سير أعلام
النبلاء، ط الرسالة الْجُزْءُ الْخَامِسُ
1 - أَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيُّ *
(ع).
عَبْدُ اللهِ بنُ قَيْسِ بنِ حَضَّارٍ الأَشْعَرِيُّ،
الفَقِيْهُ، العَلاَّمَةُ، قَاضِي الكُوْفَةِ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ،
وَالزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، وَحُذَيْفَةَ بنِ
اليَمَانِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، وَأَبِي
هُرَيْرَةَ، وَآخَرِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: حَفِيْدُهُ؛ أَبُو بُرْدَةَ يَزِيْدُ بنُ
عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَابْنُهُ؛ بِلاَلُ بنُ
أَبِي بُرْدَةَ الأَمِيْرُ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ،
وَقَتَادَةُ، وَبُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ
الشَّيْبَانِيُّ، وَابْنُهُ؛ سَعِيْدُ بنُ أَبِي بُرْدَةَ،
وَطَلْحَةُ بنُ يَحْيَى، وَحَكِيْمُ بنُ الدَّيْلَمِ،
وَأَبُو يُوْسُفَ، وَحُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، وَأَبُو
حُصَيْنٍ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ أَبِي المُسَاوِرِ،
وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، حُجَّةً بِاتِّفَاقٍ،
اسْمُهُ عَامِرٌ - فِيْمَا قِيْلَ - وَوَلِيَ قَضَاءَ
الكُوْفَةِ بَعْدَ شُرَيْحٍ مُدَّةً، ثُمَّ عَزَلَهُ
الحَجَّاجُ، وَوَلَّى أَخَاهُ؛ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي
مُوْسَى.
عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ (1)
القِتْبَانِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ يَزِيْدَ بنَ
__________
(*) طبقات ابن سعد 6 / 268، طبقات خليفة 68، تاريخ خليفة
330، الجرح والتعديل 6 / 325، تاريخ ابن عساكر 371، 392،
وفيات الأعيان 3 / 10، 12، تهذيب الكمال 1578، تذكرة
الحفاظ 1 / 95، تذهيب التهذيب 4 / 199، تاريخ الإسلام 4 /
216، دول الإسلام 73، العبر 1 / 128، الوافي بالوفيات 4 /
142، تهذيب التهذيب 12 / 18، النجوم الزاهرة 1 / 199، 252،
خلاصة تذهيب الكمال 443، تهذيب ابن عساكر 7 / 168.
(1) واسمه عبد الله بن عياش القتباني، وهو ضعيف، ضعفه أبو
داود، والنسائي، وأبو حاتم، وباقي رجال الإسناد ثقات.
والخبر في تاريخ دمشق ص 387.
(5/5)
المُهَلَّبِ وَلِيَ خُرَاسَانَ، فَقَالَ:
دُلُّوْنِي عَلَى رَجُلٍ كَامِلٍ بِخِصَالِ الخَيْرِ.
فَدُلَّ عَلَى أَبِي بُرْدَةَ، فَلَمَّا رَآهُ، رَأَى
رَجُلاً قَانِعاً، فَلَمَّا كَلَّمَهُ، رَأَى مِنْ
مَخْبَرِهِ أَفْضَلَ مِنْ مَرْآهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي
وَلَّيْتُكَ كَذَا وَكَذَا مِنْ عَمَلِي.
فَاسْتَعْفَاهُ، فَأَبَى، وَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي:
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنْ تَولَّى عَمَلاً - وَهُوَ
يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ - فَلْيَتَبَوَّأْ
مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ).
أَخْرَجَهُ: الرُّوْيَانِيُّ (1) فِي (مُسْنَدِهِ)، عَنْ
أَحْمَدَ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، عَنْهُ.
وَرَوَى: سَعِيْدُ بنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ،
قَالَ:
بَعَثَنِي أَبِي؛ أَبُو مُوْسَى إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ
سَلاَمٍ لأَتَعَلَّمَ مِنْهُ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَاتَ أَبُو بُرْدَةَ سَنَةَ
أَرْبَعٍ وَمائَةٍ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَةٍ.
فَأَمَّا أَخُوْهُ؛ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مُوْسَى
الأَشْعَرِيُّ القَاضِي المَذْكُوْرُ، فَهُوَ كُوْفِيٌّ،
عُثْمَانِيٌّ، عَالِمٌ، ثِقَةٌ، حَدَّثَ عَنْ أَبِيْهِ،
وَعَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ
بنِ سَمُرَةَ، حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عِمْرَانَ
الجَوْنِيُّ، وَأَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ، وَحَجَّاجُ
بنُ أَرْطَاةَ، وَيُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ،
وَآخَرُوْنَ، وَلاَّهُ الحَجَّاجُ قَضَاءَ الكُوْفَةِ،
وَعَاشَ بَعْدَ أَخِيْهِ أَبِي بُرْدَةَ قَلِيْلاً،
حَدِيْثُهُمَا فِي الكُتُبِ.
وَأَمَّا الأَمِيْرُ بِلاَلُ بنُ أَبِي بُرْدَةَ (2) ،
فَوُلِّيَ أَيْضاً عَلَى البَصْرَةِ، وَكَانَ جَلِيْلاً،
__________
(1) هو الامام أبو بكر محمد بن هارون صاحب المسند المشهور
مات سنة سبع وثلاث مئة " تذكرة الحفاظ " 2 / 752، 753.
(2) ترجمته في " تهذيب الكمال " 164، 167، " وتهذيب
التهذيب " 1 / 500، و" خزانة الأدب " 1 / 452 و" تهذيب ابن
عساكر " 3 / 318.
(5/6)
كَرِيْماً، مَدَحَهُ ذُوْ الرُّمَّةِ،
وَكَانَ قَدْ أَصَابَهُ جُذَامٌ، فَكَانَ يَنْتَقِعُ فِي
السَّمْنِ الكَثِيْرِ (1) ، وَلَمَّا وَلِي يُوْسُفُ بنُ
عُمَرَ (2) العِرَاقَ، أَخَذَ بِلاَلاً، وَعَذَّبَهُ
حَتَّى مَاتَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا بُرْدَةَ افْتَخَرَ يَوْماً
بِأَبِيْهِ، وَبِصُحْبَتِه، فَقَالَ الفَرَزْدَقُ:
لَوْ لَمْ يَكُنْ لأَبِي مُوْسَى مَنْقَبَةٌ إِلاَّ
أَنَّهُ حَجَمَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
فَامْتَعَضَ لَهَا أَبُو بُرْدَةَ، وَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ
مَا حَجَمَ أَحَداً غَيْرَهُ.
فَقَالَ الفَرَزْدَقُ: كَانَ أَبُو مُوْسَى أَوْرَعَ مِنْ
أَنْ يُجَرِّبَ الحِجَامَةَ فِي رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَسَكَتَ أَبُو بُرْدَةَ عَلَى حَنَقٍ.
2 - أَبُو حَازِمٍ الأَشْجَعِيُّ سَلْمَانُ الكُوْفِيُّ *
(ع)
صَاحِبُ أَبِي هُرَيْرَةَ، مُحَدِّثٌ، ثِقَةٌ.
وَاسْمُهُ: سَلْمَانُ الكُوْفِيُّ، مَوْلَى عَزَّةَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَكْثَرَ، وَعَنِ: ابْنِ
عُمَرَ، وَالحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ.
رَوَى عَنْهُ: مَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ، وَمُحَمَّدُ بنُ
جُحَادَةَ، وَفُرَاتٌ القَزَّازُ، وَجَمَاعَةٌ.
وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِيْنٍ.
__________
(1) في " تهذيب الكمال " عن المدائني قال: كان بلال قد خاف
الجذام، فوصف له السمن يستنقع فيه، فكان يفعل ثم يأمر بذلك
السمن، فيباع، فتنكب الناس شراء السمن بالبصرة.
(2) انظر ترجمته وخبر تعذيبه بلالا في " وفيات الأعيان " 7
/ 101، 112، وقد قالوا: إنه أول من أظهر الجور من القضاة
في الحكم، وكان يقول: إن الرجلين ليختصمان إلي، فأجد
أحدهما أخف على قلبي، فأقضي له.
(*) طبقات ابن سعد 6 / 294، التاريخ الكبير 4 / 137، الجرح
والتعديل 4 / 297، تهذيب الكمال: 525، تهذيب التهذيب 2 /
41 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 73، 74، تهذيب التهذيب 4 / 140،
خلاصة تذهيب الكمال: 147.
(5/7)
وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً: نُعِيْمُ بنُ
أَبِي حُمَيْدٍ، وَيَزِيْدُ بنُ كَيْسَانَ، وَفُضَيْلُ بنُ
غَزْوَانَ.
مَاتَ: فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ،
قَرِيْباً مِنْ سَنَةِ مائَةٍ.
يُقَالُ: إِنَّهُ جَالَسَ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ
سِنِيْنَ.
3 - أَبُو زُرْعَةَ بنُ عَمْرِو بنِ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ
اللهِ البَجَلِيُّ * (ع)
الكُوْفِيُّ، مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِيْنَ،
وَعُلَمَائِهِم.
اسْمُهُ: كُنْيَتُهُ عَلَى الأَشْهَرِ.
وَقِيْلَ: اسْمُهُ: هَرِمٌ.
وَقِيْلَ: اسْمُهُ: عَمْرٌو كَأَبِيْهِ، وَذَلِكَ لأَنَّ
أَبَاهُ مَاتَ فِي حَيَاةِ جَدِّهِ، فَسُمِّيَ أَبُو
زُرْعَةَ بِاسْمِهِ.
قِيْلَ: إِنَّهُ رَأَى عَلِيّاً.
وَحَدَّثَ عَنْ: جَدِّهِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ
اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَخَرَشَةَ بنِ الحُرِّ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَمُّهُ؛ إِبْرَاهِيْمُ، وَحَفِيْدَاهُ؛
جَرِيْرٌ وَيَحْيَى ابْنَا أَيُّوْبَ بنِ أَبِي زُرْعَةَ،
وَالحَارِثُ بنُ عَبْدِ اللهِ العُكْلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ
بنُ شُبْرُمَةَ، وَعُمَارَةُ بنُ القَعْقَاعِ، وَمُوْسَى
الجُهَنِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُدْرِكٍ، وَيَحْيَى بنُ
سَعِيْدٍ التَّيْمِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ ثِقَةً، نَبِيْلاً، شَرِيْفاً، كَثِيْرَ العِلْمِ،
وَفَدَ مَعَ جَدِّهِ جَرِيْرٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ.
4 - أَبُو المُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ البَصْرِيُّ عَلِيُّ
بنُ دَاوُدَ ** (ع)
مُحَدِّثٌ، إِمَامٌ، اسْمُهُ: عَلِيُّ بنُ دَاوُدَ.
وَقِيْلَ: إِنَّ دَاوُدَ
__________
(*) طبقات ابن سعد 6 / 297، طبقات خليفة 158، الجرح
والتعديل 9 / 374، تهذيب الكمال: 1605 تهذيب التهذيب 4 /
213 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 74، تهذيب التهذيب 12 / 99،
خلاصة تهذيب الكمال 450.
(* *) طبقات ابن سعد 7 / 225، طبقات خليفة 206، التاريخ
الكبير 6 / 273، الجرح والتعديل 6 / 184، تهذيب الكمال:
970، تذهيب التهذيب 3 / 61 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 223،
تهذيب التهذيب 12 / 99، خلاصة تذهيب الكمال: 450.
(5/8)
حَدَّثَ عَنْ: عَائِشَةَ، وَأَبِي
هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ،
وَجَابِرٍ.
وَعَنْهُ: قَتَادَةُ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَخَالِدٌ
الحَذَّاءُ، وَعَلِيُّ بنُ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيُّ، وَأَبُو
عَقِيْلٍ بَشِيْرُ بنُ عُقْبَةَ، وَعِدَّةٌ.
مُتَّفَقٌ عَلَى ثِقَتِهِ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَةٍ.
5 - سَعْدُ بنُ عُبَيْدٍ أَبُو حَمْزَةَ السُّلَمِيُّ *
(ع)
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو حَمْزَةَ السُّلَمِيُّ،
الكُوْفِيُّ، مِنْ عُلَمَاءِ الكُوْفَةِ، وَكَانَ زَوْجَ
ابْنَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ.
حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَالبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ،
وَالمُسْتَورِدِ بنِ الأَحْنَفِ.
وَعَنْهُ: زُبَيْدٌ اليَامِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ
السُّدِّيُّ، وَمَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ، وَفِطْرُ بنُ
خَلِيْفَةَ.
مَاتَ: بَعْدَ المائَةِ.
وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ.
مَاتَ: فِي الكُهُوْلَةِ، فِي حُدُوْدِ سَنَةِ بِضْعٍ
وَمائَةٍ، وَلَوْلاَ قِدَمُ مَوْتِهِ، لأَخَّرْتُهُ إِلَى
الطَّبَقَةِ الآتِيَةِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
6 - سَعِيْدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ ** (ع)
حِجَازِيٌّ جَلِيْلٌ، مِنْ مَوَالِي سَمُرَةَ بنِ
جُنْدَبٍ.
__________
(*) طبقات ابن سعد 6 / 298، طبقات خليفة: 155، تاريخ
خليفة: 355، الجرح والتعديل 4 / 89، تهذيب الكمال: 474،
تذهيب التهذيب 2 / 10 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 118، تهذيب
التهذيب 4 / 478، خلاصة تذهيب الكمال: 135.
(* *) طبقات خليفة: 264، التاريخ الكبير 3 / 518، الجرح
والتعديل 4 / 71، كتاب المجروحين 1 / 362، تهذيب الكمال:
509، تذهيب التهذيب 2 / 30 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 119،
العبر 1 / 123، تهذيب التهذيب 4 / 93، خلاصة تذهيب الكمال:
143، شذرات الذهب 1 / 123.
(5/9)
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي مُوْسَى
الأَشْعَرِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
وَعَنْ: عَبِيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَمُطَرِّفِ بنِ
عَبْدِ اللهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَيَزِيْدُ بنُ
أَبِي حَبِيْبٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَنَافِعُ بنُ عُمَرَ
الجُمَحِيُّ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ فِي خِلاَفَةِ هِشَامٍ، فِي
أَوَّلِهَا.
قُلْتُ: لَعَلَّهُ تُوُفِّيَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عَشْرٍ
وَمائَةٍ.
اتَّفَقُوا عَلَى الاحْتِجَاجِ بِهِ.
وَمَاتَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي
هِنْدٍ: سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
رَوَى: البُخَارِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ.
فَذَلِكَ مِنْ عَوَالِي (صَحِيْحِهِ).
7 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبَانٍ الأُمَوِيُّ * (4)
ابْنِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ،
أَحَدُ مَنْ يَصْلُحُ لِلْخِلاَفَةِ.
رَوَى عَنْ أَبِيْهِ يَسِيْراً.
وَعَنْهُ: عُمَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وَمُوْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ.
قَالَ مُوْسَى التَّيْمِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً
أَجْمَعَ لِلدِّيْنِ وَالمَمْلَكَةِ وَالشَّرَفِ مِنْهُ.
وَقِيْلَ: كَانَ يَشْتَرِي أَهْلَ البَيْتِ،
فَيَكْسُوْهُم، وَيُعْتِقُهُم، وَيَقُوْلُ: أَسْتَعِيْنُ
بِهِم عَلَى غَمَرَاتِ المَوْتِ (1) ، فَمَاتَ وَهُوَ
نَائِمٌ فِي مَسْجِدِهِ.
وَقِيْلَ: كَانَ كَثِيْرَ العِبَادَةِ
__________
(*) طبقات خليفة 259، الجرح والتعديل 5 / 210، تهذيب
الكمال 772، تذهيب التهذيب 2 / 203 / 1، تاريخ الإسلام 4 /
140، تهذيب التهذيب 6 / 130، خلاصة تذهيب الكمال: 223.
(1) نص الخبر في " تهذيب الكمال ": كان عبد الرحمن بن أبان
يشتري أهل البيت، ثم يأمر بهم
فيكسون، ثم يعرضون عليه، فيقول أنتم أحرار لوجه الله،
أستعين بكم على غمرات الموت (*).
(5/10)
وَالتَّأَلُّهِ، رَآهُ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ
اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، فَأَعْجَبَهُ نُسُكُهُ وَهَدْيُهُ،
فَاقْتَدَى بِهِ فِي الخَيْرِ.
8 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَسْوَدِ بنِ يَزِيْدَ
النَّخَعِيُّ * (ع)
ابْنِ قَيْسٍ، أَبُو حَفْصٍ النَّخَعِيُّ، الكُوْفِيُّ،
الفَقِيْهُ، الإِمَامُ ابْنُ الإِمَامِ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَمِّهِ؛ عَلْقَمَةَ بنِ
قَيْسٍ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِم.
وَأَدْرَكَ أَيَّامَ عُمَرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الأَعْمَشُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي
خَالِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَحَجَّاجُ بنُ
أَرْطَاةَ، وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَزُبَيْدٌ
اليَامِيُّ، وَأَبُو إِسْرَائِيْلَ المُلاَئِيُّ، وَأَبُو
بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ
المَسْعُوْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الصَّقْعَبُ بنُ زُهَيْرٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بنِ الأَسْوَدِ، قَالَ:
كَانَ أَبِي يَبْعَثُنِي إِلَى أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ
عَائِشَةَ، فَلَمَّا احْتَلَمْتُ، أَتَيْتُهَا،
فَنَادَيْتُ مَنْ وَرَاءِ الحِجَابِ: يَا أُمَّ
المُؤْمِنِيْنَ، مَا يُوْجِبُ الغُسْلَ؟
فَقَالَتْ: أَفَعَلْتَهَا يَا لُكَعُ؟ إِذَا الْتَقَتِ
المُوَاسِي (1) .
قَالَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ
بنِ الأَسْوَدِ: وَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْأَلَ كَمَا
سَأَلَ إِبْرَاهِيْمُ؟
قَالَ: إِنَّهُ كَانَ يُقَالُ: جَرِّدُوا القُرْآنَ.
قُلْتُ: كَانَ مِنَ المُتَهِجِّدِيْنَ العُبَّادِ.
وَرَوَى: مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، عَنْ رَجُلٍ:
أَنَّهُ عَدَّ عَلَى ابْنِ الأَسْوَدِ يَوْمَ جُمُعَةٍ
قَبْلَ الصَّلاَةِ سِتّاً وَخَمْسِيْنَ رَكْعَةً.
__________
(*) طبقات ابن سعد 6 / 289، طبقات خليفة 157، التاريخ
الكبير 5 / 252، الجرح والتعديل 5 / 209، تهذيب الكمال:
776، تذهيب التهذيب 2 / 204 / 2، العبر 1 / 116، تاريخ
الإسلام 4 / 24، تهذيب التهذيب 6 / 140.
(1) الخبر في " طبقات ابن سعد " 6 / 289.
(5/11)
وَرَوَى: حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ:
قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَسْوَدِ
حَاجّاً، فَاعْتَلَّتْ رِجْلُهُ، فَصَلَّى عَلَى قَدَمٍ
حَتَّى أَصْبَحَ.
وَقَالَ هِلاَلُ بنُ خَبَّابٍ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ الأَسْوَدِ، وَعُقْبَةُ مَوْلَى أَدِيْمٍ، وَسَعْدٌ
أَبُو هِشَامٍ يُحْرِمُوْنَ مِنَ الكُوْفَةِ،
وَيَصُوْمُوْنَ يَوْماً، وَيُفْطِرُوْنَ يَوْماً حَتَّى
يَرْجِعُوا.
وَعَنِ الحَكَمِ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ الأَسْوَدِ
لَمَّا احْتُضِرَ، بَكَى، فَقِيْلَ لَهُ؟
فَقَالَ: أَسَفاً عَلَى الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ.
وَلَمْ يَزَلْ يَتْلُو حَتَّى مَاتَ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَهْلُ بَيْتٍ خُلِقُوا لِلْجَنَّةِ:
عَلْقَمَةُ، وَالأَسْوَدُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ.
وَرُوِيَ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ صَامَ حَتَّى أَحْرَقَ
الصَّوْمُ لِسَانَهُ.
قَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ، أَوْ تِسْعٍ
وَتِسْعِيْنَ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ: أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى عُمَرَ
بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.
9 - عِكْرِمَةُ أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم
* (خَ، 4، م مَقْرُوْناً)
العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، المُفَسِّرُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ
القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ، البَرْبَرِيُّ
الأَصْلِ.
__________
(*) طبقات ابن سعد 5 / 287، طبقات خليفة: 280، التاريخ
الصغير 1 / 257، 258 و2 / 119، مقدمة فتح الباري: 424،
429، تاريخ الفسوي 2 / 5، الجرح والتعديل 7 / 7، طبقات
الشيرازي 70، حلية الأولياء 3 / 326 - 347، تهذيب الأسماء
واللغات 1 / 340، وفيات الأعيان 3 / 265، تهذيب الكمال:
954، 957، تذهيب التهذيب 3 / 49 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 95،
ميزان الاعتدال 3 / 93، العبر 1 / 131، تاريخ الإسلام 4 /
156، دول الإسلام: 75، العقد الثمين 6 / 123، 125، تهذيب
التهذيب 7 / 263، النجوم الزاهرة 1 / 163، طبقات الحفاظ
37، خلاصة تذهيب الكمال: 270، طبقات المفسرين 1 / 380،
شذرات الذهب 1 / 130، شرح العلل 1 / 325، 326
(5/12)
قِيْلَ: كَانَ لِحُصَيْنِ بنِ أَبِي
الحُرِّ العَنْبَرِيِّ، فَوَهَبَهُ لابْنِ عَبَّاسٍ.
حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي
هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو،
وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، وَعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ -
وَذَلِكَ فِي (النَّسَائِيِّ)، وَأَظُنُّهُ مُرْسَلاً -
وَصَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ، وَالحَجَّاجِ بنِ عَمْرٍو
الأَنْصَارِيِّ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَحَمْنَةَ
بِنْتِ جَحْشٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَأُمِّ
عُمَارَةَ الأَنْصَارِيَّةِ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْ: يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ
رَافِعٍ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ،
وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي قَتَادَةَ، وَعَبْدِ اللهِ
بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ،
وَالشَّعْبِيُّ - وَمَاتَا قَبْلَهُ - وَعَمْرُو بنُ
دِيْنَارٍ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بنُ زَيْدٍ،
وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، وَالحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَعَبْدُ اللهِ
بنُ كَثِيْرٍ الدَّارِيُّ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ
الجَزَرِيُّ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ أَبُو أُمَيَّةَ
البَصْرِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الأَقْمَرِ، وَقَتَادَةُ،
وَمَطَرٌ الوَرَّاقُ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَأَبُو
إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ
الشَّيْبَانِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئ -
مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ،
وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنْ جِلَّةِ التَّابِعِيْنَ،
وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ،
وَثَوْرُ بنُ زَيْدٍ الدِّيْلِيُّ، وَثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ
الحِمْصِيُّ، وَجَابِرٌ الجُعْفِيُّ، وَأَبُو بِشْرٍ
جَعْفَرٌ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَالحَسَنُ بنُ
زَيْدٍ وَالِدُ السِّتِّ نَفِيْسَةَ، وَحُسَيْنُ بنُ
عَبْدِ اللهِ العَبَّاسِيُّ، وَحُسَيْنُ بنُ قَيْسٍ
الرَّحَبِيُّ، وَحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ المَرْوَزِيُّ،
وَالحَكَمُ بنُ أَبَانٍ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ،
وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَدَاوُدُ بنُ الحُصَيْنِ، وَأَبُو
الجَحَّافِ دَاوُدُ بنُ أَبِي عَوْفٍ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي
هِنْدٍ، وَالزُّبَيْرُ بنُ الحُرَيْثِ، وَزَيْدٌ أَبُو
أُسَامَةَ الحَجَّامُ، وَزَيْدٌ مَوْلَى قَيْسٍ
الحَذَّاءِ، وَسَعِيْدُ بنُ مَسْرُوْقٍ، وَسُفْيَانُ بنُ
دِيْنَارٍ التَّمَّارُ، وَسُفْيَانُ بنُ زِيَادٍ
العُصْفُرِيُّ، وَالأَعْمَشُ، وَسَلَمَةُ بنُ وَهْرَامَ،
وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَصَالِحُ بنُ رُسْتُمَ الخَزَّازُ،
وَصَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو الحِمْصِيُّ، وَعَاصِمُ بنُ
بَهْدَلَةَ، وَعَاصِمٌ
(5/13)
الأَحْوَلُ، وَعَبَّادُ بنُ مَنْصُوْرٍ،
وَعَبْدُ اللهِ بنُ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ، وَأَبُو حَرِيْزٍ
عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، وَابْنُ طَاوُوْسٍ، وَعَبْدُ
اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ،
وَعَبْدُ اللهِ بنُ عِيْسَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ كَيْسَانَ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ الأَصْبَهَانِيِّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ الغَسِيْلِ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ،
وَابْنُ جُرَيْجٍ - مُرْسَلٌ - وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ
أَبِي بَشِيْرٍ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ صَفْوَانَ،
وَعُثْمَانُ بنُ سَعْدٍ الكَاتِبُ، وَعُثْمَانُ
الشَّحَّامُ، وَعُثْمَانُ بنُ غِيَاثٍ، وَعَطَاءُ بنُ
السَّائِبِ، وَعُقَيْلٌ الأَيْلِيُّ، وَعِلْبَاءُ بنُ
أَحْمَرَ، وَعَلِيُّ بنُ بَذِيْمَةَ، وَعُمَارَةُ بنُ
أَبِي حَفْصَةَ، وَعُمَرُ بنُ عَطَاءِ بنِ وَرَازٍ،
وَعُمَرُ بنُ فَرُّوْخٍ العَبْدِيُّ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي
عَمْرٍو مَوْلَى المُطَّلِبِ، وَعَمْرُو بنُ مُسْلِمٍ
الجَنَدِيُّ، وَعَمْرُو بنُ هَرِمٍ، وَالفَضْلُ بنُ
مَيْمُوْنٍ، وَفَضْلُ بنُ غَزْوَانَ، وَفِطْرُ بنُ
خَلِيْفَةَ، وَقُبَاثُ بنُ رَزِيْنٍ اللَّخْمِيُّ،
وَلَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَأَبُو الأَسْوَدِ يَتِيْمُ
عُرْوَةَ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَمُغِيْرَةُ بنُ مِقْسَمٍ،
وَمُقَاتِلُ بنُ حَيَّانَ، وَمَنْصُوْرُ بنُ النُّعْمَانِ
اليَشْكُرِيُّ، وَمَهْدِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَمُوْسَى بنُ
أَيُّوْبَ الغَافِقِيُّ، وَمُوْسَى بنُ مُسْلِمٍ
الطَّحَّانُ، وَنِزَارُ بنُ حَيَّانَ، وَالنَّضْرُ أَبُو
عُمَرَ الخَزَّازُ، وَنُوْحُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَهِشَامُ
بنُ حَسَّانٍ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ
النَّحْوِيُّ، وَأَبُو الأَشْهَبِ العُطَارِدِيُّ،
وَأُمَمٌ سِوَاهُم.
رَوَى: حَرَمِيُّ بنُ عُمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بنِ حَسَّانٍ:
سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُوْلُ: طَلَبْتُ العِلْمَ
أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَكُنْت أُفْتِي بِالبَابِ، وَابْنُ
عَبَّاسٍ فِي الدَّارِ.
وَرَوَى: الزُّبَيْرُ بنُ الخِرِّيْتِ، عَنْ عِكْرِمَةَ،
قَالَ:
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَضَعُ فِي رِجْلِي الكَبْلَ (1)
عَلَى تَعَلِيْمِ القُرْآنِ وَالسُّنَنِ.
وَرَوَى: يَزِيْدُ النَّحْوِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ:
أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْطَلِقْ، فَأَفْتِ
النَّاسَ، وَأَنَا لَكَ عَوْنٌ.
قُلْتُ: لَوْ أَنَّ هَذَا النَّاسَ مِثْلُهُم مَرَّتَيْنِ،
لأَفْتَيْتُهُم.
__________
(1) الكبل: القيد من أي شيء كان، وفي قصيدة كعب: بانت سعاد
فقلبي اليوم متبول * متيم إثرها لم يفد مكبول.
أي: مقيد.
(5/14)
قَالَ: انْطَلِقْ، فَأَفْتِهِم، فَمَنْ
جَاءكَ يَسْأَلُكَ عَمَّا يَعْنِيْهِ، فَأَفْتِهِ، وَمَنْ
سَأَلَكَ عَمَّا لاَ يَعْنِيْهِ، فَلاَ تُفْتِهِ،
فَإِنَّكَ تَطْرَحُ عَنْكَ ثُلُثَيْ مُؤْنَةِ النَّاسِ.
قَالَ عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ: رَأَيْتُ
عِكْرِمَةَ أَبْيَضَ اللِّحْيَةِ، عَلَيْهِ عِمَامَةٌ
بَيْضَاءُ، طَرَفُهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَدْ أَدَارَهَا
تَحْتَ لِحْيَتِهِ، وَقَمِيْصُهُ إِلَى الكَعْبَيْنِ،
وَكَانَ رِدَاؤُهُ أَبْيَضَ، وَقَدِمَ عَلَى بِلاَلِ بنِ
مِرْدَاسٍ - وَكَانَ عَلَى المَدَائِنِ (1) - فَأَجَازَهُ
بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ، فَقَبَضَهَا مِنْهُ.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: عِكْرِمَةُ: مِنْ
سُكَّانِ المَدِيْنَةِ، وَقَدْ كَانَ سَكَنَ مَكَّةَ،
قَدِمَ مِصْرَ.
قُلْتُ: كَانَ كَثِيْرَ الأَسْفَارِ.
قَالَ: وَنَزَلَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَسَّاسِ
الغَافِقِيِّ، وَصَارَ إِلَى إِفْرِيْقِيَةَ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ المَرْوَزِيُّ: كَانَ
أَعْلَمَ شَاكِرْدِيِّ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالتَّفْسِيْرِ (2)
، وَكَانَ يَدُوْرُ البُلْدَانَ يَتَعَرَّضُ.
وَقَدِمَ مَرْوَ عَلَى مَخْلَدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ
المُهَلَّبِ، وَكَانَ يَجْلِسُ فِي السَّرَّاجِيْنَ فِي
دُكَّانِ أَبِي سَلَمَةَ السَّرَاجِ مُغِيْرَةَ بنِ
مُسْلِمٍ، فَحَمَلَهُ عَلَى بَغْلَةٍ خَضْرَاءَ.
وَقَالَ أَبُو تُمَيْلَةَ: عَنْ ضِمَادِ بنِ عَامِرٍ
القَسْمَلِيِّ، عَنِ الفَرَزْدَقِ بنِ جَوَّاسٍ
الحِمَّانِيِّ، قَالَ:
كُنَّا مَعَ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ بِجُرْجَانَ، فَقَدِمَ
عَلَيْنَا عِكْرِمَةُ، فَقُلْنَا لِشَهْرٍ: أَلاَ
نَأْتِيْهِ؟
قَالَ: ائْتُوْهُ، فَإِنَّهُ لَمْ تَكُنْ أُمَّةٌ إِلاَّ
كَانَ لَهَا حَبْرٌ، وَإِنَّ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ
حَبْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ.
قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مَعْقِلٍ: لَمَّا قَدِمَ
عِكْرِمَةُ الجُنْدَ، أَهْدَى لَهُ طَاوُوْسٌ نُجُباً
بِسِتِّيْنَ دِيْنَاراً.
فَقِيْلَ لِطَاوُوْسٍ: مَا يَصْنَعُ هَذَا العَبْدُ
بِنُجُبٍ بِسِتِّيْنَ دِيْنَاراً؟
قَالَ: أَتَرَوْنِي لاَ أَشْتَرِي عِلْمَ ابْنِ عَبَّاسٍ
بِسِتِّيْنَ دِيْنَاراً لِعَبْدِ اللهِ بنِ طَاوُوْسٍ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ،
وَعِكْرِمَةُ عَبْدٌ لَمْ يُعْتَقْ، فَبَاعَهُ
__________
(1) المدائن: قرب بغداد تبعد عنها سبعة فراسخ على حافتي
دجلة، كانت مسكن الملوك من الاكاسرة الساسانية، وفتحت على
يد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في صفر في خلافة عمر رضي
الله عنه.
(2) شاكردي: كلمة فارسية معناها: التلميذ والخادم،
والمعنى: كان عكرمة أعلم تلاميذ ابن عباس بالتفسير.
(5/15)
عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ.
فَقِيْلَ لَهُ: تَبِيْعُ عِلْمَ أَبِيْكَ؟!
فَاسْتَرَدَّهُ.
رَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي
سَبْرَةَ، قَالَ:
بَاعَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ عِكْرِمَةَ
مِنْ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ بِأَرْبَعَةِ
آلاَفِ دِيْنَارٍ.
فَقَالَ لَهُ عِكْرِمَةُ: مَا خِيْرَ لَكَ، بِعْتَ عِلْمَ
أَبِيْكَ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ؟!
فَاسْتَقَالَهُ، فَأَقَالَهُ، وَأَعْتَقَهُ.
دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ:
قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الآيَةَ : {لِمَ تَعِظُوْنَ
قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُم أَوْ مُعَذِّبُهُم عَذَاباً
شَدِيْداً } [الأَعْرَافُ: 164].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ أَدْرِ، أَنَجَا القَوْمُ أَمْ
هَلَكُوا؟
قَالَ: فَمَا زِلْتُ أُبَيِّنُ لَهُ أُبَصِّرُهُ حَتَّى
عَرَفَ أَنَّهُم قَدْ نَجَوْا.
قَالَ: فَكَسَانِي حُلَّةً.
ابْنُ فُضَيْلٍ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ حَكِيْمٍ، قَالَ:
كُنْتُ جَالِساً مَعَ أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ، إِذْ
جَاءَ عِكْرِمَةُ، فَقَالَ:
يَا أَبَا أُمَامَةَ، أُذَكِّرُكَ اللهَ، هَلْ سَمِعْتَ
ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ: مَا حَدَّثَكُم عَنِّي
عِكْرِمَةُ، فَصَدِّقُوْهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ
عَلَيَّ؟
فَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: نَعَمْ.
قَالَ أَيُّوْبُ: عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ:
دَفَعَ إِلَيَّ جَابِرُ بنُ زَيْدٍ مَسَائِلَ، أَسْأَلُ
عِكْرِمَةَ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: هَذَا عِكْرِمَةُ مَوْلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ، هَذَا البَحْرُ، فَسَلُوْهُ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ أَبَا
الشَّعْثَاءِ يَقُوْلُ: هَذَا عِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ
عَبَّاسٍ، هَذَا أَعْلَمُ النَّاسِ.
قَالَ سُفْيَانُ: الوَجْهُ الَّذِي عَلَيْهِ فِيْهِ
عِكْرِمَةُ المَغَازِي، إِذَا تَكَلَّم فَسَمِعَهُ
إِنْسَانٌ، قَالَ: كَأَنَّهُ مُشْرِفٌ عَلَيْهِم يَرَاهُم.
مُغِيْرَةُ: قِيْلَ لِسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ: تَعْلَمُ
أَحَداً أَعْلَمَ مِنْكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، عِكْرِمَةُ.
قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: تَزَوَّجَ عِكْرِمَةُ
أُمَّ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، فَلَمَّا قُتِلَ سَعِيْدٌ
(1) ، قَالَ إِبْرَاهِيْمُ: مَا خَلَّفَ بَعْدَهُ
مِثْلَهُ.
__________
(1) قتله شقي هذه الأمة الحجاج بن يوسف الثقفي.
(5/16)
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ:
سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُوْلُ:
مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللهِ مِنْ
عِكْرِمَةَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِالحَلاَلِ
وَالحَرَامِ: الحَسَنُ، وَأَعْلَمُهُم بِالمَنَاسِكِ:
عَطَاءٌ، وَأَعْلَمُهُم بِالتَّفْسِيْرِ: عِكْرِمَةُ.
وَرَوَى: سَعِيْدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:
كَانَ أَعْلَمَ التَّابِعِيْنَ أَرْبَعَةٌ: كَانَ عَطَاءٌ
أَعْلَمَهُم بِالمَنَاسِكِ، وَكَانَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ
أَعْلَمَهُم بِالتَّفْسِيْرِ، وَكَانَ عِكْرِمَةُ
أَعْلَمَهُم بِسِيْرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ الحَسَنُ أَعْلَمَهُم
بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ.
رَوَى: حَاتِمُ بنُ وَرْدَانَ، عَنْ أَيُّوْبَ، قَالَ:
اجْتَمَعَ حُفَّاظُ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِنْهُم: سَعِيْدُ بنُ
جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُوْسٌ عَلَى عِكْرِمَةَ،
فَأَقْعَدُوْهُ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُوْنَهُ عَنْ حَدِيْثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، فَكُلَّمَا حَدَّثَهُم حَدِيْثاً، قَالَ
سَعِيْدٌ: هَكَذَا، يَعْقِدُ ثَلاَثِيْنَ، حَتَّى سُئِلَ
عَنِ الحُوْتِ (1) ؟
فَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ يُسَايِرُهُمَا فِي ضَحْضَاحٍ
مِنَ المَاءِ.
فَقَالَ سَعِيْدٌ: أَشْهَدُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ
قَالَ: كَانَا يَحْمِلاَنِهِ فِي مِكْتَلٍ.
فَقَالَ أَيُّوْبُ: أُرَاهُ كَانَ يَقُوْلُ القَوْلَيْنِ
جَمِيْعاً.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ:
إِنَّ عِكْرِمَةَ وَسَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ اخْتَلَفَا فِي
رَجُلٍ مِنَ المُسْتَهْزِئِيْنَ.
فَقَالَ سَعِيْدٌ: الحَارِثُ بنُ غَيْطَلَةَ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الحَارِثُ بنُ قَيْسٍ.
فَقَالَ: صَدَقَا جَمِيْعاً، كَانَتْ أُمُّهُ تُدْعَى
غَيْطَلَةَ (2) ، وَكَانَ أَبُوْهُ يُدْعَى قَيْساً.
__________
(1) يريد الحوت الذي نسيه موسى وفتاه حين بلغا مجمع
البحرين، والضحضاح: مارق من الماء على وجه الأرض إلى نحو
الكعبين، وقد استعير للنار في حديث أبي سعيد الخدري أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب،
فقال: " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من
نار يبلغ كعبيه يغلي منها دماغه " أخرجه البخاري 7 / 149،
ومسلم (210).
(2) وهو كذلك في تفسير الطبري 14 / 70، وفي سيرة ابن هشام
1 / 409: الحارث بن الطلاطلة.
قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على
أمر الله تعالى صابرا محتسبا مؤديا إلى قومه النصيحة على
ما يلقى منهم من التكذيب والاذى والاستهزاء.
وذكر عظماء المستهزئين، ثم قال: فلما تمادوا في الشر،
وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء، أنزل
الله تعالى عليه (فاصدع بما تؤمر وأعرض =
(5/17)
أَبُو سِنَانٍ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي
ثَابِتٍ، قَالَ:
اجْتَمَعَ عِنْدِي خَمْسَةٌ لاَ يَجْتَمِعُ مِثْلُهُم
أَبَداً: عَطَاءٌ، وَطَاوُوْسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيْدُ
بنُ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ، فَأَقْبَلَ مُجَاهِدٌ
وَسَعِيْدٌ يُلْقِيَانِ عَلَى عِكْرِمَةَ التَّفْسِيْرَ،
فَلَمْ يَسْأَلاَهُ عَنْ آيَةٍ إِلاَّ فَسَّرَهَا لَهُمَا.
فَلَمَّا نَفِدَ مَا عِنْدَهُمَا، جَعَلَ يَقُوْلُ:
أُنْزِلَتْ آيَةُ كَذَا فِي كَذَا، وَآيَةُ كَذَا فِي
كَذَا.
قَالَ: ثُمَّ دَخَلُوا الحَمَّامَ لَيْلاً.
قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ
سِتَّةٌ: مُجَاهِدٌ، وَطَاوُوْسٌ، وَعَطَاءٌ، وَسَعِيْدٌ،
وَعِكْرِمَةُ، وَجَابِرُ بنُ زَيْدٍ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ أَيُّوْبَ يَقُوْلُ:
لَوْ قُلْتُ لَكَ: إِنَّ الحَسَنَ تَرَكَ كَثِيْراً مِنَ
التَّفْسِيْرِ حِيْنَ دَخَلَ عَلَيْنَا عِكْرِمَةُ
البَصْرَةَ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا، لَصَدَقْتُ.
قَالَ الثَّوْرِيُّ: خُذُوا التَّفْسِيْرَ عَنْ
أَرْبَعَةٍ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ،
وَعِكْرِمَةَ، وَالضَّحَّاكِ.
قَالَ أَيُّوْبُ: قَالَ عِكْرِمَةُ:
إِنِّي لأَخْرُجُ إِلَى السُّوْقِ، فَأَسْمَعُ الرَّجُلَ
يَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ، فَيَنْفَتِحُ لِي خَمْسُوْنَ
بَاباً مِنَ العِلْمِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ: قَالَ لِي ابْنُ جُرَيْجٍ:
قَدِمَ عَلَيْكُم عِكْرِمَةُ؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: فَكَتَبْتُم عَنْهُ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: فَاتَكُم ثُلُثَا العِلْمِ.
وَقَالَ أَبُو مَسْلَمَةَ سَعِيْدُ بنُ يَزِيْدَ: سَمِعْتُ
عِكْرِمَةَ يَقُوْلُ: مَا لَكُم لاَ تَسْأَلُوْنِي،
أَفْلَسْتُم؟
أُمَيَّةُ بنُ شِبْلٍ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوْبَ،
قَالَ:
قَدِمَ عَلَيْنَا عِكْرِمَةُ، فَاجْتَمَعَ النَّاس
عَلَيْهِ حَتَّى صَعِدَ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتٍ.
مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوْبَ، قَالَ:
كُنْتُ أُرِيْدُ أَنْ أَرْحَلَ إِلَى عِكْرِمَةَ، إِلَى
أُفُقٍ مِنَ الآفَاقِ، فَإِنِّي لَفِي سُوْقِ البَصْرَةِ،
إِذَا رَجُلٌ عَلَى حِمَارٍ، فَقِيْلَ لِي: عِكْرِمَةُ.
فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَمَا
قَدِرْتُ عَلَى شَيْءٍ أَسْأَلُهُ، ذَهَبَتْ مِنِّي
المَسَائِلُ، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِ حِمَارِهِ، فَجَعَلَ
النَّاسُ يَسْأَلُوْنَهُ، وَأَنَا أَحْفَظُ.
وَعَنْ أَيُّوْبَ - وَسُئِلَ عَنْ عِكْرِمَةَ - فَقَالَ:
لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي ثِقَةً، لَمْ أَكْتُبْ
__________
= عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله
إلها آخر فسوف يعلمون) [ الحجر: 95 ].
(5/18)
عَنْهُ.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: قِيْلَ لأَيُّوْبَ:
أَكُنْتُم تَتَّهِمُوْنَ عِكْرِمَةَ؟
قَالَ: أَمَّا أَنَا، فَلَمْ أَكُنْ أَتَّهِمُهُ.
الأَعْمَشُ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ:
مَرَّ عِكْرِمَةُ بِعَطَاءٍ وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ
يُحَدِّثهُم، فَلَمَّا قَامَ، قُلْتُ لَهُم: مَا
تُنْكِرَانِ مِمَّا حَدَّثَ شَيْئاً؟
قَالاَ: لاَ.
شَيْبَانُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ
جُبَيْرٍ يَقُوْلُ:
إِنَّكُم لَتُحَدِّثُوْنَ عَنْ عِكْرِمَةَ بِأَحَادِيْثَ،
لَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ مَا حَدَّثَ بِهَا.
قَالَ: فَجَاءَ عِكْرِمَةُ، فَحَدَّثَ بِتِلْكَ
الأَحَادِيْثِ كُلِّهَا، وَالقَوْمُ سُكُوْتٌ، فَمَا
تَكَلَّمَ سَعِيْدٌ.
ثُمَّ قَامَ عِكْرِمَةُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ
اللهِ، مَا شَأْنُكَ؟
قَالَ: فَعَقَدَ ثَلاَثِيْنَ، وَقَالَ: أَصَابَ
الحَدِيْثَ.
قَالَ أَيُّوْبُ: قَالَ عِكْرِمَةُ:
أَرَأَيْتَ هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ يُكَذِّبُوْنِي مِنْ
خَلْفِي، أَفَلاَ يُكَذِّبُوْنِي فِي وَجْهِي؟!
حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ: عَنْ أَرْطَاةَ بنِ أَبِي
أَرْطَاةَ:
أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يُحَدِّثُ القَوْمَ، وَفِيْهِم
سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَغَيْرُهُ، فَقَالَ: إِنَّ
لِلْعِلْمِ ثَمَناً، فَأَعْطُوْهُ ثَمَنَهُ.
قَالُوا: وَمَا ثَمَنُهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
قَالَ: أَنْ تَضَعَهُ عِنْدَ مَنْ يُحْسِنُ حِفْظَهُ وَلاَ
يُضَيِّعُهُ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ: لَقِيْتُ عِكْرِمَةَ
وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ، قُلْتُ: أَيَحْفَظُ هَذَا مِنْ
حَدِيْثِكَ شَيْئاً؟
قَالَ: إِنَّهُ يُقَالُ: أَزْهَدُ النَّاسِ فِي عَالِمٍ
أَهْلُهُ.
قَالَ حَمَّادٌ: عَنْ أَيُّوْبَ:
سَمِعْتُ رَجُلاً قَالَ لِعِكْرِمَةَ: فُلاَنٌ قَذَفَنِي
فِي النَّوْمِ.
قَالَ: اضْرِبْ ظِلَّهُ ثَمَانِيْنَ.
عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى السُّؤَّالَ
يَوْمَ الجُمُعَةِ، سَبَّهُم، وَيَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ
عَبَّاسٍ يَسُبُّهُم، وَيَقُوْلُ:
لاَ تَشْهَدُوْنَ جُمُعَةً وَلاَ عِيْداً إِلاَّ
لِلْمَسْأَلَةِ وَالأَذَى، وَإِذَا كَانَتْ رَغْبَةُ
النَّاسِ إِلَى اللهِ، كَانَتْ رَغْبْتُهُم إِلَى
النَّاسِ.
قُلْتُ: فَكَيْفَ إِذَا انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ غِنَىً مَا
عَنِ السُّؤَالِ، وَقُوَّةٌ عَلَى التَّكَسُّبِ.
وَقَدْ نَقَمُوا عَلَى هَذَا العَالِمِ أَخْلاَقاً
وَآرَاءً.
وَرَوَى: حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، عَنْ عِكْرِمَةَ:
أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ كَرَاهَةُ الحِجَامَةِ
لِلصَّائِمِ، قَالَ: أَفَلاَ تُكْرَهُ لَهُ الخِرَاءةُ.
(5/19)
ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ:
أَنَا أَوَّلُ مَنْ هَيَّجَ عِكْرِمَةَ عَلَى المَسِيْرِ
إِلَى إِفْرِيْقِيَةَ، قُلْتُ لَهُ: أَنَا أَعْرِفُ
قَوْماً لَوْ أَتَيْتَهُم.
قَالَ: فَلَقِيَنِي جَلِيْسٌ لَهُ، فَقَالَ: هُوَ ذَا
عِكْرِمَةُ يَتَجَهَّزُ إِلَى إِفْرِيْقِيَةَ.
فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِم، اتَّهَمُوْهُ.
قَالَ: وَكَانَ قَلِيْلَ العَقْلِ، خَفِيْفاً، كَانَ قَدْ
سَمِعَ الحَدِيْثَ مِنْ رَجُلَيْنِ، وَكَانَ إِذَا سُئِلَ
حَدَّثَ بِهِ عَنْ وَاحِدٍ، ثُمَّ يُسْأَلُ عَنْهُ بَعْدُ،
فَيُحَدِّثُ بِهِ عَنِ الآخَرِ، فَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ:
مَا أَكْذَبَهُ!
فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدٍ
الأَنْصَارِيِّ - وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ وَوَرَعٌ - فَقَالَ:
لاَ بَأْسَ، أَنَا أَشْفِيْكُم مِنْهُ.
فَبَعَثَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ سَمِعْتَ ابْنَ
عَبَّاسٍ يَقُوْلُ فِي كَذَا وَكَذَا؟
قَالَ: كَذَا وَكَذَا.
فَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ: صَدَقْتَ، سَأَلْتُ عَنْهَا ابْنَ
عَبَّاسٍ، فَقَالَ: هَكَذَا.
قَالَ ابْنُ لَهِيْعَةَ: وَكَانَ يُحَدِّثُ بِرَأْيِ
نَجْدَةَ الحَرُوْرِيِّ (1) ، وَأَتَاهُ، فَأَقَامَ
عِنْدَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ،
فَسَلَّمَ.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ جَاءَ الخَبِيْثُ.
سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، عَنْ
أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ:
كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ سَبَّبَ لِعِكْرِمَةَ الخُرُوْجَ
إِلَى المَغْرِبِ، وَذَلِكَ أَنِّي قَدِمْتُ مِنْ مِصْرَ
إِلَى المَدِيْنَةِ، فَلَقِيَنِي عِكْرِمَةُ، وَسَأَلَنِي
عَنْ أَهْلِ المَغْرِبِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِغَفْلَتِهِم.
قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِم، وَكَانَ أَوَّلَ مَا أَحْدَثَ
فِيْهِم رَأْيَ الصُّفْرِيَّةِ (2) .
__________
(1) هو نجدة بن عامر الحروري الحنفي من بني حنيفة رأس
الفرقة النجدية، ويعرف أصحابها بالنجدات، انفرد عن سائر
الخوارج بآراء والحرورية: نسبة إلى حروراء: موضع على ميلين
من الكوفة، كان أول اجتماع الخوارج به، فنسبوا إليه.
وقدم نجدة مكة، وقتل سنة 69 ه، وله مقالات معروفة، وأتباع
انقرضوا، مترجم في " تاريخ الإسلام " 3 / 88، و" لسان
الميزان " 6 / 148، و" شذرات الذهب " 1 / 76.
وقد قال الحافظ ابن حجر في " مقدمة الفتح " ص 427 وهو يرد
عن عكرمة ما ألصق به: لم يثبت عنه من وجه قاطع أنه كان يرى
ذلك، وإنما كان يوافق في بعض المسائل، فنسبوه إليهم، وقد
برأه أحمد والعجلي من ذلك، فقال في كتاب " الثقات " له:
عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما مكي تابعي ثقة برئ مما
يرميه الناس به من الحرورية.
وقال ابن جرير: ولو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب
الرديئة، ثبت عليه ما ادعي به وسقطت عدالته، وبطلت شهادته
بذلك، للزم ترك أكثر محدثي الأمصار، لأنه ما منهم إلا وقد
نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه.
(2) هم فرقة من الخوارج أتباع زياد بن الاصفر، وقولهم كقول
الازارقة في أن أصحاب الذنوب مشركون، إلا أن الصفرية لا
يرون قتل أطفال مخالفيهم ولا نسائهم، وقالوا: كل ذنب له حد
معلوم في =
(5/20)
قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: قَدِمَ
عِكْرِمَةُ مِصْرَ، وَنَزَلَ هَذِهِ الدَّارَ، وَخَرَجَ
إِلَى المَغْرِبِ، فَالخَوَارِجُ الَّذِيْنَ بِالمَغْرِبِ
عَنْهُ أَخَذُوا.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ عِكْرِمَةُ يَرَى
رَأْيَ نَجْدَةَ الحَرُوْرِيِّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ
مَعِيْنٍ يَقُوْلُ:
إِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ مَالِكٌ عِكْرِمَةَ -يَعْنِي فِي
(المُوَطَّأِ)-.
قَالَ: لأَنَّ عِكْرِمَةَ كَانَ يَنْتَحِلُ رَأْيَ
الصُّفْرِيَّةِ.
وَرَوَى: عُمَرُ بنُ قَيْسٍ المَكِّيُّ، عَنْ عَطَاءٍ،
قَالَ: كَانَ عِكْرِمَةُ إِبَاضِيّاً (1) .
وَعَنْ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: كَانَ عِكْرِمَةُ
بَيْهَسِيّاً (2) .
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الجُوْزَجَانِيُّ: سَأَلْتُ
أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَكَانَ يَرَى
رَأْيَ الإِبَاضِيَّةِ؟
فَقَالَ: يُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ صُفْرِيّاً.
قُلْتُ: أَتَى البَرْبَرَ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأَتَى خُرَاسَانَ يَطُوْفُ عَلَى
الأُمَرَاءِ، يَأْخُذُ مِنْهُم (3) .
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: حُكِيَ عَنْ
يَعْقُوْبَ الحَضْرَمِيِّ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
__________
= الشريعة لا يسمى مرتكبه مشركا ولا كافرا، بل يدعى باسمه
المشتق من جريمته، فيقال: سارق، وقاتل، وقاذف، وكل ذنب ليس
فيه حد كمن يترك الصلاة، فمرتكبه كافر، ولا يسمون مرتكب
واحد من هذين النوعين جميعا مؤمنا.
" مقالات الإسلاميين " ص 182، 183، " والفرق بين الفرق " ص
70، و" التبصير في الدين " ص 52، و" الملل والنحل " 1 /
137.
(1) هم أتباع عبد الله بن إباض من بني مرة بن عبيد بن تميم
خرج في دولة بني أمية، نقل عن الشهرستاني في " الملل
والنحل " 1 / 134 قوله: إن مخالفينا من أهل القبلة كفار
غير مشركين، ومناكحتهم جائزة، وموارثتهم حلال، وغنيمة
أموالهم عند الحرب حلال، وما سواه حرام، وحرام قتلهم
وسبيهم في السر غيلة إلا بعد نصب القتال، وإقامة الحجة،
ولا تزال بقية من هؤلاء في بلاد الجزائر، وقد طول الزركلي
في أعلامه في ترجمة عبد الله بن إياض، فراجعه.
(2) فرقة من الصفرية أصحاب أبي بيهس هيصم بن جابر الضبعي
رأس الفرقة البيهسية من الخوارج، وقد كان الحجاج طلبه أيام
الوليد، فهرب إلى المدينة، فطلبه بها عثمان بن حيان المري،
فظفر به، وحبسه، ثم قتله بأمر من الوليد سنة 94 ه.
والاباضية والصفرية والبيهسية من الازارقة انظر " الملل
والنحل " 1 / 125، 127.
(3) قبوله لجوائز الاماء لا يمنع من قبول روايته، فابن
شههاب الزهري كان في ذلك أشهر من عكرمة، ومع ذلك، فلم يترك
أحد الرواية عنه بسبب ذلك.
(5/21)
وَقَفَ عِكْرِمَةُ عَلَى بَابِ المَسْجِدِ،
فَقَالَ: مَا فِيْهِ إِلاَّ كَافِرٌ.
قَالَ: وَكَانَ يَرَى رَأْيَ الإِبَاضِيَّةِ.
وَرَوَى: خَلاَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الحَضْرَمِيُّ، عَنْ
خَالِدِ بنِ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ:
دَخَلَ عَلَيْنَا عِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ
بِإِفْرِيْقِيَةَ فِي وَقْتِ المَوْسِمِ، فَقَالَ:
وَدِدْتُ أَنِّي اليَوْمَ بِالمَوْسِمِ، بِيَدِي حَرْبَةٌ
أَضْرِبُ بِهَا يَمِيْناً وَشِمَالاً.
وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَعْتَرِضُ بِهَا مَنْ شَهِدَ
المَوْسِمَ.
قَالَ خَالِدٌ: فَمِنْ يَوْمَئِذٍ رَفَضَهُ أَهْلُ
إِفْرِيْقِيَةَ.
قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَ عِكْرِمَةُ يَرَى
رَأْيَ الخَوَارِجِ، وَادَّعَى عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّهُ كَانَ يَرَى رَأْيَ الخَوَارِجِ.
هَذِهِ حِكَايَةٌ بِلاَ إِسْنَادٍ.
قَالَ أَبُو خَلَفٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عِيْسَى الخَزَّازُ،
عَنْ يَحْيَى البَكَّاءِ:
سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُوْلُ لِنَافِعٍ: اتَّقِ اللهَ،
وَيْحَكَ، لاَ تَكْذِبْ عَلَيَّ كَمَا كَذَبَ عِكْرِمَةُ
عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، كَمَا أَحَلَّ الصَّرْفَ،
وَأَسْلَمُ ابْنُهُ صَيْرَفِيّاً.
البَكَّاءُ: وَاهٍ (1) .
إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَعِيْدِ
بنِ المُسَيِّبِ:
أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ لِغُلاَمٍ لَهُ: يَا بُرْدُ، لاَ
تَكْذِبْ عَلَيَّ كَمَا يَكْذِبُ (2) عِكْرِمَةُ عَلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ.
__________
(1) بل هو متروك اتفقوا على ضعفه، ومن المحال - كما قال
ابن حبان - أن يجرح العدل بكلام المجروح.
(2) قال ابن حبان في ترجمة برد هذا من كتاب " الثقات ":
أهل الحجاز يطلقون " كذب " في موضع " أخطأ " ويؤيد ذلك
إطلاق عبادة بن الصامت قوله " كذب أبو محمد " لما أخبر أنه
يقول: " الوتر واجب " فإن أبا محمد لم يقله رواية، وإنما
قاله اجتهادا، والمجتهد لا يقال له: إنه كذب، وإنما يقال:
إنه أخطأ.
قلت: وخبر عبادة أخرجه مالك 1 / 123، وأبو داود (1420)
وأحمد 5 / 315 و319، والنسائي 1 / 230، والدارمي 1 / 370،
وابن ماجه (1401) كلهم من طريق يحيى بن سعيد عن محمد بن
يحيى بن حبان، عن ابن محيريز أن رجلا من كنانة يدعى
المخدجي سمع رجلا بالشام يدعى أبا محمد يقول: إن الوتر
لواجب، قال المخدجي: فرحت إلى عبادة بن الصامت، فاعترضت له
وهو رائح إلى المسجد، فأخبرته بالذي قال أبو محمد، فقال
عبادة: كذب أبو محمد، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
" خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من جاء بهن، لم ينقص
منهن شيئا استخفافا بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله
الجنة، ومن لم يأت بهن، فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه،
وإن شاء أدخله الجنة " ورجال إسناده رجال الصحيح ما عدا
المخدجي، فإنه لايعرف بغير هذا الحديث، لكن =
(5/22)
قَالَ إِسْحَاقُ بنُ الطَّبَّاعِ: سَأَلْتُ
مَالِكاً:
أَبَلَغَكَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لِنَافِعٍ: لاَ
تَكْذِبْ عَلَيَّ كَمَا كَذَبَ عِكْرِمَةُ عَلَى عَبْدِ
اللهِ؟
قَالَ: لاَ، وَلَكِنِّي بَلَغَنِي أَنَّ سَعِيْدَ بنَ
المُسَيِّبِ قَالَ ذَلِكَ لِبُرْدٍ مَوْلاَهُ.
قُلْتُ: هَذَا أَشْبَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِعِكْرِمَةَ
ذِكْرٌ فِي أَيَّامِ ابْنِ عُمَرَ، وَلاَ كَانَ تَصَدَّى
لِلرِّوَايَةِ.
جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي
زِيَادٍ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ،
وَعِكْرِمَةُ مُقَيَّدٌ عَلَى بَابِ الحُشِّ.
قَالَ: قُلْتُ: مَا لِهَذَا كَذَا.
قَالَ: إِنَّهُ يَكْذِبُ عَلَى أَبِي (1) .
هِشَامُ بنُ سَعْدٍ: عَنْ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، قَالَ:
قُلْتُ لِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: إِنَّ عِكْرِمَةَ
يَزْعُمُ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ مَيْمُوْنَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ (2) .
