سير أعلام
النبلاء، ط الرسالة الْجُزْءُ الْسَّابِعُ
1 - مَعْمَرُ بنُ رَاشِدٍ أَبُو عُرْوَةَ الأَزْدِيُّ
مَوْلاَهُم * (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عُرْوَةَ
بنُ أَبِي عَمْرٍو الأَزْدِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ،
نَزِيْلُ اليَمَنِ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ خَمْسٍ، أَوْ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ.
وَشَهِدَ جَنَازَةَ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَطَلَبَ
العِلْمَ وَهُوَ حَدَثٌ.
حَدَّثَ عَنْ: قَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ
دِيْنَارٍ، وَهَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ
السَّبِيْعِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ القُرَشِيِّ،
وَعَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ المَكِّيِّ، وَعَبْدِ اللهِ
بنِ طَاوُوْسٍ، وَمَطَرٍ الوَرَّاقِ، وَعَبْدِ اللهِ أَخِي
الزُّهْرِيِّ، وَالجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، وَسِمَاكِ بنِ
الفَضْلِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، وَعَبْدِ
الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَثَابِتٍ
البُنَانِيِّ، وَعَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُوْدِ، وَيَحْيَى
بنِ أَبِي كَثِيْرٍ،
__________
(*) طبقات ابن سعد: 5 / 546، طبقات خليفة: 288، تاريخ
خليفة: 426، تاريخ البخاري الكبير: 7 / 378 - 379، وتاريخه
الصغير: 2 / 115، وفيهما وفاته سنة (153 ه)، المعارف: 506،
المعرفة والتاريخ: 1 / 139، 140، و2 / 141، 166، 200، 201،
819، 820، 3 / 157، الجرح والتعديل: 8 / 255 - 257، مشاهير
علماء الأمصار: 192 وفيه وفاته (152 ه)، الفهرست: المقالة
الثالثة الفن الأول، الكامل لابن الأثير: 5 / 549، تهذيب
الأسماء واللغات: 2 / 107، تهذيب الكمال: خ: 1354 - 1355،
تذهيب التهذيب: خ: 4 / 57 - 58، تاريخ الإسلام: 6 / 294 -
297، تذكرة الحفاظ: 1 / 190 - 191، ميزان الاعتدال: 4 /
154، العبر 1 / 220 - 221، تهذيب التهذيب: 10 / 243 - 246،
طبقات الحفاظ: 82، خلاصة: تذهيب الكمال: 384، شذرات الذهب:
1 / 235.
(7/5)
وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ،
وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ،
وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَزِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ،
وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَطَبَقَتِهِم.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، مَعَ الصِّدْقِ،
وَالتَّحَرِّي، وَالوَرَعِ، وَالجَلاَلَةِ، وَحُسْنِ
التَّصْنِيْفِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَيُّوْبُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَعَمْرُو
بنُ دِيْنَارٍ، وَطَائِفَةٌ مِنْ شُيُوْخِهِ، وَسَعِيْدُ
بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَالسُّفْيَانَانِ، وَابْنُ
المُبَارَكِ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَغُنْدَرٌ،
وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَبْدِ
الأَعْلَى، وَهِشَامُ بنُ يُوْسُفَ قَاضِي صَنْعَاءَ،
وَأَبُو سُفْيَانَ مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَمَرْوَانُ
بنُ مُعَاوِيَةَ، وَرَبَاحُ بنُ زَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ
عَمْرٍو الوَاقِدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ،
وَمُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ الصَّنْعَانِيَّانِ، وَمُحَمَّدُ
بنُ ثَوْرٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَآخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً: مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ،
بَقِيَ إِلَى آخِرِ سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ ثَابِتٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ،
عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ:
خَرَجْتُ - وَأَنَا غُلاَمٌ - إِلَى جَنَازَةِ الحَسَنِ،
وَطَلَبْتُ العِلْمَ سَنَةَ مَاتَ الحَسَنُ.
قَالَ البُخَارِيُّ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ: عَنْ
مَعْمَرٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ مِنْ قَتَادَةَ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ
سَنَةً، فَمَا شَيْءٌ سَمِعْتُ فِي تِلْكَ السِّنِيْنَ
إِلاَّ وَكَأَنَّهُ مَكْتُوْبٌ فِي صَدْرِي.
يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ
مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَائِشَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ
الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ:
قُلْتُ لِمَعْمَرٍ: كَيْفَ سَمِعْتَ مِنِ ابْنِ شِهَابٍ؟
قَالَ: كُنْتُ مَمْلُوَكاً لِقَوْمٍ مِنْ طَاحِيَةَ (1) ،
فَأَرْسَلُونِي بِبَزٍّ أَبِيْعُهُ، فَقَدِمْتُ
المَدِيْنَةَ، فَنَزَلْتُ
__________
(1) طاحية: أبو بطن من الازد.
انظر " الاشتقاق ": 484، و" جمهرة الأنساب ": 371، و" لسان
العرب ": طحا.
وطاحية أيضا: من مياه بني العجلان، كثيرة النخل بأرض
القعاقع (معجم البلدان).
(7/6)
دَاراً، فَرَأَيتُ شَيْخاً وَالنَّاسُ
حَوْلَهُ يَعرِضُوْنَ عَلَيْهِ العِلْمَ، فَعَرَضْتُ
عَلَيْهِ مَعَهُم.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: رَوَى عَنْ مَعْمَرٍ:
شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ.
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ:
قَالَ مَعْمَرٌ: جِئْتُ الزُّهْرِيَّ بِالرُّصَافَةِ،
فَجَعَلَ يُلْقِي عَلَيَّ.
وَقَالَ هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ: عَرَضَ مَعْمَرٌ عَلَى
هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ.
النَّسَائِيُّ فِي (الكُنَى): أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ
سَعِيْدٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:
مَا أَضُمُّ أَحَداً إِلَى مَعْمَرٍ، إِلاَّ وَجَدْتُ
مَعْمَراً أَطْلَبَ لِلْحَدِيْثِ مِنْهُ، هُوَ أَوَّلُ
مَنْ رَحَلَ إِلَى اليَمَنِ.
حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ:
نَظَرْتُ فِي الأُصُوْلِ مِنَ الحَدِيْثِ، فَإِذَا هِيَ
عِنْدَ سِتَّةٍ مِمَّنْ مَضَى:
مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ: الزُّهْرِيُّ.
وَمِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ.
وَمِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ: قَتَادَةُ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي
كَثِيْرٍ.
وَمِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ: أَبُو إِسْحَاقَ، وَالأَعْمَشُ.
ثُمَّ نَظَرْتُ، فَإِذَا حَدِيْثُ هَؤُلاَءِ السِّتَّةِ
يَصِيْرُ إِلَى أَحَدَ عَشَرَ رَجُلاً: سَعِيْدِ بنِ أَبِي
عَرُوْبَةَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَشُعْبَةَ،
وَالثَّوْرِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ،
وَمَالِكٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَهُشَيْمٍ، وَمَعْمَرِ
بنِ رَاشِدٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ.
قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: مَعْمَرٌ مِنْ أَصْدَقِ
النَّاسِ.
سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ: سَمِعْتُ أَيُّوْبَ -
قَبْلَ الطَّاعُوْنِ - يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ لِي ابْنُ أَبِي
عَرُوْبَةَ: رَوَيْنَا عَنْ مَعْمَرِكُم، فَشَرَّفْنَاهُ.
وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: قِيْلَ لابْنِ عُيَيْنَةَ: أَهَذَا
الحَدِيْثُ مِمَّا حَفِظْتَ عَنْ مَعْمَرٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، رَحِمَ اللهُ أَبَا عُرْوَةَ.
عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ: حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، قَالَ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ
(7/7)
مَعَ أَيُّوْبَ، وَمَعَنَا مَعْمَرٌ فِي
مَسْجِدٍ، فَأَتَى رَجُلٌ، فَسَأَلَ أَيُّوْبَ عَنْ رَجُلٍ
افْتَرَى عَلَى رَجُلٍ، فَحَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ لاَ
يَدَعُهُ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ الحَدَّ.
قَالَ: فَطُلِبَ إِلَيْهِ فِيْهِ، وَطَلَبَتْ إِلَيْهِ
أُمُّه فِيْهِ.
فَجَعَلَ أَيُّوْبُ يُوْمِئُ إِلَى مَعْمَرٍ، وَيَقُوْلُ:
هَذَا يُفْتِيْكَ عَنِ اليَمِيْنِ.
قَالَ: فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ، قَالَ مَعْمَرٌ:
سَمِعْتُ ابْنَ طَاوُوْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ
يُرَخِّصُ فِي تَرْكِهِ.
قَالَ أَيُّوْبُ: وَأَنَا سَمِعْتُ عَطَاءً يُرَخِّصُ فِي
تَرْكِه.
قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ: كُنْتُ
بِالبَصْرَةِ أَنْتَظِرُ قُدُوْمَ أَيُّوْبَ مِنْ مَكَّةَ،
فَقَدِمَ عَلَيْنَا مُزَامِلاً لِمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ،
قَدِمَ مَعْمَرٌ يَزُورُ أُمَّهُ.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قِيْلَ لِلثَّوْرِيِّ: مَا
مَنَعَكَ مِنَ الزُّهْرِيِّ؟
قَالَ: قِلَّةُ الدَّرَاهِمِ، وَقَدْ كَفَانَا مَعْمَرٌ
(1) .
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كُنْتُ أَكُوْنُ مَعَ مَعْمَرٍ،
وَمَعَنَا الثَّوْرِيُّ، فَنَخْرُجُ مِنْ عِنْدِ أَبِي
عُرْوَةَ، فَنُحَدِّثُ عَنْهُ.
أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، قَالَ:
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إِنَّ مَعْمَراً شَرِبَ مِنَ
العِلْمِ بِأَنْقُعٍ (2) .
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الأَنْقُعُ: جَمْعُ: نَقْعٍ،
وَهُوَ هَا هُنَا: مَا يُسْتَنْقَعُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: مَعْمَرٌ:
ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ، بَصْرِيٌّ، سَكَنَ صَنْعَاءَ،
وَتَزَوَّجَ بِهَا، وَرَحَلَ إِلَيْهِ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَالَ هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ:
أَقَامَ مَعْمَرٌ عِنْدَنَا عِشْرِيْنَ سَنَةً، مَا
رَأَيْنَا لَهُ كِتَاباً -يَعْنِي: كَانَ يُحَدِّثُهُم
مِنْ حِفْظِهِ-.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: بَلَغَنِي أَنَّ أَيُّوْبَ شَيَّعَ
مَعْمَراً، وَصَنَعَ لَهُ سُفْرَةً.
__________
(1) سيكرر الخبر في الصفحة: 246، ترجمة سفيان الثوري،
فانظره.
(2) يقال لمن جرب الأمور ومارسها حتى عرفها وخبرها، وقال
ابن الأثير: أي: أنه ركب في طلب الحديث كل حزن، وكتب من كل
وجه، وفي حاشية الأصل ما نصه: وقيل بأنقع أي بكأس أنقع.
(7/8)
سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
إِنِّيْ لأَكتُبُ الحَدِيْثَ مِنْ مَعْمَرٍ، وَقَدْ
سَمِعتُهُ مِنْ غَيْرِهِ.
قَالَ: وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى ذَلِكَ؟
قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الرَّاجِزِ:
قَدْ عَرَفْنَا خَيْرَكَم مِنْ شَرِّكُم ...
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ لِي مَالِكٌ:
نِعْمَ الرَّجُلُ كَانَ مَعْمَرٌ، لَوْلاَ رِوَايَتُهُ
التَّفْسِيْرَ عَنْ قَتَادَةَ.
قُلْتُ: يَظْهَرُ عَلَى مَالِكٍ الإِمَامِ إِعرَاضٌ عَنِ
التَّفْسِيْرِ؛ لانْقِطَاعِ أَسَانِيْدِ ذَلِكَ،
فَقَلَّمَا رَوَى مِنْهُ.
وَقَدْ وَقَعَ لَنَا جُزْءٌ لَطِيْفٌ مِنَ التَّفْسِيْرِ،
مَنقُولٌ عَنْ مَالِكٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ
يَقُوْلُ:
اثْنَانِ إِذَا كُتِبَ حَدِيْثُهُمَا هَكَذَا، رَأَيتُ
فِيْهِ...، وَإِذَا انْتَقَيْتُهُمَا كَانَتْ حِسَاناً:
مَعْمَرٌ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ.
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُقَدَّمِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي:
سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ:
جُمِعَ لِمَعْمَرٍ مِنَ الإِسْنَادِ مَا لَمْ يُجْمَعْ
لأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: أَيُّوْبُ وَقَتَادَةُ
بِالبَصْرَةِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ وَالأَعْمَشُ
بِالكُوْفَةِ، وَالزُّهْرِيُّ وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ
بِالحِجَازِ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ.
الرَّمَادِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ:
حَدَّثتُ يَحْيَى بنَ أَبِي كَثِيْرٍ بِأَحَادِيْثَ،
فَقَالَ: اكْتُبْ حَدِيْثَ كَذَا وَكَذَا.
فَقُلْتُ: أَمَا تَكرَهُ أَنْ تَكتُبَ العِلْمَ يَا أَبَا
نَصْرٍ؟
فَقَالَ: اكْتُبْه لِي، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَتَبتَ،
فَقَدْ ضَيَّعْتَ -أَوْ قَالَ: عَجَزْتَ-.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الحِمْصِيُّ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ رَجَاءَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ:
سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ يَقُوْلُ:
عَلَيْكُم بِهَذَا الرَّجُلِ -يَعْنِي: مَعْمَراً-
فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي زَمَانِهِ أَعْلَمُ مِنْهُ.
(7/9)
قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: لَمَّا دَخَلَ
مَعْمَرٌ صَنْعَاءَ، كَرِهُوا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْنِ
أَظْهُرِهِم، فَقَالَ لَهُم رَجُلٌ: قَيِّدُوْهُ.
قَالَ: فَزَوَّجُوْهُ.
وَقَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ
حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
لَسْتَ تَضُمُّ مَعْمَراً إِلَى أَحَدٍ، إِلاَّ وَجَدْتَه
فَوْقَهُ.
قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ:
ابْنُ عُيَيْنَةَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ مَعْمَرٌ؟
قَالَ: مَعْمَرٌ.
قُلْتُ: فَمَعْمَرٌ أَمْ صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ؟
قَالَ: مَعْمَرٌ إِلَيَّ أَحَبُّ، وَصَالِحٌ ثِقَةٌ.
قُلْتُ: فَمَعْمَرٌ أَوْ يُوْنُسُ؟
قَالَ: مَعْمَرٌ.
قُلْتُ: فَمَعْمَرٌ أَوْ مَالِكٌ؟
قَالَ: مَالِكٌ.
قُلْتُ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقُوْلُوْنَ: ابْنُ
عُيَيْنَةَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي الزُّهْرِيِّ؟
فَقَالَ: إِنَّمَا يَقُوْلُ ذَلِكَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ،
وَأَيَّ شَيْءٍ كَانَ سُفْيَانُ؟ إِنَّمَا كَانَ غُلَيْماً
(1) -يَعْنِي: أَمَامَ الزُّهْرِيِّ-.
قَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى
يُقَدِّمُ مَالِكاً عَلَى أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، ثُمَّ
مَعْمَراً، ثُمَّ يُوْنُسَ.
وَكَانَ القَطَّانُ يُقَدِّمُ ابْنَ عُيَيْنَةَ عَلَى
مَعْمَرٍ.
عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: سَأَلْتُ يَحْيَى
القَطَّانَ: مَنْ أَثْبَتُ فِي الزُّهْرِيِّ؟
قَالَ: مَالِكٌ، ثُمَّ ابْنُ عُيَيْنَةَ، ثُمَّ مَعْمَرٌ.
وَقَالَ الذُّهْلِيُّ: قُلْتُ لابْنِ المَدِيْنِيِّ:
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَمْ: مَعْمَرٌ، عَنْ
هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ أَشْهَرُ، وَهَذَا أَقْوَى.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ
يَقُوْلُ:
إِذَا حَدَّثَكَ مَعْمَرٌ عَنِ العِرَاقِيِّيْنَ،
فَخَافَهُ (2) ، إِلاَّ عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ
وَالزُّهْرِيِّ، فَإِنَّ حَدِيْثَهُ عَنْهُمَا
مُسْتقِيْمٌ،
__________
(1) في الأصل: " غليم ".
(2) كذا الأصل، وفي " تهذيب التهذيب ": 10 / 245: " فخالفه
" وهو الوجه.
(7/10)
فَأَمَّا أَهْلُ الكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ،
فَلَهُ (1) .
وَمَا عَمِلَ فِي حَدِيْثِ الأَعْمَشِ شَيْئاً،
وَحَدِيْثُه عَنْ ثَابِتٍ، وَعَاصِمٍ، وَهِشَامِ بنِ
عُرْوَةَ مُضْطَرِبٌ، كَثِيْرُ الأَوهَامِ.
يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ
المُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ،
قَالَ:
سَقَطَتْ مِنِّي صَحِيْفَةُ الأَعْمَشِ، فَإِنَّمَا
أَتَذَكَّرُ حَدِيْثَهُ، وَأُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِي.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
العَبَّاسِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ أَنَّهُ كَانَ زَوْجُ أُخْتِ امْرَأَةِ مَعْمَرٍ
مَعَ مَعْنِ بنِ زَائِدَةَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهَا
أُخْتُهَا بِدَانجُوجَ، فَعَلِمَ بِذَلِكَ مَعْمَرٌ بَعْد
مَا أَكَلَ، فَقَامَ، فَتَقَيَّأَ.
أَحْمَدُ بنُ شَبَّوَيْه: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
قَالَ:
أَكَلَ مَعْمَرٌ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ فَاكِهَةً، ثُمَّ
سَأَلَ، فَقِيْلَ: هَدِيَّةٌ مِنْ فُلاَنَةٍ
النَّوَّاحَةِ.
فَقَامَ، فَتَقَيَّأَ.
وَبَعَثَ إِلَيْهِ مَعْنٌ - وَالِي اليَمَنِ - بِذَهَبٍ،
فَرَدَّهُ، وَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنْ عَلِمَ بِهَذَا
غَيْرُنَا، لَمْ يَجْتَمِعْ رَأْسِي وَرَأْسُكِ أَبَداً
(2).
قَالَ مُؤَمَّلُ بنُ يَهَابَ (3) : قَالَ عَبْدُ
الرَّزَّاقِ: كَتَبتُ عَنْ مَعْمَرٍ عَشْرَةَ آلاَفِ
حَدِيْثٍ.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: مَا نَعْلمُ أَحَداً عَفَّ عَنْ
هَذَا المَالِ، إِلاَّ الثَّوْرِيَّ، وَمَعْمَراً.
وَبَلَغَنَا أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ قَالَ مَرَّةً:
حَدَّثَنَا أَبُو عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ
أَبِي حَمْزَةَ...، فَذَكَرَ حَدِيْثاً، فَقَلَّ مَنْ
فَطِنَ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ أَنَسٍ.
__________
(1) في المرجع السابق: " فلا ".
(2) في الميزان: 4 / 154: " إن علم بهذا أحد فارقتك ".
(3) بباء مفتوحة ويقال: ابن إهاب. من رجال " التهذيب ".
(7/11)
وَمَعَ كَوْنِ مَعْمَرٍ ثِقَةً، ثَبْتاً،
فَلَهُ أَوهَامٌ، لاَ سِيَّمَا لَمَّا قَدِمَ البَصْرَةَ
لِزِيَارَةِ أُمِّهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ
كُتُبُه، فَحَدَّثَ مِنْ حِفْظِه، فَوَقَعَ
لِلْبَصْرِيِّيْنَ عَنْهُ أَغَالِيْطُ.
وَحَدِيْثُ هِشَامٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ أَصَحُّ؛
لأَنَّهُم أَخَذُوا عَنْهُ مِنْ كُتُبِهِ - وَاللهُ
أَعْلَمُ -.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَوْهَرٍ المُقْرِئُ،
أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا
مَسْعُوْدٌ الصَّالْحَانِيُّ (ح).
وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ مَسْعُوْدٍ،
أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو
نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ،
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّبَرِيُّ،
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ،
عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (مَنِ اطَّلَعَ عَلَى قَوْمٍ فِي بَيْتِهِم
بِغَيْرِ إِذْنِهِم، فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَؤُوا
عَيْنَهُ (1)).
وَبِهِ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(لَوْ يَعْلَمُ الَّذِي يَشْرَبُ وَهُوَ قَائِمٌ مَا فِي
بَطْنِهِ، لاسْتَقَاءهُ (2)).
وَبِهِ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (العَيْنُ حَقٌّ، وَنَهَى عَنِ الوَشْمِ) (3).
__________
(1) هو في " المصنف ": (19433)، وأخرجه مسلم في " صحيحه "
(2158) في الآداب: باب تحريم النظر في بيت غيره، من طريق
زهير بن حرب، عن جرير، عن سهيل به، وأخرجه بمعناه البخاري:
12 / 216، ومسلم (2158) (44) من طريق سفيان، عن أبي
الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة، وأخرجه أحمد: 2 / 385،
والنسائي: 8 / 61، وصححه ابن حبان، كلهم من رواية بشير بن
نهيك، عن أبي هريرة بلفظ: " من اطلع في بيت قوم بغير
إذنهم، فقؤوا عينه، فلا دية ولا قصاص ".
(2) هو في " المصنف ": (19588)، وأخرجه مسلم: (2026) من
طريق عبد الجبار بن العلاء، عن مروان الفزاري، عن عمر بن
حمزة، عن أبي غطفان المري، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يشربن أحد منكم قائما،
فمن نسي فليستقئ ".
(3) هو في " المصنف ": (19779)، وأخرجه البخاري: 10 / 173
في الطب: باب العين حق، من طريق إسحاق بن نصر، عن عبد
الرزاق، وأخرجه مسلم: (2187) من طريق محمد بن رافع، وأبو
داود: (3879) من طريق أحمد بن حنبل، كلاهما عن عبد الرزاق،
ولم يذكرا الجملة الثانية. =
(7/12)
وَبِهِ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ:
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى المُسْبِلِ).
يَعْنِي: إِزَارَهُ (1) .
وَبِهِ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي
الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ
الأَنْصَارِيِّ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ
النُّبُوَّةِ الأُوْلَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِي، فَاصْنَعْ
مَا شِئْتَ (2)).
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا سَالِمُ
بنُ صَصْرَى، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ شَاتِيْلَ،
أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ
اللهِ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ
بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ،
عَنْ أَيُّوْبَ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ:
لَمَّا بَعَثَ مُعَاوِيَةُ بِبَيْعَةِ ابْنِهِ يَزِيْدَ
إِلَى المَدِيْنَةِ، كَتَبَ إِلَيْهِم: إِنَّهُ لَيْسَ
عَلَيْكُم أَمِيْرٌ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْدَمَ
عَلَيَّ، فَلْيَفْعَلْ.
قَالَ: فَخَرَجَ
__________
= والوشم: بفتح الواو، وسكون الشين: أن يغرز إبرة أو نحوها
في موضع من البدن حتى يسيل الدم، ثم يحشى ذلك الموضع
بالكحل أو نحوه، فيخضر.
(1) هو في " المصنف ": (19981)، وأخرجه البخاري: 10 / 219،
في اللباس: باب من جر ثوبه من الخيلاء، من طريق عبد الله
بن يوسف، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي
هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا
ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا "، وأخرجه
مسلم: (2087) في اللباس والزينة: باب تحريم جر الثوب
خيلاء، من طريق عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة، عن
محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة - ورأى رجلا يجر إزاره،
فجعل يضرب الأرض برجله، وهو أمير على البحرين، وهو يقول:
جاء الأمير، جاء الأمير - قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " إن الله لا ينظر إلى من يجر إزاره بطرا ".
(2) هو في " المصنف ": (20149)، وأخرجه البخاري: 6 / 380،
في أحاديث الأنبياء، و: 10 / 434، في الأدب: باب إذا لم
تستح فاصنع ما شئت، من طريق أحمد بن يونس، عن زهير، عن
منصور، عن ربعي بن حراش، عن أبي مسعود.
وقوله: " فاصنع ما شئت ": هو أمر بمعنى الخبر، أو هو
للتهديد، أي: اصنع ما شئت، فإن الله يجزيك، أو معناه: انظر
إلى ما تريد أن تفعله، فإن كان مما لا يستحيا منه فافعله،
وإن كان مما يستحيا منه، فدعه.
أو المعنى: إنك إذا لم تستح من الله من شيء يجب ألا تستحي
منه من أمر الدين، فافعله ولا تبال بالخلق.
(7/13)
عَمْرٌو وَعُمَارَةُ ابْنَا حَزْمٍ،
فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَمْرٌو، فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ!
إِنَّهُ قَدْ كَانَ لِمَنْ قَبْلَكَ بَنُوْنُ، فَلَمْ
يَصْنَعُوا كَمَا صَنَعتَ، وَإِنَّمَا ابْنُكَ فَتَىً مِنْ
فِتْيَانِ قُرَيْشٍ...
فَنَالَ مِنْهُ، فَبَكَى مُعَاوِيَةُ، ثُمَّ عَرِقَ
فَأَرْوَحَ (1) ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ قُلْتَ
بِرَأْيِكَ بِالِغاً مَا بَلَغَ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنِي
وَأَبنَاؤُهُم، فَابْنِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ
أَبْنَائِهِم، ارْفَعْ حَاجَتَكَ.
قَالَ: مَا لِيَ حَاجَةٌ.
فَلَقِيَهُ أَخُوْهُ عُمَارَةُ، فَأَخْبَرَهُ الخَبَرَ،
فَقَالَ عُمَارَةُ: إِنَّا للهِ، أَلِهَذَا جِئْنَا
نَضرِبُ أَكْبَادَهَا مِنَ المَدِيْنَةِ (2) ؟!
قَالَ: فَأْتِهِ.
قَالَ: فَإِنَّهُ لَيُكَلِّمُهُ، إِذْ جَاءَ رَسُوْلُ
مُعَاوِيَةَ إِلَى عُمَارَةَ: ارْفَعْ حَاجَتَكَ وَحَاجَةَ
أَخِيْكَ.
قَالَ: فَفَعَلَ، فَقَضَاهَا (3) .
لَمْ يَقَعْ لَنَا حَدِيْثُ مَعْمَرٍ أَعْلَى مِنْ مِثْلِ
هَذَا، وَحَدِيْثُه وَافِرٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ،
وَفِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ)، وَ(مَعَاجِمِ
الطَّبَرَانِيِّ).
وَوَقَعَ لِي مِنْ (جَامِعِهِ (4)): الجُزْءُ الأَوَّلُ،
وَالثَّانِي، وَالثَّالِثُ.
قَالَ الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ): سَمِعْتُ زَيْدَ بنَ
المُبَارَكِ الصَّنْعَانِيَّ يَقُوْلُ:
مَاتَ مَعْمَرٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ - كَذَا قَالَ -.
بَلْ قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ خَالِدٍ الصَّنْعَانِيُّ
فِيْمَا رَوَاهُ عَنِ ابْنِ رَاهَوَيْه: مَاتَ مَعْمَرٌ
فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ،
فَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ.
وَكَذَا وَرَّخَهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ: أَحْمَدُ، وَأَبُو
عُبَيْدٍ، وَشَبَابٌ، وَالفَلاَّسُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُ
أَحْمَدَ، وَابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلاَنِ: مَاتَ سَنَةَ
__________
(1) أي: تغيرت رائحة عرقه، من قولهم: أروح اللحم: إذا
تغيرت رائحته، وكذلك الماء.
(2) أكبادها: أي أكباد الابل، يقال: فلان تضرب إليه أكباد
الابل، أي: يرحل إليه في طلب العلم وغيره.
(3) رجاله ثقات.
(4) وقد طبع مدرجا في آخر " مصنف " عبد الرزاق، وهو يبدأ
من الجزء العاشر، ص (379) وينتهي بنهاية الكتاب، ولم يشر
محقق " المصنف " إلى ذلك.
(7/14)
أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَكَذَا أَرَّخَ: الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَعَلِيُّ بنُ
المَدِيْنِيِّ - فَاللهُ أَعْلَمُ -.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَاشَ ثَمَانِياً
وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
قَرَأْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهِ:
أَخْبَرَكُم مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَقَرَأْتُ
عَلَى أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَكُمُ
البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالاَ:
أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ الكَاتِبَةُ (1) ، أَنْبَأَنَا
أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ طَلْحَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو
الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ
الصَّفَّارُ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ
الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ بَعْضِهِم،
قَالَ:
مَنْ سَلَّمَ عَلَى سَبْعَةٍ، فَهُوَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ
(2) .
وَبِهِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي
كَثِيْرٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ سَلاَّمٍ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شِبْلٍ:
أَنْ عَلِّمِ النَّاسَ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَجَمَعَهُم، فَقَالَ: إِنِّيْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ:
(تَعَلَّمُوا القُرْآنَ، فَإِذَا عُلِّمْتُمُوْهُ، فَلاَ
تَغْلُوا فِيْهِ، وَلاَ تَجْفُوا عَنْهُ، وَلاَ تَأْكُلُوا
بِهِ، وَلاَ تَسْتَكْثِرُوا بِهِ...)، الحَدِيْثَ (3).
__________
(1) هي شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج بن عمر الابري،
الكاتبة، الدينورية الأصل، البغدادية المولد والوفاة، كانت
من العلماء، وكتبت الخط الجيد، وسمع عليها خلق كثير، وكانت
وفاتها سنة (574 ه)، وقد نيفت على تسعين سنة، انظر: وفيات
الأعيان: 2 / 477 - 478، عبر المؤلف: 4 / 220، شذرات
الذهب: 4 / 248.
وسيترجمها المؤلف فيما بعد.
(2) أبان هو ابن أبي عياش البصري، وهو متروك.
(3) هو في " المصنف ": (19444)، وأخرجه أحمد: 3 / 444، من
طريقه، وسنده قوي كما قال الحافظ في " الفتح "، وتمامه: "
ثم قال: إن التجار هم الفجار، قالوا: يا رسول الله ! أليس
قد أحل الله البيع وحرم الربا ؟ قال: بلى، ولكنهم يحلفون
ويأثمون.
ثم قال: إن الفساق هم أهل النار، قالوا: يا رسول الله !
ومن الفساق ؟ قال: النساء.
قالوا: يا رسول الله ! ألسن أمهاتنا وبناتنا وأخواتنا ؟
قال: بلى، ولكنهن إذا أعطين لم يشكرن، وإذا ابتلين لم
يصبرن، ثم ليسلم الراكب على الراجل، والراجل على الجالس،
والاقل على الأكثر، فمن أجاب السلام كان له، ومن لم يجب
فلا شيء له ". =
(7/15)
وَبِهِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ
هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ: سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ
يَقُوْلُ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (لِيُسَلِّمِ الصَّغِيْرُ عَلَى الكَبِيْرِ،
وَالمَارُّ عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيْلُ عَلَى
الكَثِيْرِ (1)).
وَبِهِ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:
كَانَ نَقْشَ خَاتَمِ أَبِي مُوْسَى: أَسَدٌ بَيْنَ
رَجُلَيْنِ، وَكَانَ نَقشَ خَاتَمِ أَبِي عُبَيْدَةَ:
الخُمْسُ للهِ، وَكَانَ نَقشَ خَاتَمِ أَنَسٍ: كُرْكِيٌ
لَهُ رَأْسَانِ (2) .
وَبِهِ: عَنْ مَعْمَرٍ:
أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ أَخرَجَ
خَاتَماً، زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم - كَانَ يَتَخَتَّمُ بِهِ، فِيْهِ
تِمْثَالُ أَسَدٍ، فَرَأَيْتُ بَعْضَ القَوْمِ غَسَلَهُ
بِالمَاءِ، ثُمَّ شَرِبَهُ (3) .
إِسْنَادُهُ مُرْسَلٌ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفِدَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ،
أَنْبَأَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّيِّ (4) ،
أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ
الخَطِيْبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ،
أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، أَنْبَأَنَا
أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ،
أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ:
عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ: (أَنَّ رَجُلاً مَرَّ بِرَجُلٍ
وَهُوَ سَاجِدٌ، فَوَطِئَ عَلَى رَقَبَتِهِ، فَقَالَ:
وَيْحَكَ،
__________
وقوله: " فلا تغلوا فيه "، أي: لا تجاوزوا حده من حيث لفظه
أو معناه، بأن تتأولوه بباطل.
وقوله: " ولا تجفوا عنه "، أي: لا تبعدوا عن تلاوته.
(1) هو في " المصنف ": (19445)، وأخرجه مسلم: (2160)، في
أول السلام، وأبو داود: (5198)، والترمذي: (2705)،
والبخاري: 11 / 13، في الاستئذان: باب تسليم القليل على
الكثير.
(2) هو في " المصنف ": (19470).
والكركي: طائر كبير، أغبر اللون، طويل العنق والرجلين،
أبتر الذنب، قليل اللحم، يأوي إلى الماء أحيانا.
(3) هو في " المصنف ": (19469).
(4) البطي: بفتح الباء، نسبة إلى قرية بط، على طريق دقوقا.
انظر " التبصير ": 162.
(7/16)
أَتَطَأُ عَلَى رَقَبَتِي وَأَنَا سَاجِدٌ؟
لاَ وَاللهِ لاَ يَغْفِرُ اللهُ لَكَ هَذَا أَبَداً.
فَقَالَ اللهُ: أَيَتَأَلَّى عَلَيَّ؟ فَإِنِّي قَدْ
غَفَرْتُ لَهُ (1)).
وَبِهِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ
رَفَع الحَدِيْثَ، قَالَ:
يَقُوْل الله -تَعَالَى-: (إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إِلَيَّ
الَّذِيْنَ يَتَحَابُّونَ فِيَّ، وَالَّذِيْنَ
يَعْمُرُوْنَ مَسَاجِدِي، وَالَّذِيْنَ يَسْتَغْفِرُوْنَ
بِالأَسْحَارِ، أُوْلِئَكَ الَّذِيْنَ إِذَا أَرَدْتُ
بِخَلْقِي عَذَابِي ذَكَرْتُهُم، فَصَرَفْتُ عَذَابِي عَنْ
خَلْقِي (2)).
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حُمَيْدٍ المَعْمَرِيُّ: قَالَ
مَعْمَرٌ:
لقَدْ طَلَبنَا هَذَا الشَّأْنَ، وَمَا لَنَا فِيْهِ
نِيَّةٌ، ثُمَّ رَزَقنَا اللهُ النِّيَّةَ مِنْ بَعْدُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَاقِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ:
كَانَ يُقَالُ: إِنَّ الرَّجُلَ يَطلُبُ العِلْمَ لِغَيْرِ
اللهِ، فَيَأْبَى عَلَيْهِ العِلْمُ حَتَّى يَكُوْنَ للهِ.
قُلْتُ: نَعَمْ، يَطلُبُهُ أَوَّلاً، وَالحَامِلُ لَهُ
حُبُّ العِلْمِ، وَحُبُّ إِزَالَةِ الجَهْلِ عَنْهُ،
وَحُبُّ الوَظَائِفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُن
عَلِمَ وُجُوبَ الإِخْلاَصِ فِيْهِ، وَلاَ صِدْقَ
النِّيَّةِ، فَإِذَا عَلِمَ، حَاسَبَ نَفْسَهُ، وَخَافَ
مِنْ وَبَالِ قَصدِهِ، فَتَجِيئُه النِّيَّةُ الصَّالِحَةُ
كُلُّهَا، أَوْ بَعْضُهَا، وَقَدْ يَتُوبُ مِنْ نِيَّتِهِ
الفَاسِدَةِ، وَيَندَمُ.
وَعَلاَمَةُ ذَلِكَ: أَنَّهُ يُقْصِرُ مِنَ الدَّعَاوَى
وَحُبِّ المُنَاظَرَةِ، وَمَنْ قَصْدِ التَّكَثُّرِ
بِعِلْمِهِ، وَيُزْرِي عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ تَكَثَّرَ
بِعِلْمِهِ، أَوْ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ مِنْ فُلاَنٍ،
فَبُعْداً لَهُ.
قَالَ هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ القَاضِي: عَرَضَ مَعْمَرٌ
عَلَى هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ،
وَسَمِعَ مِنْهَا سَمَاعاً نَحَواً مِنْ ثَلاَثِيْنَ
حَدِيْثاً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ
يَقُوْلُ:
لَمَّا دَخَلَ الثَّوْرِيُّ اليَمَنَ،
__________
(1) هو في " المصنف ": (20275)، وهو موقوف، وأبو عبيدة لم
يسمع من أبيه.
(2) هو في " المصنف ": (20329)، وفيه انقطاع وجهالة.
(7/17)
أَتَاهُ مَعْمَرٌ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ،
فَحَدَّثَ يَوْماً بِحَدِيْثٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ (1) ، وَهُوَ حَدِيْثٌ يُخطِئُ ابْنُ
عَقِيْلٍ فِيْهِ.
فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ: يَا أَبَا عُرْوَةَ! تَعَسْتَ (2)
.
فغَضِبَ مَعْمَرٌ مِنْ ذَاكَ، فَمَا أَتَى سُفْيَانَ،
فَمَا أَتَاهُ حَتَّى خَرَجَ، وَلاَ سَلَّمَ عَلَيْهِ.
وَمَاتَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ: أُسَامَةُ بنُ
زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، وَأَبَانُ بنُ صَمْعَةَ (3) ،
وَثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، وَالحَسَنُ بنُ عُمَارَةَ،
وَفِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ (4) ، وَهِشَامُ بنُ الغَازِ (5).
2 - صَالِحُ بنُ عَلِيِّ ابْنِ حَبْرِ الأُمَّةِ عَبْدِ
اللهِ بنِ عَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ *
الأَمِيْرُ، الشَّرِيْفُ، أَبُو عَبْدِ
__________
(1) أخرجه ابن ماجه: (3122)، من طريق عبد الرزاق، عن سفيان
الثوري، عن عبد الله ابن محمد بن عقيل، عن أبي سلمة، عن
عائشة وعن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
" كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين
موجوءين، فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد الله بالتوحيد، وشهد
له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد وعن آل محمد ".
قال البوصيري في " الزوائد ": ورقة 195: هذا إسناد حسن،
عبد لله بن محمد مختلف فيه.
ورواه البيهقي من طريق الطبراني عن ابن أبي مريم، عن
الفريابي، عن سفيان، فذكره بإسناده ومتنه، ورواه أحمد بن
منيع في " مسنده " حدثنا سفيان، عن عبد الله بن محمد بن
عقيل بتمامه.
وله شاهد من حديث أبي رافع عند أحمد: 6 / 8، وآخر عن جابر
عند أبي يعلى، وثالث عن أبي سعيد عند أبي يعلى أيضا، ورابع
عن حذيفة بن أسيد عند الطبراني، يتقوى بها الحديث ويصح.
انظر " مجمع الزوائد ": 4 / 21 - 23.
(2) تعست: أي: عثرت وهلكت.
والتعس: السقوط على أي وجه كان.
يقال: تعست، بفتح العين: إذا خاطبت بالدعاء، وإن دعوت على
غائب كسرتها.
(3) ستأتي ترجمته: ص 61.
(4) ستأتي ترجمته: ص 30.
(5) في الأصل: " النعار "، وهو تحريف.
انظر ترجمته ص 60.
(*) تاريخ الإسلام: 6 / 202، دول الإسلام: 1 / 104، النجوم
الزاهرة: 1 / 323، 331، تهذيب ابن عساكر: 6 / 378 - 379.
(7/18)
المَلِكِ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ،
عمُّ المَنْصُوْرِ، أَحَدُ الأَبْطَالِ المَذْكُوْرِيْنَ.
هُوَ الَّذِي افْتَتَحَ مِصْرَ، وَانتُدِبَ لِحَرْبِ
مَرْوَانَ الحِمَارِ (1) ، فَجَهَّزَ جَيْشاً فِي
طَلَبِهِ، فَأَدْرَكُوْهُ بِبُوْصِيْرَ - قَرْيَةٍ مِنْ
أَعْمَالِ مِصْرَ - فَبَيَّتُوهُ، فَقَاتَلَ المِسْكِيْنُ
حَتَّى قُتِلَ.
وَوَلِيَ صَالِحٌ نِيَابَةَ دِمَشْقَ، وَلَهُ عِدَّةُ
أَوْلاَدٍ كُبَرَاءَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ إِسْمَاعِيْلُ، وَعَبْدُ
المَلِكِ.
وَقَدْ عَمِلَ المَصَافَّ (2) مَعَ الرُّوْمِ بِدَابِقَ،
وَعَلَيْهِمُ الطَّاغِيَةُ قُسْطَنْطِيْنُ بنُ أَليُوْنَ،
وَكَانُوا مائَةَ أَلْفٍ، فَهَزَمَهُم صَالِحٌ، وَقَتَلَ،
وَأَسَرَ، وَسَبَى، وَأَنشَأَ مَدِيْنَةَ أَذَنَةَ (3)
مِنَ الثُّغُورِ.
وَوَلِيَ الشَّامَ بَعْدَهُ: ابْنُهُ الفَضْلُ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، أَوِ اثْنَتَيْنِ
وَخَمْسِيْنَ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ سِتِّيْنَ سَنَةً.
__________
(1) هو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الأموي، أبو عبد
الملك، ويعرف بالجعدي، وبالحمار، آخر خلفاء بني أمية في
الشام، له حروب وفتوحات كثيرة، استوى على عرش بني مروان
سنة (127 ه)، وفي أيامه قويت الدعوة العباسية، وقد فر من
المعركة التي جرت بين جيشه وجيش قحطبة بن شبيب الطائي
بالزاب بين الموصل وإربل، والتي انهزم فيها جيشه، وقد
استدرك مروان هذا ببوصير من أعمال مصر فقتل فيها سنة (132
ه).
ويقال له: " الحمار " أو " حمار الجزيرة " لجرأته في
الحروب.
وأما شهرته بالجعدي.
فنسبة إلى مؤدبه الجعد بن درهم.
انظر: الكامل لابن الأثير 5 / 424 - 429 وتاريخ الإسلام: 5
/ 32، أخبار سنة (127) وما بعدها، والبداية والنهاية: 10 /
22 - 25 وما بعدها، و: 11 / 42 - 48، وتاريخ الخلفاء: 254
- 255، وشذرات الذهب: 1 / 153.
(2) المصاف، بالفتح وتشديد الفاء: جمع مصف، وهو موضع الحرب
الذي يكون فيه الصفوف.
(3) أذنة، بوزن حسنة: بلد من الثغور قرب المصيصة مشهور،
خرج منه جماعة من أهل العلم، وسكنه آخرون.
قال أحمد بن يحيى بن جابر: بنيت أذنة سنة إحدى أو اثنتين
وأربعين ومئة، وجنود خراسان معسكرون عليها بأمر صالح بن
علي بن عبد الله بن عباس، ثم بنى الرشيد القصر الذي عند
أذنة قريب من جسرها على سيحان في حياة أبيه المهدي سنة
(165 ه)، فلما كانت سنة (193 ه) بنى أبو سليم فرج الخادم
أذنة وأحكم بناءها وحصنها، وندب إليها رجالا من أهل خراسان
وذلك بأمر محمد الامين بن الرشيد. (انظر معجم البلدان).
(7/19)
3 - أَبُو العُمَيْسِ المَسْعُوْدِيُّ
عُتْبَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ * (ع)
ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ الهُذَلِيُّ،
المَسْعُوْدِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَخُو المُحَدِّثِ
المَسْعُوْدِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
يَرْوِي عَنِ: الشَّعْبِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ،
وَقَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، وَعَوْنِ بنِ أَبِي جُحَيْفَةَ،
وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: وَكِيْعٌ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَجَعْفَرُ بنُ
عَوْنٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ
العُلَمَاءِ.
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو العُمَيْسِ، عَنِ القَاسِمِ -يَعْنِي:
ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ- قَالَ:
مَدَّ الفُرَاتُ، فَجَاءَ بِرُمَّانَةٍ مِثْلِ البَعِيْرِ،
فَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّهَا مِنَ الجَنَّةِ.
تُوُفِّيَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَيَقعُ حَدِيْثُه عَالِياً فِي (جُزْءِ الجَابِرِيِّ) (1)
.
4 - عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ اللهِ
الأَنْصَارِيُّ ** (م، 4)
ابْنِ الحَكَمِ بنِ رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ،
المَدِيْنِيُّ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ،
__________
(*) طبقات ابن سعد: 6 / 366، التاريخ الكبير: 6 / 527 -
528، المعرفة والتاريخ: 2 / 163، 655، الجرح والتعديل: 6 /
372، تهذيب الكمال: خ: 904 - 905، تذهيب التهذيب: خ: 3 /
27، تهذيب التهذيب: 7 / 97، خلاصة تذهيب الكمال: 257.
(1) الجابري: قال ابن حجر في " تبصير المنتبه ": 1 / 285:
اسمه عبد الله بن جعفر الموصلي، وجزؤه هذا رواه عنه أبو
نعيم.
(* *) طبقات خليفة: 272، تاريخ خليفة: 426، التاريخ
الكبير: 6 / 51، المعرفة والتاريخ: 1 / 427، 2 / 458،
الضعفاء: خ: 249، الجرح والتعديل: 6 / 10، مشاهير علماء
الأمصار: 131 وفيه كنيته: أبو حفص، تهذيب الكمال: خ: 765،
تذهيب التهذيب: خ: 2 / 200، تاريخ الإسلام: 6 / 221، ميزان
الاعتدال: 2 / 539، عبر الذهبي: 1 / 220، تهذيب التهذيب: 6
/ 111 - 112، خلاصة تذهيب الكمال: 221 - 222.
(7/20)
الثِّقَةُ، أَبُو سَعْدٍ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَنَافِعٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ
عُمَرَ بنِ عَطَاءٍ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَعَمِّ
أَبِيْهِ؛ عُمَرَ بنِ الحَكَمِ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي
حَبِيْبٍ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَأَبُو
أُسَامَةَ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَالوَاقِدِيُّ، وَبَكْرُ بنُ
بَكَّارٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَكَذَا قَالَ النَّسَائِيُّ.
وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَنْقِمُ عَلَيْهِ
خُرُوْجَه مَعَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ (1)
، وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ المَدِيْنَةِ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ:
كَانَ سُفْيَانُ يَحْمِلُ عَلَى عَبْدِ الحَمِيْدِ،
فَكَلَّمْتُهُ فِيْهِ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُهُ؟
ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: مَا أَدْرِي مَا شَأْنُهُ وَشَأْنَه!
وَنَقَلَ عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ:
كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يُضَعِّفُ عَبْدَ الحَمِيْدِ
بنَ جَعْفَرٍ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ عَبْدُ الحَمِيْدِ ثِقَةً،
يُرْمَى بِالقَدَرِ.
قُلْتُ: قَدْ لُطِخَ بِالقَدَرِ جَمَاعَةٌ، وَحَدِيْثُهُم
فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) أَوْ أَحَدِهِمَا؛ لأَنَّهُم
مَوصُوفُوْنَ بِالصِّدْقِ وَالإِتْقَانِ.
__________
(1) هو: محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي
طالب، وكان خروجه على المنصور مع أخيه إبراهيم، ذلك أنهما
تخلفا عن الحضور عند المنصور عندما حج في ذلك العام،
فطلبهما وبالغ في ذلك، وقبض على أبيهما مع عدد من أهل
البيت، وسجنهم، وماتوا في سجنه، فثار محمد هذا في المدينة،
وسجن متوليها، وصار له شأن، وعمال على المدن إلى أن أرسل
إليه المنصور جيشا بقيادة ابن عمه عيسى بن موسى فقضى عليه
سنة (145 ه).
انظر: تاريخ الطبري: 7 / 17، وما بعدها، أخبار سنة (144)،
والكامل لابن الأثير: 5 / 513 - 527، الوافي بالوفيات: 3 /
297 - 300، شذرات الذهب: 1 / 213، أخبار سنة (144).
(7/21)
مَاتَ عَبْدُ الحَمِيْدِ: فِي سَنَةِ
ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
احْتجَّ بِهِ الجَمَاعَةُ سِوَى البُخَارِيِّ، وَهُوَ
حَسَنُ الحَدِيْثِ.
5 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَافِعٍ أَبُو إِسْحَاقَ
المَخْزُوْمِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، أَبُو إِسْحَاقَ
المَخْزُوْمِيُّ، المَكِّيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُسْلِمِ بنِ
يَنَّاقَ، وَابْنِ طَاوُوْسٍ، وَابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
أَبِي نَجِيْحٍ.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَزَيْدُ
بنُ الحُبَابِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَخَلاَّدُ بنُ يَحْيَى،
وَأَبُو حُذَيْفَةَ مُوْسَى بنُ مَسْعُوْدٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ حَافِظاً.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: هُوَ أَوْثَقُ
شَيْخٍ كَانَ بِمَكَّةَ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سِتِّيْنَ
وَمائَةٍ، أَوْ بَعْدَهَا.
6 - سَعِيْدُ بنُ أَبِي أَيُّوْبَ مِقْلاَصٍ الخُزَاعِيُّ
مَوْلاَهُم ** (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو يَحْيَى
المِصْرِيُّ، الفَقِيْهُ، الخُزَاعِيُّ مَوْلاَهُم.
وَاسْمُ وَالِدِه: مِقْلاَصٌ.
وُلِدَ سَعِيْدٌ: سَنَةَ مائَةٍ.
__________
(*) طبقات خليفة: 284، التاريخ الكبير: 1 / 332، 333،
الجرح والتعديل: 2 / 140 - 141، تهذيب الكمال: خ: 64،
تذهيب التهذيب: خ: 1 / 42 - 43، الوافي بالوفيات: 6 / 152،
العقد الثمين: 3 / 267، تهذيب التهذيب: 1 / 174، خلاصة
تذهيب الكمال: 23.
(* *) طبقات خليفة: 296، التاريخ الكبير: 3 / 458، التاريخ
الصغير: 2 / 96، الضعفاء: خ: 149، مشاهير علماء الأمصار:
191، تهذيب الكمال: خ: 481، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 13، عبر
المؤلف: 1 / 237، تهذيب التهذيب: 4 / 7 - 8، خلاصة تذهيب
الكمال: 136، شذرات الذهب: 1 / 251.
وقد أجمعت هذه الكتب على أن وفاته كانت سنة (149 ه)،
باستثناء المؤلف هنا وفي " العبر "، إضافة إلى " الشذرات "
فقد أرخا وفاته سنة: (161 ه).
(7/22)
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي عَقِيْلٍ زُهْرَةَ
بنِ مَعْبَدٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَجَعْفَرِ
بنِ رَبِيْعَةَ، وَعُقَيْلِ بنِ خَالِدٍ، وَعَبْدِ
الرَّحِيْمِ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَكَعْبِ بنِ عَلْقَمَةَ،
وَطَبَقَتِهِم.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ
- وَابْنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ،
وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَرَوْحُ بنُ
صَلاَحٍ، وَطَائِفَةٌ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
7 - أَبُو أَيُّوْبَ المُوْرِيَانِيُّ سُلَيْمَانُ بنُ
أَبِي سُلَيْمَانَ الخُوْزِيُّ *
وَزِيْرُ المَنْصُوْرِ، سُلَيْمَان بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ
الخُوْزِيُّ (1) ، تَمَكَّنَ مِنَ المَنْصُوْرِ تَمَكُّناً
لاَ مَزِيْدَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلاً كَاتِباً
لِلأَمِيْرِ سُلَيْمَانَ بنِ حَبِيْبِ بنِ المُهَلَّبِ بنِ
أَبِي صُفْرَةَ، وَكَانَ المَنْصُوْرُ يَنُوبُ عَنْ هَذَا
الأَمِيْرِ فِي بَعْضِ كُوَرِ فَارِسٍ - فِيْمَا نَقَلَهُ
ابْنُ خَلِّكَانَ - فَصَادَرَه، وَضَرَبَهُ، فَلَمَّا
صَارَتِ الخِلاَفَةُ إِلَى المَنْصُوْرِ، قَتَلَهُ.
كَانَ المُوْرِيَانِيُّ قَدْ دَافَعَ عِنْدَ سُلَيْمَانَ
كَثِيْراً عَنِ المَنْصُوْرِ، فَاسْتَوْزَرَهُ، ثُمَّ
غَضِبَ عَلَيْهِ، وَنَسَبَهُ إِلَى أَخْذِ الأَمْوَالِ،
وَأَضْمَرَ لَهُ، فَكَانَ كُلَّمَا هَمَّ بِهِ، دَخَلَ
أَبُو أَيُّوْبَ وَقَدْ دَهَنَ حَاجِبَيْهِ بِدُهْنٍ
مَسْحُوْرٍ، فَصَارَ فِي أَلْسِنَةِ العَامَّةِ: دُهْنُ
أَبِي أَيُّوْبَ.
ثُمَّ إِنَّهُ اسْتَأْصَلَه وَعَذَّبَهُ، وَأَخَذَ مِنْهُ
أَمْوَالاً عَظِيْمَةً.
__________
(*) تاريخ الطبري: 8 / 42، 44، الوزراء والكتاب: 97 - 140
ضمن أخبار أيام المنصور، معجم البلدان: 5 / 221 الكامل
لابن الأثير: 5 / 612، وفيات الأعيان: 2 / 410 - 414،
تاريخ الإسلام: 6 / 188، شذرات الذهب: 1 / 236.
(1) في الوفيات: 4 / 210: أبو أيوب سليمان بن أبي سليمان
مخلد، وقيل: داود، المورياني الخوزي.
(7/23)
وَكَذَلِكَ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةُ،
قَرِيْبَةُ الرَّزِيَّةِ.
مَاتَ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ،
وَكَانَ مِنْ دُهَاةِ العَالِمِ، وَلَهُ مُشَارَكَةٌ
قَويَّةٌ فِي: الأَدَبِ، وَالفَلسَفَةِ، وَالحِسَابِ،
وَالكِيْمِيَاءِ، وَالسِّحرِ، وَالنُّجُوْمِ، وَلَكِنَّهُ
لَيْسَ بِفَقِيْهٍ.
وَكَانَ سَمْحاً، جَوَاداً، مُتَمَوِّلاً.
8 - بَشَّارُ بنُ بُرْدٍ أَبُو مُعَاذٍ البَصْرِيُّ
الضَّرِيْرُ *
شَاعِرُ العَصْرِ، أَبُو مُعَاذٍ البَصْرِيُّ،
الضَّرِيْرُ، بَلَغَ شِعرُه الفَائِقُ نَحْواً مِنْ
ثَلاَثَةَ عَشَرَ أَلْفَ بَيْتٍ.
نَزَلَ بَغْدَادَ، وَمَدَحَ الكُبَرَاءَ.
وَهُوَ مِنْ مَوَالِي بَنِي عُقَيْلٍ، وَيُلَقَّبُ:
بِالمُرَعَّثِ؛ لِلُبْسِه فِي الصِّغَرِ رِعَاثاً، وَهِيَ
الحلقُ، وَاحِدُهَا: رَعَثَةٌ (1) ، وَوُلِدَ أَعْمَى.
قَالَ أَبُو تَمَّامٍ: هُوَ أَشعَرُ النَّاسِ وَالسَّيِّدُ
الحِمْيَرِيُّ (2) فِي وَقْتِهِمَا. وَهُوَ القَائِلُ:
__________
(*) الشعرو الشعراء: 2 / 757 - 760، طبقات ابن المعتز: 21
- 31، تاريخ الطبري: 8 / 181، الاغاني: 3 / 135 - 250،
الفهرست: المقالة الرابعة الفن الثاني، تاريخ بغداد: 7 /
112 - 118، الكامل لابن الأثير: 6 / 70، 74، 86، وفيات
الأعيان: 1 / 271 - 274، عبر الذهبي: 1 / 252، نكت
الهميان: 125، معاهد التنصيص: 1 / 97 - 102، البداية
والنهاية: 10 / 149 - 150، لسان الميزان: 2 / 15 - 16،
شذرات الذهب: 1 / 264 - 265، خزانة الأدب: 1 / 541 - 542.
(1) في الأصل، و" لسان العرب "، و" التهذيب "، و" التاج "
بفتح الراء، ووقع خطأ ضم الراء في المطبوع من المحيط.
(2) هو إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري،
شاعر إمامي متقدم، قال أبو عبيدة: أشعر المحدثين السيد
الحميري وبشار.
وكان يتعصب لبني هاشم تعصبا شديدا، وينال من بعض الصحابة
وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا ما جعل الناس
تحجم عن رواية شعره وجمعه.
كانت ولادته سنة (105 ه) في " نعمان " قرب الفرات على أرض
الشام، ووفاته ببغداد سنة (173 ه).
وديوانه مطبوع، جمعه وحققه: شاكر هادي شكر.
انظر: الاغاني: 7 / 229 - 278، فوات الوفيات: 1 / 188 -
193، البداية والنهاية: 10 / 173، لسان الميزان: 1 / 436 -
438.
(7/24)
أَنَا -وَاللهِ- أَشْتَهِي سِحْرَ
عَيْنَيْـ ... ـكِ وَأَخْشَى مَصَارِعَ العُشَّاقِ (1)
وَلَهُ:
هَلْ تَعْلَمِيْنَ وَرَاءَ الحُبِّ مَنْزِلَةً ... تُدْنِي
إِلَيْكِ، فَإِنَّ الحُبَّ أَقْصَانِي (2)
قُلْتُ: اتُّهِمَ بِالزَّنْدَقَةِ، فَضَرَبَهُ المَهْدِيُّ
سَبْعِيْنَ سَوْطاً لِيُقِرَّ، فَمَاتَ مِنْهَا.
وَقِيْلَ: كَانَ يُفَضِّلُ النَّارَ، وَيَنْتَصِرُ
لإِبْلِيسَ.
هَلَكَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَبَلغَ
التِّسْعِيْنَ.
9 - أَبُو الغُصْنِ ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ الغِفَارِيُّ
مَوْلاَهُم * (د، س)
هُوَ الشَّيْخُ، العَالِمُ، الصَّادِقُ، المُعَمَّرُ،
بَقِيَّةُ المَشْيَخَةِ، أَبُو الغُصْنِ ثَابِتُ بنُ
قَيْسٍ الغِفَارِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ.
عِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ.
يَرْوِي عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَسَعِيْدِ بنِ
المُسَيِّبِ، وَنَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، وَخَارِجَةَ بنِ
زَيْدٍ الفَقِيْهِ، وَأَبِي سَعِيْدٍ كَيْسَانَ
المَقْبُرِيِّ، وَالقُدَمَاءِ.
وَرَأَى: جَابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ - فِيْمَا اعْتَرَفَ
بِهِ أَبُو حَاتِمٍ -.
حَدَّثَ عَنْهُ: مَعْنُ بنُ عِيْسَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ مَهْدِيٍّ، وَبِشْرُ بنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ،
وَالقَعْنَبِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ،
وَجَمَاعَةٌ.
وَأَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ جُحَا صَاحِبُ تِيْكَ
النَّوَادِرِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ
بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ أَيْضاً فِي رِوَايَة عَبَّاسٍ:
هُوَ صَالِحٌ، لَيْسَ حَدِيْثُه بِذَاكَ.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ
__________
(1) الديوان: 4 / 117، طبعة عام 1950 م.
القاهرة.
(2) الديوان: 4 / 215.
(*) طبقات خليفة: 274، تاريخ خليفة: 439، التاريخ الكبير:
2 / 167، التاريخ الصغير: 2 / 163، المعرفة والتاريخ: 1 /
322، الضعفاء: خ: 62، الجرح والتعديل: 2 / 456، كتاب
المجروحين: 1 / 206، تهذيب الكمال: خ: 1635، تذهيب
التهذيب: خ: 1 / 97، ميزان الاعتدال: 1 / 266، تهذيب
التهذيب: 2 / 13 - 14، خلاصة تذهيب الكمال: 57.
(7/25)
يَحْيَى: ضَعِيْفٌ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هُوَ مِنْ مَوَالِي عُثْمَانَ بنِ
عَفَّانَ.
وَكَانَ قَلِيْلَ الحَدِيْثِ، كَثِيْرَ الوَهْمِ فِيْمَا
يَرْوِي، لاَ يُحْتَجُّ بِخَبَرِهِ إِذَا لَمْ يُتَابِعْه
غَيْرُهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيْثُه.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: عَاشَ ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ مائَةً
وَخَمْسَ سِنِيْنَ.
وَمَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
10 - يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَمْرِو بنِ عَبْدِ
اللهِ الهَمْدَانِيُّ * (م، 4)
السَّبِيْعِيُّ، الكُوْفِيُّ، مُحَدِّثُ الكُوْفَةِ، أَبُو
إِسْرَائِيْلَ، وَابْنُ مُحَدِّثِهَا، وَوَالِد
الحَافِظَيْنِ: إِسْرَائِيْلَ، وَعِيْسَى، وَأَخُوْ
إِسْحَاقَ، وَعمُّ يُوْسُفَ بنِ إِسْحَاقَ.
كَانَ أَحَدَ العُلَمَاءِ الصَّادِقِيْنَ.
يُعَدُّ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَنَاجِيَةَ بنِ
كَعْبٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي بُرْدَةَ
وَأَبِي بَكْرٍ؛ ابْنَيْ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ،
وَهِلاَلِ بنِ خَبَّابٍ، وَوَالِدِه؛ أَبِي إِسْحَاقَ،
وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ عِيْسَى، وَابْنُ المُبَارَكِ،
وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ، وَابْنُ
مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ
الفِرْيَابِيُّ، وَقَبِيْصَةُ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ
المَدَائِنِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَهُوَ مِنْ بَيْتِ العِلْمِ وَالحِفظِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: لَمْ يَكُنْ بِهِ
بَأْسٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ،
__________
(*) طبقات خليفة: 168، تاريخ خليفة: 429، التاريخ الكبير:
8 / 408، الضعفاء: خ: 473، مشاهير علماء الأمصار: 168،
تهذيب الكمال: خ: 1564 - 1565، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 193،
تاريخ الإسلام: 6 / 318، ميزان الاعتدال: 4 / 482 - 483،
عبر الذهبي: 1 / 233، تهذيب التهذيب: 11 / 433 - 434،
خلاصة تذهيب الكمال: 440، شذرات الذهب: 1 / 247.
(7/26)
لاَ يُحتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: كَانَتْ فِيْهِ غَفْلَةٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدِيْثُه مُضْطَرِبٌ.
وَقَالَ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ: قَدِمْتُ مِنَ الكُوْفَةِ،
فَقَالَ لِي شُعْبَةُ: مَنْ لَقِيْتَ؟
قُلْتُ: لَقِيْتُ يُوْنُسَ بنَ أَبِي إِسْحَاقَ.
قَالَ: مَا حَدَّثَكَ؟
فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَكَتَ سَاعَةً، وَقُلْتُ لَهُ.
قَالَ (1) : حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ مَاعِزٍ.
قَالَ: فَلَمْ يَقُلْ لَكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُوْد؟!
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَذْكُرُ
يُوْنُسَ بنَ أَبِي إِسْحَاقَ، فَقَالَ:
كَانَتْ فِيْهِ غَفلَةٌ (2) ، كَانَتْ مِنْهُ سَجِيَّةٌ،
كَانَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي أَبِي، سَمِعْتُ عَدِيَّ بنَ
حَاتِمٍ: (اتَّقُوا النَّارَ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ
(3)).
ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ يَقُوْلاَنِ:
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْقِلٍ،
عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ.
قُلْتُ: ابْنَاهُ أَتْقَنُ مِنْهُ، وَهُوَ حَسَنُ
الحَدِيْثِ.
قَالُوا: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
11 - يُوْسُفُ بنُ إِسْحَاقَ ابْنِ الإِمَامِ أَبِي
إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ * (ع)
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ.
وَرَوَى عَنِ: الشَّعْبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ
المُنْكَدِرِ، وَجَدِّهِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنَا عَمِّهِ: إِسْرَائِيْلُ، وَعِيْسَى،
وَوَلدُهُ؛ إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ،
__________
(1) الفاعل هو يونس.
(2) زيادة من " التهذيب ".
(3) سيأتي تخريجه ص: 228.
(*) طبقات ابن سعد: 6 / 374، التاريخ الكبير: 8 / 383،
الجرح والتعديل: 9 / 217 - 218، تهذيب الكمال: خ: 1557،
تذهيب التهذيب: خ: 4 / 189، تاريخ الإسلام: 6 / 317، عبر
الذهبي: 1 / 228، تهذيب التهذيب: 11 / 408 - 409، خلاصة
تذهيب الكمال: 438، شذرات الذهب: 1 / 242.
(7/27)
وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يَكُنْ فِي وَلدِ أَبِي
إِسْحَاقَ أَحْفَظُ مِنْهُ.
قُلْتُ: مِنْهُم مَنْ يَنْسِبُهُ إِلَى جَدِّهِ،
فَيَقُوْلُ: يُوْسُفُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ،
بِالكُوْفَةِ.
12 - أَبُو عَامِرٍ الخَزَّازُ صَالِحُ بنُ رُسْتُمَ
المُزَنِيُّ * (م، 4)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، صَالِحُ بنُ رُسْتُمَ المُزَنِيُّ
مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَعِكْرِمَةَ،
وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ،
وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو
دَاوُدَ، وَسَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ،
وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ،
وَعِدَّةٌ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عِنْدِي لاَ بَأْسَ بِهِ، قَدْ
رَوَى عَنْهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ضَعِيْفٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُه.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ
يَقُوْلُ: هُوَ صَالِحُ الحَدِيْثِ.
قُلْتُ: قَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
(*) طبقات خليفة: 222، تاريخ خليفة: 426، التاريخ الكبير:
4 / 280، المعرفة والتاريخ: 3 / 381، الضعفاء: خ: 188،
الجرح والتعديل: 4 / 403، مشاهير علماء الأمصار: 151،
تهذيب الكمال: خ: 597 - 598، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 87،
تاريخ الإسلام: 6 / 202، ميزان الاعتدال: 2 / 294، تهذيب
التهذيب: 4 / 390 - 391، خلاصة تذهيب الكمال: 170.
(7/28)
13 - مُصْعَبُ بنُ ثَابِتِ ابْنِ
الخَلِيْفَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ
الأَسَدِيُّ * (د، ت، ق)
القُدْوَةُ، الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ،
الزُّبَيْرِيُّ، المَدَنِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ،
وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُه؛ عَبْدُ اللهِ وَالِي اليَمَنِ،
وَحَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ
الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ،
وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ نَافِلَتُه (1) الزُّبَيْرُ فِي كِتَابِ
(النَّسَبِ): أُمُّهُ كَلْبِيَّةٌ (2) ، اشْتَرَاهَا
أَبُوْهُ مِنْ سُكَيْنَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ بِمائَةِ
نَاقَةٍ.
فَحَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبٌ: أَنَّ جَدَّهُ كَانَ مِنْ
أَعْبدِ أَهْلِ زَمَانِه، صَامَ هُوَ وَأَخُوْهُ نَافِعٌ
مِنْ عُمُرِهِمَا خَمْسِيْنَ سَنَةً.
وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ مِسْكِيْنَ، قَالَ: مَا رَأَيتُ
أَحَداً قَطُّ أَكْثَرَ صَلاَةً مِنْ مُصْعَبِ بنِ
ثَابِتٍ، كَانَ يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
أَلفَ رَكْعَةٍ، وَيَصُومُ الدَّهْرَ.
وَقَالَتْ عَنْهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ مُصْعَبٍ: كَانَ أَبِي
يُصَلِّي فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلفَ رَكْعَةٍ.
وَقَالَ مُصْعَبُ بنُ عُثْمَانَ، وَخَالِدُ بنُ وَضَّاحٍ:
كَانَ مُصْعَبُ بنُ ثَابِتٍ يَصُوْمُ الدَّهْرَ،
وَيُصَلِّي فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلفَ رَكْعَةٍ،
يَبِسَ مِنَ العِبَادَةِ، وَكَانَ مِنْ أَبلَغِ أَهْلِ
زَمَانِهِ.
__________
(*) طبقات خليفة: 267، تاريخ خليفة: 428، التاريخ الكبير:
7 / 353، جمهرة نسب قريش: 1 / 115 - 124، الضعفاء: خ: 417،
الجرح والتعديل: 8 / 304، كتاب المجروحين: 3 / 28 - 29،
مشاهير علماء الأمصار: 138، الكامل لابن عدي: خ: 770،
تهذيب الكمال: خ: 1331، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 41، تاريخ
الإسلام: 6 / 290، ميزان الاعتدال: 4 / 118 - 119، عبر
الذهبي: 1 / 228، تهذيب التهذيب: 10 / 158 - 159، خلاصة
تذهيب الكمال: 377، شذرات الذهب: 1 / 242.
(1) النافلة: ولد الولد، قال الله تعالى: (ووهبنا له إسحاق
ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين) [ الأنبياء: 72 ].
(2) انظر " جمهرة نسب قريش ": 1 / 115 - 116.
(7/29)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ضَعِيْفٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَرَوَى: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ
بِشَيْءٍ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، اسْتَحَقَّ
لِذَلِكَ مُجَانَبَةَ حَدِيْثِه.
رَوَى: الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعاً: (خَيْرُ
المَجَالِسِ أَوْسَعُهَا (1)).
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ
وَمائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
14 - فِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ أَبُو بَكْرٍ المَخْزُوْمِيُّ
* (4، خَ، مَقْرُوْناً)
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو
بَكْرٍ الكُوْفِيُّ، المَخْزُوْمِيُّ، مَوْلَى عَمْرِو بنِ
حُرَيْثٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الحَنَّاطِ.
__________
(1) أخرجه الحاكم في " المستدرك ": 4 / 269، وصححه على شرط
مسلم، ووافقه الذهبي المؤلف فأخطأا، لان في سنده مصعب بن
ثابت، وهو لين الحديث، ولم يخرج له مسلم، لكن الحديث قوي
بشاهده عند أحمد: 3 / 18 و69، وأبي داود: (4820)،
والبخاري: في " الأدب المفرد " من حديث أبي سعيد الخدري،
وسنده قوي، وصححه الحاكم: 4 / 269 على شرط البخاري، وأقره
الذهبي المؤلف.
(*) طبقات ابن سعد: 6 / 364، طبقات خليفة: 168، تاريخ
خليفة: 426، التاريخ الكبير: 7 / 139، المعرفة والتاريخ: 2
/ 175، 657، 798، الضعفاء: خ: 357، الجرح والتعديل: 7 /
90، مشاهير علماء الأمصار: 168، الكامل لابن عدي: خ: 678،
تهذيب الكمال: خ: 1107، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 144، تاريخ
الإسلام: 6 / 268 - 269، ميزان الاعتدال: 3 / 363 - 364،
عبر الذهبي: 1 / 220، البداية والنهاية: 10 / 111، تهذيب
التهذيب: 8 / 300 - 302، خلاصة تذهيب الكمال: 311، شذرات
الذهب: 1 / 135.
(7/30)
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ
بنِ وَاثِلَةَ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَطَاوُوْسٍ،
وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي الضُّحَى، وَوَالِدِه، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السُّفْيَانَانِ، وَأَبُو أُسَامَةَ،
وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى،
وَبَكْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَالفِرْيَانِيُّ، وَقَبِيْصَةُ،
وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَعِدَّةٌ.
وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ مَرَّةً: كَانَ
فِطْرٌ عِنْدَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ ثِقَةً، لَكِنَّهُ
خَشَبِيٌّ مُفرِطٌ (1) .
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، حَسَنُ الحَدِيْثِ،
فِيْهِ تَشَيُّعٌ يَسِيْرٌ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ -
مِنْهُم مَنْ يَسْتَضعِفُه، لَهُ سِنٌّ وَلِقَاءٌ، وَكَانَ
لاَ يَدَعُ أَحَداً يَكْتُبُ عِنْدَهُ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: مَا تَرَكتُ
الرِّوَايَةَ عَنْ فِطْرٍ، إِلاَّ بِسُوءِ مَذْهَبِه.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ
فِطْرٍ، فَقَالَ:
ثِقَةٌ، صَالِحُ الحَدِيْثِ، حَدِيْثُه حَدِيْثُ رَجُلٍ
كَيِّسٍ، إِلاَ أَنَّهُ يَتَشَيَّعُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: تَرَكتُهُ عَمداً، وَكَانَ
يَتَشَيَّعُ، وَكُنْتُ أَمُرُّ بِهِ بِالكُنَاسَةِ فِي
أَصْحَابِ الطَّعَامِ، وَكَانَ أَعْرَجَ، فَأَمُرُّ
وَأَدَعُهُ مِثْلَ الكَلْبِ.
العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ،
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، قَالَ:
حُدِّثْتُ عَنْ جَرِيْرٍ، قَالَ: كَانَ الأَعْمَشُ،
وَمَنْصُوْرٌ، وَمُغِيْرَةُ يَشْرَبُوْنَ، فَإِذَا
أَخَذُوا فِي رُؤُوْسِهِم، سَخِرُوا بِفِطْرِ بنِ
خَلِيْفَةَ.
__________
(1) في " النهاية " لابن الأثير: الخشبية: هم أصحاب
المختار بن أبي عبيد، ويقال لضرب من الشيعة: الخشبية.
وفي " المشتبه " للذهبي المؤلف: الخشبي: هو الرافضي في عرف
السلف، 1 / 217، فالخشبية صنف من الرافضة، قاتلوا مرة
بالخشب فعرفوا بذلك.
(7/31)
قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: كَانَ فِطْرٌ
يَقُوْلُ: سَمِعْتُ سَمِعْتُ، وَالمَسْعُوْدِيُّ أَحْفَظُ
مِنْهُ.
العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى،
حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ
سَعِيْدٍ يَقُوْلُ:
حَدَّثَنَا فِطْرٌ، عَنْ عَطَاءٍ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (مَنْ أُصِيْبَ بِمُصِيْبَةٍ، فَلْيَذْكُرْ
مُصِيْبَتَهُ بِي، فَإِنَّهَا أَعْظَمُ المَصَائِبِ (1)).
فَقُلْتُ لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: أَقَالَ حَدَّثَنَا
عَطَاءٌ؟
قَالَ: وَمَا يَنْتَفِعُ بِقَوْلِ: حَدَّثَنَا عَطَاءٌ،
وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ؟! سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:
حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الوَالِبِيُّ، قَالَ الفَلاَّسُ،
ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ،
فَحَدَّثَنَا عَنْ فِطْرٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ
الوَالِبِيِّ نَفْسِهِ.
ثُمَّ قَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ،
حَدَّثَنَا صَالِحٌ، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ:
قُلْتُ لِيَحْيَى فِي حَدِيْثِ فِطْرٍ: خَرَجَ عَلَيَّ
وَهُم قِيَامٌ.
فَقَالَ يَحْيَى: إِنَّمَا هُوَ.
فَقَالَ لِي: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الوَالِبِيُّ.
قُلْتُ لِيَحْيَى: إِنَّهُم يُدخِلُوْنَ بَيْنَهُمَا
زَائِدَةَ وَابْنَ نَشِيْطٍ.
قَالَ يَحْيَى: فَإِنَّهُ أَيْضاً قَدْ قَالَ لِي:
حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ فِي حَصَى الجِمَارِ، ثُمَّ
أَدخَلَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا رَجُلاً فِيْمَا
بَلَغَنِي.
قُلْتُ لِيَحْيَى: فَتَعتَمِدُ عَلَى قَوْلِهِ: حَدَّثَنَا
فُلاَنٌ...؟
قَالَ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ مَوصُولٌ؟
قَالَ: لاَ.
قُلْتُ: كَانَتْ مِنْهُ سَجِيَّةً؟
قَالَ: نَعَمْ (2) .
قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: مَاتَ فِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ سَنَةَ
ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ (3) .
وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَمَا يَبعُدُ أَنْ يَكُوْنَ لَقِيَ المَشَايِخَ
المَذْكُوْرِيْنَ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ المُتقِنِ،
مَعَ
__________
(1) الضعفاء: خ: 357، والكامل لابن عدي: خ: 678، وهو ضعيف
لارساله وانقطاعه.
(2) الضعفاء: خ: 357، والزيادة منه.
(3) انظر: تاريخ خليفة: 426، و: مشاهير علماء الأمصار:
168، و: شذرات الذهب: 1 / 235، أخبار سنة (153 ه).
(7/32)
مَا فِيْهِ مِنْ بِدعَةٍ، وَمِنْ أَجْلِ
ذَلِكَ قَرَنَهُ البُخَارِيُّ بِآخَرَ، وَحَدِيْثُه مِنْ
قَبِيْلِ الحَسَنِ.
قَالَ عَبَّادُ بنُ يَعْقُوْبَ فِي كِتَابِ (المَنَاقِبِ)
لَهُ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الأَصْبَاغِيُّ (1) ، وَغَيْرُهُ، عَنْ جَعْفَرٍ
الأَحْمَرِ، قَالَ (2) :
دَخَلْنَا عَلَى فِطْرِ بنِ خَلِيْفَةَ وَهُوَ مُغْمَىً
عَلَيْهِ، فَأَفَاقَ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ! مَا
يَسُرُّنِي أَنَّ مَكَانَ كُلِّ شَعرَةٍ فِي جَسَدِي
لِسَانٌ يُسَبِّحُ اللهَ، بِحُبِّي أَهْلَ البَيْتِ.
15 - ابْنُ إِسْحَاقَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ يَسَارِ
بنِ خِيَارٍ الأَخْبَارِيُّ * (4)
وَقِيْلَ: ابْنُ كُوْثَانَ (3) ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ،
الأَخْبَارِيُّ، أَبُو بَكْرٍ -
وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ - القُرَشِيُّ،
المُطَّلِبِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ، صَاحِبُ
(السِّيْرَةِ النَّبَوِيَّةِ).
وَكَانَ جَدُّهُ يَسَارٌ مِنْ سَبْيِ عَيْنِ التَّمْرِ
(4)، فِي دَوْلَةِ خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ
__________
(1) في " الميزان " 3 / 364: " الاهاعي ".
(2) في الأصل بين: (قال) و(دخلنا) ما نصه: " سمعت فطر بن
خليفة يقول "، وهي زيادة لا معنى لها.
والخبر ذكره المؤلف في " الميزان ": 3 / 364، بلفظ: عن
جعفر الاحمر، سمعت فطر ابن خليفة في مرضه يقول: ما
يسرني...لحبي أهل البيت.
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 321 - 322، طبقات خليفة: 271، 327،
تاريخ خليفة: 16، 426، التاريخ الكبير: 1 / 40، التاريخ
الصغير: 2 / 111، المعارف: 491 - 492، المعرفة والتاريخ: 2
/ 27، 28، الضعفاء: خ: 370 - 381، الجرح والتعديل: 7 / 191
- 194، مشاهير علماء الأمصار: 139 - 140 وفيه وفاته (150
ه)، الفهرست: المقالة الثالثة الفن الأول، تاريخ بغداد: 1
/ 214 - 234، وفيات الأعيان: 4 / 276 - 277، مقدمة عيون
الاثر 1 / 7 - 17، تهذيب الكمال: خ: 1166 - 1168، تذهيب
التهذيب: خ: 3 / 183 - 185، تاريخ الإسلام: 6 / 275 - 278،
تذكرة الحفاظ: 1 / 172 - 174، ميزان الاعتدال: 3 / 468 -
475، عبر الذهبي: 1 / 216، الوافي بالوفيات: 2 / 188 -
189، تهذيب التهذيب: 9 / 38 - 46، طبقات الحفاظ: 75 - 76،
خلاصة تذهيب الكمال: 326 - 327، شذرات الذهب: 1 / 230.
(3) كوثان بضم الكاف، والثاء المثلثة، وقد تحرف في تاريخ
بغداد 1 / 214، و" فوات الوفيات " 4 / 276 إلى " كوتان "
بالتاء، وفي " التهذيب " إلى " كومان ".
(4) عين التمر: بلدة قريبة من الانبار، غربي الكوفة،
بقربها موضع يقال له: شفاثا، منهما يجلب القسب والتمر إلى
سائر البلاد.
وهي على طرف البرية، وهي قديمة، افتتحها المسلمون في =
(7/33)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَكَانَ مَوْلَى قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ بنِ المُطَّلِبِ
بنِ عَبْدِ مَنَافٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
وُلِدَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ.
وَرَأَى: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ بِالمَدِيْنَةِ، وَسَعِيْدَ
بنَ المُسَيِّبِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَمِّه؛ مُوْسَى بنِ يَسَارٍ.
وَعَنْ: أَبَانِ بنِ عُثْمَانَ - فِيْمَا قِيْلَ -.
وَعَنْ: بُشَيْرِ بنِ يَسَارٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي
هِنْدٍ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَأَبِي سُفْيَانَ
طَلْحَةَ بنِ نَافِعٍ، وَعَبَّاسِ بن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ،
وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ، وَعَمْرِو
بنِ شُعَيْبٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ
التَّيْمِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، وَمَكْحُوْلٍ
الهُذَلِيِّ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَأَبِي سَلَمَةَ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ - إِنْ صَحَّ - وَفَاطِمَةَ بِنْتِ
المُنْذِرِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَمَعْبَدِ بنِ كَعْبِ بنِ
مَالِكٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ -
فِيْمَا قِيْلَ - وَعِكْرِمَةَ بنِ خَالِدٍ
المَخْزُوْمِيِّ، وَسَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَسَعِيْدِ
بنِ عُبَيْدِ بنِ السَّبَّاقِ، وَعَاصِمِ بنِ عَمْرِو بنِ
قَتَادَةَ، وَصَدَقَةَ بنِ يَسَارٍ، وَالصَّلْتِ بنِ
عَبْدِ اللهِ بنِ نَوْفَلِ بنِ الحَارِثِ الهَاشِمِيِّ،
وَعُبَادَةَ بنِ الوَلِيْدِ بنِ عُبَادَةَ، وَعَبْدِ اللهِ
بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
الأَسْوَدِ بنِ يَزِيْدَ النَّخَعِيِّ، وَعَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ
اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي أُمَامَةَ بنِ
سَهْلٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ بنِ يَزِيْدَ بنِ
رُكَانَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ،
وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى
بنِ حَبَّانَ، وَنُبَيْهِ بنِ وَهْبٍ، وَيَزِيْدَ بنِ
أَبِي حَبِيْبٍ، وَيَعْقُوْبَ بنِ عُتْبَةَ، وَأَبِي
عُبَيْدَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ
الزُّبَيْرِ الحَنْظَلِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ سُحَيْمٍ،
وَابْنِ طَاوُوْسٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
إِلَى أَنْ يَنْزِلَ إِلَى: صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ،
وَمُحَمَّدِ بنِ السَّائِبِ الكَلْبِيِّ، وَرَوْحِ بنِ
القَاسِمِ، وَشُعْبَةَ، وَطَائِفَةٍ.
__________
= أيام أبي بكر على يد خالد بن الوليد في سنة (12) للهجرة،
وكان فتحها عنوة، فسبى نساءها، وقتل رجالها.
(انظر معجم البلدان).
(7/34)
وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ العِلْمَ
بِالمَدِيْنَةِ، وَذَلِكَ قَبْلَ مَالِكٍ وَذَوِيْهِ،
وَكَانَ فِي العِلْمِ بَحْراً عَجَّاجاً، وَلَكِنَّهُ
لَيْسَ بِالمُجَوِّدِ كَمَا يَنْبَغِي.
حَدَّثَ عَنْهُ: يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ - شَيْخُهُ -
وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ - وَهُمَا مِنَ
التَّابِعِيْنَ وِفَاقاً - وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ،
وَالحَمَّادَانِ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَهُشَيْمٌ،
وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَأَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ،
وَيَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَزُهَيْرُ
بنُ مُعَاوِيَةَ، وَمُوْسَى بنُ أَعْيَنَ، وَجَرِيْرُ بنُ
حَازِمٍ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَابْنُ
عَوْنٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ -
وَهُمَا أَكْبَرُ مِنْهُ - وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ،
وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ،
وَعَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ،
وَابْنُ إِدْرِيْسَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَزِيَادٌ
البَكَّائِيُّ، وَسَلَمَةُ الأَبْرَشُ، وَسَعْدَانُ بنُ
يَحْيَى، وَعَبْدُ الأَعْلَى السَّامِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ
سَلَمَةَ الحَرَّانِيُّ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَابْنُ أَبِي
عَدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الوَاسِطِيُّ،
وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَيُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ،
وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، وَأَخُوْهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ
عُبَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَغْرَاءَ، وَيَحْيَى
بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، وَأَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بنُ
وَاضِحٍ، وَأَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ الوَهْبِيُّ، وَأُمَمٌ
سِوَاهُم يَشُقُّ اسْتِقصَاؤُهُم، وَيَبعُدُ إِحصَاؤُهُم.
قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: يَسَارٌ مَوْلَى قَيْسِ
بنِ مَخْرَمَةَ، مِنْ سَبْيِ عَيْنِ التَّمْرِ، وَهُوَ
أَوَّلُ سَبْيٍ دَخَلَ المَدِيْنَةَ مِنَ العِرَاقِ.
وَرَوَى: سَلَمَةُ بنُ الفَضْلِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
قَالَ:
رَأَيتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ،
وَالصِّبْيَانُ يَشتَدُّونَ، وَيَقُوْلُوْنَ: هَذَا رَجُلٌ
مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لاَ يَمُوتُ حَتَّى يَلْقَى الدَّجَّالَ (1) .
مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ: عَنْ جَرِيْرٍ، قَالَ: رَأَيتُ
ابْنَ إِسْحَاقَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
قَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ
مَعِيْنٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: كَانَ ثِقَةً،
حَسَنَ الحَدِيْثِ.
فَقُلْتُ: إِنَّهُم يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُ رَأَى سَعِيْدَ
بنَ المُسَيِّبِ؟
__________
(1) بل مات - رضي الله عنه - ولم يلقه.
(7/35)
فَقَالَ: إِنَّهُ لَقَدِيْمٌ.
وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ:
قَدْ سَمِعَ أَبَانَ بنَ عُثْمَانَ، وَمِنْ عَطَاءٍ،
وَمِنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمِنَ
القَاسِمِ.
قَالَ: وَسَمِعَ مِنْ: مَكْحُوْلٍ، وَمِنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
لاَ يَزَالُ بِالمَدِيْنَةِ عِلْمٌ مَا بَقِيَ هَذَا -
عَنَى: ابْنَ إِسْحَاقَ -.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَدَارُ حَدِيْثِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
سِتَّةٌ:...، فَذَكَرهُم، ثُمَّ قَالَ:
فَصَارَ عِلْمُ السِّتَّةِ عِنْدَ اثْنَيْ عَشَرَ:
أَحَدُهُم مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ:
رَأَيتُ الزُّهْرِيَّ أَتَاهُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ،
فَاسْتَبطَأَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ كُنْتَ؟
قَالَ: وَهَلْ يَصِلُ إِلَيْكَ أَحَدٌ مَعَ حَاجِبِكَ؟
قَالَ: فَدَعَا حَاجِبَهُ، فَقَالَ لَهُ: لاَ تَحْجِبْهُ
إِذَا جَاءَ.
وَقَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ
الهُذَلِيُّ:
سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُوْلُ: لاَ يَزَالُ
بِالمَدِيْنَةِ عِلْمٌ جَمٌّ مَا دَامَ فِيْهِمُ ابْنُ
إِسْحَاقَ.
وَقَالَ عَلِيٌّ: عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ ابْنُ
شِهَابٍ - وَسُئِلَ عَنْ مَغَازِيه - فَقَالَ: هَذَا
أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَا -يَعْنِي: ابْنَ إِسْحَاقَ-.
وَرَوَى: حَرْمَلَةُ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ:
مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَبَحَّرَ فِي المَغَازِي، فَهُوَ
عِيَالٌ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ
مَعِيْنٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَقَالَ:
قَالَ عَاصِمُ بنُ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ: لاَ يَزَالُ فِي
النَّاسِ عِلْمٌ مَا عَاشَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ.
ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ
مَعْرُوْفٍ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ:
(7/36)
كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ أَحْفَظِ
النَّاسِ، فَكَانَ إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ خَمْسَةُ
أَحَادِيْثَ أَوْ أَكْثَرُ، فَاسْتَودَعَهَا عِنْدَ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: احْفَظْهَا عَلَيَّ، فَإِنْ نَسِيتُهَا،
كُنْتَ قَدْ حَفِظتَهَا عَلَيَّ.
قَالَ الخَلِيْلِيُّ: قَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ الحَافِظُ:
كَيْفَ لاَ يَكُوْنُ ابْنُ إِسْحَاقَ ثِقَةً، وَقَدْ
سَمِعَ مِنَ الأَعْرَجِ، وَيَرْوِي عَنْهُ، ثُمَّ يَرْوِي
عَنْ: أَبِي الزِّنَادِ، عَنْهُ، ثُمَّ يَرْوِي عَنِ ابْنِ
أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْهُ؟
ثُمَّ قَالَ الخَلِيْلِيُّ: رَوَى عَنِ: ابْنِ إِسْحَاقَ
مِنْ أُسْتَاذَيْهِ: الزُّهْرِيُّ، وَصَالِحُ بنُ
كَيْسَانَ، وَعُقَيْلٌ، وَيُوْنُسُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ -
وَرَأَى ابْنَ إِسْحَاقَ مُقْبِلاً -:
لاَ يَزَالُ بِالحِجَازِ عِلْمٌ كَثِيْرٌ مَا دَامَ هَذَا
الأَحْوَلُ.
النُّفَيْلِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ فَائِدٍ، قَالَ:
كُنَّا إِذَا جَلَسْنَا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ،
فَأَخَذَ فِي فَنٍّ مِنَ العِلْمِ، قَضَى مَجْلِسَه فِي
ذَلِكَ الفَنِّ.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ فِي المَغَازِي عَلاَّمَةً.
قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
بِحَدِيْثٍ اسْتَحسَنَهُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَقُلْتُ:
يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! مَا أَحْسَنَ هَذِهِ القَصَصَ
الَّتِي يَجِيْءُ بِهَا ابْنُ إِسْحَاقَ!
فَتَبَسَّمَ إِلَيَّ مُتَعَجِّباً.
ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ - وَسُئِلَ عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ -: لِمَ لَمْ يَروِ أَهْلُ المَدِيْنَةِ
عَنْهُ؟
فَقَالَ: جَالَسْتُ ابْنَ إِسْحَاقَ مُنْذُ بِضْعٍ
وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَمَا يَتَّهِمُهُ أَحَدٌ مِنْ
أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَلاَ يَقُوْلُ فِيْهِ شَيْئاً.
فَقُلْتُ لَهُ: كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يُجَالِسُ فَاطِمَةَ
بِنْتَ المُنْذِرِ؟
فَقَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ، وَأَنَّهُ
دَخَلَ عَلَيْهَا.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الذَّهَبِيِّ (1) : هُوَ صَادِقٌ فِي
ذَلِكَ بِلاَ رَيْبٍ.
__________
(1) هو المؤلف نفسه، فإن أباه كان يلقب بالذهبي لأنه كان
بارعا في صنعة الذهب المدقوق.
(7/37)
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ
حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ
البَاهِلِيُّ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ عُرْوَةَ يَقُوْلُ: تَحدَّثَ ابْنُ
إِسْحَاقَ عَنِ امْرَأَتِي فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ،
وَاللهِ إِنْ رَآهَا قَطُّ.
قُلْتُ: هِشَامٌ صَادِقٌ فِي يَمِيْنِه، فَمَا رَآهَا،
وَلاَ زَعَمَ الرَّجُلُ أَنَّهُ رَآهَا، بَلْ ذَكرَ
أَنَّهَا حَدَّثَتْه، وَقَدْ سَمِعْنَا مِنْ عِدَّةِ
نِسْوَةٍ، وَمَا رَأَيْتُهُنَّ.
وَكَذَلِكَ رَوَى عِدَّةٌ مِنَ التَّابِعِيْنَ عَنْ
عَائِشَةَ، وَمَا رَأَوْا لَهَا صُوْرَةً أَبَداً.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: فَحَدَّثْتُ أَبِي
بِحَدِيْثِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: وَلِمَ يُنْكِرُ
هِشَامٌ؟ لَعَلَّهُ جَاءَ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا،
فَأَذِنَتْ لَهُ -يَعْنِي: وَلَمْ يَعْلَمْ-.
قَالَ الأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، فَقَالَ: هُوَ حَسَنُ الحَدِيْثِ.
ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ، وَذَكَرَهُ، فَقَالَ:
دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ.
قَالَ الخَطِيْبُ: ذَكرَ بَعْضُهُم: أَنَّ مَالِكاً عَابَه
جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فِي زَمَانِهِ بِإِطلاَقِ
لِسَانِه فِي قَوْمٍ مَعْرُوْفِيْنَ بِالصَّلاَحِ،
وَالدِّيَانَةِ، وَالثِّقَةِ، وَالأَمَانَةِ.
قُلْتُ: كَلاَّ، مَا عَابَهُم إِلاَّ وَهُم عِنْدَهُ
بِخِلاَفِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ
أَخْطَأَ اجْتِهَادُه - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -.
ثُمَّ قَالَ الخَطِيْبُ: أَنْبَأَنَا البَرْقَانِيُّ،
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
عَبْدِ المَلِكِ الآدَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عَلِيٍّ الإِيَادِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ،
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ فُلَيْحٍ، قَالَ:
قَالَ لِي مَالِكٌ: هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ كَذَّابٌ.
قَالَ أَحْمَدُ - وَهُوَ الأَثْرَمُ (1)
__________
(1) هو الحافظ الكبير، العلامة أبو بكر أحمد بن محمد بن
هانئ، صاحب الامام أحمد، كان قوي الذاكرة سريع الفهم، له
تصانيف: منها: " العلل " و" الناسخ والمنسوخ "، تدل على
إمامته وسعة حفظه. توفي سنة (261 ه).
انظر " التذكرة ": 570 - 571.
(7/38)
إِنْ شَاءَ اللهُ -: فَسَأَلْتُ يَحْيَى
بنَ مَعِيْنٍ، فَقَالَ:
عَسَى أَرَادَ فِي الكَلاَمِ، أَمَّا فِي الحَدِيْثِ
فَثِقَةٌ، وَهُوَ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْهُ.
قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنُ المَاجَشُوْنِ، وَابْنُ
أَبِي حَازِمٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ يَتَكَلَّمُوْنَ فِي
مَالِكٍ، وَكَانَ أَشَدَّهُم فِيْهِ كَلاَماً مُحَمَّدُ
بنُ إِسْحَاقَ، كَانَ يَقُوْلُ: ائْتُونِي بِبَعْضِ
كُتُبِه حَتَّى أُبَيِّنَ عُيُوبَه، أَنَا بَيْطَارُ
كُتُبِه.
قَالَ الخَطِيْبُ: أَمَّا كَلاَمُ مَالِكٍ فِي ابْنِ
إِسْحَاقَ فَمَشْهُوْرٌ، وَأَمَّا حِكَايَةُ ابْنِ
فُلَيْحٍ عَنْهُ فِي هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، فَلَيْسَتْ
بِالمَحْفُوْظَةِ، وَرَاوِيهَا عَنِ ابْنِ المُنْذِر لاَ
يُعرَفُ.
قُلْتُ: فَهِيَ مَرْدُوْدَةٌ.
وَقَدْ أَمْسَكَ عَنِ الاحْتِجَاجِ بِرِوَايَاتِ ابْنِ
إِسْحَاقَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ العُلَمَاءِ، لأَشْيَاءَ
مِنْهَا: تَشَيُّعُه، وَنُسِبَ إِلَى القَدَرِ،
وَيُدَلِّسُ فِي حَدِيْثِهِ، فَأَمَّا الصِّدْقُ فَلَيْسَ
بِمَدْفُوْعٍ عَنْهُ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: رَأَيتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ اللهِ
يَحتَجُّ بِحَدِيْثِ ابْنِ إِسْحَاقَ.
وذَكَرَ عَنْ سُفْيَانَ: أَنَّهُ مَا رَأَى أَحَداً
يَتَّهِمُهُ.
قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنَا
عُمَرُ بنُ عُثْمَانَ:
أَنَّ الزُّهْرِيَّ كَانَ تَلَقَّفَ المَغَازِيَ مِنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ فِيْمَا يُحَدِّثُه عَنْ عَاصِمِ بنِ
عُمَرَ، وَالَّذِي يُذكَرُ عَنْ مَالِكٍ فِي ابْنِ
إِسْحَاقَ، لاَ يَكَادُ يَتَبَيَّنُ، وَكَانَ
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ مِنْ أَتْبَعِ مَنْ
رَأَينَا لِمَالِكٍ، أَخْرَجَ إِلَيَّ كُتُبَ ابْنِ
إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيْهِ فِي المَغَازِي وَغَيْرِهَا،
فَانْتخَبتُ مِنْهَا كَثِيْراً.
قَالَ: وَقَالَ لِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمْزَةَ: كَانَ
عِنْدَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ
نَحَوٌ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلفَ حَدِيْثٍ فِي
الأَحكَامِ، سِوَى المَغَازِي.
(7/39)
قُلْتُ: يَعْنِي بِتِكرَارِ طُرُقِ
الأَحَادِيْثِ، فَأَمَّا المُتُوْنُ الأَحكَامِيَّةُ
الَّتِي رَوَاهَا، فَمَا تَبلُغُ عُشْرَ ذَلِكَ.
وَذَكَرَ البُخَارِيُّ هُنَا فَصلاً حَسَناً عَنْ
رِجَالِهِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَصَالِحُ بنُ
كَيْسَانَ، فَقَدْ أَكْثَرَا عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ.
قَالَ البُخَارِيُّ: وَلَوْ صَحَّ عَنْ مَالِكٍ
تَنَاوُلُهُ مِنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَلَرُبَّمَا تَكَلَّمَ
الإِنْسَانُ، فَيَرْمِي صَاحِبَهُ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَلاَ
يَتَّهِمُهُ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا.
قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ: عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ فُلَيْحٍ:
نَهَانِي مَالِكٌ عَنْ شَيْخَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ
أَكْثَرَ عَنْهُمَا فِي (المُوَطَّأِ)، وَهُمَا مِمَّنْ
يُحْتَجُّ بِهِمَا، وَلَمْ يَنجُ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ
مِنْ كَلاَمِ بَعْضِ النَّاسِ فِيْهِم، نَحْوَ مَا
يُذْكَرُ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ مِنْ كَلاَمِه فِي
الشَّعْبِيِّ، وَكَلاَمِ الشَّعْبِيِّ فِي عِكْرِمَةَ،
وَفِيْمَنْ كَانَ قَبْلَهُم، وَتَنَاوَلَ بَعْضُهُم فِي
العِرْضِ وَالنَّفْسِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ أَهْلُ العِلْمِ
فِي هَذَا النَّحوِ إِلاَّ بِبَيَانٍ وَحُجَّةٍ، وَلَمْ
تَسقُطْ عَدَالَتُهُم إِلاَّ بِبُرْهَانٍ ثَابِتٍ،
وَحُجَّةٍ، وَالكَلاَمُ فِي هَذَا كَثِيْرٌ.
قُلْتُ: لَسْنَا نَدَّعِي فِي أَئِمَّةِ الجَرْحِ
وَالتَّعْدِيْلِ العِصْمَةَ مِنَ الغَلَطِ النَّادِرِ،
وَلاَ مِنَ الكَلاَمِ بنَفَسٍ حَادٍّ فِيْمَنْ بَيْنَهُم
وَبَيْنَهُ شَحنَاءُ وَإِحْنَةٌ (1) ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ
كَثِيْراً مِنْ كَلاَمِ الأَقْرَانِ بَعْضِهِم فِي بَعْضٍ
مُهدَرٌ، لاَ عِبْرَةَ بِهِ (2) ، وَلاَ سِيَّمَا إِذَا
وَثَّقَ
__________
(1) الاحنة: الحقد في الصدر.
(2) جاء في " طبقات الشافعية " للعلامة التاج السبكي في
ترجمة أحمد بن صالح المصري: 1 / 188، ما نصه: " الحذر كل
الحذر أن تفهم أن قاعدتهم " الجرح مقدم على التعديل " على
إطلاقها، بل الصواب أن من ثبتت إمامته وعدالته، وكثر
مادحوه، وندر جارحوه، وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه
من تعصب مذهبي أو غيره، لم يلتفت إلى جرحه ".
وفيه أيضا: 1 / 190: " قد عرفناك أن الجارح لا يقبل منه
الجرح، وإن فسره في حق من غلبت طاعاته على معاصيه، ومادحوه
على ذاميه، ومزكوه على جارحيه، إذا كانت هناك منافسة
دنيوية، كما يكون بين النظراء أو غير ذلك، وحينئذ فلا
يلتفت لكلام الثوري وغيره في أبي حنيفة، وابن أبي ذئب
وغيره في مالك، وابن معين في الشافعي، والنسائي في أحمد بن
صالح ونحوه.
ولو أطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا أحد من الأئمة، إذ ما
من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون، وهلك فيه هالكون ".
(7/40)
الرَّجُلَ جَمَاعَةٌ يَلُوحُ عَلَى
قَوْلِهُمُ الإِنصَافُ.
وَهَذَانِ الرَّجُلاَنِ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ نَالَ مِنْ
صَاحِبِه، لَكِنْ أَثَّرَ كَلاَمُ مَالِكٍ فِي مُحَمَّدٍ
بَعْضَ اللِّيْنِ، وَلَمْ يُؤثِّرْ كَلاَمُ مُحَمَّدٍ
فِيْهِ وَلاَ ذَرَّةٍ، وَارتَفَعَ مَالِكٌ، وَصَارَ
كَالنَّجمِ، فَلَهُ ارْتفَاعٌ بِحَسْبِهِ، وَلاَ سِيَّمَا
فِي السِّيَرِ، وَأَمَّا فِي أَحَادِيْثِ الأَحكَامِ،
فَيَنحَطُّ حَدِيْثُه فِيْهَا عَنْ رُتْبَةِ الصِّحَّةِ
إِلَى رُتْبَةِ الحَسَنِ، إِلاَّ فِيْمَا شَذَّ فِيْهِ،
فَإِنَّهُ يُعَدُّ مُنْكَراً، هَذَا الَّذِي عِنْدِي فِي
حَالِهِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
قَالَ يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ أَمِيْرُ المُحَدِّثِيْنَ
لِحِفْظِهِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ: نَظَرْتُ فِي كُتُبِ
ابْنِ إِسْحَاقَ، فَمَا وَجَدْتُ عَلَيْهِ إِلاَّ فِي
حَدِيْثَيْنِ، وَيُمكِنُ أَنْ يَكُوْنَا صَحِيْحَيْنِ.
وَقَالَ بَعْضُ الأَئِمَّةِ: الَّذِي يُذكَرُ عَنْ هِشَامِ
بنِ عُرْوَةَ مِنْ قَوْلِهِ: كَيْفَ يَدْخُلُ عَلَى
امْرَأَتِي؟ لَوْ صَحَّ هَذَا مِنْ هِشَامٍ، لَجَازَ أَنْ
تَكتُبَ إِلَيْهِ (1) ، فَإِنَّ أَهْلَ المَدِيْنَةِ
يَرَوْنَ الكِتَابَ جَائِزاً:
لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَتَبَ لأَمِيْرِ السَّرِيَّةِ كِتَاباً، فَقَالَ لَهُ:
(لاَ تَقْرَأْهُ حَتَّى تَبْلُغَ مَوْضِعَ كَذَا وَكَذَا).
فَلَمَّا بَلَغَهُ، قَرَأَهُ، وَعَمِلَ بِهِ (2) .
وَكَذَلِكَ
__________
(1) أي: زوجته، والمكتوب إليه ابن إسحاق.
(2) علقه البخاري في " صحيحه ": 1 / 142، في العلم: باب ما
يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم، وأخرجه البيهقي
في " سننه ": 9 / 58، 59، من طريق يونس بن بكير عن ابن
إسحاق، حدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، قال: بعث
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن جحش إلى
نخلة، فقال له: " كن بها حتى تأتينا بخبر من أخبار قريش "،
ولم يأمره بقتال، وذلك في الشهر الحرام، وكتب له كتابا قبل
أن يعلمه أين يسير، فقال: " اخرج أنت وأصحابك، حتى إذا سرت
يومين، فافتح كتابك، وانظر فيه، فما أمرتك فيه فامض له،
ولا تستكرهن أحدا من أصحابك على الذهاب معك..".
وأخرجه أيضا: 9 / 12، من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن
الزهري، عن عروة..وسنده صحيح لكنه مرسل.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 2 / 349، 350، من حديث جندب بن
عبد الله عن النبي =
(7/41)
الخُلَفَاءُ وَالأَئِمَّةُ يُفْضُونَ
بِكِتَابِ بَعْضِهِم إِلَى بَعْضٍ، وَجَائِزٌ أَنْ
يَكُوْنَ سَمِعَ مِنْهَا وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ فِي
غَيْبَةِ زَوْجِهَا.
قُلْتُ: ذَاكَ الظَّنُّ بِهِمَا، كَمَا أَخَذَ خَلْقٌ مِنَ
التَّابِعِيْنَ عَنِ الصَّحَابِيَّاتِ، مَعَ جَوَازِ أَنْ
يَكُوْنَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَرَآهَا وَهُوَ صَبِيٌّ،
فَحَفِظَ عَنْهَا، مَعَ احْتمَالِ أَنْ يَكُوْنَ أَخَذَ
عَنْهَا حِيْنَ كَبِرَتْ وَعَجِزَتْ، وَكَذَا يَنْبَغِي،
فَإِنَّهَا أَكْبَرُ مِنْ هِشَامٍ بِأَزْيَدَ مِنْ عَشْرِ
سِنِيْنَ.
