291، التاريخ الصغير 1 / 146، الكنى 2 / 117،
تاريخ الطبري 5 / 583، الجرح والتعديل 4 / 123، مشاهر
علماء الأمصار: ت 305، معجم الطبراني 7 / 114، المستدرك 3
/ 530، جمهرة أنساب العرب: 238، الاستيعاب: 649، تاريخ
بغداد 1 / 200، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 176، أسد
الغابة 2 / 449، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 234، تهذيب
الكمال: 543، تاريخ الإسلام 3 / 17، العبر 1 / 72، تذهيب
التهذيب 2 / 50 ب، الوافي بالوفيات 15 / 392، العقد الثمين
4 / 607، الإصابة 2 / 75، تهذيب التهذيب 4 / 200، خلاصة
تذهيب الكمال: 129، شذرات الذهب 1 / 73.
(3/394)
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: كَانَ مِمَّنْ
كَاتَبَ الحُسَيْنَ لِيُبَايِعَهُ، فَلَمَّا عَجِزَ عَنْ
نَصْرِهِ نَدِمَ، وَحَارَبَ.
قُلْتُ: كَانَ دَيِّناً، عَابِداً، خَرَجَ فِي جَيشٍ
تَابُوا إِلَى اللهِ مِنْ خِذْلاَنِهِمُ الحُسَيْنَ
الشَّهِيْدَ، وَسَارُوا لِلطَّلبِ بِدَمِهِ، وَسُمُّوا
جَيْشَ التَّوَّابِينَ.
وَكَانَ هُوَ الَّذِي بَارَزَ يَوْمَ صِفِّيْنَ حَوْشَباً
ذَا ظُلَيْمٍ، فَقَتَلَهُ.
حَضَّ سُلَيْمَانُ عَلَى الجِهَادِ؛ وَسَارَ فِي أُلُوفٍ
لِحَرْبِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، وَقَالَ: إِنْ
قُتِلْتُ، فَأَمِيْرُكُمُ المُسَيَّبُ بنُ نَجَبَةَ.
وَالْتَقَى الجَمْعَانِ، وَكَانَ عُبَيْدُ اللهِ فِي جَيشٍ
عَظِيمٍ، فَالْتَحَمَ القِتَالُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ،
وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ.
وَاسْتَحَرَّ القَتْلُ بِالتَّوَّابِينَ شِيْعَةِ
الحُسَيْنِ، وَقُتِلَ أُمَرَاؤُهُم الأَرْبَعَةُ؛
سُلَيْمَانُ، وَالمُسَيَّبُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ،
وَعَبْدُ اللهِ بنُ وَالِي، وَذَلِكَ بِعَيْنِ الوَرْدَةِ،
الَّتِي تُدْعَى رَأْسَ العَيْنِ (1) ، سَنَةَ خَمْسٍ
وَسِتِّيْنَ، وَتَحَيَّزَ بِمَنْ بَقِيَ مِنْهُم رِفَاعَةُ
بنُ شَدَّادٍ إِلَى الكُوْفَةِ.
62 - أَنَسُ بنُ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بنِ ضَمْضَمٍ
الأَنْصَارِيُّ * (ع)
ابْنِ زَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ جُنْدُبِ بنِ عَامِرِ بنِ
غَنْمِ بنِ عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ.
__________
(1) قال ياقوت: " عين الوردة ": هي رأس العين، وهي مدينة
كبيرة مشهورة من مدن الجزيرة بين حران ونصيبين
ودنيسر..وفيها عيون كثيرة عجيبة صافية، تجتمع كلها في
موضع، فتصير نهر الخابور.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 17، طبقات خليفة: ت 575، 1455،
المحبر: 301، 344، 379، التاريخ الكبير 2 / 27، التاريخ
الصغير 1 / 209، المعارف: 308، الجرح والتعديل 2 / 286،
مشاهير علماء الأمصار: ت 215، المستدرك 3 / 573،
الاستيعاب: 108، طبقات =
(3/395)
الإِمَامُ، المُفْتِي، المُقْرِئُ،
المُحَدِّثُ، رَاوِيَةُ الإِسْلاَمِ، أَبُو حَمْزَةَ
الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ،
المَدَنِيُّ، خَادِمُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَرَابَتُهُ مِنَ النِّسَاءِ،
وَتِلْمِيذُهُ، وَتَبَعُهُ، وَآخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً.
رَوَى عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عِلْماً جَمّاً، وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ،
وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَمُعَاذٍ، وَأُسَيْدِ بنِ
الحُضَيْرِ، وَأَبِي طَلْحَةَ، وَأُمِّهِ أُمِّ سُلَيْمٍ
بِنْتِ مِلْحَانَ، وَخَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ، وَزَوْجِهَا
عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَمَالِكِ بنِ
صَعْصَعَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَفَاطِمَةَ
النَّبَوِيَّةِ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: خَلْقٌ عَظِيمٌ، مِنْهُمُ: الحَسَنُ، وَابْنُ
سِيْرِيْنَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو قِلاَبَةَ،
وَمَكْحُوْلٌ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَثَابِتٌ
البُنَانِيُّ، وَبَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيُّ،
وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ المُنْكَدِرِ،
وَإِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ،
وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ صُهَيْبٍ، وَشُعَيْبُ بنُ
الحَبْحَابِ، وَعَمْرُو بنُ عَامِرٍ الكُوْفِيُّ،
وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ،
وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَكَثِيْرُ بنُ
سُلَيْمٍ، وَعِيْسَى بنُ طَهْمَانَ، وَعُمَرُ بنُ شَاكِرٍ.
وَبَقِيَ أَصْحَابُهُ الثِّقَاتُ إِلَى بَعْدِ
الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَبَقِيَ ضُعَفَاءُ أَصْحَابِهِ
إِلَى بَعْدِ التِّسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَبَقِيَ بَعْدَهُم
نَاسٌ لاَ يُوثَقُ بِهِم، بَلِ اطُّرِحَ حَدِيْثُهُم
جُمْلَةً؛ كَإِبْرَاهِيْمَ بنِ هُدْبَةَ، وَدِيْنَارٍ
أَبِي مِكْيَسٍ، وَخِرَاشِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَمُوْسَى
الطَّوِيْلِ، عَاشُوا مُدَيْدَةً بَعْدَ المائتَيْنِ،
فَلاَ اعْتِبَارَ بِهِم.
__________
= الشيرازي: 51، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 35، تاريخ
ابن عساكر 3 / 17 آ، جامع الأصول 9 / 88، أسد الغابة 1 /
151، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 127، نهاية الارب 18 /
223، تهذيب الكمال 124، تاريخ الإسلام 3 / 339، تذكرة
الحفاظ 1 / 42، العبر 1 / 107، تذهيب التهذيب 1 / 73 ب،
مرآة الجنان 1 / 182، البداية والنهاية 9 / 88، غاية
النهاية: ت 803، مجمع الزوائد 9 / 325، تهذيب التهذيب 1 /
376، الإصابة 1 / 71، النجوم الزاهرة 1 / 224، خلاصة تذهيب
الكمال: 35، شذرات الذهب 1 / 100، 101، تهذيب ابن عساكر 3
/ 142.
(3/396)
وَإِنَّمَا كَانَ بَعْدَ المائتَيْنِ
بَقَايَا مَنْ سَمِعَ مِنْ ثِقَاتِ أَصْحَابِهِ كَيَزِيْدَ
بنِ هَارُوْنَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ،
وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي
عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَأَبِي نُعَيْمٍ (1) .
وَقَدْ سَرَدَ صَاحِبُ (التَّهْذِيبِ) نَحْوَ مائَتَيْ
نَفْسٍ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْ أَنَسٍ.
وَكَانَ أَنَسٌ يَقُوْلُ:
قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- المَدِيْنَةَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ، وَمَاتَ وَأَنَا
ابْنُ عِشْرِيْنَ، وَكُنَّ أُمَّهَاتِي يَحْثُثْنَنِي
عَلَى خِدْمَةِ رَسُوْلِ اللهِ (2) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَصَحِبَ أَنَسٌ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَتَمَّ الصُّحْبَةِ، وَلاَزَمَهُ أَكْمَلَ
المُلاَزَمَةِ مُنْذُ هَاجَرَ، وَإِلَى أَنْ مَاتَ،
وَغَزَا مَعَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَبَايَعَ تَحْتَ
الشَّجَرَةِ.
وَقَدْ رَوَى: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ فِي (طَبَقَاتِهِ):
حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مَوْلَىً
لأَنَسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ لأَنَسٍ: أَشَهِدْتَ بَدْراً؟
فَقَالَ: لاَ أُمَّ لَكَ، وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْ بَدْرٍ.
ثُمَّ قَالَ الأَنْصَارِيُّ: خَرَجَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَدْرٍ،
وَهُوَ غُلاَمٌ يَخْدُمُهُ (3) .
وَقَدْ رَوَاهُ: عُمَرُ بنُ شَبَّةَ، عَنِ الأَنْصَارِيِّ،
عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ ثُمَامَةَ، قَالَ:
قِيلَ لأَنَسٍ:...، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
قُلْتُ: لَمْ يَعُدَّهُ أَصْحَابُ المَغَازِي فِي
البَدْرِيِّيْنَ؛ لِكَوْنِهِ حَضَرَهَا صَبِيّاً
__________
(1) تحرف في المطبوع إلى " ابن نعيم ".
(2) أخرجه أحمد 3 / 110، ومسلم (2029) (125)، وابن سعد 7 /
20 من طرق
عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أنس، وتمامه: فدخل علينا
دارنا، فحلبنا له من شاة داجن، وشيب له من بئر في الدار،
فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له عمر - وأبو
بكر على شماله - يا رسول الله أعط أبا بكر، فأعطاه أعرابيا
عن يمينه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الايمن
فالايمن ".
(3) الأنصاري: هو محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري
ثقة، وأبوه عبد الله صدوق، خرج له البخاري إلا أنه كثير
الغلط، ومولى أنس لا يعرف، لكن تابعه ثمامة في رواية عمر
بن شبة، وهو صدوق.
(3/397)
مَا قَاتَلَ، بَلْ بَقِيَ فِي رِحَالِ
الجَيْشِ، فَهَذَا وَجْهُ الجَمْعِ.
وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
كَنَّانِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَبَا حَمْزَةَ بِبَقْلَةٍ اجْتَنَيْتُهَا (1) .
وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ - وَفِيْهِ لِينٌ - عَنِ
ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- المَدِيْنَةَ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ سِنِيْنَ،
فَأَخَذَتْ أُمِّي بِيَدِي، فَانْطَلَقَتْ بِي إِلَيْهِ،
فَقَالَتْ:
يَا رَسُوْلَ اللهِ! لَمْ يَبْقَ رَجُلٌ وَلاَ امْرَأَةٌ
مِنَ الأَنْصَارِ إِلاَّ وَقَدْ أَتْحَفَكَ بِتُحْفَةٍ،
وَإِنِّي لاَ أَقْدِرُ عَلَى مَا أُتْحِفُكَ بِهِ إِلاَّ
ابْنِي هَذَا، فَخُذْهُ، فَلْيَخْدُمْكَ مَا بَدَا لَكَ.
قَالَ: فَخَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِيْنَ، فَمَا ضَرَبَنِي،
وَلاَ سَبَّنِي، وَلاَ عَبَسَ فِي وَجْهِي.
رَوَاهُ: التِّرْمِذِيُّ (2) .
عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ
اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، قَالَ:
جَاءتْ بِي أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَزَّرَتْنِي بِنِصْفِ
خِمَارِهَا، وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ، فَقَالَتْ:
يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِي، أَتَيْتُكَ
بِهِ يَخْدُمُكَ، فَادْعُ اللهَ لَهُ.
فَقَالَ: (اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ).
فَوَاللهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيْرٌ، وَإِنَّ وَلَدِي
وَوَلَدَ وَلَدِي يَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوٍ مِنْ مائَةٍ
اليَوْمَ (3) .
رَوَى نَحْوَهُ: جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ.
وَرَوَى: شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ أُمَّ سُلَيْم قَالَتْ: يَا رَسُوْلَ
__________
(1) أخرجه الترمذي (3918) والطبراني (656) وفي سنده جابر
الجعفي وهو ضعيف.
(2) هذا اللفظ ليس عند الترمذي، وإنما هو لأبي يعلى كما في
" المجمع " 1 / 271، 272 وله تتمة عنده روى بعضها الترمذي
في مواضع متفرقة من " سننه " انظر (589) و(2678) و(2698)
وهو عند ابن عساكر 3 / 78 ب من طريق أبي يعلى.
(3) أخرجه مسلم في " صحيحه " (2481) (143) في فضائل
الصحابة: باب من فضائل أنس بن مالك.
(3/398)
اللهِ! خَادِمُكَ أَنَسٌ، ادْعُ اللهَ
لَهُ.
فَقَالَ: (اللَّهُمَّ أَكثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ).
فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِي أَنَّهُ دُفِنَ مِنْ صُلْبِي
أَكْثَرُ مِنْ مائَةٍ (1) .
حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
دَعَا لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ
وَوَلَدَهُ، وَأَطِلْ حَيَاتَهُ).
فَاللهُ أَكْثَرَ مَالِي، حَتَّى إِنَّ كَرْماً لِي
لَتَحْمِلُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنَ، وَوُلِدَ لِصُلْبِي
مائَةٌ وَسِتَّةٌ (2) .
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
المُعَدَّلُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ،
وَمُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ القُرَظِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَكِيْمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو
حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ،
حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
دَخَلَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ
وَسَمْنٍ، فَقَالَ: (أَعِيْدُوا تَمْرَكُم فِي وِعَائِكُم،
وَسَمْنَكُم فِي سِقَائِكُم، فَإِنِّي صَائِمٌ).
ثُمَّ قَامَ فِي نَاحِيَةِ البَيْتِ، فَصَلَّى بِنَا
صَلاَةً غَيْرَ مَكْتُوبَةٍ، فَدَعَا لأُمِّ سُلَيْمٍ
وَأَهْلِ بَيْتِهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّ
لِي خُوَيْصَّةً.
قَالَ: (وَمَا هِيَ؟).
قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ.
فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلاَ دُنْيَا إِلاَّ دَعَا
لِي بِهِ، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ ارزُقْهُ مَالاً
وَوَلَداً، وَبَارِكْ لَهُ فِيْهِ).
قَالَ: فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الأَنْصَارِ مَالاً،
وَحَدَّثَتْنِي أُمَيْنَةُ ابْنَتِي: أَنَّهُ دُفِنَ مِنْ
صُلْبِي إِلَى مَقْدَمِ الحَجَّاجِ البَصْرَةَ تِسْعَةٌ
وَعِشْرُوْنَ وَمائَةٌ (3).
__________
(1) أخرجه ابن عساكر 3 / 80 آ، وأخرجه البخاري 11 / 122
و154 في الدعوات، ومسلم (2480) في فضائل الصحابة، من طريق
شعبة، عن قتادة، عن أنس دون قوله: " فأخبرني بعض أهلي..."
وأخرجه معها بنحوه 4 / 198، 199 في الصوم: باب من زار قوما
فلم يفطر عندهم، من طريق حميد، عن أنس وفيه: وحدثتني ابنتي
أمينة أنه دفن لصلبي مقدم الحجاج البصرة، بضع وعشرون ومئة.
(2) أخرجه ابن عساكر 3 / 80 ب، وأخرجه بنحوه البخاري في "
الأدب المفرد " (653)، وابن سعد 7 / 19 من طريقين عن سنان
بن ربيعة، عن أنس...وسنده حسن.
(3) وأخرجه البخاري 4 / 198، 199 في الصوم: باب من زار
قوما فلم يفطر عندهم =
(3/399)
الطَّيَالِسِيُّ: عَنْ أَبِي خَلْدَةَ:
قُلْتُ لأَبِي العَالِيَةِ: سَمِعَ أَنَسٌ مِنَ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
قَالَ: خَدَمَهُ عَشْرَ سِنِيْنَ، وَدَعَا لَهُ، وَكَانَ
لَهُ بُسْتَانٌ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ الفَاكِهَةَ
مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ فِيْهَا رَيْحَانٌ يَجِيْءُ مِنْهُ
رِيحُ المِسْكِ (1) .
أَبُو خَلْدَةَ: ثِقَةٌ.
عَنْ مُوْسَى بنِ أَنَسٍ: أَنَّ أَنَساً غَزَا ثَمَانِ
غَزَوَاتٍ (2) .
وَقَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشبَهَ بِصَلاَةِ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنِ ابْنِ أُمِّ
سُلَيْمٍ -يَعْنِي: أَنساً (3) -.
وَقَالَ أَنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ: كَانَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ
أَحسَنَ النَّاسِ صَلاَةً فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ (4) .
وَرَوَى: الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ ثُمَامَةَ،
قَالَ:
كَانَ أَنَسٌ يُصَلِّي حَتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ دَماً،
مِمَّا يُطِيلُ القِيَامَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
ثَابِتٌ البُنَانِيُّ، قَالَ: جَاءَ قَيِّمُ أَرْضِ
أَنَسٍ، فَقَالَ: عَطِشَتْ أَرَضُوكَ.
فَتَرَدَّى أَنَسٌ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى البَرِّيَّةِ،
ثُمَّ صَلَّى، وَدَعَا، فَثَارَتْ سَحَابَةٌ، وَغَشِيتْ
أَرْضَهُ، وَمَطَرَتْ، حَتَّى مَلأَتْ صِهْرِيْجَهُ،
وَذَلِكَ فِي الصَّيْفِ، فَأَرْسَلَ بَعْضَ أَهْلهِ،
فَقَالَ: انْظُرْ أَيْنَ بَلَغَتْ؟
فَإِذَا هِيَ لَمْ تَعْدُ أَرْضَهُ إِلاَّ يَسِيْراً (5).
__________
= من طريق محمد بن المثنى، عن خالد بن الحارث، عن حميد، عن
أنس..
(1) رجاله ثقات، وهو في " سنن الترمذي " (3833) من طريق
محمود بن غيلان بهذا الإسناد وحسنه، وأخرجه ابن عساكر 3 /
82 ب.
(2) ابن عساكر 3 / 84 ب.
(3) رجاله ثقات.
أخرجه ابن سعد من طريق عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن
ثابت...وهو عند ابن عساكر 3 / 84 ب.
(4) ابن عساكر 3 / 84 ب.
(5) ابن عساكر 3 / 85.
(3/400)
رَوَى نَحْوَهُ: الأَنْصَارِيُّ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ ثُمَامَةَ (1) .
قُلْتُ: هَذِهِ كَرَامَةٌ بَيِّنَةٌ ثَبَتَتْ
بِإِسْنَادَيْنِ.
قَالَ هَمَّامُ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنِي مَن صَحِبَ أَنَسَ
بنَ مَالِكٍ، قَالَ:
لَمَّا أَحرَمَ أَنَسٌ، لَمْ أَقْدِرْ أَنْ أُكَلِّمَهُ
حَتَّى حَلَّ مِنْ شِدَّةِ إِبْقَائِهِ عَلَى إِحْرَامِهِ
(2) .
ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ مُوْسَى بنِ أَنَسٍ:
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيْقَ بَعَثَ إِلَى أَنَسٍ
لِيُوَجِّهَهُ عَلَى البَحْرَيْنِ سَاعِياً.
فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ: إِنِّيْ أَرَدْتُ أَنْ
أَبْعَثَ هَذَا عَلَى البَحْرَيْنِ، وَهُوَ فَتَىً شَابٌّ.
قَالَ: ابعَثْهُ، فَإِنَّهُ لَبِيبٌ كَاتِبٌ.
فَبَعَثَه، فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ، قَدِمَ أَنَسٌ
عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ: هَاتِ مَا جِئْتَ بِهِ.
قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، البَيْعَةَ أَوَّلاً.
فَبَسَطَ يَدَهُ (3) .
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ
أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
استَعْمَلَنِي أَبُو بَكْرٍ عَلَى الصَّدَقَةِ؛
فَقَدِمْتُ، وَقَدْ مَاتَ.
فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَنَسُ! أَجِئْتَنَا بِظَهْرٍ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: جِئْنَا بِهِ، وَالمَالُ لَكَ.
قُلْتُ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: وَإِنْ كَانَ، فَهُوَ لَكَ.
وَكَانَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ (4) .
رَوَى: ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
صَحِبْتُ جَرِيرَ بنَ عَبْدِ اللهِ، فَكَانَ يَخْدُمُنِي،
وَقَالَ: إِنِّيْ رَأَيْتُ الأَنْصَارَ يَصْنَعُوْنَ
بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
شَيْئاً، لاَ أَرَى أَحَداً مِنْهُم إِلاَّ خَدَمْتُهُ
(5).
__________
(1) أخرجه ابن سعد في " طبقات " 7 / 21.
(2) في ابن سعد 7 / 22 من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري،
حدثنا شيخ لنا يكنى أبا الحباب، قال: سمعت الجريري يقول:
أحرم أنس بن مالك من ذات عرق، قال: فما سمعناه متكلما إلا
بذكر الله حتى حل، قال: فقال له: يا ابن أخي هكذا الاحرام.
(3) ابن عساكر 3 / 86 ب.
(4) ابن عساكر 3 / 86 ب.
(5) ابن عساكر 3 / 87 آ.
(3/401)
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لأَنَسٍ: (يَا ذَا
الأُذُنَيْنِ (1)).
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَخُصُّهُ بِبَعْضِ العِلْمِ.
فَنَقَلَ أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ طَافَ عَلَى تِسْعِ نِسْوَةٍ فِي
ضَحْوَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ (2) .
قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: كَتَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ
بَعْد مَوْتِ يَزِيْدَ إِلَى أَنَسِ بنِ مَالِكٍ؛ فَصَلَّى
بِالنَّاسِ بِالبَصْرَةِ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً.
وَقَدْ شَهِدَ أَنَسٌ فَتْحَ تُسْتَرَ، فَقَدِمَ عَلَى
عُمَرَ بِصَاحِبِهَا الهُرْمُزَانَ، فَأَسْلَمَ، وَحَسُنَ
إِسْلاَمُهُ -رَحِمَهُ اللهُ -.
قَالَ الأَعْمَشُ: كَتَبَ أَنَسٌ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ
بنِ مَرْوَانَ -يَعْنِي: لَمَّا آذَاهُ الحَجَّاجُ -:
إِنِّيْ خَدَمْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - تِسْعَ سِنِيْنَ، وَاللهِ لَوْ أَنَّ
النَّصَارَى أَدْرَكُوا رَجُلاً خَدَمَ نَبِيَّهُم،
لأَكْرَمُوْهُ (3) .
قَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ
زَيْدٍ، قَالَ:
كُنْتُ بِالقَصْرِ، وَالحَجَّاجُ يَعْرِضُ النَّاسَ
لَيَالِيَ ابْنِ الأَشْعَثِ، فَجَاءَ أَنَسٌ، فَقَالَ
الحَجَّاجُ: يَا خَبِيثُ، جَوَّالٌ فِي الفِتَنِ، مَرَّةً
مَعَ عَلِيٍّ، وَمَرَّةً مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ،
وَمَرَّةً مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ؛ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ، لأَسْتَأْصِلَنَّكَ كَمَا تُسْتَأْصَلُ
الصَّمْغَةُ، وَلأُجَرِدَنَّكَ كَمَا يُجَرَّدُ الضَّبُّ.
قَالَ: يَقُوْلُ أَنَسٌ: مَنْ يَعْنِي الأَمِيْرُ؟
قَالَ: إِيَّاكَ أَعْنِي، أَصَمَّ اللهُ سَمْعَكَ.
قَالَ: فَاسْتَرْجَعَ أَنَسٌ، وَشُغِلَ الحَجَّاجُ.
فَخَرَجَ أَنَسٌ، فَتَبِعْنَاهُ إِلَى الرَّحْبَةِ،
فَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي ذَكَرْتُ وَلَدِي وَخَشِيتُ
__________
(1) أخرجه أبو داود (5002) في الأدب، والترمذي (3828)،
والطبراني (663)، من طريق شريك، عن عاصم، عن أنس.
وشريك: - وهو ابن عبد الله النخعي القاضي - كثير الخطأ.
وأخرجه الطبراني (662) من طريق عبد الوارث بن عبد الصمد،
عن حرب بن ميمون، عن النضر بن أنس، عن أنس.
(2) انظر صحيح مسلم (309)، وسنن أبي داود (218)، والنسائي
1 / 144، وابن ماجه (588)، والترمذي (140)، والبخاري 1 /
324.
(3) ابن عساكر 3 / 87 آ.
(3/402)
عَلَيْهِم بَعْدِي، لَكَلَّمْتُهُ
بِكَلاَمٍ لاَ يَسْتَحْيِينِي بَعْدَهُ أَبَداً (1) .
قَالَ سَلَمَةُ بنُ وَرْدَانَ: رَأَيتُ عَلَى أَنَسٍ
عِمَامَةً سَوْدَاءَ قَدْ أَرْخَاهَا مِنْ خَلْفِهِ.
وَقَالَ أَبُو طَالُوْتَ عَبْدُ السَّلاَمِ: رَأَيتُ عَلَى
أَنَسٍ عِمَامَةً.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ:
نَهَى عُمَرُ أَنْ نَكْتُبَ فِي الخَوَاتِيمِ عَرَبِيّاً.
وَكَانَ فِي خَاتَمِ أَنَسٍ ذِئْبٌ، أَوْ ثَعْلَبٌ (2) .
وَقَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ أَنَسٍ
أَسَدٌ رَابِضٌ (3) .
قَالَ ثُمَامَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَ كَرْمُ أَنَسٍ
يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ (4) .
قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: سَمِعْتُ أَنساً
يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ صَلَّى القِبْلَتَينِ غَيْرِي
(5) .
قَالَ المُثَنَّى بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعْتُ أَنَساً
يَقُوْلُ: مَا مِنْ لَيْلَةٍ إِلاَّ وَأَنَا أَرَى فِيْهَا
حَبِيبِي.
ثُمَّ يَبْكِي (6) .
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ -
قِيْلَ لَهُ: أَلاَ تُحَدِّثُنَا؟ - قَالَ:
يَا بُنَيَّ، إِنَّهُ مَنْ يُكْثِرْ يَهْجُرْ (7).
__________
(1) أخرجه الطبراني (704) وعلي بن زيد ضعيف، وبه أعله
الهيثمي في " المجمع " 7 / 274، وهو في ابن عساكر 3 / 87
آ.
(2) رجاله ثقات، وهو عند ابن سعد 7 / 18.
(3) رجاله ثقات، وهو عند ابن سعد 7 / 18.
(4) أخرجه ابن سعد 7 / 20 من طريق محمد بن عبد الله
الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة.
(5) أخرجه البخاري 8 / 131 في تفسير سورة البقرة: باب قوله
تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء)، وابن سعد 7 / 20،
وقوله " ممن صلى القبلتين " يعني الصلاة إلى بيت المقدس
وإلى الكعبة.
(6) أخرجه ابن سعد 7 / 20، ورجاله ثقات.
(7) رجاله ثقات، وأخرجه ابن سعد 7 / 22 من طريق حماد بن
سلمة، عن ثابت، إن =
(3/403)
هَمَّامٌ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّهُ نَقَشَ فِي خَاتَمِهِ: (مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ
اللهِ)، فَكَانَ إِذَا دَخَلَ الخَلاَءَ، نَزَعَهُ (1) .
قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: رَأَيْتُ عَلَى أَنَسٍ مِطْرَفَ
خَزٍّ، وَعِمَامَةَ خَزٍّ، وَجُبَّةَ خَزٍّ (2) .
رَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ سَالِمٍ الأَشْعَرِيُّ، عَنْ
أَزْهَرَ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
كُنْتُ فِي الخَيْلِ الَّذِيْنَ بَيَّتُوا أَنَسَ بنَ
مَالِكٍ، وَكَانَ فِيْمَنْ يُؤَلِّبُ عَلَى الحَجَّاجِ،
وَكَانَ مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ، فَأَتَوْا بِهِ
الحَجَّاجَ، فَوَسَمَ فِي يَدِهِ: عَتِيْقُ الحَجَّاجِ (3)
.
قَالَ الأَعْمَشُ: كَتَبَ أَنَسٌ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ:
قَدْ خَدَمْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - تِسْعَ سِنِيْنَ، وَإِنَّ الحَجَّاجَ
يُعَرِّضُ بِي حَوَكَةَ البَصْرَةِ، فَقَالَ:
يَا غُلاَمُ! اكْتُبْ إِلَى الحَجَّاجِ: وَيْلَكَ! قَدْ
خَشِيتُ أَنْ لاَ يَصْلُحَ عَلَى يَدَيَّ أَحَدٌ، فَإِذَا
جَاءكَ كِتَابِي، فَقُمْ إِلَى أَنَسٍ حَتَّى تَعْتَذِرَ
إِلَيْهِ.
فَلَمَّا أَتَاهُ الكِتَابُ، قَالَ لِلرَّسُوْلِ: أَمِيْرُ
المُؤْمِنِيْنَ كَتَبَ بِمَا هُنَا؟
قَالَ: إِي وَاللهِ؛ وَمَا كَانَ فِي وَجْهِهِ أَشَدُّ
مِنْ هَذَا.
قَالَ: سَمْعاً وَطَاعَةً، وَأَرَادَ أَنْ يَنْهَضَ
إِلَيْهِ.
فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ، أَعْلَمْتُهُ.
فَأَتَيْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، فَقُلْتُ: أَلاَ تَرَى
قَدْ خَافَكَ، وَأَرَادَ أَنْ يَجِيْءَ إِلَيْكَ، فَقُمْ
إِلَيْهِ.
فَأَقْبَلَ أَنَسٌ يَمْشِي حَتَّى دَنَا مِنْهُ، فَقَالَ:
يَا أَبَا حَمْزَةَ! غَضِبْتَ؟
قَالَ: نَعَمْ، تُعَرِّضُنِي بِحَوَكَةِ البَصْرَةِ؟
قَالَ: إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكَ كَقْولِ الَّذِي
قَالَ: إِيَّاكِ أَعْنِي وَاسْمِعِي يَا جَارَةُ، أَرَدْتُ
أَنْ لاَ يَكُوْنَ لأَحَدٍ عَلَيَّ مَنْطِقٌ (4).
__________
= بني أنس بن مالك قالوا لابيهم: يا أبانا ألا تحدثنا كما
تحدث الغرباء ؟.
وقوله " يهجر " من هجر في كلامه: إذا خلط فيه وإذا هذى.
(1) أخرجه ابن سعد 7 / 22، 23.
(2) أخرجه ابن سعد 7 / 23.
(3) ابن عساكر 3 / 87 ب.
(4) ابن عساكر 3 / 87 ب، وهو في " المستدرك " 3 / 574
مختصرا.
(3/404)
وَرَوَى: عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، عَنْ
أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ:
كَانَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ أَبْرَصَ، وَبِهِ وَضَحٌ
شَدِيدٌ، وَرَأَيْتُهُ يَأْكُلُ، فَيَلْقَمُ لُقَماً
كِبَاراً (1) .
قَالَ حُمَيْدٌ: عَنْ أَنَسٍ: يَقُوْلُوْنَ: لاَ
يَجْتَمِعُ حُبُّ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ فِي قَلْبٍ، وَقَدْ
جَمَعَ اللهُ حُبَّهُمَا فِي قُلُوْبِنَا (2) .
وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ
أُمِّهِ:
أَنَّهَا رَأَتْ أَنَساً مُتَخَلِّقاً بِخَلُوْقٍ، وَكَانَ
بِهِ بَرَصٌ، فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُوْلُ لأَهْلِهِ:
لَهَذَا أَجْلَدُ مِنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وَهُوَ أَسَنُّ
مِنْ سَهْلٍ.
فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - دَعَا لِي (3) .
قَالَ أَبُو اليَقْظَانِ: مَاتَ لأَنسٍ فِي طَاعُوْنِ
الجَارِفِ (4) ثَمَانُوْنَ ابْناً.
وَقِيْلَ: سَبْعُوْنَ.
وَرَوَى: مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، عَنْ
أَيُّوْبَ، قَالَ:
ضَعفَ أَنَسٌ عَنِ الصَّوْمِ، فَصَنَعَ جَفْنَةً مِنْ
ثَرِيْدٍ، وَدَعَا ثَلاَثِيْنَ مِسْكِيْناً، فَأَطْعَمَهُم
(5) .
قُلْتُ: ثَبَتَ مَوْلِدُ أَنَسٍ قَبْلَ عَامِ الهِجْرَةِ
بِعَشْرِ سِنِيْنَ.
__________
(1) ابن عساكر 3 / 88 آ.
(2) ذكره المؤلف أيضا في " تاريخه " 3 / 342، 343.
(3) ابن عساكر 3 / 88 ب.
(4) كان طاعون الجارف بالبصرة سنة 69 ه، قال المدائني:
حدثني من أدرك ذلك، قال: كان ثلاثة أيام، فمات نحو مئتي
ألف نفس، وقال غيره: مات في طاعون الجارف لأنس من أولاده
وأولادهم سبعون نفسا " دول الإسلام " 1 / 52.
(5) ابن عساكر 3 / 88 ب، وفي البخاري 8 / 135: فقد أطعم
أنس بن مالك بعد ما كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا
ولحما وأفطر.
وقال الحافظ: وروى عبد حميد من طريق النضر بن أنس، عن أنس
أنه أفطر في رمضان وكان قد كبر، فأطعم مسكينا كل يوم،
ورويناه في فوائد محمد بن هشام بن ملاس، عن مروان، عن
معاوية، عن حميد، قال: ضعف أنس عن الصوم عام توفي، فسألت
ابنه عمر بن أنس: أطاق الصوم ؟ قال: لا، فلما عرف أنه لا
يطيق القضاء، أمر بجفان من خبز ولحم، فأطعم العدة أو أكثر.
(3/405)
وَأَمَّا مَوْتُهُ: فَاخْتَلَفُوا فِيْهِ،
فَرَوَى مَعْمَرٌ، عَنْ حُمَيْدٍ: أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ
إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ.
وَكَذَا أَرَّخَهُ: قَتَادَةُ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ،
وَسَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ.
وَرَوَى: مَعْنُ بنُ عِيْسَى، عَنِ ابْنٍ لأَنَسِ بنِ
مَالِكٍ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ.
وَتَابَعَهُ: الوَاقِدِيُّ.
وَقَالَ عِدَّةٌ - وَهُوَ الأَصَحُّ -: مَاتَ سَنَةَ
ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ.
قَالَهُ: ابْنُ عُلَيَّةَ، وَسَعِيْدُ (1) بنُ عَامِرٍ،
وَالمَدَائِنِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَخَلِيْفَةُ،
وَالفَلاَّسُ، وَقَعْنَبٌ.
فَيَكُوْنُ عُمُرُهُ عَلَى هَذَا: مائَةً وَثَلاَثَ
سِنِيْنَ.
قَالَ الأَنْصَارِيُّ: اخْتُلِفَ عَلَيْنَا فِي سِنِّ
أَنَسٍ، فَقَالَ بَعْضُهُم: بَلَغَ مائَةً وَثَلاَثَ
سِنِيْنَ.
وَقَالَ بَعَضُهُم: بَلغَ مائَةً وَسَبْعَ سِنِيْنَ.
(مُسْنَدُهُ): أَلْفَانِ وَمائَتَانِ وَسِتَّةٌ
وَثَمَانُوْنَ.
اتَّفَقَ لَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَلَى مائَةٍ
وَثَمَانِيْنَ حَدِيْثاً.
وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِثَمَانِيْنَ حَدِيْثاً،
وَمُسْلِمٌ: بِتِسْعِيْنَ.
63 - عُمَرُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الأَسَدِ
القُرَشِيُّ * (ع)
ابْنِ هِلاَلِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ
مَخْزُوْمٍ، أَبُو حَفْصٍ القُرَشِيُّ، المَخْزُوْمِيُّ،
المَدَنِيُّ، الحَبَشِيُّ المَوْلِدِ.
__________
(1) تحرف في المطبوع إلى " سعد ".
(*) المحبر: 84، 293، التاريخ الكبير 6 / 139، الجرح
والتعديل 6 / 117، جمهرة أنساب العرب: 88، الاستيعاب:
1159، تاريخ بغداد 1 / 194، الجمع بين رجال الصحيحين 1 /
339، تاريخ ابن عساكر 13 / 116 ب، أسد الغابة 4 / 183،
تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 16، تهذيب الكمال: 1012،
تاريخ الإسلام 3 / 194، 286، تذهيب التهذيب 3 / 85 آ،
العقد الثمين 6 / 307، الإصابة 2 / 519، تهذيب التهذيب 7 /
455، خلاصة تذهيب الكمال: 240.
(3/406)
وُلِدَ: قَبْلَ الهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ
أَوْ أَكْثَر، فَإِنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ
ثَلاَثٍ مِنَ الهِجْرَةِ، وَخَلَّفَ أَرْبَعَةَ أَوْلاَدٍ،
هَذَا أَكْبَرُهُم، وَهُم: عُمَرُ، وَسَلَمَةُ،
وَزَيْنَبُ، وَدُرَّةُ.
ثُمَّ كَانَ عُمَرُ هُوَ الَّذِي زَوَّجَ أُمَّهُ
بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ
صَبِيٌّ (1) .
ثمّ إِنَّهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ وَقَدِ احْتَلَمَ،
وَكَبِرَ، فَسَأَلَ عَنِ القُبْلَةِ لِلصَّائِمِ (2) ،
فَبَطَلَ مَا نَقَلَهُ أَبُو عُمَرَ فِي (الاسْتِيعَابِ)
مِنْ أَنَّ مَوْلِدَهُ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ.
ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ أَبَوَاهُ -
بَلْ وَسَنَةَ إِحْدَى - بِالمَدِيْنَةِ، وَشَهِدَ
أَبُوْهُ بَدْراً، فَأَنَّى يَكُوْنُ مَوْلِدُهُ فِي
الحَبَشَةِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ؟ بَلْ وُلِدَ قَبْلَ
ذَلِكَ بِكَثِيْرٍ.
وَقَدْ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إِذْ صَارَ رَبِيْبَهُ أَدَبَ الأَكْلِ،
وَقَالَ: (يَا بُنَيَّ! ادْنُ، وَسَمِّ اللهَ، وَكُلْ
بِيَمِيْنِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيْكَ (3)).
وَحَفِظَ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
__________
(1) أخرجه النسائي 6 / 81 في النكاح: باب إنكاح الابن أمه،
وإسناده صحيح كما قال الحافظ في " الإصابة " 4 / 459.
ولفظه: أن أم سلمة لما انقضت عدتها، بعث إليها أبو بكر
يخطبها عليه، فلم تزوجه، فبعث إليها رسول الله صلى الله
عليه وسلم عمر بن الخطاب يخطبها عليه، فقالت: أخبر رسول
الله صلى الله عليه وسلم أني امرأة غيرى، وأني امرأة
مصيبة، وليس أحد من أوليائي شاهدا، فأتى رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال: " ارجع إليها، فقل
لها، أما قولك: إني امرأة غيرى، فسأدعو الله لك، فيذهب
غيرتك، وأما قولك: إني امرأة مصيبة، فستكفين صبيانك، وأما
قولك: أن ليس أحد من أوليائي شاهدا، فليس أحد من أوليائك
شاهدا ولا غائبا يكره ذلك " فقالت لابنها: يا عمر، قم فزوج
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوجه.
(2) أخرجه مسلم في " صحيحه " (1108) من طريق عبد ربه بن
سعيد، عن عبد الله ابن كعب الحميري، عن عمر بن أبي سلمة
أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيقبل الصائم ؟
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سل هذه " لام
سلمة، فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك،
فقال: يا رسول الله: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما
تأخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما والله
إني لاتقاكم لله، وأخشاكم له ".
(3) أخرجه مالك 4 / 934، والبخاري 9 / 458 في الاطعمة: باب
التسمية على الطعام والاكل باليمين، ومسلم (2022) في
الاشربة: باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما، وأبو داود
(3787) والترمذي (1858).
(3/407)
وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: أُمِّهِ.
رَوَى عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ،
وَوَهْبُ بنُ كَيْسَانَ، وَقُدَامَةُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ،
وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَأَبُو وَجْزَةَ يَزِيْدُ بنُ
عُبَيْدٍ السَّعْدِيُّ، وَابْنُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ،
وَغَيْرُهُم.
وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عَمَّهُ مِنَ الرَّضَاعِ.
وَرُوِيَ عَنِ: ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: عُمَرُ أَكْبَرُ
مِنِّي بِسَنَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: طَلَبَ عَلِيٌّ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنْ
تَسِيرَ مَعَهُ نَوْبَةَ الجَمَلِ، فَبَعَثَتْ مَعَهُ
ابْنَهَا عُمَرَ.
وَطَالَ عُمُرُهُ، وَصَارَ شَيْخَ بَنِي مَخْزُوْمٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ فِي خِلاَفَةِ
عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ.
وَنَقَلَ ابْنُ الأَثِيْرِ: أَنَّ مَوْتَهُ كَانَ فِي
سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ (1) .
وَأَخُوْهُ:
64 - سَلَمَةُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الأَسَدِ
القُرَشِيُّ *
طَالَ عُمُرُهُ، وَمَا رَوَى كَلِمَةً.
وَهُوَ الَّذِي زَوَّجَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُمِّهِ أُمِّ سَلَمَةَ (2) ،
فَجَزَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- بَعْدَ عُمْرَةِ القَضِيَّةِ (3) بِأَنْ زَوَّجَهُ
بِبِنْتِ عَمِّهِ أُمَامَةَ
__________
(1) ذكر ذلك في " أسد الغابة " في ترجمته 4 / 183، ولكنه
في " تاريخه " 5 / 525 أرخ وفاته سنة 86.
(*) المحبر: 64 الاستيعاب: 641، أسد الغابة 2 / 429، تاريخ
الإسلام 3 / 156، الوافي بالوفيات 15 / 318، العقد الثمين
4 / 598، الإصابة 2 / 66.
(2) كذا قال ابن إسحاق، ونقله عنه غير واحد وأقره حتى إن
الحافظ في " الإصابة " 2 / 66 جعله أثبت من قول من قال: إن
الذي زوجه إياها ابنها عمر، مع أنه قد صحح إسناد حديث
النسائي المتقدم، المصرح بأن الذي تولى تزويجها هو عمر.
(3) عمرة القضية - وقد تحرفت في المطبوع إلى " العقبة " -
كانت في ذي القعدة سنة سبع، سميت بذلك، لأنه قاضى أهل مكة
عليها، انظر " زاد المعاد " 2 / 90، 91، و3 / 370، 371.
(3/408)
بِنْتِ حَمْزَةَ الَّتِي اخْتَصَمَ فِي
كَفَالَتِهَا: عَلِيٌّ، وَجَعْفَرٌ، وَزَيْدُ بنُ
حَارِثَةَ (1) .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لاَ نَعْلَمُهُ حَفِظَ عَنْ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئاً.
وَتُوُفِّيَ: بِالمَدِيْنَةِ، فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ
المَلِكِ، وَكَانَ أَكْبَرَ مِنْ أَخِيْهِ عُمَرَ.
هَكَذَا يَرْوِي: ابْنُ سَعْدٍ.
65 - بُسْرُ بنُ أَرْطَاةَ القُرَشِيُّ العَامِرِيُّ * (د،
ت، س)
الأَمِيْرُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ،
العَامِرِيُّ، الصَّحَابِيُّ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ.
لَهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- حَدِيْثُ: (لاَ تُقْطَعُ الأَيْدِي فِي الغَزْوِ) (2).
وَحَدِيثُ:
__________
(1) أورده الحافظ في " الإصابة " 2 / 66 عن ابن إسحاق:
حدثني من لاأتهم، عن عبد الله بن شداد...وخبر خصومة علي
وجعفر وزيد بن حارثة في كفالة أمامة، أخرجه البخاري 7 /
385، 390 في الحج: باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم،
وباب لبس السلاح للمحرم، وفي الصلح: باب كيف يكتب: هذا ما
صالح فلان بن فلان، وأخرجه أبو داود (2278).
(*) طبقات ابن سعد 7 / 409، نسب قريش: 439، طبقات خليفة: ت
155، 976، 2824، المحبر: 293، التاريخ الكبير 2 / 123،
تاريخ الطبري 5 / 167، الجرح والتعديل 2 / 422، مشاهير
علماء الأمصار: ت 364، مروج الذهب 3 / 211، 371، الاغاني 2
/ 79، جمهرة أنساب العرب: 170، المستدرك 3 / 591،
الاستيعاب: 157، تاريخ بغداد 1 / 210، تاريخ ابن عساكر 3 /
148 آ، أسد الغابة 1 / 213 الكامل 3 / 383، تهذيب الكمال:
144، تاريخ الإسلام 3 / 140، تذهيب التهذيب: 1 / 81 / آ
الوافي بالوفيات 10 / 129، العقد الثمين 3 / 362، تهذيب
التهذيب 1 / 435، خلاصة تذهيب الكمال: 40، تهذيب ابن عساكر
3 / 223.
(2) أخرجه أبو داود (4408) في الحدود: باب في الرجل يسرق
في الغزو أيقطع ؟ من طريق ابن وهب، عن حيوة بن شريح، عن
عياش بن عباس القتباني، عن شييم بن بيتان، ويزيد بن صبح
الاصبحي، عن جنادة بن أبي أمية، عن بسر بن أرطاة قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تقطع الايدي في
السفر " وهذا سند صحيح.
وأخرجه أحمد 4 / 181 من طريق آخر عن عياش بن عباس...ولفظه
" نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القطع في الغزو
"، وأخرجه النسائي 8 / 91 من طريق حيوة بن شريح، عن عياش
بن عباس...وأخرجه الترمذي (1450) والطبراني (1195) من طريق
ابن لهيعة عن عياش بن عباس...بلفظ " لا تقطع الايدي في
الغزو ".
(3/409)
اللَّهُمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا (1)).
رَوَى عَنْهُ: جُنَادَةُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَأَيُّوْبُ
بنُ مَيْسَرَةَ، وَأَبُو رَاشِدٍ الحُبْرَانِيُّ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِهَذَا ثَمَانِ سِنِيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: صَحَابِيٌّ، شَهِدَ فَتْحَ
مِصْرَ، وَلَهُ بِهَا دَارٌ وَحَمَّامٌ، وَلِيَ الحِجَازَ
وَاليَمَنَ لِمُعَاوِيَةَ، فَفَعَلَ قَبَائِحَ، وَوُسْوِسَ
فِي آخِرِ عُمُرِهِ.
قُلْتُ: كَانَ فَارِساً شُجَاعاً، فَاتِكاً مِنْ أَفرَادِ
الأَبْطَالِ، وَفِي صُحْبَتِهِ تَرَدُّدٌ.
قَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ: لَمْ يَسْمَعْ مِنَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ
سَبَى مُسْلِمَاتٍ بِاليَمَنِ، فَأُقِمْنَ لِلْبَيْعِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَتَلَ قُثَمَ وَعَبْدَ
الرَّحْمَنِ ابْنَيْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ
صَغِيْرَيْنِ بِاليَمَنِ، فَتَوَلَّهَتْ أُمُّهُمَا
عَلَيْهِمَا.
وَقِيْلَ: قَتَلَ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ،
وَهَدَمَ بُيُوْتَهُم بِالمَدِيْنَةِ.
وَخَطَبَ، فَصَاحَ: يَا دِيْنَارُ! يَا رُزَيْقُ! شَيْخٌ
سَمْحٌ عَهِدْتُهُ هَا هُنَا بِالأَمْسِ مَا فَعَلَ؟
-يَعْنِي عُثْمَانَ - لَوْلاَ عَهْدُ مُعَاوِيَةَ، مَا
تَرَكْتُ بِهَا مُحْتَلِماً إِلاَّ قَتَلْتُهُ.
وَلَكِنْ كَانَ لَهُ نِكَايَةٌ فِي الرُّوْمِ، دَخَلَ
وَحْدَهُ إِلَى كَنِيْسَتِهِم، فَقَتَلَ جَمَاعَةً،
وَجُرِحَ جِرَاحَاتٍ، ثُمَّ تَلاَحَقَ أَجْنَادُهُ،
فَأَدْرَكُوهُ وَهُوَ يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ بِسَيْفِهِ،
فَقَتَلُوا مَنْ بَقِيَ، وَاحْتَمَلُوْهُ.
وَفِي الآخِرِ جُعِلَ لَهُ فِي القِرَابِ سَيْفٌ مِنْ
__________
(1) أخرجه أحمد 4 / 181 من طريق هيثم بن خارجة، حدثنا محمد
بن أيوب بن ميسرة ابن حلبس، قال: سمعت أبي يحدث عن بسر بن
أرطاة القرشي، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يدعو: " اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي
الدنيا، وعذاب الآخرة " وأيوب بن ميسرة لم يوثقه غير ابن
حبان، وأخرج حديثه هذا في " صحيحه " (2424) و(2425)، وهو
في " معجم الطبراني " (1196) و(1198).
(3/410)
خَشَبٍ لِئَلاَّ يَبْطِشَ بِأَحَدٍ.
وَبَقِيَ إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ سَبْعِيْنَ -رَحِمَهُ
اللهُ -.
66 - النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرِ بنِ سَعْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ
الأَنْصَارِيُّ * (ع)
الأَمِيْرُ، العَالِمُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنُ صَاحِبِهِ، أَبُو
عَبْدِ اللهِ - وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ -
الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، ابْنُ أُخْتِ عَبْدِ اللهِ
بنِ رَوَاحَةَ.
(مُسْنَدُهُ): مائَةٌ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً.
اتَّفَقَا لَهُ عَلَى خَمْسَةٍ، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ
بِحَدِيْثٍ، وَمُسْلِمٌ بِأَرْبَعَةٍ (1) .
شَهِدَ أَبُوْهُ بَدْراً.
وَوُلِدَ النُّعْمَانُ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ؛ وَسَمِعَ مِنَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُدَّ
مِنَ الصَّحَابَةِ الصِّبْيَانِ بِاتِّفَاقٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُه؛ مُحَمَّدٌ، وَالشَّعْبِيُّ،
وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، وَأَبُو
سَلاَّمٍ مَمْطُوْرٌ، وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَسَالِمُ بنُ
أَبِي الجَعْدِ، وَأَبُو قِلاَبَةَ،
__________
(*) طبقات ابن سعد 6 / 53، طبقات خليفة: ت 593، 930، 2853،
المحبر: 276، 294، 421، التاريخ الكبير 8 / 75، المعارف:
294، أخبار القضاة 3 / 201، الجرح والتعديل 8 / 444،
الاغاني 16 / 28، 54، المستدرك 3 / 530، جمهرة أنساب
العرب: 364، الاستيعاب: 1496، الجمع بين رجال الصحيحين 2 /
531، تاريخ ابن عساكر 17 / 293 ب، أسد الغابة 5 / 326،
الكامل 4 / 149، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 129، تهذيب
الكمال: 1413، تاريخ الإسلام 3 / 88، تذهيب التهذيب 4 / 97
ب، البداية والنهاية 8 / 244، الإصابة 3 / 559، تهذيب
التهذيب 10 / 447، خلاصة تذهيب الكمال: 345، شذرات الذهب 1
/ 72.
(1) انظر البخاري 11 / 373 و2 / 173 و1 / 117، 119 و5 /
155، 156 و10 / 367 و5 / 94، ومسلم (213) و(436) و(878)
و(1599) و(1623) و(1879) و(2586) و(2745) و(2977).
(3/411)
وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ،
وَمَوْلاَهُ؛ حَبِيْبُ بنُ سَالِمٍ، وَعِدَّةٌ.
وَكَانَ مِنْ أُمَرَاءِ مُعَاوِيَةَ؛ فَوَلاَّهُ
الكُوْفَةَ مُدَّةً، ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ دِمَشْقَ بَعْدَ
فَضَالَةَ (1) ، ثُمَّ وَلِيَ إِمْرَةَ حِمْصَ.
قَالَ البُخَارِيُّ: وُلِدَ عَامَ الهِجْرَةِ.
قِيْلَ: وَفَدَ أَعْشَى هَمْدَانَ عَلَى النُّعْمَانِ
وَهُوَ أَمِيْرُ حِمْصَ، فَصَعِدَ المِنْبَر، فَقَالَ:
يَا أَهْلَ حِمْصَ - وَهُم فِي الدِّيْوَانِ: عِشْرُوْنَ
أَلْفاً -! هَذَا ابْنُ عَمِّكُم مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ
وَالشَّرَفِ جَاءَ يَسْتَرفِدُكُم، فَمَا تَرَوْنَ؟
قَالُوا: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، احْتَكِمْ لَهُ.
فَأَبَى عَلَيْهِم.
قَالُوا: فَإِنَّا قَدْ حَكَمْنَا لَهُ عَلَى أَنْفُسِنَا
بِدِيْنَارَيْنِ دِيْنَارَيْنِ.
قَالَ: فَعَجَّلَهَا مِنْ بَيْتِ المَالِ أَرْبَعِيْنَ
أَلْفَ دِيْنَارٍ.
قَالَ سِمَاكُ بنُ حَرْبٍ: كَانَ النُّعْمَانُ بنُ
بَشِيْرٍ -وَاللهِ - مِنْ أَخْطَبِ مَنْ سَمِعْتُ.
قِيْلَ: إِنَّ النُّعْمَانَ لَمَّا دَعَا أَهْلَ حِمْصَ
إِلَى بَيْعَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، ذَبَحُوهُ.
وَقِيْلَ: قُتِلَ بِقَرْيَةِ بِيْرِيْنَ (2) ، قَتَلَهُ
خَالِدُ بنُ خَلِيٍّ بَعْدَ وَقْعَةِ مَرْجِ رَاهِطٍ، فِي
آخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
-.
67 - الوَلِيْدُ بنُ عُقْبَةَ بنِ أَبِي مُعَيْطٍ بنِ
أَبِي عَمْرٍو الأُمَوِيُّ *
ابْنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ،
__________
(1) " تاريخ القضاة " 3 / 201.
(2) قال ياقوت: بيرين: من قرى حمص، وفيها قتل خالد بن خلي
النعمان بن بشير.
(*) طبقات ابن سعد 6 / 24 و7 / 476، نسب قريش: 138، طبقات
خليفة: ت 57،
825، 974، 1487، 3064، المحبر: انظر الفهرس، المعارف: 318،
الجرح والتعديل 9 / 8، =
(3/412)
الأَمِيْرُ؛ أَبُو وَهْبٍ الأُمَوِيُّ.
لَهُ: صُحْبَةٌ قَلِيْلَةٌ، وَرِوَايَةٌ يَسِيْرَةٌ.
وَهُوَ أَخُو أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُثْمَانَ لأُمِّهِ،
مِنْ مُسْلِمَةِ الفَتْحِ؛ بَعَثَهُ رَسُوْلُ اللهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى صَدَقَاتِ
بَنِي المُصْطَلِقِ (1) ، وَأَمَرَ بِذَبْحِ وَالِدِهِ
صَبْراً يَوْمَ
__________
= مروج الذهب 3 / 79، 99، 119، الاغاني 5 / 122، جمهرة
أنساب العرب: 115، الاستيعاب: 1552، تاريخ ابن عساكر 17 /
434 ب، أسد الغابة 5 / 451، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 /
145، تهذيب الكمال: 1470، تذهيب التهذيب 4 / 138 آ،
البداية والنهاية 8 / 214، العقد الثمين 7 / 398، الإصابة
3 / 637، تهذيب التهذيب 11 / 142، خلاصة تذهيب الكمال:
358.
(1) أخرج الامام إحمد في " مسنده " 4 / 279، والطبراني
(3395) من طرق عن محمد ابن سابق، عن عيسى بن دينار، عن
أبيه، أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعي قال: قدمت على رسول
الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام، فدخلت فيه،
وأقررت به، فدعاني إلى الزكاة، فأقررت بها، وقلت: يا رسول
الله أرجع إلى قومي، فأدعوهم إلى الإسلام، وأداء الزكاة،
فمن استجاب لي، جمعت زكاته، فيرسل إلي رسول الله صلى الله
عليه وسلم رسولا بأن كذا وكذا ليأتيك ما جمعت من الزكاة،
فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له، وبلغ الا بان الذي
أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه، احتبس
عليه الرسول، فلم يأته، فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من
الله عزوجل، ورسوله، فدعا بسرواة قومه فقال لهم: إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان وقت لي وقتا يرسل إلي رسوله
ليقبض ماكان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله صلى الله
عليه وسلم الخلف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة كانت،
فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى
الحارث، ليقبض ما كان عنده، مما جمع من الزكاة، فلما أن
سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق، فرق فرجع، فأتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقال: يارسول الله: إن الحارث منعني
الزكاة، وأراد قتلي، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم
البعث إلى الحارث، فأقبل الحارث بأصحابه، إذ استقبل البعث
وفصل من المدينة، لقيهم الحارث، فقالوا: هذا الحارث، فلما
غشيهم، قال لهم: إلى من بعثتم ؟ قالوا: إليك، قال ولم ؟
قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك
الوليد بن عقبة، فزعم أنك منعته الزكاة، وأردت قتله، قال:
لا، والذي بعث محمدا بالحق، ما رأيته بتة، ولا أتاني فلما
دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " منعت
الزكاة، وأردت قتل رسولي ؟ " قال: لا، والذي بعثك بالحق،
ما رأيته ولا أتاني، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول
رسول الله صلى الله عليه وسلم، خشيت أن تكون كانت سخطة من
الله عزوجل ورسوله، قال: فنزلت الحجرات: (يا أيها الذين
آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة،
فتصبحوا على ما =
(3/413)
بَدْرٍ (1) .
رَوَى عَنْهُ: أَبُو مُوْسَى الهَمْدَانِيُّ،
وَالشَّعْبِيُّ.
وَوَلِيَ الكُوْفَةَ لِعُثْمَانَ، وَجَاهَدَ بِالشَّامِ،
ثُمَّ اعْتَزَلَ بِالجَزِيْرَةِ بَعْدَ قَتْلِ أَخِيْهِ
عُثْمَانَ، وَلَمْ يُحَارِبْ مَعَ أَحَدٍ مِنَ
الفَرِيْقَيْنِ.
وَكَانَ سَخِيّاً، مُمَدَّحاً، شَاعِراً، وَكَانَ يَشْرَبُ
الخَمْرَ، وَقَدْ بَعَثَهُ عُمَرُ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي
تَغْلِبَ.