فَقَالَ: كَذَبَ مَخْبَثَانُ (3) ، اذْهَبْ إِلَيْهِ،
فَسُبَّهُ، سَأُحَدِّثِكُم:
قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَلَمَّا حَلَّ،
تَزَوَّجَهَا.
وَقَالَ شُعْبَةُ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ:
سَأَلَ رَجُلٌ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ عَنْ آيَةٍ،
__________
= تابعه عبد الله الصنابحي عند أحمد 5 / 217، وأبي داود
(425) وأبو إدريس الخولاني عند الطيالسي (78) فصح الحديث،
وقد صححه ابن حبان (252) وغيره.
(1) يزيد بن أبي زياد ضعيف لا يحتج بنقله، فالخبر لا يصح.
والحش: البستان.
(2) لقد ظلم عكرمة في ذلك، فإن هذا مروي عن ابن عباس من
طرق كثيرة أنه كان يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم
تزوجها وهو محرم.
وهو معدود في أوهامه رضي الله عنه، فقد صح عن يزيد بن
الأصم بن أخت ميمونة، عن ميمونة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم تزوجها وهو حلال، وبنى بها حلالا، وماتت بسرف
أخرجه الترمذي (854) ومسلم (1411) وأبو داود (1843) وابن
ماجه (1964) وعن سليمان بن يسار، عن أبي رافع، قال: تزوج
النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة حلالا، وبنى بها حلالا،
وكنت أنا الرسول بينهما.
أخرجه أحمد 6 / 293، والترمذي (841) وحسنه، وأخرجه مالك في
" الموطأ " 1 / 348 عن سليمان بن يسار مولى ميمونة مرسلا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا
من الانصار، فزوجاه ميمونة ورسول الله صلى الله عليه وسلم
بالمدينة قبل أن يخرج.
(3) في " اللسان ": هو الخبيث، ويقال للرجل والمرأة جميعا،
وكأنه يدل على المبالغة.
(5/23)
فَقَالَ: لاَ تَسْأَلْنِي عَنِ القُرْآنِ،
وَسَلْ عَنْهُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ لاَ يَخْفَى عَنْهُ
مِنْهُ شَيْءٌ -يَعْنِي: عِكْرِمَةَ-.
وَقَالَ مَطَرٌ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ:
إِنَّ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَبَقَ
الكِتَابُ المَسْحَ عَلَى الخُفَّيْن ِ، فَقَالَ:
كَذَبَ عِ، كْرِمَةُ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ:
امْسَحْ عَلَى الخُفَّيْنِ وَإِنْ خَرَجْتَ مِنَ الخَلاَءِ
(1) .
مُسْلِمٌ الزَّنْجِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ
بنِ خُثَيْمٍ:
أَنَّهُ كَانَ جَالِساً مَعَ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ،
فَمَرَّ بِهِ عِكْرِمَةُ وَمَعَهُ نَاسٌ.
فَقَالَ لَنَا سَعِيْدٌ: قُوْمُوا إِلَيْهِ،
وَاسْأَلُوْهُ، وَاحْفَظُوا مَا تَسْأَلُوْنَ عَنْهُ،
وَمَا يُجِيْبُكُم.
فَقُمْنَا، وَسَأَلْنَاهُ، فَأَجَابَنَا، ثُمَّ أَتَيْنَا
سَعِيْداً، فَأَخْبَرَنَاهُ، فَقَالَ: كَذَبَ (2) .
بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ
بنِ خُثَيْمٍ:
سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ، أَنَا وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ،
عَنْ قَوْلِهِ : {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ } [ق: 10]،
قَالَ: بُسُوْقُهَا كَبُسُوْقِ النِّسَاءِ عِنْدَ
وَلاَدِتِهَا.
فَرُحْتُ إِلَى سَعِيْدٍ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ:
كَذَبَ.
بُسُوْقُهَا: طُوْلُهَا (3) .
إِسْرَائِيْلُ: عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، عَنْ
عِكْرِمَةَ: أَنَّهُ كَرِهَ كِرَاءَ الأَرْضِ.
__________
(1) وأخرجه البيهقي في " سننه " 1 / 273، وقال: ويحتمل أن
يكون ابن عباس قال ما روى عنه عكرمة، ثم لما جاءه التثبت
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح بعد نزول المائدة قال
ما قال عطاء.
ونقل ابن المنذر عن ابن المبارك قال: ليس في المسح على
الخفين عن الصحابة اختلاف، لان كل من روي عنه منهم إنكاره،
فقد روي إثباته.
وقال ابن عبد البر: لا أعلم روي عن أحد من فقهاء السلف
إنكاره إلا عن مالك مع أن الروايات الصحيحة عنه مصرحة
بإثباته، وقال النووي: وقد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح
على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته، فجاوزوا الثمانين
ومنهم العشرة، وفي مصنف ابن أبي شيبة وغيره عن الحسن
البصري: حدثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين.
(2) مسلم بن خالد الزنجي ضعيف كثير الاوهام، فالخبر لا
يصح.
(3) وقد وافق عكرمة في تفسيره هذا الحسن البصري والفراء،
ففي القرطبي 17 / 6، 7: وقال الحسن وعكرمة والفراء:
مواقير: حوامل، يقال للشاة: بسقت: إذا ولدت، على أن تفسير
" الباسقات " بالطوال مروي أيضا عن عكرمة نقله عنه الطبري
26 / 153 من طريق هناد، عن أبي الاحوص، عن سماك..
(5/24)
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيْدٍ، فَقَالَ:
كَذَبَ عِكْرِمَةُ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسِ يَقُوْلُ:
إِنَّ أَمْثَلَ مَا أَنْتُم صَانِعُوْنَ اسْتِئْجَارُ
الأَرْضِ البَيْضَاءِ سَنَةً بِسَنَةٍ (1) .
وَقَالَ مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: عَنِ الصَّلْتِ بنِ
دِيْنَارٍ:
سَأَلْتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فَقَالَ: مَا
يَسُوْؤُنِي أَنْ يَكُوْنَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ،
وَلَكِنَّهُ كَذَّابٌ.
وَرَوَى: عَارِمٌ، عَنِ الصَّلْتِ بنِ دِيْنَارٍ:
قُلْتُ لابْنِ سِيْرِيْنَ: إِنَّ عِكْرِمَةَ يُؤْذِيْنَا،
وَيُسْمِعُنَا مَا نَكْرَهُ.
فَقَالَ كَلاَماً فِيْهِ لِيْنٌ، أَسْأَلَ اللهَ أَنْ
يُمِيْتَهُ وَيُرِيْحَنَا مِنْهُ (2) .
وُهَيْبُ بنُ خَالِدٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ
وَأَيُّوْبَ ذَكَرَا عِكْرِمَةَ، فَقَالَ يَحْيَى: كَانَ
كَذَّاباً.
وَقَالَ أَيُّوْبُ: لَمْ يَكُنْ بِكَذَّابٍ.
هِشَامُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عِكْرِمَةَ المَخْزُوْمِيُّ
(3) : سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ عِكْرِمَةَ، وَكَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ.
هَكَذَا رَوَاهُ: عِمْرَانُ بنُ مُوْسَى بنِ مُجَاشِعٍ،
عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ، عَنْهُ.
وَرَوَاهُ: العُقَيْلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زُرَيْقِ
بنِ جَامِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَقَالَ: كَانَ ثِقَةً.
فَاللهُ أَعْلَمُ، وَالرِّوَايَةُ الأُوْلَى أَشْبَهُ.
قَالَ رَجَاءُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ
يَقُوْلُ:
مَا تَرَكُوا أَيُّوْبَ حَتَّى اسْتَخْرَجُوا مِنْهُ مَا
لَمْ يَكُنْ يُرِيْدُ -يَعْنِي: الرِّوَايَةَ عَنْ
عِكْرِمَةَ-.
وَقَالَ ضَمْرَةُ: قِيْلَ لِدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ:
هَلْ تَرْوِي عَنْ عِكْرِمَةَ؟
قَالَ: هَذَا عَمَلُ أَيُّوْبَ.
قَالَ: عِكْرِمَةُ؟
فَقُلْنَا: عِكْرِمَةُ.
__________
(1) إسناده صحيح، وعلق قول ابن عباس البخاري في " صحيحه "
5 / 19 في الحرث: باب كراء الأرض بالذهب والفضة، وقال
الحافظ: وصله الثوري في " جامعه " قال: أخبرني عبد الكريم
هو الجزري، عن سعيد بن جبير عنه، ولفظه: إن أمثل ما أنتم
صانعون أن تستأجروا الأرض البيضاء ليس
فيها شجر يعني من السنة إلى السنة.
وإسناده صحيح، وأخرجه البيهقي 6 / 133 من طريق عبد الله بن
الوليد العدني، عن سفيان به.
(2) يغلب على الظن أن طعن ابن سيرين عليه من جهة الرأي،
فقد قال خالد الحذاء: كل ما قال ابن سيرين: ثبت عن ابن
عباس، فإنما أخذه عن عكرمة، وكان لا يسميه، لأنه لم يكن
يرضاه .
(3) قال ابن حبان في " المجروحين والضعفاء " 3 / 91: لا
يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد.
(5/25)
وَقَالَ مَعْنٌ، وَغَيْرُهُ: كَانَ مَالِكٌ
لاَ يَرَى عِكْرِمَةَ ثِقَةً، وَيَأْمُرُ أَنْ لاَ
يُؤْخَذَ عَنْهُ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ
عِكْرِمَةَ.
قِيْلَ: فَقَدْ رَوَى عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ؟
قَالَ: شَيْءٌ يَسِيْرٌ.
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لَمْ يُسَمِّ مَالِكٌ
عِكْرِمَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِ إِلاَّ فِي حَدِيْثِ
ثَوْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي
الَّذِي يُصِيْبُ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ.
قَالَ: يَصُوْمُ وَيُهْدِي (1) ، وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى
أَنَّهُ يَرَى رَأْيَ الخَوَارِجِ.
وَكَانَ يَقُوْلُ فِي كُتُبِهِ: رَجُلٌ.
وَرَوَى: الرَّبِيْعُ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ:
وَمَالِكٌ سَيِّئُ الرَّأْيِ فِي عِكْرِمَةَ، قَالَ: لاَ
أَرَى لأَحَدٍ أَنْ يَقْبَلَ حَدِيْثَهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عِكْرِمَةُ بنُ خَالِدٍ
أَوْثَقُ مِنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ،
عِكْرِمَةُ مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ يَخْتَلِفُ عَنْهُ،
وَمَا أَدْرِي.
وَقَالَ قَتَادَةُ: مَا حَفِظْتُ عَنْ عِكْرِمَةَ إِلاَّ
بَيْتَ شِعْرٍ، رَوَاهُ عَنْهُ أَيُّوْبُ.
فَعَلَى هَذَا رِوَايَتُهُ عَنْهُ تَدْلِيْسٌ.
وَفِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) لِقَتَادَةَ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، أَرْبَعَةُ أَحَادِيْثَ: فِي تَكْبِيْرَاتِ
الصَّلاَةِ، وَالخِنْصَرِ وَالإِبْهَامِ سَوَاءٌ،
وَالمُتَشَبِّهِيْنَ بِالنِّسَاءِ، وَفِي زَوْجِ
بَرِيْرَةَ (2) ، وَفِي السُّنَنِ أَحَادِيْثُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَثْيَمَةَ: رَأَيْتُ فِي
كِتَابِ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، سَمِعْتُ
__________
(1) أخرجه مالك 1 / 384 في الحج: باب من أصاب أهله قبل أن
يفيض أي: قبل أن يطوف طواف الافاضة.
وقوله: " يصوم ويهدي " كذا الأصل، وهو كذلك في تهذيب
الكمال، والذي في " الموطأ " " يعتمر ويهدي " وهو الصواب.
(2) انظر البخاري 2 / 225 في صفة الصلاة: باب التكبير وإذا
قام من السجود، و12 / 198 في الديات: باب دية الاصابع و10
/ 279 في اللباس: باب المتشبهين بالنساء والمتشبهات
بالرجال، و9 / 258 في النكاح: باب خيار الأمة تحت العبد.
(5/26)
يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ:
حَدَّثُوْنِي -وَاللهِ- عَنْ أَيُّوْبَ: أَنَّهُ ذُكِرَ
لَهُ: عِكْرِمَةُ لاَ يُحْسِنُ الصَّلاَةَ.
قَالَ أَيُّوْبُ: وَكَانَ يُصَلِّي؟!
الفَضْلُ بنُ مُوْسَى: عَنْ رِشْدِيْنَ بنِ كُرَيْبٍ،
قَالَ:
رَأَيْتُ عِكْرِمَةَ قَدْ أُقِيْمَ قَائِماً فِي لَعِبِ
النَّرْدِ.
وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: قَدِمَ عِكْرِمَةُ
البَصْرَةَ، فَأَتَاهُ أَيُّوْبُ، وَسُلَيْمَانُ
التَّيْمِيُّ، وَيُوْنُسُ، فَبَيْنَا هُوَ يُحَدِّثُهُم،
إِذْ سَمِعَ صَوْتَ غِنَاءٍ، فَقَالَ: أَمْسِكُوا.
ثُمَّ قَالَ: قَاتَلَهُ اللهُ، لَقَدْ أَجَادَ.
فَأَمَّا سُلَيْمَانُ وَيُوْنُسُ فَمَا عَادَا إِلَيْهِ،
وَعَادَ إِلَيْهِ أَيُّوْبُ، فَأَحْسَنَ أَيُّوْبُ.
قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: ذَكَرَ أَيُّوْبُ عِكْرِمَةَ،
فَقَالَ:
كَانَ قَلِيْلَ العَقْلِ، أَتَيْنَاهُ يَوْماً، فَقَالَ:
وَاللهِ لأُحَدِّثَنَّكُم.
فَمَكَثَ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُنَا، ثُمَّ قَالَ: أَيُحْسِنُ
حَسَنُكُم مِثْلَ هَذَا؟
وَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ، إِذْ رَأَى أَعْرَابِيّاً،
فَقَالَ: هَاه (1) ، أَلَمْ أَرَكَ بِأَرْضِ الجَزِيْرَةِ
أَوْ غَيْرِهَا.
فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَتَرَكَنَا.
وَرَوَى: شَبَابَةُ، عَنِ المُغِيْرَةِ بنِ مُسْلِمٍ،
قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ عِكْرِمَةُ خُرَاسَانَ، قَالَ أَبُو
مِجْلَزٍ: سَلُوْهُ: مَا جُلاَجِلُ الحَاجِّ؟
فَسُئِلَ، فَقَالَ: وَأَنَّى هَذَا بِهَذِهِ الأَرْضِ؟!
جُلاَجِلُ الحَاجِّ: الإِفَاضَةُ.
فَقِيْلَ لأَبِي مِجْلَزٍ، فَقَالَ: صَدَقَ.
قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ: قُلْتُ
لِعِكْرِمَةَ: تَرَكْتَ الحَرَمَيْنِ، وَجِئْتَ إِلَى
خُرَاسَانَ؟!
قَالَ: أَسْعَى عَلَى بَنَاتِي.
شَبَابَةُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ مُوْسَى بنُ
يَسَارٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ عِكْرِمَةَ جَائِياً مِنْ سَمَرْقَنْدَ عَلَى
حِمَارٍ، تَحْتَهُ جُوَالِقَانِ (2) ، فِيْهِمَا حَرِيْرٌ،
أَجَازَهُ بِذَلِكَ عَامِلُ
__________
(1) كلمة تقال للتذكر، وتقال أيضا عند التوجع والتلهف.
(2) تثنية جوالق، بضم الجيم وكسر اللام أو فتحها: عدل كبير
منسوج من صوف أو شعر.
فارسي معرب.
(5/27)
سَمَرْقَنْدَ، وَمَعَهُ غُلاَمٌ.
وَقِيْلَ لَهُ: مَا جَاءَ بِكَ إِلَى هَذِهِ البِلاَدِ؟
قَالَ: الحَاجَةُ.
وَقَالَ عِمْرَانُ بنُ حُدَيْرٍ: تَنَاوَلَ عِكْرِمَةُ
عِمَامَةً لَهُ خَلَقاً، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا تُرِيْدُ
إِلَى هَذِهِ؟ عِنْدَنَا عَمَائِمُ نُرْسِلُ إِلَيْكَ
بِوَاحِدَةٍ!
قَالَ: لاَ آخُذُ مِنَ النَّاسِ شَيْئاً، إِنَّمَا آخُذُ
مِنَ الأُمَرَاءِ.
الأَعْمَشُ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: لَقِيْتُ
عِكْرِمَةَ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ البَطْشَةِ الكُبْرَى (1) ؟
قَالَ: يَوْمُ القِيَامَةِ.
فَقُلْتُ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ يَقُوْلُ: يَوْمُ
بَدْرٍ!
فَأَخْبَرَنِي مَنْ سَأَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ:
يَوْمُ بَدْرٍ.
قُلْتُ: القَوْلاَنِ مَشْهُوْرَانِ (2) .
عَبَّاسُ بنُ حَمَّادٍ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ مُرَّةَ،
قَالَ:
قُلْتُ لِلْقَاسِمِ: إِنَّ عِكْرِمَةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ المُزَفَّتِ،
وَالنَّقِيْرِ، وَالدُّبَّاءِ، وَالحَنْتَمِ، وَالجِرَارِ
(3) .
قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! إِنَّ عِكْرِمَةَ كَذَّابٌ،
يُحَدِّثُ غُدْوَةً حَدِيْثاً
__________
(1) أي: في قوله تعالى (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا
منتقمون) وتفسير ابن مسعود أخرجه البخاري 8 / 439 في
التفسير: باب (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) وقد
وافق ابن مسعود رضي الله عنه على تفسير الآية بهذا جماعة
من السلف كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي، والضحاك،
وعطية العوفي، وهو اختيار ابن جرير الطبري.
(2) انظر الطبري 25 / 111، 115 وقال الحافظ في " مقدمة
الفتح " ص 427: وأما طعن إبراهيم عليه بسبب رجوعه عن قوله
في تفسير البطشة الكبرى إلى ما أخبر به ابن مسعود، فالظاهر
أن هذا يوجب الثناء على عكرمه لا القدح، إذ كان يظن شيئا،
فبلغه عمن هو أولى منه خلافه، فترك قوله لاجل قوله.
(3) ولم ينفرد عكرمة بذلك، بل رواه عن ابن عباس أبو جمرة
نصر بن عمران، انظر البخاري 1 / 120، 125 و166 و6 / 146،
و8 / 67 ومسلم (17) وأبو داود (3692) وأحمد 1 / 228 و274.
والمزفت: الوعاء المطلي بالزفت من داخل، والنقير: أصل خشبة
تنقر، وقيل: أصل نخلة، والدباء: القرع، واحدها: دباءة،
والحنتم: جرار خضر كانوا يخزنون فيها الخمر، والجرار: جمع
جرة وهو من الخزف معروف، وقيل: هو ماكان منه مدهونا.
وهذه الاوعية الأربعة تسرع بالشدة في الشراب، وتحدث فيه
القوة المسكرة عاجلا.
وتحريم الانتباذ في هذه الظروف كان في صدر الإسلام، ثم نسخ
كما في حديث بريدة رضي الله عنه مرفوعا: " كنت نهيتكم عن
الاشربة في ظروف الادم، فاشربوا في كل وعاء غير ألا تشربوا
مسكرا " أخرجه مسلم في " صحيحه " (977) (65) 3 / 1585.
(5/28)
يُخَالِفُهُ عَشِيَّةً.
وَرَوَى: رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، عَنْ عُثْمَانَ، نَحْوَهُ.
القَاسِمُ بنُ مَعْنٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، قَالَ:
حَدَّثَ عِكْرِمَةُ بِحَدِيْثٍ، فَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ
عَبَّاسٍ يَقُوْلُ: كَذَا وَكَذَا.
فَقُلْتُ: يَا غُلاَمُ! هَاتِ الدَّوَاةَ وَالقِرْطَاسَ.
فَقَالَ: أَعْجَبَكَ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: إِنَّمَا قُلْتُهُ بِرَأْيِي (1) .
أَبُو مُسْهِرٍ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ،
قَالَ:
قَالَ خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ فِي
عِكْرِمَةَ: نِعْمَ صَاحِبُ رَجُلٍ عَالِمٌ، وَبِئْسَ
صَاحِبُ رَجُلٍ جَاهِلٌ، أَمَّا العَالِمُ، فَيَأْخُذُ مَا
يَعْرِفُ، وَأَمَّا الجَاهِلُ، فَيَأْخُذُ كُلَّ مَا
سَمِعَ.
ثُمَّ قَالَ سَعِيْدٌ: وَكَانَ عِكْرِمَةُ يُحَدِّثُ
الحَدِيْثَ، ثُمَّ يَقُوْلُ فِي نَفْسِهِ: إِنْ كَانَ
كَذَلِكَ.
النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: حَدَّثَنَا سَالِمٌ أَبُو
عَتَّابٍ بَصْرِيٌّ، قَالَ:
كُنْتُ أَطُوْفُ أَنَا وَبَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ
المُزَنِيُّ، فَضَحِكَ بَكْرٌ، فَقِيْلَ لَهُ: مَا
يُضْحِكُكَ؟
قَالَ: العَجَبُ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ أَنَّ عِكْرِمَةَ
حَدَّثَهُم -يَعْنِي: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- فِي تَحْلِيْلِ
الصَّرْفِ، فَإِنْ كَانَ عِكْرِمَةُ حَدَّثَهُم أَنَّهُ
أَحَلَّهُ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ صَدَقَ، وَلَكِنِّي
أُقِيْمُ خَمْسِيْنَ مِنْ أَشْيَاخِ المُهَاجِرِيْنَ
وَالأَنْصَارِ يَشْهَدُوْنَ أَنَّهُ انْتَفَى مِنْهُ (2) .
مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ أَبِيْهِ:
قِيْلَ لِطَاوُوْسٍ: إِنَّ عِكْرِمَةَ يَقُوْلُ: لاَ
يُدَافِعَنَّ أَحَدُكُمُ الغَائِطَ وَالبَوْلَ فِي
الصَّلاَةِ، أَوْ كَلاَماً هَذَا مَعْنَاهُ.
فَقَالَ طَاوُوْسٌ: المِسْكِيْنُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى مَا
سَمِعَ كَانَ قَدْ سَمِعَ عِلْماً.
قُلْتُ: أَصَابَ هُنَا عِكْرِمَةُ، فَقَدْ صَحَّ
الحَدِيْثُ فِي ذَلِكَ (3) - أَعْنِي: قَبْلَ
__________
(1) قال الحافظ: وأما قصة القاسم بن معن، ففيها دلالة على
تحريه فإنه حدثه في المذاكرة بشيء فلما رآه يريد أن يكتبه
عنه، شك فيه، فأخبره أنه إنما قاله برأيه، فهذا أولى أن
يحمل عليه من أن يظن به أنه تعمد الكذب على ابن عباس رضي
الله عنه.
(2) سالم أبو عتاب لايعرف بجرح ولا تعديل كما في " الجرح
والتعديل " 4 / 191.
وانظر " فتح الباري " 4 / 319، ومسلم (1594) و(1596).
(3) أخرج مسلم في " صحيحه " (560) في المساجد: باب كراهية
الصلاة بحضرة الطعام =
(5/29)
الإِحْرَامِ بِالصَّلاَةِ - فَإِنْ عَرَضَ
لَهُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ، وَأَمْكَنَهُ الصَّبْرُ،
فَصَلاَتُهُ صَحِيْحَةٌ، وَإِنْ أَجْهَدَهُ ذَلِكَ،
فَلْيَنْصَرِفْ.
وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُوْسٍ:
لَوْ أَنَّ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ اتَّقَى اللهَ، وَكَفَّ
مِنْ حَدِيْثِهِ، لَشُدَّتْ إِلَيْهِ المَطَايَا.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ المَرْوَزِيُّ، عَنْ
أَحْمَدَ بنِ زُهَيْرٍ، قَالَ:
عِكْرِمَةُ أَثْبَتُ النَّاسِ فِيْمَا رَوَى، وَلَمْ
يُحَدِّث عَنْ أَقْرَانِهِ، أَكْثَرُ حَدِيْثِهِ عَنِ
الصَّحَابَةِ.
وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ:
قَالَ خَالِدٌ الحَذَّاءُ: كُلُّ مَا قَالَ مُحَمَّدُ بنُ
سِيْرِيْنَ: نُبِّئْتُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّمَا
رَوَاهُ عَنْ عِكْرِمَةَ.
قِيْلَ: مَا شَأْنُهُ؟
قَالَ: كَانَ يَرَى رَأْيَ الخَوَارِجِ، رَأْيَ
الصُّفْرِيَّةِ، وَلَمْ يَدَعْ مَوْضِعاً إِلاَّ خَرَجَ
إِلَيْهِ: خُرَاسَانَ، وَالشَّامَ، وَاليَمَنَ، وَمِصْرَ،
وَإِفْرِيْقِيَةَ.
قَالَ أَحْمَدُ: وَإِنَّمَا أَخَذَ أَهْلُ إِفْرِيْقِيَةَ
رَأْيَ الصُّفْرِيَّةِ مِنْ عِكْرِمَةَ لَمَّا قَدِمَ
عَلَيْهِم، وَكَانَ يَأْتِي الأُمَرَاءَ يَطْلُبُ
جَوَائِزَهُم.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ فِي المَرْأَةِ تَمُوْتُ
وَلَمْ يُلاَعِنْهَا زَوْجُهَا: يَرِثُهَا؟
فَقَالَ أَبَانُ بنُ عُثْمَانَ: ادْعُوا مَوْلَى ابْنِ
عَبَّاسٍ.
فَدُعِيَ، فَأَخْبَرَهُم، فَعَجِبُوا مِنْهُ، وَكَانُوا
يَعْرِفُوْنَهُ بِالعِلْمِ (1) .
__________
= الذي يريد أكله في الحال، وكراهة الصلاة مع مدافعة
الاخبثين من حديث عائشة رضي الله عنها سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: " لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه
الاخبثان " وأخرجه أبو داود (89) وفي الباب عن أبي هريرة
عند ابن حبان (195) بلفظ " لا يصلي أحدكم وهو يدافعه
الاخبثان " وعن عبد الله بن الارقم عند مالك في " الموطأ "
1 / 159، وأبي داود (88) والترمذي (142) والنسائي 2 / 110،
111، وابن ماجه (616) وإسناده صحيح، وصححه الترمذي،
والحاكم 1 / 168 ووافقه الذهبي، ولفظه " إذا أراد أحدكم
الغائط، فليبدأ به قبل الصلاة " وفي لفظ " إذا أراد أحدكم
أن يذهب إلى الخلاء، وقامت الصلاة، فليبدأ بالخلاء ".
(1) انظر أقوال العلماء في الوقت الذي تقع فيه الفرقة بين
الزوجين في اللعان في " شرح السنة " 9 / 255 وما بعدها
بتحقيقنا.
(5/30)
وَمَاتَ هُوَ وَكُثَيِّرُ عَزَّةَ فِي
يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَقَالُوا: مَاتَ أَعْلَمُ النَّاسِ،
وَأَشْعَرُ النَّاسِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَحْمَدَ:
يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِ عِكْرِمَةَ؟
قَالَ: نَعَمْ، يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ:
فَعِكْرِمَةُ أَحَبُّ إِلَيْكَ فِي ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ
عُبَيْدُ اللهِ؟
قَالَ: كِلاَهُمَا، وَلَمْ يَخْتَرْ.
قُلْتُ: فَعِكْرِمَةُ، أَوْ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ؟
فَقَالَ: ثِقَةٌ، وَثِقَةٌ.
وَرَوَى: جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ،
عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ:
إِذَا رَأَيْتَ إِنْسَاناً يَقَعُ فِي عِكْرِمَةَ، وَفِي
حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلاَمِ.
قُلْتُ: هَذَا مَحْمُوْلٌ عَلَى الوُقُوْعِ فِيْهِمَا
بِهَوَىً وَحَيْفٍ فِي وَزْنِهِمَا، أَمَّا مَنْ نَقَلَ
مَا قِيْلَ فِي جَرْحِهِمَا وَتَعْدِيْلِهِمَا عَلَى
الإِنْصَافِ، فَقَدْ أَصَابَ، نَعَمْ، إِنَّمَا قَالَ
يَحْيَى هَذَا فِي مَعْرِضِ رِوَايَةِ حَدِيْثٍ خَاصٍّ فِي
رُؤْيَةِ اللهِ -تَعَالَى- فِي المَنَامِ، وَهُوَ حَدِيْثٌ
يُسْتَنْكَرُ.
وَقَدْ جَمَعَ ابْنُ مَنْدَةَ فِيْهِ جُزْءاً، سَمَّاهُ:
(صِحَّةُ حَدِيْثِ عِكْرِمَةَ).
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ عَلِيّاً
يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ فِي مَوَالِي ابْنِ عَبَّاسٍ
أَغْزَرَ مِنْ عِكْرِمَةَ.
كَانَ عِكْرِمَةُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، قَدْ رَوَى
عَنْهُ: الشَّعْبِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَجَابِرٌ أَبُو
الشَّعْثَاءِ، وَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: مَكِّيٌّ، تَابِعِيٌّ،
ثِقَةٌ، بَرِيْءٌ مِمَّا يَرْمِيْهِ بِهِ النَّاسُ مِنَ
الحَرُوْرِيَّةِ -يَعْنِي: مَنْ رَأْيِهِم-.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا
إِلاَّ وَهُوَ يَحْتَجُّ بِعِكْرِمَةَ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
(5/31)
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ
أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: ثِقَةٌ.
قُلْتُ: يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، إِذَا رَوَى عَنْهُ الثِّقَاتُ، وَالَّذِي
أَنْكَرَ عَلَيْهِ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَمَالِكٌ،
فَلِسَبَبِ رَأْيِهِ.
قِيْلَ لأَبِي: فَمَوَالِي ابْنِ عَبَّاسٍ؟
قَالَ: كُرَيْبٌ، وَسُمَيْعٌ، وَشُعْبَةُ، وَعِكْرِمَةُ،
وَهُوَ أَعْلاَهُم.
وَسُئِلَ أَبِي عَنْ عِكْرِمَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ:
أَيُّهُمَا أَعْلَمُ بِالتَّفْسِيْرِ؟
فَقَالَ: أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِيَالٌ عَلَى
عِكْرِمَةَ (1) .
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي (كَامِلِهِ):
وَعِكْرِمَةُ لَمْ أُخَرِّجْ هُنَا مِنْ حَدِيْثِهِ
شَيْئاً؛ لأَنَّ الثِّقَاتِ إِذَا رَوَوْا عَنْهُ، فَهُوَ
مُسْتَقِيْمُ الحَدِيْثِ، إِلاَّ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ
ضَعِيْفٌ، فَيَكُوْنَ قَدْ أُتِيَ مِنْ قِبَلِ
الضَّعِيْفِ، لاَ مِنْ قِبَلِهِ، وَلَمْ يَمْتَنِعِ
الأَئِمَّةُ مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَأَصْحَابُ
الصِّحَاحِ أَدْخَلُوا أَحَادِيْثَهُ إِذَا رَوَى عَنْهُ
ثِقَةٌ فِي صِحَاحِهِم، وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ
أَحْتَاجَ أَنْ أُخَرِّجَ لَهُ شَيْئاً مِنْ حَدِيْثِهِ،
وَهُوَ لاَ بَأْسَ بِهِ (2) .
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: احْتَجَّ بِحَدِيْثِهِ
الأَئِمَّةُ القُدَمَاءُ، لَكِنَّ بَعْضَ
المُتَأَخِّرِيْنَ أَخْرَجَ حَدِيْثَهُ مِنْ حَيِّزِ
الصِّحَاحِ.
قُلْتُ: مَا عَلِمْتُ مُسْلِماً أَخْرَجَ لَهُ سِوَى
حَدِيْثٍ وَاحِدٍ، لَكِنَّهُ مَقْرُوْنٌ بِآخَرَ،
فَرَوَى لابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
عِكْرِمَةَ؛ وَطَاوُوْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَجِّ
ضُبَاعَةَ (3) .
قَالَ الخَصِيْبُ بنُ نَاصِحٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ
خِدَاشٍ، قَالَ: شَهِدْتُ حَمَّادَ بنَ
__________
(1) " الجرح والتعديل " 7 / 8، 9.
(2) الكامل اللوحة 623.
(3) هي ضباعة بنت الزبير أتت رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فقالت: إني امرأة ثقيلة، وإني أريد الحج فما تأمرني
؟ قال: أهلي بالحج واشترطي أن محلي حيث تحبسني، قال:
فأدركت.
أخرجه مسلم في " صحيحه " (1208) في الحج: باب جواز اشتراط
المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه.
(5/32)
زَيْدٍ فِي آخِرِ يَوْمٍ مَاتَ فِيْهِ،
فَقَالَ: أُحَدِّثُكُم بِحَدِيْثٍ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ
قَطُّ، إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَلْقَى اللهَ وَلَمْ
أُحَدِّثْ بِهِ:
سَمِعْتُ أَيُّوْبَ يُحَدِّثُ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ:
إِنَّمَا أَنْزَل اللهُ مُتَشَابِهَ القُرْآنِ لِيُضِلَّ
بِهِ.
قُلْتُ: هَذِهِ عِبَارَةٌ رَدِيْئَةٌ، بَلْ إِنَّمَا
أَنْزَلَهُ اللهُ -تَعَالَى- لِيَهْدِيَ بِهِ
المُؤْمِنِيْنَ، وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفَاسِقِيْنَ،
كَمَا أَخْبَرَنَا -عَزَّ وَجَلَّ- فِي سُوْرَةِ
البَقَرَةِ (1) .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ عِكْرِمَةُ كَثِيْرَ العِلْمِ
وَالحَدِيْثِ، بَحْراً مِنَ البُحُوْرِ، وَلَيْسَ
يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِهِ، وَيَتَكَلَّمُ النَّاسُ فِيْهِ.
قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ
عِكْرِمَةُ يَرَى رَأْيَ الخَوَارِجِ، فَطَلَبَهُ
مُتَوَلِّي المَدِيْنَةِ، فَتَغَيَّبَ عِنْدَ دَاوُدَ بنِ
الحُصَيْنِ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهُ.
قُلْتُ: وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ عَنْهُ دَاوُدُ بِأَشْيَاءَ
تُسْتَغْرَبُ، وَكَثِيْرٌ مِنَ الحُفَّاظِ عَدُّوا تِلْكَ
الإِفْرَادَاتِ مَنَاكِيْرَ، وَلاَ سِيَّمَا إِذَا
انْفَرَدَ بِهَا مِثْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ وَنَحْوِهِ.
رَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكِ
بنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
أُتِيَ بِجِنَازَةِ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ،
وَكُثَيِّرِ عَزَّةَ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَمَا عَلِمْتُ
أَنَّ أَحَداً مِنْ أَهْلِ المَسْجِدِ حَلَّ حَبْوَتَهُ
إِلَيْهِمَا.
وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ السِّنْجِيُّ، عَنِ الأَصْمَعِيِّ،
عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ:
مَاتَ كُثَيِّرٌ، وَعِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي
يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَأَخْبَرَنِي غَيْرُ الأَصْمَعِيِّ،
قَالَ:
فَشَهِدَ النَّاسُ جِنَازَةَ كُثَيِّرٍ، وَتَرَكُوا
جِنَازَةَ عِكْرِمَةَ.
__________
(1) نص الآية (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة
فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما
الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به
كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين الذين
ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن
يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) [ البقرة: 26،
27 ].
(5/33)
قُلْتُ: مَا تَرَكُوا عِكْرِمَةَ - مَعَ
عِلْمِهِ - وَشَيَّعُوا كُثَيِّراً إِلاَّ عَنْ بَلِيَّةٍ
كَبِيْرَةٍ فِي نُفُوْسِهِم لَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
وَرَوَى: يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ،
قَالَ:
مَاتَ عِكْرِمَةُ وَكُثَيِّرُ عَزَّةَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ،
فَمَا شَهِدَهُمَا إِلاَّ سُوْدَانُ المَدِيْنَةِ.
وَقَالَ نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ: مَاتَا فِي يَوْمٍ، فَقَالَ
النَّاسُ: مَاتَ فَقِيْهُ النَّاسِ، وَشَاعِرُ النَّاسِ.
البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: عَنْ عَلِيِّ بنِ
المَدِيْنِيِّ، قَالَ: مَاتَ عِكْرِمَة بِالمَدِيْنَةِ،
سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ.
رَوَاهَا: يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، فَزَاد:
قَالَ: فَمَا حَمَلَهُ أَحَدٌ، اكْتَرَوْا لَهُ
أَرْبَعَةً.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيُّ،
وَمُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَابْنُ نُمَيْرٍ،
وَالفَلاَّسُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَشَبَابٌ، وَابْنُ
يُوْنُسَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ.
وَكَذَا نَقَلَ: أَبُو الحَسَنِ بنُ البَرَاءِ، عَنِ ابْنِ
المَدِيْنِيِّ.
قَالَ التَّمِيْمِيُّ، وَابْنُ يُوْنُسَ: وَهُوَ ابْنُ
ثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَتْنِي بِنْتُهُ أُمُّ
دَاوُدَ: أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ.
وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو عُمَرَ
الضَّرِيْرُ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَةٍ.
وَالأَصَحُّ: سَنَةَ خَمْسٍ.
وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ السِّنْدِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ،
وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوْهُ؛ عُثْمَانُ،
وَهَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ، وَقَعْنَبُ بنُ المُحَرَّرِ:
مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ.
وَقِيْلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُوْناً بِطَاوُوْسٍ فِي
الحَجِّ، فَالَّذِيْنَ أَهْدَرُوْهُ كِبَارٌ، وَالَّذِيْنَ
احْتَجُّوا بِهِ كِبَارٌ (1) - وَاللهُ أَعْلَمُ
بِالصَّوَابِ -.
__________
(1) قال أبو جعفر بن جرير الطبري: ولم يكن أحد يدفع عكرمة
عن التقدم في العلم بالفقه والقرآن وتأويله، وكثرة الرواية
للآثار، وأنه كان عالما بمولاه، وفي تقريظ جلة أصحاب ابن
عباس =
(5/34)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ إِجَازَةً، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ
الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ
سَهْلٍ الوَشَّاءُ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ،
أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بنُ مَنْصُوْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (خَيْرُ يَوْمٍ يُحْتَجَمُ فِيْهِ: يَوْمُ سَبْعَ
عَشْرَةَ، وَتِسْعَ عَشْرَةَ، وَإِحْدَى وَعِشْرِيْنَ،
وَمَا مَرَرْتُ بِمَلأٍ مِنَ المَلاَئِكَةِ لَيْلَةَ
أُسْرِيَ بِي إِلاَّ قَالُوا: عَلَيْكَ بِالحِجَامَةِ يَا
مُحَمَّدُ (1)).
تَفَرَّدَ بِهِ: عَبَّادٌ، وَفِيْهِ ضَعْفٌ.
أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ)، عَنْ يَزِيْدَ.
وَرَوَى: ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الحَكَمِ
بنِ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ : {فِي يَوْمٍ كَانَ
مِقْدَارُهُ خَمْسِيْنَ أَلْفَ سَنَةٍ } [المَعَارِجُ: 4]،
قَالَ:
مِنْ أَوَّلِ الدُّنْيَا إِلَى آخِرِهَا خَمْسُوْنَ أَلْفَ
سَنَةٍ، لاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ كَمْ مَضَى، وَكَمْ بَقِيَ،
إِلاَّ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- (2) .
__________
= إياه، ووصفهم له بالتقدم في العلم، وأمرهم الناس بالاخذ
عنه ما بشهادة بعضهم تثبت عدالة الإنسان، ويستحق جواز
الشهادة، ومن ثبتت عدالته، لم يقبل فيه الجرح، وما تسقط
العدالة بالظن، وبقول فلان لمولاه: لا تكذب علي وما أشبهه
من القول الذي له وجوه وتصاريف ومعان غير الذي وجهه إليه
أهل الغباوة، ومن لا علم له بتصاريف كلام العرب.
وقال ابن مندة في " صحيحه ": وأما حال عكرمة في نفسه، فقد
عدله أمة من نبلاء التابعين، فمن بعدهم، وحدثوا عنه،
واحتجوا بمقاريده في الصفات والسنن والاحكام، روى عنه زهاء
ثلاث مئة رجل من البلدان منهم زيادة على سبعين رجلا من
خيار التابعين ورفعائهم، وهذه منزلة لا تكاد توجد لكثير من
التابعين على أن من جرحه من الأئمة لم يمسك من الرواية
عنه، ولم يستغنوا عن حديثه، وكان يتلقى حديثه بالقبول،
ويحتج به قرنا بعد قرن، وإماما بعد إمام إلى وقت الأئمة
الأربعة الذين أخرجوا الصحيح، وميزوا ثابته من سقيمه،
وخطأه من صوابه، وأخرجوا روايته، وهم البخاري، ومسلم، وأبو
داود، والنسائي، فأجمعوا على إخراج حديثه، واحتجوا به على
أن مسلما كان أسوأهم رأيا فيه، وقد أخرج عنه مقرونا وعدله
بعدما جرحه.
(1) أخرجه أحمد 1 / 354، والترمذي (2054) والطيالسي (2666)
والحاكم 4 / 409، وسنده
ضعيف لضعف عباد بن منصور لتدليسه وسوء حفظه وتغيره.
(2) وأخرجه عبد الرزاق في " تفسيره " عن معمر فيما ذكره
الحافظ ابن كثير 4 / 419.
وروى ابن أبي حاتم من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن
إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس (في يوم كان
مقداره خمسين ألف سنة) قال: يوم القيامة.
ورجاله ثقات.
(5/35)
قَالَ سُنَيْدُ بنُ دَاوُدَ فِي
(تَفْسِيْرِهِ): حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ
المُهَلَّبِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، فِي رَجُلٍ قَالَ لِغُلاَمِهِ: إِنْ لَمْ
أَجْلِدْكَ مائَةَ سَوْطٍ، فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، قَالَ:
لاَ يَجْلِدُ غُلاَمَهُ، وَلاَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ،
هَذَا مِنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ.
قُلْتُ: هَذَا وَاضِحٌ فِي أَنَّ عِكْرِمَةَ كَانَ يَرَى
أَنَّ اليَمِيْنَ بِالطَّلاَقِ فِي الغَضَبِ مِنْ
نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ، فَلاَ يَقَعُ بِذَلِكَ طَلاَقٌ -
وَاللهُ أَعْلَمُ -.
وَقِيْلَ: إِنَّ عِكْرِمَةَ هِيَ الحِمَامَةُ الأُنْثَى.
10 - أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ ذَكْوَانُ بنُ عَبْدِ
اللهِ * (ع)
القُدْوَةُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، ذَكْوَانُ بنُ عَبْدِ
اللهِ مَوْلَى أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ جُوَيْرِيَةَ
الغَطَفَانِيَّةِ.
كَانَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ بِالمَدِيْنَةِ، وَكَانَ
يَجْلِبُ الزَّيْتَ وَالسَّمْنَ إِلَى الكُوْفَةِ.
وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ، وَشَهِدَ - فِيْمَا
بَلَغَنَا - يَوْمَ الدَّارِ، وَحَصْرَ عُثْمَانَ.
وَسَمِعَ مِنْ: سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَائِشَةَ،
وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ،
وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَطَائِفَةٍ
سِوَاهُم.
وَلاَزَمَ أَبَا هُرَيْرَةَ مُدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ سُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ،
وَالأَعْمَشُ، وَسُمَيٌّ، وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ،
وَبُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ دِيْنَارٍ،
وَالزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ،
وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
ذَكَرَهُ: الإِمَامُ أَحْمَدُ، فَقَالَ: ثِقَةٌ ثِقَةٌ،
مِنْ أَجَلِّ النَّاسِ وَأَوْثَقِهِم.
وَقِيْلَ: كَانَ عَظِيْمَ اللِّحْيَةِ.
وَرَوَى: أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنِ الأَعْمَشِ،
قَالَ:
سَمِعْتُ مِنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ أَلْفَ حَدِيْثٍ.
__________
(*) طبقات ابن سعد 5 / 301، التاريخ الكبير 3 / 260،
التاريخ الصغير 1 / 239، تاريخ الفسوي 1 / 415، الجرح
والتعديل 3 / 450، تهذيب الكمال: 400، تذهيب التهذيب 1 /
213 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 219، العبر 1 / 121، تذكرة
الحفاظ 1 / 89، تهذيب التهذيب 3 / 219.
(5/36)
قَالَ أَبُو الحَسَنِ المَيْمُوْنِيُّ:
سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
كَانَتْ لأَبِي صَالِحٍ لِحْيَةٌ طَوِيْلَةٌ، فَإِذَا
ذَكَرَ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بَكَى،
فَارْتَجَّتْ لِحْيَتُهُ، وَقَالَ: هَاهْ، هَاهْ.
وَذَكَرَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ مِنْ فَضْلِهِ.
حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ:
كَانَ أَبُو صَالِحٍ مُؤَذِّناً، فَأَبْطَأَ الإِمَامُ،
فَأَمَّنَا، فَكَانَ لاَ يَكَادُ يُجِيْزُهَا مِنَ
الرِّقَّةِ وَالبُكَاءِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَالِحُ الحَدِيْثِ،
يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ إِذَا رَأَى أَبَا
صَالِحٍ، قَالَ: مَا عَلَى هَذَا أَنْ يَكُوْنَ مِنْ بَنِي
عَبْدِ مَنَافٍ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَمائَةٍ.
11 - أَبُو صَالِحٍ بَاذَامُ *(4)
وَيُقَالُ: بَاذَانُ.
حَدَّثَ عَنْ: مَوْلاَتِهِ؛ أُمِّ هَانِئ، وَأَخِيْهَا؛
عَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو قِلاَبَةَ، وَالأَعْمَشُ،
وَالسُّدِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ السَّائِبِ الكَلْبِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ سُوْقَةَ، وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ،
وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَعَمَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ،
وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَإِذَا
حَدَّثَ عَنْهُ الكَلْبِيُّ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: لَمْ أَر أَحَداً مِنْ
أَصْحَابِنَا تَرَكَهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيْهِ
تَفْسِيْرٌ، قَلَّ مَا لَهُ مِنَ المُسْنَدِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ.
كَذَا عِنْدِي، وَصَوَابُهُ: بِقَوِيٍّ، فَكَأَنَّهَا
__________
(*) طبقات ابن سعد 5 / 302، التاريخ الكبير 2 / 144،
التاريخ الصغير 1 / 238، الفسوي 2 / 685، 686 و782 و785
و800، الجرح والتعديل 2 / 431، المجروحين والضعفاء 1 /
185، تهذيب الكمال: 140، تذهيب التهذيب 1 / 79 / 2، تاريخ
الإسلام 4 / 233، ميزان الاعتدال 1 / 266، تهذيب التهذيب 1
/ 416، خلاصة تذهيب الكمال: 54.
(5/37)
تَصَحَّفَتْ، فَإِنَّ النَّسَائِيَّ لاَ
يَقُوْلُ: لِيْسَ بِثِقَةٍ فِي رَجُلٍ مُخَرَّجٍ فِي
كِتَابِهِ، وَهَذَا الرَّجُلُ مِنْ طَبَقَةِ السَّمَّانِ،
لَكِنَّهُ عَاشَ بَعْدَهُ نَحْواً مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
12 - أَبُو صَالِحٍ الحَنَفِيُّ الكُوْفِيُّ * (م، د، س)
يُقَالُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ قَيْسٍ.
لَهُ عَنْ: عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَأَبِي
هُرَيْرَةَ.
وَعَنْهُ: بَيَانُ بنُ بِشْرٍ، وَابْنُ أَبِي خَالِدٍ،
وَسَعِيْدٌ وَالِدُ الثَّوْرِيِّ، وَطَائِفَةٌ.
وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَمَا هُوَ بِالمُكْثِرِ.
13 - طَاوُوْسُ بنُ كَيْسَانَ الفَارِسِيُّ ** (ع)
الفَقِيْهُ، القُدْوَةُ، عَالِمُ اليَمَنِ، أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الفَارِسِيُّ، ثُمَّ اليَمَنِيُّ، الجَنَدِيُّ
(1) ، الحَافِظُ.
كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الفُرْسِ الَّذِيْنَ جَهَّزَهُم
كِسْرَى لأَخْذِ اليَمَنِ لَهُ.
فَقِيْلَ: هُوَ مَوْلَى بَحِيْرِ بنِ رَيْسَانَ
الحِمْيَرِيِّ.
وَقِيْلَ: بَلْ وَلاَؤُهُ لِهَمْدَانَ.
أُرَاهُ وُلِدَ فِي دَوْلَةِ
__________
(*) طبقات ابن سعد 2 / 615، التاريخ الكبير 5 / 338، تاريخ
الفسوي 2 / 615، الجرح والتعديل 5 / 276، تهذيب الكمال:
813، تذهيب التهذيب 2 / 226 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 78،
تهذيب التهذيب 6 / 256، خلاصة تذهيب الكمال: 233.
(* *) طبقات ابن سعد 5 / 537، طبقات خليفة: 287، تاريخ
خليفة: 236، التاريخ الكبير 4 / 365، التاريخ الصغير 1 /
252، تاريخ الفسوي 1 / 705، الجرح والتعديل 4 / 500، حلية
الأولياء 4 / 3، 23، طبقات الفقهاء للشيرازي 73، اللباب 1
/ 241، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 251، وفيات الأعيان 2 /
509، تهذيب الكمال: 623، تذهيب التهذيب 2 / 101 / 2، تاريخ
الإسلام 4 / 126، تذكرة الحفاظ 1 / 90، العبر 1 / 130،
طبقات القراء 1 / 341، تهذيب التهذيب 5 / 8، النجوم
الزاهرة 1 / 260، طبقات الحفاظ: 34، خلاصة تذهيب الكمال:
181، شذرات الذهب 1 / 133.
(1) نسبة إلى مدينة كبيرة باليمن كثيرة الخيرات، بها قوم
من خولان، وبها مسجد جامع بناه معاذ بن جبل رضي الله عنه
حين نزلها، نزل بها طاووس، فنسب إليها.
(5/38)
عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَوْ
قَبْلَ ذَلِكَ.
سَمِعَ مِنْ: زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي
هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.
وَلاَزَمَ ابْنَ عَبَّاسٍ مُدَّةً، وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي
كُبَرَاءِ أَصْحَابِهِ.
وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: جَابِرٍ، وَسُرَاقَةَ بنِ مَالِكٍ،
وَصَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ
اللهِ بنِ عَمْرٍو.
وَعَنْ: زِيَادٍ الأَعْجَمِ، وَحُجْرٍ المَدَرِيِّ،
وَطَائِفَةٍ.
وَرَوَى عَنْ: مُعَاذٍ مُرْسَلاً.
رَوَى عَنْهُ: عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ
أَقْرَانِهِ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَالحَسَنُ بنُ
مُسْلِمٍ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ
مَيْسَرَةَ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ،
وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى
الدِّمَشْقِيُّ، وَقَيْسُ بنُ سَعْدٍ المَكِّيُّ،
وَعِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ
اللَّيْثِيُّ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ،
وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي
نَجِيْحٍ، وَحَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَخَلْقٌ
سِوَاهُم.
وَحَدِيْثُهُ فِي دَوَاوِيْنِ الإِسْلاَمِ، وَهُوَ حُجَّةٌ
بَاتِّفَاقٍ.
فَرَوَى: عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ:
إِنِّي لأَظُنُّ طَاوُوْسَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ.
وَقَالَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ: هُوَ فِيْنَا مِثْلُ ابْنِ
سِيْرِيْنَ فِي أَهْلِ البَصْرَةِ.
سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ،
قَالَ:
قَالَ مُجَاهِدٌ لِطَاوُوْسٍ: رَأَيْتُكَ يَا أَبَا عَبْدِ
الرَّحْمَنِ تُصَلِّي فِي الكَعْبَةِ، وَالنَبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَابِهَا يَقُوْلُ
لَكَ: (اكْشِفْ قِنَاعَكَ، وَبَيِّنْ قِرَاءتَكَ).
قَالَ طَاوُوْسٌ: اسْكُتْ، لاَ يَسْمَعْ هَذَا مِنْكَ
أَحَدٌ.
قَالَ: ثُمَّ خُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّهُ انْبَسَطَ فِي
الكَلاَمِ -يَعْنِي: فَرَحاً بِالمَنَامِ-.
عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ دَاوُدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ:
أَنَّ الأَسَدَ حَبَسَ لَيْلَةً النَّاسَ فِي طَرِيْقِ
الحَجِّ، فَدَقَّ النَّاسُ بَعْضُهُم بَعْضاً، فَلَمَّا
كَانَ السَّحَرُ، ذَهَبَ عَنْهُم، فَنَزَلُوا،
(5/39)
وَنَامُوا، وَقَامَ طَاوُوْسٌ يُصَلِّي.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَلاَ تَنَامُ؟
فَقَالَ: وَهَلْ يَنَامُ أَحَدٌ السَّحَرَ.
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا
يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَكَارِمِ
اللَّبَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ بَدْرٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ مُدْركٍ،
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ طَالُوْتَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
السَّلاَمِ بنُ هَاشِمٍ، عَنِ الحُرِّ بنِ أَبِي
الحُصَيْنِ العَنْبَرِيِّ، قَالَ:
مَرَّ طَاوُوْسٌ بِرَوَّاسٍ قَدْ أَخْرَجَ رَأْساً،
فَغُشِيَ عَلَيْهِ (1) .
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ بِشْرٍ الرَّقِّيُّ، قَالَ:
كَانَ طَاوُوْسٌ إِذَا رَأَى تِلْكَ الرُّؤُوْسَ
المَشْوِيَّةَ، لَمْ يَتَعَشَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ.
سَمِعَهُ مِنْهُ: مَعْمَرُ بنُ سُلَيْمَانَ.
وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا
الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ، أَوْ
غَيْرِهِ:
أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَسِيْرُ مَعَ طَاوُوْسٍ، فَسَمِعَ
غُرَاباً يَنْعَبُ، فَقَالَ: خَيْرٌ.
فَقَالَ طَاوُوْسٌ: أيُّ خَيْرٍ عِنْدَ هَذَا أَوْ شَرٍّ؟
لاَ تَصْحَبْنِي، أَوْ قَالَ: لاَ تَمْشِ مَعِي.
وَبِهِ: إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ
بنَ الزُّبَيْرِ الصَّنْعَانِيَّ يُحَدِّثُ:
أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ، أَوْ أَيُّوْبَ بنَ يَحْيَى
بَعَثَ إِلَى طَاوُوْسٍ بِسَبْعِ مائَةِ دِيْنَارٍ، أَوْ
خَمْسِ مائَةٍ، وَقِيْلَ لِلرَّسُوْلِ: إِنْ أَخَذَهَا
الشَّيْخُ مِنْكَ، فَإِنَّ الأَمِيْرَ سَيُحْسِنُ إِلَيْكَ
وَيَكْسُوْكَ.
فَقَدِمَ بِهَا عَلَى طَاوُوْسٍ الجَنَد، فَأَرَادَهُ
عَلَى أَخْذِهَا، فَأَبَى، فَغَفِلَ طَاوُوْسٌ، فَرَمَى
بِهَا الرَّجُلُ فِي كُوَّةِ البَيْتِ، ثُمَّ ذَهَبَ،
وَقَالَ لَهُم: قَدْ أَخَذَهَا.
ثُمَّ بَلَغَهُم عَنْ طَاوُوْسٍ شَيْءٌ يَكْرَهُوْنَهُ،
فَقَالَ: ابْعَثُوا إِلَيْهِ، فَلْيَبْعَثْ إِلَيْنَا
بِمَالِنَا.
فَجَاءهُ الرَّسُوْلُ، فَقَالَ: المَالَ الَّذِي بَعَثَ
بِهِ الأَمِيْرُ إِلَيْكَ.
قَالَ: مَا قَبَضْتُ مِنْهُ شَيْئاً.
فَرَجَعَ الرَّسُوْلُ، وَعَرَفُوا أَنَّهُ صَادِقٌ،
فَبَعَثُوا إِلَيْهِ الرَّجُلَ الأَوَّلَ، فَقَالَ:
المَالَ
__________
(1) حلية الأولياء 4 / 4.
(5/40)
الَّذِي جِئْتُكَ بِهِ يَا أَبَا عَبْدِ
الرَّحْمَنِ.
قَالَ: هَلْ قَبَضْتُ مِنْكَ شَيْئاً؟
قَالَ: لاَ.
ثُمَّ نَظَرَ حَيْثُ وَضَعَهُ، فَمَدَّ يَدَهُ، فَإِذَا
بِالصُرَّةِ قَدْ بَنَى العَنْكَبُوْتُ عَلَيْهَا،
فَذَهَبَ بِهَا إِلَيْهِم.
وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ،
حَدَّثَنِي أَبُو مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ:
قَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ لِطَاوُوْسٍ: ارْفَعْ
حَاجَتَكَ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ -يَعْنِي:
سُلَيْمَانَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ-.
قَالَ: مَا لِي إِلَيْهِ حَاجَةٌ.
فَكَأَنَّ عُمَرَ عَجِبَ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ سُفْيَانُ: وَحَلَفَ لَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ
مَيْسَرَةَ وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ الكَعْبَةِ:
وَرَبِّ هَذِهِ البَنِيَّةِ (1) مَا رَأَيْتُ أَحَداً،
الشَّرِيْفُ وَالوَضِيْعُ عِنْدهَ بِمَنْزِلَةٍ إِلاَّ
طَاوُوْساً.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ
طَاوُوْسٍ، قَالَ:
كُنْتُ لاَ أَزَال أَقُوْلُ لأَبِي: إِنَّهُ يَنْبَغِي
أَنْ يُخْرَجَ عَلَى هَذَا السُّلْطَانِ، وَأَنْ يُفْعَلَ
بِهِ.
قَالَ: فَخَرَجْنَا حُجَّاجاً، فَنَزَلْنَا فِي بَعْضِ
القُرَى، وَفِيْهَا عَامِلٌ -يَعْنِي: لأَمِيْرِ اليَمَنِ-
يُقَالُ لَهُ: ابْنُ نَجِيْحٍ، وَكَانَ مِنْ أَخْبَثِ
عُمَّالِهِم، فَشَهِدْنَا صَلاَةَ الصُّبْحِ فِي
المَسْجِدِ، فَجَاءَ ابْنُ نَجِيْحٍ، فَقَعَدَ بَيْنَ
يَدَيْ طَاوُوْسٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُجِبْهُ،
ثُمَّ كَلَّمَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ عَدَلَ إِلَى
الشِّقِّ الآخَرِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَلَمَّا رَأَيْتُ
مَا بِهِ، قُمْتُ إِلَيْهِ، فَمَدَدْتُ بِيَدِهِ،
وَجَعَلْتُ أُسَائِلُهُ، وَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ لَمْ يَعْرِفْكَ.
فَقَالَ العَامِلُ: بَلَى، مَعْرِفَتُهُ بِي فَعَلَتْ مَا
رَأَيْتَ.
قَالَ: فَمَضَى وَهُوَ سَاكِتٌ لاَ يَقُوْلُ لِي شَيْئاً،
فَلَمَّا دَخَلْتُ المَنْزِلَ، قَالَ:
أَيْ لُكَعُ، بَيْنَمَا أَنْتَ زَعَمْتَ تُرِيْدُ أَنْ
تَخْرُجَ عَلَيْهِم بِسَيْفِكَ، لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ
تَحْبِسَ عَنْهُ لِسَانَكَ.
__________
(1) البنية: الكعبة لشرفها، إذ هي أشرف مبنى، يقال: لا ورب
هذه البنية ما كان كذا وكذا، وقد كثر قسمهم برب هذه
البنية.