فَقَدْ سَمِعَتْ مِنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ، وَلَمَّا
رَوَتْ لابْنِ إِسْحَاقَ، كَانَ لَهَا قَرِيْبٌ مِنْ
سِتِّيْنَ سَنَةً.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: ابْنُ إِسْحَاقَ
رَجُلٌ قَدِ اجْتَمَعَ الكُبَرَاءُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ
عَلَى الأَخْذِ عَنْهُ، مِنْهُم: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ،
وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالحَمَّادَانِ، وَابْنُ
المُبَارَكِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ.
وَرَوَى عَنْهُ مِنَ القُدَمَاءِ: يَزِيْدُ بنُ أَبِي
حَبِيْبٍ، وَقَدِ اخْتَبَرَهُ أَهْلُ الحَدِيْثِ،
فَرَأَوْا صِدْقاً وَخَيْراً، مَعَ مَدْحِ ابْنِ شِهَابٍ
لَهُ.
وَقَدْ ذَاكَرتُ دُحَيْماً قَوْلَ مَالِكٍ، فَرَأَى أَنَّ
ذَلِكَ لَيْسَ لِلْحَدِيْثِ، إِنَّمَا هُوَ لأَنَّهُ
اتُّهِمَ بِالقَدَرِ.
__________
= صلى الله عليه وسلم - أنه بعث ررهطا، وبعث عليهم أبا
عبيدة، فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - فجلس، فبعث عليهم عبد الله بن جحش مكانه،
وكتب له كتابا، وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا
وكذا، وقال: " لاتكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك "،
فلما قرأ الكتاب استرجع، وقال: سمع وطاعة لله ولرسوله،
فخبرهم الخبر، وقرأ عليهم الكتاب، فرجع رجلان، ومضى
بقيتهم، فلقوا ابن الحضرمي، فقتلوه، ولم يدروا أن ذلك
اليوم من رجل أو جمادى، فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في
الشهر الحرام.
فأنزل الله عزوجل: (يسألونك عن الشهر الحرام..) الآية [
217، البقرة ]، فقال بعضهم: إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس
لهم أجر، فأنزل الله عزوجل: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا
وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور
رحيم) [ البقرة: 218 ].
ورجاله ثقات، إلا أن فيه رجلا مبهما، ومع ذلك فقد قال
الهيثمي في " المجمع: 6 / 192، بعد أن عزاه للطبراني:
رجاله ثقات، ونقله الحافظ في " الفتح ": 1 / 142، عن
الطبراني، وحسن إسناده، وقال: ثم وجدت له شاهدا من حديث
ابن عباس عند الطبري في " التفسير ": 2 / 350.
فبمجموع هذه الطرق يكون صحيحا.
(7/42)
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ:
ابْنُ إِسْحَاقَ، النَّاسُ يَشْتَهُوْنَ حَدِيْثَهُ،
وَكَانَ يُرْمَى بِغَيْرِ نَوعٍ مِنَ البِدَعِ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ دَاوُدَ الزُّبَيْرِيُّ: عَنْ عَبْدِ
العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ:
كُنَّا فِي مَجْلِسِ ابْنِ إِسْحَاقَ نَتَعَلَّمُ،
فَأَغْفَى إِغْفَاءةً، فَقَالَ: إِنِّيْ رَأَيتُ فِي
المَنَامِ السَّاعَةَ، كَأَنَّ إِنْسَاناً دَخَلَ
المَسْجِدَ وَمَعَهُ حَبلٌ، فَوَضَعَهُ فِي عُنُقِ
حِمَارٍ، فَأَخْرَجَهُ، فَمَا لَبِثْنَا أَنْ دَخَلَ
المَسْجِدَ رَجُلٌ مَعَهُ حَبلٌ، حَتَّى وَضَعَهُ فِي
عُنُقِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَأَخْرَجَهُ.
قَالَ: فَذُهِبَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ، فَجُلِدَ (1) .
قَالَ الزُّبَيْرِيُّ: مَنْ أَجْلِ القَدَرِ.
وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ عُقْدَةَ: حَدَّثَنَا
مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ بنِ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ
بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ يَقُوْلُ:
كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يُرمَى بِالقَدَرِ، وَكَانَ أَبعَدَ
النَّاسِ مِنْهُ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ نُمَيْرٍ
- وَذُكِرَ ابْنُ إِسْحَاقَ - فَقَالَ:
إِذَا حَدَّثَ عَمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ مِنَ
المَعْرُوْفِيْنَ، فَهُوَ حَسَنُ الحَدِيْثِ، صَدُوْقٌ،
وَإِنَّمَا أُتِيَ مِنْ أَنَّهُ يُحَدِّثُ عَنِ
المَجْهُوْلِيْنَ أَحَادِيْثَ بَاطِلَةً.
قَالَ إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ البُخَارِيُّ
الحَافِظُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ
يَقُوْلُ:
مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ لَهُ
أَلفُ حَدِيْثٍ يَنْفَرِدُ بِهَا، لاَ يُشَارِكُه فِيْهَا
أَحَدٌ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ الجَلاَّبُ: سَأَلْتُ
إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ: تَكَلَّمَ أَحَدٌ فِي ابْنِ
إِسْحَاقَ؟
فَقَالَ: أَمَّا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، فَكَانَ
يَقُوْلُ -يَعْنِي: عَنِ الزُّهْرِيِّ-:
__________
(1) الخبر في " تاريخ بغداد ": 1 / 225، وفيه رواية أخرى
له.
(7/43)
لاَ يَزَالُ بِالمَدِيْنَةِ عِلْمٌ مَا
عَاشَ هَذَا الغُلاَمُ -يَعْنِي: ابْنَ إِسْحَاقَ-
وَلَكِنْ حَدَّثَنِي مُصْعَبٌ، قَالَ: كَانُوا يَطعَنُوْنَ
عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَأَلْتُ عَلِيّاً:
كَيْفَ حَدِيْثُ ابْنِ إِسْحَاقَ عِنْدَك، صَحِيْحٌ؟
فَقَالَ: نَعَمْ، حَدِيْثُه عِنْدِي صَحِيْحٌ.
قُلْتُ: فَكَلاَمُ مَالِكٍ فِيْهِ؟
قَالَ: مَالِكٌ لَمْ يُجَالِسْهُ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ،
وَأَيَّ شَيْءٍ حَدَّثَ بِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ
بِالمَدِيْنَةِ؟!
قُلْتُ: فَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، قَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ؟
فَقَالَ عَلِيٌّ: الَّذِي قَالَ هِشَامٌ لَيْسَ بِحُجَّةٍ،
لَعَلَّهُ دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِه وَهُوَ غُلاَمٌ،
فَسَمِعَ مِنْهَا، إِنَّ حَدِيْثَه لَيُتَبَيَّنُ فِيْهِ
الصِّدْقُ، يَرْوِي مَرَّةً: حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ،
وَمَرَّةً: ذَكَرَ أَبُو الزِّنَادِ، وَيَرْوِي عَنْ
رَجُلٍ، عَمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ يَقُوْلُ:
حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي
النَّضْرِ، عَنْ عُمَيْرٍ (1) : (صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ
(2))، وَهُوَ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ،
وَيَقُوْلُ:
حَدَّثَنِي الحَسَنُ بنُ دِيْنَارٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ
عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ: (فِي سَلَفٍ وَبَيْعٍ (3))، وَهُوَ
مِنْ أَرْوَى النَّاسِ عَنْ عَمْرٍو.
__________
(1) في الأصل، و" تاريخ بغداد ": 1 / 229: " عمر "، وهو
تحريف، فالحديث معروف بعمير مولى ابن عباس كما سيأتي.
(2) تاريخ بغداد: 1 / 229.
وسفيان بن سعيد هو الثوري.
وأخرجه مسلم من طريق إسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر، عن
سفيان، عن سالم أبي النضر.
وأخرجه أيضا من طريق زهير ابن حرب، عن عبد الرحمن بن مهدي،
عن سفيان.
وأخرجه مالك في " الموطأ ": 1 / 375، عن سالم أبي النضر،
عن عمير مولى عبد الله بن عباس، عن أم الفضل: أن ناسا
تماروا عندها يوم عرفة في رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- فقال بعضهم: هو صائم.
وقال بعضهم: ليس بصائم.
فأرسلت إليه أم الفضل بقدح لبن - وهو واقف على بعيره بعرفة
- فشرب منه.
وأخرجه من طريق مالك أحمد: 6 / 340، والبخاري: 4 / 206، في
الصوم: باب صوم يوم عرفة، ومسلم: (1123)، في الصيام: باب
استحباب الفطر للحاج يوم عرفة، وأبو داود: (2441).
(3) أخرجه أحمد: (6628) و(6671)، وأبو داود: (3504)،
والنسائي: 7 / 288، والطيالسي: 3 / 264، وابن ماجه:
(2188)، من طرق عن أيوب، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن
جده، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يحل
سلف وبيع ".
وسنده حسن، وقال الترمذي: حسن صحيح.
(7/44)
قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: قَالَ
عَلِيٌّ: لَمْ أَجِدْ لابْنِ إِسْحَاقَ إِلاَّ حَدِيْثَينِ
مُنْكَرَيْنِ:
نَافِعٌ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُم
يَوْمَ الجُمُعَةِ (1) ...).
وَالزُّهْرِيُّ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ
(2) : (إِذَا مَسَّ أَحَدُكُم فَرْجَهُ (3) ...).
هَذَانِ لَمْ يَرْوِهِمَا عَنْ أَحَدٍ، وَالبَاقُوْنَ
يَقُوْلُ: ذَكَرَ فُلاَنٌ، وَلَكِنَّ هَذَا فِيْهِ:
حَدَّثَنَا.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ أَيْضاً: سَمِعْتُ بَعْضَ
وَلَدِ جُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ - وَكَانَ مُلاَزِماً
لِعَلِيٍّ - قَالَ:
سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: وَقَعَ إِلَيَّ مِنْ حَدِيْثِ
ابْنِ إِسْحَاقَ شَيْءٌ، فَمَا أَنْكَرتُ مِنْهُ إِلاَّ
أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ، ظَنَنْتُ أَنَّ بَعْضَه مِنْهُ،
وَبَعْضَه لَيْسَ مِنْهُ.
__________
(1) أخرجه أبو داود: (1119)، وأحمد: 2 / 22، 32، والترمذي:
(526)، والبيهقي: 3 / 237، كلهم من طريق محمد بن إسحاق، عن
نافع، عن ابن عمر، وصححه ابن حبان: (571)، والحاكم: 1 /
291، ووافقه الذهبي المؤلف، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح
مع أن فيه عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس، لكن له طريق آخر عند
البيهقي، وشاهد من حديث سمرة ابن جندب: 3 / 237 - 238،
والبزار كما في " المجمع ": 2 / 180، وسنده ضعيف، لكنه
يتقوى بما قبله فيصير الحديث حسنا.
(2) قال المؤلف في " الميزان ": 3 / 473: هذا غلط، وصوابه:
عن بسرة بدل زيد.
(3) أخرجه أحمد في " مسنده ": 5 / 194، والطحاوي: 44، من
طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد بن مسلم الزهري، عن عروة بن
الزبير، عن زيد بن خالد الجهني، سمعت رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - يقول: " من مس فرجه فليتوضأ ".
وهذا حديث، وإن تكلم فيه، ففي الباب ما يشهد له، وهو ما
أخرجه مالك: 1 / 142، والشافعي في " الام ": 1 / 15،
وأحمد: 6 / 406، وأبو داود: (181)، والنسائي: 1 / 100،
وابن ماجه: (479)، عن بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - يقول: " إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ
".
وهو حديث صحيح، صححه غير واحد من
الحفاظ، لكن يحمل الامر بالوضوء فيه على الندب لوجود
الصارف عن الوجوب في حديث طلق بن علي أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - سئل عن مس الرجل ذكره، فقال: " هل هو إلا مضغة
أو بضعة منه ".
أخرجه أحمد: 4 / 22 - 23، وأبو داود: (182)، والترمذي:
(85)، والنسائي: 1 / 38، وابن ماجه: (483)، وإسناده صحيح،
وصححه ابن حبان: (207)، وغير واحد من الحفاظ.
(7/45)
أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ
يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يَشْتَهِي الحَدِيْثَ،
فَيَأْخُذُ كُتُبَ النَّاسِ، فَيَضَعُهَا فِي كُتُبِه.
قُلْتُ: هَذَا الفِعْلُ سَائِغٌ، فَهَذَا (الصَّحِيْحُ)
لِلْبُخَارِيِّ، فِيْهِ تَعلِيقٌ كَثِيْرٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ابْنُ إِسْحَاقَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ
مُوْسَى بنِ عُبَيْدَةَ.
قُلْتُ: مُوْسَى ضَعَّفُوهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يُدَلِّسُ،
إِلاَّ أَنَّ كِتَابَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ إِذَا
كَانَ سَمَاعٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ،
قَالَ: قَالَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: قَدِمَ ابْنُ إِسْحَاقَ بَغْدَادَ،
فَكَانَ لاَ يُبَالِي عَمَّنْ يَحكِي، عَنِ الكَلْبِيِّ،
وَعَنْ غَيْرِه، وَقَالَ: لَيْسَ هُوَ بِحُجَّةٍ.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ عُقْدَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ
الله بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ:
كَانَ أَبِي يَتَّبِعُ حَدِيْثَ ابْنِ إِسْحَاقَ،
فَيَكتُبُهُ كَثِيْراً بِالعُلُوِّ وَالنُزُولِ،
وَيُخَرِّجُهُ فِي (المُسْنَدِ)، وَمَا رَأَيتُهُ أَبْقَى
حَدِيْثَه قَطُّ.
قِيْلَ لَهُ: يُحتَجُّ بِهِ؟
قَالَ: لَمْ يَكُنْ يُحتَجُّ بِهِ فِي السُّنَنِ.
وَقَالَ أَيُّوْبُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ سَافِرِيٍّ (1) :
سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقُلْتُ: إِذَا
انْفَرَدَ ابْنُ إِسْحَاقَ بِحَدِيْثٍ، تَقْبَلُهُ؟
قَالَ: لاَ وَاللهِ، إِنِّيْ رَأَيتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ
جَمَاعَةٍ بِالحَدِيْثِ الوَاحِدِ، وَلاَ يَفصِلُ كَلاَمَ
ذَا مِنْ كَلاَمِ ذَا.
قَالَ: وَأَمَّا عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، فَكَانَ
يُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُقَدِّمُهُ.
وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ العَبْسِيُّ، عَنْ
عَلِيٍّ: هُوَ صَالِحٌ، وَسَطٌ.
وَرَوَى: ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ
بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِذَاكَ. وَسَمِعْتُ
__________
(1) سافري: بفتح السين، وسكون الالف، وكسر الفاء.
مترجم في " الجرح والتعديل ": 2 / 241، و" اللباب ": 2 /
92 - 93.
(7/46)
يَحْيَى مَرَّةً أُخْرَى يَقُوْلُ: هُوَ
عِنْدِي سَقِيْمٌ، لَيْسَ بِقَوِيٍّ.
وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ
يَقُوْلُ: ابْنُ إِسْحَاقَ ضَعِيْفٌ.
وَرَوَى: المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ:
هُوَ ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ.
وَرَوَى: أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى:
ثِقَةٌ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، إِنَّمَا الحُجَّةُ عُبَيْدُ
اللهِ بنُ عُمَرَ، وَمَالِكٌ...، وَذَكَرَ جَمَاعَةً.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: قُلْتُ لِيَحْيَى: فِي
نَفْسِكَ مِنْ صِدْقِهِ شَيْءٌ؟
قَالَ: لاَ، هُوَ صَدُوْقٌ.
وَرَوَى: عَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ،
وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: مَدَنِيٌّ، ثِقَةٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هُوَ صَدُوْقٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُه.
وَقَالَ النُّفَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
فَائِدٍ، قَالَ:
كُنَّا إِذَا جَلَسْنَا إِلَى ابْنِ إِسْحَاقَ، فَأَخَذَ
فِي فَنٍّ مِنَ العِلْمِ، قَضَى مَجْلِسَه فِيْهِ.
أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ
بنُ يَزِيْدَ البَحْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي
الحَدِيْثِ.
أَحْمَدُ الأَبَّارُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ
عُبَيْدٍ الحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ
هَارُوْنَ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ:
لَوْ سُوِّدَ أَحَدٌ فِي الحَدِيْثِ، لَسُوِّدَ ابْنُ
إِسْحَاقَ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، وَمِنْهُم مَنْ
يَتَكَلَّمُ فِيْهِ، وَكَانَ خَرَجَ مِنَ المَدِيْنَةِ
قَدِيْماً، فَأَتَى الجَزِيْرَةَ، وَالكُوْفَةَ،
وَالرَّيَّ، وَبَغْدَادَ، فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَاتَ
فِي سَنَةِ 151.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: قَدِمَ ابْنُ
إِسْحَاقَ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ
وَمائَةٍ.
وَرَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، مِنْهُم:
عُبَيْدُ اللهِ بنُ المُغِيْرَةِ، وَيَزِيْدُ بنُ
(7/47)
أَبِي حَبِيْبٍ، وَثُمَامَةُ بنُ شُفَيٍّ
(1) ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَالقَاسِمُ
بنُ قرمَانَ، وَالسَّكَنُ بنُ أَبِي كَرِيْمَةَ، رَوَى
عَنْهُم أَحَادِيْثَ لَمْ يَرْوِهَا عَنْهُم غَيْرُه -
فِيْمَا عَلِمتُ -.
رَوَى عَنْهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ الأَكَابِرُ، مِنْهُم:
يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي
يَزِيْدَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَوَّلَ مَنْ
جَمَعَ مَغَازِيَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَخَرَجَ مِنَ المَدِيْنَةِ قَدِيْماً، فَلَمْ
يَروِ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْهُم، غَيْرُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
سَعْدٍ، وَكَانَ مَعَ العَبَّاسِ بنِ مُحَمَّدٍ
بِالجَزِيْرَةِ، وَأَتَى أَبَا جَعْفَرٍ بِالحِيْرَةِ،
فَكَتَبَ لَهُ المَغَازِي، فَسَمِعَ مِنْهُ أَهْلُ
الكُوْفَةِ بِذَلِكَ السَّبَبِ، وَسَمِعَ مِنْهُ أَهْلُ
الرَّيِّ، فَرُوَاتُهُ مِنْ هَؤُلاَءِ البُلْدَانِ
أَكْثَرُ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لابْنِ
إِسْحَاقَ مِنَ الفَضْلِ إِلاَّ أَنَّهُ صَرَفَ المُلُوْكَ
عَنِ الاشتِغَالِ بِكُتُبٍ لاَ يَحصُلُ مِنْهَا شَيْءٌ،
إِلَى الاشتِغَالِ بِمَغَازِي رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَبْعَثِهُ، وَمُبتَدَأِ
الخَلْقِ، لَكَانَتْ هَذِهِ فَضِيلَةٌ سَبَقَ بِهَا، ثُمَّ
مِنْ بَعْدِهِ صَنَّفَهَا قَوْمٌ آخَرُوْنَ، فَلَمْ
يَبلُغُوا مَبلَغَ ابْنِ إِسْحَاقَ مِنْهَا.
وَقَدْ فَتَّشتُ أَحَادِيْثَهُ كَثِيْراً، فَلَمْ أَجِدْ
مِنْ أَحَادِيْثِه مَا يَتَهَيَّأُ أَنْ يُقطَعَ عَلَيْهِ
بِالضَّعفِ، وَرُبَّمَا أَخْطَأَ، أَوْ يَهِمُ فِي
الشَّيْءِ بَعْدَ الشَّيْءِ، كَمَا يُخطِئُ غَيْرُه،
وَلَمْ يَتَخَلَّفْ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ الثِّقَاتُ
وَالأَئِمَّةُ، وَهُوَ لاَ بَأْسَ بِهِ.
العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ
الأَسْفَاطِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ،
حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ،
سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ عُرْوَةَ يَقُوْلُ:
ابْن إِسْحَاقَ كَذَّابٌ.
__________
(1) شفي: بضم الشين، وفتح الفاء بعدها ياء مثقلة.
مترجم في " الجرح والتعديل ": 2 / 466.
(7/48)
عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا
الوَلِيْدِ، حَدَّثَنِي وُهَيْبٌ، قَالَ:
سَأَلْتُ مَالِكاً عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، فَقَالَ،
وَقَالَ...، وَاتَّهَمَهُ.
العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ
مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
مَنْصُوْرٍ زَاجٌ (1) ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ،
سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ وَمَالِكٌ
يَجْرَحَانِ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ.
أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
مُسْلِمِ بنِ أَبِي الوَضَّاحِ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ،
فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ أَهْلَ العِرَاقِ يَرْوُونَ عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ!
فَقَالَ يَحْيَى: تَروُونَ العِلْمَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
إِسْحَاقَ؟ تَرْوُونَ العِلْمَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
إِسْحَاقَ؟!
العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنِي الفَضْلُ بنُ جَعْفَرٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي
سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ:
قَالَ لِي يَحْيَى القَطَّانُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَ
بنَ إِسْحَاقَ كَذَّابٌ.
قُلْتُ: وَمَا يُدرِيْكَ؟
قَالَ: قَالَ لِي وُهَيْبٌ.
فَقُلْتُ لِوُهَيْبٍ: مَا يُدرِيْكَ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكُ بنُ أَنَسٍ.
فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: وَمَا يُدرِيْكَ؟
فَقَالَ: قَالَ لِي هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ.
قُلْتُ لِهِشَامٍ: وَمَا يُدرِيْكَ؟
قَالَ: حَدَّثَ عَنِ امْرَأَتِي فَاطِمَةَ بِنْتِ
المُنْذِرِ، وَدخَلَتْ عَلَيَّ وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعِ
سِنِيْنَ، وَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَتِ اللهَ.
قُلْتُ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ يَكُوْنَ يَحْيَى وَهَؤُلاَءِ
بَدَا مِنْهُم هَذَا بِنَاءً عَلَى أَصلٍ فَاسِدٍ وَاهٍ،
وَلَكِنَّ هَذِهِ الخُرَافَةَ مِنْ صَنْعَةِ سُلَيْمَانَ،
وَهُوَ الشَّاذَكُوْنِيُّ - لاَ صَبَّحَهُ اللهُ بِخَيْرٍ
- فَإِنَّهُ - مَعَ تَقَدُّمِهِ فِي الحِفْظِ - مُتَّهَمٌ
عِنْدَهُم بِالكَذِبِ، وَانظُرْ كَيْفَ قَدْ سَلْسَلَ
الحِكَايَةَ.
وَيُبَيِّنُ لَكَ بُطلاَنَهَا: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ
المُنْذِرِ لَمَّا كَانَتْ بِنْتَ تِسْعِ سِنِيْنَ، لَمْ
يَكُنْ زَوجُهَا هِشَامٌ خُلِقَ بَعْدُ، فَهِيَ أَكْبَرُ
مِنْهُ بِنَيِّفَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَسْنَدُ
__________
(1) هو أحمد بن منصور بن راشد الحنظلي المروزي، لقبه: زاج.
صدوق من رجال " التهذيب ".
(7/49)
مِنْهُ، فَإِنَّهَا رَوَتْ - كَمَا
ذَكرْنَا - عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَصَحَّ
أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ سَمِعَ مِنْهَا، وَمَا عَرَفَ
بِذَلِكَ هِشَامٌ.
أَفَبِمِثْلِ هَذَا القَوْلِ الوَاهِي يُكَذَّبُ
الصَّادِقُ، كَلاَّ وَاللهِ، نَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ
الهَوَى وَالمُكَابِرَةِ، وَلَكِنْ صَدَقَ القَاضِي أَبُو
يُوْسُفَ إِذْ يَقُوْلُ:
مَنْ تَتبَّعَ غَرِيْبَ الحَدِيْثِ كُذِّبَ، وَهَذَا مِنْ
أَكْبَرِ ذُنُوبِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُ يَكْتُبُ
عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَلاَ يَتَوَرَّعُ - سَامَحَهُ اللهُ
-.
وَعَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قُلْتُ لِهِشَامٍ: ابْنُ
إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ.
قَالَ: أَهُوَ كَانَ يَصِلُ إِلَيْهَا؟
قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُوْنَ إِحْدَى خَالاَتِ
ابْنِ إِسْحَاقَ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا،
وَمَا عَلِمَ هِشَامٌ بِأَنَّهَا خَالَةٌ لَهُ، أَوْ
عَمَّةٌ.
يَحْيَى بنُ آدَمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيْسَ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّ
مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ يَقُوْلُ:
اعْرِضُوا عَلَيَّ عِلْمَ مَالِكٍ، فَإِنِّي بَيْطَارُهُ.
فَقَالَ مَالِكٌ: انْظُرُوا إِلَى دَجَّالٍ مِنَ
الدَّجَاجِلَةِ يَقُوْلُ: اعْرِضُوا عَلَيَّ عِلْمَ
مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: فَمَا رَأَيتُ أَحَداً جَمَعَ
الدَّجَّالِيْنَ قَبْلَه.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الخَلاَّلِ: أَنْبَأَنَا جَعْفَرٌ،
أَنْبَأَنَا السِّلَفِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ مَاكَ (1) ،
أَنْبَأَنَا الخَلِيْلِيُّ، سَمِعْتُ جَدِّي، وَالقَاسِمَ
بنَ عَلْقَمَةَ، سَمِعنَا ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ
مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا ابْنُ رَاهَوَيْه،
سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ آدَمَ، سَمِعْتُ ابْنَ إِدْرِيْسَ
يَقُوْلُ:
كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: كُنْتُ بِالرَّيِّ
عِنْدَ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ وَزِيْرِ المَهْدِيِّ،
فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:
هَاتُوا اعْرِضُوا عَلَيَّ عُلُوْمَ مَالِكٍ، فَإِنِّي
أَنَا بَيْطَارُهَا.
فَقَالَ مَالِكٌ: دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ يَقُوْلُ
هَذَا.
قَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: لَمْ أَسْمَعْ بِجَمعِ
الدَّجَّالِ إِلاَّ مِنْهُ.
__________
(1) ابن ماك هو: أبو الفتح إسماعيل بن عبد الجبار بن محمد
بن ماك القزويني.
(تبصير المنتبه: 4 / 1245).
(7/50)
وَبِهِ: إِلَى ابْنِ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا
أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيْسَ
بِنَحْوِهَا، فَقَالَ مَالِكٌ:
دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ يَقُوْلُ هَكَذَا؟! نَحْنُ
نَفَيْنَاهُ مِنَ المَدِيْنَةِ.
وَقَالَ هَارُوْنُ بنُ مَعْرُوْفٍ: سَمِعْتُ أَبَا
مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ:
كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَحْفَظَ النَّاسِ، وَكَانَ إِذَا
كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ خَمْسَةُ أَحَادِيْثَ أَوْ
أَكْثَرُ، جَاءَ وَاسْتَودَعَهَا ابْنَ إِسْحَاقَ،
يَقُوْلُ: احْفَظْهَا عَنِّي، فَإِنْ نَسِيْتُهَا، كُنْتَ
قَدْ حَفِظْتَهَا عَلَيَّ.
وَعَنِ ابْنِ إِدْرِيْسَ الحَافِظِ، قَالَ:
كَيْفَ لاَ يَكُوْنُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ ثِقَةً،
وَقَدْ سَمِعَ مِنَ الأَعْرَجِ، ثُمَّ يَرْوِي عَنْ: أَبِي
الزِّنَادِ، عَنْهُ، ثُمَّ يَرْوِي عَنِ: ابْنِ أَبِي
الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْهُ؟!
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: إِنَّهُ لَيَبِيْنُ فِي
حَدِيْثِهِ الصِّدْقُ، يَقُوْلُ مَرَّةً: حَدَّثَنِي أَبُو
الزِّنَادِ، وَمَرَّةً ذَكَرَ أَبُو الزِّنَادِ،
وَيَقُوْلُ:
حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي
النَّضْرِ - وَهُوَ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ - عَنْ أَبِي
النَّضْرِ، وَيَقُوْلُ:
حَدَّثَنِي الحَسَنُ بنُ دِيْنَارٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ
شُعَيْبٍ فِي: (سَلَفٍ وَبَيْعٍ (1)) وَهُوَ مِنْ أَرْوَى
النَّاس عَنْ عَمْرٍو.
وَلَمْ أَجِدْ لَهُ سِوَى حَدِيْثَيْنِ مُنْكَرَيْنِ:
نَافِعٌ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي: (النُّعَاسِ يَوْمَ
الجُمُعَةِ).
وَالزُّهْرِيُّ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ:
(مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ (2)).
قَالَ الهَيْثَمُ بنُ خَلَفٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنِي مَنْ
سَمِعَ هِشَامَ بنَ عُرْوَةَ، وَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ
إِسْحَاقَ حَدَّثَ بِكَذَا وَكَذَا عَنْ فَاطِمَةَ،
فَقَالَ: كَذَبَ الخَبِيْثُ.
ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قَالَ سُفْيَانُ:
رَأَيتُ ابْنَ إِسْحَاقَ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ،
فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَرَانِي مَعَهُ أَحَدٌ، فَقَالَ:
أَنَا أَرْصُدُ ابْنَ خُصَيْفَةَ، أَبْغِي أَنْ أَسْأَلَهُ
عَمَّا
__________
(1) تقدم ص 44، انظر تخريجه في الحاشية: 3.
(2) تقدم تخريجهما ص (45) حاشية: 1 - 2.
(7/51)
حَدَّثَنِي عَنْهُ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: اتَّهَمُوْهُ بِالقَدَرِ.
أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: عَنْ حَمَّادِ بنِ
سَلَمَةَ (1) ، قَالَ: مَا رَويتُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ
إِلاَّ بِاضْطِرَارٍ.
الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَالَ رَجُلٌ
لابْنِ إِسْحَاقَ:
كَيْفَ حَدِيْثُ شُرَحْبِيْلَ بنِ سَعْدٍ؟
فَقَالَ: وَأَحَدٌ يُحَدِّثُ عَنْ شُرَحْبِيْلَ؟
ثُمَّ قَالَ الفَلاَّسُ: العَجَبُ مِنْ رَجُلٍ يُحَدِّثُ
عَنْ أَهْلِ الكِتَابِ، وَيَرغَبُ عَنْ شُرَحْبِيْلَ،
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَعَاصِمٌ
الأَحْوَلُ، وَمَطَرٌ، وَأَبُو مَعْشَرٍ المَدِيْنِيُّ.
الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ
لِعُبَيْدِ اللهِ: إِلَى أَيْنَ تَذهَبُ؟
قَالَ: أَذهَبُ إِلَى وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، أَكْتُبُ
السِّيْرَةَ.
قَالَ: يَكْتُبُ كَذِباً كَثِيْراً.
قُلْتُ: كَانَ وَهْبٌ يَروِيهَا عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، وَأَشَارَ يَحْيَى القَطَّانُ إِلَى مَا فِي
السِّيْرَةِ مِنَ الوَاهِي مِنَ الشِّعْرِ، وَمِنْ بَعْضِ
الآثَارِ المُنْقَطِعَةِ المُنْكَرَةِ، فَلَوْ حُذِفَ
مِنْهَا ذَلِكَ، لَحَسُنَتْ، وَثَمَّ أَحَادِيْثُ جَمَّةٌ
فِي الصِّحَاحِ وَالمَسَانِيْدِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ
بِالسِّيْرَةِ وَالمَغَازِي يَنْبَغِي أَنْ تُضَمَّ
إِلَيْهَا وَتُرَتَّبَ، وَقَدْ فَعَلَ غَالِبَ هَذَا
الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ فِي (دَلاَئِلِ
النُّبُوَّةِ) لَهُ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَ يَحْيَى بنُ
سَعِيْدٍ لاَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ شَيْئاً،
كَانَ يُضَعِّفُهُ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَمْ يَسْمَعِ ابْنُ
إِسْحَاقَ مِنْ طَلْحَةَ بنِ نَافِعٍ شَيْئاً.
ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ:
قَالَ إِنْسَانٌ لِلأَعْمَشِ: إِنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ
حَدَّثَنَا عَنِ ابْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ، بِكَذَا
وَكَذَا.
فَقَالَ: كَذَبَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَكَذَبَ ابْنُ
الأَسْوَدِ، حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بِكَذَا وَكَذَا.
__________
(1) ستأتي ترجمته ص 444.
(7/52)
قَالَ عَلِيٌّ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى
يَقُوْلُ: الحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ
إِسْحَاقَ -يَعْنِي: سَوَاءٌ- وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ
دُوْنَهُمَا.
وَقَالَ: تَرَكتُ ابْنَ إِسْحَاقَ مُتَعَمِّداً.
إِبْرَاهِيْمُ الحِزَامِيُّ: عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ،
قَالَ:
رَأَيتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ يَكْتُبُ عَنْ رَجُلٍ
مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ.
قُلْتُ: هَذَا يُشَنَّعُ بِهِ عَلَى ابْنِ إِسْحَاقَ،
وَلاَ رَيْبَ أَنَّهُ حَمَلَ أَلوَاناً عَنِ الذِّمَّةِ
مُتَرَخِّصاً بِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ وَلاَ
حَرَجَ (2)).
أَبُو جَعْفَرٍ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنِي أَسْلَمُ بنُ
سَهْلٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَوْنٍ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ
القَطَّانُ، قَالَ:
قَالَ أَبِي: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: يَا أَهْلَ
العِرَاقِ! مَنْ يَغُتُّ (3) عَلَيْكُم بَعْدَ مُحَمَّدِ
بنِ إِسْحَاقَ؟
__________
(1) ستأتي ترجمته ص 68.
(2) أخرجه البخاري: 6 / 361، في أحاديث الأنبياء: باب ما
ذكر عن بني إسرائيل، من حديث عبد الله بن عمرو: أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال: " بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن
بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من
النار ".
وما نمي إلينا من أخبارهم، ففي تسويغ روايته عنهم تفصيل:
فما جاء منها موافقا لما في
شرعنا صدقناه، وجازت روايته، وما جاء مخالفا لما في شرعنا
كذبناه، وحرمت روايته إلا لبيان بطلانه، وماسكت عنه شرعنا
توقفنا فيه، فلا نحكم عليه بصدق ولا بكذب، وتجوز روايته.
وغالب ما يروى من ذلك راجع إلى القصص والاخبار، لا إلى
العقائد والاحكام.
لكن ينبغي أن يعلم أن إباحة التحدث عنهم فيما ليس عندنا
دليل صدقه ولا كذبه لا يسوغ لنا أن نذكره في تفسير القرآن،
ونجعله قولا أو رواية في معنى الآيات أو في تعيين ما لم
يعين فيها، أو في تفصيل ما أجمل فيها، لان في إثبات مثل
ذلك بجوار كلام الله ما يوهم أن هذا الذي لا نعرف صدقه ولا
كذبه مبين لمعنى قول الله سبحانه، ومفصل لما أجمل فيه.
وحاشا لله ولكتابه من ذلك.
وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أذن بالتحدث
عنهم، أمرنا أن لانصدقهم ولا نكذبهم، فأي تصديق لرواياتهم
وأقاويلهم أقوى من أن نقرنها بكتاب الله، ونضعها منه موضع
التفسير أو البيان ؟ !
(3) يغت عليكم: أي: يفسد عليكم، من غت الكلام غتا: إذا
فسد.
قال قيس بن الخطيم: ولا يغت الحديث إذ نطقت * وهو، بفيها،
ذو لذة طرب
(7/53)
العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنِي الخَضِرُ بنُ
دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ:
قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَا تَقُوْلُ فِي ابْنِ
إِسْحَاقَ؟
قَالَ: هُوَ كَثِيْرُ التَّدْلِيْسِ جِدّاً.
قُلْتُ: فَإِذَا قَالَ: أَخْبَرَنِي، وَحَدَّثَنِي، فَهُوَ
ثِقَةٌ؟
قَالَ: هُوَ يَقُوْلُ أَخْبَرَنِي، فَيُخَالِفُ.
فَقِيْلَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: رَوَى عَنْهُ: يَحْيَى بنُ
سَعِيْدٍ؟
فَقَالَ: لاَ، كَالمُنْكِرِ لِذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ لاَ يَسْتَخِفُّ
مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ.
بُنْدَارٌ: سَمِعْتُ مُعَاذاً يَقُوْلُ:
رَأَيتُ ابْنَ إِسْحَاقَ عَلَيْهِ إِزَارٌ رَقِيْقٌ
مُتَخَلِّقٌ، وَخِصْيَتُهُ مُدَلاَّةٌ.
بُنْدَارٌ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي عَدِيٍّ يَقُوْلُ: كَانَ
ابْنُ إِسْحَاقَ يَلْعَبُ بِالدُّيُوْكِ.
قَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَالمَدَائِنِيُّ:
مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ يَسَارِ بنِ خِيَارٍ، وَكَانَ
خِيَارٌ لِقَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: ابْنُ إِسْحَاقَ
لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ: سَمِعْتُ
يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ:
لَوْ كَانَ لِي سُلْطَانٌ، لأَمَّرْتُ ابْنَ إِسْحَاقَ
عَلَى المُحَدِّثِيْنَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ قُدَامَةَ الفَقِيْهُ
فِي كِتَابِهِ، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا
مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
رِبْحِ بنِ سُلَيْمَانَ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ
بنُ هَارُوْنَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، عَنْ
سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي
قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي صَلاَةِ الظُّهرِ أَوِ العَصْرِ - شَكَّ
يَزِيْدُ - وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي
العَاصِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَضَعَهَا، ثُمَّ
رَكَعَ، فَإِذَا قَامَ، حَمَلَهَا، فَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ
ذَلِكَ حَتَّى قَضَى صَلاَتَهُ (1) .
فَهَذَا أَعْلَى مَا يَقَعُ لَنَا مِنْ
__________
(1) وأخرجه أبو داود: (920): باب العمل في الصلاة، من طريق
يحيى بن خلف، عن =
(7/54)
حَدِيْثِ ابْنِ إِسْحَاقَ.
قَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَإِبْرَاهِيْمُ نَفْطَوَيْه،
وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ ابْنُ إِسْحَاقَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ
وَمائَةٍ.
وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ
الوَهْبِيُّ، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى
وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَيَحْيَى بنُ
مَعِيْنٍ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، وَغَيْرُهُم: سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ شَبَابٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، أَوْ
ثَلاَثٍ.
رَوَى لَهُ: مُسْلِمٌ فِي المُتَابَعَاتِ (1) ،
وَاسْتَشْهَدَ بِهِ: البُخَارِيُّ، وَأَخْرَجَ أَرْبَابُ
السُّنَنِ لَهُ.
وَالوَهْبِيُّ: هُوَ خَاتِمَةُ أَصْحَابِهِ، مَاتَ سَنَةَ
خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
16 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُنْتَشِرِ بنِ
الأَجْدَعِ الهَمْدَانِيُّ * (ع)
الكُوْفِيُّ، أَحَدُ أَئِمَّة الدِّيْنِ، وَمِنْ ثَبْتِ
__________
= عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد
المقبري، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي قتادة.
ورجاله ثقات وأخررجه مختصرا مالك في " الموطأ " 1 / 170،
والبخاري: 1 / 487 - 488، ومسلم: (543)، من طريق عامر بن
عبد الله بن الزبير، عن عمرو ابن سليم، عن أبي قتادة
السلمي.
(1) أي أنه لم يخرج له حديثا ينفرد به، بل قرنه بغيره،
ولذا يجانب الصواب من يقول من العلماء في سند فيه محمد بن
إسحاق: رجاله رجال الصحيح.
ومعنى المتابعة: أن يروي الثقة حديثا ما، بإسناد إلى رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - فإن انفرد هذا الثقة بالحديث،
ولم يشاركه فيه أحد أصلا، فهذا حديث فرد، وإن شارك هذا
الثقة راو آخر في روايته، فرواه بهذا الإسناد عن شيخ الثقة
الأول، أو عن شيخ شيخه، فهذه الرواية التي شارك بها الثقة
الآخر تسمى " متابعة ".
والمتابعة مفيدة فيما إذا كان في السند راو ضعيف، فإنه
يتقوى بالمتابع، ويصح حديثه، لكن ذلك مقيد بما إذا كان
الضعف خفيفا كسوء الحفظ أو التدليس أو الارسال.
(*) التاريخ الكبير: 1 / 320، الجرح والتعديل: 2 / 124،
تهذيب الكمال: خ: 64، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 42 - 43،
تهذيب التهذيب: 1 / 157 - 158، خلاصة تذهيب الكمال: 21.
(7/55)
العِلْمِ.
وَجَدُّهُ المُنْتَشِرُ: هُوَ أَخُو مَسْرُوْقٍ، أَحَدُ
الأَعْلاَمِ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَطَائِفَةٍ.
أَحَادِيْثُه يَسِيْرَةٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ،
وَأَبُو عَوَانَةَ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ جَعْفَرٌ الأَحْمَرُ: كَانَ مِنْ أَفْضَلِ مَنْ
رَأَيْنَاهُ بِالكُوْفَةِ فِي زَمَانِهِ.
قُلْتُ: كَانَ ذَا تَأَلُّهٍ، وَدِيْنٍ، وَثِقَةٍ،
وَتَزَهُّدٍ.
رَوَى لَهُ: الجَمَاعَةُ، وَهُوَ قَدِيْمُ الوَفَاةِ،
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُذكَرَ فِي الطَّبَقَةِ
المَاضِيَةِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَلَمْ أَرَ لَهُ شَيْئاً عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.
17 - حَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ البَصْرِيُّ مَوْلَى
قُرَيْبَةَ * (ع)
الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ - وَيُقَالُ: أَبُو
شَهِيْدٌ - البَصْرِيُّ، مَوْلَى قُرَيْبَةَ.
أَرْسَلَ عَنِ: الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، وَأَنَسِ بنِ
مَالِكٍ.
وَرَوَى عَنِ: الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَمَيْمُوْنِ بنِ
مِهْرَانَ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَابْنِ أَبِي
مُلَيْكَةَ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ إِبْرَاهِيْمُ، وَإِسْمَاعِيْلُ
بنُ عُلَيَّةَ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو أُسَامَةَ،
وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
الأَنْصَارِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ، لَهُ نَحْوٌ مِنْ
مائَةِ حَدِيْثٍ.
ذَكَرَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ،
مَأْمُوْنٌ (1) .
__________
(*) طبقات خليفة: 220، تاريخ خليفة: 423، التاريخ الكبير:
2 / 320، التاريخ الصغير: 2 / 84، مشاهير علماء الأمصار:
152، تهذيب الكمال: خ: 231، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 119،
تاريخ الإسلام: 6 / 50، تذكرة الحفاظ: 1 / 164، 165، عبر
الذهبي: 1 / 204، تهذيب التهذيب: 2 / 185، 186، خلاصة
تذهيب الكمال: 71، شذرات الذهب: 1 / 216.
(1) وتمام كلام أحمد كما في " التهذيب ": " وهو أثبت من
حميد الطويل " وقال أيضا: " كان ثبتا ثقة، وهو عندي يقوم
مقام يونس وابن عون، وكان قليل الحديث ".
(7/56)
أَرَّخَهُ بَعْضُهُم، فَقَالَ: مَاتَ
سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَعَاشَ سِتّاً
وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
أَمَّا:
18 - حَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ التُّجِيْبِيُّ أَبُو
مَرْزُوْقٍ المِصْرِيُّ *
فَحَدَّثَ عَنْ: حَنَشِ بنِ عَبْدِ اللهِ الصَّنْعَانِيِّ،
وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.
رَوَى عَنْهُ: يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَجَعْفَرُ
بنُ رَبِيْعَةَ، وَسَالِمُ بنُ غَيْلاَنَ.
وَكَانَ يُفَقِّهُ أَهْلَ طَرَابُلُسَ الغَرْبِ.
وَثَّقَهُ: العِجْلِيُّ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَةٍ.
لَمْ يُفَرِّقِ البُخَارِيُّ، وَلاَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ التَّرْجَمَةِ، مَوْلَى
قُرَيْبَةَ (1) .
19 - صَدَقَةُ بنُ يَزِيْدَ الخُرَاسَانِيُّ ثُمَّ
الدِّمَشْقِيُّ **
نَزِيلُ بَيْتِ المَقْدِسِ.
حَدَّثَ عَنْ: قَتَادَةَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ،
وَحَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الحُرَقِيِّ (2) ، وَأَحْوَصَ بنِ حَكِيْمٍ،
وَبِنْتِ وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَضَمْرَةُ،
وَابْنُ شَابُوْرَ، وَرَوَّادُ بنُ الجَرَّاحِ،
وَآخَرُوْنَ.
__________
(*) الجرح والتعديل: 3 / 103، تهذيب الكمال: خ: 1645،
تذهيب التهذيب 4 / 232 / 2، تهذيب التهذيب: 12 / 228، 229،
خلاصة تذهيب الكمال: 459.
(1) أي: صاحب الترجمة السابقة برقم (17).
(* *) التاريخ الكبير: 4 / 295، الضعفاء: خ: 188، الجرح
والتعديل: 4 / 431، الكامل لابن عدي: خ: 403، ابن عساكر:
خ: 8 / 142 ب، تاريخ الإسلام: 6 / 23، ميزان الاعتدال: 2 /
313، تهذيب ابن عساكر: 6 / 415 - 416.
(2) الحرقي: نسبة إلى الحرقات من جهينة، كما في " اللباب
".
(7/57)
وَثَّقَهُ: أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحٌ.
وَقَالَ الفَسَوِيُّ: حَسَنُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ عَبَّاسٌ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: صَدَقَةُ
بنُ يَزِيْدَ الدِّمَشْقِيُّ صَالِحُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَالنَّسَائِيُّ،
وَغَيْرُهُمَا: ضَعِيْفٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ إِلَى الضَّعفِ أَقْرَبُ
مِنْهُ إِلَى الصِّدْقِ.
قُلْتُ: لَعَلَّهُ أَضْعَفُ مِنَ السَّمِيْنِ، وَلاَ
شَيْءَ لَهُ فِي الكُتُبِ، وَمِنْ أَنْكَرِ مَا رَأَيتُ
لَهُ فِي تَرْجَمَتِه فِي (تَارِيْخِ دِمَشْقَ (1)):
دَاوُدُ بنُ رَشِيْدٍ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ
مُسْلِمٍ، عَنْ صَدَقَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ يَحْيَى بنِ
أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ:
تَرَاءَوُا الهِلاَلَ، فَقَالُوا: مَا أَحْسَنَ! مَا
أَبْيَنَهُ!
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (كَيْفَ أَنْتُم إِذَا كُنْتُمْ مِنْ
دِيْنِكُمْ فِي مِثْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، لاَ
يُبْصِرُهُ مِنْكُمْ إِلاَّ البَصِيْرُ (2)).
تُوُفِّيَ هَذَا: سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
20 - مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ أَبُو سَلَمَةَ
المَدَنِيُّ * (خَ، م، س)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو سَلَمَةَ بنُ مَيْسَرَةَ
المَدَنِيُّ، نَزِيْلُ البَصْرَةِ.
__________
(1) 8 / 142 ب، وسنده بتمامه فيه: " حدثنا أبو عبد الله
يحيى بن الحسن بن البناء لفظا، وأبو القاسم إسماعيل بن
أحمد، والمبارك بن أحمد بن علي بن القصار الوكيل بقراءتي
عليهما، قالوا: أنبأنا أبو الحسن النقور، أنبأنا محمد بن
عبد الله بن الحسين الدقاق أبو القاسم البغوي، أخبرنا داود
بن رشيد، أخبرنا الوليد بن مسلم، عن صدقة بن يزيد، عن يحيى
بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: قال: تراءى الناس
الهلال ذات ليلة..".
(2) إسناده ضعيف، فيه تدليس الوليد بن مسلم ويحيى بن أبي
كثير، وضعف صدقة بن يزيد.
(*) التاريخ الكبير: 1 / 226، المعرفة والتاريخ: 3 / 51،
الضعفاء: خ: 402، تهذيب الكمال: خ: 1188، تذهيب التهذيب:
خ: 3 / 198، تاريخ الإسلام: 6 / 117، و279، ميزان
الاعتدال: 3 / 527، تهذيب التهذيب: 9 / 123 - 124، خلاصة
تذهيب الكمال: 333.
(7/58)
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي جَمْرَةَ
الضُّبَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَابْنِ
جُدْعَانَ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ،
وَابْنُ المُبَارَكِ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَأَبُو
مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرُ.
وَهُوَ قَدِيْمُ المَوْتِ.
تُوُفِّيَ: فِي حُدُوْدِ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ مَرَّةً، ثُمَّ
تَوَقَّفَ، وَقَالَ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: ضَعِيْفٌ.
وَكَذَا قَالَ النَّسَائِيُّ، مَعَ كَوْنِه رَوَى لَهُ فِي
(سُنَنِهِ).
وَرَوَى لَهُ: الشَّيْخَانِ فِي المُتَابَعَاتِ، مَا
أَظُنُّ أَنَّ وَاحِداً مِنْهُمَا جَعَلَهُ حُجَّةً.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ مِنَ الضُّعفَاءِ
الَّذِيْنَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُم.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ
سَعِيْدٍ: حَملتَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ؟
قَالَ: نَعَمْ، كَتَبتُ حَدِيْثَهُ كُلَّهُ، ثُمَّ رَمَيتُ
بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ: هُوَ نَحْوُ صَالِحِ بنِ أَبِي الأَخْضَرِ.
قُلْتُ: بِالجَهْدِ أَنْ يُعَدَّ حَدِيْثُهُ حَسَناً،
وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ.
وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا
صَالِحٌ، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، سَمِعْتُ مُعَاذَ بنَ
مُعَاذٍ، قَالَ: كَتَبتُ عَنْهُ.
قُلْتُ لِمُعَاذٍ: لِمَ (1) ؟
قَالَ: لأَنِّي رَأَيتُهُ يَأْتِي أَشْعَثَ بنَ عَبْدِ
المَلِكِ، فَإِذَا قُمْنَا، جَلَسَ إِلَى صِبْيَانٍ،
فَأَمَلُّوْهَا عَلَيْهِ.
فَقُلْتُ لِمُعَاذٍ: مَنْ هُوَ يَا أَبَا المُثَنَّى؟
قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ.
أَوْرَدَهُ العُقَيْلِيُّ فِي مُحَمَّدِ بنِ مَيْسَرَةَ.
__________
(1) في الأصل: " ثم "، والتصحيح من " الضعفاء ": خ: 402.
(7/59)
21 - هِشَامُ بنُ الغَازِ بنِ رَبِيْعَةَ
الجُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ * (4)
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، أَبُو العَبَّاسِ.
وَقِيْلَ: أَبُو رَبِيْعَةَ.
وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ.
رَوَى عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ - إِنْ صَحَّ -.
وَعَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَمْرِو بنِ
شُعَيْبٍ، وَمَكْحُوْلٍ، وَعُبَادَةَ بنِ نُسَيٍّ،
وَالزُّهْرِيِّ، وَنَافِعٍ، وَطَائِفَةٍ.
وَتَلاَ عَلَى: يَحْيَى الذِّمَارِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ الوَهَّابِ، وَابْنُ
المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٌ، وَالوَلِيْدُ، وَعِيْسَى بنُ
يُوْنُسَ، وَشَبَابَةُ، وَإِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ
الرَّازِيُّ، وَأَبُو المُغِيْرَةِ الخَوْلاَنِيُّ،
وَيَحْيَى بنُ يَمَانٍ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ.
وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ:
شَامِيٌّ، ثِقَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: كَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ.
وَقَالَ الفَسَوِيُّ: سَأَلْتُ دُحَيْماً عَنْهُ، فَقَالَ:
مَا أَحْسَنَ اسْتِقَامَتَه فِي الحَدِيْثِ!
قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: كَانَ هِشَامُ بنُ الغَازِ عَلَى
بَيْتِ المَالِ (1) لأَبِي جَعْفَرٍ.
يُقَالُ: مَاتَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 468، طبقات خليفة: 316، التاريخ
الكبير: 8 / 199، التاريخ الصغير: 2 / 118، الجرح
والتعديل: 9 / 67، مشاهير علماء الأمصار: 183، تاريخ
بغداد: 14 / 42 - 43، تهذيب الكمال: خ: 1444، تذهيب
التهذيب: خ: 4 / 120، تاريخ الإسلام: 6 / 312 - 313، ميزان
الاعتدال: 4 / 304، عبر الذهبي: 1 / 221، طبقات القراء
لابن الجزري: 2 / 356، تهذيب التهذيب: 11 / 55 - 56، طبقات
الحفاظ: 84، خلاصة تذهيب الكمال: 410، شذرات الذهب: 1 /
236.
(1) زيادة من " تهذيب التهذيب ": 11 / 55.
(7/60)
22 - أَبَانُ بنُ صَمْعَةَ الأَنْصَارِيُّ
البَصْرِيُّ * (س، ق، م)
مِنْ كِبَارِ المُحَدِّثِيْنَ.
قِيْلَ: هُوَ وَالِدُ عُتْبَةَ؛ الغُلاَمِ المَشْهُوْرِ
بِالزُّهدِ.
حَدَّثَ عَنْ: وَالِدَتِهِ، عَنْ عَائِشَةَ.
وَعَنْ: عِكْرِمَةَ، وَأَبِي الوَازِعِ جَابِرِ بنِ
عَمْرٍو، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو عَاصِمٍ
النَّبِيْلُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
الأَنْصَارِيُّ، وَسَهْلُ بنُ يُوْسُفَ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ.
وَقَدْ تَغَيَّرَ بِأَخَرَةٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: صَالِحُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: تَغَيَّرَ.
وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: لَقِيْتُهُ وَقَدِ اخْتَلَطَ
البَتَّةَ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: إِنَّمَا عِيْبَ عَلَيْهِ
اخْتِلاَطُه لَمَّا كَبِرَ، وَلَمْ يُنْسَبْ إِلَى
الضَّعفِ؛ لأَنَّ مِقْدَارَ مَا يَرْوِيْهِ مُسْتَقِيْمٌ.
ثُمَّ سَاقَ لَهُ ابْنُ عَدِيٍّ حَدِيْثاً وَاحِداً، مِنْ
طَرِيْقِ سَهْلِ بنِ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بنُ
صَمْعَةَ، عَنْ أَبِي الوَازِعِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ لَهُ: (اعْزِلِ الأَذَى عَنْ طَرِيْقِ
المُسْلِمِيْنَ (1)).
تَفَرَّد بِهِ: سَهْلٌ.
وَهُوَ حَسَنٌ، غَرِيْبٌ.
وَقَدْ رَوَى: مُسْلِمٌ لأَبَانٍ مُتَابَعَةً.
مَاتَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
(*) طبقات خليفة: 221، تاريخ خليفة: 426، التاريخ الكبير:
1 / 452، الضعفاء: خ: 14، الجرح والتعديل: 2 / 297 - 298،
مشاهير علماء الأمصار: 152، الكامل لابن عدي: خ: 53، تهذيب
الكمال: خ: 48، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 31، تاريخ الإسلام:
6 / 159، ميزان الاعتدال: 1 / 8 - 9، الوافي بالوفيات: 5 /
301، البداية والنهاية: 10 / 111، تهذيب التهذيب: 1 / 95،
خلاصة تذهيب الكمال: 15.
(1) سنده حسن، وأخرجه مسلم في " صحيحه ": (2618)، في البر
والصلة: باب فضل إزالة الأذى عن الطريق، من طريق زهير بن
حرب، عن يحيى بن سعيد، عن أبان بن صمعة، حدثني أبو الوازع،
حدثني أبوبرزة، قال: قلت: يا نبي الله ! علمني شيئا أنتفع
به، قال: " اعزل الأذى عن طريق المسلمين ".
وأخرجه ابن ماجه: (3681)، من طريق أبي بكر بن أبي شيبة
وعلي ابن محمد، كلاهما عن وكيع، عن أبان بن صمعة به.
(7/61)
23 - عُتْبَةُ الغُلاَمُ بنُ أَبَانٍ
البَصْرِيُّ *
الزَّاهِدُ، الخَاشِعُ، الخَائِفُ، عُتْبَةُ بنُ أَبَانٍ
البَصْرِيُّ.
كَانَ يُشَبَّهُ فِي حُزْنِه بِالحَسَنِ البَصْرِيِّ.
قَالَ رِيَاحٌ القَيْسِيُّ: بَاتَ عِنْدِي، فَسَمِعْتُهُ
يَقُوْلُ فِي سُجُوْدِهِ: اللَّهُمَّ احْشُرْ عُتْبَةَ
مِنْ حَوَاصِلِ الطَّيْرِ، وَبُطُوْنِ السِّبَاعِ.
وَقَالَ مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ: جَاءنَا عُتْبَةُ
الغُلاَمُ غَازِياً، وَقَالَ:
رَأَيتُ أَنِّي آتِي المَصِّيْصَةَ (1) فِي النَّوْمِ،
وَأَغَزْو، فَأُسْتَشْهَدُ.
قَالَ: فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ فَرَسَهُ وَسِلاَحَه، وَقَالَ:
إِنِّيْ عَلِيْلٌ، فَاغْزُ عَنِّي.
فَلَقَوُا الرُّوْمَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتُشْهِدَ.
قَالَ سَلَمَةُ الفَرَّاءُ: كَانَ عُتْبَةُ الغُلاَمُ مِنْ
نُسَّاكِ أَهْلِ البَصْرَةِ، يَصُوْمُ الدَّهْرَ،
وَيَأْوِي السَّوَاحِلَ، وَالجَبَّانَةَ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ البَصْرِيُّ: كَانَ رَأْسُ مَالِ
عُتْبَةَ فِلْساً، يَشْتَرِي بِهِ خُوصاً (2) ، يَعْمَلُه
وَيَبِيْعُه بِثَلاَثَةِ فُلُوسٍ، فَيَتَصَدَّقُ بِفِلْسٍ،
وَيَتَعَشَّى بِفِلْسٍ، وَفِلْسٌ رَأْسُ مَالِه.
وَقِيْلَ: نَازَعتْهُ نَفْسُهُ لَحْماً، فَمَاطَلَهَا
سَبْعَ سِنِيْنَ (3) .
وَعَنْهُ، قَالَ: لاَ يُعجِبُنِي رَجُلٌ أَلاَّ يَحتَرِفَ
(4) .
__________
(*) مشاهير علماء الأمصار: 152، الفهرست: المقالة الخامسة
الفن الخامس، حلية
الأولياء: 6 / 226 - 238.
(1) المصيصة: بفتح الميم، وكسر الصاد الثقيلة، بعدها ياء
ساكنة ثم صاد مفتوحة مدينة على شاطئ جيحان، من ثغور الشام،
بين أنطاكية وبلاد الروم تقارب طرطوس.
(انظر معجم البلدان) والصفحة: 389، حاشية: 3.
(2) الخوص: ورق المقل والنخل والنارجيل وما شاكلها، واحدته
خوصة.
(3) انظر الخبر في " الحلية ": 6 / 230.
(4) " الحلية ": 6 / 231: " لا يعجبني رجل لا يكون في يده
حرفة. فقلنا له: هوذا تجالسنا =
(7/62)
وذَكَرَ مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ عُتْبَةَ
الغُلاَمَ، وَصَاحِبَه يَحْيَى الوَاسِطِيَّ، فَقَالَ:
كَأَنَّمَا رَبَّتْهُمُ الأَنْبِيَاءُ.
وَعَنْ عُتْبَةَ، قَالَ: مَنْ عَرَفَ اللهَ، أَحَبَّهُ،
وَمَنْ أَحَبَّهُ، أَطَاعَه.
وَعَنْهُ، قَالَ: إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى تَقْصِيْرِي.
قَالَ مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: رَأَيتُ عُتْبَةَ،
وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ الطَّيْرَ تُجِيْبُهُ.
وَقِيْلَ: لَمَّا غَزَا، قَالَ: لاَ تَفْتَحُوا بَيْتِي.
فَلَمَّا قُتِلَ، فَتَحُوْهُ، فَوَجَدُوا قَبْراً
مَحْفُوْراً، وَغِلَّ حَدِيْدٍ.
24 - الوَلِيْدُ بنُ كَثِيْرٍ المَخْزُوْمِيُّ مَوْلاَهُم
المَدَنِيُّ * (ع)
الحَافِظُ.
حَدَّثَ عَنْ: بُشَيْرِ بنِ يَسَارٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي
هِنْدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ،
وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حُنَيْنٍ،
وَالأَعْرَجِ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَسَعِيْدٍ
المَقْبُرِيِّ، وَمَعْبَدِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ،
وَأَخِيْهِ؛ مُحَمَّدٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ
بنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ،
وَمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ،
وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ
عَمْرِو بنِ حَلْحَلَةَ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَسُفْيَانُ
بنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَابْنُ أَبِي
فُدَيْكٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ،
وَجَمَاعَةٌ.
وَكَانَ أَخْبَارِيّاً، عَلاَّمَةً، ثِقَةً، بَصِيْراً
بِالمَغَازِي.
__________
= أنت وما نراك تحترف، فقال: بلى، إني لاحترف: رأس مالي
طسوج أشتري به خوصا أعمله وأبيعه بثلاث طساسيج، فطسوج رأس
مالي، وقيراط خبزي ".
(*) المعرفة والتاريخ: 1 / 701، الضعفاء: ح: 423، الجرح
والتعديل: 9 / 14، مشاهير علماء الأمصار: 138، تهذيب
الأسماء واللغات: 2 / 147، تهذيب الكمال: خ: 1472، تذهيب
التهذيب: خ: 4 / 140، تاريخ الإسلام: 6 / 314 - 315، ميزان
الاعتدال: 4 / 345، عبر الذهبي: 1 / 217، تهذيب التهذيب:
11 / 148، خلاصة تذهيب الكمال: 417، شذرات الذهب: 1 / 231.
(7/63)
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ، إِلاَّ
أَنَّهُ إِبَاضِيٌّ (1) .
وَقَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ صَدُوقاً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: لَيْسَ بِذَاكَ.
وَذَكَرَهُ العُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ:
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ زُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بنُ سَعِيْدٍ الفِهْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عُبَيْدٍ التَّبَّانُ، قَالَ:
سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُوْلُ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ
يُوْنُسَ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ، فَقَالَ:
يَا بُنَيَّ! تَدْرِي مَنِ الوَلِيْدُ بنُ كَثِيْرٍ؟ كَانَ
-وَاللهِ- قَدَرِيّاً، وَهُوَ مَوْلَى لِبَنِي مَخْزُوْمٍ،
وَإِنَّمَا يَأْتِي أَهْلُ العِرَاقِ بَلَدَنَا، فَلاَ
يُبَالُوْنَ عَمَّنْ أَخَذُوا.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ
وَمائَةٍ.
25 - ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ
الغَسَّانِيُّ * (د، ت، ق)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ،
أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ
__________
(1) الإباضية: فئة اجتمعت على القول بإمامة عبد الله بن
إباض، وافترقت فيما بينها فرقا، يجمعها القول بأن كفار هذه
الأمة - يعنون بذلك مخالفيهم من هذه الأمة - برآء من الشرك
والايمان، وأنهم ليسوا مؤمنين ولا مشركين، ولكنهم كفار،
وأجازوا شهادتهم، وحرموا دماءهم في السر، واستحلوها في
العلانية، وصححوا مناكحتهم والتوارث منهم، وزعموا أنهم في
ذلك محاربون لله ولرسوله لا يدينون دين الحق.
وقالوا باستحلال بعض أموالهم دون بعض، والذي استحلوه:
الخيل والسلاح، فأما الذهب والفضة فإنهم يردونهما على
أصحابهما عند الغنيمة.
ثم افترقت الاباضية فيما بينهم أربع فرق، وهي: الحفصية
والحارثية، واليزيدية، وأصحاب طاعة لا يراد الله بها.
(الفرق بين الفرق: 103 - 104).
وعبد الله بن إباض المقاعسي المري التميمي: من بني مرة بن
عبيد بن مقاعس: رأسهم، وإليه نسبتهم، وكان معاصرا لمعاوية،
وعاش إلى أواخر أيام عبد الملك بن مروان.
له ترجمة مطولة في " أعلام الزركلي " فانظرها فيه.
(*) طبقات خليفة: 316، كتاب المجروحين: 3 / 146 - 147،
تهذيب الكمال: خ: 1582 - 1583، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 201
- 202، لسان الميزان: 3 / 357، تهذيب التهذيب: 6 / 26،
خلاصة تذهيب الكمال: 214.
(7/64)
الغَسَّانِيُّ، الحِمْصِيُّ، شَيْخُ أَهْلِ
حِمْصَ.
وُلِدَ: فِي دَوْلَةِ عَبْدِ المَلِكِ، وَفِي حَيَاةِ
أَبِي أُمَامَةَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، وَرَاشِدِ بنِ
سَعْدٍ، وَبِلاَلِ بنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَمَكْحُوْلٍ،
وَأَبِي رَاشِدٍ الحُبْرَانِيِّ، وَضَمْرَةَ بنِ حَبِيْبٍ،
وَحَكِيْمِ بنِ عُمَيْرٍ، وَحَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ،
وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
رَوَى عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَبَقِيَّةُ،
وَابْنُ المُبَارَكِ، وَالوَلِيْدُ، وَأَبُو اليَمَانِ،
وَعَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، وَأَبُو المُغِيْرَةِ،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو اليَمَانِ: اسْمُهُ: بَكْرٌ، وَالظَّاهِرُ
أَنَّ اسْمَهُ كُنْيَتُهُ.
ضَعَّفَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ، مِنْ
قِبَلِ حِفْظِه.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ: هُوَ
مُتَمَاسِكٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَحَادِيْثُه صَالِحَةٌ، وَلاَ
يُحْتَجُّ بِهِ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هُوَ رَدِيْءُ الحِفْظِ، يُحَدِّثُ
بِالشَّيْءِ، وَيَهِمُ وَيَفحشُ، حَتَّى اسْتَحَقَّ
التَّركَ، وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِنَا
يَذْكُرُ لَهُ اسْماً.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: كَانَ مِنَ العُبَّادِ
المُجْتَهِدِيْنَ.
وَقَالَ بَقِيَّةُ: قَالَ لَنَا رَجُلٌ فِي قَرْيَةِ أَبِي
بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ - وَهِيَ كَثِيْرَةُ
الزَّيْتُوْنِ -: مَا فِي هَذِهِ القَرْيَةِ مِنْ شَجَرَةٍ
إِلاَّ وَقَدْ قَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهَا لَيْلَتَهُ
جَمْعَاءَ.
وَقِيْلَ: كَانَ فِي خَدَّيْهِ أَثَرٌ مِنَ الدُّمُوعِ -
رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ
سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
يَقَعُ مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ)،
وَ(مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ)، وَلاَ يَبْلُغُ حَدِيْثُهُ
رُتْبَةَ الحَسَنِ.
(7/65)
26 - أَشْعَبُ الطَّمَعُ بنُ جُبَيْرٍ
المَدَنِيُّ ابْنُ أُمِّ حَمِيْدَةَ *
يُعرَفُ: بَابْنِ أُمِّ حَمِيْدَةَ (1) ، وَمَنْ يُضْرَبُ
بِطَمَعِه المَثَلُ.
رَوَى قَلِيْلاً عَنْ: عِكْرِمَةَ، وَسَالِمٍ، وَأَبَانِ
بنِ عُثْمَانَ.
وَعَنْهُ: مَعْدِي بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو عَاصِمٍ
النَّبِيْلُ، وَكَانَ صَاحِبَ مُزَاحٍ وَتَطْفِيْلٍ،
وَمَعَ ذَلِكَ كُذِبَ عَلَيْهِ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: عَبَثَ بِهِ صِبْيَانٌ، فَقَالَ:
وَيْحَكُم، اذْهَبُوا، سَالِمٌ يُفَرِّقُ تَمْراً.
فَعَدَوْا، فَعَدَا مَعَهُم، وَقَالَ: لَعَلَّهُ حَقٌّ.
وَيُقَالُ: وَفَدَ عَلَى الوَلِيْدِ بنِ يَزِيْدَ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ فَايِدٍ: حَدَّثَنَا أَشْعَبُ
مَوْلَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
جَعْفَرٍ:
رَأَيتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَتَخَتَّمُ فِي يَمِيْنِهِ (2) .
عُثْمَانُ: ضُعِّفَ.
وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا أَشْعَبُ، حَدَّثَنَا
عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
للهِ عَلَى عَبْدِهِ نِعْمَتَانِ، وَسَكَتَ أَشْعَبُ.
فَقَالَ: اذْكُرْهُمَا.
قَالَ: وَاحِدَةٌ نَسِيَهَا عِكْرِمَةُ، وَالأُخْرَى
أَنَا.
__________
(*) الاغاني: 19 / 135 - 182، تاريخ بغداد: 7 / 37 - 44،
الكامل لابن الأثير: 5 / 612، وفيات الأعيان: 2 / 471 -
475، نهاية الارب: 4 / 24 - 36، تاريخ الإسلام: 6 / 167 -
170، ميزان الاعتدال: 1 / 258 - 262، عبر الذهبي: 1 / 222،
فوات الوفيات: 1 / 197 - 201، البداية والنهاية: 111 10 -
113، لسان الميزان: 1 / 450 - 454، شذرات الذهب: 1 / 236،
تهذيب ابن عساكر: 3 / 78 - 83.
(1) ضبطت في الأصل بضم الحاء وفتح الميم، وبفتح الحاء وكسر
الميم، وكتب فوق الكلمة: " معا " إشارة إلى جواز الوجهين.
(2) وأخرجه الترمذي في " الشمائل ": 1 / 186، وفي " الجامع
": (1744)، والنسائي: 8 / 175، من طريق حماد بن سلمة، عن
عبد الرحمن بن أبي رافع، عن عبد الله بن جعفر.
وعبد الرحمن بن أبي رافع مجهول، لكن للحديث شاهد عن أنس بن
مالك عند أبي الشيخ في " أخلاق النبي ": 131 - 132، بسند
حسن فيتقوى به.
(7/66)
قِيْلَ: إِنَّ أَشْعَبَ خَالُ
الأَصْمَعِيِّ.
وَعَنْ سَالِمٍ: أَنَّهُ قَالَ لأَشْعَبَ: إِنِّيْ أَرَى
الشَّيْطَانَ لَيَتَمَثَّلُ عَلَى صُوْرتِكَ.
وَكَانَ رَآهُ بُكْرَةً، وَأَطعَمَه هَرِيْسَةً، ثُمَّ
بَعْدَ سَاعَتَيْنِ رَآهُ مُصْفَراً، عَاصِباً رَأْسَه،
بِيَدِهِ قَصَبَةٌ، قَدْ تَحَامَلَ إِلَى دَارِ عَبْدِ
اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ عُثْمَانَ.
قَالَ الزُّبَيْرُ: قِيْلَ لأَشْعَبَ: نُزَوِّجُكَ؟
قَالَ: ابْغُوْنِي امْرَأَةً أَتَجَشَّى فِي وَجْهِهَا
تَشْبَعْ، وَتَأْكُلُ فَخِذَ جَرَادَةٍ تَنتخِمْ.
وَقِيْلَ: أَسلَمَتْهُ أُمُّهُ عِنْدَ بَزَّازٍ، ثُمَّ
قَالَتْ لَهُ: مَا تَعَلَّمتَ؟
قَالَ: نِصْفَ الشُّغْلِ، تَعَلَّمتُ النَّشرَ، وَبَقِيَ
الطَّيُّ.
وَقِيْلَ: شَوَى رَجُلٌ دَجَاجَةً، ثُمَّ رَدَّهَا،
فَسَخنتْ، ثُمَّ رَدَّهَا.
فَقَالَ أَشْعَبُ: هَذِهِ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ : {النَّارُ
يُعْرَضُوْنَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً } [غَافِرٌ:
40].
وَقِيْلَ: لَقِيَ دِيْنَاراً، فَاشْتَرَى بِهِ قَطِيْفَةً،
ثُمَّ نَادَى: يَا مَنْ ضَاعَ مِنْهُ قَطِيْفَةٌ (1) .
وَيُقَالُ: دَعَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَنَا خَبِيْرٌ
بِكَثْرَةِ جُمُوْعِكَ (2) .
قَالَ: لاَ أَدْعُو أَحَداً.
فَجَاءَ، إِذْ طَلَعَ صَبِيٌّ، فَقَالَ أَشْعَبُ: أَيْنَ
الشُّرَطُ؟
قَالَ: يَا أَبَا العَلاَءِ! هُوَ ابْنِي، وَفِيْهِ عَشْرُ
خِصَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مَعَ ضَيْفٍ.
قَالَ: كَفَى، التِّسْعُ لَكَ، أَدخِلْهُ (3) .
وَعَنْهُ، قَالَ: أَتَتْنِي جَارِيَتِي بِدِيْنَارٍ،
فَجَعَلْتُهُ تَحْتَ المُصَلَّى، ثُمَّ جَاءتْ بَعْدَ
أَيَّامٍ تَطلُبُهُ، فَقُلْتُ: خُذِي مَا وَلَدَ.
فَوَجَدَتْ مَعَهُ دِرْهَماً، فَأَخَذَتِ الوَلَدَ.
__________
(1) انظر رواية " الوفيات: " 2 / 472.
(2) في " الوفيات ": 2 / 474: " أكره أن يجئ ثقيل ".
(3) زيادة من " الوفيات ".
(7/67)
ثُمَّ عَادَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ وَقَدْ
أَخَذْتُهُ، فَبَكَتْ، فَقُلْتُ: مَاتَ النَّوْبَةَ فِي
النِّفَاسِ.
فَوَلْوَلَتْ، فَقُلْتُ: صَدَّقْتِ بِالوِلاَدَةِ، وَلاَ
تُصَدِّقِيْنَ بِالمَوْتِ.
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: أَوْقَفَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَلَى
أَشْعَبَ، فَقَالَ: مَا بَلَغَ مِنْ طَمَعِكَ؟
قَالَ: مَا زُفَّتِ امْرَأَةٌ، إِلاَّ كَنَستُ بَيْتِي،
رَجَاءَ أَنْ تُهْدَى إِلَيَّ (1) .
وَعَنْ أَبِي عَاصِمٍ: أَنَّ أَشْعَبَ مَرَّ بِمَنْ
يَعْمَلُ طَبَقاً، فَقَالَ: وَسِّعْهُ، لَعَلَّهُم
يُهْدُوْنَ لَنَا فِيْهِ.
وَمَرَرتُ يَوْماً، فَإِذَا هُوَ وَرَائِي، قُلْتُ: مَا
بِكَ؟
قَالَ: رَأَيتُ قَلَنْسُوَتَكَ مَائِلَةً، فَقُلْتُ:
لَعَلَّهَا تَقَعُ، فَآخُذُهَا.
قَالَ: فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ: قَالَ
أَشْعَبُ:
مَا خَرَجْتُ فِي جَنَازَةٍ، فَرَأَيتُ اثْنَيْنِ
يَتَسَارَّانِ، إِلاَّ ظَنَنْتُ أَنَّ المَيتَ أَوْصَى لِي
بِشَيْءٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ يُجِيْدُ الغِنَاءَ.
يُقَالُ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
27 - حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ بنِ ثَوْرِ بنِ هُبَيْرَةَ
النَّخَعِيُّ * (4، م)
ابْنِ شَرَاحِيْلَ بنِ كَعْبٍ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ،
مُفْتِي الكُوْفَةِ مَعَ الإِمَامِ أَبِي حَنِيْفَةَ،
وَالقَاضِي ابْنِ أَبِي لَيْلَى، أَبُو أَرْطَاةَ
النَّخَعِيُّ، الكُوْفِيُّ، الفَقِيْهُ، أَحَدُ
الأَعْلاَمِ.
وُلِدَ: فِي حَيَاةِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ
صِغَارِ الصَّحَابَةِ.
__________
(1) في " الميزان ": 1 / 261: " إلا قلت: يجيؤون بها إلي
".
(*) طبقات ابن سعد: 6 / 359، طبقات خليفة: 167، تاريخ
خليفة: 369، 414، 421، التاريخ الكبير: 2 / 378، التاريخ
الصغير: 2 / 110، المعرفة والتاريخ: 2 / 803، الضعفاء: خ:
100 - 102، الجرح والتعديل: 3 / 154 - 156، كتاب
المجروحين: 1 / 225 - 228، الكامل لابن عدي: خ: 140 - 143،
تاريخ بغداد: 8 / 230 - 236، تهذيب الاسماءواللغات: 1 /
152 - 153، وفيات الأعيان: 2 / 54 - 56، تهذيب الكمال: خ:
235، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 122 - 123، تاريخ الإسلام: 6 /
51 - 53، تذكرة الحفاظ: 186 1 - 187، ميزان الاعتدال: 458
- 460، تهذيب التهذيب: 2 / 196 - 198، طبقات المدلسين: 17،
طبقات الحفاظ: 81، خلاصة تذهيب الكمال: 72، شذرات الذهب: 1
/ 229.
(7/68)
وَرَوَى عَنْ: عِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ،
وَالحَكَمِ، وَنَافِعٍ، وَمَكْحُوْلٍ، وَجَبَلَةَ بنِ
سُحَيْمٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالقَاسِمِ بنِ
أَبِي بَزَّةَ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَابْنِ
المُنْكَدِرِ، وَزَيْدِ بنِ جُبَيْرٍ الطَّائِيِّ،
وَعَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، وَالمِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو،
وَأَبِي مَطَرٍ، وَرِيَاحِ بنِ عَبِيْدَةَ، وَأَبِي
إِسْحَاقَ، وَسِمَاكٍ، وَعَوْنِ بنِ أَبِي جُحَيْفَةَ،
وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، تُكُلِّمَ فِيْهِ
لِبَأْوٍ (1) فِيْهِ، وَلِتَدْلِيسِه، وَلِنَقصٍ قَلِيْلٍ
فِي حِفْظِه، وَلَمْ يُتْرَكْ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ - وَهُوَ
مِنْ شُيُوْخِهِ - وَقَيْسُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ
إِسْحَاقَ، وَشُعْبَةُ - وَهُمْ مِنْ أَقْرَانِهِ -
وَالحَمَّادَانِ، وَالثَّوْرِيُّ، وَشَرِيْكٌ، وَزِيَادٌ
البَكَّائِيُّ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ،
وَالمُحَارِبِيُّ، وَهُشَيْمٌ، وَمُعْتَمِرٌ، وَغُنْدَرٌ،
وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ،
وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي
نَجِيْحٍ يَقُوْلُ:
مَا جَاءنَا مِنْكُم مِثْلَهُ -يَعْنِي: حَجَّاجَ بنَ
أَرْطَاةَ-.
وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: قَالَ لَنَا سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ يَوْماً: مَنْ تَأْتُوْنَ؟
قُلْنَا: الحَجَّاجَ بنَ أَرْطَاةَ.
قَالَ: عَلَيْكُم بِهِ، فَإِنَّهُ مَا بَقِيَ أَحَدٌ
أَعْرَفُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ مِنْهُ.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ
أَقهَرُ عِنْدَنَا بِحَدِيْثِهِ مِنْ سُفْيَانَ.
وَقَالَ ابْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ: عَنْ جَرِيْرٍ:
رَأَيتُ الحَجَّاجَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: كَانَ فَقِيْهاً، أَحَدُ
مُفْتِي الكُوْفَةِ، وَكَانَ فِيْهِ تِيْهٌ، فَكَانَ
يَقُوْلُ: أَهْلَكَنِي حُبُّ الشَّرَفِ.
وَلِيَ قَضَاءَ البَصْرَةِ، وَكَانَ جَائِزَ الحَدِيْثِ،
إِلاَّ أَنَّهُ صَاحِبُ إِرسَالٍ، كَانَ يُرسِلُ عَنْ
يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ
شَيْئاً، وَيُرسِلُ عَنْ مَكْحُوْلٍ، وَلَمْ
__________
(1) البأو: الكبر والفخر.
(7/69)
يَسْمَعْ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَعِيبُوْنَ
مِنْهُ التَّدلِيسَ.
رَوَى نَحَواً مِنْ سِتِّ مائَةِ حَدِيْثٍ.
قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّ سُفْيَانَ أَتَاهُ يَوْماً
لِيَسْمَعَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَامَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ
حَجَّاجٌ:
يَرَى بُنَيُّ ثَوْرٌ أَنَّا نَحْفِلُ بِهِ؟! لاَ
نُبَالِي، جَاءنَا أَوْ لَمْ يَجِئْنَا.
وَكَانَ حَجَّاجٌ تَيَّاهاً، وَكَانَ قَدْ وَلِيَ
الشَّرِطَةَ.
وَيُقَالُ: عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، قَالَ:
قَدِمَ عَلَيْنَا حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ،
وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، فَكَانَ الزِّحَامُ عَلَى
حَجَّاجٍ أَكْثَرَ.
وَكَانَ حَجَّاجٌ رَاوِيَةً عَنْ عَطَاءٍ، سَمِعَ مِنْهُ.
وَرَوَى: أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ:
كَانَ مِنَ الحُفَّاظِ.
قِيْلَ: فَلِمَ لَيْسَ هُوَ عِنْدَ النَّاسِ بِذَاكَ؟
قَالَ: لأَنَّ فِي حَدِيْثِهِ زِيَادَةً عَلَى حَدِيْثِ
النَّاسِ، لَيْسَ يَكَادُ لَهُ حَدِيْثٌ إِلاَّ فِيْهِ
زِيَادَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: عَنْ يَحْيَى بنِ
مَعِيْنٍ، قَالَ:
هُوَ صَدُوْقٌ، لَيْسَ بِالقَوِيِّ، يُدَلِّسُ عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ العَرْزَمِيِّ، عَنْ عَمْرِو
بنِ شُعَيْبٍ -يَعْنِي: فَيُسقِطُ العَرْزَمِيَّ-.
وَرَوَى: ابْنُ المَدِيْنِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ،
قَالَ:
الحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ عِنْدِي
سَوَاءٌ، تَرَكتُ الحَجَّاجَ عَمداً، وَلَمْ أَكْتُبْ
عَنْهُ حَدِيْثاً قَطُّ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوْقٌ، مُدَلِّسٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، يُدَلِّسُ عَنِ
الضُّعَفَاءِ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، فَإِذَا قَالَ:
حَدَّثَنَا، فَهُوَ صَالِحٌ لاَ يُرْتَابُ فِي صِدْقِهِ
وَحِفْظِه، وَلاَ يُحتَجُّ بِحَدِيْثِهِ، لَمْ يَسْمَعْ
مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَلاَ مِنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ،
وَلاَ مِنْ عِكْرِمَةَ.
قَالَ هُشَيْمٌ: قَالَ لِي حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ: صِفْ
لِيَ الزُّهْرِيَّ، فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ.
وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: كَانَ الحَجَّاجُ يُدَلِّسُ،
فَكَانَ يُحَدِّثُنَا بِالحَدِيْثِ عَنْ عَمْرِو بنِ
شُعَيْبٍ مِمَّا يُحَدِّثُهُ العَرْزَمِيُّ،
وَالعَرْزَمِيُّ مَتْرُوْكٌ.
(7/70)
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا
جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ
الحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، فَلَبِثْنَا مَا شَاءَ اللهُ،
ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا الحَجَّاجُ ابْنَ ثَلاَثِيْنَ،
أَوْ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، فَرَأَيتُ عَلَيْهِ
مِنَ الزِّحَامِ مَا لَمْ أَرَ عَلَى حَمَّادِ بنِ أَبِي
سُلَيْمَانَ، وَرَأَيتُ عِنْدَهُ مَطَراً الوَرَّاقَ،
وَدَاوُدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ، وَيُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ،
جُثَاةً عَلَى أَرْجُلِهِم، يَقُوْلُوْنَ: يَا أَبَا
أَرْطَاةَ! مَا تَقُوْلُ فِي كَذَا؟ يَا أَبَا أَرْطَاةَ!
مَا تَقُوْلُ فِي كَذَا؟
قَالَ هُشَيْمُ بنُ بَشِيْرٍ: سَمِعْتُ الحَجَّاجَ
يَقُوْلُ: اسْتُفْتِيتُ وَأَنَا ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ
سَنَةً.
وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: سَمِعْتُ حَجَّاجاً يَقُوْلُ:
مَا خَاصَمتُ أَحَداً قَطُّ، وَلاَ جَلَسْتُ إِلَى قَوْمٍ
يَخْتَصِمُوْنَ.
وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ:
سَمِعَ مِنْ مَكْحُوْلٍ، وَفِي بَعْضِ حَدِيْثِه يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ مَكْحُوْلاً.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: كَانَ حَافِظاً
لِلْحَدِيْثِ، وَكَانَ مُدَلِّساً.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: إِنَّمَا عَابَ النَّاسُ عَلَيْهِ
تَدْلِيسَه عَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهُ، وَرُبَّمَا
أَخْطَأَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، فَأَمَّا أَنْ
يَتَعَمَّدَ الكَذِبَ فَلاَ، وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ
حَدِيْثُه.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: وَاهِي الحَدِيْثِ، فِي
حَدِيْثِهِ اضْطِرَابٌ كَثِيْرٌ، وَهُوَ صَدُوْقٌ، وَكَانَ
أَحَدَ الفُقَهَاءِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: الحَجَّاجُ: أَحَدُ
العُلَمَاءِ بِالحَدِيْثِ، وَالحُفَّاظِ لَهُ.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: مَاتَ بِالرَّيِّ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى عَنِ: الشَّعْبِيِّ حَدِيْثاً
وَاحِداً.
(7/71)
قَالَ يَحْيَى بنُ يَعْلَى المُحَارِبِيُّ:
أَمَرَنَا زَائِدَةُ أَنْ نَترُكَ حَدِيْثَ الحَجَّاجِ بنِ
أَرْطَاةَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ
سَعِيْدٍ يَذْكُرُ أَنَّ حَجَّاجَ بنَ أَرْطَاةَ، لَمْ
يَرَ الزُّهْرِيَّ، وَكَانَ سَيِّئَ الرَّأْيِ فِيْهِ
جِدّاً، مَا رَأَيتُهُ أَسوَأَ رَأْياً فِي أَحَدٍ مِنْهُ
فِي حَجَّاجٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَلَيْثٍ، وَهَمَّامٍ،
لاَ نَستطِيْعُ أَنْ نُرَاجِعَه فِيْهِم.
وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُ:
لاَ يُحْتَجُّ بِحَجَّاجٍ.
قُلْتُ: قَدْ يَتَرَخَّصُ التِّرْمِذِيُّ وَيُصحِّحُ
لابْنِ أَرْطَاةَ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ (1) .
قَالَ مَعْمَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: تَسْأَلُونَا عَنْ
حَدِيْثِ حَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
بِشْرٍ الرَّقِّيُّ عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِنْهُ!
قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ:
حَجَّاجٌ فِي قَتَادَةَ صَالِحٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ:
سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
قَالَ (2) حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ: لاَ تَتُمُّ مُرُوءةُ
الرَّجُلِ حَتَّى يَترُكَ الصَّلاَةَ فِي الجَمَاعَةِ.
قُلْتُ: لَعَنَ اللهُ هَذِهِ المُرُوءةَ، مَا هِيَ إِلاَّ
الحُمْقُ وَالكِبْرُ كَيْلاَ يُزَاحِمُه السُّوْقَةُ!
وَكَذَلِكَ تَجدُ رُؤَسَاءَ وَعُلَمَاءَ يُصَلُّونَ فِي
جَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ صَفٍّ، أَوْ تُبسَطُ لَهُ سُجَّادَةٌ
كَبِيْرَةٌ حَتَّى لاَ يَلتَصِقَ بِهِ مُسْلِمٌ - فَإِنَّا
للهِ! -.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: أَوَّلُ مَنِ ارْتُشِيَ بِالبَصْرَةِ
مِنَ القُضَاةِ: حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ.
__________
(1) وقد انتقد المؤلف - رحمه الله - تصحيح الترمذي في عدة
مواطن من كتابه " الميزان "، وكثير من الحفاظ المتيقظين قد
يعترضون الترمذي في بعض ما يحسنه أو يصححه، ويثبتون أنه
يصحح حديث من ليس حديثه بحسن، ومن يمارس صناعة التخريج،
ويحكم على حديث بالصحة أو الضعف حسب القواعد المرسومة في
المصطلح، يتبين له صحة كلام المؤلف وغيره من الحفاظ.
(2) زيادة من " الميزان ": 1 / 459.
(7/72)
وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ وَاقِدٍ: رَأَيتُ
حَجَّاجَ بنَ أَرْطَاةَ عَلَيْهِ سوَادٌ، وَهُوَ
مَخْضُوْبٌ بِالسَّوَادِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: كُنْتُ أَرَى
الحَجَّاجَ بنَ أَرْطَاةَ يَفلِي ثِيَابَهُ، ثُمَّ خَرَجَ
إِلَى المَهْدِيِّ، ثُمَّ قَدِمَ مَعَهُ أَرْبَعُوْنَ
رَاحِلَةً، عَلَيْهَا أَحمَالُهَا.
قَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: سَمِعْتُ حَجَّاجَ بنَ
أَرْطَاةَ يَقُوْلُ: مَا خَاصَمتُ أَحَداً، وَلاَ
جَادَلْتُهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ حَجَّاجٌ يُدَلِّسُ،
فَإِذَا قِيْلَ لَهُ: مَنْ حَدَّثكَ؟
يَقُوْلُ: لاَ تَقُوْلُوا هَذَا، قُوْلُوا: مَنْ ذَكَرْتَ؟
وَرَوَى عَنِ: الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يَرَهُ.
قَالَ شُعْبَةُ: اكْتُبُوا عَنْ حَجَّاجٍ وَابْنِ
إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُمَا حَافِظَانِ.
عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ المُقَدَّمِيُّ: عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ
مَكْحُوْلٍ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيْزٍ:
سَأَلْتُ فَضَالَةَ بنَ عُبَيْدٍ: أَرَأَيتَ تَعلِيقَ
اليَدِ فِي العُنُقِ مِنَ السُّنَّةِ؟
قَالَ: نَعَمْ، أُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَارقٍ، فَأَمَرَ بِهِ، فَقُطِعَ،
ثُمَّ أَمَرَ بِيَدِهِ، فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِه (1) .
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ (2) : كَانَ حَجَّاجٌ صَلِفاً،
خَرَجَ مَعَ المَهْدِيِّ إِلَى خُرَاسَانَ، فَوَلاَّهُ
القَضَاءَ.
قَالَ: وَمَاتَ مُنْصَرَفَهُ مِنَ الرَّيِّ، سَنَةَ خَمْسٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
تَرَكَهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ،
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ.
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف حجاج.
وأخرجه أحمد في " المسند ": 3 / 19، وأبو داود: (4411)،
والترمذي: (1447)، والنسائي: 8 / 92، كلهم من طريق الحجاج،
عن مكحول، عن
ابن محيريز، عن فضالة بن عبيد.
وقد ضعفه غير واحد من الأئمة.
(2) في " المجروحين والضعفاء ": 1 / 225.
(7/73)
كَذَا قَالَ: ابْنُ حِبَّانَ.
وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَقَدْ قَدَّمنَا عِبَارَاتِ
هَؤُلاَءِ فِي حَجَّاجٍ - نَعُوْذُ بِهِ تَعَالَى مِنَ
التَّهوُّرِ فِي وَزنِ العُلَمَاءِ -.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ اللَّيْثِ
الوَرَّاقَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ نَصْرٍ، سَمِعْتُ
إِسْحَاقَ الحَنْظَلِيَّ، عَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ،
قَالَ:
كَانَ حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ لاَ يَحضُرُ الجَمَاعَةَ،
فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَحضُرُ مَسْجِدَكُم
حَتَّى يُزَاحِمَنِي فِيْهِ الحَمَّالُوْنَ
وَالبَقَّالُوْنَ.
وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ الحَجَّاجَ بنَ أَرْطَاةَ
قِيْلَ لَهُ: ارْتفِعْ إِلَى صَدْرِ المَجْلِسِ.
فَقَالَ: أَنَا صَدْرٌ حَيْثُ كُنْتُ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: أَهْلَكَنِي حُبُّ الشَّرَفِ.
وَقَدْ طَوَّلَ ابْنُ حِبَّانَ (1) ، وَابْنُ عَدِيٍّ (2)
تَرْجَمَتَه.
قَالَ النَّسَائِيُّ: ذِكْرُ المُدَلِّسِيْنَ:
الحَسَنُ، قَتَادَةُ، حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، حُمَيْدٌ،
سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ، يَحْيَى
بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، أَبُو إِسْحَاقَ، الحَكَمُ بنُ
عُتَيْبَةَ، مُغِيْرَةُ، إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ،
أَبُو الزُّبَيْرِ، ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ، ابْنُ جُرَيْجٍ،
ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، هُشَيْمٌ، سُفْيَانُ بنُ
عُيَيْنَةَ.
وَزِدْتُ أَنَا: الأَعْمَشُ، مَكْحُوْلٌ، بَقِيَّةُ بنُ
الوَلِيْدِ، الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَآخَرُوْنَ (3) .
وَكَانَ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ عَنْ حَجَّاجٍ: عَبْدُ
الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ.
قَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: مَاتَ الحَجَّاجُ بنُ
أَرْطَاةَ بِخُرَاسَانَ، مَعَ المَهْدِيِّ.
__________
(1) كتاب المجروحين والضعفاء: 1 / 225 - 228.
(2) الكامل: خ: 140 - 143.
(3) ورد ذكر الحجاج بن أرطاة في المرتبة الرابعة من "
طبقات المدلسين "، والتي تضم معه:
بقية بن الوليد الحمصي، وحميد بن الربيع الكوفي الخزاز،
وسويد بن سعيد الحدثاني، وعباد بن منصور الناجي، وعطية بن
سعيد العوفي، وعمر بن علي المقدمي، وعيسى بن موسى البخاري،
ومحمد بن إسحاق بن يسار، ومحمد بن عيسى بن القاسم بن سميع،
والوليد بن مسلم الدمشقي، ويعقوب بن عطاء بن أبي رباح.
(7/74)
وَفِي ذِهنِي: أَنَّهُ بَقِيَ إِلَى سَنَة
تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَقَدْ مَرَّ قَوْلُ
ابْنِ حِبَّانَ فِي ذَلِكَ.
فَصْلٌ فِي طَبَقَةِ حَجَّاجٍ؛ جَمَاعَةٍ بِاسْمِهِ،
فَتَرَاهُم يَجِيْئُوْنَ فِي الإِسْنَادِ، فَيَقَعُ
الاشْتِبَاهُ بِالاشْتِرَاكِ فِي الاسْمِ:
28 - حَجَّاجُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الصَّوَّافُ * (خَ، م)
بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ، مَشْهُوْرٌ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: الحَمَّادَانِ، وَالقَطَّانُ، وَرَوْحٌ،
وَخَلْقٌ.
وَأَقدَمُ مَا عِنْدَهُ: الحَسَنُ.
وَمِنْهُم:
29 - حَجَّاجُ بنُ أَبِي زَيْنَبَ الوَاسِطِيُّ ** (م، د،
س، ق)
صَدُوْقٌ.
يَرْوِي عَنْ: أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: هُشَيْمٌ، وَيَزِيْدُ.
وَحَدِيْثُه حَسَنٌ، فَقَدْ لُيِّنَ.
وَلَكِن رَوَى لَهُ: مُسْلِمٌ.
مَاتَ: فِي حُدُوْدِ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 270، مشاهير علماء الأمصار: 155،
تاريخ الإسلام: 6 / 53، عبر الذهبي: 1 / 194، تهذيب
الكمال: خ: 236، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 123، تهذيب
التهذيب: 2 / 203 - 204، خلاصة تذهيب الكمال: 73، شذرات
الذهب: 1 / 211.
(* *) الضعفاء: خ: 102، الجرح والتعديل: 3 / 161، الكامل
لابن عدي: خ: 143، تهذيب الكمال: خ: 236، تذهيب التهذيب:
خ: 1 / 123، ميزان الاعتدال: 1 / 462، تهذيب التهذيب: 2 /
201، خلاصة تذهيب الكمال: 72.
(7/75)
وَمِنْهُم:
30 - حَجَّاجُ بنُ حَجَّاجٍ البَاهِلِيُّ البَصْرِيُّ
الأَحْوَلُ * (خَ، م)
لَهُ عَنْ: أَنَسٍ قَلِيْلاً.
وَعَنْ: قَتَادَةَ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ.
وَعَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ - رَاوِيتُه -
وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَطَائِفَةٌ.
وَهُوَ حُجَّةٌ، وَقَدْ خَلَطَهُ الحَافِظُ عَبْدُ
الغَنِيِّ بِحَجَّاجٍ الأَسْوَدِ، فَوَهِمَ.
قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: حَجَّاجُ بنُ حَجَّاجٍ أَحَدُ
حُفَّاظِ أَصْحَابِ قَتَادَةَ.
قُلْتُ: مَاتَ قَبْلَ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَمِنْهُم:
31 - حَجَّاجٌ الأَسْوَدُ القِسْمَلِّيُّ ابْنُ أَبِي
زِيَادٍ **
وَيُقَالُ لَهُ: حَجَّاجُ زِقِّ العَسَلِ، وَهُوَ حَجَّاجُ
بنُ أَبِي زِيَادٍ.
حَدَّثَ عَنْ: شَهْرٍ، وَأَبِي نَضْرَةَ، وَجَمَاعَةٍ.
بَصْرِيٌّ، صَدُوْقٌ.
رَوَى عَنْهُ: جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعِيْسَى بنُ
يُوْنُسَ، وَرَوْحٌ.
وَكَانَ مِنَ الصُّلَحَاءِ.
وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ.
مَاتَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
(*) الجرح والتعديل: 3 / 158، تهذيب الكمال: خ: 235 - 236،
تهذيب التهذيب: خ: 1 / 123، تاريخ الإسلام: 6 / 53، ميزان
الاعتدال: 1 / 461، تهذيب التهذيب: 2 / 199 - 200، خلاصة
تذهيب الكمال: 72.
(* *) طبقات ابن سعد: 7 / 269، الجرح والتعديل: 3 / 160 -
161، ميزان الاعتدال: 1 / 460، لسان الميزان: 2 / 175 -
176.
(7/76)
وَمِنْهُم:
32 - حَجَّاجُ بنُ حَسَّانٍ القَيْسِيُّ *
بَصْرِيٌّ، لاَ بَأْسَ بِهِ.
عَنْ: أَنَسٍ، وَأَبِي مِجْلَزٍ، وَعِكْرِمَةَ.
وَيَنْزِلُ إِلَى: مُقَاتِلِ بنِ حَيَّانَ.
وَعَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَيَزِيْدُ، وَمُسْلِمُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ، وَعِدَّةٌ.
بَقِيَ إِلَى نَحْوِ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ.
لَهُ فِي: مَرَاسِيْلِ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ مُقَاتلٍ:
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: (إِنْ جَاءَ
رَجُلٌ فَلَمْ يَجِدْ أَحَداً، فَلْيَخْتَلِجْ رَجُلاً
مِنَ الصَّفِّ، فَلْيَقُمْ مَعَهُ، فَمَا أَعْظَمَ أَجْرَ
المُخْتَلِجِ!).
قُلْتُ: مَا ذَا بِمُرْسَلٍ، بَلْ مُعْضَلٌ (2).
وَمِنْهُم:
33 - حَجَّاجُ بنُ دِيْنَارٍ الوَاسِطِيُّ ** (د، ت، ق)
لَهُ عَنِ: الحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ، وَالبَاقِرِ،
وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: إِسْرَائِيْلُ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَمُحَمَّدُ
بنُ بِشْرٍ، وَآخَرُوْنَ.
حَسَنُ الحَالِ.
__________
(*) تهذيب الكمال: خ: 236، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 123،
تهذيب التهذيب: 2 / 200، خلاصة تذهيب الكمال: 72.
(1) اختلجه: إذا جبذه وانتزعه. والحديث لا يصح لارساله
وضعف حجاج.
(2) المرسل، كما قال الحافظ في " شرح النخبة ": 66: أن
يقول التابعي - سواء كان كبيرا أو صغيرا -: قال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -: كذا، أو فعل كذا، أو فعل بحضرته
كذا.
والمعضل: هو الذي سقط من إسناده اثنان على التوالي.
(* *) الجرح والتعديل: 3 / 159 - 160، تهذيب الكمال: خ:
236، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 123، ميزان الاعتدال: 1 / 461،
تهذيب التهذيب: 2 / 200 - 201، خلاصة تذهيب الكمال: 72.
(7/77)
مَاتَ: قَبْلَ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَمِنْهُم:
34 - حَجَّاجُ بنُ فَرَافِصَةَ البَاهِلِيُّ العَابِدُ *
(د، س)
لَهُ عَنِ: ابْنِ سِيْرِيْنَ، وَعَطَاءٍ.
وَيَنْزِلُ إِلَى: عُقَيْلٍ، وَنَحْوِه.
وَعَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَمُعْتَمِرٌ، وَيُوْسُفُ بنُ
يَعْقُوْبَ الضُّبَعِيُّ.
رَوَى لَهُ: النَّسَائِيُّ.
حَدِيْثُه وَسَطٌ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
فَهَؤُلاَءِ السَّبْعَةُ كَانُوا بِالعِرَاقِ فِي عَصرِ
حَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، ذَكَرنَاهُم لِلتَّمْيِيزِ،
وَثَمَّ جَمَاعَةٌ كَانُوا فِي زَمَانِهِم بَأَسْمَائِهِم،
وَلَكِنَّهُم لَيْسُوا بِالمَشْهُوْرِيْنَ - وَاللهُ
أَعْلَمُ (1) -.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَنْبَأَنَا
عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ حُضُوْراً، أَنْبَأَنَا
عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ طَلاَّبٍ،
أَنْبَأَنَا ابْنُ جُمَيْعٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدٍ - هُوَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ - حَدَّثَنَا
سَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بنُ
سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ -يَعْنِي: ابْنَ
أَرْطَاةَ- عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ
ضَمْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَصِيْرٍ، عَنْ
أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، قَالَ:
شَهِدَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- صَلاَة الفَجْرِ، فَقَالَ: (أَشَهِدَ
الصَّلاَةَ فُلاَنٌ؟).
قَالُوا: نَعَمْ.
(وَفُلاَنٌ، وَفُلاَنٌ؟).
قَالُوا: لاَ.
فَقَالَ: (مَا مِنْ صَلاَةٍ أَثْقَلُ عَلَى
المُنَافِقِيْنَ مِنْ صَلاَةِ العِشَاءِ، وَصَلاَةِ
الفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُوْنَ مَا فِيْهِمَا،
لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً).
ثُمَّ قَالَ: (صَلاَةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ،
خَيْرٌ مِنْ
__________
(*) الجرح والتعديل: 3 / 164 - 165، تهذيب الكمال: خ: 237،
تذهيب التهذيب: خ: 1 / 123 - 124، ميزان الاعتدال: 1 /
463، تهذيب التهذيب: 2 / 204، خلاصة تذهيب الكمال: 73.
(1) هذا الخبر وما بعده تتمة لترجمة حجاج بن أرطاة.
(7/78)
صَلاَةِ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ، فَمَا
كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ (1) -).
أَخْبَرَنَا طَائِفَةٌ إِجَازَةً، سَمِعُوا عُمَرَ بنَ
طَبَرْزَدْ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَنْبَأَنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ
الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ،
حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَنْبَأَنَا
الحَجَّاجُ -يَعْنِي: ابْنَ أَرْطَاةَ- عَنْ حَبِيْبِ بنِ
أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بنِ يَزِيْدَ:
عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: نُهِيْنَا عَنْ
خَاتَمِ الذَّهَبِ، وَعَنِ القَسِّيِّ، وَعَنِ
المِيْثَرَةِ (2) .
وَبِهِ: حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنِ الحَرْثِ، عَنْ عَلِيٍّ، مِثْلَه.
35 - حَرِيْزُ بنُ عُثْمَانَ أَبُو عُثْمَانَ الرَّحَبِيُّ
* (خَ، 4)
الحَافِظُ، العَالِمُ، المُتْقِنُ، أَبُو عُثْمَانَ
الرَّحَبِيُّ، المَشْرِقِيُّ، الحِمْصِيُّ. مُحَدِّثُ
__________
(1) وأخرجه أحمد 5 / 140، وأبو داود: (554) والنسائي: 2 /
104، من طريق شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن أبي
بصير، عن أبي بن كعب.
وعبد الله بن أبي بصير وثقه العجلي، وصحح حديثه هذا ابن
خزيمة، (1476) و(1477) وابن حبان: (429)، والحاكم: 1 / 247
- 248، ووافقه الذهبي المؤلف، ونقل في مختصره أن ابن معين
وابن المديني والذهلي حكموا بصحته.
وله شاهد من حديث قباث بن أشيم عند الحاكم: 3 / 625،
والبزار والطبراني في " الكبير ".
(2) رجاله ثقات.