وَقَبْرُهُ بِقُرْبِ الرَّقَّةِ (2) .
قَالَ عَلْقَمَةُ: كُنَّا بِالرُّوْمِ وَعَلَيْنَا
الوَلِيْدُ، فَشَرِبَ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَحُدَّهُ،
فَقَالَ حُذَيْفَةُ بنُ اليَمَانِ:
أَتَحُدُّونَ أَمِيْرَكُم، وَقَدْ دَنَوْتُم مِنْ
عَدُوِّكُم، فَيَطْمَعُوْنَ فِيْكُم؟
وَقَالَ هُوَ:
لأَشْرَبَنَّ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً ...
وَأَشْرَبَنَّ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ مَنْ رَغِمَا (3)
وَقَالَ حُضَيْنُ (4) بنُ المُنْذِرِ: صَلَّى الوَلِيْدُ
بِالنَّاسِ الفَجْرَ أَرْبَعاً وَهُوَ سَكْرَانُ، ثُمَّ
التَفَتَ، وَقَالَ: أَزِيْدُكُم؟
فَبَلَغَ عُثْمَانَ، فَطَلَبَهُ، وَحَدَّهُ (5).
__________
= فعلتم نادمين)، إلى هذا المكان (فضلا من الله ونعمة
والله عليم حكيم).
وذكره الهيثمي في " المجمع " 7 / 108، 109، وقال: رواه
أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات، كذا قال، مع أن دينارا
والد عيسى لم يوثقه غير ابن حبان على عادته في توثيق
المجاهيل، ولم يرو عنه غير ابنه عيسى.
وقال ابن عبد البر في " الاستيعاب " 3 / 632: ولا خلاف بين
أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله عزوجل (إن
جاءكم فاسق بنبأ) نزلت في الوليد بن عقبة.
(1) انظر ابن سعد 2 / 18، وسيرة ابن هشام 1 / 644.
(2) انظر ابن عساكر 17 / 435 ب.
(3) ابن عساكر 17 / 440.
(4) هو حضين بن المنذر بن الحارث الرقاشي أبو ساسان وهو
لقبة، وكنيته أبو محمد، كان من أمراء علي بصفين، وهو ثقة
من رجال مسلم.
(5) أخرجه مسلم (1707) في الحدود: باب حد الخمر، من طريق
عبد العزيز بن المختار، حدثنا عبد الله بن فيروز مولى ابن
عامر الداناج، حدثنا حضين بن المنذر أبو ساسان قال: شهدت
عثمان بن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين، ثم قال:
أزيدكم ؟ فشهد =
(3/414)
وَهَذَا مِمَّا نَقَمُوا عَلَى عُثْمَانَ
أَنْ عَزَلَ سَعْدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الكُوْفَةِ،
وَوَلَّى هَذَا.
وَكَانَ مَعَ فِسْقِهِ - وَاللهُ يُسَامِحُهُ - شُجَاعاً،
قَائِماً بِأَمْرِ الجِهَادِ.
رَوَى: ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ سَعِيْدِ
بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ عُقْبَةَ لِعَلِيٍّ: أَنَا أَحَدُّ
مِنْكَ سِنَاناً، وَأَبْسَطُ لِسَاناً، وَأَمْلأُ
لِلْكَتِيبَةِ.
فَقَالَ عَلِيٌّ: اسْكُتْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ فَاسِقٌ.
فَنَزَلَتْ: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ
فَاسِقاً) [السَّجْدَةُ (1) : 18].
قُلْتُ: إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ، لَكِنَّ سِيَاقَ الآيَةِ
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي أَهْلِ النَّارِ.
وَقِيْلَ: بَلْ كَانَ السِّبَابُ بَيْنَ عَلِيٍّ وَبَيْنَ
عُقْبَةَ نَفْسِهِ.
قَالَهُ: ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (2) .
وَلَهُ أَخْبَارٌ طَوِيْلَة فِي (تَارِيْخِ دِمَشْقَ (3))،
وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ.
وَرَوَى: جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ
عَاصِمٍ: أَنَّ الوَلِيْدَ أَرسَلَ إِلَى
__________
= عليه رجلان، أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه
رآه يتقيا، فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها، فقال: يا
علي قم فاجلده، فقال علي: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن:
ول حارها من تولى قارها - فكأنه وجد عليه - فقال: يا عبد
الله بن جعفر، قم فاجلده، فجلده - وعلي يعد - حتى بلغ
أربعين، فقال: أمسك، ثم قال: جلد النبي صلى الله عليه وسلم
أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا
أحب إلي.
وانظر ابن عساكر 17 / 444 آ، و" الأغاني " 5 / 126.
(1) أورده السيوطي في " الدر المنثور " 5 / 177، 178،
ونسبه للاغاني 5 / 140، والواحدي، وابن عدي، وابن مردويه،
والخطيب، وابن عساكر 17 / 439 آ، من طرق عن ابن عباس.
(2) نسبه السيوطي في " الدر " 5 / 178 إلى ابن مردويه،
والخطيب، وابن عساكر.
(3) 17 / 434 ب - 443 ب، وقد طول ترجمته أبو الفرج أيضا في
" الاغاني " 5 / 122 - 153.
(3/415)
ابْنِ مَسْعُوْدٍ: أَنِ اسْكُتْ عَنْ
هَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ: أَحْسَنُ الهَدْيِ هَدْيُ
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرُّ
الأُمُوْرِ مُحْدَثَاتُهَا.
68 - عُتْبَةُ بنُ عَبْدٍ السُّلَمِيُّ أَبُو الوَلِيْدِ *
(د، ق)
صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
نَزَلَ الشَّامَ بِحِمْصَ.
وَلَهُ: جَمَاعَةُ أَحَادِيْثَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ يَحْيَى، وَخَالِدُ بنُ
مَعْدَانَ، وَرَاشِدُ بنُ سَعْدٍ، وَلُقْمَانُ بنُ
عَامِرٍ، وَعَامِرُ بنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
نَاسِحٍ الحَضْرَمِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ ضَمْضَمِ بنِ
زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ:
قَالَ عُتْبَةُ بنُ عَبْدِ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا رَأَى الاسْمَ لاَ
يُحِبُّهُ، حَوَّلَهُ، لَقَدْ أَتَيْنَاهُ، وَإِنَّا
لَتِسْعَةٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، أَكْبَرُنَا العِرْبَاضُ
بنُ سَارِيَةَ، فَبَايَعْنَاهُ جَمِيْعاً (1) .
وَعَنْ عُتْبَةَ بنِ عَبْدٍ، قَالَ: كَانَ اسْمِي
عَتَلَةَ، فَسَمَّانِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُتْبَةَ (2) .
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: عَاشَ عُتْبَةُ بنُ عَبْدٍ
أَرْبَعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 413، طبقات خليفة: ت 348، 2834،
التاريخ الكبير 6 / 521، المعرفة والتاريخ 1 / 340، الجرح
والتعديل 6 / 371، الاستيعاب: 1031، الحلية 2 / 15، تاريخ
ابن عساكر 11 / 28 آ، أسد الغابة 3 / 563، تهذيب الكمال:
905، تاريخ الإسلام 3 / 282، العبر 1 / 103، تذهيب التهذيب
3 / 26 ب، مرآة الجنان 1 / 22، البداية والنهاية 9 / 73،
الإصابة 2 / 454، تهذيب التهذيب 7 / 98، خلاصة تذهيب
الكمال: 218، شذرات الذهب 1 / 97، 98 وفيه عتبة بن عبيد.
(1) رجاله ثقات، وأورده الهيثمي في " المجمع " 8 / 51، 52،
ونسبه للطبراني، وقال: ورجاله ثقات وفي بعضهم خلاف، وهو في
" تاريخ ابن عساكر " 11 / 29 ب.
(2) ابن عساكر 11 / 29 ب، و" الإصابة " 2 / 454، و"
الاستيعاب " 3 / ؟ ؟.
(3/416)
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَجَمَاعَةٌ:
تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ.
فَأَمَّا :
69 - عُتْبَةُ بنُ النُّدَّرِ السُّلَمِيُّ الشَّامِيُّ *
(ق)
الصَّحَابِيُّ، الشَّامِيُّ، فَآخَرُ.
لَهُ: حَدِيْثَانِ (1) .
يَرْوِي عَنْهُ: خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَعُلَيُّ بنُ
رَبَاحٍ.
ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ: البَغَوِيُّ،
وَالطَّبَرَانِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
لَمْ يَجِئْ حَدِيْثُهُ إِلاَّ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بنِ
عَبْدِ العَزِيْزِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ يَنْزِلُ دِمَشْقَ.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَثَمَانِيْنَ.
70 - عَمْرُو بنُ حُرَيْثِ بنِ عَمْرِو بنِ عُثْمَانَ
المَخْزُوْمِيُّ ** (ع)
ابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمٍ
المَخْزُوْمِيُّ، أَخُو
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 413، طبقات خليفة: ت 349، 2837،
التاريخ الكبير 6 / 521، المعرفة والتاريخ 1 / 340، الجرح
والتعديل 6 / 374، الاستيعاب: 3 / 117، 119، الحلية 2 /
15، تاريخ ابن عساكر 11 / 31 آ، أسد الغابة 3 / 570، تهذيب
الكمال: 906، تاريخ الإسلام 3 / 283، العبر 1 / 98، تذهيب
التهذيب 3 / 27 ب، الإصابة 2 / 456، تهذيب التهذيب 7 /
102، خلاصة تذهيب الكمال: 218.
(1) أخرج ابن ماجه (2444) من طريق محمد بن المصطفى الحمصي،
حدثنا بقية بن الوليد، عن مسلمة بن علي، عن سعيد بن أبي
أيوب، عن الحارث بن يزيد، عن علي بن رباح قال: سمعت عتبة
بن الندر يقول: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقرأ (طسم) حتى إذا بلغ قصة موسى قال: " إن موسى صلى الله
عليه وسلم آجر نفسه ثماني سنين أو عشرا، على عفة فرجه
وطعام بطنه ".
وإسناده ضعيف لتدليس بقية، وليس لعتبة هذا في الكتب الستة،
سوى هذا الحديث.
(* *) طبقات ابن سعد 6 / 23، نسب قريش: 333، طبقات خليفة ت
106، 833، المحبر: 156، 379، التاريخ الكبير 6 / 305،
التاريخ الصغير 1 / 189، المعارف: 293، =
(3/417)
سَعِيْدِ بنِ حُرَيْثٍ.
كَانَ عَمْرٌو مِنْ بَقَايَا أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِيْنَ كَانُوا
نَزَلُوا الكُوْفَةَ.
مَوْلِدُهُ: قُبَيْلَ الهِجْرَةِ.
لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ.
وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَابْنِ
مَسْعُوْدٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ جَعْفَرٌ، وَالحَسَنُ
العُرَنِيُّ، وَالمُغِيْرَةُ بنُ سُبَيْعٍ، وَالوَلِيْدُ
بنُ سَرِيْعٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ،
وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَآخِرُ مَنْ رَآهُ رُؤْيَةً: خَلَفُ بنُ خَلِيْفَةَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ
الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الطُّرَيْثِيْثِيُّ، أَخْبَرَنَا
المُسَيَّبُ بنُ مَنْصُوْرٍ الدِّيْنَوَرِيُّ بِآمُلَ،
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ خَالِدٍ
النَّيْسَابُوْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي
شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ؛ حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ:
سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ حُرَيْثٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي
بَطْنِ المَرْأَةِ يَوْمَ بَدْرٍ (1) .
وَرَوَى: فِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ، عَنْ أَبِيْهِ؛ سَمِعَ
مَوْلاَهُ عَمْرَو بنَ حُرَيْثٍ يَقُوْلُ:
__________
= المعرفة والتاريخ 1 / 323، الكنى 1 / 71، الجرح والتعديل
6 / 226، تاريخ الطبري 5 / 523، الاستيعاب: 1172، الجمع
بين رجال الصحيحين 1 / 363، أسد الغابة 4 / 213، تهذيب
الأسماء واللغات 1 / 2 / 26، تهذيب الكمال: 1030، تاريخ
الإسلام 3 / 289، العبر 1 / 100، تذهيب التهذيب 3 / 96 آ،
مرآة الجنان 1 / 176، مجمع الزوائد 9 / 405، العقد الثمين
6 / 368، الإصابة 2 / 531، تهذيب التهذيب 7 / 17، خلاصة
تذهيب الكمال: 244، شذرات الذهب 1 / 95.
(1) شريك: هو شريك بن عبد الله بن أبي شريك النخعي الكوفي
القاضي: كثير الخطأ، وباقي رجاله ثقات.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 405، وقال: رواه الطبراني
وإسناده جيد.
(3/418)
انْطُلِقَ بِي إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا غُلاَمٌ؛
فَدَعَا لِي بِالبَرَكَةِ، وَمَسَحَ رَأْسِي، وَخَطَّ لِي
دَاراً بِالمَدِيْنَةِ بِقَوْسٍ، ثُمَّ قَالَ: (أَلاَ
أَزِيْدُكَ (1) ؟).
وَرَوَى: مَعْبَدُ بنُ خَالِدٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ
حُرَيْثٍ، قَالَ:
أَمَرَنِي عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنْ أَؤُمَّ
النِّسَاءَ فِي رَمَضَانَ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: ثُمَّ وَلِيَ الكُوْفَةَ لِزِيَادِ
ابْنِ أَبِيْهِ، وَلابْنِهِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ:
عَمْرُو بنُ حُرَيْثٍ، وَحَصَّلَ مَالاً عَظِيماً
وَأَوْلاَداً، مِنْهُم: عَبْدُ اللهِ، وَجَعْفَرٌ،
وَيَحْيَى، وَخَالِدٌ، وَأُمُّ الوَلِيْدِ، وَأُمُّ عَبْدِ
اللهِ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَسَعِيْدٌ، وَمُغِيْرَةُ،
وَعُثْمَانُ، وَحُرَيْثٌ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: قُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِعَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ اثْنَتَا
عَشْرَةَ سَنَةً (2) .
وَشَهِدَ أَخُوْهُ سَعِيْدُ بنُ حُرَيْثٍ فَتْحَ مَكَّةَ
وَهُوَ حَدَثٌ.
71 - العِرْبَاضُ بنُ سَارِيَةَ السُّلَمِيُّ * (4)
مِنْ أَعْيَانِ أَهْلِ الصُّفَّةِ، سَكَنَ حِمْصَ، وَرَوَى
أَحَادِيْثَ.
__________
(1) أخرجه أبو داود (3060) في الامارة: باب في إقطاع
الارضين من طريق مسدد، حدثنا عبد الله بن داود بهذا
الإسناد، وخليفة المخزومي والد فطر لين الحديث، وباقي
رجاله ثقات.
(2) أخرجه ابن سعد 6 / 23.
(*) طبقات ابن سعد 4 / 276 و7 / 412، طبقات خليفة: ت 347،
2833، المحبر: 281، التاريخ الكبير 7 / 85، الجرح والتعديل
7 / 39، الحلية 2 / 13، الاستيعاب: 3 / 166 أسد الغابة 4 /
19، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 330، تهذيب الكمال:
928، تاريخ الإسلام 3 / 192، العبر 1 / 85، تذهيب التهذيب
3 / 37 ب، مرآة الجنان 1 / 156، الإصابة 2 / 473، تهذيب
التهذيب 7 / 174، خلاصة تذهيب الكمال: 269، شذرات الذهب 1
/ 82.
(3/419)
رَوَى عَنْهُ: جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ،
وَأَبُو رُهْمٍ السَّمَعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
عَمْرٍو السُّلَمِيُّ، وَحَبِيْبُ بنُ عُبَيْدٍ، وَحُجْرُ
بنُ حُجْرٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي المُطَاعِ، وَعَمْرُو بنُ
الأَسْوَدِ، وَالمُهَاصِرُ بنُ حَبِيْبٍ، وَعِدَّةٌ.
أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ): حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ
مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ثَوْرٌ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ
مَعْدَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو
السُّلَمِيُّ، وَحُجْرُ بنُ حُجْرٍ، قَالاَ:
أَتَينَا (1) العِرْبَاضَ بنَ سَارِيَةَ، وَهُوَ مِمَّنْ
نَزَلَ فِيْهِ: {وَلاَ عَلَى الَّذِيْنَ إِذَا مَا
أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُم قُلْتَ: لاَ أَجِدُ مَا
أَحْمِلُكُم عَلَيْهِ} [التَّوْبَةُ: 93]، فَسَلَّمْنَا،
وَقُلْنَا: أَتَيْنَا زَائِرِيْنَ، وَعَائِدِيْنَ،
وَمُقْتَبِسِيْنَ.
فَقَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصُّبْحَ ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ
أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً
ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُوْنُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا
القُلُوْبُ.
فَقِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ
مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟
قَالَ: (أُوْصِيْكُم بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ
وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْداً حَبَشِيّاً، فَإِنَّهُ مَنْ
يَعِشْ مِنْكُم بَعْدِي، فَسَيَرَى اخْتِلاَفاً كَثِيْراً،
فَعَلَيْكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ
الرَّاشِدِيْنَ المَهْدِيِّيْنَ، تَمَسَّكُوا بِهَا،
وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ
وَمُحْدَثَاتِ الأُمُوْرِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ
بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ (2)).
رَوَاهُ: ابْنُ المَدِيْنِيِّ، عَنِ الوَلِيْدِ، وَزَادَ:
قَالَ الوَلِيْدُ: فَذَكَرْتُهُ لِعَبْدِ اللهِ بنِ
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " أنبأنا ".
(2) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 4 / 126، 127، وسنن
أبي داود (4607) في
السنة: باب في لزوم السنة، وأخرجه الترمذي (2676) في
العلم: باب ما جاء في الاخذ بالسنة من طريق علي بن حجر،
حدثنا بقية، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان...وأخرجه
الدارمي 1 / 44 من طريق أبي عاصم، أخبرنا ثور بن يزيد،
حدثني خالد بن معدان...وأخرجه ابن ماجه (42) في المقدمة،
من طريق عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان الدمشقي، حدثنا
الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر، حدثني
يحيى بن أبي المطاع، قال: سمعت العرباض بن سارية...وقال
الترمذي: حسن صحيح.
(3/420)
زَبْرٍ، فَقَالَ:
حَدَّثَنِي بِهِ يَحْيَى بنُ أَبِي المُطَاعِ، أَنَّهُ
سَمِعَهُ مِنَ العِرْبَاضِ.
وَرَوَاهُ: بَقِيَّةُ، عَنْ بَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ
خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَحْدَهُ.
ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي أَيُّوْبَ،
عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عُرْوَةَ بنِ
رُوَيْمٍ، عَنِ العِرْبَاضِ بنِ سَارِيَةَ - وَكَانَ
يُحِبُّ أَنْ يُقْبَضَ - فَكَانَ يَدْعُو:
اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّي، وَوَهَنَ عَظْمِي،
فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ.
قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا يَوْماً فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ
أُصَلِّي، وَأَدْعُو أَنْ أُقْبَضَ؛ إِذْ أَنَا بِفَتَىً
مِنْ أَجْمَلِ الرِّجَالِ، وَعَلَيْهِ دُوَّاجٌ (1)
أَخْضَرُ، فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي تَدْعُو بِهِ؟
قُلْتُ:كَيْفَ أَدْعُو يَا ابْنَ أَخِي؟
قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ حَسِّنِ العَمَلَ، وَبَلِّغِ
الأَجَلَ.
فَقُلْتُ: وَمَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللهُ؟
قَالَ: أَنَا رُتْبَابِيْلُ الَّذِي يَسُلُّ الحُزْنَ مِنْ
صُدُورِ المُؤْمِنِيْنَ.
ثُمَّ الْتَفَتُّ، فَلَمْ أَرَ أَحَداً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كُنْيَةُ العِرْبَاضِ: أَبُو
نَجِيْحٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: مَنْزِلُهُ بِحِمْصَ، عِنْد
قَنَاةِ الحَبَشَةِ، وَهُوَ وَعَمْرُو بنُ عَبَسَةَ (2)
كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُوْلُ: أَنَا رُبُعُ الإِسْلاَمِ، لاَ
يُدْرَى أَيُّهُمَا أَسْلَمَ قَبْلَ صَاحِبِهِ.
قُلْتُ: لَمْ يَصِحَّ أَنَّ العِرْبَاضَ قَالَ ذَلِكَ (3)
.
فَرَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ ضَمْضَمِ بنِ
زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ:
قَالَ عُتْبَةُ بنُ عَبْدٍ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَةً مِنْ بَنِي
سُلَيْمٍ، أَكْبَرُنَا العِرْبَاضُ بنُ سَارِيَةَ،
فَبَايَعْنَاهُ (4) .
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ
عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ،
__________
(1) الدواج: ضرب من الثياب.
(2) تحرف في المطبوع إلى " عنبسة ".
(3) وهو صحيح عن عمرو بن عبسة، وقد تقدم ذلك في ترجمته.
(4) تقدم تخزجه في الصفحة: 416 ت 1.
(3/421)
عَنِ العِرْبَاضِ، قَالَ:
لَوْلاَ أَنْ يُقَالُ: فَعَلَ أَبُو نَجِيْحٍ؛ لأَلْحَقْتُ
مَالِي سُبْلَةً، ثُمَّ لَحِقْتُ وَادِياً مِنْ أَوْدِيَةِ
لُبْنَانَ، عَبَدْتُ اللهَ حَتَّى أَمُوْتَ (1) .
شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي الفَيْضِ؛ سَمِعَ أَبَا حَفْصٍ
الحِمْصِيَّ يَقُوْلُ:
أَعْطَى مُعَاوِيَةُ المِقْدَادَ حِمَاراً مِنَ
المَغْنَمِ، فَقَالَ لَهُ العِرْبَاضُ بنُ سَارِيَةَ:
مَا كَانَ لَكَ أَنْ تَأْخُذَهُ، وَلاَ لَهُ أَنْ
يُعْطِيَكَ، كَأَنِّي بِكَ فِي النَّارِ تَحْمِلُهُ.
فَرَدَّهُ.
قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ العِرْبَاضُ
سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ.
72 - سَهْلُ بنُ سَعْدِ بنِ سَعْدِ بنِ مَالِكٍ
الخَزْرَجِيُّ * (ع)
ابْنِ خَالِدِ بنِ ثَعْلَبَةَ، الإِمَامُ، الفَاضِلُ،
المُعَمَّرُ، بَقِيَّةُ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو العَبَّاسِ
الخَزْرَجِيُّ، الأَنْصَارِيُّ، السَّاعِدِيُّ.
وَكَانَ أَبُوْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ تُوُفُّوا
فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -.
كَانَ سَهْلٌ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ المُتَلاَعِنَيْنِ عِنْدَ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.
__________
(1) هو في " طبقات ابن سعد " 4 / 276 بأخصر مما هنا.
(*) طبقات خليفة: ت 606، المعرفة والتاريخ 1 / 338، الجرح
والتعديل 4 / 198،
مشاهير علماء الأمصار: ت 114، المستدرك 3 / 571، جمهرة
أنساب العرب: 366، الاستيعاب: 664، الجمع بين رجال
الصحيحين 1 / 186، أسد الغابة 2 / 472، تهذيب الأسماء
واللغات 1 / 1 / 238، تهذيب الكمال: 558، تذهيب التهذيب 2
/ 61 آ، البداية والنهاية 9 / 83، الإصابة 2 / 88، تهذيب
التهذيب 4 / 252، خلاصة تذهيب الكمال: 133، شذرات الذهب 1
/ 99.
(2) أخرجه الطبراني (5691) من طريق ابن وهب، إخبرني يونس،
عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد...وخبر المتلاعنين أخرجه مطولا
عبد الرزاق (12446)، وأحمد 5 / 334 و336، 337، والبخاري 8
/ 340 في التفسير، و9 / 393، 398، ومسلم (1492)، ومالك 2 /
23، 24، وأبو داود (2245)، والنسائي 6 / 170، 171، وابن
ماجه (2066) من طريق ابن شهاب الزهري عن سهل بن سعد.
(3/422)
رَوَى سَهْلٌ: عِدَّةَ أَحَادِيْثَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبَّاسٌ، وَأَبُو حَازِمٍ
الأَعْرَجُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
الحَارِثِ بنِ أَبِي ذُبَابٍ، وَابْنُ شِهَابٍ
الزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مَيْمُوْنٍ الحَضْرَمِيُّ،
وَغَيْرُهُم.
وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالمَدِيْنَةِ مِنَ
الصَّحَابَةِ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ المائَةِ.
عَبْدُ المُهَيْمِنِ بنُ عَبَّاسِ بنِ سَهْلٍ: عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
كَانَ اسْمُ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ حَزْناً، فَغَيَّرَهُ
النَّبِيُّ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: تَزَوَّجَ سَهْلُ بنُ
سَعْدٍ خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً.
وَيُرْوَى: أَنَّه حَضَرَ مَرَّةً وَلِيْمَةً، فَكَانَ
فِيْهَا تِسْعٌ مِنْ مُطَلَّقَاتِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ،
وَقَفْنَ لَهُ، وَقُلْنَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا أَبَا
العَبَّاسِ؟
قُلْتُ: بَعْضُ النَّاسِ أَسْقَطَ مِنْ نَسَبِهِ (سَعْداً)
الثَّانِي.
وَبَعْضُهُم كَنَّاهُ: أَبَا يَحْيَى.
ذَكَرَ عَدَدٌ كَبِيْرٌ وَفَاتَهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى
وَتِسْعِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَتِلْمِيذُهُ البُخَارِيُّ:
سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ.
قَرَأْتُ عَلَى يَحْيَى بنِ أَحْمَدَ بِالثَّغْرِ،
وَمُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ القُرَشِيِّ بِمِصْرَ،
أَخْبَرَكُمَا مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ
القَاضِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ
المَالِكِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدٍ المَدِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ
الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَهْلِ بنِ سَعْدٍ سَمِعَهُ يَقُوْلُ:
اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجْرَةِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِدْرَى يَحُكُّ
بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ
تَنْظُرُنِي،
__________
(1) أخرجه الطبراني (5705) وعبد المهيمن ضعيف.
(3/423)
لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا
جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ النَّظَرِ).
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) .
73 - مَسْلَمَةُ بنُ مُخَلَّدِ بنِ الصَّامِتِ
الأَنْصَارِيُّ * (د)
الخَزْرَجِيُّ، الأَمِيْرُ، نَائِبُ مِصْرَ لِمُعَاوِيَةَ.
يُكْنَى: أَبَا مَعْنٍ.
وَقِيْلَ: كُنْيَتُهُ: أَبُو سَعِيْدٍ.
وَقِيْلَ: أَبُو مُعَاوِيَةَ.
لَهُ صُحْبَةٌ، وَلاَ صُحْبَةَ لأَبِيْهِ.
قَالَ عُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ
مَقْدَمَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
المَدِيْنَةَ، وَقُبِضَ وَلِي عَشْرُ سِنِيْنَ (2) .
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيُّ - وَهُوَ
أَكْبَرُ مِنْهُ - وَأَبُو قَبِيْلٍ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ،
وَهِشَامُ بنُ أَبِي رُقَيَّةَ، وَجَمَاعَةٌ.
وَكَانَ مِنْ أُمَرَاءِ مُعَاوِيَةَ نَوْبَةَ صِفِّيْنَ،
ثُمَّ وَلِيَ لَهُ وَلِيَزِيْدَ إِمْرَةَ مِصْرَ.
__________
(1) أخرجه البخاري 10 / 309، 310 في اللباس: باب الامتشاط،
و11 / 20، 21 في الاستئذان: باب الاستئذان من أجل البصر،
و12 / 215 في الديات: باب من اطلع في بيت قوم ففقؤوا عينه
فلا دية له.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 504، طبقات خليفة: ت 607، 2716،
التاريخ الكبير 7 / 387، الولاة والقضاة: 38، المستدرك 3 /
495، جمهرة أنساب العرب: 366، الاستيعاب: 1397، تاريخ ابن
عساكر 16 / 228 آ، أسد الغابة 5 / 174، تهذيب الكمال:
1329، تاريخ الإسلام 3 / 78، العبر 1 / 66، تذهيب التهذيب
4 / 40 آ، الإصابة 3 / 418، تهذيب التهذيب 10 / 148، خلاصة
تذهيب الكمال: 322، شذرات الذهب 1 / 70.
(2) ابن عساكر 16 / 229، وأخرجه ابن سعد 7 / 504 من طريق
معن بن عيسى، عن موسى بن علي بهذا الإسناد، وهو صحيح،
ولفظه: " أسلمت وأنا ابن أربع سنين، وتوفي رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأنا ابن أربع عشرة سنة، وسيذكرها المصنف
عن الواقدي بعد قليل.
(3/424)
رَوَى: ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ رَجُلٍ
ضَرِيرٍ (1) ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ:
خَرَجَ أَبُو أَيُّوْبَ إِلَى عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ
بِمِصْرَ، لِيَسْأَلَهُ عَنْ حَدِيْثٍ، فَالْتَقَاهُ
مَسْلَمَةُ، وَعَانَقَهُ (2) .
قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِمَسْلَمَةَ بنِ
مُخَلَّدٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَقَالَ البُخَارِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ
يُوْنُسَ: لَهُ صُحْبَةٌ.