(5/41)
مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى العَنَزِيُّ:
حَدَّثَنَا مُطَهِّرُ بنُ الهَيْثَمِ الطَّائِيُّ، عَنْ
أَبِيْهِ، قَالَ:
حَجَّ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، فَخَرَجَ
حَاجِبُهُ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَالَ:
ابْغُوا إِلَيَّ فَقِيْهاً أَسْأَلْهُ عَنْ بَعْضِ
المَنَاسِكِ.
قَالَ: فَمَرَّ طَاوُوْسٌ، فَقَالُوا: هَذَا طَاوُوْسٌ
اليَمَانِيُّ.
فَأَخَذَهُ الحَاجِبُ، فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ.
قَالَ: أَعْفِنِي.
فَأَبَى، ثُمَّ أَدْخَلَهُ عَلَيْهِ.
قَالَ طَاوُوْسٌ: فَلَمَّا وَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ،
قُلْتُ: إِنَّ هَذَا لَمَجْلِسٌ يَسْأَلُنِي اللهُ عَنْهُ.
فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ صَخْرَةً
كَانَتْ عَلَى شَفِيْرِ جُبٍّ فِي جَهَنَّمَ، هَوَتْ
فِيْهَا سَبْعِيْنَ خَرِيْفاً، حَتَّى اسْتَقَرَّتْ
قَرَارَهَا، أَتَدْرِي لِمَنْ أَعَدَّهَا اللهُ؟
قَالَ: لاَ، وَيْلَكَ لِمَنْ أَعَدَّهَا؟
قَالَ: لِمَنْ أَشْرَكَهُ اللهُ فِي حُكْمِهِ، فَجَارَ.
قَالَ: فَكَبَا بِهَا.
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ: زَعَمَ لِي سُفْيَانُ،
قَالَ:
جَاءَ ابْنٌ لِسُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، فَجَلَسَ
إِلَى جَنْبِ طَاوُوْسٍ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ،
فَقِيْلَ لَهُ: جَلَسَ إِلَيْكَ ابْنُ أَمِيْرِ
المُؤْمِنِيْنَ، فَلَمْ تَلْتَفِتْ إِلَيْهِ!
قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ للهِ عُبَّاداً
يَزْهَدُوْنَ فِيْمَا فِي يَدَيْهِ.
رَوَى: أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ بنِ شَابُوْرٍ،
قَالَ:
قَالَ رَجُلٌ لِطَاوُوْسٍ: ادْعُ اللهَ لَنَا.
قَالَ: مَا أَجِدُ لِقَلْبِي خَشْيَةً، فَأَدْعُوَ لَكَ.
وَيُرْوَى: أَنَّ طَاوُوْساً جَاءَ فِي السَّحَرِ يَطْلُبُ
رَجُلاً، فَقَالُوا: هُوَ نَائِمٌ.
قَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنْ أَحَداً يَنَامُ فِي
السَّحَرِ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ، عَنْ
أَبِيْهِ:
أَن طَاوُوْساً قَالَ لَهُ: يَا أَبَا نَجِيْحٍ! مَنْ
قَالَ: وَاتَّقَى اللهَ خَيْرٌ مِمَّنْ صَمَتَ وَاتَّقَى
اللهَ؟
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ هِشَامِ بنِ حُجَيْرٍ، عَنْ
طَاوُوْسٍ، قَالَ:
لاَ يَتِمُّ نُسُكُ الشَّابِّ حَتَّى يَتَزَوَّجَ.
وَرَوَى: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ
مُحَمَّدٍ، قَالَ:
كَانَ مِنْ دُعَاءِ طَاوُوْسٍ: اللَّهُمَّ احْرِمْنِي
كَثْرَةَ المَالِ وَالوَلَدِ، وَارْزُقْنِي الإِيْمَانَ
وَالعَمَلَ.
(5/42)
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَوْ رَأَيْتَ
طَاوُوْساً، عَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَكْذِبُ.
الأَعْمَشُ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ
طَاوُوْسٍ، قَالَ:
أَدْرَكْتُ خَمْسِيْنَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَعَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ:
اجْتَمَعَ عِنْدِي خَمْسَةٌ لاَ يَجْتَمِعُ مِثْلُهُم
عِنْدَ أَحَدٍ: عَطَاءٌ، وَطَاوُوْسٌ، وَمُجَاهِدٌ،
وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ.
مَعْمَرٌ: عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَقِي عِيْسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- إِبْلِيْسَ، فَقَالَ:
أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يُصِيْبُكَ إِلاَّ مَا قُدِّرَ
لَكَ.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَارْقَ ذِرْوَةَ هَذَا الجَبَلِ، فَتَرَدَّ
مِنْهُ، فَانْظُرْ أَتَعِيْشُ أَمْ لاَ؟
قَالَ عِيْسَى: إِنَّ اللهَ يَقُوْلُ: (لاَ يُجَرِّبْنِي
عَبْدِي، فَإِنِّي أَفْعَلُ مَا شِئْتُ).
وَرَوَاهُ: مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَفِيْهِ:
فَقَالَ: إِنَّ العَبْدَ لاَ يَبْتَلِي رَبَّهُ، وَلَكِنَّ
اللهَ يَبْتَلِي عَبْدَهُ.
قَالَ: فَخَصَمَهُ.
حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: عَنْ لَيْثٍ، قَالَ:
كَانَ طَاوُوْسٌ إِذَا شَدَّدَ النَّاسُ فِي شَيْءٍ،
رَخَّصَ هُوَ فِيْهِ، وَإِذَا تَرَخَّصَ النَّاسُ فِي
شَيْءٍ، شَدَّدَ فِيْهِ.
قَالَ لَيْثٌ: وذَلِكَ لِلْعِلْمِ.
عَنْبَسَةُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: عَنْ حَنْظَلَةَ بنِ
أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ عَالِماً قَطُّ يَقُوْلُ: لاَ أَدْرِي،
أَكْثَرَ مِنْ طَاوُوْسٍ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: كَانَ طَاوُوْسٌ
يَتَشَيَّعُ (1) .
وَقَالَ مَعْمَرٌ: احْتَبَسَ طَاوُوْسٌ عَلَى رَفِيْقٍ
لَهُ حَتَّى فَاتَهُ الحَجُّ.
قُلْتُ: قَدْ حَجَّ مَرَّاتٍ كَثِيْرَةً.
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في " التهذيب " 1 / 94: التشيع في
عرف المتقدمين: هو اعتقاد تفضيل.
علي على عثمان، وأن عليا كان مصيبا في حروبه، وأن مخالفه
مخطئ مع تقديم الشيخين وتفضيلهما، وربما اعتقد بعضهم أن
عليا أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا
كان معتقد ذلك ورعا دينا صادقا مجتهدا، فلا ترد روايته
لاسيما إن كان غير داعية.
(5/43)
وَقَالَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: رَأَيْتُ
طَاوُوْساً يَخْضِبُ بِحِنَّاءٍ شَدِيْدِ الحُمْرَةِ.
وَقَالَ فِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ: كَانَ طَاوُوْسٌ
يَتَقَنَّعُ وَيَصْبِغُ بِالحِنَّاءِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي بَكْرٍ المُلَيْكِيُّ:
رَأَيْتُ طَاوُوْساً وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ
السُّجُوْدِ.
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ رَجُلٍ، قَالَ:
كَانَ مِنْ دُعَاءِ طَاوُوْسٍ: اللَّهُمَّ احْرِمْنِي
كَثْرَةَ المَالِ وَالوَلَدِ (1) .
قَالَ مَعْمَرٌ: عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ،
قَالَ:
عَجِبْتُ لإِخْوَتِنَا مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ، يُسَمُّوْنَ
الحَجَّاجَ مُؤْمِناً.
قُلْتُ: يُشِيْرُ إِلَى المُرْجِئَةِ مِنْهُم، الَّذِيْنَ
يَقُوْلُوْنَ: هُوَ مُؤْمِنٌ كَامِلُ الإِيْمَانِ مَعَ
عَسْفِهِ، وَسَفْكِهِ الدِّمَاءَ، وَسَبِّهِ الصَّحَابَةَ
(2) .
ابْنُ جُرَيْجٍ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ:
أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ الثَّقَفِيَّ اسْتَعْمَلَ
طَاوُوْساً عَلَى بَعْضِ الصَّدَقَةِ، فَسَأَلْتُ
طَاوُوْساً: كَيْفَ صَنَعْتَ؟
قَالَ: كُنَّا نَقُوْلُ لِلرَّجُلِ: تُزَكِّي - رَحِمَكَ
اللهُ - مِمَّا أَعْطَاكَ اللهُ؟ فَإِنْ أَعْطَانَا
أَخَذْنَا، وَإِنْ تَوَلَّى، لَمْ نَقُلْ: تَعَالَ.
وَبَلَغَنَا: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُجِلُّ
طَاوُوْساً، وَيَأْذَنُ لَهُ مَعَ الخَوَاصِّ، وَلَمَّا
قَدِمَ عِكْرِمَةُ اليَمَنَ، أَنْزَلَهُ طَاوُوْسٌ
عِنْدَهُ، وَأَعْطَاهُ نَجِيْباً (3).
رَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُوْسٍ،
قَالَ:
لَوْ أَنَّ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ اتَّقَى اللهَ، وَكَفَّ
مِنْ حَدِيْثِهِ، لَشُدَّتْ إِلَيْهِ المَطَايَا.
تُوُفِّيَ طَاوُوْسٌ: بِمَكَّةَ، أَيَّامَ المَوَاسِمِ،
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ قَبْرَ طَاوُوْسٍ بِبَعْلَبَكَّ،
__________
(1) أورده أبو نعيم في " الحلية " 3 / 9، والزيادة منه
وتمامه: وارزقني الايمان والعمل.
(2) في " التهذيب ": قال عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كل
أمة بخبيثها، وجئنا بالحجاج، لغلبناهم.
(3) النجيب من الابل: القوي منها، الخفيف السريع.
(5/44)
فَهُوَ لاَ يَدْرِي مَا يَقُوْلُ، بَلْ
ذَاكَ شَخْصٌ اسْمُهُ طَاوُوْسٌ إِنْ صَحَّ، كَمَا أَنَّ
قَبْرَ أُبَيٍّ بِشَرْقِيِّ دِمَشْقَ، وَلَيْسَ بِأُبَيِّ
بنِ كَعْبٍ البَتَّةَ.
وطَاوُوْسٌ: هُوَ الَّذِي يَنْقُلُ عَنْهُ وَلَدُهُ:
أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الحَلِفَ بِالطَّلاَقِ شَيْئاً،
وَمَا ذَاكَ إِلاَّ أَنَّ الحَجَّاجَ وَذَوِيْهِ كَانُوا
يُحَلِّفُوْنَ النَّاسَ عَلَى البَيْعَةِ لِلإِمَامِ
بِاللهِ، وَبِالعِتَاقِ، وَالطَّلاَقِ، وَالحَجِّ،
وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَالَّذِي يَظْهَرُ لِي: أَنَّ أَخَا الحَجَّاجِ - وَهُوَ
مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ أَمِيْرُ اليَمَنِ - حَلَّفَ
النَّاسَ بِذَلِكَ، فَاسْتُفْتِيَ طَاوُوْسٌ فِي ذَلِكَ،
فَلَمْ يَعُدَّهُ شَيْئاً، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِكَوْنِهِم
أُكْرِهُوا عَلَى الحَلِفِ - فَاللهُ أَعْلَمُ -.
ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، قَالَ:
شَهِدْتُ جَنَازَةَ طَاوُوْسٍ بِمَكَّةَ، سَنَةَ خَمْسٍ
وَمائَةٍ، فَجَعَلُوا يَقُوْلُوْنَ: رَحِمَ اللهُ أَبَا
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَجَّ أَرْبَعِيْنَ حَجَّةً.
وَرَوَى: عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
مَاتَ طَاوُوْسٌ بِمَكَّةَ، فَلَمْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ
حَتَّى بَعَثَ ابْنُ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ
بِالحَرَسِ.
قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ الحَسَنِ بنِ
الحَسَنِ، وَاضِعاً السَّرِيْرَ عَلَى كَاهِلِهِ،
فَسَقَطَتْ قَلَنْسُوَةٌ كَانَتْ عَلَيْهِ، وَمُزِّقَ
رِدَاؤُهُ مِنْ خَلْفِهِ، فَمَا زَايَلَهُ إِلَى القَبْرِ،
تُوُفِّيَ بِمُزْدَلِفَةَ، أَوْ بِمِنَىً.
قُلْتُ: إِنْ كَانَ فِيْهِ تَشَيُّعٌ، فَهُوَ يَسِيْرٌ لاَ
يَضُرُّ - إِنْ شَاءَ اللهُ -.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ، وَيَحْيَى
القَطَّانُ، وَالهَيْثَمُ، وَغَيْرُهُم: مَاتَ طَاوُوْسٌ
سَنَةَ سِتٍّ وَمائَةٍ.
وَيُقَالُ: كَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ (1) ،
مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ الخَلِيْفَةُ
هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، اتَّفَقَ لَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ
بَعْدَ أَيَّامٍ اتَّفَقَ لَهُ الصَّلاَةُ بِالمَدِيْنَةِ
عَلَى سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ.
قَالَ شَيْخُنَا فِي (تَهْذِيْبِ الكَمَالِ):
حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي بَكْرٍ
الأَخْنَسِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ،
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يَزِيْدَ الخُوْزِيُّ، وَأُسَامَةُ
بنُ زَيْدٍ
__________
(1) هو اليوم الثامن من ذي الحجة، سمي به، لان الحجاج فيما
مضى كانوا يتروون فيه من الماء، وينهضون إلى منى ولا ماء
بها، فيتزودون ريهم من الماء.
(5/45)
اللَّيْثِيُّ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي
ثَابِتٍ، وَالحَسَنُ بنُ مُسْلِمِ بنِ يَنَّاقَ،
وَالحَكَمُ، وَحَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَسَعِيْدُ
بنُ حَسَّانٍ، وَسَعِيْدُ بنُ سِنَانٍ أَبُو سِنَانٍ
الشَّيْبَانِيُّ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ،
وَسُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى
الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو شُعَيْبٍ الطَّيَالِسِيُّ،
وَصَدَقَةُ بنُ يَسَارٍ، وَالضَّحَّاكُ بنُ مُزَاحِمٍ،
وَعَامِرُ بنُ مُصْعَبٍ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ
طَاوُوْسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَجِيْحٍ، وَعَبْدُ
الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ أَبُو
أُمَيَّةَ البَصْرِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ - مَسْأَلَةً -
وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ
الوَلِيْدِ الوَصَّافِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ،
وَعِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ،
وَعَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، وَعَمْرُو بنُ قَتَادَةَ،
وَعَمْرُو بنُ مُسْلِمٍ الجَنَدِيُّ، وَقَيْسُ بنُ سَعْدٍ،
وَلَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو
الزُّبَيْرِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالمُغِيْرَةُ بنُ حَكِيْمٍ
الصَّنْعَانِيُّ، وَمَكْحُوْلٌ، وَالنُّعْمَانُ بنُ أَبِي
شَيْبَةَ، وَهَانِئُ بنُ أَيُّوْبَ، وَهِشَامُ بنُ
حُجَيْرٍ، وَوَهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ
الشَّامِيُّ.
رَوَى: جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، عَنْ عَمْرِو بنِ
دِيْنَارٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا طَاوُوْسٌ - وَلاَ تَحْسَبَنَّ فِيْنَا أَحَداً
أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ طَاوُوْسٍ -...
وَرَوَى: حَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ، عَنْ عَمْرِو بنِ
دِيْنَارٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ قَطُّ مِثْلَ طَاوُوْسٍ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قُلْتُ لِعُبَيْدِ اللهِ بنِ
أَبِي يَزِيْدَ: مَعَ مَنْ كُنْتَ تَدْخُلُ عَلَى ابْنِ
عَبَّاسٍ؟
قَالَ: مَعَ عَطَاءٍ، وَأَصْحَابِهِ.
قُلْتُ: وَطَاوُوْسٌ؟
قَالَ: أَيْهَانِ (1) ذَاكَ، كَانَ يَدْخُلُ مَعَ
الخَوَاصِّ.
لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، قَالَ: كَانَ طَاوُوْسٌ
يَعُدُّ الحَدِيْثَ حَرْفاً حَرْفاً، وَقَالَ:
تَعَلَّمْ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ ذَهَبَتْ
مِنْهُمُ الأَمَانَةُ.
قَالَ حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ: قَالَ لِي طَاوُوْسٌ:
إِذَا حَدَّثْتُكَ الحَدِيْثَ، فَأَثْبَتُّهُ
__________
(1) هي كهيهات بمعنى: بعد.
(5/46)
لَكَ، فَلاَ تَسْأَلَنَّ عَنْهُ أَحَداً.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ: طَاوُوْسٌ
ثِقَةٌ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ
اليَمَنِ، وَمِنْ سَادَاتِ التَّابِعِيْنَ، مُسْتجَابَ
الدَّعْوَةِ، حَجَّ أَرْبَعِيْنَ حَجَّةً.
وَكِيْعٌ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الشَّامِيِّ -
وَقِيْلَ: وَكِيْعٌ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ
اللهِ الشَّامِيِّ - قَالَ:
اسْتَأْذَنْتُ عَلَى طَاوُوْسٍ لأَسْأَلَهُ عَنْ
مَسْأَلَةٍ، فَخَرَجَ عَلَيَّ شَيْخٌ كَبِيْرٌ،
فَظَنَنْتُهُ هُوَ، فَقَالَ: لاَ، أَنَا ابْنُهُ.
قُلْتُ: إِنْ كُنْتَ ابْنَهُ، فَقَدْ خَرِفَ أَبُوْكَ.
قَالَ: تَقُوْل ذَاكَ! إِنَّ العَالِمَ لاَ يَخْرَفُ.
قَالَ: فَدَخَلْتُ، فَقَالَ لِي طَاوُوْسٌ: سَلْ
وَأَوْجِزْ، وَإِنْ شِئْتَ عَلَّمْتُكَ فِي مَجْلِسِكَ
هَذَا القُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيْلَ.
قُلْتُ: إِنْ عَلَّمْتَنِيْهِم لاَ أَسْأَلُكَ عَنْ
شَيْءٍ.
قَالَ: خَفِ اللهَ مَخَافَةً لاَ يَكُوْنُ شَيْءٌ عِنْدَكَ
أَخَوْفَ مِنْهُ، وَارْجُهُ رَجَاءً هُوَ أَشَدُّ مِنْ
خَوْفِكِ إِيَّاهُ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ
لِنَفْسِكَ.
وَرَوَى: عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
كَانَ طَاوُوْسٌ يُصَلِّي فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ
مُغَيِّمَةٍ، فَمَرَّ بِهِ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ أَخُو
الحَجَّاجِ، أَوْ أَيُّوْبُ بنُ يَحْيَى فِي مَوْكِبِهِ،
وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَمَرَ بِسَاجٍ أَوْ طَيْلَسَانٍ
مُرْتَفِعٍ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ
حَتَّى فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ، نَظَرَ
فَإِذَا السَّاجُ عَلَيْهِ، فَانْتَفَضَ وَلَمْ يَنْظُرْ
إِلَيْهِ، وَمَضَى إِلَى مَنْزِلِهِ (1) .
لَيْثٌ: عَنْ طَاوُوْسٍ، قَالَ:
مَا مِنْ شَيْءٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ ابْنُ آدَمَ إِلاَّ
أُحْصِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى أَنِيْنُهُ فِي مَرَضِهِ.
هِشَامُ بنُ حُجَيْرٍ: عَنْ طَاوُوْسٍ، قَالَ: لاَ يَتِمُّ
نُسُكُ الشَّابِّ حَتَّى يَتَزَوَّجَ.
__________
(1) حلية الأولياء 3 / 4.
(5/47)
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ، قَالَ:
قَالَ لِي طَاوُوْسٌ:
تَزَوَّجْ، أَوْ لأَقُوْلَنَّ لَكَ مَا قَالَ عُمَرُ بنُ
الخَطَّابِ لأَبِي الزَّوَائِدِ: مَا يَمْنَعُكَ مِنَ
النِّكَاحِ إِلاَّ عَجْزٌ أَوْ فُجُوْرٌ.
ابْنُ طَاوُوْسٍ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
البُخْلُ: أَنْ يَبْخَلَ الرَّجُلُ بِمَا فِي يَدَيْهِ،
وَالشُحُّ: أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ مَا فِي
أَيْدِي النَّاسِ.
مَعْمَرٌ: عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ رُبَّمَا يُدَاوِي
المَجَانِيْنَ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ جَمِيْلَةٌ،
فَجُنَّتْ، فَجِيْءَ بِهَا إِلَيْهِ، فَتُرِكَتْ عِنْدَهُ،
فَأَعْجَبَتْهُ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَحَمَلتْ مِنْهُ.
فَجَاءهُ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: إِنْ عُلِمَ بِهَا،
افْتَضَحْتَ، فَاقْتُلْهَا، وَادْفِنْهَا فِي بَيْتِكَ.
فَقَتَلَهَا، وَدَفَنَهَا، فَجَاءَ أَهْلُهَا بَعْدَ
ذَلِكَ بِزَمَانٍ يَسْأَلُوْنَهُ عَنْهَا، فَقَالَ:
مَاتَتْ.
فَلَمْ يَتَّهِمُوْهُ لِصَلاَحِهِ، فَجَاءهُمُ
الشَّيْطَانُ، فَقَالَ:
إِنَّهَا لَمْ تَمُتْ، وَلَكِنْ وَقَعَ عَلَيْهَا،
فَحَمَلتْ مِنْهُ، فَقَتَلَهَا، وَدَفَنَهَا فِي بَيْتِهِ.
فَجَاءَ أَهْلُهَا، فَقَالُوا: مَا نَتَّهِمُكَ، وَلَكِنْ
أَيْنَ دَفَنْتَهَا؟ أَخْبِرْنَا، وَمَنْ كَانَ مَعَكَ؟
فَنَبَشُوا بَيْتَهُ، فَوَجَدُوْهَا، فَأُخِذَ، فَسُجِنَ.
فَجَاءهُ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ
أَنْ أُخْرِجَكَ مِمَّا أَنْتَ فِيْهِ، فَاكْفُرْ بِاللهِ.
فَأَطَاعَهُ، فَكَفَرَ، فَقُتِلَ، فَتَبَرَّأَ مِنْهُ
الشَّيْطَان حِيْنَئِذٍ.
قَالَ طَاوُوْسٌ: فَلاَ أَعْلَمُ إِلاَّ أَنَّ هَذِهِ
الآيَةَ نَزَلَتْ فِيْهِ : {كَمَثِلَ الشَّيْطَانُ إِذْ
قَالَ لِلإِنْسَانِ: اكْفُرْ } الآيَة [الحَشْرُ: 16]،
أَوْ بِمِثْلِهِ (1) .
عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، قَالَ:
رَأَيْت طَاوُوْساً وَأَصْحَابَهُ إِذَا صَلُّوُا
العَصْرَ، اسْتَقْبَلُوا القِبْلَةَ، وَلَمْ يُكَلِّمُوا
أَحَداً، وَابْتَهَلُوا بِالدُّعَاءِ.
__________
(1) قال ابن جرير في تفسير الآية 28 / 49: يقول تعالى
ذكره: مثل هؤلاء المنافقين الذين وعدوا اليهود من النضير
النصرة إن قوتلوا، أو الخروج معهم إن أخرجوا، ومثل النضير
في غرورهم إياهم بإخلافهم الوعد، وإسلامهم إياهم عند شدة
حاجتهم إليهم، وإلى نصرتهم إياهم، كمثل الشيطان الذي غر
إنسانا، ووعده على اتباعه وكفره بالله النصرة عند الحاجة،
فكفر بالله، واتبعه وأطاعه، فلما احتاج إلى نصرته، أسلمه
وتبرأ منه، وقال له: إني أخاف الله رب العالمين، في نصرتك.
والقصة التي أوردها المؤلف هي كما قال ابن كثير - كالمثال
لهذا المثل، لاأنها المرادة وحدها بالمثل، بل هي منه مع
غيرها من الوقائع المشاكلة لها.
(5/48)
لاَ رَيْبَ فِي وَفَاةِ طَاوُوْسٍ فِي
عَامِ سِتَّةٍ وَمائَةٍ.
فَأَمَّا قَوْلُ الهَيْثَمِ: مَاتَ سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ
وَمائَةٍ، فَشَاذٌّ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَيَحْيَى
بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَطَائِفَةٌ إِذْناً، سَمِعُوا
عُمَرَ بنَ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو
عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ
أَخْبَرَهَ:
أَنَّ طَاوُوْساً حَدَّثَهُ: أَنَّ حُجْرَ بنَ قَيْسٍ
المَدَرِيَّ حَدَّثَهُ:
أَنَّ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ، أَوْ أَخْبَرَهُ
زَيْدٌ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (العُمْرَى مِيْرَاثٌ) (1) .
14 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ
الأُمَوِيُّ * (س، ق)
ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ الأُمَوِيُّ، أَخُو خَالِدٍ، كَانَ
مِنَ الأَتْقِيَاءِ العُبَّادِ.
حَدَّثَ عَنْ: ثَوْبَانَ.
وَعَنْهُ: أَبُو طُوَالَةَ عَبْدُ اللهِ، وَأَبُو حَازِمٍ
الأَعْرَجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَيْسٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ (2) .
__________
(1) رجاله ثقات، واخرجه الطبراني كما في " الجامع الصغير "
بلفظ " العمرى والرقبى سبيلهما سبيل الميراث " وهو في صحيح
ابن حبان (1149) بلفظ " من أعمر أرضا، فهي لوارثه " وأخرجه
مسلم في " صحيحه " (1625) (31) في الهبات: باب العمرى من
حديث جابر بن عبد الله بلفظ " العمرى ميراث لاهلها " وفي
رواية " العمرى لمن وهبت له " العمرى من قولهم: أعمرته
الدار عمري، أي: جعلتها له يسكنها مدة عمره، فإذا مات،
عادت إلى المعمر، كذا كانوا يفعلون في الجاهلية، فأبطل ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم، وأعلمهم أن من أعمر شيئا في
حياته، فهو لورثته من بعده.
(*) التاريخ الكبير 5 / 364، تاريخ الفسوي 1 / 576، الجرح
والتعديل 5 / 299، تهذيب الكمال: 828، تذهيب التهذيب 2 /
234 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 145، تهذيب التهذيب 6 / 300،
خلاصة تذهيب الكمال: 237.
(2) له حديث واحد عند النسائي وابن ماجه (1837) رواه عن
ثوبان، قال: قال رسول الله =
(5/49)
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ هِشَامٍ: كَانَ
عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ يَرِقُّ لَهُ؛ لِمَا هُوَ
عَلَيْهِ مِنَ النُّسُكِ، فَرَفَعَ دَيْناً عَلَيْهِ
أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَوَعَدَهُ أَنْ يُوْفِيَهِ،
وَقَالَ: وَكِّلْ أَخَاكَ الوَلِيْدَ.
فَوَكَّلَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ
أَقْضِيَ عَنْ وَاحِدٍ هَذَا المَالَ، وَإِنْ كَانَ
أَنْفَقَهَا فِي حَقٍّ.
قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ مِنْ أَخْلاَقِ
المُؤْمِنِ أَنْ يُنْجِزَ مَا وَعَدَ.
قَالَ: وَيْحَكَ! وَضَعْتَنِي هَذَا المَوْضِعَ.
فَلَمْ يَقْضِ عَنْهُ.
قَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: عِبَادُ الرَّحْمَنِ مِنْ
قُرَيْشٍ كُلُّهُم عَابِدٌ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
زِيَادِ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبَانِ
بنِ عُثْمَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ
مُعَاوِيَةَ.
وَقِيْلَ: اجْتَهَدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ فِي
العِبَادَةِ حَتَّى صَارَ كَالشِّنِّ البَالِي -رَحِمَهُ
اللهُ-.
15 - عَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْبِ
الأَسْلَمِيُّ * (ع)
الحَافِظُ، الإِمَامُ، شَيْخُ مَرْو وَقَاضِيْهَا، أَبُو
سَهْلٍ الأَسْلَمِيُّ، المَرْوَزِيُّ، أَخُو سُلَيْمَانَ
بنِ بُرَيْدَةَ، وَكَانَا تَوْأَمَيْنِ، وُلِدَا سَنَةَ
خَمْسَ عَشْرَةَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ - فَأَكْثَرَ - وَعِمْرَانَ بنِ
الحُصَيْنِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ،
وَأَبِي مُوْسَى، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَذَلِكَ
فِي السُّنَنِ.
وَفِي (التِّرْمِذِيِّ) أَيْضاً: عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ.
وَعَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو السَّهْمِيِّ، وَابْنِ
عُمَرَ، وَسَمُرَةَ بنِ
__________
= صلى الله عليه وسلم: " ومن يتقبل لي بواحدة، أتقبل له
بالجنة " قلت: أنا، فقال: " لا تسأل الناس شيئا " قال:
فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب، فلا يقول لأحد: ناولنيه حتى
ينزل، فيأخذه. وأخرجه أحمد 5 / 277 و281 وسنده قوي.
(*) طبقات خليفة: 211، التاريخ الكبير 5 / 51، التاريخ
الصغير 2 / 139، 140، الجرح والتعديل 5 / 13، تهذيب
الكمال: 667، تذهيب التهذيب 2 / 131 / 2، تاريخ الإسلام 4
/ 263،
تذكرة الحفاظ 1 / 102، العبر 1 / 143، تهذيب التهذيب 5 /
157، طبقات الحفاظ: 40، خلاصة تذهيب الكمال: 192، شذرات
الذهب 1 / 151، تهذيب ابن عساكر 7 / 309.
(5/50)
جُنْدَبٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ
عَبَّاسٍ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَمُعَاوِيَةَ،
وَعَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ - مُرْسَلاً - وَعِدَّةٍ.
وَعَنْ: أَبِي الأَسْوَدِ الدِّيْلِيِّ، وَبُشَيْرِ بنِ
كَعْبٍ، وَحُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَرِيِّ،
وَيَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، وَحَنْظَلَةَ بنِ عَلِيٍّ،
وَطَائِفَةٍ.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ صَخْرٌ وَسَهْلٌ، وَمَطَرٌ
الوَرَّاقُ، وَمُحَارِبُ بنُ دِثَارٍ، وَالشَّعْبِيُّ،
وَقَتَادَةُ، وَسَعْدُ بنُ عُبَيْدَةَ، وَالمُغِيْرَةُ بنُ
سُبَيْعٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ ثَعْلَبَةَ الطَّائِيُّ،
وَأَبُو رَبِيْعَةَ الإِيَادِيُّ، وَأَبُو هَاشِمٍ
الرُّمَّانِيُّ، وَأَجْلَحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَبَشِيْرُ
بنُ المُهَاجِرِ، وَثَوَابُ بنُ عُتْبَةَ، وَحُسَيْنٌ
المُعَلِّمُ، وَحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي
الفُرَاتِ، وَسَعِيْدٌ الجُرَيْرِيُّ، وَصَالِحُ بنُ
حَيَّانَ القُرَشِيُّ، وَعَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَالِدٍ
الحَنَفِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ غِيَاثٍ، وَعَطَاءٌ
الخُرَاسَانِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَعِيْسَى بنُ
عُبَيْدٍ الكِنْدِيُّ، وَفَائِدٌ أَبُو العَوَّامِ،
وَكَهْمَسُ بنُ الحَسَنِ، وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ،
وَمُقَاتِلُ بنُ حَيَّانَ، وَمُقَاتِلُ بنُ سُلَيْمَانَ
المُفَسِّرُ، وَأَبُو هِلاَلٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمٍ،
وَمُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الثَّقَفِيُّ،
وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ
اللهِ: ابْنَا بُرَيْدَةَ؟
قَالَ: أَمَّا سُلَيْمَانُ، فَلَيْسَ فِي نَفْسِي مِنْهُ
شَيْءٌ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ!
ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: كَانَ وَكِيْعٌ يَقُوْلُ:
كَانُوا لِسُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ أَحْمَدَ مِنْهُم
لِعَبْدِ اللهِ - أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ -.
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ،
قَالَ:
عَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ
حُسَيْنُ بنُ وَاقِدَةَ مَا أَنْكَرَهَا! وَأَبُو
المُنِيْبِ أَيْضاً، قَالَ: يَقُوْلُ: كَأَنَّهَا مِنْ
قِبَلِ هَؤُلاَءِ.
وَرَوَى: إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، عَنْ يَحْيَى بنِ
مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَكَذَا قَالَ: أَبُو حَاتِمٍ، وَالعِجْلِيُّ.
أَبُو تُمَيْلَةَ: عَنْ رُمَيْحِ بنِ هِلاَلٍ الطَّائِيِّ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ:
وُلِدْتُ لِثَلاَثٍ خَلَوْنَ مِنْ خِلاَفَة عُمَرَ -رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ- فَجَاءَ عَبْدٌ لَنَا، فَبَشَّرَ أَبِي
وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَنْتَ حُرٌّ.
وَوُلِدَ أَخِي سُلَيْمَانُ بَعْدِي، وَكَانَا تَوْأَماً،
فَجَاءَ غُلاَمٌ آخَرُ
(5/51)
لَنَا إِلَى أَبِي وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ،
فَقَالَ: وُلِدَ لَكَ غُلاَمٌ.
قَالَ: سَبَقَكَ فُلاَنٌ.
قَالَ: إِنَّهُ آخَرُ.
قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: وَهَذَا أَيْضاً - أَي: أَعْتِقْهُ
-.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وُلِدَ ابْنَا بُرَيْدَةَ فِي
السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ، سَنَةَ
خَمْسَ عَشْرَةَ، وَمَاتَ سُلَيْمَانُ بنُ بُرَيْدَةَ
بِمَرْوَ، وَهُوَ عَلَى القَضَاءِ بِهَا، سَنَةَ خَمْسٍ
وَمائَةٍ، وَوَلِيَ أَخُوْهُ بَعْدَهُ القَضَاءَ بِهَا،
فَكَانَ عَلَى القَضَاءِ إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ خَمْسَ
عَشْرَةَ وَمائَةٍ، فَيَكُوْنُ عُمُرُ عَبْدِ اللهِ مائَةَ
عَامٍ، وَأَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا مَاتَا فِي
يَوْمٍ وَاحِدٍ.
قَالَ أَبُو تُمَيْلَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ
خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ:
يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَعَاهَدَ مِنْ نَفْسِهِ
ثَلاَثَةَ أَشْيَاءَ لاَ يَدَعُهَا: المَشْيُ، فَإِنِ
احْتَاجَهَ وَجَدَهُ، وَأَنْ لاَ يَدَعَ الأَكْلَ، فَإِنَّ
أَمْعَاءهُ تَضِيْقُ، وَأَنْ لاَ يَدَعَ الجِمَاعَ،
فَإِنَّ البِئْرَ إِذَا لَمْ تُنْزَعْ ذَهَبَ مَاؤُهَا.
قُلْتُ: يَفْعَلُ هَذِهِ الأَشْيَاءَ بَاقْتِصَادٍ، وَلاَ
سِيَّمَا الجِمَاعَ، إِذَا شَاخَ، فَتَرْكُهُ أَوْلَى.
أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ): حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ
الحُبَابِ، حَدَّثَنِي حُسَيْنٌ، حَدَّثَنِي ابْنُ
بُرَيْدَةَ، قَالَ:
دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَجْلَسَنَا
عَلَى الفِرَاشِ، ثُمَّ أَكَلْنَا، ثُمَّ شَرِبَ
مُعَاوِيَةُ، فَنَاوَلَ أَبِي، ثُمَّ قَالَ:
مَا شَرِبْتُهُ مُنْذُ حَرَّمَهُ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ثُمَّ قَالَ مُعَاوِيَةُ: كُنْتُ أَجْمَلَ شَبَابِ
قُرَيْشٍ، وَأَجْوَدَهُ ثَغْراً، وَمَا شَيْءٌ كُنْتُ
أَجِدُ لَهُ لَذَّةً - وَأَنَا شَابٌّ - أَجِدُهُ غَيْرَ
اللَّبَنِ، أَوْ إِنْسَانٍ حَسَنِ الحَدِيْثِ يُحَدِّثُنِي
(1) .
16 - أَخُوْه
ُ: سُلَيْمَانُ بنُ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيُّ *
قَدْ كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يُفَضِّلُهُ عَلَى عَبْدِ
اللهِ بنِ بُرَيْدَةَ.
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَائِشَةَ، وَعِمْرَانَ بنِ
حُصَيْنٍ.
__________
(1) أخرجه أحمد 5 / 347، وسنده حسن.
(*) طبقات خليفة: 322، التاريخ الكبير 4 / 4، الجرح
والتعديل 4 / 102، تهذيب الكمال: 535، تذهيب التهذيب 2 /
46 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 87، العبر 1 / 129، تهذيب
التهذيب 4 / 174، خلاصة تذهيب الكمال: 150، شذرات الذهب 1
/ 131.
(5/52)
وَعَنْهُ: عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ،
وَمُحَارِبُ بنُ دِثَارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ،
وَجَمَاعَةٌ.
ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ، وَلَهُ تِسْعُوْنَ
عَاماً.
17 - عَدِيُّ بنُ أَرْطَاةَ الفَزَارِيُّ الدِّمَشْقِيُّ *
أَمِيْرُ البَصْرَةِ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.
حَدَّثَ عَنْ: عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ.
وَعَنْهُ: أَبُو سَلاَّمٍ مَمْطُوْرٌ، وَبَكْرٌ
المُزَنِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ عَبَّادُ بنُ مَنْصُوْرٍ: خَطَبَنَا عَدِيٌّ عَلَى
مِنْبَرِ المَدَائِنِ حَتَّى بَكَى، وَأَبْكَانَا.
قَالَ مَعْمَرٌ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى عَدِيِّ بنِ
أَرْطَاةَ:
إِنَّكَ غَرَرْتَنِي بِعِمَامَتِكَ السَّوْدَاءِ،
وَمُجَالَسَتِكَ القُرَّاءَ، وَقَدْ أَظْهَرَنَا اللهُ
عَلَى كَثِيْرٍ مِمَّا تَكْتُمُوْنَ، أَمَا تَمْشُوْنَ
بَيْنَ القُبُوْرِ؟!
قَالَ شَبَابٌ: قَدِمَ عَدِيٌّ عَلَى البَصْرَةِ،
فَقَيَّدَ يَزِيْدَ بنَ المُهَلَّبِ، وَنَفَّذَهُ إِلَى
عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.
فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ، انْفَلَتَ، وَدَعَا إِلَى
نَفْسِهِ، وَتَسَمَّى بِالقَحْطَانِيِّ، وَنَصَبَ رَايَاتٍ
سُوْداً، وَقَالَ: أَدْعُو إِلَى سِيْرَةِ عُمَرَ بنِ
الخَطَّابِ.
فَحَارَبَهُ مَسْلَمَةُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، وَقَتَلَهُ،
ثُمَّ وَثَبَ وَلَدُهُ مُعَاوِيَةُ، فَقَتَلَ عَدِيّاً،
وَجَمَاعَةً صَبْراً، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَةٍ.
18 - القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيْقِ ** (ع)
ابْنُ خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ عَبْدِ اللهِ بنِ
أَبِي قُحَافَةَ، الإِمَامُ،
__________
(*) طبقات خليفة 312، تاريخ خليفة: 322 و325، التاريخ
الكير 7 / 44، الطبري 6 / 554 و556 و558 و578 - 584 و600،
الجرح والتعديل 7 / 3، ابن الأثير 5 / 43، 44، 49، 71، 73،
85، 99، تهذيب الكمال: 925، تذهيب التهذيب 3 / 36 / 1،
تاريخ الإسلام 4 / 150، ميزان الاعتدال 3 / 61، العبر 1 /
124، تهذيب التهذيب 7 / 164، خلاصة تذهيب الكمال: 263،
شذرات الذهب 1 / 124، رغبة الآمل 2 / 76، و7 / 159.
(* *) طبقات ابن سعد 5 / 187، طبقات خليفة: 244، تاريخ
خليفة: 338، التاريخ الصغير =
(5/53)
القُدْوَةُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، عَالِمُ
وَقْتِهِ بِالمَدِيْنَةِ مَعَ سَالِمٍ وَعِكْرِمَةَ، أَبُو
مُحَمَّدٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ،
التَّيْمِيُّ، البَكْرِيُّ، المَدَنِيُّ.
وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ الإِمَامِ عَلِيٍّ، فَرِوَايَتُهُ
عَنْ أَبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ انْقطَاعٌ عَلَى انْقطَاعٍ،
فَكُلٌّ مِنْهُمَا لَمْ يُحِقَّ أَبَاهُ، وَرُبِّيَ
القَاسِمُ فِي حَجْرِ عَمَّتِهِ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ
عَائِشَةَ، وَتَفَقَّهَ مِنْهَا، وَأَكْثَرَ عَنْهَا.
وَرَوَى عَنِ: ابْنِ مَسْعُوْدٍ - مُرْسَلاً -.
وَعَنْ: زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ - مُرْسَلاً -.
وَعَنْ: فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ،
وَابْنِ عُمَرَ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ جَدَّتِهِ،
وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، وَعَبْدِ
اللهِ بنِ خَبَّابٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو،
وَمُعَاوِيَةَ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْ: صَالِحِ بنِ خَوَّاتٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ
وَمُجَمِّعِ؛ ابْنَيْ يَزِيْدَ بنِ جَارِيَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ،
وَالشَّعْبِيُّ، وَنَافِعٌ العُمَرِيُّ، وَسَالِمُ بنُ
عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ حَزْمٍ، وَالزُّهْرِيُّ،
وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ،
وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَأَيُّوْبُ، وَرَبِيْعَةُ
الرَّأْيُ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَوْنٍ،
وَرَبِيْعَةُ بنُ عَطَاءٍ، وَثَابِتٌ بنُ عُبَيْدٍ،
وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ
الأَنْصَارِيُّ، وَأَخُوْهُ؛ سَعْدُ بنُ سَعِيْدٍ،
وَشَيْبَةُ بنُ نِصَاحٍ، وَطَلْحَةُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ،
وَعَاصِمُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَأَبُو الزِّنَادِ،
وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي الزِّنَادِ القَدَّاحُ،
وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُرْوَةَ، وَعِيْسَى بنُ
مَيْمُوْنٍ الوَاسِطِيُّ، وَمُوْسَى بنُ سَرْجِسَ،
وَأَفْلَحُ بنُ حُمَيْدٍ، وَحَنْظَلَةُ بنُ أَبِي
سُفْيَانَ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، وَعَبْدُ
اللهِ بنُ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ،
وَأَيْمَنُ بنُ نَابِلٍ، وَعَبَّادُ بنُ مَنْصُوْرٍ،
وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ مائَتَا حَدِيْثٍ.
__________
= 1 / 241 و253، الجرح والتعديل 7 / 118، حلية الأولياء 2
/ 183، طبقات الفقهاء للشيرازي: 59، تهذيب الأسماء واللغات
2 / 55، وفيات الأعيان 4 / 59، تهذيب الكمال 1116، تذهيب
التهذيب: 3 / 150 / 2 تاريخ الإسلام 4 / 182، تذكرة الحفاظ
1 / 96، العبر 1 / 132، تهذيب التهذيب 8 / 323، نكت
الهميان: 230، طبقات الحفاظ: 38، خلاصة تذهيب الكمال: 313،
شذرات الذهب 1 / 135.
(5/54)
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أُمُّهُ أُمُّ
وَلَدٍ، يُقَالُ لَهَا: سَوْدَةُ، وَكَانَ ثِقَةً،
عَالِماً، رَفِيْعاً، فَقِيْهاً، إِمَاماً، وَرِعاً،
كَثِيْرَ الحَدِيْثِ.
مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ خَالِدِ بنِ
الزُّبَيْرِ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ،
فَاسْتَأْذَنَ القَاسِمَ بنَ مُحَمَّدٍ.
فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: ائْذَنْ لَهُ.
فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ لَهُ: مَهْيَم (1) ؟
قَالَ: مَاتَ فُلاَنٌ...، فَذَكَرَ قصَّته.
قَالَ: فَوَلَّى، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ،
وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَدَ وَلداً
أَشْبَهَ بِهِ مِنْ هَذَا الفَتَى.
وَعَنِ القَاسِمِ، قَالَ:
كَانَتْ عَائِشَةُ قَدِ اسْتَقَلَّتُ بِالفَتْوَى فِي
خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِلَى أَنْ مَاتَتْ،
وَكُنْتُ مُلاَزِماً لَهَا مَعَ تُرَّهَاتِي (2) ،
وَكُنْتُ أَجَالِسُ البَحْرَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَقَدْ
جَلَسْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ،
فَأَكْثَرْتُ.
فَكَانَ هُنَاكَ -يَعْنِي: ابْنَ عُمَرَ- وَرَعٌ وَعِلْمٌ
جَمٌّ، وَوُقُوْفٌ عَمَّا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ.
ابْنُ شَوْذَبٍ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: مَا
أَدْرَكْنَا بِالمَدِيْنَةِ أَحَداً نُفَضِّلُهُ عَلَى
القَاسِمِ.
وُهَيْبٌ: عَنْ أَيُّوْبَ - وَذَكَرَ القَاسِمَ - فَقَالَ:
مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَفْضَلَ مِنْهُ، وَلَقَدْ تَرَكَ
مائَةَ أَلْفٍ وَهِيَ لَهُ حَلاَلٌ.
البُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ - وَكَانَ
أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ - أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ -
وَكَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ - يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُوْلُ: طَيَّبْتُ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-...، الحَدِيْثَ (3) .
__________
(1) قال الجوهري: مهيم: كلمة يستفهم بها، معناها: ما حالك
وما شأنك ؟
(2) الترهات: جمع ترهة: الأباطيل، والقول الخالي عن النفع.
(3) أخرجه البخاري 3 / 466 في الحج: باب الطيب بعد رمي
الجمار والحلق قبل الافاضة، ولفظه بتمامه: طيبت رسول الله
صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل
قبل أن يطوف، وبسطت يديها.
(5/55)
وَرَوَى: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي
الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنَ
القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَمَا كَانَ الرَّجُلُ يُعَدُّ
رَجُلاً حَتَّى يَعْرِفَ السُّنَّةَ، وَمَا رَأَيْتُ
أَحَدَّ ذِهْناً مِنَ القَاسِمِ، إِنْ كَانَ لَيَضْحَكُ
مِنْ أَصْحَابِ الشُّبَهِ كَمَا يَضْحَكُ الفَتَى.
وَرَوَى: خَالِدُ بنُ نِزَارٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ،
قَالَ:
أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيْثِ عَائِشَةَ ثَلاَثَةٌ:
القَاسِمُ، وَعُرْوَةُ، وَعَمْرَةُ.
وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ: سَمِعْتُ يَحْيَى
بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ:
عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ
عَائِشَةَ: تَرْجَمَةٌ مُشَبَّكَةٌ بِالذَّهَبِ.
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: كَانَ القَاسِمُ، وَابْنُ
سِيْرِيْنَ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ يُحَدِّثُوْنَ
بِالحَدِيْثِ عَلَى حُرُوْفِهِ، وَكَانَ الحَسَنُ،
وَإِبْرَاهِيْمُ، وَالشَّعْبِيُّ يُحَدِّثُوْنَ
بِالمَعَانِي (1) .
يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
رَأَيْتُ القَاسِمَ بنَ مُحَمَّدٍ يُصَلِّي، فَجَاءَ
أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَيُّمَا أَعْلَمُ، أَنْتَ أَمْ
سَالِمٌ؟
فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، كُلٌّ سَيُخْبِرُكَ بِمَا
عَلِمَ.
فَقَالَ: أَيُّكُمَا أَعْلَمُ؟
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ!
فَأَعَادَ، فَقَالَ: ذَاكَ سَالِمٌ، انْطَلِقْ، فَسَلْهُ،
فَقَامَ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَرِهَ أَنْ يَقُوْلَ: أَنَا
أَعْلَمُ، فَيَكُوْنُ تَزْكِيَةً، وَكَرِهَ أَنْ يَقُوْلَ:
سَالِمٌ أَعْلَمُ مِنِّي، فَيَكْذِبُ.
وَكَانَ القَاسِمُ أَعْلَمَهُمَا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: ذَكَرَ مَالِكٌ القَاسِمَ بنَ
مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: كَانَ مِنْ فُقَهَاءِ هَذِهِ
__________
(1) جمهور العلماء سلفا وخلفا على جواز رواية الحديث
بالمعنى إذا كان الراوي عالما بالالفاظ ومدلولاتها
ومقاصدها، خبيرا بما يحيل معانيها، بصيرا بمقادير التفاوت
بينها، وعليه العمل كما هو مشاهد في الأحاديث الصحاح
وغيرها، فإن الواقعة تكون واحدة، وتجئ الألفاظ متعددة من
وجوه مختلفة متباينة.
وأكثر مرويات الصحابة والتابعين بالمعنى إلا فيما يتعبد
بلفظه كالتشهد والقنوت والصلاة وما هو من جوامع حكمه صلى
الله عليه وسلم، فإنهم كانوا يحرصون على روايته باللفظ
النبوي.
ثم إن هذا الخلاف لا يجري في الكتب المصنفة كالكتب الستة
والمسانيد والمعاجم وغيرها، فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من
كتاب، ويثبت بدله فيه لفظا آخر بمعناه لان الرواية بالمعنى
إنما رخص فيها من رخص حين كان الحرج شديدا على الرواة في
ضبط الألفاظ، وهذا غير موجود فيما اشتملت عليه الكتب.
(5/56)
الأُمَّةِ، ثُمَّ حَدَّثَنِي مَالِكٌ:
أَنَّ ابْنَ سِيْرِيْنَ كَانَ قَدْ ثَقُلَ وَتَخَلَّفَ
عَنِ الحَجِّ، فَكَانَ يَأْمُرُ مَنْ يَحُجَّ أَنْ
يَنْظُرَ إِلَى هَدْيِ القَاسِمِ، وَلَبُوْسِهِ،
وَنَاحِيَتِهِ، فَيُبَلِّغُوْنَهُ ذَلِكَ، فَيَقْتَدِي
بِالقَاسِمِ.
قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: القَاسِمُ مِنْ خِيَارِ
التَّابِعِيْنَ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ مِنْ خِيَارِ التَّابِعِيْنَ
وَفُقَهَائِهِم.
وَقَالَ: مَدَنِيٌّ، تَابِعِيٌّ (1) ، ثِقَةٌ، نَزِهٌ،
رَجُلٌ صَالِحٌ.
قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ
مُحَمَّدٍ يَقُوْلُ:
لأَنْ يَعِيْشَ الرَّجُلُ جَاهِلاً بَعْد أَنْ يَعْرِفَ
حَقَّ اللهِ عَلَيْهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقُوْلَ مَا
لاَ يَعْلَمُ.
وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ:
أَتَى القَاسِمَ أَمِيْرٌ مِنْ أُمَرَاءِ المَدِيْنَةِ،
فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: إِنَّ مِنْ إِكْرَامِ
المَرْءِ نَفْسَهُ أَنْ لاَ يَقُوْلَ إِلاَّ مَا أَحَاطَ
بِهِ عِلْمُهُ.
وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: مَا كَانَ القَاسِمُ
يُجِيْبُ إِلاَّ فِي الشَّيْءِ الظَّاهِرِ.
ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ:
أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: لَوْ كَانَ
إِلَيَّ مِنْ هَذَا الأَمْرِ، شَيْءٌ مَا عَصَّبْتُهُ
إِلاَّ بِالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَانَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ قَدْ
وَلِيَ العَهْدَ قَبْلَ ذَلِكَ.
قَالَ: وَكَانَ القَاسِمُ قَلِيْلَ الحَدِيْثِ، قَلِيْلَ
الفُتْيَا، وَكَانَ يَكُوْنَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجُلِ
المُدَارَاةُ فِي الشَّيْءِ، فَيَقُوْلُ لَهُ القَاسِمُ:
هَذَا الَّذِي تُرِيْدُ أَنْ تُخَاصِمَنِي فِيْهِ هُوَ
لَكَ، فَإِنْ كَانَ حَقّاً، فَهُوَ لَكَ، فَخُذْهُ، وَلاَ
تَحْمَدْنِي فِيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِي، فَأَنْتَ مِنْهُ
فِي حِلٍّ، وَهُوَ لَكَ.
وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَكْرِيُّ، عَنْ
أَبِيْهِ:
قَالَ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: قَدْ جَعَلَ اللهُ فِي
الصَّدِيْقِ البَارِّ المُقْبِلِ عِوَضاً مِنْ ذِي
الرَّحِمِ العَاقِّ المُدْبِرِ.
__________
(1) زيادة من التهذيب.
(5/57)
رَوَى: حَمَّادُ بنُ خَالِدٍ الخَيَّاطُ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ العُمَرِيِّ، قَالَ:
مَاتَ القَاسِمُ وَسَالِمٌ، أَحَدُهُمَا سَنَةَ خَمْسٍ
وَمائَةٍ، وَالآخَرُ سَنَةَ سِتٍّ.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: مَاتَ فِي آخِرِ سَنَةِ
سِتٍّ أَوْ أَوَّلِ سَنَةَ سَبْعٍ.
وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ:
مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ.
زَادَ يَحْيَى: بِقُدَيْدٍ (1) .
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَعَلِيُّ بنُ
المَدِيْنِيِّ، وَالوَاقِدِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ،
وَالفَلاَّسُ:
سَنَة ثَمَانٍ وَمائَةٍ.
زَادَ الوَاقِدِيُّ: وَهُوَ ابْنُ سَبْعِيْنَ، أَوِ
اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَقَدْ عَمِيَ.
وَشَذَّ ابْن سَعْدٍ، فَقَالَ: تُوُفِيَّ سَنَةَ اثْنَتَيْ
عَشْرَةَ وَمائَةٍ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَى هَذَا الوَقْتِ
أَصْلاً.
وَكَذَا نَقَلَ: أَبُو الحَسَنِ بنُ البَرَاءِ، عَنْ
عَلِيٍّ.
وَقِيْلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ
بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو
نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ،
حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا
يَزِيْدُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ
سَخْبَرَةَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ
مُؤْنَةً (2)).
أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُلَيَّةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ
هَارُوْنَ.
قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: فُقَهَاءُ المَدِيْنَةِ
عَشْرَةٌ...، فَذَكَرَ مِنْهُمُ القَاسِمَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: مَا حَدَّثَ القَاسِمُ مائَةَ حَدِيْثٍ.
__________
(1) موضع في الطريق بين مكة والمدينة بينها وبين الجحفة -
ميقات أهل الشام - سبعة وعشرون ميلا.
(2) " حلية الأولياء " 2 / 186، وإسناده ضعيف لجهالة ابن
سخبرة وبعضهم يسميه الطفيل بن سخبرة، ويقال: هو عيسى بن
ميمون المدني فإن يكنه، فهو ضعيف، وأخرجه أحمد 6 / 82
و145، والحاكم 2 / 178، وصححه على شرط مسلم، ووافقه
الذهبي، فأخطا، وأخرج أبو داود (2117) من حديث عقبة بن
عامر مرفوعا " خير النكاح أيسره " وسنده صحيح، وصححه ابن
حبان (1257).
(5/58)
وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ
الحِزَامِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: لَوْ كَانَ إِلَيَّ
أَنْ أَعْهَدَ مَا عَدَوْتُ صَاحِبَ الأَعْوَصِ -يَعْنِي:
إِسْمَاعِيْلَ بنَ أُمَيَّةَ- أَوْ (1) أُعَيْمِشَ بَنِي
تَمِيْمٍ -يَعْنِي: القَاسِمَ-.
فَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنْ أَفْلَحَ بنِ حُمَيْدٍ،
أَنَّهَا بَلَغَتِ القَاسِمَ، فَقَالَ:
إِنِّي لأَضْعُفُ عَنْ أَهْلِي، فَكَيْفَ بِأَمْرِ
الأُمَّةِ؟!
قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: كَانَ القَاسِمُ مِمَّنْ يَأْتِي
بِالحَدِيْثِ بِحُرُوْفِهِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: كَانَ القَاسِمُ لاَ يَكَادُ
يَعِيْبُ عَلَى أَحَدٍ، فَتَكَلَّمَ رَبِيْعَةُ يَوْماً،
فَأَكْثَرَ، فَلَمَّا قَامَ القَاسِمُ، قَالَ - وَهُوَ
مُتَّكِئٌ عَلَيَّ -:
لاَ أَبَا لِغَيْرِكَ، أَتُرَاهُم كَانُوا غَافِلِيْنَ
عَمَّا يَقُوْلُ صَاحِبُنَا -يَعْنِي: عَمَّا يَقُوْلُ
رَبِيْعَةُ بِرَأْيِهِ-.
حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ: عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ قَتَّةَ (2) ،
قَالَ:
أَرْسَلَنِي عُمَرُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ إِلَى
القَاسِمِ بِخَمْسِ مائَةِ دِيْنَارٍ، فَأَبَى أَنْ
يَقْبَلَهَا.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: كَانَ القَاسِمُ لاَ
يُفَسِّرُ القُرْآنَ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: سَمِعْتُ القَاسِمَ
وَسَالِماً يَلْعَنَانِ القَدَرِيَّةَ.
قَالَ زَيْدُ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
العَلاَءِ، قَالَ:
سَأَلْتُ القَاسِمَ أَنْ يُمْلِيَ عَلَيَّ أَحَادِيْثَ،
فَمَنَعَنِي، وَقَالَ:
إِنَّ الأَحَادِيْثَ كَثُرَتْ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ،
فَنَاشَدَ النَّاسَ أَنْ يَأْتُوْهُ بِهَا، فَلَمَّا
أَتَوْهُ بِهَا، أَمَرَ بِتَحْرِيْقِهَا، ثُمَّ قَالَ:
مَثْنَاةَ كَمَثْنَاةِ (3) أَهْلِ الكِتَابِ.
__________
(1) في الأصل " إذ " وهو خطأ، والأعوص: موضع على أميال من
المدينة، والذي منع عمر بن عبد العزيز أن يعهد إلى واحد
منهما أن سليمان بن عبد الملك عهد إلى عمر بالخلافة،
وليزيد من بعده.
(2) هو سليمان بن حبيب المحاربي يعرف بابن قتة، وهو القائل
في رثاء الحسين بن علي رضي الله عنهما: وإن قتيل الطف من
آل هاشم * أذل رقاب المسلمين فذلت " تبصير المنتبه " 1122.
قلت: لكن البيت ومعه أربعة أبيات أخر أوردها ياقوت في "
معجم البلدان ": طف، ونسبها إلى أبي دهبل الجمحي.
(3) المثناة: كتاب وضعه أحبار بني إسرائيل بعد موسى عليه
السلام فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب.
(5/59)
رَوَى: أَفْلَحُ بنُ حُمَيْدٍ، عَنِ
القَاسِمِ، قَالَ: اخْتِلاَفُ الصَّحَابَةِ رَحْمَةٌ.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ إِلْيَاسَ، قَالَ:
رَأَيْتُ عَلَى القَاسِمِ جُبَّةَ خَزٍّ، وَكِسَاءَ خَزٍّ،
وَعِمَامَةَ خَزٍّ.
وَقَالَ أَفْلَحُ بنُ حُمَيْدٍ: كَانَ القَاسِمُ يَلْبَسُ
جُبَّةَ خَزٍّ.
وَقَالَ عَطَّافُ بنُ خَالِدٍ: رَأَيْتُ القَاسِمَ
وَعَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ صَفْرَاءُ، وَرِدَاءٌ مَثْنِيٌّ.
وَقَالَ مُعَاذُ بنُ العَلاَءِ: رَأَيْتُ القَاسِمَ
وَعَلَى رَحْلِهِ قَطِيْفَةٌ مِنْ خَزٍّ غَبْرَاءُ،
وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ مُمَصَّرٌ.
وَقَالَ ابْنُ زَبْرٍ: دَخَلْتُ عَلَى القَاسِمِ وَهُوَ
فِي قُبَّةٍ مُعَصْفَرَةٍ، وَتَحْتَهُ فِرَاشٌ مُعَصْفَرٌ.