وأخرج مسلم في " صحيحه ": 3 / 1659، في اللباس والزينة:
باب النهي عن التختم بالوسطى، من طريق عاصم بن كليب، عن
أبي بردة، عن علي قال: " نهاني النبي - صلى الله عليه وسلم
- عن لبس القسي، وعن الجلوس على المياثر ": وأخرج مالك: 1
/ 180،
ومسلم: (2078)، عن علي، من طريق نافع، عن إبراهيم بن عبد
الله بن حنين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب: أن الرسول -
صلى الله عليه وسلم - " نهي عن لبس القسي والمعصفر، وعن
تختم الذهب، وعن قراءة القرآن في الركوع ".
وراه أحمد في " المسند ": (710) و(722) و(816) و(924)
و(1004) و(1162)، وأبو داود: (4044)، والترمذي: (264)
و(1737).
قال الخطابي: القسي: ثياب يؤتى بها من مصر، فيها حرير،
ويقال: إنها منسوبة إلى بلاد يقال لها: القسي، ويقال: إنها
القزية، أبدلوا الزاي سينا.
وأما الميثرة: فمن مراكب العجم، تعمل من حرير أو ديباج،
ويتخذ كالفراش الصغير، ويحشى بقطن أو صوف، يجعلها الراكب
تحته على الرحال فوق الجمال.
وإنما حرمت هذه الأشياء على الرجال دون النساء.
(*) التاريخ الكبير: 3 / 103، 104، التاريخ الصغير: 2 /
155، الجرح والتعديل: 3 / 289، كتاب المجروحين: 1 / 268،
تاريخ بغداد: 8 / 265 - 270، تهذيب الكمال: خ: =
(7/79)
حِمْصَ، مِنْ بَقَايَا التَّابِعِيْنَ
الصِّغَارِ.
سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ بِشْرٍ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- وَخَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، وَرَاشِدِ بنِ سَعْدٍ،
وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَيْسَرَةَ، وَحَبِيْبِ بنِ
عُبَيْدٍ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَيَحْيَى
القَطَّانُ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَحجَّاجٌ
الأَعْوَرُ، وَأَبُو اليَمَانِ الحَكَمُ بنُ نَافِعٍ،
وَعَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، وَآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ،
وَأَبُو المُغِيْرَةِ، وَيَحْيَى بنُ صَالِحٍ، وَعَلِيُّ
بنُ الجَعْدِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
حَدَّثَ بِالشَّامِ وَبِالعِرَاقِ، وَحَدِيْثُه نَحْوُ
المائَتَيْنِ، وَيُرْمَى بِالنَّصْبِ (1) .
وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يَصِحُّ عِنْدِي مَا
يُقَالُ فِي رَأْيِهِ، وَلاَ أَعْلَمُ بِالشَّامِ أَحَداً
أَثْبَتَ مِنْهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَرِيْزٌ: ثِقَةٌ، ثِقَةٌ،
ثِقَةٌ، لَمْ يَكُنْ يَرَى القَدَرَ.
وَقَالَ أَبُو اليَمَانِ: كَانَ يَنَالُ مِنْ رَجُلٍ،
ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ.
وَرُوِيَ عَنْ: عَلِيِّ بنِ عَيَّاشٍ، عَنْ حَرِيْزٍ،
أَنَّهُ قَالَ:
أَأَنَا أَشْتُمُ عَلِيّاً؟! وَاللهِ مَا شَتَمْتُهُ.
وَجَاءَ عَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ: لاَ أُحِبُّهُ؛ لأَنَّهُ
قَتَلَ مِنْ قَوْمِي يَوْمَ صِفِّيْنَ (2) جَمَاعَةً.
__________
= 248 - 249، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 128 - 129، تذكرة
الحفاظ: 1 / 176 - 177، ميزان الاعتدال: 1 / 475 - 476،
عبر الذهبي: 1 / 241 - 242، تهذيب التهذيب: 2 / 237 - 241،
طبقات الحفاظ: 78، خلاصة تذهيب الكمال: 75، شذرات الذهب: 1
/ 257، تهذيب ابن عساكر: 4 / 116 - 118.
(1) النصب: أي بغضة علي - رضي الله عنه - من: نصب فلان
لفلان نصبا: إذ قصد له، وعاداه، وتجرد له.
(2) صفين: موضع بقرب الرقة على شاطئ الفرات من الجانب
الغربي، بين الرقة وبالس.
وكانت وقعة صفين بين علي - رضي الله عنه - ومعاوية في سنة
(37 ه) في غرة صفر.
وقال الامام عبد القاهر الجرجاني في كتاب: " الامامة "،
فيما نقله المناوي في " فيض القدير ": 6 / 366: أجمع فقهاء
الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي، منهم: مالك،
والشافعي، وأبو حنيفة، والاوزاعي، والجمهور الأعظم من
المتكلمين والمسلمين أن عليا مصيب في قتاله لاهل صفين، كما
هو مصيب في أهل الجمل، وأن الذين قاتلوه بغاة.
(7/80)
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ
الرُّهَاوِيُّ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، قَالَ:
كَانَ حَرِيْزٌ يَقُوْلُ: لَنَا إِمَامُنَا، وَلكُم
إِمَامُكُم -يَعْنِي: مُعَاوِيَةَ وَعَلِيّاً رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا-.
قَالَ عِمْرَانُ بنُ أَبَانٍ: سَمِعْتُ حَرِيْزاً
يَقُوْلُ: لاَ أُحِبُّه، قَتَلَ آبَائِي.
وَقَالَ شَبَابَةُ: سَمِعْتُ رَجُلاً قَالَ لِحَرِيْزِ بنِ
عُثْمَانَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ لاَ تَتَرَحَّمُ عَلَى
عَلِيٍّ!
قَالَ: اسْكُتْ، رَحِمَهُ اللهُ مائَةَ مَرَّةٍ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ: سَمِعْتُ حَرِيْزَ بنَ
عُثْمَانَ يَقُوْلُ: وَاللهِ مَا سَبَبْتُ عَلِيّاً قَطُّ.
قُلْتُ: هَذَا الشَّيْخُ كَانَ أَوْرَعَ مِنْ ذَلِكَ،
وَقَدْ قَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: لاَ أَعْلَمُ أَنِّي
رَأَيتُ شَامِيّاً أَفْضَلَ مِنْ حَرِيْزٍ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَجَمَاعَةٌ: ثِقَةٌ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ: جَمَعْنَا حَدِيْثَ حَرِيْزٍ
فِي دَفْتَرٍ، نَحَواً مِنْ مائَتَيْ حَدِيْثٍ،
فَأَتَيْنَاهُ بِهِ، فَتَعَجَّبَ، وَقَالَ: هَذَا كُلُّه
عَنِّي؟!
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ: سَمِعْتُ
مُعَاوِيَةَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّحَبِيَّ
يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ حَرِيْزَ بنَ عُثْمَانَ يَقُوْلُ: لاَ تُعَادِ
أَحَداً حَتَّى تَعْلَمَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ،
فَإِنْ يَكُنْ مُحْسِناً، فَإِنَّ اللهَ لاَ يُسْلِمُهُ
لِعَدوَاتِكَ، وَإِنْ يَكُن مُسِيْئاً، فَأَوشَكَ
بِعَمَلِهِ أَنْ يَكْفِيْكَه.
تُوُفِّيَ حَرِيْزُ بنُ عُثْمَانَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَتِسْعُوْنَ
سَنَةً.
وَحَدِيْثُهُ عَالٍ مِنْ ثُلاَثِيَّاتِ البُخَارِيِّ.
رَوَاهُ عَنْ: عِصَامِ بنِ خَالِدٍ، عَنْهُ.
وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهُ: وَمَولِدُهُ سَنَةَ
ثَمَانِيْنَ.
36 - الحُسَيْنُ بنُ مُطَيْرٍ مَوْلَى بَنِي أَسَدٍ *
شَاعِرٌ مُحْسِنٌ، بَدِيعُ القَوْلِ، أَدْرَكَ
الدَّوْلَتَيْنِ: الأُمَوِيَّةَ،
__________
(*) طبقات ابن المعتز: 114 - 119، الاغاني: 16 / 17 - 27،
شرح حماسة أبي تمام =
(7/81)
وَالعَبَّاسِيَّةَ، وَبَقِيَ حَتَّى مَدَحَ
المَهْدِيَّ.
وَهُوَ القَائِلُ فِيْهِ:
أَضْحَتْ يَمِيْنُكَ مِنْ جُوْدٍ مُصَوَّرَةً ... لاَ بَلْ
يَمِيْنُكَ مِنْهَا صُوْرَةُ (1) الجُوْدِ
مِنْ حُسْنِ وَجْهِكَ تُضْحِي الأَرْضُ مُشْرِقَةً ...
وَمِنْ بَنَانِكَ يَجْرِي المَاءُ فِي العُوْدِ (2)
وَلَهُ يَرْثِي مَعْنَ بنَ زَائِدَةَ:
أَلِمَّا بِمَعْنٍ ثُمَّ قُوْلاَ لِقَبْرِهِ(3) ...
سَقَتْكَ (4) الغَوَادِي مَرْبَعاً ثُمَّ مَرْبَعَا
فَيَا قَبْرَ مَعْنٍ كَيْفَ وَارَيْتَ جُوْدَهُ ... وَقَدْ
كَانَ مِنْهُ البَرُّ وَالبَحْرُ مُتْرَعَا
وَلَكِنْ حَوَيْتَ الجُوْدَ وَالجُوْدُ مَيِّتٌ(5) ...
وَلَوْ كَانَ حَيّاً ضِقْتَ حَتَّى تَصَدَّعَا
وَمَا كَانَ إِلاَّ الجُوْدَ صُوْرَةُ وَجْهِهِ ...
فَعَاشَ رَبِيْعاً، ثُمَّ وَلَّى فَوَدَّعَا
فَلَمَّا مَضَى مَعْنٌ مَضَى الجُوْدُ وَالنَّدَى(6) ...
وَأَصْبَحَ عِرْنِيْنُ المَكَارِمِ أَجْدَعَا (7)
__________
= للمرزوقي: 934 - 938، 1228 - 1230، 1251 - 1254، 1360،
1597، معجم الأدباء: 10 / 166 - 178، فوات الوفيات: 1 /
388 - 389، خزانة الأدب: 2 / 485 - 488، تهذيب ابن عساكر:
4 / 365 - 367.
(1) في " الاغاني "، و" خزانة الأدب ": " صور ".
(2) البيت الأول في " الاغاني ": 16 / 23، وهو مع الثاني
في: " معجم الأدباء ": 10 / 168، و" خزانة الأدب ": 2 /
486، و" تهذيب ابن عساكر ": 4 / 365.
(3) في: " شرح الحماسة " للمرزوقي، و" معجم الأدباء "، و"
الفوات ": " ألما على معن وقولا لقبره "، وفي " تهذيب ابن
عساكر ": " ألما بمن لاثم قول لغيره ".
(4) في: " الاغاني " و" خزانة الأدب ": " سقيت ".
(5) في: " الاغاني " و" شرح الحماسة " للمرزوقي، و" معجم
الأدباء "، و" الفوات "، و" خزانة الأدب ": " بلى قد وسعت
الجود..".
(6) في " شرح الحماسة " للمرزوقي، و" معجم الأدباء "، و"
الفوات ": "...وانقضى ".
(7) الابيات في: " الاغاني: 6 / 23 - 24، " شرح الحماسة "
للمرزوقي (ط.
أولى): 934 - 937، " معجم الأدباء ": 10 / 168 - 170،
وفوات الوفيات: 1 / 389، وخزانة الأدب: 2 / 487، " وتهذيب
ابن عساكر ": 4 / 366.
وتذكر المصادر: أن ابن مطير أنشد المهدي البيتين: (أضحت
يمينك..)، فقال له: كذبت.
فقال ابن مطير: ولم ذاك يا أمير المؤمنين ؟ فقال: هل تركت
في شعرك موضعا لأحد بعد قولك في معن: ألما بمعن...الابيات.
(7/82)
37 - المَنْصُوْرُ الخَلِيْفَةُ أَبُو
جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ
الهَاشِمِيُّ *
العَبَّاسِيُّ، المَنْصُوْرُ.
وَأُمُّهُ: سَلاَّمَةُ البَرْبَرِيَّةُ.
وُلِدَ فِي: سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، أَوْ نَحْوِهَا.
ضَرَبَ فِي الآفَاقِ، وَرَأَى البِلاَدَ، وَطَلَبَ
العِلْمَ.
قِيْلَ: كَانَ فِي صِبَاهُ يُلَقَّبُ بِمُدْرِكِ
التُّرَابِ.
وَكَانَ أَسْمَرَ، طَوِيْلاً، نَحِيْفاً، مَهِيْباً،
خَفِيْفَ العَارِضَينِ، مُعَرَّقَ الوَجْهِ، رَحبَ
الجَبهَةِ، كَأَنَّ عَيْنَيْهِ لِسَانَانِ نَاطقَانِ،
تُخَالِطُه أُبَّهَةُ المُلْكِ بِزِيِّ النُّسَّاكِ،
تَقْبَلُهُ القُلُوْبُ، وَتَتْبَعُهُ العُيُونُ، أَقْنَى
الأَنْفِ، بَيِّنَ القَنَا، يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
وَكَانَ فَحْلَ بَنِي العَبَّاسِ هَيْبَةً، وَشَجَاعَةً،
وَرَأْياً، وَحَزْماً، وَدَهَاءً، وَجَبَروتاً، وَكَانَ
جَمَّاعاً لِلْمَالِ، حَرِيْصاً، تَارِكاً لِلَّهْوِ
وَاللَّعِبِ، كَامِلَ العَقْلِ، بَعِيْدَ الغَورِ، حَسَنَ
المُشَارِكَةِ فِي الفَقْهِ، وَالأَدبِ، وَالعِلْمِ.
أَبَادَ جَمَاعَةً كِبَاراً حَتَّى تَوطَّدَ لَهُ
المُلْكُ، وَدَانتْ لَهُ الأُمَمُ عَلَى ظُلْمٍ فِيْهِ،
وَقُوَّةِ نَفْسٍ، وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى صِحَّةِ
إِسْلاَمٍ وَتَدَيُّنٍ فِي الجُمْلَةِ، وَتَصَوُّنٍ،
وَصَلاَةٍ، وَخَيْرٍ، مَعَ فَصَاحَةٍ، وَبَلاَغَةٍ،
وَجَلاَلَةٍ.
وَقَدْ وَلِيَ بُلَيْدَةً مِنْ فَارِسٍ لِعَامِلِهَا
سُلَيْمَانَ بنِ حَبِيْبِ بنِ المُهَلَّبِ بنِ أَبِي
صُفْرَةَ، ثُمَّ عَزَلَهُ وَضَرَبَهُ وَصَادَرَه، فَلَمَّا
اسْتُخلِفَ قَتَلَهُ.
وَكَانَ يُلَقَّبُ: أَبَا الدَّوَانِيْقِ، لِتَدْنِيقِه
وَمُحَاسَبَتِه الصُّنَّاعَ، لَمَّا أَنْشَأَ بَغْدَادَ.
__________
(*) المعارف: 377 - 378، تاريخ الطبري: 7 / 469 - 473، 8 /
62 - 102، الوزراء والكتاب: 96 - 140، مروج الذهب: 2 / 228
- 246، تاريخ بغداد: 10 / 53 - 61، الكامل لابن الأثير: 5
/ 461 - 462، تاريخ الإسلام: 6 / 214 - 219، عبرالذهبي: 1
/ 228، دول الإسلام: الذهبي: 93 - 95، فوات الوفيات: 2 /
216 - 217، البداية والنهاية: 10 / 121 - 129، العقد
الثمين: 5 / 248، تاريخ الخلفاء: 259 - 271، شذرات الذهب:
1 / 185، 213، 216، 219، 225، 234، 236، 243، 244.
(7/83)
وَكَانَ يَبذُلُ الأَمْوَالَ فِي
الكوَائِنِ المَخُوفَةِ، وَلاَ سِيَّمَا لَمَّا خَرَجَ
عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ (1)
بِالمَدِيْنَةِ، وَأَخُوْهُ إِبْرَاهِيْمَ بِالبَصْرَةِ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعَالِبِيُّ: عَلَى شُهْرَةِ
المَنْصُوْرِ بِالبُخْلِ، ذَكَرَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ:
أَنَّهُ لَمْ يُعْطِ خَلِيْفَةٌ قَبْلَ المَنْصُوْرِ
عَشْرَةَ آلاَفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، دَارَتْ بِهَا
الصِّكَاكُ، وَثَبَتَتْ فِي الدَّوَاوِيْنِ، فَإِنَّهُ
أَعْطَى فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ
عُمُوْمَتِهِ عَشْرَةَ آلاَفِ أَلْفٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ خَلَّفَ يَوْمَ مَوْتِهِ فِي بُيُوْتِ
الأَمْوَالِ تِسْعَ مائَةِ أَلْفِ أَلفِ دِرْهَمٍ
وَنَيِّفٍ.
زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا مَيْسَرَةُ بنُ
حَبِيْبٍ، عَنِ المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيْدِ
بنِ جُبَيْرٍ:
سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ: مِنَّا السَّفَّاحُ،
وَمِنَّا المَنْصُوْرُ، وَمِنَّا المَهْدِيُّ.
إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ (2) .
رَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الهَاشِمِيُّ،
عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ أَبَاهُ قَالَ:
قَالَ لَنَا المَنْصُوْرُ: رَأَيتُ كَأَنَّ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمَّمَنِي
بِعِمَامَةٍ كُوْرُهَا ثَلاَثَةٌ وَعِشْرُوْنَ، وَقَالَ:
(خُذْهَا). وَأَوْصَانِي بِأُمَّتِهِ.
وَعَنِ المَنْصُوْرِ، قَالَ:
المُلُوْكُ أَرْبَعَةٌ: مُعَاوِيَةُ، وَعَبْدُ المَلِكِ،
وَهِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، وَأَنَا.
حَجَّ المَنْصُوْرُ مَرَّاتٍ، مِنْهَا فِي خِلاَفَتِهِ
مَرَّتَيْنِ، وَفِي الثَّالِثَةِ مَاتَ بِبِئْرِ
مَيْمُوْنٍ (3) ، قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ.
أَبُو العَيْنَاءِ: حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ:
أَنَّ المَنْصُوْرَ صَعِدَ المِنْبَرَ، فَشَرَعَ، فَقَامَ
رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! اذْكُرْ
مَنْ أَنْتَ فِي ذِكْرِهِ.
فَقَالَ: مَرْحَباً، لقَدْ
__________
(1) انظر ص 21، حا: 1.
(2) هو كما قال المؤلف، لكن في متنه نكارة.
(3) بئر ميمون: بمكة، منسوبة إلى ميمون بن خالد بن عامر
الحضرمي، (انظر معجم
البلدان).
(7/84)
ذَكَرتَ جَلِيْلاً، وَخَوَّفْتَ عَظِيْماً،
وَأَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُوْنَ مِمَّنْ إِذَا قِيْلَ
لَهُ: اتَّقِ اللهَ، أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ،
وَالمَوْعِظَةُ مِنَّا بَدَتْ، وَمِنْ عِندِنَا خَرَجَتْ،
وَأَنْتَ يَا قَائِلَهَا، فَأَحْلِفُ بِاللهِ: مَا اللهَ
أَرَدْتَ، إِنَّمَا أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: قَامَ،
فَقَالَ، فَعُوقِبَ، فَصَبَرَ، فَأَهْوِنْ بِهَا مِنْ
قَائِلِهَا، وَاهْتَبِلْهَا مِنَ اللهِ، وَيْلَكَ! إِنِّيْ
قَدْ غَفَرتُهَا (1) .
وَعَادَ إِلَى خُطبتِهِ كَأَنَّمَا يَقْرَأُ مِنْ كِتَابٍ.
قَالَ مُبَارَكٌ الطَّبَرِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ
اللهِ الوَزِيْرُ، سَمِعَ المَنْصُوْرَ يَقُوْلُ:
الخَلِيْفَةُ لاَ يُصْلِحُهُ إِلاَّ التَّقْوَى،
وَالسُّلْطَانُ لاَ يُصْلِحُه إِلاَّ الطَّاعَةُ،
وَالرَّعِيَّةُ لاَ يُصلِحُهَا إِلاَّ العَدْلُ، وَأَولَى
النَّاسِ بِالعَفْوِ أَقْدَرُهُم عَلَى العُقُوْبَةِ،
وَأَنْقَصُ النَّاسِ عَقلاً مَنْ ظَلَمَ مَنْ هُوَ
دُوْنَهُ.
وَقِيْلَ: إِنَّ عَمْرَو بنَ عُبَيْدٍ وَعَظَ
المَنْصُوْرَ، فَأَبكَاهُ، وَكَانَ يَهَابُ عَمْراً،
وَيُكرِمُهُ، وَكَانَ أَمَرَ لَهُ بِمَالٍ، فَرَدَّهُ.
وَقِيْلَ: إِنَّ عَبْدَ الصَّمَدِ عَمَّهُ قَالَ: يَا
أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! لقَدْ هَجَمْتَ بِالعُقُوْبَةِ،
حَتَّى كَأَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ بِالعَفْوِ.
قَالَ: لأَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَمْ تَبْلَ رِمَمُهُم،
وَآلَ عَلِيٍّ لَمْ تُغْمَدْ سُيُوْفُهُم، وَنَحْنُ بَيْنَ
قَوْمٍ قَدْ رَأَوْنَا أَمْسِ سُوْقَةً، وَلاَ تَتَمهَّدُ
هَيْبَتُنَا فِي صُدُورِهِم إِلاَّ بِنِسْيَانِ العَفْوِ.
وَقِيْلَ: دَخَلَ عَلَيْهِ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، فَقَالَ:
اقْضِ دَيْنِي.
قَالَ: وَكَم هُوَ؟
قَالَ: مائَةُ أَلْفٍ.
قَالَ: وَأَنْتَ فِي فِقْهِكَ وَفَضْلِكَ تَأخُذُ مائَةَ
أَلْفٍ، لَيْسَ عِنْدَكَ قَضَاؤُهَا؟!
قَالَ: شَبَّ فِتْيَانٌ لِي، فَأَحْبَبْتُ أَنْ
أُبَوِّئَهُم، وَخَشِيْتُ أَنْ يَنتَشِرَ عَلَيَّ
أَمرُهُم، وَاتَّخذتُ لَهُم مَنَازِلَ، وَأَوْلَمْتُ
عَلَيْهِم ثِقَةً بِاللهِ وَبِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ (2)
.
__________
(1) الخبر في " تاريخ الخلفاء ": 264، والزيادة منه،
ورواية الطبري: 8 / 90: " ويلك لو هممت، فاهتبلها إذ غفرت
".
و: اهتبلها، أي: اغتنمها.
(2) ما إخال هذا يصح عن هشام بن عروه، فإنه لا يخفى عليه
عدم جواز مثل هذا التركيب، وأن الوجه فيه أن يقول: ثقة
بالله، ثم بأمير المؤمنين، فإنه قد صح عنه - صلى الله عليه
وسلم - أن =
(7/85)
قَالَ: فَردَّدَ عَلَيْهِ مائَةَ أَلْفٍ
اسْتِكثَاراً لَهَا.
ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَمَرْنَا لَكَ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ.
قَالَ: فَأَعْطِنِي مَا تُعطِي، وَأَنْتَ طَيِّبُ
النَّفْسِ، فَقَدْ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً وَهُوَ بِهَا طَيِّبُ
النَّفْسِ، بُوْرِكَ لِلْمُعْطِي وَالمُعْطَى (1)).
قَالَ: فَإِنِّي طَيِّبُ النَّفْسِ بِهَا.
فَأَهوَى لِيُقَبِّلَ يَدَهُ، فَمَنَعَهُ، وَقَالَ: إِنَّا
نُكرِمُكَ عَنْهَا، وَنُكرِمُهَا عَنْ غَيْرِكَ.
وَعَنِ الرَّبِيْعِ الحَاجِبِ، قَالَ: دُرْنَا فِي
الخَزَائِنِ بَعْدَ مَوْتِ المَنْصُوْرِ أَنَا
وَالمَهْدِيُّ، فَرَأَيْنَا فِي بَيْتٍ أَرْبَعَمائَةِ
حُبٍّ (2) مُسَدَّدَةَ الرُّؤُوْسِ، فِيْهَا أَكْبَادٌ
مُمَلَّحَةٌ، مُعَدَّةٌ لِلْحِصَارِ.
وَقِيْلَ: رَأَتْ جَارِيَةٌ (3) لِلْمَنْصُوْرِ قَمِيْصَه
مَرْقُوْعاً، فَكَلَّمَتْه (4) ، فَقَالَ:
__________
= رجلا قال له: يا رسول الله ! ما شاء الله وشئت، فقال له
- صلى الله عليه وسلم: " أجعلتني لله ندا ؟ قل: ما شاء
الله ثم شئت ".
(1) أخرجه الامام أحمد: 6 / 68، من طريق الأسود، عن شريك،
عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -.
" هذه الدنيا خضرة حلوة، فمن أتيناه منها شيئا بطيب نفس
منا وطيب طعمة ولا اشراه بورك له فيه، ومن اتيناه منها
شيئا بغير طيب نفس منا، وغير طيب طعمة، وإشراه منه لم
يبارك له فيه ".
وأورده الهيثمي في " المجمع ": 3 / 100، وقال: رواه أحمد،
ورجاله رجال الصحيح.
مع أن في سنده شريك بن عبد الله النخعي القاضي، وهو سيئ
الحفظ.
(2) الحب: وعاء كالدلو.
(3) في " تهذيب ابن عساكر ": 2 / 243: " قال محمد بن
منصور: رأيت جارية المنصور وعليها قميص مرقوع، فقيل لها:
أنت جارية الخليفة وتلبسين هذا ؟ ! فقالت: أما سمعتم قول
ابن هرمة ؟ وأنشدت البيت ".
(4) تاريخ بغداد: 10 / 57: وفيه: " فقالت: أخليفة وقميصه
مرقوع ؟ ! فقال: ويحك أما سمعت ما قال ابن هرمة " وأنشد
البيت.
ومثل هذا في " البداية والنهاية ": 10 / 125.
(7/86)
قَدْ يُدْرِكُ الشَّرَفَ الفَتَى
وَرِدَاؤُهُ ... خَلَقٌ، وَجَيْبُ قَمِيْصِهِ مَرْقُوْعُ
(1)
وَعَنِ المَدَائِنِيِّ: أَنَّ المَنْصُوْرَ لَمَّا
احْتُضِرَ، قَالَ:
اللَّهُمَّ إِنِّيْ قَدِ ارْتَكبتُ عَظَائِمَ جُرْأَةً
مِنِّي عَلَيْكَ، وَقَدْ أَطَعْتُكَ فِي أَحَبِّ
الأَشْيَاءِ إِلَيْكَ، شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللهُ، مَنّاً مِنْكَ، لاَ مَنّاً عَلَيْكَ.
ثُمَّ مَاتَ.
وَقِيْلَ: رَأَى مَا يَدُلُّ عَلَى قُربِ مَوْتِهِ،
فَسَارَ لِلْحَجِّ.
وَقِيْلَ: مَاتَ مَبْطُوناً، وَعَاشَ أَرْبَعاً
وَسِتَّيْنَ سَنَةً.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: دُفِنَ بَيْنَ الحَجُوْنِ وَبِئْرِ
مَيْمُوْنٍ (2) ، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ
وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ عَبَّادُ بنُ كَثِيْرٍ لِسُفْيَانَ: قُلْتُ لأَبِي
جَعْفَرٍ: أَتُؤمِنُ بِاللهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: حَدِّثْنِي عَنِ الأَمْوَالِ الَّتِي
اصْطَفَيْتُمُوهَا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، فَلَئِنْ صَارَتْ
إِلَيْكُم ظُلْماً وَغَصْباً، فَمَا رَدَدْتُمُوهَا إِلَى
أَهْلِهَا الَّذِيْنَ ظُلِمُوا، وَلَئِنْ كَانَتْ لِبَنِي
أُمَيَّةَ،
__________
(1) البيت لابن هرمة في " ديوانه " (ط. مجمع اللغة العربية
بدمشق) ص 143، وهو من قصيدة مطلعها: أذكرت عهدك أم شجتك
ربوع * أم أنت متبل الفؤاد مضوع وابن هرمة هو: إبراهيم بن
علي بن سلمة، أبو إسحاق.
وهو شاعر غزل، من سكان المدينة، من مخضرمي الدولتين
الاموية والعباسية.
اتصل بعدد من الخلفاء الامويين، ثم انقطع إلى الطالبين،
وله شعر فيهم، وهو آخر الشعراء الذين يحتج بشعرهم.
انظر ترجمته في: الاغاني: 4 / 367 - 397، تاريخ بغداد: 6 /
127 - 131، البداية والنهاية: 10 / 169 - 170 النجوم
الزاهرة: 2 / 84، خزانة الأدب: 1 / 204، تهذيب ابن عساكر:
2 / 237.
(2) الحجون: جبل بأعلى مكة، عنده مدافن أهلها، قال عمرو بن
الحارث بن مضاض، يتأسف على البيت - وقيل هو للحارث
الجرهمي: كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس، ولم
يسمر بمكة سامر يلى، نحن كنا أهلها فأبادنا * صروف الليالي
والجدود العواثر وبئر ميمون: بمكة أيضا.
انظر " معجم البلدان " و" لسان العرب ". مادة " حجن ".
(7/87)
لقَدْ أَخَذتُم مَا لاَ يَحِلُّ لَكُم،
إِذَا دُعِيَتْ غَداً بَنُو أُمَيَّةَ بِالعَدْلِ، جَاؤُوا
بِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَإِذَا دُعِيْتُم
أَنْتُم، لَمْ تَجِيئُوا بِأَحَدٍ، فَكُنْ أَنْتَ ذَاكَ
الأَحَدَ، فَقَدْ مَضَتْ مِنْ خِلاَفَتِكَ سِتَّ عَشْرَةَ
سَنَةً.
قَالَ: مَا أَجِدُ أَعْوَاناً.
قُلْتُ: عَوْنُكَ عَلَيَّ بِلاَ مَرزِئَةٍ، أَنْتَ تَعلَمُ
أَنَّ أَبَا أَيُّوْبَ المُوْرِيَانِيَّ (1) يُرِيْدُ
مِنْكَ كُلَّ عَامٍ بَيْتَ مَالٍ، وَأَنَا أَجِيئُكَ
بِمَنْ يَعْمَلُ بِغَيْرِ رِزْقٍ، آتِيْكَ
بِالأَوْزَاعِيِّ، وَآتِيْكَ بِالثَّوْرِيِّ، وَأَنَا
أُبَلِّغُكَ عَنِ العَامَّةِ.
فَقَالَ: حَتَّى أَسْتَكمِلَ بِنَاءَ بَغْدَادَ،
وَأُوَجِّهِ خَلْفَكَ.
فَقَالَ لَهُ (2) سُفْيَانُ: وَلِمَ ذَكَرتَنِي لَهُ؟
قَالَ: وَاللهِ مَا أَرَدْتُ إِلاَّ النُّصحَ.
قَالَ سُفْيَانُ: وَيْلٌ لِمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِم، إِذَا
لَمْ يَكُنْ كَبِيْرَ العَقْلِ، كَثِيْرَ الفَهْمِ، كَيْفَ
يَكُوْنُ فِتْنَةً عَلَيْهِم وَعَلَى الأُمَّةِ؟
قَالَ نُوْبَخْتُ المَجُوْسِيُّ: سُجِنْتُ بِالأَهْوَازِ،
فَرَأَيْتُ المَنْصُوْرَ وَقَدْ سُجِنَ -يَعْنِي: وَهُوَ
شَابٌّ-.
قَالَ: فَرَأَيتُ مِنْ هَيْبَتِهِ وَجَلاَلتِهِ وَحُسنِهِ،
مَا لَمْ أَرَهُ لأَحَدٍ، فَقُلْتُ: وَحَقِّ الشَّمْسِ
وَالقَمَرِ، إِنَّكَ لَمِنْ وَلَدِ صَاحِبِ المَدِيْنَةِ؟
فَقَالَ: لاَ، وَلَكِنِّي مِنْ عَرَبِ المَدِيْنَةِ.
قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَتَقرَّبُ إِلَيْهِ وَأَخْدمُهُ
حَتَّى سَأَلْتُهُ عَنْ كُنْيَتِهِ.
فَقَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ.
قُلْتُ: وَحَقِّ المَجُوْسِيَّةِ، لَتَملِكَنَّ.
قَالَ: وَمَا يُدرِيْكَ؟
قُلْتُ: هُوَ كَمَا أَقُوْلُ لَكَ...، وَسَاقَ قِصَّةً (3)
.
وَقَدْ كَانَ المَنْصُوْرُ يُصْغِي إِلَى أَقْوَالِ
المُنَجِّمِيْنَ، وَيَنْفُقُونَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ
هَنَاتِهِ مَعَ فَضِيْلَتِهِ.
وَقَدْ خَرَجَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ وِلاَيَتِهِ: عَمُّهُ
عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ (4) ، فَرَمَاهُ بِنَظِيْرِهِ
__________
(1) انظر ترجمته ص: 23.
(2) أي: قال لعباد بن كثير.
(3) تتمة الخبر: "..فضع لي خطك في هذه الرقعة أن تعطيني
شيئا إذا وليت.
فكتب له، فلما ولي أكرمه المنصور، وأعطاه، وأسلم نوبخت على
يديه، وكان قبل ذلك مجوسيا.
ثم كان من أخص أصحاب المنصور " (انظر: البداية والنهاية:
10 / 122).
(4) وذلك في سنة (137 ه).
انظر: الطبري: 7 / 474 - 479.
(7/88)
أَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّوْلَةِ،
وَقَالَ: لاَ أُبَالِي أَيُّهُمَا أُصِيْبَ.
فَانْهَزَم عَمُّهُ، وَتَلاَشَى أَمرُهُ، ثُمَّ فَسَدَ مَا
بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي مُسْلِمٍ، فَلَمْ يَزَلْ
يَتَحَيَّلُ عَلَيْهِ، حَتَّى اسْتَأصَلَه وَتَمَكَّنَ (1)
.
ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِ: ابْنَا عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ
(2) ، وَكَادَ أَنْ تَزُوْلَ دَوْلَتُهُ، وَاسْتَعَدَّ
لِلْهَرَبِ، ثُمَّ قُتِلاَ فِي أَرْبَعِيْنَ يَوْماً،
وَأَلْقَى عَصَاهُ، وَاسْتَقَرَّ.
وَكَانَ حَاكِماً عَلَى مَمَالِكِ الإِسْلاَمِ بَأْسرِهَا،
سِوَى جَزِيْرَةِ الأَنْدَلُسِ.
وَكَانَ يَنْظُرُ فِي حَقِيْرِ المَالِ وَيُثَمِّرُهُ،
وَيَجْتَهِدُ بِحَيْثُ إِنَّهُ خَلَّفَ فِي الأَمْوَالِ
مِنَ النَّقْدَيْنِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ
دِيْنَارٍ - فِيْمَا قِيْلَ - وَسِتَّ مائَةِ أَلفِ أَلفِ
دِرْهَمٍ.
وَكَانَ كَثِيْراً مَا يَتَشَبَّهُ بِالثَّلاَثَةِ فِي
سِيَاسْتِهِ وَحَزْمِهِ، وَهُم: مُعَاوِيَةُ، وَعَبْدُ
المَلِكِ، وَهِشَامٌ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَحَسَّ شَغَباً عِنْدَ قَتْلِهِ أَبَا
مُسْلِمٍ، فَخَرَجَ بَعْدَ أَنْ فَرَّقَ الأَمْوَالَ،
وَشَغَلَهُم بِرَأْسِهِ، فَصَعِدَ المِنْبَرَ، وَقَالَ:
أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَخْرُجُوا مِنْ أُنْسِ
الطَّاعَةِ، إِلَى وَحْشَةِ المَعْصِيَةِ، وَلاَ تُسِرُّوا
غِشَّ الأَئِمَّةِ، يُظهِرِ اللهُ ذَلِكَ عَلَى فَلَتَاتِ
الأَلْسِنَةِ، وَسَقَطَاتِ الأَفعَالِ، فَإِنَّ مَنْ
نَازَعَنَا عُرْوَةَ قَمِيْصِ الإِمَامَةِ، أَوْطَأْنَاهُ
مَا فِي هَذَا الغِمدِ، وَإِنَّ أَبَا مُسْلِمٍ بَايَعَنَا
عَلَى أَنَّهُ إِنْ نَكَثَ بَيْعتَنَا، فَقَدْ أَبَاحَ
دَمَهُ لَنَا، ثُمَّ نَكَثَ، فَحكَمْنَا عَلَيْهِ
لأَنْفُسِنَا حُكْمَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَمْ يَمْنَعْنَا
رِعَايَةُ حَقِّهِ مِنْ إِقَامَةِ الحَقِّ عَلَيْهِ، فَلاَ
تَمشُوا فِي ظُلْمَةِ البَاطِلِ بَعْد سَعْيِكُم فِي
ضِيَاءِ الحَقِّ، وَلَوْ عُلِمَ بِحقِيْقَةِ حَالِ أَبِي
مُسْلِمٍ، لَعَنَّفَنَا عَلَى إِمهَالِهِ مَنْ أَنْكَرَ
مِنَّا قَتْلَهُ، وَالسَّلاَمُ.
__________
(1) انظر الطبري: 7 / 479 - 494، حوادث سنة (137 ه).
(2) انظر: ص 21، حا: 1.
(7/89)
38 - حَمْزَةُ بنُ حَبِيْبِ بنِ عُمَارَةَ
التَّيْمِيُّ * (م، 4)
ابْنِ إِسْمَاعِيْلَ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ
القِرَاءةِ، أَبُو عُمَارَةَ التَّيْمِيُّ مَوْلاَهُم،
الكُوْفِيُّ، الزَّيَّاتُ، مَوْلَى عِكْرِمَةَ بنِ
رِبْعِيٍّ.
تَلاَ عَلَيْهِ: حُمْرَانُ بنُ أَعْيَنَ، وَالأَعْمَشُ،
وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَطَائِفَةٌ.
وَحَدَّثَ عَنْ: عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، وَالحَكَمِ،
وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ،
وَطَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَمَنْصُوْرٍ، وَعِدَّةٍ.
وَلَمْ أَجِدْ لَهُ شَيْئاً عَنِ الشَّعْبِيِّ.
وَعنْه أَخَذَ القُرْآنَ عَددٌ كَثِيْرٌ: كَسُلَيْمِ بنِ
عِيْسَى، وَالكِسَائِيِّ، وَعَابِدِ بنِ أَبِي عَابِدٍ،
وَالحَسَنِ بنِ عَطِيَّةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ
العِجْلِيِّ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَشَرِيْكٌ، وَجَرِيْرٌ،
وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَبَكْرُ بنُ
بَكَّارٍ، وَحُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، وَقَبِيْصَةُ،
وَخَلْقٌ.
وَكَانَ يَجلِبُ الزَّيْتَ مِنَ الكُوْفَةِ إِلَى
حُلْوَانَ، ثُمَّ يَجلِبُ مِنْهَا الجُبْنَ وَالجَوْزَ،
وَكَانَ إِمَاماً قَيِّماً لِكِتَابِ اللهِ، قَانِتاً
للهِ، ثَخِينِ الوَرَعِ، رفِيْعَ الذِّكْرِ، عَالِماً
بِالحَدِيْثِ وَالفَرَائِضِ، أَصْلُهُ فَارِسِيٌّ.
قَالَ الثَّوْرِيُّ: مَا قَرَأَ حَمْزَةُ حَرفاً إِلاَّ
بِأَثَرٍ.
قَالَ أَسْوَدُ بنُ سَالِمٍ: سَأَلْتُ الكِسَائِيَّ عَنِ
الهَمْزِ وَالإِدْغَامِ، أَلَكُم فِيْهِ
__________
(*) طبقات ابن سعد: 6 / 385، التاريخ الكبير: 3 / 52،
المعارف: 529، المعرفة والتاريخ: 2 / 256، 3 / 180، الجرح
والتعديل: 3 / 209 - 210، مشاهير علماء الأمصار: 168،
الفهرست: المقالة الأولى الفن الثالث، وفيات الأعيان: 2 /
216، تهذيب الكمال: خ: 335 - 336، تاريخ الإسلام: 6 / 174
- 175، ميزان الاعتدال: 1 / 605 - 606، طبقات القراء لابن
الجزري: 1 / 261 - 263، تهذيب التهذيب: 3 / 27 - 28، خلاصة
تذهيب الكمال: 93، شذرات الذهب: 1 / 240.
(7/90)
إِمَامٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، حَمْزَةُ كَانَ يَهمِزُ وَيَكسِرُ، وَهُوَ
إِمَامٌ، لَوْ رَأَيتَه، لقَرَّتْ عَيْنُكَ مِنْ نُسْكِه.
قَالَ حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ: رُبَّمَا عَطِشَ حَمْزَةُ،
فَلاَ يَسْتَسْقِي كَرَاهِيَةَ أَنْ يُصَادِفَ مَنْ قَرَأَ
عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ: مَا أَحْسِبُ أَنَّ اللهَ يَدفَعُ
البَلاَءَ عَنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ إِلاَّ بِحَمْزَةَ.
وَكَانَ شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ يَقُوْلُ لأَصْحَابِ
الحَدِيْثِ: أَلاَ تَسْأَلُونِي عَنِ الدُّرِّ؟ قِرَاءةُ
حَمْزَةَ.
قُلْتُ: كَرِهَ طَائِفَةٌ مِنَ العُلَمَاءِ قِرَاءةَ
حَمْزَةَ، لِمَا فِيْهَا مِنَ السَّكْتِ، وَفَرطِ المَدِّ،
وَاتِّبَاعِ الرَّسمِ، وَالإِضْجَاعِ (1) ، وَأَشْيَاءَ،
ثُمَّ اسْتَقَرَّ اليَوْمَ الاتِّفَاقُ عَلَى قَبُولِهَا،
وَبَعْضٌ كَانَ حَمْزَةُ لاَ يَرَاهُ.
بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عُمَارَةَ!
رَأَيتُ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِكَ هَمَزَ حَتَّى انْقَطَعَ
زِرُّهُ.
فَقَالَ: لَمْ آمُرْهُم بِهَذَا كُلِّهِ.
وَعَنْهُ، قَالَ: إِنَّ لِهَذَا التَّحْقِيْقِ حَدّاً
يَنْتَهِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَكُوْنُ قَبِيْحاً.
وَعَنْهُ: إِنَّمَا الهَمزَةُ رِيَاضَةٌ، فَإِذَا
حَسَّنَهَا، سَلَّهَا.
__________
(1) الاضجاع: الامالة.
وجاء في " المغني " لابن قدامة المقدسي: 1 / 492: " ولم
يكره الامام أحمد قراءة أحد من العشر إلا قراءة حمزة
والكسائي، لما فيها من الكسر والادغام والتكلف وزيادة
المد.
وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: إمام كان يصلي بقراءة
حمزة، أصلي خلفه ؟ قال: لا يبلغ به هذا كله ولكنها لا
تعجبني قراءة حمزة ".
وقال ابن الجزري في " غاية النهاية: 1 / 263: " وأما ما
ذكر عن عبد الله بن إدريس وأحمد بن حنبل من كراهة قراءة
حمزة، فإن ذلك محمول على قراءة من سمعا منه ناقلا عن حمزة.
وما آفة الاخبار إلا رواتها، قال ابن مجاهد: قال محمد بن
اليثهم: والسبب في ذلك أن رجلا ممن قرأ على سليم حضر مجلس
ابن إدريس، فقرأ، فسمع ابن إدريس ألفاظا فيها إفراط في
المد والهمز وغير ذلك، من التكلف، فكره ذلك ابن إدريس وطعن
فيه.
قال محمد بن الهيثم: وقد كان حمزة يكره هذا وينهى عنه ".
(7/91)
رَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ
يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: حَمْزَةُ ثِقَةٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ السَّاجِيُّ: صَدُوْقٌ، سَيِّئُ الحِفْظِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ الأَعْمَشَ رَأَى حَمْزَةَ الزَّيَّاتَ
مُقْبِلاً، فَقَالَ : {وَبَشِّرِ المُخْبِتِيْنَ }
[الحَجُّ: 34].
قَدْ سُقْتُ أَخْبَارَ الإِمَامِ حَمْزَةَ فِي (طَبَقَاتِ
القُرَّاءِ)، وَفِي (التَّارِيْخِ الكَبِيْرِ (1))
بِأَطوَلَ مِنْ هَذَا، وَحَدِيْثُهُ لاَ يَنحَطُّ عَنْ
رُتْبَةِ الحَسَنِ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ
ثَمَانٍ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً - فِيْمَا بَلَغَنَا -.
وَالصَّحِيْحُ: وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ
وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-.
ظَهرَ لَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِيْنَ حَدِيْثاً، وَكَانَ
مِنَ الأَئِمَّةِ العَامِلِيْنَ.
39 - عَبْدُ اللهِ بنُ شَوْذَبٍ البَلْخِيُّ ثُمَّ
البَصْرِيُّ * (4)
الإِمَامُ، العَالِمُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نَزِيْلُ
بَيْتِ المَقْدِسِ.
حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ،
وَمَكْحُوْلٍ، وَمَطَرٍ الوَرَّاقِ، وَأَبِي التَّيَّاحِ،
وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ،
وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ العُذْرِيُّ، وَأَيُّوْبُ بنُ
سُوَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ المَصِّيْصِيُّ،
وَعِدَّةٌ.
وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ.
__________
(1) 6 / 174 - 175.
(*) التاريخ الكبير: 5 / 117 - 118، التاريخ الصغير: 2 /
122، الجرح والتعديل: 5 / 82 - 83، حلية الأولياء: 6 / 129
- 135، تاريخ ابن عساكر: خ: 9 / 208 ب، تهذيب الكمال: خ:
693، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 152، تاريخ الإسلام: 6 / 210،
ميزان الاعتدال: 2 / 440، عبر الذهبي: ! / 225، تهذيب
التهذيب: 5 / 255 - 256، خلاصة تذهيب الكمال: 201، شذرات
الذهب: 1 / 240.
(7/92)
قَالَ أَبُو عُمَيْرٍ بنُ النَّحَّاسِ:
حَدَّثَنَا كَثِيْرُ بنُ الوَلِيْدِ، قَالَ:
كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ ابْنَ شَوْذَبٍ، ذَكَرْتُ
المَلاَئِكَةَ.
وَرَوَى: ضَمْرَةُ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، سَمِعْتُ
مَكْحُوْلاً يَقُوْلُ: لقَدْ ذَلَّ مَنْ لاَ سَفِيْهَ
لَهُ.
وَنَقَلَ ضَمْرَةُ: أَنَّ مَعَاشَ ابْنِ شَوْذَبٍ كَانَ
مِنْ كَسْبِ غِلْمَانٍ لَهُ فِي السُّوْقِ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: مَوْلِدِي فِي سَنَةِ سِتٍّ
وَثَمَانِيْنَ.
قَالَ أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ
يَقُوْلُ:
كَانَ ابْنُ شَوْذَبٍ عِنْدَنَا، وَنَحْنُ نَعُدُّه مِنْ
ثِقَاتِ مَشَايِخِنَا.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ ثِقَةً.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: هُوَ خُرَاسَانِيٌّ، سَكنَ
البَصْرَةَ، ثُمَّ انْتقَلَ إِلَى الشَّامِ، فَسَكَنَ
بَيْتَ المَقْدِسِ.
قَالَ ضَمْرَةُ: تُوُفِّيَ ابْنُ شَوْذَبٍ فِي سَنَةِ
سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: عَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً.
40 - المَسْعُوْدِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ عُتْبَةَ * (4)
الفَقِيْهُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، عَبْدُ
الرَّحْمَنِ (1) بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ ابْنِ
صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ الهُذَلِيُّ،
المَسْعُوْدِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَخُو أَبِي العُمَيْسِ.
__________
(*) التاريخ الكبير: 5 / 314، المعرفة والتاريخ: 1 / 148،
2 / 163، الجرح والتعديل: 5 / 250 - 252، تاريخ بغداد: 10
/ 218 - 222، الكامل لابن الأثير: 6 / 50، تهذيب الكمال:
خ: 799 - 800، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 216، تاريخ الإسلام:
6 / 224، تذكرة الحفاظ: 1 / 197، ميزان الاعتدال: 2 / 574
- 575، تهذيب التهذيب: 6 / 210 - 212، طبقات المدلسين: 13،
طبقات الحفاظ: 84، خلاصة تذهيب الكمال: 230، شذرات الذهب:
1 / 248.
(1) في الأصل: " أبو عبد الرحمن ". وهو خطأ. انظر مصادر
ترجمته.
(7/93)
وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ
مَرْوَانَ، بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ،
وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَزِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ،
وَعَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، وَعَلِيِّ بنِ الأَقْمَرِ،
وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَعَبْدِ الجَبَّارِ بنِ وَائِلٍ،
وَأَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ قَاضِي المَدِيْنَةِ،
وَيَزِيْدَ الفَقِيْرِ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَسُفْيَانُ بنُ
عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ،
وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَجَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، وَأَبُو
المُغِيْرَةِ الخَوْلاَنِيُّ، وَطَلْقُ بنُ غَنَّامٍ،
وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَخَاتِمَتُهُم: عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ.
وَكَانَ فَقِيْهاً كَبِيْراً، وَرَئِيْساً نَبِيْلاً،
يَخدِمُ الدَّوْلَةَ، وَلَهُ صُوْرَةٌ (1) .
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: رَأَيتُهُ فِي قَبَاءٍ أَسْوَدَ
وَشَاشِيَّةٍ، وَفِي وَسطِه خِنْجَرٌ، وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ
كِتَابَةٌ بِأَبْيَضَ : {فَسَيَكْفِيْكَهُمُ اللهُ، وَهُوَ
السَّمِيْعُ العَلِيْمُ } [البَقَرَةُ: 137].
فَتَوَقَّفَ أُنَاسٌ فِي الأَخْذِ عَنْهُ لِذَلِكَ.
وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ: رَأَيتُهُ فِي وَسطِه
خِنْجَرٌ وَقَلَنْسُوَةٌ أَطوَلُ مِنْ ذِرَاعٍ، مَكْتُوْبٌ
عَلَيْهَا: مُحَمَّدٌ يَا مَنْصُوْرُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ ثِقَةٌ.
وَسَمَاعُ أَبِي النَّضْرِ، وَعَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ،
وَهَؤُلاَءِ مِنْهُ، بَعْد مَا اخْتُلِطَ، إِلاَّ أَنَّهُم
احْتَمَلُوا السَّمَاعَ مِنْهُ.
وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ
مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: ثِقَةٌ، قَدْ كَانَ
يَغلَطُ فِيْمَا رَوَى عَنْ: عَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ،
وَعَنْ سَلَمَةَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ
المَسْعُوْدِيُّ: ثِقَةٌ، اخْتُلِطَ بِأَخَرَةٍ.
__________
(1) أي: منزلة.
(7/94)
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ
بَأْسٌ.
وَعَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ
بِعِلْمِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ مِنَ المَسْعُوْدِيِّ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: تَغَيَّرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ
أَوْ سَنَتَيْنِ.
قَالَ: وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ بِحَدِيْثِ
ابْنِ مَسْعُوْدٍ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: عَنْ شُعْبَةَ:
صَدُوْقٌ.
وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: رَأَيتُهُ سَنَةَ رَآهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَلَمْ أُكَلِّمْه.
وَقَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: رَأَيتُ المَسْعُوْدِيَّ
سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ يُطَالِعُ
الكِتَابَ -يَعْنِي: أَنَّهُ قَدْ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ-.
وَقَالَ أَبُو قُتَيْبَةَ: كَتَبتُ عَنْهُ سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَخَمْسِيْنَ وَهُوَ صَحِيْحٌ، وَرَأَيتُهُ سَنَةَ سَبْعٍ
وَالذَّرُّ (1) يَدْخُلُ فِي أُذُنِه، وَأَبُو دَاوُدَ
يَكْتُبُ عَنْهُ.
فَقُلْتُ لَهُ: أَتَطمَعُ أَنْ تُحَدِّثَ عَنْهُ وَأَنَا
حَيٌّ؟
قُلْتُ: هُوَ فِي وَزنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَحَدِيْثُه فِي
حَدِّ الحَسَنِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ
المَسْعُوْدِيُّ فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
41 - قُرَّةُ بنُ خَالِدٍ السَّدُوْسِيُّ البَصْرِيُّ *
(ع)
الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو خَالِدٍ - وَيُقَالُ: أَبُو
مُحَمَّدٍ - السَّدُوْسِيُّ، البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَالحَسَنِ،
وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
__________
(1) الذر: صغار النمل، واحدته: ذرة.
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 275، طبقات خليفة: 222، تاريخ
خليفة: 427، التاريخ الكبير: 7 / 183، الجرح والتعديل: 7 /
130 - 131، مشاهير علماء الأمصار: 156، الكامل لابن
الأثير: 5 / 613، تهذيب الكمال: خ: 1128 - 1129، تذهيب
التهذيب: خ: 3 / 160، تاريخ الإسلام: 6 / 270، تذكرة
الحفاظ: 1 / 198، عبر الذهبي: 1 / 223، تهذيب التهذيب: 8 /
371 - 372، طبقات الحفاظ: 85، خلاصة تذهيب الكمال: 316،
شذرات الذهب: 1 / 237.
(7/95)
الشِّخِّيْرِ، وَأَبِي رَجَاءٍ
العُطَارِدِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، وَحُمَيْدِ بن
هِلاَلٍ، وَسَيَّارٍ أَبِي الحَكَمِ، وَعَمْرِو بنِ
دِيْنَارٍ، وَقَتَادَةَ، وَالضَّحَّاكِ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَبِشْرُ بنُ
المُفَضَّلِ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ،
وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَحَرَمِيُّ بنُ عُمَارَةَ،
وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَحَجَّاجُ
بنُ مِنْهَالٍ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ،
وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَالأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو
نُعَيْمٍ، وَخَلْقٌ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنَ القُدَمَاءِ: شُعْبَةُ بنُ
الحَجَّاجِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوُ مائَةِ
حَدِيْثٍ.
وَقَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ ذَكَرَهُ،
فَقَالَ: كَانَ قُرَّةُ عِنْدَنَا مِنْ أَثْبَتِ
شُيُوْخِنَا.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ
قُرَّةَ، وَعِمْرَانَ بنِ حُدَيْرٍ، فَقَالَ: مَا
مِنْهُمَا إِلاَّ ثِقَةٌ.
وَرَوَى: إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، عَنْ يَحْيَى بنِ
مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ
قُرَّةَ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، فَقَالَ: قُرَّةُ
أَحَبُّ إِلَيَّ، قُرَّةُ ثَبْتٌ عِنْدِي.
قَالَ: وَسُئِلَ أَبُو مَسْعُوْدٍ الرَّازِيُّ: قُرَّةُ
أَثْبَتُ عِنْدَكَ أَوْ حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ؟
قَالَ: قُرَّةُ أَثبَتُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ ذَكَرَ
قُرَّةَ بنَ خَالِدٍ، فَرَفَعَ مِنْ شَأْنِهِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
قِيْلَ: مَاتَ قُرَّةُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ
وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ
الأُمَنَاءِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ
الهَرَوِيِّ، أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ،
أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الصَّابُوْنِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيْدٍ
عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ البَجَلِيُّ، أَنْبَأَنَا
مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بنُ
خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (لَوْ آمَنَ بِي عَشَرَةٌ مِنَ اليَهُوْدِ،
مَا بَقِيَ عَلَى
(7/96)
ظَهْرِهَا يَهُوْدِيٌّ إِلاَّ أَسْلَمَ
(1)).
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيْثِ قُرَّةَ.
رَوَاهُ: البُخَارِيُّ، عَنْ مُسْلِمٍ، مِثْلَه.
42 - مَعْنُ بنُ زَائِدَةَ أَبُو الوَلِيْدِ
الشَّيْبَانِيُّ *
أَمِيْرُ العَرَبِ، أَبُو الوَلِيْدِ الشَّيْبَانِيُّ،
أَحَدُ أَبْطَالِ الإِسْلاَمِ، وَعَيْنُ الأَجْوَادِ.
كَانَ مِنْ أُمَرَاءِ مُتَولِّي العِرَاقَيْنِ (2)
يَزِيْدَ بنِ عُمَرَ بنِ هُبَيْرَةَ، فَلَمَّا تَملَّكَ
آلُ العَبَّاسِ، اخْتَفَى مَعْنٌ مُدَّةً، وَالطَّلَبُ
عَلَيْهِ حَثِيثٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خُرُوْجِ
الرِّيْوَنْدِيَّةِ (3) وَالخُرَاسَانِيَّةِ عَلَى
المَنْصُوْرِ، وَحَمِيَ القِتَالُ، وَحَارَ المَنْصُوْرُ
فِي أَمْرِهِ، ظَهرَ مَعْنٌ، وَقَاتَلَ
الرِّيْوَنْدِيَّةَ، فَكَانَ النَّصْرُ عَلَى يَدِهِ،
وَهُوَ مُقَنَّعٌ فِي الحَدِيْدِ.
فَقَالَ المَنْصُوْرُ: وَيْحَكَ، مَنْ تَكُوْنُ؟
فَكَشَفَ لِثَامَهُ، وَقَالَ: أَنَا طَلِبَتُكَ مَعْنٌ.
فَسُرَّ بِهِ، وَقَدَّمَهُ، وَعَظَّمَهُ، ثُمَّ وَلاَّهُ
اليَمَنَ، وَغَيْرَهَا.
قَالَ بَعْضُهُم: دَخَلَ مَعْنٌ عَلَى المَنْصُوْرِ،
فَقَالَ: كَبِرَتْ سِنُّكَ يَا مَعْنُ!
قَالَ: فِي طَاعَتِكَ.
قَالَ: إِنَّكَ لَتَتَجَلَّدُ.
قَالَ: لأَعدَائِكَ.
قَالَ: وَإِنَّ فِيْكَ لَبَقِيَّةً.
__________
(1) أخرجه البخاري: 7 / 214، في المناقب، ومسلم: (2793)،
في صفات المنافقين: باب نزل أهل الجنة.
(*) تاريخ خليفة: 425 وفيه مقتله سنة (151 ه)، المعرفة
والتاريخ: 1 / 139، تاريخ الطبري: 8 / 40، 41، تاريخ
بغداد: 13 / 235 - 244، وفيات الأعيان: 5 / 244 - 254،
تاريخ الإسلام: 6 / 297 - 301، عبر الذهبي: 1 / 217 أخبار
سنة (151 ه)، البداية والنهاية: 10 / 109 وفيها وفاته (152
ه) و179 - 180 وفيها وفاته (182 ه) وهذا تناقض واضح شذرات
الذهب: 1 / 231 أخبار سنة (151 ه).
(2) العراقان: الكوفة والبصرة.
(3) في الطبري: 7 / 505: الراوندية، وهم قوم من أهل
خراسان، كانوا على رأي أبي
مسلم صاحب دعوة بني هاشم، يقولون بتناسخ الارواح، ويزعمون
أن روح آدم في عثمان بن نهيك، وأن ربهم الذي يطعمهم
ويسقيهم هو أبو جعفر المنصور، وأن الهيثم بن معاوية جبريل.
انظر: " دول الإسلام ": للمؤلف: 96. وكان خروجهم سنة (141
ه).
(7/97)
قَالَ: هِيَ لَكَ يَا أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ!
وَلِمَعْنٍ أَخْبَارٌ فِي السَّخَاءِ، وَفِي البَأْسِ،
وَالشَّجَاعَةِ.
وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّدٌ.
ثُمَّ وَلِيَ سِجِسْتَانَ، وَثَبَتْ عَلَيْهِ خَوَارِجُ
وَهُوَ يَحْتَجِمُ، فَقَتلُوْهُ، فَقَتَلَهُم ابْنُ
أَخِيْهِ يَزِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ (1) الأَمِيْرُ، فِي
سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ (2) .
وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.
43 - جَرِيْرُ بنُ حَازِمِ بنِ زَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ
بنِ شُجَاعٍ الأَزْدِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، المُعَمَّرُ، أَبُو
النَّضْرِ الأَزْدِيُّ، ثُمَّ العَتَكِيُّ، البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَأَبِي
رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ - وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ،
وَحَدِيْثُه عَنْهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ)- وَنَافِعٍ
مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي فَزَارَةَ العَبْسِيِّ،
وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ،
وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَطَاوُوْسٍ، وَحُمَيْدِ بنِ
هِلاَلٍ، وَعَمِّهِ؛ جَرِيْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَزُبَيْدٍ
اليَامِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ،
وَجَمِيْلِ بنِ مُرَّةَ، وَثَابِتٍ، وَأَيُّوْبَ،
وَالزُّبَيْرِ بنِ الحُرَيْثِ، وَالزُّبَيْرِ بنِ سَعِيْدٍ
الهَاشِمِيِّ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَأَسْمَاءَ
بنِ
__________
(1) يزيد بن مزيد: من الامراء المشهورين، والشجعان
المعروفين، كان واليا بأرمينية، فعزله عنها هارون الرشيد
سنة (172 ه)، ثم ولاه إياها وضم إليها أذربيجان في سنة
(183 ه)، وهو الذي قتل الوليد بن طريف الخارجي وشتت جمعه.
(انظر الوفيات: 6 / 327 - 330).
(2) انظر الخبر في: " الوفيات ": 5 / 249.
(*) طبقات خليفة: 223، تاريخ خليفة: 16، 448، التاريخ
الكبير: 2 / 213، 214، التاريخ الصغير: 2 / 25، 181،
المعارف: 502، الضعفاء: خ: 70، الجرح والتعديل: 2 / 504 -
505، مشاهير علماء الأمصار: 159، الكامل لابن عدي: خ: 93 -
96، تهذيب الكمال: خ: 190، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 140،
تذكرة الحفاظ: 1 / 199 - 200، ميزان الاعتدال: 1 / 392 -
393، عبرالذهبي: 1 / 258، طبقات القراء لابن الجزري: 1 /
190، تهذيب التهذيب: 2 / 69 - 72، طبقات المدلسين: 5،
طبقات الحفاظ: 85 - 86، خلاصة تذهيب الكمال: 61، شذرات
الذهب: 1 / 270 أخبار سنة (169 ه).
(7/98)
عُبَيْدٍ الضُّبَعِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ
بنِ يَزِيْدَ الثَّاتِيِّ المِصْرِيِّ القَاضِي - وَثَاتُ،
بِمُثَلَّثَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ: قَبِيْلٌ مِنْ حِمْيَرٍ -
وَحَرْمَلَةَ بنِ عِمْرَانَ المِصْرِيِّ، وَحُمَيْدٍ
الطَّوِيْلِ، وَحَنْظَلَةَ السَّدُوْسِيِّ، وَالأَعْمَشِ،
وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَعَبْدِ اللهِ
بنِ مَلاَذٍ الأَشْعَرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
عَبْدِ اللهِ السَّرَّاجِ، وَعَدِيِّ بنِ عَدِيٍّ
الكِنْدِيِّ، وَغَيْلاَنَ بنِ جَرِيْرٍ، وَقَتَادَةَ،
وَقَيْسِ بنِ سَعْدٍ، وَكُلْثُوْمِ بنِ جَبْرٍ،
وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ،
وَمَنْصُوْرِ بنِ زَاذَانَ، وَالنُّعْمَانِ بنِ رَاشِدٍ،
وَيَزِيْدَ بنِ رُوْمَانَ، وَيَعْلَى بنِ حَكِيْمٍ،
وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَقْرَانِهِ،
وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ المِصْرِيِّ - وَهُوَ أَصْغَرُ
مِنْهُ -.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ
بنِ وَاثِلَةَ، وَالمَحْفُوْظُ أَنَّهُ رَأَى جِنَازَتَه
بِمَكَّةَ.
وَرَأَيتُ غَيْرَ وَاحِدٍ يَعُدُّ جَرِيْراً فِي صِغَارِ
التَّابِعِيْنَ.
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ: أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي
الطُّفَيْلِ خَاتِمَةِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ خَاتِمَةُ
مَنْ لَحِقَ أَبَا الطُّفَيْلِ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ
العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ الحَافِظُ،
وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَالأَعْمَشُ، وَهِشَامُ
بنُ حَسَّانٍ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ - وَهُمْ
مِنْ شُيُوْخِهِ - وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ بنُ
سَعْدٍ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَقْرَانِهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ ابْنَ عَوْنٍ رَوَى عَنْهُ.
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: ابْنُ وَهْبٍ، وَيَحْيَى
القَطَّانُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ،
وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ،
وَمُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ، وَعَارِمٌ أَبُو
النُّعْمَانِ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ
المِنْقَرِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَشَيْبَانُ،
وَهُدْبَةُ، وَأَبُو النَّصْرِ التَّمَّارُ، وَأُمَمٌ
سِوَاهُم.
قَالَ أَبُو نُوْحٍ قُرَادٌ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: عَلَيْكَ
بِجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، فَاسْمَعْ مِنْهُ.
وَرَوَى: مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، عَنْ وَهْبٍ، قَالَ:
كَانَ شُعْبَةُ يَأْتِي أَبِي، فَسَأَلَهُ عَنْ
أَحَادِيْثِ الأَعْمَشِ، فَإِذَا حَدَّثَهُ، قَالَ:
هَكَذَا -وَاللهِ- سَمِعْتُهُ مِنَ الأَعْمَشِ.
ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قُلْتُ لِيَحْيَى: أَيُّمَا أَحَبُّ
إِلَيْكَ، أَبُو الأَشْهَبِ أَوْ جَرِيْرُ بنُ
(7/99)
حَازِمٍ؟
قَالَ: مَا أَقْرَبَهُمَا! وَلَكِنْ جَرِيْرٌ كَانَ
أَكْثَرَهُمَا وَهْماً.
قُلْتُ: اغْتُفِرَتْ أَوهَامُهُ فِي سَعَةِ مَا رَوَى،
وَقَدِ ارْتَحَلَ فِي الكُهُولَةِ إِلَى مِصْرَ، وَحَمَلَ
الكَثِيْرَ، وَحَدَّثَ بِهَا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: جَرِيْرٌ
أَثْبتُ عِنْدِي مِنْ قُرَّةَ بنِ خَالِدٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: عَنْ يَحْيَى بنِ
مَعِيْنٍ: هُوَ أَمْثلُ مِنْ أَبِي هِلاَلٍ، وَكَانَ
صَاحِبَ كِتَابٍ.
وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ.
وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: هُوَ أَحْسَنُ حَدِيْثاً
مِنِ ابْنِ أَبِي الأَشْهَبِ، وَأَسنَدُ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، صَالِحٌ، قَدِمَ هُوَ
وَالسَّرِيُّ بنُ يَحْيَى مِصْرَ، وَهُوَ أَحْسَنُ
حَدِيْثاً مِنَ السَّرِيِّ، وَالسَّرِيُّ أَحْلَى مِنْهُ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَأَلْتُ
يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، فَقَالَ:
لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
فَقُلْتُ: إِنَّهُ يُحَدِّثُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ
أَحَادِيْثَ مَنَاكِيْرَ.
فَقَالَ: هُوَ عَنْ قَتَادَةَ ضَعِيْفٌ.
وَرَوَى: يَعْقُوْبُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ حَمَّادِ بنِ
زَيْدٍ، عَنْ وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، قَالَ:
قَرَأَ أَبِي عَلَى أَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، فَقَالَ:
أَنْتَ أَفصَحُ مِنْ مَعَدٍّ.
قَالَ سُلَيْمُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ عَمَّارٍ: عَنْ أَبِي
نَصْرٍ التَّمَّارِ، قَالَ:
كَانَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ يُحَدِّثُ، فَإِذَا جَاءهُ
إِنْسَانٌ لاَ يَشتَهِي أَنْ يُحَدِّثَهُ، ضَرَبَ بِيَدِهِ
إِلَى ضِرْسِهِ، وَقَالَ: أَوَّهْ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: جَرِيْرٌ مِنْ أَجِلَّةِ أَهْلِ
البَصْرَةِ وَرُفَعَائِهِم، اشْتَرَى وَالِدَ
(7/100)
حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَعتَقَهُ،
فَحَمَّادٌ مَوْلَى جَرِيْرٍ.
قَالَ: وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ جَرِيْرٍ مِنَ الكِبَارِ:
أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ
نُسْخَةً طَوِيْلَةً.
قَالَ: وَهُوَ مِنْ ثِقَاتِ المُسْلِمِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ الأَئِمَّةُ: أَيُّوْبُ، وَابْنُ عَوْنٍ،
وَالثَّوْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَاللَّيْثُ،
وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَهُوَ
مُسْتقِيْمُ الحَدِيْثِ، إِلاَّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ
قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ يَرْوِي عَنْهُ أَشْيَاءَ لاَ
يَروِيهَا غَيْرُه.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: حَدَّثَ عَنْهُ:
يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ،
وَبَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا مائَةٌ وَثَمَانِ سِنِيْنَ.
قَالَ أَبُو نَصْرٍ الكَلاَبَاذِيُّ: حَكَى عَنْ جَرِيْرٍ
ابْنُهُ وَهْبٌ، قَالَ:
مَاتَ أَنَسٌ سَنَةَ تِسْعِيْنَ، وَلِي خَمْسَ سِنِيْنَ،
وَمَاتَ جَرِيْرٌ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ:
اخْتُلِطَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَكَانَ لَهُ أَوْلاَدٌ
أَصْحَابُ حَدِيْثٍ، فَلَمَّا أَحسُّوا ذَلِكَ مِنْهُ،
حَجَبُوْهُ، فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ أَحَدٌ فِي حَالِ
اخْتِلاَطِهِ شَيْئاً.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: تَغَيَّرَ قَبْلَ
مَوْتِهِ بِسَنَةٍ.
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ: مَا رَأَيتُ
حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ يَكَادُ يُعَظِّمُ أَحَداً
تَعْظِيْمَهُ لِجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا الفَتْحُ
بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ
الحُسَيْنِ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ
البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِملاَءً،
حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، حَدَّثَنَا جَرِيْرُ
بنُ حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ
جَابِرِ بن سَمُرَةَ، قَالَ:
خَطَبَنَا عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِالجَابِيَةِ (1)
، فَقَالَ:
قَامَ فِيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (أَحْسِنُوا إِلَى أَصْحَابِي، ثُمَّ
__________
(1) الجابية، بكسر الباء، وياء مخففة، وأصله في اللغة:
الحوض الذي يجبى فيه الماء للابل: وهي قرية من أعمال دمشق،
ثم من عمل الجيدور من ناحية الجولان، قرب مرج الصفر في
شمالي حوران، إذ وقف الإنسان في " الصنمين " واستقبل
الشمال ظهرت له، وتظهر من " نوى " =
(7/101)
الَّذِيْنَ يَلُوْنَهُم (1) ...)،
الحَدِيْثَ.
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا
عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمُ بنُ
أَبِي سَعِيْدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيْدٍ
الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ
بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ،
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، وَعَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ
البَصْرِيُّ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، وَلَفْظُ
شَيْبَانَ: سَمِعْتُ عَبْدَ المَلِكِ بنَ عُمَيْرٍ، عَنْ
جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، قَالَ:
خَطَبَنَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ بِالجَابِيَةِ، فَقَالَ:
قَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مَقَامِي فِيْكُمُ اليَوْمَ، فَقَالَ: (أَحْسِنُوا إِلَى
أَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِيْنَ يَلُوْنَهُم).
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ
الغَسُّوْلِيُّ، قَالاَ:
أَنْبَأَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَنْبَأَنَا
سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ،
أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بنُ عَرَفَةَ،
حَدَّثَنَا جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، عَنْ عَبْدِ
المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، قَالَ:
خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ بِالجَابِيَةِ، فَقَالَ: إِنَّ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ
فِي مِثْل مَقَامِي هَذَا، فَقَالَ: (أَحْسِنُوا إِلَى
أَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِيْنَ يَلُوْنَهُم، ثُمَّ
الَّذِيْنَ يَلُوْنَهُم، ثُمَّ يَجِيْءُ قَوْمٌ يَحْلِفُ
أَحَدُهُم عَلَى اليَمِيْنَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ
عَلَيْهَا، وَيَشْهَدُ عَلَى الشَّهَادَةِ قَبْل أَنْ
يُسْتَشْهَدَ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُم أَنْ يَنَالَ
بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ، فَلْيَلْزَمِ الجَمَاعَةَ، فَإِنَّ
الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنَ
أَبْعَدُ، أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ،
فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُم
تَسُرُّهُ حَسَنتُهُ، وَتَسُوؤُهُ سَيِّئتُهُ، فَهُوَ
مُؤْمِنٌ).
__________
= أيضا، وبالقرب منها تل يسمى: تل الجابية، فيه حيات صغار
نحو الشبر، عظيمة النكاية، يسمونها أم الصويت، يعنون أنها
إذا نهشت إنسانا صوت صوتا صغيرا ثم يموت.
وفي هذا الموضع خطب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خطبته
المشهورة.
وباب الجابية بدمشق منسوب إلى هذا الموضع، ويقال: جابية
الجولان أيضا.
انظر " معجم البلدان ".
(1) أخرجه أحمد: 1 / 18، 26، والطيالسي: ص 8، والترمذي:
(2165)، وابن ماجه: (2363)، وسنده قوي.
وصححه الحاكم: 1 / 113 - 115، ووافقه الذهبي المؤلف،
وسيذكره المصنف قريبا بتمامه .
(7/102)
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، اتَّفَقَ
الجَرِيْرَانِ عَلَى رِوَايتِهِ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ
عُمَيْرٍ.
أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ، مِنْ
طَرِيْقِ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، فَوَقَعَ لَنَا
بَدَلاً عَالِياً (1) .
وَأَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ حَازِمٍ،
فَقَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَبْدِ
الأَعْلَى السَّامِيِّ، عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، عَنْ
جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ: فَوَقَعَ لَنَا عَالِياً جِدّاً.
قَالَ الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَكَرَ
قَوْلَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ: كَانَ جَرِيْرٌ أَحْفَظَنَا،
ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَتَبَسَّمَ،
وَقَالَ: وَلَكِنَّهُ بِأَخَرَةٍ.
فَقُلْتُ: يَحْفَظُ عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ:
أَصْبَحتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ (2) ،
فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: مَنْ وَرَاءهُ؟
قُلْتُ: جَرِيْرٌ.
قَالَ: جَرِيْرٌ كَانَ يُحَدِّثُ بِالتَّوَهُّمِ.
قُلْتُ: أَكَانَ يُحَدِّثُهُم بِالتَّوَهُّمِ بِمِصْرَ
خَاصَّةً، أَوْ غَيْرِهَا؟
قَالَ: فِي غَيْرِهَا، وَفِيْهَا.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَشْيَاءُ يُسنِدُهَا عَنْ
قَتَادَةَ بَاطِلٌ.
قُلْتُ: قَدَّمْتُ جَرِيْراً، وَإِنْ كَانَتْ وَفَاتُهُ
تَأَخَّرَتْ، وَالخَطبُ يَسِيْرٌ فِي مِثْلِ هَذَا.
__________
(1) البدل في مصطلح الحديث: هو أن يروي المحدث حديثا
موجودا في أحد الكتب المصنفة، من غير طريق المصنف، بإسناده
لنفسه، فيصل في إسناده إلى شيخ شيخ المصنف، ويتأتى ذلك في
الإسناد العالي.
(2) أخرجه الترمذي: (735)، في الصوم، وأحمد: 6 / 263،
والطحاوي: 1 / 355، وابن حزم في " المحلى ": 6 / 270، عن
عائشة، قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين (أي نفلا)، فعرض لنا
طعام اشتهيناه، فأكلنا منه، فجاء رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - فبدرتني إليه حفصة، وكانت ابنة أبيها، فقالت:
يا رسول الله ! إنا كنا صائمتين، فغرض لنا طعام اشتهيناه،
فأكلنا منه.
قال: " اقضيا يوما آخر مكانه ".
وإسناده قوي كما قال ابن حزم، وصححه ابن حبان: (951)،
وأخرجه أبو داود: (2457)، من حديث حيوة بن شريح، عن ابن
الهاد، عن زميل مولى عروة، عن عروة بن الزبير، عن عائشة،
وأخرجه مالك: 1 / 306، من حديث ابن شهاب الزهري مرسلا.
(7/103)
44 - حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ أَبُو عَبْدِ
اللهِ القُرَشِيُّ (م، 4)
الإِمَامُ الكَبِيْرُ، قَاضِي مَرْوَ وَشَيْخُهَا، أَبُو
عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ، مَوْلَى الأَمِيْرِ عَبْدِ
اللهِ بن عَامِرِ بنِ كُرَيْزٍ.
حَدَّثَ عَنْ: عِكْرِمَةَ، وَابْنِ بُرَيْدَةَ، وَيَزِيْدَ
النَّحْوِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ
بنِ عُمَيْرٍ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَالفَضْلُ
السِّيْنَانِيُّ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَعَلِيُّ بنُ
الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: فِي بَعْضِ حَدِيْثِهِ نَكِرَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقِيْلَ: كَانَ يَحْمِلُ الحَاجَةَ مِنَ السُّوْقِ،
وَلَهُ جَلاَلَةٌ وَفَضْلٌ بِمَرْوَ.
وَرَدَ عَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى الأَعْمَشِ،
فَقَالَ لِي: مَا قَرَأَ عَلَيَّ أَحَدٌ أَقرَأُ مِنْكَ!
قُلْتُ: مَنْ مَنَاكِيْرِهِ حَدِيْثٌ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَدِدْتُ أَنَّ
عِنْدَنَا خُبْزَةً بَيضَاءَ مِنْ حِنْطَةٍ سَمْرَاءَ،
مُلَبَّقَةً بِسَمْنٍ وَلَبَنٍ (1)).
فَهَذَا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَلَهُ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ،
مَرْفُوْعاً: (أُتِيْتُ بِمَقَالِيْدِ الدُّنْيَا عَلَى
فَرَسٍ
__________
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 371، طبقات خليفة: 323، التاريخ
الكبير: 2 / 389، الضعفاء: خ: 91، الجرح والتعديل: 3 / 66،
مشاهير علماء الأمصار: 195 - 196، وفي الكتب الأربعة
السابقة كنيته أبو علي، تهذيب الكمال: خ: 300، تذهيب
التهذيب: خ: 1 / 160، ميزان الاعتدال: 1 / 549، عبر
الذهبي: 1 / 226، تهذيب التهذيب: 2 / 373 - 374، طبقات
المدلسين: 5، خلاصة تذهيب الكمال: 85، طبقات المفسرين: 1 /
160، شذرات الذهب: 1 / 241.
(1) أخرجه أبو داود: (3818)، في الاطعمة: باب في الجمع بين
لونين من الطعام، وابن ماجه: (3341)، في الاطعمة: باب
الخبز الملبق بالسمن، من طريق حسين بن واقد، عن أيوب، عن
نافع، عن ابن عمر.
قال أبو داود: هذا حديث منكر.
وقال أيضا: أيوب ليس هو السختياني.
(7/104)
أَبْلَقَ، عَلَيْهِ قَطِيْفَةٌ مِنْ
سُنْدُسٍ (1)).
مَاتَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
45 - عَبَّادُ بنُ مَنْصُوْرٍ أَبُو سَلَمَةَ النَّاجِيُّ
البَصْرِيُّ * (4)
الإِمَامُ، القَاضِي، أَبُو سَلَمَةَ النَّاجِيُّ،
البَصْرِيُّ.
عَنْ: عِكْرِمَةَ، وَالقَاسِمِ، وَعَطَاءٍ، وَأَبِي
الضُّحَى، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ،
وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَرَوْحٌ، وَأَبُو عَاصِمٍ،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلِيَ قَضَاءَ البَصْرَةِ خَمْسَ
سِنِيْنَ (2) ، وَكَانَ يَأْخُذُ دَقِيْقَ الأَرُزِّ فِي
إِزَارِهِ كُلَّ عَشِيَّةٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ضَعِيْفٌ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: هُوَ، وَعَبَّادُ بنُ كَثِيْرٍ
(3) ، وَعَبَّادُ بنُ رَاشِدٍ (4) ، لَيْسَ حَدِيْثُهُم
بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: قَدَرِيٌّ، دَاعِيَةٌ، كُلُّ مَا
رَوَى عَنْ عِكْرِمَةَ سَمِعَهُ مِنْ
__________
(1) أخرجه أحمد: 3 / 327 - 328، وابن حبان: (2138)، وسنده
ضعيف.
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 270، تاريخ خليفة: 403، 405، 407،
408، 414، 426، التاريخ الكبير: 6 / 39 - 40، المعارف:
482، المعرفة والتاريخ: 3 / 61، 2 / 126، الضعفاء: خ: 272،
الجرح والتعديل: 6 / 86، كتاب المجروحين: 2 ك 165 - 166،
الكامل لابن عدي: خ: 473 - 474، تهذيب الكمال: خ: 653،
تذهيب التهذيب: خ: 2 / 122، تاريخ الإسلام: 6 / 207 - 208،
ميزان الاعتدال: 2 / 376 - 378، عبر الذهبي: 1 / 218،
البداية والنهاية: 10 / 109، تهذيب التهذيب: 5 / 103 -
105، طبقات المدلسين: 17 - 18، خلاصة تذهيب الكمال: 187،
شذرات الذهب: 1 / 233.
(2) سقط من الأصل.
(3) انظر الترجمة التالية.
(4) انظر ترجمته ص 181.
(7/105)
إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ
دَاوُدَ بنِ الحُصَيْنِ، عَنْهُ، فَدَلَّسَهَا عَنْ
عِكْرِمَةَ (1) .
مَاتَ عَبَّادٌ: عَلَى بَطْنِ أَهْلِهِ، سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
46 - عَبَّادُ بنُ كَثِيْرٍ الثَّقَفِيُّ البَصْرِيُّ *
(د، ق)
العَابِدُ، نَزِيْلُ مَكَّةَ.
عَنْ: يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَثَابِتٍ، وَأَبِي
عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ،
وَمُحَمَّدٌ الفِرْيَابِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ البُخَارِيُّ: تَرَكُوْهُ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي رِزْمَةَ: مَا أَدْرِي مَنْ رَأَيتُ
أَفْضَلَ مِنْهُ، فَإِذَا جَاءَ الحَدِيْثُ، فَلَيْسَ
مِنْهَا فِي شَيْءٍ.
قُلْتُ: هُوَ رَاوِي خَبَرِ: (الغِيْبَةُ أَشَدُّ مِنَ
الزِّنَى (2)).
رَوَاهُ عَنِ: الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ
أَبِي سَعِيْدٍ، وَجَابِرٍ مَرْفُوْعاً.
__________
(1) كتاب المجروحين: 2 / 166، وقد أخطأ العلامة أحمد شاكر،
رحمه الله، إذ وثق عباد بن منصور في تعليقه على " المسند
"، رقم الحديث: (3318)، مع أنه لم يعرف عن أحد من أئمة
الجرح والتعديل توثيقه، بل الكل على تضعيفه لتدليسه، ولسوء
حفظه وتغيره.
(*) التاريخ الكبير: 6 / 43، التاريخ الصغير: 2 / 104،
المعرفة والتاريخ: 2 / 126، تاريخ الطبري: 8 / 58،
الضعفاء: خ: 274، الجرح والتعديل: 6 / 84 - 85، كتاب
المجروحين 2 / 166 - 169، الكامل لابن عدي: خ: 472 - 473،
تهذيب الكمال: خ: 652، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 121، تاريخ
الإسلام: 6 / 206 - 207، ميزان الاعتدال: 2 / 371 - 375،
العقد الثمين: 5 / 90، تهذيب التهذيب: 5 / 100 - 102،
خلاصة تذهيب الكمال: 187.
(2) هذا خبر لا يصح.
أورده المؤلف في " الميزان "، في ترجمة عباد بن كثير، وعده
في جملة منكراته.
وهو أيضا في " الضعفاء " لابن حبان: 2 / 168، في ترجمة
عباد هذا من طريق: أسباط بن محمد، عن أبي رجاء الخراساني،
عن عباد بن كثير، عن الحسن، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد
وجابر. وقال: وأبو رجاء هذا روح بن المسيب أيضا لا شيء.
(7/106)
أَمَّا:
47 - عَبَّادُ بنُ كَثِيْرٍ الرَّمْلِيُّ * (ق)
فَآخَرُ شَامِيٌّ.
يَرْوِي عَنْ: عُرْوَةَ بنِ رُوَيْمٍ، وَحَوْشَبٍ.
وَعَنْهُ: زَيْدُ بنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، وَيَحْيَى بنُ
يَحْيَى، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
وَوَثَّقَهُ: هُوَ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: فِيْهِ نَظَرٌ.
قُلْتُ: لَعَلَّهُ أَضْعَفُ مِنَ البَصْرِيِّ.
48 - الأَوْزَاعِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرِو بنِ
يُحْمَدَ ** (ع)
شَيْخُ الإِسْلاَمِ، وَعَالِمُ أَهْلِ الشَّامِ، أَبُو
عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ.
كَانَ يَسْكُنُ بِمَحَلَّةِ الأَوْزَاعِ، وَهِيَ
العُقَيْبَةُ الصَّغِيْرَةُ، ظَاهِرَ بَابِ الفَرَادِيْسِ
(1) بِدِمَشْقَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى بَيْرُوْتَ
مُرَابِطاً بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ.
وَقِيْلَ: كَانَ مَوْلِدُهُ بِبَعْلَبَكَّ.
__________
(*) الجرح والتعديل: 6 / 85، كتاب المجروحين: 2 / 169 -
170، الكامل لابن عدي: خ: 473، تهذيب الكمال: خ: 652 -
653، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 122، تاريخ الإسلام: 6 / 207،
ميزان الاعتدال: 2 / 370 - 371، خلاصة تذهيب الكمال: 187.
(* *) طبقات ابن سعد: 7 / 488، طبقات خليفة: 315 - 316،
تاريخ خليفة: 428، التاريخ الكبير: 5 / 326، التاريخ
الصغير: 2 / 124، المعرفة والتاريخ: 2 / 390 - 397، 408 -
410، الجرح والتعديل: 1 / 184 - 219، 5 / 266 - 267،
مشاهير علماء الأمصار: 180 حلية الأولياء: 6 / 135 - 149،
الفهرست: المقالة السادسة الفن السادس، تاريخ ابن عساكر:
خ: 10 / 34 / آ، وفيات الأعيان: 3 / 127 - 128، تهذيب
الكمال: خ: 808 - 809، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 220 - 223،
تاريخ الإسلام: 6 / 225 - 238، تذكرة الحفاظ: 1 / 178 -
185، ميزان الاعتدال: 2 / 580، عبرالذهبي: 1 / 226 - 227،
البداية والنهاية: 10 / 115 - 120، تهذيب التهذيب: 6 / 238
- 242، طبقات الحفاظ: 79، خلاصة تذهيب الكمال: 232، شذرات
الذهب: 1 / 241 - 242.
(1) وهو الذي يقال له الآن: باب العمارة.
(7/107)
حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ،
وَأَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ،
وَمَكْحُوْلٍ، وَقَتَادَةَ، وَالقَاسِمِ بنِ مُخَيْمِرَةَ،
وَرَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ القَصِيْرِ، وَبِلاَلِ بنِ
سَعْدٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَبْدَةَ بنِ أَبِي لُبَابَةَ،
وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَأَبِي كَثِيْرٍ
السُّحَيْمِيِّ اليَمَامِيِّ، وَحَسَّانِ بنِ عَطِيَّةَ،
وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ بنِ أَبِي المُهَاجِرِ،
وَمُطْعِمِ بنِ المِقْدَامِ، وَعُمَيْرِ بنِ هَانِئ
العَنْسِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ مَيْسَرَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرٍ
اليَحْصُبِيِّ، وَإِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي
طَلْحَةَ، وَالحَارِثِ بنِ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيِّ،
وَحَفْصِ بنِ عِنَانَ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ
المُحَارِبِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ حَبِيْبٍ
المُحَارِبِيِّ، وَشَدَّادٍ أَبِي عَمَّارٍ، وَعَبْدِ
اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ
بنِ القَاسِمِ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ قَيْسٍ، وَأَبِي
النَّجَاشِيِّ عَطَاءِ بنِ صُهَيْبٍ، وَعَطَاءٍ
الخُرَاسَانِيِّ، وَعِكْرِمَةَ بنِ خَالِدٍ، وَعَلْقَمَةَ
بنِ مَرْثَدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَابْنِ
المُنْكَدِرِ، وَمَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، وَنَافِعٍ
مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَالوَلِيْدِ بنِ هِشَامٍ، وَخَلْقٍ
كَثِيْرٍ مِنَ التَّابِعِيْنَ، وَغَيْرِهِم.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ: فِي حَيَاةِ الصَّحَابَةِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ
أَبِي كَثِيْرٍ - وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ - وَشُعْبَةُ،
وَالثَّوْرِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ، وَعَبْدُ اللهِ
بنُ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَمَالِكٌ، وَسَعِيْدُ بنُ
عَبْدِ العَزِيْزِ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو
إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ،
وَيَحْيَى بنُ حَمْزَةَ القَاضِي، وَبَقِيَّةُ بنُ
الوَلِيْدِ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَالمُعَافَى بنُ
عِمْرَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ، وَشُعَيْبُ بنُ
إِسْحَاقَ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ،
وَالهِقْلُ بنُ زِيَادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ
الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو المُغِيْرَةِ الحِمْصِيُّ،
وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ
المَصِّيْصِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ،
وَيَحْيَى البَابْلُتِّيُّ، وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ
العُذْرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
(7/108)
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: الأَوْزَاعُ:
بَطْنٌ مِنْ هَمْدَانَ، وَهُوَ مِنْ أَنْفُسِهِم، وَكَانَ
ثِقَةً.
قَالَ: وَوُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ، وَكَانَ
خَيِّراً، فَاضِلاً، مَأْمُوْناً، كَثِيْرَ العِلْمِ
وَالحَدِيْثِ وَالفِقْهِ، حُجَّةً.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَأَمَّا البُخَارِيُّ، فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ مِنَ
الأَوْزَاعِ، بَلْ نَزَلَ فِيْهِم.
قَالَ الهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا
يَقُوْلُوْنَ:
لَيْسَ هُوَ مِنَ الأَوْزَاعِ، هُوَ ابْنُ عَمِّ (1)
يَحْيَى بنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ لَحّاً،
إِنَّمَا كَانَ يَنْزِلُ قَرْيَةَ الأَوْزَاعِ، إِذَا
خَرَجْتَ مِنْ بَابِ الفَرَادِيْسِ.
قَالَ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: الأَوْزَاعُ: اسْمٌ وَقَعَ
عَلَى مَوْضِعٍ مَشْهُوْرٍ بِرَبَضِ دِمَشْقَ، سُمِّيَ
بِذَلِكَ لأَنَّهُ سَكَنَهُ بَقَايَا مِنْ قَبَائِلَ
شَتَّى، وَالأَوْزَاعُ: الفِرَقُ، تَقُوْل: وَزَّعْتُهُ،
أَيْ: فَرَّقْتُهُ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: اسْمُ
الأَوْزَاعِيِّ: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَمْرِو بنِ أَبِي
عَمْرٍو، فَسَمَّى نَفْسَه: عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ
أَصْلُهُ مِنْ سَبْيِ السِّنْدِ، نَزَلَ فِي الأَوْزَاعِ،
فَغَلَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَكَانَ فَقِيْهَ أَهْلِ
الشَّامِ، وَكَانَتْ صَنْعَتُهُ الكِتَابَةَ،
وَالتَّرسُّلَ، وَرَسَائِلُه تُؤْثَرُ.
قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ، وَطَائِفَةٌ: وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ
وَثَمَانِيْنَ.
ضَمْرَةُ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ مُحْتَلِماً، أَوْ شَبِيْهاً بِالمُحْتَلِمِ فِي
خِلاَفَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.
وَشَذَّ: مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ،
فَقَالَ: مَوْلِدِي سَنَةَ ثَلاَثٍ
__________
(1) في الأصل: " عمر " وهو تحريف.
يقال: هو ابن عمي لحا: إذا كان لازق النسب. ونصب " لحا "
على الحال.
(7/109)
وَتِسْعِيْنَ، فَهَذَا خَطَأٌ.
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: مَوْلِدُهُ بِبَعْلَبَكَّ،
وَمَنْشَؤُهُ بِالكَرْكِ (1) - قَرْيَةٌ بِالبِقَاعِ -
ثُمَّ نَقَلَتْهُ أُمُّهُ إِلَى بَيْرُوْتَ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: فَمَا رَأَيتُ أَبِي
يَتَعَجَّبُ مِنْ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا، تَعَجُّبَهُ مِنَ
الأَوْزَاعِيِّ، فَكَانَ يَقُوْلُ:
سُبْحَانَكَ، تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ! كَانَ الأَوْزَاعِيُّ
يَتِيْماً فَقِيْراً فِي حَجْرِ أُمِّهِ، تَنقُلُهُ مِنْ
بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَقَدْ جَرَى حُكْمُكَ فِيْهِ أَنْ
بَلَّغْتَه حَيْثُ رَأَيتُه، يَا بُنَيَّ! عَجَزَتِ
المُلُوْكُ أَنْ تُؤَدِّبَ نَفْسَهَا وَأَوْلاَدَهَا
أَدَبَ الأَوْزَاعِيِّ فِي نَفْسِهِ، مَا سَمِعْتُ مِنْهُ
كَلِمَةً قَطُّ فَاضِلَةً إِلاَّ احْتَاجَ مُسْتَمِعُهَا
إِلَى إِثْبَاتِهَا عَنْهُ، وَلاَ رَأَيتُهُ ضَاحِكاً
قَطُّ حَتَّى يُقَهْقِهَ، وَلقَدْ كَانَ إِذَا أَخَذَ فِي
ذِكْرِ المَعَادِ، أَقُوْلُ فِي نَفْسِي: أَتُرَى فِي
المَجْلِسِ قَلْبٌ لَمْ يَبْكِ؟!
الفَسَوِيُّ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ بنَ الوَلِيْدِ بنِ
مَزْيَدٍ، عَنْ شُيُوْخِهِم، قَالُوا:
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: مَاتَ أَبِي وَأَنَا صَغِيْرٌ،
فَذَهَبتُ أَلعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَمَرَّ بِنَا
فُلاَنٌ - وَذَكَرَ شَيْخاً جَلِيْلاً مِنَ العَرَبِ -
فَفَرَّ الصِّبْيَانُ حِيْنَ رَأَوْهُ، وَثَبَتُّ أَنَا،
فَقَالَ: ابْنُ مَنْ أَنْتَ؟
فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! يَرْحَمُ اللهُ
أَبَاكَ.
فَذَهَبَ بِي إِلَى بَيْتِهِ، فَكُنْتُ مَعَهُ حَتَّى
بَلَغتُ، فَأَلحَقَنِي فِي الدِّيْوَانِ، وَضَرَبَ
عَلَيْنَا بَعثاً إِلَى اليَمَامَةِ، فَلَمَّا
قَدِمْنَاهَا، وَدَخَلنَا مَسْجِدَ الجَامِعِ، وَخَرَجنَا،
قَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا:
رَأَيتُ يَحْيَى بنَ أَبِي كَثِيْرٍ مُعْجَباً بِكَ،
يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ فِي هَذَا البَعْثِ أَهدَى مِنْ
هَذَا الشَّابِّ!
قَالَ: فَجَالَستُهُ، فَكَتَبْتُ عَنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ
كِتَاباً، أَوْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، فَاحْتَرَقَ كُلُّهُ.
__________
(1) الكرك: بسكون الراء، قرية في أصل جبل لبنان.
والبقاع: جمع بقعة: موضع يقال له: بقاع كلب، قريب من دمشق،
وهو أرض واسعة بين بعلبك وحمص ودمشق، فيها قرى كثيرة،
ومياه غزيرة نميرة...وبالبقاع هذه قبر إلياس النبي - عليه
السلام - انظر " معجم البلدان ".
(7/110)
ابْنُ زَبْرٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ
جَرِيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ
سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ الأَوْزَاعِيَّ خَرَجَ فِي بَعْثِ اليَمَامَةِ،
فَأَتَى مَسْجِدَهَا، فَصَلَّى، وَكَانَ يَحْيَى بنُ أَبِي
كَثِيْرٍ قَرِيْباً مِنْهُ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى
صَلاَتِه، فَأَعْجَبَتْه، ثُمَّ إِنَّهُ جَلَسَ إِلَيْهِ،
وَسَأَلَهُ عَنْ بَلَدِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَتَرَكَ
الأَوْزَاعِيُّ الدِّيْوَانَ، وَأَقَامَ عِنْدَهُ مُدَّةً
يَكْتُبُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ:
يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُبَادِرَ البَصْرَةَ لَعَلَّكَ
تُدرِكُ الحَسَنَ وَابْنَ سِيْرِيْنَ، فَتَأْخُذَ
عَنْهُمَا.
فَانْطَلَقَ إِلَيْهِمَا، فَوَجَدَ الحَسَنَ قَدْ مَاتَ،
وَابْنُ سِيْرِيْنَ حَيٌّ.
فَأَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ،
فَعَادَهُ، وَمَكَثَ أَيَّاماً، وَمَاتَ، وَلَمْ يَسْمَعْ
مِنْهُ.
قَالَ: كَانَ بِهِ البَطَنُ (1) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ:
رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ فَوْقَ الرَّبْعَةِ، خَفِيْفَ
اللَّحْمِ، بِهِ سُمْرَةٌ، يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ.
مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ: عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ:
خَرَجْتُ أُرِيْدُ الحَسَنَ، وَمُحَمَّداً، فَوَجَدتُ
الحَسَنَ قَدْ مَاتَ، وَوَجَدتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ
مَرِيْضاً.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ ابْنُ
جُرَيْجٍ، وَصَنَّفَ الأَوْزَاعِيُّ.
أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنِي الهِقْلُ، قَالَ:
أَجَابَ الأَوْزَاعِيُّ فِي سَبْعِيْنَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ،
أَوْ نَحْوِهَا.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: سَمِعْتُ النَّاسَ فِي
سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ يَقُوْلُوْنَ:
الأَوْزَاعِيُّ اليَوْمَ عَالِمُ الأُمَّةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ، قَالَ:
الأَوْزَاعِيُّ هُوَ عَالِمُ أَهْلِ الشَّامِ.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ شُعَيْبٍ يَقُوْلُ: قُلْتُ
لأُمَيَّةَ بنِ يَزِيْدَ: أَيْنَ الأَوْزَاعِيُّ مِنْ
مَكْحُوْلٍ؟
قَالَ: هُوَ عِنْدَنَا أَرْفَعُ مِنْ مَكْحُوْلٍ.
قُلْتُ: بِلاَ رَيْبٍ هُوَ أَوسَعُ دَائِرَةً فِي العِلْمِ
مِنْ مَكْحُوْلٍ.
__________
(1) البطن: هو داء البطن.
(7/111)
مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: ثُمَّ
قَالَ أُمَيَّةُ: كَانَ قَدْ جَمَعَ العِبَادَةَ
وَالعِلْمَ وَالقَوْلَ بِالحَقِّ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ البَيْرُوْتِيُّ:
حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ،
قَالَ:
بَلَغَ الثَّوْرِيَّ - وَهُوَ بِمَكَّةَ - مَقْدَمُ
الأَوْزَاعِيِّ، فَخَرَجَ حَتَّى لَقِيَهُ بِذِي طُوَىً
(1) ، فَلَمَّا لَقِيَهُ، حَلَّ رَسَنَ البَعِيْرِ مِنَ
القِطَارِ، فَوَضَعَهُ عَلَى رَقْبَتِه، فَجَعَلَ
يَتَخَلَّلُ بِهِ، فَإِذَا مَرَّ بِجَمَاعَةٍ، قَالَ:
الطَّرِيْقَ لِلشَّيْخِ (2) .
رَوَى نَحْوَهَا: المُحَدِّثُ سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ
الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عَاصِمٍ.
وَرَوَى شَبِيْهاً بِهَا: إِسْحَاقُ بنُ عَبَّادٍ
الخُتَّلِيُّ (3) ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ الثَّوْرِيَّ...
بِنَحْوِهَا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: دَخَلَ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ عَلَى مَالِكٍ، فَلَمَّا
خَرَجَا، قَالَ:
أَحَدُهُمَا أَكْثَرُ عِلْماً مِنْ صَاحِبِه، وَلاَ
يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ، وَالآخَرُ يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ
-يَعْنِي: الأَوْزَاعِيَّ لِلإِمَامَةِ (4) -.
مَسْلَمَةُ بنُ ثَابِتٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ:
الأَوْزَاعِيُّ إِمَامٌ يُقتَدَى بِهِ.
الشَّاذَكُوْنِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ:
كَانَ الأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ بِمِنَىً، فَقَالَ
الأَوْزَاعِيُّ لِلثَّوْرِيِّ: لِمَ لاَ تَرفَعُ يَدَيْكَ
فِي خَفْضِ الرُّكُوْعِ وَرَفْعِهِ؟
فَقَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ ... (5) ،
فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: رَوَى لَكَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ
سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتُعَارِضُنِي بِيَزِيْدَ رَجُلٍ
ضَعِيْفِ الحَدِيْثِ،
__________
(1) ذو طوى: موضع قرب مكة.
(2) الخبر في " البداية والنهاية ": 10 / 116، وفيه: "
وسفيان الثوري آخذ بزمام جمله، ومالك بن أنس يسوق به.."،
بدل: فوضعه على رقبته...(3) الختلي: بضم الخاء، والتاء
المشددة المفتوحة: نسبة إلى قرية على طريق خراسان.
(انظر: الأنساب للسمعاني: 5 / 45).
(4) أي: الامامة في الفقه والحديث.
(5) تمامه: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - " كان إذا افتتح الصلاة رفع
يديه إلى قريب من أذنيه، ثم لا يعود ".
أخرجه أبو داود: (749)، وإسناده ضعيف لضعف يزيد.
(7/112)
وَحَدِيْثُه مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ؟!
فَاحْمَرَّ وَجْهُ سُفْيَانَ، فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ:
كَأَنَّك كَرِهْتَ مَا قُلْتُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ: قُمْ بِنَا إِلَى المَقَامِ نَلْتَعِنْ أَيُّنَا
عَلَى الحَقِّ.
قَالَ: فَتَبَسَّمَ سُفْيَانُ لَمَّا رَآهُ قَدِ احْتَدَّ.
عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ
الفَزَارِيَّ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيتُ مِثْلَ الأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ!
فَأَمَّا الأَوْزَاعِيُّ فَكَانَ رَجُلَ عَامَّةٍ،
وَأَمَّا الثَّوْرِيُّ فَكَانَ رَجُلَ خَاصَّةِ نَفْسِه،
وَلَوْ خُيَّرتُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لاَختَرتُ لَهَا
الأَوْزَاعِيَّ - يُرِيْدُ: الخِلاَفَةَ -.
قَالَ عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ: لَوْ خُيَّرتُ لِهَذِهِ
الأُمَّةِ، لاَختَرتُ لَهَا أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ.
قَالَ الخُرَيْبِيُّ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ أَفْضَلَ
أَهْلِ زَمَانِهِ.
وَعَنْ نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ،
قَالَ:
لَوْ قِيْلَ لِي: اخْتَرْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لاَختَرتُ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَالأَوْزَاعِيَّ.
وَلَوْ قِيْلَ لِي: اخْتَرْ أَحَدَهُمَا، لاَختَرتُ
الأَوْزَاعِيَّ؛ لأَنَّهُ أَرفَقُ الرَّجُلَينِ.
وَكَذَا قَالَ فِي هَذَا المَعْنَى: أَبُو أُسَامَةَ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: إِنَّمَا
النَّاسُ فِي زَمَانِهِم أَرْبَعَةٌ: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ
بِالبَصْرَةِ، وَالثَّوْرِيُّ بِالكُوْفَةِ، وَمَالِكٌ
بِالحِجَازِ، وَالأَوْزَاعِيُّ بِالشَّامِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدِيْثُ الأَوْزَاعِيِّ،
عَنْ يَحْيَى: مُضْطَرِبٌ.
الرَّبِيْعُ المُرَادِيُّ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ
يَقُوْلُ:
مَا رَأَيتُ رَجُلاً أَشْبَهَ فِقْهُهُ بِحَدِيْثِهِ مِنَ
الأَوْزَاعِيِّ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ
حَنْبَلٍ: مَا تَقُوْلُ فِي مَالِكٍ؟
قَالَ: حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، وَرَأْيٌ ضَعِيْفٌ.
قُلْتُ: فَالأَوْزَاعِيُّ؟
قَالَ: حَدِيْثٌ ضَعِيْفٌ، وَرَأْيٌ ضَعِيْفٌ.
قُلْتُ: فَالشَّافِعِيُّ؟
قَالَ: حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، وَرَأْيٌ صَحِيْحٌ.
قُلْتُ: فَفُلاَنٌ؟
قَالَ: لاَ رَأْيٌ، وَلاَ حَدِيْثٌ.
(7/113)
قُلْتُ: يُرِيْدُ: أَنَّ الأَوْزَاعِيَّ
حَدِيْثُه ضَعِيْفٌ مِنْ كَوْنِهِ يَحتَجُّ
بِالمَقَاطِيْعِ، وَبِمَرَاسِيْلِ أَهْلِ الشَّامِ، وَفِي
ذَلِكَ ضَعفٌ، لاَ أَنَّ الإِمَامَ فِي نَفْسِهِ ضَعِيْفٌ.