وَشَذَّ: أَبُو حَاتِمٍ، فَقَالَ: لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ
(3) .
وَوَرَدَ: أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ مَسْلَمَةَ عَامِلاً عَلَى
صَدَقَاتِ بَنِي فِزَارَةَ.
قَالَ اللَّيْثُ: عُزِلَ عُقْبَةُ بنُ عَامِرٍ عَنْ مِصْرَ
سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ، فَوَلِيَهَا مَسْلَمَةُ
حَتَّى مَاتَ زَمَنَ يَزِيْدَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: صَلَّيْتُ خَلْفَ مَسْلَمَةَ بنِ
مُخَلَّدٍ، فَقَرَأَ سُوْرَةَ البَقَرَةِ، فَمَا تَرَكَ
وَاواً وَلاَ أَلِفاً.
__________
(1) هو أبو سعد المكي الاعمى وهو مجهول لم يرو عنه سوى ابن
جريج.
(2) أخرجه الحميدي في " مسنده " (384)، ومن طريقه الخطيب
البغدادي في " الرحلة " (34) حدثنا سفيان، حدثنا ابن جريج،
قال: سمعت أبا سعد الاعمى، يحدث عن عطاء بن أبي رباح قال:
خرج أبو أيوب إلى عقبة بن عامر وهو بمصر، يسأله عن حديث
سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يبق أحد سمعه من
رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره وغير عقبة، فلما قدم،
أتى منزل مسلمة بن مخلد الأنصاري وهو أمير مصر، فأخبر به،
فعجل، فخرج إليه، فعانقه، ثم قال: ما جاء بك يا أبا أيوب ؟
فقال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يبق
أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري وغير عقبة،
فابعث من يدلني على منزله، قال: فبعث معه من يدله على منزل
عقبة، فأخبر عقبة، فعجل، فخرج إليه فعانقه، وقال: ما جاء
بك يا أبا أيوب ؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله
عليه وسلم، لم يبق أحد سمعه غيري وغيرك في ستر المؤمن.
قال عقبة: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "
من ستر مؤمنا في الدنيا على خزية، ستره الله يوم القيامة "
فقال أبو أيوب: صدقت، ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته،
فركبها راجعا إلى المدينة، فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد
إلا بعريش مصر.
وهو في " المسند " 4 / 153 مختصرا، وللحديث طرق أخرى يتقوى
بها انظرها في " الرحلة " (35) و(36) و(37)، و" مجمع
الزوائد " 1 / 134.
(3) " الجرح والتعديل " 8 / 265، 266.
(3/425)
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ، فِي ذِي القَعْدَةِ،
بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ.
74 - عَبْدُ اللهِ بنُ سَرْجِسَ المُزَنِيُّ * (م، 4)
الصَّحَابِيُّ، المُعَمَّرُ، نَزِيْلُ البَصْرَةِ، مِنْ
حُلفَاءِ بَنِي مَخْزُوْمٍ.
صَحَّ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - اسْتَغْفَرَ لَهُ (1) .
وَقَدْ رَوَى أَيْضاً عَنْ: عُمَرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عُثْمَانُ بنُ حَكِيْمٍ، وَقَتَادَةُ بنُ
دِعَامَةَ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ.
أَظُنُّ أَنَّ أَيُّوْبَ السَّخْتِيَانِيَّ أَدْرَكَهُ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: لاَ
يَخْتَلِفُوْنَ فِي ذِكْرِهِ فِي الصَّحَابَةِ عَلَى
قَاعِدَتِهِم فِي السَّمَاعِ وَاللِّقَاءِ.
فَأَمَّا قَوْلُ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ: إِنِّ عَبْدَ اللهِ
بنَ سَرْجِسَ رَأَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ صُحْبَةٌ؛
فَإِنَّهُ أَرَادَ الصُّحْبَةَ الَّتِي يَذْهَبُ إِلَيْهَا
سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَغَيْرُهُ مِنْ طُولِ
المُصَاحَبَةِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 58، طبقات خليفة: ت 224، 1369،
التاريخ الكبير 5 / 17، المعرفة والتاريخ 1 / 256، الجرح
والتعديل 5 / 63، الاستيعاب: 916، الجمع بين رجال الصحيحين
1 / 246، أسد الغابة 3 / 256، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1
/ 269، تهذيب الكمال: 687، تاريخ الإسلام 3 / 265، تذهيب
التهذيب 2 / 148 ب، العقد الثمين 5 / 165، تهذيب التهذيب 5
/ 232، خلاصة تذهيب الكمال: 168.
(1) أخرجه مسلم في " صحيحه " (2346) من طريق عبد الواحد بن
زياد، حدثنا عاصم الاحول، عن عبد الله بن سرجس قال: رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم، وأكلت معه خبزا ولحما، أو قال:
ثريدا، قال: فقلت له: أستغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم
؟ قال: نعم ولك، ثم تلا هذه الآية (واستغفر لذنبك
وللمؤمنين والمؤمنات) قال: ثم درت خلفه، فنظرت إلى خاتم
النبوة بين كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى جمعا عليه خيلان
كأمثال الثآليل.
وهو في " المسند " 5 / 82، وابن سعد 7 / 58.
(3/426)
مَاتَ ابْنُ سَرْجِسَ: فِي دَوْلَةِ عَبْدِ
المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ،
بِالبَصْرَةِ.
رِوَايتُهُ فِي الكُتُبِ سِوَى (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ).
75 - المِقْدَامُ بنُ مَعْدِ يْكَرِبَ بنِ عَمْرِو بنِ
يَزِيْدَ * (خَ، 4)
أَبُو كَرِيْمَةَ.
وَقِيْلَ: أَبُو يَزِيْدَ.
وَقِيْلَ: أَبُو صَالِحٍ.
وَيُقَالُ: أَبُو بِشْرٍ.
وَيُقَالُ: أَبُو يَحْيَى، نَزِيْلُ حِمْصَ، صَاحِبُ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
رَوَى: عِدَّةَ أَحَادِيْثَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَالشَّعْبِيُّ،
وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَشُرَيْحُ بنُ عُبَيْدٍ،
وَأَبُو عَامِرٍ الهَوْزَنِيُّ، وَالحَسَنُ وَيَحْيَى
ابْنَا جَابِرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عَوْفٍ،
وَسُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ
الأَلْهَانِيُّ، وَابْنُهُ؛ يَحْيَى بنُ المِقْدَامِ،
وَحَفِيدُهُ؛ صَالِحُ بنُ يَحْيَى، وَآخَرُوْنَ.
أَبُو مُسْهِرٍ، وَغَيْرُهُ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ سِنَانٍ،
عَنْ أَبِي يَحْيَى الكَلاَعِيِّ، قَالَ:
أَتَيْتُ المِقْدَامَ فِي المَسْجَدِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا
يَزِيْدَ! إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُوْنَ أَنَّكَ لَمْ تَرَ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! وَاللهِ لَقَدْ رَأَيتُهُ
وَأَنَا أَمْشِي مَعَ عَمِّي.
فَأَخَذَ بِأُذُنِي هَذِهِ، وَقَالَ لِعَمِّي: (أَتَرَى
هَذَا؟).
يَذْكُرُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ (1).
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 415، التاريخ الكبير 7 / 429،
الاستيعاب: 1482، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 508، تاريخ
ابن عساكر 17 / 77 ب، أسد الغابة 5 / 254، تهذيب الأسماء
واللغات 1 / 2 / 112، تهذيب الكمال: 1368، تاريخ الإسلام 3
/ 306، العبر 1 / 103، تذهيب التهذيب 4 / 67 آ، البداية
والنهاية 9 / 73، الإصابة 3 / 455، تهذيب التهذيب 10 /
287، خلاصة تذهيب الكمال: 331، شذرات الذهب 1 / 98.
(1) إسناده ضعيف، وهو في ابن عساكر 17 / 77 ب، وأورده
الحافظ في " الإصابة " 3 / 455 ونسبه للبغوي.
(3/427)
مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ الأَبْرَشُ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ (1) بنُ سُلَيْمٍ، عَنْ صَالِحِ
بنِ يَحْيَى، عَنْ جَدِّهِ المِقْدَامِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: (أَفْلَحْتَ يَا قُدَيْمُ، إِنْ مُتَّ وَلَمْ تَكُنْ
أَمِيْراً، وَلاَ جَابِياً، وَلاَ عَرِيْفاً (2)).
قَالَ جَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ.
زَادَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى
وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَقِيْلَ: قَبْرُهُ بِحِمْصَ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيُّ:
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ -.
76 - عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي أَوْفَى عَلْقَمَةَ بنِ
خَالِدِ بنِ الحَارِثِ الأَسْلَمِيُّ * (ع)
الفَقِيْهُ، المُعَمَّرُ، صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو مُعَاوِيَةَ.
وَقِيْلَ: أَبُو مُحَمَّدٍ.
وَقِيْلَ: أَبُو إِبْرَاهِيْمَ الأَسْلَمِيُّ،
الكُوْفِيُّ.
مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ، وَخَاتِمَةُ مَنْ
مَاتَ بِالكُوْفَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ (3) .
وَكَانَ أَبُوْهُ صَحَابِيّاً أَيْضاً.
__________
(1) في الأصل " سليم " وهو خطأ.
(2) صالح بن يحيى ابن، وباقي رجاله ثقات، وهو في " المسند
" 4 / 133، وابن عساكر 17 / 80 آ.
وقديم: تصغير مقدام.
(*) طبقات ابن سعد 4 / 301 و6 / 21، طبقات خليفة: ت 684،
946، المحبر: 298، التاريخ الكبير 5 / 24، المعرفة
والتاريخ 1 / 265، الجرح والتعديل 5 / 120، مشاهير علماء
الأمصار: ت 320، جمهرة أنساب العرب: 242، الاستيعاب: 870،
الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 242، تاريخ ابن عساكر 9 / 524
آ، أسد الغابة 3 / 182، تهذيب الكمال: 667، تاريخ الإسلام
3 / 260، العبر 1 / 101، تذهيب التهذيب 2 / 132 آ، مرآة
الجنان 1 / 177، البداية والنهاية 9 / 75، الإصابة 2 /
279، تهذيب التهذيب 5 / 151، خلاصة تذهيب الكمال: 162،
شذرات الذهب 1 / 96.
(3) ابن سعد 4 / 302 و6 / 21.
(3/428)
وَلَهُ: عِدَّةُ أَحَادِيْثَ.
رَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُسْلِمٍ الهَجَرِيُّ،
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّكْسَكِيُّ،
وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَعَطَاءُ بنُ
السَّائِبِ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ
الشَّيْبَانِيُّ، وَطَلْحَةُ بنُ مُصَرِّفٍ، وَعَمْرُو بنُ
مُرَّةَ، وَأَبُو يَعْفُوْرٍ وَقْدَانُ، وَمَجْزَأَةُ بنُ
زَاهِرٍ، وَغَيْرُهُم.
وَقِيْلَ: لَمْ يُشَافِهْهُ الأَعْمَشُ مَعَ أَنَّهُ كَانَ
مَعَهُ فِي البَلَدِ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُ أَبِي
أَوْفَى، كَانَ الأَعْمَشُ رَجُلاً لَهُ بِضْعٌ
وَعِشْرُوْنَ سَنَةً.
وَقَدْ فَازَ عَبْدُ اللهِ بِالدَّعْوَةِ النَّبَوِيَّةِ
حَيْثُ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِزَكَاةِ وَالِدِهِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى).
وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ مِنَ الكِبَرِ.
شُعْبَةُ: عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ ابْنِ
أَبِي أَوْفَى - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ -
قَالَ:
نَهَانَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَنِ النَّبِيْذِ فِي الجَرِّ الأَخْضَرِ (1)
.
شُعْبَةُ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
بنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- إِذَا أُتِيَ بِصَدَقَةٍ، قَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ
عَلَيْهِم).
فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَةِ قَوْمِهِ، فَقَالَ:
(اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى).
وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِنَا (2).
__________
(1) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 4 / 353 و356 و380،
والبخاري 1 / 54 في الاشربة: باب ترخيص النبي صلى الله
عليه وسلم في الاوعية والظروف بعد النهي.
والجر: واحد جرار الخزف.
وهذا النهي منسوخ، فقد أبيح لهم أن ينتبذوا في كل الاوعية
بشرط أن لا يشربوا مسكرا، وانظر " الفتح " 10 / 54، و"
جامع الأصول " 5 / 143، 159.
(2) أخرجه البخاري 3 / 286 في الزكاة: باب صلاة الامام
ودعائه لصاحب الصدقة، وفي المغازي: باب غزوة الحديبية، وفي
الدعوات: باب قول الله تعالى: (وصل عليهم)،
وباب هل يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم
(1078) في الزكاة: باب الدعاء لمن أتى =
(3/429)
شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي يَعْفُوْرَ، عَنِ
ابْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ:
غَزَوْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الجَرَادَ (1) .
المُحَارِبِيُّ: عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ بِذِرَاعِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى
ضَرْبَةً، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ؟
قَالَ: ضُرِبْتُهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ (2) .
تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ.
وَقِيْلَ: بَلْ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ،
وَقَدْ قَارَبَ مِائَةَ سَنَةٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
77 - عَبْدُ اللهِ بنُ بُسْرِ بنِ أَبِي بُسْرٍ أَبُو
صَفْوَانَ المَازِنِيُّ * (ع)
الصَّحَابِيُّ، المُعَمَّرُ، بَرَكَةُ الشَّامِ، أَبُو
صَفْوَانَ المَازِنِيُّ، نَزِيْلُ حِمْصَ.
__________
= بصدقته، وأبو داود (1590)، والنسائي 5 / 31، وأحمد 4 /
354 و381.
وقوله " على آل أبي أوفى " يريد أبا أوفى نفسه، لان الآل
يطلق على ذات الشئ، كقوله صلى الله عليه وسلم في قصة أبي
موسى: " لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود ".
(1) أخرجه البخاري 9 / 535، 536 في الصيد: باب أكل الجراد،
ومسلم (1952) في الصيد: باب إباحة الجراد، والترمذي (1822)
و(1823)، وأبو داود (3812)، والنسائي 7 / 210، وابن سعد 4
/ 301، وقد تحرف عنده " أبو يعفور " إلى " أبي يعقوب ".
(2) أخرجه البخاري في " صحيحه " 8 / 21 في المغازي: باب
غزوة حنين، وابن سعد 4 / 301، وأحمد 4 / 355 من طريق يزيد
بن هارون، عن إسماعيل بن أبي خالد...قال الحافظ: ووقفت في
بعض حديثه على ما يدل أنه شهد الخندق.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 413، طبقات خليفة: ت 350، 2835،
التاريخ الكبير 5 / 14، التاريخ الصغير 2 / 76، المعرفة
والتاريخ 1 / 258، الجرح والتعديل 5 / 11، الاستيعاب 874،
الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 243، تاريخ ابن عساكر 9 / 1
ب، أسد الغابة 3 / 186، تهذيب الكمال: 668، تاريخ الإسلام
3 / 261، و4 / 18، العبر 1 / 103، 113، تذهيب التهذيب: 2 /
133 آ، مرآة الجنان 1 / 178، البداية والنهاية 9 / 75،
مجمع الزوائد 9 / 404، الإصابة 2 / 281، تهذيب التهذيب 5 /
158، خلاصة تذهيب الكمال: 162، شذرات الذهب 1 / 111.
(3/430)
لَهُ: أَحَادِيْثُ قَلِيلَةٌ، وَصُحْبَةٌ
يَسِيْرَةٌ، وَلأَخَوَيْهِ عَطِيَّةَ وَالصَّمَّاءِ
وَلأَبِيهِم صُحْبَةٌ (1) .
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
اليَحْصُبِيُّ، وَرَاشِدُ بنُ سَعْدٍ، وَخَالِدُ بنُ
مَعْدَانَ، وَأَبُو الزَّاهِرِيَّةِ، وَسُلَيْمُ بنُ
عَامِرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ،
وَحَسَّانُ بنُ نُوْحٍ، وَصَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو،
وَحَرِيْزُ (2) بنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّوْنَ.
وَقَدْ غَزَا جَزِيْرَةَ قُبْرُسَ مَعَ مُعَاوِيَةَ فِي
دَوْلَةِ عُثْمَانَ.
قَالَ البَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ،
حَدَّثَنَا مَيْسَرَةُ، حَدَّثَنَا حَرِيْزُ بنُ
عُثْمَانَ، قَالَ:
رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ بُسْرٍ وَثِيَابُهُ
مُشَمَّرَةٌ، وَرِدَاؤُهُ فَوْقَ القَمِيْصِ، وَشَعْرُهُ
مَفْرُوْقٌ يُغَطِّي أُذُنَيْهِ، وَشَارِبُهُ مَقْصُوْصٌ
مَعَ الشَّفَةِ، كُنَّا نَقِفُ عَلَيْهِ، وَنَتَعَجَّبُ
(3) .
قَالَ صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو: رَأَيْتُ فِي جَبْهَةِ
عَبْدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ أَثَرَ السُّجُودِ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ:
عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قَالَ لَهُ: (يَعِيْشُ هَذَا الغُلاَمُ قَرْناً).
قَالَ: فَعَاشَ مائَةَ سَنَةٍ.
سَمِعَهُ: شُرَيْحُ بنُ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيُّ، مِنْهُ.
عِصَامُ بنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ أَيُّوْبَ
الحَضْرَمِيُّ، قَالَ:
أَرَانِي عَبْدُ اللهِ بنُ بُسْرٍ شَامَةً فِي قَرْنِهِ،
فَوَضَعتُ أُصْبُعِي عَلَيْهَا، فَقَالَ:
وَضَعَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أُصْبُعَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: (لَتَبْلُغَنَّ
قَرْناً).
رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (المُسْنَدِ) (4).
__________
(1) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 216
(2) تصحف في المطبوع إلى " جرير ".
(3) " تاريخ ابن عساكر " 5 / 323 ب.
(4) 4 / 189، وسنده حسن، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 /
405 وقال: رواه الطبراني =
(3/431)
جُنَادَةُ بنُ مَرْوَانَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ الحِمْصِيُّ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ
بنَ بُسْرٍ، قَالَ:
أَكَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- عِنْدَنَا حَيْساً، وَدَعَا لَنَا، ثُمَّ الْتَفَتَ
إِلَيَّ وَأَنَا غُلاَمٌ، فَمَسَحَ عَلَى رَأْسِي، ثُمَّ
قَالَ: (يَعِيْشُ هَذَا الغُلاَمُ قَرْناً).
فَعَاشَ مائَةً (1) .
رَوَى نَحْوَهُ: سَلَمَةُ بنُ حَوَّاسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بنِ القَاسِمِ:
أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ بُسْرٍ فِي قَرْيتِهِ، وَزَادَ
فِيْهِ: فَقَلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! كَمِ القَرْنُ؟
قَالَ: (مائَةُ سَنَةٍ (2)).
وَفِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ): لِحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ،
أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بنَ بُسْرٍ: أَكَانَ
النَّبِيُّ شَيْخاً؟
قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيْضٌ (3) .
قَالَ يَحْيَى بنُ صَالِحٍ الوُحَاظِيُّ: حَدَّثَتْنَا
أُمُّ هَاشِمٍ الطَّائِيَةُ، قَالَتْ:
رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ بُسْرٍ يَتَوَضَّأُ، فَخَرَجَتْ
نَفْسُهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (4) -.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ،
وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالشَّامِ.
قَالَ: وَلَهُ أَرْبَعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
وَكَذَا أَرَّخَهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ
جَمَاعَةٌ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ (5) : مَاتَ قَبْلَ
سَنَةِ مائَةٍ.
__________
= وأحمد، ورجال أحمد رجال الصحيح غير الحسن بن أيوب وهو
ثقة، ورجال الطبراني ثقات.
(1) ابن عساكر 5 / 324 ب.
(2) ابن عساكر 5 / 324 ب.
(3) أخرجه البخاري 6 / 412 في المناقب: باب في صفة النبي
صلى الله عليه وسلم، وهو في " المسند " 4 / 187 و188، و"
تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 154، 155 و213، والعنفقة: ما
بين الذقن والشفة السفلى.
(4) " تاريخ دمشق لأبي زرعة " 1 / 215.
(5) في " تاريخه " 2 / 693.
(3/432)
وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سَعِيْدٍ
الحَافِظُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ.
وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ الجُرْجِسِيُّ:
تُوُفِّيَ فِي إِمْرَةِ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ
(1) .
حَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.
78 - أَبُو عِنَبَةَ الخَوْلاَنِيُّ * (ق)
الصَّحَابِيُّ، المُعَمَّرُ.
شَهِدَ اليَرْمُوْكَ، وَصَاحَبَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ،
وَسَكَنَ حِمْصَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ حُدَيْرُ بنُ
كُرَيْبٍ، وَبَكْرُ بنُ زُرْعَةَ، وَطَلْقُ بنُ سُمَيْرٍ،
وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
رَوَيْنَا فِي (سُنَنِ ابْنِ مَاجَه): حَدَّثَنَا هِشَامُ
بنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الجَرَّاحُ بنُ مَلِيْحٍ،
حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ زُرْعَةَ:
سَمِعْتُ أَبَا عِنَبَةَ الخَوْلاَنِيَّ - وَكَانَ مِمَّنْ
صَلَّى القِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلَ الدَّمَ فِي الجَاهِلِيَّةِ
- قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (لاَ يَزَالُ اللهُ يَغْرِسُ فِي
هَذَا الدِّيْنِ غَرْساً يَسْتَعْمِلُهُم بِطَاعَتِهِ)
(2).
__________
(1) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 242 و2 / 693.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 436، طبقات خليفة: ت 473، 2996،
التاريخ الكبير 9 / 61، المعرفة والتاريخ 2 / 529، وقد
تحرف فيه إلى أبي عذبة، 1 / 46، الجرح والتعديل 9 / 418،
الاستيعاب 1722، أسد الغابة 6 / 233، تهذيب الكمال: 1632،
1633، تاريخ الإسلام 3 / 320، تذهيب التهذيب 4 / 227 آ،
الإصابة 4 / 141، تهذيب التهذيب 12 / 189، خلاصة تذهيب
الكمال: 393.
(2) هو في " سنن ابن ماجه " 1 / 5، قال البوصيري في "
الزوائد " ورقة: 3: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وقد
توبع هشام عليه، رواه ابن حبان في " صحيحه " =
(3/433)
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَالَ أَهْلُ
حِمْصَ:
هُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِيْنَ، وَأَنْكَرُوا أَنْ
تَكُوْنَ لَهُ صُحْبَةٌ.
قُلْتُ: هَذَا يُحْمَلُ عَلَى إِنْكَارِهِمُ الصُّحْبَةَ
التَّامَّةَ، لاَ الصُّحْبَةَ العَامَّةَ.
أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (1)): حَدَّثَنَا سُرَيْجُ (2)
بنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ مُحَمَّدِ
بنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عِنَبَةَ - قَالَ سُرَيْجٌ:
وَلَهُ صُحْبَةٌ -:
إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قَالَ: (إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْراً
عَسَلَهُ).
قِيْلَ: وَمَا عَسَلَهُ (3) ؟
قَالَ: (يَفْتَحُ لَهُ عَمَلاً صَالِحاً، ثُمَّ يَقْبِضُهُ
عَلَيْهِ).
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: لَهُ صُحْبَةٌ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: أَسْلَمَ
وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
حَيٌّ، وَصَحِبَ مُعَاذاً، أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ:
حَيْوَةُ، عَنْ بَقِيَّةَ، عَنِ ابْنِ زِيَادٍ (4).
__________
= (88)، وأحمد 4 / 200 من طريق الهيثم بن خارجه، عن الجراح
به.
(1) 4 / 200 ورجاله ثقات، وذكره الهيثمي في " المجمع "،
ونسبه لأحمد والطبراني، وقال: وفيه بقية مدلس، وقد صرح
بالسماع في " المسند " وبقية رجاله ثقات.
كذا قال، مع أنه ليس في المطبوع من " مسند أحمد " التصريح
بالسماع، لكن في الباب ما يقويه، فقد روى أحمد في " المسند
" 5 / 224 من حديث عمرو بن الحمق أنه سمع النبي صلى الله
عليه وسلم يقول: " إذا أراد الله بعبد خيرا، استعمله "
قيل: وما استعمله ؟ قال: " يفتح له عمل صالح بين يدي موته
حتى يرضى عنه من حوله " وسندح حسن، وصححه ابن حبان (1822)،
وأخرج أحمد 3 / 106 و120 و230، والترمذي (2142) من حد يث
أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله " قيل: كيف استعمله ؟
قال " يوفقه لعمل صالح قيل الموت، ثم يقبضه عليه، وصححه
ابن حبان (1821) والحاكم، وقال الترمذي: حسن صحيح.
(2) تصحف في المطبوع إلى " شريح ".
(3) قال ابن الأثير: العسل: طيب الثناء، مأخوذ من العسل،
يقال: عسل الطعام يعسله: إذا جعل منه العسل، شبه ما رزقه
الله تعالى من العمل الصالح الذي طاب به ذكره بين قومه
بالعسل الذي يجعل فيه الطعام فيحلولي به ويطيب.
(4) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 351، وحيوة هو ابن شريح،
وبقية: هو ابن الوليد، وابن زياد: هو محمد بن زياد
الالهاني.
(3/434)
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُخْتَلَفٌ فِي
صُحْبَتِهِ.
وَرَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيْلَ
بنِ مُسْلِمٍ، قَالَ:
قَدْ رَأَيْتُ أَبَا عِنَبَةَ وَكَانَ هُوَ وَأَبُو
فَالِجٍ الأَنْمَارِيُّ قَدْ أَكَلاَ الدَّمَ فِي
الجَاهِلِيَّةِ، وَلَمْ يَصْحَبَا النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (1).
79 - مُحَمَّدُ بنُ حَاطِبِ بنِ الحَارِثِ الجُمَحِيُّ *
(ت، س، ق)
ابْنِ مَعْمَرِ بنِ حَبِيْبٍ الجُمَحِيُّ.
مَوْلِدُهُ: بِالحَبَشَةِ، هُوَ وَأَخُوْهُ الحَارِثُ،
فَتُوُفِّيَ أَبُوْهُمَا هُنَاكَ.
وَجَدُّهُم حَبِيْبٌ مِنْ كِبَارِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ ابْنُ
وَهْبِ بنِ حُذَافَةَ بنِ جُمَحِ بنِ عَمْرِو بنِ هُصَيْصِ
بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ.
وَأُمُّهُ: مِنَ المُهَاجِرَاتِ، وَهِيَ أُمُّ جَمِيْلٍ
بِنْتُ المُجَلّلِ.
وَلَهُ: صُحْبَةٌ، وَحَدِيثٌ فِي الدُّفِّ فِي العُرْسِ
(2) .
وَيَرْوِي عَنْ: عَلِيٍّ أَيْضاً.
__________
(1) أخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " 1 / 351، 352 من
طريق الوليد بن عتبة، عن الوليد بن مسلم، بهذا الإسناد.
(*) طبقات خليفة: ت 141، 2513، المحبر: 153، 379، التاريخ
الكبير 1 / 17، المعرفة والتاريخ 1 / 306، الجرح والتعديل
7 / 224، الاستيعاب: 1368، جمهرة أنساب العرب: 162، أسد
الغابة 5 / 85، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 79، تهذيب
الكمال: 1184، تاريخ الإسلام 3 / 207، تذهيب التهذيب 3 /
195 ب، 196 آ، الوافي بالوفيات 2 / 317، مجمع الزوائد 9 /
415، مرآة الجنان 1 / 155، العقد الثمين 1 / 450، الإصابة
3 / 372، تهذيب التهذيب 9 / 106، خلاصة تذهيب الكمال: 282،
شذرات الذهب 1 / 82.
(2) أخرجه أحمد 3 / 418 و4 / 259، والترمذي (1088)،
والنسائي 6 / 127، وابن ماجه (1896) في النكاح: باب إعلان
النكاح، ولفظه " فصل ما بين الحلال والحرام: الصوت والدف
في النكاح " وحسنه الترمذي وهو كمال قال، وصححه الحاكم 2 /
184، ووافقه =
(3/435)
رَوَى عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ الحَارِثُ،
وَعُمَرُ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَلُقْمَانُ، وَحَفِيدُهُ؛
عُثْمَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الجُمَحِيُّ، وَسِمَاكُ بنُ
حَرْبٍ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيُّ، وَأَبُو
بَلْجٍ يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ.
وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ
مِنَ الرَّضَاعَةِ.
وَقِيْلَ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ مُحَمَّداً فِي
الإِسْلاَمِ.
فَأَمَّا مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ الأَنْصَارِيُّ (1)
فَسُمِّيَ مُحَمَّداً قَبْلِ المَبْعَثِ.
وَيُكْنَى مُحَمَّدُ بنُ حَاطِبٍ: أَبَا إِبرَاهِيْمَ.
زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ: عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ،
عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حَاطِبٍ، قَالَ:
تَنَاوَلْتُ قِدْراً، فَاحْتَرَقَتْ يَدِي، فَانْطَلَقَتْ
بِي أُمِّي إِلَى رَجُلٍ جَالِسٍ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا
رَسُوْلَ اللهِ!