وَقَالَ خَالِدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ: رَأَيْتُ عَلَى
القَاسِمِ عِمَامَةً بَيْضَاءَ، قَدْ سَدَلَ خَلْفَهُ
مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ شِبْرٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ يَخْضِبُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ
بِالحِنَّاءِ، وَكَانَ قَدْ ضَعُفَ جِدّاً.
وَقِيْلَ: كَانَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ مَاتَ بِقُدَيْدٍ، فَقَالَ:
كَفِّنُوْنِي فِي ثِيَابِي الَّتِي كُنْتُ أُصَلِّي
فِيْهَا، قَمِيْصِي وَرِدَائِي.
هَكَذَا كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ.
وَأَوْصَى أَنْ لاَ يُبْنَى عَلَى قَبْرِهِ.
19 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ يَزِيْدَ بنِ شَرِيْكٍ
التَّيْمِيُّ * (ع)
تَيْمُ الرَّبَابِ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الفَقِيْهُ،
عَابِدُ الكُوْفَةِ، أَبُو أَسْمَاءَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ؛ يَزِيْدَ بنِ شَرِيْكٍ
التَّيْمِيِّ، وَكَانَ أَبُوْهُ يَزِيْدُ مِنْ أَئِمَّةِ
الكُوْفَةِ أَيْضاً.
يَرْوِي عَنْ: عُمَرَ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَالكِبَارِ.
أَخَذَ عَنْهُ أَيْضاً: الحَكَمُ، وَإِبْرَاهِيْمُ
النَّخَعِيُّ، وَحَدِيْثُهُ فِي الدَّوَاوِيْنِ
السِّتَّةِ.
نَعَمْ وَحَدَّثَ إِبْرَاهِيْمُ عَنْ:
__________
(*) طبقات ابن سعد 6 / 285، طبقات خليفة: 155، التاريخ
الكبير 1 / 333، 334، الجرح والتعديل 2 / 146، اللباب 1 /
190، تهذيب الكمال: 18، تذهيب التهذيب 1 / 45 / 1، تاريخ
الإسلام 3 / 337، العبر 1 / 106، طبقات القراء 1 / 29،
تهذيب التهذيب 1 / 176، النجوم الزاهرة 1 / 225، طبقات
الحفاظ: 29، خلاصة تذهيب الكمال: 23.
(5/60)
الحَارِثِ بنِ سُوَيْدٍ، وَأَنَسِ بنِ
مَالِكٍ، وَعَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيِّ،
وَجَمَاعَةٍ.
وَأَرْسَلَ عَنْ: عَائِشَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الأَعْمَشُ، وَمُسْلِمٌ البَطِيْنُ،
وَبَيَانُ بنُ بِشْرٍ، وَيُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ،
وَجَمَاعَةٌ.
وَكَانَ شَابّاً، صَالِحاً، قَانِتاً للهِ، عَالِماً،
فَقِيْهاً، كَبِيْرَ القَدْرِ، وَاعِظاً.
المُحَارِبِيُّ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ:
قَالَ لِي إِبْرَاهِيْمُ التَّيْمِيُّ: مَا أَكَلْتُ
مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ لَيْلَةً إِلاَّ حَبَّةَ عِنَبٍ.
أَبُو أُسَامَةَ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ:
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ التَّيْمِيُّ: رُبَّمَا أَتَى عَلَيَّ
شَهْرٌ لاَ أَطْعَمُ طَعَاماً، وَلاَ أَشْرَبُ شَرَاباً،
لاَ يَسْمَعَنَّ هَذَا مِنْكَ أَحَدٌ.
وَقَالَ الأَعْمَشُ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ التَّيْمِيُّ
إِذَا سَجَدَ، كَأَنَّهُ جِذْمُ حَائِطٍ يَنْزِلُ عَلَى
ظَهْرِهِ العَصَافِيْرُ.
يُقَالُ: قَتَلَهُ الحَجَّاجُ.
وَقِيْلَ: بَلْ مَاتَ فِي حَبْسِهِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَتِسْعِيْنَ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ.
لَمْ يَبْلُغْ إِبْرَاهِيْمُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
رَوَى الثَّوْرِيُّ: قَالَ إِبْرَاهِيْمُ التَّيْمِيُّ:
كَمْ بَيْنَكُم وَبَيْنَ القَوْمِ! أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمُ
الدُّنْيَا، فَهَرَبُوا، وَأَدْبَرَتْ عَنْكُم،
فَاتَّبَعْتُمُوْهَا.
رَوَى: أَبُو حَيَّانَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ:
مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلاَّ خِفْتُ أَنْ
أَكُوْنَ مُكَذِّباً.
قَالَ العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ: مَا رَأَيْتُ
إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيَّ رَافِعاً بَصَرَهُ إِلَى
السَّمَاءِ قَطُّ.
وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ
لَيَظْلِمُنِي، فَأَرْحَمُهُ.
(5/61)
وَرَوَى عَنْهُ: مَنْصُوْرٌ، قَالَ: إِذَا
رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَهَاوَنُ فِي التَّكْبِيْرَةِ
الأُوْلَى فَاغْسِلْ يَدَكَ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ،
قَالَ:
طَلَبَ الحَجَّاجُ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيَّ، فَجَاءَ
الرَّسُوْلُ، فَقَالَ: أُرِيْدُ إِبْرَاهِيْمَ.
فَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ التَّيْمِيُّ: أَنَا إِبْرَاهِيْمُ.
وَلَمْ يَسْتَحِلَّ أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى النَّخَعِيِّ،
فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ فِي الدِّيْمَاسِ، وَلَمْ يَكُنْ
لَهُم ظِلٌّ مِنَ الشَّمْسِ، وَلاَ كِنٌّ مِنَ البَرْدِ،
وَكَانَ كُلُّ اثْنَيْنِ فِي سِلْسِلَةٍ، فَتَغَيَّرَ
إِبْرَاهِيْمُ، فَعَادَتْهُ أُمُّهُ، فَلَمْ تَعْرِفْهُ،
حَتَّى كَلَّمَهَا، فَمَاتَ.
فَرَأَى الحَجَّاجُ فِي نَوْمِهِ قَائِلاً يَقُوْلُ: مَاتَ
فِي البَلَدِ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ.
فَسَأَلَ، فَقَالُوا: مَاتَ فِي السِّجْنِ إِبْرَاهِيْمُ
التَّيْمِيُّ.
فَقَالَ: حُلْمٌ نَزْغَةٌ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ.
وَأَمَرَ بِهِ فَأُلْقِيَ عَلَى الكُنَاسَةِ (1) .
20 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نُعْمٍ البَجَلِيُّ *
(ع)
الإِمَامُ، الحُجَّةُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو
الحَكَمِ البَجَلِيُّ، الكُوْفِيُّ.
حَدَّثَ عَنِ: المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَأَبِي
هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَلَيْسَ
بِالمُكْثِرِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ الحَكَمُ، وَعُمَارَةُ بنُ
القَعْقَاعِ، وَفُضَيْلُ بنُ غَزْوَانَ، وَسَعِيْدُ بنُ
مَسْرُوْقٍ، وَيَزِيْدُ بنُ مَرْدَانُبَةَ، وَفُضَيْلُ بنُ
مَرْزُوْقٍ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ بُكَيْرُ بنُ عَامِرٍ: كَانَ لَوْ قِيْلَ لَهُ: قَدْ
تَوَجَّهَ إِلَيْكَ مَلَكُ المَوْتِ، مَا كَانَ عِنْدَهُ
زِيَادَةُ عَمَلٍ، وَكَانَ يَمْكُثُ جُمُعَتَيْنِ لاَ
يَأْكُلُ.
__________
(1) الخبر في الطبقات 6 / 285، والزيادة منه.
(*) طبقات ابن سعد 6 / 298، التاريخ الكبير 5 / 356، تاريخ
الفسوي 2 / 574، الجرح والتعديل 5 / 295، حلية الأولياء 5
/ 69، 73، تهذيب الكمال: 823، تذهيب التهذيب 2 / 231 / 2،
تاريخ الإسلام 4 / 144، تهذيب التهذيب 6 / 286، خلاصة
تذهيب الكمال: 235.
(5/62)
وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عَنْ
أَبِيْهِ، قَالَ:
كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نُعْمٍ يُحْرِمُ مِنَ
السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ، وَيَقُوْلُ: لَبَّيْكَ، لَوْ
كَانَ رِيَاءً لاضْمَحَلَّ.
وَرُوِيَ: أَنَّهُ أَنْكَر عَلَى الحَجَّاجِ كَثْرَةَ
القَتْلِ، فَهَمَّ بِهِ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ فِي بَطْنِهَا
أَكْثَرُ مِمَّنْ عَلَى ظَهْرِهَا.
رَوَاهَا: أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُغِيْرَةَ،
فَذَكَرَهَا.
وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ
أَبِي سُلَيْمَانَ:
كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي
نُعْمٍ، وَهُوَ يُلَبِّي بِصَوْتٍ حَزِيْنٍ، ثُمَّ يَأْتِي
خُرَاسَانَ وَأَطْرَافَ الأَرْضِ، ثُمَّ يُوَافِي مَكَّةَ
وَهُوَ مُحْرِمٌ.
قَالَ: وَكَانَ يُفْطِرُ فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ.
قُلْتُ: مَاتَ بَعْدَ المائَةِ.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ الأَسَدِيِّ، أَخْبَرَكُمُ ابْنُ
خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو
نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ،
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا
أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ مَرْدَانُبَةَ،
وَالحَكَمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي
سَعِيْدٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ
أَهْلِ الجَنَّةِ) (1) .
21 - عِرَاكُ بنُ مَالِكٍ الغِفَارِيُّ المَدَنِيُّ * (ع)
أَحَدُ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ.
رَوَى عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ،
وَزَيْنَبَ بِنْت أَبِي سَلَمَةَ، وَعَنْ
__________
(1) حلية الأولياء 5 / 71، وإسناده صحيح، وأخرجه أحمد 3 /
3 و62 و64 و80 و82، والحاكم 3 / 166، 167، والترمذي (3771)
وقال: حسن صحيح، وصححه ابن حبان (2228) وفي الباب عن حذيفة
عن أحمد 5 / 391، 392، والترمذي (3783) والخطيب في "
تاريخه " 6 / 372، وسنده صحيح، وعن علي عند أبي نعيم 4 /
140، والخطيب 12 / 4، وعن ابن مسعود عند الحكام 3 / 167
ورجاله ثقات، وعن البراء عند الطبراني وحسنه الهيثمي في "
المجمع " 9 / 184، وعن أبي هريرة عند الطبراني 1 / 123 /
1.
(*) طبقات خليفة: 248، التاريخ الصغير 1 / 248، تاريخ
الفسوي 1 / 396، الجرح والتعديل =
(5/63)
عَائِشَةَ، فَقِيْلَ: لَمْ يَسْمَعْ
مِنْهَا.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ خُثَيْمٌ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي
حَبِيْبٍ، وَبُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، وَيَحْيَى بنُ
سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ رَبِيْعَةَ،
وَعِدَّةٌ.
وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ.
وَكَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَا أَعْلَمُ
أَحَداً أَكْثَرَ صَلاَةً مِنْ عِرَاكِ بنِ مَالِكٍ.
قِيْلَ: وَكَانَ عِرَاكٌ يُحَرِّضُ عُمَرَ بنَ عَبْدِ
العَزِيْزِ عَلَى انْتِزَاعِ مَا بِأَيْدِي بَنِي
أُمَيَّةَ مِنَ الأَمْوَالِ وَالفَيْءِ، فَلَمَّا
اسْتُخْلِفَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ نَفَى عِرَاكاً
إِلَى جَزِيْرَةِ دَهْلَكَ (1) مِنْ غَرْبِيِّ اليَمَنِ،
فَمَاتَ هُنَاكَ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي إِمْرَةِ يَزِيْدَ
المَذْكُوْرِ.
حَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ كُلِّهَا، وَلَيْسَ هُوَ
بِالكَثِيْرِ الرِّوَايَةِ، لَعَلَّهُ تُوُفِّيَ: فِي
سَنَةِ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ، أَوْ قَبْلَهَا.
22 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَسَّانِ بنِ ثَابِتٍ
الأَنْصَارِيُّ * (ق)
المَدَنِيُّ، الشَّاعِرُ ابْنُ الشَّاعِرِ.
وَأُمُّهُ: هِيَ سِيْرِيْنُ؛ خَالَةُ إِبْرَاهِيْمَ ابْنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
__________
= 7 / 38، تهذيب الكمال: 927، تاريخ الإسلام 4 / 153،
ميزان الاعتدال 3 / 63، العبر 1 / 122، تهذيب التهذيب 7 /
172، خلاصة تذهيب الكمال: 264، شذرات الذهب 1 / 122.
(1) قال ياقوت: هي جزيرة في بحر اليمن، ضيقة حرجة حارة،
كان بنو أمية إذا سخطوا على أحد نفوه إليها، قال أبو الفتح
نصر بن عبد الله بن قلاقس الاسكندري يذكر دهلك وصاحبه مالك
بن الشداد: واقبح بدهلك من بلدة * فكل امرئ حلها هالك كفاك
دليلا على أنها * جحيم وخازنها مالك
(*) طبقات ابن سعد 5 / 266، طبقات خليفة: 251، التاريخ
الكبير 5 / 270، التاريخ الصغير 1 / 76، تاريخ الفسوي 1 /
235، الجرح والتعديل 5 / 223، تهذيب الكمال: 784، تذهيب
التهذيب 2 / 208 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 141، تهذيب
التهذيب 6 / 162، الإصابة ت 6199، خلاصة تذهيب الكمال:
226.
(5/64)
حَدَّثَ عَنْ: أَبَوَيْهِ، وَزَيْدِ بنِ
ثَابِتٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ سَعِيْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
بَهْمَانَ، وَهُوَ نَزْرُ الحَدِيْثِ.
قِيْلَ: وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَاشَ نَيِّفاً وَتِسْعِيْنَ
سَنَةً.
وَهُوَ القَائِلُ فِي بِنْتِ مُعَاوِيَةَ:
هِيَ زَهْرَاءُ مِثْلُ لُؤْلُؤَةِ الغَوَّا ... صِ
مِيْزَتْ مِنْ جَوْهَرٍ مَكْنُوْنِ
فَإِذَا مَا نَسَبْتَهَا لَمْ تَجِدْهَا ... فِي سَناً
مِنَ المَكَارِمِ دُوْنِ
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: صَدَقَ.
قِيْلَ: فَإِنَّهُ يَقُوْلُ:
ثُمَّ خَاصَرْتُهَا إِلَى القُبَّةِ الخَضْرَا ... ءِ
تَمْشِي فِي مَرْمَرٍ مَسْنُوْنِ
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كَذَبَ.
قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ.
23 - القُرَظِيُّ مُحَمَّدُ بنُ كَعْبِ بنِ سُلَيْمٍ * (ع)
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مُحَمَّدُ بنُ كَعْبِ بنِ حَيَّانَ
بنِ سُلَيْمٍ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الصَّادِقُ، أَبُو
حَمْزَةَ - وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ - القُرَظِيُّ،
المَدَنِيُّ، مِنْ حُلَفَاءِ الأَوْسِ، وَكَانَ أَبُوْهُ
كَعْبٌ مِنْ سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ، سَكَنَ الكُوْفَةَ،
ثُمَّ المَدِيْنَةَ.
قِيْلَ: وُلِدَ مُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ فِي حَيَاةِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ
يَصِحَّ ذَلِكَ.
قَالَ زُهَيْرُ بنُ عَبَّادٍ الرُّؤَاسِيُّ: عَنْ أَبِي
كَبِيْرٍ البَصْرِيِّ، قَالَتْ أُمُّ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ
القُرَظِيِّ لَهُ:
يَا بُنَيَّ! لَوْلاَ أَنِّي أَعْرِفُكَ طَيِّباً
صَغِيْراً وَكَبِيْراً، لَقُلْتُ: إِنَّكَ أَذْنَبْتَ
ذَنْباً مُوْبِقاً؛ لِمَا أَرَاكَ تَصْنَعُ بِنَفْسِكَ.
قَالَ: يَا أُمَّاهُ! وَمَا يُؤْمِنُنِي أَنْ يَكُوْنَ
__________
(*) طبقات خليفة: 264، التاريخ الكبير 1 / 216، التاريخ
الصغير: 243، 255، تاريخ
الفسوي 1 / 563، 564، الجرح والتعديل 8 / 67، حلية
الأولياء 3 / 212، تهذيب الكمال: 1261، تذهيب التهذيب،
تاريخ الإسلام 4 / 199، البداية والنهاية 9 / 257، تهذيب
التهذيب 9 / 420، خلاصة تذهيب الكمال: 357، شذرات الذهب 1
/ 136.
(5/65)
اللهُ قَدِ اطَّلَعَ عَلَيَّ، وَأَنَا فِي
بَعْضِ ذُنُوْبِي، فَمَقَتَنِي، وَقَالَ: اذْهَبْ، لاَ
أَغْفِرُ لَكَ، مَعَ أَنَّ عَجَائِبَ القُرْآنِ تَرِدُ بِي
عَلَى أُمُوْرٍ حَتَّى إِنَّهُ لَيَنْقَضِي اللَّيْلُ
وَلَمْ أَفْرُغْ مِنْ حَاجَتِي.
وَرَوَى: يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
فُضَيْلٍ البَزَّازِ، قَالَ:
كَانَ لِمُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ جُلَسَاءُ مِنْ أَعْلَمِ
النَّاسِ بِالتَّفْسِيْرِ، وَكَانُوا مُجْتَمِعِيْنَ فِي
مَسْجِدِ الرَّبَذَةِ (1) ، فَأَصَابَتْهُم زَلْزَلَةٌ،
فَسَقَطَ عَلَيْهِمُ المَسْجِدُ، فَمَاتُوا جَمِيْعاً
تَحْتَهُ (2) .
قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ
ثَمَانٍ وَمائَةٍ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَخَلِيْفَةُ، وَالفَلاَّسُ،
وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ
وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: سَنَةَ
تِسْعَ عَشْرَةَ.
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ
سَعْدٍ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي
هُرَيْرَةَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ،
وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ
الخَطْمِيِّ، وَفَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ، وَالبَرَاءِ بنِ
عَازِبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، وَكَعْبِ بنِ
عُجْرَةَ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي صِرْمَةَ الأَنْصَارِيِّ
البَدْرِيِّ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ.
وَعَنْ: مُحَمَّدِ بنِ خُثَيْمٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ رَافِعٍ، وَأَبَانِ بنِ عُثْمَانَ،
وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادِ بن الهَادِ، وَطَائِفَةٍ.
وَهُوَ يُرْسِلُ كَثِيْراً، وَيَرْوِي عَمَّنْ لَمْ
يَلْقَهُم.
فَرَوَى عَنْ: أَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ،
وَعَلِيٍّ، وَالعَبَّاسِ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ،
وَسَلْمَانَ، وَعَمْرِو بنِ العَاصِ.
وَيَرْوِي عَنْ: رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
__________
(1) الربذة من قرى المدينة على ثلاثة أيام قريبة من ذات
عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة، وبهذا
الموضع قبر أبي ذر الغفاري جندب بن جنادة رضي الله عنه.
(2) تاريخ الفسوي 1 / 564.
(5/66)
رَوَى عَنْهُ: أَخُوْهُ؛ عُثْمَانُ،
وَيَزِيْدُ بنُ الهَادِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الخَطْمِيُّ،
وَأَبُو سَبْرَةَ النَّخَعِيُّ، وَالحَكَمُ بنُ
عُتَيْبَةَ، وَعَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ، وَأَيُّوْبُ بنُ
مُوْسَى، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ،
وَزِيَادَةُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَصَالِحُ بنُ حَسَّانٍ،
وَعَاصِمُ بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، وَابْنُ عَجْلاَنَ،
وَأَبُو المِقْدَامِ هِشَامُ بنُ زِيَادٍ، وَالوَلِيْدُ
بنُ كَثِيْرٍ، وَأَبُو مَعْشَرٍ نَجِيْحٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ
رِفَاعَةَ القُرَظِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، عَالِماً، كَثِيْرَ
الحَدِيْثِ، وَرِعاً.
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو زُرْعَةَ،
وَالعِجْلِيُّ: ثِقَةٌ.
وَزَادَ العِجْلِيُّ: مَدَنِيٌّ، تَابِعِيٌّ، رَجُلٌ
صَالِحٌ، عَالِمٌ بِالقُرْآنِ.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيْرِ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: كَانَ أَبُوْهُ مِمَّنْ لَمْ
يُنْبِتَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ، فَتُرِكَ (1) .
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرٍ الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بنُ
عُثْمَانَ، عَنْ أَيُّوْبَ بنِ مُوْسَى، سَمِعْتُ
مُحَمَّدَ بنَ كَعْبٍ القُرَظِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ
بنَ مَسْعُوْدٍ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(مَنْ قَرَأَ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللهِ، فَلَهُ
حَسَنَةٌ) (2) .
قَالَ البُخَارِيُّ: لاَ أَدْرِي أَحَفِظَهُ أَمْ لاَ؟
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعَ مِنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ
مَسْعُوْدٍ.
وَقَالَ قُتَيْبَةُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ وُلِدَ فِي حَيَاةِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعَهُ
التِّرْمِذِيُّ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ:
بَلَغَنِي أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ كَعْبٍ رَأَى النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قُلْتُ: هَذَا قَوْلٌ مُنْقَطِعٌ، شَاذٌّ.
__________
(1) التاريخ الكبير 1 / 216، وممن خلي سبيله من أسرى بني
قريظة لأنه لم ينبت عطية القرظي كما في سنن أبي داود
(4404) والترمذي (1584) والنسائي 6 / 155، وابن ماجه
(2541) وسنده حسن.
(2) التاريخ الكبير 1 / 216، ورجاله ثقات، وأخرجه الترمذي
(2912) في ثواب القرآن من طريق ابن بشار، عن أبي بكر
الحنفي، عن الضحاك بن عثمان، عن أيوب بن موسى، عن محمد بن
كعب القرظي، عن ابن مسعود..وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(5/67)
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: وُلِدَ
مُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ فِي آخِرِ خِلاَفَةِ عَلِيٍّ، سَنَةَ
أَرْبَعِيْنَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنَ العَبَّاسِ.
وَرَوَى: ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، عَنْ
أَبِي صَخْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُغِيْثٍ (1) أَبِي
بُرْدَةَ الظَّفَرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِ الكَاهِنَيْنِ رَجُلٌ يَدْرُسُ
القُرْآنَ دِرَاسَةً لاَ يَدْرُسُهَا أَحَدٌ يَكُوْنُ مِنْ
بَعْدِهِ).
قَالَ نَافِعُ بنُ يَزِيْدَ: قَالَ رَبِيْعَةُ:
فَكُنَّا نَقُوْلُ: هُوَ مُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ.
يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَارِّيِّ: عَنْ
أَبِيْهِ، سَمِعْتُ عَوْنَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِتَأْوِيْلِ القُرْآنِ
مِنَ القُرَظِيِّ.
وَقِيْلَ: كَانَ لَهُ أَمْلاَكٌ بِالمَدِيْنَةِ، وَحَصَّلَ
مَالاً مَرَّةً، فَقِيْلَ لَهُ: ادَّخِرْ لِوَلَدِكَ.
قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ أَدَّخِرُهُ لِنَفْسِي عِنْدَ
رَبِّي، وَأَدَّخِرُ رَبِّي لِوَلَدِي.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، كَبِيْرَ
القَدْرِ.
24 - يُوْسُفُ بنُ مَاهَكَ الفَارِسِيُّ * (ع)
مِنْ مَوَالِي أَهْلِ مَكَّةَ.
حَدَّثَ عَنْ: حَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ،
وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ
__________
(1) وبعضهم سماه عبد الله بن معتب، لم يوثقه غير ابن حبان
على عادته في توثيق المجاهيل، وأبوه لا يعرف، فالحديث
ضعيف، وهو في " المسند " 6 / 11 من طريق ابن وهب.
وقد تحرف فيه معتب إلى معقب وأخرجه الفسوي في " تاريخه " 1
/ 563، 564 من طريق نافع بن يزيد، عن أبي صخر، عن عبد الله
بن معتب أو مغيث بن أبي بردة، عن أبيه عن جده..، وأورده
الحافظ ابن حجر في " الإصابة " في ترجمة أبي بردة الظفري،
ونسبه لأحمد والبغوي.
(*) طبقات ابن سعد 5 / 470، 471، طبقات خليفة: 281، تاريخ
خليفة: 345، تاريخ الفسوي 1 / 223، الجرح والتعديل 9 /
229، تهذيب الكمال: 1561، تذهيب التهذيب 4 / 191، تاريخ
الإسلام 5 / 21، العقد الثمين 7 / 497، تهذيب التهذيب 11 /
421، خلاصة تذهيب الكمال: 439، شذرات الذهب 1 / 147.
(5/68)
عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ صَفْوَانَ
بنِ أُمَيَّةَ، وَعُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ.
وَعَنْهُ: أَبُو بِشْرٍ، وَعَطَاءٌ، وَأَيُّوْبُ
السِّخْتِيَانِيُّ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَابْنُ
جُرَيْجٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
قَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ
وَمائَةٍ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ،
وَالفَلاَّسُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ
-رَحِمَهُ اللهُ-.
25 - الأَعْرَجُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ هُرْمُزَ
المَدَنِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، المُقْرِئُ، أَبُو
دَاوُدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ هُرْمُزَ المَدَنِيُّ،
الأَعْرَجُ، مَوْلَى مُحَمَّدِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ
الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ.
سَمِعَ: أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا سَعِيْدٍ، وَعَبْدَ
اللهِ بنَ مَالِكِ بنِ بُحَيْنَةَ، وَطَائِفَةً.
وَجَوَّدَ القُرْآنَ وَأَقْرَأَهُ، وَكَانَ يَكْتُبُ
المَصَاحِفَ.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، وَعُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ،
وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَأَبُو الزِّنَادِ،
وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ
الأَنْصَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ لَهِيْعَةَ،
وَآخَرُوْنَ.
وَتَلاَ عَلَيْهِ: نَافِعُ بنُ أَبِي نُعَيْمٍ.
وَقِيْلَ: بَلْ وَلاَؤُهُ لِبَنِي مَخْزُوْمٍ.
أَخَذَ القِرَاءةَ عَرْضاً عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ،
وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَيَّاشِ بنِ أَبِي
رَبِيْعَةَ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ الأَعْرَجُ
يَكْتُبُ المَصَاحِفَ.
__________
(*) طبقات ابن سعد 5 / 283، طبقات خليفة: 239، التاريخ
الكبير 5 / 360، التاريخ الصغير 1 / 283، تاريخ الفسوي 2 /
737، الجرح والتعديل 5 / 297، اللباب 1 / 75، تهذيب
الأسماء واللغات 1 / 305، 306، تهذيب الكمال: 824، تذهيب
التهذيب 2 / 232 / 2 تاريخ الإسلام 4 / 275، تذكرة الحفاظ
1 / 97، طبقات القراء للذهبي 1 / 63، مرآة الجنان 1 / 350،
طبقات القراء 1 / 381، تهذيب التهذيب 6 / 290، النجوم
الزاهرة 1 / 276، طبقات الحفاظ: 38، بغية الوعاة 2 / 91،
خلاصة تذهيب الكمال 236، شذرات الذهب 1 / 153.
(5/69)
مَالكٌ: عَنْ دَاوُدَ بنِ الحُصَيْنِ،
سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ
يَقُوْلُ:
مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلاَّ وَهُم يَلْعَنُوْنَ
الكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ، وَكَانَ القَارِئُ يَقْرَأُ
سُوْرَةَ البَقَرَةِ فِي ثَمَانِي رَكَعَاتٍ، فَإِذَا
قَامَ بِهَا فِي ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، رَأَى
النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ خَفَّفَ (1) .
ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ أَبِي النَّضْرِ، قَالَ:
كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ هُرْمُزَ أَوَّلَ مَنْ
وَضَعَ العَرَبِيَّةَ، وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ
بِأَنْسَابِ قُرَيْشٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَخَذَ العَرَبِيَّةَ عَنْ أَبِي
الأَسْوَدِ الدِّيْلِيِّ.
اتَّفَقَ أَنَّ الأَعْرَجَ سَافَرَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ
إِلَى مِصْرَ، وَمَاتَ مُرَابِطاً بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ.
أَرَخَّ وَفَاتَهُ: مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ، وَطَائِفَةٌ،
فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَأَظُنُّهُ جَاوَزَ الثَّمَانِيْنَ.
26 - أَبُو السَّفَرِ سَعِيْدُ بنُ يُحْمِدَ
الهَمْدَانِيُّ * (ع)
هُوَ: سَعِيْدُ بنُ يُحْمِدَ الهَمْدَانِيُّ، الكُوْفِيُّ،
الفَقِيْهُ.
حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ،
وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ، وَنَاجِيَةَ
بنِ كَعْبٍ.
وَعَنْهُ: الأَعْمَشُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ،
وَيُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ،
وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ.
تُوُفِيَّ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
__________
(1) أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 115، وعنه عبد الرزاق في
" المصنف " (7734) وإسناده صحيح.
(*) طبقات ابن سعد 6 / 299، طبقات خليفة: 162، التاريخ
الكبير 3 / 519، الجرح والتعديل 4 / 73، تهذيب الكمال:
510، تذهيب التهذيب 2 / 30 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 252،
تهذيب التهذيب 4 / 96، خلاصة تذهيب الكمال: 143.
(5/70)
27 - أَبُو الضُّحَى مُسْلِمُ بنُ صُبَيْحٍ
القُرَشِيُّ * (ع)
الكُوْفِيُّ، مَوْلَى آلِ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ.
سَمِعَ: ابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَالنُّعْمَانَ
بنَ بَشِيْرٍ، وَمَسْرُوْقاً، وَغَيْرَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُغِيْرَةُ، وَمَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ،
وَفِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَآخَرُوْنَ.
وَتَفَقَّهَ: بِعَلْقَمَةَ، وَغَيْرِهِ.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الفِقْهِ وَالتَّفْسِيْرِ، ثِقَةً،
حُجَّةً، وَكَانَ عَطَّاراً.
مَاتَ: نَحْوَ سَنَةِ مائَةٍ، فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بنِ
عَبْدِ العَزِيْزِ.
28 - مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ الجَزَرِيُّ * (م، 4)
الإِمَامُ، الحُجَّةُ، عَالِمُ الجَزِيْرَةِ،
وَمُفْتِيْهَا، أَبُو أَيُّوْبَ الجَزَرِيُّ، الرَّقِّيُّ،
أَعْتَقَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي نَصْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ
بِالكُوْفَةِ، فَنَشَأَ بِهَا، ثُمَّ سَكَنَ الرَّقَّةَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ
عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَالضَّحَّاكِ بنِ قَيْسٍ
الفِهْرِيِّ الأَمِيْرِ، وَصَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ
العَبْدَرِيَّةِ، وَعَمْرِو بنِ عُثْمَانَ، وَأُمِّ
الدَّرْدَاءِ، وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَنَافِعٍ،
وَيَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ، وَمِقْسَمٍ، وَعِدَّةٍ.
وَأَرْسَلَ عَنْ: عُمَرَ، وَالزُّبَيْرِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَمْرٌو، وَأَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ
بنُ إِيَاسٍ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَسُلَيْمَانُ
__________
(*) طبقات ابن سعد 6 / 288، طبقات خليفة: 157، تاريخ
خليفة: 325، الجرح والتعديل 4 / 186، تهذيب الكمال: 1327،
تذهيب التهذيب 4 / 38 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 78، تهذيب
التهذيب 10 / 132، خلاصة تذهيب الكمال: 375.
(* *) طبقات ابن سعد 7 / 477، طبقات خليفة: 319، تاريخ
الفسوي 2 / 389، الجرح والتعديل 8 / 233، حلية الأولياء 4
/ 82، طبقات الشيرازي: 77، تهذيب الكمال: 1396، تذهيب
التهذيب 4 / 86 / 2، العبر 1 / 147، تاريخ الإسلام 5 / 8،
تذكرة الحفاظ 1 / 98، البداية 9 / 314، تهذيب التهذيب 10 /
390، طبقات الحفاظ: 39، خلاصة تذهيب الكمال: 394، شذرات
الذهب 1 / 154.
(5/71)
الأَعْمَشُ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ،
وَخُصَيْفٌ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي المُهَاجِرِ، وَجَعْفَرُ
بنُ بُرْقَانَ، وَفُرَاتُ بنُ السَّائِبِ، وَزَيْدُ بنُ
أَبِي أُنَيْسَةَ، وَحَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ،
وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الحَكَمِ، وَالنَّضْرُ
بنُ عَرَبِيٍّ، وَالجُرَيْرِيُّ، وَمَعْقِلُ بنُ عُبَيْدِ
اللهِ، وَأَبُو المَلِيْحِ الحَسَنُ بنُ عُمَرَ
الرَّقِّيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قِيْلَ: إِنَّ مَوْلِدَهُ عَامَ مَوْتِ عَلِيٍّ -رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ- سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ.
وَثَّقَهُ: جَمَاعَةٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَوْثَقُ مِنْ
عِكْرِمَةَ.
وَرَوَى: سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى، قَالَ:
هَؤُلاَءِ الأَرْبَعَةُ عُلَمَاءُ النَّاسِ فِي زَمَنِ
هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ: مَكْحُوْلٌ، وَالحَسَنُ،
وَالزُّهْرِيُّ، وَمَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ.
وَرَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ
مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ:
كُنْتُ أُفَضِّلُ عَلِيّاً عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لِي
عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَيُّهُمَا أَحَبُّ
إِلَيْكَ: رَجُلٌ أَسْرَعَ فِي الدِّمَاءِ، أَوْ رَجُلٌ
أَسْرَعَ فِي المَالِ؟
فَرَجَعْتُ، وَقُلْتُ: لاَ أَعُوْدُ.
وَقَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ،
فَلَمَّا قُمْتُ، قَالَ: إِذَا ذَهَبَ هَذَا
وَضُرَبَاؤُهُ، صَارَ النَّاسُ بَعْدَهُ رِجْرَاجَةً (1) .
قَالَ أَبُو المَلِيْحِ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَفْضَلَ
مِنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ.
رَوَى: عَمْرُو بنُ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ:
إِنِّي وَدِدْتُ أَنَّ أُصْبُعِي قُطِعَتْ مِنْ هَا هُنَا،
وَأَنِّي لَمْ أَلِ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَلاَ
لِغَيْرِهِ.
أَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي
مَرْزُوْقٍ: قَالَ مَيْمُوْنٌ: وَدِدْتُ أَنَّ
__________
(1) في " اللسان ": وفي حديث عمر بن عبد العزيز: الناس
رجاج بعد هذا الشيخ - يعني ميمون ابن مهران - هم رعاع
الناس وجهالهم، وفي " النهاية " في حديث ابن مسعود: " لا
تقوم الساعة إلا على شرار الناس كرجرجة الماء الخبيث "
الرجرجة بكسر الراءين: بقية الماء الكدرة في الحوض
المختلطة بالطين، فلا ينتفع بها.
قال أبو عبيد: الحديث يروى كرجراجة الماء والمعروف في
الكلام رجرجة وقال الزمخشري: الرجراجة: هي المرأة يترجرج
كفلها.
(5/72)
إِحْدَى عَيْنَيَّ ذَهَبَتْ، وَأَنِّي لَمْ
أَلِ عَمَلاً قَطُّ، لاَ خَيْرَ فِي العَمَلِ لِعُمَرَ بنِ
عَبْدِ العَزِيْزِ، وَلاَ لِغَيْرِهِ.
قُلْتُ: كَانَ وَلِيَ خَرَاجَ الجَزِيْرَةِ، وَقَضَاءهَا،
وَكَانَ مِنَ العَابِدِيْنَ.
رَوَى: أَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ
مِهْرَانَ، قَالَ:
لاَ تُجَالِسُوا أَهْلَ القَدَرِ، وَلاَ تَسُبُّوا
أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَلاَ تَعَلَّمُوا النُّجُوْمَ (1) .
بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ
بنُ أَبِي النُّعْمَانِ الجَزَرِيُّ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ
مِهْرَانَ، قَالَ:
خَاصَمَهُ رَجُلٌ فِي الإِرْجَاءِ (2) ، فَبَيْنَمَا هُمَا
عَلَى ذَلِكَ، إِذْ سَمِعَا امْرَأَةً تُغَنِّي، فَقَالَ
مَيْمُوْنٌ: أَيْنَ إِيْمَانُ هَذِهِ مِنْ إِيْمَانِ
مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ؟!
فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ (3) .
__________
(1) المحظور من علم النجوم هو ما عليه الكهان والمشعوذون
من علم التأثير الذي يزعمون أنهم يعلمون به الكوائن
والحوادث التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان، وأما علم
التسيير الذي يدرك من طريق المشاهدة والحس، وتعلم ما يحتاج
إليه للاهتداء ولمعرفة الجهات وغير ذلك مما هو مفيد ونافع
فلا حرج في تعلمه.
(2) الارجاء يطلقه المعتزلة القائلون بتخليد صاحب الكبيرة
في النار على أهل السنة والجماعة، لانهم لا يقطعون بعقاب
الفساق الذين يرتكبون الكبائر، ويفوضون أمرهم إلى الله إن
شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم.
ويطلقه المحدثون على من لا يقول بزيادة الايمان ولا
نقصانه، ولا يقول بدخول العمل بحقيقة الايمان ومسماه، وهو
مذهب أبي حنيفة والجلة من العلماء وهم يعتدون بالاعمال،
ويحرضون عليها، ويفسقون من ضيع شيئا منها، ويرجئون أمر
العصاة الذين يرتكبون الكبائر إلى الله إن شاء عذبهم، وإن
شاء غفر لهم.
ويطلقه الجمهور على الطائفة المذمومة المتهمة في دينها
التي تقول: الايمان هو المعرفة، وما سوى الايمان من
الطاعات، وما سوى الكفر من المعاصي غير ضارة ولا
نافعة..ومن كان من هذا القبيل، فهو مرفوض الرواية ولا
كرامة.
(3) يريد ميمون أن يثبت بمقالته هذه أن الايمان تتفاوت
نسبته بين مؤمن وآخر، وأنه يزيد وينقص، وهو مذهب جمهور سلف
الأمة، ونصوص القرآن، وما صح من حديث النبي صلى الله عليه
وسلم تقوي ذلك وترجحه، انظر " شرح السنة " 1 / 33، 47
للبغوي بتحقيقنا.
(5/73)
أَبُو المَلِيْحِ: عَنْ فُرَاتِ بنِ
السَّائِبِ، قَالَ:
كُنْتُ فِي مَسْجِد مَلَطْيَةَ (1) ، فَتَذَاكَرْنَا
هَذِهِ الأَهْوَاءَ، فَانْصَرَفْتُ، فَنِمْتُ، فَسَمِعْتُ
هَاتِفاً يَهْتِفُ: الطَّرِيْقُ مَعَ مَيْمُوْنِ بنِ
مِهْرَانَ.
عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ زَائِدَةَ،
قَالَ:
ضُرِبَ عَلَى أَهْلِ الرَّقَّةِ بَعْثٌ، فَجَهَّزَ فِيْهِ
مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ بِنِبَّالٍ، فَقَالَ مَسْلَمَةُ:
لَقَدْ أَصْبَحَ أَبُو أَيُّوْبَ فِي طَاعَتِنَا
شِمْرِيّاً (2) .
يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا هَارُوْنَ
البَرْبَرِيُّ، قَالَ:
كَتَبَ مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ إِلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ: إِنِّي شَيْخٌ كَبِيْرٌ رَقِيْقٌ،
كَلَّفْتَنِي أَنْ أَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ.
وَكَانَ عَلَى الخرَاجِ وَالقَضَاءِ بِالجَزِيْرَةِ،
فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
إِنِّي لَمْ أُكَلِّفْكَ مَا يُعَنِّيْكَ، اجْبِ
الطَّيِّبَ مِنَ الخَرَاجِ، وَاقْضِ بِمَا اسْتبَانَ لَكَ،
فَإِذَا لُبِّسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ، فَارْفَعْهُ إِلَيَّ،
فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ كَانَ إِذَا كَبُرَ عَلَيْهِم
أَمْرٌ تَرَكُوْهُ، لَمْ يَقُمْ دِيْنٌ وَلاَ دُنْيَا.
جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ،
قَالَ:
لاَ يَكُوْنُ الرَّجُلُ تَقِيّاً حَتَّى يَكُوْنَ
لِنَفْسِهِ أَشَدَّ مُحَاسَبَةً مِنَ الشَّرِيْكِ
لِشَرِيْكِهِ، وَحَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ مَلْبَسُهُ
وَمَطْعَمُهُ وَمَشْرَبُهُ.
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
مَيْمُوْنٍ، عَنِ الحَسَنِ بنِ حَبِيْبٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ عَلَى مَيْمُوْنٍ جُبَّةَ صُوْفٍ تَحْتَ
ثِيَابِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا؟
قَالَ: نَعَمْ، فَلاَ تُخْبِرْ بِهِ أَحَداً.
وَقَالَ جَامِعُ بنُ أَبِي رَاشِدٍ: سَمِعْتُ مَيْمُوْنَ
بنَ مِهْرَانَ يَقُوْلُ:
ثَلاَثَةٌ تُؤَدَّى إِلَى البَرِّ وَالفَاجِرِ:
الأَمَانَةُ، وَالعَهْدُ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ.
__________
(1) ملطية: مدينة على الفرات، في تركيا كانت من الثغور
الشامية.
(2) يقال: رجل شمري، أي: ماض في الأمور والحوائج مجرب.
(5/74)
قَالَ أَبُو المَلِيْحِ: جَاءَ رَجُلٌ
إِلَى مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ يَخْطِبُ بِنْتَهُ،
فَقَالَ: لاَ أَرْضَاهَا لَكَ.
قَالَ: وَلِمَ؟
قَالَ: لأَنَّهَا تُحِبُّ الحُلِيَّ وَالحُلَلَ.
قَالَ: فَعِنْدِي مِنْ هَذَا مَا تُرِيْدُ.
قَالَ: الآنَ لاَ أَرْضَاكَ لَهَا.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو الحَسَنِ المَيْمُوْنِيُّ: قَالَ
لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِنِّي لأُشَبِّهُ وَرَعَ
جَدِّكَ بِوَرَعِ ابْنِ سِيْرِيْنَ.
قَالَ أَبُو المَلِيْحِ: قَالَ رَجُلٌ لِمَيْمُوْنٍ: يَا
أَبَا أَيُّوْبَ! مَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا
أَبْقَاكَ اللهُ لَهُم.
قَالَ: أَقْبِلْ عَلَى شَأْنِكَ، مَا يَزَالُ النَّاسُ
بِخَيْرٍ مَا اتَّقَوْا رَبَّهُم.
ابْنُ عُلَيَّةَ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ،
قَالَ:
كَتَبْتُ إِلَى مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ بَعْد طَاعُوْنٍ
كَانَ بِبِلاَدِهِم أَسْأَلُهُ عَنْ أَهْلِهِ؟
فَكَتَبَ إِلَيَّ: بَلَغَنِي كِتَابُكَ، وَإِنَّهُ مَاتَ
مِنْ أَهْلِي وَخَاصَّتِي سَبْعَةَ عَشَرَ إِنْسَاناً،
وَإِنِّي أَكْرَهُ البَلاَءَ إِذَا أَقْبَلَ، فَإِذَا
أَدْبَرَ، لَمْ يَسُرَّنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ.
رَوَى: أَبُو المَلِيْحِ، عَنْ مَيْمُوْنٍ:
مَنْ أَسَاءَ سِرّاً، فَلْيَتُبْ سِرّاً، وَمَنْ أَسَاءَ
عَلاَنِيَةً، فَلْيَتُبْ عَلاَنِيَةً، فَإِنَّ النَّاسَ
يُعَيِّرُوْنَ وَلاَ يَغْفِرُوْنَ، وَالله يَغْفِرُ وَلاَ
يُعَيِّرُ.
خَالِدُ بنُ حَيَّانَ الرَّقِّيُّ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ
بُرْقَانَ:
قَالَ لِي مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: يَا جَعْفَرُ، قُلْ
لِي فِي وَجْهِي مَا أَكْرَهُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ
يَنْصَحُ أَخَاهُ حَتَّى يَقُوْلَ لَهُ فِي وَجْهِهِ مَا
يَكْرَهُ.
عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ: عَنْ أَبِي المَلِيْحِ، قَالَ:
قَالَ مَيْمُوْنٌ: إِذَا أَتَى رَجُلٌ بَابَ سُلْطَانٍ،
فَاحْتَجَبَ عَنْهُ، فَلْيَأْتِ بُيُوْتَ الرَّحْمَنِ،
فَإِنَّهَا مُفَتَّحَةٌ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ،
وَلْيَسْأَلْ حَاجَتَهُ.
وَقَالَ مَيْمُوْنٌ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ بنِ
الحَكَمِ:
مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَكْتُبَ فِي الدِّيْوَانِ،
فَيَكُوْنَ لَكَ سَهْمٌ فِي الإِسْلاَمِ؟
قُلْتُ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ لِي سِهَامٌ
(5/75)
فِي الإِسْلاَمِ.
قَالَ: مَنْ أَيْنَ، وَلَسْتَ فِي الدِّيْوَانِ؟!
فَقُلْتُ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ سَهْمٌ،
وَالصَّلاَةُ سَهْمٌ، وَالزَّكَاةُ سَهْمٌ، وَصِيَامُ
رَمَضَانَ سَهْمٌ، وَالحَجُّ سَهْمٌ.
قَالَ: مَا كُنْت أَظُنُّ أَنَّ لأَحَدٍ فِي الإِسْلاَمِ
سَهْماً إِلاَّ مَنْ كَانَ فِي الدِّيْوَانِ.
قُلْتُ: هَذَا ابْنُ عَمِّكَ حَكِيْمُ بنُ حِزَامٍ لَمْ
يَأْخُذْ دِيْوَاناً قَطُّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مَسْأَلَةً، فَقَالَ: (اسْتَعِفَّ يَا حَكِيْمُ خَيْرٌ
لَكَ).
قَالَ: وَمِنْكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: وَمِنِّي.
قَالَ: لاَ جَرَمَ لاَ أَسْأَلُكَ وَلاَ غَيْرَكَ شَيْئاً
أَبَداً، وَلَكِنْ ادْعُ اللهَ لِي أَنْ يُبَارِكَ لِي فِي
صَفْقَتِي -يَعْنِي: التِّجَارَةَ-.
فَدَعَا لَهُ (1) .
رَوَاهَا: عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي
المَلِيْحِ، عَنْهُ.
قَالَ فُرَاتٌ: سَمِعْتُ مِيْموناً يَقُوْلُ:
لَوْ نُشِرَ فِيْكُم رَجُلٌ مِنَ السَّلَفِ، مَا عَرَفَ
إِلاَّ قِبْلَتُكُم.
أَبُو المَلِيْحِ: سَمِعْتُ مَيْمُوْنَ بنَ مِهْرَانَ،
وَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ:
إِنَّ زَوْجَةَ هِشَامٍ مَاتَتْ، وَأَعْتَقَتْ كُلَّ
مَمْلُوْكٍ لَهَا.
فَقَالَ: يَعْصُوْنَ اللهَ مَرَّتَيْنِ، يَبْخَلُوْنَ
بِهِ، وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يُنْفِقُوْهُ، فَإِذَا صَارَ
لِغَيْرِهِم، أَسْرَفُوا فِيْهِ.
قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: مَيْمُوْنٌ
ثِقَةٌ.
زَادَ أَحْمَدُ: كَانَ يَحْمِلُ عَلَى
__________
(1) رجاله ثقات، لكنه منقطع، ميمون بن مهران لم يدرك حكيم
بن حزام، وأخرج البخاري 3 / 265، 266، في الزكاة: باب
الاستعفاف عن المسألة من حديث الزهري، عن عروة بن الزبير
وسعيد بن المسيب أن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاني، ثم سألته فأعطاني،
ثم سألته فأعطاني، ثم قال: " يا حكيم إن هذا المال خضرة
حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس، بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف
نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع، اليد
العليا خير من اليد السفلى.
" فقال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ
أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا.
فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيما إلى العطاء، فيأبى
أن يقبله منه، ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه، فأبى
أن يقبل منه شيئا، فقال: إني أشهدكم معشر المسلمين على
حكيم إني أعرض عليه حقه من هذا الفئ فيأبى أن يأخذه، فلم
يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
(5/76)
عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
قُلْتُ: لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ حَمْلٌ، إِنَّمَا كَانَ
يُفَضِّلُ عُثْمَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا حَقٌّ.
عَبْدُ اللهِ بنُ جَابِرٍ الطَّرَسُوْسِيُّ: عَنْ جَعْفَرِ
بنِ مُحَمَّدِ بنِ نُوْحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
مُحَمَّدٍ السِّمَّرِيِّ:
أَنَّ مَيْمُوْنَ بنَ مِهْرَانَ صَلَّى فِي سَبْعَةَ
عَشَرَ يَوْماً سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ رَكْعَةٍ، فَلَمَّا
كَانَ فِي اليَوْمِ الثَّامِنَ عَشَرَ، انْقَطَعَ فِي
جَوْفِهِ شَيْءٌ، فَمَاتَ.
عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو المَلِيْحِ،
عَنْ مَيْمُوْنٍ، قَالَ:
أَدْرَكْتُ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَمْلأُ عَيْنَيْهِ مِنَ
السَّمَاءِ فَرَقاً مِنْ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.
وَعَنْهُ، قَالَ: أَدْرَكْتُ مَنْ كُنْتُ أَسْتَحْيِي أَنْ
أَتَكَلَّمَ عِنْدَهُ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَيْمُوْنٌ يُكْنَى: أَبَا أَيُّوْبَ،
ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ أَبُو عَرُوْبَةَ: نَزَلَ الرَّقَّةَ، وَبِهَا
عَقِبُهُ.
مَعْمَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ فُرَاتِ بنِ السَّائِبِ،
عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ:
ثَلاَثٌ لاَ تَبْلُوَنَّ نَفْسَكَ بِهنَّ: لاَ تَدْخُلْ
عَلَى السُّلْطَانِ، وَإِن قُلْتَ: آمُرُهُ بِطَاعَةِ
اللهِ، وَلاَ تُصْغِيَنَّ بِسَمْعِكَ إِلَى هَوَىً،
فَإِنَّك لاَ تَدْرِي مَا يَعْلَقُ بِقَلْبِكَ مِنْهُ،
وَلاَ تَدْخُلْ عَلَى امْرَأَةٍ، وَلَوْ قُلْتَ:
أُعَلِّمُهَا كِتَابَ اللهِ.
وَرَوَى: حَبِيْبُ بنُ أَبِي مَرْزُوْقٍ، عَنْ مَيْمُوْنٍ:
وَدِدْتُ أَنَّ عَيْنَيَّ ذَهَبَتْ، وَبَقِيَتِ الأُخْرَى
أَتَمَتَّعُ بِهَا، وَأَنِّي لَمْ أَلِ عَمَلاً قَطُّ.
قُلْتُ لَهُ: وَلاَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ؟
قَالَ: لاَ لِعُمَرَ، وَلاَ لِغَيْرِهِ.
أَبُو المَلِيْحِ، عَنْ مَيْمُوْنٍ، قَالَ:
لاَ تَضْرِبِ المَمْلُوْكَ فِي كُلِّ ذَنْبٍ، وَلَكِنِ
احْفَظَ لَهُ، فَإِذَا عَصَى اللهَ، فَعَاقِبْهُ عَلَى
المَعْصِيَةِ، وَذَكِّرْهُ الذُّنُوْبَ الَّتِي بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ.
أَبُو المَلِيْحِ، سَمِعْتُ مَيْمُوْناً يَقُوْلُ:
لأَنْ أُؤْتَمَنَ عَلَى بَيْتِ مَالٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ
مِنْ أَنْ أُؤْتَمَنُ عَلَى امْرَأَةٍ.
(5/77)
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ:
حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا
أَبُو المَلِيْحِ، عَنْ مَيْمُوْنٍ، قَالَ:
مَا نَال رَجُلٌ مِنْ جَسِيْمِ الخَيْرِ - نَبِيٌّ وَلاَ
غَيْرُهُ - إِلاَّ بِالصَّبْرِ.
الحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا كَثِيْرُ بنُ
هِشَامٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، حَدَّثَنَا
يَزِيْدُ بنُ الأَصَمِّ، قَالَ:
لَقِيْتُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - مُقْبِلَةً
مِنْ مَكَّةَ، أَنَا وَابْنٌ لِطَلْحَةَ وَهُوَ ابْنُ
أُخْتِهَا، وَقَدْ كُنَّا وَقَعْنَا فِي حَائِطٍ مِنْ
حِيْطَانِ المَدِيْنَةِ، فَأَصَبْنَا مِنْهُ، فَبَلَغَهَا
ذَلِكَ، فَأَقْبَلَتْ عَلَى ابْنِ أُخْتِهَا تَلُوْمُهُ،
ثُمَّ وَعَظَتْنِي، ثُمَّ قَالَتْ:
أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ سَاقَكَ حَتَّى جَعَلَكَ فِي
بَيْت نَبِيِّهِ، ذَهَبَتْ -وَاللهِ- مَيْمُوْنَةُ،
وَرُمِيَ بِرَسَنِكَ عَلَى غَارِبِكَ، أَمَا إِنَّهَا
كَانَتْ مِنْ أَتْقَانَا للهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
وَأَوْصَلِنَا لِلرَّحِمِ (1) .
جَرَى القَلَمُ بِكِتَابَةِ هَذَا هُنَا، وَيَزِيْدُ بنُ
الأَصَمِّ: مِنْ فُضَلاَءِ التَّابِعِيْنَ بِالرَّقَّةِ.
وَقَدْ خَرَّجَ أَربَابُ الكُتُبِ لِمَيْمُوْنِ بنِ
مِهْرَانَ سِوَى البُخَارِيِّ، فَمَا أَدْرِي لِمَ
تَرَكَهُ؟
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ، وَغَيْرُهُمَا:
تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ شَبَابٌ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-.
لَهُ حَدِيْثٌ سَيَأْتِي.
29 - عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ أَسْلَمَ القُرَشِيُّ
مَوْلاَهُم * (ع)
الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، مُفْتِي الحَرَمِ، أَبُو
مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم،
__________
(1) سند هذا الخبر قوي ورجاله كلهم ثقات ويزيد بن الأصم:
هو ابن أخت ميمونة أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه
وسلم، ولا علاقة لهذا الخبر بالمترجم له، وإنما ذكره
المؤلف رحمه الله استطرادا، وقد نبه على
ذلك بقوله: جرى القلم بكتابه هذا هنا.
(*) طبقات ابن سعد 5 / 467، طبقات خليفة: 280، تاريخ
البخاري 6 / 463، التاريخ الصغير 1 / 277، تاريخ الفسوي 1
/ 701، الجرح والتعديل 6 / 330، طبقات الشيرازي: 69، وفيات
الأعيان 3 / 261، تهذيب الكمال: 938، تذهيب التهذيب 3 / 41
/ 1، تاريخ الإسلام =
(5/78)
المَكِّيُّ.
يُقَالَ: وَلاَؤُهُ لِبَنِي جُمَحٍ، كَانَ مِنْ مُوَلَّدِي
الجَنَدِ (1) ، وَنَشَأَ بِمَكَّةَ.
وُلِدَ: فِي أَثْنَاءِ خِلاَفَةِ عُثْمَانِ.
حَدَّثَ عَنْ: عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأُمِّ
هَانِئ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَكِيْمِ
بنِ حِزَامٍ، وَرَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، وَزَيْدِ بنِ
أَرْقَمَ، وَزَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، وَصَفْوَانَ
بنِ أُمَيَّةَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ
عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَمُعَاوِيَةَ،
وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَعِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَأَرْسَلَ عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعَتَّابِ بنِ
أَسِيْدٍ، وَعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، وَالفَضْلِ بنِ
عَبَّاسٍ، وَطَائِفَةٍ.
وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ،
وَيُوْسُفَ بنِ مَاهَكَ، وَسَالِمِ بنِ شَوَّالٍ،
وَصَفْوَانَ بنِ يَعْلَى بنِ أُمَيَّةَ، وَمُجَاهِدٍ،
وَعُرْوَةَ، وَابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَعِدَّةٍ.
حَتَّى إِنَّهُ يَنْزِلُ إِلَى: أَبِي الزُّبَيْرِ
المَكِّيِّ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَبْدِ
الكَرِيْمِ أَبِي أُمَيَّةَ البَصْرِيِّ.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُجَاهِدُ بنُ جَبْرٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ
السَّبِيْعِيُّ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، وَعَمْرُو بنُ
دِيْنَارٍ، وَالقُدَمَاءُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ،
وَعَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، وَمَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ،
وَالحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ،
وَالأَعْمَشُ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَمَطَرٌ
الوَرَّاقُ، وَمَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ، وَمَنْصُوْرُ بنُ
المُعْتَمِرِ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، وَخَلْقٌ
مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ،
وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَيُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ،
وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ
مُسْلِمٍ المَكِّيُّ، وَالأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ،
وَأَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى الفَقِيْهُ، وَأَيُّوْبُ بنُ
عُتْبَةَ اليَمَامِيُّ، وَبُدَيْلُ بنُ مَيْسَرَةَ،
وَبُرْدُ بنُ سِنَانٍ ،
__________
= 4 / 278، ميزان الاعتدال 3 / 70، العبر 1 / 141، نكت
الهميان: 199، البداية 9 / 306، العقد الثمين 6 / 84،
طبقات القراء 1 / 513، تهذيب التهذيب 7 / 199، النجوم
الزاهرة 1 / 273، طبقات الحفاظ: 309، خلاصة تذهيب الكمال:
266، شذرات الذهب 1 / 147.
(1) الجند، بفتح الجيم والنون، بعدها دال مهملة: بلدة
مشهورة باليمن، خرج منها جماعة من العلماء، بينها وبين
صنعاء ثمانية وخمسون فرسخا.
(5/79)
وَجَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، وَجَعْفَرٌ
الصَّادِقُ، وَحَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ، وَحَجَّاجُ بنُ
أَرْطَاةَ، وَحُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، وَخُصَيْفٌ
الجَزَرِيُّ، وَرَبَاحُ بنُ أَبِي مَعْرُوْفٍ المَكِّيُّ،
وَرَقَبَةُ بنُ مَصْقَلَةَ، وَالزُّبَيْرُ بنُ خُرَيْقٍ،
وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَطَلْحَةُ بنُ عَمْرٍو
المَكِّيُّ، وَعَبَّادُ بنُ مَنْصُوْرٍ النَّاجِيُّ،
وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي
حُسَيْنٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَجِيْحٍ، وَعَبْدُ
اللهِ بنُ المُؤَمَّلِ المَخْزُوْمِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ،
وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَابْنُ
جُرَيْجٍ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ سُلَيْمٍ البَصْرِيُّ،
وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ بُخْتٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ
عُمَرَ، وَعُثْمَانُ بنُ الأَسْوَدِ، وَعِسْلُ بنُ
سُفْيَانَ، وَعَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ، وَعُفَيْرُ بنُ
مَعْدَانَ، وَعُقْبَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَصَمُّ،
وَعِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، وَعَلِيُّ بنُ الحَكَمِ،
وَعُمَارَةُ بنُ ثَوْبَانَ، وَعُمَارَةُ بنُ مَيْمُوْنٍ،
وَعُمَرُ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَعُمَرُ بنُ
قَيْسٍ سَنْدَلٌ، وَفِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَقَيْسُ بنُ
سَعْدٍ، وَكَثِيْرُ بنُ شِنْظِيْرٍ، وَاللَّيْثُ بنُ
سَعْدٍ، وَمُبَارَكُ بنُ حَسَّانٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ،
وَمُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ
الطَّائِفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
أَبِي لَيْلَى، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ
العَرْزَمِيُّ، وَمُسْلِمٌ البَطِيْنُ، وَمَعْقِلُ بنُ
عُبَيْدِ اللهِ الجَزَرِيُّ، وَمُغِيْرَةُ بنُ زِيَادٍ
المَوْصِلِيُّ، وَمُوْسَى بنُ نَافِعٍ أَبُو شِهَابٍ
الكُوْفِيُّ، وَهَمَّامُ بنُ يَحْيَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
لَهِيْعَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيُّ،
وَأَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ، وَأَبُو المَلِيْحِ
الرَّقِّيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: اسْمُ أَبِي رَبَاحٍ:
أَسْلَمُ مَوْلَى حَبِيْبَةَ بِنْتِ مَيْسَرَةَ بنِ أَبِي
خُثَيْمٍ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هُوَ مَوْلَى لِبَنِي فِهْرٍ، أَوْ
بَنِي جُمَحٍ، انْتَهَتْ فَتْوَى أَهْلِ مَكَّةَ إِلَيْهِ،
وَإِلَى مُجَاهِدٍ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ إِلَى عَطَاءٍ.
سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ العِلْمِ يَقُوْلُ: كَانَ عَطَاءٌ
أَسْوَدَ، أَعْوَرَ، أَفْطَسَ، أَشَلَّ، أَعْرَجَ، ثُمَّ
عَمِيَ، وَكَانَ ثِقَةً، فَقِيْهاً، عَالِماً، كَثِيْرَ
الحَدِيْثِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُوْهُ نُوْبِيٌّ، وَكَانَ
يَعْمَلُ المَكَاتِلَ، وَكَانَ عَطَاءٌ أَعْوَرَ، أَشَلَّ،
أَفْطَسَ، أَعْرَجَ، أَسْوَدَ.
قَالَ: وَقُطِعَتْ يَدُهُ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ.
(5/80)
قَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ: قُلْتُ
لِعَطَاءٍ: إِنَّكَ يَوْمَئِذٍ لَخَنْشَلِيْلٌ (1)
بِالسَّيْفِ.
قَالَ: إِنَّهُم دَخَلُوا عَلَيْنَا.
وَقَالَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: رَأَيْتُ يَدَ عَطَاءٍ
شَلاَّءَ، ضُرِبَتْ أَيَّامَ ابْنِ الزُّبَيْرِ.
وَقَالَ أَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ: رَأَيْتُ عَطَاءً
أَسْوَدَ، يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ.
وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ
عَطَاءٌ مُعَلِّمَ كُتَّابٍ.
وَعَنْ خَالِدِ بنِ أَبِي نَوْفٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ:
أَدْرَكْتُ مائَتَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
الثَّوْرِيُّ: عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي
حُسَيْنٍ، عَنْ أُمِّهِ:
أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ تَسْأَلُهُ عَنْ
شَيْءٍ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ! تَجْتَمِعُوْنَ
عَلَيَّ وَعِنْدَكُم عَطَاءٌ!
وَقَالَ قَبِيْصَةُ: عَنْ سُفْيَانَ بِهَذِهِ، وَلَكِنْ
جَعَلَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَقَالَ بِشْرُ بنُ السَّرِيِّ: عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيْدٍ،
عَنْ أُمِّهِ:
أَنَّهَا رَأَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي مَنَامِهَا، فَقَالَ لَهَا: (سَيِّدُ
المُسْلِمِيْنَ: عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ).
وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا
جَعْفَرٍ البَاقِرَ يَقُوْلُ لِلنَّاسِ - وَقَدِ
اجْتَمَعُوا -: عَلَيْكُم بِعَطَاءٍ، هُوَ -وَاللهِ-
خَيْرٌ لَكُم مِنِّي.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: خُذُوا مِنْ عَطَاءٍ مَا
اسْتَطَعْتُم.
وَرَوَى: أَسْلَمُ المِنْقَرِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ،
قَالَ: مَا بَقِيَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ
بِمَنَاسِكِ الحَجِّ مِنْ عَطَاءٍ.
عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ،
قَالَ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِالحَجِّ مِنْ
عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ.
أَبُو حَفْصٍ الأَبَّارُ: عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى،
قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ، فَجَعَلَ
__________
(1) الخنشليل: هو المسن القوي والجيد الضرب بالسيف.
(5/81)
يَسْأَلُنِي، فَكَأَنَّ أَصْحَابَهُ
أَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: تَسْأَلُهُ؟!
قَالَ: مَا تُنْكِرُوْنَ؟ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي.
قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - وَكَانَ عَالِماً بِالحَجِّ
-: قَدْ حَجَّ زِيَادَةً عَلَى سَبْعِيْنَ حَجَّةً.
قَالَ: وَكَانَ يَوْم مَاتَ ابْنَ نَحْوِ مائَةِ سَنَةٍ،
رَأَيْتُهُ يَشْرَبُ المَاءَ فِي رَمَضَانَ، وَيَقُوْلُ:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : {وَعَلَى الَّذِيْنَ
يُطِيْقُوْنَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِيْنٍ، فَمَنْ
تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ } [البَقَرَةُ:
184]: إِنِّي أُطْعِمُ أَكْثَرَ مِنْ مِسْكِيْنٍ (1) .
ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ:
عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ: لَمْ يَزَالُوا مُتَنَاظِرِيْنَ حَتَّى
خَرَجَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ إِلَى المَدِيْنَةِ،
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْنَا، اسْتَبَانَ فَضْلُهُ
عَلَيْنَا.
وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ بنِ كَيْسَانَ، قَالَ:
أَذْكُرُهُم فِي زَمَانِ بَنِي أُمَيَّةَ يَأْمُرُوْنَ فِي
الحَجِّ مُنَادِياً يَصِيْحُ: لاَ يُفْتِي النَّاسَ إِلاَّ
عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَطَاءٌ،
فَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَجِيْحٍ.
قَالَ أَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ: فَاقَ عَطَاءٌ أَهْلَ
مَكَّةَ فِي الفَتْوَى.
__________
(1) أخرجه الحافظ أبو بكر بن مردويه فيما ذكره ابن كثير 1
/ 215 من حديث الحسين بن محمد بن
بهرام المخزومي، حدثنا وهب بن بقية، حدثنا خالد بن عبد
الله، عن ابن أبي ليلى، قال: دخلت على عطاء في رمضان وهو
يأكل، فقال: قال ابن عباس: نزلت هذه الآية (وعلى الذين
يطيقونه فدية طعام مسكين) فنسخت الأولى إلا الكبير الفاني
إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينا.
وأخرج البخاري في " صحيحه " 8 / 135 في تفسير سورة البقرة
من طريق عمرو بن دينار، عن عطاء سمع ابن عباس يقول: (وعلى
الذين يطوقونه فدية طعام مسكين) قال ابن عباس: ليست
بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن
يصوما، فليطعما مكان كل يوم مسكينا.
قال الحافظ: " يطوقونه " بفتح الطاء وتشديد الواو مبنيا
للمفعول مخفف الطاء من طوق بضم أوله بوزن قطع، وهذه قراءة
ابن مسعود أيضا.
وقد وقع عند النسائي من طريق ابن أبي نجيح، عن عمرو بن
دينار يطوقونه: يكلفونه، وهو تفسير حسن أي: يكلفون إطاقته.
ولابي داود (2318) والطبري 3 / 427 من طريق سعيد بن جبير،
عن ابن عباس (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) كانت
رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن
يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا والحبلى والمرضع إذا
خافتا - قال أبو داود: يعني على أولادهما - أفطرتا
وأطعمتا. وإسناده قوي.
(5/82)
وَرَوَى: هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:
قَالَ لِي سُلَيْمَانُ بنُ هِشَامٍ: هَلْ بِالبَلَدِ
-يَعْنِي: مَكَّةَ- أَحَدٌ؟
قُلْتُ: نَعَمْ، أَقْدَمُ رَجُلٍ فِي جَزِيْرَةِ العَرَبِ
عِلْماً.
فَقَالَ: مَنْ؟
قُلْتُ: عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ.
ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: عَنْ قَتَادَةَ - فِيْمَا يَظُنُّ
الرَّاوِي - قَالَ:
إِذَا اجْتَمَعَ لِي أَرْبَعَةٌ، لَمْ أَلْتَفِتْ إِلَى
غَيْرِهِم، وَلَمْ أُبَالِ مَنْ خَالَفَهُم: الحَسَنُ،
وَابْنُ المُسَيِّبِ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَعَطَاءٌ،
هَؤُلاَءِ أَئِمَّةُ الأَمْصَارِ.
ضَمْرَةُ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَطَاءٍ، قَالَ:
كَانَ عَطَاءٌ أَسْوَدَ، شَدِيْدَ السَّوَادِ، لَيْسَ فِي
رَأْسِهِ شَعْرٌ إِلاَّ شَعْرَاتٌ، فَصِيْحٌ إِذَا
تَكَلَّمَ، فَمَا قَالَ بِالحِجَازِ قُبِلَ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ
أُمَيَّةَ، قَالَ: كَانَ عَطَاءٌ يُطِيْلُ الصَّمْتَ،
فَإِذَا تَكَلَّم، يُخَيَّلُ لَنَا أَنَّهُ يُؤَيِّدُ.
وَقَالَ أَسْلَمُ المِنْقَرِيُّ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ
يَسْأَلُ، فَأُرْشِدَ إِلَى سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ،
فَجَعَلَ الأَعْرَابِيٌّ يَقُوْلُ: أَيْنَ أَبُو
مُحَمَّدٍ؟
فَقَالَ سَعِيْدٌ: مَا لَنَا هَا هُنَا مَعَ عَطَاءٍ
شَيْءٌ.
وَرَوَى: عَبْدُ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيُّ، عَنْ أَبِي
حَنِيْفَةَ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ فِيْمَنْ لَقِيْتُ أَفْضَلَ مِنْ عَطَاءِ بنِ
أَبِي رَبَاحٍ، وَلاَ لَقِيْتُ أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ
الجُعْفِيِّ، مَا أَتَيْتُهُ قَطُّ بِشَيْءٍ إِلاَّ
جَاءنِي فِيْهِ بِحَدِيْثٍ، وَزَعَمَ أَنَّ عِنْدَهُ كَذَا
وَكَذَا أَلْفَ حَدِيْثٍ مِنْ رَأْيِي عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَنْطِقْ بِهَا
(1) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الدِّيْبَاجُ (2) :
مَا رَأَيْتُ مُفْتِياً خَيْراً مِنْ عَطَاءٍ، إِنَّمَا
__________
(1) في " الميزان " ما أتيته بشيء قط إلا جاء فيه بحديث
وزعم أن عنده كذا وكذا ألف حديث لم يظهرها.
ولفظ ابن حبان في " المجروحين والضعفاء " 1 / 209: ما
أتيته بشيء قط من رأي إلا جاءني فيه بحديث وزعم أنه عنده
كذا وكذا ألف حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
ينطق بها.
(2) لقب به لحسن وجهه، وهو محمد بن عبد الله بن عمرو بن
عثمان بن عفان الأموي المدني =
(5/83)
كَانَ مَجْلِسُهُ ذِكْرَ اللهِ لاَ
يَفْتُرُ، وَهُمْ يَخُوْضُوْنَ، فَإِنْ تَكَلَّمَ أَوْ
سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ، أَحْسَنَ الجَوَابَ.
وَرَوَى: أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ،
قَالَ:
مَاتَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ يَوْمَ مَاتَ وَهُوَ
أَرْضَى أَهْلِ الأَرْضِ عِنْدَ النَّاسِ، وَمَا كَانَ
يَشْهَدُ مَجْلِسَهُ إِلاَّ تِسْعَةٌ أَوْ ثَمَانِيَةٌ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُرِيْدُ بِهَذَا العِلْمِ وَجْهَ
اللهِ غَيْرَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ: عَطَاءٍ،
وَطَاوُوْسٍ، وَمُجَاهِدٍ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَ المَسْجِدُ فِرَاشَ عَطَاءٍ
عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ
صَلاَةً.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: قُلْتُ لِعَبْدِ
اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ: مَا كَانَ مَعَاشُ
عَطَاءٍ؟
قَالَ: صِلَةُ الإِخْوَانِ، وَنَيْلُ السُّلْطَانِ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: دَخَلَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ
عَلَى عَبْدِ المَلِكِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى السَّرِيْر،
وَحَوْلَهُ الأَشْرَافُ، وَذَلِكَ بِمَكَّةَ، فِي وَقْتِ
حَجِّهِ فِي خِلاَفَتِهِ، فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ عَبْدُ
المَلِكِ، قَامَ إِلَيْهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ،
وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى السَّرِيْرِ، وَقَعَدَ بَيْنَ
يَدَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، حَاجَتَكَ؟
قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! اتَّقِ اللهَ فِي
حَرَمِ اللهِ، وَحَرَمِ رَسُوْلِهِ، فَتَعَاهَدْهُ
بِالعَمَارَةِ، وَاتَّقِ اللهَ فِي أَوْلاَدِ
المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ، فَإِنَّك بِهِم جَلَسْتَ
هَذَا المَجْلِسَ، وَاتَّقِ اللهَ فِي أَهْلِ الثُّغُوْرِ،
فَإِنَّهُم حِصْنُ المُسْلِمِيْنَ، وَتَفَقَّدْ أُمُوْرَ
المُسْلِمِيْنَ، فَإِنَّكَ وَحْدَكَ المَسْؤُوْلُ عَنْهُم،
وَاتَّقِ اللهَ فِيْمَنْ عَلَى بَابِكَ، فَلاَ تَغْفُلْ
عَنْهُم، وَلاَ تُغْلِقْ دُوْنَهُم بَابَكَ.
فَقَالَ لَهُ: أَفْعَلُ.
ثُمَّ نَهَضَ، وَقَامَ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ عَبْدُ
المَلِكِ، وَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! إِنَّمَا
سَأَلْتَنَا حَوَائِجَ غَيْرِكَ، وَقَدْ قَضَيْنَاهَا،
فَمَا حَاجَتُكَ؟
قَالَ: مَا لِي إِلَى مَخْلُوْقٍ حَاجَةٌ. ثُمَّ
__________
= الصدوق، وهو أخو عبد الله بن الحسن بن الحسن لامه، قتله
المنصور سنة خمس وأربعين ومئة
(5/84)
خَرَجَ، فَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ: هَذَا -
وَأَبِيْكَ - الشَّرَفُ، هَذَا - وَأَبِيْكَ -
السُّؤْدُدُ.
مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ،
حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بنُ حَيَّانَ أَخُو مُقَاتِلٍ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، فَسُئِلَ عَنْ
شَيْءٍ، فَقَالَ: لاَ أَدْرِي: نِصْفُ العِلْمِ -
وَيُقَالُ: نِصْفُ الجَهْلِ -.
الوَلِيْدُ المُوَقَّرِيُّ (1) : عَنِ الزُّهْرِيِّ:
قَالَ لِي عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ: مِنْ أَيْنَ
قَدِمْتَ؟
قُلْتُ: مِنْ مَكَّةَ.
قَالَ: فَمَنْ خَلَّفْتَ يَسُوْدُهَا؟
قُلْتُ: عَطَاءٌ.
قَالَ: أَمِنَ العَرَبِ أَمْ مِنَ المَوَالِي؟
قُلْتُ: مِنَ المَوَالِي.
قَالَ: فِيْمَ سَادَهُم؟
قُلْتُ: بِالدِّيَانَةِ وَالرِّوَايَةِ.
قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الدِّيَانَةِ وَالرِّوَايَةِ
يَنْبَغِي أَنْ يُسَوَّدُوا، فَمَنْ يَسُوْدُ أَهْلَ
اليَمَنِ؟
قُلْتُ: طَاوُوْسٌ.
قَالَ: فَمِنَ العَرَبِ، أَوِ المَوَالِي؟
قُلْتُ: مِنَ المَوَالِي.
قَالَ: فَمَنْ يَسُوْدُ أَهْلَ الشَّامِ؟
قُلْتُ: مَكْحُوْلٌ.
قَالَ: فَمِنَ العَرَبِ، أَمْ مِنَ المَوَالِي؟
قُلْتُ: مِنَ المَوَالِي، عَبْدٌ نُوْبِيٌّ أَعْتَقَتْهُ
امْرَأَةٌ مِنْ هُذَيْلٍ.
قَالَ: فَمَنْ يَسُوْدُ أَهْلَ الجَزِيْرَةِ؟
قُلْتُ: مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ، وَهُوَ مِنَ
المَوَالِي.
قَالَ: فَمَنْ يَسُوْدُ أَهْلَ خُرَاسَانَ؟
قُلْتُ: الضَّحَّاكُ بنُ مُزَاحِمٍ مِنَ المَوَالِي.
قَالَ: فَمَنْ يَسُوْدُ أَهْلَ البَصْرَةِ؟
قُلْتُ: الحَسَنُ مِنَ المَوَالِي.
قَالَ: فَمَنْ يَسُوْدُ أَهْلَ الكُوْفَةِ؟
قُلْتُ: إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ.
قَالَ: فَمِنَ العَرَبِ، أَمْ مِنَ المَوَالِي؟
قُلْتُ: مِنَ العَرَبِ.
قَالَ: وَيْلَكَ! فَرَّجْتَ عَنِّي، وَاللهِ لَيَسُوْدَنَّ
المَوَالِي عَلَى العَرَبِ فِي هَذَا البَلَدِ حَتَّى
يَخْطُبَ لَهَا عَلَى المَنَابِرِ، وَالعَرَبُ تَحْتَهَا.
قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّمَا هُوَ
دِيْنٌ، مَنْ حَفِظَهُ، سَادَ، وَمَنْ ضَيَّعَهُ، سَقَطَ.
الحِكَايَة مُنْكَرَةٌ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ:
وَاهٍ، فَلَعَلَّهَا تَمَّتْ لِلزُّهْرِيِّ مَعَ أَحَدِ
أَوْلاَدِ عَبْدِ المَلِكِ، وَأَيْضاً فَفِيْهَا: مَنْ
يَسُوْدُ أَهْلَ مِصْرَ؟
قُلْتُ: يَزِيْدُ بنُ أَبِي
__________
(1) بضم الميم، وفتح الواو، وفتح القاف المشددة نسبة إلى
موقر: حصن بالبلقاء، ضعفه أبو حاتم، وقال ابن المديني: لا
يكتب حديثه، وقال ابن خزيمة: لا أحتج به، وكذبه يحيى بن
معين، وقال النسائي: متروك الحديث.
(5/85)
حَبِيْبٍ، وَهُوَ مِنَ المَوَالِي.
فَيَزِيْدُ: كَانَ ذَاكَ الوَقْتَ شَابّاً لاَ يُعْرَفُ
بَعْدُ، وَالضَّحَّاكُ، فَلاَ يَدْرِي الزُّهْرِيُّ مَنْ
هُوَ فِي العَالَمِ، وَكَذَا مَكْحُوْلٌ يَصْغُرُ عَنْ
ذَاكَ.
قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ رُفَيْعٍ: سُئِلَ عَطَاءٌ
عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: لاَ أَدْرِي.
قِيْلَ: أَلاَ تَقُوْلُ بِرَأْيِكَ؟
قَالَ: إِنِّي أَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ أَنْ يُدَانَ فِي
الأَرْضِ بِرَأْيِي.
يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى ابْنِ
سُوْقَةَ، فَقَالَ:
يَا ابْنَ أَخِي، أُحَدِّثُكُم بِحَدِيْثٍ، لَعَلَّهُ
يَنْفَعُكُم، فَقَدْ نَفَعَنِي، قَالَ لَنَا عَطَاءُ بنُ
أَبِي رَبَاحٍ:
إِنَّ مَنْ قَبْلَكُم كَانُوا يَعُدُّوْنَ فُضُوْلَ
الكَلاَمِ مَا عَدَا كِتَابِ اللهِ، أَوْ أَمْرٍ
بِمَعْرُوْفٍ، أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ أَنْ
تَنْطِقَ فِي مَعِيْشَتِكَ الَّتِي لاَ بُدَّ لَكَ
مِنْهَا، أَتُنْكِرُوْنَ أَنَّ عَلَيْكُم حَافِظِيْنَ،
كِرَاماً كَاتِبِيْنَ، عَنِ اليَمِيْنِ وَعَنِ الشِّمَالِ
قَعِيْدٌ، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ
رَقِيْبٌ عَتِيْدٌ؟ أَمَا يَسْتَحْي أَحَدُكُم لَوْ
نُشِرَتْ صَحِيْفَتُهُ الَّتِي أَمْلَى صَدْرَ نَهَارِهِ،
وَلَيْسَ فِيْهَا شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ آخِرَتِهِ؟
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ:
إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحَدِّثُنِي بِالحَدِيْثِ، فَأُنْصِتُ
لَهُ كَأَنِّي لَمْ أَسَمَعْهُ، وَقَدْ سَمِعْتُهُ قَبْلَ
أَنْ يُوْلَدَ (1) .
رَوَى: عَلِيٌّ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ،
قَالَ:
مُرْسَلاَتُ مُجَاهِدٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مُرْسَلاَتِ
عَطَاءٍ بِكَثِيْرٍ، كَانَ عَطَاءٌ يَأْخُذُ عَنْ كُلِّ
ضَرْبٍ.
الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ:
لَيْسَ فِي المُرْسَلاَتِ شَيْءٌ أَضْعَفُ مِنْ
مُرْسَلاَتِ الحَسَنِ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ،
كَانَا يَأْخُذَانِ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَمُرْسَلاَتُ
ابْنِ المُسَيِّبِ أَصَحُّ المُرْسَلاَتِ، وَمُرْسَلاَتُ
إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ لاَ بَأْسَ بِهَا.
وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، عَنْ عَلِيِّ
بنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ:
كَانَ عَطَاءٌ
__________
(1) ومثله قوله: وتراه يصغي للحديث بسمعه * وبقلبه ولعله
أدرى به
(5/86)
اخْتَلَطَ (1) بِأَخَرَةٍ، تَرَكَهُ: ابْنُ
جُرَيْجٍ، وَقَيْسُ بنُ سَعْدٍ.
قُلْتُ: لَمْ يَعْنِ عَلِيٌّ - بِقَوْلِهِ: تَرَكَهُ
هَاذَانِ - التَّرْكَ العُرْفِيَّ، وَلَكِنَّهُ كَبُرَ
وَضَعُفَتْ حَوَاسُّهُ، وَكَانَا قَدْ تَكَفَّيَا مِنْهُ،
وَتَفَقَّهَا، وَأَكْثَرَا عَنْهُ، فَبَطَّلاَ، فَهَذَا
مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: تَرَكَاهُ (2) .
وَلَمْ يَكُنْ يُحْسِنُ العَرَبِيَّةَ.
رَوَى: العَلاَءُ بنُ عَمْرٍو الحَنَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ
القُدُّوْسِ، عَنْ حَجَّاجٍ:
قَالَ عَطَاءٌ: وَدِدْتُ أَنِّي أُحْسِنُ العَرَبِيَّةَ.
قَالَ: وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ تِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَعَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: أَعْقِلُ مَقْتَلَ عُثْمَانَ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ قَيْسٍ: سَأَلْتُ عَطَاءً: مَتَى
وُلِدْتَ؟
قَالَ: لِعَامَيْنِ خَلَوْا مِنْ خِلاَفَةِ عُثْمَانَ.
وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: لَزِمْتُ عَطَاءً ثَمَانِيَ
عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ بَعْدَ مَا كَبُرَ وَضَعُفَ
يَقُوْمُ إِلَى الصَّلاَةِ، فَيَقْرَأُ مائَتَيْ آيَةٍ
مِنَ البَقَرَةِ وَهُوَ قَائِمٌ، لاَ يَزُوْلُ مِنْهُ
شَيْءٌ، وَلاَ يَتَحَرَّكُ.
قَالَ عُمَرُ بنُ ذَرٍّ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ عَطَاءِ بنِ
أَبِي رَبَاحٍ، وَمَا رَأَيْتُ عَلَيْهِ قَمِيْصاً قَطُّ،
وَلاَ رَأَيْتُ عَلَيْهِ ثَوْباً يُسَاوِي خَمْسَةَ
دَرَاهِمَ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُوْلُ:
إِذَا تَنَاهَقَتِ الحَمِيْرُ بِاللَّيْلِ، فَقُوْلُوا:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، أَعُوْذُ بِاللهِ
مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ (3) .
وَعَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: لَوِ ائْتُمِنْتُ عَلَى بَيْتِ
مَالٍ، لَكُنْتُ أَمِيْناً، وَلاَ آمَنُ نَفْسِي
__________
(1) سقطت من الأصل، واستدركت من تاريخ الإسلام للمؤلف.
(2) لفظ المؤلف في " الميزان ": قلت: لم يعن الترك
الاصطلاحي، بل عنى أنهما بطلا الكتابة عنه، وإلا فعطاء ثبت
رضي.
(3) الثابت عنه صلى الله عليه وسلم التعوذ بالله دون
البسملة إذا سمع نهيق الحمير في الليل أو النهار، فقد أخرج
البخاري في " صحيحه " 6 / 251، ومسلم (2729) عن أبي هريرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وإذا سمعتم نهيق
الحمير، فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا ".
(5/87)
عَلَى أَمَةٍ شَوْهَاءَ.
قُلْتُ: صَدَقَ -رَحِمَهُ اللهُ- فَفِي الحَدِيْثِ: (أَلاَ
لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا
الشَّيْطَانُ (1)).
رَوَى: عَفَّانُ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ:
قَدِمْتُ مَكَّةَ، وَعَطَاءٌ حَيٌّ، فَقُلْتُ: إِذَا
أَفْطَرْتُ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَمَاتَ فِي رَمَضَانَ.
وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَدْخُلُ عَلَيْهِ، فَقَالَ
لِي عُمَارَةُ بنُ مَيْمُوْنٍ: الْزَمْ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ،
فَإِنَّهُ أَفْقَهُ مِنْ عَطَاءٍ.
قَالَ الهَيْثَمُ، وَأَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ،
وَأَحْمَدُ، وَأَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ، وَغَيْرُهُم:
مَاتَ عَطَاءٌ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: سَنَةَ أَرْبَعَ، أَوْ خَمْسَ
عَشْرَةَ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ،
وَالوَاقِدِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَالفَلاَّسُ: سَنَةَ
خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: عَاشَ ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ
سَنَةً.
وَقَالَ شَبَابٌ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ.
فَهَذَا خَطَأٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ:
أَعْلَمُ بِذَلِكَ.
وَقَدْ كَانَ بِمَكَّةَ مَعَ عَطَاءٍ مِنْ أَئِمَّةِ
التَّابِعِيْنَ: مُجَاهِدٌ، وَطَاوُوْسٌ، وَعُبَيْدُ بنُ
عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ،
وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ،
وَآخَرُوْنَ.
30 - ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ
اللهِ * (ع)
ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ زُهَيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
__________
(1) قطعة من حديث صحيح أخرجه أحمد 1 / 18، والترمذي (2166)
في الفتن: باب ما جاء في لزوم الجماعة من حديث محمد بن
سوقه، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: خطبنا عمر
بالجابية، فقال: يا أيها الناس إني قمت فيكم كمقام رسول
الله صلى الله عليه وسلم فينا، فقال: " أوصيكم بأصحابي، ثم
الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف
الرجل ولا يستحلف، ويشهد الشاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلون
رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان، عليكم بالجماعة،
وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين
أبعد من أراد بحبوحة الجنة، فليلزم الجماعة، من سرته
حسنته، وساءته سيئته، فذلكم المؤمن " وإسناده صحيح، وصححه
الحاكم 1 / 113 و115 ووافقه المؤلف في " مختصره ".
(*) طبقات ابن سعد 5 / 473، طبقات خليفة: 257، تاريخ
البخاري 5 / 137، التاريخ
الصغير 1 / 283، الجرح والتعديل 5 / 99، تهذيب الكمال:
708، تذهيب التهذيب 2 / 146 / 1، =
(5/88)
جُدْعَانَ بنِ عَمْرِو بنِ كَعْبِ بنِ
سَعْدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ.
الإِمَامُ، الحُجَّةُ، الحَافِظُ، أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو
مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، المَكِّيُّ،
القَاضِي، الأَحْوَلُ، المُؤَذِّنُ.
وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ عَلِيٍّ، أَوْ قَبْلَهَا.
وَحَدَّثَ عَنْ: عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ،
وَأُخْتِهَا؛ أَسْمَاءَ، وَأَبِي مَحْذُوْرَةَ، وَابْنِ
عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو السَّهْمِيِّ،
وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعُقْبَةَ بنِ
الحَارِثِ، وَالمِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ، وَأُمِّ
سَلَمَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، وَعَنْ عُثْمَانَ
بنِ عَفَّانَ - وَهُوَ مُرْسَلٌ -.
وَعَنْ: جَدِّهِ؛ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَحُمَيْدِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيِّ، وَذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ،
وَعَبَّادِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ
اللهِ بنِ السَّائِبِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مَوَلَةَ،
وَعُبَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَلْقَمَةَ بنِ
وَقَّاصٍ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَيَعْلَى بن
مَمْلَكٍ، وَيَحْيَى بنِ حَكِيْمِ بنِ صَفْوَانَ بنِ
أُمَيَّةَ، وَطَائِفَةٍ.
وَكَانَ عَالِماً، مُفْتِياً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ
وَإِتْقَانٍ.
مَعْدُوْدٌ فِي طَبَقَةِ عَطَاءٍ، وَقَدْ وَلِيَ القَضَاءَ
لابْنِ الزُّبَيْرِ، وَالأَذَانَ أَيْضاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: رَفِيْقُهُ؛ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ -
وَذَلِكَ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ)- وَعَمْرُو بنُ
دِيْنَارٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ رُفَيْعٍ، وَأَيُّوْبُ
السِّخْتِيَانِيُّ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَحَبِيْبُ
بنُ الشَّهِيْدِ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَأَبُو العُمَيْسِ
عُتْبَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَعُمَرُ بنُ سَعِيْدِ بنِ
أَبِي حُسَيْنٍ، وَعُثْمَانُ بنُ الأَسْوَدِ، وَعَبْدُ
الوَاحِدِ بنُ أَيْمَنَ، وَحَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ،
وَعَبْدُ الجَبَّارِ بنُ الوَرْدِ، وَزَنْفَلٌ
العَرَفِيُّ، وَأَبُو هِلاَلٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمٍ،
وَنَافِعُ بنُ عُمَرَ الجُمَحِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ
لَهِيْعَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيُّ،
وَأَبُو عَامِرٍ الخَزَّازُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
المُؤَمَّلِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى التَّوْأَمُ،
وَابْنُ أَخِيْهِ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي بَكْرٍ
المُلَيْكِيُّ، وَعِدَّةٌ.
__________
= تذكرة الحفاظ 1 / 101، العبر 1 / 145، تاريخ الإسلام 4 /
267، العقد الثمين 5 / 204، طبقات القراء 1 / 430، تهذيب
التهذيب 5 / 306، النجوم الزاهرة 1 / 276، طبقات الحفاظ:
41، خلاصة تذهيب الكمال: 205، شذرات الذهب 1 / 153.
(5/89)
وَثَّقَهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو
حَاتِمٍ.
قَالَ البُخَارِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ
عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ تَاجِ
الأُمَنَاءِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
أَبِي عَصْرُوْنَ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ
البَزَّازِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ
الفُضَيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ
العَبَّادُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ
الفَامِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ،
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ
أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ يَقُوْلُ: (إِنَّ
بَنِي هِشَامِ بنِ المُغِيْرَةِ اسْتَأْذَنُوْنِي أَنْ
يُنْكِحُوا ابْنَتَهُم عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ، فَلاَ
آذَنُ، ثُمَّ لاَ آذَنُ، إِلاَّ أَنْ يُرِيْدَ ابْنُ أَبِي
طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُم،
فَإِنَّمَا هِيَ بِضْعَةٌ مِنِّي، يَرِيْبُنِي مَا
رَابَهَا، وَيُؤْذِيْنِي مَا آذَاهَا (1)).
أَخْرَجَهُ: الجَمَاعَةُ - سِوَى ابْنِ مَاجَة - عَنْ
قُتَيْبَةَ.
31 - بِلاَلُ بنُ سَعْدِ بنِ تَمِيْمٍ السَّكُوْنِيُّ *
(ت)
الإِمَامُ، الرَّبَّانِيُّ، الوَاعِظُ، أَبُو عَمْرٍو
الدِّمَشْقِيُّ، شَيْخُ أَهْلِ دِمَشْقَ.
كَانَ لأَبِيْهِ سَعْدٍ صُحْبَةٌ.
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 67، 68 في فضائل أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم، وباب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وباب مناقب فاطمة، وفي الجمعة: باب من قال في الخطبة
بعد الثناء: أما بعد، وفي الجهاد: باب ما ذكر من درع النبي
صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه، وفي النكاح:
باب ذب الرجل
عن ابنته في الغيرة والإنصاف، وفي الطلاق: باب الشقاق،
وأخرجه مسلم (2449) في فضائل الصحابة: باب فضائل فاطمة بنت
النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو داود (2069) و(2070)
و(2071) والترمذي (3866).
(*) طبقات ابن سعدد 7 / 461، التاريخ الكبير 2 / 108،
تاريخ الفسوي 2 / 72، 73 و330 و405 و407، الجرح والتعديل 2
/ 398، حلية الأولياء 5 / 221، تاريخ ابن عساكر 10 / 356،
تهذيب الكمال: 167، تذهيب التهذيب 1 / 93 / 1، تاريخ
الإسلام 4 / 234، البداية 9 / 348، تهذيب التهذيب 1 / 503،
خلاصة تذهيب الكمال: 53، تهذيب ابن عساكر 3 / 318.
(5/90)
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ.
وَعَنْ: مُعَاوِيَةَ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ.
وَهُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ.
رَوَى عَنْهُ: الأَوْزَاعِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ
بنِ جَابِرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ.
وَكَانَ بَلِيْغَ المَوْعِظَةِ، حَسَنَ القَصَصِ،
نَفَّاعاً لِلْعَامَّةِ.
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: كَانَ مِنَ العِبَادَةِ عَلَى
شَيْءٍ لَمْ نَسْمَعْ أَحَداً قَوِيَ عَلَيْهِ، كَانَ لَهُ
كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَلْفُ رَكْعَةٍ.
وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ العِجْلِيُّ.
وَبَعْضُهُم يُشَبِّهُهُ بِالحَسَنِ البَصْرِيِّ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ: كَانَ لأَهْلِ
الشَّامِ كَالحَسَنِ البَصْرِيِّ بِالعِرَاقِ.
وَكَانَ قَارِئَ أَهْلِ الشَّامِ، جَهِيْرَ الصَّوْتِ.
قَالَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا
الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ وَاعِظاً قَطُّ
أَبْلَغَ مِنْ بِلاَلِ بنِ سَعْدٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ تَمِيْمٍ:
سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:
يَا أَهْلَ التُّقَى، إِنَّكُم لَمْ تُخْلَقُوا
لِلْفَنَاءِ، وَإِنَّمَا تُنْقَلُوْنَ مِنْ دَارٍ إِلَى
دَارٍ، كَمَا نُقِلْتُم مِنَ الأَصْلاَبِ إِلَى
الأَرْحَامِ، وَمِنَ الأَرْحَامِ إِلَى الدُّنْيَا، وَمِنَ
الدُّنْيَا إِلَى القُبُوْرِ، وَمِنَ القُبُوْرِ إِلَى
المَوْقِفِ، وَمِنَ المَوْقِفِ إِلَى الخُلُوْدِ فِي
جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ
بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ
الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا
عِيْسَى بنُ الجَرَّاحِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ
نَيْرُوْزٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى،
حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُ
الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ بِلاَلَ بنَ سَعْدٍ يَقُوْلُ: لاَ تَنْظُرْ إِلَى
صِغَرِ الخَطِيئَةِ، وَلَكِنِ انْظُرْ مَنْ عَصَيْتَ.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَانَ بِلاَلُ بنُ
سَعْدٍ إِمَامَ جَامِعِ دِمَشْقَ، فَقَالَ
(5/91)
الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ:
كَانَ إِمَامَ الجَامِعِ، وَإِذَا كَبَّرَ، سُمِعَ
صَوْتُهُ مِنَ الأَوْزَاعِ (1) ، وَتَبِيْنُ قِرَاءتُهُ
مِنَ العَقَبَةِ الَّتِي فِيْهَا دَارُ الصَّيَارِفَةِ،
لَمْ يَكُنْ هَذَا العُمْرَانُ.
قَالَ الضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ: رَأَيْتُهُ يَعِظُ فِي
المُصَلَّى إِلَى جَانِبِ المِنْبَرِ حَتَّى يَخْرُجَ
الخَلِيْفَةُ.
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وَاللهِ
لَكَفَى بِهِ ذَنْباً أَنَّ اللهَ يُزَهِّدُنَا فِي
الدُّنْيَا، وَنَحْنُ نَرْغَبُ فِيْهَا.
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: خَرَجُوا يَسْتَسْقُوْنَ
بِدِمَشْقَ، وَفِيْهِم بِلاَلُ بنُ سَعْدٍ، فَقَامَ،
فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ مَنْ حَضَرَ، أَلَسْتُم مُقِرِّيْنَ
بِالإِسَاءةِ؟
قُلْنَا: نَعَمْ.
قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ : {مَا عَلَى
المُحْسِنِيْنَ مِنْ سَبِيْلٍ } [التَّوْبَةُ: 91] وَقَدْ
أَقْرَرْنَا بِالإِسَاءةِ، فَاعْفُ عَنَّا، وَاسْقِنَا.
قَالَ: فَسُقِيْنَا يَوْمَئِذٍ.
تُوُفِّيَ بِلاَلٌ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَعَشْرَةٍ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ
الغَرَّافِيُّ بِالثَّغْرِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ ابْنُ
الزَّاغُوْنِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ
الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الذَّهَبِيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي سَمِيْنَةَ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ
بَيَانٍ، حَدَّثَنَا فُرَاتُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ
مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : {خُذُوا زِيْنَتَكُم عِنْدَ كُلِّ
مَسْجِدٍ } [الأَعْرَافُ: 31]، قَالَ:
الصَّلاَةُ فِي النَّعْلَيْنِ، وَقَدْ صَلَّى رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
نَعْلَيْهِ، قَالَ: فَخَلَعَهُمَا، فَخَلَعَ النَّاسُ،
فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ، قَالَ: (لِمَ خَلَعْتُم
نِعَالَكُم؟).
قَالُوا: رَأْيْنَاكَ خَلَعْتَ، فَخَلَعْنَا.
__________
(1) الأوزاع من قرى دمشق القريبة منها كانت شمال الجامع
الأموي ويغلب على الظن أنها هي التي تسمى الآن العقيبة،
قال ياقوت: وهو في الأصل اسم قبيلة من اليمن سميت القرية
باسمهم لسكناهم بها فيما أحسب، والأوزاع بطن من ذي الكلاع
من حمير، وقيل: بطن من همدان.
(5/92)
قَالَ: (إِنَّ جِبْرِيْلَ -عَلَيْهِ
السَّلاَمُ- أَتَانِي، فَقَالَ: إِنَّ فِيْهِمَا دَمَ
حَيْضَةٍ).
إِسْنَادُهُ: وَاهٍ؛ لِضَعْفِ صَالِحٍ (1) وَشَيْخِهِ.
32 - أَبُو الحُبَابِ سَعِيْدُ بنُ يَسَارٍ المَدَنِيُّ *
(ع)
مَوْلَى أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ مَيْمُوْنَةَ.
وَقِيْلَ: بَلْ مَوْلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بنِ خَالِدٍ
الجُهَنِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ
عُمَرَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ أُخْتِهِ؛ مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي
مُزَرِّدٍ، وَسَعِيْدُ المَقْبُرِيُّ، وَأَبُو طُوَالَةَ
__________
(1) قال الدارقطني: متروك، وشيخه فرات بن السائب قال
البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال
الدارقطني وغيره: متروك، فالخبر باطل، والصحيح أن قوله
تعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد) نزلت ردا على المشركين
فيما كانوا يعتمدونه من الطواف بالبيت عراة كما رواه مسلم
(3028) وابن جرير 8 / 160 واللفظ له من طريق شعبة، عن سلمة
بن كهيل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس
قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء الرجل
بالنهار، والنساء بالليل، وكانت المرأة تقول: اليوم يبدو
بعضه أوكله * وما بدا منه فلا أحله فقال الله: (خذوا
زينتكم عند كل مسجد) وقال العوفي عن ابن عباس في الآية:
كان رجال يطوفون بالبيت عراة، فأمرهم الله بالزينة،
والزينة: اللباس وهو ما يواري السوأة، وما سوى ذلك من جيد
البز والمتاع، فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد، وهكذا
قال مجاهد وعطاء وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، وقتادة
والسدي والضحاك ومالك عن الزهري وغير واحد من أئمة السلف
في تفسيرها أنها نزلت في طواف المشركين بالبيت عراة.
ونقل ابن حزم الاتفاق على أنها في ستر العورة وقال الامام
النووي: وكان أهل الجاهلية يطوفون عراة ويرمون ثيابهم
ويتركونها ملقاة على الأرض، ولا يأخذونها أبدا، ويتركونها
تداس بالارجل حتى تبلى، ويسمى: اللقاء، حتى جاء الإسلام،
فأمر الله بستر العورة، فقال تعالى: (خذوا زينتكم عند كل
مسجد) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يطوف بالبيت
عريان ".
(*) طبقات ابن سعد 5 / 284، تاريخ البخاري 3 / 520، الجرح
والتعديل 4 / 72، تهذيب الكمال: 512، تذهيب التهذيب 3 / 31
/ 2، تاريخ الإسلام 4 / 253، البداية 9 / 314، تهذيب
التهذيب 4 / 102، خلاصة تذهيب الكمال: 144، شذرات الذهب 1
/ 153.
(5/93)
عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَابْنُ عَجْلاَنَ، وَمُحَمَّدُ
بنُ إِسْحَاقَ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ الأَثْبَاتِ.
تُوُفِيَّ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ،
بِالمَدِيْنَةِ.
33 - أَبُو المَلِيْحِ بنُ أُسَامَةَ بنِ عُمَيْرٍ
الهُذَلِيُّ * (ع)
ابْنِ عَامِرِ بنِ أُقَيْشِرٍ الهُذَلِيُّ، الكُوْفِيُّ،
ثُمَّ البَصْرِيُّ، أَحَدُ الأَثْبَاتِ.
قِيْلَ: اسْمُهُ عَامِرٌ.
وَقِيْلَ: زَيْدٌ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ.
وَعَنْ: عَائِشَةَ، وَعَوْفِ بنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ،
وَبُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْبِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو
بنِ العَاصِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: قَتَادَةُ، وَأَيُّوْبُ، وَأَبُو بِشْرٍ
جَعْفَرُ بنُ إِيَاسٍ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَحَجَّاجُ
بنُ أَرْطَاةَ، وَأَبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مُتَوَلِيّاً عَلَى الأُبُلَّةِ (1) .
أَرَخَّ وَفَاتَهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ،
وَابْنُ سَعْدٍ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 219، طبقات خليفة: 207، التاريخ
الكبير 6 / 449، التاريخ الصغير 1 / 237، تاريخ الفسوي 2 /
151 و3 / 72، الجرح والتعديل 6 / 319، تهذيب الكمال: 1656،
تذهيب التهذيب، تاريخ الإسلام 5 / 25، تهذيب التهذيب 12 /
246، خلاصة تذهيب الكمال: 460.
(1) الابلة: بضم الهمزة والباء واللام المشددة: مدينة
بالعراق، بينها وبين البصرة أربعة فراسخ، ونهرها الذي في
شمالها وجانبها الآخر على غربي دجلة، كان خالد بن صفوان
يقول: ما رأيت أرضا مثل الابلة مسافة ولا أغذى نطفة، ولا
أوطأ مطية، ولا أربح لتاجر، ولا أخفى لعائذ.
وقال الاصمعي: جنان الدنيا ثلاث: غوطة دمشق، ونهر بلخ،
ونهر الابلة.
(5/94)
34 - نَافِعٌ أَبُو عَبْدِ اللهِ
القُرَشِيُّ ثُمَّ العَدَوِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، المُفْتِي، الثَّبْتُ، عَالِمُ المَدِيْنَةِ،
أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ، ثُمَّ العَدَوِيُّ،
العُمَرِيُّ، مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَرَاوِيَتُهُ.
رَوَى عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي
هُرَيْرَةَ، وَرَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ
الخُدْرِيِّ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأَبِي لُبَابَةَ بنِ
عَبْدِ المُنْذِرِ، وَصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ؛
زَوْجَةِ مَوْلاَهُ، وَسَالِمٍ وَعَبْدِ اللهِ وَعُبَيْدِ
اللهِ وَزَيْدٍ؛ أَوْلاَدِ مَوْلاَهُ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ،
وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَأَخُوْهُ؛ عَبْدُ اللهِ،
وَزَيْدُ بنُ وَاقِدٍ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ،
وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَعُقَيْلٌ،
وَبُكَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَشَجِّ، وَابْنُ
عَوْنٍ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ،
وَيُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ، وَيُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ،
وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ، وَابْنُ عَمِّهِ؛
أَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى، وَرَقَبَةُ بنُ مَصْقَلَةَ،
وَحَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَحَفْصُ بنُ عِنَانٍ
اليَمَامِيُّ، وَخَالِدُ بنُ زِيَادٍ التِّرْمِذِيُّ -
مُتَأَخِّرٌ - وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي
هِنْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ الطَّوِيْلُ،
وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي
رَوَّادٍ (1) ، وَعُمَرُ وَأَبُو بَكْرٍ؛ وَلَدَا نَافِعٍ،
وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنُ
أَبِي لَيْلَى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَجْلاَنَ،
وَالزُّبَيْدِيُّ، وَشُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَأَبُو
مَعْشَرٍ نَجِيْحٌ، وَهِشَامُ بنُ الغَازِ، وَهَمَّامُ بنُ
يَحْيَى، وَهِشَامُ بنُ سَعْدٍ، وَحُمَيْدُ بنُ زِيَادٍ،
وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ،
وَالضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ،
__________
(*) تاريخ خليفة: 206، التاريخ الكبير 8 / 84، التاريخ
الصغير 2 / 59، المعارف: 460، تاريخ الفسوي 1 / 645، 647،
الجرح والتعديل 8 / 451، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 123،
وفيات الأعيان 5 / 367، تهذيب الكمال: 1404، تذهيب التهذيب
4 / 91 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 10، تذكرة الحفاظ 1 / 99،
العبر 1 / 147، مرآة الجنان 1 / 251، البداية 9 / 319،
تهذيب التهذيب 10 / 412، طبقات الحفاظ: 40، خلاصة تذهيب
الكمال: 400، شذرات الذهب 1 / 154.
(1) في الأصل: داود وهو تصحيف.
(5/95)
وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَعَاصِمٌ،
وَوَاقِدٌ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؛ بَنُو مُحَمَّدِ بنِ
زَيْدٍ العُمَرِيِّ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ،
وَجُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ، وَفُلَيْحُ بنُ
سُلَيْمَانَ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَنَافِعُ بنُ أَبِي
نُعَيْمٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيدِ اللهِ الكُتُبِيُّ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ هِشَامٍ البَزَّارُ سَنَةَ سِتٍّ
وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا القَطَّافُ بنُ
خَالِدٍ المَخْزُوْمِيُّ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ:
أَنَّهُ أَقْبَلَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ مِنْ مَكَّةَ، حَتَّى
إِذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيْقِ، لَقِيَهُ خَبَرٌ مِنِ
امْرَأَتِهِ أَنَّهَا بِالمَوْتِ، وَكَانَ إِذَا نُوْدِيَ
لِلْمَغْرِبِ، نَزَلَ مَكَانَهُ، فَصَلَّى.
فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ العَشِيَّةُ، نُوْدِيَ
بِالمَغْرِبِ، فَسَارَ حَتَّى أَمْسَى، وَظَنَنَّا أَنَّهُ
نَسِيَ، فَقُلْنَا: الصَّلاَةَ!
فَسَارَ، حَتَّى إِذَا كَادَ الشَّفَقُ يَغِيْبُ، نَزَلَ،
فَصَلَّى المَغْرِبَ، وَغَابَ الشَّفَقُ، فَصَلَّى
العَتَمَةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ:
هَكَذَا كُنَّا نَصْنَعُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ.
أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ
العَطَّافِ (1) ، فَوَقَعَ بَدَلاً عَالِياً.
قَالَ النَّسَائِيُّ:
أَوَّلُ طَبَقَةٍ مِنْ أَصْحَابِ نَافِعٍ: أَيُّوْبُ،
وَعُبَيْدُ اللهِ، وَمَالِكٌ.
الطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ: صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَابْنُ
عَوْنٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ.
الثَّالِثَةُ: مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ
أُمَيَّةَ، وَأَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى.
الرَّابِعَةُ: يُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ، وَجُوَيْرِيَةُ بنُ
أَسْمَاءَ، وَاللَّيْثُ.
الخَامِسَةُ: ابْنُ عَجْلاَنَ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ،
وَالضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ.
السَّادِسَةُ: سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى، وَبُرْدُ بنُ
سِنَانٍ، وَابْنُ أَبِي رَوَّادٍ.
__________
(1) أخرجه النسائي 1 / 288 في المواقيت: باب الوقت الذي
يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء، وسنده حسن.
وقوله: إذا جد به السير، أي: إذا اهتم به، وأسرع فيه،
يقال: جد يجد بالضم والكسر، وجد به الامر، وأجد به، وجد
فيه: إذا اجتهد.
(5/96)
السَّابِعَةُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ
السَّرَّاجُ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ الأَخْنَسِ.
الثَّامِنَةُ: ابْنُ إِسْحَاقَ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ،
وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَصَخْرُ بنُ جُوَيْرِيَةَ،
وَهَمَّامُ بنُ يَحْيَى، وَهِشَامُ بنُ سَعْدٍ.
التَّاسِعَةُ: لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَحَجَّاجُ بنُ
أَرْطَاةَ، وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
عُمَرَ.
العَاشِرَةُ: إِسْحَاقُ بنُ أَبِي فَرْوَةَ، وَأَبُو
مَعْشَرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ، وَعُثْمَانُ
البُرِّيُّ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ البُخَارِيُّ: أَصَحُّ الأَسَانِيْدِ: مَالِكٌ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ (1) .
قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: بَعَثَ عُمَرُ بنُ
عَبْدِ العَزِيْزِ نَافِعاً مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ إِلَى
أَهْلِ مِصْرَ يُعَلِّمُهُمُ السُّنَنَ.
الأَصْمَعِيُّ: حَدَّثَنَا العُمَرِيُّ، عَنْ نَافِعٍ،
قَالَ:
دَخَلْتُ مَعَ مَوْلاَيَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ،
فَأَعْطَاهُ فِيَّ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، فَأَبَى،
وَأَعْتَقَنِي - أَعْتَقَهُ اللهُ -.
وَرَوَى: زَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ نَافِعٍ،
قَالَ: سَافَرْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِضْعاً وَثَلاَثِيْنَ
حَجَّةً وَعُمْرَةً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِذَا اخْتَلَفَ سَالِمٌ
وَنَافِعٌ، مَا أُقْدِمُ عَلَيْهِمَا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ:
كُنْتُ آتِي نَافِعاً، وَأَنَا حَدَثُ السِّنِّ، وَمَعِيَ
غُلاَمٌ لِي، فَيَقْعُدُ، وَيُحَدِّثُنِي، وَكَانَ
صَغِيْرَ النَّفْسِ، وَكَانَ فِي حَيَاةِ سَالِمٍ لاَ
يُفْتِي شَيْئاً.
__________
(1) إطلاق الاصحية على بعض الأسانيد يتفاوت بين حافظ وآخر.
فقد قال أحمد وإسحاق: أصحها الزهري، عن سالم، عن أبيه.
وقال ابن المديني وعمرو بن علي الفلاس: أصحها محمد بن
سيرين، عن عبيدة، عن علي.
وقال يحيى بن معين: أصحها الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة،
عن ابن مسعود.
وقال البخاري: أصحها مالك، عن نافع، عن ابن عمر.
(5/97)
مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَنْ مَالِكٍ،
قَالَ: كَانَ فِي نَافِعٍ حِدَّةٌ، ثُمَّ حَكَى مَالِكٌ:
أَنَّهُ كَانَ يُلاَطِفُهُ وَيُدَارِيْهِ.
وَيُقَالُ: كَانَ فِي نَافِعٍ لُكْنَةٌ وَعُجْمَةٌ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ: كُنَّا نَرُدُّ عَلَى
نَافِعٍ اللَّحْنَ، فَيَأْبَى.
وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ، عَنْ
جَمَاعَةٍ، قَالُوا:
كَانَ كِتَابُ نَافِعٍ الَّذِي سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ عُمَرَ
صَحِيْفَةً، فَكُنَّا نَقْرَؤُهَا.
قَالَ يُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ: قَالَ نَافِعٌ:
مَنْ يَعْذِرُنِي (1) مِنْ زُهْرِيِّكُم، يَأْتِيْنِي
فَأُحَدِّثُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ يَذْهَبُ إِلَى
سَالِمٍ، فَيَقُوْلُ: هَلْ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ أَبِيْكَ؟
فَيَقُوْلُ: نَعَمْ، فَيُحَدِّثُ بِهِ عَنْ سَالِمٍ،
وَيَدَعُنِي، وَالسِّيَاقُ مِنْ عِنْدِي.
ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ:
كُنْتُ آتِي نَافِعاً، وَأَنَا غُلاَمٌ حَدِيْثُ السِّنِّ،
فَيَنْزِلُ، وَيُحَدِّثُنِي، وَكَانَ يَجْلِسُ بَعْدَ
الصُّبْحِ فِي المَسْجِدِ، لاَ يَكَادُ يَأْتِيْهِ أَحَدٌ،
فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، خَرَجَ، وَكَانَ يَلْبَسُ
كِسَاءً، وَرُبَّمَا وَضَعَهُ عَلَى فَمِهِ لاَ يُكَلِّمُ
أَحَداً، وَكُنْتُ أَرَاهُ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ
يَلْتَفُّ بِكِسَاءٍ لَهُ أَسْوَدَ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
كُنَّا نَخْتَلِفُ إِلَى نَافِعٍ، وَكَانَ سَيِّئَ
الخُلُقِ، فَقُلْتُ: مَا أَصْنَعُ بِهَذَا العَبْدِ؟
فَتَرَكْتُهُ، وَلَزِمَهُ غَيْرِي، فَانْتَفَعَ بِهِ.
مَعْمَرٌ: كَانَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ يُحَدِّثُنَا
عَنْ نَافِعٍ، وَنَافِعٌ حَيٌّ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا قَالَ نَافِعٌ شَيْئاً، فَاخْتِمْ
عَلَيْهِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: نَافِعٌ: ثِقَةٌ،
نَبِيْلٌ.
وَرَوَى أَيُّوْبُ: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ
وَلَّى نَافِعاً صَدَقَاتِ اليَمَنِ.
__________
(1) أي: من يقوم بعذري إن كافأته على سوء صنيعه فلا
يلومني، والزهري: هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد
الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة القرشي الفقيه
الحافظ انعقدت الخناصر على جلالته وإتقانه.
(5/98)
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عُمَرَ، حَدَّثَنِي نَافِعُ بنُ أَبِي نُعَيْمٍ،
وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُقْبَةَ، وَابْنُ
أَبِي فَرْوَةَ، قَالُوا:
كَانَ كِتَابُ نَافِعٍ الَّذِي سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ عُمَرَ
فِي صَحِيْفَةٍ، فَكُنَّا نَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ،
فَيَقُوْلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَتَقُوْلُ:
حَدَّثَنَا نَافِعٌ؟
فَيَقُوْلُ: نَعَمْ.
الأَصْمَعِيُّ: عَنْ نَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ
نَافِعٍ: أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: قَدْ كَتَبُوا عِلْمَكَ.
قَالَ: كَتَبُوا؟!
قِيْلَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَلْيَأْتُوا بِهِ حَتَّى أُقَوِّمَهُ.
عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي
رَوَّادٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ نَافِعٍ:
أَنَّهُ لَمَّا احْتُضِرَ، بَكَى، فَقِيْلَ: مَا
يُبْكِيْكَ؟
قَالَ: ذَكَرْتُ سَعْداً (1) ، وَضَغْطَةَ القَبْرِ.
قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ
نَافِعٌ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَشَذَّ: الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو عُمَرَ
الضَّرِيْرُ، فَقَالاَ: مَاتَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ: كُنَّا نَرُدُّ
نَافِعاً عَنِ اللَّحْنِ، فَيَأْبَى، وَيَقُوْلُ: لاَ،
إِلاَّ الَّذِي سَمِعْتُهُ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَحْتَدِ نَافِعٍ عَلَى أَقْوَالٍ:
فَقِيْلَ: هُوَ بَرْبَرِيٌّ.
وَقِيْلَ: نَيْسَابُوْرِيٌّ.
وَقِيْلَ: دَيْلَمِيٌّ.
وَقِيْلَ: طَالَقَانِيٌّ.
وَقِيْلَ: كَابُلِيٌّ.
وَالأَرْجَحُ أَنَّهُ فَارِسِيُّ المَحْتَدِ فِي
الجُمْلَةِ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: أَثْبَتُ أَصْحَابِ نَافِعٍ:
مَالِكٌ، ثُمَّ أَيُّوْبُ، ثُمَّ عُبَيْدُ اللهِ، ثُمَّ
يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، ثُمَّ ابْنُ عَوْنٍ، ثُمَّ صَالِحُ
بنُ كَيْسَانَ، ثُمَّ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، ثُمَّ ابْنُ
__________
(1) هو سعد بن معاذ بن النعمان الأنصاري الاشهلي سيد
الاوس، شهد بدرا وأحدا والخندق ورمي يوم الخندق بسهم فعاش
شهرا، ثم انتقض جرحه فمات منه.
وهو الذي حكم في يهود قريظة أن تقتل رجالهم، وتقسم
أموالهم، وتسبى ذراريهم ورضي بحكمه رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقال: لقد قضيت بحكم الله، كما في " الصحيح "
وحديث ضغطة القبر صحيح أخرجه أحمد 6 / 55 و98 من حديث
عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "
إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجيا منها، نجا سعد بن معاذ "
وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " من حديث ابن عمر.
(5/99)
جُرَيْجٍ، ثُمَّ كَثِيْرُ بنُ فَرْقَدٍ،
ثُمَّ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ سَالِمٌ وَنَافِعٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ
فِي ثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ، وَسَالِمٌ أَجَلُّ مِنْهُ،
لَكِنَّ أَحَادِيْثَ نَافِعٍ الثَّلاَثَةَ أَوْلَى
بِالصَّوَابِ.
وَبَلَغَنَا: أَنَّهُم تَذَاكَرُوا حَدِيْثَ إِتْيَانِ
الدُّبُرِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ نَافِعٌ عَنْ مَوْلاَهُ،
فَقَالَ مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: إِنَّمَا قَالَ هَذَا
نَافِعٌ بَعْد مَا كَبِرَ وَذَهَبَ عَقْلُهُ.
وَرُوِيَ: أَنَّ سَالِماً قَالُوا لَهُ: هَذَا عَنْ
نَافِعٍ، فَقَالَ: كَذَبَ العَبْدُ - أَوْ أَخْطَأَ
العَبْدُ - إِنَّمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُوْلُ:
يَأْتِيْهَا مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً فِي الفَرْجِ.
وَعَنْ أَبِي إِبْرَاهِيْمَ المُنْذِرِ الحِزَامِيِّ،
قَالَ:
مَا سَمِعْتُ مِنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ رَفَثاً قَطُّ
إِلاَّ يَوْماً وَاحِداً، أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا
أَبَا المُنْذِرِ! نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يُفَضِّلُ
أَبَاكَ عُرْوَةَ عَلَى أَخِيْهِ عَبْدِ اللهِ بنِ
الزُّبَيْرِ.
فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ، وَمَا يَدْرِي نَافِعٌ
عَاضَّ بَظْرِ أُمِّهِ! عَبْدُ اللهِ خَيْرٌ - وَالله -
وَأَفَضْلُ مِنْ عُرْوَةَ.
قُلْتُ: وَقَدْ جَاءتْ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْهُ
بِتَحْرِيْمِ أَدْبَارِ النِّسَاءِ، وَمَا جَاءَ عَنْهُ
بِالرُّخْصَةِ، فَلَوْ صَحَّ، لَمَا كَانَ صَرِيْحاً، بَلْ
يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِدُبُرِهَا: مِنْ وَرَائِهَا
فِي القُبُلِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا المَسْأَلَةَ فِي
مُصَنَّفٍ مُفِيْدٍ، لاَ يُطَالِعُهُ عَالِمٌ إِلاَّ
وَيَقْطَعُ بِتَحْرِيْمِ ذَلِكَ (1) .
__________
(1) اتفق أهل العلم على أنه يجوز للرجل إتيان زوجته في
قبلها من جانب دبرها، وعلى أي صفة يشاء، وفيه نزلت الآية،
قال ابن عباس (فأتوا حرثكم أنى شئتم) قال: ائتها من بين
يديها، ومن خلفها بعد أن يكون في المأتى.
أخرجه الدارمي 1 / 258 من طريق عطاء بن السائب، عن سعيد بن
جبير، عن ابن عباس، وأخرجه الطبري (4310) من طريق عطاء، عن
سعيد عن ابن عباس بلفظ: ائتها أنى شئت مقبلة ومدبرة ما لم
تأتها في الدبر والمحيض، وقال عكرمة: (فأتوا حرثكم أنى
شئتم) : إنما هو الفرج.
وأما الاتيان في الدبر، فحرام، فمن فعله جاهلا بتحريمه،
نهي عنه، فإن عاد، عزر، فقد أخرج الشافعي 2 / 360، وأحمد 2
/ 213، والطحاوي 2 / 25، من حديث خزيمة بن ثابت أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله لا يستحي من الحق لا
تأتوا النساء في أدبارهن " وسنده صحيح، وصححه ابن حبان
(1299) وابن الملقن في " خلاصة البدر المنير " ووصفه
الحافظ في " الفتح " 8 / 43 بأنه من الأحاديث =
(5/100)
قَدْ ذَكَرْنَا: أَنَّ الأَصَحَّ وَفَاةُ
نَافِعٍ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ:
سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَقَوْلُ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ: كَبِرَ وَذَهَبَ
عَقْلُهُ، قَوْلٌ شَاذٌّ، بَلْ اتَّفَقَتِ الأُمَّةُ عَلَى
أَنَّهُ حُجَّةٌ مُطْلَقاً.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: مَدَنِيٌّ، ثِقَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: ثِقَةٌ، نَبِيْلٌ.
35 - عُلَيُّ بنُ رَبَاحِ بنِ قَصِيْرٍ اللَّخْمِيُّ * (م،
4)
ابْنِ قَشِيْبِ بنِ يَيْنَعَ اللَّخْمِيُّ، الإِمَامُ،
الثِّقَةُ، أَبُو مُوْسَى اللَّخْمِيُّ، المِصْرِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: عَمْرِو بنِ العَاصِ، وَعُقْبَةَ بنِ
عَامِرٍ، وَأَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي
هُرَيْرَةَ، وَفَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ
عَمْرٍو، وَطَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَعُمِّرَ دَهْراً طَوِيْلاً.
__________
= الصالحة الإسناد.
وأخرج أحمد 2 / 444 و479، وأبو داود (2162) وابن ماجه
(1923) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " ملعون من أتى امرأة في دبرها " صححه البوصيري
في " الزوائد " وله شاهد من حديث عقبة بن عامر عند ابن عدي
في " الكامل " 211 / 1 بسند حسن فيصح به.
وأخرج الترمذي (1165) من حديث ابن عباس مرفوعا " لا ينظر
الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر " وسنده حسن
وصححه ابن حبان (1302) وقال أبو الدرداء حين سئل عن الرجل
يأتي المرأة في دبرها ؟.
وهل يفعل ذلك إلا كافر.
أخرجه عنه أحمد (6968) بسند صحيح وهو في الطبري (4332)
وسنن البيهقي 7 / 199.
وذكر لابن عمر ذلك، فقال: وهل يفعله أحد من المسلمين ؟ !
أخرجه الطبري (4329) والطحاوي 2 / 23، وإسناده صحيح.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 512، طبقات خليفة: 293، التاريخ
الكبير 6 / 274، تاريخ الفسوي 2 / 490، الجرح والتعديل 6 /
186، تاريخ علماء الأندلس: 310، رياض النفوس 1 / 77، تهذيب
الكمال: 969، تذهيب التهذيب 3 / 61 / 1، تاريخ الإسلام 4 /
282، العبر 1 / 142، تهذيب التهذيب 7 / 318، خلاصة تذهيب
الكمال: 273، نفح الطيب 3 / 8، شذرات الذهب 1 / 149.
(5/101)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُوْسَى بنُ
عُلَيٍّ - فَأَكْثَرَ - وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ،
وَحُمَيْدُ بنُ هَانِئ، وَمَعْرُوْفُ بنُ سُوَيْدٍ،
وَعِدَّةٌ.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ التَّابِعِيْنَ، وَلَهُ
وِفَادَةٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ.
وَقَدْ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ مُؤَدِّبِي، فَسَمِعْتُهُ
يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا لَكَ؟!
قَالَ: قُتِلَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عُثْمَانُ،
وَكُنْتُ بِالشَّامِ.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: قِيْلَ: إِنَّهُ وُلِدَ عَامَ
اليَرْمُوْكِ.
قَالَ: وَذَهَبَتْ عَيْنُهُ يَوْم غَزْوَةِ ذَاتِ
الصَّوَارِي فِي البَحْرِ مَعَ الأَمِيْرِ عَبْدِ اللهِ
بنِ سَعْدِ بنِ أَبِي سَرْحٍ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ
وَثَلاَثِيْنَ (1) .
وَكَانَتْ لَهُ مَنْزِلَةٌ مِنَ الأَمِيْرِ عَبْدِ
العَزِيْزِ بنِ مَرْوَانَ، وَهُوَ الَّذِي زَفَّ بِنْتَهُ
أُمَّ البَنِيْنَ إِلَى الشَّامِ حَتَّى عَمِلَ عُرْسَهَا
عَلَى الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ
العَزِيْزِ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ، فَأَغْزَاهُ إِلَى
إِفْرِيْقِيَةَ، فَلَمْ يَزَلْ مُرَابِطاً بِهَا إِلَى
أَنْ مَاتَ.
سُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: مَا
عَلِمْتُ إِلاَّ خَيْراً.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ: كَانَتْ بَنُو
(2) أُمَيَّةَ إِذَا سَمِعُوا بِمَوْلُوْدٍ اسْمُهُ
عَلِيٌّ، قَتَلُوْهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَبَاحاً، فَغَيَّرَ
اسْمَ ابْنِهِ.
قِيْلَ: تُوُفِّيَ عُلَيٌّ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ
وَمائَةٍ.
وَقَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ العَدَّاسُ: تُوُفِّيَ
سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَعَلَى أَنْ يَكُوْنَ وُلِدَ عَامَ اليَرْمُوْكِ، فَقَدْ
تَعَدَّى المائَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَقِيْلَ: إِنَّ حَدِيْثَهُ مِنْ خَمْسِ مائَةِ حَدِيْثٍ
إِلَى سِتِّ مائَةٍ.
36 - المُسَيَّبُ بنُ رَافِعٍ أَبُو العَلاَءِ الأَسَدِيُّ
* (ع)
الفَقِيْهُ الكَبِيْرُ، أَبُو العَلاَءِ الأَسَدِيُّ،
الكَاهِلِيُّ، كُوْفِيٌّ، ثَبْتٌ.
__________
(1) قال المؤلف في " العبر " 1 / 34: وفي سنة أربع وثلاثين
كانت غزوة ذات الصواري في البحر من ناحية اسكندرية،
وأميرها ابن أبي سرح، وأما الطبري 4 / 288، وابن الأثير 3
/ 117، وابن كثير 7 / 157، فقد قالوا: إنها كانت في سنة
إحدى وثلاثين.
(2) في الأصل: أبو وهو تحريف.
(*) طبقات ابن سعد 6 / 293، طبقات خليفة: 155، تاريخ
خليفة: 336، التاريخ الكبير =
(5/102)
حَدَّثَ عَنْ: جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ،
وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَالبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ،
وَطَائِفَةٍ.
وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ العَلاَءُ، وَالأَعْمَشُ،
وَمَنْصُوْرٌ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ صَحَابِيٍّ
إِلاَّ مِنَ البَرَاءِ، وَعَامِرِ بنِ عَبَدَةَ (1) .
وَقِيْلَ: إِنَّ عُمَرَ بنَ هُبَيْرَةَ الأَمِيْرَ أَرَادَ
أَنْ يُوَلِّيَ المُسَيَّبَ القَضَاءَ، فَقَالَ: مَا
يَسُرُّنِي، وَإِنَّ سَوَارِي مَسْجِدِكُم لِي ذَهَباً.
قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ.
37 - عَوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ الهُذَلِيُّ *
(م، 4)
ابْنِ مَسْعُوْدٍ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ،
أَبُو عَبْدِ اللهِ الهُذَلِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَخُو
فَقِيْهِ المَدِيْنَةِ عُبَيْدِ اللهِ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَخِيْهِ، وَابْنِ المُسَيِّبِ،
وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو،
وَطَائِفَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، لَكِن
قِيْلَ: رِوَايَتُهُ عَنْهُمَا
__________
= 7 / 407، 408، الجرح والتعديل 8 / 293، تهذيب الكمال:
1329، تذهيب التهذيب 4 / 41 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 203،
تهذيب التهذيب 10 / 153، خلاصة تذهيب الكمال: 377، شذرات
الذهب 1 / 131.
(1) عامر بن عبدة ليس بصحابي، بل هو تابعي كما نص عليه غير
واحد من الأئمة، وقد اضطرب ابن عبد البر، فذكره في
التابعين، ثم غفل، فذكره في الصحابة، وقال: روى عن النبي
صلى الله وعليه وسلم، فذكر حديثا هو في مقدمة صحيح مسلم 1
/ 12 من طريق عامر بن عبدة قال: قال عبد الله بن مسعود: إن
الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث
من الكذب، فيتفرقون، فيقول الرجل منهم: سمعت رجلا أعرف
وجهه، ولا أدري ما اسمه يحدث.
وراجع " الإصابة " ت (6555).
(*) طبقات ابن سعد 6 / 313، تاريخ البخاري 7 / 13، التاريخ
الصغير 1 / 273، الجرح والتعديل 6 / 384، حلية الأولياء 4
/ 240، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 41، تهذيب الكمال: 1067،
تذهيب التهذيب 3 / 20 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 287، تهذيب
التهذيب 8 / 171، خلاصة تذهيب الكمال: 298، شذرات الذهب 1
/ 140.
(5/103)
مُرْسَلَةٌ.
وَأَرْسَل أَيْضاً عَنْ: عَمِّ أَبِيْهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ
مَسْعُوْدٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ يَزِيْدَ الهُذَلِيُّ،
وَحَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَمَالِكُ بنُ
مِغْوَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَجْلاَنَ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ،
وَمِسْعَرٌ، وَصَالِحُ بنُ صَالِحِ بنِ حَيٍّ،
وَالمَسْعُوْدِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: صَلَّى عَوْنٌ خَلْفَ
أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ الخِلاَفَةَ، جَاءهُ رَاحِلاً إِلَيْهِ عَوْنُ
بنُ عَبْدِ اللهِ، وَمُوْسَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، وَعُمَرُ
بنُ ذَرٍّ، فَكَلَّمُوْهُ فِي الإِرْجَاءِ، وَنَاظَرُوْهُ،
فَزَعُمُوا أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْهُم فِي شَيْءٍ مِنْهُ.
قَالَ: وَكَانَ عَوْنٌ ثِقَةً يُرْسِلُ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: عَوْنٌ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: كَانَ مِنْ آدَبِ أَهْلِ
المَدِيْنَةِ، وَأَفْقَهِهِم، كَانَ مُرْجِئاً، ثُمَّ
تَرَكَهُ.
وَقِيْلَ: خَرَجَ مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ، وَفَرَّ،
فَأَمَّنَهُ مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ بِالجَزِيْرَةِ،
وَتَعَلَّمَ مِنْهُ وَلَدُهُ مَرْوَانُ.
فَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَ ابْنَ
أَخِيْكَ؟
قَالَ: أَلْزَمْتَنِي أَيُّهَا الأَمِيْرُ رَجُلاً إِنْ
قَعَدْتُ عَنْهُ، عَتِبَ، وَإِنْ جِئْتُهُ، حُجِبَ، وَإِنْ
عَاتَبْتُهُ، صَخِبَ، وَإِنْ صَاخَبْتُهُ، غَضِبَ.
فَتَرَكَهُ، وَلَزِمَ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ،
فَكَانَتْ لَهُ مِنْهُ مَكَانَةٌ، وَقَدْ كَانَ طَالَ
مُقَامُ جَرِيْرٍ بِبَابِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ،
فَكَتَبَ إِلَى عَوْنٍ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ:
يَا أَيُّهَا القَارِئُ المُرْخِي عِمَامَتَهُ ... هَذَا
زَمَانُكَ إِنِّي قَدْ مَضَى زَمَنِي
أَبْلِغْ خَلِيْفَتَنَا إِنْ كُنْتَ لاَقِيَهُ ... أَنِّي
لَدَى البَابِ كَالمَصْفُوْدِ فِي قَرَنِ (1)
رَوَى: جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ، عَنْ مُغِيْرَةَ،
قَالَ:
كَانَ عَوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ
__________
(1) ديوانه 2 / 738.
(5/104)
يَقُصُّ، فَإِذَا فَرَغَ، أَمَرَ جَارِيَةً
لَهُ أَنْ تَعِظَ وَتُطَرِّبَ (1) ، فَأَرَدْتُ أَنْ
أُرْسِلَ إِلَيْهِ:
إِنَّكَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ صِدْقٍ، وَإِنَّ اللهَ لَمْ
يَبْعَثْ نَبِيَّهُ بِالحُمْقِ، وَصَنِيْعُكَ هَذَا
حُمْقٌ.
زَيْدُ بنُ عَوْفٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ زَرْبَى، عَنْ
ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، قَالَ:
كَانَ لِعَوْنٍ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا: بُشْرَةُ،
تَقْرَأُ بِأَلْحَانٍ، فَقَالَ لَهَا يَوْماً: اقْرَئِي
عَلَى إِخْوَانِي.
فَكَانَتْ تَقْرَأُ بِصَوْتٍ وَجِيْعٍ حَزِيْنٍ،
فَرَأَيْتُهُم يُلْقُوْنَ العَمَائِمَ، وَيَبْكُوْنَ.
فَقَالَ لَهَا يَوْماً: يَا بُشْرَةُ، قَدْ أُعْطِيْتُ
بِكِ أَلْفَ دِيْنَارٍ لِحُسْنِ صَوْتِكِ، اذْهَبِي،
فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللهِ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
38 - عَوْنُ بنُ أَبِي جُحَيْفَةَ وَهْبٍ السُّوَائِيُّ *
(ع)
ابْنِ عَبْدِ اللهِ السُّوَائِيُّ، الكُوْفِيُّ.
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَالمُنْذِرِ بنِ جَرِيْرِ بنِ
عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سُمَيْرٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَحَجَّاجُ بنُ
أَرْطَاةَ، وَعُمَرُ بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَشُعْبَةُ،
وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
مَاتَ: قَبْلَ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
39 - مُحَمَّدُ بنُ زَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ
أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ** (ع)
أَبُو عَاصِمٍ العَدَوِيُّ،
__________
(1) التطريب في الصوت: مده وتحسينه، وطرب في قراءته: مد
ورجع، ويعني بوعظها أنها كانت تقرأ القرآن بصوت شجي، ولحن
عذب يبينه الخبر الآتي.
(*) طبقات ابن سعد 6 / 319، طبقات خليفة: 159، تاريخ
خليفة: 351، تاريخ البخاري 7 / 15، الجرح والتعديل 6 /
385، تهذيب الكمال: 1067، تذهيب التهذيب 3 / 120 / 2،
تاريخ الإسلام 4 / 288، تهذيب التهذيب 8 / 170، خلاصة
تذهيب الكمال: 298.
(* *)طبقات خليفة: 262، التاريخ الكبير 1 / 84، الجرح
والتعديل 7 / 256، تهذيب =
(5/105)
العُمَرِيُّ، المَدَنِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: جَدِّهِ؛ ابْنِ عُمَرَ، وَسَعِيْدِ بنِ
زَيْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ الخَمْسَةُ؛ عَاصِمٌ،
وَوَاقِدٌ، وَزَيْدٌ، وَعُمَرُ، وَأَبُو بَكْرٍ،
وَالأَعْمَشُ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ.
وَهُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ.
قِيْلَ: إِنَّهُ وَفَدَ عَلَى هِشَامِ بنِ عَبْدِ
المَلِكِ، فَتَبَاخَلَ عَلَيْهِ، وَمَا وَصَلَهُ بِشَيْءٍ.
40 - مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ القُرَشِيُّ *
(ع)
المَخْزُوْمِيُّ، المَكِّيُّ.
يَرْوِي عَنْ: جَدِّهِ لأُمِّهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ
السَّائِبِ المَخْزُوْمِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ
عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعِدَّةٍ.
وَهُوَ مِنَ العُلَمَاءِ الأَثْبَاتِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: زِيَادُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ،
وَالأَوْزَاعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
41 - مُوْسَى بنُ يَسَارٍ المَخْرَمِيُّ مَوْلاَهُم ** (م،
د، س، ق)
المَدَنِيُّ، عَمُّ صَاحِبِ (المَغَازِي).
سَمِعَ: أَبَا هُرَيْرَةَ.
__________
= الكمال: 1198، تذهيب التهذيب 3 / 205 / 1، تاريخ الإسلام
4 / 192، تهذيب التهذيب 9 / 172، خلاصة تذهيب الكمال: 337.
(*) طبقات ابن سعد 5 / 475، طبقات خليفة: 281، تاريخ
البخاري، 1 / 175، التاريخ الصغير 2 / 365، تاريخ الفسوي 1
/ 374، الجرح والتعديل 8 / 13، تهذيب الكمال 1198، تذهيب
التهذيب 3 / 216 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 199، العقد الثمين
2 / 40، 41، تهذيب التهذيب 9 / 243.
(* *) التاريخ الكبير 7 / 298، الجرح والتعديل 8 / 168،
تهذيب الكمال: 1396، تذهيب التهذيب 4 / 84 / 2، تاريخ
الإسلام 5 / 8، ميزان الاعتدال 4 / 226، العقد الثمين 7 /
310، تهذيب التهذيب 10 / 377، خلاصة تذهيب الكمال: 393.
(5/106)
وَعَنْهُ: ابْنُ أَخِيْهِ؛ مُحَمَّدُ بنُ
إِسْحَاقَ، وَدَاوُدُ بنُ قَيْسٍ الفَرَّاءُ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ الغَسِيْلِ (1) .
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
42 - عُبَادَةُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ عُبَادَةَ بنِ
الصَّامِتِ الأَنْصَارِيُّ * (خَ، م)
الفَقِيْهُ، أَبُو الصَّامِتِ الأَنْصَارِيُّ.
مَدَنِيٌّ، حُجَّةٌ، وَهُوَ أَخُو يَحْيَى.
يَرْوِي عَنْ: جَدِّهِ، وَأَبِي أَيُّوْبَ، وَعَائِشَةَ،
وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: أَبُو حَزْرَةَ يَعْقُوْبُ بنُ مُجَاهِدٍ،
وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ،
وَابْنُ إِسْحَاقَ.
وَثَّقَهُ: أَبُو زُرْعَةَ.
43 - مُوْسَى بنُ وَرْدَانَ العَامِرِيُّ مَوْلاَهُم **
(د، ت، ق)
الإِمَامُ، الوَاعِظُ، أَبُو عُمَرَ العَامِرِيُّ
مَوْلاَهُم، المِصْرِيُّ، القَاصُّ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ
__________
(1) هو عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة
الأنصاري المعروف بابن الغسيل، والغسيل لقب حنظلة جد أبيه،
وإنما قيل له ذلك، لأنه حين استشهد في غزوة أحد، قال النبي
صلى الله عليه وسلم: " إن صاحبكم تغسله الملائكة، فاسألوا
صاحبته "، فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهائعة، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " لذلك غسلته الملائكة " أخرجه
إبن إسحاق وغيره بسند صحيح، وصححه ابن حبان، والحاكم 3 /
204، ووافقه المؤلف في مختصره.
(*) تاريخ البخاري 6 / 94، الجرح والتعديل 6 / 95، تهذيب
الكمال: 655، تذهيب التهذيب 2 / 124 / 2، تاريخ الإسلام 4
/ 135، تهذيب التهذيب 5 / 114، خلاصة تذهيب الكمال: 188.
* * التاريخ الكبير 7 / 297، تاريخ الفسوي 2 / 492، الجرح
والتعديل 8 / 165، 166، المجروحين والضعفاء 2 / 239، تهذيب
الكمال: 1393، تذهيب التهذيب 4 / 84 / 2، تاريخ الإسلام 5
/ 7، ميزان الاعتدال 4 / 226، البداية 9 / 314، تهذيب
التهذيب 10 / 376، خلاصة تذهيب الكمال: 393، شذرات الذهب 1
/ 154.
(5/107)
بنِ سَعْدِ بنِ أَبِي سَرْحٍ.
رَوَى عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَعْبِ بنِ عُجْرَةَ،
وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَجَابِرٍ، وَأَنَسِ بنِ
مَالِكٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَغَيْرِهِم.
وَأَرْسَلَ عَنْ: أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَسَنُ بنُ ثَوْبَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ
أَبِي حُمَيْدٍ، وَعَيَّاشُ بنُ عَبَّاسٍ القِتْبَانِيُّ،
وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَطَائِفَةٌ،
آخِرُهُم: ضِمَامُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ.
وَكَانَ صَاحِبَ ثَرْوَةٍ وَتِجَارَةٍ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ضَعِيْفٌ.
وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: صَالِحٌ.
وَرَوَى: عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، عَنْهُ: لَيْسَ
بِالقَوِيِّ.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ
وَمائَةٍ.
44 - سَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ رَافِعٍ الأَشْجَعِيُّ *
(ع)
الغَطَفَانِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ، الفَقِيْهُ،
أَحَدُ الثِّقَاتِ.
رَوَى عَنْ: ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ، وَجَابِرٍ،
وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالنُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، وَعَبْدِ
اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ،
وَأَبِيْهِ؛ أَبِي الجَعْدِ رَافِعٍ، وَجَمَاعَةٍ.
ويَرْوِي عَنْ: عُمَرَ، وَعَنْ عَلِيٍّ، وَذَلِكَ
مُنْقَطِعٌ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي (سُنَنِ
النَّسَائِيِّ)، فَهُوَ صَاحِبُ تَدْلِيْسٍ (1) .
__________
(*) طبقات ابن سعد 6 / 291، طبقات خليفة: 156، التاريخ
الكبير 4 / 107، التاريخ الصغير 1 / 211، 212، الجرح
والتعديل 4 / 181، تهذيب الكمال: 460، تذهيب التهذيب 2 / 2
/ 1، تاريخ الإسلام 3 / 369، العبر 9 / 189، البداية 9 /
189، تهذيب التهذيب 3 / 432، خلاصة تذهيب الكمال: 131،
شذرات الذهب 1 / 118.
(1) أي: أنه يروي عمن لم يسمع منه موهما أنه سمع منه، كأن
يقول: عن فلان، أو قال =
(5/108)
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَكَمُ، وَقَتَادَةُ،
وَمَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ، وَحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، وَآخَرُوْنَ.
وكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ المَوَالِي، وَعُلَمَائِهِم.
مَاتَ: سَنَةَ مائَةٍ.
وَيُقَالُ: قَبْلَ المائَةِ.
وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَمائَةٍ.
وَحَدِيْثُهُ مُخَرَّجٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.
وَكَانَ طَلاَّبَةً لِلْعِلْمِ، كَانَ يَكْتُبُ.
قَالَ مَنْصُوْرٌ: كَانَ سَالِمٌ إِذَا حَدَّثَ، حَدَّثَ
فَأَكْثَر، وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ إِذَا حَدَّثَ، جَزَمَ
(1) ، فَقُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ، فَقَالَ: إِنَّ سَالِماً
كَانَ يَكْتُبُ.
قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ: عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ:
أَنَّ عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدَ، وَابْنَ نُضَيْلَةَ
رَخَّصُوا لِسَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ أَنْ يَبِيْعَ
وَلاَءَ مَوْلَىً لَهُ مِنْ عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ
بِعِشْرِيْنَ أَلْفاً (2) ، يَسْتعِيْنُ بِهَا عَلَى
عِبَادَتِهِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالُوا: تُوُفِّيَ فِي خِلاَفَةِ
عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: بَلْ مَاتَ فِي خِلاَفَةِ
سُلَيْمَانَ، وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ.
ثُمَّ قَالَ: وَقَالُوا: كَانَ لأَبِي الجَعْدِ سِتَّةُ
بَنِيْنَ: فَاثْنَانِ شِيْعِيَّانِ، وَاثْنَانِ
مُرْجِئَانِ، وَاثْنَانِ خَارِجِيَّانِ.
فَكَانَ أَبُوْهُم يَقُوْلُ: قَدْ خَالَفُ اللهُ
بَيْنَكُم.
قُلْتُ: وَهُمْ عُبَيْدٌ، وَعِمْرَانُ، وَزِيَادٌ،
وَمُسْلِمٌ، وَعَبْدُ اللهِ (3) .
__________
= فلان، أو نحو ذلك، وحديثه الذي من هذا القبيل ضعيف، أما
إذا صرح بالسماع أو التحديث، ولم يكن سمعه من شيخه، فلا
يكون مدلسا، بل هو كذاب فاسق ترد روايته مطلقا.
(1) الخبر ذكره في " الطبقات " 6 / 291، والجزم: هو القطع،
وأراد به هنا أنه لا يذكر الحديث بتمامه، ولفظ الخبر في "
تهذيب الكمال ": قلت لابراهيم: ما لسالم بن أبي الجعد أتم
حديثا منك ؟ قال: لأنه كان يكتب.
وأما قول إبراهيم النخعي ولا أصل له في المرفوع التكبير
جزم، والسلام جزم فمعناه كما قال الزمخشري الاسراع به،
والامساك عن إشباع الحركات والتعمق فيها، وقطعها أصلا في
مواضع الوقف والاضراب عن الهمز المفرط، والمد الفاحش وأن
يختلس الحركة.
وما ورد في بعض المصادر من تفسيره بأنه تسكن أواخر حروفه
ولا تعرب فخطأ محض، لان استعمال الجزم في مقابل الاعراب
اصطلاح حادث.
(2) في " الطبقات " بعشرة آلاف.
(3) لم يذكر السادس.
(5/109)
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لَمْ يَلْقَ
سَالِمٌ عَائِشَةَ، وَلَقِيَ: ابْنَ عَبَّاسٍ، وَعَبْدَ
اللهِ بنَ عَمْرٍو، وَالمُغِيْرَةَ بنَ شُعْبَةَ، وَابْنَ
عُمَرَ، وَطَائِفَةً.
45 - عَدِيُّ بنُ الرِّقَاعِ * العَامِلِيُّ
الشَّاعِرُ.
مَدَحَ الوَلِيْدَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ، وَهَاجَى جَرِيْرَ
بنَ الخَطَفَى.
وَقِيْلَ: كَانَ أَبْرَصَ، آيَةً فِي الشِّعْرِ.
46 - أَمَّا
: عَدِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ الحِمَارِ العِبَادِيُّ **
التَّمِيْمِيُّ، النَّصْرَانِيُّ: فَجَاهِلِيٌّ، مِنْ
فُحُوْلِ الشُّعَرَاءِ، ذَكَرْتُهُ لِلتَّمْيِيْزِ.
وَهُوَ أَحَدُ الفُحُوْلِ الأَرْبَعَةِ الَّذِيْنَ هُم:
هُوَ، وَطَرَفَةُ بنُ العَبْدِ، وَعَبِيْدُ بنُ
الأَبْرَصِ، وَعَلْقَمَةُ بنُ عَبَدَةَ.
وَأَمَّا صَاحِبُ (الأَغَانِي): فَقَيَّدَ جَدَّهُ:
الخُمَارَ، بِمُعْجَمَةٍ مَضْمُوْمَةٍ.
وَهُوَ القَائِلُ:
أَيْنَ أَهْلُ الدِّيَارِ مِنْ قَوْمِ نُوْحٍ ... ثُمَّ
عَادٌ مِنْ بَعْدِهِم وَثَمُوْدُ؟
أَيْنَ آبَاؤُنَا؟ وَأَيْنَ بَنُوْهُم ؟ ... أَيْنَ
آبَاؤُهُم؟ وَأَيْنَ الجُدُوْدُ؟
__________
(*) الأغاني 8 / 172، 177، المؤتلف والمختلف: 116،
المرزباني: 253، تاريخ الإسلام 4 / 150، طبقات ابن سلام:
88، 89، الاشتقاق: 225، سمط اللآلي: 309، خزانة الأدب 4 /
470، شرح الشواهد: 168، الشعر والشعراء 2 / 618، 621، وجاء
فيه: وكان شاعرا محسنا، وهو أحسن من وصف ظبية وصفا، فقال:
كالظبية البكر الفريدة ترتعي * من أرضها قفراتها وعهادها
خضبت لها عقد البراق (المراق) جبينها * من عركها علجانها
وعرادها
كالزين في وجه العروس تبدلت * بعد الحياء فلاعبت أرادها
تزجي أغن كأن إبرة روقه * قلم أصاب من الدواة مدادها
(* *) طبقات ابن سلام: 31، تاريخ خليفة: 482، 483، الشعر
والشعراء 1 / 225، 233، الاغاني 2 / 97، سمط اللآلي: 221،
ابن الأثير 1 / 483، 485، اللباب 1 / 111، تاريخ الإسلام 4
/ 151، معاهد التنصيص: 139، 145، بلوغ الارب 2 / 262، 265،
شعراء الجاهلية: 439، 474، خزانة الأدب 1 / 183، 186.
(5/110)
سَلَكُوا مَنْهَجِ المَنَايَا فَبَادُوا
... وَأُرَانَا قَدْ حَانَ مِنَّا وُرُوْدُ
بَيْنَمَا هُمْ عَلَى الأَسِرَّةِ وَالأَنْمَا ... طِ
أَفْضَتْ إِلَى التُّرَابِ الخُدُوْدُ
ثُمَّ لَمْ يَنْقَضِ الحَدِيْثُ وَلَكِنْ ... بَعْد ذَاكَ
الوَعِيْدُ وَالمَوْعُوْدُ
وَأَطِبَّاءٌ بَعْدَهُم لَحِقُوْهُم ... ضَلَّ عَنْهُم
صَعُوْطُهُم وَاللَّدُوْدُ (1)
وَصَحِيْحٌ أَضْحَى يَعُوْدُ مَرِيْضاً ... هُوَ أَدْنَى
لِلْمَوْتِ مِمَّنْ يَعُوْدُ
وَهَذِهِ الكَلِمَةُ السَّائِرَةُ لَهُ أَيْضاً:
أَيُّهَا الشَّامِتُ المُعَيِّرُ بِالدَّهْـ ... ـرِ
أَأَنْتَ المُبَرَّأ المَوْفُوْرُ (2) ؟
فَذَكَرَ القَصِيْدَةَ.
وَأَظُنُّهُ مَاتَ فِي الفَتْرَةِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
47 - سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ
الأُمَوِيُّ *
ابْنِ الحَكَمِ بنِ أَبِي العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ،
الخَلِيْفَةُ، أَبُو أَيُّوْبَ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ.
بُوْيِعَ بَعْدَ أَخِيْهِ الوَلِيْدِ سَنَةَ سِتٍّ
وَتِسْعِيْنَ.
وَكَانَ لَهُ دَارٌ كَبِيْرَةٌ مَكَان طَهَارَةِ
جَيْرُوْنَ (3) ، وَأُخْرَى أَنْشَأَهَا لِلْخِلاَفَةِ
بِدَرْبِ مُحْرِزٍ، وَعَمِلَ لَهَا قُبَّةً شَاهِقَةً
صَفْرَاءَ.
وَكَانَ دَيِّناً، فَصِيْحاً، مُفَوَّهاً، عَادِلاً،
مُحِبّاً لِلْغَزْوِ.
يُقَالُ: نَشَأَ بِالبَادِيَةِ.
مَاتَ: بِذَاتِ الجَنْبِ.
وَنَقْشُ خَاتَمَهِ: أُوْمِنُ بِاللهِ مُخْلِصاً.
وَأُمُّهُ وَأُمُّ الوَلِيْدٍ هِيَ: وَلاَّدَةُ
__________
(1) الصعوط والسعوط: اسم للدواء يصب في الانف، واللدود من
الادوية: ما يسقاه المريض في أحد شقي الفم، ولديد الفم:
جانباه.
(2) انظر القصيدة بتمامها في " الشعر والشعراء " والاغاني.
(*) تاريخ خليفة: 281 و298، التاريخ الكبير 4 / 25، تاريخ
الفسوي 1 / 223، تاريخ اليعقوبي 3 / 36، الطبري 6 / 546،
الجرح والتعديل 4 / 130، مروج الذهب 2 / 127، ابن الأثير 5
/ 37، وفيات الأعيان 2 / 420، 427، تاريخ الإسلام 4 / 8،
العبر 1 / 115 و118، فوات الوفيات 2 / 68، 70، البداية 9 /
183، ابن خلدون 3 / 74، تاريخ الخميس 2 / 314، شذرات الذهب
1 / 116.
(3) هي إلى جانب الباب الشرقي لجامع بني أمية، وباب الجامع
هذا يقال له: باب جيرون.
(5/111)
بِنْتُ العَبَّاسِ بنِ حَزَنٍ
العَبْسِيَّةُ.
وَلِسُلَيْمَانَ مِنَ البَنِيْنَ: يَزِيْدُ، وَقَاسِمٌ،
وَسَعِيْدٌ، وَيَحْيَى، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَعَبْدُ
الوَاحِدِ، وَالحَارِثُ، وَغَيْرُهُم.
جَهَّزَ جُيُوْشَهُ مَعَ أَخِيْهِ مَسْلَمَةَ بَرّاً
وَبَحْراً لِمُنَازَلَةِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ،
فَحَاصَرَهَا مُدَّةً حَتَّى صَالَحُوا عَلَى بِنَاءِ
مَسْجِدِهَا.
وَكَانَ أَبْيَضَ، كَبِيْرَ الوَجْهِ، مَقْرُوْنَ
الحَاجِبِ، جَمِيْلاً، لَهُ شَعْرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ،
عَاشَ تِسْعاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، قَسَمَ أَمْوَالاً
عَظِيْمَةً، وَنَظَرَ فِي أَمْرِ الرَّعِيَّةِ، وَكَانَ
لاَ بَأْسَ بِهِ، وَكَانَ يَسْتَعِيْنُ فِي أَمْرِ
الرَّعِيَّةِ بِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَزَلَ
عُمَّالَ الحَجَّاجِ، وَكَتَبَ: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ
قَدْ أُمِيْتَتْ، فَأَحْيُوْهَا بِوَقْتِهَا.
وَهَمَّ بِالإِقَامَةِ بِبَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ نَزَلَ
قِنَّسْرِيْنَ (1) لِلرِّبَاطِ، وَحَجَّ فِي خِلاَفَتِهِ.
وَقِيْلَ: رَأَى بِالمَوْسِمِ الخَلْقَ، فَقَالَ لِعُمَرَ
بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَمَا تَرَى هَذَا الخَلْقَ
الَّذِيْنَ لاَ يُحْصِيْهِم إِلاَّ اللهُ، وَلاَ يَسَعُ
رِزْقَهُم غَيْرُهُ؟!
قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هَؤُلاَءِ اليَوْمَ
رَعِيَّتُكَ، وَهُمْ غَداً خُصَمَاؤُكَ.
فَبَكَى، وَقَالَ: بِاللهِ أَسْتَعِيْنُ.
وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: يَرْحِمُ اللهُ
سُلَيْمَانَ، افْتَتَحَ خِلاَفَتَهُ بِإِحْيَاءِ
الصَّلاَةِ، وَاخْتَتَمَهَا بَاسْتِخْلاَفِهِ عُمَرَ.
وَكَانَ سُلَيْمَانُ يَنْهَى النَّاسَ عَنِ الغِنَاءِ.
وَكَانَ مِنَ الأَكَلَةِ، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ أَكَلَ
مَرَّةً أَرْبَعِيْنَ دَجَاجَةً.
وَقِيْلَ: أَكَلَ مَرَّةً خَرُوْفاً وَسِتَّ دَجَاجَاتٍ،
وَسَبْعِيْنَ رُمَّانَةً، ثُمَّ أُتِيَ بِمَكُّوْكِ (2)
زَبِيْبٍ طَائِفِيٍّ،
__________
(1) بلدة بالشام بين حلب وانطاكية، فتحها المسلمون سنة 17
ه بقيادة أبي عبيدة بن الجراح.
(2) المكوك: مكيال يختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه
في البلاد، يقال إنه يسع صاعا ونصفا.
(5/112)
فَأَكَلَهُ.
وَلَمَّا مَرِضَ بِدَابِقٍ (1) ، قَالَ لِرَجَاءِ بنِ
حَيْوَةَ الكِنْدِيِّ: مَنْ لِهَذَا الأَمْرِ؟
قَالَ: ابْنُكَ غَائِبٌ.
قَالَ: فَالآخَرُ؟
قَالَ: صَغِيْرٌ.
قَالَ: فَمَنْ تَرَى؟
قَالَ: عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ.
قَالَ: أَتَخَوَّفُ إِخْوَتِي.
قَالَ: وَلِّ عُمَرَ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ يَزِيْدَ بنَ
عَبْدِ المَلِكِ، وَتَكْتُبُ كِتَاباً، وَتَخْتِمُهُ،
وَتَدْعُوْهُم إِلَى بَيْعَةِ مَنْ فِيْهِ.
قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتَ.
وَكَتَبَ العَهْدَ، وَجَمَعَ الشُّرَطَ، وَقَالَ: مَنْ
أَبَى البَيْعَةَ، فَاقْتُلُوْهُ.
وَفَعَلَ ذَلِكَ، وَتَمَّ.
ثُمَّ كُفِّنَ سُلَيْمَانُ فِي عَاشِرِ صَفَرٍ، سَنَةَ
تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ: عُمَرُ بنُ
عَبْدِ العَزِيْزِ.
وَقِيْلَ: عَاشَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَخِلاَفَتُهُ
سَنَتَانِ وَتِسْعَةُ أَشْهُرٍ وَعِشْرُوْنَ يَوْماً -
عَفَا اللهُ عَنْهُ -.
فِي آلِ مَرْوَانَ نَصْبٌ (2) ظَاهِرٌ سِوَى عُمَرَ بنِ
عَبْدِ العَزِيْزِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
أَخُوْهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الأَمِيْرُ (3)
وَلِي الدِّيَارَ المِصْرِيَّةَ بَعْدَ عَبْدِ العَزِيْزِ
بنِ مَرْوَانَ إِلَى أَنْ صُرِفَ بِقُرَّةَ بنِ شَرِيْكٍ
(4) سَنَةَ تِسْعِيْنَ.
وَوَلِيَ غَزْوَ الرُّوْمِ، فَأَنْشَأَ مَدِيْنَةَ
المَصِّيْصَةَ (5) ، وَلَهُ دَارٌ بِدِمَشْقَ.
قِيْلَ: مَاتَ بُسْرُ بنُ سَعِيْدٍ الفَقِيْهُ (6) ، فَمَا
تَرَكَ كَفَناً، وَمَاتَ سَنَةَ مائَةٍ عَبْدُ اللهِ
هَذَا، فَخَلَّفَ ثَمَانِيْنَ مُدَّ ذَهَبٍ.
__________
(1) دابق: قرية من أرض قنسرين بين حلب ومعرة النعمان عندها
مرج معشب نزه كان ينزله بنو مروان إذا غزوا الصائفة وبه
قبر سليمان بن عبد الملك.
(2) أي: بغض لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه.
(3) ولاة مصر للكندي: 59.
(4) هو قرة بن شريك بن مرثد العبسي الغطفاني القنسريني ولي
إمارة مصر، واستمر فيها إلى أن مات سنة 96 وصفه المؤلف في
" دول الإسلام " 1 / 63 بأنه كان ظالما كالحجاج، وكان عمر
بن عبد العزيز يقول: الوليد الخليفة بدمشق، والحجاج
بالعراق، وأخوه باليمن، وعثمان بن حيان بالحجاز وقرة بن
شريك بمصر، امتلات والله الدنيا جورا.
(5) مدينة على ساحل البحر من ثغور الشام.
بالقرب من أنطاكية.
(6) المدني العابد مولى ابن الحضرمي، قال ابن سعد: كان من
العباد المنقطعين، وأهل الزهد في الدنيا، وكان ثقة، كثير
الحديث، أخرج له الجماعة.
(5/113)
48 - عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ
مَرْوَانَ الأُمَوِيُّ * (ع)
ابْنِ الحَكَمِ بنِ أَبِي العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ
عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ
كِلاَبٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ،
المُجْتَهِدُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، السَّيِّدُ،
أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ حَقّاً، أَبُو حَفْصٍ
القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، المَدَنِيُّ، ثُمَّ
المِصْرِيُّ، الخَلِيْفَةُ، الزَّاهِدُ، الرَّاشِدُ،
أَشَجُّ بَنِي أُمَيَّةَ.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي
طَالِبٍ، وَالسَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، وَسَهْلِ بنِ سَعْدٍ،
وَاسْتَوْهَبَ مِنْهُ قَدَحاً شَرِبَ مِنْهُ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَّ بِأَنَسِ بنِ
مَالِكٍ، فَقَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشْبَهَ صَلاَةً بِرَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ هَذَا الفَتَى.
وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ،
وَعُرْوَةَ، وَأَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدِ اللهِ
بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ قَارِظٍ، وَعَامِرِ بنِ سَعْدٍ،
وَيُوْسُفَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، وَطَائِفَةٍ.
وَأَرْسَلَ عَنْ: عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، وَخَوْلَةَ بِنْتِ
حَكِيْمٍ، وَغَيْرِهِم.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ، وَمِنَ الخُلَفَاءِ
الرَّاشِدِيْنَ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سَلَمَةَ - أَحَدُ شُيُوْخِهِ -
وَأَبُو بَكْرٍ بنُ حَزْمٍ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ،
وَابْنُ المُنْكَدِرِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَنْبَسَةُ بنُ
سَعِيْدٍ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ
بنُ عَبْلَةَ، وَتَوْبَةُ العَنْبَرِيُّ، وَحُمَيْدٌ
الطَّوِيْلُ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَائِدَةَ
اللَّيْثِيُّ،
__________
(*) سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم، طبقات ابن سعد
5 / 330، تاريخ خليفة: 321، 322، التاريخ الكبير 6 / 174،
تاريخ الفسوي 1 / 568، 620، الطبري 6 / 565، 573، الجرح
والتعديل 6 / 122، الاغاني 9 / 254، حلية الأولياء 5 /
253، طبقات الشيرازي: 64، سيرة عمر بن عبد العزيز لابن
الجوزي، ابن الأثير 5 / 58، 66، تهذيب الكمال 1017، تذهيب
التهذيب 3 / 88 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 164، تذكرة الحفاظ
1 / 118، العبر 1 / 120، فوات الوفيات 3 / 133، البداية 9
/ 192، 219، سيرة عمر بن عبد العزيز للآجري، العقد الثمين
6 / 331، طبقات ابن الجزري 1 / 593، تهذيب التهذيب 7 /
475، النجوم الزاهرة 1 / 246، تاريخ الخلفاء: 228، خلاصة
تذهيب التهذيب: 284، شذرات الذهب 1 / 119.
(5/114)
وَابْنُهُ؛ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عُمَرَ،
وَأَخُوْهُ؛ زَبَّانُ، وَصَخْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
حَرْمَلَةَ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ،
وَعُثْمَانُ بنُ دَاوُدَ الخَوْلاَنِيُّ، وَأَخُوْهُ؛
سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ،
وَعُمَرُ بنُ عَامِرٍ البَجَلِيُّ، وَعَمْرُو بنُ
مُهَاجِرٍ، وَعُمَيْرُ بنُ هَانِئ العَنْسِيُّ، وَعِيْسَى
بنُ أَبِي عَطَاءٍ الكَاتِبُ، وَغَيْلاَنُ بنُ أَنَسٍ،
وَكَاتِبُهُ؛ لَيْثُ بنُ أَبِي رُقَيَّةَ، وَأَبُو هَاشِمٍ
مَالِكُ بنُ زِيَادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي سُوَيْدٍ
الثَّقَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَيْسٍ القَاصُّ،
وَمَرْوَانُ بنُ جَنَاحٍ، وَمَسْلَمَةُ بنُ عَبْدِ
المَلِكِ الأَمِيْرُ، وَالنَّضْرُ بنُ عَرَبِيٍّ،
وَكَاتِبُهُ؛ نُعَيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَيْنِيُّ،
وَمَوْلاَهُ؛ هِلاَلٌ أَبُو طُعْمَةَ، وَالوَلِيْدُ بنُ
هِشَامٍ المُعَيْطِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ
الأَنْصَارِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ عُتْبَةَ بنِ
المُغِيْرَةِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ
تَابِعِيِّ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، فَقَالَ: أُمُّهُ: هِيَ
أُمُّ عَاصِمٍ بِنْتُ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ.
قَالُوا: وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ.
قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، لَهُ فِقْهٌ وَعِلْمٌ
وَوَرَعٌ، وَرَوَى حَدِيْثاً كَثِيْراً، وَكَانَ إِمَامَ
عَدْلٍ - رَحِمَهُ اللهُ، وَرَضِيَ عَنْهُ -.
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: وَإِخْوَتُهُ مِنْ
أَبَوَيْهِ: عَاصِمٌ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَمُحَمَّدٌ.
وَقَالَ الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ الخُرَيْبِيَّ يَقُوْلُ:
الأَعْمَشُ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ، وَطَلْحَةُ بنُ يَحْيَى وُلِدُوا سَنَةَ
مَقْتَلِ الحُسَيْنِ -يَعْنِي: سَنَةَ إِحْدَى
وَسِتِّيْنَ-.
وَكَذَلِكَ قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَغَيْرُ
وَاحِدٍ فِي مَوْلِدِهِ.
وَذَكَرَ صِفَتَهُ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ: أَنَّهُ كَانَ
أَسْمَرَ، رَقِيْقَ الوَجْهِ، حَسَنَهُ، نَحِيْفَ
الجِسْمِ، حَسَنَ اللِّحْيَةِ، غَائِرَ العَيْنَيْنِ،
بِجَبْهَتِهِ أَثَرُ نَفْحَةِ دَابَّةٍ، قَدْ وَخَطَهُ
الشَّيْبُ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبِيُّ: رَأَيْتُ صِفَتَهُ فِي
بَعْضِ الكُتُبِ:
أَبْيَضَ، رَقِيْقَ الوَجْهِ، جَمِيْلاً، نَحِيْفَ
الجِسْمِ، حَسَنَ اللِّحْيَةِ، غَائِرَ العَيْنَيْنِ،
بِجَبْهَتِهِ أَثَرُ حَافِرِ
(5/115)
دَابَّةٍ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ: أَشَجَّ
بَنِي أُمَيَّةَ، وَقَدْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ.
قَالَ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: دَخَلَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ إِلَى إِصْطَبْلِ أَبِيْهِ، وَهُوَ غُلاَمٌ،
فَضَرَبَهُ فَرَسٌ، فَشَجَّهُ، فَجَعَلَ أَبُوْهُ يَمْسَحُ
عَنْهُ الدَّمَ، وَيَقُوْلُ: إِنْ كُنْتَ أَشَجَّ بَنِي
أُمَيَّةَ، إِنَّكَ إِذاً لَسَعِيْدٌ.
وَرَوَى: ضِمَامُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ أَبِي قَبِيْلٍ:
أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ بَكَى وَهُوَ غُلاَمٌ
صَغِيْرٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أُمُّهُ، وَقَالَتْ: مَا
يُبْكِيْكَ؟
قَالَ: ذَكَرْتُ المَوْتَ.
قَالَ: وَكَانَ يَوْمَئِذٍ قَدْ جَمَعَ القُرْآنَ،
فَبَكَتْ أُمُّهُ حِيْنَ بَلَغهَا ذَلِكَ.
أَبُو خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا المُفَضَّلُ بنُ عَبْدِ
اللهِ، عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ:
دَخَلَ عَلَيْنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ مِنْ هَذَا
البَابِ -يَعْنِي: بَاباً مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ
بِالمَدِيْنَةِ- فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ:
بَعَثَ إِلَيْنَا هَذَا الفَاسِقُ بَابْنِهِ هَذَا
يَتَعَلَّمُ الفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ
يَكُوْنُ خَلِيْفَةً بَعْدَهُ، وَيَسِيْرُ بِسِيْرَةِ
عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
قَالَ: فَقَالَ لَنَا دَاوُدُ: فَوَاللهِ مَا مَاتَ حَتَّى
رَأَيْنَا ذَلِكَ فِيْهِ.
قِيْلَ: إِنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، قَالَ: إِنَّ مِنْ
وَلَدِي رَجُلاً، بِوَجْهِهِ شَتَرٌ، يَمْلأُ الأَرْضَ
عَدْلاً.
مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ
عَمْرٍو، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ:
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَا لَيْتَ شِعْرِي مَنْ هَذَا
الَّذِي مِنْ وَلَدِ عُمَرَ يَمْلَؤُهَا عَدْلاً، كَمَا
مُلِئَتْ ظُلْماً وَجُوْراً؟!
سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ، عَنْ
أَبِيْهِ:
أَنَّ عَبْدَ العَزِيْز بنَ مَرْوَانَ بَعَثَ ابْنَهُ
عُمَرَ إِلَى المَدِيْنَةِ يَتَأَدَّبُ بِهَا، وَكَتَبَ
إِلَى صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ يَتَعَاهَدُهُ، وَكَانَ
يُلْزِمُهُ الصَّلَوَاتِ، فَأَبْطَأَ يَوْماً عَنِ
الصَّلاَة، فَقَالَ: مَا حَبَسَكَ؟
قَالَ: كَانَتْ مُرَجِّلَتِي تُسَكِّنُ شَعْرِي.
فَقَالَ: بَلَغَ مِنْ تَسْكِيْنِ شَعْرِكَ أَنْ تُؤْثِرَهُ
عَلَى الصَّلاَةِ.
وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى وَالِدِهِ، فَبَعَثَ عَبْدُ
العَزِيْزِ رَسُوْلاً إِلَيْهِ، فَمَا كَلَّمَهُ حَتَّى
حَلَقَ شَعْرَهُ.
(5/116)
وَكَانَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ
يَخْتَلِفُ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ،
يَسْمَعُ مِنْهُ العِلْمَ، فَبَلَغَ عُبَيْدَ اللهِ أَنَّ
عُمَرَ يَتَنَقَّصُ عَلِيّاً، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ،
فَقَالَ:
مَتَى بَلَغَكَ أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- سَخِطَ عَلَى أَهْل
بَدْرٍ بَعْدَ أَنْ رَضِيَ عَنْهُم؟
قَالَ: فَعَرَفَ مَا أَرَادَ، فَقَالَ: مَعْذِرَةً إِلَى
اللهِ وَإِلَيْكَ، لاَ أَعُوْدُ.
فَمَا سُمِعَ عُمَرُ بَعْدَهَا ذَاكِراً عَلِيّاً -رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ- إِلاَّ بِخَيْرٍ.
نَقَلَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، عَنِ العُتْبِيِّ:
أَنَّ أَوَّلَ مَا اسْتُبِيْنَ مِنْ عُمَرَ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ أَنَّ أَبَاهُ وَلِيَ مِصْرَ، وَهُوَ حَدِيْثُ
السِّنِّ، يُشَكُّ فِي بُلُوْغِهِ، فَأَرَادَ إِخْرَاجَهُ،
فَقَالَ:
يَا أَبَتِ، أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُوْنَ
أَنْفَعَ لِي وَلَكَ: تُرَحِّلُنِي إِلَى المَدِيْنَةِ،
فَأَقْعُدَ إِلَى فُقَهَاءِ أَهْلِهَا، وَأَتَأَدَّبَ
بِآدَابِهِم.
فَوَجَّهَهُ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَاشْتُهِرَ بِهَا
بِالعِلْمِ وَالعَقْلِ مَعَ حَدَاثَةِ سِنِّهِ.
قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ
مَرْوَانَ عِنْدَ وَفَاةِ أَبِيْهِ، وَخَلَطَهُ
بِوَلَدِهِ، وَقَدَّمَهُ عَلَى كَثِيْرٍ مِنْهُم،
وَزَوَّجَهُ بَابْنَتِهِ فَاطِمَةَ الَّتِي قِيْلَ
فِيْهَا:
بِنْتُ الخَلِيْفَةِ، وَالخَلِيْفَةُ جَدُّهَا ... أُخْتُ
الخَلاَئِفِ، وَالخَلِيْفَةُ زَوْجُهَا
وَكَانَ الَّذِيْنَ يَعِيْبُوْنَ عُمَرَ مِمَّنْ
يَحْسُدُهُ بِإِفْرَاطِهِ فِي النِّعْمَةِ، وَاخْتِيَالِهِ
فِي المِشْيَةِ.
وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: وَلِيَ عُمَرُ المَدِيْنَةَ فِي
إِمْرَةِ الوَلِيْدِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ
إِلَى سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ.
قُلْتُ: لَيْسَ لَهُ آثَارٌ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ
وَسَبْعِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ، وَلاَ سَمَاعٌ مِنْ جَابِرِ
بنِ عَبْدِ اللهِ، وَلَوْ كَانَ بِهَا وَهُوَ حَدَثٌ،
لأَخَذَ عَنْ جَابِرٍ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: حَجَّ بِالنَّاسِ
عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَوَّلُهَا
سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ.
(5/117)
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عُمَرَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ
أَبِيْهِ، قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ المَدِيْنَةَ
وَالِياً، فَصَلَّى الظُّهْرَ، دَعَا بِعَشْرَةٍ:
عُرْوَةَ، وَعُبَيْدَ اللهِ، وَسُلَيْمَانَ بنَ يَسَارٍ،
وَالقَاسِمَ، وَسَالِماً، وَخَارِجَةَ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ سُلَيْمَانَ بنِ
أَبِي حَثْمَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَامِرِ بنِ
رَبِيْعَةَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ
قَالَ :
إِنِّي دَعَوْتُكُم لأَمْرٍ تُؤْجَرُوْنَ فِيْهِ،
وَنَكُوْنُ فِيْهِ أَعْوَاناً عَلَى الحَقِّ، مَا أُرِيْدُ
أَنْ أَقْطَعَ أَمراً إِلاَّ بِرَأْيِكُم، أَوْ بِرَأْيِ
مَنْ حَضَرَ مِنْكُم، فَإِنْ رَأَيْتُم أَحَداً
يَتَعَدَّى، أَوْ بَلَغَكُم عَنْ عَامِلٍ ظُلاَمَةٌ،
فَأُحَرِّجُ بِاللهِ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ إِلاَّ
أَبْلَغَنِي.
فَجَزَوْهُ خَيْراً، وَافْتَرَقُوا.
اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنِي قَادِمٌ البَرْبَرِيُّ:
أَنَّهُ ذَاكَرَ رَبِيْعَةَ بنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
شَيْئاً مِنْ قَضَاءِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ إِذْ
كَانَ بِالمَدِيْنَةِ، فَقَالَ رَبِيْعَةُ: كَأَنَّكَ
تَقُوْلُ: أَخْطَأَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا
أَخْطَأَ قَطُّ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الأَحَدِ بنُ أَبِي زُرَارَةَ
القِتْبَانِيُّ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ:
أَتَى فِتْيَانٌ إِلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ،
وَقَالُوا: إِنَّ أَبَانَا تُوُفِّيَ وَتَرَكَ مَالاً
عِنْدَ عَمِّنَا حُمَيْدٍ الأَمَجِيِّ (1) .
فَأَحْضَرَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ، قَالَ: أَنْتَ
القَائِلُ:
حُمَيْدٌ الَّذِي أَمَجٌ دَارُهُ ... أَخُو الخَمْرِ ذُوْ
الشَّيْبَةِ الأَصْلَعِ
أَتَاهُ المَشِيْبُ عَلَى شُرْبِهَا ... وَكَانَ كَرِيْماً
فَلَمْ يَنْزِعِ
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: مَا أُرَانِي إِلاَّ سَوْفَ أَحُدُّكَ، إِنَّكَ
أَقْرَرْتَ بِشُرْبِ الخَمْرِ، وَأَنَّكَ لَمْ تَنْزِعْ
عَنْهَا.
قَالَ: أَيْهَاتَ! أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ؟ أَلَمْ تَسْمَعِ
اللهَ يَقُوْلُ : {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ
الغَاوُوْنَ } إِلَى قَوْله : {وَأَنَّهُم يَقُوْلُوْنَ
مَا لاَ يَفْعَلُوْنَ } [الشُّعَرَاءُ: 224 - 226]
__________
(1) قال ياقوت في " معجم البلدان " أمج: بلد من أعراض
المدينة منها حميد الامجي، وأورد البيتين قبلهما بيت آخر
هو:
شربت المدام فلم أقلع * وعوتبت فيها فلم أسمع
(5/118)
فَقَالَ: أَوْلَى لَكَ يَا حُمَيْدٌ، مَا
أَرَاكَ إِلاَّ قَدْ أُفْلِتَّ، وَيْحَكَ يَا حُمَيْدُ!
كَانَ أَبُوْكَ رَجُلاً صَالِحاً، وَأَنْتَ رَجُلُ سُوْءٍ.
قَالَ: أَصْلَحَكَ اللهُ، وَأَيُّنَا يُشْبِهُ أَبَاهُ؟
كَانَ أَبُوْكَ رَجُلَ سُوْءٍ، وَأَنْتَ رَجُلٌ صَالِحٌ.
قَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ زَعَمُوا أَنَّ أَبَاهُم تُوُفِّيَ
وَتَرَكَ مَالاً عِنْدَكَ.
قَالَ: صَدَقُوا.
وَأَحْضَرَهُ بِخَتْمِ أَبِيْهِم، وَقَالَ: أَنْفَقْتُ
عَلَيْهِم مِنْ مَالِي، وَهَذَا مَالُهُم.
قَالَ: مَا أَحَدٌ أَحَقَّ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا عِنْدَهُ
مِنْكَ.
فَقَالَ: أَيَعُوْدُ إِلَيَّ وَقَدْ خَرَجَ مِنِّي (1) ؟!
العَطَّافُ بنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ،
قَالَ لَنَا أَنَسٌ:
مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشْبَهَ صَلاَةً
بِرَسُوْلِ اللهِ مِنْ إِمَامِكُم هَذَا -يَعْنِي: عُمَرَ
بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ-.
قَالَ زَيْدٌ: فَكَانَ عُمَرُ يُتِمُّ الرُّكُوْعَ
وَالسُّجُوْدَ، وَيُخَفِّفُ القِيَامَ وَالقُعُوْدَ (2) .
قَالَ سُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ: كُنْتُ مَعَ أَبِي
غَدَاةَ عَرَفَةَ، فَوَقَفْنَا لِنَنْظُرَ لِعُمَرَ بنِ
عَبْدِ العَزِيْزِ، وَهُوَ أَمِيْرُ الحَاجِّ، فَقُلْتُ:
يَا أَبتَاهُ! وَاللهِ إِنِّي لأَرَى اللهَ يُحِبُّ
عُمَرَ.