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ
يَثْبُتُ فِي مُصَلاَّهُ، يَذْكُرُ اللهَ، حَتَّى تَطلُعَ
الشَّمْسُ، وَيُخْبِرُنَا عَنِ السَّلَفِ: أَنَّ ذَلِكَ
كَانَ هَدْيَهُم، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، قَامَ
بَعْضُهُم إِلَى بَعْضٍ، فَأَفَاضُوا فِي ذِكْرِ اللهِ،
وَالتَّفَقُّهِ فِي دِيْنِه.
عُمَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ:
دَفَعَ إِلَيَّ الزُّهْرِيُّ صَحِيْفَةً، فَقَالَ:
ارْوِهَا عَنِّي.
وَدَفعَ إِلَى يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ صَحِيْفَةً،
فَقَالَ: ارْوِهَا عَنِّي.
فَقَالَ ابْنُ ذَكْوَانَ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ، قَالَ:
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: نَعْمَلُ بِهَا، وَلاَ نُحَدِّثُ
بِهَا -يَعْنِي: الصَّحِيْفَةَ-.
قَالَ الوَلِيْدُ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ يَقُوْلُ:
كَانَ هَذَا العِلْمُ كَرِيْماً، يَتَلاَقَاهُ الرِّجَالُ
بَيْنَهُم، فَلَمَّا دَخَلَ فِي الكُتُبِ، دَخَلَ فِيْهِ
غَيْرُ أَهْلِهِ.
وَرَوَى مِثْلَهَا: ابْنُ المُبَارَكِ، عَنِ
الأَوْزَاعِيِّ.
وَلاَ رَيبَ أَنَّ الأَخْذَ مِنَ الصُّحُفِ
وَبِالإِجَازَةِ يَقَعُ فِيْهِ خَلَلٌ، وَلاَ سِيَّمَا فِي
ذَلِكَ العَصْرِ، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ نَقْطٌ وَلاَ
شَكْلٌ، فَتَتَصَحَّفُ الكَلِمَةُ بِمَا يُحِيْلُ
المَعْنَى، وَلاَ يَقَعُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الأَخْذِ مِنْ
أَفْوَاهِ الرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ التَّحدِيْثُ مِنَ
الحِفْظِ، يَقَعُ فِيْهِ الوَهْمُ، بِخِلاَفِ الرِّوَايَةِ
مِنْ كِتَابٍ مُحَرَّرٍ (1) .
مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ:
سَمِعْتُ الوَلِيْدَ يَقُوْلُ:
احْتَرَقَتْ
__________
(1) ولهذا كان العلماء لا يعتدون بعلم الرجل إذا كان
مأخوذا عن الصحف، ولم يتلق من طريق الرواية والمذاكرة
والدرس والبحث.
وإلى مثل هذا أشار ابن سلام في مقدمة " طبقاته " عندما كان
يتحدث عن أسباب نحل الشعر التي منها الاخذ عن الصحف دون
الرواية فقال : " وقد تداوله [ أي الشعر ] قوم من كتاب إلى
كتاب، لم يأخذوه عن أهل البادية، ولم يعرضوه على العلماء.
وليس لأحد إذا أجمع أهل العلم والرواية الصحيحة على إبطال
شيء منه، أن يقبل من صحيفة، ولا يروي عن صحفي ".
(7/114)
كُتُبُ الأَوْزَاعِيِّ زَمَنَ الرَّجْفَةِ
(1) ثَلاَثَةَ عَشَرَ قُنْدَاقاً (2) ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ
بِنُسَخِهَا، فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو! هَذِهِ نُسْخَةُ
كِتَابِكَ، وَإِصلاَحُكَ بِيَدِكَ.
فَمَا عَرَضَ لِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا.
وَقَالَ بِشْرُ بنُ بَكْرٍ التِّنِّيْسِيُّ: قِيْلَ
لِلأَوْزَاعِيِّ:
يَا أَبَا عَمْرٍو! الرَّجُلُ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهِ
لَحْنٌ، أَيُقِيْمُهُ عَلَى عَرَبِيَّتِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَتَكَلَّمُ إِلاَّ بِعَرَبِيٍّ.
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ
يَقُوْلُ: لاَ بَأْسَ بِإِصلاَحِ اللَّحْنِ وَالخَطَأِ فِي
الحَدِيْثِ (3) .
مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ: عَنْ أَبِي عُبَيْدِ
اللهِ كَاتِبِ المَنْصُوْرِ، قَالَ:
كَانَتْ تَرِدُ عَلَى المَنْصُوْرِ كُتُبٌ مِنَ
الأَوْزَاعِيِّ، نَتَعَجَّبُ مِنْهَا، وَيَعْجَزُ
كُتَّابُهُ عَنْهَا، فَكَانَتْ تُنسَخُ فِي دَفَاتِرَ،
وَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَي المَنْصُوْرِ، فَيُكْثِرُ
النَّظَرَ فِيْهَا اسْتِحْسَاناً لأَلفَاظِهَا.
فَقَالَ لِسُلَيْمَانَ بنِ مُجَالِدٍ - وَكَانَ مِنْ
أَحظَى كُتَّابِهِ عِنْدَهُ -: يَنْبَغِي أَنْ تُجِيْبَ
الأَوْزَاعِيَّ عَنْ كُتُبِهِ جَوَاباً تَامّاً.
قَالَ: وَاللهِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا أُحْسِنُ
ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرُدُّ عَلَيْهِ مَا أُحسِنُ، وَإِنَّ
لَهُ نَظماً فِي الكُتُبِ، لاَ أَظُنُّ أَحَداً مِنْ
جَمِيْعِ النَّاسِ يَقدِرُ عَلَى إِجَابَتِهِ عَنْهُ،
وَأَنَا أَسْتَعِيْنُ بِأَلفَاظِهِ عَلَى مَنْ لاَ
يَعرِفُهَا مِمَّنْ نُكَاتِبُهُ فِي الآفَاقِ.
__________
(1) الرجفة: زلزلة عظيمة أصابت الشام سنة (130 ه)، وكان
أكثرها ببيت المقدس، فهلك كثير ممن كان فيها من الانصار
وغيرهم.
" تاريخ الإسلام ": 5 / 39.
(2) القنداق: صحيفة الحساب.
كما في " لسان العرب ".
(3) ذكره الرامهرمزي في " المحدث الفاصل ": 524 عنه.
وفي " الالماع ": 185، عن الاوزاعي: أعربوا الحديث فإن
القوم كانوا عربا.
وفي " المحدث الفاصل ": 526، عن الميموني، قال: رأيت أحمد
بن حنبل يغير اللحن في كتابه.
وفيه أيضا عن الحسن بن محمد الزعفراني، وقد سئل عن الرجل
يسمع الحديث ملحونا أيعر به ؟ قال: نعم.
وعن الاصمعي: إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف
النحو أن يدخل في جملة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
" من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار " لأنه لم يكن يلحن،
فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه.
ذكره القاضي عياض في " الالماع ": 184، والصنعاني في "
توضيح الافكار ": 2 / 294.
(7/115)
قُلْتُ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ مَعَ
بَرَاعَتِهِ فِي العِلْمِ، وَتَقَدُّمِهِ فِي العَمَلِ
كَمَا تَرَى، رَأْساً فِي التَّرَسُّلِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سُئِلَ الأَوْزَاعِيُّ عَنِ
الخُشُوْعِ فِي الصَّلاَةِ؟
قَالَ: غَضُّ البَصَرِ، وَخَفْضُ الجَنَاحِ، وَلِيْنُ
القَلْبِ، وَهُوَ الحُزْنُ، الخَوْفُ.
قَالَ: وَسُئِلَ الأَوْزَاعِيُّ عَنْ إِمَامٍ تَرَكَ
سَجدَةً سَاهِياً حَتَّى قَامَ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ.
قَالَ: يَسْجُدُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُم سَجدَةً وَهُمْ
مُتَفَرِّقُونَ.
وَسَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: وَسَأَلْتُهُ: مَنِ
الأَبْلَهُ (1) ؟
قَالَ: العَمِيُّ عَنِ الشَّرِّ، البَصِيْرُ بِالخَيْرِ.
سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: حَدَّثَنَا
الوَلِيْدُ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
مَا أَخطَأَتْ يَدُ الحَاصِدِ، أَوْ جَنَتْ يَدُ
القَاطِفِ، فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الزَّرْعِ عَلَيْهِ
سَبِيْلٌ، إِنَّمَا هُوَ لِلمَارَّةِ وَابْنِ السَّبِيْلِ.
رَوَى: أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ، قَالَ:
وَلِيَ الأَوْزَاعِيُّ القَضَاءَ لِيَزِيْدَ بنِ
الوَلِيْدِ، فَجَلَسَ مَجْلِساً، ثُمَّ اسْتَعفَى،
فَأُعْفِيَ، وَوَلَّى يَزِيْدُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى
الغَسَّانِيَّ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى قُتِلَ بِالغُوْطَةِ.
قَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه: إِذَا اجْتَمَعَ
الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ عَلَى أَمرٍ
فَهُوَ سُنَّةٌ.
قُلْتُ: بَلِ السُّنَّةُ: مَا سَنَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالخُلَفَاءُ الرَّاشِدُوْنَ
مِنْ بَعْدِهِ، وَالإِجْمَاعُ: هُوَ مَا أَجْمَعَتْ
عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الأُمَّةِ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً،
إِجْمَاعاً ظَنِّياً أَوْ سُكُوتِيّاً، فَمَنْ شَذَّ عَنْ
هَذَا الإِجْمَاعِ مِنَ التَّابِعِيْنَ، أَوْ تَابِعِيْهِم
لِقَوْلٍ بِاجْتِهَادِه، احْتُمِلَ لَهُ، فَأَمَّا مَنْ
خَالَفَ الثَّلاَثَةَ المَذْكُوْرِيْنَ مِنْ كِبَارِ
الأَئِمَّةِ، فَلاَ يُسَمَّى
__________
(1) الابله - في اللغة -: هو الرجل الاحمق الذي لا تمييز
له.
(7/116)
مُخَالِفاً لِلإِجْمَاعِ، وَلاَ
لِلسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا مُرَادُ إِسْحَاقَ: أَنَّهُم
إِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى مَسْأَلَةٍ، فَهُوَ حَقٌّ
غَالِباً، كَمَا نَقُوْلُ اليَوْمَ: لاَ يَكَادُ يُوجَدُ
الحَقُّ فِيْمَا اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الاجْتِهَادِ
الأَرْبَعَةُ عَلَى خِلاَفِه، مَعَ اعْتِرَافِنَا بِأَنَّ
اتِّفَاقَهُم عَلَى مَسْأَلَةٍ، لاَ يَكُوْنُ إِجْمَاعَ
الأُمَّةِ، وَنَهَابُ أَنْ نَجْزِمَ فِي مَسْأَلَةٍ
اتَّفَقُوا عَلَيْهَا، بِأَنَّ الحَقَّ فِي خِلاَفِهَا.
وَمِنْ غَرَائِبِ مَا انْفَرَدَ بِهِ الأَوْزَاعِيُّ:
أَنَّ الفَخِذَ لَيْسَتْ فِي الحَمَّامِ عَوْرَةً،
وَأَنَّهَا فِي المَسْجِدِ عَوْرَةٌ، وَلَهُ مَسَائِلُ
كَثِيْرَةٌ حَسَنَةٌ يَنفَرِدُ بِهَا، وَهِيَ مَوْجُوْدَةٌ
فِي الكُتُبِ الكِبَارِ، وَكَانَ لَهُ مَذْهَبٌ
مُسْتَقِلٌّ مَشْهُوْرٌ، عَمِلَ بِهِ فُقَهَاءُ الشَّامِ
مُدَّةً، وَفُقَهَاءُ الأَنْدَلُسِ، ثُمَّ فَنِيَ.
سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ
عُقْبَةُ بنُ عَلْقَمَةَ البَيْرُوْتِيُّ:
أَرَادُوا الأَوْزَاعِيَّ عَلَى القَضَاءِ، فَامْتنَعَ،
وَأَبَى، فَتَرَكُوْهُ.
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ المَوْتِ،
كَفَاهُ اليَسِيْرُ، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّ مَنْطِقَهُ مِنْ
عَمَلِهِ، قَلَّ كَلاَمُهُ.
أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ: عَنِ الهِقْلِ بنِ
زِيَادٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ:
أَنَّهُ وَعَظَ، فَقَالَ فِي مَوْعِظَتِهِ: أَيُّهَا
النَّاسُ! تَقَوَّوْا بِهَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي
أَصْبَحتُم فِيْهَا عَلَى الهَرَبِ مِنْ نَارِ اللهِ
المُوْقَدَةِ، الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ،
فَإِنَّكُم فِي دَارٍ، الثَّوَاءُ فِيْهَا قَلِيْلٌ،
وَأَنْتُم مُرْتَحِلُوْنَ وَخَلاَئِفُ بَعْدَ القُرُوْنِ،
الَّذِيْنَ اسْتَقَالُوا مِنَ الدُّنْيَا زَهْرَتَهَا،
كَانُوا أَطوَلَ مِنْكُم أَعمَاراً، وَأَجَدَّ أَجسَاماً،
وَأَعْظَمَ آثَاراً، فَجَدَّدُوا الجِبَالَ، وَجَابُوا
الصُّخُورَ (1) ، وَنَقَّبُوا فِي البِلاَدِ،
مُؤَيَّدِيْنَ بِبَطشٍ شَدِيْدٍ، وَأَجسَامٍ كَالعِمَادِ،
فَمَا لَبِثَتِ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي أَنْ طَوَتْ
مُدَّتَهُم، وَعَفَّتْ آثَارَهُم، وَأَخْوَتْ
مَنَازِلَهُم، وَأَنْسَتْ ذِكْرَهُم: {فَمَا تُحِسُّ
مِنْهُم مِنْ أَحَدٍ، وَلاَ تَسْمَعُ لَهُمْ
__________
(1) جابوا الصخور: نقبوها.
قال الله تعالى: (وثمود الذين جابوا الصخر بالواد) [
الفجر: 9 ].
قال الفراء: جابوا: خرقوا الصخر فاتخذوه بيوتا. انظر: "
لسان العرب ".
(7/117)
رِكْزاً (1) }، كَانُوا بِلَهوِ الأَمَلِ
آمِنِيْنَ، وَلِمِيْقَاتِ يَوْمٍ غَافِلِيْنَ، وَلِصَبَاحِ
قَوْمٍ نَادِمِيْنَ، ثُمَّ إِنَّكُم قَدْ عَلِمْتُم مَا
نَزَلَ بِسَاحْتِهِم بَيَاتاً مِنْ عُقُوبَةِ اللهِ،
فَأَصْبَحَ كَثِيْرٌ مِنْهُم فِي دِيَارِهِم جَاثِمِيْنَ،
وَأَصْبَحَ البَاقُوْنَ يَنْظُرُوْنَ فِي آثَارِ نِقَمِهِ،
وَزَوَالِ نِعَمِهِ، وَمَسَاكِنَ خَاوِيَةً، فِيْهَا آيَةٌ
لِلَّذِيْنَ يَخَافُوْنَ العَذَابَ الأَلِيمَ، وَعِبْرَةٌ
لِمَنْ يَخشَى، وَأَصْبَحتُم فِي أَجَلٍ مَنْقُوْصٍ،
وَدُنْيَا مَقْبُوْضَةٍ، فِي زَمَانٍ قَدْ وَلَّى
عَفْوُهُ، وَذَهَبَ رَخَاؤُهُ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ
إِلاَّ حُمَةُ شَرٍّ، وَصُبَابَةُ كَدَرٍ، وَأَهَاوِيلُ
غِيَرٍ، وَأَرْسَالُ فِتَنٍ، وَرُذَالَةُ خَلَفٍ.
الحَكَمُ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ
مُسْلِمٍ، قَالَ:
مَا كُنْتُ أَحْرِصُ عَلَى السَّمَاعِ مِنَ
الأَوْزَاعِيِّ، حَتَّى رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ،
وَالأَوْزَاعِيُّ إِلَى جَنْبِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ
اللهِ! عَمَّنْ أَحْمِلُ العِلْمَ؟
قَالَ: (عَنْ هَذَا)، وَأَشَارَ إِلَى الأَوْزَاعِيِّ.
قُلْتُ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ كَبِيْرَ الشَّأْنِ.
قَالَ عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ التِّنِّيْسِيُّ،
حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ:
رَأَيتُ كَأَنَّ مَلَكَينِ عَرَجَا بِي، وَأَوْقَفَانِي
بَيْنَ يَدَي رَبِّ العِزَّةِ، فَقَالَ لِي: أَنْتَ
عَبْدِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الَّذِي تَأْمُرُ
بِالمَعْرُوْفِ؟
فَقُلْتُ: بِعِزَّتِكَ أَنْتَ أَعْلَمُ.
قَالَ: فَهَبَطَا بِي حَتَّى رَدَّانِي إِلَى مَكَانِي.
رَوَاهَا: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنِ الحَسَنِ بنِ
عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْهُ.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ البَيْرُوْتِيُّ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَكَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
شُعَيْبٍ، قَالَ:
جلَسْتُ إِلَى شَيْخٍ فِي الجَامِعِ، فَقَالَ: أَنَا
مَيِّتٌ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا.
__________
(1) الركز: الصوت الخفي، وقيل هو الصوت ليس بالشديد.
قال الله تعالى: (هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) [
مريم: 98 ]، قال الفراء: الركز: الصوت، والركز: صوت
الإنسان تسمعه من بعيد نحو ركز الصائد إذا ناجى كلابه. "
لسان العرب ".
(7/118)
فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ اليَوْمُ،
أَتَيتُهُ، فَإِذَا بِهِ يَتَفَلَّى فِي الصَّحْنِ،
فَقَالَ: مَا أَخَذْتُمُ السَّرِيْرَ -يَعْنِي: النَّعْشَ-
خُذُوهُ قَبْلَ أَنْ تُسْبَقُوا إِلَيْهِ.
قُلْتُ: مَا تَقُوْلُ رَحِمَكَ اللهُ؟
قَالَ: هُوَ الَّذِي أَقُوْلُ لَكَ، رَأَيتُ فِي المَنَامِ
كَأَنَّ طَائِراً وَقَعَ عَلَى رُكْنٍ مِنْ أَركَانِ
هَذِهِ القُبَّةِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: فُلاَنٌ
قَدَرِيٌّ، وَفُلاَنٌ كَذَا، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي
العَاتِكَةِ نِعْمَ الرَّجُلِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ
الأَوْزَاعِيُّ خَيْرُ مَنْ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ،
وَأَنْتَ مَيِّتٌ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا.
قَالَ: فَمَا جَاءتِ الظُّهرُ حَتَّى مَاتَ، وَأُخْرِجَ
بِجَنَازَتِه.
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ مِنَ
العِبَادَةِ عَلَى شَيْءٍ مَا سَمِعْنَا بِأَحَدٍ قَوِيَ
عَلَيْهِ، مَا أَتَى عَلَيْهِ زَوَالٌ قَطُّ إِلاَّ وَهُوَ
قَائِمٌ يُصَلِّي.
قَالَ مَرْوَانُ الطَّاطَرِيُّ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ:
مَنْ أَطَال قِيَامَ اللَّيْلِ، هَوَّنَ اللهُ عَلَيْهِ
وُقُوفَ يَوْمِ القِيَامَةِ.
صَفْوَانُ بنُ صَالِحٍ، قَالَ:
كَانَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ
أَكْثَرَ اجْتِهَاداً فِي العِبَادَةِ مِنَ
الأَوْزَاعِيِّ.
مُحَمَّدُ بنُ سَمَاعَةَ الرَّمْلِيُّ: سَمِعْتُ ضَمْرَةَ
بنَ رَبِيْعَةَ يَقُوْلُ:
حَجَجْنَا مَعَ الأَوْزَاعِيِّ سَنَةَ خَمْسِيْنَ
وَمائَةٍ، فَمَا رَأَيتُهُ مُضْطَجِعاً فِي المَحْمِلِ (1)
فِي لِيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ قَطُّ، كَانَ يُصَلِّي، فَإِذَا
غَلَبَهُ النَّوْمُ، اسْتَنَدَ إِلَى القَتْبِ.
وَعَنْ سَلَمَةَ بنِ سَلاَّمٍ، قَالَ: نَزَلَ
الأَوْزَاعِيُّ عَلَى أَبِي، فَفَرَشْنَا لَهُ فِرَاشاً،
فَأَصْبَحَ عَلَى حَالِهِ، وَنَزَعْتُ خُفَّيْهِ، فَإِذَا
هُوَ مُبَطَّنٌ بِثَعْلَبٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ:
حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ المُنْذِرِ، قَالَ:
رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ كَأَنَّهُ أَعْمَى مِنَ
الخُشُوْعِ.
ابْنُ زَبْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ خَالِدٍ: سَمِعْتُ
أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ: مَا رُئِيَ
__________
(1) المحمل: شقان على البعير يحمل فيهما العديلان.
(7/119)
الأَوْزَاعِيُّ بَاكِياً قَطُّ، وَلاَ
ضَاحِكاً حَتَّى تَبدُوَ نَوَاجِذُه، وَإِنَّمَا كَانَ
يَتَبَسَّمُ أَحْيَاناً - كَمَا رُوِيَ فِي الحَدِيْثِ (1)
- وَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ صَلاَةً، وَقُرْآناً،
وَبُكَاءً.
وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ إِخْوَانِي مِنْ أَهْلِ بَيْرُوْتَ:
أَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ تَدْخُلُ مَنْزِلَ الأَوْزَاعِيِّ،
وَتَتَفَّقَدُ مَوْضِعَ مُصَلاَّهُ، فَتَجِدُهُ رَطْباً
مِنْ دُمُوْعِهِ فِي اللَّيْلِ.
أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الأَوْزَاعِيِّ،
قَالَ:
قَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ! لَوْ كُنَّا نَقْبَلُ مِنَ
النَّاسِ كُلَّ مَا يَعرِضُونَ عَلَيْنَا، لأَوشَكَ أَنْ
نَهُوْنَ عَلَيْهِم.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: حَدَّثَنَا أَبِي: سَمِعْتُ
الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
عَلَيْك بِآثَارِ مَنْ سَلَفَ، وَإِنْ رَفَضَكَ النَّاسُ،
وَإِيَّاكَ وَآرَاءَ الرِّجَالِ، وَإِنْ زَخْرَفُوهُ لَكَ
بِالقَوْلِ، فَإِنَّ الأَمْرَ يَنجَلِي، وَأَنْتَ عَلَى
طَرِيْقٍ مُسْتَقِيْمٍ.
قَالَ بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ: قَالَ لِي
الأَوْزَاعِيُّ:
يَا بَقِيَّةُ! لاَ تَذْكُرْ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ
نَبِيِّكَ إِلاَّ بِخَيْرٍ، يَا بَقِيَّةُ! العِلْمُ مَا
جَاءَ عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَمَا لَمْ يَجِئْ عَنْهُم، فَلَيْسَ بِعِلْمٍ.
قَالَ بَقِيَّةُ، وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ:
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: لاَ يَجْتَمِعُ حُبُّ عَلِيٍّ
وَعُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- إِلاَّ فِي قَلْبِ
مُؤْمِنٍ.
كَتَبَ إِلَيَّ القَاضِي عَبْدُ الوَاسِعِ الشَّافِعِيُّ،
وَعِدَّةٌ، عَنْ أَبِي الفَتْحِ المَنْدَائِيِّ (2) ،
أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي
بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ البَيْهَقِيُّ،
أَنْبَأَنَا جَدِّي فِي كِتَابِ (الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ
(3)) لَهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
__________
(1) أخرجه البخاري في " صحيحه ": 10 / 421، في الأدب: باب
التبسم والضحك، عن عائشة قالت: " ما رأيت رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته،
إنما كان يتبسم ".
(2) المندائي: بنون، وهمزة قبل ياء النسب، وهو مسند العراق
أبو الفتح محمد بن أحمد.
(تبصير المنتبه: 1399).
(3) ص 408.
(7/120)
الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عَلِيٍّ الجَوْهَرِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيْمُ بنُ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
كَثِيْرٍ المَصِّيْصِيُّ، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ
يَقُوْلُ:
كُنَّا وَالتَّابِعُوْنَ مُتَوَافِرُوْنَ، نَقُوْلُ: إِنَّ
اللهَ -تَعَالَى- فَوْقَ عَرْشِه، وَنُؤمِنُ بِمَا
وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ صِفَاتِهِ.
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ
يَقُوْلُ:
إِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ شَرّاً، فَتَحَ عَلَيْهِمُ
الجَدَلَ، وَمَنَعهُمُ العَمَلَ.
مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ
مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ:
كَتَبَ إِلَيَّ قَتَادَةُ مِنَ البَصْرَةِ: إِنْ كَانَتِ
الدَّارُ فَرَّقَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، فَإِنَّ
أُلْفَةَ الإِسْلاَمِ بَيْنَ أَهْلِهَا جَامِعَةٌ.
قُلْتُ: قَوْلُهُ: كَتَبَ إِلَيَّ - وَفِي بَعْضِ
حَدِيْثِهِ يَقُوْلُ: كَتَبَ إِلَيَّ قَتَادَةُ - هُوَ
عَلَى المَجَازِ، فَإِنَّ قَتَادَةَ وُلِدَ أَكْمَهَ،
وَإِنَّمَا أَمَرَ مَنْ يَكْتُبُ إِلَى الأَوْزَاعِيِّ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا: أَنَّ رِوَايَةَ ذَلِكَ عَنِ
الأَعْمَى، إِنَّمَا وَقَعَتْ بِوَاسِطَةِ مَنْ كَتَبَ،
وَلَمْ يُسَمِّ فِي الحَدِيْثِ، فَفِي ذَلِكَ انْقِطَاعٌ
بَيِّنٌ.
خَيْثَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ
الوَلِيْدِ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ
يَقُوْلُ:
جِئْتُ إِلَى بَيْرُوْتَ أُرَابِطُ فِيْهَا، فَلَقِيْتُ
سَوْدَاءَ عِنْدَ المَقَابِرِ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا
سَوْدَاءُ! أَيْنَ العِمَارَةُ؟
قَالَتْ: أَنْتَ فِي العِمَارَةِ، وَإِنْ أَرَدْتَ
الخرَابَ، فَبَينَ يَدَيْكَ.
أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبُّوْدٍ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ:
وَقَعَ عِنْدَنَا رِجْلٌ (1) مِنْ جَرَادٍ بِبَيْرُوْتَ،
وَكَانَ عِنْدَنَا رَجُلٌ لَهُ فَضْلٌ، فَحَدَّثَ: أَنَّهُ
رَأَى رَجُلاً رَاكِباً، فَذَكَرَ مِنْ عِظَمِ الجَرَادَةِ
وَعِظَمِ الرَّجُلِ.
قَالَ: وَعَلَيْهِ خُفَّانِ أَحْمَرَانِ طَوِيْلاَنِ،
وَهُوَ يَقُوْلُ: الدُّنْيَا بَاطِلَةٌ، وَبَاطِلٌ مَا
فِيْهَا.
وَيُوْمِئُ
__________
(1) الرجل: بكسر الراء، وسكون الجيم: الطائفة العظيمة من
الجراد.
(7/121)
بِيَدِهِ، حَيْثمَا أَومَأَ، انْسَابَ
الجَرَادُ إِلَى ذَلِكَ المَوْضِعِ.
رَوَاهَا: عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ الفَرَائِضِيُّ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرٍ، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ: أَنَّهُ
هُوَ الَّذِي رَأَى ذَلِكَ.
ابْنُ ذَكْوَانَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي السَّائِبِ، عَنْ
أَبِيْهِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، يَقُوْلُ مَكْحُوْلٌ: مَا
أَحرَصَ ابْنَ أَبِي مَالِكٍ عَلَى القَضَاءِ!
فَقَالَ: لقَدْ كُنْتُ مِمَّنْ سَدَّدَ لِي رَأْيِي.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: أُرِيْدَ عَلَى القَضَاءِ فِي
أَيَّامِ يَزِيْدَ النَّاقِصِ (1) ، فَامْتَنَعَ -يَعْنِي:
الأَوْزَاعِيُّ- جَلَسَ لَهُم مَجْلِساً وَاحِداً.
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ المَوْتِ،
كَفَاهُ اليَسِيْرُ، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّ (2) مَنْطِقَهُ
مِنْ عَمَلِهِ، قَلَّ كَلاَمُهُ.
أَبُو يَعْقُوْبَ الأَذْرَعِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الغَمْرِ الطَّبَرَانِيُّ،
حَدَّثَنَا هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ
الغَمْرِ، قَالَ:
لَمَّا جَلَّتِ المِحنَةُ الَّتِي نَزَلَتْ
بِالأَوْزَاعِيِّ - لَمَّا نَزَلَ عَبْدُ اللهِ بنُ
عَلِيٍّ حَمَاةَ - بَعَثَ إِلَيْهِ، فَأُشْخِصَ (3) .
قَالَ: فَنَزَلَ عَلَى ثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ الحِمْصِيِّ.
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: فَلَمْ يَزَلْ ثَوْرٌ يَتَكَلَّمُ
فِي القَدَرِ مِنْ بَعْدِ صَلاَةِ العِشَاءِ الآخِرَةِ،
إِلَى أَنْ طَلَعَ الفَجْرُ وَأَنَا سَاكِتٌ - مَا
أَجَابَهُ بِحَرْفٍ (4) - فَلَمَّا انْفَجَرَ الفَجْرُ،
صَلَّيْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُ حَمَاةَ (5) ، فَأُدْخِلْتُ
عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ، فَقَالَ:
يَا أَوْزَاعِيُّ! أَيُعَدُّ مَقَامُنَا هَذَا،
__________
(1) يزد الناقص: هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان،
من خلفاء الدولة المروانية الاموية بالشام، ويقال له
الناقص لان سلفه الوليد بن يزيد كان قد زاد في أعطيات
الجند، فلما ولي يزيد نقص الزيادة. مات بالطاعون، وقيل:
مسموما سنة (126 ه).
انظر: الطبري: حوادث سنة (126 ه)، والكامل لابن الأثير: 5
/ 115، وتاريخ الإسلام: 5 / 188، والبداية والنهاية: 10 /
11.
(2) في الأصل: " أنه "، وهو تحريف.
وقد مر الخبر قريبا.
(3) في " تاريخ ابن عساك ": " فأشخص إليه ".
(4) زيادة من " تاريخ ابن عساكر ".
(5) جاء في " تاريخ ابن عساكر " هنا: " فدخل الآذن، فأذن
للاوزاعي. قال: فدخلت على =
(7/122)
وَمَسِيْرُنَا رِبَاطاً؟
فَقُلْتُ: جَاءتِ الآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ كَانَتْ
هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى
اللهِ وَرَسُوْلِهِ (1))...، ثُمَّ سَاقَ القِصَّةَ (2) .
يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ
المَلِكِ بنُ الفَارِسِيِّ - وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ - حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ،
حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ:
لَمَّا فَرَغَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ -يَعْنِي: عَمَّ
السَّفَّاحِ- مِنْ قَتْلِ بَنِي أُمَيَّةَ، بَعَثَ
إِلَيَّ، وَكَانَ قَتَلَ يَوْمَئِذٍ نَيِّفاً
__________
= عبد الله وهو على سريره، وفي يده خيزرانة ينكت بها
الأرض، وحوله المسودة بالسيوف المصلتة، والعمد الحديد،
والسيف والنطع بين يديه، فسلمت، فنكت في الأرض، ثم رفع
رأسه إلي ثم قال: يا أوزاعي ! أتعد مقامنا هذا...".
(1) أخرجه البخاري: 1 / 7 - 15، في بدء الوحي: باب كيف كان
بدء الوحي، ومسلم: (1907)، وأبو داود: (2201)، والترمذي:
(1647)، والنسائي: 1 / 58 - 60، وابن ماجه: (2427)، ومالك
في " الموطأ ": 401، برواية الامام محمد بن الحسن، من طريق
محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي، عن عمر
بن الخطاب، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "
إنما الاعمال بالنية، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت
هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما
هاجر إليه ".
(2) تتمة القصة في " تاريخ " ابن عساكر: خ: 10 / 48 ب - 49
آ، " قال: فنكت بالخيزرانة نكتا هو أشد من نكت الأول، وجعل
من حوله يعضون على أيديهم، ثم رفع رأسه، فقال: يا أوزاعي !
ما تقول في دماء بني أمية ؟ قلت: جاءت الآثار عن رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - أنه " لا يحل دم امرئ مسلم إلا
بإحدى ثلاث..." [ الحديث ]، فنكت بالخيزرانة نكتا هو أشد
من ذلك، وأطرق مليا، ثم رفع رأسه، فقال: يا أوزاعي ! ما
تقول في أموال بني أمية ؟ فقلت: إن كانت لهم حراما فهي
عليك حرام، وإن كانت لهم حلالا فما أحلها الله لك إلا
بحقها.
قال: فنكت بالخيزرانة نكتا هو أشد من ذلك، وأطرق مليا، ثم
رفع رأسه فقال: يا أوزاعي ! هممت أن أوليك القضاء، فقلت:
أصلح الله الأمير، وقد كان انقطاعي إلى سلفك ومن مضى من
أهل بيتك، وكانوا بحقي عارفين، فإن رأى الأمير أن يستتم ما
ابتدأه آباؤه فليفعل، قال: كأنك تريد الاذن ؟ فقلت: إن
ورائي لحرما بهم حاجة إلى قيامي بهم، وستري لهم، قال: فذاك
لك، قال: فخرجت، فركبت دابتي وانصرفت، قال: فلم أعلم حين
وصلت إلى بيروت إلا وعثمان على البريد، قال: قلت: بدا
للرجل في ؟ فقال: إن الأمير غفل عن جائزتك، وقد بعث لك
بمئتي دينار.
قال أحمد: قال ابن أبي العشرين - يعني عبد الحميد -: فلم
يبرح الاوزاعي مكانه حتى فرقها في الايتام والارامل
والفقراء، ثم وضع الرسائل في رد ما سمع من ثور بن يزيد في
القدر ".
والمؤلف قد أورد أخبار هذه القصة مفرقة في أثناء الترجمة.
(7/123)
وَسَبْعِيْنَ مِنْهُم بِالكَافِركُوبَاتَ
(1) .
فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي دِمَاءِ
بَنِي أُمَيَّةَ؟
فَحِدْتُ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمتُ مِنْ حَيْثُ حِدْتَ،
فَأَجِبْ.
قَالَ: وَمَا لَقِيْتُ مُفَوَّهاً مِثْلَه، فَقُلْتُ:
كَانَ لَهُم عَلَيْكَ عَهْدٌ.
قَالَ: فَاجْعَلْنِي وَإِيَّاهُم وَلاَ عَهْدَ، مَا
تَقُوْلُ فِي دِمَائِهِم؟
قُلْتُ: حَرَامٌ؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ
إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ (2) ...)، الحَدِيْثَ.
فَقَالَ: وَلِمَ، وَيْلَكَ؟!
وَقَالَ: أَلَيْسَتِ الخِلاَفَةُ وَصِيَّةً مِنْ رَسُوْلِ
اللهِ، قَاتَلَ عَلَيْهَا عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-
بِصِفِّيْنَ (3) ؟
قُلْتُ: لَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً مَا رَضِيَ
بِالحَكَمَيْنِ.
فَنَكَسَ رَأْسَهُ، وَنَكَسْتُ، فَأَطَلْتُ، ثُمَّ قُلْتُ:
البَولَ.
فَأَشَارَ بِيَدِهِ: اذْهَبْ.
فَقُمْتُ، فَجَعَلتُ لاَ أَخطُو خُطوَةً إِلاَّ قُلْتُ:
إِنَّ رَأْسِي يَقَعُ عِنْدَهَا.
سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عِيْسَى:
حَدَّثَنَا أَبُو خُلَيْدٍ عُتْبَةُ بنُ حَمَّادٍ
القَارِئُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ:
بَعَثَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ إِلَيَّ، فَاشْتَدَّ
ذَلِكَ عَلَيَّ، وَقَدِمْتُ، فَدَخَلْتُ وَالنَّاسُ
سِمَاطَانِ (4) ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي مَخْرَجِنَا
وَمَا نَحْنُ فِيْهِ؟
قُلْتُ: أَصلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، قَدْ كَانَ بَيْنِي
وَبَيْنَ دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ مَوَدَّةٌ.
قَالَ: لَتُخْبِرَنِّي.
فَتَفَكَّرْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: لأَصْدُقَنَّهُ.
وَاسْتَبسَلْتُ (5) لِلْمَوْتِ، ثُمَّ رَوَيتُ لَهُ عَنْ
يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ حَدِيْثَ الأَعْمَالِ (6) ،
وَبِيَدِهِ قَضِيبٌ يَنكُتُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ:
يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! مَا تَقُوْلُ فِي قَتْلِ أَهْلِ
هَذَا البَيْتِ؟
قُلْتُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ، عَنْ
مُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (لاَ
__________
(1) الكافر كوبات: ج الكافر كوب: وهو المقرعة.
انظر: " تاريخ الإسلام ": 6 / 234.
(2) تمامة: " الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه
المفارق للجماعة ".
أخرجه البخاري: 12 / 176 - 177، في الديات: باب قوله
تعالى: (أن النفس بالنفس والعين بالعين) ومسلم: (1676)، في
القسامة: باب ما يباح به دم المسلم، من حديث عبد الله بن
مسعود.
(3) انظر: ص 80، حا: 2.
(4) سماطان: صفان، سماط القوم: صفهم، وهم على سماط واحد:
على نظم.
(5) يقال: أبسل نفسه للموت، واستبسل: إذا وطن نفسه عليه،
واستيقن.
(6) تقدم تخريجه: في الصفحة السابقة.
(7/124)
يَحِلُّ قَتْلُ المُسْلِمِ إِلاَّ فِي
ثَلاَثٍ...)، وَسَاقَ الحَدِيْثَ.
فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الخِلاَفَةِ، وَصِيَّةٌ لَنَا
مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
فَقُلْتُ: لَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا تَرَكَ عَلِيٌّ
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَحَداً يَتَقَدَّمُهُ.
قَالَ: فَمَا تَقُوْلُ فِي أَمْوَالِ بَنِي أُمَيَّةَ؟
قُلْتُ: إِنْ كَانَتْ لَهُم حَلاَلاً، فَهِيَ عَلَيْكَ
حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِم حَرَاماً، فَهِيَ
عَلَيْكَ أَحرَمُ.
فَأَمَرَنِي، فَأُخْرِجْتُ.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ مَلِكاً
جَبَّاراً، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، صَعبَ المِرَاسِ،
وَمَعَ هَذَا فَالإِمَامُ الأَوزَاعِيُّ يَصْدَعُهُ
بِمُرِّ الحَقِّ كَمَا تَرَى، لاَ كَخَلْقٍ مِنْ عُلَمَاءِ
السُّوءِ الَّذِيْنَ يُحَسِّنُوْنَ لِلأُمَرَاءِ مَا
يَقْتَحِمُوْنَ بِهِ مِنَ الظُّلمِ وَالعَسْفِ،
وَيَقلِبُوْنَ لَهُمُ البَاطِلَ حَقّاً - قَاتَلَهُمُ
اللهُ - أَوْ يَسكُتُوْنَ مَعَ القُدْرَةِ عَلَى بَيَانِ
الحَقِّ.
خَيْثَمَةُ: حَدَّثَنَا الحَوْطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو
الأَسْوَارِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ التَّنُوْخِيُّ، قَالَ:
كَتَبَ المَنْصُوْرُ إِلَى الأَوْزَاعِيِّ: أَمَّا بَعْدُ،
فَقَدْ جَعَلَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي عُنُقِكَ مَا
جَعَلَ اللهُ لِرَعِيَّتِهِ قَبْلَكَ فِي عُنُقِهِ،
فَاكتُبْ إِلَيَّ بِمَا رَأَيتَ فِيْهِ المَصْلَحَةَ
مِمَّا أَحْبَبْتَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَعَلَيْكَ بِتَقْوَى
اللهِ، وَتوَاضَعْ، يَرْفَعْكَ اللهُ يَوْمَ يَضَعُ
المُتَكَبِّرِيْنَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ،
وَاعْلَمْ أَنَّ قَرَابَتَكَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَنْ تَزِيْدَ حَقَّ اللهِ
عَلَيْكَ إِلاَّ عِظَماً، وَلاَ طَاعَتَه إِلاَّ وُجُوباً.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ
يَقُوْلُ: مَنْ أَخَذَ بِنوَادِرِ العُلَمَاءِ، خَرَجَ
مِنَ الإِسْلاَمِ.
وَعَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: مَا ابْتَدَعَ رَجُلٌ
بِدْعَةً، إِلاَّ سُلِبَ الوَرَعَ.
رَوَاهَا: بَقِيَّةُ، عَنْ مَعْمَرِ بنِ عُرَيْبٍ، عَنْهُ.
الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ
يَقُوْلُ:
إِنَّ المُؤْمِنَ يَقُوْلُ قَلِيْلاً، وَيَعمَلُ
كَثِيْراً، وَإِنَّ المُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ كَثِيْراً،
وَيَعْمَلُ قَلِيْلاً.
(7/125)
قَالَ بِشْرُ بنُ المُنْذِرِ - قَاضِي
المَصِّيْصَةِ -: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ كَأَنَّهُ
أَعْمَى مِنَ الخُشُوْعِ.
وَقَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ
يَقُوْلُ:
كَانَ يُقَالُ: وَيْلٌ لِلْمُتَفَقِّهِيْنَ لِغَيْرِ
العِبَادَةِ، وَالمُسْتَحِلِّينَ الحُرُمَاتِ
بِالشُّبُهَاتِ.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ،
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الأَوْزَاعِيِّ:
قَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ! أُحَدِّثُكَ بِشَيْءٍ لاَ
تُحَدِّثْ بِهِ مَا عِشْتُ: رَأَيتُ كَأَنَّهُ وُقِفَ بِي
(1) عَلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَأُخِذَ بِمِصْرَاعَي
البَابِ، فَزَالَ عَنْ مَوْضِعِه، فَإِذَا رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ أَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ يُعَالِجُوْنَ رَدَّهُ، فَرَدُّوْهُ،
فَزَالَ، ثُمَّ أَعَادُوْهُ.
قَالَ: فَقَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! أَلاَ
تُمْسِكُ مَعَنَا؟).
فَجِئْتُ حَتَّى أُمْسِكَ مَعَهُم، حَتَّى رَدُّوْهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا الحَوَارِيُّ بنُ أَبِي
الحَوَارِيِّ، قَالَ:
دَخَلَ الأَوْزَاعِيُّ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَلَمَّا
أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ، اسْتَعفَى مِنْ لُبْسِ
السَّوَادِ، فَأَجَابَهُ أَبُو جَعْفَرٍ.
فَلَمَّا خَرَجَ الأَوْزَاعِيُّ، قَالُوا لَهُ، فَقَالَ:
لَمْ يُحْرِمْ فِيْهِ مُحْرِمٌ، وَلاَ كُفِّنَ فِيْهِ
مَيِّتٌ، وَلَمْ يُزَيَّنْ فِيْهِ عَرُوْسٌ.
عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
العِشْرِيْنَ:
سَمِعْتُ أَمِيْراً كَانَ بِالسَّاحِلِ يَقُوْلُ - وَقَدْ
دَفَنَّا الأَوْزَاعِيَّ، وَنَحْنُ عِنْدَ القَبْرِ -:
رَحِمَكَ اللهُ أَبَا عَمْرٍو، فَلَقَدْ كُنْتُ أَخَافُكَ
أَكْثَرَ مِمَّنْ وَلاَّنِي.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ: كُنْتُ
عِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ:
رَأَيتُ كَأَنَّ رَيْحَانَةً مِنَ المَغْرِبِ رُفِعَتْ.
قَالَ: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ، فَقَدْ مَاتَ
الأَوْزَاعِيُّ.
فَكَتَبُوا ذَلِكَ، فَوُجِدَ كَذَلِكَ فِي ذَلِكَ
اليَوْمِ.
قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ:
مَاتَ الأَوْزَاعِيُّ فِي الحَمَّامِ.
__________
(1) الخبر في تقدمة " الجرح والتعديل ": 209، والزيادة
منه.
(7/126)
أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى المِصْرِيُّ:
حَدَّثَنِي خَيْرَانُ بنُ العَلاَءِ - وَكَانَ مِنْ
خِيَارِ أَصْحَابِ الأَوْزَاعِيِّ - قَالَ:
دَخَلَ الأَوْزَاعِيُّ الحَمَّامَ، وَكَانَ لِصَاحِبِ
الحَمَّامِ حَاجَةٌ، فَأَغلَقَ عَلَيْهِ البَابَ وَذَهَبَ،
ثُمَّ جَاءَ، فَفَتَحَ، فَوَجَدَ الأَوْزَاعِيَّ مَيِّتاً،
مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ.
ابْنُ زَبْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ خَالِدٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، قَالَ:
بَلَغَنَا مَوْتُ الأَوْزَاعِيِّ، وَأَنَّ امْرَأَتَهُ
أَغْلَقَتْ عَلَيْهِ بَابَ الحَمَّامِ غَيْرَ
مُتَعَمِّدَةٍ، فَمَاتَ، فَأَمَرَهَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ بِعَتقِ رَقَبَةٍ، وَلَمْ يُخَلِّفْ سِوَى
سِتَّةِ دَنَانِيْرَ فَضَلَتْ مِنْ عَطَائِهِ، وَكَانَ
قَدِ اكْتُتِبَ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي دِيْوَانِ
السَّاحِلِ.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ
عُقْبَةَ بنَ عَلْقَمَةَ، قَالَ:
سَبَبُ مَوْتِ الأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ اخْتَضَبَ وَدَخَلَ
الحَمَّامَ الَّذِي فِي مَنْزِلِهِ، وَأَدْخَلَتْ مَعَهُ
امْرَأَتُهُ كَانُوناً فِيْهِ فَحمٌ، لِئَلاَّ يُصِيْبَهُ
البَرْدُ، وَأَغلَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ بَرَّا، فَلَمَّا
هَاجَ الفَحمُ، ضَعُفَتْ نَفْسُهُ، وَعَالَجَ البَابَ
لِيَفْتَحَهُ، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ، فَأَلْقَى نَفْسَهُ،
فَوَجَدْنَاهُ مُوَسِّداً ذِرَاعَهُ إِلَى القِبْلَةِ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: وَحَدَّثَنِي سَالِمُ
بنُ المُنْذِرِ، قَالَ:
لَمَّا سَمِعْتُ الضَّجَّةَ بِوَفَاةِ الأَوْزَاعِيِّ،
خَرَجْتُ، فَأَوَّلُ مَنْ رَأَيتُ نَصْرَانِيّاً قَدْ
ذَرَّ عَلَى رَأْسِهِ الرَّمَادَ، فَلَمْ يَزَلِ
المُسْلِمُوْنَ مِنْ أَهْلِ بَيْرُوْتَ يَعْرِفُوْنَ لَهُ
ذَلِكَ، وَخَرَجنَا فِي جَنَازَتِه أَرْبَعَةَ أُمَمٍ،
فَحَمَلَهُ المُسْلِمُوْنَ، وَخَرَجَتِ اليَهُوْدُ فِي
نَاحِيَةٍ، وَالنَّصَارَى فِي نَاحِيَةٍ، وَالقِبْطُ فِي
نَاحِيَةٍ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: مَاتَ الأَوْزَاعِيُّ سَنَةَ
إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: هَذَا خَطَأٌ.
وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: عَنِ الوَلِيْدِ بنِ
مُسْلِمٍ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ.
فَوَهِمَ هِشَامٌ؛ لأَنَّ صَفْوَانَ بنَ صَالِحٍ رَوَى
عَنِ الوَلِيْدِ: هُوَ، وَغَيْرُهُ، وَالوَلِيْدُ بنُ
مَزْيَدٍ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو مُسْهِرٍ،
وَعِدَّةٌ، قَالُوا: مَاتَ سَنَةَ
(7/127)
سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَزَادَ بَعْضُهُم، فَقَالَ: فِي صَفَرٍ، وَفِيْهَا مَاتَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ
الآدَمِيُّ، قَالَ:
قَالَ يَزِيْدُ بنُ مَذْعُوْرٍ: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ
فِي مَنَامِي، فَقُلْتُ: دُلَّنِي عَلَى دَرَجَةٍ
أَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللهِ.
فَقَالَ: مَا رَأَيتُ هُنَاكَ أَرْفَعَ مِنْ دَرَجَةِ
العُلَمَاءِ، وَمِنْ بَعْدِهَا دَرَجَةُ المَحْزُوْنِيْنَ.
تَرْجَمَةُ الأَوْزَاعِيِّ فِي (تَارِيْخِ الحَافِظِ ابْنِ
عَسَاكِرَ) فِي أَرْبَعَةِ كَرَارِيْسَ (1) .
وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ العِلْمَ بِالشَّامِ،
وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يَعْتَمُّ بِعِمَامَةٍ
مُدَوَّرَةٍ بِلاَ عَذَبَةٍ (2) - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى
-.
الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ
إِملاَءً، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَلَفِ بنِ
المَرْزُبَانِ، أَنْبَأَنَا أَبُو نَشِيْطٍ مُحَمَّدُ بنُ
هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، قَالَ:
اجْتَمَعَ الثَّوْرِيُّ (3) ، وَالأَوْزَاعِيُّ،
وَعَبَّادُ بنُ كَثِيْرٍ (4) بِمَكَّةَ، فَقَالَ
الثَّوْرِيُّ لِلأَوْزَاعِيِّ: حَدِّثْنَا يَا أَبَا
عَمْرٍو حَدِيْثَكَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ، وَقَتَلَ بَنِي
أُمَيَّةَ، جَلَسَ يَوْماً عَلَى سَرِيْرِه، وَعَبَّأَ
أَصْحَابَهُ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ مَعَهُمُ
السُّيُوفُ المُسَلَّلَةُ، وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الجَزَرَةُ -
أَظُنُّهَا الأَطبَارَ (5) - وَصِنْفٌ مَعَهُمُ
الأَعمِدَةُ، وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الكَافِركُوبُ (6) ، ثُمَّ
بَعَثَ إِلَيَّ.
فَلَمَّا صِرْتُ بِالبَابِ، أَنْزَلُونِي، وَأَخَذَ
اثْنَانِ بَعْضُدَيَّ، وَأَدخَلُونِي بَيْنَ الصُّفُوفِ،
حَتَّى أَقَامُوْنِي مُقَاماً يُسْمَعُ كَلاَمِي،
فَسَلَّمتُ، فَقَالَ: أَنْتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ؟
قُلْتُ: نَعَمْ، أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ.
قَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي دِمَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ؟
فَسَأَلَ مَسْأَلَةَ رَجُلٍ
__________
(1) خ: 10 / 34 آ وما بعدها.
(2) عذبة كل شيء: طرفه والاعتذاب: أن تسبل للعامة عذبتين
من خلفها.
(3) ستأتي ترجمته ص: 229.
(4) مرت ترجمته ص: 106.
(5) الاطبار: نوع من السلاح له فأس.
(معربة).
(6) تقدم أنه المقرعة.
(7/128)
يُرِيْدُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلاً، فَقُلْتُ:
قَدْ كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُم عُهُودٌ.
فَقَالَ: وَيْحَكَ! اجْعَلْنِي وَإِيَّاهُم لاَ عَهْدَ
بَيْنَنَا.
فَأَجْهَشَتْ (1) نَفْسِي، وَكَرِهَتِ القَتْلَ، فَذَكَرتُ
مُقَامِي بَيْنَ يَدَيِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
فَلَفَظْتُهَا، فَقُلْتُ: دِمَاؤُهُم عَلَيْكَ حَرَامٌ.
فَغَضِبَ، وَانْتَفَخَتْ عَيْنَاهُ وَأَوْدَاجُهُ، فَقَالَ
لِي: وَيْحَكَ! وَلِمَ؟!
قُلْتُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ
بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: ثَيِّبٍ زَانٍ، وَنَفْسٍ بِنَفْسٍ،
وَتَارِكٍ لِدِيْنِهِ (2)).
قَالَ: وَيْحَكَ! أَوَلَيْسَ الأَمْرُ لَنَا دِيَانَةً؟!
قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟
قَالَ: أَلَيْسَ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ؟
قُلْتُ: لَوْ أَوْصَى إِلَيْهِ، مَا حَكَّمَ الحَكَمَيْنِ.
فَسَكَتَ، وَقَدِ اجْتَمَعَ غَضَباً، فَجَعَلْتُ
أَتَوَقَّعُ رَأْسِي تَقَعُ بَيْنَ يَدَيَّ.
فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا - أَوْمَأَ أَنْ أَخْرِجُوْهُ -.
فَخَرَجتُ، فَرَكِبتُ دَابَّتِي، فَلَمَّا سِرْتُ غَيْرَ
بَعِيْدٍ، إِذَا فَارِسٌ يَتْلُوْنِي، فَنَزَلتُ إِلَى
الأَرْضِ، فَقُلْتُ: قَدْ بَعَثَ لِيَأْخُذَ رَأْسِي،
أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
فَكَبَّرْتُ، فَجَاءَ - وَأَنَا قَائِمٌ أُصَلِّي -
فَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنَّ الأَمِيْرَ قَدْ بَعَثَ
إِلَيْكَ بِهَذِهِ الدَّنَانِيْرِ، فَخُذْهَا.
فَأَخَذتُهَا، فَفَرَّقتُهَا قَبْلَ أَنْ أَدخُلَ
مَنْزِلِي.
فَقَالَ سُفْيَانُ: وَلَمْ أُرِدْكَ أَنْ تَحِيْدَ حِيْنَ
قَالَ لَكَ مَا قَالَ.
الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سَمِعَ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
لاَ يَنْبَغِي لِلإِمَامِ أَنْ يَخُصَّ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ
مِنَ الدُّعَاءِ، فَإِنْ فَعَلَ، فَقَدْ خَانَهُم.
__________
(1) أجهشت: خافت وفزعت.
(2) تقدم تخريجه ص 124، حا: 2 (3) مستنده ما أخرجه أبو
داود: (90)، في الطهارة: باب أيصلي الرجل وهو حافن،
والترمذي: (357)، في الصلاة: باب ما جاء في كراهية أن يخص
الامام نفسه بالدعاء، وابن ماجه: (923)، في إقامه الصلاة،
من طريق حبيب بن صالح، عن يزيد بن شريح الحضرمي، عن أبي حي
المؤذن، عن ثوبان، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: " ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن: لا يؤم رجل قوما فيخص
نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم، ولا ينظر في قعر
بيت قبل أن يستأذن، فإن فعل فقد دخل، ولا يصل وهو حقن حتى
يتخفف ".
وأبو حي المؤذن هو شداد ابن حي، ولم يوثقه غير ابن حبان،
ويزيد بن شريح، قال الحافظ في " التقريب ": مقبول، أي: حيث
يتابع، وإلا فهو لين.
وأخرجه أحمد أيضا: 5 / 250، 260، 261، عن السفر بن نسير،
عن يزيد بن شريح، عن أبي أمامة. والسفر بن نسير ضعيف.
(7/129)
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: حَدَّثَنِي
عَبَّاسُ بنُ نَجِيْحٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنِي عَوْنُ
بنُ حَكِيْمٍ، قَالَ:
حَجَجْتُ مَعَ الأَوْزَاعِيِّ، فَلَمَّا أَتَى
المَدِيْنَةَ، وَأَتَى المَسْجِدَ، بَلَغَ مَالِكاً
مَقْدَمُهُ، فَأَتَاهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا
صَلَّيَا الظُّهرَ، تَذَاكَرَا أَبْوَابَ العِلْمِ، فَلَمْ
يَذْكُرَا بَاباً، إِلاَّ ذَهَبَ عَلَيْهِ الأَوْزَاعِيُّ
فِيْهِ.
ثُمَّ صَلَّوُا العَصْرَ، فَتَذَاكَرَا، كُلٌّ يَذْهَبُ
عَلَيْهِ الأَوْزَاعِيُّ فِيْمَا يَأْخُذَانِ فِيْهِ،
حَتَّى اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ، أَوْ قَرُبَ اصْفِرَارُهَا،
نَاظَرَهُ مَالِكٌ فِي بَابِ المُكَاتَبَةِ وَالمُدَبَّرِ
(1) .
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِ الوَهَّابِ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، فَذَكَرَ
الأَوْزَاعِيَّ، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ كَانَ شَأْنُهُ
عَجَباً، كَانَ يُسْأَلُ عَنِ الشَّيْءِ عِنْدَنَا فِيْهِ
الأَثَرُ، فَيَرُدُّ -وَاللهِ- الجَوَابَ كَمَا هُوَ فِي
الأَثَرِ، لاَ يُقَدِّمُ مِنْهُ وَلاَ يُؤَخِّرُ.
الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُ صَدَقَةَ بنَ عَبْدِ
اللهِ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيتُ أَحَداً أَحْلَمَ وَلاَ أَكْمَلَ وَلاَ
أَحْمَلَ فِيْمَا حَمَلَ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ
يَقُوْلُ:
كَانَ الأَوْزَاعِيُّ يَقُوْلُ: مَا عَرَضتُ فِيْمَا
حُمِلَ عَنِّي أَصَحَّ مِنْ كُتُبِ الوَلِيْدِ بنِ
مَزْيَدٍ.
أَبُو فَرْوَةَ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرُّهَاوِيُّ:
سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ لِعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ:
أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: الأَوْزَاعِيُّ أَوْ سُفْيَانُ؟
فَقَالَ: وَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ سُفْيَانَ؟
قُلْتُ: يَا أَبَا عَمْرٍو! ذَهَبَتْ بِكَ العِرَاقِيَّةُ،
الأَوْزَاعِيُّ، فِقْهُهُ، وَفَضْلُه، وَعِلْمُه.
فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَتُرَانِي أُؤثِرُ عَلَى الحَقِّ
شَيْئاً، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
مَا أَخَذْنَا العَطَاءَ حَتَّى شَهِدْنَا عَلَى عَلِيٍّ
بِالنِّفَاقِ، وَتَبَرَّأْنَا مِنْهُ، وَأُخِذَ عَلَيْنَا
بِذَلِكَ
__________
(1) المكاتبة: من الكتابة، وهو أن يكاتب الرجل عبده على
مال يؤديه إليه منجما، فإذا أداه، صار حرا.
والمدبر: هو العبد الذي يعلق عتقه بموت سيده، من قولهم:
أنت حر دبر حياتي.
(7/130)
الطَّلاَقُ وَالعِتَاقُ وَأَيْمَانُ
البَيْعَةِ.
قَالَ: فَلَمَّا عَقَلْتُ أَمرِي، سَأَلْتُ مَكْحُوْلاً،
وَيَحْيَى بنَ أَبِي كَثِيْرٍ، وَعَطَاءَ بنَ أَبِي
رَبَاحٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ،
فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ، إِنَّمَا أَنْتَ
مُكْرَهٌ.
فَلَمْ تَقَرَّ عَيْنِي، حَتَّى فَارَقْتُ نِسَائِي،
وَأَعتَقْتُ رَقِيْقِي، وَخَرَجْتُ مِنْ مَالِي،
وَكَفَّرْتُ أَيْمَانِي، فَأَخْبِرْنِي: سُفْيَانُ كَانَ
يَفْعَلُ ذَلِكَ؟
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
بنُ فُلاَنٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
نَتَجَنَّبُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ العِرَاقِ خَمْساً، وَمِنْ
قَوْلِ أَهْلِ الحِجَازِ خَمْساً:
مِنْ قَوْلِ أَهْلِ العِرَاقِ: شُرْبُ المُسْكِرِ،
وَالأَكلُ عِنْدَ الفَجْرِ فِي رَمَضَانَ، وَلاَ جُمُعَةَ
إِلاَّ فِي سَبْعَةِ أَمصَارٍ، وَتَأَخَيْرُ العَصْرِ
حَتَّى يَكُوْنَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ أَرْبَعَةُ أَمثَالِه،
وَالفِرَارُ يَوْمَ الزَّحفِ.
وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ الحِجَازِ: اسْتِمَاعُ المَلاَهِي،
وَالجَمعُ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ،
وَالمُتعَةُ بِالنِّسَاءِ، وَالدِّرْهَمُ
بِالدِّرْهَمَيْنِ، وَالدِّيْنَارُ بِالدِّيْنَارَيْنِ
يَداً بِيَدٍ، وَإِتْيَانُ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهنِّ
(1).
__________
(1) قال ابن القيم في " زاد المعاد ": 4 / 257، طبع مؤسسة
الرسالة: ومن نسب إلى بعض السلف إباحة وطئ الزوجة في دبرها
فقد غلط عليه، كيف وقد ورد في الباب غير ما حديث عنه - صلى
الله عليه وسلم - في تحريم إتيان الرجل زوجته في دبرها،
فقد أخرج أحمد: 2 / 444، 479، وأبو داود: (2162)، من حديث
أبي هريرة مرفوعا: " ملعون من أتى المرأة في دبرها "، وصحح
البوصيري إسناده، وله شاهد عند ابن عدي: 211 - آ،
والطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع ": 4 / 299، من
حديث عقبة بن عامر، وسنده حسن فيتقوى به.
وأخرجه أحمد: 2 / 277، 344، وابن ماجه: (1923)، بلفظ: " لا
ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها "، وله شاهد بسند
حسن يتقوى به من حديث ابن عباس عند الترمذي، وصححه ابن
حبان: (1302).
وفي لفظ للترمذي: (135)، وأحمد: 2 / 408، 476، وأبي داود:
(3904)، وابن ماجه: (693)، والدارمي: 1 / 259: " من أتي
حائضا أو امرأة في دبرها، أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل
على محمد - صلى الله عليه وسلم - وسنده قوي.
وأخرج الترمذي: (1164)، والدارمي: 1 / 260، عن علي بن طلق،
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تأتوا
النساء في أعجازهن فإن الله لا يستحي من الحق ". وحسنه
الترمذي، وصححه ابن حبان.
وله شاهد من حديث خزيمة بن ثابت، أخرجه الشافعي: 2 / 360،
وأحمد: 2 / 213، والطحاوي: 2 / 25، وسنده صحيح، وصححه ابن
=
(7/131)
عَنْ سَعِيْدِ بنِ سَالِمٍ - صَاحِبِ
الأَوْزَاعِيِّ -: قَدِمَ أَبُو مَرْحُوْمٍ مِنْ مَكَّةَ
عَلَى الأَوْزَاعِيِّ، فَأَهدَى لَهُ طَرَائِفَ، فَقَالَ
لَهُ:
إِنْ شِئْتَ، قَبِلْتُ مِنْكَ، وَلَمْ تَسْمَعْ مِنِّي
حَرْفاً، وَإِنْ شِئْتَ، فَضُمَّ هَدِيَّتَكَ، وَاسْمَعْ.
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: قُلْتُ لِسَعِيْدِ بنِ
عَبْدِ العَزِيْزِ:
مَنْ أَدْرَكتَ مِنَ التَّابِعِيْنَ كَانَ يُبَكِّرُ إِلَى
الجُمُعَةِ؟
قَالَ: مَا رَأَيْتَ أَبَا عَمْرٍو؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ كَفَا مَنْ قَبْلَهُ، فَاقْتَدِ
بِهِ، فَلَنِعْمَ المُقْتَدَى.
مُوْسَى بنُ أَعْيَنَ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ:
كُنَّا نَضحَكُ وَنَمزَحُ، فَلَمَّا صِرْنَا يُقْتَدَى
بِنَا، خَشِيْتُ أَنْ لاَ يَسَعَنَا التَّبَسُّمُ.
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ
يَعْتَمُّ، فَلاَ يُرْخِي لَهَا شَيْئاً.
ذَكَرَ بَعْضُ الحُفَّاظِ: أَنَّ حَدِيْثَ الأَوْزَاعِيِّ
نَحْوُ الأَلفِ -يَعْنِي: المُسْنَدَ- أَمَّا المُرْسَلُ
وَالمَوْقُوْفُ، فَأُلُوفٌ.
وَهُوَ فِي الشَّامِيِّينَ نَظِيْرُ مَعْمَرٍ (1)
لِلْيَمَانِيِّينَ، وَنَظِيْرُ الثَّوْرِيِّ (2)
لِلْكُوْفِيِّينَ، وَنَظِيْرُ مَالِكٍ لِلْمَدَنِيِّينَ،
وَنَظِيْرُ اللَّيْثِ لِلْمِصْرِيِّينَ، وَنَظِيْرُ
حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ (3) لِلْبَصْرِيِّينَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ القَرَافِيُّ بِهَا،
أَنْبَأَنَا المُبَارَكُ بنُ أَبِي الجُوْدِ بِبَغْدَادَ،
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ الزَّاهِدُ،
أَنْبَأَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيٍّ
الأَنْمَاطِيُّ، أَنْبَأَنَا الشَّيْخُ أَبُو طَاهِرٍ
المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ
إِسْحَاقَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ
__________
= حبان: (1299)، وابن الملقن في " خلاصة البدر المنير "،
ووصفه الحافظ في " الفتح ": 8 / 142، بأنه من الأحاديث
الصالحة الإسناد.
وفي الباب عن جابر وعبد الله بن عمرو بن العاص
وابن عباس، خرجناه في " زاد المعاد " فراجعه إن شئت.
(1) انظر ترجمته في الصفحة: 5.
(2) انظر ترجمته في الصفحة: 229.
(3) انظر ترجمته في الصفحة: 444.
(7/132)
أَبِي كَثِيْرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو
قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بنُ مَالِكٍ،
قَالَ:
قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ مِنْ عُكْلٍ، فَاجْتَوَوُا
المَدِيْنَةَ (1) ، فَأَمَرَهُم رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ
الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا
وَأَبْوَالِهَا، فَأَتَوْهَا، فَقَتَلُوا رُعَاتَهَا،
وَاسْتَاقُوا الإِبِلَ.
فَبَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي طَلَبِهِم قَافَةً، فَأَتَى بِهِم،
فَقَطَعَ أَيْدِيَهُم وَأَرَجُلَهُم، ثُمَّ لَمْ
يَحْسِمْهُم (2) .
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ شُعَيْبٍ (3)
.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
المَرْدَاوِيُّ، أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ
الحُسَيْنِ بنِ الحَسَنِ الأَسَدِيُّ الدِّمَشْقِيُّ،
أَنْبَأَنَا جَدِّي، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي العَلاَءِ الفَقِيْهُ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الفَرَّاءُ بِمِصْرَ، أَنْبَأَنَا
أَبُو الفَوَارِسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ
السِّنْدِيُّ، حَدَّثَنَا فَهْدُ بنُ سُلَيْمَانَ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، سَمِعْتُ
الأَوْزَاعِيَّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: (هَذَانِ سَيِّدَا كُهُوْلِ
أَهْلِ الجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِيْنَ وَالآخِرِيْنَ،
إِلاَّ النَّبِيِّيْنَ وَالمُرْسَلِيْنَ) (4).
__________
(1) معناه: عافوا المقام بها، فأصابهم الجوى في بطونهم.
يقال: اجتويت المكان: إذا كرهت الاقامة به لضرر يلحقك.
(2) الحسم: الكي بالنار لقطع الدم.
(3) لم أجده في البخاري بهذا السند، وإنما أخرجه برقم
(6802) و(6803)، في
الحدود: باب المحاربين...من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا
الاوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أنس.
وهو عنده برقم: (233) و(1501) و(3018) و(4192) و(4193)
و(4610) و(5685) و(5686) و(5727) و(6804) و(6805) و(6899)،
من طرق، عن أبي قلابة وقتادة، وثابت، عن أنس.
وأخرجه مسلم: (1671)، في القسامة: باب حكم المحاربين، من
طريق عبد العزيز بن صهيب، وحميد، عن أنس، ومن طريق أبي
قلابة وقتادة، عن أنس.
(4) محمد بن كثير صدوق كثير الغلط. وباقي رجاله ثقات.
وهو في " سنن " الترمذي: (3664)، لكن الحديث صحيح بشواهده،
فقد أخرجه أحمد: (602)، والترمذي: (3665) و=
(7/133)
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنُ اللَّفْظِ، لَوْلاَ
لِيْنٌ فِي مُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرٍ المَصِّيْصِيِّ
لَصُحِّحَ.
أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنِ: الحَسَنِ
بنِ الصَّبَّاحِ، عَنِ ابْنِ كَثِيْرٍ.
وَأَخْرَجَهُ: الحَافِظُ الضِّيَاءُ (1) فِي
(المُخْتَارَةِ)، عَنْ هَذَا الأَسَدِيِّ.
49 - عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ أَبُو عَمَّارٍ العِجْلِيُّ
* (م، 4)
الحَافِظُ، الإِمَامُ، أَبُو عَمَّارٍ العِجْلِيُّ،
البَصْرِيُّ، ثُمَّ اليَمَامِيُّ، مِنْ حَمَلَةِ
الحُجَّةِ، وَأَوعِيَةِ الصِّدْقِ.
حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَبِي
كَثِيْرٍ السُّحَيْمِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ،
وَأَبِي زُمَيْلٍ سِمَاكِ بنِ الوَلِيْدِ، وَضَمْضَمِ بنِ
جَوْسٍ، وَطَاوُوْسِ بنِ كَيْسَانَ، وَمَكْحُوْلٍ،
وَنَافِعٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَأَبِي
النَّجَاشِيِّ عَطَاءِ بنِ صُهَيْبٍ، وَطَائِفَةٍ.
وَيَنْزِلُ إِلَى: هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَنَحْوِهِ، مَعَ
أَنَّهُ قَدْ لَقِيَ صَحَابِيّاً: وَهُوَ الهِرْمَاسُ بنُ
زِيَادٍ (2) ، فَعِدَادُهُ إِذاً فِي التَّابِعِيْنَ
الصِّغَارِ.
__________
= (3666)، وإسناد أحمد حسن، وأخرجه ابن ماجه: (100)، عن
أبي جحيفة، وعن جابر عند الطبراني في " الأوسط " كما في "
المجمع ": 9 / 153.
(1) هو الامام الحافظ، محدث الشام، شيخ السنة، ضياء الدين
أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن
السعدي الحنبلي المتوفى سنة (643 ه).
وكتابه " المختارة ": انتقى فيه الأحاديث الصحيحة، ولم
يتم، وهو مخطوط لم يطبع بعد، توجد أجزاء منه في المكتبة
الظاهرية بدمشق.
قال ابن كثير في " الباعث الحثيث ": كان بعض الحفاظ من
مشايخنا يرجحه على " مستدرك " الحاكم.
ونقل السيوطي في " اللآلي " قول الزركشي في تخريج الرافعي
أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الترمذي وابن حبان.
(*) طبقات ابن سعد: 5 / 555، طبقات خليفة: 290، تاريخ
خليفة: 429، التاريخ الكبير: 7 / 50، التاريخ الصغير: 2 /
139، الضعفاء: خ: 334، الجرح والتعديل: 7 / 10، تاريخ
بغداد: 12 / 257، تهذيب الكمال: خ: 951، تذهيب التهذيب: خ:
3 / 49، تاريخ الإسلام: 6 / 250 - 251، ميزان الاعتدال: 3
/ 90 - 93، عبر الذهبي: 1 / 232، تهذيب التهذيب: 7 / 261 -
263، طبقات المدلسين: 14، خلاصة تذهيب الكمال: 270، شذرات
الذهب: 1 / 246.
(2) سيأتي حديثه في الصفحة 139.
(7/134)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ،
وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ المُبَارَكِ،
وَيَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ،
وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَوَكِيْعٌ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ،
وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَبِشْرُ بنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ
الصَّمَدِ، وَعُمَرُ بنُ يُوْنُسَ اليَمَامِيُّ،
وَالنَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ الجُرَشِيُّ، وَأَبُو النَّضْرِ
هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ،
وَأَبُو عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ
الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ،
وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ اليَمَامِيُّ، وَأَبُو
حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بَكَّارٍ،
وَعَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ،
وَالحَسَنُ بنُ سَوَّارٍ، وَشَاذُّ بنُ فَيَّاضٍ،
وَعَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ المُفَضَّلُ بنُ غَسَّانَ: سَأَلْتُ رَجُلاً مِنْ
أَهْلِ اليَمَامَةِ عَنْ عِكْرِمَةَ، فَقَالَ:
هُوَ ابْنُ عَمَّارِ بنِ عُقْبَةَ بنِ حَبِيْبِ بنِ
شِهَابِ بنِ ذُبَابِ بنِ الحَارِثِ بنِ خِمْصَانَةَ بنِ
الأَسَعْدِ بنِ جَذِيْمَةَ بنِ سَعْدِ بنِ عِجْلٍ.
وَرَوَى: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ
مَعِيْنٍ: هُوَ ثِقَةٌ.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى: صَدُوْقٌ،
لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَرَوَى: أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ يَحْيَى: كَانَ أُمِّيّاً،
وَكَانَ حَافِظاً.
وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ يَحْيَى: هُوَ
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَيُّوْبَ بنِ عُتْبَةَ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: أَحَادِيْثُ
عِكْرِمَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، لَيْسَتْ
بِذَاكَ، مَنَاكِيْرُ، كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ
يُضَعِّفُهَا.
وَقَالَ أَيْضاً: كَانَ يَحْيَى يُضَعِّفُ رِوَايَةَ
أَهْلِ اليَمَامَةِ، مِثْلَ عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ،
وَضَرْبِهِ.
وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ،
عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ:
كَانَ عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا
ثِقَةً، ثَبْتاً.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ.
يَرْوِي عَنْهُ: النَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ أَلفَ حَدِيْثٍ.
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ،
قَالَ:
عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ مُضْطَرِبُ
(7/135)
الحَدِيْثِ عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي
كَثِيْرٍ، وَمُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ فِي غَيْر إِيَاسِ بنِ
سَلَمَةَ، كَانَ حَدِيْثُه عَنْ إِيَاسٍ صَالِحاً.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ
يُضَعِّفُ رِوَايَةَ أَيُّوْبَ بنِ عُتْبَةَ (1) ،
وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي
كَثِيْرٍ، وَقَالَ: عِكْرِمَةُ أَوْثَقُهُمَا.
قَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ:
هَلْ كَانَ بِاليَمَامَةِ أَحَدٌ يُقَدَّمُ عَلَى
عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، مِثْلَ أَيُّوْبَ بنِ عُتْبَةَ،
وَمُلاَزِمِ بنِ عَمْرٍو، وَهَؤُلاَءِ؟
فَقَالَ: عِكْرِمَةُ فَوْقَ هَؤُلاَءِ - أَوْ نَحْوُ هَذَا
-.
ثُمَّ قَالَ: قَدْ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ أَحَادِيْثَ.
وَرَوَى: الغَلاَبِيُّ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثَبْتٌ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: مُضْطَرِبٌ فِي يَحْيَى بنِ أَبِي
كَثِيْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ كِتَابٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ ثِقَةٌ، وَفِي حَدِيْثِهِ
عَنْ يَحْيَى اضْطِرَابٌ، كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ
يُقَدِّمُ عَلَيْهِ مُلاَزمَ بنَ عَمْرٍو.
قَالَ: وَأَعْلاَهُم فِي يَحْيَى: هِشَامٌ
الدَّسْتُوَائِيُّ (2) ، وَالأَوْزَاعِيُّ (3) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، إِلاَّ فِي
حَدِيْثِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي كَثِيْرٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، رُبَّمَا وَهِمَ فِي
حَدِيْثِهِ، وَرُبَّمَا دَلَّسَ، وَفِي حَدِيْثِهِ عَنْ
يَحْيَى بَعْضُ الأَغَالِيطِ.
وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: صَدُوْقٌ.
رَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَيَحْيَى القَطَّانُ.
وَوَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، إِلاَّ أَنَّ
يَحْيَى القَطَّانَ ضَعَّفَهُ فِي يَحْيَى بنِ أَبِي
كَثِيْرٍ، وَقَدَّمَ مُلاَزِماً عَلَيْهِ.
__________
(1) ستأتي ترجمته ص: 319.
(2) ستأتي ترجمته ص: 149.
(3) تقدمت ترجمته ص: 107.
(7/136)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
عَمَّارٍ: عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ ثِقَةٌ عِنْدَهُم.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ: مَا سَمِعْتُ فِيْهِ
إِلاَّ خَيْراً.
وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ: كَانَ يَنْفَرِدُ
بِأَحَادِيْثَ طِوَالٍ، لَمْ يَشْرَكْهُ فِيْهَا أَحَدٌ.
وَقَدِمَ البَصْرَةَ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ،
فَقَالَ: أَلاَ أُرَانِي فَقِيْهاً وَأَنَا لاَ أَشعُرُ.
قَالَ: وَعِكْرِمَةُ صَدُوْقٌ، إِلاَّ أَنَّ فِي
حَدِيْثِهِ شَيْئاً.
رَوَى عَنْهُ: النَّاسُ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ البُخَارِيُّ
الحَافِظُ: عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ ثِقَةٌ.
رَوَى عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَذَكَرَهُ
بِالفَضْلِ، وَكَانَ كَثِيْرَ الغَلَطِ، يَنْفَرِدُ عَنْ
أُنَاسٍ بِأَشْيَاءَ لاَ يُشَارِكُهُ فِيْهَا أَحَدٌ.
وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: كَانَ صَدُوقاً، وَفِي حَدِيْثِهِ
نَكِرَةٌ.
وَقَالَ الإِمَامُ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مُسْتقِيْمُ الحَدِيْثِ إِذَا
رَوَى عَنْهُ ثِقَةٌ.
وَقَالَ عَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ: كَانَ مُسْتَجَابَ
الدَّعْوَةِ.
قُلْتُ: اسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ، وَلَمْ يَحتَجَّ
بِهِ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ يَسِيْراً، وَأَكْثَرَ
لَهُ مِنَ الشَّوَاهِدِ.
قَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَكْثَرَ مُسْلِمٌ
الاسْتِشهَادَ بِعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ.
قُلْتُ: قَدْ سَاقَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الأُصُوْلِ
حَدِيْثاً مُنْكَراً، وَهُوَ الَّذِي يَرْوِيْهِ عَنْ
سِمَاكٍ الحَنَفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي الأُمُورِ
الثَّلاَثَةِ الَّتِي الْتَمَسَهَا أَبُو سُفْيَانَ مِنَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (1).
__________
(1) ونصه كما في " صحيح " مسلم (2501)، في فضائل الصحابة
باب من فضائل أبي سفيان، من طريق عكرمة بن عمار، عن أبي
زميل، عن ابن عباس، قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي
سفيان، ولا يقاعدونه، فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -:
يا نبي الله ! ثلاث أعطنيهن ؟ قال: =
(7/137)
قَالَ عَبَّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيْمِ:
سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ سُفْيَانَ عِنْدَ
عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ.
قَالَ: فَجَاءَ يَكْتُبُ عِنْدَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا
عَبْدِ اللهِ! هَاتِ حَتَّى أَكْتُبَ.
قَالَ: لاَ تَعجَلَنَّ.
قَالَ: قُلْتُ: خُذِ الكِتَابَ، فَسَلْ عَنْهُ.
قَالَ: وَلاَ تَعجَلْ، نُوْقِفُهُ عَلَى كُلِّ حَدِيْثٍ
عَلَى السَّمَاعِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَكَانَ خَطُّ سُفْيَانَ خَطَّ
سُوءٍ.
وَقَالَ عَبَّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيْمِ أَيْضاً: سَمِعْتُ
سُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ:
قَدِمَ عَلَيْنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ مِنَ
اليَمَامَةِ، فَرَأَيتُهُ فَوْقَ سَطحٍ يُخَاصِمُ أَهْلَ
القَدَرِ.
قَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ بنَ
عَمَّارٍ يَقُوْلُ لِلنَّاسِ:
أُحَرِّجُ عَلَى رَجُلٍ يَرَى القَدَرَ إِلاَّ قَامَ،
فَخَرَجَ عَنِّي، فَإِنِّي لاَ أُحَدِّثُه.
قَالَ خَلِيْفَةُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ
وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
زَادَ يَحْيَى: فِي رَجَبٍ.
وَقَعَ لِي حَدِيْثَهُ عَالِياً (1).
__________
= " نعم ".
قال: عندي أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبي سفيان،
أزوجكها ؟ قال: " نعم ".
قال: ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك ؟ قال: " نعم ".
قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين ؟
قال: " نعم ".
قال أبو زميل: ولو لا أنه طلب ذلك من النبي - صلى الله
عليه وسلم - ما أعطاه ذلك، لأنه لم يكن يسأل شيئا إلا قال:
" نعم ".
قال أبو الفرج ابن الجوزي في هذا الحديث: هو وهم من بعض
الرواة لا شك فيه ولا تردد، وقد اتهموا به عكرمة بن عمار
راوي الحديث، وإنما قلنا: إن هذا وهم لان أهل التاريخ
أجمعوا على أن أم حبيبة كانت تحت عبيد الله بن جحش، وولدت
له، وهاجر بها وهما مسلمان إلى أرض الحبشة، ثم تنصر وثبتت
أم حبيبة على دينها، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- إلى النجاشي يخطبها عليه، فزوجه إياها، وأصدقها عن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة آلاف درهم، وذلك في سنة
سبع من الهجرة، وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة - وهي التي
كانت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش في صلح
الحديبية - فدخل عليها، فثنت بساط رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - حتى لا يجلس عليه، ولا خلاف أن أبا سفيان
ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمان، ولا يعرف أن رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - أمر أبا سفيان.
(1) في الأصل: " حديثا عاليا ". وهو تحريف.
(7/138)
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ
هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ
مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ سَنَة
ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو
سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا
أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى
المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ بَكَّارٍ،
حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، عَنِ الهِرْمَاسِ بنِ
زِيَادٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَوْمَ العِيْدِ الأَضْحَى
يَخْطُبُ عَلَى بَعِيْرٍ (1) .
هَذَا حَدِيْثٌ عَالٍ، قَوِيُّ الإِسْنَادِ، صَارَ بِهِ
عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ تَابِعِيّاً (2).
50 - ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
العَامِرِيُّ * (ع)
ابْنِ المُغِيْرَةِ بنِ الحَارِثِ بنِ أَبِي ذِئْبٍ،
وَاسْمُ أَبِي
__________
(1) وأخرجه من طريق أبي يعلى ابن الجزري في " أسد الغابة
": 5 / 393، في ترجمة الهرماس بن زياد الباهلي، وأخرجه أبو
داود في " سننه ": (1954)، في الحج: باب من خطب يوم النحر،
من طريق هارون بن عبد الله، حدثنا هشام بن عبد الملك،
حدثنا عكرمة، حدثنا الهرماس ابن زياد الباهلي، قال: رأيت
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس على ناقته
العضباء يوم الاضحى بمنى.
وسنده جيد.
وقال الحافظ في " الإصابة " في ترجمة هرماس بن زياد
الباهلي: روى حديثه أبو داود وغيره بإسناد صحيح.
(2) في الأصل، بعد قوله: " تابعيا " عبارة: " كما سيأتي "،
ولا معنى لها هنا، فالمصنف ذكر في الصفحة (134) أن عكرمة
قد لقي صحابيا وهو الهرماس بن زياد، وهنا أورد الحديث الذي
يدل على سماعه من هذا الصحابي، فكان حقه أن يقول هناك: كما
سيأتي، وأما هنا، فصواب العبارة أن يقال: كما تقدم.
(*) طبقات خليفة: 273، تاريخ خليفة: 429، التاريخ الكبير:
1 / 152 - 153، التاريخ الصغير: 2 / 132، المعارف: 485،
المعرفة والتاريخ: 1 / 146، 685، 686، 2 / 163، 400،
مشاهير علماء الأمصار: 140، الفهرست: المقالة السادسة الفن
السادس، تاريخ بغداد: 2 / 296، 305، وفيات الأعيان: 4 /
183، تهذيب الكمال: خ: 1231 - 1232، تذهيب التهذيب: خ: 3 /
225 - 226، تاريخ الإسلام: 6 / 281 - 284، تذكرة الحفاظ: 1
/ 191 - 193، عبر الذهبي: 1 / 231، الوافي بالوفيات: 3 /
223 - 224، تهذيب التهذيب: 9 / 303 - 307، طبقات الحفاظ:
82 - 83، خلاصة تذهيب الكمال: 348، شذرات الذهب: 1 / 245 -
246.
(7/139)
ذِئْبٍ: هِشَامُ بنُ شُعْبَةَ.
الإِمَام، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الحَارِثِ
القُرَشِيُّ، العَامِرِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ.
سَمِعَ: عِكْرِمَةَ، وَشُرَحْبِيْلَ بنَ سَعْدٍ،
وَسَعِيْداً المَقْبُرِيَّ، وَنَافِعاً العُمَرِيَّ،
وَأَسِيْدَ بن أَبِي أَسِيْدٍ البَرَّادَ، وَصَالِحاً
مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، وَشُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ
عَبَّاسٍ، وَخَالَهُ؛ الحَارِثَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
القُرَشِيَّ، وَمُسْلِمَ بنَ جُنْدَبٍ، وَابْنَ شِهَابٍ
الزُّهْرِيَّ، وَالقَاسِمَ بنَ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ
قَيْسٍ، وَإِسْحَاقَ بنَ يَزِيْدَ الهُذَلِيَّ،
وَالزِّبْرِقَانَ بنَ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ،
وَسَعِيْدَ بنَ سَمْعَانَ، وَعُثْمَانَ بنَ عَبْدِ اللهِ
بنِ سُرَاقَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدِرِ، وَيَزِيْدَ
بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسَيْطٍ، وَخَلْقاً سِوَاهُم.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، ثِقَةً، فَاضِلاً،
قَوَّالاً بِالحَقِّ، مَهِيْباً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنُ
سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، وَشَبَابَةُ
بنُ سَوَّارٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ، وَحَجَّاجُ
بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَوَكِيْعٌ، وَآدَمُ بنُ
أَبِي إِيَاسٍ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَأَسَدُ بنُ مُوْسَى،
وَعَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ
اليَرْبُوْعِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَابْنُ وَهْبٍ،
وَالمُقْرِئُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ يُشَبَّهُ بِسَعِيْدِ
بنِ المُسَيِّبِ.
فَقِيْلَ لأَحْمَدَ: خَلَّفَ مِثْلَهُ؟
قَالَ: لاَ.
ثُمَّ قَالَ: كَانَ أَفْضَلَ مِنْ مَالِكٍ، إِلاَّ أَنَّ
مَالِكاً -رَحِمَهُ اللهُ- أَشَدُّ تَنْقِيَةً لِلرِّجَالِ
مِنْهُ.
قُلْتُ: وَهُوَ أَقدَمُ لُقْيَا لِلْكِبَارِ مِنْ مَالِكٍ،
وَلَكِنَّ مَالِكاً أَوسَعُ دَائِرَةً فِي العِلْمِ،
وَالفُتْيَا، وَالحَدِيْثِ، وَالإِتقَانِ مِنْهُ
بِكَثِيْرٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ: وُلِدَ سَنَةَ
ثَمَانِيْنَ.
وَكَانَ مِنْ أَورَعِ النَّاسِ وَأَوْدَعِهِم (1) .
وَرُمِيَ بِالقَدَرِ، وَمَا كَانَ قَدَرِيّاً، لقَدْ كَانَ
يَتَّقِي قَوْلَهُم وَيَعِيبُهُ،
__________
(1) في " الحلية ": 1 / 191، و" تاريخ بغداد: " 2 / 301،
و" تهذيب التهذيب ": 9 / 305: " وأفضلهم ".
(7/140)
وَلَكِنَّهُ كَانَ رَجُلاً كَرِيْماً،
يَجلِسُ إِلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ وَيَغشَاهُ، فَلاَ
يَطرُدُهُ، وَلاَ يَقُوْلُ لَهُ شَيْئاً، وَإِنْ مَرِضَ،
عَادَهُ، فَكَانُوا يَتَّهِمُونَه بِالقَدَرِ لِهَذَا
وَشِبْهِهِ.
قُلْتُ: كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَكْفَهِرَّ فِي وُجُوْهِهِم،
وَلَعَلَّهُ كَانَ حَسَنَ الظَّنِّ بِالنَّاسِ.
ثُمَّ قَالَ الوَاقِدِيُّ تِلْمِيْذُهُ: وَكَانَ يُصَلِّي
اللَّيْلَ أَجْمَعَ، وَيَجْتَهِدُ فِي العِبَادَةِ، وَلَوْ
قِيْلَ لَهُ: إِنَّ القِيَامَةَ تَقُوْمُ غَداً، مَا كَانَ
فِيْهِ مَزِيْدٌ مِنَ الاجْتِهَادِ.
أَخْبَرَنِي أَخُوْهُ، قَالَ: كَانَ أَخِي يَصُوْمُ
يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً، ثُمَّ سَرَدَ الصَّوْمَ،
وَكَانَ شَدِيْدَ الحَالِ (1) ، يَتَعَشَّى الخُبْزَ
وَالزَّيْتَ، وَلَهُ قَمِيْصٌ وَطَيْلَسَانُ يَشْتُو
فِيْهِ وَيَصِيْفُ.
قَالَ: وَكَانَ مِنْ رِجَالِ النَّاسِ (2) صَرَامَةً،
وَقَوْلاً بِالحَقِّ، وَكَانَ يَحفَظُ حَدِيْثَهُ، لَمْ
يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ، وَكَانَ يَرُوحُ إِلَى الجُمُعُةِ
بَاكِراً، فَيُصَلِّي إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الإِمَامُ،
وَرَأَيتُهُ يَأْتِي دَارَ أَجْدَادِهِ عِنْدَ الصَّفَا،
فَيَأْخُذُ كِرَاءهَا، وَكَانَ لاَ يُغَيِّرُ شَيْبَهُ.
وَلَمَّا خَرَجَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ
(3) ، لَزِمَ بَيْتَه إِلَى أَنْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ،
وَكَانَ أَمِيْرُ المَدِيْنَةِ الحَسَنُ بنُ زَيْدٍ
يُجْرِي عَلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَةَ
دَنَانِيْرَ، وَقَدْ دَخَلَ مَرَّةً عَلَى وَالِي
المَدِيْنَةِ، فَكَلَّمَه، وَهُوَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ
عَلِيٍّ عَمُّ المَنْصُوْرِ، فَكَلَّمَه فِي شَيْءٍ.
فَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَلِيٍّ: إِنِّيْ لأَرَاكَ
مُرَائِياً.
فَأَخَذَ عُوْداً، وَقَالَ: مَنْ أُرَائِي، فَوَاللهِ
لَلنَّاسُ عِنْدِي أَهَوْنُ مِنْ هَذَا.
وَلَمَّا وَلِيَ المَدِيْنَةَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ،
بَعَثَ إِلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ بِمائَةِ دِيْنَارٍ،
فَاشْتَرَى مِنْهَا سَاجاً (4) كُرْدِيّاً بِعَشْرَةِ
دَنَانِيْرَ، فَلَبِسَه عُمُرَهُ، وَقَدِمَ بِهِ عَلَيْهِم
بَغْدَادَ،
__________
(1) في " التذكرة " 1 / 192: " وكان خشن العيش ".
(2) في المرجع السابق: " وكان من رجال العلم ".
(3) انظر الصفحة: 21، حا: 1.
(4) الساج: الطيلسان الضخم الغليظ، وقيل: هو الطيلسان
المقور ينسج كذلك.
(7/141)
فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى قَبِلَ
مِنْهُم، فَأَعْطَوْهُ أَلفَ دِيْنَارٍ -يَعْنِي:
الدَّوْلَةَ- فَلَمَّا رَجَعَ، مَاتَ بِالكُوْفَةِ
-رَحِمَهُ اللهُ-.
نَقَلَ هَذَا كُلَّهُ: ابْنُ سَعْدٍ فِي (الطَّبَقَاتِ)،
عَنِ الوَاقِدِيِّ، وَالوَاقِدِيُّ - وَإِنْ كَانَ لاَ
نِزَاعَ فِي ضَعْفِهِ - فَهُوَ صَادِقُ اللِّسَانِ،
كَبِيْرُ القَدْرِ.
وَفِي (مُسْنَدِ) الشَّافِعِيِّ سَمَاعُنَا: أَخْبَرَنِي
أَبُو حَنِيْفَةَ بنُ سِمَاكٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيْلٌ، فَهُوَ بِخَيْرِ
النَّظَرَيْنِ: إِنْ أَحَبَّ، أَخَذَ العَقْلَ، وَإِنْ
أَحَبَّ، فَلَهُ القَوَدُ (1)).
قُلْتُ لابْنِ أَبِي ذِئْبٍ: أَتَأْخُذُ بِهَذَا؟
فَضَرَبَ صَدْرِي، وَصَاحَ كَثِيْراً، وَنَالَ مِنِّي،
وَقَالَ:
أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَتَقُوْلُ: تَأْخُذُ بِهِ؟! نَعَمْ، آخُذُ
بِهِ، وَذَلِكَ الفَرْضُ عَلَيَّ وَعَلَى كُلِّ مَنْ
سَمِعَهُ، إِنَّ اللهَ اخْتَارَ مُحَمَّداً -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ النَّاسِ، فَهَدَاهُم
بِهِ، وَعَلَى يَدَيْهِ، فَعَلَى الخَلْقِ أَنْ
يَتَّبِعُوْهُ طَائِعِيْنَ أَوْ دَاخِرِيْنَ، لاَ مَخْرَجَ
لِمُسْلِمٍ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: بَلَغَ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ
أَنَّ مَالِكاً لَمْ يَأْخُذْ بِحَدِيْثِ: (البَيِّعَانِ
بِالخِيَارِ (2)).
فَقَالَ: يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ
عُنُقُهُ.
ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَوْرَعُ وَأَقْوَلُ بِالحَقِّ
مِنْ مَالِكٍ.
قُلْتُ: لَوْ كَانَ وَرِعاً كَمَا يَنْبَغِي، لَمَا قَالَ
هَذَا الكَلاَمَ القَبِيْحَ فِي حَقِّ إِمَامٍ
__________
(1) مسند الشافعي: 2 / 249.
وأخرجه أبو داود: (4504)، والترمذي: (1406)، من طريق يحيى
بن سعيد، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي شريح،
وإسناده صحيح وفي الباب عن أبي هريرة، أخرجه البخاري: 1 /
182، ومسلم: (1355)، والترمذي: (1405)، وأبو داود: (4505)،
والنسائي: 8 / 38، بلفظ: " ومن قتل له قتيل فهو بخير
النظرين: إما أن يودى، وإما أن يقاد ".
(2) أخرجه مالك في " الموطأ ": 2 / 671، في البيوع: باب
بيع الخيار، والبخاري: 4 / 276، في البيوع: باب البيعان في
الخيار ما لم يتفرقا، ومسلم: (1531)، في البيوع: باب ثبوت
خيار المجلس للمتبايعين، من طريق نافع، عن ابن عمر، أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " المتبايعان كل
واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا ".
(7/142)
عَظِيْمٍ، فَمَالِكٌ إِنَّمَا لَمْ
يَعْمَلْ بِظَاهِرِ الحَدِيْثِ؛ لأَنَّهُ رَآهُ
مَنْسُوْخاً.
وَقِيْلَ: عَمِلَ بِهِ، وَحَمَلَ قَوْلَه: (حَتَّى
يَتَفَرَّقَا) عَلَى التَّلَفُّظِ بِالإِيجَابِ
وَالقَبُولِ، فَمَالِكٌ فِي هَذَا الحَدِيْثِ، وَفِي كُلِّ
حَدِيْثٍ لَهُ أَجْرٌ وَلاَ بُدَّ، فَإِنْ أَصَابَ،
ازْدَادَ أَجراً آخَرَ، وَإِنَّمَا يَرَى السَّيْفَ عَلَى
مَنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ الحَرُوْرِيَّةُ (1).
وَبِكُلِّ حَالٍ: فَكَلاَمُ الأَقْرَانِ بَعْضِهِم فِي
بَعْضٍ لاَ يُعَوَّلُ عَلَى كَثِيْرٍ مِنْهُ، فَلاَ
نَقَصَتْ جَلاَلَةُ مَالِكٍ بِقَوْلِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ
فِيْهِ، وَلاَ ضَعَّفَ العُلَمَاءُ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ
بِمَقَالَتِهِ هَذِهِ، بَلْ هُمَا عَالِمَا المَدِيْنَةِ
فِي زَمَانِهِمَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
وَلَمْ يُسنِدْهَا الإِمَامُ أَحْمَدُ، فَلَعَلَّهَا لَمْ
تَصِحَّ.
كَتَبَ إِلَيَّ مُؤَمَّلٌ البَالِسِيُّ، وَغَيْرُهُ: أَنَّ
أَبَا اليُمْنِ الكِنْدِيَّ أَخْبَرَهُم، أَنْبَأَنَا
القَزَّازُ (2) ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ،
أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا
الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ سَمِعَ عِكْرِمَةَ.
وَبِهِ: قَالَ الخَطِيْبُ: أَنْبَأَنَا الجَوْهَرِيُّ،
أَنْبَأَنَا المَرْزُبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى، حَدَّثَنَا أَبُو العَيْنَاءِ،
قَالَ:
لَمَّا حَجَّ المَهْدِيُّ، دَخَلَ مَسْجِدَ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ
إِلاَّ قَامَ، إِلاَّ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ.
فَقَالَ لَهُ المُسَيِّبُ بنُ زُهَيْرٍ: قُمْ، هَذَا
أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ.
فَقَالَ: إِنَّمَا يَقُوْمُ النَّاسُ لِرَبِّ
العَالِمِيْنَ.
فَقَالَ المَهْدِيُّ: دَعْهُ، فَلَقَدْ قَامَتْ كُلُّ
شَعْرَةٍ فِي رَأْسِي.
وَبِهِ: قَالَ أَبُو العَيْنَاءِ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ لِلْمَنْصُوْرِ: قَدْ هَلَكَ النَّاسُ، فَلَوْ
أَعَنْتَهُم مِنَ الفَيْءِ.
فَقَالَ: وَيْلَكَ! لَوْلاَ مَا سَدَدْتُ مِنَ الثُّغُورِ،
لَكُنْتَ تُؤْتَى فِي مَنْزِلِكَ، فَتُذْبَحَ.
فَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: قَدْ سَدَّ الثُّغُورَ،
وَأَعْطَى النَّاسَ مَنْ هُوَ
__________
(1) الحرورية: هم الخوارج، ونسبتهم هذه إلى: حروراء: وهو
موضع بظاهر الكوفة، وبه كان أول اجتماعهم وتحكيمهم حين
خالفوا عليا - رضي الله عنه - وخرجوا عليه.
(2) انظر " تبصير المنتبه " 3 / 1168.
(7/143)
خَيْرٌ مِنْكَ: عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ-.
فَنَكَسَ المَنْصُوْرُ رَأْسَه - وَالسَّيْفُ بِيَدِ
المُسَيِّبِ - ثُمَّ قَالَ: هَذَا خَيْرُ أَهْلِ
الحِجَازِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ثِقَةٌ.
قَدْ دَخَلَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُوْرِ، فَلَمْ
يَهُلْهُ أَنْ قَالَ لَهُ الحَقَّ، وَقَالَ: الظُّلْمُ
بِبَابِكَ فَاشٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ أَبُو جَعْفَرٍ.
قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ
فَقِيْهَ المَدِيْنَةِ.
وَقَالَ البَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ سُفْيَانَ،
قَالَ:
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَجَجْتُ عَامَ حَجَّ أَبُو
جَعْفَرٍ، وَمَعَهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَمَالِكُ بنُ
أَنَسٍ، فَدَعَا ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، فَأَقعَدَهُ مَعَهُ
عَلَى دَارِ النَّدْوَةِ، فَقَالَ لَهُ:
مَا تَقُوْلُ فِي الحَسَنِ بنِ زَيْدِ بنِ حَسَنٍ
-يَعْنِي: أَمِيْرَ المَدِيْنَةِ-؟
فَقَالَ: إِنَّهُ لَيَتَحَرَّى العَدْلَ.
فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُوْلُ فِيَّ - مَرَّتَيْنِ -؟
فَقَالَ: وَرَبِّ هَذِهِ البَنِيَّةِ، إِنَّكَ لَجَائِرٌ.
قَالَ: فَأَخَذَ الرَّبِيْعُ الحَاجِبُ بِلِحْيَتِهِ،
فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: كُفَّ يَا ابْنَ
اللَّخْنَاءِ (1) .
ثُمَّ أَمَرَ لابْنِ أَبِي ذِئْبٍ بِثَلاَثِ مائَةِ
دِيْنَارٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُسَيِّبِ الأَرْغِيَانِيُّ (2) :
سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، سَمِعْتُ
الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
مَا فَاتَنِي أَحَدٌ فَأَسِفْتُ عَلَيْهِ، مَا أَسِفْتُ
عَلَى اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ.
قُلْتُ: أَمَّا فَوَاتُ اللَّيْثِ، فَنَعَمْ، وَأَمَّا
ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، فَمَا فَرَّطَ فِي الارْتِحَالِ
إِلَيْهِ؛ لأَنَّهُ مَاتَ وَلِلشَّافِعِيِّ تِسْعَةُ
أَعْوَامٍ.
عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ
يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ
__________
(1) اللخن: نتن الريح عامة، وقبح ريح الفرج، ويقال:
اللخناء: التي لم تختن.
(2) ترجمته في " الأنساب ": 1 / 169: الارغياني، بفتح
الهمز، وسكون الراء المهملة، وكسر الغين المعجمة: نسبة إلى
أرغيان، من بلاد نيسابور.
(7/144)
عَسِراً، أَعْسَرَ أَهْلِ الدُّنْيَا، إِنْ
كَانَ مَعَكَ الكِتَابُ، قَالَ: اقْرَأْهُ، وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ مَعَكَ كِتَابٌ، فَإِنَّمَا هُوَ حِفْظٌ.
فَقُلْتُ لِيَحْيَى: كَيْفَ كُنْتَ تَصْنَعُ فِيْهِ؟
قَالَ: كُنْتُ أَتَحَفَّظُهَا، وَأَكْتُبُهَا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ: قُلْتُ
لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ:
فَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، سَمَاعُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ،
أَعَرْضٌ هُوَ؟
قَالَ: لاَ يُبَالِي كَيْفَ كَانَ.
قُلْتُ: كَانَ يُلَيِّنُهُ فِي الزُّهْرِيِّ بِهَذِهِ
المَقَالَةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالمُجَوِّدِ فِي
الزُّهْرِيِّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ: سَأَلْتُ
مُصْعَباً عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، فَقَالَ:
مَعَاذَ اللهِ أَنْ يَكُوْنَ قَدَرِيّاً، إِنَّمَا كَانَ
فِي زَمَنِ المَهْدِيِّ قَدْ أَخَذُوا أَهْلَ القَدَرِ،
وَضَرَبُوْهُم، وَنَفَوْهُم، فَجَاءَ مِنْهُم قَوْمٌ إِلَى
ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، فَجَلَسُوا إِلَيْهِ، وَاعْتَصَمُوا
بِهِ مِنَ الضَّربِ.
فَقِيْلَ: هُوَ قَدَرِيٌّ لأَجْلِ ذَلِكَ، لقَدْ
حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ: مَا تَكَلَّمَ فِيْهِ قَطُّ.
وَجَاءَ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: أَنَّهُ سُئِلَ
عَنْهُ، فَوَثَّقَهُ، وَلَمْ يَرضَهُ فِي الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: سُئِلَ أَحْمَدُ بنُ
حَنْبَلٍ:
أَيُّمَا أَعْجَبُ إِلَيْكَ: ابْنُ عَجْلاَنَ، أَوِ ابْنُ
أَبِي ذِئْبٍ؟
فَقَالَ: مَا فِيْهِمَا إِلاَّ ثِقَةٌ.
قَدِمَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ بَغْدَادَ، فَحَمَلُوا عَنْهُ
العِلْمَ، وَأَجَازَه المَهْدِيُّ بِذَهَبٍ جَيِّدٍ، ثُمَّ
رُدَّ إِلَى بِلاَدِهِ، فَأَدْرَكَهُ الأَجَلُ
بِالكُوْفَةِ غَرِيْباً، وَذَاكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ
وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ البَغَوِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ
يَقُوْلُ:
كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ رَجُلاً صَالِحاً، قَوَّالاً
بِالحَقِّ، يُشَبَّهُ بِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ.
وَكَانَ قَلِيْلَ الحَدِيْثِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ البُخَارِيِّ، وَغَيْرُهُ
كِتَابَةً، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ
(7/145)
الدَّارَقَزِّيُّ (1) ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ
الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ
بنُ هَزَارْمَرْدَ (2) الخَطِيْبُ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ
اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ
الجَعْدِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيْدِ
بنِ سَمْعَانَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ أَبَا
قَتَادَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (يُبَايَعُ لِرَجُلٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ،
وَلَنْ يَسْتَحِلَّ البَيْتَ إِلاَّ أَهْلُهُ، فَإِذَا
اسْتَحَلُّوْهُ، فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ هَلَكَةِ العَرَبِ،
ثُمَّ تَأْتِي الحَبَشَةُ، فَيُخَرِّبُوْنَهُ خَرَاباً لاَ
يُعْمَرُ بَعْدَهَا أَبَداً، وَهُمُ الَّذِيْنَ
يَسْتَخْرِجُوْنَ كَنْزَهُ (3)).