وَأَدْنَتْنِي مِنْهُ، فَجَعَلَ يَنْفُثُ، وَيَتَكَلَّمُ
بِكَلاَمٍ لاَ أَدْرِي مَا هُوَ، فَسَأَلْتُ أُمِّي بَعْدَ
ذَلِكَ: مَا كَانَ يَقُوْلُ؟
قَالَتْ: كَانَ يَقُوْلُ: (أَذْهِبِ البَاسَ - رَبَّ
النَّاسِ - وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لاَ شَافِيَ إِلاَّ
أَنْتَ (2)).
سَمِعَهُ مِنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ العَبْدِيُّ.
وَتَابَعَهُ: شَرِيْكٌ، وَشُعْبَةُ، وَمِسْعَرٌ.
رَوَاهُ: النَّسَائِيُّ.
مَاتَ مُحَمَّدُ بنُ حَاطِبٍ: سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَسَبْعِيْنَ.
__________
= الذهبي.
وفي الباب عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: " أعلنوا النكاح " قال الهيثمي في " المجمع " 4
/ 289: رواه أحمد، والبزار، والطبراني في " الكبير " و"
الأوسط "، ورجال أحمد ثقات، وصححه ابن حبان (1285)،
والحاكم 2 / 183، ووافقه الذهبي.
(1) الأوسي الحارثي المدني، حليف بني عبد الاشهل، ولد قبل
البعثة باثنتين وعشرين سنة في قول الواقدي، وأسلم على يدي
مصعب بن عمير، قبل سعد بن معاذ، وآخى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة، وشهد المشاهد بدرا وما
بعدها إلا غزوة تبوك، فإنه تخلف بإذن النبي صلى الله عليه
وسلم أن يقيم بالمدينة.
(2) سنده حسن، وأخرجه أحمد 3 / 418 و4 / 259 من طرق عن
سماك بن حرب به.
(3/436)
80 - السَّائِبُ بنُ يَزِيْدَ بنِ سَعِيْدِ
بنِ ثُمَامَةَ الكِنْدِيُّ * (ع)
أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو يَزِيْدَ الكِنْدِيُّ،
المَدَنِيُّ، ابْنُ أُخْتِ نَمِرٍ، وَذَلِكَ شَيْءٌ
عُرِفُوا بِهِ.
وَكَانَ جَدُّهُ سَعِيْدُ بنُ ثُمَامَةَ حَلِيفَ بَنِي
عَبْدِ شَمْسٍ.
قَالَ السَّائِبُ: حَجَّ بِي أَبِي مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنُ
سَبْعِ سِنِيْنَ (1) .
قُلْتُ: لَهُ نَصِيْبٌ مِنْ صُحْبَةٍ وَرِوَايَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ
اللهِ بنِ قَارِظٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ
الأَنْصَارِيُّ، وَالجُعَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ السَّائِبِ، وَعُمَرُ بنُ
عَطَاءِ بنِ أَبِي الخُوَارِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ السِّنْدِيُّ: عَنْ يُوْسُفَ بنِ
يَعْقُوْبَ، عَنِ السَّائِبِ، قَالَ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَتَلَ عَبْدَ اللهِ بنَ خَطَلٍ يَوْمَ الفَتْحِ،
أَخْرَجُوهُ مِنْ تَحْتِ الأَسْتَارِ،
__________
(*) طبقات خليفة: ت 39، التاريخ الكبير 4 / 150، المعرفة
والتاريخ 1 / 358، مشاهير علماء الأمصار: ت 141، معجم
الطبراني 7 / 172، جمهرة أنساب العرب: 428، الاستيعاب:
576، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 202، تاريخ ابن عساكر 7
/ 26 ب، أسد الغابة 2 / 321، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1
/ 208، تهذيب الكمال: 466، تاريخ الإسلام 3 / 369، تذهيب
التهذيب 2 / 5 ب، الوافي بالوفيات 15 / 104، مرآة الجنان 1
/ 180، الإصابة 2 / 12، تهذيب التهذيب 3 / 450، خلاصة
تذهيب الكمال: 113، شذرات الذهب 1 / 99، تهذيب ابن عساكر 6
/ 63.
(1 أخرجه البخاري 4 / 61 في الحج: باب حج الصبيان،
والطبراني (6678)، وأحمد 3 / 449، وأخرجه الترمذي (925)
وزاد فيه: " في حجة الوداع " وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(3/437)
فَضَرَبَ عُنُقَهُ بَيْنَ زَمْزَمَ
وَالمَقَامِ، ثُمَّ قَالَ: (لاَ يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ بَعْدَ
هَذَا صَبْراً (1)).
عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا عَطَاءٌ مَوْلَى
السَّائِبِ، قَالَ:
كَانَ السَّائِبُ رَأْسُهُ أَسْوَدُ مِنْ هَامَتِهِ إِلَى
مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، وَسَائِرُ رَأْسِهِ - مُؤَخَّرُهُ
وَعَارِضَاهُ وَلِحْيَتُهُ - أَبْيَضُ.
فَقُلْتُ لَهُ: مَا رَأَيتُ أَعْجَبَ شَعْراً مِنْكَ!
فَقَالَ لِي: أَوَ تَدْرِي مِمَّا ذَاكَ يَا بُنِيَّ؟
إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- مَرَّ بِي وَأَنَا أَلْعَبُ، فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى
رَأْسِي، وَقَالَ: (بَارَكَ اللهُ فِيْكَ)، فَهُوَ لاَ
يَشِيْبُ أَبَداً (2) .
يَعْنِي: مَوْضِعَ كَفِّهِ.
يُوْنُسُ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
مَا اتَّخَذَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَاضِياً، وَلاَ أَبُو بَكْرٍ، وَلاَ عُمَرُ،
حَتَّى قَالَ عُمَرُ لِلسَّائِبِ ابْنِ أُخْتِ نَمِرٍ:
لَوْ رَوَّحْتُ عَنِّي بَعْضَ الأَمْرِ.
حَتَّى كَانَ عُثْمَانُ (3) .
قَالَ عَبْدُ الأَعْلَى الفَرْوِيُّ: رَأَيْتُ عَلَى
السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ مِطْرَفَ خَزٍّ، وَجُبَّةَ خَزٍّ،
وَعِمَامَةَ خَزٍّ (4) .
يُرْوَى عَنِ الجُعَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَفَاةُ
السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ
وَتِسْعِيْنَ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَجَمَاعَةٌ:
تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ.
__________
(1) وهو في " تاريخ ابن عساكر " 7 / 28 ب، وانظر " المسند
" 4 / 213، والدارمي 2 / 198.
(2) أخرجه الطبراني في " الكبير " (6693) و1 / 249 في "
الصغير " و" الأوسط ": 365 من " مجمع البحرين ".
قال الهيثمي في " المجمع " 9 / 409: ورجال الكبير رجال
الصحيح، غير عطاء مولى السائب، وهو ثقة.
(3) ابن عساكر 7 / 29 ب.
(4) ابن عساكر 7 / 29 ب.
(3/438)
وَشَذَّ: الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ:
مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ.
81 - جُبَيْرُ بنُ الحُوَيْرِثِ بنِ نَقِيْدِ بنِ بُجَيْرِ
بنِ عَبْدِ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ القُرَشِيُّ *
وَقِيْلَ: فِي نَسَبِهِ هَكَذَا، لَكِنْ بِحَذْفِ
بُجَيْرٍ.
صَحَابِيٌّ صَغِيْرٌ، لَهُ رُؤْيَةٌ بِلاَ رِوَايَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ بنُ
الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَعِيْدِ بنِ
يَرْبُوْعٍ.
رَوَى لَهُ: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، فَوَهِمَ، وَقَالَ:
عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَرْبُوْعٍ،
عَنْ جُبَيْرِ بنِ الحُوَيْرِثِ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَاقِفاً عَلَى قَزحٍ...، فَذَكَرَ
الحَدِيْثَ (1) .
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ الحُوَيْرِثُ
أَبُوْهُ مِمَّنْ أَهْدَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَمَهُ يَوْمَ الفَتْحِ.
وَعَنْ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ شَهِدَ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ،
فَسَمِعَ أَبَا سُفْيَانَ يُحَرِّضُهُم عَلَى الجِهَادِ
(2).
__________
(*) طبقات خليفة: ت 1991، الجرح والتعديل 2 / 512،
الاستيعاب: 234، أسد الغابة 1 / 322، تاريخ الإسلام 2 /
273، العقد الثمين 3 / 410 وفيه ابن الحويرث بن نفيل،
الإصابة 1 / 225، تعجيل المنفعة: 48.
(1) وتمامه: وهو يقول: يا أيها الناس أسفروا.
ثم دفع، فكأني أنظر إلى فخذه مما بخرش بعيره بمحجنه "
أخرجه الشافعي في " مسنده " 2 / 60، 61 من طريق سفيان.
وقزح:
هو القرن الذي يقف عنده الامام بالمزدلفة وهو المشعر
الحرام.
(2) ونقل الحافظ في " الإصابة " 1 / 225 عن الواقدي، عن
ابن المسيب، عن جبير بن الحويرث قال: حضرت يوم اليرموك
المعركة، فلا أسمع للناس كلمة إلا صوت الحديد.
وعلق الحافظ عليه، فقال: ومن يكون يوم اليرموك رجلا، يكون
يوم الفتح مميزا، فلا مانع من عده من =
(3/439)
82 - قُثَمُ بنُ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ
المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ الهَاشِمِيُّ * (ص) (1)
ابْنُ عَمِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَأَخُو: الفَضْلِ، وَعَبْدِ اللهِ،
وَعُبَيْدِ اللهِ، وَكَثِيْرٍ.
وَأُمُّهُ: هِيَ أُمُّ الفَضْلِ لُبَابَةُ بِنْتُ
الحَارِثِ الهِلاَلِيَّةُ، وَكَانَتْ ثَانِيَةَ امْرَأَةٍ
أَسْلَمَتْ، أَسْلَمَتْ بَعْدَ خَدِيْجَةَ.
قَالَهُ: الكَلْبِيُّ.
لِقُثَمَ صُحْبَةٌ، وَقَدْ أَرْدَفَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَهُ (2) .
وَكَانَ أَخَا الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ مِنَ الرَّضَاعَةِ
(3).
__________
= الصحابة، وإن لم يرو.
وقال ابن عبد البر: في صحبته نظر، وعده ابن حبان في
التابعين.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 367، نسب قريش: 27، طبقات خليفة: ت
1973، المحبر: 17، 46، 107، التاريخ الكبير 7 / 194،
التاريخ الصغير 1 / 142، الجرح والتعديل 7 / 145، أنساب
الاشراف 3 / 65، جمهرة أنساب العرب: 19، الاستيعاب: 1304،
الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 427، أسد الغابة 4 / 392،
تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 59، تهذيب الكمال: 1125،
تاريخ الإسلام 2 / 311، العبر 1 / 61، تذهيب التهذيب 3 /
157 ب، مرآة الجنان 1 / 138، البداية والنهاية 8 / 78،
العقد الثمين 7 / 67، الإصابة 3 / 226، تهذيب التهذيب 8 /
361، خلاصة تذهيب الكمال: 271، شذرات الذهب 1 / 61.
(1) هذا الرمز للنسائي، لكتابه خصائص أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب رضي الله عنه.
(2) أخرجه البخاري في " تاريخه " 7 / 194، وأحمد 1 / 205
من طريق روح بن عبادة، أخبرنا ابن جريج، أخبرني جعفر بن
خالد بن سارة المخزومي، أن أباه أخبره أن عبد الله بن جعفر
قال: لو رأيتني، وقثما، وعبيد الله بن عباس نلعب، إذ مر
بنا النبي صلى الله عليه وسلم على دابته، فقال: ارفعوا هذا
إلي، فحملني أمامه، وقال لقثم: ارفعوا هذا إلي، فحمله
وراءه...ورجاله ثقات.
(3) أخرجه أحمد 6 / 339 من طريق يحيى بن بكير، حدثنا
إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن قابوس بن مخارق، عن أم الفضل
قالت: رأيت كأن في بيتي عضوا من أعضاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم، قالت: فجزعت من ذلك، فأتيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فذكرت له ذلك، فقال: " خيرا، تلد فاطمة غلاما
فتكفلينه بلبن ابنك قثم " قالت: فولدت حسنا، فأعطيته، =
(3/440)
وَكَانَ يُشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ قَلِيْلُ
الرِّوَايَةِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ آخِرَ مَنْ خَرَجَ
مِنْ لَحْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قُثَمُ.
وَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ،
اسْتَعْمَلَ قُثَمَ عَلَى مَكَّةَ، فَمَا زَالَ عَلَيْهَا
حَتَّى قُتِلَ عَلِيٌّ.
قَالَهُ: خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ (1) .
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: اسْتَعْمَلَهُ عَلِيٌّ
عَلَى المَدِيْنَةِ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَمْ يُعْقِبْ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: غَزَا قُثَمُ خُرَاسَانَ وَعَلَيْهَا
سَعِيْدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، فَقَالَ لَهُ:
أَضْرِبُ لَكَ بِأَلْفِ سَهْمٍ؟
فَقَالَ: لاَ، بَلْ خَمِّسْ، ثُمَّ أَعْطِ النَّاسَ
حُقُوقَهُم؛ ثُمَّ أَعْطِنِي بَعْدُ مَا شِئْتَ.
وَكَانَ قُثَمُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - سَيِّداً، وَرِعاً،
فَاضِلاً (2) .
قَالَ الزُّبَيْرُ: سَارَ قُثَمُ أَيَّامَ مُعَاوِيَةَ
مَعَ سَعِيْدِ بنِ عُثْمَانَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ،
فَاسْتُشْهِدَ بِهَا.
قُلْتُ: لاَ شَيْءَ لَهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ فِي
(تَارِيْخِ نَيْسَابُوْرَ)، فَقَالَ:
كَانَ شَبِيْهَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَآخِرَ النَّاسِ بِهِ عَهْداً.
وَحَدِيثُ أُمِّ الفَضْلِ نَاطِقٌ بِذَلِكَ بِأَسَانِيْدَ
كَثِيْرَةٍ.
__________
= فأرضعته حتى تحرك، أو فطمته، ثم جئت به إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فأجلسته في، حجره، فبال، فضربت بين
كتفيه، فقال: " ارفقي بابني رحمك الله، أو أصلحك الله،
أوجعت ابني " قالت: قلت يا رسول الله: اخلع إزارك، والبس
ثوبا غيره، حتى أغسله، قال: " إنما يغسل بول الجارية،
وينضح بول الغلام ". وسنده حسن.
(1) في " تاريخه ": 201.
(2) " طبقات ابن سعد " 7 / 367.
(3/441)
قَالَ: فَأَمَّا وَفَاةُ قُثَمَ،
وَمَوْضِعُ قَبْرِهِ، فَمُخْتَلَفٌ فِيْهِ.
فَقِيْلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ بِسَمَرْقَنْدَ، وَبِهَا
قَبْرُهُ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ بِمَرْوَ.
قَالَ الحَاكِمُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَبْرَهُ
بِسَمَرْقَنْدَ.
قَالَ: وَسَعِيْدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ أَبُو
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأُمَوِيُّ (1) ، غَزَا خُرَاسَانَ،
فَوَرَدَ نَيْسَابُوْرَ فِي عَسْكَرٍ، مِنْهُم جَمَاعَةٌ
مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا
إِلَى مَرْوَ، وَمِنْهَا إِلَى جَيْحُوْنَ، وَفَتَحَ
بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَطَلْحَةَ.
رَوَى عَنْهُ: هَانِئُ بنُ هَانِئٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ.
أَخُوْهُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ سَيَأْتِي فِيمَا
بَعْدُ - إِنْ شَاءَ اللهُ - (2).
أَخُوْهُمَا:
83 - مَعْبَدُ بنُ عَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ
الهَاشِمِيُّ *
مِنْ صِغَارِ وَلَدِ العَبَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أُمِّ
الفَضْلِ.
لَهُ أَوْلاَدٌ؛ عَبْدُ اللهِ، وَعَبَّاسٌ،
وَمَيْمُوْنَةُ.
وَأُمُّهُم: أُمُّ جَمِيْلٍ عَامِرِيَّةٌ.
وَلَهُ: بَقِيَّةٌ، وَذُرِّيَّةٌ كَثِيْرَةٌ.
أَخُوْهُم:
__________
(1) مترجم في " الجرح والتعديل " 4 / 47.
(2) انظره في الصفحة (512).
* نسب قريش: 27، طبقات خليفة: ت 1974، المحبر: 107، 409،
455، التاريخ الصغير 1 / 52، أنساب الاشراف 3 / 66، جمهرة
أنساب العرب: 18، الاستيعاب: 1427، أسد الغابة 5 / 220،
تاريخ الإسلام 2 / 93، العقد الثمين 7 / 239، الإصابة 3 /
479.
(3/442)
84 - كَثِيْرُ بنُ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ
المُطَّلِبِ الهَاشِمِيُّ *
أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ.
تَابِعِيٌّ، يَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ، وَغَيْرِهِ.
وَكَانَ فَقِيْهاً، جَلِيْلاً، صَالِحاً، ثِقَةً.
لَهُ عَقِبٌ.
قَالَهُ: ابْنُ سَعْدٍ.
أَخُوْهُم:
85 - تَمَّامُ بنُ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ
الهَاشِمِيُّ **
مِنْ أُمِّ وَلَدٍ، وَهُوَ شَقِيْقُ كَثِيْرٍ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ تَمَّامٌ مِنْ أَشَدِّ أَهْلِ
زَمَانِهِ بَطْشاً (1) .
وَلَهُ أَوْلاَدٌ، وَأَوْلاَدُ أَوْلاَدٍ، فَانْقَرَضُوا،
وَآخِرُهُم: يَحْيَى بنُ جَعْفَرِ بنِ تَمَّامٍ، مَاتَ
زَمَن المَنْصُوْرِ، وَوَرِثَهُ أَعْمَامُ المَنْصُوْرِ،
فَأَطْلَقُوا المِيْرَاثَ كُلَّه لِعَبْدِ الصَّمَدِ بنِ
عَلِيٍّ (2).
أَخُوْهُم:
__________
(*) نسب قريش: 27، طبقات خليفة: ت 1975، المحبر: 56،
التاريخ الكبير 7 / 207، أنساب الاشراف 3 / 67 المعرفة
والتاريخ 1 / 361، الجرح والتعديل 7 / 153، جمهرة أنساب
العرب: 18، الاستيعاب: 1308، الجمع بين رجال الصحيحين 2 /
427، أسد الغابة 4 / 460، تهذيب الكمال: 1142، تاريخ
الإسلام 3 / 292، تذهيب التهذيب 3 / 167 ب، العقد الثمين 7
/ 90، الإصابة 3 / 310، تهذيب التهذيب 8 / 420، خلاصة
تذهيب الكمال: 272.
(* *) طبقات خليفة: ت 1976، المحبر: 56، 442، التاريخ
الكبير 2 / 157، أنساب الاشراف: 3 / 67، المعرفة والتاريخ
1 / 361، الاستيعاب: 159، أسد الغابة 1 / 253، الوافي
بالوفيات 10 / 396، العقد الثمين 3 / 381، الإصابة 1 /
186، تعجيل المنفعة: 43.
(1) ابن سعد 4 / 6.
(2) " أنساب الاشراف " 3 / 67.
(3/443)
86 - الفَضْلُ بنُ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ
المُطَّلِبِ الهَاشِمِيُّ *
وَأَخُوْهُم عَبْدُ اللهِ مَرَّ.
87 - سَعِيْدُ بنُ العَاصِ بنِ أَبِي أُحَيْحَةَ
الأُمَوِيُّ ** (م، س)
سَعِيْدِ بنِ العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ
عَبْدِ مَنَافٍ
__________
(*) هو الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف
القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ويكنى أبا محمد أو أبا عبد الله، وكان أسن ولد العباس،
وأمه أم الفضل لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية أخت
ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وغزا مع
رسول الله صلى الله عيله وسلم مكة وحنينا، وثبت يومئذ مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولى الناس، وشهد معه حجة
الوداع، وأردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي صحيح
مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم زوجه وأمهر عنه، وفي بعض
حديثه في حجة الوداع لما حجب وجهه عن الخثعمية: " رأيت
شابا وشابة، فلم آمن عليهما الشيطان "، وكان فيمن غسل
النبي صلى الله عليه وسلم، وولي دفنه.
مات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة من الهجرة في خلافة عمر
بن الخطاب، ولم يترك ولدا إلا أم كلثوم تزوجها الحسن بن
علي، ثم فارقها، فتزوجها أبو موسى الأشعري.
وهو مترجم في: طبقات ابن سعد 4 / 54 و7 / 399، نسب قريش:
25 / 28، طبقات خليفة: ت 2807، التاريخ الكبير 7 / 114،
التاريخ الصغير 1 / 36، الجرح والتعديل 7 / 63، أنساب
الاشراف 3 / 23، جمهرة أنساب العرب: 18، المستدرك 3 / 274،
الاستيعاب: 1269، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 411، تاريخ
ابن عساكر 14 / 117 ب، أسد الغابة 4 / 366، تهذيب الأسماء
واللغات 1 / 2 / 50، تهذيب الكمال: 1100، تاريخ الإسلام 1
/ 25، تذهيب التهذيب 3 / 138 ب، العقد الثمين 7 / 10،
الإصابة 3 / 208، تهذيب التهذيب 8 / 280، خلاصة تذهيب
الكمال: 263.
(1) في الصفحة (331).
* * طبقات ابن سعد 5 / 30، المحبر: 55، 150، 174، التاريخ
الكبير 3 / 502، أنساب الاشراف 4 / 433، معجم الطبراني 6 /
73، المعرفة والتاريخ 1 / 292، مشاهير علماء الأمصار: ت
446، الجرح والتعديل 4 / 48، تاريخ الطبري 5 / 293، مروج
الذهب 3 / 80، الاغاني 16 / 39، جمهرة أنساب العرب: 80
وفيه سعيد هو أبو أحيحة، الاستيعاب: 621، الجمع بين رجال
الصحيحين 1 / 174، تاريخ ابن عساكر 7 / 127 آ، أسد الغابة
2 / 391، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 218، تهذيب
الكمال: 497، تاريخ الإسلام 2 / 286، العبر =
(3/444)
بنِ قُصَيٍّ، وَالِدُ عَمْرِو بنِ سَعِيْدٍ
الأَشْدَقِ، وَوَالِدُ يَحْيَى، القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ،
المَدَنِيُّ، الأَمِيْرُ.
قُتِلَ أَبُوْهُ يَوْم بَدْرٍ مُشْرِكاً، وَخلَّفَ
سَعِيْداً طِفْلاً.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَهُ صُحْبَةٌ.
قُلْتُ: لَمْ يَرْوِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَعَائِشَةَ،
وَهُوَ مُقِلٌّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ، وَعُرْوَةُ، وَسَالِمُ بنُ
عَبْدِ اللهِ.
وَكَانَ أَمِيْراً، شَرِيْفاً، جَوَاداً، مُمَدَّحاً،
حَلِيماً، وَقُوراً، ذَا حَزْمٍ وَعَقْلٍ، يَصْلُحُ
لِلْخِلاَفَةِ.
وَلِيَ إِمْرَةَ المَدِيْنَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ
لِمُعَاوِيَةَ.
وَقَدْ وَلِي أَمْرَ الكُوْفَةِ لِعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ.
وَقَدِ اعْتَزَلَ الفِتْنَةَ، فَأَحْسَنَ، وَلَمْ
يُقَاتِلْ مَعَ مُعَاوِيَةَ.
وَلَمَّا صَفَا الأَمْرُ لِمُعَاوِيَةَ، وَفَدَ سَعِيْدٌ
إِلَيْهِ، فَاحْتَرَمَهُ، وَأَجَازَهُ بِمَالٍ جَزِيْلٍ.
وَلَمَّا كَانَ عَلَى الكُوْفَةِ، غَزَا طَبَرِسْتَانَ،
فَافْتَتَحَهَا.
وَفِيْهِ يَقُوْلُ الفَرَزْدَقُ:
تَرَى الغُرَّ الجَحَاجِحَ مِنْ قُرَيْشٍ ... إِذَا مَا
الأَمْرُ ذُو الحَدَثَانِ عَالاَ
قِيَاماً يَنْظُرُوْنَ إِلَى سَعِيْدٍ ... كَأَنَّهُمُ
يَرَوْنَ بِهِ هِلاَلاَ
__________
= 1 / 64، تذهيب التهذيب 2 / 22 آ، الوافي بالوفيات 15 /
227، البداية والنهاية 8 / 83، العقد الثمين 4 / 571،
الإصابة 2 / 47، تهذيب التهذيب 4 / 48، خلاصة تذهيب
الكمال: 118، شذرات الذهب 1 / 65، تهذيب ابن عساكر 6 /
133.
(1) البيتان في ديوانه: 615، 618، و" طبقات ابن سلام ":
321، و" الاغاني " 21 / 321، و" معجم الأدباء " 7 / 258،
و" نسب قريش ": 176، و" سيرة ابن هشام " 1 / 243، و" أنساب
الاشراف " 4 / 438، و" أمالي المرتضى " 1 / 296، وابن
عساكر 7 / 128 ب، و" خزانة الأدب " 3 / 74، و" تهذيب ابن
عساكر " 6 / 136.
والغر: جمع أغر: وهو الابيض الغرة، والجحاجح جمع جحجاح:
السيد السمح الكريم، والحدثان: ما يحدث من نوائب الدهر،
وعال: أثقل وفدح.
(3/445)
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِسَعِيْدٍ تِسْعُ
سِنِيْنَ أَوْ نَحْوُهَا.
وَلَمْ يَزَلْ فِي صَحَابَةِ عُثْمَانَ لِقَرَابَتِهِ
مِنْهُ، فَوَلاَّهُ الكُوْفَةَ لَمَّا عَزَلَ عَنْهَا
الوَلِيْدَ بنَ عُقْبَةَ، فَقَدِمَهَا وَهُوَ شَابٌّ
مُتْرَفٌ، فَأَضَرَّ بِأَهْلِهَا، فَوَلِيَهَا خَمْسَ
سِنِيْنَ إِلاَّ أَشْهُراً.
ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ أَهْلُهَا، وَطَرَدُوْهُ،
وَأَمَّرُوا عَلَيْهِم أَبَا مُوْسَى، فَأَبَى، وَجَدَّدَ
البَيْعَةَ فِي أَعْنَاقِهِم لِعُثْمَانَ، فَوَلاَّهُ
عُثْمَانُ عَلَيْهِم.
وَكَانَ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ يَوْمَ الدَّارِ مَعَ
المُقَاتِلَةِ عَنْ عُثْمَانَ.
وَلَمَّا سَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَنَزَلُوا
بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، قَامَ سَعِيْدٌ خَطِيباً، وَقَالَ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ عُثْمَانَ عَاشَ حَمِيداً،
وَذَهَبَ فَقِيداً شَهِيداً، وَقَدْ زَعَمْتُم أَنَّكُم
خَرَجْتُم تَطْلُبُوْنَ بِدَمِهِ، فَإِنْ كُنْتُم
تُرِيْدُوْنَ ذَا، فَإِنَّ قَتَلَتَهُ عَلَى هَذِهِ
المَطِيِّ، فَمِيْلُوا عَلَيْهِم.
فَقَالَ مَرْوَانُ: لاَ، بَلْ نَضْرِبُ بَعْضَهُم
بِبَعْضٍ.
فَقَالَ المُغِيْرَةُ: الرَّأْيُ مَا رَأَى سَعِيْدٌ.
وَمَضَى إِلَى الطَّائِفِ، وَانْعَزَلَ سَعِيْدٌ بِمَنِ
اتَّبَعَهُ بِمَكَّةَ، حَتَّى مَضَتِ الجَمَلُ وَصِفِّيْنُ
(1) .
قَالَ قَبِيْصَةُ بنُ جَابِرٍ: سَأَلُوا مُعَاوِيَةَ: مَنْ
تَرَى لِلأَمْرِ بَعْدَكَ؟
قَالَ: أَمَا كَرِيْمَةُ قُرَيْشٍ فَسَعِيْدُ بنُ
العَاصِ...، وَذَكَرَ جَمَاعَةً (2) .
ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ
يَزِيْدَ بنِ عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ
بنِ حَزْمٍ، قَالَ:
خَطَبَ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ أُمَّ كُلْثُوْمٍ بِنْتَ
عَلِيٍّ بَعْدَ عُمَرَ، وَبَعَثَ إِلَيْهَا بِمائَةِ
أَلْفٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَخُوْهَا الحُسَيْنُ،
وَقَالَ: لاَ تَزَوَّجِيْهِ.
فَقَالَ الحَسَنُ: أَنَا أُزَوِّجُهُ.
وَاتَّعَدُوا لِذَلِكَ، فَحَضَرُوا.
فَقَالَ سَعِيْدٌ: وَأَيْنَ أَبُو عَبْدِ اللهِ؟
فَقَالَ الحَسَنُ: سَأَكْفِيكَ.
قَالَ: فَلَعَلَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ
__________
(1) أورده ابن سعد في " الطبقات " 5 / 31، 35 بأطول مما
هنا.
(2) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 592، 593، وابن عساكر 7
/ 130.
(3/446)
كَرِهَ هَذَا.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: لاَ أَدْخُلُ فِي شَيْءٍ يَكْرَهُهُ.