قَالَ: لِمَ؟
قُلْتُ: لِمَا أَرَاهُ دَخَلَ لَهُ فِي قُلُوْبِ النَّاسِ
مِنَ المَوَدَّةِ، وَأَنْتَ سَمِعْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ
يَقُوْلُ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْداً، نَادَى
جِبْرِيْلَ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَناً،
فَأَحِبُّوْهُ)، الحَدِيْثَ (3) .
__________
(1) أورد الخبر مع الابيات البكري في " معجم ما استعجم " 1
/ 191، والحميري في " الروض المعطار " 30، 31، وأنشد
المبرد في " الكامل " 1 / 216 البيت الأول مستشهدا به على
حذف التنوين من " حميد ".
(2) سنده حسن، وأخرجه النسائي 2 / 166 في الافتتاح: باب
تخفيف القيام والقراءة من طريق قتيبة، عن العطاف بن خالد،
عن زيد بن أسلم، قال: دخلنا على أنس بن مالك فقال: صليتم ؟
قلنا: نعم، قال: يا جارية هلمي لي وضوءا، ما صليت وراء
إمام أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من إمامكم
هذا.
قال زيد: وكان عمر بن عبد العزيز يتم الركوع والسجود،
ويخفف القيام والقعود.
(3) أخرجه مسلم (2637) (157) (158) من حديث سهيل بن أبي
صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " إن الله إذا أحب عبدا، دعا جبريل، فقال: إني
أحب فلانا، فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء،
فيقول: إن الله يحب فلانا، فأحبوه فيحبه أهل السماء، قال:
ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا، دعا جبريل،
فيقول: إني أبغض =
(5/119)
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ (1) ،
قَالَ: لِكُلِّ قَوْمٍ نَجِيْبَةٌ، وَإِنَّ نَجِيْبَةَ
بَنِي أُمَيَّةَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، إِنَّهُ
يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ.
رَوَى: الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، قَالَ:
كَانَتِ العُلَمَاءُ مَعَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ
تَلاَمِذَةً.
مَعْمَرٌ: عَنْ أَخِي الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
كَتَبَ الوَلِيْدُ إِلَى عُمَرَ - وَهُوَ عَلَى
المَدِيْنَةِ -: أَنْ يَضْرِبَ خُبَيْبَ بنَ عَبْدِ اللهِ
بنِ الزُّبَيْرِ (2) ، فَضَرَبَهُ أَسْوَاطاً، وَأَقَامَهُ
فِي البَرْدِ، فَمَاتَ.
قُلْتُ: كَانَ عُمَرُ إِذَا أَثْنَوْا عَلَيْهِ، قَالَ:
فَمَنْ لِي بِخُبَيْبٍ - رَحِمَهُمَا اللهُ -.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ حَسَنَ الخَلْقِ
وَالخُلُقِ، كَامِلَ العَقْلِ، حَسَنَ السَّمْتِ، جَيِّدَ
السِّيَاسَةِ، حَرِيْصاً عَلَى العَدْلِ بِكُلِّ مُمْكِنٍ،
وَافِرَ العِلْمِ، فَقِيْهَ النَّفْسِ، ظَاهِرَ الذَّكَاءِ
وَالفَهْمِ، أَوَّاهاً، مُنِيْباً، قَانِتاً للهِ،
حَنِيْفاً، زَاهِداً مَعَ الخِلاَفَةِ، نَاطِقاً بِالحَقِّ
مَعَ قِلَّةِ المُعِيْنِ، وَكَثْرَةِ الأُمَرَاءِ
الظَّلَمَةِ الَّذِيْنَ مَلُّوْهُ وَكَرِهُوا
مُحَاقَقَتَهُ لَهُم، وَنَقْصَهُ أُعْطِيَاتِهِم،
وَأَخْذَهُ كَثِيْراً مِمَّا فِي أَيْدِيْهِم مِمَّا
أَخذُوْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى
سَقَوْهُ السُّمَّ، فَحَصَلَتْ لَهُ الشَّهَادَةُ
وَالسَّعَادَةُ، وَعُدَّ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ
الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ، وَالعُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ.
مُبَشِّرُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ
بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ:
أَتَيْنَا عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَنَحْنُ نَرَى
أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْنَا، فَمَا كُنَّا مَعَهُ إِلاَّ
تَلاَمِذَةً.
وَكَذَلِكَ جَاءَ عَنْ: مُجَاهِدٍ، وَغَيْرِهِ.
وَفِي (المُوَطَّأِ): بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ
العَزِيْزِ
__________
= فلانا، فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل
السماء: إن الله يبغض فلانا، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم
توضع له البغضاء في الأرض " وأخرجه البخاري في " صحيحه
مختصرا 6 / 220 في بدء الخلق تعليقا، ووصله في الأدب 10 /
385، 386: باب المقة من الله.
(1) هو محمد بن علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين ثقة
فاضل أخرج حديثه الجماعة.
(2) قال مصعب الزبيري في " نسب قريش " ص 240: كان خبيب
يعلم علما كثيرا مع فضل له وصلاح.
(5/120)
حِيْنَ خَرَجَ مِنَ المَدِيْنَةِ،
الْتَفَتَ إِلَيْهَا، فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ:
يَا مُزَاحِمُ أَتَخْشَى (1) أَنْ نَكُوْنَ مِمَّنْ
نَفَتْهُ المَدِيْنَةُ (2) .
ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي حَكِيْمٍ:
سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَقُوْلُ: خَرَجْتُ
مِنَ المَدِيْنَةِ وَمَا مِنْ رَجُلٍ أَعْلَمَ مِنِّي،
فَلَمَّا قَدِمْتُ الشَّامَ، نَسِيْتُ.
مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
سَمَرْتُ مَعَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ لَيْلَةً،
فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: كُلُّ مَا حَدَّثْتَهُ
اللَّيْلَةَ فَقَدْ سَمِعْتُهُ، وَلَكِنَّكَ حَفِظْتَ
وَنَسِيْنَا.
عُقَيْلٌ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ:
أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ
الوَلِيْدَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ بِالظَّهِيْرَةِ، فَوَجَدَهُ
قَاطِباً بَيْنَ عَيْنَيْهِ.
قَالَ: فَجَلَسْتُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إِلاَّ ابْنُ
الرَّيَّانِ، قَائِمٌ بِسَيْفِهِ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ
فِيْمَنْ يَسُبُّ الخُلَفَاءَ؟ أَتَرَى أَنْ يُقْتَلَ؟
فَسَكَتُّ، فَانْتَهَرَنِي، وَقَالَ: مَا لَكَ؟
فَسَكَتُّ، فَعَادَ لِمِثْلِهَا، فَقُلْتُ: أَقَتَلَ يَا
أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟!
قَالَ: لاَ، وَلَكِنَّهُ سَبَّ الخُلَفَاءَ.
قُلْتُ: فَإِنِّي أَرَى أَنْ يُنَكَّلَ.
فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى ابْنِ الرَّيَّانِ، فَقَالَ:
إِنَّهُ فِيْهِمْ لَنَابِهٌ.
عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ يَزِيْدَ الأَيْلِيِّ، قَالَ:
حَجَّ سُلَيْمَانُ، وَمَعَهُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ، فَأَصَابَهُمْ بَرْقٌ وَرَعْدٌ حَتَّى كَادَتْ
تَنْخَلِعُ قُلُوْبُهُم، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: يَا أَبَا
حَفْصٍ، هَلْ رَأَيْتَ مِثْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ قَطُّ،
أَوْ سَمِعْتَ بِهَا؟
قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هَذَا صَوْتُ
رَحْمَةِ اللهِ، فَكَيْفَ لَوْ سَمِعْتَ صَوْتَ عَذَابِ
اللهِ!؟
وَرَوَى: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ رَجُلٍ:
قَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَا كَذَبْتُ مُنْذُ
عَلِمْتُ أَنَّ الكَذِبَ يَضُرُّ أَهْلَهُ.
عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المَاجِشُوْنِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بنُ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
قَالَ عُمَرُ: إِنَّا كُنَّا نَتَحَدَّثُ، وَفِي لَفْظٍ:
يَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّ الدُّنْيَا لاَ تَنْقَضِي حَتَّى
__________
(1) في البداية 9 / 195: نخشى.
(2) الموطأ 2 / 889 في الجامع: باب ما جاء في سكن المدينة
والخروج منها.
(5/121)
يَلِيَ رَجُلٌ مِنْ آلِ عُمَرَ، يَعْمَلُ
بِمِثْلِ عَمَلِ عُمَرَ.
قَالَ: فَكَانَ بِلاَلٌ وَلَدُ عَبْدِ اللهِ بنِ
عُمَرَ بِوَجْهِهِ شَامَةٌ، وَكَانُوا يَرَوْنَ
أَنَّهُ هُوَ، حَتَّى جَاءَ اللهُ بِعُمَرَ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ.
أَمُّهُ: هِيَ ابْنَةُ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ.
رَوَاهُ: جَمَاعَةٌ، عَنْهُ.
جُوَيْرِيَةُ: عَنْ نَافِعٍ:
بَلَغنَا أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ مِنْ وَلَدِي
رَجُلاً بِوَجْهِهِ شَيْنٌ، يَلِي فَيَمْلأُ الأَرْضَ
عَدْلاً.
قَالَ نَافِعٌ: فَلاَ أَحْسِبُهُ إِلاَّ عُمَرَ بنَ
عَبْدِ العَزِيْزِ.
وَرَوَى: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ،
قَالَ:
كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُوْلُ: لَيْتَ شِعْرِي، مَنْ
هَذَا الَّذِي مِنْ وَلَدِ عُمَرَ، فِي وَجْهِهِ
عَلاَمَةٌ، يَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً.
تَفَرَّدَ بِهِ: مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، عَنْهُ،
وَهُوَ صَدُوْقٌ.
ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: عَنِ السَّرِيِّ بنِ
يَحْيَى، عَنْ رِيَاحِ بنِ عَبِيْدَةَ، قَالَ:
خَرَجَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ إِلَى
الصَّلاَةِ، وَشَيْخٌ مُتَوَكِّئٌ عَلَى يَدِهِ،
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا شَيْخٌ جَافٍ.
فَلَمَّا صَلَّى وَدَخَلَ، لَحِقْتُهُ، فَقُلْتُ:
أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، مَنِ الشَّيْخُ الَّذِي
كَانَ يَتَّكِئُ عَلَى يَدِكَ؟
فَقَالَ: يَا رِيَاحُ، رَأَيْتَهُ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: مَا أَحْسِبُكَ إِلاَّ رَجُلاً صَالِحاً، ذَاكَ
أَخِي الخَضِرُ، أَتَانِي، فَأَعْلَمَنِي أَنِّي
سَأَلِي أَمْرَ الأُمَّةِ، وَأَنِّي سَأَعْدِلُ
فِيْهَا (1) .
__________
(1) وأخرجه يعقوب بن سفيان في " تاريخه " 1 / 577 من
طريق عبد العزيز الرملي، عن ضمرة ابن ربيعة، عن السري
بن يحيى، عن رياح بن عبيدة وأخرجه أبو عروبة الحراني
في " تاريخه " وأبو نعيم في " الحلية " 5 / 254 عن
أيوب بن محمد الوزان، عن ضمرة بن ربيعة به.
وهذا الخبر ضعيف السند تفرد به ضمرة وهو معدود في جملة
منكراته، فإنه وإن كان ثقة أنكر عليه الامام أحمد حديث
" من ملك ذا رحم محرم فهو عتيق " ورده ردا شديدا وقال:
لو قال رجل: إن هذا كذب لما كان مخطئا، وأخرجه
الترمذي، وقال: لا يتابع ضمرة عليه، وهو خطأ عند أهل
الحديث.
ثم إن في الخبر ما يدل على بطلانه وهو حياة الخضر عليه
السلام فقد صرح بموته جمهور أهل العلم فيما نقله أبو
حيان في " البحر المحيط "، وذكر الحافظ في " الإصابة "
منهم إبراهيم الحربي، وعبد الله بن المبارك، والبخاري،
وأبا طاهر ابن العبادي، وأبا الفضل بن ناصر، وأبا بكر
بن العربي، وابن الجوزي وغيرهم.
ونقل عن أبي الحسن بن المنادي قوله: بحثت عن تعمير
الخضر وهل هو باق أم لا ؟ فإذا أكثر المغفلين مغترون
بأنه باق من أجل ما روي في ذلك، قال: والأحاديث
المرفوعة في ذلك واهية، والسند إلى أهل الكتاب =
(5/122)
المَدَائِنِيُّ: عَنْ جَرِيْرِ بنِ
حَازِمٍ، عَنْ هِزَّانَ بنِ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنِي
رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، قَالَ:
لَمَّا ثَقُلَ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ،
رَآنِي عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ فِي الدَّارِ،
أَخْرُجُ، وَأَدْخُلُ، وَأَتَرَدَّدُ، فَقَالَ: يَا
رَجَاءُ، أُذَكِّرُكَ اللهَ وَالإِسْلاَمَ أَنْ
تَذْكُرَنِي لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، أَوْ تُشِيْرَ
بِي، فَوَاللهِ مَا أَقْوَى عَلَى هَذَا الأَمْرِ.
فَانْتَهَرْتُهُ، وَقُلْتُ: إِنَّكَ لَحَرِيْصٌ عَلَى
الخِلاَفَةِ.
فَاسْتَحْيَى، وَدَخَلْتُ، فَقَالَ لِي سُلَيْمَانُ:
مَنْ تَرَى لِهَذَا الأَمْرِ؟
فَقُلْتُ: اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّكَ قَادِمٌ عَلَى
اللهِ -تَعَالَى- وَسَائِلُكَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ،
وَمَا صَنَعْتَ فِيْهِ.
قَالَ: فَمَنْ تَرَى؟
قُلْتُ: عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ.
قَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِعَهْدِ عَبْدِ المَلِكِ
إِلَى الوَلِيْدِ، وَإِلَيَّ فِي ابْنَيْ عَاتِكَةَ،
أَيُّهُمَا بَقِيَ؟
قُلْتُ: تَجْعَلُهُ مِنْ بَعْدِهِ.
قَالَ: أَصَبْتَ، جِئْنِي بِصَحِيْفَةٍ.
فَأَتَيْتُهُ بِصَحِيْفَةٍ، فَكَتَبَ عَهْدَ عُمَرَ
وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ مِنْ بَعْدُ، ثُمَّ
دَعَوْتُ رِجَالاً، فَدَخَلُوا، فَقَالَ: عَهْدِي فِي
هَذِهِ الصَّحِيْفَةِ مَعَ رَجَاءٍ، اشْهَدُوا
وَاخْتِمُوا الصَّحِيْفَةَ.
قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ، فَكَفَفْتُ
النِّسَاءَ عَنِ الصِّيَاحِ، وَخَرَجْتُ إِلَى
النَّاسِ، فَقَالُوا: كَيْفَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ؟
قُلْتُ:لَمْ يَكُنْ مُنْذُ اشْتَكَى أَسْكَنَ مِنْهُ
السَّاعَةَ.
قَالُوا: للهِ الحَمْدُ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنِي مَنْ شَهِدَ
دَابِقَ، وَكَانَ مُجْتَمَعَ غَزْوِ النَّاسِ، فَمَاتَ
سُلَيْمَانُ بِدَابِقَ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ
صَاحِبُ أَمْرِهِ وَمَشُوْرَتِهِ، خَرَجَ إِلَى
النَّاسِ، فَأَعْلَمَهُمْ بِمَوْتِهِ، وَصَعِدَ
المِنْبَرَ، فَقَالَ:
إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ كَتَبَ كِتَاباً،
وَعَهِدَ عَهْداً - وَأَعْلَمَهُم بِمَوْتِهِ -
أَفَسَامِعُوْنَ أَنْتُم مُطِيْعُوْنَ؟
قَالُوا: نَعَمْ.
وَقَالَ هِشَامٌ: نَسْمَعُ وَنُطِيْعُ إِنْ كَانَ
فِيْهِ اسْتِخْلاَفُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ
المَلِكِ.
قَالَ: وَيَجْذِبُهُ النَّاسُ حَتَّى سَقَطَ إِلَى
الأَرْضِ، وَقَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا.
فَقَالَ رَجَاءٌ: قُمْ يَا عُمَرُ - وَهُوَ عَلَى
المِنْبَرِ -.
فَقَالَ عُمَرُ: وَاللهِ إِنَّ هَذَا لأَمْرٌ مَا
سَأَلْتُهُ اللهَ قَطُّ.
__________
= ساقط لعدم ثقتهم، وخبر مسلمة بن مصقلة كالخرافة،
وخبر رياح كالريح، قال: وما عدا ذلك كله من الاخبار
كلها واهية الصدور والاعجاز لا يخلو حالها من أحد
أمرين، إما أن تكون أدخلت على الثقات استغفالا ويكون
بعضهم تعمد ذلك، وقد قال تعالى: (وما جعلنا لبشر بن
قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون) [ الأنبياء: 34 ].
(5/123)
الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ حَسَّانٍ الكِنَانِيِّ، قَالَ:
لَمَّا مَرِضَ سُلَيْمَانُ بِدَابِقَ، قَالَ: يَا
رَجَاءُ، أَسْتَخْلِفُ ابْنِي؟
قَالَ: ابْنُكَ غَائِبٌ.
قَالَ: فَالآخَرُ؟
قَالَ: هُوَ صَغِيْرٌ.
قَالَ: فَمَنْ تَرَى؟
قَالَ: عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ.
قَالَ: أَتَخَوَّفُ بَنِي عَبْدِ المَلِكِ أَنْ لاَ
يَرْضَوْا.
قَالَ: فَوَلِّهِ، وَمِنْ بَعْدِهِ يَزِيْدَ بنِ
عَبْدِ المَلِكِ، وَتَكْتُبُ كِتَاباً وَتَخْتِمُهُ،
وَتَدْعُوْهُم إِلَى بَيْعَةٍ مَخْتُوْمٍ عَلَيْهَا.
قَالَ: فَكَتَبَ العَهْدَ، وَخَتَمَهُ، فَخَرَجَ
رَجَاءُ، وَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُبَايِعُوا لِمَنْ فِي هَذَا
الكِتَابِ.
قَالُوا: وَمَنْ فِيْهِ؟
قَالَ: مَخْتُوْمٌ، وَلاَ تُخْبَرُوْنَ بِمَنْ فِيْهِ
حَتَّى يَمُوْتَ.
فَامْتَنَعُوا، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: انْطَلِقْ إِلَى
أَصْحَابِ الشُّرَطِ، وَنَادِ الصَّلاَةَ جَامِعَةً،
وَمُرْهُم بِالبَيْعَةِ، فَمَنْ أَبَى، فَاضْرِبْ
عُنُقَهُ.
فَفَعَلَ، فَبَايَعُوا.
قَالَ رَجَاءٌ: فَلَمَّا خَرَجُوا، أَتَانِي هِشَامٌ
فِي مَوْكِبِهِ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ مَوْقِفَكَ
مِنَّا، وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ يَكُوْنَ أَمِيْرُ
المُؤْمِنِيْنَ أَزَالَهَا عَنِّي، فَأَعْلِمْنِي مَا
دَامَ فِي الأَمْرِ نَفَسٌ.
قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! يَسْتَكْتِمُنِي أَمِيْرُ
المُؤْمِنِيْنَ، وَأُطْلِعُكَ، لاَ يَكُوْنُ ذَاكَ
أَبَداً، فَأَدَارَنِي، وَأَلاَصَنِي (1) ، فَأَبَيْتُ
عَلَيْهِ، فَانْصَرَفَ.
فَبَيْنَا أَنَا أَسِيْرُ، إِذْ سَمِعْتُ جَلَبَةً
خَلْفِي، فَإِذَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ،
فَقَالَ: يَا رَجَاءُ، قَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَمْرٌ
كَبِيْرٌ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، أَتَخَوَّفُ أَنْ
يَكُوْنَ جَعَلَهَا إِلَيَّ، وَلَسْتُ أَقُوْمُ
بِهَذَا الشَّأْنِ، فَأَعْلِمْنِي مَا دَامَ فِي
الأَمْرِ نَفَسٌ، لَعَلِّي أَتَخَلَّصُ.
قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! يَسْتَكْتِمُنِي أَمْراً
أُطْلِعُكَ عَلَيْهِ!
رَوَى نَحْوَهَا: الوَاقِدِيُّ.
حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ خَالِدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ
أَبِي سُهَيْلٍ، سَمِعَ رَجَاءَ بنَ حَيْوَةَ
يَقُوْلُ، وَزَادَ:
فَصَلَّى عَلَى سُلَيْمَانَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ دَفْنِهِ،
__________
(1) يقال: ألاصه على كذا: إذا أداره على الشئ الذي
يريده، وقال عمر لعثمان في معنى كلمة الاخلاص: هي
الكلمة التي ألاص عليها النبي صلى الله عليه وسلم عمه
يعني أبا طالب عند الموت: شهادة أن لا إله إلا الله،
أي: أداره عليها، وراوده فيها.
(5/124)
أُتِيَ بِمَرَاكِبِ الخِلاَفَةِ، فَقَالَ:
دَابَّتِي أَرْفَقُ لِي.
فَرَكِبَ بَغْلَتَهُ، ثُمَّ قِيْلَ: تَنْزِلُ مَنْزِلَ
الخِلاَفَةِ؟
قَالَ: فِيْهِ عِيَالُ أَبِي أَيُّوْبَ، وَفِي
فُسْطَاطِي كِفَايَةٌ.
فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، قَالَ:
يَا رَجَاءُ، ادْعُ لِي كَاتِباً.
فَدَعَوْتُهُ، فَأَمْلَى عَلَيْهِ كِتَاباً أَحْسَنَ
إِمْلاَءٍ وَأَوْجَزَهُ، وَأَمَرَ بِهِ، فَنُسِخَ
إِلَى كُلِّ بَلَدٍ.
وَقَدْ كَانَ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ مِنْ
أَمْثَلِ الخُلَفَاءِ، نَشَرَ عَلَمَ الجِهَادِ،
وَجَهَّزَ مائَةَ أَلْفٍ بَرّاً وَبَحْراً،
فَنَازَلُوا القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، وَاشْتَدَّ
القِتَالُ وَالحِصَارُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ
سَنَةٍ.
قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: وَلِيَ
سُلَيْمَانُ، فَقَالَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ:
يَا أَبَا حَفْصٍ، إِنَّا وَلِيْنَا مَا قَدْ تَرَى،
وَلَمْ يَكُنْ لَنَا بِتَدْبِيْرِهِ عِلْمٌ، فَمَا
رَأَيْتَ مِنْ مَصْلَحَةِ العَامَّةِ، فَمُرْ بِهِ.
فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ عَزْلُ عُمَّالِ الحَجَّاجِ،
وَأُقِيْمَتِ الصَّلَوَاتُ فِي أَوْقَاتِهَا بَعْدَ
مَا كَانَتْ أُمِيْتَتْ عَنْ وَقْتِهَا، مَعَ أُمُوْرٍ
جَلِيْلَةٍ كَانَ يَسْمَعُ مِنْ عُمَرَ فِيْهَا.
فَقِيْلَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ حَجَّ، فَرَأَى
الخَلاَئِقَ بِالْمَوْقِفِ، فَقَالَ لِعُمَرَ: أَمَا
تَرَى هَذَا الخَلْقَ الَّذِي لاَ يُحْصِي عَدَدَهُم
إِلاَّ اللهُ؟
قَالَ: هَؤُلاَءِ اليَوْمَ رَعِيَّتُكَ، وَهُمْ غَداً
خُصَمَاؤُكَ.
فَبَكَى بُكَاءً شَدِيْداً.
قُلْتُ: كَانَ عُمَرُ لَهُ وَزِيْرَ صِدْقٍ، وَمَرِضَ
بِدَابِقَ أُسْبُوْعاً، وَتُوُفِيَّ، وَكَانَ ابْنُهُ
دَاوُدُ غَائِباً فِي غَزْوِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ.
وَعَنْ رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، قَالَ:
ثَقُلَ سُلَيْمَانُ، وَلَمَّا مَاتَ، أَجْلَسْتُهُ،
وَسَنَّدْتُهُ، وَهَيَّأْتُهُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى
النَّاسِ، فَقَالُوا: كَيْفَ أَصْبَحَ أَمِيْرُ
المُؤْمِنِيْنَ؟
قُلْتُ: أَصْبَحَ سَاكِناً، فَادْخُلُوا سَلِّمُوا
عَلَيْهِ، وَبَايِعُوا بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى مَا فِي
العَهْدِ.
فَدَخَلُوا، وَقُمْتُ عِنْدَهُ، وَقُلْتُ: إِنَّهُ
يَأْمُرُكُمْ بِالوُقُوْفِ.
ثُمَّ أَخَذْتُ الكِتَابَ مِنْ جَيْبِهِ، وَقُلْتُ:
إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ
تُبَايِعُوا عَلَى مَا فِي هَذَا الكِتَابِ.
فَبَايَعُوا، وَبَسَطُوا أَيْدِيَهِم، فَلَمَّا
فَرَغُوا، قُلْتُ: آجَرَكُمُ اللهُ فِي أَمِيْرِ
المُؤْمِنِيْنَ.
(5/125)
قَالُوا: فَمَنْ؟
فَفَتَحْتُ الكِتَابَ، فَإِذَا فِيْهِ: عُمَرُ بنُ
عَبْدِ العَزِيْزِ.
فَتَغَيَّرَتْ وَجُوْهُ بَنِي عَبْدِ المَلِكِ،
فَلَمَّا سَمِعُوا: وَبَعْدَهُ يَزِيْدُ، تَرَاجَعُوا،
وَطُلِبَ عُمَرُ، فَإِذَا هُوَ فِي المَسْجِدِ،
فَأَتَوْهُ، وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِالخِلاَفَةِ،
فَعَقِرَ (1) ، فَلَمْ يَسْتَطِعِ النُّهُوْضَ حَتَّى
أَخَذُوا بَضَبُعَيْهِ، فَأَصْعَدُوْهُ المِنْبَرَ،
فَجَلَسَ طَوِيْلاً لاَ يَتَكَلَّمُ.
فَقَالَ رَجَاءٌ: أَلاَ تَقُوْمُوْنَ إِلَى أَمِيْرِ
المُؤْمِنِيْنَ، فَتُبَايِعُوْنَهُ؟
فَنَهَضُوا إِلَيْهِ، وَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهِم،
فَلَمَّا مَدَّ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ يَدَهُ
إِلَيْهِ، قَالَ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُوْنَ.
فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ، إِنَّا للهِ، حِيْنَ صَارَ
يَلِي هَذِهِ الأُمَّةَ أَنَا وَأَنْتَ.
ثُمَّ قَامَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ،
وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي لَسْتُ بِفَارِضٍ،
وَلَكِنِّي مُنَفِّذٌ، وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ،
وَلَكِنِّي مُتَّبِعٌ، وَإِنَّ مَنْ حَوْلَكُم مِنَ
الأَمْصَارِ إِنْ أَطَاعُوا كَمَا أَطَعْتُم، فَأَنَا
وَالِيْكُم، وَإِنْ هُم أَبَوْا، فَلَسْتُ لَكُم
بِوَالٍ.
ثُمَّ نَزَلَ، فَأَتَاهُ صَاحِبُ المَرَاكِبِ،
فَقَالَ: لاَ، ائْتُوْنِي بِدَابَّتِي.
ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِ الأَمْصَارِ.
قَالَ رَجَاءٌ: كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّهُ سَيَضْعُفُ،
فَلَمَّا رَأَيْتُ صُنْعَهُ فِي الكِتَابِ، عَلِمْتُ
أَنَّهُ سَيَقْوَى.
قَالَ عَمْرُو بنُ مُهَاجِرٍ: صَلَّى عُمَرُ
المَغْرِبَ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى سُلَيْمَانَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: مَاتَ سُلَيْمَانُ يَوْمَ
الجُمُعَةِ، عَاشِرَ صَفَرٍ، سَنَةَ تِسْعٍ
وَتِسْعِيْنَ.
قَالَ خَالِدُ بنُ مِرْدَاسٍ: حَدَّثَنَا الحَكَمُ بنُ
عُمَرَ:
شَهِدْتُ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ حِيْنَ جَاءهُ
أَصْحَابُ مَرَاكِبِ الخِلاَفَةِ يَسْأَلُوْنَهُ
العَلُوْفَةَ وَرِزْقَ خَدَمِهَا.
قَالَ: ابْعَثْ بِهَا إِلَى أَمْصَارِ الشَّامِ
يَبِيْعُوْنَهَا، وَاجْعَلْ أَثَمَانَهَا فِي مَالِ
اللهِ، تَكْفِيْنِي بَغْلَتِي هَذِهِ الشَّهْبَاءُ.
وَعَنِ الضَّحَّاكِ بنِ عُثْمَانَ، قَالَ: لَمَّا
انْصَرَفَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ عَنْ قَبْرِ
سُلَيْمَانَ، قَدَّمُوا لَهُ مَرَاكِبَ سُلَيْمَانَ،
فَقَالَ:
__________
(1) العقر بفتحتين: أن يفجأه الروع، فلا يقدر أن يتقدم
أو يتأخر دهشا، وبابه طرب ومنه قول عمر رضي الله عنه
لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام أبو بكر
فتلا (إنك ميت وإنهم ميتون) : فعقرت حتى خررت إلى
الأرض.
(5/126)
فَلَوْلاَ التُّقَى ثُمَّ النُّهَى
خَشْيَةَ الرَّدَى ... لَعَاصَيْتُ فِي حُبِّ
الصَّبِيِّ كُلَّ زَاجِرِ
قَضَى مَا قَضَى فِيْمَا مَضَى ثُمَّ لاَ تُرَى ...
لَهُ صَبْوَةٌ أُخْرَى اللَّيَالِي الغَوَابِرِ
لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ.
سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ،
عَنْ عُمَرَ بنِ ذَرٍّ:
أَنَّ مَوْلَىً لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ قَالَ
لَهُ بَعْدَ جَنَازَةِ سُلَيْمَانَ: مَا لِي أَرَاكَ
مُغْتَمّاً؟
قَالَ: لِمِثْلِ مَا أَنَا فِيْهِ فَلْيُغْتَمَّ،
لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الأُمَّةِ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيْدُ
أَنْ أُوْصِلَ إِلَيْهِ حَقَّهُ غَيْرَ كَاتِبٍ
إِلَيَّ فِيْهِ، وَلاَ طَالِبِهِ مِنِّي.
قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: خَطَبَهُم عُمَرُ،
فَقَالَ: لَسْتُ بِخَيْرِ أَحَدٍ مِنْكُم، وَلَكِنِّي
أَثْقَلُكُمْ حِمْلاً.
أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
كَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ إِلَى سَالِمٍ
لِيَكْتُبَ إِلَيْهِ بِسِيْرَةِ عُمَرَ فِي
الصَّدَقَاتِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، وَكَتَبَ
إِلَيْهِ:
إِنَّكَ إِنْ عَمِلْتَ بِمِثْلِ عَمَلِ عُمَرَ فِي
زَمَانِهِ وَرِجَالِهِ فِي مِثْل زَمَانِكَ
وَرِجَالِكَ، كُنْتَ عِنْدَ اللهِ خَيْراً مِنْ
عُمَرَ.
قُلْتُ: هَذَا كَلاَمٌ عَجِيْبٌ، أَنَّى يَكُوْنَ
خَيْراً مِنْ عُمَرَ؟!
حَاشَى وَكَلاَّ، وَلَكِنَّ هَذَا القَوْلَ مَحْمُوْلٌ
عَلَى المُبَالَغَةِ، وَأَيْنَ عِزُّ الدِّيْنِ
بِإِسْلاَمِ عُمَرَ؟ وَأَيْنَ شُهُوْدُهُ بَدْراً؟
وَأَيْنَ فَرَقُ الشَّيْطَانِ مِنْ عُمَرَ؟ وَأَيْنَ
فُتُوْحَاتُ عُمَرَ شَرْقاً وَغَرْباً؟ وَقَدْ جَعَلَ
اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ أَبِي هَاشِمٍ:
أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، وَأَبُو
بَكْرٍ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَعُمَرُ عَنْ شِمَالِهِ،
فَإِذَا رَجُلاَنِ يَخْتَصِمَانِ، وَأَنْتَ بَيْنَ
يَدَيْهِ، فَقَالَ لَكَ: يَا عُمَرُ، إِذَا عَمِلْتَ،
فَاعْمَلْ بِعَمَلِ هَذَيْنِ.
فَاسْتَحْلَفَهُ بِاللهِ: لَرَأَيْتَ؟ فَحَلَفَ لَهُ،
فَبَكَى.
قَالَ مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: إِنَّ اللهَ كَانَ
يَتَعَاهَدُ النَّاسَ بِنَبِيٍّ بَعْدَ نَبِيٍّ،
وَإِنَّ اللهَ تَعَاهَدَ النَّاسَ بِعُمَرَ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ.
(5/127)
قَالَ حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ:
لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، بَكَى،
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: كَيْفَ حُبُّكَ لِلدُّنْيَا
وَالدِّرْهَمِ؟
قَالَ: لاَ أُحِبُّهُ.
قَالَ: لاَ تَخَفْ، فَإِنَّ اللهَ سَيُعِيْنُكَ.
يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ
هِشَامِ بنِ يَحْيَى، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي،
قَالَ:
كُنْتُ أَنَا وَابْنُ أَبِي زَكَرِيَّا بِبَابِ عُمَرَ
بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَسَمِعْنَا بُكَاءً،
فَقِيْلَ: خَيَّرَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ
امْرَأَتَهُ بَيْنَ أَنْ تُقِيْمَ فِي مَنْزِلِهَا
وَعَلَى حَالِهَا، وَأَعْلَمَهَا أَنَّهُ قَدْ شُغِلَ
بِمَا فِي عُنُقِهِ عَنِ النِّسَاءِ، وَبَيْنَ أَنْ
تَلْحَقَ بِمَنْزِلِ أَبِيْهَا.
فَبَكَتْ، فَبَكَتْ جَوَارِيْهَا.
جَرِيْرٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ:
كَانَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ سُمَّارٌ
يَسْتشِيْرُهُم، فَكَانَ عَلاَمَةُ مَا بَيْنِهِم
إِذَا أَحَبَّ أَنْ يَقُوْمُوا، قَالَ: إِذَا شِئْتُم.
وَعَنْهُ: أَنَّهُ خَطَبَ، وَقَالَ: وَاللهِ إِنَّ
عَبْداً لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ أَبٌ إِلاَّ
قَدْ مَاتَ، لَمُعْرَقٌ لَهُ فِي المَوْتِ (1) .
جَرِيْرٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ:
جَمَعَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بَنِي مَرْوَانَ
حِيْنَ اسْتُخْلِفَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ لَهُ
فَدَكٌ (2) يُنْفِقُ مِنْهَا، وَيَعُوْدُ مِنْهَا
عَلَى صَغِيْرِ بَنِي هَاشِمٍ، وَيُزَوِّجُ مِنْهَا
أَيِّمَهُم، وَإِنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْهُ أَنْ
يَجْعَلَهَا لَهَا، فَأَبَى، فَكَانَتْ كَذَلِكَ
حَيَاةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، عَمِلاَ فِيْهَا
عَمَلَهُ، ثُمَّ أَقْطَعَهَا مَرْوَانُ، ثُمَّ صَارَت
لِي، فَرَأَيْتُ أَمْراً - مَنَعَهُ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنْتَهُ - لَيْسَ
لِي بِحَقٍّ،
__________
(1) أي: إن له فيه عرقا، وإنه أصيل في الموت، وعرق كل
شيء أصله.
(2) هي قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان أفاءها
الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في سنة سبع صلحا،
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل خيبر، وفتح
حصونها، ولم يبق إلا ثلاث، واشتد بهم الحصار، راسلوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن ينزلهم على
الجلاء وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك، فأرسلوا إلى النبي صلى
الله عليه وسلم أن يصالحهم على النصف من ثمارهم
وأموالهم فأجابهم إلى ذلك، فهي مما لم يوجف عليه بخيل
ولا ركاب، فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
(5/128)
وَإِنِّي أُشْهِدُكُم أَنِّي قَدْ
رَدَدْتُهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(1).
قَالَ اللَّيْثُ: بَدَأَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ
بِأَهْلِ بَيْتِهِ، فَأَخَذَ مَا بِأَيْدِيْهِم،
وَسَمَّى أَمْوَالَهُم مَظَالِمَ، فَفَزِعَتْ بَنُو
أُمَيَّةَ إِلَى عَمَّتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ
مَرْوَانَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ: إِنِّي قَدْ
عَنَانِي أَمْرٌ.
فَأَتَتْهُ لَيْلاً، فَأَنْزَلَهَا عَنْ دَابَّتِهَا،
فَلَمَّا أَخَذَتْ مَجْلِسَهَا، قَالَ: يَا عَمَّةُ،
أَنْتِ أَوْلَى بِالكَلاَمِ.
قَالَتْ: تَكَلَّمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.
قَالَ: إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَحْمَةً، وَلَمْ يَبْعَثْهُ
عَذَاباً، وَاخْتَارَ لَهُ مَا عِنْدَهُ، فَتَرَكَ
لَهُم نَهْراً، شُرْبُهُم سَوَاءٌ، ثُمَّ قَامَ أَبُو
بَكْرٍ، فَتَرَكَ النَّهْرَ عَلَى حَالِهِ، ثُمَّ
عُمَرُ، فَعَمِلَ عَمَلَ صَاحِبِهِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلِ
النَّهْرُ يَشْتَقُّ مِنْهُ يَزِيْدُ، وَمَرْوَانُ،
وَعَبْدُ المَلِكِ، وَالوَلِيْدُ، وَسُلَيْمَانُ،
حَتَّى أَفْضَى الأَمْرُ إِلَيَّ، وَقَدْ يَبِسَ
النَّهْرُ الأَعْظَمُ، وَلَنْ يَرْوِيَ أَهْلَهُ
حَتَّى يَعُوْدَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ.
فَقَالَتْ: حَسْبُكَ، فَلَسْتُ بِذَاكِرَةٍ لَكَ
شَيْئاً.
وَرَجَعَتْ، فَأَبْلَغَتْهُم كَلاَمَهُ.
وَعَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ
عَبْدِ العَزِيْزِ يَقُوْلُ:
لَوْ أَقَمْتُ فِيْكُم خَمْسِيْنَ عَاماً، مَا
اسْتَكْمَلْتُ فِيْكُمُ العَدْلَ، إِنِّي لأُرِيْدُ
الأَمْرَ مِنْ أَمْرِ العَامَّةِ،
__________
(1) أخرجه أبو داود (2972) في الخراج والامارة: باب في
صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاموال،
ورجاله ثقات.
وقال ياقوت في " معجم البلدان ": فكانت في أيدي ولد
فاطمة أيام عمر بن عبد العزيز، فلما ولي يزيد بن عبد
الملك، قبضها فلم تزل في أيدي بني أمية حتى ولي أبو
العباس السفاح الخلافة، فدفعها إلى الحسن بن الحسن بن
علي بن أبي طالب، فكان هو القيم عليها يفرقها في بني
علي ابن ابي طالب، فلما ولي المنصور، وخرج عليه بنو
الحسن، قبضها عنهم، فلما ولي المهدي بن منصور الخلافة،
أعادها عليهم، ثم قبضها موسى الهادي ومن بعده إلى أيام
المأمون، فجاءه رسول بني علي بن أبي طالب، فطالب بها،
فأمر أن يسجل لهم بها، فكتب السجل، وقرئ على المأمون،
فقام دعبل الشاعر وأنشد: أصبح وجه الزمان قد ضحكا *
برد مأمون هاشم فدكا وانظر البخاري 7 / 377 في
المغازي: باب غزوة خيبر، وف ي الجهاد: باب فرض الخمس،
وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب مناقب
قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الفرائض: باب
قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا
نورث ما تركنا صدقة " ومسلم (1759) في الجهاد والسير:
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نورث ما تركنا
صدقة ".
(5/129)
فَأَخَافُ أَلاَّ تَحْمِلَهُ قُلُوْبُهُم،
فَأَخْرُجَ مَعَهُ طَمَعاً مِنْ طَمَعِ الدُّنْيَا (1)
.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَيْسَرَةَ:
قُلْتُ لِطَاوُوْسٍ: هُوَ المَهْدِيُّ -يَعْنِي:
عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ-.
قَالَ: هُوَ المَهْدِيُّ، وَلَيْسَ بِهِ، إِنَّهُ لَمْ
يَسْتَكْمِلِ العَدْلَ كُلَّهُ.
قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: كَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ إِذَا
سُئِلَ عَنِ الطِّلاَءِ (2) ، قَالَ: نَهَى عَنْهُ
إِمَامُ هُدَىً -يَعْنِي: عُمَرَ بنَ عَبْدِ
العَزِيْزِ-.
قَالَ حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
الخُلَفَاءُ خَمْسَةٌ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ،
__________
(1) وتمامه في تاريخ المصنف 4 / 170: فإن أنكرت قلوبكم
هذا، سكنت إلى هذا، وفي " البداية " 9 / 200: وإني
لاريد الامر، فما أنفذه إلا مع طمع من الدنيا حتى تسكن
قلوبهم.
(2) الطلاء بالكسر والمد: الشراب المطبوخ من عصير
العنب وهو الرب.
وقد رأى جواز شربه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة ومعاذ إذا
طبخ، فصار على الثلث، ونقص منه الثلثان، فقد أخرج مالك
2 / 847 من طريق محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن
الخطاب حين قدم الشام، شكا إليه أهل الشام وباء الأرض
وثقلها، وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب، فقال عمر:
اشربوا هذا العسل، فقالوا: لا يصلحنا العسل، فقال رجل
من أهل الأرض: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا
يسكر ؟ قال: نعم، فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان، وبقي
الثلث، فأتوا به عمر، فأدخل فيه عمر أصبعه، ثم رفع
يده، فتبعها يتمطط فقال: هذا الطلاء هو مثل طلاء
الابل، فأمرهم عمر أن يشربوه، فقال له عبادة بن
الصامت: أحللتها والله، فقال عمر: كلا والله، اللهم
إني لاأحل لهم شيئا حرمته عليهم، ولا أحرم عليهم شيئا
أحللته لهم، وأخرج سعيد بن منصور من طريق أبي مجلز عن
عامر بن عبد الله، قال: كتب عمر إلى عمار: أما بعد،
فإنه جاءني عير تحمل شرابا أسود كأنه طلاء الابل،
فذكروا أنهم يطبخونه حتى يذهب ثلثاه الاخبثان: ثلث
بريحه، وثلث ببغيه، فمر من قبلك أن
يشربوه.
ومن طريق سعيد بن المسيب أن عمر أحل من الشراب ما طبخ،
فذهب ثلثاه وبقي ثلثه، وأخرج النسائي 8 / 329 من طريق
عبد الله بن يزيد الخطمي، قال: كتب عمر: اطبخوا شرابكم
حتى يذهب نصيب الشيطان منه، فإن للشيطان اثنين، ولكم
واحد.
قال الحافظ في " الفتح " 10 / 55: وهذه أسانيد صحيحة،
وقد أفصح بعضها بأن المحذور منه السكر، فمتى أسكر لم
يحل، وقد وافق عمر ومن ذكر معه على الحكم المذكور أبو
موسى وأبو الدرداء.
أخرجه النسائي عنهما، وعلي وأبو أمامة وخالد بن الوليد
وغيرهم أخرجها ابن أبي شيبة وغيره، ومن التابعين ابن
المسيب والحسن وعكرمة، ومن الفقهاء الثوري والليث
ومالك وأحمد والجمهور وشرط تناوله عندهم ما لم يسكر،
وكرهه طائفة تورعا.
(5/130)
وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَعُمَرُ بنُ
عَبْدِ العَزِيْزِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُوْنَ.
وَوَرَدَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ نَحْوَهُ.
وَرَوَى: عَبَّادُ بنُ السَّمَّاكِ، عَنِ
الثَّوْرِيِّ، مِثْلَهُ.
أَبُو المَلِيْحِ: عَنْ خُصَيْفٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ فِي المَنَامِ رَجُلاً، وَعَنْ يَمِيْنِهِ
وَشِمَالِهِ رَجُلاَنِ، إِذْ أَقْبَلَ عُمَرُ بنُ
عَبْدِ العَزِيْزِ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ
الَّذِي عَنْ يَمِيْنِهِ وَبَيْنَهُ، فَلَصِقَ
صَاحِبُهُ، فَجَذَبَهُ الأَوْسَطُ، فَأَقْعَدَهُ فِي
حِجْرِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالُوا: هَذَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ، وَهَذَا
عُمَرُ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدٍ: عَنْ عُمَرَ بنِ
أَسِيْدٍ، قَالَ:
وَاللهِ، مَا مَاتَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ
حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِيْنَا بِالمَالِ
العَظِيْمِ، فَيَقُوْلُ: اجْعَلُوا هَذَا حَيْثُ
تَرَوْنَ.
فَمَا يَبْرَحُ يَرْجِعُ بِمَالِهِ كُلِّهِ، قَدْ
أَغْنَى عُمَرُ النَّاسَ.
قَالَ جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: دَخَلْنَا عَلَى
فَاطِمَةَ (1) بِنْتِ الإِمَامِ عَلِيٍّ، فَأَثْنَتْ
عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَقَالَتْ:
فَلَوْ كَانَ بَقِيَ لَنَا، مَا احْتَجْنَا بَعْدُ
إِلَى أَحَدٍ.
وَعَنْ ضَمْرَةَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِذَا دَعَتْكَ قُدْرَتُكَ عَلَى
النَّاسِ إِلَى ظُلْمِهِم، فَاذْكُرْ قُدْرَةَ اللهِ
-تَعَالَى- عَلَيْكَ، وَنَفَادَ مَا تَأْتِي
إِلَيْهِم، وَبَقَاءَ مَا يَأْتُوْنَ إِلَيْكَ.
عُمَرُ بنُ ذَرٍّ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بنُ أَبِي
رَبَاحٍ، قَالَ:
حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ امْرَأَةُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ:
أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ فِي
مُصَلاَّهُ، يَدُهُ عَلَى خَدِّهِ، سَائِلَةٌ
دُمُوْعُهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ،
أَلِشَيْءٍ حَدَثَ؟
قَالَ: يَا فَاطِمَةُ، إِنِّي تَقَلَّدْتُ أَمْرَ
أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَتَفَكَّرْتُ فِي الفَقِيْرِ الجَائِعِ،
وَالمَرِيْضِ الضَّائِعِ، وَالعَارِي المَجْهُوْدِ،
وَالمَظْلُوْمِ المَقْهُوْرِ، وَالغَرِيْبِ
المَأْسُوْرِ، وَالكَبِيْرِ، وَذِي
__________
(1) هي فاطمة الصغرى روت عن أبيها ولم تسمع منه، وعن
أخيها محمد بن الحنفية، وأسماء بنت عميس وروى عنها
الحارث بن كعب الكوفي، والحكم بن عبد الرحمن، وموسى
الجهني، ونافع ابن أبي نعيم القارئ وغيرهم.
قال ابن جرير: توفيت سنة سبع عشرة ومئة.
أخرج حديثها النسائي.
(5/131)
العِيَالِ فِي أَقْطَارِ الأَرْضِ،
فَعَلِمْتُ أَنَّ رَبِّي سَيَسْأَلُنِي عَنْهُم،
وَأَنَّ خَصْمَهُم دُوْنَهُم مُحَمَّدٌ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَشِيْتُ أَلاَّ
تَثْبُتَ لِي حُجَّةٌ عِنْدَ خُصُوْمَتِهِ، فَرَحِمْتُ
نَفْسِي، فَبَكَيْتُ.
وَرَوَى: حَمَّادُ بنُ النَّضْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
المُنْكَدِرِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْهَا، نَحْوَهُ،
وَقَالَ: حَدَّثَتْنِي بَعْدَ وَفَاةِ عُمَرَ.
قَالَ الفِرْيَابِيُّ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ:
أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ جَلَسَ فِي
بَيْتِهِ، وَعِنْدَهُ أَشْرَافُ بَنِي أُمَيَّةَ،
فَقَالَ: أَتُحِبُّوْنَ أَنْ أُوَّلِيَ كُلَّ رَجُلٍ
مِنْكُم جُنْداً مِنْ هَذِهِ الأَجْنَادِ؟
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُم: لِمَ تَعْرِضُ عَلَيْنَا
مَا لاَ تَفْعَلُهُ؟
قَالَ: تَرَوْنَ بِسَاطِي هَذَا، إِنِّي لأَعْلَمُ
أَنَّهُ يَصِيْرُ إِلَى بِلَىً، وَإِنِّي أَكْرَهُ
أَنْ تُدَنِّسُوْهُ عَلَيَّ بِأَرْجُلِكُم، فَكَيْفَ
أُوَلِّيْكُم دِيْنِي؟ وَأُوَلِّيْكُم أَعْرَاضَ
المُسْلِمِيْنَ وَأَبْشَارَهُم تَحْكُمُوْنَ فِيْهِم؟
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ.
قَالُوا: لِمَ، أَمَا لَنَا قَرَابَةٌ؟ أَمَا لَنَا
حَقٌّ؟
قَالَ: مَا أَنْتُم وَأَقْصَى رَجُلٍ مِنَ
المُسْلِمِيْنَ عِنْدِي فِي هَذَا الأَمْرِ إِلاَّ
سَوَاءٌ، إِلاَّ رَجُلٌ حَبَسَهُ عَنِّي طُوْلُ
شُقَّةٍ (1) .
يَحْيَى بنُ أَبِي غَنِيَّةَ: عَنْ حَفْصِ بنِ عُمَرَ
بن أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ:
كَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ إِلَى أَبِي
بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ: أَنْ أَدِقَّ قَلَمَكَ، وَقَارِبْ
بَيْنَ أَسْطُرِكَ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُخْرِجَ
مِنْ أَمْوَالِ المُسْلِمِيْنَ مَا لاَ يَنْتَفِعُوْنَ
بِهِ.
قَالَ مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: أَقَمْتُ عِنْدَ
عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، مَا
رَأَيْتُهُ غَيَّرَ رِدَاءهُ، كَانَ يَغْسِلُ مِنَ
الجُمُعَةِ إِلَى الجُمُعَةِ، وَيَبِيْنَ بِشَيْءٍ
مِنْ زَعْفَرَانَ.
الثَّوْرِيُّ: عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي
حُسَيْنٍ، قَالَ:
كَانَ مُؤَذِّنٌ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ
__________
(1) الشقة: السفر الطويل البعيد، وفي حديث وفد عبد
قيس: إنا نأتيك من شقة بعيدة، أي: مسافة بعيدة.
(5/132)
العَزِيْزِ إِذَا أَذَّنَ، رَعَّدَ،
فَبَعَثَ إِلَيْهِ: أَذِّنْ أَذَاناً سَمْحاً، وَلاَ
تَغُنَّهُ، وَإِلاَّ فَاجْلِسْ فِي بَيْتِكَ.
وَرَوَى: عُمَرُ بنُ مَيْمُوْنٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
مَا زِلْتُ أَلْطُفُ فِي أَمْرِ الأُمَّةِ أَنَا
وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ حَتَّى قُلْتُ لَهُ:
مَا شَأْنُ هَذِهِ الطَّوَامِيْرِ (1) الَّتِي
تَكْتُبُ فِيْهَا بِالقَلَمِ الجَلِيْلِ، وَهِيَ مِنْ
بَيْتِ المَالِ؟!
فَكَتَبَ إِلَى الآفَاقِ بِتَرْكِهِ، فَكَانَتْ
كُتُبُهُ نَحْوَ شِبْرٍ.
قَالَ حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ: أَمَلَّ عَلَيَّ الحَسَنُ
رِسَالَةً إِلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ،
فَأَبْلَغَ، ثُمَّ شَكَى الحَاجَةَ وَالعِيَالَ.
فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ! لاَ تُهَجِّنِ
الكِتَابَ بِالمَسْأَلَةِ، اكْتُبْ هَذَا فِي غَيْرِ
ذَا.
قَالَ: دَعْنَا مِنْكَ.
فَأَمَرَ بِعَطَائِهِ.
قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، اكْتُبْ إِلَيْهِ
فِي المَشُوْرَةِ، فَإِنَّ أَبَا قِلاَبَةَ قَالَ:
كَانَ جِبْرِيْلُ يَنْزِلُ بِالوَحْيِ، فَمَا مَنَعَهُ
- عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - ذَلِكَ أَنْ
أَمَرَهُ اللهُ بِالمَشُوْرَةِ.
فَقَالَ: نَعَمْ.
فَكَتَبَ بِالمَشُوْرَةِ، فَأَبْلَغَ.
رَوَاهُ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْهُ (2) .
خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ:
كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ
رِسَالَةً، لَمْ يَحْفَظْهَا غَيْرِي وَغَيْرُ
مَكْحُوْلٍ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ
المَوْتِ، رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِاليَسِيْرِ،
وَمَنْ عَدَّ كَلاَمَهُ مِنْ عَمَلِهِ، قَلَّ
كَلاَمُهُ إِلاَّ فِيْمَا يَنْفَعُهُ، وَالسَّلاَمُ.
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: كَانَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَاقِبَ رَجُلاً،
حَبَسَهُ ثَلاَثاً، ثُمَّ عَاقَبَهُ، كَرَاهِيَةَ أَنْ
يَعْجَلَ فِي أَوَّلِ غَضَبِهِ.
مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ
سُوَيْدٍ:
أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ صَلَّى بِهِمُ
__________
(1) في " اللسان " عن ابن سيده: الطامور والطومار:
الصحيفة، قيل: هو دخيل، قال: وأراه عربيا محضا، لان
سيبويه قد اعتد به في الابنية.
(2) الخبر في تاريخ المولف 4 / 171، والزيادة منه.
(5/133)
الجُمُعَةَ، ثُمَّ جَلَسَ وَعَلَيْهِ
قَمِيْصٌ مَرْقُوْعُ الجَيْبِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ
وَمِنْ خَلْفِهِ.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ!
إِنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَاكَ، فَلَوْ لَبِسْتَ!
فَقَالَ: أَفْضَلُ القَصْدِ عِنْدَ الجِدَةِ،
وَأَفَضْلُ العَفْوِ عِنْدَ المَقْدِرَةِ (1) .
قَالَ جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: قَالَ عُمَرُ بنُ
عَبْدِ العَزِيْزِ:
إِنَّ نَفْسِي تَوَّاقَةٌ، وَإِنَّهَا لَمْ تُعْطَ
مِنَ الدُّنْيَا شَيْئاً إِلاَّ تَاقَتْ إِلَى مَا
هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، فَلَمَّا أُعْطِيَتْ مَا لاَ
أَفْضَلَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا، تَاقَتْ إِلَى مَا
هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ -يَعْنِي: الجَنَّةَ-.
قَالَ حَمَّادُ بنُ وَاقِدٍ: سَمِعْتُ مَالِكَ بنَ
دِيْنَارٍ يَقُوْلُ:
النَّاسُ يَقُوْلُوْنَ عَنِّي زَاهِدٌ، إِنَّمَا
الزَّاهِدُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الَّذِي
أَتَتْهُ الدُّنْيَا فَتَرَكَهَا.
الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ هِشَامِ
بنِ يَحْيَى، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ
العَزِيْزِ بنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ:
دَعَانِي المَنْصُوْرُ، فَقَالَ: كَمْ كَانَتْ غَلَّةُ
عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ حِيْنَ اسْتُخْلِفَ؟
قُلْتُ: خَمْسُوْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
قَالَ: كَمْ كَانَتْ يَوْمَ مَوْتِهِ؟
قُلْتُ: مائَتَا دِيْنَارٍ.
وَعَنْ مَسْلَمَةَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ وَقَمِيْصُهُ وَسِخٌ، فَقُلْتُ
لامْرَأَتِهِ، وَهِيَ أُخْتُ مَسْلَمَةَ: اغْسِلُوْهُ.
قَالَتْ: نَفْعَلُ.
ثُمَّ عُدْتُ، فَإِذَا القَمِيْصُ عَلَى حَالِهِ،
فَقُلْتُ لَهَا، فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا لَهُ قَمِيْصٌ
غَيْرُهُ.
وَرَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَمْرِو
بنِ مُهَاجِرٍ: كَانَتْ نَفَقَةُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمَيْنِ.
وَرَوَى: سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ، عَنْ
عَوْنِ بنِ المُعْتَمِرِ:
أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ قَالَ
لامْرَأَتِهِ: عِنْدَكِ دِرْهَمٌ أَشْتَرِي بِهِ
عِنَباً؟
قَالَتْ: لاَ.
قَالَ: فَعِنْدَكِ فُلُوْسٌ؟
قَالَتْ: لاَ، أَنْتَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ وَلاَ
تَقْدِرُ عَلَى دِرْهَمٍ!
قَالَ: هَذَا أَهْوَنُ
__________
(1) الخبر في طبقات ابن سعد 5 / 402، وقد تصحفت فيه "
الجدة " إلى " الحدة ".
(5/134)
مِنْ مُعَالَجَةِ الأَغْلاَلِ فِي
جَهَنَّمَ.
مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ: عَنْ رَجُلٍ، قَالَ:
كَانَ سِرَاجُ بَيْتِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ
عَلَى ثَلاَثِ قَصَبَاتٍ، فَوْقَهُنَّ طِيْنٌ.
عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
أَزْهَرَ - صَاحِبٌ لَهُ - قَالَ:
رَأَيْتُ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَخْطُبُ
بِخُنَاصِرَةَ (1) ، وَقَمِيْصُهُ مَرْقُوْعٌ.
قَالَ مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بنُ مُهَاجِرٍ، حَدَّثَنِي أَخِي عَمْرٌو:
أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ كَانَ يَلْبَسُ
بُرْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَيَأْخُذُ قَضِيْبَهُ فِي يَدِهِ يَوْمَ
العِيْدِ.
وَقَالَ مُعَرِّفُ بنُ وَاصِلٍ: رَأَيْتُ عُمَرَ بنَ
عَبْدِ العَزِيْزِ قَدِمَ مَكَّةَ، وَعَلَيْهِ
ثَوْبَانِ أَخَضْرَانِ.
وَقَالَ الوَلِيْدُ بنُ أَبِي السَّائِبِ: كَانَ
لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ جُبَّةُ خَزٍّ
غَبْرَاءُ، وَجُبَّةُ خَزٍّ صَفْرَاءُ، وَكِسَاءُ
خَزٍّ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُهَاجِرٍ:
رَأَيْتَ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَخْطُبُ
الأُوْلَى جَالِساً، وَبِيَدِهِ عَصَا، قَدْ عَرَضَهَا
عَلَى فَخِذِهِ، يَزْعُمُوْنَ أَنَّهَا عصَا رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا
فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، سَكَتَ.
ثُمَّ قَامَ، فَخَطَبَ الثَّانِيَة مُتَوَكِّئاً
عَلَيْهَا، فَإِذَا مَلَّ، لَمْ يَتَوَكَأْ،
وَحَمَلَهَا حَمْلاً، فَإِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ،
وَضَعَهَا إِلَى جَنْبِهِ.
وَفِي (الزُّهْد) لابْنِ المُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا
إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَشِيْطٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ
بنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ عُقْبَةَ بنِ
نَافِعٍ:
أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ عَبْدِ
المَلِكِ،
__________
(1) خناصرة: بليدة من أعمال حلب تحاذي قنسرين نحو
البادية، وقد ذكرها عدي بن الرقاع فقال: وإذا الربيع
تتابعت أنواؤه * فسقى خناصرة الاحص وجادها.