وَبِهِ: أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ -
هُوَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - قَالَ:
دَخَلَ المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ،
وَعَلَيْهِ ثَوْبُ إِسْتَبْرَقٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا
أَبَا العَبَّاسِ؟
قَالَ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: هَذَا الإِسْتَبْرَقُ.
قَالَ: مَا عَلِمتُ بِهِ، وَلاَ أَظُنُّ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْهُ حِيْنَ
نَهَى، إِلاَّ لِلتَّجَبُّرِ وَالتَّكَبُّرِ، وَلَسْنَا -
بِحَمْدِ اللهِ - كَذَلِكَ.
قَالَ: فَمَا هَذِهِ الطُّيُوْرُ فِي الكَانُوْنِ (4)
-يَعْنِي: تَصَاوِيْرَ-؟
قَالَ: أَلاَ تَرَى كَيْفَ أَحرَقْنَاهَا بِالنَّارِ؟
فَلَمَّا خَرَجَ المِسْوَرُ، قَالَ: انْزِعُوا هَذَا
الثَّوْبَ عَنِّي، وَاقْطَعُوا رَأْسَ هَذِهِ
التَّمَاثِيْلِ وَالطُّيُوْرِ.
__________
(1) نسبة إلى دار القز: محلة كبيرة ببغداد، في طرف
الصحراء، وهو المعرف باب طبرزد، ترجمه المؤلف في " العبر
": 5 / 24، فقال: مسند العصر، أبو حفص، موفق الدين عمر بن
محمد ابن معمر الدارقزي، المؤدب، ولد سنة: (516 ه)، وسمع
من ابن الحصين، وأبي غالب ابن البناء، وطبقتهما، فأكثر.
وحفظ أصوله إلى وقت الحاجة، وروى الكثير، ثم قدم دمشق في
آخر أيامه، فازدحموا عليه، وقد أملى مجالس بجامع المنصور،
وعاش تسعين سنة وسبعة أشهر، وكان ظريفا، كثير المزاح، توفي
ببغداد سنة: (607 ه).
(2) هو عبد الله بن محمد الصريفيني، سيترجمه المؤلف فيما
بعد، ومعنى: هزار مرد: ألف رجل بالفارسية.
انظر " الأنساب ": 8 / 59، و" التاج ": هزر.
(3) إسناده صحيح.
وأخرجه أحمد: 2 / 291، من طريق يزيد، و2 / 312، من طريق
زيد ابن الحباب، و2 / 328، من طريق أبي النضر وإسحاق بن
سليمان، و2 / 351، من طريق حسن ابن محمد، كلهم عن ابن أبي
ذئب، عن سعيد بن سمعان، عن أبي هريرة.
(4) الكانون: الموقد.
(7/146)
أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ ابْنُ
صَصْرَى، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ عَبْدُ الوَاحِدِ
بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَضْلِ
عَبْدُ الكَرِيْمِ المُؤَمَّلُ الكَفَرْطَابِيُّ قِرَاءةً
عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ أَبِي نَصْرٍ التَّمِيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو
عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ مَعْرُوْفٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ القَاضِي،
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ:
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُوْمُ يَوْمَ
عَاشُوْرَاءَ، وَيَأْمُرُ بِصِيَامِهِ (1).
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ
صَنَّفَ (مُوَطَّأً)، فَلَمْ يُخْرَجْ.
ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ:
ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ثِقَةٌ، وَكُلُّ مَنْ رَوَى عَنْهُ
ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، فَثِقَةٌ، إِلاَّ أَبَا جَابِرٍ
البَيَاضِيَّ، وَكُلُّ مَنْ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ ثِقَةٌ،
إِلاَّ عَبْدَ الكَرِيْمِ أَبَا أُمَيَّةَ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: أَخْذُه عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَرْضٌ (2) ، وَالعَرْضُ عِنْدَ جَمِيْعِ
مَنْ أَدْرَكْنَا صَحِيْحٌ.
وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ وَيَحْيَى يَتَنَاظَرَانِ فِي ابْنِ
أَبِي ذِئْبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ المَخْرَمِيِّ،
فَقَدَّمَ أَحْمَدَ المَخْرَمِيَّ.
فَقَالَ يَحْيَى: المَخْرَمِيُّ شَيْخٌ؟ وَأَيْش عِنْدَهُ؟
وَأَطرَى ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَقَدَّمَهُ عَلَى
المَخْرَمِيِّ تَقْدِيْماً كَثِيْراً، مُتَفَاوِتاً.
فَذَكَرْتُ هَذَا لِعَلِيٍّ، فَوَافَقَ يَحْيَى.
وَسَأَلْتُ عَلِيّاً عَنْ سَمَاعِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ مِنَ
الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ: هِيَ مُقَارَبَةٌ، وَهِيَ عَرْضٌ.
__________
(1) إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري: 4 / 213، في الصوم: باب صوم يوم عاشوراء،
ومسلم: (1125)، في الصيام: باب صوم يوم عاشوراء، من طريق
عروة، عن عائشة.
(2) القراءة على الشيخ حفظا، أو من كتاب تسمى عند
المحدثين: " عرضا ".
والرواية بها سائغة عند العلماء، إلا عند من لا يعتد
بخلافهم.
انظر: " الباعث الحثيث ": 110.
(7/147)
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ مِنْ أَورَعِ
النَّاسِ، وَأَفَضْلِهِم (1) ، وَكَانُوا يَرْمُوْنَهُ
بِالقَدَرَ، وَمَا كَانَ قَدَرِيّاً.
أَخْبَرَنِي أَخُوْهُ، قَالَ: كَانَ يَصُوْمُ يَوْماً،
وَيُفْطِرُ يَوْماً، فَقَدِمَ رَجُلٌ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ
عَنْ رَجْفَةِ الشَّامِ (2) ، فَأَقْبَلَ يُحَدِّثُهُ،
وَيَسْتَمِعُ لَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ اليَوْمُ إِفَطَارَهُ،
فَقُلْتُ لَهُ: قُمْ، تَغَدَّ.
قَالَ: دَعْهُ اليَوْمَ.
فَسَرَدَ مِنْ ذَلِكَ اليَوْمِ، إِلَى أَنْ مَاتَ.
وَكَانَ شَدِيْدَ الحَالِ، وَكَانَ مِنْ رِجَالِ النَّاسِ
(3) صَرَامَةً، وَكَانَ يَتَشَبَّبُ فِي حَدَاثتِهِ،
حَتَّى كَبِرَ، وَطَلَبَ الحَدِيْثَ، وَقَالَ:
لَوْ طَلَبْتُ وَأَنَا صَغِيْرٌ، كُنْتُ أَدْرَكتُ
المَشَايِخَ، فَفَرَّطْتُ فِيْهِم، كُنْتُ أَتَهَاوَنُ.
وَكَانَ يَحفَظُ الحَدِيْثَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ.
قَالَ حَمَّادُ بنُ خَالِدٍ: كَانَ يُشَبَّهَ بَابْنِ
المُسَيِّبِ، وَمَا كَانَ هُوَ وَمَالِكٌ فِي مَوْضِعٍ
عِنْدَ سُلْطَانٍ، إِلاَّ تَكَلَّمَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ
بِالحَقِّ، وَالأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَمَالِكٌ سَاكِتٌ.
قَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: قُلْتُ لِيَحْيَى: مَا
حَالُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فِي الزُّهْرِيِّ؟
فَقَالَ: ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ثِقَةٌ.
قُلْتُ: هُوَ ثِقَةٌ، مَرْضِيٌّ.
وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ:
سَأَلْتُ عَلِيّاً عَنْهُ، فَقَالَ:
كَانَ عِنْدَنَا ثِقَةً، وَكَانُوا يُوَهِّنُوْنَهُ فِي
أَشْيَاءَ رَوَاهَا عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَسُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ، فَوَثَّقَهُ، وَلَمْ يَرْضَهُ
فِي الزُّهْرِيِّ.
قَالَ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ
وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ
وَخَمْسِيْنَ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: اشْتَكَى بِالكُوْفَةِ، وَبِهَا
مَاتَ.
__________
(1) انظر الخبر ص: 140.
(2) انظر الصفحة: 115، حا: 1.
(3) انظره في الصفحة: 141.
(7/148)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ الله،
عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمٌ، أَنْبَأَنَا
أَبُو سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا
أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ،
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
عُرْوَةَ:
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَفْتِلُ قَلاَئِدَ
هَدْيِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَيَبْعَثُ بِهَا، ثُمَّ لاَ يَجْتَنِبُ
شَيْئاً مِمَّا يَجْتَنِبُهُ المُحْرِمُ (1) .
صَحِيْحٌ، عَالٍ.
قِيْلَ: أَلَّفَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ كِتَاباً كَبِيْراً
فِي السُّنَنِ.
51 - هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ أَبُو بَكْرٍ بنُ سَنْبَرٍ
البَصْرِيُّ * (ع)
هُوَ الحَافِظُ، الحُجَّةُ، الإِمَامُ، الصَّادِقُ، أَبُو
بَكْرٍ هِشَامُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ سَنْبَرٍ
البَصْرِيُّ، الرَّبَعِيُّ مَوْلاَهُم.
صَاحِبُ الثِّيَابِ الدَّسْتُوَائِيَّةِ، كَانَ يَتَّجِرُ
فِي القِمَاشِ الَّذِي يُجْلَبُ مِنْ دَسْتُوَا.
وَلِذَا قِيْلَ لَهُ: صَاحِبُ الدَّسْتُوَائِيِّ،
وَدَسْتُوا: بُلَيْدَةٌ مِنْ أَعْمَالِ الأَهْوَازِ.
حَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَقَتَادَةَ،
وَالقَاسِمِ بنِ أَبِي بَزَّةَ، وَحَمَّادٍ الفَقِيْهِ،
وَشُعَيْبِ بنِ الحَبْحَابِ، وَالقَاسِمِ بنِ عَوْفٍ،
وَمَطَرٍ الوَرَّاقِ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَعَامِرٍ
الأَحْوَلِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي نَجِيْحٍ،
وَيُوْنُسَ الإِسْكَافِ، وَأَبِي
__________
(1) إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري: 3 / 434، ومسلم: (1321)، من طريق الزهري،
عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة.
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 279 - 280، طبقات خليفة: 221،
تاريخ خليفة: 426، التاريخ الكبير: 8 / 198، التاريخ
الصغير: 2 / 116 - 118، المعارف: 512، المعرفة والتاريخ: 3
/ 43، الجرح والتعديل: 9 / 59 - 61، مشاهير علماء الأمصار:
158، حلية الأولياء: 6 / 278 - 286، الكامل لابن الأثير: 5
/ 613، تهذيب الكمال: خ: 1439 - 1440، تهذيب التهذيب: خ: 4
/ 116 - 117، تاريخ الإسلام: 6 / 311 - 312، تذكرة الحفاظ:
1 / 164، ميزان الاعتدال: 4 / 300 عبر الذهبي: 1 / 221،
تهذيب التهذيب: 11 / 43 - 45، طبقات الحفاظ: 84، خلاصة
تذهيب الكمال: 410، شذرات الذهب: 1 / 235.
(7/149)
الزُّبَيْرِ، وَأَبِي عِصَامٍ البَصْرِيِّ،
وَعَلِيِّ بنِ الحَكَمِ، وَأَيُّوْبَ، وَبُدَيْلِ بنِ
مَيْسَرَةَ.
وَيَنْزِل إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنْ: مَعْمَرِ بنِ
رَاشِدٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ: مُعَاذٌ وَعَبْدُ اللهِ،
وَشُعْبَةُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَيَزِيْدُ بنُ
زُرَيْعٍ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَابْنُ عُلَيَّةَ،
وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ، وَغُنْدَرٌ،
وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ،
وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ،
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَيَزِيْدُ بنُ
هَارُوْنَ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ،
وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ، وَمَكِّيُّ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو عُمَرَ الحَوْضِيُّ، وَشَاذُ بنُ
فَيَّاضٍ، وَعَفَّانُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَمُعَاذُ بنُ
فَضَالَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ، وَمُسْلِمُ
بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو الوَلِيْدِ، وَخَلْقٌ
كَثِيْرٌ.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ: سَمِعْتُ أَيُّوْبَ
يَأمُرُنَا بِهِشَامِ بنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَيَحُثُّ
عَلَى الأَخْذِ عَنْهُ.
أُمَيَّةُ بنُ خَالِدٍ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَقُوْلُ إِنَّهُ طَلَبَ
الحَدِيْثَ يُرِيْدُ بِهِ اللهَ، إِلاَّ هِشَاماً صَاحِبَ
الدَّسْتُوَائِيِّ، وَكَانَ يَقُوْلُ: لَيْتَنَا نَنْجُو
مِنْ هَذَا الحَدِيْثِ كَفَافاً، لاَ لَنَا وَلاَ
عَلَيْنَا.
ثُمَّ قَالَ شُعْبَةُ: إِذَا كَانَ هِشَامٌ يَقُوْلُ
هَذَا، فَكَيْفَ نَحْنُ (1) ؟!
مُحَمَّدُ بنُ عَمَّارِ بنِ الحَارِثِ الرَّازِيُّ: عَنْ
عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، سَمِعَ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
كَانَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ أَحْفَظَ مِنِّي عَنْ
قَتَادَةَ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: قَالَ شُعْبَةُ:
هِشَامٌ أَعْلَمُ بِحَدِيْثِ قَتَادَةَ مِنِّي، وَأَكْثَرُ
مُجَالَسَةً لَهُ مِنِّي.
مُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ: سَأَلْتُ ابْنَ عُلَيَّةَ عَنْ
حُفَّاظِ البَصْرَةِ، فَذَكَرَ هِشَاماً
الدَّسْتُوَائِيَّ.
__________
(1) جاء في ترجمة سفيان الثوري مثل هذا، انظره في الصفحة:
252.
(7/150)
أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: عَنْ
وَكِيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ،
وَكَانَ ثَبْتاً.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ يَحْيَى القَطَّانُ إِذَا
سَمِعَ الحَدِيْثَ مِنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، لاَ
يُبَالِي أَنْ لاَ يَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِه.
أَبُو حَاتِمٍ: عَنْ أَبِي غَسَّانَ التُّسْتَرِيِّ،
سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ يَقُوْلُ:
كَانَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَا رَأَيْتُ أَبَا نُعَيْمٍ
يَحُثُّ عَلَى أَحَدٍ، إِلاَّ عَلَى هِشَامٍ
الدَّسْتُوَائِيِّ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَسَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ
عَنِ الأَوْزَاعِيِّ (1) وَالدَّسْتُوَائِيِّ: أَيُّهُمَا
أَثْبَتُ فِي يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ؟
فَقَالَ: الدَّسْتُوَائِيُّ، لاَ تَسْأَلْ عَنْهُ أَحَداً،
مَا أَرَى النَّاسَ يَرْوُونَ عَنْ أَحَدٍ أَثْبَتَ
مِنْهُ، مِثْلَه عَسَى، أَمَّا أَثْبَتُ مِنْهُ، فَلاَ.
صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: أَكْثَرُ مَنْ فِي
يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ بِالبَصْرَةِ هِشَامٌ
الدَّسْتُوَائِيُّ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ ثَبْتٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَأَلْتُ عَلِيّاً: مَنْ أَثْبَتُ
أَصْحَابِ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ؟
قَالَ: هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، ثُمَّ حُسَيْنٌ
المُعَلِّمُ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَحَجَّاجٌ الصَّوَّافُ
(2) ، وَأُرَاهُ ذَكَرَ عَلِيَّ بنَ المُبَارَكِ.
فَإِذَا سَمِعْتَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ يَحْيَى، فَلاَ
تُرِدْ بَدَلاً.
قَالَ العِجْلِيُّ: هِشَامٌ: بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ
فِي الحَدِيْثِ، كَانَ أَرْوَى النَّاسِ عَنْ ثَلاَثَةٍ:
قَتَادَةَ، وَحَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَيَحْيَى بنِ
أَبِي كَثِيْرٍ، كَانَ يَقُوْلُ بِالقَدَرِ، وَلَمْ يَكُنْ
يَدْعُو إِلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ مَوْلَى
بَنِي سَدُوْسٍ، كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ،
حُجَّةً، إِلاَّ أَنَّهُ يَرَى القَدَرَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي، وَأَبَا
زُرْعَةَ: مَنْ أَحَبُّ إِلَيْكُمَا مِنْ
__________
(1) انظر ترجمته في الصفحة: 107.
(2) انظر ترجمته في الصفحة: 75.
(7/151)
أَصْحَابِ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ؟
قَالاَ: هِشَامٌ.
قُلْتُ لَهُمَا: وَالأَوْزَاعِيُّ؟
قَالاَ: بَعْدَهُ.
وَزَادَنِي أَبُو زُرْعَةَ: لأَنَّ الأَوْزَاعِيَّ
ذَهَبَتْ كُتُبُهُ، وَأَثبَتُ أَصْحَابِ قَتَادَةَ:
هِشَامٌ، وَسَعِيْدٌ.
وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ
العَيْشِيِّ (1) ، قَالَ:
كَانَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ إِذَا فَقَدَ السِّرَاجَ
مِنْ بَيْتِهِ، يَتَمَلْمَلُ عَلَى فِرَاشِهِ، فَكَانَتِ
امْرَأَتُهُ تَأْتِيْهِ بِالسِّرَاجِ.
فَقَالَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّيْ إِذَا
فَقَدتُ السِّرَاجَ، ذَكَرْتُ ظُلْمَةَ القَبْرِ.
وَقَالَ شَاذُ بنُ فَيَّاضٍ: بَكَى هِشَامٌ
الدَّسْتُوَائِيُّ حَتَّى فَسَدَتْ عَيْنُهُ، فَكَانَتْ
مَفْتُوْحَةً، وَهُوَ لاَ يَكَادُ يُبْصِرُ بِهَا.
وَعَنْ هِشَامٍ، قَالَ: عَجِبْتُ لِلْعَالِمِ كَيْفَ
يَضْحَكُ؟!
وَكَانَ يَقُوْلُ: لَيْتَنَا نَنْجُو، لاَ عَلَيْنَا وَلاَ
لَنَا.
قَالَ عَوْنُ بنُ عُمَارَةَ: سَمِعْتُ هِشَاماً
الدَّسْتُوَائِيَّ يَقُوْلُ:
وَاللهِ مَا أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَقُوْلَ إِنِّي ذَهَبتُ
يَوْماً قَطُّ أَطْلُبُ الحَدِيْثَ، أُرِيْدُ بِهِ وَجْهَ
اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.
قُلْتُ: وَاللهِ وَلاَ أَنَا، فَقَدْ كَانَ السَّلَفُ
يَطلُبُوْنَ العِلْمَ للهِ، فَنَبُلُوا، وَصَارُوا
أَئِمَّةً يُقتَدَى بِهِم، وطَلَبَهُ قَوْمٌ مِنْهُم
أَوَّلاً لاَ للهِ، وَحَصَّلُوْهُ، ثُمَّ اسْتَفَاقُوا،
وَحَاسَبُوا أَنْفُسَهُم، فَجَرَّهُمُ العِلْمُ إِلَى
الإِخْلاَصِ فِي أَثنَاءِ الطَّرِيْقِ، كَمَا قَالَ
مُجَاهِدٌ، وَغَيْرُهُ:
طَلَبْنَا هَذَا العِلْمَ، وَمَا لَنَا فِيْهِ كَبِيْرُ
نِيَّةٍ، ثُمَّ رَزَقَ اللهُ النِّيَّةَ بَعْدُ.
وَبَعْضُهُم يَقُوْلُ: طَلَبْنَا هَذَا العِلْمَ لِغَيْرِ
اللهِ، فَأَبَى أَنْ يَكُوْنَ إِلاَّ للهِ، فَهَذَا
أَيْضاً حَسَنٌ، ثُمَّ نَشَرُوْهُ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ.
وَقَوْمٌ طَلَبُوْهُ بِنِيَّةٍ فَاسِدَةٍ لأَجْلِ
الدُّنْيَا، وَلِيُثْنَى عَلَيْهِم، فَلَهُم مَا نَوَوْا.
قَالَ
__________
(1) العيشي: نسبة إلى جدته عائشة بنت طلحة.
(7/152)
عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: (مَنْ
غَزَا يَنْوِي عِقَالاً، فَلَهُ مَا نَوَى (1)).
وَترَى هَذَا الضَّربَ لَمْ يَسْتَضِيْؤُوا بِنُوْرِ
العِلْمِ، وَلاَ لَهُم وَقْعٌ فِي النُّفُوْسِ، وَلاَ
لِعِلْمِهِم كَبِيْرُ نَتِيجَةٍ مِنَ العَمَلِ، وَإِنَّمَا
العَالِمُ مَنْ يَخشَى اللهَ -تَعَالَى-.
وَقَوْمٌ نَالُوا العِلْمَ، وَوُلُّوا بِهِ المَنَاصِبَ،
فَظَلَمُوا، وَتَرَكُوا التَّقَيُّدَ بِالعِلْمِ،
وَرَكِبُوا الكَبَائِرَ وَالفَوَاحِشَ، فَتَبّاً لَهُم،
فَمَا هَؤُلاَءِ بِعُلَمَاءَ!
وَبَعْضُهُم لَمْ يَتَقِّ اللهَ فِي عِلْمِهِ، بَلْ رَكِبَ
الحِيَلَ، وَأَفْتَى بِالرُّخَصِ، وَرَوَى الشَّاذَّ مِنَ
الأَخْبَارِ.
وَبَعْضُهُم اجْتَرَأَ عَلَى اللهِ، وَوَضَعَ
الأَحَادِيْثَ، فَهَتَكَهُ اللهُ، وَذَهَبَ عِلْمُهُ،
وَصَارَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ.
وَهَؤُلاَءِ الأَقسَامُ كُلُّهُم رَوَوْا مِنَ العِلْمِ
شَيْئاً كَبِيْراً، وَتَضَلَّعُوا مِنْهُ فِي الجُمْلَةِ،
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِم خَلْفٌ باَنَ نَقْصُهُم فِي
العِلْمِ وَالعَمَلِ.
وَتَلاَهُم قَوْمٌ انْتَمَوْا إِلَى العِلْمِ فِي
الظَّاهِرِ، وَلَمْ يُتْقِنُوا مِنْهُ سِوَى نَزْرٍ
يَسِيْرٍ، أَوْهَمُوا بِهِ أَنَّهُم عُلَمَاءُ فُضَلاَءُ،
وَلَمْ يَدُرْ فِي أَذهَانِهِم قَطُّ أَنَّهُم
يَتَقَرَّبُوْنَ بِهِ إِلَى اللهِ؛ لأَنَّهُم مَا رَأَوْا
شَيْخاً يُقْتَدَى بِهِ فِي العِلْمِ، فَصَارُوا هَمَجاً
رَعَاعاً، غَايَةُ المُدَرِّسِ مِنْهُم أَنْ يُحَصِّلَ
كُتُباً مُثَمَّنَةً، يَخْزُنُهَا، وَيَنْظُرُ فِيْهَا
يَوْماً مَا، فَيُصَحِّفُ مَا يُوْرِدُهُ، وَلاَ
يُقَرِّرُهُ.
فَنَسْأَلُ اللهَ النَّجَاةَ وَالعَفْوَ، كَمَا قَالَ
بَعْضُهُم: مَا أَنَا عَالِمٌ، وَلاَ رَأَيتُ عَالِماً.
وَقَدْ كَانَ هِشَامُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ مِنَ
الأَئِمَّةِ، لَوْلاَ مَا شَابَ عِلْمَهُ بِالقَدَرِ.
قَالَ الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ البَرْقِيِّ (2) : قُلْتُ
لِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: أَرَأَيتَ مَنْ يُرْمَى
__________
(1) أخرجه أحمد: 5 / 315، والدارمي: 2 / 208، والنسائي: 6
/ 24، من حديث عبادة ابن الصامت، مرفوعا، بلفظ: " من غزا
في سبيل الله، ولم ينو إلا عقالا، فله ما نوى ". وفي سنده
يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت، لم يوثقه غير ابن
حبان، وباقني رجاله ثقات.
(2) البرقي، بفتح الباء، وسكون الراء: نسبة إلى برقة، وهو
الحافظ العالم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد
الرحيم بن سعيد الزهري، مولاهم البصري، صاحب كتاب "
الضعفاء "،
وعرف بالبرقي: لأنه كان يتجر إلى برقة. مات سنة (249 ه).
التذكرة: 569.
(7/153)
بِالقَدَرِ، يُكْتَبُ حَدِيْثُه؟
قَالَ: نَعَمْ، قَدْ كَانَ قَتَادَةُ، وَهِشَامٌ
الدَّسْتُوَائِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ،
وَعَبْدُ الوَارِثِ... - وَذَكَرَ جَمَاعَةً -
يَقُوْلُوْنَ بِالقَدَرِ، وَهُم ثِقَاتٌ، يُكْتَبُ
حَدِيْثُهُم، مَا لَمْ يَدْعُوا إِلَى شَيْءٍ.
قُلْتُ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ كَبِيْرَةٌ، وَهِيَ:
القَدَرِيُّ، وَالمُعْتَزِلِيُّ، وَالجَهْمِيُّ،
وَالرَّافِضِيُّ، إِذَا عُلِمَ صِدْقُهُ فِي الحَدِيْثِ
وَتَقْوَاهُ، وَلَمْ يَكُنْ دَاعِياً إِلَى بِدْعَتِهِ،
فَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ العُلَمَاءِ قَبُولُ
رِوَايَتِهِ، وَالعَمَلِ بِحَدِيْثِهِ، وَتَرَدَّدُوا فِي
الدَّاعِيَةِ، هَلْ يُؤْخَذُ عَنْهُ؟
فَذَهَبَ كَثِيْرٌ مِنَ الحُفَّاظِ إِلَى تَجَنُّبِ
حَدِيْثِهِ، وَهُجْرَانِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُم: إِذَا عَلِمْنَا صِدْقَهُ، وَكَانَ
دَاعِيَةً، وَوَجَدْنَا عِنْدَهُ سُنَّةً تَفَرَّدَ بِهَا،
فَكَيْفَ يَسُوغُ لَنَا تَرْكُ تِلْكَ السُّنَّةِ؟
فَجَمِيْعُ تَصَرُّفَاتِ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، تُؤْذِنُ
بِأَنَّ المُبتَدِعَ إِذَا لَمْ تُبِحْ بِدعَتُه خُرُوْجَه
مِنْ دَائِرَةِ الإِسْلاَمِ، وَلَمْ تُبِحْ دَمَهُ،
فَإِنَّ قَبُولَ مَا رَوَاهُ سَائِغٌ.
وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ لَمْ تَتَبَرْهَنْ لِي كَمَا
يَنْبَغِي، وَالَّذِي اتَّضَحَ لِي مِنْهَا: أَنَّ مَنْ
دَخَلَ فِي بِدعَةٍ، وَلَمْ يُعَدَّ مِنْ رُؤُوْسِهَا،
وَلاَ أَمْعَنَ فِيْهَا، يُقْبَلُ حَدِيْثُه، كَمَا
مَثَّلَ الحَافِظُ أَبُو زَكَرِيَّا بِأُوْلَئِكَ
المَذْكُوْرِيْنَ، وَحَدِيْثُهُم فِي كُتُبِ الإِسْلاَمِ
لِصِدْقِهِم وَحِفْظِهِم (1).
__________
(1) جاء في " تاريخ الثقات " لابن حبان، في ترجمة جعفر بن
سليمان الضبعي ما نصه: ليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف
أن الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعة، ولم يكن يدعو إليها،
أن الاحتجاج بأخباره جائز، فإذا دعا إلى بدعته، سقط
الاحتجاج بأخباره.
وقال أيضا في " صحيحه: 120: " وأما المنتحلون المذاهب من
الرواة مثل الارجاء والترفض وما أشبههما، فإنا نحتج
بأخبارهم إذا كانوا ثقات، على الشرط الذي وصفناه، ونكل
مذهبهم وما تقلدوه فيما بينهم وبين خالقهم إلى الله - جل
وعلا - إلا أن يكونوا دعاة إلى ما انتحلوا، فإن الداعي إلى
مذهبه، والذاب عنه حتى يصير إماما فيه - وإن كان ثقة - ثم
روينا عنه، جعلنا للاتباع لمذهبه طريقا، وسوغنا للمتعلم
الاعتماد عليه وعلى قوله.
فالاحتياط ترك رواية الأئمة الدعاة منهم، والاحتجاج
بالثقات الرواة منهم، على حسب ما وصفنا.
ولو عمدنا إلى ترك حديث الأعمش، وأبي إسحاق، وعبد الملك بن
عمير، وأضرابهم، لما انتحلوا، وإلى قتادة، وسعيد بن أبي
عروبة، وابن أبي ذئب، =
(7/154)
قَالَ مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ: مَكَثَ أَبِي
-يَعْنِي: عَاشَ- ثَمَانِياً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَسَنُّ مِنْ أَبِي
حَنِيْفَةَ وَشُعْبَةَ، وَأَنَّهُ وُلِدَ فِي حَيَاةِ
جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَطَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ المَيْمُوْنِيُّ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَبْدِ
الوَارِثِ، قَالَ:
مَاتَ هِشَامُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ سَنَة اثْنَتَيْنِ
وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَتَادَةَ
سَبْعُ سِنِيْنَ -يَعْنِي: فِي المَوْلِدِ-.
وَقَالَ زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ سَنَةَ
ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ
بِأَيَّامٍ.
وَقَالَ أَبُو الوَلِيْدِ، وَعَمْرٌو الفَلاَّسُ: مَاتَ
سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ.
قُلْتُ: حَدِيْثُه فِي الدَّوَاوِيْنِ كُلِّهَا، إِلاَّ
(المُوَطَّأَ).
أَخْبَرَنَا الأَئِمَّةُ: يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ،
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالمُسْلِمُ بنُ
مُحَمَّدٍ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
السَّلاَمِ إِجَازَةً، أَنْبَأَنَا عَمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ،
أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَنْبَأَنَا
مُحَمَّدُ بنُ غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ شَدَّادٍ
المِسْمَعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ
__________
= وأشباههم، لما تقلدوا، وإلى عمر بن ذر، وإبراهيم التيمي،
ومسعر بن كدام، وأقرانهم، لما اختاروا، فتركنا حديثهم
لمذاهبهم، لكان ذلك ذريعة إلى ترك السنن كلها، حتى لا يحصل
في أيدينا من السنن إلا الشئ اليسير ".
والحق في هذه المسألة، كما قال العلامة محمد بخيت المطيعي
في حاشيته على " نهاية
السول ": 3 / 744: قبول رواية كل من كان من أهل القبلة،
يصلي بصلاتنا، ويؤمن بكل ما جاء به رسولنا مطلقا، متى كان
يقول بحرمة الكذب، فإن من كان كذلك، لا يمكن أن يبتدع بدعة
إلا وهو متأول فيها، مستند في القول بها إلى كتاب الله أو
سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بتأول رآه باجتهاده، وكل
مجتهد مأجور - وإن أخطأ -.
نعم، إذا كان ينكر أمرا متواترا من الشرع، معلوما من الدين
بالضرورة، أو اعتقد عكسه، كان كافرا قطعا، لان ذلك ليس
محلا للاجتهاد، بل هو مكابرة فيما هو متواتر من الشريعة،
معلوم من الدين بالضرورة، فيكون كافرا مجاهرا، فلا يقبل
مطلقا، حرم الكذب أو لم يحرمه.
(7/155)
العَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
لأُحَدِّثَنَّكُم حَدِيْثاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعْتُهُ
يَقُوْلُ: (إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ
يُرْفَعَ العِلْمُ، وَيَكْثُرَ الجَهْلُ، وَيَظْهَرَ
الزِّنَى، وَيُشْرَبَ الخَمْرُ، وَتَقِلَّ الرِّجَالُ،
وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ، حَتَّى تَكُوْنَ فِي الخَمْسِيْنَ
امْرَأَةً القَيِّمُ الوَاحِدُ).
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (1) ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ، وَحَفْصِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ هِشَامٍ
الدَّسْتُوَائِيِّ، نَحْوَهُ.
52 - حَمَّادٌ عَجْرَدُ أَبُو عَمْرٍو بنُ عُمَرَ
السُّوَائِيُّ مَوْلاَهُم *
الشَّاعِرُ المُفْلِقُ، أَبُو عَمْرٍو حَمَّادُ بنُ عُمَرَ
بنِ يُوْنُسَ بنِ كُلَيْبٍ السُّوَائِيُّ مَوْلاَهُم،
الوَاسِطِيُّ، أَوِ الكُوْفِيُّ.
نَادَمَ الوَلِيْدَ بنَ يَزِيْدَ، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ
زَمَنَ المَهْدِيِّ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ بَشَّارِ بنِ
بُرْدٍ مُزَاحٌ وَهِجَاءٌ فَاحِشٌ.
وَكَانَ قَلِيْلَ الدِّيْنِ، مَاجِناً، اتُّهِمَ
بِالزَّنْدَقَةِ، وَهُوَ القَائِلُ:
فَأَقْسَمْتُ لَوْ أَصْبَحْتَ فِي قَبْضَةِ الهَوَى ...
لأَقْصَرْتَ عَنْ لَوْمِي وَأَطْنَبْتَ فِي عُذْرِي
وَلَكِنْ بَلاَئِي مِنْكَ أَنَّكَ نَاصِحٌ ... وَأَنَّكَ
لاَ تَدْرِي بِأَنَّكَ لاَ تَدْرِي (2)
مَاتَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، قَتَلَهُ:
مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ أَمِيْرُ البَصْرَةِ عَلَى
__________
(1) 10 / 28، في أول الاشربة، و: 9 / 288، في النكاح: باب
يقل الرجال ويكثر النساء،
و: 1 / 162، و: 163، في العلم: باب رفع العلم وظهور الجهل.
وأخرجه مسلم: (2671)، في العلم: باب رفع العلم وقبضه،
والترمذي: (2205)، وابن ماجه: (4045)، وأحمد: 3 / 98، 151،
176، 202، 213، 273، 289.
(*) الشعر والشعراء: 779 - 781، طبقات ابن المعتز: 67 -
72، تاريخ الطبري: 8 / 86، الاغاني: 14 / 321 - 381، تاريخ
بغداد: 8 / 148 - 149، معجم الأدباء: 10 / 249 - 254،
وفيات الأعيان: 2 / 210 - 214، تاريخ الإسلام: 6 / 173 -
174، لسان الميزان: 2 / 349 - 350، تهذيب ابن عساكر: 4 /
427 - 429.
(2) البيتان في: " الاغاني ": 14 / 362، وفيه: أن بشار بن
برد سمع أبيات حماد في غلام كان بهواه يقال لهه: أبو بشر،
أولها:
أخي كف عن لومي فإنك لا تدري * بما فعل الحب المبرح في
صدري =
(7/156)
الزَّنْدَقَةِ.
وَقِيْلَ: بَلْ مَاتَ فِي سَفَرٍ - فَاللهُ أَعْلَمُ -.
وَيُقَالُ: هَلَكَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقِيْلَ: بَعْدَ ذَلِكَ.
53 - حَمَّادٌ الرَّاوِيَةُ أَبُو القَاسِمِ بنُ سَابُوْرَ
الشَّيْبَانِيُّ *
هُوَ العَلاَّمَةُ، الأَخْبَارِيُّ، أَبُو القَاسِم
ِ حَمَّادُ بنُ سَابُوْرَ بنِ مُبَارَكٍ الشَّيْبَانِيُّ
مَوْلاَهُم.
كَانَ مَكِيْناً وَنَدِيْماً لِلْوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ
المَلِكِ، وَكَانَ أَحَدَ الأَذْكِيَاءِ، رَاوِيَةً
لأَيَّامِ النَّاسِ، وَالشِّعْرِ، وَالنَّسَبِ.
طَالَ عُمُرُهُ، وَأَخَذَ عَنْهُ: المَهْدِيُّ.
وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ
فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ.
وَكَانَ قَلِيْلَ النَّحْوِ، رُبَّمَا لَحَنَ.
وَقِيْلَ: مَاتَ فِي دَوْلَةِ المَهْدِيِّ، نَحْوَ
السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّ الوَلِيْدَ بنَ يَزِيْدَ سَأَلَهُ: لِمَ
سُمِّيتَ الرَّاوِيَةَ؟
قَالَ: لأَنِّي أَرْوِي لِكُلِّ شَاعِرٍ تَعْرِفُهُ،
وَلِكُلِّ شَاعِرٍ تَعتَرِفُ أَنَّكَ يَا أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ لاَ تَعْرِفُهُ، وَأُنْشِدُكَ عَلَى كُلِّ
حَرفٍ مِنْ حُرُوْفِ المُعْجَمِ مائَةَ قَصِيدَةٍ
لِلْجَاهِلِيَّةِ.
فَيُقَالُ: إِنَّهُ وَكَّلَ بِهِ مَنْ يَسْتَنْشِدُهُ،
حَتَّى
__________
= ومنها البيتان، فطرب بشار، ثم قال: ويلكم، أحسن والله،
من هذا ؟ قالوا: حماد عجرد.
قال: أوه، وكلتموني والله بقية يومي بهم طويل، والله
لاأطعم بقية يومي طعاما، ولا أصوم غما بما يقول النبطي ابن
الزانية مثل هذا ".
وفيه شطر البيت الأول: " فأقسم لو أصبحت في لوعة الهوى ".
وانظر البيتين أيضا في " معجم الأدباء ": 10 / 253.
(*) المعارف: 541، طبقات ابن المعتز: 69 - 72، الاغاني: 6
/ 70 - 95، الفهرست: المقالة الثالثة الفن الأول، معجم
الأدباء: 10 / 258 - 266، وفيات الأعيان: 2 / 206 - 210،
تاريخ الإسلام: 6 / 56، 172 - 173، البداية والنهاية: 10 /
114، لسان الميزان: 2 / 352 - 353، شذرات الذهب: 1 / 239،
خزانة الأدب: 4 / 129 - 132، تهذيب ابن عساكر: 4 / 430 -
434.
(7/157)
سَرَدَ أَلفَينِ وَتِسْعَمائَةِ قَصِيدَةٍ،
فَأَمَرَ لَهُ بِمائَةِ أَلفِ دِرْهَمٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّ هِشَامَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ أَعْطَاهُ
مائَةَ أَلْفٍ.
54 - مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحِ بنِ حُدَيْرِ بنِ سَعِيْدٍ
الحَضْرَمِيُّ * (م، 4)
ابْنِ سَعْدِ بنِ فِهْرٍ الحَضْرَمِيُّ، الإِمَامُ،
الحَافِظُ، الثِّقَةُ، قَاضِي الأَنْدَلُسِ، أَبُو
عَمْرٍو، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَضْرَمِيُّ،
الشَّامِيُّ، الحِمْصِيُّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفِدَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ عَمْرِو بنِ المُنَادِي، أَنْبَأَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَنْبَأَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَنْبَأَنَا رِزْقُ اللهِ
التَّمِيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ
المُعَدَّلُ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ
عَمْرٍو، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ
السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي
مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ
عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّهَا قِيْلَ لَهَا: مَاذَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهِ؟
قَالَتْ: كَانَ بَشَراً مِنَ البَشَرِ، يَفْلِي ثَوْبَهُ،
وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ (1) .
هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ.
أَخْرَجَهُ: أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ
(الشَّمَائِلِ)، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ السُّلَمِيِّ
بَلَدِيِّه، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.
وَمُعَاوِيَةُ مِنْ شَرْطِ مُسْلِمٍ.
__________
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 521، التاريخ الكبير: 7 / 335،
التاريخ الصغير: 2 / 175، المعرفة والتاريخ: 2 / 426،
الضعفاء: خ: 413 - 414، الجرح والتعديل: 8 / 382 - 383،
تهذيب الكمال: خ: 1344، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 51 - 52،
تاريخ الإسلام: 6 / 291 - 293، تذكرة الحفاظ: 1 / 176،
ميزان الاعتدال: 4 / 135، عبر الذهبي: 1 / 229، العقد
الثمين: 7 / 237 - 238، تهذيب التهذيب: 10 / 209 - 212،
طبقات الحفاظ: 77، خلاصة تذهيب الكمال: 381.
(1) أبو صالح هو عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني،
كاتب الليث، وهو سيئ الحفظ، وباقي رجاله ثقات.
أخرجه الترمذي في " الشمائل ": (335)، من طريق محمد بن
إسماعيل، عن عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح به.
وأخرجه أحمد في " المسند ": 6 / 256، من طريق حماد بن
خالد، عن ليث بن سعد، عن معاوية بن صالح، عن يحيى بن سعيد،
عن القاسم، عن عائشة.
وهذا سند حسن.
(7/158)
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ
الفَقِيْهُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَمُحَمَّدُ بنُ مُشَرَّفٍ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ يَحْيَى المَخْزُوْمِيُّ،
أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَنْبَأَنَا
أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو، أَنْبَأَنَا أَبُو الطَّاهِرِ
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَدِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا
يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ عَامِرِ بنِ
جَشِيْبٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ:
سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُوْلُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الطَّعَامِ: (الحَمْدُ للهِ
حَمْداً كَثِيْراً، طَيِّباً، مُبَارَكاً فِيْهِ، غَيْرَ
مَكْفِيٍّ، وَلاَ مُوَدَّعٍ، وَلاَ مُسْتَغْنَىً عَنْهُ
(1)).
أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ يُوْنُسَ.
وُلِدَ: فِي حَيَاةِ طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَفِي
دَوْلَةِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، فِي حُدُوْدِ
الثَّمَانِيْنَ مِنَ الهِجْرَةِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، وَأَبِي
الزَّاهِرِيَّةِ حُدَيْرِ بنِ كُرَيْبٍ، وَمَكْحُوْلٍ،
وَأَبِي مَرْيَمَ الأَنْصَارِيِّ، وَنُعَيْمِ بنِ زِيَادٍ
الأَنْمَارِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ سَيْفٍ، وَيَحْيَى بنِ
جَابِرٍ الطَّائِيِّ، وَعَامِرِ بنِ جَشِيْبٍ، وَضَمْرَةَ
بنِ حَبِيْبٍ، وَسُلَيْمِ بنِ عَامِرٍ، وَأَزْهَرَ بنِ
سَعِيْدٍ الحَرَازِيِّ، وَحَاتِمِ بنِ حُرَيْثٍ،
وَحَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، وَرَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ
القَصِيْرِ، وَزِيَادِ بنِ أَبِي سَوْدَةَ، وَالسَّفْرِ
بنِ نُسَيْرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَيْسٍ، وَصَالِحِ
بنِ جُبَيْرٍ الأُرْدُنِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، وَعَبْدِ القَاهِرِ أَبِي عَبْدِ
اللهِ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بنِ بُخْتٍ، وَعُمَيْرِ بنِ
هَانِئ، وَالعَلاَءِ بنِ
__________
(1) إسناده حسن.
وأخرجه البخاري: 9 / 501، في الاطعمة: باب ما يقول إذا فرغ
من طعامه من طريق أبي نعيم، عن سفيان، الثوري، عن ثور بن
يزيد، عن خالد بن معدان، عن أبي أمامة، وأخرجه الترمذي:
(3456)، في الدعوات: باب ما يقول إذا فرغ من الطعام، من
طريق محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد، عن ثور بن يزيد، عن
خالد بن معدان، عن أبي أمامة.
(7/159)
الحَارِثِ، وَكَثِيْرِ بنِ الحَارِثِ،
وَالقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيِّ،
وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَخَلْقٍ
سِوَاهُم.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ،
وَرِشْدِيْنُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَمَعْنُ بنُ
عِيْسَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَحَمَّادُ
بنُ خَالِدٍ الخَيَّاطُ، وَبِشْرُ بنُ السَّرِيِّ،
وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ،
وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى البُرُلُّسِيُّ،
وَالوَاقِدِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ كَاتِبُ
اللَّيْثِ، وَهَانِئُ بنُ المُتَوَكِّلِ، وَآخَرُوْنَ.
وَفَرَّ مِنَ الشَّامِ مَعَ المَرْوَانِيَةِ، فَدَخَلَ
مَعَهُمُ الأَنْدَلُسَ، فَلَمَّا اسْتَولَى عَلَيْهَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ الدَّاخِلُ، وَلاَّهُ
قَضَاءَ مَمَالِكِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ
حَجَّ، وَحَدَّثَ بِالحِجَازِ، وَغَيْرِهَا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: خَرَجَ مِنْ حِمْصَ
قَدِيْماً، وَكَانَ ثِقَةً.
وَرَوَى: جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ،
عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى: صَالِحٌ.
وَأَمَّا عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، فَرَوَى عَنْ يَحْيَى:
لَيْسَ بِرَضِيٍّ، كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ لاَ
يَرضَاهُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ
سَعِيْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، فَقَالَ: مَا
كُنَّا نَأخُذُ عَنْهُ ذَلِكَ الزَّمَانَ وَلاَ حَرفاً.
وَقَالَ عَلِيٌّ أَيْضاً: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
يُوَثِّقُهُ.
أَبُو صَالِحٍ الفَرَّاءُ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
الفَزَارِيُّ بِحَدِيْثٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ،
ثُمَّ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: مَا كَانَ بِأَهْلٍ أَنْ
يُرْوَى عَنْهُ.
قُلْتُ: أَظُّنُه يُشِيْرُ إِلَى مُدَاخَلَتِه
لِلدَّوْلَةِ.
ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: سَمِعْتُ خَالِي مُوْسَى بنَ
سَلَمَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ مُعَاوِيَةَ بنَ
(7/160)
صَالِحٍ لأَكتُبَ عَنْهُ، فَرَأَيْتُ -
أُرَاهُ قَالَ - المَلاَهِي، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟
قَالَ: شَيْءٌ نُهْدِيهِ إِلَى صَاحِبِ الأَنْدَلُسِ.
قَالَ: فَتَرَكتُهُ، وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ، مُحَدِّثٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ، حَسَنُ
الحَدِيْثِ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ صَالِحٍ الوُحَاظِيُّ: خَرَجَ عَنْ
حِمْصَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَجَّ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ،
فَفِيْهَا لَقِيَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ،
وَسُفْيَانُ بِمَكَّةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ
الحَدِيْثِ، وَكَانَ قَاضِياً لَهُم بِالأَنْدَلُسِ، حَجَّ
مِنْ دَهْرِهِ حَجَّةً وَاحِدَةً، وَمَرَّ بِالمَدِيْنَةِ،
فَلَقِيَهُ مَنْ لَقِيَهُ.
وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهُ: خَرَجَ مِنْ حِمْصَ
سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَهُوَ شَابٌّ، فَصَارَ إِلَى
المَغْرِبِ، فَوَلِيَ قَضَاءهُم.
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: مَرَّ بِنَا مُعَاوِيَةُ حَاجّاً
سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ، فَكَتَبَ عَنْهُ:
الثَّوْرِيُّ، وَأَهْلُ مِصْرَ، وَأَهْلُ المَدِيْنَةِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ:
كُنَّا بِمَكَّةَ نَتَذَاكَرُ الحَدِيْثَ، فَبَيْنَا
نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذَا إِنْسَانٌ قَدْ دَخَلَ فِيْمَا
بَيْنَنَا، يَسْمَعُ حَدِيْثَنَا، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: أَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ.
فَاحْتَوَشْنَاهُ (1) .
أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ
صَالِحٍ يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ
__________
(1) احتوشناه: جعلناه وسطنا.
(7/161)
بنُ صَالِحٍ، فَجَالَسَ اللَّيْثَ،
فَحَدَّثَه، فَقَالَ اللَّيْثُ: يَا عَبْدَ اللهِ! ائْتِ
الشَّيْخَ، فَاكتُبْ مَا يُمْلِي عَلَيْكَ.
فَأَتَيْتُهُ، وَكَانَ يُملِيْهَا عَلَيَّ، ثُمَّ نَصِيْرُ
إِلَى اللَّيْثِ نَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ، فَسمِعْتُهَا مِنْ
مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ مَرَّتَيْنِ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حُدِّثتُ عَنْ حُمَيْدِ بنِ
زَنْجَوَيْه، قَالَ:
قُلْتُ لِعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ: إِنَّكَ تَطلُبُ
الغَرَائِبَ، فَائْتِ عَبْدَ اللهِ بنَ صَالِحٍ، وَاكتُبْ
كِتَابَ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، تَسْتَفِيْدُ مائَتَيْ
حَدِيْثٍ.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: مِنْهُم مَنْ يَقُوْلُ:
مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ وَسَطٌ، لَيْسَ بِالثَّبْتِ،
وَلاَ بِالضَّعِيْفِ، وَمِنْهُم مَنْ يُضَعِّفُه.
وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ اللَّيْثُ بنُ عَبْدَةَ: قَالَ يَحْيَى بنُ
مَعِيْنٍ:
كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ إِذَا حَدَّثَ
بِحَدِيْثِ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، زَبَرَهُ (1) يَحْيَى
بنُ سَعِيْدٍ، وَقَالَ: أَيْش هَذِهِ الأَحَادِيْثُ؟
وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لاَ يُبَالِي عَمَّنْ رَوَى،
وَيَحْيَى ثِقَةٌ فِي حَدِيْثِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لِمُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ عِنْدَ
ابْنِ وَهْبٍ كِتَابٌ، وَعِنْدَ أَبِي صَالِحٍ عَنْهُ
كِتَابٌ، وَعِنْدَ ابْنِ مَهْدِيٍّ وَمَعْنٍ عَنْهُ
أَحَادِيْثُ، وَحَدَّثَ عَنْهُ: اللَّيْثُ، وَبِشْرُ بنُ
السَّرِيِّ، وَثِقَاتُ النَّاسِ، وَمَا أَرَى بِحَدِيْثِهِ
بَأْساً، وَهُوَ عِنْدِي صَدُوْقٌ، إِلاَّ أَنَّهُ يَقَعُ
فِي حَدِيْثِهِ أَفْرَادَاتٌ.
وَذَكَرَهُ: ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ (الثِّقَاتِ).
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ
مِصْرَ، وَذَهَبَ إِلَى الأَنْدَلُسِ، فَلَمَّا دَخَلَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ هِشَامٍ
الأَنْدَلُسَ وَمَلَكَهَا، اتَّصَلَ بِهِ، فَأَرْسَلَه
إِلَى الشَّامِ فِي بَعْضِ أَمرِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ
إِلَيْهِ مِنَ الشَّامِ، وَلاَّهُ قَضَاءَ الجَمَاعَةِ
بِالأَنْدَلُسِ....، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ،
أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ
__________
(1) يقال: زبره يزبره عن الامر زبرا: نهاه وانتهره.
والزبر: الزجر والمنع.
(7/162)
بَكْرُ بنُ أَحْمَدَ الشَّعْرَانِيُّ، عَنْ
أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى مُصَنِّفِ (تَارِيْخِ
حِمْصَ)، وَلَهُ عَقِبٌ بِالأَنْدَلُسِ إِلَى الآنِ.
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ، وَغَيْرهُ،
كَذَلِكَ فِي تَارِيْخِ وَفَاتِه: إِنَّهَا سَنَةُ
ثَمَانٍ.
وَقَالَ الرَّمَادِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ): حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، قَالَ:
قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ سَنَةَ سَبْعٍ
وَخَمْسِيْنَ، فَسَمِعنَا مِنْهُ، فَحَجَّ، ثُمَّ رَجَعَ
فِي سَنَةِ ثَمَانٍ مِنَ الحجِّ، فَسَمِعنَا مِنْهُ.
55 - مِسْعَرُ بنُ كِدَامِ بنِ ظُهَيْرِ بنِ عُبَيْدَةَ
الهِلاَلِيُّ * (ع)
ابْنِ الحَارِثِ، الإِمَامُ، الثَّبْتُ، شَيْخُ العِرَاقِ،
أَبُو سَلَمَةَ الهِلاَلِيُّ، الكُوْفِيُّ، الأَحْوَلُ،
الحَافِظُ، مِنْ أَسْنَانِ شُعْبَةَ.
رَوَى عَنْ: عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ،
وَالحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ، وَثَابِتِ بنِ عُبَيْدٍ،
وَقَتَادَةَ بنِ دِعَامَةَ، وَسَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ،
وَزِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ،
وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَبْرٍ، وَقَيْسِ بنِ
مُسْلِمٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عُمَارَةَ بنِ رُوَيْبَةَ،
وَوَبْرَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُسْلِيِّ،
وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُنْتَشِرِ، وَأَبِي
إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ،
وَزَيْدٍ العَمِّيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ القِبْطِيِّةِ،
وَمُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، وَعَلِيِّ بنِ الأَقْمَرِ،
وَمَعْبَدِ بنِ خَالِدٍ، وَيَزِيْدَ الفَقِيْرِ،
__________
(*) طبقات ابن سعد: 6 / 364 - 365، طبقات خليفة: 168،
تاريخ خليفة: 426، التاريخ الكبير: 8 / 13، التاريخ
الصغير: 2 / 121، المعارف: 481، المعرفة والتاريخ: 1 /
141، 2 / 191 - 192، 634، 658 - 660، 680، 708، 3 / 103،
175، 234، الجرح والتعديل: 8 / 368 - 369، مشاهير علماء
الأمصار: 169، حلية الأولياء: 7 / 209 - 270، تهذيب
الأسماء واللغات: 2 / 89، تهذيب الكمال: خ: 1320 - 1321،
تذهيب التهذيب: خ: 4 / 34 - 35، تاريخ الإسلام: 6 / 287 -
290، تذكرة الحفاظ: 1 / 188 - 190، ميزان الاعتدال: 4 /
99، عبر الذهبي: 1 / 224، تهذيب التهذيب: 10 / 113 - 115،
طبقات الحفاظ: 81 - 82، خلاصة تذهيب الكمال: 374، شذرات
الذهب: 1 / 238 - 239.
(7/163)
وَعُمَيْرِ بنِ سَعْدٍ صَاحِبِ عَلِيٍّ
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَخَلْقٍ.
وَقَدْ رَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ، أَسَامِيْهِم مُحَمَّدٌ (1)
، مِنْهُم: ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ.
وَرَوَى عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ
سُوْقَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمِ بنِ شِهَابٍ،
وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ
اللهِ الثَّقَفِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ العُمَرِيِّ،
وَمُحَمَّدِ بنِ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ
خَالِدٍ الضَّبِّيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ
اليَمَامِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
الزُّبَيْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الأَزْهَرِ.
رَوَى عَنْهُ: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى
القَطَّانُ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ - أَحَدُ
شُيُوْخِهِ - وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَشُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ،
وَالخُرَيْبِيُّ، وَوَكِيْعٌ، وَأَبُو أَحْمَدَ
الزُّبَيْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، وَيَزِيْدُ بنُ
هَارُوْنَ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ،
وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَخَلاَّدُ بنُ يَحْيَى، وَعَبْدُ
اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُغِيْرَةِ، وَثَابِتُ بنُ
مُحَمَّدٍ العَابِدُ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ العَبْدِيُّ: كَانَ عِنْدَ
مِسْعَرٍ أَلفُ حَدِيْثٍ، فَكَتَبْتُهَا سِوَى عَشْرَةٍ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً
أَثْبَتَ مِنْ مِسْعَرٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: الثِّقَةُ كَشُعْبَةَ
وَمِسْعَرٍ.
وَقَالَ وَكِيْعٌ: شَكُّ مِسْعَرٍ كَيَقِيْنِ غَيْرِهِ.
وَقَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ
العِرَاقِ أَفْضَلُ مِنْ ذَاكَ السِّخْتِيَانِيِّ
أَيُّوْبَ، وَذَاكَ الرُّؤَاسِيِّ مِسْعَرٍ.
وَرُوِيَ عَنِ: الحَسَنِ بنِ عُمَارَةَ، قَالَ: إِنْ لَمْ
يَدْخُلِ الجَنَّةَ إِلاَّ مِثْلُ مِسْعَرٍ، إِنَّ أَهْلَ
الجَنَّةِ لَقَلِيْلٌ.
__________
(1) زيادة لا بد منها، وسيرد في الصفحة (168) ما يوضح ذلك.
(7/164)
قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: قَالُوا
لِلأَعْمَشِ: إِنَّ مِسْعَراً يَشُكُّ فِي حَدِيْثِهِ.
قَالَ: شَكُّهُ كَيَقِيْنِ غَيْرِهِ.
وَعَنْ خَالِدِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: رَأَيتُ مِسْعَراً
كَأَنَّ جَبْهَتَه رُكبَةُ عَنْزٍ مِنَ السُّجُودِ،
وَكَانَ إِذَا نَظَرَ إِلَيْكَ (1) ، حَسِبْتَ أَنَّهُ
يَنْظُرُ إِلَى الحَائِطِ مِنْ شِدَّةِ حُؤُولَتِهِ.
وَرَوَى: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ،
فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! نَحْنُ لَكَ
وَالِدٌ، وَأَنْتَ لَنَا وَلَدٌ - وَكَانَتْ جَدَّتُهُ
أُمُّ الفَضْلِ هِلاَلِيَةً، يَعْنِي وَالِدَةَ ابْنِ
عَبَّاسٍ -.
فَقَالَ لِي: تَقَرَّبتَ إِلَيَّ بِأَحَبِّ أُمَّهَاتِي
إِلَيَّ، وَلَوْ كَانَ النَّاسُ كُلُّهُم مِثْلَكَ،
لَمَشَيْتُ مَعَهُم فِي الطَّرِيْقِ.
قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا الحَكَمُ بنُ هِشَامٍ،
حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، قَالَ:
دَعَانِي أَبُو جَعْفَرٍ لِيُوَلِّيَنِي، فَقُلْتُ: إِنَّ
أَهْلِي يَقُوْلُوْنَ: لاَ نَرضَى اشْتِرَاءكَ لَنَا فِي
شَيْءٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَأَنْتَ تُوَلِّيْنِي؟! -
أَصْلَحَكَ اللهُ - إِنَّ لَنَا قَرَابَةً وَحَقّاً.
قَالَ: فَأَعْفَاهُ.
قَالَ سَعْدُ بنُ عَبَّادٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
مِسْعَرٍ، قَالَ: كَانَ أَبِي لاَ يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ
نِصْفَ القُرْآنِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ مِسْعَراً
يَقُوْلُ: مَنْ أَبْغَضَنِي، جَعَلَهُ اللهُ مُحَدِّثاً.
وَقَالَ مِسْعَرٌ: مَنْ صَبَرَ عَلَى الخَلِّ وَالبَقْلِ،
لَمْ يُسْتَعَبْدْ.
وَقَالَ مَرَّةً لِرَجُلٍ رَأَى عَلَيْهِ ثِيَاباً
جَيِّدَةً: لَيْسَ هَذَا مِنْ آلَةِ طَلَبِ الحَدِيْثِ،
وَكَانَ طَالِبَ حَدِيْثٍ.
قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ مَعْنٌ:
مَا رَأَيتُ مِسْعَراً فِي يَوْمٍ إِلاَّ وَهُوَ أَفْضَلُ
مِنَ اليَوْمِ الَّذِي كَانَ بِالأَمْسِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ لِمِسْعَرٍ أُمٌّ
عَابِدَةٌ، فَكَانَ يَخْدُمُهَا، وَكَانَ مُرْجِئاً (2) ،
فَمَاتَ، فَلَمْ يَشهَدْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ،
وَالحَسَنُ بنُ صَالِحٍ.
__________
(1) في الأصل " إليه " وأثبتنا ما في " الحلية ": 7 / 214.
(2) قد يطلق الارجاء على أهل السنة والجماعة من مخالفيهم
المعتزلة الذين يزعمون تخليد صاحب الكبيرة في النار، لانهم
لا يقطعون بعقاب الفساق الذين يرتكبون الكبائر، ويفوضون
أمرهم =
(7/165)
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَمْ يَرحَلْ
مِسْعَرٌ فِي حَدِيْثٍ قَطُّ.
قُلْتُ: نَعَمْ، عَامَّةُ حَدِيْثِه عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ،
إِلاَّ قَتَادَةَ، فَكَأَنَّهُ ارْتَحَلَ إِلَيْهِ.
قَالَ شُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ: كُنَّا نُسَمِّي
مِسْعَراً: المُصْحَفَ -يَعْنِي مِنْ إِتْقَانِهِ-.
وَقَالُوا مَرَّةً لِمِسْعَرٍ: مَنْ أَفْضَلُ مَنْ
رَأَيتَ؟
فَقَالَ: عَمْرُو بنُ مُرَّةَ.
وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ القَطِيْعِيُّ: قِيْلَ لِسُفْيَانَ
بنِ عُيَيْنَةَ: مَنْ أَفْضَلُ مَنْ رَأَيتَ؟
قَالَ: مِسْعَرٌ.
وَقَالَ شُعْبَةُ: مِسْعَرٌ لِلْكُوفِيِّينَ، كَابْنِ
عَوْنٍ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ: سَمِعْتُ
ابْنَ السَّمَّاكِ، سَمِعْتُ مِسْعَراً يَقُوْلُ:
مَنْ طَلَبَ الحَدِيْثَ لِنَفْسِهِ، فَقَدِ اكْتَفَى،
وَمَنْ طَلَبَهُ لِلنَّاسِ، فَلْيُبَالِغْ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ مِسْعَراً يَقُوْلُ:
وَدِدْتُ أَنَّ الحَدِيْثَ كَانَ قَوَارِيْرَ عَلَى
رَأْسِي، فَسَقَطَتْ، فَتَكَسَّرَتْ.
وَعَنْ يَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: كَانَ مِسْعَرٌ قَدْ
جَمَعَ العِلْمَ وَالوَرَعَ.
وَرُوِيَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ دَاوُدَ الخُرَيْبِيِّ،
قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ أُخِذَ عَلَيْهِ،
إِلاَّ مِسْعَرٌ.
وَمِمَّا كَانَ مِسْعَرٌ يُنشِدُهُ لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ:
نَهَارُكَ يَا مَغْرُوْرُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ ...
وَلَيْلُكَ نَوْمٌ، وَالرَّدَى لَكَ لاَزِمُ
__________
= إلى الله، إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم، ويطلق على من
يقول بعدم دخول الاعمال في الايمان، وأن الايمان لا يزيد
ولا ينقص - وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه - من جانب المحدثين
القائلين بدخول الاعمال في مسمى الايمان، وأنه يزيد وينقص.
ويطلق على من يقول: الايمان هو معرفة الله، ويجعل ما سوى
الايمان من الطاعات، وما سوى الكفر من المعاصي غير مضرة
ولا نافعة.
وهذا القسم الأخير من الارجاء هو المذموم صاحبه، المتهم في
دينه.
وقد قال المؤلف في " ميزانه ": 4 / 99: " مسعر بن كدام حجة
إمام، ولا عبرة بقول السليماني: كان من المرجئة مسعر وحماد
بن أبي سليمان والنعمان وعمرو بن مرة وعبد العزيز بن أبي
رواد وأبو معاوية وعمرو بن ذر...، وسرد جماعة.
قلت: الارجاء مذهب لعدة من جلة
العلماء لا ينبغي التحامل على قائله ".
(7/166)
وَتَتْعَبُ فِيْمَا سَوْفَ تَكْرَهُ
غِبَّهُ ... كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا تَعِيْشُ البَهَائِمُ
(1)
قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: مَا رَأَيتُ
مِثْلَ مِسْعَرٍ، كَانَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: كُنَّا إِذَا
اخْتَلَفْنَا فِي شَيْءٍ، أَتَيْنَا مِسْعَراً.
قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: سَمِعْتُ مِسْعَراً يَقُوْلُ:
إِنَّ هَذَا الحَدِيْثَ يَصُدُّكُم عَنْ ذِكْرِ اللهِ،
وَعَنِ الصَّلاَةِ، فَهَلْ أَنْتُم مُنْتَهُوْنَ؟
قُلْتُ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيْهَا: هَلْ
طَلَبُ العِلْمِ أَفْضَلُ، أَوْ صَلاَةُ النَّافِلَةِ
وَالتِّلاَوَةُ وَالذِّكرُ؟ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مُخلِصاً
للهِ فِي طَلَبِ العِلمِ، وَذِهنُه جَيِّدٌ، فَالعِلْمُ
أَوْلَى، وَلَكِنْ مَعَ حَظٍّ مِنْ صَلاَةٍ وَتَعَبُّدٍ،
فَإِنْ رَأَيتَه مُجِدّاً فِي طَلَبِ العِلْمِ لاَ حظَّ
لَهُ فِي القُرُبَاتِ، فَهَذَا كَسلاَنُ مَهِيْنٌ،
وَلَيْسَ هُوَ بِصَادِقٍ فِي حُسنِ نِيَّتِه، وَأَمَّا
مَنْ كَانَ طَلَبُه الحَدِيْثَ وَالفِقْهَ غِيَّةً
وَمَحبَّةً نَفْسَانِيَّةً، فَالعِبَادَةُ فِي حَقِّه
أَفْضَلُ، بَلْ مَا بَيْنَهُمَا أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ،
وَهَذَا تَقسِيْمٌ فِي الجُمْلَةِ، فَقَلَّ -وَاللهِ- مَنْ
رَأَيتُه مُخلِصاً فِي طَلَبِ العِلْمِ.
دَعْنَا مِنْ هَذَا كُلِّه، فَلَيْسَ طَلَبُ الحَدِيْثِ
اليَوْمَ عَلَى الوَضعِ المُتَعَارَفِ مِنْ حَيِّزِ طَلَبِ
العِلْمِ، بَلْ اصْطِلاَحٌ وَطَلَبُ أَسَانِيْدَ
عَالِيَةٍ، وَأَخْذٌ عَنْ شَيْخٍ لاَ يَعِي، وَتَسمِيْعٌ
لِطِفلٍ يَلْعَبُ وَلاَ يَفْهَمُ، أَوْ لِرَضِيعٍ يَبْكِي،
أَوْ لِفَقِيْهٍ يَتَحَدَّثُ مَعَ حَدَثٍ، أَوْ آخَرَ
يَنسَخُ.
وَفَاضِلُهُم مَشْغُوْلٌ عَنِ الحَدِيْثِ بِكِتَابَةِ
الأَسْمَاءِ أَوْ بِالنُّعَاسِ، وَالقَارِئُ إِنْ كَانَ
لَهُ مُشَارَكَةٌ، فَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنَ الفَضِيْلَةِ
أَكْثَرَ مِنْ قِرَاءةِ مَا فِي الجُزْءِ، سَوَاءٌ
تَصَحَّفَ عَلَيْهِ الاسْمُ، أَوِ اخْتَبَطَ المَتْنُ،
أَوْ كَانَ مِنَ المَوْضُوْعَاتِ.
فَالعِلْمُ عَنْ هَؤُلاَءِ بِمَعْزِلٍ، وَالعَمَلُ لاَ
أَكَادُ أَرَاهُ، بَلْ أَرَى أُمُوْراً سَيِّئَةً -
نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ -.
__________
(1) في الأصل: " تنعت "، والتصحيح من " تاريخ " المؤلف: 6
/ 288، و" الحليلة ": 7 / 220
(7/167)
قَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ: رَأَيت مِسْعَراً
فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: أَيَّ العَمَلِ وَجَدْتَ
أَنفَعَ؟
قَالَ: ذِكْرُ اللهِ.
وَقَالَ قَبِيْصَةُ: كَانَ مِسْعَرٌ لأَنْ يُنْزَعَ
ضِرْسُهُ، أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ
حَدِيْثٍ.
وَرُوِيَ عَنْ: زَيْدِ بنِ الحُبَابِ، وَغَيْرِهِ: أَنَّ
مِسْعراً قَالَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ.
وَرَوَى: مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي
مَخْزُوْمٍ، ذَكَرَهُ عَنْ مِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، قَالَ:
التَّكذِيبُ بِالقَدَرِ أَبُو جَاد (1) الزَّنْدَقَةِ.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ: أَخْبَرَكَ
يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ
المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ:
رَوَى مِسْعَرٌ عَنْ جَمَاعَةٍ اسْمُهُم مُحَمَّدٌ:
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ،
وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى،
وَمُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ
سُوْقَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ
زَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ
المُنْكَدِرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ
الثَّقَفِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ،
وَمُحَمَّدِ بنِ خَالِدٍ الضَّبِّيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ
جَابِرٍ اليَمَامِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ
الزُّبَيْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الأَزْهَرِ.
وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَحَدَّثَنَا القَاضِي
أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
بنِ شَبِيْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَمْرٍو
البَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ
زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
مَكْتُوْبٌ فِي التَّوْرَاةِ: سُوْرَةُ المُلْكِ مَنْ
قَرَأَهَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، فَقَدْ أَكْثَرَ وَأَطَابَ،
وَهِيَ المَانِعَةُ؛ تَمنَعُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ؛ إِذَا
أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، قَالَ لَهُ رَأْسُه:
قِبَلَكَ عَنِّي، فَقَدْ كَانَ يَقْرَأُ بِي، وَفِيَّ
سُوْرَةُ المُلْكِ، وَإِذَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ بَطْنِهِ،
قَالَ لَهُ بَطْنُهُ: قِبَلَكَ عَنِّي، فَقَدْ كَانَ وَعَى
فِيَّ
__________
(1) أي: أول الزندقة.
(7/168)
سُوْرَةَ المُلْكِ، وَإِذَا أُتِيَ مِنْ
قِبَلِ رِجْلَيْهِ، قَالَتْ لَهُ رِجْلاَهُ: قِبَلَكَ
عَنِّي، فَقَدْ كَانَ يَقُوْمُ بِي بِسُوْرَةِ المُلْكِ
(1) ، وَهِيَ كَذَاكَ مَكْتُوْبٌ فِي التَّوْرَاةِ.
تَابَعَهُ: عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ.
قَالَ جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ: سَمِعْتُ مِسْعَراً يُنشِدُ:
وَمُشَيِّدٍ دَاراً لِيَسْكُنَ دَارَهُ ... سَكَنَ
القُبُوْرَ وَدَارُهُ لَمْ تُسْكَنِ (2)
__________
(1) إسناده حسن وأخرجه الحاكم في 2 / 498، من طريق سفيان،
عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود، قال: يؤتى الرجل في قبره،
فتؤتى رجلاه، فتقول رجلاه: ليس لكم على ما قبلي سبيل، كان
يقوم يقرأ بي سورة " الملك "، ثم يؤتى من قبل صدره - أو
قال: بطنه - فيقول: ليس لكم على ما قبلي سبيل، كان يقرأ بي
سورة " الملك " ثم يؤتى من قبل رأسه، فيقول: ليس لكم على
ما قبلي سبيل، كان يقرأ بي سورة " الملك " قال: فهي
المانعة، تمنع من عذاب القبر، وهي في التوراة سورة " الملك
"، من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في " الدر المنثور ": 6 / 247، وزاد نسبته
لابن الضريس والطبراني والبيهقي في " شعب الايمان ".
وأخرج أحمد: 2 / 299، و321، من حديث أبي هريرة، مرفوعا: "
إن سورة من القرآن، ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له،
وهي: (تبارك الذي بيده الملك...) وأخرجه الترمذي: (2893)،
في ثواب القرآن: باب ما جاء في فضل سورة " الملك "، وأبو
داود: (1400)، في الصلاة: باب في عدد الآي، وابن ماجه:
(3786) في الأدب: باب ثواب القرآن كلهم من طريق شعبة، عن
قتادة، عن عباس الجشمي، عن أبي هريرة.
وعباس الجشمي وثقه ابن حبان، وأخرج حديثه هذا في " صحيحه
": (1766)، وصححه الحاكم: 1 / 565، و: 2 / 497، 498،
ووافقه الذهبي المؤلف، وله شاهد من حديث أنس عند الطبراني
والضياء المقدسي، من طريق سلام بن مسيكن، عن ثابت، عن أنس،
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " سورة في
القرآن خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة: (تبارك الذي
بيده الملك). " وآخر عند الترمذي: (2892)، في ثواب القرآن:
باب ما جاء في " الملك "، وحسنه من حديث ابن عباس، قال:
ضرب بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول
الله ! ضربت خبائي على قبر، وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا
فيه إنسان يقرأ سورة " الملك " حتى ختمها، فقال النبي -
صلى الله عليه وسلم -: " هي المانعة، هي المنجية، تنجيه من
عذاب القبر ". وفي سنده يحيى ابن عمرو بن مالك النكري، وهو
ضعيف.
(2) الحلية: 7 / 221، تاريخ الإسلام: 6 / 389.
(7/169)
قَالَ جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ: سَمِعْتُ
مِسْعَراً يُوصِي وَلَدَهُ كِدَاماً:
إِنِّيْ مَنَحْتُكَ يَا كِدَامُ نَصِيْحَتِي ... فَاسْمَعْ
مَقَالَ أَبٍ عَلَيْكَ شَفِيْقِ
أَمَّا المُزَاحَةُ وَالمِرَاءُ، فَدَعْهُمَا ...
خُلُقَانِ لاَ أَرْضَاهُمَا لِصَدِيْقِ
إِنِّيْ بَلَوْتُهُمَا فَلَمْ أَحْمَدْهُمَا ...
لِمُجَاوِرٍ جَاراً وَلاَ لِرَفِيْقِ
وَالجَهْلُ يُزْرِي بِالفَتَى فِي قَوْمِهِ ...
وَعُرُوْقُهُ فِي النَّاسِ أَيُّ عُرُوْقِ (1)
وَهَذَانِ البَيْتَانِ أَظُنُّهمَا لابْنِ المُبَارَكِ:
مَنْ كَانَ مُلْتَمِساً جَلِيْساً صَالِحاً ... فَلْيَأْتِ
حَلْقَةَ مِسْعَرِ بنِ كِدَامِ
فِيْهَا السَّكِيْنَةُ وَالوَقَارُ، وَأَهْلُهَا ...
أَهْلُ العَفَافِ وَعِلْيَةُ الأَقْوَامِ (2)
وَمِنْ عَالِي حَدِيْثِهِ: أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو
الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ
إِجَازَةً، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ،
أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا
أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو
بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَثَابِتٌ الزَّاهِدُ،
وَخَلاَّدُ بنُ يَحْيَى، قَالُوا:
حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنْ
جَابِرٍ، قَالَ:
دَخَلتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاعِدٌ، فَقَالَ: (قُمْ،
فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ (3)).
وَبِهِ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا نَائِلُ
بنُ نَجِيْحٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ
بنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ مُعَاذِ
بنِ جَبَلٍ، قَالَ:
أَشْهَدُ أَنَّ عُمَرَ فِي الجَنَّةِ، لأَنَّ مَا رَأَى
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
__________
(1) الحلية: 7 / 221، تاريخ الإسلام: 6 / 389.
(2) في " الحلية ": 7 / 219، وينسبهما لعبد الله بن محمد
بن عبيد، و" تاريخ الإسلام ". 6 / 390، لبعضهم، و" تذكرة
الحفاظ ": 1 / 189 - 190، لابن المبارك أو غيره.
(3) رجاله ثقات. وسنده قوي، محمد بن سليمان هو الباغندي
الحافظ محدث العراق.
(7/170)
فَهُوَ حَقٌّ، فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (دَخَلْتُ
الجَنَّةَ فَرَأَيتُ فِيْهَا قَصْراً، فَقُلْتُ: لِمَنْ
هَذَا؟
قَالَ: لِعُمَرَ.
فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ، فَذَكَرْتُ غَيْرَةَ عُمَرَ).
فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَعَلَيْكَ أَغَارُ
(1) ؟!
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ المُؤَيَّدِ
الزَّاهِدُ، أَنْبَأَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ
بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ،
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّقُّوْرِ،
حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِمْلاَءً سَنَةَ تِسْعٍ
وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِمائَةٍ، قَالَ:
قُرِئَ عَلَى أَبِي قَاسِمٍ البَغَوِيِّ - وَأَنَا
أَسْمَعُ - قِيْلَ لَهُ:
حَدَّثَكُم عَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ الخَرَّازُ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَامَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ (2) .
اخْتُلِفَ عَلَى مِسْعَرٍ فِي إِسْنَادِه كَمَا سَتَرَى.
وَبِهِ: إِلَى عِيْسَى بنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبَّاسٍ الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف محمد بن يونس وهو الكديمي، وشيخه
نائل بن نجيح، لكن حديث دخول الجنة ورؤية القصر صحيح ثابت
من طريق آخر، أخرجه البخاري: 7 / 34، في فضائل أصحاب النبي
- صلى الله عليه وسلم -: باب مناقب عمر بن الخطاب، من طريق
الحجاج بن منهال، عن عبد العزيز بن الماجشون، حدثنا محمد
بن المنكدر، عن جابر، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم
-: " رأيتني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي
طلحة، وسمعت خشفة، فقلت: من هذا ؟ " فقال: هذا بلال، و"
رأيت قصرا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا ؟ " فقال: لعمر "
فأردت أن أدخله فأنطر إليه، فذكرت غيرتك ". فقال عمر: بأبي
وأمي يا رسول الله ! أعليك أغار ؟ ! وأخرجه أيضا: 9 / 284،
في النكاح، من طريق محمد بن أبي بكر المقدمي، و: 12 / 366،
من طريق عمرو بن علي، كلاهما عن المعتمر، عن عبيد الله
العمري، عن محمد بن المنكدر به.
وأخرجه مسلم: (2394)، من طرق عن سفيان، عن عمرو، وابن
المنكدر، عن جابر، وهو في " المسند ": 3 / 372، و: 386، و:
390.
وفي الباب عن أبي هريرة، أخرجه البخاري: 7 / 35، و9 / 284،
و12 / 366، ومسلم: (3395).
(2) الحفاظ من أصحاب مسعر رووه عن زياد بن علاقة، عن
المغيرة، وخالفهم محمد بن بشر وحده فرواه - كما ترى - عن
مسعر، عن قتادة، عن أنس. أخرجه البزار، وقال: الصواب: عن
مسعر، عن زياد.
(7/171)
سَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
قَتَادَةَ الحَرَّانِيُّ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ
الأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُوْمُ حَتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ.
فَقِيْلَ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقدَّمَ
مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟!
قَالَ: (أَفَلاَ أَكُوْنُ عَبْداً شَكُوْراً).
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الصُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ،
قَالاَ:
أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ هِبَةِ اللهِ
بنِ صَصْرَى، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ الأَسَدِيُّ،
وَأَبُو يَعْلَى بنُ الحُبُوْبِيِّ، وَأَنْبَأَنَا أَبُو
المَعَالِي القَرَافِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو البَرَكَاتِ
الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو العَشَائِرِ
مُحَمَّدُ بنُ خَلِيْلٍ، وَأَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ
مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ
المُنْعِمِ بنِ القَوَّاسِ، وَعَبْدُ المُنْعِمِ بنُ
عَبْدِ اللَّطِيْفِ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ
الشَّافِعِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى بنُ
الحُبُوْبِيِّ، قَالُوا ثَلاَثَتَهُم:
أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ
المَصِّيْصِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
عُثْمَانَ التَّمِيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ
أَبِي ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ
المُخَرِّمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ وَاقِدٍ،
عَنْ سُفْيَانَ أَوْ مِسْعَرٍ، عَنِ ابْنِ الأَقْمَرِ،
عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُوْمُ حَتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ (1) ...، الحَدِيْثَ.
تَفَرَّد بِهِ: عَبْدُ اللهِ بنُ وَاقِدٍ، أَبُو قَتَادَةَ
الحَرَّانِيُّ هَكَذَا.
وَحَدِيْثُ مُحَمَّدِ بن بِشْرٍ العَبْدِيِّ، عَنْ
مِسْعَرٍ عِلَّةٌ لَهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ: خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى، وَجَمَاعَةٌ، عَنْ
مِسْعَرٍ، فَقَالَ:
عَنْ زِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، عَنِ المُغِيْرَةِ بنِ
شُعْبَةَ (2) ، وَهَذَا أَصَحُّ الأَقْوَالِ - وَاللهُ
أَعْلَمُ -.
__________
(1) وأخرجه الطبراني في " الكبير "، من رواية أبي قتادة
الحراني، عن مسعر، عن علي، عن أبي جحيفة، وهذا خطأ،
والصواب: عن مسعر، عن زياد بن علاقة، عن المغيره بن شعبة،
كما سيجئ.
(2) أخرجه البخاري: 3 / 12، في التهجد: باب قيام النبي -
صلى الله عليه وسلم - الليل، من طريق أبي نعيم الفضل بن
دكين، و: 8 / 261، في التفسير، من طريق خلاد بن يحيى،
كلاهما عن مسعر، حدثنا زياد بن علاقة، قال: سمعت المغيرة
بن شعبة، " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي حتى
ترم، أو =
(7/172)
الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ ابْنَ المَهْدِيِّ:
حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ بنُ
حَنْبَلٍ: كَانَ ثِقَةً؟
فَقَالَ: كَانَ مُؤَدِّباً، وَكَانَ خِيَاراً، الثِّقَةُ
شُعْبَةُ وَمِسْعَرٌ.
أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ
يَقُوْلُ: مِسْعَرٌ أَثْبَتُ، ثُمَّ سُفْيَانُ (1) ، ثُمَّ
شُعْبَةُ (2) .
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا
نُعَيْمٍ يَقُوْلُ:
كَانَ مِسْعَرٌ شَكَّاكاً فِي حَدِيْثِهِ، وَلَيْسَ
يُخطِئُ فِي شَيْءٍ مِنْ حَدِيْثِهِ، إِلاَّ فِي حَدِيْثٍ
وَاحِدٍ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: كُوْفِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ.
كَانَ الأَعْمَشُ يَقُوْلُ: شَيْطَانُ مِسْعَرٍ
يَسْتَضعِفُهُ، يُشَكِّكُه فِي الحَدِيْثِ، وَكَانَ
يَقُوْلُ الشِّعْرَ.
وَقَالَ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: حُجَّةٌ، مَنْ بِالكُوْفَةِ
مِثْلُه؟!
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مِسْعَرٌ أَتقَنُ مِنْ سُفْيَانَ،
وَأَجْوَدُ حَدِيْثاً، وَأَعْلَى إِسْنَاداً، وَهُوَ
أَتقَنُ مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ (3) .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى مِسْعَرٌ عَنْ مائَةٍ لَمْ
يَروِ عَنْهُم سُفْيَانُ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمَّارٍ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا
نُعَيْمٍ، سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: الإِيْمَانُ
يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ.
قُلْتُ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ يَا أَبَا نُعَيْمٍ؟
فَزَوَرَنِي، وَقَالَ: أَقُوْلُ بِقَوْلِ سُفْيَانَ.
وَلقَدْ مَاتَ مِسْعَرٌ وَكَانَ مِنْ خِيَارِهِم،
وَسُفْيَانُ وَشَرِيْكٌ شَاهِدَانِ، فَمَا حَضَرَا
جِنَازَتَه.
تُوُفِّيَ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ
وَمائَةٍ.
__________
= تنتفخ قدماه، فيقال له، فيقول: أفلا أكون عبدا شكورا ".
وأخرجه مسلم: (2819)، من طريق أبي عوانة وسفيان، عن زياد
بن علاقة، عن المغيرة ابن شعبة.
وفي الباب، عن عائشة، أخرجه البخاري: 8 / 449، ومسلم:
(2820).
(1) ستأتي ترجمته: الصفحة: 229.
(2) ستأتي ترجمته: الصفحة: 202.
(3) ستأتي ترجمته: الصفحة: 456.
(7/173)
56 - مَالِكُ بنُ مِغْوَلِ بنِ عَاصِمِ بنِ
غَزِيَّةَ بنِ خَرَشَةَ البَجَلِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ
البَجَلِيُّ، الكُوْفِيُّ.
حَدَّثَ عَنِ: الشَّعْبِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ
بُرَيْدَةَ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي
رَبَاحٍ، وَطَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَالحَكَمِ، وَعَوْنِ
بنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَقَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، وَعَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ،
وَمُحَمَّدِ بنِ سُوْقَةَ، وَسِمَاكٍ، وَزُبَيْدٍ
اليَامِيِّ، وَخَلْقٍ.
وَعَنْهُ: أَبُو إِسْحَاقَ - شَيْخُهُ - وَشُعْبَةُ،
وَالثَّوْرِيُّ، وَمِسْعَرٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ
زَكَرِيَّا، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ المُبَارَكِ،
وَشُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَعُبَيْدُ
اللهِ الأَشْجَعِيُّ، وَوَكِيْعٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ،
وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ،
وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ،
وَقَبِيْصَةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَابِقٍ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَخَلاَّدُ بنُ يَحْيَى،
وَعَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ
الفِرْيَابِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ أَحْمَدُ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَجَمَاعَةٌ:
ثِقَةٌ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: رَجُلٌ صَالِحٌ، مُبَرِّزٌ فِي
الفَضْلِ.
__________
(*) طبقات ابن سعد: 6 / 365، طبقات خليفة: 168، تاريخ
خليفة: 428، 429، التاريخ الكبير: 7 / 314، التاريخ
الصغير: 2 / 131، المعرفة والتاريخ: 1 / 146، 2 / 583،
689، الجرح والتعديل: 8 / 215 - 216، مشاهير علماء
الأمصار: 169، تهذيب الكمال: خ: 1299، تذهيب التهذيب: خ: 4
/ 19، تاريخ الإسلام: 6 / 272، تذكرة الحفاظ: 1 / 193،
ذكره ولم يترجم له، عبر الذهبي: 1 / 233، تهذيب التهذيب:
10 / 22 - 23، طبقات الحفاظ: 85، خلاصة تذهيب الكمال: 367
- 368، شذرات الذهب: 1 / 247.
(7/174)
وَقَالَ أَحْمَدُ: سَمِعْتُ ابْنَ
عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ:
قَالَ رَجُلٌ لِمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ: اتَّقِ اللهَ.
فَوَضَعَ خَدَّهُ بِالأَرْضِ.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ سَادَةِ العُلَمَاءِ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ:
تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: سَنَةَ ثَمَانٍ
وَخَمْسِيْنَ.
قَالَ الخَطِيْبُ: حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو إِسْحَاقَ
السَّبِيْعِيُّ، وَالرَّبِيْعُ بنُ يَحْيَى
الأُشْنَانِيُّ، وَبَيْنَ وَفَاتِهِمَا سَبْعٌ أَوْ
ثَمَانٍ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً، وَحَدِيْثُهُ يَكُوْنُ
نَحْواً مِنْ مائَةِ حَدِيْثٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ بِيْبَرْسُ المَجْدِيُّ
بِحَلَبَ، أَنْبَأَنَا أَبُو البَرَكَاتِ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللَّطِيْفِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ
بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ شَاتِيْلَ،
أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ بنُ خُشَيْشٍ (1) ، أَنْبَأَنَا
أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ
النَّجَّادُ، قَالَ:
قُرِئَ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ بنِ مُحَمَّدٍ - وَأَنَا
أَسْمَعُ - حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، أَنْبَأَنَا مَالِكُ بنُ
مِغْوَلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
كَأَنِّيْ أَنظُرُ إِلَى وَبِيْصِ الطِّيْبِ فِي مَفْرِقِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَهُوَ مُحْرِمٌ (2) .
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ،
مِنْ حَدِيْثِ إِسْرَائِيْلَ وَأَخِيْهِ
__________
(1) هو محمد بن عبد الكريم بن محمد بن خشيش المتوفى سنة
(502 ه) " العبر ".
(2) أخرجه البخاري: 3 / 315، في الحج، باب الطيب عند
الاحرام، و: 1 / 327، في الغسل: باب من تطيب ثم اغتسل وبقي
اثر الطيب، و: 10 / 305، في اللباس: باب الفرق، و: 309،
باب تطييب المرأة زوجها بيدها، ومسلم: (1190) (39)، (43)،
(44)، في الحج: باب الطيب للمحرم عند الاحرام، والنسائي: 5
/ 139 - 141، في الحج: باب موضع الطيب.
والوبيص: كالبريق وزنا ومعنى.
والمفرق، بفتح الميم، وكسر الراء: المكان الذي يفترق فيه
الشعر في وسط الرأس.
(7/175)
يُوْسُفَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَمِنْ
حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ
مِغْوَلٍ، كِلاَهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نَحْوَهُ.
أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ حَمْزَةَ الحَاكِمُ، وَعُمَرُ
بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، وَهُدْبَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ،
قَالُوا:
أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ
الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّوَيْه،
أَنْبَأَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ
بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ
بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ:
قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ: مَا حَدَّثُوكَ هَؤُلاَءِ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخُذْهُ،
وَمَا قَالُوْهُ بِرَأْيِهِم، فَأَلْقِهِ فِي الحُشِّ (1).
57 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ
الأَزْدِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، فَقِيْهُ الشَّامِ مَعَ
الأَوْزَاعِيِّ، أَبُو عُتْبَةَ الأَزْدِيُّ،
الدِّمَشْقِيُّ، الدَّارَانِيُّ.
وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ،
وَرَأَى الكِبَارَ، وَرَأَى بَعْضَ الصَّحَابَةِ - فِيْمَا
أَرَى -.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي سَلاَّمٍ الأَسْوَدِ، وَأَبِي
الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، وَمَكْحُوْلٍ، وَعَبْدِ اللهِ
بنِ عَامِرٍ اليَحْصُبِيِّ، وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ،
وَأَبِي كَبْشَةَ السَّلُوْلِيِّ، وَعَطِيَّةَ بنِ قَيْسٍ،
وَخَلْقٍ.
__________
(1) الحش، بضم الحاء: المخرج، لانهم كانوا يقضون حوائجهم
في البساتين. والمقولة هذه كناية عن في لاعتداد بالرأي
وإغفاله.
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 466، تاريخ خليفة: 427، تاريخ
الكبير: 5 / 365، التاريخ الصغير: 2 / 117 - 118، المعرفة
والتاريخ: 1 / 140 - 141، 2 / 386، 397، 453، 454. الجرح
والتعديل: 5 / 299 - 300، كتاب المجروحين: 2 / 55 - 56
وفيه كنتيه: أبو عمرو، مشاهير علماء الأمصار: 180، تاريخ
ابن عساكر: خ: 10 / 123 ب، تهذيب الكمال: خ: 827، تذهيب
التهذيب: خ: 2 / 233، تاريخ الإسلام: 6 / 238 - 239، تذكرة
الحفاظ: 1 / 183، ميزان الاعتدال: 2 / 598 - 599، عبر
الذهبي: 1 / 222، تهذيب التهذيب: 6 / 297 - 298، طبقات
الحفاظ: 79، خلاصة تذهيب الكمال: 236، شذرات الذهب: 1 /
234 - 235.
(7/176)
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ،
وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَعُمَرُ
بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ شَابُوْرَ،
وَأَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ، وَحُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ،
وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ.
وَقَدْ لَحِقَه أَبُو مُسْهِرٍ، وَرَآهُ، لَكِنْ مَا
سَمِعَ مِنْهُ، وَبَلَغَنَا أَنَّ المَنْصُوْرَ
اسْتَقدَمَهُ إِلَى بَغْدَادَ، فَوَفَدَ عَلَيْهِ.
رَوَى: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ،
قَالَ:
كُنْتُ أَرتَدِفُ خَلْفَ أَبِي فِي أَيَّامِ الوَلِيْدِ،
فَقَدِمَ عَلَيْنَا سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، فَدَعَاهُ
أَبِي إِلَى الحَمَّامِ، وَصَنَعَ لَهُ طَعَاماً، وَكُنْتُ
آتِي المَقَاسِمَ أَيَّامَ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ.
وَرَوَى: صَدَقَةُ بنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ،
قَالَ:
قَالَ خَالِدُ بنُ اللَّجْلاَجِ لِمَكْحُوْلٍ: سَلْ هَذَا
عَمَّا كَانَ، وَعَمَّا لَمْ يَكُنْ -يَعْنِي ابْنَ
جَابِرٍ-.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ابْنُ جَابِرٍ لَيْسَ بِهِ
بَأْسٌ.
وَقَالَ الوَلِيْدُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ
يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ يَقُوْلُ:
لاَ تَكتُبُوا العِلْمَ إِلاَّ مِمَّنْ يُعرَفُ بِطَلَبِ
الحَدِيْثِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ:
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ
أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ.
فَأَمَّا رَفِيْقُهُ وَسَمِيُّهُ:
58 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ تَمِيْمٍ
السُّلَمِيُّ الدِّمَشْقِيُّ *
صَاحِبُ مَكْحُوْلٍ، فَضَعَّفَهُ الجَمَاعَةُ،
وَكِلاَهُمَا قَدْ قَدِمَ العِرَاقَ، وَحَدَّثَ بِهَا.
وَقَدْ سَمِعَ أَبُو أُسَامَةَ مِنْ هَذَا السُّلَمِيِّ،
__________
(*) الجرح والتعديل: 5 / 300، كتاب المجروحين: 2 / 55 -
56، تهذيب الكمال: خ: 827، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 233 -
233، تاريخ الإسلام: 6 / 238، ميزان الاعتدال: 2 / 598،
تهذيب التهذيب: 6 / 295 - 297، خلاصة تذهيب الكمال: 236.
(7/177)
وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ ابْنُ جَابِرٍ،
فَوَهِمَ.
وَقَدْ سُقْتُ تَرْجَمَةَ السُّلَمِيِّ فِي (التَّارِيْخِ
الكَبِيْرِ)، وَفِي (مِيْزَانِ الاعْتِدَالِ).
وَقَدْ رَوَى أَيْضاً عَنِ: الزُّهْرِيِّ، وَبِلاَلِ بنِ
سَعْدٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَمُطْعِمِ
بنِ المِقْدَامِ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ خَالِدٌ وَحَسَنٌ،
وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَأَبُو
المُغِيْرَةِ الخَوْلاَنِيُّ، وَغَيْرُهُم.
قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: قَدِمَ هُوَ، وَثَوْرٌ،
وَبُرْدُ بنُ سِنَانٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَاشِدٍ، وَابْنُ
ثَوْبَانَ إِلَى العِرَاقِ، فَرُّوا مِنَ القَتْلِ،
كَانُوا قَدَرِيَّةً.
قُلْتُ: وَتُوُفِّيَ ابْنُ تَمِيْمٍ سَنَةَ بِضْعٍ
وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
59 - عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زَيْدٍ أَبُو عُبَيْدَةَ
البَصْرِيُّ *
الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ العُبَّادِ، أَبُو
عُبَيْدَةَ البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ،
وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَاشِدٍ، وَعُبَادَةَ بنِ نُسَيٍّ،
وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ السَّمَّاكِ، وَوَكِيْعٌ،
وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ
الدَّارَانِيُّ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ،
وَآخَرُوْنَ.
وَحَدِيْثُه مِنْ قَبِيْلِ الوَاهِي عِنْدَهُم.
قَالَ البُخَارِيُّ: تَرَكُوْهُ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ
ابْنُ
__________
(*) التاريخ الكبير: 6 / 62، التاريخ الصغير: 2 / 144،
المعرفة والتاريخ: 2 / 122، 3 / 1 61، الضعفاء، خ: 251،
الجرح والتعديل: 6 / 20، كتاب المجروحين: 2 / 154 - 155،
حلية الأولياء: 6 / 155 - 165، تاريخ الإسلام: 6 / 243 -
245، ميزان الاعتدال: 2 / 672 - 673.
(7/178)
حِبَّانَ: كَانَ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ
العِبَادَةُ حَتَّى غَفِلَ عَنِ الإِتقَانِ، فَكَثُرَتِ
المَنَاكِيْرُ فِي حَدِيْثِهِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: قَالَ لِي أَبُو
سُلَيْمَانَ:
أَصَابَ عَبْدَ الوَاحِدِ الفَالِجُ، فَسَأَلَ اللهَ أَنْ
يُطْلِقَهُ فِي وَقْتِ الوُضُوْءِ، فَكَانَ إِذَا أَرَادَ
الوُضُوْءَ، انْطَلَقَ، وَإِذَا رَجَعَ إِلَى سَرِيْرِه،
فُلِجَ.
وَعَنْهُ، قَالَ: عَلَيْكُم بِالخُبْزِ وَالمِلْحِ،
فَإِنَّهُ يُذِيبُ شَحْمَ الكُلَى، وَيَزِيْدُ فِي
اليَقِيْنِ.
قَالَ مُعَاذُ بنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ
زَيْدٍ غَيْرَ مرَّةٍ يَقُوْلُ:
مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي جَمِيْعَ مَا حَوَتْهُ
البَصْرَةُ بِفِلْسَيْنِ.
وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: وَعَظَ عَبْدُ الوَاحِدِ، فَنَادَى
رَجُلٌ: كُفَّ، فَقَدْ كَشَفْتَ قِنَاعَ قَلْبِي.
فَمَا الْتَفَتَ، وَمَرَّ فِي المَوْعِظَةِ، فَحَشْرَجَ
(1) الرَّجُلُ وَمَاتَ، فَشَهِدتُ جِنَازَتَه.
وَقَالَ مِسْمَعُ بنُ عَاصِمٍ: شَهِدتُ عَبْدَ الوَاحِدِ
يَعِظُ، فَمَاتَ فِي المَجْلِسِ أَرْبَعَةٌ.
وَعَنْ حُصَيْنٍ الوَزَّانِ، قَالَ: لَوْ قُسِمَ بَثُّ (2)
عَبْدِ الوَاحِدِ عَلَى أَهْلِ البَصْرَةِ، لَوَسِعَهُم،
وَكَانَ يَقُوْمُ إِلَى مِحْرَابِهِ كَأَنَّهُ رَجُلٌ
مُخَاطَبٌ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الخُزَاعِيِّ، قَالَ:
صَلَّى عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زَيْدٍ الصُّبْحَ بِوُضُوْءِ
العَتَمَةِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: فَارَقَ عَمْرَو بنَ عُبَيْدٍ لاعْتِزَالِهِ،
وَقَالَ بِصِحَّةِ الاكتِسَابِ، وَقَدْ نُسِبَ إِلَى
شَيْءٍ مِنَ القَدَرِ، وَلَمْ يُشْهَرْ، بَلْ نَصَبَ
نَفْسَهُ لِلْكَلاَمِ فِي مَذَاهِبِ
__________
(1) الحشرجة: الغرغرة عند الموت، وتردد النفس.
(2) البث: الحزن والغم الذي تفضي به إلى صاحبك.
قال ابن الأثير: البث في الأصل: شدة الحزن، والمرض الشديد،
كأنه من شدته يبثه صاحبه.
(7/179)
النُّسَّاكِ، وَتَبِعَهُ خَلقٌ، وَقَدْ
كَانَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَمَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ
يَعِظَانِ أَيْضاً، وَلَكِنَّهُمَا كَانَا مِنْ أَهْلِ
السُّنَّةِ.
وَكَانَ عَبْدُ الوَاحِدِ صَاحِبَ فُنُوْنٍ، دَاخِلاً فِي
مَعَانِي المَحَبَّةِ وَالخُصُوصِ، قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ
شَيْءٌ مِنْ رُؤْيَةِ الاكتِسَابِ، وَفِي ذَلِكَ شَيْءٌ
مِنْ أُصُوْلِ أَهْلِ القَدَرِ، فَإِنَّ عِنْدَهُم لاَ
نَجَاةَ إِلاَّ بِعَمَلٍ، فَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ،
فَيَحُضُّونَ عَلَى الاجْتِهَادِ فِي العَمَلِ، وَلَيْسَ
بِهِ النَّجَاةُ وَحدَهُ دُوْنَ رَحْمَةِ اللهِ.
وَكَانَ عَبْدُ الوَاحِدِ لاَ يُطْلِقُ: إِنَّ اللهَ
يُضِلُّ العِبَادَ تَنْزِيْهاً لَهُ.
وَهَذِهِ بِدْعَةٌ.
وَفِي الجُمْلَةِ: عَبْدُ الوَاحِدِ مِنْ كِبَارِ
العُبَّادِ، وَالكَمَالُ عَزِيْزٌ.
وَقَدْ سُقْتُ مِنْ أَخْبَارِه فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ
(1))، وَلَكِنَّ ابْنَ عَوْنٍ وَمِسْعَراً وَهَؤُلاَءِ
أَرْفَعُ وَأَجَلُّ.
مَاتَ: بَعْدَ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَيُقَالُ: بَقِيَ إِلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَةٍ.
وَهَذَا بَعِيْدٌ جِدّاً، وَإِنَّمَا المُتَأَخِّرُ إِلَى
هَذَا التَّارِيْخِ: الحَافِظُ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ
زِيَادٍ البَصْرِيُّ.
60 - عَاصِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ
العَدَوِيُّ * (ع)
ابْنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ،
العُمَرِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ، أَحَدُ الإِخْوَةِ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ.
وَعَنْ: مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، وَعَنْ
أَخِيْهِ؛ وَاقِدٍ.
__________
(1) 6 / 243 - 245.
(*) التاريخ الكبير: 6 / 490، الجرح والتعديل: 6 / 350،
مشاهير علماء الأمصار: 138، تهذيب الكمال: خ: 639، تذهيب
التهذيب: خ: 2 / 113، تاريخ الإسلام: 6 / 205، تهذيب
التهذيب: 5 / 57، خلاصة تذهيب الكمال: 183.
(7/180)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو
الوَلِيْدِ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَأَحْمَدُ بنُ
يُوْنُسَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ،
وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ.
وَاحْتَجَّ بِهِ: أَرْبَابُ الصِّحَاحِ، فَلاَ يُعَرَّجُ
عَلَى قَوْلِ القَائِلِ: كُلُّ مَنِ اسْمُهُ عَاصِمٌ،
فَفِيْهِ ضَعفٌ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
أَمَّا قَرَابَتُهُ:
61 - عَاصِمُ بنُ عُمَرَ العُمَرِيُّ *
أَخُو عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ العُمَرِيِّ الحَافِظِ،
فَلَهُ رِوَايَةٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ،
وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ وَهْبٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي
أُوَيْسٍ، وَجَمَاعَةٌ.
ضَعَّفَهُ: أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ،
ذَكَرْنَاهُ تَمْيِيزاً.
62 - عَبَّادُ بنُ رَاشِدٍ البَصْرِيُّ ** (د، س، ق)
بَصْرِيٌّ، صَدُوْقٌ، إِمَامٌ.
رَوَى عَنِ: الحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي
خَيْرَةَ.
__________
(*) طبقات خليفة: 269، تاريخ خليفة: 269، الجرح والتعديل:
6 / 346 - 347، كتاب المجروحين: 2 / 127، تهذيب الكمال: خ
637، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 112، ميزان الاعتدال: 2 / 355
- 356، تهذيب التهذيب: 5 / 52 - 53، خلاصة تذهيب الكمال:
183.
(* *) التاريخ الكبير: 6 / 36، المعرفة والتاريخ: 2 / 126،
الضعفاء: خ: 271 - 272، الجرح والتعديل: 6 / 79، المجروحين
والضعفاء: 2 / 163 - 164، الكامل لابن عدي: خ: 474، تهذيب
الكمال: خ: 650، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 120، تاريخ
الإسلام: 6 / 206، ميزان الاعتدال: 2 / 365، طبقات القراء
لابن الجزري: 1 / 352، تهذيب التهذيب: 5 / 92 - 93، خلاصة
تذهيب الكمال: 186.
(7/181)
وَعَنْهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو
دَاوُدَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ،
وَعَفَّانُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَحْمَدُ: ثِقَةٌ، صَالِحٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ: صَالِحُ الحَدِيْثِ.
وَأَنكَرَ أَبُو حَاتِمٍ عَلَى البُخَارِيِّ إِدخَالَهُ
فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ).
وَقَدْ خَرَّجَ لَهُ: البُخَارِيُّ مَقْرُوْناً بِآخَرَ.
أَمَّا أَبُو دَاوُدَ: فَضَعَّفَهُ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
قُلْتُ: بَقِيَ إِلَى نَحْوِ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ،
وَهُوَ أَقْوَى مِنْ عَبَّادِ بنِ مَنْصُوْرٍ.
63 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شُرَيْحٍ أَبُو شُرَيْحٍ
المَعَافِرِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو شُرَيْحٍ
المَعَافِرِيُّ، الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، العَابِدُ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي قَبِيْلٍ المَعَافِرِيِّ، وَمُوْسَى
بنِ وَرْدَانَ، وَأَبِي هَانِئ حُمَيْدِ بنِ هَانِئ،
وَأَبِي الزُّبَيْرِ المَكِّيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ وَهْبٍ،
وَالمُقْرِئُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، وَهَانِئُ بنُ
المُتَوَكِّلِ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مُتَأَلِّهاً، زَاهِداً، مُقْبِلاً عَلَى
شَأْنِهِ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
قَالَ هَانِئُ بنُ المُتَوَكِّلِ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بنُ عُبَادَةَ المَعَافِرِيُّ، قَالَ: كُنَّا
__________
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 516، التاريخ الكبير: 5 / 296،
المعرفة والتاريخ: 1 / 154، 2 / 445 وفيه وفاته (166 - 167
ه)، الجرح والتعديل: 5 / 243 - 244، تهذيب الكمال: خ: 794،
تذهيب التهذيب: خ: 2 / 213، ميزان الاعتدال: 2 / 569، عبر
الذهبي: 1 / 250، تهذيب التهذيب: 6 / 193 - 194 خلاصة
تذهيب الكمال: 228، شذارت الذهب: 1 / 263.