وَرَجَعَ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنَ المَالِ شَيْئاً (1) .
قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّمَشْقِيُّ:
إِنَّ عَرَبِيَّةَ القُرْآنِ أُقِيمَتْ عَلَى لِسَانِ
سَعِيْدِ بنِ العَاصِ، لأَنَّهُ كَانَ أَشْبَهَهُم
لَهْجَةً بِرَسُوْلِ اللهِ (2) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -.
وَعَنِ الوَاقِدِيِّ: أَنَّ سَعِيْداً أُصِيْبَ
بِمَأْمُوْمَةٍ (3) يَوْمَ الدَّارِ، فَكَانَ إِذَا سَمِعَ
الرَّعْدَ، غُشِيَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ هُشَيْمٌ: قَدِمَ الزُّبَيْرُ الكُوْفَةَ،
وَعَلَيْهَا سَعِيْدُ بنُ العَاصِ، فَبَعَثَ إِلَى
الزُّبَيْرِ بِسَبْعِ مائَةِ أَلْفٍ، فَقَبِلَهَا.
وَقَالَ صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ
العَاصِ يَخِفُّ بَعْضَ الخِفَّةِ مِنَ المَأْمُوْمَةِ
الَّتِي أَصَابَتْهُ، وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَوْفَرِ
الرِّجَالِ وَأَحْلَمِهِ.
ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
كَانَ مَرْوَانُ يَسُبُّ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -
فِي الجُمَعِ، فَعُزِلَ بِسَعِيْدِ بنِ العَاصِ، فَكَانَ
لاَ يَسُبُّهُ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ إِذَا
قَصَدَهُ سَائِلٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ، قَالَ:
اكْتُبْ عَلَيَّ سِجِلاًّ بِمَسْأَلَتِكَ إِلَى
المَيْسَرَةِ.
وَذَكَرَ عَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ: أَنَّ سَعِيْدَ
بنَ العَاصِ اسْتَسْقَى مِنْ بَيْتٍ، فَسَقَوْهُ،
وَاتَّفَقَ أَنَّ صَاحِبَ المَنْزِلِ أَرَادَ بَيْعَهُ
لِدَيْنٍ عَلَيْهِ، فَأَدَّى عَنْهُ أَرْبعَةَ آلاَفِ
دِيْنَارٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَطْعَمَ النَّاسَ فِي قَحْطٍ حَتَّى
نَفِدَ مَا فِي بَيْتِ المَالِ، وَادَّانَ، فَعَزَلَهُ
مُعَاوِيَةُ.
__________
(1) أخرجه ابن عساكر 7 / 133 آ من طريق ابن سعد.
(2) أخرجه ابن أبي داود في " المصاحف ": 24 من طريق العباس
بن الوليد، حدثنا أبي، حدثنا سعيد بن عبد العزيز...
(3) المأمومة: الشجة التي بلغت أم الرأس، وهي الجلدة التي
تجمع الدماغ.
(3/447)
وَقِيْلَ: مَاتَ وَعَلَيْهِ ثَمَانُوْنَ
أَلْفَ دِيْنَارٍ.
وَعَنْ سَعِيْدٍ، قَالَ: القُلُوْبُ تَتَغَيَّرُ، فَلاَ
يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَكُوْنَ مَادِحاً اليَوْمَ
ذَامّاً غَداً.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: تُوُفِّيَ سَعِيْدُ بنُ
العَاصِ بِقَصْرِهِ بِالعَرصَةِ، عَلَى ثَلاَثَةِ
أَمْيَالٍ مِنَ المَدِيْنَةِ، وَحُمِلَ إِلَى البَقِيْعِ
فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
كَذَا أَرَّخَهُ: خَلِيْفَةُ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ مُسَدَّدٌ: مَاتَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ سَنَةَ
سَبْعٍ، أَوْ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: سَنَةَ ثَمَانٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّ عَمْرَو بنَ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ
الأَشْدَقَ سَارَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ إِلَى
مُعَاوِيَةَ، فَبَاعَهُ مَنْزِلَهُ وَبُسْتَانَهُ الَّذِي
بِالعَرصَةِ بِثَلاَثِ مائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
وَيُقَالُ: بِأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
قَالَهُ: الزُّبَيْرُ.
وَفِي ذَلِكَ المَكَانِ يَقُوْلُ عَمْرُو بنُ الوَلِيْدِ
بنِ عُقْبَةَ:
القَصْرُ ذُو النَّخْلِ وَالجُمَّارُ فَوْقَهُمَا ...
أَشْهَى إِلَى النَّفْسِ مِنْ أَبْوَابِ جَيْرُوْنَ (1)
وَقَدْ كَانَ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ أَحَدَ مَنْ نَدَبَه
عُثْمَانُ لِكِتَابَةِ المُصْحَفِ؛
__________
(1) الجمار: شحم النخل، واحدته جمارة، ورواية مصعب الزبيري
في " نسب قريش ": 177، وابن عساكر 7 / 135 ب: القصر ذو
النخل بالجماء فوقهما * أشهى إلى القلب من أبواب جيرون
ورواه صاحب " الاغاني " 1 / 8 و11، وياقوت في " معجم
البلدان " 2 / 159: القصر فالنخل فالجماء بينهما * أشهى
إلى القلب من أبواب جيرون وعلق عليه أبو الفرج فقال: القصر
الذي عناه ها هنا: قصر سعيد بن العاص بالعرصة، والنخل الذي
عناه: نخل كان لسعيد بين قصره وبين الجماء، وهي أرض كانت
له.
(3/448)
لِفَصَاحَتِهِ، وَشَبَهِ لَهْجَتِهِ
بِلَهْجَةِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- (1).
فَأَمَّا ابْنُهُ:
88 - عَمْرٌو الأَشْدَقُ بنُ العَاصِ الأُمَوِيُّ *
فَمِنْ سَادَةِ بَنِي أُمَيَّةَ.
اسْتَخْلَفَهُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ عَلَى
دِمَشْقَ لَمَّا سَارَ لِيَمْلِكَ العِرَاقَ، فَتَوَثَّبَ
عَمْرٌو عَلَى دِمَشْقَ، وَبَايَعُوْهُ.
فَلَمَّا تَوَطَّدَتِ العِرَاقُ لِعَبْدِ المَلِكِ،
وَقُتِلَ مُصْعَبٌ، رَجَعَ، وَحَاصَرَ عَمْراً بِدِمَشْقَ،
وَأَعْطَاهُ أَمَاناً مُؤَكَّداً، فَاغْتَرَّ بِهِ
عَمْرٌو.
ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ، غَدَرَ بِهِ، وَقَتَلَهُ،
وَخَرَجَتْ أُخْتُهُ تَنْدُبُهُ، وَهِيَ زَوْجَةُ
الوَلِيْدِ، فَقَالَتْ (2) :
أيَا عَيْنُ جُودِي بِالدُّمُوعِ عَلَى عَمْرِو ...
عَشِيَّةَ تُبْتَزُّ الخِلاَفَةُ بِالغَدْرِ
__________
(1) أخرجه البخاري 9 / 14، 19 في فضائل القرآن: باب جمع
القرآن من طريق موسى ابن إسماعيل، عن إبراهيم بن سعد، عن
الزهري، عن أنس بن مالك، وأخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق
" 1 / 590 من طريق الحكم بن نافع، عن شعيب بن أبي حمزة، عن
الزهري، عن أنس.
(*) نسب قريش: 175 وما بعدها، طبقات خليفة: ت 53، 2811،
المحبر: 104، 304، 377، التاريخ الكبير 6 / 338، التاريخ
الصغير 1 / 159، الجرح والتعديل 6 / 236، تاريخ الطبري 5 /
474، مروج الذهب 3 / 303، أنساب الاشراف 4 / 441، جمهرة
أنساب العرب: 81، الاستيعاب: 1177، تاريخ ابن عساكر 13 /
226 ب، الكامل 4 / 297، تهذيب الكمال: 1035، تاريخ الإسلام
3 / 57، تذهيب التهذيب 3 / 98 ب، البداية والنهاية 8 /
310، العقد الثمين 6 / 389، الإصابة 3 / 175، تهذيب
التهذيب 8 / 37، خلاصة تذهيب الكمال: 245.
(2) نسبها في " مروج الذهب " 6 / 218، 219 لاخت عمرو،
ونسبها البلاذري: 4 / 449، وابن عساكر 13 / 229 ب إلى يحيى
بن الحكم، وتابعهما على ذلك المصنف في
" تاريخ الإسلام " 3 / 58، وقال البلاذري، ويقال: بشر بن
مروان، وهي غير منسوبة في " الاخبار الطوال ": 287.
(3/449)
غَدَرْتُم بِعَمْرٍو يَا بَنِي خَيْطِ
بَاطِلٍ ... وَكُلُّكُم يَبْنِي البُيُوْتَ عَلَى غَدْرِ
(1)
وَمَا كَانَ عَمْرٌو غَافِلاً غَيْرَ أَنَّهُ ... أَتَتْهُ
المَنَايَا غَفْلَةً وَهُوَ لاَ يَدْرِي
كَأَنَّ بَنِي مَرْوَانَ إِذْ يَقْتُلُوْنَهُ ... خِشَاشٌ
مِنَ الطَّيْرِ اجْتَمَعْنَ عَلَى صَقْرِ (2)
لَحَى اللهُ دُنْيَا تُعقِبُ النَّارَ أَهْلَهَا ...
وَتَهْتِكُ مَا بَيْنَ القَرَابَةِ مِنْ سِتْرِ (3)
أَلاَ يَا لَقَوْمِي لِلْوَفَاءِ وَلِلْغَدْرِ ...
وَلِلْمُغْلِقِيْنَ البَابَ قَسْراً عَلَى عَمْرِو
فَرُحْنَا وَرَاحَ الشَّامِتُونَ عَشِيَّةً ... كَأَنَّ
عَلَى أَعْنَاقِهِم فِلَقَ الصَّخْرِ
وَقَدْ كَانَ عَمْرٌو كَتَبَ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ
بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ:
يُرِيْدُ ابْنُ مَرْوَانٍ أُمُوْراً أَظُنُّهَا ...
سَتَحْمِلُهُ مِنِّي عَلَى مَرْكَبٍ صَعْبِ
أَتَنْقُضُ عَهْداً كَانَ مَرْوَانُ شَدَّهُ ... وَأَكَّدَ
فِيْهِ بِالقَطِيعَةِ وَالكِذْبِ
فَقَدَّمَهُ قَبْلِي وَقَدْ كُنْتُ قَبْلَهُ ... وَلَوْلاَ
انْقِيَادِي كَانَ كَرْباً مِنَ الكَرْبِ
وَكَانَ الَّذِي أَعْطَيْتُ مَرْوَانَ هَفْوَةً ...
عُنِيتُ بِهَا رَأْياً وَخَطْباً مِنَ الخَطْبِ
فَإِنْ تُنْفِذُوا الأَمْرَ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا ...
فَنَحْنُ جَمِيْعاً فِي السُّهُولِ وَفِي الرَّحْبِ
وَإِنْ تُعْطِهَا عَبْدَ العَزِيْزِ ظُلاَمَةً ...
فَأَوْلَى بِهَا مِنَّا وَمِنْهُ بَنُو حَرْبِ
89 - الهِرْمَاسُ بنُ زِيَادِ بنِ مَالِكٍ أَبُو حُدَيْرٍ
البَاهِلِيُّ (د، ق)
__________
(1) رواية الشطر الثاني في ابن عساكر: وأنتم ذوو قربائه
وذوو صهر
(2) خشاش الطير: شرارها وما لا يصيد منها، وفي " أنساب
الاشراف "، وابن عساكر: " بغاث الطير "، والبغاث: كل طائر
ليس من جوارح الطير.
(3) رواية البلاذري وابن عساكر: وتهتك ما دون المحارم من
ستر.
(*) طبقات ابن سعد 5 / 553، طبقات خليفة: ت 299، 2683،
التاريخ الكبير 8 / 246، الجرح والتعديل 9 / 118،
الاستيعاب: 1548، أسد الغابة 5 / 393، تهذيب الكمال: 1435،
تاريخ الإسلام 3 / 309، تذهيب التهذيب 4 / 112 ب، مجمع
الزوائد 9 / 408، الإصابة 3 / 600، تهذيب التهذيب 11 / 28،
خلاصة تذهيب الكمال: 351.
(3/450)
عِدَادُهُ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ.
رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَخْطُبُ بِمِنَىً عَلَى بَعِيْرٍ.
عُمِّرَ دَهْراً.
حَدَّثَ عَنْهُ: حَنْبَلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَعِكْرِمَةُ
بنُ عَمَّارٍ.
وَقَعَ لِي حَدِيثُهُ عَالِياً.
قَالَ أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ (1) : حَدَّثَنَا
عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، عَنِ الهِرْمَاسِ بنِ زِيَادٍ،
قَالَ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَوْم النَّحْرِ يَخْطُبُ عَلَى نَاقَتِهِ العَضْبَاءِ (2)
.
قُلْتُ: أَظُنُّ الهِرْمَاسَ بَقِيَ حَيّاً إِلَى حُدُوْدِ
سَنَةِ تِسْعِيْنَ.
90 - قُدَامَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ
الكِلاَبِيُّ العَامِرِيُّ * (د، س، ق)
عِدَادُهُ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ لَهُم
رُؤْيَةٌ، رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَرْمِي الجِمَارَ.
كَنَّاهُ أَبُو العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيُّ: أَبَا
عِمْرَانَ.
رَوَى: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَجَمَاعَةٌ، عَنْ
أَيْمَنَ (3) بنِ نَابِلٍ؛ عَنْ قُدَامَةَ بنِ عَبْدِ
اللهِ، قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَرْمِي الجَمْرَةَ عَلَى نَاقَةٍ صَهْبَاءَ،
لاَ ضَرْبَ، وَلاَ طَرْدَ، وَلاَ جَلْدَ، وَلاَ إِلَيْكَ
إِلَيْكَ (4).
__________
(1) تحرف في المطبوع إلى " الغندي " واسم أبي عامر: عبد
الملك بن عمرو القيسي.
(2) إسناده حسن، وأخرجه أبو داود (1954) في المناسك، وأحمد
3 / 485 و5 / 7، وابن سعد 5 / 553، من طرق عن عكرمة بن
عمار، عن الهرماس بن زياد.
(*) طبقات خليفة: ت 415، التاريخ الكبير 7 / 178، جمهرة
أنساب العرب: 288، الاستيعاب: 1279، أسد الغابة 4 / 393،
تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 60، تهذيب الكمال: 1126،
تاريخ الإسلام 3 / 291، تذهيب التهذيب 3 / 158 آ، العقد
الثمين 7 / 71، الإصابة 3 / 227، تهذيب التهذيب 8 / 364،
خلاصة تذهيب الكمال: 268.
(3) تحرف في المطبوع إلى " أعين ".
(4) إسناده حسن، وأخرجه الترمذي (903) في الحج: باب ما جاء
في كراهية طرد =
(3/451)
كَانَ قُدَامَةُ يَكُوْنُ بِنَجْدٍ.
عَاشَ إِلَى بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ.
وَمَا عَلِمْتُ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ سِوَى أَيْمَنَ
الحَبَشِيِّ المَكِّيِّ (1) ، وَالحَدِيْثُ: فَفِي (سُنَنِ
النَّسَائِيِّ)، وَ(التِّرْمِذِيِّ)، وَ(القَزْوِيْنِيِّ)،
وَفِي (مُسْنَدِ الإِمَامِ)، وَيَقَعُ لَنَا بِالإِجَازَةِ
العَالِيَةِ.
91 - سُفْيَانُ بنُ وَهْبٍ الخَوْلاَنِيُّ أَبُو أَيْمَن
المِصْرِيُّ *
الصَّحَابِيُّ، المُعَمَّرُ، أَبُو أَيْمَن
الخَوْلاَنِيُّ، المِصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِحَدِيْثٍ فِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ بنِ
حَنْبَلٍ)، وَ(بَقِيٍّ) (2).
__________
= الناس عند رمي الجمار، والنسائي 5 / 270 في الحج: باب
الركوب إلى الجمار، وابن ماجه (3035) في الحج: باب رمي
الجمار راكبا، وأحمد 3 / 412 و413، والدارمي 2 / 62.
(1) ذكر ابن حجر في " الإصابة " 3 / 277 أن ممن روى عنه
أيضا: حميد بن كلاب، وقال: وفيه تعقب على قول مسلم،
والحاكم، والازدي، وغيرهم أن أيمن تفرد بالرواية عنه.
* طبقات ابن سعد 7 / 440، التاريخ الكبير 4 / 87، المعرفة
والتاريخ 2 / 487، الجرح والتعديل 4 / 217، مشاهير علماء
الأمصار: ت 922، تاريخ ابن عساكر 7 / 191 آ، أسد الغابة 2
/ 410، تاريخ الإسلام 3 / 251، الوافي بالوفيات 15 / 282،
الإصابة 2 / 58، تعجيل
المنفعة: 106، تهذيب ابن عساكر 6 / 187.
(2) هو في " المسند " 4 / 168 من طريق ابن لهيعة، حدثني
أبوعشانة، أن سفيان بن وهب الخولاني حدثه، إنه كان تحت ظل
راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم حجة الوداع، أو
أن رجلا حدثه ذلك، رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل بلغت ؟ " فظننا
أنه يريدنا، فقلنا: نعم، ثم أعاده ثلاث مرات، وقال فيما
يقول: " روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وغدوة
في سبيل الله، خير من الدنيا وما عليها، وإن المؤمن على
المؤمن حرام، عرضه وماله ونفسه، حرمة كحرمة هذا اليوم "،
وابن لهيعة ضعيف، وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه الطبراني (6404) من طريق ابن وهب، عن عمرو بن
الحارث، عن أبي عشانة، عن سفيان ابن وهب، دون قوله " وإن
المؤمن..." ورجاله ثقات.
وفي الباب عن أنس بلفظ " غدوة في سبيل الله أو روحة، خير
من الدنيا وما فيها ".
وعن سهل بن سعد متفق عليهما، وعن أبي هريرة عند مسلم، وعن
ابن عباس عند الترمذي.
(3/452)
وَحَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَالزُّبَيْرِ.
وَغَزَا المَغْرِبَ زَمَنَ عُثْمَانَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عُشَّانَةَ المَعَافِرِيُّ، وَبَكْرُ
بنُ سَوَادَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ،
وَالمُغِيْرَةُ بنُ زِيَادٍ، وَآخَرُوْنَ.
لَهُ أَحَادِيْثُ يَسِيْرَةٌ.
وَقَدْ طَلَبَهُ صَاحِبُ مِصْرَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ
مَرْوَانَ لِيُحَدِّثَهُ، فَأُتِيَ بِهِ مَحْمُوْلاً مِنَ
الكِبَرِ.
عَدَّهُ فِي الصَّحَابَةِ: أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ،
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ
يُوْنُسَ، وَغَيْرُهُم.
وَأَمَّا ابْنُ سَعْدٍ، وَالبُخَارِيُّ، فَذَكَرَاهُ فِي
التَّابِعِيْنَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -.
وَقَدْ شَهِدَ حَجَّةَ الوَدَاعِ - فِيْمَا قِيْلَ -.
أَرَّخَ المُسَبِّحِيُّ وَفَاتَهُ: سَنَةَ إِحْدَى
وَتِسْعِيْنَ.
92 - غُضَيْفُ بنُ الحَارِثِ بنِ زُنَيْمٍ السَّكُوْنِيُّ
* (د، س، ق)
أَبُو أَسْمَاءَ السَّكُوْنِيُّ، الكِنْدِيُّ،
الشَّامِيُّ.
عِدَادُهُ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَلَهُ رِوَايَةٌ.
وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: عُمَرَ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ،
وَبِلاَلٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءَ،
وَطَائِفَةٍ.
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 429، 443، طبقات خليفة: ت 2899،
الجرح والتعديل 7 / 54، الاستيعاب: 1254، تاريخ ابن عساكر
14 / 66 ب، أسد الغابة 4 / 340، تهذيب الكمال: 1091، تاريخ
الإسلام 3 / 201، تذهيب التهذيب 3 / 134 آ، الإصابة 3 /
186، تهذيب التهذيب 8 / 248، خلاصة تذهيب الكمال: 261.
(3/453)
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ، وَحَبِيْبُ بنُ عُبَيْدٍ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ عَائِذٍ، وَمَكْحُوْلٌ، وَعُبَادَةُ بنُ
نُسَيٍّ، وَسُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ، وَشُرَحْبِيْلُ بنُ
مُسْلِمٍ، وَأَبُو رَاشِدٍ الحُبْرَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
سَكَنَ حِمْصَ.
خَيْثَمَةُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ
الحَمِيْدِ، حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ يَزِيْدَ
الثُّمَالِيُّ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ أَبِي رَزِيْنٍ
الثُّمَالِيُّ، سَمِعْتُ غُضَيْفَ بنَ الحَارِثِ، قَالَ:
كُنْتُ صَبِيّاً أَرْمِي نَخْلَ الأَنْصَارِ، فَأَتَوْا
بِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَمَسَحَ بِرَأْسِي، وَقَالَ: (كُلْ مَا سَقَطَ، وَلاَ
تَرْمِ نَخْلَهُم (1)).
مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: عَنْ يُوْنُسَ بنِ سَيْفٍ، عَنْ
غُضَيْفِ بنِ الحَارِثِ الكِنْدِيِّ:
أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَاضِعاً يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى
فِي الصَّلاَةِ (2) .
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ بُرْدٍ أَبِي العَلاَءِ، عَنْ
عُبَادَةَ بنِ نُسَيٍّ، عَنْ غُضَيْفِ بنِ الحَارِثِ:
أَنَّهُ مَرَّ بِعُمَرَ، فَقَالَ: نِعْمَ الفَتَى
غُضَيْفٌ، فَلِقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ:
يَا أَخِي! اسْتَغْفِرْ لِي.
قُلْتُ: أَنْتَ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تَسْتَغْفِرَ
لِي.
قَالَ: إِنِّيْ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُوْلُ: نِعْمَ الفَتَى
غُضَيْفٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّ اللهَ ضَرَبَ الحَقَّ عَلَى
لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ) (3).
__________
(1) العلاء بن يزيد ترجمه ابن أبي حاتم 6 / 362 فلم يذكر
فيه جرحا ولا تعديلا، وباقي رجاله ثقات.
وهو عند ابن عساكر 14 / 67 آ.
(2) رجاله ثقات، وسنده قوي.
وهو في " المسند " 4 / 105 و5 / 290، وابن سعد 7 / 429،
وابن عساكر 14 / 67 آ.
(3) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 5 / 145 من طريق يونس وعفان،
بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد 5 / 165 و177، وأبو داود
(2962)، وابن ماجه (108) من طريق ابن إسحاق، عن مكحول، عن
غضيف، عن أبي ذر، وصححه الحاكم 3 / 86، 87 ووافقه الذهبي.
(3/454)
رَوَى: مَكْحُوْلٌ؛ عَنْ غُضَيْفٍ،
نَحْوَهُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: لَهُ صُحْبَةٌ.
قَالَ أَبِي، وَأَبُو زُرْعَةَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ
غُضَيْفُ بنُ الحَارِثِ، وَلَهُ صُحْبَةٌ.
وَقِيْلَ فِيْهِ: الحَارِثُ بنُ غُضَيْفٍ (1) .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : غُضَيْفُ بنُ الحَارِثِ
ثِقَةٌ، فِي الطَّبَقَةِ الأُوْلَى مِنْ تَابِعِي أَهْلِ
الشَّامِ.
أَبُو اليَمَانِ: عَنْ صَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ
غُضَيْفَ بنَ الحَارِثِ كَانَ يَتَوَلَّى لَهُم صَلاَةَ
الجُمُعَةِ إِذَا غَابَ خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ
مُعَاوِيَةَ (3) .
بَقِيَّةُ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ
حَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ غُضَيْفٍ، قَالَ:
بَعَثَ إِلَيَّ عَبْدُ المَلِكِ، فَقَالَ: يَا أَبَا
أَسْمَاءَ! قَدْ جَمَعْنَا النَّاسَ عَلَى أَمْرَيْنِ:
رَفْعِ الأَيْدِي عَلَى المَنَابِرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ،
وَالقَصَصِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالعَصْرِ.
قَالَ غُضَيْفٌ: أَمَا إِنَّهُمَا أَمْثَلُ بِدْعَتِكُم
عِنْدِي، وَلَسْتُ مُجِيْبَكَ إِلَيْهِمَا.
قَالَ: لِمَ؟
قَالَ: لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَا أَحْدَثَ قَوْمٌ بِدْعَةً إِلاَّ
رُفِعَ مِثْلُهَا مِنَ السُّنَّةِ).
رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (المُسْنَدِ (4)).
قَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ سُمَيْعٍ: غُضَيْفُ بنُ
الحَارِثِ الثُّمَالِيُّ مِنَ الأَزْدِ، حِمْصِيٌّ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ.
__________
(1) " الجرح والتعديل " 7 / 54، 55.
(2) في " الطبقات " 7 / 443.
(3) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 603.
(4) 4 / 105، وإسناده ضعيف لتدليس بقية، ولضعف أبي بكر بن
عبد الله وهو ابن أبي مريم الغساني، وهو عند ابن عساكر 14
/ 69 ب.
(3/455)
93 - عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَبِي
طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ * (ع)
عَبْدِ مَنَافٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ.
السَّيِّدُ، العَالِمُ، أَبُو جَعْفَرٍ القُرَشِيُّ،
الهَاشِمِيُّ، الحَبَشِيُّ المَوْلِدِ، المَدَنِيُّ
الدَّارِ، الجَوَادُ ابْنُ الجَوَادِ ذِي الجَنَاحَيْنِ.
لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ، عِدَادُهُ فِي صِغَارِ
الصَّحَابَةِ.
اسْتُشْهِدَ أَبُوْهُ يَوْمَ مُؤْتَةَ، فَكَفِلَهُ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَشَأَ
فِي حَجْرِهِ.
وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: عَمِّهِ؛ عَلِيٍّ، وَعَنْ أُمِّهِ؛
أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ إِسْمَاعِيْلُ، وَإِسْحَاقُ،
وَمُعَاوِيَةُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ، وَسَعْدُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ أَبِي
مُلَيْكَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعُرْوَةُ، وَعَبَّاسُ بنُ
سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
عَقِيْلٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحِبَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ.
وَلَهُ وِفَادَةٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَعَلَى عَبْدِ
المَلِكِ.
وَكَانَ كَبِيْرَ الشَّأْنِ، كَرِيْماً، جَوَاداً،
يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ.
__________
(*) نسب قريش: 81، 82، طبقات خليفة: ت 823، 1484، المحبر:
55، 148، 149، 293، التاريخ الكبير 5 / 7، التاريخ الصغير
1 / 197، المعرفة والتاريخ 1 / 242، الكنى 1 / 66، الجرح
والتعديل 5 / 21، المستدرك 3 / 566، جمهرة أنساب العرب:
68، الاستيعاب: 880، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 239،
تاريخ ابن عساكر 9 / 27 ب، أسد الغابة 3 / 198، تهذيب
الأسماء واللغات 1 / 1 / 263، تهذيب الكمال: 670، تاريخ
الإسلام 3 / 163، العبر 1 / 91، تذهيب التهذيب 2 / 135 آ،
البداية والنهاية 9 / 33، العقد الثمين 5 / 120، الإصابة 2
/ 289، تهذيب التهذيب 5 / 170، المطالب العالية 4 / 105،
خلاصة تذهيب الكمال: 163، شذرات الذهب 1 / 87.
(3/456)
مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ، عَنِ
الحَسَنِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ،
قَالَ:
أَرْدَفَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ
حَدِيثاً لاَ أُحَدِّثُ بِهِ أَحَداً، فَدَخَلَ حَائِطاً،
فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَنَّ، وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ
(1) .
ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي
حَمَلَةَ، قَالَ:
وَفَدَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ عَلَى يَزِيْدَ،
فَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفَي أَلْفٍ (2) .
قُلْتُ: مَا ذَاكَ بِكِثِيْرٍ، جَائِزَةُ مَلِكِ
الدُّنْيَا لِمَنْ هُوَ أَوْلَى بِالخِلاَفَةِ مِنْهُ.
قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: هَاجَرَ جَعْفَرٌ إِلَى
الحَبَشَةِ؛ فَوَلَدَتْ لَهُ أَسْمَاءُ: عَبْدَ اللهِ،
وَعَوْناً (3) ، وَمُحَمَّداً (4) .
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ،
عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ
بَايَعَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَهُمَا ابْنَا سَبْعِ سِنِيْنَ.
فَلَمَّا رَآهُمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - تَبَسَّمَ، وَبَسَطَ يَدَهُ، وَبَايَعَهُمَا
(5) .
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ: عَنِ
الحَسَنِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
__________
(1) إسناده صحيح على شرط مسلم، وتمامه: فأتاه النبي صلى
الله عليه وسلم، فمسح ذفراه، فسكت، فقال: " من رب هذا
الجمل ؟ لمن هذا الجمل ؟ " فجاء فتى من الانصار، فقال: لي
يا رسول الله، فقال: " أفلا تتقي الله في البهيمة التي
ملكك الله إياها ؟ فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه " أخرجه
أحمد 1 / 204، 205، وأبو داود (2549)، وصححه الحاكم 2 /
99، 100، ووافقه الذهبي.