(5/135)
فَقَالَ: أَلاَ تُخْبِرِيْنِي عَنْ عُمَرَ؟
قَالَتْ: مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ اغْتَسَلَ مِنْ
جَنَابَةٍ وَلاَ احْتِلاَمٍ مُنْذُ اسْتُخْلِفَ.
قَالَ يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ
مُهَاجِرٍ:
أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ كَانَ تُسْرَجُ
عَلَيْهِ الشَّمْعَةُ مَا كَانَ فِي حَوَائِجِ
المُسْلِمِيْنَ، فَإِذَا فَرَغَ، أَطْفَأَهَا،
وَأَسْرَجَ عَلَيْهِ سِرَاجَهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: أُتِيَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ
بِعَنْبَرَةٍ، فَأَمْسَكَ عَلَى أَنْفِهِ؛ مَخَافَةَ
أَنْ يَجِدَ رِيْحَهَا.
وَعَنْهُ: أَنَّهُ سَدَّ أَنْفَهُ، وَقَدْ أُحْضِرَ
مِسْكٌ مِنَ الخَزَائِنِ.
خَالِدُ بنُ مِرْدَاسٍ: حَدَّثَنَا الحَكَمُ بنُ
عُمَرَ، قَالَ:
كَانَ لِعُمَرَ ثَلاَثُ مائَةِ حَرَسِيٍّ وَثَلاَثُ
مائَةِ شُرَطِيٍّ، فَشَهِدْتُهُ يَقُوْلُ لِحَرَسِهِ:
إِنَّ لِي عَنْكُم بِالقَدَرِ حَاجِزاً، وَبِالأَجَلِ
حَارِساً، مَنْ أَقَامَ مِنْكُم، فَلَهُ عَشْرَةُ
دَنَانِيْرَ، وَمَنْ شَاءَ، فَلْيَلْحَقْ بِأَهْلِهِ.
عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّ: حَدَّثَنَا
خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ جَعْوَنَةَ، قَالَ:
دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ،
فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّ مَنْ
قَبْلَكَ كَانَتِ الخِلاَفَةُ لَهُم زَيْناً، وَأَنْتَ
زَيْنُ الخِلاَفَةِ.
فَأَعْرَضَ عَنْهُ.
وَعَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عُمَرَ، قَالَ لِي
رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ:
مَا أَكْمَلَ مُرُوْءةَ أَبِيْكَ! سَمَرْتُ عِنْدَهُ،
فَعَشِيَ السِّرَاجُ، وَإِلَى جَانِبِهِ وَصِيْفٌ
نَامَ، قُلْتُ: أَلاَ أُنَبِّهُهُ؟
قَالَ: لاَ، دَعْهُ.
قُلْتُ: أَنَا أَقُوْمُ.
قَالَ: لاَ، لَيْسَ مِنْ مُرُوْءةِ الرَّجُلِ
اسْتِخْدَامُهُ ضَيْفَهُ.
فَقَامَ إِلَى بَطَّةِ (1) الزَّيْتِ، وَأَصْلَحَ
السِّرَاجَ، ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: قُمْتُ وَأَنَا
عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَرَجَعْتُ وَأَنَا
عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ.
وَكَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- فَصِيْحاً، مُفَوَّهاً.
فَرَوَى: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ رَجَاءٍ
__________
(1) البطة: الدبة بلغة أهل مكة، لأنها تعمل على شكل
البطة من الحيوان، وهي إناء كالقارورة.
(5/136)
الرَّمْلِيِّ، عَنْ نُعَيْمِ بنِ عَبْدِ
اللهِ كَاتِبِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ:
أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي مِنْ
كَثِيْرٍ مِنَ الكَلاَمِ مَخَافَةُ المُبَاهَاةِ.
جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: عَنْ مُغِيْرَةَ بنِ حَكِيْمٍ،
قَالَتْ فَاطِمَةُ امْرَأَةُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ:
حَدَّثَنَا مُغِيْرَةُ: أَنَّهُ يَكُوْنَ فِي النَّاسِ
مَنْ هُوَ أَكْثَرُ صَلاَةً وَصِيَاماً مِنْ عُمَرَ
بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً
أَشَدَّ فَرَقاً مِنْ رَبِّهِ مِنْهُ، كَانَ إِذَا
صَلَّى العِشَاءَ، قَعَدَ فِي مَسْجِدِهِ، ثُمَّ
يَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى
تَغْلِبَهُ عَيْنُهُ، ثُمَّ يَنْتَبِهُ، فَلاَ يَزَالُ
يَدْعُو رَافِعاً يَدَيْهِ يَبْكِي حَتَّى تَغْلِبَهُ
عَيْنُهُ، يَفْعَلُ ذَلِكَ لَيْلَهُ أَجْمَعَ.
ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ هِشَامِ بنِ الغَازِ، عَنْ
مَكْحُوْلٍ:
لَوْ حَلَفْتُ، لَصَدَقْتُ، مَا رَأَيْتُ أَزْهَدَ
وَلاَ أَخَوْفَ للهِ مِنْ عُمَرَ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ.
قَالَ النُّفَيْلِيُّ (1) : حَدَّثَنَا النَّضْرُ بنُ
عَرَبِيٍّ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَكَانَ
يَنْتَفِضُ أَبَداً، كَأَنَّ عَلَيْهِ حُزْنَ
الخَلْقِ.
الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ هِشَامٍ
الغَسَّانِيُّ (2) ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي،
عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ لِي عُمَرُ بنُ
عَبْدِ العَزِيْزِ: حَدِّثْنِي.
فَحَدَّثَتْهُ، فَبَكَى بُكَاءً شَدِيْداً، فَقُلْتُ:
لَوْ عَلِمْتُ، لَحَدَّثْتُكَ أَلْيَنَ مِنْهُ.
فَقَالَ: إِنَّا نَأْكُلُ العَدَسَ، وَهِيَ مَا
عَلِمْتُ مُرِقَّةٌ لِلْقَلْبِ، مُغْزِرَةٌ
لِلدَّمْعَةِ، مُذِلَّةٌ لِلْجَسَدِ.
حَكَّامُ بنُ سَلْمٍ: عَنْ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ:
لَمَّا مَرِضَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، جِيْءَ
بِطَبِيْبٍ، فَقَالَ: بِهِ دَاءٌ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ،
غَلَبَ الخَوْفُ عَلَى قَلْبِهِ.
__________
(1) هو أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل
الحراني ثقة حافظ، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن،
وقد تحرف في المطبوع من تاريخ المؤلف 4 / 174 إلى "
الرملي ".
(2) هو إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني كذبه أبو حاتم
وأبو زرعة، وذكره ابن حبان في " الثقات " وتعقبه
المؤلف في " ميزانه " في ترجمة يحيى بن سعيد القرشي،
فقال: والصواب: إبراهيم بن هشام أحد المتروكين الذين
مشاهم ابن حبان، فلم يصب.
قلت: وهو صاحب حديث أبي ذر الطويل الذي أخرجه ابن حبان
في " صحيحه " رقم (94) انفرد به عن أبيه عن جده.
(5/137)
وَعَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بنُ
عَبْدِ العَزِيْزِ يَجْمَعُ كُلَّ لَيْلَةٍ
الفُقَهَاءَ، فَيَتَذَاكَرُوْنَ المَوْتَ
وَالقِيَامَةَ وَالآخِرَةَ، وَيَبْكُوْنَ.
وَقِيْلَ: كَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ إِلَى
رَجُلٍ:
إِنَّكَ إِنِ اسْتَشْعَرْتَ ذِكْرَ المَوْتِ فِي
لَيْلِكَ وَنَهَارِكَ، بَغَّضَ إِلَيْكَ كُلَّ فَانٍ،
وَحَبَّبَ إِلَيْكَ كُلَّ بَاقٍ، وَالسَّلاَمُ.
وَمِنْ شِعْرِهِ:
مَنْ كَانَ حِيْنَ تُصِيْبُ الشَّمْسُ جَبْهَتَهُ ...
أَوِ الغُبَارُ يَخَافُ الشَّيْنَ وَالشَّعَثَا
وَيَأْلَفُ الظِّلَّ كَيْ تَبْقَى بَشَاشَتُهُ ...
فَسَوْفَ يَسْكُنُ يَوْماً رَاغِماً جَدَثَا
فِي قَعْرِ مُظْلِمَةٍ غَبْرَاءَ مُوْحِشَةٍ ...
يُطِيْلُ فِي قَعْرِهَا تَحْتَ الثَّرَى اللَّبَثَا
تَجَهَّزِي بِجِهَازٍ تَبْلُغِيْنَ بِهِ ... يَا
نَفْسُ قَبْلَ الرَّدَى لَمْ تُخْلَقِي عَبَثَا
قَالَ سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: كَانَ عُمَرُ
بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ إِذَا ذَكَرَ المَوْتَ،
اضْطَرَبَتْ أَوْصَالُهُ.
وَمِمَّا رُوِيَ لَهُ:
وَلاَ خَيْرَ فِي عَيْشِ امْرِئٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ...
مِنَ اللهِ فِي دَارِ القَرَارِ نَصِيْبُ
فَإِنْ تُعْجِبِ الدُّنْيَا أُنَاساً فَإِنَّهَا ...
مَتَاعٌ قَلِيْلٌ وَالزَّوَالُ قَرِيْبُ
وَمِمَّا رُوِيَ لَهُ:
أَيَقْظَانُ أَنْتَ اليَوْمَ؟ أَمْ أَنْتَ نَائِمُ ؟
... وَكَيْفَ يُطِيْقُ النَّوْمَ حَيْرَانُ هَائِمُ؟
فَلَوْ كُنْتَ يَقْظَانَ الغَدَاةَ، لَخَرَّقَتْ ...
مَدَامِعَ عَيْنَيْكَ الدُّمُوْعُ السَّوَاجِمُ
تُسَرُّ بِمَا يَبْلَى، وَتَفْرَحُ بِالمُنَى ...
كَمَا اغْتَرَّ بِاللَّذَاتِ فِي اليَوْمِ حَالِمُ
نَهَارُكَ يَا مَغْرُوْرُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ ...
وَلَيْلُكَ نَوْمٌ وَالرَّدَى لَكَ لاَزِمُ
وَسَعْيُكَ فِيْمَا سَوْفَ تَكْرَهُ غِبَّهُ ...
كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا تَعِيْشُ البَهَائِمُ
وَعَنْ وُهَيْبِ بنِ الوَرْدِ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ
بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ يَتَمَثَّلُ كَثِيْراً
بِهَذِهِ:
(5/138)
يُرَى مُسْتَكِيْناً وَهْوَ لِلَّهْوِ
مَاقِتٌ ... بِهِ عَنْ حَدِيْثِ القَوْمِ مَا هُوَ
شَاغِلُهْ
وَأَزْعَجَهُ عِلْمٌ عَنِ الجَهْلِ كُلِّهِ ... وَمَا
عَالِمٌ شَيْئاً كَمَنْ هُوَ جَاهِلُهْ
عَبُوْسٌ عَنِ الجُهَّالِ حِيْنَ يَرَاهُمُ ...
فَلَيْسَ لَهُ مِنْهُم خَدِيْنٌ يُهَازِلُهْ
تَذَكَّرَ مَا يَبْقَى مِنَ العَيْشِ آجِلاً ...
فَأَشْغَلَهُ عَنْ عَاجِلِ العَيْشِ آجِلُهْ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ: سَمِعَ
عُمَيْرَ بنَ هَانِئ يَقُوْلُ:
دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَقَالَ
لِي: كَيْفَ تَقُوْلُ فِي رَجُلٍ رَأَى سِلْسِلَةً
دُلِّيَتْ مِنَ السَّمَاءِ، فَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَعَلَّقَ
بِهَا، فَصَعِدَ، ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ،
فَتَعَلَّقَ بِهَا، فَصَعِدَ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ،
فَتَعَلَّقَ بِهَا، فَصَعِدَ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ،
فَتَعَلَّقَ بِهَا، فَانْقَطَعَتْ، فَلَمْ يَزَلْ
حَتَّى وَصَلَ، ثُمَّ صَعِدَ، ثُمَّ جَاءَ الَّذِي
رَأَى هَذِهِ الرُّؤْيَا، فَتَعَلَّقَ بِهَا،
فَصَعِدَ، فَكَانَ خَامِسَهُم.
قَالَ عُمَيْرٌ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هُوَ هُوَ،
وَلَكِنَّهُ كَنَّى عَنْ نَفْسِهِ.
قُلْتُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُوْنَ الرَّجُلُ عَلِيّاً،
وَمَا أَمْكَنَ الرَّأْيُ يُفْصِحُ بِهِ؛ لِظُهُوْرِ
النُّصْبِ (1) إِذْ ذَاكَ.
قَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا أَرْطَاةُ،
قَالَ:
قِيْلَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: لَوْ جَعَلْتَ
عَلَى طَعَامِكَ أَمِيْناً لاَ تُغْتَالَ،
وَحَرَسِيّاً إِذَا صَلَّيْتَ، وَتَنَحَّ عَنِ
الطَّاعُوْنِ.
قَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي
أَخَافُ يَوْماً دُوْنَ يَوْمِ القِيَامَةِ، فَلاَ
تُؤْمِنْ خَوْفِي.
قَالَ عَلِيُّ بنُ أَبِي حَمَلَةَ: عَنِ الوَلِيْدِ
بنِ هِشَامٍ، قَالَ:
لَقِيَنِي يَهُوْدِيٌّ، فَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ بنَ
عَبْدِ العَزِيْزِ سَيَلِي.
ثُمَّ لَقِيَنِي آخَرُ وِلاَيَةَ عُمَرَ، فَقَالَ:
إِنَّ صَاحِبَكَ قَدْ سُقِيَ، فَمُرْهُ،
فَلْيَتَدَارَكْ نَفْسَهُ.
فَأَعْلَمْتُ عُمَرَ، فَقَالَ: قَاتَلَهُ اللهُ مَا
أَعْلَمَهُ! لَقَدْ عَلِمْتُ السَّاعَةَ الَّتِي
سُقِيْتُ فِيْهَا، وَلَوْ كَانَ شِفَائِي أَنْ
أَمْسَحَ شَحْمَةَ أُذُنِي، مَا فَعَلْتُ.
وَقَدْ رَوَاهَا: أَبُو عُمَيْرٍ بنُ النَّحَّاسِ،
عَنْ ضَمْرَةَ، عَنْهُ، فَقَالَ: عَنْ
__________
(1) أي بغض أمير المؤمنين علي رضي الله عنه مع أنه قد
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال له: " إنه لا يحبك
إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق " أخرجه مسلم في "
صحيحه " (78) في الايمان: باب الدليل على أن حب
الانصار وعليا رضي الله عنه من الايمان، والنسائي 8 /
114، وابن ماجه (114).
(5/139)
عَمْرِو بنِ مُهَاجِرٍ، بَدَلَ الوَلِيْدِ
(1) .
مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ: عَنْ مَعْرُوْفِ بنِ
مُشْكَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ:
قَالَ لِي عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَا يَقُوْلُ
فِيَّ النَّاسِ؟
قُلْتُ: يَقُوْلُوْنَ: مَسْحُوْرٌ.
قَالَ: مَا أَنَا بِمَسْحُوْرٍ.
ثُمَّ دَعَا غُلاَماً لَهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ! مَا
حَمَلَكَ عَلَى أَنْ سَقَيْتَنِي السُّمَّ؟
قَالَ: أَلْفُ دِيْنَارٍ أُعْطِيْتُهَا، وَعَلَى أَنْ
أُعْتَقَ.
قَالَ: هَاتِهَا.
فَجَاءَ بِهَا، فَأَلْقَاهَا فِي بَيْتِ المَالِ،
وَقَالَ: اذْهَبْ حَيْثُ لاَ يَرَاكَ أَحَدٌ (2) .
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ عَمْرِو بنِ
مُهَاجِرٍ، قَالَ:
اشْتَهَى عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ تُفَّاحاً،
فَأَهْدَى لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ
تُفَّاحاً، فَقَالَ: مَا أَطْيَبَ رِيْحَهُ
وَأَحْسَنَهُ!
وَقَالَ: ارْفَعْهُ يَا غُلاَمُ لِلَّذِي أَتَى بِهِ،
وَأَقْرِ مَوْلاَكَ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ
هَدِيَّتَكَ وَقَعَتْ عِنْدَنَا بِحَيْثُ تُحِبُّ.
فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، ابْنُ
عَمِّكَ، وَرَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ، وَقَدْ
بَلَغَكَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَأْكُلُ الهَدِيَّةَ.
قَالَ: وَيْحَكَ! إِنَّ الهَدِيَّةَ كَانَتْ لَهُ
هَدِيَّةً، وَهِيَ اليَوْمَ لَنَا رَشْوَةٌ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قُلْتُ لِعَبْدِ العَزِيْزِ
بنِ عُمَرَ: مَا آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَبُوْكَ؟
فَقَالَ: كَانَ لَهُ مِنَ الوَلَدِ: أَنَا، وَعَبْدُ
اللهِ، وَعَاصِمٌ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَكُنَّا
أُغَيْلِمَةً، فَجِئْنَا كَالمُسَلِّمِيْنَ عَلَيْهِ،
وَالمُوَدِّعِيْنَ لَهُ.
فَقِيْلَ لَهُ: تَرَكْتَ وَلَدَكَ لَيْسَ لَهُ مَالٌ،
وَلَمْ تُؤْوِهِمْ إِلَى أَحَدٍ!
فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأُعْطِيَهُم مَا لَيْسَ لَهُم،
وَمَا كُنْتُ لآخُذَ مِنْهُم حَقّاً هُوَ لَهُم،
وَإِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ فِيْهِم، الَّذِي يَتَوَلَّى
الصَّالِحِيْنَ، إِنَّمَا هُمْ أَحَدُ
__________
(1) وهذا سند رجاله ثقات، رواه يعقوب بن سفيان في "
تاريخه " 1 / 605 عن أبي عمير (وقد تصحف في المطبوع
إلى أبي عمر) واسمه عيسى بن محمد، عن ضمرة، عن عمر بن
أبي حملة، عن عمرو بن مهاجر.
(2) رجال إسناد الخبر ثقات، وقد قال المؤلف في "
تاريخه " 4 / 175 بعد أن أورد الخبر: قلت: كانت بنو
أمية قد تبرمت بعمر، لكونه شدد عليهم، وانتزع كثيرا
مما في أيديهم مما قد غصبوه، وكان قد أهمل التحرز،
فسقوه السم.
(5/140)
رَجُلَيْنِ: صَالِحٌ، أَوْ فَاسِقٌ.
وَقِيْلَ: إِنَّ الَّذِي كَلَّمَهُ فِيْهِم خَالُهُم
مَسْلَمَةُ.
وَرَوَى: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، قَالَ:
قِيْلَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: يَا أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ، لَوْ أَتَيْتَ المَدِيْنَةَ، فَإِنْ
قَضَى اللهُ مَوْتاً، دُفِنْتَ فِي مَوْضِعِ القَبْرِ
الرَّابِعِ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَ: وَاللهِ لأَنْ يُعَذِّبَنِي اللهُ بِغَيْرِ
النَّارِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَعْلَمَ مِنْ
قَلْبِي أَنِّي أُرَانِي لِذَلِكَ أَهْلاً (1) .
وَرَوَى: ابْنُ شَوْذَبٍ، عَنْ مَطَرٍ، مِثْلَهُ.
وَعَنْ لَيْثِ بنِ أَبِي رُقَيَّةَ: أَنَّ عُمَرَ بنَ
عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: أَجْلِسُوْنِي.
فَأَجْلَسُوْهُ، فَقَالَ: أَنَا الَّذِي أَمَرْتَنِي،
فَقَصَّرْتُ، وَنَهَيْتَنِي، فَعَصَيْتُ - ثَلاَثاً -
وَلَكِنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ.
ثُمَّ أَحَدَّ النَّظَرَ، وَقَالَ: إِنِّي لأَرَى
خُضْرَةً مَا هُمْ بِإِنْسٍ وَلاَ جِنٍّ.
ثُمَّ قُبِضَ.
وَرَوَى نَحْوَهَا: أَبُو يَعْقُوْبَ الخَطَّابِيُّ،
عَنِ السَّرِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ.
وَقَالَ المُغِيْرَةُ بنُ حَكِيْمٍ: قُلْتُ
لِفَاطِمَةَ بِنْتِ عَبْدِ المَلِكِ:
كُنْتُ أَسْمَعُ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ فِي
مَرَضِهِ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ أَخْفِ عَلَيْهِم
أَمْرِي وَلَوْ سَاعَةً.
قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ: أَلاَ أَخْرُجُ عَنْكَ،
فَإِنَّك لَمْ تَنَمْ.
فَخَرَجْتُ، فَجَعَلْت أَسْمَعُهُ يَقُوْلُ : {تِلْكَ
الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِيْنَ لاَ
يُرِيْدُوْنَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً،
وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ } [القَصَصُ: 83]
مِرَاراً.
ثُمَّ أَطْرَقَ، فَلَبِثْتُ طَوِيْلاً لاَ يُسْمَعُ
لَهُ حِسٌّ، فَقُلْتُ لِوَصِيْفٍ: وَيْحَكَ! انْظُرْ.
فَلَمَّا دَخَلَ، صَاحَ، فَدَخَلْتُ، فَوَجَدْتُهُ
مَيِّتاً، قَدْ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى القِبْلَةِ،
وَوَضَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى فِيْهِ، وَالأُخْرَى
عَلَى عَيْنَيْهِ.
سَمِعَهَا (2) : جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، مِنْهُ.
__________
(1) أخرجه يعقوب بن سفيان في " تاريخه " 1 / 608 من
طريق أبي النعمان، وابن سعد في " الطبقات " 5 / 404 من
طريق عارم بن الفضل، كلاهما عن حماد بن زيد، عن أيوب،
ورجاله ثقات.
(2) في الأصل: " سمعنا " وهو تحريف، فقد جاء في تاريخ
المصنف 4 / 175: جرير بن حازم حدثني المغيرة بن
حكيم..وأورده أبو نعيم في " الحلية " 5 / 335 من طريق
ابن إسحاق، عن أبي =
(5/141)
عَنْ عُبَيْدِ بنِ حَسَّانٍ، قَالَ: لَمَّا
احْتُضِرَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ:
اخْرُجُوا عَنِّي.
فَقَعَدَ مَسْلَمَةُ وَفَاطِمَةُ عَلَى البَابِ،
فَسَمِعُوْهُ يَقُوْلُ: مَرْحَباً بِهَذِهِ
الوُجُوْهِ، لَيْسَتْ بِوُجُوْهِ إِنْسٍ وَلاَ جَانٍّ،
ثُمَّ تَلاَ : {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا
...} الآيَةَ، ثُمَّ هَدَأَ الصَّوْتُ.
فَقَالَ مَسْلَمَةُ لِفَاطِمَةَ: قَدْ قُبِضَ
صَاحِبُكِ.
فَدَخَلُوا، فَوَجَدُوْهُ قَدْ قُبِضَ.
هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: عَنْ خَالِدٍ الرَّبَعِيِّ،
قَالَ:
إِنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ: أَنَّ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ تَبْكِي عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ أَرْبَعِيْنَ صَبَاحاً.
وَقَالَ هِشَامٌ لَمَّا جَاءَ نَعْيُهُ إِلَى
الحَسَنِ، قَالَ: مَاتَ خَيْرُ النَّاسِ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ العُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا
يَزِيْدُ:
أَنَّ الوَفْدَ الَّذِيْنَ بَعَثَهُمْ عُمَرُ بنُ
عَبْدِ العَزِيْزِ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوْهُ إِلَى
الإِسْلاَمِ، قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَهُ قُدُوْمُنَا،
تَهَيَّأَ لَنَا، وَأَقَامَ البَطَارِقَةَ عَلَى
رَأْسِهِ وَالنَّسْطُوْرِيَّةَ وَاليَعْقُوْبِيَّةَ
(1) ...، إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَتَانِي رَسُوْلُهُ:
أَنْ أَجِبْ.
فَرَكِبْتُ، وَمَضَيْتُ، فَإِذَا أُوْلَئِكَ قَدْ
تَفَرَّقُوا عَنْهُ، وَإِذَا البَطَارِقَةُ قَدْ
ذَهَبُوا، وَوَضَعَ التَّاجَ، وَنَزَلَ عَنِ
السَّرِيْرِ، فَقَالَ: أَتَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ
إِلَيْكَ.
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: إِنَّ صَاحِبَ مَسْلَحَتِي كَتَبَ إِلَيَّ:
أَنَّ الرَّجُلَ الصَّالِحَ عُمَرَ بنَ عَبْدِ
العَزِيْزِ مَاتَ.
قَالَ: فَبَكَيْتُ، وَاشْتَدَّ بُكَائِي، وَارْتَفَعَ
صَوْتِي.
فَقَالَ لِي: مَا يُبْكِيْكَ؟! أَلِنَفْسِكَ تَبْكِي،
أَمْ لَهُ، أَمْ لأَهْلِ دِيْنِكَ؟
قُلْتُ: لِكُلٍّ أَبْكِي.
قَالَ: فَابْكِ لِنَفْسِكَ، وَلأَهْلِ دِيْنِكَ،
__________
= كريب عن ابن المبارك، عن جرير بن حازم (وقد تصحف
فيها إلى جابر بن حازم) عن المغيرة بن حكيم، قال:
حدثتني فاطمة.
وهذا سند قوي وهو في " أخبار عمر " ص 83 للآجري.
(1) النسطورية: أصحاب نسطور الحكيم الذي ظهر في زمان
المأمون، وتصرف في الاناجيل بحكم رأيه، واليعقوبية: هم
أصحاب يعقوب قالوا بالاقانيم الثلاثة إلا أنهم قالوا:
انقلبت الكلمة لحما ودما فصار الاله هو المسيح، وهو
الظاهر بجسده، بل هو هو " الملل والنحل " 1 / 224، 228
للشهرستاني.
(5/142)
فَأَمَّا عُمَرُ، فَلاَ تَبْكِ لَهُ،
فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ عَلَيْهِ خَوْفَ
الدُّنْيَا وَخَوْفَ الآخِرَةِ.
ثُمَّ قَالَ: مَا عَجِبْتُ لِهَذَا الرَّاهِبِ الَّذِي
تَعَبَّدَ فِي صَوْمَعَتِهِ وَتَرَكَ الدُّنْيَا،
وَلَكِنْ عَجِبْتُ لِمَنْ أَتَتْهُ الدُّنْيَا
مُنْقَادَةً، حَتَّى صَارَتْ فِي يَدِهِ، ثُمَّ خَلَّى
عَنْهَا.
ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ:
أَنَّ صَالِحَ بنَ عَلِيٍّ الأَمِيْرَ سَأَلَ عَنْ
قَبْرِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَلَمْ يَجِدْ
مَنْ يُخْبِرُهُ، حَتَّى دُلَّ عَلَى رَاهِبٍ،
فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: قَبْرَ الصِّدِّيْقِ
تُرِيْدُوْنَ؟ هُوَ فِي تِلْكَ المَزْرَعَةِ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ جَمَّازٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
أَوْصَى عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ عِنْدَ
المَوْتِ، فَدَعَا بِشَعْرٍ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَظْفَارٍ مِنْ
أَظْفَارِهِ، فَقَالَ: اجْعَلُوْهُ فِي كَفَنِي (1) .
وَعَنْ رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ: قَالَ لِي عُمَرُ بنُ
عَبْدِ العَزِيْزِ:
كُنْ فِيْمَنْ يُغَسِّلُنِي، وَتَدْخُلُ قَبْرِي،
فَإِذَا وَضَعْتُمُوْنِي فِي لَحْدِي، فَحُلَّ
العُقَدَ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى وَجْهِي، فَإِنِّي قَدْ
دَفَنْتُ ثَلاَثَةً مِنَ الخُلَفَاءِ، كُلُّهُم إِذَا
أَنَا وَضَعْتُهُ فِي لَحْدِهِ حَلَلْتُ العُقَدَ،
ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا وَجْهُهُ مُسْوَدٌّ
إِلَى غَيْرِ القِبْلَةِ.
قَالَ رَجَاءٌ: فَدَخَلْتُ القَبْرَ، وَحَلَلْتُ
العُقَدَ، فَإِذَا وَجْهُهُ كَالقَرَاطِيْسِ فِي
القِبْلَةِ.
إِسْنَادُهَا مُظْلِمٌ، وَهِيَ فِي (طَبَقَاتِ ابْنِ
سَعْدٍ) (2) .
وَرَوَى: ابْنُ سَعْدٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ سَيَّارٍ،
عَنْ عَبَّادِ بنِ عُمَرَ الوَاشِحِيِّ المُؤَذِّنِ،
حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بنُ يَزِيْدَ - وَكَانَ فَاضِلاً
خَيِّراً - عَنْ يُوْسُفَ بنِ مَاهَكَ، قَالَ:
بَيْنَا نَحْنُ نُسَوِّي التُّرَابَ عَلَى قَبْرِ
عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، إِذْ سَقَطَ عَلَيْنَا
كِتَابُ رَقٍّ مِنَ السَّمَاءِ، فِيْهِ:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، أَمَانٌ مِنَ
اللهِ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ مِنَ النَّارِ.
__________
(1) الخبر في " طبقات ابن سعد " 5 / 406 رواه عن شيخه
محمد بن عمر الواقدي، وهو على سعة علمه متروك كما في "
التقريب ".
(2) 5 / 407.
(5/143)
قُلْتُ: مِثْلُ هَذِهِ الآيَةِ لَوْ
تَمَّتْ، لَنَقَلَهَا أَهْلُ ذَاكَ الجَمْعِ، وَلَمَا
انْفَرَدَ بِنَقْلِهَا مَجْهُوْلٌ، مَعَ أَنَّ قَلْبِي
مُنْشَرِحٌ لِلشَّهَادَةِ لِعُمَرَ أَنَّهُ مِنْ
أَهْلِ الجَنَّةِ.
قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: أَخْبَرَنِي ابْنُ
لَهِيْعَةَ، قَالَ:
وَجَدُوا فِي بَعْضِ الكُتُبِ: تَقْتُلُهُ خَشْيَةُ
اللهِ -يَعْنِي: عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ-.
مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ: عَنْ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَيْسَرَةَ:
أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ اشْتَرَى مَوْضِعَ
قَبْرِهِ قَبْل أَنْ يَمُوْتَ بِعَشْرَةِ دَنَانِيْرَ.
وَلِكُثَيِّرِ عَزَّةَ يَرْثِيْهِ:
عَمَّتْ صَنَائِعُهُ، فَعَمَّ هَلاَكُهُ ...
فَالنَّاسُ فِيْهِ كُلُّهُم مَأْجُوْرُ
وَالنَّاسُ مَأْتَمُهُم عَلَيْهِ وَاحِدٌ ... فِي
كُلِّ دَارٍ رَنَّةٌ وَزَفِيْرُ
يُثْنِي عَلَيْكَ لِسَانُ مَنْ لَمْ تُوْلِهِ ...
خَيْراً لأَنَّكَ بِالثَّنَاءِ جَدِيْرُ
رَدَّتْ صَنَائِعُهُ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ ...
فَكَأَنَّهُ مِنْ نَشْرِهَا مَنْشُوْرُ
رَوَى: خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَغَيْرُهُ:
أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ مَاتَ يَوْمَ
الجُمُعَةِ، لِخَمْسٍ بَقِيْنَ مِنْ رَجَبٍ، سَنَةَ
إِحْدَى وَمائَةٍ، بِدَيْرِ سَمْعَانَ (1) مِنْ أَرْضِ
حِمْصَ.
قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَرْضِ المَعَرَّةِ،
وَلَكِنَّ المَعَرَّةَ كَانَتْ مِنْ أَعْمَالِ حِمْصَ
هِيَ وَحَمَاةُ.
وَعَاشَ: تِسْعاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً وَنِصْفاً.
وَقَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ
عَاصِمٍ:
إِنَّهُ مَاتَ لِخَمْسٍ مَضَيْنَ مِنْ رَجَبٍ، يَوْمَ
الخَمِيْسِ، وَدُفِنَ بِدَيْرِ سَمْعَانَ، وَصَلَّى
عَلَيْهِ: مَسْلَمَةُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ.
قَالَ: وَكَانَ أَسْمَرَ، دَقِيْقَ الوَجْهِ،
حَسَنَهُ، نَحِيْفَ الجِسْمِ، حَسَنَ اللِّحْيَةِ،
بِجَبْهَتِهِ شَجَّةٌ.
__________
(1) وقال الشريف الرضي في عمر بن عبد العزيز:
يا ابن عبد العزيز لو بكت العيـ * ن فتى من أمية
لبكيتك
أنت أنقذتنا من السب والشت * م فلو أمكن الجزا لجزيتك
دير سمعان لاعدتك العوادي * خير ميت من آل مروان ميتك
(5/144)
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ: مَاتَ
بِدَيْرِ سَمْعَانَ، مِنْ أَرْضِ حِمْصَ، يَوْمَ
الجُمُعَةِ، لِعَشْرٍ بَقِيْنَ مِنْ رَجَبٍ، وَلَهُ
تِسْعٌ وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً وَنِصْفٌ.
وَقَالَ طَائِفَةٌ: فِي رَجَبٍ - لَمْ يَذْكُرُوا
اليَوْمَ - وَكَانَتْ خِلاَفَتُهُ سَنَتَيْنِ
وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَأَيَّاماً.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ عُمَيْرٍ الرَّقِّيُّ:
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ الخَصِيُّ غُلاَمُ عُمَرَ
بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ:
بَعَثَنِي عُمَرُ بِدِيْنَارَيْنِ إِلَى أَهْلِ
الدَّيْرِ، فَقَالَ: إِنْ بِعْتُمُوْنِي مَوْضِعَ
قَبْرِي، وَإِلاَّ تَحَوَّلْتُ عَنْكُم.
قَالَ هِشَامُ بنُ الغَازِ: نَزَلْنَا مَنْزِلاً
مَرْجِعَنَا مِنْ دَابِقَ، فَلَمَّا ارْتَحَلْنَا،
مَضَى مَكْحُوْلٌ، وَلَمْ نَعْلَمْ أَيْنَ يَذْهَبُ،
فَسِرْنَا كَثِيْراً حَتَّى جَاءَ، فَقُلْنَا: أَيْنَ
ذَهَبْتَ؟
قَالَ: أَتَيْتُ قَبْرَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ،
وَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَمْيَالٍ مِنَ المَنْزِلِ،
فَدَعَوْتُ لَهُ.
ثُمَّ قَالَ: لَوْ حَلَفْتُ مَا اسْتَثْنَيْتُ، مَا
كَانَ فِي زَمَانِهِ أَحَدٌ أَخَوْفَ للهِ وَلاَ
أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا مِنْهُ.
قَالَ الحَكَمُ بنُ عُمَرَ الرُّعَيْنِيُّ: رَأَيْتُ
عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْنِ
وَسَرَاوِيْلَ، وَكَانَ لاَ يُحْفِي شَارِبَهُ،
وَرَأَيْتُهُ يَبْدَأُ بِالخُطْبَةِ قَبْلَ
العِيْدَيْنِ، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُصَلِّي، وَشَهِدْتُ
عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ كَتَبَ إِلَى أَصْحَابِ
الطَّرْزِ:
لاَ تَجْعَلُوا سُدَى الخَزِّ (1) إِلاَّ مِنْ قُطْنٍ،
وَلاَ تَجْعَلُوا فِيْهِ إِبْرِيْسَمَ.
وَصَلَّيْت مَعَهُ، فَكَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ فِي كُلِّ سُوْرَةٍ
يَقْرَؤُهَا (2) ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ الفَجْرَ،
فَقَنَتَ
__________
(1) قال ابن الأثير: الخز: ثياب تنسج من صوف وإبريسم
وهي مباحة قد لبسها الصحابة والتابعون، والسدى بوزن
الحصى: خلاف اللحمة، وهو ما مد طولا في النسج.
(2) جاء في " نصب الراية 1 / 354 نقلا عن الحافظ ابن
عبد الهادي: وما روي عن عمر بن عبد العزيز من الجهر
بها، فباطل لا أصل له.
قلت: وأخرج البخاري 2 / 188 في صفة الصلاة من حديث أنس
بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر
رضي الله عنهم كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب
العالمين، وأخرجه الترمذي (246) وعنده " القراءة " بدل
الصلاه وزاد: عثمان، وأخرجه مسلم =
(5/145)
قَبْلَ الرُّكُوْعِ، وَرَأَيْتُهُ يَأْتِي
العِيْدَيْنِ مَاشِياً، وَيَرْجِعُ مَاشِياً،
وَرَأَيْتُ خَاتَمَهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَفَصُّهُ مِنْ
فِضَّةٍ مُرَبَّعٌ.
فَهَذِهِ الفَوَائِدُ مِنْ نُسْخَةِ خَالِدِ بنِ
مِرْدَاسٍ، سَمِعَهَا مِنَ الحَكَمِ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنِ
المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
المُفَضَّلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَافِرِ
الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرَوَيْه،
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا
مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي عَمْرٌو
النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي سَلَمَةَ،
عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ:
كُنَّا بِعَرَفَةَ، فَمَرَّ عُمَرُ بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ وَهُوَ عَلَى المَوْسِمِ، فَقَامَ النَّاسُ
يَنْظُرُوْنَ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لأَبِي: يَا أَبَةِ!
إِنِّي أَرَى اللهَ يُحِبُّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ
العَزِيْزِ.
قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟
قُلْتُ: لِمَا لَهُ مِنَ الحُبِّ فِي قُلُوْبِ
النَّاسِ.
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-...، فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيْثِ جَرِيْرٍ
عَنْ سُهَيْلٍ، وَهُوَ: (إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ
عَبْداً، دَعَا جِبْرِيْلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ
فُلاَناً فَأَحِبَّهُ.
قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيْلُ.
ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ، فَيَقُوْلُ: إِنَّ
اللهَ يُحِبُّ فُلاَناً، فَأَحِبُّوْهُ.
فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوْضَعُ لَهُ
القَبُوْلُ فِي الأَرْضِ (1)).
سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ حَيَّانَ بنَ
__________
= (399) بلفظ: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم
الله الرحمن الرحيم.
ورواه أحمد 3 / 264 والطحاوي 1 / 119، والدارقطني:
119، وقالوا فيه: فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن
الرحيم، ورواه ابن حبان في " صحيحه " وزاد: ويجهرون
بالحمد لله رب العالمين، وفي لفظ للنسائي 2 / 135،
وابن حبان: فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن
الرحيم، وفي لفظ لأبي يعلى الموصلي في " مسنده ": "
فكانوا يستفتحون القراءة فيما يجهر به بالحمد لله رب
العالمين " وفي لفظ للطبراني في " معجمه " وأبي نعيم
في " الحلية " وابن خزيمة (498) والطحاوي 1 / 119:
وكانوا يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم.
قال الزيلعي: ورجال هذه الروايات كلهم ثقات مخرج لهم
في الصحيح جمع.
(1) أخرجه مسلم (2637) (158) في البر والصلة: باب إذا
أحب الله عبدا حببه إلى عباده.
(5/146)
شُرَيْحٍ عَامِلَ مِصْرَ كَتَبَ إِلَى
عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: إِنَّ أَهْلَ
الذِّمَّةِ قَدْ أَشْرَعُوا فِي الإِسْلاَمِ،
وَكَسَرُوا الجِزْيَةَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّداً
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَاعِياً، وَلَمْ
يَبْعَثْهُ جَابِياً، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي،
فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةَ أَشْرَعُوا فِي
الإِسْلاَمِ، وَكَسَرُوا الجِزْيَةَ، فَاطْوِ
كِتَابَكَ، وَأَقْبِلْ (1) .
ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ:
أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ ذَكَرَ بَعْضَ مَا
مَضَى مِنَ العَدْلِ وَالجَوْرِ، فَقَالَ هِشَامُ بنُ
عَبْدِ المَلِكِ: إِنَّا -وَاللهِ- لاَ نَعِيْبُ
أَبَانَا، وَلاَ نَضَعُ شَرَفَنَا.
فَقَالَ عُمَرُ: أَيُّ عَيْبٍ أَعْيَبُ مِمَّنْ
عَابَهُ القُرْآنُ؟!
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ بنِ
عَبْدِ العَزِيْزِ: جَزَاكَ اللهُ عَنِ الإِسْلاَمِ
خَيْراً.
قَالَ: بَلْ جَزَى اللهُ الإِسْلاَمَ عَنِّي خَيْراً.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ،
عَنْ لُوْطِ بنِ يَحْيَى، قَالَ:
كَانَ الوُلاَةُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ قَبْلَ عُمَرَ
بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ يَشْتِمُوْنَ رَجُلاً -رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ- فَلَمَّا وَلِيَ هُوَ، أَمْسَكَ عَنْ
ذَلِكَ، فَقَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ الخُزَاعِيُّ:
وَلِيْتَ فَلَمْ تَشْتِمْ عَلِيّاً، وَلَمْ تُخِفْ ...
بَرِيّاً، وَلَمْ تَتْبَعْ مَقَالَةَ مُجْرِمِ
تَكَلَّمْتَ بِالحَقِّ المُبِيْنِ، وَإِنَّمَا ...
تَبَيَّنُ آيَاتُ الهُدَى بِالتَّكَلُّمِ
فَصَدَّقْتَ مَعْرُوْفَ الَّذِي قُلْتَ بِالَّذِي ...
فَعَلْتَ، فَأَضْحَى رَاضِياً كُلُّ مُسْلِمِ
لِجَرِيْرٍ:
لَوْ كُنْتُ أَمْلِكُ، وَالأَقْدَارُ غَالِبَةٌ ...
تَأْتِي رَوَاحاً وَتِبْيَاناً وَتَبْتَكِرُ
رَدَدْتُ عَنْ عُمَرَ الخَيْرَاتِ مَصْرَعَهُ ...
بِدَيْرِ سَمْعَانَ، لَكِنْ يَغْلِبُ القَدَرُ (2)
وَلِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ مِنَ الوَلَدِ:
ابْنُهُ عَبْدُ المَلِكِ الَّذِي تُوُفِّيَ قَبْلَهُ،
وَعَبْدُ
__________
(1) رجاله ثقات.
(2) لم أجدهما في المطبوع من ديوانه، وقد أوردهما
الحافظ ابن كثير مع أربعة أبيات أخرى في " البداية "
ونسبها لمحارب بن دثار الكوفي الفقيه الثقة المتوفى
سنة ست عشرة ومئة.
(5/147)
اللهِ الَّذِي وَلِيَ العِرَاقَ، وَعَبْدُ
العَزِيْزِ الَّذِي وَلِيَ الحَرَمَيْنِ، وَعَاصِمٌ،
وَحَفْصٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ، وَعُبَيْدُ اللهِ،
وَإِسْحَاقُ، وَيَعْقُوْبُ، وَيَزِيْدُ، وَإِصْبَغٌ،
وَالوَلِيْدُ، وَزَبَّانُ، وَآدَمُ، وَإِبْرَاهِيْمُ.
فَأُمُّ إِبْرَاهِيْمَ كَلْبِيَّةٌ، وَسَائِرُهُم
لِعَلاَّتٍ (1) .
وَمَاتَ مَعَهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَمائَةٍ: عَمُّهُ
الأَمِيْرُ:
49 - مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ
الأُمَوِيُّ * أَمِيْرُ الجَزِيْرَةِ
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مَرْوَانُ الحِمَارُ،
وَالزُّهْرِيُّ، وَكَانَ مُفْرِطَ القُوَى، شَدِيْدَ
البَأْسِ، مَوْصُوْفاً بِالشَّجَاعَةِ.
كَانَ أَخُوْهُ عَبْدُ المَلِكِ يَغْبِطُهُ عَلَى
ذَلِكَ، وَيَحْسُدُهُ، وَرُبَّمَا قَابَلَهُ بِمَا
يَكْرَهُ، فَغَضِبَ، وَتَجَهَّزَ لِلرَّحِيْلِ إِلَى
أَرْمِيْنِيَةَ، وَأَتَى يُوَدِّعُ أَخَاهُ
الخَلِيْفَةَ، فَقَالَ:
أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلاَّ مَا أَقَمْتَ، فَلَنْ
تَرَى بَعْدَهَا مَا تَكْرَهُ.
وَلَهُ: حُرُوْبٌ، وَمَصَافَّاتٌ (2) مَشْهُوْدَةٌ
مَعَ نَصَارَى الرُّوْمِ.
وَأُمُّهُ: أُمُّ وَلَدٍ.
50 - عَبْدُ العَزِيْزِ ابْنُ الخَلِيْفَةِ الوَلِيْدِ
بنِ عَبْدِ المَلِكِ **
أَبُو الأَصْبَغِ الأُمَوِيُّ.
وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.
وَلِيَ نِيَابَةَ دِمَشْقَ، وَعَزَمَ أَبُوْهُ عَلَى
خَلْعِ أَخِيْهِ سُلَيْمَانَ مِنْ وِلاَيَةِ العَهْدِ
لِيُوَلِّيَ ابْنَهُ هَذَا، وَأَرَادَ عَلَى ذَلِكَ
آلَهُ.
فَامْتَنَعَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَقَالَ:
لِسُلَيْمَانَ فِي أَعْنَاقِنَا بَيْعَةٌ.
فَغَضِبَ الوَلِيْدُ، وَطَيَّنَ عَلَى عُمَرَ، ثُمَّ
فَتَحَ
__________
(1) أولاد العلات: الذين أمهاتهم مختلفة وأبوهم واحد،
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري 6 /
353، 354، ومسلم (2365) من حديث أبي هريرة مرفوعا "
الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد ".
(*) تاريخ خليفة: 325، ابن الأثير 5 / 70، تاريخ
الإسلام 4 / 86، العبر 1 / 121، دول الإسلام 1 / 70،
لسان الميزان 5 / 375، شذرات الذهب 1 / 121، فتوح
البلدان للبلاذري 340.
(2) المصاف: بالفتح وتشديد الفاء: جمع مصنف وهو موضع
الحرب الذي يكون فيه الصفوف
(* *) تاريخ خليفة 305 و306 و311 و312، الطبري 6 /
454، ابن الأثير 4 / 555 و578 و582 و5 / 41 و91 و6 /
438، تاريخ الإسلام 4 / 146.
(5/148)
عَلَيْهِ بَعْدَ ثَلاَثٍ، وَقَدْ ذَبُلَ،
وَمَالَتْ عُنُقُهُ.
وَقِيْلَ: خُنِقَ بِمِنْدِيْلٍ حَتَّى صَاحْتْ أُمُّ
البَنِيْنَ أُخْتُ الوَلِيْدِ، فَلِذَلِكَ شَكَرَ
سُلَيْمَانُ لِعُمَرَ، وَأَعْطَاهُ الخِلاَفَةَ مِنْ
بَعْدِهِ.
وَقَدْ حَجَّ عَبْدُ العَزِيْزِ بِالنَّاسِ، وَغَزَا
الرُّوْمَ، وَكَانَ لَبِيْباً، عَاقِلاً، دَعَا إِلَى
نَفْسِهِ بِالخِلاَفَةِ، فَلَمَّا سَمِعَ
بَاسْتِخْلاَفِ خَالِهِ، سَكَنَ، وَدَخَلَ فِي
الطَّاعَةِ.
51 - عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
زَيْدِ بنِ الخَطَّابِ * (ع)
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الأَمِيْرُ العَادلُ، أَبُو
عُمَرَ العَدَوِيُّ، الخَطَّابِيُّ، المَدَنِيُّ،
الأَعْرَجُ.
وَلَهُ أَخَوَانِ: أَسِيْدٌ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ.
وَلِيَ إِمْرَةَ الكُوْفَةِ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ.
وَرَوَى عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ
سَعْدٍ، وَمُسْلِمِ بنِ يَسَارٍ، وَمِقْسَمٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ عُمَرُ وَزَيْدٌ،
وَالزُّهْرِيُّ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ،
وَطَائِفَةٌ. آخِرُهُم: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ.
وَثَّقَهُ: ابْنُ خِرَاشٍ، وَغَيْرُهُ.
رَوَى: المَدَائِنِيُّ، عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ زَيْدٍ:
أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ أَجَازَ عَامِلَهُ
عَلَى الكُوْفَةِ عَبْدَ الحَمِيْدِ بِعَشْرَةِ
آلاَفٍ.
قُلْتُ: اتَّفَقَ مَوْتُ عَبْدِ الحَمِيْدِ
الخَطَّابِيِّ بِحَرَّانَ، فِي سَنَةِ نَيِّفَ
عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَهُوَ قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ، كَبِيْرُ القَدْرِ.
52 - عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ
المَخْزُوْمِيُّ **
شَاعِرُ قُرَيْشٍ.
وَاسْمُ جَدِّهِ: عُمَرُ بنُ المُغِيْرَةِ بنِ
__________
(*) التاريخ الكبير 6 / 45، التاريخ الصغير 1 / 212،
الجرح والتعديل 6 / 15، تهذيب الكمال: 769، تذهيب
التهذيب 2 / 201 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 273، تهذيب
التهذيب 6 / 119، خلاصة تذهيب الكمال: 222، العقد
الفريد 4 / 436، 437، رغبة الآمل 4 / 437.
(* *) الشعر والشعراء: 348، 352، الجرح والتعديل 6 /
119، الامالي 1 / 227 و2 / 14 و307، =
(5/149)
عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمٍ.
وَفَدَ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ، فَامْتَدَحَهُ،
فَأَجَازَهُ بِمَالٍ جَزِيْلٍ؛ لِشَرَفِهِ، وَحُسْنِ
نَظْمِهِ.
وَلَهُ رِوَايَةٌ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ.
رَوَى عَنْهُ: مُصْعَبُ بنُ شَيْبَةَ، وَعَطَّافُ بنُ
خَالِدٍ (1) .
قِيْلَ: إِنَّهُ غَزَا البَحْرَ، فَاحْتَرَقَتْ
سَفِيْنَتُهُم، وَاحْتَرَقَ.
وَنَظْمُهُ: فَائِقٌ، سَائِرٌ، فَمِنْهُ:
وَلَهُنَّ بِالبَيْتِ العَتِيْقِ لُبَانَةٌ ...
وَالبَيْتُ يَعْرِفُهُنَّ لَوْ يَتَكَلَّمُ
لَوْ كَانَ حَيَّى مِثْلَهُنَّ ظَعَائِناً ... حَيَّى
الحَطِيْمُ وُجُوْهَهُنَّ وَزَمْزَمُ
53 - يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الخَلِيْفَةُ أَبُو
خَالِدٍ القُرَشِيُّ *
الأُمَوِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
اسْتُخْلِفَ بِعَهْدٍ عَقَدَهُ لَهُ أَخُوْهُ
سُلَيْمَانُ بَعْدَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.
وَأُمُّهُ: هِيَ عَاتِكَةُ بِنْتُ يَزِيْدَ بنِ
مُعَاوِيَةَ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ، وَكَانَ
أَبْيَضَ، جَسِيْماً، جَمِيْلاً، مُدَوَّرَ الوَجْهِ،
لَمْ يَتَكَهَّلْ.
قَالَ ابْنُ جَابِرٍ: أَقْبَلَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ
المَلِكِ إِلَى مَجْلِسِ مَكْحُوْلٍ، فَهَمَمْنَا أَنْ
نُوَسِّعَ لَهُ، فَقَالَ: دَعُوْهُ يَتَعَلَّمِ
التَّوَاضُعَ.
ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
يَزِيْدَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ
__________
= الاغاني 1 / 60، 248، الموشح: 201، زهر الآداب: 246،
الكامل: 60 و137 و171 و252 و965 و986 و1004، وفيات
الأعيان 3 / 436، تاريخ الإسلام 4 / 161، سرح العيون:
198، البداية 9 / 92، العقد الثمين 6 / 311، 329، شرح
شواهد المغني 1 / 29، شذرات الذهب 1 / 101، خزانة
الأدب 1 / 240.
(1) قال المؤلف في " تاريخه " 4 / 161: وأخشى أن تكون
رواية عطاف عنه منقطعة، فما أراه بقي إلى حدود العشرين
ومائة، فإنه من طبقة جرير والفرزدق، وعبد الله بن قيس
الرقيات.
(*) تاريخ خليفة 9 / 278، تاريخ اليعقوبي 3 / 52،
الطبري 7 / 21، ابن الأثير 5 / 120، تاريخ الإسلام 4 /
212، العبر 1 / 128، فوات الوفيات 4 / 322، البداية 9
/ 231، شذرات الذهب 1 / 128.
(5/150)
العَزِيْزِ، قَالَ يَزِيْدُ: سِيْرُوا
بِسِيْرَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَأَتَى
بِأَرْبَعِيْنَ شَيْخاً شَهِدُوا أَنَّ الخُلَفَاءَ
مَا عَلَيْهِم حِسَابٌ وَلاَ عَذَابٌ (1) .
وَقَالَ ابْنُ المَاجِشُوْنِ، وَآخَرُ:
إِنَّ يَزِيْد قَالَ: وَاللهِ مَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ بِأَحْوَجَ إِلَى اللهِ مِنِّي.
فَأَقَامَ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً يَسِيْرُ
بِسِيْرَتِهِ، فَتَلَطَّفَتْ حَبَابَةُ، وَغَنَّتْهُ
أَبْيَاتاً، فَقَالَ لِلْخَادِمِ:
وَيْحَكَ! قُلْ لِصَاحِبِ الشُّرَطِ يُصَلِّي
بِالنَّاسِ.
وَهِيَ الَّتِي أَحَبَّ يَوْماً الخَلْوَةَ مَعَهَا،
فَحَذَفَهَا بِعِنَبَةٍ، وَهِيَ تَضْحَكُ، فَوَقَعَتْ
فِي فِيْهَا، فَشَرِقَتْ، فَمَاتَتْ، وَبَقِيَتْ
عِنْدَهُ حَتَّى أَرْوَحَتْ، وَاغْتَمَّ لَهَا، ثُمَّ
زَارَ قَبْرَهَا، وَقَالَ:
فَإِنْ تَسْلُ عَنْكِ النَّفْسُ أَوْ تَدَعِ الصِّبَى
... فَبِاليَأْسِ تَسْلُو عَنْكِ لاَ بِالتَّجَلُّدِ
وَكُلُّ خَلِيْلٍ زَارَنِي فَهُوَ قَائِلٌ : ... مِنَ
اجْلِكِ هَذَا هَامَةُ اليَوْمِ أَوْ غَدِ
ثُمَّ رَجَعَ، فَمَا خَرَجَ إِلاَّ عَلَى النَّعْشِ.
وَقِيْلَ: عَاشَ بَعْدَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً.
وَكَانَتْ بَدِيْعَةَ الحُسْنِ، مُجِيْدَةً
لِلْغِنَاءِ، لاَمَهُ أَخُوْهُ مَسْلَمَةُ مِنْ
شَغَفِهِ بِهَا، وَتَرْكِهِ مَصَالِحَ المُسْلِمِيْنَ،
فَمَا أَفَادَ.
__________
(1) إن صح هذا الخبر، ولا إخاله يصح، فإن هؤلاء الشيوخ
قد شهدوا زورا وبهتانا، ونقضوا الأحاديث الصحيحة
المصرحة أن كل إنسان خليفة أو أميرا أو من عامة الناس
سيسأل يوم القيامة عن كل تصرفاته وأعماله، ويحاسب من
قبل ربه، ويجازى بما يستحق من نعيم أو عذاب، ففي
البخاري 2 / 317 و13 / 100، ومسلم (1829) من حديث ابن
عمر مرفوعا " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الامام
راع ومسؤول عن رعيته..".
وأخررج البخاري 13 / 112، ومسلم (1460) من حديث معقل
بن يسار سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما
من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش
لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " وأخرج أبو داود
(2948) والترمذي (1332) عن أبي مريم الأزدي رضي الله
عنه أنه قال لمعاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: " من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين
فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون
حاجته وخلته وفقره يوم القيامة " وإسناده صحيح، وصححه
الحاكم 4 / 93، 94، وله شاهد من حديث معاذ بن جبل عند
أحمد 5 / 238، 239.
وأخرج الترمذي (2419) والخطيب البغدادي في " اقتضاء
العلم العمل " رقم (1) بسند صحيح عن أبي برزة الاسلمي
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزول
قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم
عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه
فيم أبلاه " وله شاهد من حديث معاذ عند الخطيب والبزار
والطبراني.
(5/151)
وَكَانَ لاَ يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ،
مَصْرُوْفَ الهِمَّةِ إِلَى اللَّهْوِ وَالغَوَانِي.
قِيْلَ: مَشَى مَعَ جَارِيَةٍ فِي قُصُوْرِهِ بَعْدَ
مَوْتِ حَبَابَةَ، فَقَالَتْ جَارِيَتُهُ:
كَفَى حَزَناً بِالوَالِهِ الصَّبِّ أَنْ يَرَى ...
مَنَازِلَ مَنْ يَهْوَى مُعَطَّلَةً قَفْرَا
فَصَاحَ، وَخَرَّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، وَمَاتَ بَعْدَ
أَيَّامٍ.
قِيْلَ: مَاتَ بِسَوَادِ الأُرْدُنِّ، وَمَرِضَ
بِنَوْعٍ مِنَ السِّلِّ.
وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: مَاتَ بِإِرْبِدَ.
وَقَالُوا: مَاتَ لِخَمْسٍ بَقِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ،
سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ.
فَكَانَتْ دَوْلَتُهُ: أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ
وَشَهْراً.
وَعَهِدَ بِالخِلاَفَةِ إِلَى أَخِيْهِ هِشَامٍ، ثُمَّ
مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ الوَلِيْدِ بنِ يَزِيْدَ
ذَاكَ الفُوَيْسِقِ، وَخَلَّفَ أَحَدَ عَشَرَ ابْناً.
54 - كُثَيِّرُ عَزَّةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
الأَسْوَدِ الخُزَاعِيُّ *
مِنْ فُحُوْلِ الشُّعَرَاءِ، وَهُوَ أَبُو صَخْرٍ
كُثَيِّرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ
الخُزَاعِيُّ، المَدَنِيُّ.
امْتَدَحَ عَبْدَ المَلِكِ وَالكِبَارَ.
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ شِيْعِيّاً،
يَقُوْلُ بِتَنَاسُخِ الأَرْوَاحِ، وَكَانَ خَشَبِيّاً
(1) ، يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ، وَكَانَ قَدْ تَتَيَّمَ
بِعَزَّةَ، وَشَبَّبَ بِهَا، وَبَعْضُهُم يُقَدِّمُهُ
عَلَى الفَرَزْدَقِ وَالكِبَارِ.
وَمَاتَ هُوَ وَعِكْرِمَةُ: فِي يَوْمٍ، سَنَةَ سَبْعٍ
وَمائَةٍ.
__________
طبقات ابن سلام: 457، الشعر والشعراء: 410، الاغاني 8
/ 25، المؤتلف والمختلف: 169، الموشح: 143، معجم
الشعراء: 250، اللآلي: 61، شرح ديوان الحماسة 3 / 140،
وفيات الأعيان 4 / 106، تاريخ الإسلام 4 / 186، عيون
الاخبار 2 / 144، شرح شواهد المغني 1 / 131، معاهد
التنصيص 2 / 36، تزيين الاسواق 1 / 43، شذرات الذهب 1
/ 131، خزانة الأدب 2 / 381.
(1) انظر في تعريف الخشبية " شرح القاموس 1 / 234 "،
وقوله يؤمن بالرجعة، أي رجعة علي رضي الله عنه إلى
الدنيا، كذا قال المؤلف، والمعروف أن كثيرا هو على
مذهب الكيسانية الذين ادعو حياة محمد بن الحنفية ولم
يصدقوا بموته، وأنه سيعود بعد الغيبة، وأبياته التالية
شاهدة بذلك: ألا إن الأئمة من قريش * ولاة الحق أربعة
سواء علي والثلاثة من بنيه * هم الاسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبر * وسبط غيبته كربلاء =
(5/152)
|