(7/182)
عِنْدَ أَبِي شُرَيْحٍ -رَحِمَهُ اللهُ-
فَكَثُرَتِ المَسَائِلُ، فَقَالَ: قَدْ دَرِنَتْ
قُلُوْبُكُم، فَقُوْمُوا إِلَى خَالِدِ بنِ حُمَيْدٍ
المَهْرِيِّ، اسْتَقِلُّوا قُلُوْبَكُم، وَتَعَلَّمُوا
هَذِهِ الرَّغَائِبَ وَالرَّقَائِقَ، فَإِنَّهَا تُجَدِّدُ
العِبَادَةَ، وَتُورِثُ الزَّهَادَةَ، وَتَجُرُّ
الصَّدَاقَةَ، وَأَقِلُّوا المَسَائِلَ، فَإِنَّهَا فِي
غَيْرِ مَا نَزَلَ تُقَسِّي القَلْبَ، وَتُورِثُ
العَدَاوَةَ.
قُلْتُ: صَدَقَ -وَاللهِ- فَمَا الظَّنُّ إِذَا كَانَتْ
مَسَائِلُ الأُصُوْلِ، وَلوَازِمُ الكَلاَمِ فِي
مُعَارَضَةِ النَّصِّ؟ فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ مِنْ
تَشْكِيكَاتِ المَنطِقِ، وَقَوَاعِدِ الحِكْمَةِ، وَدِيْنِ
الأَوَائِلِ؟!
فكَيْفَ إِذَا كَانَتْ مِنْ حَقَائقِ (الاتِّحَادِيَّةِ
(1))، وَزَنْدَقَةِ (السَّبْعِيْنِيَّةِ (2))، وَمَرَقِ
(البَاطِنِيَّةِ (3))؟!
فَوَاغُربَتَاهُ، وَيَا قِلَّةَ نَاصِرَاهُ، آمَنْتُ
بِاللهِ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ.
__________
(1) وهم الذين يقولون بوحدة الموجود، وهو مذهب باطل، يعري
القائل به من الإسلام، لأنه يعد الله والوجود شيئا واحدا
وأن الله موجود في كل موجود، وأن ما نحسه ونشهده هو الله
في صورة العالم كما قال: نحن المظاهر والمعبود ظاهرنا *
ومظهر الكون عين الكون فاعتبروا ولست أعبده إلا بصورته *
فهو الاله الذي في طيه البشر راجع: " موقف العلم والعالم "
لمصطفى صبري، الجزء الثالث منه، فإنه قد توسع في بيان هذا
المذهب والقائلين به، ونقده.
(2) السبعيثية: فرقة نسبت إلى رئيسها: عبد الحق بن إبراهيم
بن محمد بن نصر بن سبعين الاشبيلي المرسي، المتوفى سنة
(669 ه)، وهو من القائلين بوحدة الوجود.
قال ابن دقيق العيد: جلست مع ابن سبعين من ضحوة إلى قريب
الظهر، وهو يسرد كلاما تعقل مفرداته ولا تعقل مركباته.
واشتهر عنه أنه قال: لقد تحجر ابن آمنة واسعا بقوله: "
لانبي بعدي "، وكان يقول في الله عزوجل: إنه حقيقة
الموجودات.
وقد فصد بمكة فترك الدم يجري حتى مات نزفا.
انظر ترجمته: عبرالذهبي: 5 / 291، فوات الوفيات: 2 / 253 -
255، لسان الميزان: 3 / 392، النجوم الزاهرة: 2 / 196 -
205، شذرات الذهب: 5 / 329.
(3) الباطنية: دعوة ظهرت أولا في زمان المأمون، وانتشرت في
زمان المعتصم.
وذكر أصحاب التواريخ أن الذين وضعوا أساس دين الباطنية
كانوا من أولاد المجوس، وكانوا مائلين إلى دين أسلافهم،
ولم يجسروا على إظهاره خوفا من سيوف المسلمين، ومنهم:
ميمون بن ديصان المعروف بالقداح، ومحمد بن الحسين الملقب
بدندان، ثم حمدان قرمط وأبو سعيد الجنابي انظر " الفرق بين
الفرق ": 282.
(7/183)
مَاتَ أَبُو شُرَيْحٍ: فِي شَعْبَانَ،
سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبْعِيْنَ، وَمِنَ العُلَمَاءِ
العَامِلِيْنَ، وَمَا هُوَ بِأَخٍ لِحَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ
المَذْكُوْرِ، إِلاَّ فِي التَّقْوَى وَالعِلْمِ.
64 - عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ الأَزْدِيُّ *
(4)
شَيْخُ الحَرَمِ.
وَاسْمُ أَبِيْهِ: مَيْمُوْنٌ.
وَقِيْلَ: أَيْمَنُ بنُ بَدْرٍ، مَوْلَى الأَمِيْرِ
المُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ، الأَزْدِيُّ، المَكِّيُّ،
أَحَدُ الأَئِمَّةِ العُبَّادِ، وَلَهُ جَمَاعَةٌ
إِخْوَةٌ.
حَدَّثَ عَنْ: سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَالضَّحَّاكِ
بنِ مُزَاحِمٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ،
وَجَمَاعَةٍ.
وَلَيْسَ هُوَ بِالكَثِيْرِ لِلْحَدِيْثِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ فَقِيْهُ مَكَّةَ عَبْدُ
المَجِيْدِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ، وَحُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ،
وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ،
وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ،
وَابْنُ المُبَارَكِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: كَانَ مِنْ أَعَبْدِ النَّاسِ.
وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: مَكَثَ ابْنُ أَبِي
رَوَّادٍ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً لَمْ يَرْفَعْ طَرْفَه إِلَى
السَّمَاءِ، فَبَيْنَا هُوَ يَطُوْفُ حَوْلَ الكَعْبَةِ،
إِذْ طَعَنَهُ المَنْصُوْرُ بِأُصْبُعِهِ، فَالتَفَتَ،
فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهَا طَعْنَةُ جَبَّارٍ.
__________
(*) طبقات ابن سعد: 5 / 493، طبقات خليفة: 283، تاريخ
خليفة: 429، التاريخ الكبير: 6 / 22، التاريخ الصغير: 2 /
112 - 113، كتاب المجروحين: 2 / 137 - 138، تهذيب الأسماء
واللغات: 1 / 307، تهذيب الكمال: خ: 839، تذهيب التهذيب:
خ: 2 / 240 - 241، تاريخ الإسلام: 6 / 239 - 241، ميزان
الاعتدال: 2 / 628 - 629، عبر الذهبي: 1 / 232، تهذيب
التهذيب: 6 / 338 - 339، خلاصة تذهيب الكمال: 239 - 240،
شذرات الذهب: 1 / 246.
(7/184)
قَالَ شَقْيْقٌ البَلْخِيُّ: ذَهَب بَصَرُ
عَبْدِ العَزِيْزِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَلَمْ يَعْلَمْ
بِهِ أَهْلُهُ وَلاَ وَلَدُهُ.
وَعَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ
أَبِي رَوَّادٍ مِنْ أَحْلَمِ النَّاسِ، فَلَمَّا لَزِمَهُ
أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، قَالَ: تَرَكُونِي كَأَنِّيْ كَلْبٌ
هَرَّارٌ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ: مَا رَأَيتُ
أَحَداً قَطُّ أَصْبَرَ عَلَى طُوْلِ القِيَامِ مِنْ
عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ.
خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ
أَبِي رَوَّادٍ، قَالَ:
كَانَ يُقَالُ: مِنْ رَأْسِ التَّوَاضُعِ الرِّضَا
بِالدُّوْنِ مِنْ شَرَفِ المَجَالِسِ.
قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ مَرْدَوَيْه،
حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ:
أَنَّ عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ أَبِي رَوَّادٍ قَالَ لأَخٍ
لَهُ: أَقْرِضْنَا خَمْسَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ إِلَى
المَوْسِمِ.
فَسُرَّ التَّاجِرُ، وَحَمَلهَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا
جَنَّهُ اللَّيْلُ، قَالَ: مَا صَنَعتَ يَا ابْنَ أَبِي
رَوَّادٍ؟ شَيْخٌ كَبِيْرٌ، وَأَنَا كَذَلِكَ مَا أَدْرِي
مَا يَحدُثُ بِنَا، فَلاَ يَعْرِفُ لَهُ وَلَدِي حَقَّه،
لَئِنْ أَصْبَحتُ، لآتِيَنَّهُ، وَلأُحَالِلَنَّهُ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ، أَتَاهُ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ:
اللَّهُمَّ أَعْطهِ أَفْضَلَ مَا نَوَى.
وَدَعَا لَهُ، وَقَالَ: إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا
تُشَاوِرُنِي، فَإِنَّمَا اسْتَقرَضْنَاهُ عَلَى اللهِ،
فَكُلَّمَا اغْتَمَمْنَا بِهِ، كَفَّرَ اللهُ بِهِ عَنَّا،
فَإِذَا جَعَلَتْنَا فِي حِلٍّ كَأَنَّهُ يسْقطُ ذَلِكَ.
فَكَرِهَ التَّاجِرُ أَنْ يُخَالِفَهُ، فَمَا أَتَى
المَوْسِمُ حَتَّى مَاتَ الرَّجُلُ، فَأَتَى أَوْلاَدُه،
وَقَالُوا: مَالُ أَبِيْنَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
فَقَالَ لَهُم: لَمْ يَتَهَيَّأْ، وَلَكِنَّ المِيْعَادَ
بَيْنَنَا المَوْسِمُ الآتِي.
فَقَامُوا مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا كَانَ المَوْسِمُ
الآتِي، لَمْ يَتَهَيَّأِ المَالُ، فَقَالُوا: أَيْش
أَهْوَنُ عَلَيْكَ مِنَ الخُشُوْعِ، وَتَذهَبُ بِأَمْوَالِ
النَّاسِ؟!
فَرَفَعَ رَأْسَه، فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ أَبَاكُم، قَدْ
كَانَ يَخَافُ هَذَا وَشِبْهَهُ، وَلَكِنَّ الأَجَلَ
بَيْنَنَا المَوْسِمُ الآتِي، وَإِلاَّ فَأَنْتُم فِي
حِلٍّ مِمَّا قُلْتُم.
قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَ المَقَامِ،
إِذْ وَرَدَ عَلَيْهِ غُلاَمٌ كَانَ قَدْ هَرَبَ لَهُ
إِلَى الهِنْدِ بِعَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَأَخْبَرَهُ
أَنَّهُ اتَّجَرَ، وَأَنَّ مَعَهُ مِنَ التِّجَارَةِ مَا
لاَ يُحصَى.
قَالَ سُفْيَانُ: فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَكَ الحَمْدُ،
سَأَلنَاكَ خَمْسَةَ
(7/185)
آلاَفٍ، فَبَعَثْتَ إِلَيْنَا عَشْرَةَ
آلاَفٍ، يَا عَبْدَ المَجِيْدِ! احْمِلِ العَشْرَةَ آلاَفٍ
إِلَيْهِم، خَمْسَةً لَهُم، وَخَمْسَةً لِلإِخَاءِ الَّذِي
بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِيْهِم.
وَقَالَ العَبْدُ: مَنْ يَقبِضُ مَا مَعِي؟
فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! أَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، وَمَا
مَعَكَ فَلَكَ.
قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ: سَأَلْتُ عَطَاءَ بنَ أَبِي
رَبَاحٍ عَنْ قَوْمٍ يَشْهَدُوْنَ عَلَى النَّاسِ
بِالشِّرْكِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ.
قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ: اللَّهُمَّ مَا لَمْ تَبْلُغْهُ
قُلُوْبُنَا مِنْ خَشْيَتِكَ، فَاغفِرْهُ لَنَا يَوْمَ
نِقْمَتِكَ مِنْ أَعْدَائِكَ.
وَعَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ: وَسُئِلَ: مَا أَفْضَلُ
العِبَادَةِ؟
قَالَ: طُوْلُ الحُزْنِ.
قُلْتُ: كَانَ ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ كَثِيْرَ المَحَاسِنِ،
لَكِنَّهُ مُرْجِئٌ (1) .
قَالَ مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: مَاتَ عَبْدُ
العَزِيْزِ، فَجِيْءَ بِجَنَازَتِه، فَوُضِعَتْ عِنْدَ
بَابِ الصَّفَا، وَجَاءَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَقَالَ
النَّاسُ: جَاءَ سُفْيَانُ، جَاءَ سُفْيَانُ.
فَجَاءَ حَتَّى خَرَقَ الصُّفُوفَ، وَجَاوَزَ الجَنَازَةَ،
وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا، لأَنَّهُ كَانَ يَرَى
الإِرْجَاءَ.
فَقِيْلَ لِسُفْيَانَ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّيْ لأَرَى
الصَّلاَةَ عَلَى مَنْ هُوَ دُوْنَه عِنْدِي، وَلَكِنْ
أَرَدْتُ أَنْ أُرِيَ النَّاسَ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى
بِدعَةٍ.
يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي رَوَّادٍ
يَسْأَلُ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ فِي الطَّوَافِ: مَا كَانَ
الحَسَنُ يَقُوْلُ فِي الإِيْمَانِ؟
قَالَ: كَانَ يَقُوْلُ: قَوْلٌ وَعَمَلٌ.
قَالَ: فَمَا كَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ يَقُوْلُ؟
قَالَ: كَانَ يَقُوْلُ: آمَنَّا بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ
(2) .
فَقَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ: كَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ،
وَكَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ.
فَقَالَ هِشَامٌ: بَيَّنَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الإِرْجَاءَ، بَيَّنَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الإِرْجَاءَ.
__________
(1) انظر الكلام عن المرجئة: الصفحة 165، حا: 2.
(2) في الأصل بعد قوله: " وملائكته "، كلمة: " الآية "،
وهو خطأ، فليس في القرآن آية بهذا اللفظ، وإنما الموجود
فيه: (والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته) [ البقرة: 285 ].
(7/186)
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: غِبتُ عَنْ
مَكَّةَ، فَجِئْتُ، فَتَلَقَّانِي الثَّوْرِيُّ، فَقَالَ
لِي:
يَا ابْنَ عُيَيْنَةَ! عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي
رَوَّادٍ يُفْتِي المُسْلِمِيْنَ.
قُلْتُ: وَفَعَلَ؟!
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ
الثَّوْرِيِّ، فَمَرَّ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي
رَوَّادٍ، فَقَالَ الثَّوْرِيُّ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ
شَابّاً أَفْقَهَ مِنْهُ شَيْخاً.
وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ: جَاءَ عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ
إِلَى ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، فَدَقَّ عَلَيْهِ بَابَه،
وَقَالَ: أَينَ الضَّالُّ؟
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ مُرْجِئاً، رَجُلاً
صَالِحاً، وَلَيْسَ هُوَ فِي التَّثْبِيْتِ كَغَيْرِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: رَوَى عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ نُسْخَةً مَوْضُوْعَةً، وَكَانَ يُحَدِّثُ بِهَا
تَوَهُّماً، لاَ تَعَمُّداً.
قُلْتُ: الشَّأْنُ فِي صِحَّةِ إِسْنَادِهَا إِلَى عَبْدِ
العَزِيْزِ، فَلَعَلَّهَا قَدْ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ.
تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَلَهُ أَخَوَانِ: عُثْمَانُ: رَوَى لَهُ البُخَارِيُّ فِي
(صَحِيْحِهِ)، وَجَبَلَةُ.
65 - شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ دِيْنَارٍ أَبُو بِشْرٍ
الأُمَوِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُتْقِنُ، الحَافِظُ، أَبُو
بِشْرٍ الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُم، الحِمْصِيُّ، الكَاتِبُ.
وَاسْمُ أَبِيْهِ: دِيْنَارٌ.
سَمِعَ: الزُّهْرِيَّ - فَأَكْثَرَ - وَنَافِعاً،
وَعِكْرِمَةَ بنَ خَالِدٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدِرِ،
__________
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 468، مشاهير علماء الأمصار: 182،
تهذيب الكمال: خ: 586، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 79، تذكرة
الحفاظ: 1 / 221 - 222، عبر الذهبي: 2 / 242، تهذيب
التهذيب: 4 / 351 - 352، طبقات الحفاظ: 94، خلاصة تذهيب
الكمال: 166، شذرات الذهب: 1 / 257 - 258.
(7/187)
وَزَيْدَ بنَ أَسْلَمَ، وَأَبَا
الزِّنَادِ، وَأَبَا طُوَالَةَ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ بنَ بُخْتٍ، وَعِدَّةً.
وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ بِشْرٌ، وَبَقِيَّةُ، وَالوَلِيْدُ بنُ
مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ، وَأَبُو حَيْوَةَ
شُرَيْحُ بنُ يَزِيْدَ، وَأَبُو اليَمَانِ، وَعَلِيُّ بنُ
عَيَّاشٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ بَدِيعَ الكِتَابَةِ، وَافِرَ المَهَابَةِ.
سَمِعَهُ مُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ يَقُوْلُ: رَافَقتُ
الزُّهْرِيَّ إِلَى مَكَّةَ، فَكُنْتُ أَدرُسُ أَنَا
وَهُوَ القُرْآنَ جَمِيْعاً.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُوْهُ دِيْنَارٌ مَوْلَى زِيَادٍ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ
مَعِيْنٍ: فَشُعَيْبٌ فِي الزُّهْرِيِّ؟
قَالَ: هُوَ مِثْلُ يُوْنُسَ وَعُقَيْلٍ، كَتَبَ عَنِ
الزُّهْرِيِّ إِملاَءً لِلسُّلْطَانِ، كَانَ كَاتِباً.
قُلْتُ: يَعْنِي بِالسُّلْطَانِ هِشَامَ بنَ عَبْدِ
المَلِكِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي: كَيْفَ
سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنَ الزُّهْرِيِّ؟
قَالَ: حَدِيْثُه يُشبِهُ حَدِيْثَ الإِملاَءِ.
ثُمَّ قَالَ أَبِي: الشَّأْنُ فِيْمَنْ سَمِعَ مِنْ
شُعَيْبٍ، كَانَ رَجُلاً ضَيِّقاً فِي الحَدِيْثِ.
قُلْتُ: كَيْفَ سَمَاعُ أَبِي اليَمَانِ مِنْهُ؟
قَالَ: كَانَ يَقُوْلُ: أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ.
قُلْتُ: فَسَمَاعُ ابْنِه بِشْرٍ؟
قَالَ: كَانَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي أَبِي.
قُلْتُ: فَسَمَاعُ بَقِيَّةَ؟
قَالَ: شَيْءٌ يَسِيْرٌ.
ثُمَّ قَالَ: وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، جَمَعَ
جَمَاعَةً بَقِيَّةَ وَابْنَهُ، فَقَالَ: هَذِهِ كُتُبِي،
ارْوُوْهَا عَنِّي.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ
بنُ حَنْبَلٍ، قَالَ:
رَأَيتُ كُتُبَ شُعَيْبٍ، فَرَأَيتُ كُتُباً مَضْبُوْطَةً
مُقَيَّدَةً...، وَرَفَعَ أَحْمَدُ مِنْ ذِكْرِهِ.
قُلْتُ: فَأَيْنَ هُوَ مَنْ يُوْنُسَ؟
قَالَ: فَوْقَه.
قُلْتُ: فَأَيْنَ هُوَ مِنْ عُقَيْلٍ؟
قَالَ: فَوْقَه.
قُلْتُ: فَأَيْنَ هُوَ مِنَ الزُبَيْدِيِّ؟
قَالَ: مِثْلَه.
قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
كَانَ شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ قَلِيْلَ
(7/188)
السَّقطِ.
وَقَالَ الأَثْرَمُ: قَالَ أَحْمَدُ:
نَظَرْتُ فِي كُتُبِ شُعَيْبٍ، كَانَ ابْنُهُ يُخْرِجُهَا
إِلَيَّ، فَإِذَا بِهَا مِنَ الحَسَنِ وَالصِّحَّةِ مَا
لاَ يَقْدِرُ - فِيْمَا أَرَى - بَعْضُ الشَّبَابِ أَنْ
يَكْتُبَ مِثْلَهَا صِحَّةً وَشَكلاً، وَنَحْوَ ذَا.
قَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: كَانَ عِنْدَ شُعَيْبٍ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوُ أَلْفٍ وَسَبْعِمائَةِ حَدِيْثٍ.
وَقَالَ عَبَّاسٌ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ:
أَثْبَتُهُم فِي الزُّهْرِيِّ: مَالِكٌ، وَمَعْمَرٌ،
وَعُقَيْلٌ، وَيُوْنُسُ، وَشُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ،
وَابْنُ عُيَيْنَةَ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ: كَانَ شُعَيْبُ بنُ أَبِي
حَمْزَةَ عِنْدَنَا مِنْ كِبَارِ النَّاسِ، وَكُنْتُ أَنَا
وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ مِنْ أَلْزَمِ
النَّاسِ لَهُ، وَكَانَ ضِنِّيْناً بِالحَدِيْثِ، كَانَ
يَعِدُنَا المَجْلِسَ، فَنُقِيْمُ نَقْتَضِيهِ إِيَّاهُ،
فَإِذَا فَعَلَ، فَإِنَّمَا كِتَابُه بِيَدِهِ، مَا
يَأْخُذُه أَحَدٌ، وَكَانَ مِنْ صِنفٍ آخَرَ فِي
العِبَادَةِ، وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ هِشَامٍ عَلَى
نَفَقَاتِهِ، وَكَانَ الزُّهْرِيُّ مَعَهُم
بِالرُّصَافَةِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ لِبَقِيَّةَ: يَا
أَبَا مُحَمَّدٍ! قَدْ مَجِلَتْ (1) يَدِي مِنَ العَمَلِ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: مَا كَانَ
يَعْمَلُ؟
قَالَ: كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ يُعَالِجُهَا بِيَدِهِ،
فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، قَالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ
كُتُبِي.
فَعُرِضَ عَلَيْهِ كِتَابُ نَافِعٍ وَأَبِي الزِّنَادِ.
رَوَى: أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: عَنْ دُحَيْمٍ،
قَالَ: شُعَيْبٌ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، يُشبِهُ حَدِيْثُهُ
حَدِيْثَ عُقَيْلٍ.
ثُمَّ قَالَ: وَالزُّبَيْدِيُّ فَوْقَه.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: قَالَ لَنَا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ:
قِيْلَ لِشُعَيْبٍ: يَا أَبَا بِشْرٍ! مَا لِبِشْرٍ لاَ
يَحضُرُ مَعَنَا؟
قَالَ: شَغَلَهُ الطِّبُّ.
__________
(1) مجلت يده: نفطت من العمل فمرنت وصلبت وثخن جلدها
وتعجر، وظهر فيها ما يشبه البثر من العمل بالاشياء الصلبة
الخشنة.
(7/189)
قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ فِي
(تَارِيْخِهِ): حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بنُ الكُوْفِيِّ،
قَالَ:
قُلْتُ لأَبِي اليَمَانِ: مَا لِي أَسْمَعُكَ إِذَا
ذَكَرْتَ صَفْوَانَ بنَ عَمْرٍو، تَقُوْلُ: حَدَّثَنَا
صَفْوَانُ، وَإِذَا ذَكَرْتَ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي
مَرْيَمَ، تَقُوْلُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَإِذَا
ذَكَرْتَ شُعَيْبَ بنَ أَبِي حَمْزَةَ، قُلْتَ:
أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ؟!
فَغَضِبَ، فَلَمَّا سَكَنَ، قَالَ لِي: مَرِضَ شُعَيْبٌ
مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ، فَأَتَاهُ إِسْمَاعِيْلُ
بنُ عَيَّاشٍ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَمُحَمَّدُ
بنُ حِمْيَرٍ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ، أَنَا
أَصْغَرُهُم، فَقَالُوا:
كُنَّا نُحِبُّ أَنْ نَكْتُبَ عَنْكَ، وَكُنْتَ
تَمْنَعُنَا، فَدَعَا بِقُفَّةٍ لَهُ، فَقَالَ: مَا فِي
هَذِهِ إِلاَّ مَا سَمِعْتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ،
وَكَتَبتُهُ، وَصَحَّحْتُهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ مَنْ يَدِي،
فَإِنْ أَحبَبْتُم، فَاكتُبُوهَا.
قَالُوا: فَنَقُولُ مَاذَا؟
قَالَ: تَقُوْلُوْنَ: أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ، وَأَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، وَإِنْ أَحبَبْتُم أَنْ تَكْتُبُوهَا عَنِ
ابْنِي، فَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو
اليَمَانِ، قَالَ:
دَخَلْنَا عَلَى شُعَيْبٍ حَتَّى احْتُضِرَ، فَقَالَ:
هَذِهِ كُتُبِي، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا،
فَلْيَأْخُذْهَا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِضَ،
فَلْيَعرِضْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْمَعَ،
فَلْيَسْمَعْهَا مِنِ ابْنِي، فَإِنَّهُ سَمِعَهَا مِنِّي.
قُلْتُ: فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ عَامَّةَ مَا
يَرْوِيْهِ أَبُو اليَمَانِ عَنْهُ بِالإِجَازَةِ،
وَيُعَبِّرُ عَنْ ذَلِكَ: بِأَخْبَرَنَا، وَرِوَايَاتُ
أَبِي اليَمَانِ عَنْهُ ثَابِتَةٌ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ)،
وَذَلِكَ بِصِيغَةِ: أَخْبَرَنَا، وَمَنْ رَوَى شَيْئاً
مِنَ العِلْمِ بِالإِجَازَةِ عَنْ مِثْلِ شُعَيْبِ بنِ
أَبِي حَمْزَةَ، فِي إِتقَانِ كُتُبِهِ وَضَبطِهِ،
فَذَلِكَ حُجَّةٌ عِنْدَ المُحَقِّقِيْنَ، مَعَ اشْتِرَاطِ
أَنْ يَكُوْنَ الرَّاوِي بِالإِجَازَةِ ثِقَةً، ثَبْتاً
أَيْضاً، فَمَتَى فُقِدَ، ضُبِطَ الكِتَابُ المُجَازُ،
وَإِتْقَانُهُ، وَتحَرِيْرُهُ، أَوْ إِتقَانُ المُجِيْزِ
أَوِ المُجَازُ لَهُ، انحَطَّ المَروِيُّ عَنْ رُتْبَةِ
الاحْتِجَاجِ بِهِ، وَمَتَى فُقِدَتِ الصِّفَاتُ كُلُّهَا،
لَمْ تَصِحَّ الرِّوَايَةُ عِنْدَ الجُمْهُوْرِ.
وَشُعَيْبٌ -رَحِمَهُ اللهُ- فَقَدْ كَانَتْ كُتُبُهُ
نِهَايَةً فِي الحُسْنِ، وَالإِتقَانِ،
(7/190)
وَالإِعْرَابِ، وَعَرَفَ هُوَ مَا يُجِيْزُ
وَلِمَنْ أَجَازَ، بَلْ رِوَايَةُ كُتُبِهِ بِالوِجَادَةِ
(1) كَافٍ فِي الحُجَّةِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي اليَمَانِ
عَنْهُ بِذَلِكَ دَلِيْلٌ عَلَى إِطْلاَقِ: أَخْبَرَنَا
فِي الإِجَازَةِ كَمَا يَتَعَانَاهُ فُضَلاَءُ
المُحَدِّثِيْنَ بِالمَغْرِبِ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ
التَّدْلِيسِ، فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ بِالسَّمَاعِ -
وَاللهُ أَعْلَمُ -.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهُ: مَاتَ شُعَيْبٌ سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ يَحْيَى الوُحَاظِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ
ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ.
قُلْتُ: مَاتَ قَبْلَ حَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ بِسَنَةٍ،
وَعِنْدَ ابْنِ طَبَرْزَدْ نُسْخَةٌ لِبِشْرِ بنِ
شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ.
أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ كِتَابَةً، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ
الحُصَيْنِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا
أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ
الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا
شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ،
عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
كَانَ الآخِرَ مِنْ أَمْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرْكُ الوُضُوْءِ مِمَّا مَسَّتِ
النَّارُ.
__________
(1) الوجادة: أن يجد طالب العلم أحاديث بخط راويها، سواء
لقيه أو سمع منه، أو لم يلقه ولم يسمع منه، أو أن يجد
أحاديث في كتب لمؤلفين معروفين، ولا يجوز له أن يرويها عن
أصحابها، بل يقول: وجدت بخط فلان، إذا عرف الخط ووثق منه،
أو يقول: قال فلان، أو نحو ذلك.
وفي " مسند " أحمد شيء كثير من ذلك، نقلها عنه ابنه عبد
الله، يقول فيها: وجدت بخط أبي في كتابه.
وجزم غير واحد من المحققين بوجوب العمل بالوجادة عند حصول
الثقة بما يجده، أي: يثق بأن هذا الخبر أو الحديث بخط
الشيخ الذي يعرفه، أو يثق بأن الكتاب الذي ينقل منه ثابت
النسبة إلى مؤلفه، ولابد بعد ذلك من اشتراط أن يكون المؤلف
ثقة مأمونا، وأن يكون إسناد الخبر صحيحا حتى يجب العمل به.
والوجادة الجيدة، المستوفية للشروط السابقة، لا تقل في
الثقة عن الاجازة بأنواعها، والكتب الأصول الامات في السنة
وغيرها، تواترت روايتها إلى مؤلفيها بالوجادة ومختلف
الأصول الخطية العتيقة الموثوق بها.
(2) إسناده قوي.
وأخرجه أبو داود: (192)، في الطهارة: باب في ترك الوضوء
مما غيرت =
(7/191)
أَخْبَرَنَا ابْنُ الفَرَّاءِ، وَمُحَمَّدُ
بنُ عَلِيٍّ، قَالاَ:
أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي لُقْمَةَ، أَنْبَأَنَا الخَضِرُ
بنُ عَيْدَانَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَنْبَأَنَا أَبُو نَصْرٍ بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا
خَيْثَمَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (الخَيْلُ مَعْقُوْدٌ فِي نَوَاصِيْهَا
الخَيْرُ) (1) .
66 - حَرْبُ بنُ مَيْمُوْنٍ أَبُو الخَطَّابِ
الأَنْصَارِيُّ * (م، ت)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو الخَطَّابِ الأَنْصَارِيُّ،
الأَنَسِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ، وَهُوَ حَرْبٌ
الأَكْبَرُ.
حَدَّثَ عَنْ: مَوْلاَهُ؛ النَّضْرِ بنِ أَنَسٍ، وَعَطَاءِ
بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ،
وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ،
وَحَبَّانُ بنُ هِلاَلٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ حَفْصٍ
الذَّكْوَانِيُّ، وَيُوْنُسُ المُؤَدِّبُ، وَبَدَلُ بنُ
المُحَبَّرِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَلَيَّنَهُ
غَيْرُهُ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ.
__________
= النار، وابن الجارود: 21، والبيهقي: 1 / 155 - 156، كلهم
من طريق علي بن عياش، عن شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن
المنكدر، عن جابر.
(1) إسناده صحيح.
وأخرجه مالك في " الموطأ ": 2 / 1967، في الجهاد: باب ما
جاء في الخيل والمسابقة بينها، والبخاري: 6 / 40، ومسلم:
(1871)، كلاهما في الجهاد: باب الخيل في نواصيها الخير، من
طريق نافع، عن عبد الله بن عمر.
(*) التاريخ الكبير: 3 / 65، التاريخ الصغير: 1 / 259،
الضعفاء: خ: 105، كتاب المجروحين: 1 / 261، الكامل لابن
عدي: خ: 214 - 215، تهذيب الكمال: خ: 245، تذهيب التهذيب:
خ: 1 / 127، ميزان الاعتدال: 1 / 470، تهذيب التهذيب: 2 /
225 - 226،
خلاصة تذهيب الكمال: 74.
(7/192)
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: صَالِحٌ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: لَيِّنٌ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ:
كَانَ أَكذَبَ الخَلْقِ.
قُلْتُ: هَذِهِ عَجَلَةٌ وَمُجَازَفَةٌ، أَوْ لَعَلَّهُ
عَنَى آخَرَ لاَ أَعْرِفُهُ.
فَأَمَّا:
67 - حَرْبُ بنُ مَيْمُوْنٍ صَاحِبُ الأَغْمِيَةِ * (1)
فَشَيْخٌ صَالِحٌ، عَابِدٌ، لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
يَرْوِي عَنْ: عَوْفٍ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ.
رَوَى عَنْهُ: نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ،
وَجَمَاعَةٌ.
هُوَ مِنْ أَقْرَانِ وَكِيْعٍ.
وَأَمَّا:
68 - حَرْبُ بنُ أَبِي العَالِيَةِ أَبُو مُعَاذٍ
البَصْرِيُّ **
الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُعَاذٍ البَصْرِيُّ.
فَرَوَى عَنِ: الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ.
وَعَنْهُ: أَبُو الوَلِيْدِ، وَبَدَلُ بنُ المُحَبَّرِ،
وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَلُوَيْنُ، وَجَمَاعَةٌ.
اخْتَلَفَ رَأْيُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فِيْهِ.
وَلَيَّنَهُ: أَحْمَدُ قَلِيْلاً.
وَخَرَّج لَهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
حَدِيْثاً وَاحِداً.
وَكَانَ الفَلاَّسُ يَقُوْلُ: هُوَ حَرْبُ بنُ مِهْرَانَ.
__________
(*) الجرح والتعديل: 3 / 251، تهذيب الكمال: خ: 245، تذهيب
التهذيب: 1 / 127، ميزان الاعتدال: 1 / 471، تهذيب
التهذيب: 2 / 226 - 227، خلاصة تذهيب المال: 74.
(1) في " التاج ": الاعمية: مضبوط عندنا بالعين المهملة،
وضبطه شيخنا بالمعجمة، وهكذا ضبطه الحافظ وقال: كأنه جمع
غماء ككساء، وهي السقوف.
(* *) الضعفاء: خ: 105، تهذيب الكمال: خ: 244، تذهيب
التهذيب: خ: 1 / 127، ميزان الاعتدال: 1 / 470، تهذيب
التهذيب: 2 / 225، خلاصة تذهيب الكمال: 74.
(7/193)
69 - حَرْبُ بنُ شَدَّادٍ اليَشْكُرِيُّ *
(خَ، م، د، ت، س)
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ، أَبُو الخَطَّابِ
اليَشْكُرِيُّ، البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، وَالحَسَنِ
البَصْرِيِّ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو
دَاوُدَ، وَعَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ
بنُ عَبْدِ الوَارِثِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ.
فَقَدِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ هَذَا،
وَعَنْ حَرْبِ بنِ مَيْمُوْنٍ المَذْكُوْرِ.
وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ الفَلاَّسُ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ لاَ
يُحَدِّثُ عَنْهُ.
قُلْتُ: هَذَا مِنْ تَعَنُّتِ يَحْيَى فِي الرِّجَالِ،
وَلَهُ اجْتِهَادُه، فَلَقَدْ كَانَ حُجَّةً فِي نَقْدِ
الرُّوَاةِ.
مَاتَ حَرْبُ بنُ شَدَّادٍ: فِي سَنَةِ إِحْدَى
وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
70 - خَالِدُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
خَالِدٍ الأُمَوِيُّ **
ابْنِ أُسَيْدِ بنِ أَبِي العِيْصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ
عَبْدِ شَمْسٍ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، أَبُو أُمَيَّةَ
البَصْرِيُّ، مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاءِ.
__________
(*) طبقات خليفة: 223، تاريخ خليفة: 437، التاريخ الكبير:
3 / 62، الضعفاء: خ: 105، الجرح والتعديل: 3 / 250 - 251،
مشاهير علماء الأمصار: 156، تهذيب الكمال: خ: 244، تذهيب
التهذيب: خ: 1 / 127، ميزان الاعتدال: 1 / 470، عبر
المؤلف: 1 / 237، تهذيب التهذيب: 2 / 224، خلاصة تذهيب
الكمال: 74، شذرات الذهب: 1 / 251.
(* *) طبقات خليفة: 224، تاريخ خليفة: 268 - 293، 296،
التاريخ الكبير: 3 / 163 - 164، الجرح والتعديل: 3 / 345.
(7/194)
رَوَى عَنْ: عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ،
وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَثُمَامَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ،
وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَابْنُ
مَهْدِيٍّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو الوَلِيْدِ
الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ،
وَعَفَّانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ عَنْهُ عَبْدُ الصَّمَدِ التَّنُّوْرِيُّ، قَالَ:
وُلِدْتُ أَنَا وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ فِي شَهْرٍ
وَاحِدٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِحَدِيْثِهِ.
قُلْتُ: أَظُنُّه عَاشَ مائَةَ عَامٍ.
71 - خُلَيْدُ بنُ دَعْلَجَ أَبُو حَلْبَسٍ السَّدُوْسِيُّ
*
وَيُقَالُ: أَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو
عُمَرَ السَّدُوْسِيُّ.
مُحَدِّثٌ، بَصْرِيٌّ، ضَعِيْفٌ، نَزَلَ المَوْصِلَ، ثُمَّ
سَكَنَ بَيْتَ المَقْدِسِ.
وَحَدَّثَ بِدِمَشْقَ وَغَيْرِهَا عَنِ: الحَسَنِ، وَابْنِ
سِيْرِيْنَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُعَاوِيَةَ
بنِ قُرَّةَ، وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَقَتَادَةَ.
رَوَى عَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَبَقِيَّةُ،
وَمُوْسَى بنُ دَاوُدَ، وَأَبُو الجَمَاهِرِ مُحَمَّدُ بنُ
عُثْمَانَ، وَأَبُو تَوْبَةَ الحَلَبِيُّ، وَأَبُو
جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَمُنَبِّهُ بنُ عُثْمَانَ.
ضَعَّفَهُ: أَحْمَدُ، وَيَحْيَى.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالمَتِيْنِ فِي
الحَدِيْثِ، هُوَ
__________
(*) التاريخ الكبير: 3 / 199، الضعفاء: خ: 121، الجرح
والتعديل: 3 / 384، كتاب المجروحين: 1 / 285 - 286، تهذيب
الكمال: خ: 381، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 200، ميزان
الاعتدال: 1 / 663 - 664، تهذيب التهذيب: 3 / 158 - 159،
خلاصة تذهيب الكمال: 106، تهذيب ابن عساكر: 5 / 174 - 175.
(7/195)
صَالِحٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوْكٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ حَدِيْثِهِ مَا تُوبِعَ
عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ كَثِيْرَ الخَطَأِ.
مَاتَ: بِحَرَّانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
النُّفَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا خُلَيْدٌ، عَنِ ابْنِ
سِيْرِيْنَ، قَالَ: ذَهَبَ العِلْمُ وَبَقِيَتْ مِنْهُ
بَقِيَّةٌ فِي أَوعِيَةِ سُوءٍ.
عُمَرُ بنُ حَفْصٍ العَسْقَلاَنِيُّ: حَدَّثَنَا خُلَيْدٌ،
عَنْ قَتَادَةَ : {يَزِيْدُ فِي الخَلْقِ مَا يَشَاءُ }
[فَاطِرٌ: 1]، قَالَ: المَلاَحَةُ فِي العَيْنَيْنِ.
وَيُرْوَى عَنْ: عَلِيِّ بنِ مَعْمَرٍ، عَنْ خُلَيْدِ بنِ
دَعْلَجَ، عَنْ قَتَادَةَ:
عَنْ أَنَسٍ، رَفَعَهُ: (مَنْ أَكَلَ القِثَّاءَ بِلَحْمٍ،
وُقِيَ الجُذَامَ (1)).
هَذَا كَذِبٌ.
وَأَرَّخَ النُّفَيْلِيُّ مَوْتَ خُلَيْدٍ - كَمَا
تَقَدَّمَ - (2).
72 - مُجَّاعَةُ بنُ الزُّبَيْرِ البَصْرِيُّ *
أَحَدُ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ.
حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَقَتَادَةَ،
وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ،
وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ، وَعَبْدُ اللهِ
بنُ رُشَيْدٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ حَاضِرُ بنُ مُطَهِّرٍ السَّدُوْسِيُّ: حَدَّثَنَا
أَبُو عُبَيْدَةَ مُجَّاعَةُ بنُ الزُّبَيْرِ الأَزْدِيُّ.
وَذَكَرَهُ شُعْبَةُ مَرَّةً، فَأَثْنَى عَلَيْهِ،
وَقَالَ: الصَّوَّامُ، القَوَّامُ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ:
__________
(1) ذكره المؤلف في " الميزان، في ترجمة خليد بن دعلج،
وحكم بوضعه.
(2) أي: سنة (166 ه)، كما تقدم من قول ابن حبان.
(*) التاريخ الكبير: 8 / 44، الضعفاء: خ: 30، الجرح
والتعديل: 8 / 420، الكامل لابن عدي: خ: 794، تاريخ
الإسلام: 6 / 273، ميزان الاعتدال: 3 / 437.
(7/196)
هُوَ مِمَّنْ يُحْتَمَلُ، وَيُكْتَبُ
حَدِيْثُهُ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيْفٌ.
قُلْتُ: وَقَعَ لَنَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيْثِهِ، عَنْ
قَتَادَةَ، وَغَيْرِهِ.
وَقَدْ رُكِّبَ عَلَى مُجَّاعَةَ مَنَامُ حَمْزَةَ
الزَّيَّاتِ، وَأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ، وَذَلِكَ
اخْتِلاَقٌ.
73 - ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ مُسْلِمٍ * (ع)
الإِمَامُ، العَالِمُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُسْلِمِ بنِ عُبَيْدِ
اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ،
المَدَنِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَمِّهِ كَثِيْراً، وَعَنْ أَبِيْهِ.
وَعَنْهُ: مَعْنُ بنُ عِيْسَى، وَالوَاقِدِيُّ،
وَيَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ،
وَالقَعْنَبِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: أَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
قُلْتُ: تَفَرَّدَ عَنْ عَمِّهِ بِثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ
تُستَغْرَبُ.
وَكَانَ لَهُ ثَرْوَةٌ وَدُنْيَا، قَتَلَهُ ابْنُهُ
وَغِلْمَانُهُ، لأَجْلِ مَالِهِ، ثُمَّ ظَفِرُوا
بِالغِلْمَانِ، فَقُتِلُوا بِهِ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ
سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-.
74 - المُغِيْرَةُ بنُ زِيَادٍ أَبُو هَاشِمٍ
المَوْصِلِيُّ ** (4)
الإِمَامُ، العَالِمُ، مُحَدِّثُ الجَزِيْرَةِ، أَبُو
هَاشِمٍ المَوْصِلِيُّ.
__________
(*) طبقات خليفة: 274، التاريخ الكبير: 1 / 131، المعرفة
والتاريخ: 2 / 200، الضعفاء: خ: 385 - 386، الجرح
والتعديل: 7 / 304، المجروحين والضعفاء: 2 / 249، تهذيب
الكمال: خ: 1225، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 221، ميزان
الاعتدال: 3 / 592 - 593، الوافي بالوفيات: 3 / 306، تهذيب
التهذيب: 9 / 278 - 280، خلاصة تذهيب الكمال: 346، شذرات
الذهب: 1 / 242.
(* *) طبقات خليفة: 321، التاريخ الكبير: 7 / 326، وفيه
كنيته: أبو هشام، المعرفة والتاريخ: 2 / 452، 3 / 231،
الضعفاء: خ: 411، الجرح والتعديل: 8 / 222، تهذيب =
(7/197)
رَأَى: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ - فِيْمَا
قِيْلَ -.
وَحَدَّثَ عَنْ: عِكْرِمَةَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ،
وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَعُبَادَةَ بنِ نُسَيٍّ.
وَعَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَالمُعَافَى بنُ عِمْرَانَ،
وَوَكِيْعٌ، وَالخُرَيْبِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَعُمَرُ
بنُ أَيُّوْبَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: صَالِحُ الحَدِيْثِ.
وَوَثَّقَهُ: جَمَاعَةٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ضَعِيْفٌ، كُلُّ حَدِيْثٍ رَفَعَهُ
مُنْكَرٌ.
وَرَوَى: عَبَّاسٌ، وَأَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ
يَحْيَى: ثِقَةٌ.
وَأَمَّا الحَاكِمُ، فَزَلِقَ، وَقَالَ: لَمْ يَخْتَلِفُوا
فِي تَرْكِه.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ
وَمائَةٍ.
75 - وُهَيْبُ بنُ الوَرْدِ المَكِّيُّ *
أَخُو عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ الوَرْدِ، العَابِدُ،
الرَّبَّانِيُّ، أَبُو أُمَيَّةَ.
وَيُقَالُ: أَبُو عُثْمَانَ المَكِّيُّ، مَوْلَى بَنِي
مَخْزُوْمٍ.
وَيُقَالُ: اسْمُهُ: عَبْدُ الوَهَّابِ.
لَهُ عَنْ: تَابِعِيٍّ لَقِيَ عَائِشَةَ.
وَعَنْ: حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، وَعُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
المُنْكَدِرِ.
__________
= الكمال: خ: 1359، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 60، تاريخ
الإسلام: 6 / 301 - 302، ميزان الاعتدال: 4 / 160 - 163،
تهذيب التهذيب: 10 / 258 - 260، خلاصة تذهيب الكمال: 385.
(*) طبقات ابن سعد: 5 / 488، التاريخ الكبير: 8 / 177،
المعرفة والتاريخ: 1 / 434، الجرح والتعديل: 9 / 34،
مشاهير علماء الأمصار: 148، حلية الأولياء: 8 / 140 - 161،
الكامل لابن الأثير: 5 / 613 في أخبار (154 ه)، تهذيب
الأسماء واللغات: 2 / 149، تهذيب الكمال: خ: 1482 - 1483،
تذهيب التهذيب: خ: 4 / 145، تاريخ الإسلام: 6 / 315، عبر
الذهبي: 1 / 222، العقد الثمين: 7 / 417، تهذيب التهذيب:
11 / 170 - 171، خلاصة تذهيب الكمال: 419، شذرات الذهب: 1
/ 236.
(7/198)
وَعَنْهُ: بِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ
السُّلَمِيُّ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ،
وَإِدْرِيْسُ بنُ مُحَمَّدٍ الرُّوْذِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: مَا رَأَيتُ أَعَبْدَ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: قِيْلَ لِوُهَيْبٍ: يَجِدُ
طَعْمَ العِبَادَةِ مَنْ يَعْصِي؟
قَالَ: وَلاَ مَنْ يَهُمُّ بِالمَعْصِيَةِ.
وَعَنِ الثَّوْرِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: قُوْمُوا إِلَى
الطَّبِيْبِ -يَعْنِي: وُهَيْباً-.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ حَلَفَ أَنْ لاَ يَضْحَكَ حَتَّى
تُعْلِمَهُ المَلاَئِكَةُ بِمَنْزِلتِهِ إِذَا احْتُضِرَ.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
قِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
76 - عِيْسَى بنُ عُمَرَ أَبُو عُمَرَ الهَمْدَانِيُّ *
(ت، س)
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، العَابِدُ، أَبُو عُمَرَ
الهَمْدَانِيُّ، الكُوْفِيُّ، عُرِفَ: بِالهَمْدَانِيِّ،
وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مَوَالِي بَنِي أَسَدٍ.
أَخَذَ القِرَاءةَ عَرْضاً عَنْ: طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ،
وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَالأَعْمَشِ.
تَلاَ عَلَيْهِ: الكِسَائِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ
مُوْسَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَمَّادٍ،
وَمِتُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَغَيْرُهُم.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ،
وَحَمَّادٍ الفَقِيْهِ، وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٌ، وَأَبُو
نُعَيْمٍ، وَالفِرْيَابِيُّ، وَخَلاَّدُ بنُ يَحْيَى،
وَخَلْقٌ.
وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ.
وَكَانَ مُقْرِئَ الكُوْفَةِ فِي زَمَانِهِ بَعْدَ
حَمْزَةَ وَمَعَهُ.
قَالَ الثَّوْرِيُّ: مَا بِهَا أَقْرَأُ مِنْهُ.
__________
(*) التاريخ الكبير: 6 / 397، الجرح والتعديل: 6 / 282،
تهذيب الكمال: خ: 1083، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 130، تاريخ
الإسلام: 6 / 264، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 613،
تهذيب التهذيب: 8 / 222 - 223، خلاصة تهذيب الكمال: 303.
(7/199)
قَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ
وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
77 - عِيْسَى بنُ عُمَرَ أَبُو عُمَرَ الثَّقَفِيُّ
البَصْرِيُّ *
العَلاَّمَةُ، إِمَامُ النَّحْوِ، أَبُو عُمَرَ
الثَّقَفِيُّ، البَصْرِيُّ.
رَوَى عَنِ: الحَسَنِ، وَعَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
عُتْبَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ
الحَضْرَمِيِّ، وَعَاصِمٍ الجَحْدَرِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
أَخَذَ عَنْهُ: الأَصْمَعِيُّ، وَشُجَاعٌ البَلْخِيُّ،
وَعَلِيُّ بنُ نَصْرٍ الجَهْضَمِيُّ، وَهَارُوْنُ
الأَعْوَرُ، وَالخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، وَعُبَيْدُ بنُ
عُقَيْلٍ، وَالعَبَّاسُ بنُ بَكَّارٍ، وَوَلاَؤُهُ لِبَنِي
مَخْزُوْمٍ، نَزَلَ فِي ثَقِيْفٍ، فَاشْتُهِرَ بِهِم.
وَكَانَ صَاحِبَ فَصَاحَةٍ وَتَقَعُّرٍ وَتَشَدُّقٍ فِي
خِطَابِه، وَكَانَ صَدِيْقاً لأَبِي عَمْرٍو بنِ
العَلاَءِ.
وَقَدْ أَخَذَ القِرَاءةَ عَرْضاً عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ
أَبِي إِسْحَاقَ، وَابْنِ كَثِيْرٍ المَكِّيِّ.
وَصَنَّفَ فِي النَّحْوِ كِتَابَيْ: (الإِكْمَالَ)
وَ(الجَامِعَ)، وَكَانَ صَاحِبَ افْتِخَارٍ بِنَفْسِهِ.
قَالَ مَرَّةً لأَبِي عَمْرٍو: أَنَا أَفصَحُ مِنْ مَعَدِّ
بنِ عَدْنَانَ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ.
أَرَّخَ القِفْطِيُّ (1) ، وَابْنُ خَلِّكَانَ (2)
مَوْتَهُ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَأَرَاهُ وَهْماً، فَإِنَّ سِيْبَوَيْه جَالَسَهُ،
وَأَخَذَ عَنْهُ، وَلَعَلَّهُ بَقِيَ إِلَى بَعْدِ
السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ.
__________
(*) المعارف: 531، الجرح والتعديل: 6 / 282، طبقات
الزبيدي: 40 - 45، الفهرست: المقالة الثانية الفن الأول،
معجم الأدباء 16 / 146 - 150، إنباه الرواة: 2 / 374 -
377، وفيات الأعيان: 3 / 486 - 488، تهذيب الكمال: خ:
1083، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 130، تاريخ الإسلام: 6 / 265
- 266، البداية والنهاية: 10 / 105 - 106، البلغة في تاريخ
أئمة اللغة: 179 - 181، طبقات القراء لابن الجزري: 1 /
613، تهذيب التهذيب: 8 / 223 - 224، النجوم الزاهرة: 2 /
11، بغية الوعاة: 2 / 237 - 238، خلاصة تذهيب الكمال: 303،
شذرات الذهب: 1 / 224 - 225.
(1) " إنباه الرواة " 2 / 377.
(2) " الوفيات ": 3 / 488.
(7/200)
78 - عَوَانَةُ بنُ الحَكَمِ بنِ عِيَاضِ
بنِ وِزْرٍ الكَلْبِيُّ *
العَلاَّمَةُ، الأَخْبَارِيُّ، أَبُو الحَكَمِ
الكُوْفِيُّ، الضَّرِيْرُ، أَحَدُ الفُصَحَاءِ.
لَهُ كِتَابُ (التَّارِيْخِ)، وَكِتَابُ (سِيَرُ
مُعَاوِيَةَ، وَبَنِي أُمَيَّةَ)، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
يَرْوِي عَنْهُ: هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ، وَغَيْرُهُ.
وَكَانَ صَدُوقاً فِي نَقْلِهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ النَّدِيْمُ: تُوُفِّيَ
سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
79 - مُقَاتِلُ بنُ سُلَيْمَانَ البَلْخِيُّ أَبُو
الحَسَنِ **
كَبِيْرُ المُفَسِّرِيْنَ، أَبُو الحَسَنِ مُقَاتِلُ بنُ
سُلَيْمَانَ البَلْخِيُّ.
يَرْوِي - عَلَى ضَعْفِهِ البَيِّنِ - عَنْ: مُجَاهِدٍ،
وَالضَّحَّاكِ، وَابْنِ بُرَيْدَةَ، وَعَطَاءِ، وَابْنِ
سِيْرِيْنَ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَشُرَحْبِيْلَ بنِ
سَعْدٍ، وَالمَقْبُرِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: سَعْدُ بنُ الصَّلْتِ، وَبَقِيَّةُ، وَعَبْدُ
الرَّزَّاقِ، وَحَرَمِيُّ بنُ عُمَارَةَ، وَشَبَابَةُ،
وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُم: عَلِيُّ
بنُ الجَعْدِ.
قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ - وَأَحْسَنَ -: مَا أَحْسَنَ
تَفْسِيْرَهُ لَوْ كَانَ ثِقَةً! قِيْلَ: إِنَّ
__________
(*) الفهرست: المقالة الثالثة الفن الأول، معجم الأدباء: 6
/ 134 - 139، عبر المؤلف: 1 / 230، لسان الميزان: 4 / 386،
شذرات الذهب: 1 / 243.
(* *) طبقات ابن سعد: 7 / 373، التاريخ الصغير: 2 / 227،
الجرح والتعديل: 8 / 354 - 355، كتاب المجروحين: 3 / 14 -
16، الفهرست: المقالة الخامسة الفن الثاني، تاريخ بغداد:
13 / 160، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 111، وفيات الأعيان:
5 / 255 - 257، تهذيب الكمال: خ: 1365 - 1366، تذهيب
التهذيب: خ: 4 / 65 - 66، تاريخ الإسلام: 6 / 302 - 307،
ميزان الاعتدال: 4 / 173 - 175، تهذيب التهذيب: 10 / 279 -
285، خلاصة تذهيب الكمال: 386، طبقات المفسرين: 2 / 330 -
331، شذرات الذهب: 1 / 227.
(7/201)
المَنْصُوْرَ أَلَحَّ عَلَيْهِ ذُبَابٌ،
فَطَلَبَ مُقَاتِلاً، فَسَأَلَهُ: لِمَ خَلَقَ اللهُ
الذُّبَابَ؟
قَالَ: لِيُذِلَّ بِهِ الجَبَّارِيْنَ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قُلْتُ لِمُقَاتِلٍ: زَعَمُوا
أَنَّك لَمْ تَسْمَعْ مِنَ الضَّحَّاكِ.
قَالَ: كَانَ يُغْلِقُ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ بَابٌ، فَقُلْتُ
فِي نَفْسِي: أَجَلْ، بَابُ المَدِيْنَةِ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ: سَلُونِي عَمَّا دُوْنَ
العَرْشِ.
فَقَالُوا: أَيْنَ أَمعَاءُ النَّملَةِ؟
فَسَكَتَ.
وَسَأَلُوْهُ: لَمَّا حَجَّ آدَمُ، مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ؟
فَقَالَ: لاَ أَدْرِي.
قَالَ وَكِيْعٌ: كَانَ كَذَّاباً.
وَعَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، قَالَ: أَتَانَا مِنَ المَشْرِقِ
رَأْيَان خَبِيْثَانِ: جَهْمٌ مُعَطِّلٌ، وَمُقَاتِلٌ
مُشَبِّهِ (1) .
مَاتَ مُقَاتِلٌ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ البُخَارِيُّ: مُقَاتِلٌ لاَ شَيْءَ البَتَّةَ.
قُلْتُ: أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِهِ.
80 - شُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ بنِ الوَرْدِ الأَزْدِيُّ
العَتَكِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي
الحَدِيْثِ،
__________
(1) التعطيل: هو أن لا تثبت لله الصفات التي وصف بها نفسه،
أو وصفه بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - والتشبيه: أن
يشبه الله سبحانه وتعالى بأحد من خلقه.
وكلا المذهبين مجانب للصواب، والمذهب الصحيح، الذي لا معدل
عنه لكل من رضي بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد - صلى
الله عليه وسلم - رسولا - وهو مذهب سلف الأمة من الصحابة
والتابعين ومن بعدهم -: أن يصف الله سبحانه وتعالى بما وصف
نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم -
في الأحاديث التي صحت عنه، من غير تشبيه ولا تمثيل، ولا
تأويل ولا تعطيل.
كما جاء في القرآن الكريم: (ليس كمثله شيء وهو السميع
البصير) [ الشوري: 11 ].
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 280 - 281، طبقات خليفة: 222،
تاريخ خليفة: 301، 430، التاريخ الكبير: 4 / 244 - 245،
التاريخ الصغير: 2 / 135، المعارف: 501، المعرفة والتاريخ:
2 / 283 - 287، الجرح والتعديل: 1 / 126 - 176، 4 / 369 -
371، مشاهير علماء الأمصار: =
(7/202)
أَبُو بِسْطَامَ الأَزْدِيُّ، العَتَكِيُّ
مَوْلاَهُم، الوَاسِطِيُّ، عَالِمُ أَهْلِ البَصْرَةِ،
وَشَيْخُهَا.
سَكَنَ البَصْرَةَ مِنَ الصِّغَرِ، وَرَأَى الحَسَنَ،
وَأَخَذَ عَنْهُ مَسَائِلَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَإِسْمَاعِيْلَ
بنِ رَجَاءٍ، وَسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، وَجَامِعِ بنِ
شَدَّادٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ،
وَجَبَلَةَ بنِ سُحَيْمٍ، وَالحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ،
وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَزُبَيْدِ بنِ الحَارِثِ
اليَامِيِّ، وَقَتَادَةَ بنِ دِعَامَةَ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ
قُرَّةَ، وَأَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، وَعَمْرِو بنِ
دِيْنَارٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَعُبَيْدِ بنِ
الحَسَنِ، وَعَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، وَطَلْحَةَ بنِ
مُصَرِّفٍ، وَالمِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، وَسَعِيْدِ بنِ
أَبِي بُرْدَةَ، وَسِمَاكِ بنِ الوَلِيْدِ، وَأَيُّوْبَ
السِّخْتِيَانِيِّ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ،
وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ سِوَاهُم.
وَرَأَى نَاجِيَةَ بنَ كَعْبٍ شَيْخَ أَبِي إِسْحَاقَ
السَّبِيْعِيِّ.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، لاَ يَتَقَدَّمُهُ
أَحَدٌ فِي الحَدِيْثِ فِي زَمَانِهِ، وَهُوَ مِنْ
نُظَرَاءِ الأَوْزَاعِيِّ (1) ، وَمَعْمَرٍ (2) ،
وَالثَّوْرِيِّ (3) فِي الكَثْرَةِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوٌ مِنْ
أَلْفَيْ حَدِيْثٍ.
قُلْتُ: مَا أَظُنُّه إِلاَّ يَرْوِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
بِكَثِيْرٍ.
قِيْلَ: وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، فِي دَوْلَةِ عَبْدِ
المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ.
وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الهَرَوِيُّ: وُلِدَ سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ.
رَوَى عَنْهُ: عَالَمٌ عَظِيْمٌ، وَانتَشَرَ حَدِيْثَهُ
فِي الآفَاقِ.
__________
= 177، حلية الأولياء: 7 / 144 - 209، تاريخ بغداد: 9 /
255 - 266، الكامل لابن الأثير: 6 / 50، تهذيب الأسماء
واللغات: 1 / 244 - 246، وفيات الأعيان: 2 / 469 - 470،
تهذيب الكمال: خ: 582 - 584، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 76 -
78، تاريخ الإسلام: 6 / 190 - 201، تذكرة الحفاظ: 1 / 193
- 197، عبر المؤلف: 1 / 234 - 235، تهذيب التهذيب: 4 / 338
- 346، طبقات الحفاظ: 83 - 84، خلاصة تذهيب الكمال: 166،
شذرات الذهب: 1 / 247.
(1) انظر ترجمته في الصفحة: 107.
(2) انظر ترجمته في الصفحة: 5.
(3) انظر ترجمته في الصفحة: 229.
(7/203)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَيُّوْبُ
السِّخْتِيَانِيُّ، وَسَعِيْدٌ الجُرَيْرِيُّ،
وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَمَطَرٌ الوَرَّاقُ،
وَمَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ - وَهَؤُلاَءِ هُم أَحَدُ
شُيُوْخِهِ - وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَأَبَانُ بنُ تَغْلِبَ،
وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ،
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو حَمْزَةَ مُحَمَّدُ
بنُ مَيْمُوْنٍ السُّكَّرِيُّ، وَزَائِدَةُ بنُ قُدَامَةَ،
وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَعَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ
الكِسَائِيُّ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بنُ حَرْبٍ،
وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
المُبَارَكِ، وَعَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ، وَعَبَّادُ بنُ
العَوَّامِ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَبْدِ الأَعْلَى
السَّامِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ الأَشْجَعِيُّ، وَمُحَمَّدُ
بنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، وَعَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ،
وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ
الضَّرِيْرُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَوَاءٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ
فُضَيْلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الوَاسِطِيُّ،
وَأَحْمَدُ بنُ بَشِيْرٍ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ،
وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَخَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
الطَّحَّانُ، وَبِشْرُ بنُ السَّرِيِّ، وَبِشْرُ بنُ
مَنْصُوْرٍ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَالحَمَّادَانِ،
وَزَافِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ،
وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَشَرِيْكٌ القَاضِي،
وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
دَاوُدَ الخُرَيْبِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ
القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو
عُبَيْدَةَ عَبْدُ الوَاحِدِ الحَدَّادُ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ المُحَارِبِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ
عَاصِمٍ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَمُعْتَمِرُ بنُ
سُلَيْمَانَ، وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، وَمُعَاذُ بنُ
هِشَامٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بنُ المُثَنَّى،
وَمُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ القَصَّارُ، وَمُصْعَبُ بنُ
سَلاَّمٍ، وَمُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ، وَالمُعَافَى بنُ
عِمْرَانَ، وَمِسْكِيْنُ بنُ بُكَيْرٍ، وَمَخْلَدُ بنُ
يَزِيْدَ، وَوَرْقَاءُ، وَوَكِيْعٌ، وَهُشَيْمٌ،
وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَهَارُوْنُ الرَّشِيْدُ،
وَيَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَيَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ،
وَيَحْيَى بنُ حَمْزَةَ القَاضِي، وَيَزِيْدُ بنُ
زُرَيْعٍ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَيُوْنُسُ بنُ
بُكَيْرٍ، وَالقَاضِي أَبُو يُوْسُفَ، وَيَعْقُوْبُ
الحَضْرَمِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَآدَمُ بنُ أَبِي
إِيَاسٍ، وَأُمَيَّةُ بنُ خَالِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ
عَرْعَرَةَ، وَأَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ، وَأَسَدُ بنُ
مُوْسَى، وَعَفَّانُ، وَأَبُو جَابِرٍ مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِ المَلِكِ، وَأَبُو عَامِرٍ عَبْدُ المَلِكِ
العَقَدِيُّ،
(7/204)
وَمُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ العَبْدِيُّ،
وَسُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَأَبُو
الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَبَكْرُ بنُ بَكَّارٍ،
وَبَدَلُ بنُ المُحَبَّرِ، وَبَهْزُ بنُ أَسَدٍ،
وَالحَسَنُ بنُ مُوْسَى الأَشَيْبُ، وَحَفْصُ بنُ عُمَرَ
الحَوْضِيُّ، وَحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَحَجَّاجُ بنُ
نُصَيْرٍ، وَحَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ، وَالحَكَمُ بنُ
عَبْدِ اللهِ أَبُو النُّعْمَانِ، وَحَرَمِيُّ بنُ
عُمَارَةَ،
وَحَبَّانُ بنُ هِلاَلٍ، وَحَسَّانُ بنُ حَسَّانٍ
البَصْرِيُّ، وَخَلَفُ بنُ الوَلِيْدِ، وَوَهْبُ بنُ
جَرِيْرٍ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَالرَّبِيْعُ بنُ
يَحْيَى الأُشْنَانِيُّ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ،
وَسَعْدُ بنُ الرَّبِيْعِ أَبُو زَيْدٍ الهَرَوِيُّ،
وَسَعِيْدُ بنُ أَوْسٍ أَبُو زَيْدٍ اللُّغَوِيُّ،
وَشُعَيْثُ بنُ مُحْرِزٍ، وَشَاذُ بنُ فَيَّاضٍ، وَأَبُو
عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ خَيْرَانَ،
وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَعَبْدُ اللهِ
بنُ عُثْمَانَ عَبْدَانُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ
الغُدَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ
العَتَكِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَعَبْدُ
المَلِكِ الأَصْمَعِيُّ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بنُ
مُطَهِّرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَعَلِيُّ
بنُ قَادِمٍ، وَعَلِيُّ بنُ حَفْصٍ المَدَائِنِيُّ،
وَعَمْرُو بنُ حَكَّامٍ، وَعَمْرُو بنُ عَاصِمٍ
الكِلاَبِيُّ، وَعَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ، وَعَاصِمُ بنُ
عَلِيٍّ، وَعِصَامُ بنُ يُوْسُفَ البَلْخِيُّ، وَأَبُو
نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ، وَقُرَّةُ بنُ حَبِيْبٍ، وَمُوْسَى
بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّبُوْذَكِيُّ - شَيْئاً يَسِيْراً -
وَمُوْسَى بنُ مَسْعُوْدٍ النَّهْدِيُّ، وَمُظَفَّرُ بنُ
مُدْرِكٍ الحَافِظُ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَيَحْيَى بنُ
أَبِي بُكَيْرٍ، وَيَحْيَى بنُ كَثِيْرٍ أَبُو غَسَّانَ،
وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ رَبِّهُ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ،
وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ حِكَايَةً، وَأُمَمٌ سِوَاهُم.
ذَكَرْتُ عَامَّتَهُم فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ (1)).
اسْتَفَدْتُ أَسْمَاءهُم مِنْ خَطِّ الحَافِظِ أَبِي
عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَةَ، فَإِنَّهُ سَوَّدَ كِتَابَ
(الرُّوَاةِ) عَنْ شُعْبَةَ، وَخَرَّجَ لِكَثِيْرٍ
مِنْهُم.
وَمِنْ جَلاَلتِهِ قَدْ رَوَى: مَالِكٌ الإِمَامُ، عَنْ
رَجُلٍ، عَنْهُ، وَهَذَا قَلَّ أَنْ عَمِلَهُ مَالِكٌ.
__________
(1) 6 / 195 - 200.
(7/205)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ:
حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ خَلَفٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ
عَبْدِ اللهِ القَطَّانُ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا مَعْنٌ
القَزَّازُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ إِدْرِيْسَ، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَبِيْهِ،
قَالَ:
بَعَثَ عُمَرُ إِلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَأَبِي
الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي مَسْعُوْدٍ الأَنْصَارِيِّ،
فَقَالَ:
مَا هَذَا الحَدِيْثُ الَّذِي تُكْثِرُوْنَ عَنْ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
فَحَبَسَهُم بِالمَدِيْنَةِ حَتَّى اسْتُشْهِدَ.
وَكَانَ أَبُو بِسْطَامَ إِمَاماً، ثَبْتاً، حُجَّةً،
نَاقِداً، جِهْبِذاً، صَالِحاً، زَاهِداً، قَانِعاً
بِالقُوتِ، رَأْساً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ، مُنْقَطِعَ
القَرِيْنِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَرَّحَ وَعَدَّلَ.
أَخَذَ عَنْهُ هَذَا الشَّأْنَ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ
القَطَّانُ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَطَائِفَةٌ.
وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَخضَعُ لَهُ،
وَيُجِلُّهُ، وَيَقُوْلُ: شُعْبَةُ أَمِيْرُ
المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْلاَ شُعْبَةُ، لَمَا عُرِفَ
الحَدِيْثُ بِالعِرَاقِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: شُعْبَةُ إِمَامُ
الأَئِمَّةِ بِالبَصْرَةِ فِي مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ.
رَأَى: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، وَعَمْرَو بنَ سَلَمَةَ
الجَرْمِيَّ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَرْبَعِ مائَةِ شَيْخٍ مِنَ
التَّابِعِيْنَ.
قَالَ: وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِه: مَنْصُوْرٌ،
وَالأَعْمَشُ، وَأَيُّوْبُ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ،
وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ -يَعْنِي: قَاضِيَ
المَدِيْنَةِ-.
قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: إِذَا خَالَفَنِي شُعْبَةُ فِي
حَدِيْثٍ، صِرْتُ إِلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: سَمِعْتُ مِنْ
شُعْبَةَ سَبْعَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، وَسَمِعَ مِنْهُ
غُنْدَرٌ سَبْعَةَ آلاَفٍ.
قُلْتُ: يَعْنِي: بِالآثَارِ وَالمَقَاطِيْعِ.
قَالَ أَبُو قَطَنٍ: كَتَبَ لِي شُعْبَةُ إِلَى أَبِي
حَنِيْفَةَ يُحَدِّثُنِي (1) ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ:
كَيْفَ أَبُو بِسْطَامَ؟
قُلْتُ: بِخَيْرٍ.
قَالَ: نِعْمَ حَشْوُ المِصْرِ هُوَ.
__________
(1) زيادة من: " تاريخ بغداد ": 9 / 259.
(7/206)
أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ،
عَنْ شُعْبَةَ:
سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ أَبِي الحَسَنِ يَقُوْلُ: كُلَّمَا
نَعِقَ بِهِم نَاعِقٌ، اتَّبَعُوْهُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ:
رَأَيتُ الحَسَنَ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، وَقَالَ: لاَ
بُدَّ لِهَؤُلاَءِ النَّاسِ مِنْ وَزَعَةٍ (1) .
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الحَافِظِ
بِمِصْرَ، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَلَوِيِّ
بِدِمَشْقَ، قَالاَ:
أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ
الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَفِيْفٍ البُوْشَنْجِيُّ فِي سَنَةِ
سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ الأَنْصَارِيُّ
بِهَرَاةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ
سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنِي
أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي
شَيْخٍ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
كَانَ شُعْبَةُ مَوْلَىً لِلأَزْدِ، وَمَوْلِدُهُ
وَمَنشَؤُهُ بِوَاسِطَ، وَعِلْمُهُ كُوْفِيٌّ.
كَانَ لَهُ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ: سَعْدٌ، وَكَانَ لَهُ
أَخَوَانِ: بَشَّارٌ وَحَمَّادٌ، وَكَانَا يُعَالِجَانِ
الصَّرفَ.
وَكَانَ شُعْبَةُ يَقُوْلُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ:
وَيْلَكُم! الْزَمُوا السُّوْقَ، فَإِنَّمَا أَنَا عِيَالٌ
عَلَى أَخَوَيَّ.
قَالَ: وَمَا أَكَلَ شُعْبَةُ مِنْ كَسْبِهِ دِرْهَماً
قَطُّ.
وَبِهِ: قَالَ البَغَوِيُّ: حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ
بنُ مَنِيْعٍ، سَمِعْتُ أَبَا قُطْنٍ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيتُ شُعْبَةَ رَكَعَ قَطُّ، إِلاَّ ظَنَنْتُ
أَنَّهُ نَسِيَ، وَلاَ قَعَدَ بَيْنَ السَّجْدَتَينِ،
إِلاَّ ظَنَنْتُ أَنَّهُ نَسِيَ (2) .
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ شَبَّوَيْه،
سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
إِذَا كَانَ عِنْدِي دَقِيْقٌ وَقَصَبٌ (3) ، مَا أُبَالِي
مَا فَاتَنِي مِنَ الدُّنْيَا.
__________
(1) وزعة: أي أعوان يكفوهم عن التعدي والشر والفساد.
(2) " تاريخ الإسلام " 6 / 191، وفيه: " إلا قلت قد نسي ".
(3) القصب: المعي.
والخبر في " تاريخ بغداد ": 9 / 261.
(7/207)
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنِي قُرَادٌ أَبُو نُوْحٍ، قَالَ:
رَأَى عَلَيَّ شُعْبَةُ قَمِيْصاً، فَقَالَ: بِكَمِ
اشْتَرَيتَ هَذَا؟
فَقُلْتُ: بِثَمَانِيَةِ دَرَاهِمَ.
فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ! أَمَا تَتَّقِي اللهَ؟! أَلاَ
اشْتَرَيتَ قَمِيْصاً بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ،
وَتَصَدَّقْتَ بِأَرْبَعَةٍ، كَانَ خَيْراً لَكَ؟
قُلْتُ: يَا أَبَا بِسْطَامَ! إِنَّا مَعَ قَوْمٍ
نَتَجَمَّلُ لَهُم.
قَالَ: أَيْش نَتَجَمَّلُ لَهُم؟!
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سَهْلٍ النَّسَائِيُّ، حَدَّثَنَا
عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، قَالَ:
قَالَ أَيُّوْبُ: الآنَ يَقْدَمُ عَلَيْكُم رَجُلٌ مِنْ
أَهْلِ وَاسِطَ، يُقَالُ لَهُ: شُعْبَةُ، هُوَ فَارِسٌ فِي
الحَدِيْثِ، فَإِذَا قَدِمَ، فَخُذُوا عَنْهُ.
قَالَ حَمَّادٌ: فَلَمَّا قَدِمَ، أَخَذْنَا عَنْهُ.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ الكِنْدِيُّ،
حَدَّثَنَا وَلِيْدُ بنُ حَمَّادٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الله
بنَ إِدْرِيْسَ، قَالَ:
مَا جَعَلتُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الرِّجَالِ مِثْلَ
سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ زَنْجَوَيْه، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ:
وَافَقْنَا مِنْ شُعْبَةَ طِيْبَ نَفْسٍ، فَقُلْنَا لَهُ:
حَدِّثنَا، وَلاَ تُحَدِّثْنَا إِلاَّ عَنْ ثِقَةٍ.
فَقَالَ: قُوْمُوا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ القَوَارِيْرِيُّ،
سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ:
قَالَ لِي شُعْبَةُ: كُلُّ مَنْ كَتَبتُ عَنْهُ حَدِيْثاً،
فَأَنَا لَهُ عَبْدٌ.
حَدَّثَنَا ابْنُ زَنْجَوَيْه، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ
الحَضْرَمِيُّ، قَالَ:
قَالَ سُفْيَانُ: شُعْبَةُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي
الحَدِيْثِ.
وَرَوَى عَنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ
سُفْيَانَ، نَحْوَهُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ شَبَّوَيْه، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بنُ
عُثْمَانَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَوَّمْنَا حِمَارَ شُعْبَةَ وَسَرْجَه وَلِجَامَهُ
بَضْعَةَ عَشَرَ دِرْهَماً.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، حَدَّثَنَا قُرَادٌ:
أَنَّهُ سَمِعَ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِي الحَدِيْثِ (سَمِعْتُ)، فَهُوَ
خَلٌّ وَبَقْلٌ (1).
__________
(1) أي لا قيمة له، ولا يساوي شيئا.
وشعبة كان أشد الناس إنكارا للتدليس.
يروى عنه أنه قال: لان أزني أحب إلي من أن أدلس.
قال ابن الصلاح: وهذا محمول على المبالغة والزجر. =
(7/208)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ المَدَائِنِيُّ، عَنْ
وَرْقَاءَ:
قُلْتُ لِشُعْبَةَ: لِمَ تَرَكتَ حَدِيْثَ أَبِي
الزُّبَيْرِ؟
قَالَ: رَأَيتُهُ يَزِنُ، فَاسْتَرجَحَ فِي المِيْزَانِ،
فَتَرَكْتُهُ.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ،
سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
لَوْلاَ حَوَائِجُ لَنَا إِلَيْكُم، مَا جَلَسْتُ لَكُم.
قَالَ عَفَّانُ: كَانَ حَوَائِجُهُ: يَسْأَلُ
لِجِيْرَانِهِ الفُقَرَاءِ.
وَسَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: مَنْ ذَهَبْنَا إِلَى
أَبِيْهِ، فَأَكْرَمَنَا، فَجَاءنَا ابْنُهُ،
أَكْرَمنَاهُ، وَمَنْ أَتَيْنَاهُ، فَأَهَانَنَا، أَتَانَا
ابْنُهُ، أَهَنَّاهُ.
حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ،
قَالَ:
قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: مَا رَأَيتُ أَحَداً قَطُّ
أَحْسَنَ حَدِيْثاً مِنْ شُعْبَةَ.
قَالَ أَبُو بَحْرٍ البَكْرَاوِيُّ: مَا رَأَيتُ أَحَداً
أَعبَدَ للهِ مِنْ شُعْبَةَ، لَقَدْ عَبَدَ اللهَ حَتَّى
جَفَّ جِلْدُهُ عَلَى عَظْمِهِ وَاسْوَدَّ (1) .
قَالَ حَمْزَةُ بنُ زِيَادٍ الطُوْسِيُّ: سَمِعْتُ
شُعْبَةَ - وَكَانَ أَلثَغَ، قَدْ يَبِسَ جِلدُهُ مِنَ
العِبَادَةِ - يَقُوْلُ: لَوْ حَدَّثتُكُم عَنْ ثِقَةٍ،
مَا حَدَّثتُكُم عَنْ ثَلاَثَةٍ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ: كَانَ شُعْبَةُ يَصُوْمُ
الدَّهْرَ كُلَّهُ.
ذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ فِي (تَهْذِيْبِهِ):
لِشُعْبَةَ ثَلاَثُ مائَةِ شَيْخٍ سَمَّاهُم.
__________
= والتدليس: هو أن يروي المحدث عمن لقيه ما لم يسمعه منه،
أو عمن عاصره ولم يلقه، موهما أنه سمع منه، كأن يقول: عن
فلان، أو: قال فلان، أو نحو ذلك، فأما إذا صرح بالسماع أو
التحديث، ولم يكن قد سمعه من شيخه، ولم يقرأه عليه، فلا
يعد ذلك مدلسا، بل هو كاذب فاسق، يرد حيثه، ولا يقبل
مطلقا.
ونوع آخر من التدليس: هو أن يأتي باسم الشيخ أو كنيته على
خلاف المشهور به تعمية
لامره، وتوعيرا للوقوف على حاله.
(1) تهذيب الكمال: خ: 584، وفيه: " حتى جف جلده على ظهره،
ليس بينهما لحم ".
(2) خ: 582 - 583.
(7/209)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: شُعْبَةُ
أَثْبَتُ مِنَ الأَعْمَشِ فِي الحَكَمِ، وَشُعْبَةُ
أَحْسَنُ حَدِيْثاً مِنَ الثَّوْرِيِّ، قَدْ رَوَى عَنْ:
ثَلاَثِيْنَ كُوْفِيّاً لَمْ يَلْقَهُم سُفْيَانُ.
قَالَ: وَكَانَ شُعْبَةُ أُمَّةً وَحْدَه فِي هَذَا
الشَّأْنِ.
قَالَ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ مُطَهِّرٍ: مَا رَأَيتُ
أَحَداً أَمعنَ فِي العِبَادَةِ مِنْ شُعْبَةَ -رَحِمَهُ
اللهُ-.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: لأَنْ
أَزْنِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ (1) .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
يَوْماً بِحَدِيْثِ الصَّادِقِ المَصْدُوْقِ (2) ،
وَأَحَادِيْثَ نَحْوِه.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَدَرِيَّةِ: يَا أَبَا بِسْطَامَ!
أَلاَ تُحدِّثُنَا نَحْنُ أَيْضاً بِشَيْءٍ (3) ؟ فَذَكَرَ
حَدِيْثَ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ
__________
(1) وهذا - كما قال ابن الصلاح - محمول على المبالغة
والزجر.
والصحيح التفصيل في أمر المدلس بين ما صرح فيه بالسماع
فيقبل، وبين ما أتى فيه بلفظ محتمل فيرد.
وفي " الصحيحين " من حديث جماعة من هذا الضرب، كالسفيانين
والاعمش وقتادة وهشيم وغيرهم.
ونقل السيوطي في " التدريب " عن الحاكم: أن أهل الحجاز
والحرمين ومصر والعوالي وخراسان وأصبهان، وبلاد فارس
وخوزستان، وما وراء النهر، لا يعلم أحد من أئمتهم دلسوا،
وأكثر المحدثين تدليسا: أهل الكوفة، ونفر يسير من أهل
البصرة.
وأما أهل بغداد، فلم يذكر عن أحد من أهلها التدليس إلى أبي
بكر بن محمد بن محمد بن محمد بن سليمان الباغندي الواسطي،
فهو أول من أحدث التدليس بها.
(2) أخرجه البخاري: 6 / 220 و262، في بدء الخلق، و: 11 /
417 - 426، في القدر،
ومسلم: (2643)، في أول القدر، من طرق عن الأعمش، عن زيد بن
وهب، عن عبد الله بن مسعود، قال: حدثنا رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: " إن أحدكم يجمع
خلقه في بطن أمه أربعين يوما.
ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك.
ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك.
ثم يرسل الملك، فينفخ فيه الروح.
ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو
سعيد، فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة،
حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب،
فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها.
وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها
إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة،
فيدخلها ".
(3) تاريخ الفسوي: 2 / 283، وفيه: " لا تحدثنا، نحن أيضا
ننسى ".
(7/210)
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (كُلُّ مَوْلُوْدٍ يُوْلَدُ عَلَى الفِطْرَةِ
(1) ...)، الحَدِيْثَ.
قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: كَانَ شُعْبَةُ مِنْ أَرَقِّ
النَّاسِ، يُعطِي السَّائِلَ مَا أَمْكَنَهُ.
وَقَالَ أَبُو قَطَنٍ: كَانَتْ ثِيَابُ شُعْبَةَ
كَالتُّرَابِ، وَكَانَ كَثِيْرَ الصَّلاَةِ، سَخِيّاً.
وَعَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ، قَالَ:
كَانَ شُعْبَةُ إِذَا حَكَّ جِسْمَهُ انْتَثَرَ مِنْهُ
التُّرَابُ، وَكَانَ سَخِيّاً، كَثِيْرَ الصَّلاَةِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: كُنَّا عِنْدَ
شُعْبَةَ، فَجَاءَ سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ يَبْكِي،
وَقَالَ: مَاتَ حِمَارِي، وَذَهَبت مِنِّي الجُمُعَةُ،
وَذهَبَتْ حَوَائِجِي.
قَالَ: بِكَمْ أَخَذْتَه؟
قَالَ: بِثَلاَثَةِ دَنَانِيْرَ.
قَالَ شُعْبَةُ: فَعِنْدِي ثَلاَثَةُ دَنَانِيْرَ، وَاللهِ
مَا أَملِكُ غَيْرَهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَيْهِ (2) .
قَالَ النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: مَا رَأَيتُ أَرحمَ
بِمِسْكِيْنٍ مِنْ شُعْبَةَ.
وَبِإِسْنَادِي المَاضِي إِلَى البَغَوِيِّ: حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، قَالَ:
قَدِمَ شُعْبَةُ بَغْدَادَ مَرَّتَيْنِ أَيَّامَ
المَنْصُوْرِ وَأَيَّامَ المَهْدِيِّ، كَتَبتُ عَنْهُ
فِيْهِمَا جَمِيْعاً.
وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا
يَقُوْلُوْنَ:
وَهَبَ المَهْدِيُّ لِشُعْبَةَ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ
دِرْهَمٍ، فَقَسَّمَهَا، وَأَقطَعَهُ أَلْفَ
__________
(1) أخرجه البخاري: 3 / 196 - 199، في الجنائز: باب ما قيل
في أولاد المشركين، من طريق الزهري، عن أبي سلمة، عن عبد
الرحمن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -: " كل مولود يولد على الفطرة،
فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أويمجسانه، كمثل البهيمة تنتج
هل ترى فيها جدعاء ؟ ".
وأخرجه مسلم: (2658)، في القدر، وفيه: ثم يقول أبو هريرة:
واقرؤوا إن شئتم: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا
تبديل لخلق الله...) [ الروم: 30 ].
والمراد من الفطرة هنا: هو الإسلام.
قال ابن عبد البر: وهو المعروف عند عامة السلف.
(2) سيكرر المؤلف هذا الخبر في ترجمة سليمان بن المغيرة،
في الصفحة: 419.
(7/211)
جَرِيْبٍ (1) بِالبَصْرَةِ، فَقَدِمَ
البَصْرَةَ، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئاً يَطِيْبُ لَهُ،
فَتَرَكَهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: قَدِمَ شُعْبَةُ فِي
شَأْنِ أَخِيْهِ، كَانَ حَبَسَه أَبُو جَعْفَرٍ، كَانَ
اشْتَرَى طَعَاماً، فَخَسِرَ سِتَّةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ
هُوَ وَشُركَاؤُهُ -يَعْنِي: فَكلَّمَ فِيْهِ شُعْبَةُ
أَبَا جَعْفَرٍ-.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: لَمْ نَرَ قَطُّ أَعْلَمَ مِنْ
شُعْبَةَ بِالشِّعْرِ، قَالَ لِي: كُنْتُ أَلزمُ
الطِّرِمَّاحَ (2) ، فَمَرَرْتُ يَوْماً بِالحَكَمِ بنِ
عُتَيْبَةَ وَهُوَ يُحَدِّث، فَأَعْجَبَنِي الحَدِيْثُ،
وَقُلْتُ: هَذَا أَحْسَنُ مِنَ الشِّعْرِ، فَمِنْ
يَوْمَئِذٍ طَلبتُ الحَدِيْثَ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: لَوْلاَ
الشِّعْرُ، لَجِئْتُكُم بِالشَّعْبِيِّ -يَعْنِي: أَنَّهُ
كَانَ فِي حَيَاةِ الشَّعْبِيِّ مُقْبِلاً عَلَى طَلَبِ
الشِّعْرِ-.
قَالَ عَلِيُّ بنُ نَصْرٍ الجَهْضَمِيُّ: قَالَ شُعْبَةُ:
كَانَ قَتَادَةُ يَسْأَلُنِي عَنِ الشِّعرِ، فَقُلْتُ
لَهُ: أُنْشِدُكَ بَيْتاً، وَتُحدِّثُنِي حَدِيْثاً.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَا
رَأَيتُ أَحَداً أَكْثَرَ تَقَشُّفاً مِنْ شُعْبَةَ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: شُعْبَةُ إِمَامُ
المُتَّقِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: هَلِ العُلَمَاءُ
إِلاَّ شُعْبَةٌ مِنْ شُعْبَةَ؟
قَالَ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ: أَتَيْتُ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيَّ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ أُسْتَاذُنَا شُعْبَةُ؟
__________
(1) الجريب من الأرض: مقدار معلوم الذرع والمساحة.
(2) الطرماح بن حكيم بن الحكم، من طيئ، شاعر إسلامي فحل،
ولد ونشأ في الشام، وانتقل إلى الكوفة، فكان معلما فيها،
واعتقد مذهب " الشراة " من الازارقة، واتصل بخالد بن عبد
الله القسري، فكان يكرمه ويستجيد شعره، وكان هجاء، معاصرا
للكميت صديقا له.
توفي نحو سنة (125 ه). انظر: البيان والتبيين، (ط. ثالثة،
تحقيق عبد السلام هارون): 1 / 46 - 47، و: الشعر والشعراء:
2 / 585 - 590، و: الاغاني: 12 / 35 - 45.
(7/212)
وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: لاَ
يَعْدِلُ شُعْبَةَ عِنْدِي أَحَدٌ.
ابْنُ مَهْدِيٍّ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
إِنَّ هَذَا الحَدِيْثِ يَصُدُّكُم عَنْ ذِكْرِ اللهِ،
وَعَنِ الصَّلاَةِ، وَعَنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، فَهَلْ
أَنْتُم مُنْتَهُوْنَ؟
قَالَ أَبُو قَطَنٍ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ بنَ الحَجَّاجِ
يَقُوْلُ:
مَا شَيْءٌ أَخَوْفُ عِنْدِي مِنْ أَنْ يُدْخِلَنِي
النَّارَ مِنَ الحَدِيْثِ.
وَعَنْهُ، قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي وَقَّادُ حَمَّامٍ،
وَأَنِّي لَمْ أَعْرِفِ الحَدِيْثَ.
قُلْتُ: كُلُّ مَنْ حَاقَقَ نَفْسَهُ فِي صِحَّةِ
نِيَّتِهِ فِي طَلَبِ العِلْمِ، يَخَافُ مِنْ مِثْلِ
هَذَا، وَيَودُّ أَنْ يَنجُوَ كَفَافاً.
قَالَ عَفَّانُ: كَانَ شُعْبَةُ مِنَ العُبَّادِ.
قَالَ سَعْدُ بنُ شُعْبَةَ: أَوْصَى أَبِي إِذَا مَاتَ
أَنْ أَغْسِلَ كُتُبَه، فَغَسَلْتُهَا.
قُلْتُ: وَهَذَا قَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِالغَسلِ،
وَبِالحَرقِ، وَبِالدَّفْنِ؛ خَوْفاً مِنْ أَنْ تَقعَ فِي
يَدِ إِنْسَانٍ وَاهٍ، يَزِيْدُ فِيْهَا، أَوْ
يُغِيِّرُهَا.
رَوَى: أَبُو عُبَيْدَةَ الحَدَّادُ، عَنْ شُعْبَةَ،
قَالَ:
لَمْ يَسْمَعْ حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ مِنْ أَنَسٍ سِوَى
أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِيْنَ حَدِيْثاً، وَالبَاقِي سَمِعَهَا،
وَثَبَّتَهُ فِيْهَا ثَابِتٌ البُنَانِيُّ -يَعْنِي:
فَكَانَ يَحذِفُ ثَابِتاً، وَيُدَلِّسُهَا، فَيَقُوْلُ:
عَنْ أَنَسٍ-.
مَا أَعْتَقِدُ إِلاَّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَنَسٍ
أَضْعَافَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مُكْثِرٌ عَنْهُ، بِحَيْثُ
أَنَّهُ لَهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ أَزْيَدَ مِنْ
مائَةِ حَدِيْثٍ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: شُعْبَةُ أَحْفَظُ
لِلْمَشَايِخِ، وَسُفْيَانُ أَحْفَظُ لِلأَبوَابِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ:
فِي صَدْرِي أَرْبَعُ مائَةِ حَدِيْثٍ لأَبِي الزُّبَيْرِ،
وَاللهِ لاَ حَدَّثْتُ عَنْهُ.
__________
(1) وذلك لان أبا الزبير، واسمه: محمد بن مسلم بن تدرس،
موصوف بالتدليس وشعبة ينكره أشد الإنكار، كما مر في
أخباره.
(7/213)
قَالَ القَطَّانُ: كَانَ شُعْبَةُ أَمرَّ
فِي الأَحَادِيْثِ الطِّوَالِ مِنْ سُفْيَانَ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: قِيْلَ لِيَحْيَى بنِ
سَعِيْدٍ:
إِنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ إِدْرِيْسَ، وَأَبَا خَالِدٍ بنَ
عَمَّارٍ يَزْعُمَانِ: أَنَّ شُعْبَةَ أَمْلَى
عَلَيْهِمَا.
فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: مَا
أَمْلَيتُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بِبَغْدَادَ، إِلاَّ
عَلَى ابْنِ زُرَيْعٍ (1) ، أَكْرَهَنِي عَلَيْهِ،
وَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَمَرَنِي أَنْ
أَكْتُبَهَا.
ثُمَّ قَالَ لَهُ يَحْيَى: لَوْ أَرَدْتُهُ عَلَى
الإِمْلاَءِ، لأَمْلَى عَلَيَّ، وَمَا أَمْلَى وَأَنَا
حَاضِرٌ قَطُّ، وَلقَدْ جَاءهُ خَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ،
وَهُوَ شَيْخٌ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ غَيْرِي، فَأَخْرَجَ
رُقَيْعَةً، فَنَفَرَ شُعْبَةُ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا
هِيَ أَطرَافٌ، فَسَكَنَ.
عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ نَجْدَةَ: قَالَ لِي بَقِيَّةُ:
كَانَ شُعْبَةُ يُمْلِي عَلَيَّ، وَذَاكَ أَنَّهُ قَالَ
لِي: اكْتُبْ لِي حَدِيْثَ بَحِيْرِ بنِ سَعِيْدٍ.
فَكَتَبْتُهَا لَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ يَحِلُّ لَكَ
أَنْ تَكتُبَ، وَلاَ يَحِلُّ لَنَا أَنْ نَكْتُبَ عَنْكَ؟
فَقَالَ لِي: اكْتُبْ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ عَنْهُ.
القَوَارِيْرِيُّ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ،
قَالَ:
أَملَى عَلَيْنَا شُعْبَةُ هَذِهِ المَسَائِلَ مِنْ
كِتَابِه -يَعْنِي: مَسَائِلَ الحَكَمِ وَحَمَّادٍ-.
وَكَانَ يَوْماً قَاعِداً يُسبِّحُ بُكرَةً، فَرَأَى
قَوْماً بَكَّرُوا، فَأَخَذُوا أَمْكِنَةً لِقَومٍ
يَجِيْؤُوْنَ بَعْدَهُم، وَرَأَى قَوْماً يَجِيْؤُوْنَ،
فَقَامَ مِنْ مَكَانِهِ، فَجَلَسَ فِي آخِرِهِم.
ابْنُ المَدِيْنِيِّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى القَطَّانُ،
قَالَ:
هَؤُلاَءِ شُيُوْخُ شُعْبَةَ مِنَ الكُوْفَةِ، لَمْ
يَلْقَهُم سُفْيَانُ: عَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ، طَلْحَةُ بنُ
مُصَرِّفٍ، المِنْهَالُ بنُ عَمْرٍو، إِسْمَاعِيْلُ بنُ
رَجَاءَ، عُبَيْدُ بنُ الحَسَنِ، الحَكَمُ، عَبْدُ
المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ، يَحْيَى أَبُو عَمْرٍو
البَهْرَانِيُّ، عَلِيُّ بنُ مُدْرِكٍ، سِمَاكُ بنُ
الوَلِيْدِ، سَعِيْدُ بنُ أَبِي بُرْدَةَ،
__________
(1) في الأصل: " بزيع "، وهو خطأ، وابن زريع هذا هو: يزيد،
انظر " تاريخ " المؤلف: 6 / 193.
(7/214)
عَبْدُ اللهِ بنُ جَبْرٍ، مُحِلُّ بنُ
خَلِيْفَةَ، أَبُو السَّفَرِ سَعِيْدٌ الهَمْدَانِيُّ،
نَاجِيَةُ بنُ كَعْبٍ.
قَالَ وَكِيْعٌ: قَالَ شُعْبَةُ:
رَأَيتُ نَاجِيَةَ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ
يَلْعَبُ بِالشَّطْرَنْجِ، فَتَرَكْتُهُ، فَلَمْ أَكْتُبْ
عَنْهُ.
وَمِنْهُمُ: العَلاَءُ بنُ بَدْرٍ، وَحَيَّانُ
البَارِقِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي المُجَالِدِ...،
وَسَمَّى جَمَاعَةً.
رَوَاهَا: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، ثُمَّ زَادَ
أُنَاساً: الوَلِيْدُ بنُ العَيْزَارِ، يَحْيَى بنُ
الحُصَيْنِ، نُعَيْمُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، حَبِيْبُ بنُ
الزُّبَيْرِ، سَعِيْدُ بنُ عَمْرِو بنِ سَعِيْدِ بنِ
العَاصِ.
قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، قَالَ:
رَأَيتُ الحَسَنَ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَتَكَابُّوا
عَلَيْهِ، فَقَالَ: لاَ بُدَّ لِهَؤُلاَءِ النَّاسِ مِنْ
وَزَعَةَ (1) .
وَكَانَ يَقَعدُ عِنْدَ المَنَارَةِ العَتِيْقَةِ، فِي
آخِرِ المَسْجِدِ.
وَقَالَ صَالِحُ بنُ سُلَيْمَانَ: كَانَتْ فِي شُعْبَةَ
تَمتَمَةٌ (2) .
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ: سَمِعْتُ
شُعْبَةَ (3) يَقُوْلُ:
مِنْ كَذِبِ الإِنْسَانِ مَرَّتَيْنِ يَقُوْلُ: لَيْسَ
بِشَيْءٍ، إِلاَّ شُوَيْءٌ، لَيْسَ بِشَيْءٍ (4) .
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: قَالَ شُعْبَةُ:
كُنْتُ أَتفقَّدُ فَمَ قَتَادَةَ، فَإِذَا قَالَ: سَمِعْتُ
أَوْ حَدَّثَنَا، تَحفَّظْتُهُ، وَإِلاَّ تَرَكْتُهُ (5) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ غَلَطُ شُعْبَةَ فِي
الأَسْمَاءِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَ شُعْبَةُ يَجِيْءُ إِلَى
الرَّجُلِ -يَعْنِي: الَّذِي لَيْسَ أَهْلاً
__________
(1) تقدم في الصفحة: 207، انظره مع الحاشية: 1.
(2) التمتمة: رد الكلام إلى التاء والميم، وقيل: هو أن
يعجل بكلامه فلا يكاد يفهمك.
(انظر: تاج العروس).
(3) سقط من الأصل، والزيادة من " تاريخ الإسلام ": 6 /
194.
(4) في " الحلية ": 2 / 203، و" تاريخ الإسلام ": 6 / 194:
" إلا سوى ليس بشيء ".
(5) أي أنه كان يحفظ حديث قتادة الذي يصرح فيه بالتحديث،
لأنه كان يدلس.
(7/215)
لِلْحَدِيْثِ (1) - فَيَقُوْلُ: لاَ
تُحدِّثْ، وَإِلاَّ اسْتَعْدَيتُ عَلَيْكَ السُّلْطَانَ.
أَبُو زَيْدٍ الهَرَوِيُّ: عَنْ شُعْبَةَ:
لأَنْ أَقَعَ مِنَ السَّمَاء ِإِلَى الأَرْضِ، أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ.
قَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: حدَّثَنِي
سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ القَزَّازُ، سَمِعْتُ أَبَا
دَاوُدَ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ مِنْ شُعْبَةَ سَبْعَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ،
وَسَمِعَ مِنْهُ غُنْدَرٌ مِثْلَهَا، أَغرَبتُ عَلَيْهِ
أَلفَ حَدِيْثٍ، وَأغْرَبَ هُوَ عَلَيَّ أَلْفاً.
قَالَ شُعْبَةُ: وَقِّفوهُم تَصدقُوا أَوْ تَكذبُوا.
سَمِعَهُ مِنْهُ: أَبُو عُبَيْدَةَ الحَدَّادُ.
قَالَ مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: كَانَ شُعْبَةُ إِذَا
قَامَ سَائِلٌ فِي مَجْلِسِهِ، لاَ يُحَدِّثُ حَتَّى
يُعْطَى أَوْ يُضْمَنَ لَهُ.
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: كُنَّا عِنْدَ شُعْبَةَ، وَقَدْ
أَقْبَلَ عَلَى رَجُلٍ خُرَاسَانِيٍّ، فَقِيْلَ لَهُ:
تُقْبِلُ عَلَى هَذَا وَتَدَعُنَا؟!
قَالَ: وَمَا يُؤْمِنُنِي أَنَّ مَعَهُ خِنْجَراً يَشُقُّ
بَطْنِي بِهِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ
خِدَاشٍ، حَدَّثَنِي حَرِيْشٌ ابْنُ أُخْتِ جَرِيْرِ بنِ
حَازِمٍ، قَالَ:
رَأَيتُ شُعْبَةَ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: أَيَّ
الأَعْمَالِ وَجَدْتَ أَشَدَّ عَلَيْكَ؟
قَالَ: التَّجَوُّزُ فِي الرِّجَالِ (2) .
قَالَ عُبَيْدُ بنُ يَعِيْشَ: سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ
بُكَيْرٍ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
اكْتُم عَلَيَّ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ أَمِيْرُ
المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لِيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ: سَمِعَ
الحَسَنُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؟
قَالَ: لاَ، وَلاَ حَرْفٌ.
__________
(1) زيادة من: " تهذيب الأسماء ": 1 / 245، وفيه: "...وإلا
اشتكيت عليك إلى السلطان ".
(2) التجوز: الترخص. والمعروف عن شعبة أنه كان يتشدد في
تنقيد الرواة ولا يترخص في ذلك.
(7/216)
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: عَنْ شُعْبَةَ،
قَالَ:
كَانَ أَيُّوْبُ يَمْشِي إِلَى مَسْجِدِ بَنِي ضُبَيْعَةَ
يَسْأَلُنِي عَنِ الحَدِيْثِ، فَحَدَّثتُهُ يَوْماً
بِحَدِيْثِ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بنِ
شِهَابٍ: (أَنَّ امْرَأَةً أَرَادَتِ الحَجَّ).
فَقَالَ أَيُّوْبُ: هَاتُوا إِسْنَاداً مِثْلَ هَذَا.
قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: قَالَ شُعْبَةُ:
أَتَى إِلَيَّ ابْنُ عَوْنٍ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ،
يُعَزِّيَانِي بِأُمِّي، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: حَدَّثَنَا
أَبُو نَضْرَةَ...
فَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: قَدْ رَأَيْتَ أَبَا نَضْرَةَ؟
قَالَ سُلَيْمَانُ: فَمَا رَأَيتَ؟!
عَفَّانُ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، قَالَ:
جَاءَ شُعْبَةُ إِلَى حُمَيْدٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيْثٍ
لأَنَسٍ، فَحَدَّثَهُ بِهِ.
فَقَالَ لَهُ شُعْبَة: سَمِعْتَه مِنْ أَنَسٍ؟
قَالَ: فِيْمَا أَحْسِبُ.
فَقَالَ شُعْبَةُ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ
بِأَصَابِعِهِ: لاَ أُرِيْدُهُ، ثُمَّ وَلَّى.
فَلَمَّا ذَهَب، قَالَ حُمَيْدٌ: سَمِعْتُهُ مِنْ أَنَسٍ
كَذَا وَكَذَا مرَّةً، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُفسِدَهُ
عَلَيْهِ.
وَرَوَاهُ: أَحْمَدُ، عَنْ عَفَّانَ، وَفِيْهِ: وَلَكِنْ
شَدَّدَ عَلَيَّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُشَدِّدَ عَلَيْهِ.
رَوَى: سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ:
قُلْتُ لِمُشَاشٍ: سَمِعَ الضَّحَّاكُ مِنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ؟
قَالَ: مَا رَآهُ قَطُّ.
وَرَوَى: هُشَيْمٌ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: خُذُوا عَنْ
أَهْلِ الشَّرَفِ، فَإِنَّهُم لاَ يَكْذِبُوْنَ.
قَالَ وَكِيْعٌ: قَالَ شُعْبَةُ: فُلاَنٌ عَنْ فُلاَنٍ
مِثْلُهُ لاَ يُجْزِئُ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يُجزِئُ.
عُثْمَانُ بنُ جَبَلَةَ: عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ:
أَيُّ شَيْءٍ أَلذُّ مِنْ أَنْ تَلْقَى شَيْخاً فِي فَيءِ
رِيْحٍ، قَدْ لَقِيَ النَّاسَ، وَأَنْتَ تَسْتَثِيْرُهُ،
وَتَستخرِجُ مِنْهُ العِلْمَ، قَدْ خَلَوتَ بِهِ؟!
قَالَ عَفَّانُ: كَانَ شُعْبَةُ يَخْضِبُ بِالحُمْرَةِ.
(7/217)
لَمْ يَقَعْ لِي بِالاتِّصَالِ مِنْ
حَدِيْثِ شُعْبَةَ بِعُلُوٍّ سِوَى أَرْبَعَةُ
أَحَادِيْثَ، مِنْهَا ثَلاَثَةٌ فِي (المائَةِ
الشُّرَيْحِيَّةِ (1)).
قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الحَافِظِ بنِ بَدْرَانَ،
وَيُوْسُفَ بنِ أَحْمَدَ، أَخْبَرَكُمَا مُوْسَى بنُ
عَبْدِ القَادِرِ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ
البَنَّاءِ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ
البُسْرِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ،
حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، وَشَيْبَانُ،
عَنْ قَتَادَةَ:
سَمِعْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ يَقُوْلُ: صَلَّيْتُ خَلْفَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي
بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَداً
مِنْهُم يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
(2) .
هَذَا حَدِيْثٌ ثَابِتٌ، مَا عَلَيْهِ غُبَارٌ،
وَقَتَادَةُ فَحَافِظٌ يُؤَدِّي الحَدِيْثَ بِحُرُوْفِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ،
وَأَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ
بنُ يُوْسُفَ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْنُ خَطِيْبِ بَيْتِ
الأَبَّارِ، وَآخَرُوْنَ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا أَبُو المَنْجَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ
اللَّتِّيِّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى،
أَنْبَأَنَا أَبُو عَاصِمٍ
__________
(1) نسبة إلى عبد الله بن أبي شريح.
(انظر: العبر للذهبي: 3 / 53).