وهو في " تاريخ ابن عساكر " 9 / 28 آ.
(2) ابن عساكر 9 / 28 آ.
(3) تحرف في المطبوع إلى " عوف ".
(4) " نسب قريش ": 80.
(5) " المستدرك " 3 / 566، 567، وابن عساكر 9 / 31 آ.
وإسماعيل بن عياش ضعيف في رواية عن غير أهل بلده، وهذا
منها.
(3/457)
بنِ جَعْفَرٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَتَاهُم بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُم بِقَتْلِ جَعْفَرٍ بَعْدَ
ثَالِثَةٍ، فَقَالَ: (لاَ تَبْكُوا أَخِي بَعْدَ
اليَوْمِ).
ثُمَّ قَالَ: (ائْتُوْنِي بِبَنِي أَخِي).
فَجِيْءَ بِنَا كَأَنَّنَا أَفْرُخٌ، فَقَالَ: (ادْعُوا
لِيَ الحَلاَّقَ).
فَأَمَرَهُ، فَحَلَقَ رُؤُوْسَنَا، ثُمَّ قَالَ: (أَمَا
مُحَمَّدٌ؛ فَشِبْهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا
عَبْدُ اللهِ؛ فَشِبْهُ خَلْقِي وَخُلُقِي).
ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَأَشَالَهَا، ثُمَّ قَالَ:
(اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَراً فِي أَهْلِهِ، وَبَارِكْ
لِعَبْدِ اللهِ فِي صَفْقَتِهِ).
قَالَ: فَجَاءتْ أُمُّنَا، فَذَكَرَتْ يُتْمَنَا، فَقَالَ:
(العَيْلَةَ تَخَافِيْنَ عَلَيْهِم وَأَنَا وَلِيُّهُم فِي
الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؟).
رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنِدِهِ (1)).
وَرَوَى أَيْضاً: لِعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ مُوَرِّقٍ
العِجْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، قَالَ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، تُلُقِّيَ بِالصِّبْيَانِ
مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنَّهُ قَدِمَ مَرَّةً مِنْ
سَفَرٍ، فَسُبِقَ بِي إِلَيْهِ، فَحَمَلَنِي بَيْنَ
يَدَيْهِ، ثُمَّ جِيْءَ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ،
فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ، فَدَخَلْنَا المَدِيْنَةَ
ثَلاَثَةً عَلَى دَابَّةٍ (2) .
فِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَمْرِو بنِ
حُرَيْثٍ، قَالَ:
مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ وَهُوَ يَلْعَبُ
بِالتُّرَابِ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي
تِجَارَتِهِ (3)).
قَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سَلَّمَ
عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، قَالَ:
__________
(1) 1 / 204 من طريق وهب بن جرير، عن أبيه بهذا الإسناد
وهو قوي، وأخرجه مختصرا أبو داود (4192) والنسائي 8 / 182،
وهو عند ابن عساكر 9 / 30 ب.
(2) أخرجه أحمد 1 / 203، ومسلم (2428) في فضائل الصحابة:
باب فضائل عبد الله ابن جعفر رضي الله عنهما.
وهو عند ابن عساكر 9 / 31 ب.
(3) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 286، وقال: رواه أبو
يعلى والطبراني، ورجالهما ثقات، وهو عند ابن عساكر 9 / 32
آ.
(3/458)
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي
الجَنَاحَيْنِ (1) .
عَنْ أَبَانَ بنِ تَغْلِبَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا:
أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ قَدِمَ عَلَى
مُعَاوِيَةَ، وَكَانَتْ لَهُ مِنْهُ وِفَادَةٌ فِي كُلِّ
سَنَةٍ، يُعْطِيهِ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ، وَيَقْضِي لَهُ
مائَةَ حَاجَةٍ.
قِيْلَ: إِنَّ أَعْرَابِيّاً قَصَدَ مَرْوَانَ، فَقَالَ:
مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ، فَعَلَيْكَ بِعَبْدِ اللهِ بنِ
جَعْفَرٍ.
فَأَتَى الأَعْرَابِيُّ عَبْدَ اللهِ، فَأَنْشَأَ
يَقُوْلُ:
أَبُو جَعْفَرٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نُبُوَّةٍ ...
صَلاَتُهُمُ لِلْمُسْلِمِيْنَ طُهُوْرُ
أَبَا جَعْفَرٍ! ضَنَّ الأَمِيْرُ بِمَالِهِ ... وَأَنْتَ
عَلَى مَا فِي يَدَيْكَ أَمِيْرُ
أَبَا جَعْفَرٍ! يَا ابْنَ الشَّهِيْدِ الَّذِي لَهُ ...
جَنَاحَانِ فِي أَعْلَى الجِنَانِ يَطِيرُ
أَبَا جَعْفَرٍ! مَا مِثْلُكَ اليَوْمَ أَرْتَجِي ...
فَلاَ تَتْرُكَنِّي بِالفَلاَةِ أَدُوْرُ
فَقَالَ: يَا أَعْرَابِيُّ! سَارَ الثَّقَلُ، فَعَلَيْك
بِالرَّاحِلَةِ بِمَا عَلَيْهَا، وَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعَ
عَنِ السَّيْفِ، فَإِنِّي أَخَذْتُهُ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ
(2) .
وَيُرْوَى: أَنَّ شَاعِراً جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ
جَعْفَرٍ، فَأَنْشَدَهُ:
رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ فِي المَنَامِ ... كَسَانِي مِنُ
الخَزِّ دُرَّاعَهْ
شَكَوْتُ إِلَى صَاحِبِي أَمْرَهَا ... فَقَالَ: سَتُوْتَى
بِهَا السَّاعَهْ
سَيَكْسُوْكَهَا المَاجِدُ الجَعْفَرِيُّ ... وَمَنْ
كَفُّهُ الدَّهْرَ نَفَّاعَهْ
وَمَنْ قَالَ لِلْجُودِ: لاَ تَعْدُنِي ... فَقَالَ لَهُ:
السَّمْعُ وَالطَّاعَهْ
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ لِغُلاَمِهِ: أَعْطِهِ جُبَّتِي
الخَزَّ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ: وَيْحَكَ! كَيْفَ لَمْ تَرَ جُبَّتِي
الوَشْيَ؟ اشْتَرَيْتُهَا بِثَلاَثِ مائَةِ دِيْنَارٍ
مَنْسُوجَةً بِالذَّهَبِ.
فَقَالَ: أَنَامُ،
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 62.
(2) الخبر مع الابيات في ابن عساكر 9 / 34 ب، 35 آ، وزاد
بعد البيت الثاني: أبا جعفر إن الحجيج ترحلوا * وليس لرحلي
فاعلمن بعير
(3/459)
فَلَعَلَّي أَرَاهَا.
فَضَحِكَ عَبْدُ اللهِ، وَقَالَ: ادْفَعُوْهَا إِلَيْهِ
(1) .
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَ عَلَى قُرَيْشٍ وَأَسَدٍ
وَكِنَانَةَ يَوْمَ صِفِّيْنَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ.
حَمَّادُ بنُ يَزِيْدَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ
مُحَمَّدٍ، قَالَ:
مَرَّ عُثْمَانُ بِسَبْخَةٍ، فَقَالَ: لِمَنْ هَذِهِ؟
فَقِيْلَ: اشْتَرَاهَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ
بِسِتِّيْنَ أَلْفاً.
فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّهَا لِي بِنَعْلٍ.
فَجَزَّأَهَا عَبْدُ اللهِ ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ؛
وَأَلْقَى فِيْهَا العُمَّالَ، ثُمَّ قَالَ عُثْمَانُ
لِعَلِيٍّ: أَلاَ تَأْخُذُ عَلَى يَدَيِ ابْنِ أَخِيْكَ،
وَتَحْجُرُ عَلَيْهِ؟ اشْتَرَى سَبْخَةً بِسِتِّيْنَ
أَلْفاً.
قَالَ: فَأَقبَلْتُ.
فَرَكِبَ عُثْمَانُ يَوْماً، فَرَآهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ،
فَقَالَ: وَلِّنِي جُزْأَيْنِ مِنْهَا.
قَالَ: أَمَا وَاللهِ دُوْنَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيَّ مَنْ
سَفَّهْتَنِي (2) عِنْدَهُم، فَيَطْلُبُوْنَ إِلَيَّ
ذَلِكَ، فَلاَ أَفْعَلُ.
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ: أَنِّي قَدْ فَعَلْتُ.
قَالَ: وَاللهِ لاَ أَنْقُصُكَ جُزْأَيْنِ مِنْ مائَةِ
أَلْفٍ وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهَا (3) .
وَعَنِ العُمَرِيِّ: أَنَّ ابْنَ جَعْفَرٍ أَسْلَفَ
الزُّبَيْرَ أَلْفَ أَلْفٍ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ الزُّبَيْرُ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ
لابْنِ جَعْفَرٍ: إِنِّيْ وَجَدْتُ فِي كُتُبِ الزُّبَيْرِ
أَنَّ لَهُ عَلَيْكَ أَلْفَ أَلْفٍ.
قَالَ: هُوَ صَادِقٌ.
ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدُ، فَقَالَ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ!
وَهِمْتُ؛ المَالُ لَكَ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَهُوَ لَهُ.
قَالَ: لاَ أُرِيْدُ ذَلِكَ (4).
__________
(1) الخبر والابيات في ابن عساكر 9 / 35 آ.
(2) تحرف في المطبوع إلى " سفهني ".
(3) ابن عساكر 9 / 35 ب.
(4) وتمامه عند ابن عساكر 9 / 35 ب: قال: فاختر إن شئت،
فهو له، وإن كرهت ذلك، فلك فيه نظرة ما شئت، فإن لم ترد
ذلك، فبعني من ماله ما شئت، فقال: أبيعك، ولكن أقوم، فقوم
الاموال، ثم أتاه، فقال: أحب أن لا يحضرني وإياك أحد، فقال
عبد الله: يحضرنا الحسن والحسين، فيشهدان لك، فقال: ما أحب
أن يحضرنا أحد، قال: انطلق، فمضى معه، فأعطاه خرابا وسباخا
لاعمارة له وقومه عليه، حتى إذا فرغ، قال عبد الله لغلامه:
ألق لي في هذا الموضع مصلى، فألقى له في أغلظ موضع من تلك
المواضع مصلى، =
(3/460)
عَنِ الأَصْمَعِيِّ: أَنَّ امْرَأَةً
أَتَتْ بِدَجَاجَةٍ مَسْمُوطَةٍ، فَقَالَتْ لابْنِ
جَعْفَرٍ:
بِأَبِي أَنْتَ! هَذِهِ الدَّجَاجَةُ كَانَتْ مِثْل
بِنْتِي، فَآلَيْتُ أَنْ لاَ أَدْفِنَهَا إِلاَّ فِي
أَكْرَمِ مَوْضِعٍ أَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ وَلاَ وَاللهِ مَا
فِي الأَرْضِ أَكْرَمُ مِنْ بَطْنِكَ.
قَالَ: خُذُوهَا مِنْهَا، وَاحْمِلُوا إِلَيْهَا.
فَذَكَرَ أَنْوَاعاً مِنَ العَطَاءِ، حَتَّى قَالَتْ:
بِأَبِي أَنْتَ! إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِيْنَ
(1) .
هِشَامٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ:
أَنَّ رَجُلاً جَلَبَ سُكَّراً إِلَى المَدِيْنَةِ،
فَكَسَدَ، فَبَلَغَ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ، فَأَمَرَ
قَهْرَمَانَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، وَأَنْ يُنْهِبَهُ
النَّاسَ.
ذَكَرَ: الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ
بنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ،
قَالَ:
دَخَلَ ابْنُ أَبِي عَمَّارٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فَقِيهُ
أَهْلِ الحِجَازِ عَلَى نَخَّاسٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ
جَارِيَةً، فَعَلِقَ بِهَا، وَأَخَذَهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ،
وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِقْدَارُ ثَمَنِهَا، فَمَشَى
إِلَيْهِ عَطَاءٌ، وَطَاوُوْسٌ، وَمُجَاهِدٌ،
يَعْذُلُوْنَهُ.
وَبَلَغَ خَبَرُهُ عَبْدَ اللهِ، فَاشْتَرَاهَا
بِأَرْبَعِيْنَ أَلفاً، وَزَيَّنَهَا، وَحَلاَّهَا، ثُمَّ
طَلَبَ ابْنَ أَبِي عَمَّارٍ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ حُبُّكَ
فُلاَنَةً؟
قَالَ: هِيَ الَّتِي هَامَ قَلْبِي بِذِكْرِهَا،
وَالنَّفْسُ مَشْغُولَةٌ بِهَا.
فَقَالَ: يَا جَارِيَةُ، أَخْرِجِيهَا.
فَأَخْرَجَتْهَا تَرْفُلُ فِي الحُلِيِّ وَالحُلَلِ،
فَقَالَ: شَأْنُكَ بِهَا، بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيْهَا.
فَقَالَ: لَقَدْ تَفَضَّلتَ بِشَيْءٍ مَا يَتَفَضَّلُ بِهِ
إِلاَّ اللهُ.
فَلَمَّا وَلَّى بِهَا، قَالَ: يَا غُلاَمُ! احْمِلْ
مَعَهُ مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
فَقَالَ: لَئِنْ -وَاللهِ - وُعِدْنَا نَعِيْمَ الآخِرَةِ،
فَقَدْ عَجَّلْتَ نَعِيْمَ الدُّنْيَا (2) .
وَلِعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ أَخْبَارٌ فِي الجُوْدِ
وَالبَذْلِ (3).
__________
= فصلى ركعتين، وسجد فأطال السجود يدعو، فلما قضى ما أراد
من الدعاء، قال لغلامه: احفر في موضع سجودي، فحفر، فإذا
عين قد أنبطها، فقال له ابن الزبير: أقلني، فقال: أما
دعائي وإجابة الله إياي، فلا أقيلك، فصار ما أخذ منه أعمر
مما في يدي ابن الزبير.
(1) ابن عساكر 9 / 38 ب.
(2) ابن عساكر 9 / 39 آ، ب.
(3) أوردها ابن عساكر، انظرها في 9 / 34 ب وما بعدها.
(3/461)
وَكَانَ وَافِرَ الحِشْمَةِ، كَثِيْرَ
التَّنَعُّمِ، وَمِمَّنْ يَسْتَمِعُ الغِنَاءَ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: مَاتَ فِي
سَنَةِ ثَمَانِيْنَ.
وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ، أَوْ
خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَيُقَالُ: سَنَةَ تِسْعِيْنَ.
94 - قَيْسُ بنُ عَائِذٍ أَبُو كَاهِلٍ الأَحْمَسِيُّ *
(س، ق)
عِدَادُهُ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ.
نَزَلَ الكُوْفَةَ، وَهُوَ بِكُنْيَتِهِ أَشْهَرُ.
رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَخْطُبُ عَلَى نَاقَتِهِ (1) .
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَأَبُو
مُعَاذٍ رَجُلٌ تَابِعِيٌّ.
رَوَى لَهُ: أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَه.
بَقِيَ إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ.
95 - حُجْرُ بنُ عَدِيِّ بنِ جَبَلَةَ بنِ عَدِيِّ بنِ
رَبِيْعَةَ الكِنْدِيُّ **
ابْنِ مُعَاوِيَةَ الأَكْرَمِيْنَ بنِ الحَارِثِ بنِ
مُعَاوِيَةَ
__________
(*) طبقات ابن سعد 6 / 62، طبقات خليفة: ت 223، 849،
التاريخ الكبير 7 / 142، الجرح والتعديل 7 / 102،
الاستيعاب: 1296، أسد الغابة 4 / 435 و6 / 260، تهذيب
الكمال: 1638، تاريخ الإسلام 3 / 291، تذهيب التهذيب 4 /
229 ب، الإصابة 4 / 164، تهذيب التهذيب 12 / 208، خلاصة
تذهيب الكمال: 394.
(1) أخرجه أحمد 4 / 78 و177 و178 و306، وابن ماجه (1284)
و(1285).
من طرق، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن عائذ قال: رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقته، وحبشي آخذ
بخطامها. وإسناده صحيح.
(* *) طبقات ابن سعد 6 / 217، طبقات خليفة: ت 1042،
المحبر: 292، التاريخ الكبير 3 / 72، التاريخ الصغير 1 /
95، المعارف: 334، الجرح والتعديل 3 / 266، تاريخ =
(3/462)
الكِنْدِيُّ، وَهُوَ حُجْرُ الخَيْرِ،
وَأَبُوْهُ عَدِيُّ الأَدْبَرُ.
وَكَانَ قَدْ طُعِنَ مُوَلِّياً، فَسُمِّيَ الأَدْبَرَ،
الكُوْفِيُّ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّهِيْدُ.
لَهُ: صُحْبَةٌ، وَوِفَادَةٌ.
قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: وَفَدَ مَعَ أَخِيْهِ هَانِئِ بنِ
الأَدْبَرِ، وَلاَ رِوَايَةَ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَسَمِعَ مِنَ: عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ.
رَوَى عَنْهُ: مَوْلاَهُ؛ أَبُو لَيْلَى، وَأَبُو
البَخْتَرِيِّ الطَّائِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.
وَكَانَ شَرِيفاً، أَمِيْراً مُطَاعاً، أَمَّاراً
بِالمَعْرُوفِ، مُقْدِماً عَلَى الإِنْكَارِ، مِنْ
شِيْعَةِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -.
شَهِدَ صِفِّيْنَ أَمِيْراً، وَكَانَ ذَا صَلاَحٍ
وَتَعَبُّدٍ.
قِيْلَ: كَذَّبَ زِيَادَ بنَ أَبِيْهِ مُتَوَلِّي
العِرَاقِ وَهُوَ يَخْطُبُ، وَحَصَبَهُ مَرَّةً أُخْرَى،
فَكَتَبَ فِيْهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ.
فَعَسْكَرَ حُجْرٌ فِي ثَلاَثَةِ آلاَفٍ بِالسِّلاَحِ،
وَخَرَجَ عَنِ الكُوْفَةِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ، وَقَعَدَ،
فَخَافَ زِيَادٌ مِنْ ثَوْرَتِهِ ثَانِياً، فَبَعَثَ بِهِ
فِي جَمَاعَةٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ حُجْرٌ جَاهِلِيّاً،
إِسْلاَمِيّاً، شَهِدَ القَادِسِيَّةَ.
وَهُوَ الَّذِي افْتَتَحَ مَرْجَ عَذْرَاءَ، وَكَانَ
عَطَاؤُهُ فِي أَلْفَيْنِ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَلَمَّا قَدِمَ زِيَادٌ وَالِياً، دَعَا بِهِ، فَقَالَ:
تَعْلَمُ أَنِّيْ أَعْرِفُكَ، وَقَدْ كُنْتُ أَنَا
وَأَنْتَ عَلَى مَا عَلِمْتَ مِنْ حُبِّ عَلِيٍّ،
وَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ غَيْرُ ذَلِكَ، فَأَنْشُدُكَ اللهَ
أَنْ يُقْطَرَ لِي مِنْ دَمِكَ قَطْرَةٌ، فَأَسْتَفْرِغَهُ
كُلَّهُ، أَمْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ
مَنْزِلُكَ، وَهَذَا سَرِيرِي فَهُوَ مَجْلِسُكَ،
وَحَوَائِجُكَ مَقْضِيَّةٌ لَدَيَّ، فَاكْفِنِي نَفْسَكَ،
فَإِنِّي أَعْرِفُ عَجَلَتَكَ، فَأَنْشُدُكَ اللهَ يَا
أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي نَفْسِكَ، وَإِيَّاكَ
وَهَذِهِ السِّفْلَةِ أَنْ
__________
= الطبري 5 / 253، مروج الذهب 3 / 188، مشاهير علماء
الأمصار: 648، الاغاني 17 / 133، معجم الطبراني 4 / 39،
المستدرك 3 / 468، جمهرة أنساب العرب: 426، الاستيعاب:
329، تاريخ ابن عساكر 4 / 131 ب، أسد الغابة 1 / 461،
الكامل 3 / 472، تاريخ الإسلام 2 / 275، العبر 1 / 57،
مرآة الجنان 1 / 125، البداية والنهاية 8 / 49، الإصابة 1
/ 314، شذرات الذهب 1 / 57، تهذيب ابن عساكر 4 / 87.
(3/463)
يَسْتَزِلُّوكَ عَنْ رَأْيِكَ، فَإِنَّكَ
لَوْ هُنْتَ عَلَيَّ، أَوِ اسْتَخْفَفْتُ بِحَقِّكَ، لَمْ
أَخُصَّكَ بِهَذَا.
فَقَالَ: قَدْ فَهِمْتُ، وَانْصَرَفَ.
فَأَتَتْهُ الشِّيْعَةُ، فَقَالُوا: مَا قَالَ لَكَ؟
فَأَخْبَرَهُم.
قَالُوا: مَا نَصَحَ.
فَأَقَامَ وَفِيْهِ بَعْضُ الاعْتِرَاضِ، وَالشِّيْعَةُ
تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ، وَيَقُوْلُوْنَ:
إِنَّكَ شَيْخُنَا وَأَحَقُّ مَنْ أَنْكَرَ، وَإِذَا أَتَى
المَسْجِدَ، مَشَوْا مَعَهُ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ خَلِيْفَةُ زِيَادٍ عَلَى الكُوْفَةِ
عَمْرُو بنُ حُرَيْثٍ - وَزِيَادٌ بِالبَصْرَةِ -: مَا
هَذِهِ الجَمَاعَةُ؟
فَقَالَ لِلرَّسُوْلِ: تُنكِرُوْنَ مَا أَنْتُم فِيْهِ؟
إِلَيْكَ وَرَاءكَ أَوْسَعُ لَكَ.
فَكَتَبَ عَمْرٌو إِلَى زِيَادٍ: إِنْ كَانَتْ لَهُ
حَاجَةٌ بِالكُوْفَةِ، فَعَجِّلْ.
فَبَادَرَ، وَنَفَّذَ إِلَى حُجْرٍ عَدِيَّ بنَ حَاتِمٍ،
وَجَرِيرَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَخَالِدَ بنَ عُرْفُطَةَ،
لِيُعْذِرُوا إِلَيهِ، وَأَنْ يَكُفَّ لِسَانَهُ، فَلَمْ
يُجِبْهُمْ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: يَا غُلاَمُ! اعْلِفِ
البَكْرَ.
فَقَالَ عَدِيٌّ: أَمَجْنُوْنٌ أَنْتَ؟ أُكَلِّمُكَ بِمَا
أُكلِّمُكَ، وَأَنْتَ تَقُوْلُ هَذَا؟!
وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ بَلَغَ بِهِ
الضَّعْفُ إِلَى كُلِّ مَا أَرَى.
وَنَهَضُوا، فَأَخْبَرُوا زِيَاداً، فَأَخْبَرُوْهُ
بِبَعْضٍ، وَخَزَنُوا بَعْضاً، وَحَسَّنُوا أَمْرَهُ،
وَسَأَلُوا زِيَاداً الرِّفْقَ بِهِ، فَقَالَ: لَسْتُ
إِذاً لأَبِي سُفْيَانَ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الشُّرَطَ وَالبُخَارِيَّةَ،
فَقَاتَلَهُم بِمَنْ مَعَهُ، ثُمَّ انْفَضُّوا عَنْهُ،
وَأُتِيَ بِهِ إِلَى زِيَادٍ وَبِأَصْحَابِهِ، فَقَالَ:
وَيْلَكَ! مَا لَكَ؟
قَالَ: إِنِّيْ عَلَى بَيْعَتِي لِمُعَاوِيَةَ.
فَجَمَعَ زِيَادٌ سَبْعِيْنَ، فَقَالَ: اكْتُبُوا
شَهَادَتَكُم عَلَى حُجْرٍ وَأَصْحَابِهِ.
ثُمَّ أَوْفَدَهُم عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَبَعَثَ بِحُجْرٍ
وَأَصْحَابِهِ إِلَيْهِ، فَبَلَغَ عَائِشَةَ الخَبَرُ،
فَبَعَثَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ
إِلَى مُعَاوِيَةَ تَسْأَلُهُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيْلَهُم.
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لاَ أُحِبُّ أَنْ أَرَاهُم، هَاتُوا
كِتَابَ زِيَادٍ.
فَقُرِئَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ الشُّهُودُ.
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اقْتُلُوْهُم عِنْدَ عَذْرَاءَ.
فَقَالَ حُجْرٌ: مَا هَذِهِ القَرْيَةُ؟
قَالُوا: عَذْرَاءُ (1) .
قَالَ: أَمَا -وَاللهِ - إِنِّيْ لأَوَّلُ مُسْلِمٍ
نَبَّحَ كِلاَبَهَا
__________
(1) هي من قرى غوطة دمشق، تقع في الشمال الشرقي منها،
وتبعد عنها خمسة عشر ميلا تقريبا وبها قبر حجر بن عدي
وأصحابه، في مسجدها، ولا تزال إلى يومنا هذا.
وأخطأ من زعم أنه دفن مع أصحابه بمسجد السادات الموجود في
حي مسجد الاقصاب.
(3/464)
فِي سَبِيْلِ اللهِ.
ثُمَّ أُحْضِرُوا مَصْفُودِيْنَ (1) ، وَدَفَعَ كُلَّ
رَجُلٍ مِنْهُم إِلَى رَجُلٍ، فَقَتَلَهُ.
فَقَالَ حُجْرٌ: يَا قَوْمُ، دَعُوْنِي أُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ.
فَتَرَكُوهُ، فَتَوَضَّأَ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ،
فَطَوَّلَ.
فَقِيْلَ لَهُ: طَوَّلْتَ، أَجَزِعْتَ؟
فَقَالَ: مَا صَلَّيْتُ صَلاَةً أَخَفَّ مِنْهَا، وَلَئِنْ
جَزِعْتُ لَقَدْ رَأَيْتُ سَيْفاً مَشْهُوْراً، وَكَفَناً
مَنْشُوراً، وَقَبْراً مَحْفُوراً.
وَكَانَتْ عَشَائِرُهُم قَدْ جَاؤُوهُم بِالأَكْفَانِ،
وَحَفَرُوا لَهُمُ (2) القُبُوْرَ.
وَيُقَالُ: بَلْ مُعَاوِيَةُ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ.
وَقَالَ حُجْرٌ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعْدِيكَ (3)
عَلَى أُمَّتِنَا، فَإِنَّ أَهْلَ العِرَاقِ شَهِدُوا
عَلَيْنَا، وَإِنَّ أَهْلَ الشَّامِ قَتَلُوْنَا.
فَقِيْلَ لَهُ: مُدَّ عُنُقَكَ.
فَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَدَمٌ مَا كُنْتُ لأُعِيْنَ
عَلَيْهِ.
وَقِيْلَ: بَعَثَ مُعَاوِيَةُ هُدْبَةَ بنَ فَيَّاضٍ،
فَقَتَلَهُم، وَكَانَ أَعْوَرَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَجُلٌ
مِنْهُم مِنْ خَثْعَمَ، فَقَالَ:
إِنْ صَدَقَتِ الطَّيرُ، قُتِلَ نِصْفُنَا، وَنَجَا
نِصْفُنَا.
فَلَمَّا قَتَلَ سَبْعَةً، بَعَثَ مُعَاوِيَةُ بِرَسُولٍ
بِإِطْلاَقِهِم، فَإِذَا قَدْ قُتِلَ سَبْعَةٌ، وَنَجَا
سِتَّةٌ، وَكَانُوا ثَلاَثَةَ عَشَرَ.
وَقَدِمَ ابْنُ هِشَامٍ بِرِسَالَةِ عَائِشَةَ، وَقَدْ
قُتِلُوا، فَقَالَ: يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ! أَيْنَ
عَزَبَ عَنْكَ حِلْمُ أَبِي سُفْيَانَ؟
قَالَ: غَيْبَةُ مِثْلِكَ عَنِّي - يَعْنِي: أَنَّهُ
نَدِمَ -.
وَقَالَتْ هِنْدُ الأَنْصَارِيَّةُ وَكَانَتْ شِيْعِيَّةً
إِذْ بُعِثَ بِحُجْرٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ:
تَرفَّعْ أَيُّهَا القَمَرُ المُنِيْرُ ... تَرَفَّعْ هَلْ
تَرَى حُجْراً يَسِيْرُ؟
يَسِيْرُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بنِ حَرْبٍ ... لِيَقْتُلَهُ
كَمَا زَعَمَ الخَبِيْرُ
تَجَبَّرَتِ الجَبَابِرُ بَعْدَ حُجْرٍ ... فَطَابَ لَهَا
الخَوَرْنَقُ وَالسَّدِيرُ (4)
__________
(1) أي: مقيدين.
(2) تحرف في المطبوع إلى " إليهم ".
(3) في الأصل: " تستعيذ بك " وهو خطأ.
(4) الخورنق: قصر كان بظهر الحيرة، والسدير: قريب منه.
(3/465)
وَأَصْبَحَتِ البِلاَدُ لَهُ مُحُولاً ...
كَأَنْ لَمْ يُحْيِهَا يَوْماً مَطِيرُ
أَلاَ يَا حُجْرُ - حُجْرَ بَنِي عَدِيٍّ* - ...