(2) أخرجه البخاري: 2 / 188، في صفة الصلاة: باب ما يقول
بعد التكبير، ولفظه: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
وأبا بكر، وعمر - رضي الله عنهم - كانوا يفتتحون الصلاة ب:
(الحمدلله رب العالمين) "، وأخرجه الترمذي: " (246)،
وعنده: " القراءة " بدل " الصلاة، وزاد: " عثمان "، وأخرجه
مسلم: (399)، في الصلاة: باب حجة من قال: لا يجهر
بالبسملة، بلفظ: " صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- وأبي بكر، وعمر وعثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ: بسم
الله الرحمن الرحيم "، ورواه أحمد: 3 / 264، والطحاوي: 1 /
119، والدار قطني: 119، وقالوا فيه: " فكانوا لا يجهرون
ببسم الله الرحمن الرحيم "، ورواه ابن حبان في " صحيحه "،
وزاد: " ويجهرون بالحمد لله رب العالمين "، وفي لفظ
للنسائي: 2 / 135، وابن حبان: " فلم أسمع أحدا منهم يجهر
ببسم الله الرحمن الرحيم "، وفي لفظ لأبي يعلى الموصلي في
" مسنده ": " فكانوا يستفتحون القراءة فيما يجهر به بالحمد
لله رب العالمين "، وفي لفظ للطبراني في " معجمه "، وأبي
نعيم في " الحلية "، وابن خزيمة في " صحيحه ": 498،
والطحاوي في " شرح معاني الآثار ": 1 / 119: " وكانوا
يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم ".
قال الزيلعي في " نصب الراية ": 1 / 327: ورجال هذه
الروايات كلهم ثقات، مخرج لهم في " الصحيح " جمع.
(7/218)
الفُضَيْلُ بنُ يَحْيَى، أَنْبَأَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنْبَأَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المَنِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ:
سَمِعْتُ جَابِراً يَقُوْلُ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
(مَنْ هَذَا؟).
فَقُلْتُ: أَنَا.
فَقَالَ: (أَنَا أَنَا)، كَأَنَّهُ كَرِهَهُ.
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (1) ، عَنْ أَبِي الوَلِيْدِ،
عَنْ شُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، فَوَقَعَ بَدَلاً عَالِياً.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَمِعْتُ مُقَاتلاً - هُوَ ابْنُ
مُحَمَّدٍ - يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَرْجُو أَنْ
يَرْفَعَ اللهُ لِشُعْبَةَ دَرَجَاتٍ فِي الجَنَّةِ؛
بِذَبِّهِ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
الكُدَيْمِيُّ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ الحَضْرَمِيُّ،
قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ الخَيْرِ أَبُو بِسْطَامَ الضَّخْمُ،
عَنِ الضِّخَامِ.
وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ
حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ:
أَنَّهُ كَانَ إِذَا حَدَّثَ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الضَّخْمُ عَنِ الضِّخَامِ ... شُعْبَةُ
الخَيْرِ أَبُو بِسْطَامِ (2)
الكُدَيْمِيُّ: عَنْ وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، قَالَ:
كَلَّمَ أَبِي شُعْبَةَ فِي أَبَانِ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ،
وَسَلْمٍ العَلَوِيِّ فِي الكَفِّ عَنْهُمَا، فَأَجَابَهُ
فِي سَلْمٍ، ثُمَّ بَدَا لَهُ.
وَقَالَ أَبُو الوَلِيْدِ: قَالَ لِي حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ،
قَالَ: إِذَا خَالَفنِي شُعْبَةُ فِي حَدِيْثٍ، صِرتُ
إِلَى قَوْلِه.
قُلْتُ: كَيْفَ يَا أَبَا إِسْمَاعِيْلَ؟
قَالَ: إِنَّ شُعْبَةَ كَانَ لاَ يَرضَى أَنْ يَسْمَعَ
الحَدِيْثَ عِشْرِيْنَ مَرَّةً، وَأَنَا أَرْضَى أَنْ
أَسْمَعَهُ مَرَّةً.
وَرُوِيَ عَنْ: عَبْدِ القُدُّوْسِ بنِ مُحَمَّدٍ
الحَبْحَابِيِّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: لَمَّا
__________
(1) 11 / 29 - 30، في الاستئذان: باب إذا قال: من ذا ؟
فقال: أنا، وأخرجه مسلم: (2155)، في الآداب: باب كراهة قول
المستأذن: أنا، من طرق، عن شعبة.
(2) الجرح والتعديل: 1 / 128.
(7/219)
مَاتَ شُعْبَةُ، أُرِيتُهُ بَعْدَ سَبْعَةِ
أَيَّامٍ، وَهُوَ آخذٌ بِيَدِ مِسْعَرٍ، وَعَلَيْهِمَا
قَمِيْصَا نُوْرٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا بِسْطَامَ! مَا
فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَر لِي.
قُلْتُ: بِمَاذَا؟
قَالَ: بِصِدْقِي فِي رِوَايَةِ الحَدِيْثِ، وَنَشْرِي
لَهُ، وَأَدَائِي الأَمَانَةَ فِيْهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ
يَقُوْلُ:
حَبَانِي إِلَهِي فِي الجِنَانِ بِقُبَّةٍ ... لَهَا
أَلْفُ بَابٍ مِنْ لُجَيْنٍ وَجَوْهَرُ
شَرَابِي رَحِيْقٌ فِي الجِنَانِ وَحِلْيَتِي ... مِنَ
الذَّهَبِ الإِبْرِيْزِ وَالتَّاجُ أَزْهَرُ
وَنَقْلِي (1) لِثَامُ الحُورِ وَاللهُ خَصَّنِي ...
بِقَصْرٍ عَقِيْقٍ، تُرْبَةُ القَصْرِ عَنْبَرُ
وَقَالَ لِيَ الرَّحْمَنُ: يَا شُعْبَةُ الَّذِي ...
تَبَحَّرَ فِي جَمْعِ العُلُوْمِ فَأَكْثَرُ
تَنَعَّمْ بِقُرْبِي إِنَّنِي عَنْكَ رَاضِي ... وَعَنْ
عَبْدِيَ القَوَّامِ بِاللَّيْلِ مِسْعَرُ
كَفَى مِسْعَراً عِزّاً بِأَنْ سَيَزُوْرُنِي ...
فَأَكْشِفُ حُجْبِي ثُمَّ أُدْنِيْهِ يَنْظُرُ (2)
... فِي أَبْيَات.
الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا أَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ الهَرَوِيُّ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ
يَقُوْلُ:
لأَنْ أَقعَ مِنَ السَّمَاءِ فَأَنقطِعَ، أَحَبُّ إِلَيَّ
مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ.
القَوَارِيْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ، يُحَدِّثُ
عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ:
مِنَ النَّاسِ مَنْ عَقْلُهُ مَعَهُ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
عَقلُهُ بِفِنَائِهِ، وَمِنْهُم مَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ،
فَأَمَّا الَّذِي عَقلُهُ مَعَهُ، فَالَّذِي يُبْصِرُ مَا
يَخْرُجُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، وَأَمَّا
الَّذِي عَقلُهُ بِفِنَائِهِ، فَالَّذِي...، وَذَكَرَ
كَلِمَةً.
قَالَ مَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: سُئِلَ شُعْبَةُ عَنِ
ابْنِ عَوْنٍ، فَقَالَ: سَمْنٌ وَعَسَلٌ.
قِيْلَ: فَمَا تَقُوْلُ فِي هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ؟
فَقَالَ: خَلٌّ وَزَيْتٌ.
قِيْلَ: فَمَا تَقُوْلُ فِي أَبِي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ؟
قَالَ: دَعْنِي لاَ أَقِيءُ بِهِ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
مَنْ طَلَبَ الحَدِيْثَ أَفْلَسَ، بِعْتُ طَسْتَ أُمِّي
بِسَبْعَةِ دَنَانِيْرَ.
__________
(1) النقل: ما يتنقل به مثل الفستق والبزر وما إليهما على
الشراب.
(2) في القصيدة إقواء ظاهر، وضرورة في قوله: " راضي ".
(7/220)
أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ:
حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، قَالَ:
كَانَ شُعْبَةُ إِذَا جَاءَ بِالحَدِيْثِ الحَسَنِ، صَاحَ:
أَوَّهُ! أَفرَقَ مِنْ جَوْدَتِهِ.
سُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ:
دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا شُعْبَةُ جَالِسٌ وَحْدَهُ،
فَجلَسْتُ إِلَيْهِ، فَرَفَعَ رِجْلَهُ، فَرَكَلَنِي،
وَقَالَ: أَنْتَ طَلَبْتَ مَنْصُوْراً، ثُمَّ لَمْ
تَجِدْهُ فِي الإِسْطُوَانَاتِ، فَحِيْنَئِذٍ جِئْتَ
إِلَيَّ.
وَقَالَ أَبُو الوَلِيْدِ: سَأَلْتُ شُعْبَةَ عَنْ
حَدِيْثٍ، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ حَدَّثْتُكَ بِهِ.
قُلْتُ: وَلِمَ؟
قَالَ: لأَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ إِلاَّ مَرَّةً.
الطَّيَالِسِيُّ: عَنْ شُعْبَةَ: مَا رَأَيتُ بِالكُوْفَةِ
مِثْلَ زُبَيْدِ بنِ الحَارِثِ.
قَالَ أُمَيَّةُ بنُ خَالِدٍ: قُلْتُ لِشُعْبَةَ:
إِنَّ أَبَا شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَنِ الحَكَمِ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ صِفِّيْنَ
شَهِدَهَا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ سَبْعُوْنَ رَجُلاً.
قَالَ: كَذَبَ أَبُو شَيْبَةَ، لقَدْ ذَاكَرتُ الحَكَمَ،
فَمَا وَجَدْنَا أَحَداً شَهِدَ صِفِّيْنَ مِنْ أَهْلِ
بَدْرٍ، غَيْرَ خُزَيْمَةَ بنِ ثَابِتٍ.
قُلْتُ: قَدْ شَهِدَهَا عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ، وَالإِمَامُ
عَلِيٌّ أَيْضاً.
الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا الصَّاغَانِيُّ، قَالَ:
قَالَ شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
لأَنْ أُقَدَّمَ، فَتُضْرَبَ عُنُقِي، أَحَبُّ إِلَيَّ
مِنْ أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ أَبِي هَارُوْنَ العَبْدِيِّ.
وَقَالَ بِشْرُ بنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ: سَمِعْتُ
شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
لأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ مِنْ فَوْقِ هَذَا
القَصْرِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُوْلَ: قَالَ
الحَكَمُ، لِشَيْءٍ لَمْ أَسْمَعْه مِنْهُ.
قُلْتُ: هَذَا -وَاللهِ- الوَرَعُ.
قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: قُلْتُ
(7/221)
لِشُعْبَةَ: مَنِ الَّذِيْنَ تَتركُ
الرِّوَايَةَ عَنْهُم؟
قَالَ: إِذَا أَكْثَرَ عَنِ المَعْرُوْفِيْنَ مِنَ
الرِّوَايَةِ مَا لاَ يُعرَفُ، أَوْ أَكْثَرَ الغَلَطَ،
أَوْ تَمَادَى فِي غَلَطٍ مُجْتَمَعٍ عَلَيْهِ، وَلَمْ
يَتَّهِمْ نَفْسَهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِم عَلَى خِلاَفِهِ،
أَوْ رَجُلٌ مُتَّهَمٌ بِكَذِبٍ، وَسَائِرُ النَّاسِ
فَارْوِ عَنْهُم.
عُبَيْدُ بنُ يَعِيْشَ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ:
سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي
الحَدِيْثِ، وَاكْتُمْ.
الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ: سَمِعْتُ
سُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ، سَمِعْتُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ
يَقُوْلُ:
رَأَيتُ شُعْبَةَ قَدْ لَبَّبَ أَبَانَ بنَ أَبِي
عَيَّاشٍ، يَقُوْلُ: أَسْتَعْدِي عَلَيْكَ إِلَى
السُّلْطَانِ، فَإِنَّكَ تَكْذِبُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَ: فَبَصُرَ بِي، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْمَاعِيْلَ!
قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَمَا زِلتُ أَطْلُبُ إِلَيْهِ
حَتَّى خَلَّصْتُهُ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ دُكَيْنٍ الكَلْبِيُّ (1) : سَمِعْتُ
شُعْبَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ أَحَداً أَصدَقَ مِنْ
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ.
ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
يَقُوْلُ:
قَالَ لِي شُعْبَةُ: كَتَبْتُ عَنْ أَبِي المُهَزِّمِ
خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً، فَمَا رَوَيتُ عَنْهُ شَيْئاً.
قُلْتُ: هُوَ يَزِيْدُ بنُ سُفْيَانَ، هَالِكٌ.
الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حُمْشَادَ، حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَمَّارٍ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ أَبَانٍ،
قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ هُشَيْمٌ البَصْرَةَ، فَقَالَ شُعْبَةُ:
إِنْ حَدَّثَكم عَنْ عِيْسَى بنِ مَرْيَمَ، فَصَدِّقُوهُ،
وَاكتُبُوا عَنْهُ.
فَمَالَ النَّاسُ إِلَى هُشَيْمٍ، وَتَرَكُوا شُعْبَةَ،
فَمَرَّ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا
بِسْطَامَ! مَا لَكَ، أَيْنَ النَّاسُ؟
قَالَ: أَنَا صَنَعتُ بِنَفْسِي، أَلَقَيْتُ بِنَفْسِي فِي
غُبَارِ الجَصِّ.
__________
(1) كذا الأصل، وفي " تذهيب التهذيب " للمؤلف " 2 / 51:
وقال الربيع بن يحيى عن شعبة: ما رأيت أحدا...وكذلك هو في
" تهذيب الكمال " وتقدمه " الجرح والتعديل ".
(7/222)
قَالَ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ: رُبَّمَا
سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ:
يَا قَوْمُ! إِنَّكُم كُلَّمَا تَقدَّمْتُم فِي
الحَدِيْثِ، تَأَخَّرْتُم فِي القُرْآنِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: عَلَيْكَ
بِوَرْقَاءَ (1) ، فَإِنَّكَ لاَ تَلقَى مِثْلَهُ حَتَّى
تَرجِعَ - عَنَى: فِي الخَيْرِ -.
رَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي كَرِيْمَةَ، عَنْ يَزِيْدَ
بنِ هَارُوْنَ، قَالَ:
كَانَ شُعْبَةُ يَقُوْلُ: لاَ تَكتُبُوا الحَدِيْثَ إِلاَّ
عَنْ غَنِيٍّ، وَكَانَ هُوَ فَقِيْراً، كَانَ يَعُوْلُهُ
بَنُو أَخِيْهِ.
وَرَوَى: لَبِيْدُ بنُ أَبِي لَبِيْدٍ السَّرَخْسِيُّ،
عَنِ النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
تَعَالَوْا نَغتَابُ فِي اللهِ.
يُرِيْدُ: الكَلاَمَ فِي الشُّيُوخِ.
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَالَ حَجَّاجٌ الأَعْوَرُ:
كَتَبَ لِي سُلَيْمَانُ بنُ مُجَالِدٍ إِلَى شُعْبَةَ،
فَأَتَيْتُهُ، فَكُنْتُ أَسْأَلُهُ حَدِيْثَ حَمَّادٍ،
عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَكَانَ يُحَدِّثُنِي، وَلاَ يَدعُ
أَحَداً يَكْتُبُ عِنْدَهُ، فَكُنْتُ أَسْأَلُهُ ثُمَّ
أَقُوْلُ: البَولَ البَولَ.
فَقَالَ: هَذَا -وَاللهِ- بَاطِلٌ، إِنَّمَا تُرِيْدُ أَنْ
تَتَذَكَّرَ الأَبْوَابَ.
أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بنَ
شُمَيْلٍ يَقُوْلُ - أَوْ قِيْلَ لَهُ -:
قَالَ شُعْبَةُ: أَتَيْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ وَفَخِذُهُ
مَكْشُوْفَةٌ، فَقُلْتُ لَهُ: غَطِّ فَخِذَكَ.
قَالَ: مَا بَأْسٌ بِذَلِكَ.
فَلِذَلِكَ لَمْ أَرْوِ عَنْهُ.
فَقَالَ النَّضْرُ: أَنَا سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَتَيْتُ
أَبَا الزُّبَيْرِ، وَكَانَتْ بِهِ حَاجَةٌ شَدِيْدَةٌ،
فَتَذَمَّمْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ، إِذْ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي
مَا أُعْطِيْهِ.
قُلْتُ: أَخذَ عَنْهُ بِمَكَّةَ، وَعَنْ عَمْرِو بنِ
دِيْنَارٍ.
عُبَيْدُ اللهِ بنُ جَرِيْرِ بنِ جَبَلَةَ: سَمِعْتُ
سَعْدَ بنَ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
أَوْصَى أَبِي إِذَا مَاتَ أَنْ أَغسِلَ كُتُبَهُ،
فَغَسَلْتُهَا.
وَكَانَ أَبِي إِذَا اجْتمَعَتْ عِنْدَهُ كُتُبٌ مِنَ
__________
(1) ورقاء بن عمر، انظر ترجمته: صفحة: 419.
(7/223)
النَّاسِ، أَرْسَلَنِي بِهَا إِلَى
البَارجَاه، فَأَدفَعُهَا فِي الطِّينِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي صَفْوَانَ الثَّقَفِيُّ:
حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بنُ خَالِدٍ، قُلْتُ لِشُعْبَةَ:
مَا لَكَ لاَ تُحدِّثُ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي
سُلَيْمَانَ؟
قَالَ: تَرَكتُ حَدِيْثَهُ.
قُلْتُ: تُحدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ
العَرْزَمِيِّ، وَتَدَعُهُ؟!
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: إِنَّهُ حَسَنُ الحَدِيْثِ.
قَالَ: مِنْ حُسْنِهِ فَرَرْتُ (1) .
قَالَ القَطَّانُ: قَالَ شُعْبَةُ: لَوْ جَاءَ عَبْدُ
المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ بِحَدِيْثٍ مِثْلِهِ،
لَتُركَ حَدِيْثُهُ -يَعْنِي: حَدِيْثَهُ عَنْ عَطَاءٍ،
عَنْ جَابِرٍ: (الجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ،
يُنْتَظَرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِباً، إِذَا كَانَ
طَرِيْقُهُمَا وَاحِداً (2)).
رُوِيَ عَنْ: شُعْبَةَ، قَالَ: سَمَّيْتُ ابْنِي سَعْداً،
فَمَا سَعِدَ وَلاَ أَفلَحَ.
قَالَ سَهْلُ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ:
قَالَ لِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: أَنْتَ أَمِيْرُ
المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: أَنْبَأَنَا
السَّرَّاجُ، سَمِعْتُ الدَّارِمِيَّ، سَمِعْتُ النَّضْرَ
بنَ شُمَيْلٍ يَقُوْلُ:
كَانَ سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ يَقُوْلُ: شُعْبَةُ
سَيِّدُ المُحَدِّثِيْنَ.
__________
(1) قال الخطيب البغدادي، فيما نقله صاحب " التهذيب " عنه:
قد أساء شعبة في اختياره، حيث حدث عن محمد بن عبيد الله
العرزمي، وترك التحديث عن عبد الملك بن أبي سليمان، لان
محمد بن عبيد الله لم تختلف الأئمة من أهل الاثر في ذهاب
حديثه، وسقوط روايته.
وأما عبد الملك فثناؤهم عليه مستفيض، وحسن ذكرهم له مشهور.
(2) في الأصل، بعد قوله: عن جابر: " شفاء من كل داء السام
"، وهو خطأ محض، وما
أثبتناه هو الصواب، كما هو مذكور في ترجمة عبد الملك بن
سليمان في " التهذيب " وغيره من المصادر.
والحديث أخرجه أبو داود: (3518)، والترمذي: (1369)، وابن
ماجه: (2494)، من طريق عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء،
عن جابر.
وسنده قوي، وحسنه الترمذي.
وانظر ما نقله الزيلعي في " نصب الراية ": 474، عن ابن
الجوزي في " التنقيح " في تقوية هذا الحديث، ووجه الجمع
بينه وبين رواية جابر المشهورة، وهي: " الشفعة في كل ما لم
يقسم، فإذا وقعت الحدود، فلا شفعة "، فإنه غاية في
النفاسة.
(7/224)
وَرَوَى: ثِقَةٌ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ،
سَمِعَ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: أَنَا عَبدٌ لِمَنْ عِنْدَهُ
حَدِيْثَانِ.
ابْنُ حِبَّانَ: حَدَّثَنَا مَكْحُوْلٌ، حَدَّثَنَا
النَّضْرُ بنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
كُلُّ حَدِيْثٍ لَيْسَ فِيْهِ: حَدَّثَنَا، فَهُوَ مِثْلُ
الرَّجُلِ فِي فَلاَةٍ مَعَهُ بَعِيْرٌ بِلاَ خِطَامٍ.
سَعْدَوَيْه: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ أَبُو الرَّبِيْعِ
السَّمَّانُ، قَالَ لِي شُعْبَةُ:
لَزِمْتَ السُّوْقَ، فَأفلَحتَ، وَلَزِمتُ أَنَا
الحَدِيْثَ، فَأَفلَسْتُ.
قَالَ أَبُو نُوْحٍ قُرَادٌ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
إِذَا رَأَيتَ المِحْبَرَةَ فِي بَيْتِ إِنْسَانٍ،
فَارْحَمْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي كُمِّكَ شَيْءٌ،
فَأَطْعِمْهُ.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ
يَقُوْلُ:
كُنْتُ يَوْماً بِبَابِ شُعْبَةَ، وَكَانَ المَسْجِدُ
مَلأً، فَخَرَجَ شُعْبَةُ، فَاتَّكَأَ عَلَيَّ، وَقَالَ:
يَا سُلَيْمَانُ! تُرَى هَؤُلاَءِ كُلُّهُم يَخْرُجُوْنَ
مُحَدِّثِيْنَ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: صَدَقْتَ، وَلاَ خَمْسَةٌ، يَكْتُبُ أَحَدُهُم فِي
صِغَرِهِ، ثُمَّ إِذَا كَبِرَ تَرَكَهُ، أَوْ يَشتغِلُ
بِالفَسَادِ.
قَالَ: ثُمَّ نَظَرْتُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَمَا خَرَجَ
مِنْهُم خَمْسَةٌ.
عَنْ شُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ، سَمِعَ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
اخْتلَفتُ إِلَى عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ خَمْسَ مائَةِ
مَرَّةٍ، وَمَا سَمِعْتُ مِنْهُ إِلاَّ مائَةَ حَدِيْثٍ.
الجَهْضَمِيُّ: حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ شُعْبَةَ، فَجَعَلَ يَسْمَعُ- إِذَا حَدَّثَ
- صَوْتَ الأَلوَاحِ، فَقَالَ: السَّمَاءُ تُمطِرُ؟
قَالُوا: لاَ.
ثُمَّ عَادَ لِلْحَدِيْثِ، فَسَمِعَ مِثْلَ ذَلِكَ،
فَقَالَ: المَطَرُ؟
قَالُوا: لاَ.
ثُمَّ عَادَ، فَسَمِعَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: وَاللهِ لاَ
أُحَدِّثُ اليَوْمَ إِلاَّ أَعْمَى.
فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ، فَقَامَ أَعْوَرُ، فَقَالَ: يَا
أَبَا بِسْطَامَ! تُخْبِرُنِي أَنَا؟
قَالَ أَبُو الوَلِيْدِ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
كُنْتُ آتِي قَتَادَةَ، فَأَسْأَلُهُ عَنْ
(7/225)
حَدِيْثَيْنِ، فَيُحَدِّثُنِي، ثُمَّ
يَقُوْلُ: أَزِيْدُكَ؟
فَأَقُوْلُ: لاَ، حَتَّى أَحْفَظَهُمَا، وَأُتْقِنَهُمَا.
أَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ البَغْدَادِيُّ: حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ السَّوَّاقُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ
بنُ مُكْرَمٍ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ:
خَرَجْتُ أَنَا وَهُشَيْمٌ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا
قَدِمْنَا الكُوْفَةَ، رَآنِي هُشَيْمٌ مَعَ أَبِي
إِسْحَاقَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟
قُلْتُ: شَاعِرُ السَّبِيْعِ.
فَلَمَّا خَرَجْنَا، جَعَلتُ أَقُوْلُ: حَدَّثَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ.
قَالَ: وَأَيْنَ رَأَيتَه؟
قُلْتُ: هُوَ الَّذِي قُلْتُ لَكَ: شَاعِرُ السَّبِيْعِ.
فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ، مَرَرتُ بِهِ، وَهُوَ قَاعِدٌ
مَعَ الزُّهْرِيِّ، فَقُلْتُ: أَبَا مُعَاوِيَةَ! مَنْ
هَذَا؟
قَالَ: شُرْطِيٌّ لِبَنِي أُمَيَّةَ.
فَلَمَّا قَفَلْنَا، جَعَلَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا
الزُّهْرِيُّ.
فَقُلْتُ: وَأَيْنَ رَأَيتَه؟
قَالَ: الَّذِي رَأَيتَه مَعِي.
قُلْتُ: أَرنِي الكِتَابَ.
فَأَخْرَجَه، فَخَرَّقْتُهُ.
المُبَرِّدُ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ
المُهَلَّبِيُّ، حَدَّثَنِي الأَصْمَعِيُّ، سَمِعْتُ
شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
مَا أَعْلَمُ أَحَداً فَتَّشَ الحَدِيْثَ كَتَفْتِيشِي،
وَقَفتُ عَلَى أَنَّ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِهِ كَذِبٌ.
قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: كُنْتُ عِنْدَ سُفْيَانَ، إِذْ
جَاءهُ مَوْتُ شُعْبَةَ، فَقَالَ: مَاتَ الحَدِيْثُ.
قُلْتُ: سَمَّى شَيْخُنَا المِزِّيُّ فِي (التَّهْذِيْبِ)
لِشُعْبَةَ ثَلاَثَ مائَةِ شَيْخٍ، وَامْرَأَةً، وَهِيَ
شُمَيْسَةُ العَتَكِيَّةُ (1) ، وَمِنْ أَصْغَرِ
شُيُوْخِه: بَقِيَّةُ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، صَاحِبَاهُ.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: كَانَ شُعْبَةُ أُمَّةً وَحدَهُ
فِي هَذَا الشَّأْنِ.
وَقَالَ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ مُطَهَّرٍ: مَا رَأَيتُ
أَحَداً أَمعَنَ فِي العِبَادَةِ مِنْ شُعْبَةَ.
__________
(1) هي شمسية بنت عزيز بن عامر العتكية، البصرية، روت عن
عائشة. انظر: " تهذيب التهذيب ": 12 / 428.
(7/226)
اتَّفَقُوا عَلَى وَفَاةِ شُعْبَةَ سَنَةَ
سِتِّيْنَ وَمائَةٍ، بِالبَصْرَةِ.
فَقِيْلَ: مَاتَ فِي أَوَّلِهَا - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ فِي (الطَّبَقَاتِ) لَهُ: شُعْبَةُ
مَوْلَى الأَشَاقِرِ، مِنَ الأَزْدِ، يُكْنَى: أَبَا
بِسْطَامَ، مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ،
مَاتَ هُوَ وَجَدِّي فِي شَهْرٍ.
آخِرُ التَّرْجَمَةِ سَرَدَهَا عَلَيَّ ابْنُ عَبْدِ
الهَادِي الحَافِظُ، فِي سَنَةِ 733.
وَمِنْ غَرَائِبِ شُعْبَةَ: مَا أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ
سَلاَمَةَ، وَابْنُ البُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ
اللَّبَّانِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ،
أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ حَبِيْبٍ، حَدَّثَنَا
أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي أَبُو
الجُوْدِيِّ، سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ المُهَاجِرِ،
يُحَدِّثُ عَنِ المِقْدَامِ بنِ مَعْدِي كَرِبَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (مَا مِنْ رَجُلٍ ضَافَ قَوْماً، فَأَصْبَحَ
مَحْرُوْماً، إِلاَّ كَانَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ نَصْرُهُ،
حَتَّى يَأْخُذَ بِقِرَى لَيْلَتِهِ مِنْ زَرْعِهِ
وَمَالِهِ (1)).
رَوَاهُ: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى،
عَنْ شُعْبَةَ.
وَسَعِيْدٌ: شَامِيٌّ لاَ يُعْرَفُ.
وَأَمَّا أَبُو الجُوْدِيِّ: فَاسْمُه: الحَارِثُ بنُ
عُمَيْرٍ، شَامِيٌّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَهْمِ بنُ أَحْمَدَ السُّلَمِيُّ،
أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ (ح).
وَأَنْبَأَنَا سُنْقُرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزَّيْنِيُّ،
أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، قَالاَ:
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَنْبَأَنَا
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا
عَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ الوَرَّاقُ، أَنْبَأَنَا أَبُو
الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الجَهَازِيُّ، حَدَّثَنَا
أَبُو إِسْحَاقَ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ شَعْبَانَ،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَبُو
حَفْصٍ الفَلاَّسُ،
__________
(1) " مسند " الطيالسي: 2 / 36، و" سنن " أبي داود:
(3751)، وسعيد بن أبي المهاجر مجهول.
وفي الباب، عند أحمد: 2 / 380، والطحاوي في " مشكل الآثار
": 4 / 40، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " أيما ضيف نزل
بقوم، فأصبح الضيف محروما، فله أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج
عليه ". وإسناده صحيح.
(7/227)
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ شُعْبَةَ نَكْتُبُ مَا يُمْلِي، فَسَأَلَ
سَائِلٌ، فَقَالَ شُعْبَةُ: تَصَدَّقُوا، فَلَمْ
يَتَصَدَّقْ أَحَدٌ.
فَقَالَ: تَصَدَّقُوا، فَإِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ
حَدَّثَنِي، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْقِلٍ، عَنْ عَدِيِّ
بنِ حَاتِمٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ
(1)).
قَالَ: فَلَمْ يَتَصَدَّقْ أَحَدٌ.
فَقَالَ: تَصَدَّقُوا، فَإِنَّ عَمْرَو بنَ مُرَّةَ
حَدَّثَنِي، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ
قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ،
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ (2)).
فَلَمْ يَتَصَدَّقْ أَحَدٌ.
فَقَالَ: تَصَدَّقُوا، فَإِنَّ مُحِلاًّ الضَّبِّيَّ
حَدَّثَنِي، عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (وَاسْتَتِرُوا مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ
تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ
(3)).
فَلَمْ يَتَصدَّقْ أَحَدٌ.
فَقَالَ: قُوْمُوا عَنِّي، فَوَاللهِ لاَ حَدَّثْتُكُم
ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ.
ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَأَخْرَجَ عَجِيناً،
فَأَعْطَاهُ السَّائِلَ، فَقَالَ: خُذْ هَذَا، فَإِنَّهُ
طَعَامُنَا اليَوْمَ.
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَهْمٍ: حَدَّثَنَا
بَقِيَّةُ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: إِنِّيْ
لأُذَاكِرُ بِالحَدِيْثِ يَفُوتُنِي فَأَمرَضُ.
وَقَالَ مُظَفَّرُ بنُ مُدْرِكٍ: ذَكرُوا لِشُعْبَةَ
حَدِيْثاً لَمْ يَسْمَعْهُ، فَجَعَلَ يَقُوْلُ:
وَاحُزْنَاهُ.
81 - خَالِدُ بنُ بَرْمَكَ أَبُو العَبَّاسِ الفَارِسِيُّ
*
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو العَبَّاسِ الفَارِسِيُّ،
جَدُّ الوَزِيْرِ جَعْفَرِ بنِ الوَزِيْرِ يَحْيَى
البَرْمَكِيِّ العِرَاقِيِّ.
__________
(1) أخرجه البخاري: 3 / 225، من طريق شعبة، عن أبي إسحاق،
وأخرجه مسلم: (1016)، من طريق زهير بن معاوية، عن أبي
إسحاق، كلاهما عن عبد الله بن معقل، عن عدي ابن حاتم.
(2) أخرجه البخاري: 10 / 375، و: 11 / 373، ومسلم: (1016)
(68)، والنسائي: 5 / 75، من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة، عن
خيثمة عن عدي.
(3) أخرجه النسائي: 5 / 74 - 75، في الزكاة: باب القليل من
الصدقة.
(*) الوزراء والكتاب: 87 - 151، وفيات الأعيان: 1 / 328 -
346 ضمن ترجمة جعفر بن =
(7/228)
قَالَ الصُّوْلِيُّ: كَانَ يُتَّهَمُ
بِدِيْنِ المَجُوْسِ، وَكَانَ يَخْتلِفُ إِلَى مُحَمَّدِ
بنِ عَلِيٍّ الإِمَامِ، ثُمَّ إِلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيْمَ
ابْنِ الإِمَامِ.
وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَزَرَ خَالِدٌ
لِلسَّفَاحِ بَعْدَ حَفْصٍ الخَلاَّلِ.
حَكَى عَنْهُ: ابْنُهُ يَحْيَى، ثُمَّ إِنَّهُ وَزَرَ
لِلْمَنْصُوْرِ سَنَةً وَأَشْهُراً، ثُمَّ وَلاَّهُ
إِمْرَةَ بِلاَدِ فَارِسٍ، وَاسْتَوْزَرَ بَعْدَهُ: أَبَا
أَيُّوْبَ المُوْرِيَانِيَّ (1).
قُلْتُ: كَانَ هَذَا الإِنْسَانُ مِنْ أَفرَادِ الرِّجَالِ
رِئَاسَةً، وَدَهَاءً، وَحَزماً، وَخَلَفَهُ فِي ذَلِكَ
أَوْلاَدُه.
مَاتَ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، عَنْ
خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
82 - سُفْيَانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ الثَّوْرِيُّ
* (ع)
ابْنِ حَبِيْبِ بنِ رَافِعِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
مَوْهِبَةَ بنِ أُبَيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنْقِذِ بنِ
نَصْرِ بنِ الحَارِثِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عَامِرِ بنِ
مِلْكَانَ بنِ ثَوْرِ
__________
= يحيى، عبر الذهبي: 1 / 228 - 246، النجوم الزاهرة: 2 /
50، شذرات الذهب: 1 / 261، خزانة الأدب: 1 / 542، تهذيب
ابن عساكر: 5 / 31 - 32.
(1) ترجمته في الصفحة: 23.
(*) طبقات ابن سعد: 6 / 371 - 374، طبقات خليفة: 168،
تاريخ خليفة: 319، 437، التاريخ الكبير: 4 / 92 - 93،
التاريخ الصغير: 2 / 154، المعارف: 497 - 498، المعرفة
والتاريخ: 1 / 713 - 728، تاريخ الطبري: 8 / 58، الجرح
والتعديل: 1 / 55 - 126، 4 / 222 - 225، مشاهير علماء
الأمصار: 169 - 170، حلية الأولياء: 6 / 356 حتى 7 / 144،
الفهرست: المقالة السادسة الفن السادس، تاريخ بغداد: 9 /
151 - 174، الكامل لابن الأثير: 6 / 56، تهذيب الأسماء
واللغات: 1 / 222 - 223، وفيات الأعيان: 2 / 386 - 391،
تهذيب الكمال: خ: 515 - 516، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 33 -
35، تذكرة الحفاظ: 1 / 203 - 207، عبر الذهبي: 1 / 235 -
236، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 308، تهذيب التهذيب: 4
/ 111 - 115، طبقات المدلسين: 9، طبقات الحفاظ: 88 - 89،
خلاصة تذهيب الكمال: 145، طبقات المفسرين: 1 / 186 - 190،
شذرات الذهب: 1 / 250 - 251.
(7/229)
بنِ عَبْدِ مَنَاةَ بنِ أُدِّ بنِ
طَابِخَةَ بنِ إِلْيَاسَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزَارِ بنِ
مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ.
وَكَذَا نَسَبَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ مُحَمَّدِ
بنِ خَلَفٍ التَّيْمِيِّ، غَيْرَ أَنَّهُ أَسقَطَ مِنْهُ
مُنْقِذاً، وَالحَارِثَ، وَزَادَ بَعْدَ مَسْرُوْقٍ
حَمْزَةَ، وَالبَاقِي سَوَاءٌ.
وَكَذَلِكَ ذَكَرَ نَسَبَهُ: الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ،
وَابْنُ سَعْدٍ، وَأَنَّهُ مِنْ ثَوْرِ طَابِخَةَ.
وَبَعْضُهُم قَالَ: هُوَ مِنْ ثَورِ هَمْدَانَ، وَلَيْسَ
بِشَيْءٍ.
هُوَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ، إِمَامُ الحُفَّاظِ، سَيِّدُ
العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ فِي زَمَانِهِ، أَبُو عَبْدِ
اللهِ الثَّوْرِيُّ، الكُوْفِيُّ، المُجْتَهِدُ، مُصنِّفُ
كِتَابِ (الجَامِعِ).
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ اتِّفَاقاً، وَطَلَبَ
العِلْمَ وَهُوَ حَدَثٌ بِاعتنَاءِ وَالِدِه المُحَدِّثِ
الصَّادِقِ سَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ الثَّوْرِيِّ، وَكَانَ
وَالِدُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ، وَخَيْثَمَةَ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمِنْ ثِقَاتِ الكُوْفِيِّيْنَ،
وَعِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ.
رَوَى لَهُ: الجَمَاعَةُ السِّتَّةُ فِي دَوَاوِيْنِهِم.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ سُفْيَانُ الإِمَامُ،
وَعُمَرُ، وَمُبَارَكٌ، وَشُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ،
وَزَائِدَةُ، وَأَبُو الأَحْوَصِ، وَأَبُو عَوَانَةَ،
وَعُمَرُ بنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَمَاتَ: سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
مُعْجَمُ شُيُوْخِ أَبِي عَبْدِ اللهِ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ
عَبْدِ الأَعْلَى، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عُقْبَةَ،
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُنْتَشِرِ،
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُهَاجِرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ
مَيْسَرَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَزْيَدٍ الخُوْزِيُّ،
وَأَجْلَحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَآدَمُ بنُ سُلَيْمَانَ،
وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، وَإِسْرَائِيْلُ أَبُو مُوْسَى،
وَأَسْلَمُ المِنْقَرِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ المَخْزُوْمِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ
السُّدِّيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ كَثِيْرٍ، وَالأَسْوَدُ
بنُ قَيْسٍ، وَأَشْعَثُ بنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ،
وَالأَغَرُّ بنُ الصَّبَّاحِ، وَأَفْلَتُ بنُ خَلِيْفَةَ،
وَإِيَادُ بنُ لَقِيْطٍ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ،
وَأَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى.
وَالبَخْتَرِيُّ بنُ المُخْتَارِ، وَبُرْدُ
(7/230)
بنُ سِنَانٍ، وَبُرَيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَبَشِيْرٌ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ،
وَبَشِيْرٌ صَاحِبُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَبُكَيْرُ بنُ
عَطَاءٍ، وَبَهْزُ بنُ حَكِيْمٍ، وَبِنَانُ بنُ بِشْرٍ.
وَتَوْبَةُ العَنْبَرِيُّ.
وَثَابِتُ بنُ عُبَيْدٍ، وَأَبُو المِقْدَامِ ثَابِتُ بنُ
هُرْمُزَ، وَثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، وَثُوَيْرُ بنُ أَبِي
فَاخِتَةَ.
وَجَابِرٌ الجُعْفِيُّ، وَجَامِعُ بنُ أَبِي رَاشِدٍ،
وَجَامِعُ بنُ شَدَّادٍ، وَجَبَلَةُ بنُ سُحَيْمٍ،
وَجَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ،
وَجَعْفَرُ بنُ مَيْمُوْنٍ.
وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ
شُيُوخِهِ - وَحَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ، وَحَبِيْبُ بنُ
أَبِي عَمْرَةَ، وَحَجَّاجُ بنُ فُرَافِصَةَ، وَالحَسَنُ
بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَالحَسَنُ بنُ عَمْرٍو
الفُقَيْمِيُّ، وَحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَحَكِيْمُ بنُ جُبَيْرٍ، وَحَكِيْمُ بنُ الدَّيْلَمِ،
وَحَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَحُمْرَانُ بنُ
أَعْيَنَ، وَحُمَيْدُ بنُ قَيْسٍ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ،
وَحَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ.
وَخَالِدُ بنُ سَلَمَةَ الفَأْفَاءُ، وَخَالِدٌ
الحَذَّاءُ، وَخُصَيْفُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَأَبُو الجَحَّافِ دَاوُدُ بنُ أَبِي عَوْفٍ، وَدَاوُدُ
بنُ أَبِي هِنْدٍ.
وَرَاشِدُ بنُ كَيْسَانَ، وَرَبَاحُ بنُ أَبِي مَعْرُوْفٍ،
وَالرَّبِيْعُ بنُ أَنَسٍ، وَالرَّبِيْعُ بنُ صَبِيْحٍ،
وَرَبِيْعَةُ الرَّأْيُ، وَالرُّكَيْنُ بنُ الرَّبِيْعِ.
وَزُبَيْدٌ اليَامِيُّ، وَالزُّبَيْرُ بنُ عَدِيٍّ،
وَزِيَادُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَزِيَادُ بنُ عِلاَقَةَ -
وَهُوَ مِنْ كِبَارِ مَشْيَخَتِهِ - وَزَيْدُ بنُ
أَسْلَمَ، وَزَيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَزَيْدٌ العَمِّيُّ.
وَسَالِمٌ الأَفْطَسُ، وَسَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ،
وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَسَعْدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ
كَعْبٍ، وَسَعِيْدٌ الجُرَيْرِيُّ، وَأَبُو سِنَانٍ
سَعِيْدُ بنُ سِنَانٍ الشَّيْبَانِيُّ الصَّغَيْرُ،
وَأَبُوْهُ سَعِيْدٌ، وَسَلْمٌ العَلَوِيُّ، وَأَبُو
حَازِمٍ سَلَمَةُ بنُ دِيْنَارٍ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ
- وَهُوَ مِنْ كِبَارِهِم - وَسَلَمَةُ بنُ نُبَيْطٍ،
وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ،
وَسِمَاكٌ، وَسُمَيٌّ، وَسُهَيْلٌ.
وَشَبِيْبُ بنُ غَرْقَدَةَ، وَشَرِيْكُ بنُ أَبِي نَمِرٍ،
وَشُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ - وَذَلِكَ فِي
(النَّسَائِيِّ)-.
وَصَالِحُ بنُ صَالِحِ بنِ حَيٍّ، وَصَالِحٌ مَوْلَى
التَّوْأَمَةِ، وَصَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ.
وَالضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ، وَأَبُو سِنَانٍ ضِرَارُ بنُ
مُرَّةَ.
وطَارِقُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَطَرِيْفٌ أَبُو
سُفْيَانَ السَّعْدِيُّ، وَطُعْمَةُ بنُ غَيْلاَنَ،
وَطَلْحَةُ بنُ يَحْيَى.
وَعَاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُوْدِ،
(7/231)
وَعَاصِمُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَاصِمُ
بنُ كُلَيْبٍ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ.
وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وَعَبْدُ
اللهِ بنُ جَابِرٍ البَصْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ حَسَنِ
بنِ حَسَنٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ دِيْنَارٍ، وَأَبُو
الزِّنَادِ عَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الرَّبِيْعِ
بنِ خُثَيْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ السَّائِبِ الكُوْفِيُّ،
وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيُّ، وَعَبْدُ
اللهِ بنُ شُبْرُمَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَدَّادٍ
الأَعْرَجُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ طَاوُوْسٍ، وَعَبْدُ اللهِ
بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَعَبْدُ
اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
عَطَاءٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
عِيْسَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي لَبِيْدٍ، وَعَبْدُ
اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
أَبِي نَجِيْحٍ.
وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَامِرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
ثَرْوَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَارِثِ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ زِيَادِ بنِ أَنْعَمَ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ عَابِسٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
الأَصْبَهَانِيِّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلْقَمَةَ،
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ.
وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ رُفَيْعٍ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ
بنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ أَبُو أُمَيَّةَ،
وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي بَشِيْرٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ
بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَعَبْدُ
المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ.
وَعَبْدَةُ بنُ أَبِي لُبَابَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ
أَبِي زِيَادٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَعُبَيْدُ
بنُ الحَسَنِ، وَعُبَيْدُ بنُ مِهْرَانَ المُكَتِّبُ،
وَعُبَيْدٌ الصِّيْدُ.
وَعُثْمَانُ بنُ الحَرْبِ، وَعُثْمَانُ بنُ حَكِيْمٍ،
وَأَبُو حَصِيْنٍ عُثْمَانُ بنُ عَاصِمٍ، وَأَبُو
اليَقْظَانِ عُثْمَانُ بنُ عُمَيْرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ
المُغِيْرَةِ، وَعُثْمَانُ البَتِّيُّ.
وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَعِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ،
وَعَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ، وَعَلِيُّ بنُ الأَقْمَرِ،
وَعَلِيُّ بنُ بَذِيْمَةَ، وَعَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ
جُدْعَانَ.
وَعَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ، وَعُمَارَةُ بنُ القَعْقَاعِ،
وَعَمْرُو بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَعُمَرُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ، وَعُمَرُ بنُ يَعْلَى، وَعُمَرُ بنُ
دِيْنَارٍ، وَعَمْرُو بنُ عَامِرٍ الأَنْصَارِيُّ،
وَعَمْرُو بنُ قَيْسٍ المُلاَئِيُّ، وَعَمْرُو بنُ مُرَّةَ
- وَهُوَ مِنْ قُدَمَاءِ شُيُوْخِهِ - وَعَمْرُو بنُ
مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، وَعَمْرُو بنُ يَحْيَى بنِ
عُمَارَةَ، وَعِمْرَانُ بنُ مُسْلِمٍ الثَّقَفِيُّ،
وَعِمْرَانُ بنُ مُسْلِمٍ الجُعْفِيُّ، وَعِمْرَانُ
البَارِقِيُّ، وَعِمْرَانُ القَصِيْرُ، وَعُمَيْرُ بنُ
عَبْدِ اللهِ
(7/232)
الخَثْعَمِيُّ.
وَعَوْنُ بنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَالعَلاَءُ بنُ خَالِدٍ،
وَالعَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالعَلاَءُ بنُ
عَبْدِ الكَرِيْمِ، وَعَيَّاشٌ العَامِرِيُّ، وَعِيْسَى
بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي عَزَّةَ،
وَعِيْسَى بنُ مُوْسَى الحَرَشِيُّ.
وَغَالِبٌ أَبُو الهُذَيْلِ، وَغَيْلاَنُ بنُ جَامِعٍ.
وَفُرَاتٌ القَزَّازُ، وَفِرَاسُ بنُ يَحْيَى، وَفُضَيْلُ
بنُ غَزْوَانَ، وَفُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ، وَفِطْرُ بنُ
خَلِيْفَةَ.
وَقَابُوْسُ بنُ أَبِي ظِبْيَانَ، وَأَبُو هَاشِمٍ
القَاسِمُ بنُ كَثِيْرٍ، وَقَيْسُ بنُ مُسْلِمٍ - وَهُوَ
مِنْ قُدَمَائِهِم - وَقَيْسُ بنُ وَهْبٍ.
وَكُلَيْبُ بنُ وَائِلٍ.
وَلَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ.
وَمُحَارِبُ بنُ دِثَارٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدُ
بنُ أَبِي أَيُّوْبَ الثَّقَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي
بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ،
وَمُحَمَّدُ بنُ رَاشِدٍ المَكْحُوْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ
الزُّبَيْرِ الحَنْظَلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ
الطَّائِفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ طَارِقٍ المَكِّيُّ،
وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَمُحَمَّدُ
بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، وَمُحَمَّدُ
بنُ عَجْلاَنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُقْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ
عُمَرَ بنِ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ
عَلْقَمَةَ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ،
وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِهِم -.
وَمُخَارِقٌ الأَحْمَسِيُّ، وَالمُخْتَارُ بنُ فُلْفُلٍ،
وَمُخَوَّلُ بنُ رَاشِدٍ، وَمُزَاحِمُ بنُ زُفَرَ.
وَمُصْعَبُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شُرَحْبِيْلَ، وَمُطَرِّفُ
بنُ طَرِيْفٍ.
وَمُعَاوِيَةُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ طَلْحَةَ، وَمُعَاوِيَةُ
بنُ صَالِحٍ، وَمَعْبَدُ بنُ خَالِدٍ، وَمَعْمَرُ بنُ
رَاشِدٍ، وَمُغِيْرَةُ بنُ مِقْسَمٍ، وَمُغِيْرَةُ بنُ
النُّعْمَانِ، وَالمِقْدَامُ بنُ شُرَيْحٍ.
وَمَنْصُوْرُ بنُ حَيَّانَ، وَمَنْصُوْرُ بنُ صَفِيَّةَ،
وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ.
وَمُوْسَى بنُ أَبِي عَائِشَةَ، وَمُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ،
وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَمَيْسَرَةُ بنُ حَبِيْبٍ،
وَمَيْسَرَةُ الأَشْجَعِيُّ، وَأَبُو حَمْزَةَ مَيْمُوْنٌ
الأَعْوَرُ.
وَنُسَيْرُ بنُ ذُعْلُوْقٍ، وَنَهْشَلُ بنُ مُجَمِّعٍ،
وَنُوْحُ بنُ أَبِي بِلاَلٍ.
وَهَارُوْنُ بنُ عَنْتَرَةَ، وَهِشَامُ بنُ إِسْحَاقَ،
وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، وَهِشَامُ بنُ عَائِذٍ، وَهِشَامُ
بنُ عُرْوَةَ، وَهِشَامُ بنُ أَبِي يَعْلَى.
وَوَاصِلٌ الأَحْدَبُ، وَوَبْرُ بنُ أَبِي دُلَيْلَةَ،
وَوَرْقَاءُ بنُ إِيَاسٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ قَيْسٍ
السَّكُوْنِيُّ.
وَيَحْيَى بنُ أَبِي إِسْحَاقَ
(7/233)
الحَضْرَمِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ
الأَنْصَارِيُّ، وَيَحْيَى بنُ هَانِئ بنِ عُرْوَةَ،
وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، وَيَزِيْدُ بنُ يَزِيْدَ
بنِ جَابِرٍ، وَيَعْلَى بنُ عَطَاءٍ، وَيُوْنُسُ بنُ
عُبَيْدٍ.
وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ
الشَّيْبَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
أَبِي الجَهْمِ.
وَأَبُو جَعْفَرٍ الفَرَّاءُ، وَأَبُو حَنَانٍ
الكَلْبِيُّ، وَأَبُو الجُوَيْرِيَةِ الجَرْمِيُّ، وَأَبُو
حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو خَالِدٍ الدَّالاَنِيُّ،
وَأَبُو رَوْقٍ الهَمْدَانِيُّ.
وَأَبُو السَّوْدَاءِ النَّهْدِيُّ، وَأَبُو شِهَابٍ
الحَنَّاطُ الكَبِيْرُ مُوْسَى، وَأَبُو عَقِيْلٍ مَوْلَى
عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَأَبُو فَرْوَةَ الهَمْدَانِيُّ.
وَأَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ، وَأَبُو هَارُوْنَ
العَبْدِيُّ، وَأَبُو هَاشِمٍ الرُّمَّانِيُّ، وَأَبُو
يَحْيَى القَتَّاتُ، وَأَبُو يَعْفُوْرَ العَبْدِيُّ.
وَيُقَالُ: إِنَّ عَدَدَ شُيُوْخِهِ سِتُّ مائَةِ شَيْخٍ،
وَكِبَارُهُمُ الَّذِيْنَ حَدَّثُوهُ عَنْ: أَبِي
هُرَيْرَةَ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَابْنِ
عَبَّاسٍ، وَأَمثَالِهِم.
وَقَدْ قَرَأَ الخَتْمَةَ عَرْضاً (1) عَلَى: حَمْزَةَ
الزَّيَّات (2) أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.
وَأَمَّا الرُّوَاةُ عَنْهُ فَخَلْقٌ، فَذَكَرَ أَبُو
الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ أَنَّهُم أَكْثَرُ مِنْ
عِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَهَذَا مَدْفُوْعٌ مَمْنُوْعٌ،
فَإِنْ بَلَغُوا أَلْفاً، فَبِالجَهْدِ، وَمَا عَلِمتُ
أَحَداً مِنَ الحُفَّاظِ رَوَى عَنْهُ عَدَدٌ أَكْثَرَ
مِنْ مَالِكٍ، وَبَلَغُوا بِالمَجَاهِيلِ
وَبِالكَذَّابِيْنَ أَلْفاً وَأَرْبَعَ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ مِنَ القُدَمَاءِ مِنْ مَشْيَخَتِه
وَغَيْرِهِم خَلْقٌ، مِنْهُم: الأَعْمَشُ، وَأَبَانُ بنُ
تَغْلِبَ، وَابْنُ عَجْلاَنَ، وَخُصَيْفٌ، وَابْنُ
جُرَيْجٍ، وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ، وَجَعْفَرُ بنُ
بُرْقَانَ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ،
وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ،
وَمِسْعَرٌ، وَشُعْبَةُ، وَمَعْمَرٌ - وَكُلُّهُم مَاتُوا
قَبْلَه -.
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ
الفَزَارِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ اليَرْبُوْعِيُّ،
وَأَحْوَصُ بنُ جَوَّابٍ، وَأَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ،
وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَأُمَيَّةُ
بنُ خَالِدٍ.
وَبِشْرُ بنُ السَّرِيِّ،
__________
(1) انظر " العرض " صفحة: 147، حا: 2.
(2) انظر ترجمته: صفحة: 90.
(7/234)
وَبِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَبَكْرُ بنُ
الشَّرُوْدِ، وَبُكَيْرُ بنُ شِهَابٍ.
وَثَابِتُ بنُ مُحَمَّدٍ العَابِدُ، وَثَعْلَبَةُ بنُ
سُهَيْلٍ.
وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَجَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ.
وَالحَارِثُ بنُ مَنْصُوْرٍ الوَاسِطِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ، وَالحُسَيْنُ بنُ حَفْصٍ،
وَحُصَيْنُ بنُ نُمَيْرٍ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَأَبُو
أُسَامَةَ، وَحَمَّادُ بنُ دُلَيْلٍ، وَحَمَّادُ بنُ
عِيْسَى الجُهَنِيُّ، وَحُمَيْدُ بنُ حَمَّادٍ.
وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَخَالِدُ بنُ عَمْرٍو
القُرَشِيُّ، وَخَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ، وَخَلاَّدُ بنُ
يَحْيَى.
وَدُبَيْسٌ المُلاَئِيُّ.
وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ.
وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي
الزَّرْقَاءِ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ.
وَسُفْيَانُ بنُ عُقْبَةَ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ،
وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَسَهْلُ بنُ هَاشِمٍ
البَيْرُوْتِيُّ، وَأَبُو الأَحْوَصِ سَلاَّمٌ.
وَشُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ، وَشُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، وَأَبُو
عَاصِمٍ.
وضَمْرَةُ، وَعَبَّادٌ السَّمَّاكُ، وَعَبْثَرُ بنُ
القَاسِمِ.
وَعَبْدُ اللهِ الخُرَيْبِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ
المَكِّيُّ لاَ الغُدَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
المُبَارَكِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ
بنُ نُمَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الوَلِيْدِ العَدَنِيُّ.
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ
بنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ المَلِكِ
بنُ الذِّمَارِيِّ.
وَعَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعُبَيْدُ اللهِ
الأَشْجَعِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ،
وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَعُبَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ
الأُمَوِيُّ - أَخٌ لِيَحْيَى -.
وَعَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ الإِسْفَذْنِيُّ (1) ،
وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ - خَاتِمَةُ أَصْحَابِه
الأَثْبَاتُ - وَعَلِيُّ بنُ حَفْصٍ المَدَائِنِيُّ،
وَعَلِيُّ بنُ قَادِمٍ.
وَعَمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ العَنْقَزِيُّ، وَعِيْسَى بنُ
يُوْنُسَ.
وَأَبُو الهُذَيْلِ غَسَّانُ بنُ عُمَرَ العِجْلِيُّ،
وَأَبُو نُعَيْمٍ.
وَالفَضْلُ السِّيْنَانِيُّ، وَفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ.
وَالقَاسِمُ بنُ الحَكَمِ، وَالقَاسِمُ بنُ يَزِيْدَ
الجَرْمِيُّ، وَقَبِيْصَةُ.
وَمَالِكٌ، وَمُبَارَكُ بنُ سَعِيْدٍ أَخُوْهُ.
وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ
الأَسَدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ
القَنَّادُ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ العَبْدِيُّ.
وَمُصْعَبُ
__________
(1) الاسفذني: بكسر الالف، وسكون السين، وفتح الفاء: نسبة
إلى إسفذن، قرية من قرى الري.
(7/235)
بنُ مَاهَانَ، وَمُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ،
وَأَبُو هَمَّامٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَبَّبٍ، وَمُحَمَّدُ
بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ، وَمَخْلَدُ بنُ يَزِيْدَ.
وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ،
وَمُعَلَّى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَاسِطِيُّ.
وَمِهْرَانُ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ مُوْسَى
بنُ مَسْعُوْدٍ، وَمُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ.
وَنَائِلُ بنُ نَجِيْحٍ، وَالنُّعْمَانُ بنُ عَبْدِ
السَّلاَمِ.
وَهَارُوْنُ بنُ المُغِيْرَةِ.
وَوَكِيْعُ بنُ الجَرَّاحِ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ.
وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَيَحْيَى بنُ
سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ المَلِكِ
بنِ أَبِي غَنِيَّةَ، وَيَحْيَى بنُ يَمَانٍ، وَيَزِيْدُ
بنُ أَبِي حَكِيْمٍ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَيَزِيْدُ
بنُ هَارُوْنَ، وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، وَيُوْسُفُ بنُ
أَسْبَاطٍ، وَيُوْنُسُ بنُ أَبِي يَعْفُوْرَ.
وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ
الحَنَفِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ، وَأَبُو
سُفْيَانَ المَعْمَرِيُّ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ،
وَأُمَمٌ سِوَاهُم.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَابِدُ: حَدَّثَنَا أَبُو
المُثَنَّى، قَالَ:
سَمِعْتُهُم بِمَرْوَ يَقُوْلُوْنَ: قَدْ جَاءَ
الثَّوْرِيُّ، قَدْ جَاءَ الثَّوْرِيُّ.
فَخَرَجتُ أَنظُرُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ غُلاَمٌ قَدْ
بَقَلَ وَجْهُهُ (1) .
قُلْتُ: كَانَ يُنَوَّه بِذِكْرِهِ فِي صِغَرِهِ، مِنْ
أَجْلِ فَرْطِ ذَكَائِهِ، وَحِفْظِه، وَحَدَّثَ وَهُوَ
شَابٌّ.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَغَيْرُهُ: عَنْ سُفْيَانَ،
قَالَ: مَا اسْتَوْدَعْتُ قَلْبِي شَيْئاً قَطُّ،
فَخَانَنِي.
قُلْتُ: أَجَلُّ إِسْنَادٍ لِلْعِرَاقِيِّينَ: سُفْيَانُ،
عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ.
وَقَالَ شُعْبَةُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُو عَاصِمٍ،
وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُم: سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ.
__________
(1) بقل وجهه، وأبقل: خرج شعره.
(7/236)
وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: كَتَبتُ عَنْ
أَلفٍ وَمائَةِ شَيْخٍ، مَا كَتَبتُ عَنْ أَفْضَلَ مِنْ
سُفْيَانَ.
وَعَنْ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، قَالَ: مَا لَقِيْتُ
كُوْفِيّاً أُفَضِّلُهُ عَلَى سُفْيَانَ.
وَقَالَ البَرَاءُ بنُ رُتَيْمٍ (1) : سَمِعْتُ يُوْنُسَ
بنَ عُبَيْدٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ أَفْضَلَ مِنْ
سُفْيَانَ.
فَقِيْلَ لَهُ: فَقَدْ رَأَيتَ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ،
وَإِبْرَاهِيْمَ، وَعَطَاءً، وَمُجَاهِداً، وَتَقُوْلُ
هَذَا؟
قَالَ: هُوَ مَا أَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ أَفْضَلَ مِنْ
سُفْيَانَ.
وَقَالَ ابْنُ المَهْدِيِّ: مَا رَأَتْ عَيْنَايَ أَفْضَلَ
مِنْ أَرْبَعَةٍ - أَوْ مِثْلَ أَرْبَعَةٍ -: مَا رَأَيتُ
أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنَ الثَّوْرِيِّ، وَلاَ أَشدَّ
تَقَشُّفاً مِنْ شُعْبَةَ (2) ، وَلاَ أَعقَلَ مِنْ
مَالِكٍ، وَلاَ أَنصَحَ لِلأُمَّةِ مِنِ ابْنِ
المُبَارَكِ.
وَرَوَى: وَكِيْعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: سُفْيَانُ
أَحْفَظُ مِنِّي.
وَقَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رِزْمَةَ: قَالَ
رَجُلٌ لِشُعْبَةَ: خَالَفَكَ سُفْيَانُ.
فَقَالَ: دَمَغْتَنِي.
وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ وُهَيْبٌ يُقدِّمُ
سُفْيَانَ فِي الحِفْظِ عَلَى مَالِكٍ.
وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ
إِلَيَّ مِنْ شُعْبَةَ، وَلاَ يَعْدِلُهُ أَحَدٌ عِنْدِي،
وَإِذَا خَالَفَهُ سُفْيَانُ، أَخَذْتُ بِقَوْلِ
سُفْيَانَ.
وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: رَأَيتُ يَحْيَى بنَ
مَعِيْنٍ، لاَ يُقدِّمُ عَلَى سُفْيَانَ أَحَداً فِي
زَمَانِهِ فِي الفِقْهِ، وَالحَدِيْثِ، وَالزُّهدِ،
وَكُلِّ شَيْءٍ.
ابْنُ شَوْذَبٍ: سَمِعْتُ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيَّ
يَقُوْلُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الكُوْفَةِ أَحَدٌ
أَفْضَلُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: رَأَى أَبُو إِسْحَاقَ
السَّبِيْعِيُّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ مُقْبِلاً، فَقَالَ
: {وَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيّاً } [مَرْيَمُ: 12].
__________
(1) كذا في الأصل، وفي " تاريخ بغداد ": 9 / 155: " ابن
رستم البصري ".
(2) تقدمت ترجمته في الصفحة: 202.
(7/237)
وَرُوِيَ مِنْ وَجُوْهٍ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ
عُبَيْدٍ، قَالَ: مَا رَأَيتُ كُوْفِيّاً أَفْضَلَ مِنْ
سُفْيَانَ.
سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى
الحِمَّانِيُّ، سَمِعَ أَبَا حَنِيْفَةَ يَقُوْلُ: لَوْ
كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي التَّابِعِيْنَ، لَكَانَ
فِيْهِم لَهُ شَأْنٌ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، قَالَ: لَوْ حَضَرَ عَلْقَمَةُ
وَالأَسْوَدُ، لاَحْتَاجَا إِلَى سُفْيَانَ.
وَرَوَى: ضَمْرَةُ، عَنِ المُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ،
قَالَ: سُفْيَانُ عَالِمُ الأُمَّةِ، وَعَابِدُهَا.
أَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ: عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ،
قَالَ: مَا رَأَيتُ أَشْبَهَ بِالتَّابِعِيْنَ مِنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
وَقَالَ أَبُو قَطَنٍ: عَنْ شُعْبَةَ: سَادَ سُفْيَانُ
النَّاسَ بِالوَرَعِ وَالعِلْمِ.
يَعْقُوْبُ الحَضْرَمِيُّ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
سُفْيَانُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ.
وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَا رَأَيتُ رَجُلاً
أَعْلَمَ بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ مِنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ.
نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: مَا
رَأَيتُ مِثْلَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: مَا نُعِتَ لِي أَحَدٌ
فَرَأَيتُهُ، إِلاَّ وَجَدْتُهُ دُوْنَ نَعْتِهِ، إِلاَّ
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: قَالَ لِي ابْنُ
عُيَيْنَةَ: لَنْ تَرَى بِعَيْنَيْكَ مِثْلَ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ حَتَّى تَمُوْتَ.
عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ شَقِيْقٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ،
قَالَ: مَا أَعْلَمُ عَلَى الأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ
سُفْيَانَ.
وَعَنْ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، قَالَ: مَا أَدرَكْنَا مِثْلَ
سُفْيَانَ، وَلاَ أَنفعَ مِنْ مُجَالَسَتِهِ.
(7/238)
وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: مَا رَأَيتُ
قَطُّ أَحْفَظَ لِحَدِيْثِ الأَعْمَشِ مِنَ الثَّوْرِيِّ،
كَانَ يَأْتِي، فَيُذَاكرُنِي بِحَدِيْثِ الأَعْمَشِ،
فَمَا رَأَيتُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْهُ بِهَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ:
سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ:
سُفْيَانُ أَعْلَمُ بِحَدِيْثِ الأَعْمَشِ مِنَ
الأَعْمَشِ.
وَقَالَ ابْنُ عَرْعَرَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ
يَقُوْلُ: سُفْيَانُ أَثبتَ مِنْ شُعْبَةَ، وَأَعْلَمَ
بِالرِّجَالِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ زُنْبُوْرٍ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ
يَقُوْلُ: كَانَ سُفْيَانُ -وَاللهِ- أَعْلَمَ مِنْ أَبِي
حَنِيْفَةَ.
وَقَالَ ابْنُ رَاهَوَيْه: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بنَ مَهْدِيٍّ ذَكَرَ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَمَالِكاً،
وَابْنَ المُبَارَكِ، فَقَالَ: أَعْلَمُهُم بِالعِلْمِ
سُفْيَانُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: سَمِعْتُ
يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ أَحَداً
أَحْفَظَ مِنْ سُفْيَانَ، ثُمَّ شُعْبَةَ.
وَقَالَ بِشْرٌ الحَافِي: كَانَ الثَّوْرِيُّ عِنْدَنَا
إِمَامَ النَّاسِ.
وَعَنْهُ، قَالَ: سُفْيَانُ فِي زَمَانِهِ، كَأَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ فِي زَمَانِهِمَا.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَعْلَمَ
بِحَدِيْثِ الأَعْمَشِ، وَمَنْصُوْرٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ،
مِنَ الثَّوْرِيِّ.
وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيتُ
مِثْلَ الثَّوْرِيِّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: إِنِّيْ لأَرَى
الرَّجُلَ يَصحَبُ سُفْيَانَ، فَيَعْظُمُ فِي عَيْنِي.
وَقَالَ وَرْقَاءُ، وَجَمَاعَةٌ: لَمْ يَرَ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ مِثْلَ نَفْسِهِ.
وَعَنْ شُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ، قَالَ: إِنِّيْ لأَحسِبُ
أَنَّهُ يُجَاءُ غَداً بِسُفْيَانَ حُجَّةً مِنَ اللهِ
عَلَى خَلْقِهِ، يَقُوْلُ لَهُم: لَمْ تُدْرِكُوا
نَبِيَّكُم، قَدْ رَأَيتُم سُفْيَانَ.
(7/239)
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الآجُرِّيُّ:
سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ:
لَيْسَ يَخْتَلِفُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ فِي شَيْءٍ،
إِلاَّ يَظفرُ بِهِ سُفْيَانُ، خَالَفَهُ فِي أَكْثَرَ
مِنْ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً، القَوْلُ فِيْهَا قَوْلُ
سُفْيَانَ.
وَعَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: مَا خَالَفَ أَحَدٌ
سُفْيَانَ فِي شَيْءٍ، إِلاَ كَانَ القَوْلُ قَوْلَ
سُفْيَانَ.
رَوَى: يَحْيَى بنُ نَصْرِ بنِ حَاجِبٍ، عَنْ وَرْقَاءَ،
قَالَ: لَمْ يَرَ الثَّوْرِيُّ مِثْلَ نَفْسِه.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَصْحَابُ الحَدِيْثِ ثَلاَثَةٌ:
ابْنُ عَبَّاسٍ فِي زَمَانِهِ، وَالشَّعْبِيُّ فِي
زَمَانِهِ، وَالثَّوْرِيُّ فِي زَمَانِهِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لاَ أَعْلَمُ سُفْيَانَ
صَحَّفَ فِي شَيْءٍ قَطُّ، إِلاَّ فِي اسْمِ امْرَأَةِ
أَبِي عُبَيْدَةَ، كَانَ يَقُوْلُ: حُفَيْنَةُ -يَعْنِي:
الصَّوَاب بِجِيْمٍ-.
وَرَوَى: المَرُّوْذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ،
قَالَ:
أَتَدْرِي مَنِ الإِمَامُ؟ الإِمَامُ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ، لاَ يَتَقَدَّمُهُ أَحَدٌ فِي قَلْبِي.
قَالَ الخُرَيْبِيُّ: مَا رَأَيتُ أَفْقَهَ مِنْ
سُفْيَانَ.
وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: جَالَسْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بنَ القَاسِمِ، وَصَفْوَانَ بنَ سُلَيْمٍ، وَزَيْدَ بنَ
أَسْلَمَ، فَمَا رَأَيتُ فِيْهِم مِثْلَ سُفْيَانَ.
قَالَ أَبُو قَطَنٍ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: إِنَّ سُفْيَانَ
سَادَ النَّاسَ بِالوَرَعِ وَالعِلْمِ.
وَقَالَ قَبِيْصَةُ: مَا جَلَسْتُ مَعَ سُفْيَانَ
مَجْلِساً، إِلاَّ ذَكَرتُ المَوْتَ، مَا رَأَيتُ أَحَداً
كَانَ أَكْثَرَ ذِكْراً لِلْمَوْتِ مِنْهُ.
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيْقٍ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ
أَسْبَاطٍ:
قَالَ لِي سُفْيَانُ بَعْدَ العِشَاءِ: نَاوِلْنِي
المِطْهَرَةَ (1) أَتَوَضَّأْ.
فَنَاوَلْتُهُ، فَأَخَذَهَا بِيَمِيْنِهِ، وَوَضَعَ
يَسَارَهُ
__________
(1) المطهرة: الاناء الذي يتوضأ به، ويتطهر به.
(7/240)
عَلَى خَدِّهِ، فَبَقِيَ مُفَكِّراً،
وَنِمْتُ، ثُمَّ قُمْتُ وَقْتَ الفَجْرِ، فَإِذَا
المِطْهَرَةُ فِي يَدِهِ كَمَا هِيَ، فَقُلْتُ: هَذَا
الفَجْرُ قَدْ طَلعَ.
فَقَالَ: لَمْ أَزَلْ مُنْذُ نَاوَلْتَنِي المِطْهَرَةَ
أَتَفَكَّرُ فِي الآخِرَةِ، حَتَّى السَّاعَةَ (1) .
وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: سُئِلَ الثَّوْرِيُّ عَنْ
مَسْأَلَةٍ وَهُوَ يَشْتَرِي شَيْئاً، فَقَالَ: دَعنِي،
فَإِنَّ قَلْبِي عِنْدَ دِرْهَمِي.
وَرَوَى: مُوْسَى بنُ العَلاَءِ، عَنْ حُذَيْفَةَ
المَرْعَشِيِّ، قَالَ:
قَالَ سُفْيَانُ: لأَنْ أُخَلِّفَ عَشْرَةَ آلاَفِ
دِرْهَمٍ يُحَاسِبُنِي اللهُ عَلَيْهَا، أَحَبُّ إِلَيَّ
مِنْ أَنْ أَحتَاجَ إِلَى النَّاسِ.
وَقَالَ رَوَّادُ بنُ الجَرَّاحِ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ
يَقُوْلُ: كَانَ المَالُ فِيْمَا مَضَى يُكْرَهُ، فَأَمَّا
اليَوْمَ، فَهُوَ تُرْسُ المُؤْمِنِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَاهِلِيُّ: جَاءَ
رَجُلٌ إِلَى الثَّوْرِيِّ يُشَاوِرُهُ فِي الحَجِّ.
قَالَ: لاَ تَصْحَبْ مَنْ يُكرَمُ عَلَيْكَ، فَإِنْ
سَاوَيتَه فِي النَّفَقَةِ أَضَرَّ بِكَ، وَإِنْ تَفَضَّلَ
عَلَيْكَ اسْتَذَلَّكَ.
وَنَظَرَ إِلَيْهِ رَجُلٌ وَفِي يَدِهِ دَنَانِيْرُ،
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! تُمْسِكُ هَذِهِ
الدَّنَانِيْرَ؟!
قَالَ: اسْكُتْ، فَلَوْلاَهَا لَتَمَنْدَلَ بِنَا
المُلُوْكُ.
قَالَ: قَدْ كَانَ سُفْيَانُ رَأْساً فِي الزُّهدِ،
وَالتَّأَلُّهِ، وَالخَوْفِ، رَأْساً فِي الحِفْظِ،
رَأْساً فِي مَعْرِفَةِ الآثَارِ، رَأْساً فِي الفِقْهِ،
لاَ يَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ مِنْ أَئِمَّةِ
الدِّيْنِ، وَاغْتُفِرَ لَهُ غَيْرُ مَسْأَلَةٍ اجْتَهَدَ
فِيْهَا، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ يَسِيْرٌ، كَانَ يُثَلِّثُ
بِعَلِيٍّ (2) ، وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ بَلَدِهِ أَيْضاً
فِي النَّبِيذِ (3) . وَيُقَالُ: رَجَعَ عَنْ كُلِّ
__________
(1) الخبر في " الحلية ": 7 / 53، والزيادات منه.
(2) أي: كان يقدم عليا على عثمان - رضي الله عنهما - في
التفضيل.
(3) انظر الصفحة: 259، و: 275.
(7/241)
ذَلِكَ، وَكَانَ يُنْكِرُ عَلَى
المُلُوْكِ، وَلاَ يَرَى الخُرُوْجَ أَصْلاً.
وَكَانَ يُدَلِّسُ فِي رِوَايَتِهِ، وَرُبَّمَا دَلَّسَ
عَنِ الضُّعَفَاءِ.
وَكَانَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ مُدَلِّساً، لَكِنْ مَا
عُرِفَ لَهُ تَدْلِيْسٌ عَنْ ضَعِيْفٍ.
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ دَاوُدَ، سَمِعْتُ
سُفْيَانَ يَقُوْلُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ:
لِي إِحْدَى وَسِتُّوْنَ سَنَةً.
وَكِيْعٌ: وُلِدَ سُفْيَانُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ،
وَمَاتَ وَلَهُ ثَلاَثٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً.
سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ:
مَاتَ سُفْيَانُ وَلَهُ مائَةُ دِيْنَارٍ بِضَاعَةً،
فَأَوْصَى إِلَى عَمَّارِ بنِ سَيْفٍ فِي كُتُبِهِ،
فَأَحْرَقَهَا، وَلَمْ يُعْقِبْ سُفْيَانُ، كَانَ لَهُ
ابْنٌ فَمَاتَ قَبْلَهُ، فَجَعَلَ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ
لأُخْتِهِ وَوَلَدِهَا، وَلَمْ يُورِثْ أَخَاهُ
المُبَارَكَ شَيْئاً.
وَتُوُفِّيَ المُبَارَكُ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: بَلَغَنِي أَنَّ شَرِيْكاً،
وَالثَّوْرِيَّ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ،
وَغَيْرَهُم مِنْ فُقَهَاءِ الكُوْفَةِ وُلِدُوا
بِخُرَاسَانَ، كَانَ يُبْعَثُ بِآبَائِهِم فِي البُعُوثِ،
وَيَتَسَرَّى بَعْضُهُم، وَيَتَزوَّجُ بَعْضُهُم، فَلَمَّا
قَفَلُوا، نَقَلُوْهُم إِلَى الكُوْفَةِ، وَمَسْرُوْقٌ
جَدُّ الثَّوْرِيِّ، شَهِدَ الجَمَلَ (1) مَعَ عَلِيٍّ.
أَبُو العَيْنَاءِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ خُبَيْقٍ: قَالَ
يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: كَانَ سُفْيَانُ إِذَا أَخَذَ فِي
ذِكْرِ الآخِرَةِ يَبُولُ الدَّمَ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ
يَقُوْلُ:
مَا بَلَغَنِي عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيْثٌ قَطُّ، إِلاَّ عَمِلْتُ بِهِ
وَلَوْ مَرَّةً.
حَاتِمُ بنُ الوَلِيْدِ الكَرْمَانِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى
بنَ أَبِي بُكَيْرٍ يَقُوْلُ: قِيْلَ
__________
(1) وقعة الجمل: وهي التي جرت بين علي بن أبي طالب - رضي
الله عنه - وعائشة أم المؤمنين ومن قام معها، وكانت سنة
(36 ه)، وانتهت بانتصار علي وجيشه.
(7/242)
لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: إِلَى مَتَى
تَطلُبُ الحَدِيْثَ؟
قَالَ: وَأَيُّ خَيْرٍ أَنَا فِيْهِ خَيْرٌ مِنَ
الحَدِيْثِ، فَأَصِيْرُ إِلَيْهِ؟ إِنَّ الحَدِيْثَ خَيْرُ
عُلُوْمِ الدُّنْيَا.
يَحْيَى القَطَّانُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: إِنَّ
أَقْبَحَ الرَّعِيَّةِ أَنْ يَطلُبَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ
الآخِرَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: دَعَا الثَّوْرِيُّ بِطَعَامٍ
وَلَحْمٍ، فَأَكَلَهُ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرٍ وَزُبْدٍ،
فَأَكَلَهُ، ثُمَّ قَامَ، وَقَالَ: أَحْسِنْ إِلَى
الزَّنْجِيِّ، وَكُدَّهُ (1) .
أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ
يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ:
إِنِّيْ لأَرَى الشَّيْءَ يَجبُ عَلَيَّ أَنْ أَتكلَّمَ
فِيْهِ، فَلاَ أَفْعَلُ، فَأَبُولُ دَماً.
ابْنُ مَهْدِيٍّ: كُنَّا مَعَ الثَّوْرِيِّ جُلُوْساً
بِمَكَّةَ، فَوَثَبَ، وَقَالَ: النَّهَارُ يَعْمَلُ
عَمَلَه.
وَعَنْ سُفْيَانَ: مَا وَضَعَ رَجُلٌ يَدَهُ فِي قَصْعَةِ
رَجُلٍ، إِلاَّ ذَلَّ لَهُ.
أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ مَا لاَ
أُحصِيْهِ، يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ،
اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا، وَارْزُقنَا العَافِيَةَ فِي
الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: قَالَ سُفْيَانُ:
مَا شَيْءٌ أَبغَضُ إِلَيَّ مِنْ صُحْبَةِ قَارِئٍ، وَلاَ
شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ صُحْبَةِ فَتَىً.
أَبُو هِشَامٍ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ
يَقُوْلُ:
لَيْسَ الزُّهدُ بِأَكْلِ الغَلِيْظِ، وَلُبْسِ الخَشِنِ،
وَلَكِنَّهُ قِصَرُ الأَمَلِ، وَارْتِقَابُ المَوْتِ.
يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ:
المَالُ دَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَالعَالِمُ طَبِيْبُ
هَذِهِ الأُمَّةِ، فَإِذَا جَرَّ العَالِمُ الدَّاءَ إِلَى
نَفْسِهِ، فَمَتَى يُبرِئُ النَّاسَ (2)؟
__________
(1) للخبر رواية أخرى في " تاريخ بغداد ": 9 / 158. وانظر
ص 277 من هذا الكتاب.
(2) للخبر رواية أخرى في " الحلية ": 6 / 361.
(7/243)
وَعَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: مَا نَعْلَمُ
شَيْئاً أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ العِلْمِ بِنِيَّةٍ.
الخُرَيْبِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: احْذَرْ سَخَطَ
اللهِ فِي ثَلاَثٍ: احْذَرْ أَنْ تُقَصِّرَ فِيْمَا
أَمَرَكَ، وَاحْذَرْ أَنْ يَرَاكَ وَأَنْتَ لاَ تَرْضَى
بِمَا قَسَمَ لَكَ، وَأَنْ تَطْلُبَ شَيْئاً مِنَ
الدُّنْيَا، فَلاَ تَجِدْهُ، أَنْ تَسَخْطَ عَلَى رَبِّكَ.
قَالَ خَالِدُ بنُ نِزَارٍ الأَيْلِيُّ: قَالَ سُفْيَانُ:
الزُّهْدُ زُهْدَانِ: زُهْدُ فَرِيْضَةٍ، وَزُهْدُ
نَافِلَةٍ.
فَالفَرْضُ: أَنْ تَدَعَ الفَخْرَ وَالكِبْرَ،
وَالعُلُوَّ، وَالرِّيَاءَ، وَالسُّمْعَةَ، وَالتَّزَيُّنَ
لِلنَّاسِ.
وَأَمَّا زُهدُ النَّافِلَةِ: فَأَنْ تَدَعَ مَا أَعْطَاكَ
اللهُ مِنَ الحَلاَلِ، فَإِذَا تَرَكتَ شَيْئاً مِنْ
ذَلِكَ، صَارَ فَرِيْضَةً عَلَيْكَ أَلاَّ تَترُكَهُ
إِلاَّ للهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ عَبْدَ الصَّمَدِ عَمَّ المَنْصُوْرِ
دَخَلَ عَلَى سُفْيَانَ يَعُودُهُ، فَحَوَّلَ وَجْهَهُ
إِلَى الحَائِطِ، وَلَمْ يَرُدَّ السَّلاَمَ.
فَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ: يَا سَيْفُ! أَظُنُّ أَبَا
عَبْدِ اللهِ نَائِماً.
قَالَ: أَحسِبُ ذَاكَ - أَصْلَحَكَ اللهُ -.
فَقَالَ سُفْيَانُ: لاَ تَكْذِبْ، لَسْتُ بِنَائِمٍ.
فَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! لَكَ
حَاجَةٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، ثَلاَثُ حَوَائِجَ: لاَ تَعُودَ إِلَيَّ
ثَانِيَةً، وَلاَ تَشْهدَ جِنَازَتِي، وَلاَ تَترَحَّمَ
عَلَيَّ.
فَخَجِلَ عَبْدُ الصَّمَدِ، وَقَامَ، فَلَمَّا خَرَجَ،
قَالَ: وَاللهِ لقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لاَ أَخْرُجَ، إِلاَّ
وَرَأْسُهُ مَعِي.
قَالَ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: قَالَ سُفْيَانُ: زَيِّنُوا
العِلْمَ وَالحَدِيْثَ بِأَنْفُسِكُم، وَلاَ تَتَزَيَّنُوا
بِهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: طُلِبَ سُفْيَانُ، فَخَرَجَ
إِلَى مَكَّةَ، فَنَفَذَ المَهْدِيُّ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ - وَهُوَ عَلَى مَكَّةَ - فِي طَلَبِهِ،
فَأُعْلِمَ سُفْيَانُ بِذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ:
إِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ إِتْيَانَ القَوْمِ، فَاظْهَرْ
حَتَّى أَبعَثَ بِكَ إِلَيْهِم، وَإِلاَّ فَتَوَارَ.
قَالَ: فَتَوَارَى سُفْيَانُ، وَطَلَبَهُ مُحَمَّدٌ،
وَأَمَرَ مُنَادِياً فَنَادَى بِمَكَّةَ: مَنْ جَاءَ
بِسُفْيَانَ، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا.
فَلَمْ يَزَلْ مُتَوَارِياً بِمَكَّةَ، لاَ يَظْهَرُ
إِلاَّ لأَهْلِ العِلْمِ، وَمَنْ لاَ يَخَافُهُ.
(7/244)
وَعَنْ أَبِي شِهَابٍ الحَنَّاطِ، قَالَ:
بَعَثَتْ أُخْتُ سُفْيَانَ بِجِرَابٍ مَعِي إِلَى
سُفْيَانَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، فِيْهِ كَعكٌ وَخشكنَانُ (1)
، فَقَدِمْتُ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيْلَ لِي: رُبَّمَا
قَعَدَ عِنْدَ الكَعْبَةِ مِمَّا يَلِي الحَنَّاطِيْنَ.
فَأَتَيْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ مُسْتَلْقِياً، فَسلَّمْتُ
عَلَيْهِ، فَلَمْ يُسَائِلْنِي تِلْكَ المُسَاءلَةَ،
وَلَمْ يُسلِّمْ عَلَيَّ كَمَا كُنْتُ أَعْرِفُهُ،
فَقُلْتُ: إِنَّ أُخْتَكَ بَعثَتْ مَعِي بِجِرَابٍ.
فَاسْتَوَى جَالِساً، وَقَالَ: عَجِّلْ بِهَا.
فَكَلَّمتُهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا أَبَا شِهَابٍ! لاَ
تَلُمْنِي، فَلِي ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ لَمْ أَذُقْ فِيْهَا
ذوَاقاً، فَعَذَرْتُهُ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: فَلَمَّا خَافَ مِنَ الطَّلَبِ
بِمَكَّةَ، خَرَجَ إِلَى البَصْرَةِ، وَنَزَلَ قُرْبَ
مَنْزِلِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، ثُمَّ حَوَّلَه إِلَى
جِوَارِهِ، وَفَتَحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَه بَاباً، فَكَانَ
يَأْتِيْهِ بِمُحَدِّثِي أَهْلِ البَصْرَةِ، يُسلِّمُوْنَ
عَلَيْهِ، وَيَسْمَعُوْنَ مِنْهُ.
أَتَاهُ: جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَمُبَارَكُ بنُ
فَضَالَةَ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَمَرْحُوْمٌ
العَطَّارُ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ.
وَأَتَاهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، فَلَزِمَهُ.
وَكَانَ أَبُو عَوَانَةَ يُسلِّمُ عَلَى سُفْيَانَ
بِمَكَّةَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، فَكُلِّمَ فِي
ذَلِكَ.
فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ.
وَلَمَّا عَرَفَ سُفْيَانُ أَنَّهُ اشْتُهِرَ مَكَانُهُ
وَمَقَامُهُ، قَالَ لِيَحْيَى: حَوِّلْنِي.
فَحَوَّلَهُ إِلَى مَنْزِلِ الهَيْثَمِ بنِ مَنْصُوْرٍ،
فَلَمْ يَزَلْ فِيْهِ، فَكلَّمَهُ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ فِي
تَنَحِّيهِ عَنِ السُّلْطَانِ، وَقَالَ: هَذَا فَعْلُ
أَهْلِ البِدَعِ، وَمَا يُخَافُ مِنْهُم.
فَأَجْمَعَ سُفْيَانُ وَحَمَّادٌ عَلَى أَنْ يَقْدَمَا
بَغْدَادَ، وَكَتَبَ سُفْيَانُ إِلَى المَهْدِيِّ، وَإِلَى
يَعْقُوْبَ بنِ دَاوُدَ الوَزِيْرِ، فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ.
فَقِيْلَ: إِنَّهُم يَغضَبُوْنَ مِنْ هَذَا.
فَبَدَأَ بِهِم، وَأَتَاهُ جَوَابُ كِتَابِهِ بِمَا يُحبُّ
مِنَ التَّقْرِيْبِ وَالكَرَامَةِ، وَالسَّمْعِ مِنْهُ
وَالطَّاعَةِ، فَكَانَ عَلَى الخُرُوْجِ إِلَيْهِ، فَحُمَّ
وَمَرِضَ، وَحَضَرَ المَوْتُ، فَجَزِعَ.
فَقَالَ لَهُ مَرْحُوْمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَا هَذَا
الجَزَعُ؟ فَإِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى الرَّبِّ الَّذِي
كُنْتَ تَعبُدُه.
فَسَكَنَ، وَقَالَ: انْظُرُوا مَنْ هُنَا مِنْ
أَصْحَابِنَا
__________
(1) انظر: 277، حا: 5
(7/245)
الكُوْفِيِّيْنَ.
فَأَرسَلُوا إِلَى عُبَادَانَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ
جَمَاعَةٌ، وَأَوْصَى، ثُمَّ مَاتَ (1) .
وَأُخْرِجَتْ جِنَازَتُه عَلَى أَهْلِ البَصْرَةِ
فَجْأَةً، فَشَهِدَه الخَلْقُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبْجَرَ، وَكَانَ
رَجُلاً صَالِحاً، وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ هُوَ وَخَالِدُ
بنُ الحَارِثِ.
أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، قَالَ:
دَخَلَ عُمَرُ بنُ حَوْشَبٍ الوَالِي عَلَى سُفْيَانَ،
فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَأَعْرضَ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا
سُفْيَانُ! نَحْنُ -وَاللهِ- أَنفعُ لِلنَّاسِ مِنْكَ،
نَحْنُ أَصْحَابُ الدِّيَاتِ، وَأَصْحَابُ الحمَالاَتِ،
وَأَصْحَابُ حَوَائِجِ النَّاسِ، وَالإِصْلاَحِ بَيْنَهُم،
وَأَنْتَ رَجُلُ نَفْسِكَ.
فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ سُفْيَانُ، فَجَعَلَ يُحَادِثُه،
ثُمَّ قَامَ.
فَقَالَ سُفْيَانُ: لقَدْ ثَقُلَ عَلَيَّ حِيْنَ دَخَلَ،
وَلقَدْ غَمَّنِي قِيَامُهُ مِنْ عِنْدِي حِيْنَ قَامَ.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: مَا رَأَيتُ أَحَداً أَحْفَظَ
لِمَا عِنْدَهُ مِنَ الثَّوْرِيِّ.
قِيْلَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَرحَلَ إِلَى
الزُّهْرِيِّ؟
قَالَ: لَمْ تَكُنْ دَرَاهِمَ (2) .
قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَوْقَ
مَالِكٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
رَوَاهَا: ابْنُ المَدِيْنِيِّ، عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: قَالَ لِي سُفْيَانُ:
لَوْ كَانَتْ كُتُبِي عِنْدِي، لأَفَدتُكَ عِلْماً،
كُتُبِي عِنْدَ عَجُوْزٍ بِالنِّيْلِ.
الكُدَيْمِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ: سَمِعْتُ
سُفْيَانَ يَقُوْلُ:
كُنَّا نَأتِي أَبَا إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيَّ، وَفِي
عُنُقِ إِسْرَائِيْلَ -يَعْنِي: حَفِيْدَه- طَوْقٌ مِنْ
ذَهَبٍ.
ابْنُ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ
يَقُوْلُ: إِذَا اجْتَمَعَ هَذَانِ عَلَى
__________
(1) انظر رواية " تاريخ بغداد ": 9 / 159 - 160.
(2) الخبر تقدم في الصفحة: 8، في ترجمة معمر بن راشد،
فانظره.
(7/246)
شَيْءٍ، فَذَاكَ قَوِيٌّ -يَعْنِي:
سُفْيَانَ وَأَبَا حَنِيْفَةَ-.
عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ:
حُفَّاظُ النَّاسِ أَرْبَعَةٌ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ
الأَنْصَارِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ،
وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعَاصِمٌ
الأَحْوَلُ.
قُلْتُ: فَالأَعْمَشُ؟
فَأَبَى أَنْ يَجْعَلَهُ مَعَهُم.
أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: سَمِعْتُ زَائِدَةَ، وَذُكِرَ
عِنْدَهُ سُفْيَانُ، فَقَالَ: ذَاكَ أَفْقَهُ أَهْلِ
الدُّنْيَا.
وَكِيْعٌ: عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: سُفْيَانُ أَحْفَظُ
مِنِّي.
ابْنُ حُمَيْدٍ: سَمِعْتُ مِهْرَانَ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ:
كَتَبتُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَصْنَافَهُ، فَضَاعَ
مِنِّي كِتَابُ الدِّيَاتِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ،
فَقَالَ: إِذَا وَجَدْتَنِي خَالِياً، فَاذْكُرْ لِي
حَتَّى أُمِلَّهُ عَلَيْكَ.
فَحَجَّ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ، طَافَ بِالبَيْتِ،
وَسَعَى، ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَذَكَّرْتُهُ، فَجَعَلَ
يُمْلِي عَلَيَّ الكِتَابَ بَاباً فِي إِثرِ بَابٍ، حَتَّى
أَمْلاَهُ جَمِيْعَهُ مِنْ حِفْظِه.
قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ
يَسْأَلُ عَفَّانَ: أَيُّهُمَا أَكْثَرُ غَلطاً: سُفْيَانُ
أَوْ شُعْبَةُ؟
قَالَ: شُعْبَةُ بِكَثِيْرٍ.
فَقَالَ أَحْمَدُ: فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ.
عَبْدُ الرَّزَّاقِ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ:
سَلُونِي عَنْ عِلْمِ القُرْآنِ وَالمَنَاسِكِ، فَإِنِّي
عَالِمٌ بِهِمَا.
أَبُو قُدَامَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ:
مَا كَتَبتُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، أَحَبُّ
إِلَيَّ مِمَّا كَتَبتُهُ عَنِ الأَعْمَشِ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي اللَّيْثِ: سَمِعْتُ
الأَشْجَعِيَّ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ مِنَ الثَّوْرِيِّ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ.
قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مَاتَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ،
وَأَنَا بِالكُوْفَةِ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي
(7/247)
سُفْيَانُ نَنْتَظِر الجَنَازَةَ، فَقَالَ:
يَا يَحْيَى! خُذْ حَتَّى أُحَدِّثُكَ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ
بِعَشْرَةِ أَحَادِيْثَ، لَمْ تَسْمَعْ مِنْهَا بِشَيْءٍ.
فَحَدَّثَنِي بِعَشْرَةٍ، وَكُنْتُ بِمَكَّةَ وَبِهَا
الأَوْزَاعِيُّ، فَلَقِيَنِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَلَى
الصَّفَا، فَقَالَ: يَا يَحْيَى! خَرَجَ الأَوْزَاعِيُّ
اللَّيْلَةَ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: اجْلِسْ، لاَ تَبرَحْ حَتَّى أُحَدِّثُكَ عَنْهُ
بِعَشْرَةٍ لَمْ تَسْمَعْ مِنْهَا بِشَيْءٍ.
قُلْتُ: وَأَيَّ شَيْءٍ سَمِعْتُ أَنَا مِنْهُ؟
فَلَمْ يَدَعنِي حَتَّى حَدَّثَنِي عَنْهُ بِعَشْرَةِ
أَحَادِيْثَ، لَمْ أَسْمَعْ مِنْهَا بِوَاحِدٍ.
قَالَ الأَشْجَعِيُّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: لَوْ
هَمَّ رَجُلٌ أَنْ يَكْذِبَ فِي الحَدِيْثِ، وَهُوَ فِي
بَيْتٍ فِي جَوْفِ بَيْتٍ، لأَظهَرَ اللهُ عَلَيْهِ.
عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَا رَأَيتُ رَجُلاً
أَعْرَفَ بِالحَدِيْثِ مِنَ الثَّوْرِيِّ.
القَوَارِيْرِيُّ: قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: بَاتَ
عِنْدِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَحَدَّثْتُهُ
بِحَدِيْثَيْنِ، أَحَدُهُمَا: عَنْ عَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ،
فَقَامَ يُصَلِّي، فَرفَعتُ المُصَلَّى، فَإِذَا هُوَ قَدْ
كَتَبَهُمَا عَنِّي.
أَبُو مُسْهِرٍ: عَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، قَالَ:
دَخَلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ
سَعِيْدِ بنِ أَبِي قَيْسٍ الأَزْدِيِّ، فَاحْتَبَسَ
عِنْدَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: إِنَّهُ
كَذَّابٌ.
قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: قَتَلَهُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي
الزَّنْدَقَةِ.
أَبُو العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بنُ مُشْكَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
قَالَ:
قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: كُنْتُ أَقعُدُ إِلَى سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، فَيُحَدِّثُ، فَأَقُوْلُ: مَا بَقِيَ مِنْ
عِلْمِهِ شَيْءٌ إِلاَّ وَقَدْ سَمِعْتُهُ، ثُمَّ أَقعُدُ
عِنْدَهُ مَجْلِساً آخَرَ، فَيُحَدِّثُ، فَأَقُوْلُ: مَا
سَمِعْتُ مِنْ عِلْمِهِ شَيْئاً.
الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ زِيَادٍ يَقُوْلُ
لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ فِي
(7/248)
حَدِيْثٍ:
يَا أَبَا سَعِيْدٍ! قَدْ خَالَفَكَ أَرْبَعَةٌ.
قُلْتُ: مَنْ؟
قَالَ: زَائِدَةُ، وَشَرِيْكٌ، وَأَبُو الأَحْوَصِ،
وَإِسْرَائِيْلُ.
فَقَالَ يَحْيَى: لَوْ كَانَ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ مِثْلَ
هَؤُلاَءِ، كَانَ سُفْيَانُ أَثبتَ مِنْهُم.
عَبْدُ الرَّزَّاقِ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
لَوْ قِيْلَ: اخْتَرْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ رَجُلاً يَقُوْمُ
فِيْهَا بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، لاَختَرتُ
لَهُم سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ.
أَبُو هَمَّامٍ: حَدَّثَنَا المُبَارَكُ بنُ سَعِيْدٍ،
قَالَ:
رَأَيتُ عَاصِمَ بنَ أَبِي النَّجُوْدِ يَجِيْءُ إِلَى
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، يَسْتَفْتِيْهِ، وَيَقُوْلُ: يَا
سُفْيَانُ! أَتَيْتَنَا صَغِيْراً، وَأَتَيْنَاكَ
كَبِيْراً.
عَبَّاسٌ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ:
لَيْسَ أَحَدٌ فِي حَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ يُشبِهُ
هَؤُلاَءِ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ،
وَوَكِيْعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ.
ثُمَّ قَالَ: وَالأَشْجَعِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.
قَالَ: وَبَعدَ هَؤُلاَءِ فِي سُفْيَانَ: يَحْيَى بنُ
آدَمَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو أَحْمَدَ
الزُّبَيْرِيُّ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ، وَقَبِيْصَةُ،
وَمُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ، وَالفِرْيَابِيُّ.
قُلْتُ: فَأَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ؟
قَالَ: أَبُو دَاوُدَ: رَجُلٌ صَالِحٌ.
قَالَ الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ: سَمِعْتُ
يَحْيَى بنَ أَكْثَمَ يَقُوْلُ:
كَانَ فِي النَّاسِ رُؤَسَاءُ، كَانَ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ رَأْساً فِي الحَدِيْثِ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ
رَأْساً فِي القِيَاسِ، وَالكِسَائِيُّ رَأْساً فِي
القُرَّاءِ، فَلَمْ يَبْقَ اليَوْمَ رَأْسٌ فِي فَنٍّ مِنَ
الفُنُوْنِ.
قُلْتُ: كَانَ بَعْدَ طَبَقَةِ هَؤُلاَءِ رُؤُوْسٌ،
فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ رَأْساً فِي
الحَدِيْثِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرٌ رَأْساً فِي
اللُّغَةِ، وَالشَّافِعِيُّ رَأْساً فِي الفِقْهِ،
وَيَحْيَى الزُّبَيْرِيُّ رَأْساً فِي القِرَاءاتِ،
وَمَعْرُوْفٌ الكَرْخِيُّ رَأْساً فِي الزُّهدِ.
ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُم: ابْنُ المَدِيْنِيِّ رَأْساً فِي
الحَدِيْثِ وَعِلَلِهِ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ رَأْساً
فِي الفِقْهِ وَالسُّنَّةِ، وَأَبُو عُمَرَ الدُّوْرِيُّ
رَأْساً فِي القِرَاءاتِ، وَابْنُ الأَعْرَابِيِّ رَأْساً
فِي اللُّغَةِ، وَالسَّرِيُّ السَّقَطِيُّ رَأْساً فِي
الزُّهدِ.
(7/249)
وَيُمْكِنُ أَنْ نَذْكُرَ فِي كُلِّ
طَبَقَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ أَئِمَّةً عَلَى هَذَا النَّمَطِ
إِلَى زَمَانِنَا، فَرَأْسُ المُحَدِّثِيْنَ اليَوْمَ:
أَبُو الحَجَّاجِ القُضَاعِيُّ المِزِّيُّ (1) ، وَرَأْسُ
الفُقَهَاءِ: القَاضِي شَرَفُ الدِّيْنِ البَارِزِيُّ،
وَرَأْسُ المُقْرِئِيْنَ: جَمَاعَةٌ، وَرَأْسُ
العَرَبِيَّةِ: أَبُو حَيَّانَ الأَنْدَلُسِيُّ، وَرَأْسُ
العُبَّادِ: الشَّيْخُ عَلِيٌّ الوَاسِطِيُّ، فَفِي
النَّاسِ بَقَايَا خَيْرٍ، وَللهِ الحَمْدُ.
عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: نَزَلَ عِنْدَنَا سُفْيَانُ،
وَقَدْ كُنَّا نَنَامُ أَكْثَرَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا
نَزَلَ عِنْدَنَا، مَا كُنَّا نَنَامُ إِلاَّ أَقَلَّهُ،
وَلَمَّا مَرِضَ بِالبَطَنِ، كُنْتُ أَخدِمُه، وَأَدَعُ
الجَمَاعَةَ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: خِدمَةُ مُسْلِمٍ
سَاعَةً، أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ.
فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟
قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ، عَنْ أَبِيْهِ
قَالَ:
لأَنْ أَخْدُمَ رَجُلاً مِنَ المُسْلِمِيْنَ عَلَى عِلَّةٍ
يَوْماً وَاحِداً، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ صَلاَةِ
الجَمَاعَةِ سِتِّيْنَ عَاماً، لَمْ يَفُتْنِي فِيْهَا
التَّكْبِيْرَةُ الأُوْلَى.
قَالَ: فَضجَّ سُفْيَانُ لَمَّا طَالتْ عِلَّتُهُ،
فَقَالَ: يَا مَوْتُ، يَا مَوْتُ.
ثُمَّ قَالَ: لاَ أَتَمَنَّاهُ، وَلاَ أَدْعُو بِهِ.
فَلَمَّا احْتُضِرَ، بَكَى وَجَزِعَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا
أَبَا عَبْدِ اللهِ! مَا هَذَا البُكَاءُ؟
قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! لِشِدَّةِ مَا نَزَلَ بِي
مِنَ المَوْتِ، المَوْتُ -وَاللهِ- شَدِيْدٌ.
فَمَسِسْتُهُ، فَإِذَا هُوَ يَقُوْلُ: رُوْحُ
المُؤْمِنِيْنَ تَخْرُجُ رَشَحاً، فَأَنَا أَرْجُو.
ثُمَّ قَالَ: اللهُ أَرْحَمُ مِنَ الوَالِدَةِ
الشَّفِيْقَةِ الرَّفِيْقَةِ، إِنَّهُ جَوَادٌ كَرِيْمٌ،
وَكَيْفَ لِي أَنْ أُحِبَّ لِقَاءهُ، وَأَنَا أَكرَهُ
المَوْتَ.
فَبَكَيتُ حَتَّى كِدْتُ أَنْ أَخْتَنِقَ، أُخْفِي
بُكَائِي عَنْهُ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: أَوَّه...، أَوَّهُ
مِنَ المَوْتِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَمَا سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:
أَوَّه، وَلاَ يَئِنُّ إِلاَّ عِنْدَ ذَهَابِ عَقْلِهِ.
ثُمَّ قَالَ: مَرْحَباً بِرَسُوْلِ رَبِّي.
ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُسْكِتَ حَتَّى أَحْدَثَ،
ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ قَضَى،
ثُمَّ أَفَاقَ.
فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! اذْهبْ
__________
(1) وهو صاحب " تهذيب الكمال "، شيخ المؤلف.
(7/250)
إِلَى حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، فَادْعُهُ
لِي، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَحْضُرَنِي.
وَقَالَ: لَقِّنِّي قَوْلَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ،
فَجَعَلتُ أُلَقِّنُهُ.
قَالَ: وَجَاءَ حَمَّادٌ مُسْرِعاً حَافِياً، مَا عَلَيْهِ
إِلاَّ إِزَارٌ، فَدَخَلَ وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ،
فَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: بَارَكَ اللهُ
فِيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيْ أَخِي، مَرْحَباً.
ثُمَّ قَالَ: يَا حَمَّادُ! خُذْ حِذْرَكَ، وَاحْذَرْ
هَذَا المَصْرَعَ...، وَذَكَرَ فَصْلاً طَوِيْلاً، ضَعُفَ
بَصَرِي أَنَا عَنْ قِرَاءتِهِ.
رَوَاهُ: الحَاكِمُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ
أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الرَّازِيِّ مِنْ أَصلِ كِتَابِهِ،
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
عَبْدِ الكَرِيْمِ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بنُ حَسَّانٍ السَّمْتِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ مَهْدِيٍّ...، فَذَكَرَهُ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ مُظْلِمٌ.
وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ: أَنَّ السُّلْطَانَ دَخَلَ عَلَى
سُفْيَانَ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
دَعُوْنِي أُكَفِّنُه.
فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّهُ أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي
ثِيَابِهِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ.
فَكَفَّنَهُ السُّلْطَانُ بَعْدَ ذَلِكَ بِكَفَنٍ
بِسِتِّيْنَ دِيْنَاراً.
وَقِيْلَ: قُوِّمَ بِثَمَانِيْنَ دِيْنَاراً.
مُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، قَالَ:
بَعَثَ أَبُو جَعْفَرٍ الخَشَّابِيْنَ حِيْنَ خَرَجَ إِلَى
مَكَّةَ، وَقَالَ: إِنْ رَأَيتُم سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ،
فَاصْلِبُوْهُ.
فَجَاءَ النَّجَّارُوْنَ، وَنَصَبُوا الخَشَبَ، وَنُودِيَ
عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأْسُهُ فِي حَجْرِ الفُضَيْلِ بنِ
عِيَاضٍ، وَرِجْلاَهُ فِي حَجْرِ ابْنِ عُيَيْنَةَ،
فَقِيْلَ لَهُ:
يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! اتَّقِ اللهَ، لاَ تُشَمِّتْ
بِنَا الأَعْدَاءَ.