تَلَقَّتْكَ السَّلاَمَةُ وَالسُّرُوْرُ
أَخَافُ عَلَيْكَ مَا أَرْدَى عَدِيّاً ... وَشَيْخاً فِي
دِمَشْقَ لَهُ زَئِيْرُ (1)
فَإِنْ تَهْلِكْ فُكُلُّ عَمِيدِ قَوْمٍ ... إِلَى هُلْكٍ
مِنَ الدُّنْيَا يَصِيرُ (2)
قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
لَمَّا أُتِيَ بِحُجْرٍ، قَالَ: ادْفِنُوْنِي فِي
ثِيَابِي، فَإِنِّيْ أُبْعَثُ مُخَاصِماً (3) .
وَرَوَى: ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ عُمَرَ فِي السُّوقِ، فَنُعِيَ إِلَيْهِ
حُجْرٌ، فَأَطْلَقَ (4) حَبْوَتَهُ، وَقَامَ، وَقَدْ
غَلَبَ عَلَيْهِ النَّحِيْبُ (5) .
هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
لَمَّا أُتِيَ مُعَاوِيَةُ بِحُجْرٍ، قَالَ: السَّلاَمُ
عَلَيْكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ!
قَالَ: أَوَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَنَا؟ اضْرِبُوا
عُنُقَهُ.
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ لأَهْلِهِ: لاَ تُطْلِقُوا
عَنِّي حَدِيداً، وَلاَ تَغْسِلُوا عَنِّي دَماً، فَإِنِّي
مُلاَقٍ مُعَاوِيَةَ عَلَى الجَادَّةِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ رَسُوْلَ مُعَاوِيَةَ عَرَضَ عَلَيْهِم
البَرَاءةَ مِنْ رَجُلٍ وَالتَّوبَةَ، فَأَبَى ذَلِكَ
عَشْرَةٌ، وَتَبَرَّأَ عَشْرَةٌ، فَلَمَّا انْتَهَى
القَتْلُ إِلَى حُجْرٍ، جَعَلَ يُرْعَدُ.
وَقِيْلَ: لَمَّا حَجَّ مُعَاوِيَةُ، اسْتَأْذَنَ عَلَى
عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: أَقَتَلْتَ
__________
(1) تصحف في المطبوع إلى " زبير ".
(2) " طبقات ابن سعد " 6 / 217، 220، والطبري 5 / 252،
280، و" الكامل " لابن الأثير 3 / 472، 488، و" البداية "
8 / 49، 55، و" تهذيب ابن عساكر " 4 / 87، 90، و" الاغاني
" 17 / 133، 155.
(3) أخرجه ابن سعد 6 / 220 من طريق حماد بن مسعدة بهذا
الإسناد، ومحمد هو ابن سيرين.
(4) تحرف في المطبوع إلى " فأطبق ".
(5) رواه أحمد كما في " البداية " 8 / 55 من طريق ابن علية
بهذا الإسناد، وهو صحيح.
(3/466)
حُجْراً؟
قَالَ: وَجَدْتُ فِي قَتْلِهِ صَلاَحَ النَّاسِ، وَخِفْتُ
مِنْ فَسَادِهِم (1) .
وَكَانَ قَتْلُهُم فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ،
وَمَشْهَدُهُم ظَاهِرٌ بِعَذْرَاءَ، يُزَارُ.
وَخَلَّفَ حُجْرٌ وَلَدَيْنِ: عُبَيْدَ اللهِ، وَعَبْدَ
الرَّحْمَنِ، قَتَلَهُمَا مُصْعَبُ بنُ الزُّبَيْرِ
الأَمِيْرُ، وَكَانَا يَتَشَيَّعَانِ.
أَمَّا:
96 - حُجْرٌ الشَّرُّ حُجْرُ بنُ يَزِيْدَ بنِ سَلَمَةَ
الكِنْدِيُّ *
فَهُوَ ابْنُ عَمٍّ لِحُجْرِ الخَيْرِ، وَهُوَ حُجْرُ بنُ
يَزِيْدَ بنِ سَلَمَةَ بنِ مُرَّةَ بنِ حُجْرِ بنِ عَدِيِّ
بنِ رَبِيْعَةَ بنِ مُعَاوِيَةَ الأَكْرَمِيْنَ
الكِنْدِيُّ.
وَفَدَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ثُمَّ كَانَ مِنْ شِيْعَةِ عَلِيٍّ، وَشَهِدَ
يَوْمَ الحَكَمَينِ، ثُمَّ صَارَ مِنْ أُمَرَاءِ
مُعَاوِيَةَ، فَوَلاَّهُ أَرْمِيْنِيَةَ.
قَالَهُ: ابْنُ سَعْدٍ (2) .
وَلاَ رِوَايَةَ لِهَذَا أَيْضاً.
97 - أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بنُ وَاثِلَةَ
اللَّيْثِيُّ الكِنَانِيُّ ** (ع)
خَاتَمُ مَنْ رَأَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدُّنْيَا، وَاسْتمَرَّ الحَالُ
عَلَى ذَلِكَ فِي
__________
(1) رواه أحمد كما في " البداية " 8 / 55 عن عفان، عن ابن
علية، عن أيوب، عن عبد الله بن أبي مليكة أو غيره.
(*) المحبر: 252، جمهرة أنساب العرب: 426، تاريخ ابن عساكر
4 / 139 آ، أسد الغابة 1 / 463، تاريخ الإسلام 2 / 216،
الإصابة 1 / 315، تهذيب ابن عساكر 4 / 90.
(2) في " الإصابة " 1 / 315: قال ابن سعد في الطبقة
الرابعة: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم، وكان
شريفا، وكان يلقب حجر الشر، وإنما قيل له ذلك، لان حجر بن
الاد ؟ كان يقال له: حجر الخير، فأرادوا تمييزهما.
(* *) طبقات ابن سعد 5 / 457 و6 / 64، طبقات خليفة: ت 176
و841 و2519، تاريخ البخاري 6 / 446، المعارف: 341، المعرفة
والتاريخ 1 / 295 و359، الكنى 1 / 40، الجرح والتعديل 6 /
328، مشاهير علماء الأمصار: ت 214، الاغاني 13 / 166،
جمهرة أنساب =
(3/467)
عَصْرِ التَّابِعِيْنَ وَتَابِعِيْهِم
وَهَلُمَّ جَرَّا، لاَ يَقُوْلُ آدَمِيٌّ: إِنَّنِي
رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - حَتَّى نَبَغَ بِالهِنْدِ بَعْدَ خَمْسِ
مائَةِ عَامٍ بَابَا رَتَنَ، فَادَّعَى (1) الصُّحْبَةَ،
وَآذَى نَفْسَهُ، وَكَذَّبَهُ العُلَمَاءُ (2) .
فَمَنْ صَدَّقه فِي دَعْوَاهُ، فَبَارَكَ اللهُ فِي
عَقْلِهِ، وَنَحْنُ نَحْمَدُ اللهَ عَلَى العَافِيَةِ.
وَاسْمُ أَبِي الطُّفَيْلِ: عَامِرُ بنُ وَاثِلَةَ بنِ
عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو اللَّيْثِيُّ، الكِنَانِيُّ،
الحِجَازِيُّ، الشِّيْعِيُّ.
كَانَ مِنْ شِيْعَةِ الإِمَامِ عَلِيٍّ.
مَوْلِدُهُ: بَعْدَ الهِجْرَةِ.
رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَهُوَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَهُوَ يَسْتَلمُ الرُّكْنَ
بِمِحْجَنِهِ، ثُمَّ يُقَبِّلُ المِحْجَنَ (3).
__________
= العرب: 183، المستدرك 3 / 618، الاستيعاب: 1344، تاريخ
بغداد 1 / 198، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 378، تاريخ
ابن عساكر 8 / 412 ب، أسد الغابة 3 / 145، و6 / 179، تهذيب
الكمال: 647، 1623، تاريخ الإسلام 4 / 78، العبر 1 / 118
و136، تذهيب التهذيب 2 / 118 آ، مرآة الجنان 11 / 207،
البداية والنهاية 9 / 190، العقد الثمين 5 / 87، الإصابة 4
/ 113، تهذيب التهذيب 5 / 82، النجوم الزاهرة 1 / 243،
خلاصة تذهيب الكمال: 157، شذرات الذهب 1 / 118، خزانة
الأدب 4 / 41 و2 / 91، تهذيب ابن عساكر 7 / 203.
(1) تحرف في المطبوع إلى " فآذى ".
(2) قال المؤلف رحمه الله في " ميزان الاعتدال " 2 / 45:
رتن الهندي، وما أدراك مارتن ؟ ! شيخ دجال بلا ريب، ظهر
بعد الستمئة، فادعى الصحبة، والصحابة لا يكذبون، وهذا
اجترأ على الله ورسوله، وقد ألفت في أمره جزءا، وقد قيل:
إنه مات سنة 632 وقيل بعدها، ومع كونه كذابا، فقد كذبوا
عليه جملة كبيرة من أسمج الكذب والمحال.
وقد نقل الحافظ ابن حجر جملة كبيرة من جزء الذهبي في "
الإصابة " في ترجمة " رتن " 1 / 532، 538 في القسم الرابع
من حرف الراء.
وهو فيمن ذكر في الكتب على سبيل الوهم والغلط.
(3) أخرجه مسلم (1275) في الحج: باب جواز الطواف على بعير
وغيره، وأبو داود (1879) في المناسك: باب الطواف الواجب،
وابن ماجه (2949)، وأحمد 5 / 454 من طرق، عن معروف بن
خربوذ، عن أبي الطفيل...وهو عند ابن عساكر 8 / 413 آ.
(3/468)
وَرَوَى عَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ بنِ
الخَطَّابِ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ،
وَعَلِيٍّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ،
وَالزُّهْرِيُّ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ،
وَعَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
خُثَيْمٍ، وَمَعْرُوفُ بنُ خَرَّبُوْذَ، وَسَعِيْدٌ
الجُرَيْرِيُّ، وَفِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَخَلْقٌ
سِوَاهُم.
قَالَ مَعْرُوفٌ: سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَأَنَا غُلاَمٌ شَابٌّ يَطُوْفُ بِالبَيْتِ
عَلَى رَاحِلَتِهِ، يَسْتَلمُ الحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ (1) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ (2) الهَمْدَانِيِّ، قَالَ:
دَخَلَ أَبُو الطُّفَيْلِ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: مَا
أَبْقَى لَكَ الدَّهْرُ مِنْ ثُكْلِكَ عَلِيّاً؟
قَالَ: ثُكْلَ العَجُوْزِ المِقْلاَتِ (3) وَالشَّيْخِ
الرَّقُوبِ.
قَالَ: فَكَيْفَ حُبُّكَ لَهُ؟
قَالَ: حُبُّ أُمِّ مُوْسَى لِمُوْسَى، وَإِلَى اللهِ
أَشْكُو التَّقْصِيرَ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: أَدْرَكْتُ مِنْ
حَيَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ثَمَانِ سِنِيْنَ (4) .
وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ يُنْشِدُ:
وَخُلِّفْتُ سَهْماً فِي الكِنَانَةِ وَاحِداً ...
سَيُرمَى بِهِ أَوْ يَكْسِرُ السَّهْمَ كَاسِرُهْ (5)
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ كَانَ حَامِلَ رَايَةِ
المُخْتَارِ لَمَّا ظَهَرَ بِالعِرَاقِ،
__________
(1) تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.
(2) تحرف في المطبوع إلى " الرحيم ".
(3) المقلات: هي التي لم يبق لها ولد، وكذلك الشيخ الرقوب،
والخبر عند ابن عساكر 8 / 413.
(4) ابن سعد 6 / 64، و" تاريخ البخاري " 6 / 446.
(5) ابن عساكر 8 / 417 آ.
(3/469)
وَحَارَبَ قَتَلَةَ الحُسَيْنِ.
وَكَانَ أَبُو الطُّفَيْلِ ثِقَةً فِيمَا يَنْقُلُهُ،
صَادِقاً، عَالِماً، شَاعِراً، فَارِساً، عُمِّرَ دَهْراً
طَوِيْلاً، وَشَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ حُرُوْبَهُ.
قَالَ خَلِيْفَةُ: وَأَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى مَاتَ
سَنَةَ مائَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا - كَذَا قَالَ -.
ثُمَّ قَالَ: وَيُقَالُ: سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ (1) .
وَقَالَ البُخَارِيُّ (2) : حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ
إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ، عَنْ كَثِيْرِ بنِ
أَعْيَنَ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبُو الطُّفَيْلِ بِمَكَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ
وَمائَةٍ.
وَقَالَ وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
كُنْتُ بِمَكَّةَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ، فَرَأَيْتُ
جِنَازَةً، فَسَأَلْتُ عَنْهَا، فَقَالُوا: هَذَا أَبُو
الطُّفَيْلِ (3) .
قُلْتُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ وَفَاتِهِ
لِثُبُوتِهِ، وَيَعْضُدُهُ مَا قَبْلَهُ.
وَلَوْ عُمِّرَ أَحَدٌ بَعْدَهُ كَمَا عُمِّرَ هُوَ بَعْدَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَاشَ
إِلَى سَنَةِ بِضْعٍ وَمائَتَيْنِ.
98 - أُمُّ خَالِدٍ أَمَةُ بِنْتُ خَالِدٍ الأُمَوِيَّةُ *
(خَ، د، س)
ابْنِ أَبِي أُحَيْحَةَ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ بنِ
أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ
القُرَشِيَّةُ، الأُمَوِيَّةُ، المَكِّيَّةُ،
الحَبَشِيَّةُ المَوْلِدِ.
اسْمُهَا: أَمَةُ.
__________
(1) انظر " طبقات خليفة " ت (176) وت (2519).
(2) في " تاريخه الصغير " 1 / 250.
(3) ابن عساكر 8 / 418 آ.
(*) طبقات ابن سعد 8 / 234، طبقات خليفة: ت 3244، المحبر:
410، الجرح والتعديل 9 / 462، الاستيعاب: 1934، أسد الغابة
7 / 325، تهذيب الكمال: 1677، تاريخ الإسلام 3 / 219،
تذهيب التهذيب 4 / 256 ب، العقد الثمين 8 / 184، الإصابة 4
/ 238، تهذيب التهذيب 12 / 400.
(3/470)
لَهَا صُحْبَةٌ، وَرَوَتْ حَدِيْثَيْنِ (1)
.
وَتَزَوَّجَهَا الزُّبَيْرُ بنُ العَوَّامِ، فَوَلَدَتْ
لَهُ: عَمْراً وَخَالِداً.
حَدَّثَ عَنْهَا: سَعِيْدُ بنُ عَمْرِو بنِ سَعِيْدِ بنِ
العَاصِ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَغَيْرُهُمَا.
وَأَظُنُّهَا آخِرَ الصَّحَابِيَّاتِ وَفَاةً.
بَقِيَتْ إِلَى أَيَّامِ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
خَالِدٍ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ
بِنْتِ خَالِدٍ، قَالَتْ:
سَمِعْتُ النَّجَاشِيَّ يَقُوْلُ يَوْمَ خَرَجْنَا
لأَصْحَابِ السَّفِيْنَتَيْنِ: أَقْرِئُوا جَمِيْعاً
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مِنِّي السَّلاَمَ.
قَالَتْ: فَكُنْتُ فِيْمَنْ أَقْرَأَ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ النَّجَاشِيِّ
السَّلاَمَ (2) .
الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ سَعِيْدٍ،
حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
حَدَّثَتْنِي أُمُّ خَالِدٍ بِنْتُ خَالِدٍ، قَالَتْ:
أُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- بِثِيَابٍ فِيْهَا خَمِيْصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيْرَةٌ،
فَقَالَ: (مَنْ تَرَوْنَ أَكْسُو هَذِهِ؟).
فَسَكَتُوا، فَقَالَ: (ائْتُوْنِي بِأُمِّ خَالِدٍ).
فَأُتِي بِي أُحْمَلُ، فَأَلْبَسَنِيْهَا بِيَدِهِ،
وَقَالَ: (أَبْلِي وَأَخْلِقِي).
يَقُوْلُهَا مَرَّتَيْنِ، وَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ
الخَمِيْصَةِ أَصْفَرَ وَأَحْمَرَ، فَقَالَ: (هَذَا سَنَا
يَا أُمَّ خَالِدٍ، هَذَا سَنَا).
وَيُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى العَلَمِ.
وَسَنَا بِالحَبَشِيَّةِ: حَسَنٌ.
قَالَ إِسْحَاقُ: فَحَدَّثَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِي:
أَنَّهَا رَأَتِ الخَمِيْصَةَ عِنْدَ أُمِّ خَالِدٍ (3).
__________
(1) الأول: ما رواه البخاري في " صحيحه " 3 / 192 في
الجنائز: باب التعوذ من عذاب القبر، وفي الدعوات: باب
التعوذ من عذاب القبر من طريقين عن موسى بن عقبة قال: سمعت
أم خالد بنت خالد، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يتعوذ من عذاب القبر.
والثاني سيذكره المصنف من رواية الطيالسي.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 234، والواقدي لا يحتج به.
(3) إسناده صحيح، والطيالسي: هو أبو الوليد، وهو في "
طبقات ابن سعد " 8 / 234 =
(3/471)
ابْنُهَا:
99 - عَمْرُو بنُ الزُّبَيْرِ *
يَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ.
وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
أَخِيْهِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ شَرٌّ وَتَقَاطُعٌ.
وَكَانَ بَدِيعَ الجَمَالِ، شَدِيدَ العَارِضَةِ،
جَرِيئاً، مَنِيعاً.
كَانَ يَجْلِسُ، فَيُلْقِي عَصَاهُ بِالبلاَطِ (1) ، فَلاَ
يَتَخَطَّاهَا أَحَدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلَهُ
__________
= من طريق الفضل بن دكين، وهشام أبي الوليد الطيالسي بهذا
لاسناد، وأخرجه البخاري 10 / 236 في اللباس: باب الخميصة
السوداء من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، و10 / 256: باب
ما يدعى لمن لبس ثوبا جديدا من طريق أبي الوليد الطيالسي،
كلاهما عن إسحاق بن سعيد به.
وأخرجه أيضا 6 / 128 في الجهاد: باب من تكلم بالفارسية
والرطانة، وفي الأدب: باب من ترك صبية غيره حتى تلعب به 10
/ 356 من طريق حبان بن موسى، عن عبد الله، عن خالد بن
سعيد، عن أبيه، عن أم خالد، وأخرجه 7 / 145 في فضائل أصحاب
النبي: باب هجرة الحبشة من طريق الحميدي، عن سفيان، عن
إسحاق بن سعيد، عن أبيه، عن أم خالد، وأخرجه أبو داود
(4024) من طريق إسحاق بن الجراح، عن أبي النضر، عن إسحاق
بن سعيد...وقوله: " أبلي " هو بفتح الهمزة وسكون الباء
وكسر اللام أمر بالابلاء، وكذا قوله " أخلقي " بالقاف، أمر
بالاخلاق، وهما بمعنى، والعرب تطلق ذلك، وتريد الدعاء بطول
البقاء للمخاطب بذلك، أي: أنه تطول حياتها حتى يبلى الثوب
ويخلق.
قال الحافظ: ووقع في رواية أبي زيد المروزي عن الفربري: "
وأخلفي " بالفاء وهي أوجه من التي بالقاف، لان الأولى
تستلزم التأكيد، إذ الابلاء والاخلاق بمعنى، لكن جاء العطف
لتغاير اللفظتين، والثانية تفيد معنى زائدا، وهو أنها إذا
أبلته أخلفت غيره، ويؤيد هذه الرواية ما أخرجه أبو داود
(4020) بسند صحيح عن أبي نضرة قال: كان أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوبا جديدا، قيل له:
تبلي ويخلف الله.
(*) طبقات ابن سعد 5 / 185، نسب قريش: 178، 214، 215،
المحبر: 304، 481، جمهرة أنساب العرب: 125، تاريخ ابن
عساكر 13 / 220 آ، تاريخ الإسلام 3 / 54، العقد الثمين 6 /
378.
(1) البلاط: الأرض، وقيل الأرض المستوية الملساء، وفي معجم
ياقوت: والبلاط: موضع بالمدينة مبلط بالحجارة بين مسجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين سوق المدينة.
وقد تحرف في =
(3/472)
مِنَ الرَّقِيْقِ نَحْوُ المائَتَيْنِ.
قِيْلَ: كَتَبَ يَزِيْدُ إِلَى نَائِبِهِ عَمْرِو بنِ
سَعِيْدٍ: وَجِّهْ جُنْداً لابْنِ الزُّبَيْرِ.
فَسَأَلَ: مَنْ أَعْدَى النَّاسِ لَهُ؟
فَقِيْلَ: أَخُوْهُ عَمْرٌو.
فَتَوَجَّهَ عَمْرٌو فِي أَلْفٍ مِنَ الشَّامِيِّيْنَ
لِقِتَالِ أَخِيْهِ.
فَقَالَ لَهُ جُبَيْرُ بنُ شَيْبَةَ: كَانَ غَيْرُكَ
أَوْلَى بِهَذَا؛ تَسِيْرُ إِلَى حَرَمِ اللهِ وَأَمْنِهِ،
وَإِلَى أَخِيْكَ فِي سِنِّهِ وَفَضْلِهِ تَجْعَلُهُ فِي
جَامِعَةٍ، مَا أَرَى النَّاسَ يَدَعُوْنَكَ وَمَا
تُرِيْدُ.
قَالَ: أُقَاتِلُ مَنْ حَالَ دُوْنَ ذَلِكَ.
ثُمَّ نَزَلَ دَارَهُ عِنْد الصَّفَا، وَرَاسَلَ أَخَاهُ،
فَلاَنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ:
إِنِّيْ لَسَامِعٌ مُطِيعٌ، أَنْتَ عَامِلُ يَزِيْدَ،
وَأَنَا أُصَلِّي خَلْفَكَ مَا عِنْدِي خِلاَفٌ، فَأَمَّا
أَنْ يُجْعَلَ فِي عُنُقِي جَامِعَةٌ وَأُقَادَ، فَكَلاَّ،
فَرَاجِعْ صَاحِبَكَ.
فَبَرَزَ عَبْدُ اللهِ بنُ صَفْوَانَ فِي عَسْكَرٍ،
فَالْتَقَوْا، فَخُذِلَ الشَّامِيُّونَ، وَجِيْءَ
بِعَمْرٍو أَسِيْراً، وَقَدْ جُرِحَ.
فَقَالَ أَخُوْهُ عُبَيْدَةُ بنُ الزُّبَيْرِ: قَدْ
أَجَرْتُهُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: أَمَّا حَقِّي، فَنَعَمْ، وَأَمَّا
حَقُّ النَّاسِ، فَقِصَاصٌ.
وَنَصَبَهُ لِلنَّاسِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِي
فَيَقُوْلُ: نَتَفَ لِحْيَتِي.
فَيَقُوْلُ: انتِفْ لِحْيَتَهُ (1) .
وَقَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ:
جَلَدَنِي مائَةَ جَلْدَةٍ.
فَجُلِدَ مائَةً، فَمَاتَ، فَصَلَبَهُ أَخُوْهُ.
وَقِيْلَ: بَلْ مَاتَ مِنْ سَحْبِهِم إِيَّاهُ إِلَى
السِّجْنِ، وَصُلِبَ، فَصَلَبَ الحَجَّاجُ ابْنَ
الزُّبَيْرِ فِي ذَلِكَ المَكَانِ (2).
100 - عَمْرُو بنُ أَخْطَبَ أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ *
(م، 4)
الخَزْرَجِيُّ، المَدَنِيُّ، الأَعْرَجُ.
__________
= المطبوع إلى " الملاط "، وفي المطبوع من " تاريخ الإسلام
" 3 / 55: وكان يجلس بالبلاد.
وهو خطأ أيضا.
(1) أخرجه ابن عساكر 13 / 221 ب، 222 آ مفصلا.
(2) ابن سعد 5 / 186.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 28، طبقات خليفة: ت 636، 1459،
التاريخ الكبير =
(3/473)
مِنْ مَشَاهِيْرِ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ
نَزَلُوا البَصْرَةَ.
رُوِيَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مَسَحَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: (اللَّهُمَّ
جَمِّلْهُ).
فَبَلَغَ مائَةَ سَنَةٍ، وَمَا ابْيَضَّ مِنْ شَعْرِهِ
إِلاَّ اليَسِيْرُ (1) .
وَلَهُ بِالْبَصْرَةِ مَسْجِدٌ يُعْرَفُ بِهِ (2) .
رَوَى عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَحَادِيْثَ، وَغَزَا مَعَهُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ
غَزْوَةً (3) .
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ بَشِيْرٌ، وَيَزِيْدُ الرِّشْكُ،
وَعِلْبَاءُ بنُ أَحْمَرَ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ،
وَأَنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَجَمَاعَةٌ.
حَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ سِوَى (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ).
تُوُفِّيَ: فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ.
__________
6 / 309، المعرفة والتاريخ 1 / 331، الكنى 1 / 32، الجرح
والتعديل 6 / 220، الاستيعاب: 2 / 524، الجمع بين رجال
الصحيحين 1 / 372، أسد الغابة 4 / 190، تهذيب الكمال:
1027، تذهيب التهذيب 3 / 93 ب، البداية والنهاية 8 / 324،
الإصابة 2 / 522 و4 / 78، تهذيب التهذيب 8 / 4، خلاصة
تذهيب الكمال: 243.
(1) أخرجه الترمذي (3629) في المناقب من طريق محمد بن
بشار، عن أبي عاصم
النبيل، عن عزرة بن ثابت، عن علباء بن أحمر، حدثنا أبو زيد
بن أخطب، قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على
وجهي ودعا لي.
قال عزرة: إنه عاش مئة وعشرين سنة، وليس في رأسه إلا شعرات
بيض.
وهو في " المسند " 5 / 77 و341، وحسنه الترمذي، وصححه ابن
حبان (2274) والحاكم، وهو كما قالوا.
وأخرجه أحمد 5 / 340 من طريق آخر بنحوه، وصححه ابن حبان
(2273).
(2) ابن سعد 7 / 28.
(3) " المسند " 5 / 340، وابن سعد 7 / 28 من طريق عبد
الصمد بن عبد الوارث، عن شعبة، عن تميم بن حويص (وقد تحرف
في " المسند " إلى مربض) قال: سمعت أبا زيد يقول: قاتلت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة مرة.
ورجاله ثقات.
(3/474)
101 - أَبُو عَسِيْبٍ *
مَوْلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مِمَّنْ نَزَلَ البَصْرَةَ، وَطَالَ عُمُرُهُ.
خَرَّجَ لَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (1)).
يُقَالُ: اسْمُهُ أَحْمَرُ.
وَكَانَ مِنَ الصُّلَحَاءِ العُبَّادِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: خَازِمُ بنُ القَاسِمِ، وَأَبُو
نُصَيْرَةَ مُسْلِمُ بنُ عُبَيْدٍ، وَمَيْمُوْنَةُ بِنْتُ
أَبِي عَسِيْبٍ، وَقَالَتْ:
يُوَاصِلُ بَيْنَ ثَلاَثٍ فِي الصِّيَامِ، وَيُصَلِّي
الضُّحَى قَائِماً، فَعَجِزَ، فَكَانَ يُصَلِّي قَاعِداً،
وَيَصُوْمُ البِيْضَ.
قَالَتْ: وَكَانَ فِي سَرِيْرِهِ جُلْجُلٌ، فَيَعْجِزُ
صَوْتُهُ، حَتَّى يُنَادِيَهَا بِهِ، فَإِذَا حَرَّكَهُ،
جَاءتْ.
رَوَى ذَلِكَ: التَّبُوْذَكِيُّ، عَنْ مَسْلَمَةَ بِنْتِ
زَبَّانَ، سَمِعْتُ مَيْمُوْنَةَ بِذَلِكَ (2) .
وَقَالَ خَازِمُ بنُ القَاسِمِ - فِيمَا سَمِعَهُ مِنْهُ
التَّبُوْذَكِيُّ -: رَأَيْتُ أَبَا عَسِيْبٍ يُصَفِّرُ
رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ.
وَقَالَ يَزِيْدُ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُصَيْرَةَ: سَمِعْتُ
أَبَا عَسِيْبٍ يَقُوْلُ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: (أَتَانِي جِبْرِيْلُ بِالحُمَّى وَالطَّاعُوْنِ،
فَأَمْسَكْتُ الحُمَّى بِالمَدِيْنَةِ، وَأَرْسَلْتُ
الطَّاعُوْنَ إِلَى الشَّامِ) (3).
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 61، طبقات خليفة: ت 28، التاريخ
الكبير 9 / 61، الكنى 1 / 44، الجرح والتعديل 9 / 418،
الحلية 2 / 27، الاستيعاب: 71، أسد الغابة 1 / 67 و6 /
214، العقد الثمين 8 / 72، الإصابة 4 / 133.
(1) 5 / 81.
(2) أخرجه ابن سعد 7 / 61.
وقولها: " ويصوم البيض " هي الثالث عشر، والرابع عشر،
والخامس عشر، سميت لياليها بيضا، لان القمر يطلع فيها من
أولها إلى آخرها.
(3) أخرجه أحمد 5 / 81، وابن سعد 7 / 61 وتمامه " فالطاعون
شهادة لامتي ورحمة لهم، ورجس على الكفار " وإسناده صحيح.
(3/475)
|