فَتَقَدَّمَ إِلَى الأَسْتَارِ، ثُمَّ أَخَذَهُ، وَقَالَ:
بَرِئْتُ مِنْهُ إِنْ دَخَلَهَا أَبُو جَعْفَرٍ.
قَالَ: فَمَاتَ أَبُو جَعْفَرٍ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ
مَكَّةَ، فَأُخبِرَ بِذَلِكَ سُفْيَانُ، فَلَمْ يَقُلْ
شَيْئاً.
هَذِهِ كَرَامَةٌ ثَابِتَةٌ، سَمِعَهَا: الحَاكِمُ، مِنْ
أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ المُزَكِّيِّ،
سَمِعْتُ السَّرَّاجَ، عَنْهُ.
(7/251)
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحِ
بنِ هَانِئ، سَمِعْتُ الفَضْلَ الشَّعْرَانِيَّ، سَمِعْتُ
القَوَارِيْرِيَّ، سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ، يَقُوْلُ:
رَأَيتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ فِي المَنَامِ، مَكْتُوْبٌ
بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِغَيْرِ سَوَادٍ : {فَسَيَكْفِيْكَهُمُ
اللهُ(1) } [البَقَرَةُ: 137].
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ،
سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،
قَالَ:
مَا تُرِيْدُ إِلَى شَيْءٍ إِذَا بَلَغتَ مِنْهُ
الغَايَةَ، تَمنَّيْتَ أَنْ تَنْفَلِتَ مِنْهُ كَفَافاً
(2) .
أَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ
حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِذَا قِيْلَ لَهُ: إِنَّهُ
رُؤِيَ فِي المَنَامِ، يَقُوْلُ: أَنَا أَعْرَفُ بِنَفْسِي
مِنْ أَصْحَابِ المَنَامَاتِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: كَانَ سُفْيَانُ
يُنْكِرُ عَلَى مَنْ يَقُوْلُ: العِبَادَاتُ لَيْسَتْ مِنَ
الإِيْمَانِ، وَعَلَى مَنْ يُقَدِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ أَحَداً مِنَ الصَّحَابَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ
يُقَدِّمُ عَلِيّاً عَلَى عُثْمَانَ.
رَوَاهَا: الحَاكِمُ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ إِسْحَاقَ،
أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ.
مُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، سَمِعْتُ مَالِكاً، وَالأَوْزَاعِيَّ،
وَابْنَ جُرَيْجٍ، وَالثَّوْرِيَّ، وَمَعْمَراً،
يَقُوْلُوْنَ:
الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ.
الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ المُزَكِّي، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ
__________
(1) للخبر رواية أخري في " الحلية ": 6 / 371.
(2) للخبر رواية أخرى في " الحلية ": 6 / 365، وانظر ما
جاء في ترجمة هشام الدستوائي، صفحة: 150.
(7/252)
الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا
أَبِي، سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ:
إِنَّ قَوْماً يَقُوْلُوْنَ: لاَ نَقُوْلُ لأَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ إِلاَّ خَيْراً، وَلَكِنْ عَلِيٌّ أَوْلَى
بِالخِلاَفَةِ مِنْهُمَا، فَمَنْ قَالَ ذَلِكَ، فَقَدْ
خَطَّأَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيّاً،
وَالمُهَاجِرِيْنَ، وَالأَنْصَارَ، وَلاَ أَدْرِي تَرتفِعُ
مَعَ هَذَا أَعْمَالُهُم إِلَى السَّمَاءِ.
أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: سَمِعْتُ ابْنَ إِدْرِيْسَ
يَقُوْلُ:
مَا رَأَيتُ بِالكُوْفَةِ رَجُلاً أَتْبَعَ لِلسُّنَّةِ،
وَلاَ أَودُّ أَنِّي (1) فِي مِسلاَخِهِ مِنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ.
وَعَنْ زَيْدِ بنِ الحُبَابِ، قَالَ: خَرَجَ سُفْيَانُ
إِلَى أَيُّوْبَ، وَابْنِ عَوْنٍ، فَتَرَكَ التَّشَيُّعَ.
وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ:
يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا
فِي المَهْدِيِّ، فَمَا تَقُوْلُ فِيْهِ؟
قَالَ: إِنْ مَرَّ عَلَى بَابِكَ، فَلاَ تَكُنْ فِيْهِ فِي
شَيْءٍ، حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْهِ.
مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ:
تَرَكَتْنِي الرَّوَافِضُ وَأَنَا أَبغُضُ أَنْ أَذْكُرَ
فَضَائِلَ عَلِيٍّ (2) .
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا
الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ زِيَادٍ
المَصِّيْصِيُّ، سَمِعْتُ الفِرْيَابِيَّ، سَمِعْتُ
سُفْيَانَ، وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَنْ يَشتُمُ أَبَا
بَكْرٍ، فَقَالَ: كَافِرٌ بِاللهِ العَظِيْمِ.
قَالَ: نُصَلِّي عَلَيْهِ؟
قَالَ: لاَ، وَلاَ كَرَامَةَ.
قَالَ: فَزَاحَمَهُ النَّاسُ، حَتَّى حَالُوا بَيْنِي
وَبَيْنَهُ.
فَقُلْتُ لِلَّذِي قَرِيْباً مِنْهُ: مَا قَالَ؟
قُلْنَا: هُوَ يَقُوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، مَا
نَصْنعُ بِهِ؟
قَالَ: لاَ تَمَسُّوهُ بِأَيْدِيْكُم، ارْفَعُوْهُ
بِالخَشَبِ حَتَّى تُوَارُوْهُ فِي قَبْرِه.
__________
(1) في الأصل: " نحن "، وما أثبتناه من " الحلية ": 7 / 6.
" وفي مسلاخه " أي: في هديه وسمته.
(2) الخبر في " الحلية ": 7 / 27، وفيه: " منعتنا الشيعة
أن نذكر فضائل علي ".
(7/253)
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ
العَزِيْزِ بنُ أَبَانٍ، سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ:
مَنْ قَدَّمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَحَداً، فَقَدْ
أَزرَى عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً مِنْ أَصْحَابِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ وَهُوَ عَنْهُم رَاضٍ.
عَبَّاسٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ:
امسَحْ عَلَيْهِمَا مَا تَعَلَّقَتَا بِالقَدَمِ، وَإِنْ
تَخَرَّقَا.
قَالَ: وَكَذَلِكَ خِفَافُ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ
مُخَرَّقَةٌ مُشَقَّقَةٌ.
مَشَايِخُ حَدَّثَ عَنْهُمُ الثَّوْرِيُّ، وَحَدَّثُوا
هُمْ عَنْهُ:
مُحَمَّدُ بنُ عَجْلاَنَ، مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، ابْنُ
أَبِي ذِئْبٍ، عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، أَبُو
إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، المُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ،
سَلَمَةُ الأَبْرَشُ، إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ، أَبَانُ
بنُ تَغْلِبَ، حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، جَعْفَرٌ الصَّادِقُ،
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، الحَسَنُ بنُ صَالِحِ بنِ حَيٍّ،
خَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ، خُصَيْفُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، أَبُو الأَحْوَصِ سَلاَّمُ بنُ
سُلَيْمٍ، سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، شُعْبَةُ بنُ
الحَجَّاجِ، شَرِيْكٌ القَاضِي، الأَوْزَاعِيُّ، أَبُو
بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، ابْنُ جُرَيْجٍ، فُضَيْلُ بنُ
عِيَاضٍ، أَبُو حَنِيْفَةَ، وَكِيْعُ بنُ الجَرَّاحِ.
سَمَّى هَؤُلاَءِ: الحَاكِمُ.
وَرَوَى: سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ،
عَنِ الثَّوْرِيِّ.
وَرُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: أُحبُّ أَنْ يَكُوْنَ
صَاحِبُ العِلْمِ فِي كِفَايَةٍ، فَإِنَّ الآفَاتِ
إِلَيْهِ أَسرَعُ، وَالأَلسِنَةَ إِلَيْهِ أَسرَعُ (1) .
قَالَ زَائِدَةُ: كَانَ سُفْيَانُ أَفْقَهَ النَّاسِ.
وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ
الأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ سُفْيَانَ.
وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: مَا رَأَى سُفْيَانُ مِثْلَ
نَفْسِه.
__________
(1) للخبر رواية أخري في " الحلية ": 6 / 369.
(7/254)
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ
الشَّافِعِيُّ: قُلْتُ لابْنِ المُبَارَكِ: رَأَيتَ مِثْلَ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ؟
فَقَالَ: وَهَلْ رَأَى هُوَ مِثْلَ نَفْسِهِ؟
وَقَالَ الخُرَيْبِيُّ: مَا رَأَيتُ مُحَدِّثاً أَفْضَلَ
مِنَ الثَّوْرِيِّ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: مَا كَتَبتُ عَنْ
سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، أَحَبُّ إِلَيَّ (1) مِمَّا
كَتَبتُ عَنِ الأَعْمَشِ.
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ رَأَى
بِعَيْنِه مِثْلَ سُفْيَانَ، فَلاَ تُصَدِّقْهُ.
وَقَالَ شَرِيْكٌ: نَرَى أَنَّ سُفْيَانَ حُجَّةٌ للهِ
عَلَى عِبَادِه.
قَالَ أَبُو الأَحْوَصِ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ:
وَدِدْتُ أَنِّي أَنْجُو مِنْ هَذَا الأَمْرِ كَفَافاً،
لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِيَ.
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ:
لَيْسَ طَلَبُ الحَدِيْثِ مِنْ عِدَّةِ المَوْتِ،
لَكِنَّهُ عِلَّةٌ يَتشَاغَلُ بِهِ الرَّجُلُ.
قُلْتُ: يَقُوْلُ هَذَا، مَعَ قَوْلِه لِلْخُرَيْبِيِّ:
لَيْسَ شَيْءٌ أَنفعُ لِلنَّاسِ مِنَ الحَدِيْثِ؟!
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ:
مَا أَخَافُ عَلَى شَيْءٍ أَنْ يُدْخِلَنِي النَّارَ،
إِلاَّ الحَدِيْثَ.
وَعَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي قَرَأْتُ
القُرْآنَ، وَوَقَفتُ عِنْدَهُ، لَمْ أَتَجَاوَزْهُ إِلَى
غَيْرِهِ.
وَعَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: مَنْ يَزْدَدْ عِلْماً، يَزْدَدْ
وَجَعاً، وَلَوْ لَمْ أَعْلَمْ، كَانَ أَيْسَرَ لِحُزْنِي.
وَعَنْهُ، قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ عِلْمِي نُسِخَ مِنْ
صَدْرِي، أَلَسْتُ أُرِيْدُ أَنْ أُسْأَلَ غَداً عَنْ
كُلِّ حَدِيْثٍ رَوَيتُهُ: أَيْش أَرَدْتَ بِهِ؟
قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: كَانَ الثَّوْرِيُّ قَدْ
غَلَبَتْ عَلَيْهِ
__________
(1) في الأصل: " إليك ".
(7/255)
شَهْوَةُ الحَدِيْثِ، مَا أَخَافُ عَلَيْهِ
إِلاَّ مِنْ حُبِّهِ لِلْحَدِيْثِ.
قُلْتُ: حُبُّ ذَاتِ الحَدِيْثِ، وَالعَمَلُ بِهِ للهِ
مَطْلُوْبٌ مِنْ زَادِ المَعَادِ، وَحُبُّ رِوَايَتِهِ
وَعَوَالِيْه وَالتَّكَثُّرِ بِمَعْرِفَتِهِ مَذْمُوْمٌ
مَخُوفٌ، فَهُوَ الَّذِي خَافَ مِنْهُ سُفْيَانُ
وَالقَطَّانُ، وَأَهْلُ المرَاقبَةِ، فَإِنَّ كَثِيْراً
مِنْ ذَلِكَ وَبَالٌ عَلَى المُحَدِّثِ.
وَرَوَى: مُوْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ:
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُوْلُ:
رَأَيتُ الثَّوْرِيَّ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا
وَجَدْتَ أَفْضَلَ؟
قَالَ: الحَدِيْثَ.
وَقَالَ الفِرْيَابِيُّ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا عَملٌ
أَفْضَلُ مِنَ الحَدِيْثِ، إِذَا صحَّتِ النِّيَّةُ
فِيْهِ.
وَقَالَ ضَمْرَةُ: كَانَ سُفْيَانُ رُبَّمَا حَدَّثَ
بِعَسْقَلاَنَ، يَبْتِدِئُهُم يَقُوْلُ: انْفَجَرتِ
العُيُونُ! يَعجَبُ مِنْ نَفْسِهِ.
مُهَنَّا بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
قَالَ صَاحِبٌ لَنَا لِسُفْيَانَ: حَدِّثْنَا كَمَا
سَمِعْتَ.
فَقَالَ: لاَ وَاللهِ، لاَ سَبِيْلَ إِلَيْهِ، مَا هُوَ
إِلاَّ المَعَانِي.
وَقَالَ زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ
يَقُوْلُ: إِنْ قُلْتَ: إِنِّي أُحَدِّثُكُم كَمَا
سَمِعْتُ، فَلاَ تُصَدِّقُوْنِي.
أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ:
كُنَّا نَكونُ عِنْدَ سُفْيَانَ، فَكَأَنَّهُ قَدْ أُوقِفَ
لِلْحِسَابِ، فَلاَ نَجتَرِئُ أَنْ نُكَلِّمَهُ،
فَنُعَرِّضُ بِذِكْرِ الحَدِيْثِ، فَيَذهبُ ذَلِكَ
الخُشُوْعُ، فَإِنَّمَا هُوَ حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا (1) .
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: رَأَيتُ سُفْيَانَ بِصَنْعَاءَ
يُمْلِي عَلَى صَبِيٍّ، وَيَسْتَمْلِي لَهُ.
__________
(1) هو في " الحلية ": 6 / 371، وهو فيه أيضا: 7 / 73،
بلفظ "...فإنما هو: حدثني حدثني ".
(7/256)
وَعَنْ سُفْيَانَ: لَوْ لَمْ يَأْتِنِي
أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، لأَتَيْتُهُم.
سَيَأْتِي بَقِيَّةُ هَذَا الفَصْلِ (1) .
الفِرْيَابِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى المَهْدِيِّ، فَقُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّ
عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنفَقَ فِي حَجَّتِهِ
اثْنَيْ عَشَرَ دِيْنَاراً، وَأَنْتَ فِيْمَا أَنْتَ
فِيْهِ.
فَغَضِبَ، وَقَالَ: تُرِيْدُ أَنْ أَكُوْنَ مِثْلَ هَذَا
الَّذِي أَنْتَ فِيْهِ.
قُلْتُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ مَا أَنَا فِيْهِ، فَفِي
دُوْنِ مَا أَنْتَ فِيْهِ.
فَقَالَ وَزِيْرُهُ: جَاءتْنَا كُتُبُكَ، فَأَنفَذْتُهَا.
فَقُلْتُ: مَا كَتَبتُ إِلَيْكَ شَيْئاً قَطُّ (2) .
الخُرَيْبِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: مَا أَنفَقتُ
دِرْهَماً فِي بِنَاءٍ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: عَنْ سُفْيَانَ:
لَوْ أَنَّ البَهَائِمَ تَعقِلُ مِنَ المَوْتِ مَا
تَعْقِلُوْنَ، مَا أَكَلتُمْ مِنْهَا سَمِيْناً.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ يَمَانٍ: مَا رَأَيتُ مِثْلَ سُفْيَانَ،
أَقْبَلتِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ، فَصَرَفَ وَجْهَهُ
عَنْهَا.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ: كُنْتُ فِي مَسْجِدِ
الخَيْفِ (3) مَعَ سُفْيَانَ، وَالمُنَادِي يُنَادِي: مَنْ
جَاءَ بِسُفْيَانَ، فَلَهُ عَشْرَةُ آلاَفٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ لأَجلِ الطَّلَبِ هَربَ إِلَى اليَمَنِ،
فَسُرِقَ شَيْءٌ، فَاتَّهَمُوا سُفْيَانَ.
قَالَ: فَأَتَوْا بِي مَعْنَ بنَ زَائِدَةَ (4) ، وَكَانَ
قَدْ كُتِبَ إِلَيْهِ فِي طَلَبِي، فَقِيْلَ لَهُ: هَذَا
قَدْ سَرَقَ مِنَّا.
فَقَالَ: لِمَ سَرَقْتَ مَتَاعَهُم؟
قُلْتُ: مَا سَرَقْتُ شَيْئاً.
فَقَالَ لَهُم: تَنَحَّوْا لأُسَائِلَهُ.
ثُمَّ أَقْبَل عَلَيَّ، قَالَ: مَا اسْمُكَ؟
قُلْتُ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
فَقَالَ: نَشَدْتُكَ اللهَ لَمَّا انْتَسَبْتَ.
__________
(1) انظر الصفحة: 274.
(2) رويت هذه الحادثة قريبا في الصفحة: 263، عن الفريابي،
أنها جرت بين سفيان وأبي جعفر.
فانظرها.
(3) الخيف: ما انحدر من غلظ الجبل، وارتفع عن مسيل الماء،
ومنه سمي مسجد الخيف من منى، لأنه في خيف الجبل.
(4) انظر ترجمته في الصفحة: 97.
(7/257)
قُلْتُ: أَنَا سُفْيَانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ
مَسْرُوْقٍ.
قَالَ: الثَّوْرِيُّ؟
قُلْتُ: الثَّوْرِيُّ.
قَالَ: أَنْتَ بُغْيَةُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.
قُلْتُ: أَجَلْ.
فَأَطْرَقَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَأَقِمْ،
وَمتَى شِئْتَ، فَارْحَلْ، فَوَاللهِ لَوْ كُنْتَ تَحْتَ
قَدَمِي مَا رَفَعتُهَا.
قَرَأْتُهَا عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ، أَنْبَأَنَا
ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو
نُعَيْمٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، سَمِعْتُ
صَالِحَ بنَ مُعَاذٍ البَصْرِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ...،
فَذَكَرَهَا.
وَكِيْعٌ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ:
مَا عَالَجْتُ شَيْئاً أَشدَّ عَلَيَّ مِنْ نَفْسِي،
مَرَّةً عَلَيَّ، وَمَرَّةً لِي.
الخُرَيْبِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ : {سَنَسْتَدْرِجُهُم }
[الأَعْرَافُ: 182]، وَ[القَلَمُ: 44]، قَالَ: نُسْبِغُ
عَلَيْهِم النِّعَمَ، وَنَمْنَعُهُمُ الشُّكْرَ.
أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ:
البُكَاءُ عَشْرَةٌ أَجزَاءٍ: جُزْءٌ للهِ، وَتِسْعَةٌ
لِغَيْرِ اللهِ، فَإِذَا جَاءَ الَّذِي للهِ فِي العَامِ
مَرَّةً، فَهُوَ كَثِيْرٌ.
قَالَ خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ:
مَنْ أَحَبَّ أَفْخَاذَ النِّسَاءِ، لَمْ يُفْلِحْ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَه: سَمِعْتُ ابْنَ
مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: بَاتَ سُفْيَانُ عِنْدِي، فَجَعَلَ
يَبْكِي.
فَقِيْلَ لَهُ، فَقَالَ: لَذُنُوبِي عِنْدِي أَهْوَنُ مِنْ
ذَا.
وَرَفَعَ شَيْئاً مِنَ الأَرْضِ، إِنِّيْ أَخَافُ أَنْ
أُسْلَبَ الإِيْمَانَ قَبْلَ أَنْ أَمُوْتَ.
وَعَنْ سُفْيَانَ: السَّلاَمَةُ فِي أَنْ لاَ تُحبَّ أَنْ
تُعْرَفَ.
وَرَوَى: رُسْتَه، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ:
قَدِمَ سُفْيَانُ البَصْرَةَ، وَالسُّلْطَانُ
(7/258)
يَطْلُبُهُ، فَصَارَ إِلَى بُسْتَانٍ،
فَأَجَّرَ نَفْسَهُ لِحِفْظِ ثِمَارِهِ (1) ، فَمَرَّ بِهِ
بَعْضُ العَشَّارِيْنَ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَا شَيْخُ؟
قَالَ: مَنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ.
قَالَ: أَرُطَبُ البَصْرَةِ أَحْلَى، أَمْ رُطَبُ
الكُوْفَةِ؟
قَالَ: لَمْ أَذُقْ رُطَبَ البَصْرَةِ.
قَالَ: مَا أَكْذَبَكَ! البَرُّ وَالفَاجِرُ وَالكِلاَبُ
يَأْكُلُوْنَ الرُّطَبَ السَّاعَةَ.
وَرَجَعَ إِلَى العَامِلِ، فَأَخْبَرَهُ لِيُعجِبَهُ،
فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! أَدْرِكْهُ، فَإِنْ كُنْتَ
صَادِقاً، فَإِنَّهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَخُذْهُ
لِنَتَقَرَّبَ بِهِ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ،
فَرَجَعَ فِي طَلَبِهِ، فَمَا قَدَرَ عَلَيْهِ.
قَالَ شُجَاعُ بنُ الوَلِيْدِ: كُنْتُ أَحجُّ مَعَ
سُفْيَانَ، فَمَا يَكَادُ لِسَانُهُ يَفتُرُ مِنَ الأَمْرِ
بِالمَعْرُوْفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، ذَاهِباً
وَرَاجِعاً.
وَعَنْ سُفْيَانَ: أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى خُرَاسَانَ فِي
حَقٍّ لَهُ، فَأَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْ جَمَّالِيْنَ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَعْيَنَ: كُنْتُ مَعَ
سُفْيَانَ وَالأَوْزَاعِيِّ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا عَبْدُ
الصَّمَدِ بنُ عَلِيٍّ - وَهُوَ أَمِيْرُ مَكَّةَ -
وَسُفْيَانُ يَتوَضَّأ، وَأَنَا أَصُبُّ عَلَيْهِ،
كَأَنَّهُ بَطَّأَهُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: لاَ تَنْظُرُوا
إِلَيَّ، أَنَا مُبْتَلَىً (2) .
فَجَاءَ عَبْد الصَّمَدِ، فَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ
سُفْيَان: مَنْ أَنْتَ؟
فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ.
فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ اتَّقِ اللهَ، اتَّقِ اللهَ،
وَإِذَا كَبَّرْتَ فَأَسْمِعْ.
قَالَ يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ:
إِنِّيْ لأَرَى المُنْكَرَ، فَلاَ أَتكلَّمُ، فَأَبُولُ
أَكدمَ دَماً.
قُلْتُ: مَعَ جَلاَلَةِ سُفْيَانَ، كَانَ يُبِيْحُ
النَّبِيذَ الَّذِي كَثِيْرُهُ مُسكِرٌ (3).
__________
(1) وممن عمل بنطارة البساتين الزاهد إبراهيم بن أدهم.
انظر الصفحة: 392. والقصة المشابهة لهذه في الصفحة: 396.
(2) أي موسوس في الوضوء.
(3) انظر الصفحة: 241، 275.
(7/259)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ
كِتَابَةً، عَنِ اللَّبَّانِ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ،
أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
جَعْفَرِ بنِ سَلَمٍ، حَدَّثَنَا الأَبَّارُ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُوْنِيُّ، سَمِعْتُ يَعْلَى بنَ
عُبَيْدٍ يَقُوْلُ:
قَالَ سُفْيَانُ: إِنِّيْ لآتِي الدَّعْوَةَ، مَا
أَشْتَهِي النَّبِيذَ، فَأَشْرَبُهُ لَكِي يَرَانِي
النَّاسُ.
المُحَارِبِيُّ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ
لِلْغُلاَمِ إِذَا رَآهُ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ:
احْتلَمْتَ؟
فَإِنْ قَالَ: لاَ، قَالَ: تَأَخَّرْ.
يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ:
لَيْسَ شَيْءٌ أَقطَعَ لِظِهْرِ إِبْلِيسَ مِنْ قَوْلِ:
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ.
عَنْ سُفْيَانَ: وَسُئِلَ مَا الزُّهدُ؟
قَالَ: سُقُوطُ المَنْزِلَةِ.
وَعَنْهُ، قَالَ: إِنِّيْ لأَلْقَى الرَّجُلَ أُبْغِضُهُ،
فَيَقُوْلُ: كَيْفَ أَصْبَحتَ؟ فَيَلِيْنُ لَهُ قَلْبِي،
فَكَيْفَ بِمَنْ آكُلُ طَعَامَهُم؟
وَكِيْعٌ: عَنْ سُفْيَانَ: لَوْ أَنَّ اليَقِيْنَ ثَبتَ
فِي القَلْبِ، لَطَارَ فَرَحاً أَوْ حُزْناً أَوْ شَوْقاً
إِلَى الجَنَّةِ، أَوْ خَوْفاً مِنَ النَّارِ.
قَالَ قُتَيْبَةُ: لَوْلاَ سُفْيَانُ، لَمَاتَ الوَرَعُ.
ابْنُ المُبَارَكِ: قَالَ لِي سُفْيَانُ: إِيَّاكَ
وَالشُّهْرَةَ، فَمَا أَتَيْتُ أَحَداً إِلاَّ وَقَدْ
نَهَى عَنِ الشُّهرَةِ.
وَعَنِ الفِرْيَابِيِّ، قَالَ: أَتَى سُفْيَانُ بَيْتَ
المَقْدِسِ، فَأَقَامَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَرَابَطَ
بِعَسْقَلاَنَ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً، وَصَحِبتُهُ إِلَى
مَكَّةَ.
أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: مَا
رَأَيتُ لِلإِنْسَانِ خَيْراً مِنْ أَنْ يَدْخُلَ جُحْراً.
قَالَ عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ: قَالَ لِي الثَّوْرِيُّ:
إِذَا كُنْتَ بِالشَّامِ، فَاذْكُرْ مَنَاقِبَ عَلِيٍّ،
وَإِذَا كُنْتَ بِالكُوْفَةِ، فَاذْكُرْ مَنَاقِبَ أَبِي
بَكْرٍ وَعُمَرَ.
(7/260)
وَعَنْهُ: مَنْ أَصْغَى بِسَمْعِهِ إِلَى
صَاحِبِ بِدْعَةٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ، خَرَجَ مِنْ عِصمَةِ
اللهِ، وَوُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ.
وَعَنْهُ: مَنْ سَمِعَ بِبِدْعَةٍ، فَلاَ يَحْكِهَا
لِجُلَسَائِهِ، لاَ يُلقِهَا فِي قُلُوْبِهِم.
قُلْتُ: أَكْثَرُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ عَلَى هَذَا
التَّحذِيرِ، يَرَوْنَ أَنَّ القُلُوْبَ ضَعِيْفَةٌ،
وَالشُّبَهُ خَطَّافَةٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ: إِذَا
رَأَيتَ عِرَاقِيّاً، فَتعوَّذْ مِنْ شَرِّهِ، وَإِذَا
رَأَيتَ سُفْيَانَ، فَسَلِ اللهَ الجَنَّةَ.
وَعَنِ الأَصْمَعِيِّ: أَنَّ الثَّوْرِيَّ أَوْصَى أَنْ
تُدْفَنَ كُتُبُهُ، وَكَانَ نَدِمَ عَلَى أَشْيَاءَ
كَتَبَهَا عَنْ قَوْمٍ.
عَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيْقٍ: حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ
جَمِيْلٍ، عَنْ مُفَضَّلِ بنِ مُهَلْهِلٍ، قَالَ:
حَجَجْتُ مَعَ سُفْيَانَ، فَوَافَيْنَا بِمَكَّةَ
الأَوْزَاعِيَّ، فَاجْتَمَعْنَا فِي دَارٍ، وَكَانَ عَلَى
المَوْسِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَلِيٍّ، فَدَقَّ دَاقٌّ
البَابَ.
قُلْنَا: مَنْ ذَا؟
قَالَ: الأَمِيْرُ.
فَقَامَ الثَّوْرِيُّ، فَدَخَلَ المَخْرَجَ، وَقَامَ
الأَوْزَاعِيُّ، فَتَلَّقَاهُ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ
أَيُّهَا الشَّيْخُ؟
قَالَ: أَنَا الأَوْزَاعِيُّ.
قَالَ: حَيَّاكَ اللهُ بِالسَّلاَمِ، أَمَا إِنَّ كُتُبَكَ
كَانَتْ تَأْتِيْنَا، فَنَقضِيَ حَوَائِجَك، مَا فَعَلَ
سُفْيَانُ؟
قَالَ: فَقُلْتُ: دَخَلَ المَخْرَجَ.
قَالَ: فَدَخَلَ الأَوْزَاعِيُّ فِي إِثْرِهِ، فَقَالَ:
إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مَا قَصَدَ إِلاَّ قَصْدَكَ.
فَخَرَجَ سُفْيَانُ مُقَطِّباً، فَقَالَ: سَلاَمٌ
عَلَيْكُم، كَيْفَ أَنْتُم؟
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ: أَتَيْتُ أَكْتُبُ عَنْكَ
هَذِهِ المَنَاسِكَ.
قَالَ: أَوَّلاً أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ أَنفعُ لَكَ
مِنْهَا.
قَالَ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: تَدَعُ مَا أَنْتَ فِيْهِ.
قَالَ: وَكَيْفَ أَصْنَعُ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ؟
قَالَ: إِنْ أَرَدْتَ كَفَاكَ اللهُ أَبَا جَعْفَرٍ.
فَقَالَ لَهُ الأَوْزَاعِيُّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ!
إِنَّ هَؤُلاَءِ لَيْسَ يَرضُوْنَ مِنْكَ إِلاَّ
بِالإِعْظَامِ لَهُم.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو! إِنَّا لَسْنَا نَقْدِرُ أَنْ
نَضْرِبَهُم، وَإِنَّمَا نُؤَدِّبُهُم بِمِثْلِ هَذَا
الَّذِي تَرَى.
قَالَ مُفَضَّلٌ: فَالتَفَتَ إِلَيَّ الأَوْزَاعِيُّ،
(7/261)
فَقَالَ لِي: قُمْ بِنَا مِنْ هَا هُنَا،
فَإِنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَبْعَثَ هَذَا مَنْ يَضَعُ فِي
رِقَابِنَا حِبَالاً، وَإِنَّ هَذَا مَا يُبَالِي (1) .
يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: مَا
رَأَيتُ الزُّهدَ فِي شَيْءٍ أَقلَّ مِنْهُ فِي
الرِّئَاسَةِ، تَرَى الرَّجُلَ يَزْهَدُ فِي المَطْعَمِ
وَالمَشْرَبِ وَالمَالِ وَالثِّيَابِ، فَإِنْ نُوزِعَ
الرِّئَاسَةَ حَامَى عَلَيْهَا، وَعَادَى (2) .
عَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيْقٍ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ
جَنَّادٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ، قَالَ:
لَمَّا اسْتُخْلِفَ المَهْدِيُّ، بَعَثَ إِلَى سُفْيَانَ،
فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، خَلَعَ خَاتَمَهُ، فَرمَى بِهِ
إِلَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! هَذَا
خَاتَمِي، فَاعمَلْ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ بِالكِتَابِ
وَالسُّنَّةِ.
فَأَخَذَ الخَاتَمَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: تَأْذَنُ فِي
الكَلاَمِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ!
قُلْتُ لِعَطَاءٍ: قَالَ لَهُ: يَا أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: أَتَكَلَّمُ عَلَى أَنِّي آمِنٌ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: لاَ تَبعثْ إِلَيَّ حَتَّى آتِيَكَ، وَلاَ
تُعْطِنِي حَتَّى أَسْأَلَكَ.
قَالَ: فَغَضِبَ، وَهَمَّ بِهِ، فَقَالَ لَهُ كَاتِبُهُ:
أَلَيْسَ قَدْ آمَنْتَهُ؟
قَالَ: بَلَى.
فَلَمَّا خَرَجَ، حَفَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: مَا
مَنَعَكَ وَقَدْ أَمَرَكَ أَنْ تَعْمَلَ فِي الأُمَّةِ
بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
فَاسْتَصْغَرَ عُقُوْلَهُم، وَخَرَجَ هَارباً إِلَى
البَصْرَةِ.
وَعَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: لَيْسَ أَخَافُ إِهَانَتَهُم،
إِنَّمَا أَخَافُ كَرَامَتَهُم، فَلاَ أَرَى سَيِّئَتَهُم
سَيِّئَةً (3) ، لَمْ أَرَ لِلسُّلْطَانِ مِثْلاً، إِلاَّ
مِثْلاً ضُرِبَ عَلَى لِسَانِ الثَّعْلَبِ.
قَالَ: عَرَفْتُ لِلْكَلْبِ نَيِّفاً وَسَبْعِيْنَ
دُستَاناً (4) ، لَيْسَ مِنْهَا دُستَانٌ خَيْراً مِنْ
أَنْ لاَ أَرَى الكَلْبَ، وَلاَ يَرَانِي.
مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ: سَمِعْتُ
سُفْيَانَ يَقُوْلُ: أُدْخِلْتُ عَلَى أَبِي
__________
(1) الخبر في " الحلية ": 7 / 39، والزيادات منه.
(2) الخبر في " الحلية ": 7 / 39، والزيادة منه.
(3) انظر رواية أخرى للخبر في " الحلية ": 7 / 42، و: 44.
(4) الدستان: كلمة فارسية، معناها: المكر والحيلة.
(7/262)
جَعْفَرٍ بِمِنَىً، فَقُلْتُ لَهُ: اتَّقِ
اللهَ، فَإِنَّمَا أُنْزِلْتَ فِي هَذِهِ المَنْزِلَةِ،
وَصِرتَ فِي هَذَا المَوْضِعِ، بِسُيُوْفِ المُهَاجِرِيْنَ
وَالأَنْصَارِ، وَأَبْنَاؤُهُم يَمُوْتُوْنَ جُوعاً، حَجَّ
عُمَرُ، فَمَا أَنفَقَ إِلاَّ خَمْسَةَ عَشَرَ دِيْنَاراً،
وَكَانَ يَنْزِلُ تَحْتَ الشَّجرِ.
فَقَالَ: أَتُرِيْدُ أَنْ أَكُوْنَ مِثْلَكَ؟
قُلْتُ: لاَ، وَلَكِنْ دُوْنَ مَا أَنْتَ فِيْهِ، وَفَوْقَ
مَا أَنَا فِيْهِ.
قَالَ: اخْرُجْ (1) .
قَالَ عِصَامُ بنُ يَزِيْدَ: لَمَّا أَرَادَ سُفْيَانُ
أَنْ يُوَجِّهَنِي إِلَى المَهْدِيِّ، قُلْتُ لَهُ:
إِنِّيْ غُلاَمٌ جَبَلِيٌّ، لَعَلِّي أَسقُطُ بِشَيْءٍ،
فَأَفضَحُكَ.
قَالَ: يَا نَاعِسُ! تَرَى هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ (2)
يَجِيْئُوْنِي، لَوْ قُلْتُ لأَحَدِهِم، لَظَنَّ أَنِّي
قَدْ أَسدَيتُ إِلَيْهِ مَعْرُوْفاً، وَلَكِنْ قَدْ
رَضِيْتُ بِكَ، قُلْ مَا تَعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ
تَعْلَمُ.
قَالَ: فَلَمَّا رَجَعتُ، قُلْتُ: لأَيِّ شَيْءٍ تَهرُبُ
مِنْهُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: لَوْ جَاءَ، لَخَرَجْتُ مَعَهُ
إِلَى السُّوْقِ، فَأَمَرْنَا وَنَهَيْنَا؟
فَقَالَ: يَا نَاعِسُ! حَتَّى يَعْمَلَ بِمَا يَعْلَمُ،
فَإِذَا فَعَلَ لَمْ يَسعْنَا إِلاَّ أَنْ نَذهَبَ،
فَنُعَلِّمَهُ مَا لاَ يَعْلَمُ.
قَالَ عِصَامٌ: فَكَتَبَ مَعِي سُفْيَانُ إِلَى
المَهْدِيِّ، وَإِلَى وَزِيْرِه أَبِي عُبَيْدِ اللهِ.
قَالَ: وَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ، فَجَرَى كَلاَمِي، فَقَالَ:
لَوْ جَاءنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، لَوَضَعْنَا أَيْدِيَنَا
فِي يَدِهِ، وَارْتَدَيْنَا بُرْداً، وَاتَّزَرْنَا
بِآخَرَ، وَخَرَجنَا إِلَى السُّوْقِ، وَأَمَرْنَا
بِالمَعْرُوْفِ، وَنَهَيْنَا عَنِ المُنْكرِ، فَإِذَا
تَوَارَى عَنَّا مِثْلُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، لقَدْ جَاءنِي
قُرَّاؤُكُمُ الَّذِيْنَ هُم قُرَّاؤُكُم، فَأَمَرُوْنِي،
وَنَهَوْنِي، وَوَعَظُوْنِي، وَبَكَوْا -وَاللهِ- لِي،
وَتَباكَيتُ لَهُم، ثُمَّ لَمْ يَفجَأْنِي مِنْ أَحَدِهِم
إِلاَّ أَنْ أَخْرَجَ مِنْ كُمِّهِ رُقْعَةً: أَنِ افعَلْ
بِي كَذَا، وَافعَلْ بِي كَذَا، فَفَعَلتُ وَمَقَتُّهُم.
قَالَ: وَإِنَّمَا كَتَبَ إِلَيْهِ، لأَنَّهُ طَالَ
مَهْرَبُهُ، أَنْ يُعْطِيَهُ الأَمَانَ، فَأَتَيْتُهُ (3)
، فَقَدِمْتُ
__________
(1) روى الفريابي هذه الحادثة، على أن سفيان قد قالها
للمهدي.
انظر الصفحة: 257.
وانظر خبر الصفحة: 274.
(2) في الأصل: " الذي " وما أثبتناه عن " الحلية ".
(3) في " الحلية ": " فأمنه ".
(7/263)
عَلَيْهِ البَصْرَةَ بِالأَمَانِ (1) ،
ثُمَّ مَرِضَ وَمَاتَ.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ
عَلِيٍّ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ:
أَملَى عَلَيَّ سُفْيَانُ كِتَابَهُ إِلَى المَهْدِيِّ،
فَقَالَ: اكْتُبْ مِنْ سُفْيَانَ بنِ سَعِيْدٍ، إِلَى
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ.
فَقُلْتُ: إِذَا كَتَبتَ هَذَا، لَمْ يَقرَأْهُ.
قَالَ: اكْتُبْ كَمَا تُرِيْدُ.
فَكَتَبتُ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ، فَإِنِّي أَحْمَدُ
إِلَيْكَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، تَبَارَكَ
وَتَعَالَى، وَهُوَ لِلْحَمْدِ أَهْلٌ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيْرٍ.
فَقُلْتُ: مَنْ كَانَ يَكْتُبُ هَذَا الصَّدْرَ؟
قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُوْرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ:
أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُهُ.
وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ الفَرَّاءِ، قَالَ: كَتبَ سُفْيَانُ
إِلَى المَهْدِيِّ مَعَ عِصَامِ جَبْرٍ (2) :
طَرَدْتَنِي، وَشَرَّدْتَنِي، وَخَوَّفْتَنِي، وَاللهُ
بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَأَرْجُو أَنْ يَخِيْرَ اللهُ لِي
قَبْلَ مَرْجُوْعِ الكِتَابِ.
فَرَجَعَ الكِتَابُ وَقَدْ مَاتَ.
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ
خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ،
أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو
نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ
بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ شَاذَانَ
النَّيْسَابُوْرِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ
مَسْعُوْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: أُدْخِلْتُ عَلَى
المَهْدِيِّ بِمِنَىً، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ بِالإِمْرَةِ.
فَقَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ! طَلَبْنَاكَ،
فَأَعجَزْتَنَا، فَالحَمْدُ للهِ الَّذِي جَاءَ بِكَ،
فَارْفعْ إِلَيْنَا حَاجَتَكَ.
فَقُلْتُ: قَدْ مَلأتَ الأَرْضَ ظُلْماً وَجَوْراً،
فَاتَّقِ اللهَ، وَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ عِبرَةً (3)
.
فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَرَأَيتَ إِنْ لَمْ
أَسْتطِعْ دَفْعَهُ؟ قَالَ: تُخَلِّيهِ
__________
(1) في " الحلية " 7 / 43، 44: زيادة وهي " ثم قال: اخرج
إلى أهلك فقد طالت غيبتك فألم بهم، ثم الحق بي بالكوفة
فإني منتظرك حتى تجئ ".
(2) في " الحلية ": 7 / 45، بدلا من قوله " عصام جبر ":
"...مع جبر " دون كلمة عصام.
(3) في الأصل " غيرا " وما أثبتناه من " الحلية ": 7 / 45.
(7/264)
وَغَيْرَكَ.
فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: ارْفَعْ إِلَيْنَا
حَاجَتَكَ.
قُلْتُ: أَبْنَاءُ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ وَمَنْ
تَبِعَهُم بِإِحسَانٍ بِالبَابِ، فَاتَّقِ اللهَ،
وَأَوْصِلْ إِلَيْهِم حُقُوقَهُم.
فَطَأطَأَ رَأْسَه، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ:
أَيُّهَا الرَّجُلُ! ارْفَعْ إِلَيْنَا حَاجَتَكَ.
قُلْتُ: وَمَا أَرْفَعُ؟ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ
أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: حَجَّ عُمَرُ، فَقَالَ لِخَازنِهِ:
كَمْ أَنفَقْتَ؟
قَالَ: بَضْعَةَ عَشَرَ دِرْهَماً (1) ، وَإِنِّيْ أَرَى
هَا هُنَا أُمُوْراً لاَ تُطِيْقُهَا الجِبَالُ (2) .
وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بنُ
مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي:
لَقِيَنِي الثَّوْرِيُّ بِمَكَّةَ (3) ، فَأَخذَ بِيَدِي،
وَسَلَّم عَلَيَّ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى مَنْزِلِهِ،
فَإِذَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَاعِدٌ عَلَى بَابِهِ
يَنْتَظِرُهُ، وَكَانَ وَالِيَ مَكَّةَ، فَلَمَّا رَآهُ،
قَالَ: مَا أَعْلَمُ فِي المُسْلِمِيْنَ أَحَداً أَغَشَّ
لَهُم مِنْكَ.
فَقَالَ سُفْيَانُ: كُنْتُ فِيْمَا هُوَ أَوجبُ عَلَيَّ
مِنْ إِتْيَانِكَ، إِنَّهُ كَانَ يَتَهَيَّأُ لِلصَّلاَةِ،
فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ أَنَّهُ قَدْ جَاءهُ
قَوْمٌ، فَأَخبَرُوْهُ أَنَّهُم قَدْ رَأَوُا الهِلاَلَ،
هِلاَلَ ذِي الحِجَّةِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ
يَصعَدُ الجِبَالَ، ثُمَّ يُؤْذِنُ النَّاسَ بِذَلِكَ،
وَيَدُهُ فِي يَدِي، وَتَرَكَ عَبْدَ الصَّمَدِ قَاعِداً
عَلَى البَابِ، فَأَخَرَجَ إِلَيَّ سُفرَةً فِيْهَا
فَضْلَةٌ مِنْ طَعَامٍ: خُبْزٍ مُكَسَّرٍ وَجُبنٍ،
فَأَكَلنَا.
قَالَ: فَأَخَذَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى
المَهْدِيِّ وَهُوَ بِمِنَىً، فَلَمَّا رَآهُ صَاحَ
بِأَعْلَى صَوْتِهِ: مَا هَذِهِ الفَسَاطِيْطُ، مَا هَذِهِ
السُّرَادِقَاتُ (4)؟
__________
(1) في " الحلية ": 7 / 45: "...دينارا "، بدلا من: "
درهما ".
(2) انظر الصفحتين: 257، 263.
(3) في " الحلية ": 7 / 48: "...بين الصفا والمروة ".
(4) تتمة الخبر في " الحلية ": 7 / 49: " حج عمر بن الخطاب
فسأل: كمن أنفقنا في حجتنا هذه ؟ فقيل: كذا وكذا دينارا،
ذكر شيئا يسيرا، زاد سعد: لقد أسرفنا ". وقد مر في الترجمة
غير رواية لهذا الخبر.
والفساطيط: بيوت تتخذ من شعر، أو ضرب من الابنية تتخذ في
السفر، دون السرادق. والسرادق: كل ما أحاط بشيء من حائط أو
مضرب أو خباء.
(7/265)
قَالَ عَطَاءٌ الخَفَّافُ: مَا لَقِيْتُ
سُفْيَانَ إِلاَّ بَاكِياً، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟
قَالَ: أَتَخوَّفُ أَنْ أَكُوْنَ فِي أُمِّ الكِتَابِ
شَقِيّاً.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: جَرَّ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ
سُفْيَانَ إِلَى الفَضَاءِ، فَتَحَامَقَ عَلَيْهِ،
لِيُخَلِّصَ نَفْسَهُ مِنْهُ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ
يَتحَامَقُ، أَرْسَلَه، وَهَرَبَ هُوَ...، وَذَكَرَ
الحِكَايَةَ.
رَوَاهَا: مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ الوَلِيْدِ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ أَخِي رُسْتَه، عَنْهُ.
ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: لَيْسَ
بِفَقِيْهٍ مَنْ لَمْ يَعُدَّ البَلاَءَ نِعْمَةً،
وَالرَّخَاءَ مُصِيْبَةً.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: رَأَيتُ الثَّوْرِيَّ فِي الحَرَمِ
بَعْدَ المَغْرِبِ صَلَّى، ثُمَّ سَجَدَ سَجدَةً، فَلَمْ
يَرْفَعْ حَتَّى نُودِيَ بِالعشَاءِ.
وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا
الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ، قَالَ:
أَتَيْتُ أَبَا مَنْصُوْرٍ أَعُودُهُ، فَقَالَ لِي: بَاتَ
سُفْيَانُ فِي هَذَا البَيْتِ، وَكَانَ هُنَا بُلْبُلٌ
لابْنِي، فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا مَحْبُوساً، لَوْ
خُلِّيَ عَنْهُ.
قُلْتُ: هُوَ لابْنِي، وَهُوَ يَهَبُهُ لَكَ.
قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ أُعْطِيْهِ دِيْنَاراً.
قَالَ: فَأَخَذَهُ، فَخَلَّى عَنْهُ، فَكَانَ يَذْهَبُ
وَيَرْعَى، فَيَجِيْءُ بِالعَشِيِّ، فَيَكُوْنُ فِي
نَاحِيَةِ البَيْتِ، فَلَمَّا مَاتَ سُفْيَانُ، تَبِعَ
جِنَازَتَه، فَكَانَ يَضطَرِبُ عَلَى قَبْرِهِ، ثُمَّ
اخْتَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ لَيَالِيَ إِلَى قَبْرِهِ،
فَكَانَ رُبَّمَا بَاتَ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا رَجَعَ إِلَى
البَيْتِ، ثُمَّ وَجَدُوْهُ مَيْتاً عِنْدَ قَبْرِهِ،
فَدُفِنَ عِنْدَهُ.
أَبُو مَنْصُوْرٍ - هُوَ بُسْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ
السَّلِيْمِيُّ -: كَانَ سُفْيَانُ مُختَفِياً عِنْدَهُ
بِالبَصْرَةِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْ دَارِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ.
قَالَهُ: الطَّبَرَانِيُّ.
وَفِي غَيْرِ حِكَايَةٍ: أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَقْبَلُ
هَدِيَّةَ بَعْضِ النَّاسِ، وَيُثِيبُ عَلَيْهَا (1).
__________
(1) يفعل ذلك تأسيا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
فقد أخرج البخاري: 5 / 154، في الهبة: باب
المكافأة في الهبة، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقبل الهدية ويثيب
عليها ".
(7/266)
وَعَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَا كُنْتُ
أَقدِرُ أَنْ أَنظُرَ إِلَى سُفْيَانَ، اسْتِحْيَاءً
وَهَيْبَةً مِنْهُ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحُنَيْنِيُّ: قَالَ
لَنَا الثَّوْرِيُّ - وَسُئِلَ - قَالَ:
لَهَا عِنْدِي أَوَّلُ نَوْمَةٍ تَنَامُ مَا شَاءتْ، لاَ
أَمنَعُهَا، فَإِذَا اسْتَيْقَظَتْ، فَلاَ أُقِيْلُهَا
وَاللهِ (1).
الحُسَيْنُ بنُ عَوْنٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ
يَقُوْلُ:
مَا رَأَيتُ رَجُلاً أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَانَ، لَوْلاَ
الحَدِيْثُ كَانَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الظُّهرِ
وَالعَصْرِ، وَبَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ، فَإِذَا
سَمِعَ مُذَاكَرَةَ الحَدِيْثِ، تَرَكَ الصَّلاَةَ
وَجَاءَ.
وَقَالَ خَلَفُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ:
إِذَا أَخَذتَ فِي الحَدِيْثِ، نَشطتَ وَأَنْكَرتُكَ،
وَإِذَا كُنْتَ فِي غَيْرِ الحَدِيْثِ كَأَنَّكَ مَيِّتٌ!
فَقَالَ: أَمَا عَلِمتَ أَنَّ الكَلاَمَ فِتْنَةٌ؟
قَالَ مِهْرَانُ الرَّازِيُّ: رَأَيتُ الثَّوْرِيُّ إِذَا
خَلَعَ ثِيَابَهُ طَوَاهَا، وَقَالَ: إِذَا طُوِيَتْ،
رَجَعَتْ إِلَيْهَا نَفْسُهَا.
وَقِيْلَ: الْتَقَى سُفْيَانُ وَالفُضَيْلُ (2) ،
فَتَذَاكرَا، فَبَكَيَا، فَقَالَ سُفْيَانُ:
إِنِّيْ لأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ مَجْلِسُنَا هَذَا
أَعْظَمَ مَجْلِسٍ جَلَسْنَاهُ بَركَةً.
فَقَالَ لَهُ فُضَيْلٌ: لَكِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ
أَعْظَمَ مَجْلِسٍ جَلَسْنَاهُ شُؤْماً، أَلَيْسَ نَظَرتَ
إِلَى أَحْسَنِ مَا عِنْدَكَ، فَتَزَيَّنْتَ بِهِ لِي،
وَتزَيَّنتُ لَكَ، فَعَبَدْتَنِي وَعَبَدْتُك؟
فَبَكَى سُفْيَانُ حَتَّى علاَ نَحِيبُهُ، ثُمَّ قَالَ:
أَحْيَيْتَنِي، أَحْيَاكَ اللهُ (3) .
أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الحَارِثِيَّ يَقُوْلُ:
دَفَنَ سُفْيَانُ كُتُبَهُ، فَكُنْتُ أُعِيْنُهُ عَلَيْهَا
(4) .
فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! وَفِي الرِّكَازِ (5)
الخُمْسِ.
__________
(1) ذكر الخبر في " الحلية " 7 / 60 مفصلا.
(2) هو ابن عياض.
(3) الخبر في " الحلية " 7 / 64، والزيادة منه.
(4) في " الحلية " زيادة: " فدفن منها كذا وكذا قمطرة إلى
صدري ".
(5) الركاز: هو المال المدفون في الجاهلية، وهذه الجملة
مقتبسة من حديث أخرجه مالك =
(7/267)
فَقَالَ: خُذْ مَا شِئْتَ، فَعزلْتُ
مِنْهَا شَيْئاً كَانَ يُحَدِّثُنِي مِنْهُ (1) .
عَنْ يَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ سُفْيَانُ:
لَوْ كَانَ مَعَكُم مَنْ يَرْفَعُ حَدِيْثَكم إِلَى
السُّلْطَانِ، أَكُنْتُم تَتَكَلَّمُوْنَ بِشَيْءٍ؟
قُلْنَا: لاَ.
قَالَ: فَإِنَّ مَعَكُم مَنْ يَرْفَعُ الحَدِيْثَ.
وَعَنْ سُفْيَانَ: الزُّهدُ فِي الدُّنْيَا، هُوَ الزُّهدُ
فِي النَّاسِ، وَأَوَّلُ ذَلِكَ زُهْدُك فِي نَفْسِكَ (2)
.
عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ أَبِي خِدَاشٍ:
حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، سَمِعْتُ
الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ:
خَرَجْتُ حَاجّاً أَنَا وَشَيْبَانُ الرَّاعِي مُشَاةً،
فَلَمَّا صِرنَا بِبَعْضِ الطَّرِيْقِ، إِذَا نَحْنُ
بِأَسَدٍ قَدْ عَارَضَنَا، فَصَاحَ بِهِ شَيْبَانُ،
فَبَصْبَصَ (3) ، وَضربَ بِذَنْبِه مِثْلَ الكَلْبِ،
فَأَخَذَ شَيْبَانُ بِأُذُنِهِ، فَعَرَكَهَا، فَقُلْتُ:
مَا هَذِهِ الشُّهرَةُ لِي؟
قَالَ: وَأَيَّ شُهْرَةٍ تَرَى يَا ثَوْرِيُّ؟ لَوْلاَ
كَرَاهِيَةُ الشُّهرَةِ، مَا حَملتُ زَادِي إِلَى مَكَّةَ
إِلاَّ عَلَى ظَهْرِهِ (4) .
الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ
بنَ عُبَيْدٍ: أَكَانَ لِسُفْيَانَ امْرَأَةٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، رَأَيتُ ابْناً لَهُ، بَعثَتْ بِهِ أُمُّهُ
إِلَيْهِ، فَجَاءَ، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ
سُفْيَانُ: لَيْتَ أَنِّي دُعِيتُ لِجنَازَتِكَ.
قُلْتُ لِمُحَمَّدٍ: فَمَا لَبِثَ حَتَّى دَفَنَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
وَعَنْ سُفْيَانَ: مَنْ سُرَّ بِالدُّنْيَا، نُزِعَ خَوْفُ
الآخِرَةِ مِنْ قَلْبِهِ.
__________
= في " الموطأ ": 2 / 868 - 869، والبخاري: 3 / 289،
ومسلم: (1710)، عن ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب
وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - قال: " جرح العجماء جبار، والبئر
جبار، والمعدن جبار، في الركاز الخمس ".
(1) للخبر رواية أخرى في " تاريخ بغداد ": 9 / 161.
(2) انظره في " الحلية ": 7 / 69.
(3) البصبصة: تحريك ذنبه طمعا أو خوفا.
(4) الخبر في " الحلية ": 7 / 68 - 69.
(7/268)
وَعَنْهُ : {وَمُلْكاً كَبِيْراً }
[الإِنْسَانُ: 20]، قَالَ: اسْتِئْذَانُ المَلاَئِكَةِ
عَلَيْهِم.
الفِرْيَابِيُّ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ، وَسُفْيَانَ
يَقُوْلاَنِ:
لَمَّا أُلقِيَ دَانِيَالُ فِي الجُبِّ مَعَ السِّبَاعِ،
قَالَ: إِلَهِي بِالعَارِ وَالخِزْيِ الَّذِي أَصَبْنَا،
سَلَّطْتَ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَعْرِفُكَ.
وَقَالَ الخُرَيْبِيُّ: جلَسْتُ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ
أَدْهَمَ (1) ، فَكَأَنَّهُ عَابَ عَلَى سُفْيَانَ تَرْكَ
الغَزْوِ، وَقَالَ: هَذَا الأَوْزَاعِيُّ يَغْزُو، وَهُوَ
أَسنُّ مِنْهُ.
فَقُلْتُ لِبَهِيْمٍ: مَا كَانَ يَعْنِي سُفْيَانُ فِي
تَرْكِ الغَزْوِ؟
قَالَ: كَانَ يَقُوْلُ: إِنَّهُم يُضَيِّعُوْنَ
الفَرَائِضَ.
قَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: كُنَّا نَتعَزَّى عَنِ
الدُّنْيَا بِمَجْلِسِ سُفْيَانَ.
خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ:
وَجَدْتُ قَلْبِي يَصْلُحُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِيْنَةَ،
مَعَ قَوْمٍ غُربَاءَ، أَصْحَابِ صُوْفٍ وَعِبَاءٍ.
وَعَنْ وَكِيْعٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سُفْيَانَ
لِسُفْيَانَ:
اذْهبْ، فَاطْلُبِ العِلْمَ، حَتَّى أَعُولَكَ
بِمِغْزَلِي، فَإِذَا كَتَبتَ عِدَّةَ عَشْرَةِ
أَحَادِيْثَ، فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ فِي نَفْسِكَ
زِيَادَةً، فَاتَّبِعْهُ، وَإِلاَّ فَلاَ تَتَعَنَّ.
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: لَمْ يَبْقَ مَنْ يَجْتَمِعُ
عَلَيْهِ العَامَّةُ بِالرِّضَى وَالصِّحَّةِ، إِلاَّ مَا
كَانَ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ بِالكُوْفَةِ -يَعْنِي:
سُفْيَانَ-.
قَالَ وَكِيْعٌ: كَانَ سُفْيَانُ بَحْراً.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: مَا رَأَيتُ رَجُلاً
بِالعِرَاقِ يُشْبِهُ ثَوْرِيَّكُم هَذَا.
وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: مَا رَأَيتُ بِالكُوْفَةِ مَنْ
أَوَدُّ أَنِّي فِي مِسْلاَخِه (2) إِلاَّ سُفْيَانَ.
__________
(1) انظر ترجمته: صفحة: 387.
(2) تقدم الخبر مضطربا في الصفحة: 253.
وفي حديث عائشة: " ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في
مسلاخها من سودة " تمنت أن تكون مثلها في هديها وسمتها.
(7/269)
قَالَ الفِرْيَابِيُّ: زَارَنِي ابْنُ
المُبَارَكِ، فَقَالَ: أَخرِجْ إِلَيَّ حَدِيْثَ
الثَّوْرِيِّ.
فَأَخَرَجْتُهُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ يَبْكِي حَتَّى أَخضَلَ
لِحْيَتَهُ، وَقَالَ: رَحِمَهُ اللهُ، مَا أَرَى أَنِّي
أَرَى مِثْلَه أَبَداً.
وَقَالَ زَائِدَةُ: سُفْيَانُ أَفْقَهُ أَهْلِ الدُّنْيَا.
قَالَ زَيْدُ بنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ: كَانَ المُعَافَى
يَعِظُ الثَّوْرِيَّ، يَقُوْلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ!
مَا هَذَا المُزَاحُ؟ لَيْسَ هَذَا مِنْ فِعْلِ
العُلَمَاءِ، وَسُفْيَانُ يَقْبَلُ مِنْهُ.
رَوَى: ضَمْرَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: يَثَّغِرُ (1)
الغُلاَمُ لِسَبْعٍ، وَيَحْتَلِمُ بَعْدَ سَبْعٍ، ثُمَّ
يَنْتَهِي طُوْلُهُ بَعْدَ سَبْعٍ، ثُمَّ يَتَكَامَلُ
عَقْلُهُ بَعْدَ سَبْعٍ، ثُمَّ هِيَ التَّجَارِبُ.
قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: مَرِضَ سُفْيَانُ، فَذَهَبتُ
بِمَائِهِ إِلَى الطَّبِيْبِ، فَقَالَ:
هَذَا بَولُ رَاهِبٍ، هَذَا رَجُلٌ قَدْ فَتَّتَ الحُزْنُ
كَبِدَهُ، مَا لَهُ دَوَاءٌ.
قَالَ ضَمْرَةُ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ:
إِنَّمَا كَانَتِ العِرَاقُ تَجِيْشُ عَلَيْنَا
بِالدَّرَاهِمِ وَالثِّيَابِ، ثُمَّ صَارَتْ تَجِيْشُ
عَلَيْنَا بِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
وَكَانَ سُفْيَانُ يَقُوْلُ: مَالِكٌ لَيْسَ لَهُ حِفْظٌ.
قُلْتُ: هَذَا يَقُوْلُهُ سُفْيَانُ لِقَوَّةِ
حَافِظَتِهِ، بِكَثْرَةِ حَدِيْثِه وَرِحلَتِهِ إِلَى
الآفَاقِ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَلَهُ إِتقَانٌ وَفِقهٌ لاَ
يُدْرَكُ شَأْوُهُ فِيْهِ، وَلَهُ حِفْظٌ تَامٌّ -
فَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: سُفْيَانُ فَقِيْهٌ،
حَافِظٌ، زَاهِدٌ، إِمَامٌ، هُوَ أَحْفَظُ مِنْ شُعْبَةَ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنْ شُعْبَةَ
فِي الإِسْنَادِ وَالمَتنِ.
__________
(1) يثغر: أي تسقط أسنانه الرواضع، ثم ينبت مكانها الأسنان
الدائمة، يقال: اثغر سنه: إذا سقط ونبت جميعا.
(7/270)
قَالَ عَبْدُ المُؤْمِنِ النَّسَفِيُّ:
سَأَلْتُ صَالِحَ بنَ مُحَمَّدٍ جَزَرَةَ عَنْ سُفْيَانَ،
وَمَالِكٍ، فَقَالَ:
سُفْيَانُ لَيْسَ يَتَقَدَّمُهُ عِنْدِي أَحَدٌ، وَهُوَ
أَحْفَظُ وَأَكْثَرُ حَدِيْثاً، وَلَكِنْ كَانَ مَالِكٌ
يَنتَقِي الرِّجَالَ، وَسُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنْ شُعْبَةَ،
وَأَكْثَرُ حَدِيْثاً، يَبلُغُ حَدِيْثُه ثَلاَثِيْنَ
أَلْفاً، وَشُعْبَةُ نَحْوُ عَشْرَةِ آلاَفٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ
المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بنُ
طَاهِرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ،
أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ، أَنْبَأَنَا
مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ، حَدَّثَنِي المُغِيْرَةُ بنُ النُّعْمَانِ،
حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (إِنَّكُم مَحْشُوْرُوْنَ حُفَاةً عُرَاةً
غُرْلاً، ثُمَّ قَرَأَ : {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ
نُعِيْدُهُ، وَعْداً عَلَيْنَا، إِنَّا كُنَّا فَاعِلِيْنَ
} [الأَنْبِيَاءُ: 104]، أَلاَ وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ
يُكْسَى إِبْرَاهِيْمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- يَوْمَ
القِيَامَةِ، أَلاَ وَإِنَّ نَاساً مِنْ أَصْحَابِي
يُؤْخَذُ بِهِم ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُوْلُ: أَصْحَابِي
أَصْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّهُم لَمْ يَزَالُوا
مُرْتَدِّيْنَ عَلَى أَعْقَابِهِم مُنْذُ فَارَقْتَهُم،
فَأَقُوْلُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ عِيْسَى :
{وَكُنْتُ عَلَيْهِم شَهِيْداً مَا دُمْتُ فِيْهِم }،
إِلَى قَوْله : {العَزِيْزُ الحَكِيْمُ(1) }).
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (2) ، عَنِ ابْنِ كَثِيْرٍ.
__________
(1) الآيتان: 121 - 122، المائدة، ونصهما: (ما قلت لهم إلا
ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا
ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على
كل شيء شهيد. إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت
العزيز الحكيم).
(2) 6 / 275، في الأنبياء: باب قول الله تعالى: (واتخذ
الله إبراهيم خليلا) [ النساء: 125 ]، وباب قول الله:
(واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها..) [ مريم: 16
]، وفي تفسير سورة " المائدة " باب: (وكنت عليهم شهيدا ما
دمت فيهم).
وفي تفسير سورة الأنبياء: باب: (كما بدأنا أول خلق نعيده)
[ 104 ]. وفي الرقاق: باب الحشر، وهنا أفاض الحافظ ابن حجر
في شرحه، فراجعه.
وغرل: ج. أغرل: وهو الاقلف وزنا ومعنى، وهو من بقيت غرلته،
وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر.
(7/271)
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ هِبَة اللهِ
فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ
بنِ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ،
أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى الصَّابُوْنِيُّ، أَنْبَأَنَا
أَبُو سَعِيْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ، أَنْبَأَنَا
مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ
أَسْلَمَ المِنْقَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ:
قَالَ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ: قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أُمِرْتُ أَنْ
أُقْرِئَكَ سُوْرَةً).
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَسُمِّيْتُ لَكَ؟
قَالَ: (نَعَمْ).
قُلْتُ لأُبَيٍّ: فَرِحْتَ بِذَلِكَ؟
قَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي، وَهُوَ يَقُوْلُ : {قُلْ
بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ، فَبِذَلِكَ
فَلْتَفْرَحُوا(1) } [يُوْنُسُ : 58] (2).
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ لِسُفْيَانَ دَرسٌ مِنَ
الحَدِيْثِ -يَعْنِي: يُدرِّسُ حَدِيْثَهُ-.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ ثَابِتٍ الجَزَرِيُّ: سَمِعْتُ
سُفْيَانَ يَقُوْلُ: طَلَبتُ العِلْمَ، فَلَمْ يَكُنْ لِي
نِيَّةٌ، ثُمَّ رَزَقَنِي اللهُ النِّيَّةَ.
وَعَنْ يَحْيَى بنِ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ:
إِنِّيْ لأَمُرُّ بِالحَائِكِ فَأَسُدُّ أُذُنِي مَخَافَةَ
أَنْ أَحْفَظَ مَا يَقُوْلُ.
قَالَ القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا رَأَيْنَا
أَحْفَظَ مِنْ سُفْيَانَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ أَبِي السَّفَرِ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المَفْلُوْجُ،
__________
(1) بالتاء، وهي قراءة يعقوب في رواية رويس.
وذكرها ابن الجوزي في " زاد المسير ": 4 / 41، ونسبها إلى
أبي وأبي مجلز وقتادة وأبي العالية، وقرأ الباقون:
(فليفرحوا) بالياء.
(2) إسناده حسن وأخرجه أحمد في " المسند ": 5 / 123، من
طريق مؤمل بن إسماعيل، حدثنا سفيان، حدثنا أسلم المنقري،
عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن
كعب، قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا
أبي ! أمرت أن أقرأ عليك سورة كذاو كذا ".
قال: قلت: يا رسول الله ! وقد ذكرت هناك ؟ قال: " نعم ".
فقلت له: يا أبا المنذر ! ففرحت بذلك ؟ قال: وما يمنعني
والله تبارك وتعالى يقول: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك
فلتفرحوا هو خير مما تجمعون) .
قال مؤمل: قلت لسفيان: هذه القراءة في الحديث ؟ قال: نعم.
(7/272)
سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ يَمَانٍ، سَمِعْتُ
الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: مَا أُحَدِّثُ مِنْ كُلِّ عَشْرَةٍ
بِوَاحِدٍ.
ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: قَدْ كَتَبتُ عَنْهُ عِشْرِيْنَ
أَلْفاً.
وَأَخْبَرَنِي الأَشْجَعِيُّ: أَنَّهُ كَتَبَ عَنْهُ
ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ:
الإِيْمَانُ يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ.
هَارُوْنُ بنُ أَبِي هَارُوْنَ العَبْدِيُّ: حَدَّثَنَا
حَيَّانُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ،
سَمِعَ سُفْيَانَ يَقُوْلُ:
مَنْ زَعَمَ أَنَّ : {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ }
[الإِخْلاَصُ: 1] مَخْلُوْقٌ، فَقَدْ كَفَرَ بِاللهِ.
وَقَالَ زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: كَانَ سُفْيَانُ يُفَضِّلُ
عَلِيّاً عَلَى عُثْمَانَ.
وَعَنْ عَثَّامِ بنِ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ
يَقُوْلُ: لاَ يَجْتَمِعُ حُبُّ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ،
إِلاَّ فِي قُلُوْبِ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ.
وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ سُفْيَانَ: اسْتَوْصُوا
بِأَهْلِ السُّنَّةِ خَيْراً، فَإِنَّهُم غُرَبَاءُ.
وَقَالَ مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: لَمْ يُصَلِّ
سُفْيَانُ عَلَى ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ (1) لِلإِرْجَاءِ.
وَقَالَ شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ: قَالَ سُفْيَانُ:
لاَ يَنْفَعُكَ مَا كَتَبْتَ حَتَّى يَكُوْنَ إِخفَاءُ*
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ } فِي الصَّلاَةِ،
أَفْضَلَ عِنْدَكَ مِنَ الجَهْرِ.
وَقَالَ وَكِيْعٌ: عَنْ سُفْيَانَ فِي الحَدِيْثِ: مَا
يَعدُّ لَهُ شَيْءٌ لِمَنْ أَرَادَ بِهِ اللهَ.
وَعَنْهُ: يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُكْرِهِ وَلدَهُ
عَلَى العِلْمِ، فَإِنَّهُ مَسْؤُوْلٌ عَنْهُ.
عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ حَسَّانٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ
يَقُوْلُ:
الإِسْنَادُ سِلاَحُ المُؤْمِنِ،
__________
(1) هو عبد العزيز بن أبي رواد، انظر ترجمته: صفحة: 184.
(7/273)
فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِلاَحٌ،
فَبِأَيِّ شَيْءٌ يُقَاتِلُ؟
قَبِيْصَةُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: المَلاَئِكَةُ
حُرَّاسُ السَّمَاءِ، وَأَصْحَابُ الحَدِيْثِ حُرَّاسُ
الأَرْضِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: قِيْلَ لِسُفْيَانَ:
لَيْسَتْ لَهُمْ نِيَّةٌ -يَعْنِي: أَصْحَابَ الحَدِيْثِ-.
قَالَ: طَلَبُهُم لَهُ نِيَّةٌ، لَوْ لَمْ يَأْتنِي
أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، لأَتَيْتُهُم فِي بُيُوتِهِم (1) .
وَقَالَ الخُرَيْبِيُّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ:
لَيْسَ شَيْءٌ أَنفعَ لِلنَّاسِ مِنَ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ مَعْدَانُ - الَّذِي يَقُوْلُ فِيْهِ ابْنُ
المُبَارَكِ: هُوَ مِنَ الأَبْدَالِ (2) -: سَأَلْتُ
الثَّوْرِيَّ عَنْ قَوْلِهِ : {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا
كُنْتُمْ } [الحَدِيْدُ: 4]، قَالَ: عِلْمُهُ (3) .
وَسُئِلَ سُفْيَانُ عَنْ أَحَادِيْثِ الصِّفَاتِ، فَقَالَ:
أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءتْ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْهُ: وَدِدْتُ أَنِّي أَفلَتُّ
مِنَ الحَدِيْثِ كَفَافاً.
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: قَالَ سُفْيَانُ: وَدِدْتُ أَنَّ
يَدِي قُطِعَتْ وَلَمْ أَطْلُبْ حَدِيْثاً.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: قَالَ
سُفْيَانُ: مَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي غَيْرَ الحَدِيْثِ.
قَالَ: لأَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنِ الضُّعَفَاءِ.
قُلْتُ: وَلأَنَّهُ كَانَ يُدَلِّسَ عَنْهُم، وَكَانَ
يَخَافُ مِنَ الشَّهوَةِ، وَعَدَمِ النِّيَّةِ فِي بَعْضِ
الأَحَايِينِ.
__________
(1) تقدم مثله: صفحة: 257.
(2) هم قوم من عباد الله الصالحين لا يحصرهم عد، يهتدون
بكتاب الله، وسنة رسوله الصحيحة، ويتصفون بحسن الخلق، وصدق
الورع، وحسن النية، وسلامة الصدر، يستجيب الله دعاءهم، ولا
يخيب رجاءهم.
ورد في حقهم أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أوردها
السخاوي في " المقاصد الحسنة " ص 8، 10 وتكلم عليها،
فراجعه.
(3) قال ابن جرير الطبري في " جامع البيان: " 27 / 216، في
تفسير الآية: يقول: وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم
يعلمكم، ويعلم أعمالكم ومتقلبكم ومثواكم، وهو على عرشه فوق
سماواته السبع.
(7/274)
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كَانَ سُفْيَانُ
يَخْضِبُ قَلِيْلاً إِذَا دَخَلَ الحَمَّامَ.
وَقَالَ قَبِيْصَةُ: كَانَ سُفْيَانُ مَزَّاحاً، كُنْتُ
أَتَأَخَّرُ خَلْفَهُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِيِّرَنِي
بِمُزَاحِهِ.
وَرَوَى: الفَسَوِيُّ، عَنْ عِيْسَى بنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ
سُفْيَانَ كَانَ يَضْحَكُ حَتَّى يَسْتَلْقِيَ، وَيَمُدَّ
رِجْلَيْهِ.
قَالَ زَيْدُ بنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ: كَانَ سُفْيَانُ
يَقُوْلُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ: تَقَدَّمُوا يَا مَعْشَرَ
الضُّعَفَاءِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ
لِرَجُلٍ: ادْنُ مِنِّي، لَوْ كُنْتَ غَنِيّاً مَا
أَدْنَيْتُكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ: مَا رَأَيتُ
الأَمِيْرَ وَالغَنِيَّ أَذَلَّ مِنْهُ فِي مَجْلِسِ
سُفْيَانَ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: يَزْعُمُوْنَ أَنَّ سُفْيَانَ
كَانَ يَشْرَبُ النَّبِيذَ، أَشْهَدُ لقَدْ وُصِفَ لَهُ
دَوَاءٌ، فَقُلْتُ: نَأتِيْكَ بِنَبِيذٍ؟
فَقَالَ: لاَ، ائْتِنِي بِعَسَلٍ وَمَاءٍ (1) .
قَالَ خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ: رَأَيتُ الثَّوْرِيَّ
بِمَكَّةَ، وَقَدْ كَثُرُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ:
إِنَّا للهِ، أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ اللهُ قَدْ ضَيَّعَ
هَذِهِ الأُمَّةَ حَيْثُ احْتَاجَ النَّاسُ إِلَى مِثْلِي.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَوْلاَ أَنْ أُسْتَذَلَّ،
لَسَكَنْتُ بَيْنَ قَوْمٍ لاَ يَعْرِفُونِي.
وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ
مُسْتَكِيْناً فِي لِبَاسِه، عَلَيْهِ ثِيَابٌ رَثَّةٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: آجَرَ
سُفْيَانُ نَفْسَه مِنْ جَمَّالٍ إِلَى مَكَّةَ،
فَأَمَرُوْهُ يَعْمَلُ لَهُم خُبزَةً، فَلَمْ تَجِئْ
جَيِّدَةً، فَضَرَبَهُ الجَمَّالُ.
فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ، دَخَلَ الجَمَّالُ، فَإِذَا
سُفْيَانُ قَدِ اجْتَمَعَ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَسَأَلَ،
فَقَالُوا: هَذَا سُفْيَانُ
__________
(1) انظر الصفحة: 241، 259.
(7/275)
الثَّوْرِيُّ.
فَلَمَّا انْفَضَّ عَنْهُ النَّاسُ، تَقَدَّمَ الجمَّالُ
إِلَيْهِ، وَقَالَ: لَمْ نَعْرِفْكَ يَا أَبَا عَبْدِ
اللهِ.
قَالَ: مَنْ يُفسِدُ طَعَامَ النَّاسِ، يُصِيْبُهُ
أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
قُلْتُ: هَذِهِ حِكَايَةٌ مُرسَلَةٌ، وَكَيْفَ اخْتَفَى
طُوْلَ الطَّرِيْقِ أَمرُ سُفْيَانَ، فَلَعَلَّهَا فِي
أَيَّامِ شَبَابِهِ.
وَرَوَى: يَحْيَى بنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ: اصحَبْ
مَنْ شِئْتَ، ثُمَّ أَغْضِبْهُ، ثُمَّ دُسَّ إِلَيْهِ مَنْ
يَسْأَلُهُ عَنْكَ.
وَقَالَ قَبِيْصَةُ: عَنْ سُفْيَانَ: كَثْرَةُ الإِخْوَانِ
مِنْ سَخَافَةِ الدِّيْنِ.
وَعَنْ سُفْيَانَ: أَقِلَّ مِنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِ،
تَقِلُّ غِيْبَتُكَ.
قَالَ قَبِيْصَةُ: كَانَ سُفْيَانُ إِذَا نَظَرتَ
إِلَيْهِ، كَأَنَّهُ رَاهِبٌ، فَإِذَا أَخذَ فِي
الحَدِيْثِ، أَنْكَرْتَه.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ لَحِقَ سُفْيَانَ خَوْفٌ مُزعِجٌ إِلَى
الغَايَةِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كُنَّا نَكُونُ عِنْدَهُ،
فَكَأَنَّمَا وُقِّفَ لِلْحِسَابِ.
وَسَمِعَهُ عَثَّامُ بنُ عَلِيٍّ يَقُوْلُ: لَقَدْ خِفتُ
اللهَ خَوْفاً، عَجَباً لِي! كَيْفَ لاَ أَمُوْتُ؟
وَلَكِنْ لِي أَجَلٌ وَدِدْتُ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِّي،
مِنَ الخَوْفِ أَخَافُ أَنْ يَذْهَبَ عَقْلِي.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ دُلَيْلٍ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ
يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُذهِبَ عَنِّي
مِنْ خَوْفِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كُنْتُ أَرمُقُ سُفْيَانَ فِي
اللَّيْلَةِ بَعْدَ اللَّيْلَةِ، يَنهَضُ مَرْعُوباً
يُنَادِي: النَّارَ النَّارَ، شَغَلَنِي ذِكْرُ النَّارِ
عَنِ النَّوْمِ وَالشَّهَوَاتِ (1) .
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كَانَ سُفْيَانُ إِذَا ذَكَرَ
المَوْتَ، لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ أَيَّاماً.
__________
(1) انظر الخبر في " الحلية ". 7 / 60، و" تاريخ بغداد ":
9 / 157.
(7/276)
وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: كَانَ
سُفْيَانُ يَبُولُ الدَّمَ مِنْ طُوْلِ حُزنِهِ
وَفِكْرَتِهِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: لَمَّا قَدِمَ سُفْيَانُ
عَلَيْنَا، طَبَختُ لَهُ قدرَ سِكْبَاجٍ (1) ، فَأَكَلَ،
ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِزَبِيْبِ الطَّائِفِ، فَأَكَلَ، ثُمَّ
قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّزَّاقِ! اعْلِفِ الحِمَارَ
وَكُدَّهُ (2) .
ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي حَتَّى الصَّبَاحِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ
الفُضَيْلِ:
رَأَيتُ الثَّوْرِيَّ سَاجِداً، فَطفتُ سَبْعَةَ
أَسَابِيْعَ (3) قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ.
وَعَنْ مُؤَمَّلِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: أَقَامَ
سُفْيَانُ بِمَكَّةَ سَنَةً، فَمَا فَتَرَ مِنَ
العِبَادَةِ سِوَى مِنْ بَعْدِ العَصْرِ إِلَى المَغْرِبِ،
كَانَ يَجْلِسُ مَعَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وَذَلِكَ
عِبَادَةٌ.
وَعَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ: كُنْتُ لاَ أَسْتطِيْعُ سَمَاعَ
قِرَاءةِ سُفْيَانَ مِنْ كَثْرَةِ بُكَائِهِ.
وَقَالَ مُؤَمَّلٌ: دَخَلْتُ عَلَى سُفْيَانَ وَهُوَ
يَأْكُلُ طَبَاهِجَ (4) بِبَيْضٍ، فَكَلَّمتُهُ فِي
ذَلِكَ، فَقَالَ: لَمْ آمُرْكُم أَنْ لاَ تَأْكُلُوا
طَيِّباً، اكْتَسِبُوا طَيِّباً وَكُلُوا.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: أَكَلْتُ عِنْدَ سُفْيَانَ
خُشْكَنَانِجَ (5) ، فَقَالَ: هَذَا أُهْدِيَ لَنَا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَكَلَ سُفْيَانُ مَرَّةً
تَمْراً بِزُبْدٍ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي حَتَّى زَالَتِ
الشَّمْسُ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ سَارَ إِلَى اليَمَنِ بِأَرْبَعَةِ
آلاَفٍ مُضَارَبَةً (6) ، فَأَنفقَ الرِّبحَ.
__________
(1) السكباج: لحم يطبخ بخل.
(التاج).
(2) تقدمت رواية أخرى للخبر في الصفحة: 243.
(3) الأسبوع هنا: الطواف الكامل حول الكعبة مرة واحدة،
فالمراد أنه طاف: سبعا.
(4) الطباهج: اللحم المشرح (معرب).
(5) الخشكنان: فسره داود الانطاكي في " التذكرة " بأنه:
دقيق الحنطة إذا عجن بشيرج، وبسط وملئ بالسكر واللوز
والفستق وماء الورد، وجمع وخبز.
(6) المضاربة: أن تعطي إنسانا من مالك ما يتجر فيه، على أن
يكون الربح بينكما، أو يكون =
(7/277)
وَعَنْ يَحْيَى بنِ المُتَوَكِّلِ، قَالَ
سُفْيَانُ:
إِذَا أَثْنَى عَلَى الرَّجُلِ جِيْرَانُهُ أَجْمَعُوْنَ،
فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ، لأَنَّهُ رُبَّمَا رَآهُم يَعصُوْنَ،
فَلاَ يُنْكِرُ، وَيَلقَاهُم بِبِشْرٍ.
وَقَالَ فُضَيْلٌ: عَنْ سُفْيَانَ: إِذَا رَأَيتَ
الرَّجُلَ مُحَبَّباً إِلَى جِيْرَانِهِ، فَاعْلَمْ
أَنَّهُ مُدَاهِنٌ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي غَنِيَّةَ:
مَا رَأَيتُ أَحَداً أَصفَقَ وَجْهاً فِي ذَاتِ الله مِنْ
سُفْيَانَ.
وَعَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ المُلُوْكَ قَدْ
تَرَكُوا لَكُمُ الآخِرَةَ، فَاتْرُكُوا لَهُمُ
الدُّنْيَا.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ
لِوُهَيْبٍ: وَرَبِّ هَذِهِ البَنِيَّةِ، إِنِّيْ لأُحِبُّ
المَوْتَ.
وَعَنِ ابْنِ المَهْدِيِّ، قَالَ: مَرِضَ سُفْيَانُ
بِالبَطَنِ، فَتَوَضَّأَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ سِتِّيْنَ
مَرَّةً، حَتَّى إِذَا عَايَنَ الأَمْرَ، نَزَلَ عَنْ
فِرَاشِهِ، فَوَضَعَ خَدَّهُ بِالأَرْضِ، وَقَالَ: يَا
عَبْدَ الرَّحْمَنِ! مَا أَشدَّ المَوْتِ.
وَلَمَّا مَاتَ غَمَّضْتُهُ، وَجَاءَ النَّاسُ فِي جَوْفِ
اللَّيْلِ، وَعَلِمُوا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: كَانَ سُفْيَانُ يَتَمَنَّى
المَوْتَ لِيَسلَمَ مِنْ هَؤُلاَءِ، فَلَمَّا مَرِضَ
كَرِهَهُ، وَقَالَ لِي: اقْرَأْ عَلَيَّ(يس* )، فَإِنَّهُ
يُقَالُ: يُخَفَّفُ عَنِ المَرِيْضِ.
فَقَرَأْتُ، فَمَا فَرَغتُ حَتَّى طُفِئَ.
وَقِيْلَ: أُخْرِجَ بِجِنَازَتِهِ عَلَى أَهْلِ البَصْرَةِ
بَغْتَةً، فَشهِدَهُ الخَلْقُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبْجَرَ
الكُوْفِيُّ، بِوَصِيَّةٍ مِنْ سُفْيَانَ، لِصَلاَحِهِ.
__________
= له سهم معلوم من الربح، وكأنه مأخوذ من " الضرب " في
الأرض لطلب الرزق.
قال الله تعالى: (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل
الله). [ المزمل: 20 ].
(7/278)
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: أَقَامَ
سُفْيَانُ فِي اخْتِفَائِهِ نَحْوَ سَنَةٍ.
وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مَاتَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ
إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: الصَّحِيْحُ مَوْتُهُ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ
إِحْدَى.
كَذَلِكَ أَرَّخَهُ: الوَاقِدِيُّ.
وَوَهِمَ خَلِيْفَةُ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَسِتِّيْنَ.
قَالَ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: رَأَيتُ الثَّوْرِيَّ فِي
النَّوْمِ، فَقُلْتُ: أَيُّ الأَعْمَالِ وَجَدْتَ
أَفْضَلَ؟
قَالَ: القُرْآنُ.
فَقُلْتُ: الحَدِيْثَ؟
فَوَلَّى وَجْهَه.
وَقَالَ بَكْرُ بنُ خَلَفٍ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ:
رَأَيتُ سُفْيَانَ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا
عَبْدِ اللهِ! مَا وَجَدْتَ أَنفَعَ؟
قَالَ: الحَدِيْثُ.
وَقَالَ سُعَيْرُ بنُ الخِمْسِ: رَأَيتُ سُفْيَانَ فِي
المَنَامِ، يَطِيرُ مِنْ نَخْلَةٍ إِلَى نَخْلَةٍ، وَهُوَ
يَقْرَأُ : {الحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ }
[الزُّمَرُ: 74].
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: لَقِيْتُ يَزِيْدَ بنَ
إِبْرَاهِيْمَ صَبِيْحَةَ اللَّيْلَةِ الَّتِي مَاتَ
فِيْهَا سُفْيَانُ، فَقَالَ لِي:
قِيْلَ لِي اللَّيْلَةَ فِي مَنَامِي: مَاتَ أَمِيْرُ
المُؤْمِنِيْنَ.
فَقُلْتُ لِلَّذِي يَقُوْلُ فِي المَنَامِ: مَاتَ
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ؟
قَالَ: نَعَمْ (1) .
وَقَالَ مُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ: رَأَيتُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ آخِذاً
بِيَدِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَهُوَ يَجزِيه خَيْراً.
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَعْيَنَ، قَالَ:
رَأَيتُ سُفْيَانَ بنَ سَعِيْدٍ، فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟
قَالَ: أَنَا مَعَ السَّفَرَةِ، الكِرَامِ البَرَرَةِ (2)
.
تَمَّتِ التَّرْجَمَةُ، وَالحَمْدُ للهِ.
__________
(1) في " الحلية ": 6 / 382: " قد مات الليلة " بدلا من "
نعم " وتمام الخبر فيه: " قال: فكان قد مات تلك الليلة ولم
نعلم ".
(2) انظر الخبر في " الحلية ": 6 / 384.
(7/279)
83 - عِمْرَانُ القَطَّانُ أَبُو
العَوَّامِ بنُ دَاوَرَ العَمِّيُّ * (4)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو العَوَّامِ، عِمْرَانُ بنُ
دَاوَرَ العَمِّيُّ، البَصْرِيُّ، القَطَّانُ.
حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ،
وَبَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي جَمْرَةَ
الضُّبَعِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَاصِمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
مَهْدِيٍّ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَمْرُو
بنُ عَاصِمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ الغُدَانِيُّ،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ: كَانَ عِمْرَانُ القَطَّانُ
حَرُوْرِيّاً (1) يَرَى السَّيْفَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ
صَالِحَ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ضَعِيْفٌ، أَفتَى فِي أَيَّامِ
خُرُوْجِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ (2)
بِفَتْوَى شَدِيْدَةٍ، فِيْهَا سَفْكُ الدِّمَاءِ.
وَرَوَى عَنْهُ: عَفَّانُ، وَوَثَّقَهُ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، كَانَ يَرَى
الخُرُوْجَ، وَلَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً.
وَقَدْ ذَكَرَهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ
يَوْماً، فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ
أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَه شركَةٌ.
مَاتَ: فِي حُدُوْدِ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ
اللهُ-.
قُلْتُ: خَرَّجُوا لَهُ فِي (السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ).
__________
(*) طبقات خليفة: 221، التاريخ الكبير: 6 / 425، المعرفة
والتاريخ: 2 / 258، الضعفاء: خ: 313، الجرح والتعديل: 6 /
297 - 298، الكامل لابن عدي: خ: 512 - 513، تهذيب الكمال:
خ: 1058، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 115، تاريخ الإسلام: 6 /
259، ميزان الاعتدال: 3 / 236 - 237، تهذيب التهذيب: 8 /
130 - 132، خلاصة تذهيب الكمال: 295.
(1) انظر الصفحة: 143، حا: 1.
(2) انظر الصفحة: 21، حا: 1.
(7/280)
84 - مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ بنِ أَبِي
أُمَيَّةَ القُرَشِيُّ * (د، ت، ق، خت)
الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، الإِمَامُ، أَبُو
فَضَالَةَ القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ، مَوْلَى عُمَرَ بنِ
الخَطَّابِ، مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ البَصْرَةِ.
وَلَهُ مِنَ الإِخْوَةِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدُ
الرَّحْمَن، وَمُفَضَّلٌ.
وُلِدَ: فِي أَيَّامِ الصَّحَابَةِ.
قَالَ عُثْمَانُ بنُ الهَيْثَمِ: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بنُ
فَضَالَةَ، قَالَ: رَأَيتُ أَنَساً تَقَدَّمَ، فَصَلَّى
بِجَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدٍ.
وَصَحِبَ الحَسَنَ، وَحَدَّثَ عَنْهُ، فَأَكْثَرَ، وَعَنْ
بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ، وَثَابِتٍ، وَابْنِ
المُنْكَدِرِ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَعَلِيِّ
بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ رَبِّهُ بنِ سَعِيْدٍ، وَطَائِفَةٍ.
وَيَنْزِلُ إِلَى: عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ العُمَرِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَوَكِيْعٌ،
وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو النَّضْرِ، وَأَبُو
دَاوُدَ، وَأَبُو الوَلِيْدِ، وَعَفَّانُ، وَعَمْرُو بنُ
مَنْصُوْرٍ، وَشَبَابَةُ، وَحَبَّانُ بنُ هِلاَلٍ،
وَمُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ، وَعُثْمَانُ بنُ الهَيْثَمِ،
وَسَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَمُسْلِمُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ،
وَكَامِلُ بنُ طَلْحَةَ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ،
وَسُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ خَيْرَانَ،
وَهُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ بَهْزُ بنُ أَسَدٍ: أَنْبَأَنَا مُبَارَكٌ: أَنَّهُ
جَالَسَ الحَسَنَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ أَرْبَعَ
عَشْرَةَ.
__________
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 277، طبقات خليفة: 222، تاريخ
خليفة: 438، التاريخ الكبير: 7 / 426، المعرفة والتاريخ: 2
/ 135، الضعفاء: خ: 422، الجرح والتعديل: 8 / 338 - 339،
مشاهير علماء الأمصار: 158، تاريخ بغداد: 13 / 431 - 432،
تهذيب الكمال: خ: 1300 - 1301، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 20،
تذكرة الحفاظ: 1 / 200 - 201، ميزان الاعتدال: 3 / 431 -
432، عبر الذهبي: 1 / 244، في أخبار (165 ه)، تهذيب
التهذيب: 10 / 28 - 31، طبقات المدلسين: 14 - 15، طبقات
الحفاظ: 86، خلاصة تذهيب الكمال: 368، شذرات الذهب: 1 /
259 - 260.
(7/281)
وَقَالَ حَجَّاجٌ الأَعْوَرُ: سَأَلْتُ
شُعْبَةَ عَنْ مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، وَالرَّبِيْعِ بنِ
صَبِيْحٍ (1) .
فَقَالَ: مُبَارَكٌ أَحَبُّ إِلَيَّ.
وَرَوَى: عَفَّانُ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ:
كَانَ مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ يُجَالِسُنَا عِنْدَ
زِيَادٍ الأَعْلَمِ، فَمَا كَانَ مِنْ مُسْنَدٍ فَإِلَى
مُبَارَكٍ، وَمَا كَانَ مِنْ فُتْيَا فَإِلَى زِيَادٍ.
وَقَالَ وُهَيْبٌ: رَأَيتُ مُبَاركاً يُجَالِسُ يُوْنُسَ
بنَ عُبَيْدٍ، فَيُحَدِّثُ فِي حَلقتِه، وَيُوْنُسُ
يَسْمَعُ.
وَقَالَ عَفَّانُ: كَانَ مُبَارَكٌ ثِقَةً، وَكَانَ مِنَ
النُّسَّاكِ، وَكَانَ...، وَكَانَ...
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: كَانَ يَحْيَى وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ لاَ يُحَدِّثَانِ عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ عَفَّانُ يُطْرِي مُبَارَكَ
بنَ فَضَالَةَ.
قَالَ الفَلاَّسُ أَيْضاً: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ
يُحْسِنُ الثَّنَاءَ عَلَى مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ.
وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ:
كَانَ مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ يَرْفَعُ حَدِيْثاً
كَثِيْراً، وَيَقُوْلُ فِي غَيْرِ حَدِيْثٍ: عَنِ الحَسَنِ
البَصْرِيِّ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ
مُغَفَّلٍ، وَأَصْحَابُ الحَسَن لاَ يَقُوْلُوْنَ ذَلِكَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سُئِلَ أَبِي عَنْ
مُبَارَكٍ وَالرَّبِيْعِ بنِ صَبِيْحٍ، فَقَالَ: مَا
أَقْرَبَهُمَا.
وَعَنْ: مُبَارَكٍ، وَأَشْعَثَ، فَقَالَ: مَا
أَقْرَبَهُمَا، كَانَ المُبَارَكُ يُدَلِّسُ (2) .
وَرَوَى: المَرُّوْذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: مَا رَوَى
مُبَارَكٌ عَنِ الحَسَنِ، يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ ابْنَ
مَعِيْنٍ عَنْ مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، فَقَالَ:
ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، هُوَ مِثْلُ الرَّبِيْعِ بنِ
صَبِيْحٍ فِي الضَّعفِ.
__________
(1) ترجمته في الصفحة: 287.
(2) انظر " التدليس " في الصفحة: 208، حا: 1.
(7/282)
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: سَأَلْتُ
يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنِ الرَّبِيْعِ، فَقَالَ:
لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
فَقُلْتُ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوِ المُبَارَكُ بنُ
فَضَالَةَ؟
فَقَالَ: مَا أَقْرَبَهُمَا.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سُئِلَ يَحْيَى
عَنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ: ضَعِيْفٌ.
وَسَمِعتُه مَرَّةً أُخْرَى يَقُوْلُ: ثِقَةٌ.
وَرَوَى: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ
بِهِ بَأْسٌ.
وَرَوَى: مُفَضَّلٌ الغَلاَبِيُّ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ:
صَالِحٌ.
وَرَوَى: حَنْبَلٌ، وَآخَرُ، عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ،
عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ:
كُنَّا كَتَبنَا عَنْ مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ فِي ذَلِكَ
الزَّمَانِ حَدِيْثَ الحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ: (إِذَا
سَمَّاهَا فَهِي طَالِقٌ).
قَالَ يَحْيَى: وَلَمْ أَقْبَلْ مِنْهُ شَيْئاً، إِلاَّ
شَيْئاً يَقُوْلُ فِيْهِ: حَدَّثَنَا.
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ وَسَطٌ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: يُدَلِّسُ كَثِيْراً،
فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا، فَهُوَ ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ
الرَّبِيْعِ بنِ صَبِيْحٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: اخْتَلَفتِ الرِّوَايَةُ
عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فِيْهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ عَلِيِّ بنِ مُقَدَّمٍ:
عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ، قَالَ:
جَاءَ شُعْبَةُ إِلَى مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، فَسَأَلَهُ
عَنْ حَدِيْثِ نَصْرِ بنِ رَاشِدٍ، عَنْ جَابِرٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
نَهَى أَنْ يُجَصَّصَ القَبْرُ، أَوْ يُبْنَى عَلَيْهِ
(1).
__________
(1) وأخرجه مسلم: (970)، في الجنائز: باب النهي عن تجصيص
القبر والبناء عليه، من طرق عن ابن جريج، أخبرني أبو
الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: " نهى رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن
يبنى عليه ".
(7/283)
عَمْرُو بنُ العَبَّاسِ البَاهِلِيُّ: عَنِ
ابْنِ مَهْدِيٍّ:
حَلَلْنَا حَبْوَةَ الثَّوْرِيِّ لَمَّا أَردْنَا غَسلَه،
فَإِذَا فِي حَبْوَتِهِ رِقَاعٌ: يَسْأَلُ مُبَارَكُ بنُ
فَضَالَةَ حَدِيْثَ كَذَا.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ مُبَارَكٌ شَدِيْدَ
التَّدْلِيسِ، وَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا، فَهُوَ ثَبْتٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ أَيْضاً: ضَعِيْفٌ.
قُلْتُ: هُوَ حَسَنُ الحَدِيْثِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ
حِبَّانَ فِي (الضُّعَفَاءِ)، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ
العِلْمِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ
وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ فِيْهِ ضَعْفٌ، وَكَانَ
عَفَّانُ يَرْفَعُهُ وَيُوثِّقُهُ.
وَقَالَ حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَخَلِيْفَةُ بنُ
خَيَّاطٍ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
اسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ فِي (الصَّحِيْحِ).
وَيَقعُ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ كَمَا مَرَّ فِي أَخْبَارِ
الحَسَنِ، وَيَقعُ فِي (الجَعْدِيَّاتِ (1))، فَمِنْ
ذَلِكَ:
أَنْبَأَنَا مُبَارَكٌ، عَنِ الحَسَنِ، أَخْبَرَنِي
عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ: أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ
سِتَّةً...، الحَدِيْث (2).
__________
(1) الجعديات: هي أجزاء حديثية لشيخ بغداد أبي الحسن علي
بن الجعذ الجوهري المتوفى سنة (230 ه)، وهي اثنا عشر جزءا.
انظر: " تذكرة الحفاظ ": 1 / 399، و" كشف الظنون ": 1 /
586.
(2) وأخرجه أحمد: 4 / 440، من طريق هاشم، عن المبارك، عن
الحسن، قال: حدثنا عمران بن الحصين، قال: أتي برجل أعتق
ستة مملوكين عند موته، وليس له مال غيرهم، فأقرع النبي -
صلى الله عليه وسلم - بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة.
وأخرجه النسائي: 4 / 64، في الجنائز: باب الصلاة على من
يحيف في وصيته، من طريق علي بن حجر، عن هشيم، عن منصور بن
زاذان، عن الحسن، عن عمران بن الحصين وأخرجه مسلم: (1668)،
والترمذي: (1364)، من طرق، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي
المهلب، عن عمران بن الحصين وأخرجه أبو داود: (3961)، من
طريق مسدد، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن عتيق وأيوب، عن
محمد بن سيرين، عن عمران بن الحصين.
(7/284)
وَأَنْبَأَنَا مُبَارَكٌ، عَنِ الحَسَنِ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(لاَ تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ، فَإِنَّهَا
خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِيْنِ (1)).
قِيْلَ: حَدِيْثُهُ نَحْوُ المائَتَيْنِ.
85 - زِيَادُ بنُ سَعْدٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الخُرَاسَانِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الخُرَاسَانِيُّ، المُجَاورُ بِمَكَّةَ،
وَكَانَ شَرِيْكاً لابْنِ جُرَيْجٍ، ثُمَّ نَزَلَ قَرْيَةَ
عَكٍّ مِنْ بِلاَدِ اليَمَنِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَابْنِ شِهَابٍ،
وَعَمْرِو بنِ مُسْلِمٍ الجَنَدِيِّ، وَغَيْرِهِم.
رَوَى عَنْهُ رِفَاقُهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَالِكٌ،
وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ
الضَّرِيْرُ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ.
__________
(1) وأخرجه أحمد: 4 / 86، من طريق أبي النضر، عن المبارك،
عن الحسن، وأخرجه أيضا: 5 / 56، 57، وابن ماجه: (769)، من
طريق آخر عن الحسن، عن عبد الله بن المغفل.
وفي الباب عن البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - سئل عن الصلاة في مبارك الابل، فقال: " لا تصلوا في
مبارك الابل فإنها من الشياطين "، وسئل عن الصلاة في مرابض
الغنم، فقال: " صلوا فيها فإنها بركة ".
أخرجه أبو داود: (184)، في الطهارة: باب الوضوء من لحوم
الابل.
وإسناده صحيح، وصححه الامام أحمد، وابن راهويه، وابن
خزيمة.
قال الخطابي: وإنما نهى عن الصلاة في مبارك الابل لان فيها
نفارا وشرادا لا يؤمن أن تتخبط المصلي إذا صلى بحضرتها، أو
تفسد عليه صلاته.
(*) التاريخ الكبير: 3 / 358، المعرفة والتاريخ: 1 / 647 -
648، الجرح والتعديل: 3 / 533 - 534، مشاهير علماء
الأمصار: 146، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 198، تهذيب
الكمال: خ: 444، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 244، تذكر الحفاظ:
1 / 198، العقد الثمين: 4 / 453، تهذيب التهذيب: 3 / 369 -
370، طبقات الحفاظ: 85، خلاصة تذهيب الكمال: 125.
(7/285)
قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ
عَالِماً بِحَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ.
قُلْتُ: مَاتَ كَهْلاً، وَمَوْتُهُ قَرِيْبٌ مِنْ مَوْتِ
ابْنِ جُرَيْجٍ.
86 - أَبُو الأَشْهَبِ جَعْفَرُ بنُ حَيَّانَ
العُطَارِدِيُّ * (ع)
هُوَ الإِمَامُ، الحُجَّةُ، جَعْفَرُ بنُ حَيَّانَ
العُطَارِدِيُّ، البَصْرِيُّ، الخَرَّازُ، الضَّرِيْرُ،
مِنْ بَقَايَا المَشْيَخَةِ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي الجَوْزَاءِ الرَّبَعِيِّ، وَالحَسَنِ
البَصْرِيِّ، وَبَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ،
وَأَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ، وَأَبِي نَضْرَةَ
العَبْدِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ طَرَفَةَ،
وَمُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ خَلقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: ابْنُ
المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو الوَلِيْدِ،
وَعَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ،
وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَأَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ،
وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ،
وَغَيْرُهُمَا.
وَهُوَ مِنْ بَابَةِ (1) جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ فِي
الثِّقَةِ وَالصِّدْقِ.
قِيْلَ: إِنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ، فَقَدْ
أَدْرَكَ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً - عَلَى هَذَا -
مِنْ
__________
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 274، طبقات خليفة: 222، تاريخ
خليفة: 267، المعارف: 478، الجرح والتعديل: 2 / 76 - 477،
مشاهير علماء الأمصار: 159، تهذيب الكمال: خ: 197، تذهيب
التهذيب: خ: 1 / 107، ميزان الاعتدال: 1 / 405 - 406، عبر
الذهبي: 1 / 246، وفيه " ابن حبان " بالباء الموحدة، طبقات
القراء لابن الجزري: 1 / 192، تهذيب التهذيب: 2 / 88،
خلاصة تذهيب الكمال: 62، شذرات الذهب 1 / 261.
(1) يقال: هو من بابته، إذا كان من درجته في التوثيق
والصدق، أو العكس.
(7/286)
أَيَّامِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَهُوَ
مَعَهُ بِالبَصْرَةِ، فَالعَجبُ كَيْفَ لَمْ يَسْمَعْ
مِنْهُ، وَقَدْ رَأَى طَاوُوْساً مُحْرِماً؟!
وَنَقَلَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِي: أَنَّهُ قَرَأَ
القُرْآنَ عَلَى أَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: إِنَّهُ لَمْ يَلحَقْ أَبَا
الجَوْزَاءِ - كَذَا قَالَ -.
مَاتَ: فِي سَلْخِ شَعْبَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ
وَمائَةٍ.
وَوَهِمَ مَنْ قَالَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ.
أَنْبَأَنَا الفَخْرُ عَلِيٌّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ
طَبَرْزَذْ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، أَنْبَأَنَا
ابْنُ هَزَارْمَرْدَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَبَابَةَ،
حَدَّثَنَا البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ،
أَخْبَرَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ،
قَالَ:
مَرَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِوَادِي ثَمُوْدَ، فَقَالَ: (أَسْرِعُوا السَّيْرَ،
فَإِنَّ هَذَا وَادٍ مَلْعُوْنٌ (1)).
هَذَا مُرْسَلٌ، جَيِّدٌ.
87 - الرَّبِيْعُ بنُ صَبِيْحٍ البَصْرِيُّ * (ت، ق)
العَابِدُ، الإِمَامُ، مَوْلَى بَنِي سَعْدٍ، مِنْ
أَعْيَانِ مَشَايِخِ البَصْرَةِ.
__________
(1) رجاله ثقات، لكنه مرسل كما قال المؤلف - وأخرج
البخاري: 8 / 95، في المغازي: باب نزول النبي - صلى الله
عليه وسلم - الحجر - وهي منازل ثمود - من طريق عبد الرزاق،
عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر - رضي الله
عنهما.
قال: لما مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحجر، قال: "
لا تدخلوا مساكين الذين ظلموا أنفهم، أن يصيبكم ما أصابهم،
إلا أن تكونوا باكين، ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز
الوادي ".
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 277، تاريخ خليفة: 430، التاريخ
الكبير: 3 / 278 - 279، التاريخ الصغير: 2 / 135، تاريخ
الطبري: 8 / 128، الضعفاء: خ: 132 - 133، الجرح والتعديل:
3 / 464 - 465، كتاب المجروحين: 1 / 296، الكامل لابن عدي:
خ: 267 - 268، حلية الأولياء: 6 / 304 - 310، تهذيب
الكمال: خ: 408، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 219، عبر الذهبي: 1
/ 234، تهذيب التهذيب: 3 / 247 - 248، خلاصة تذهيب الكمال:
115، شذرات الذهب: 1 / 247.
(7/287)
حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بنِ
سِيْرِيْنَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَثَابِتٍ
البُنَانِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: وَكِيْعٌ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَأَبُو
الوَلِيْدِ، وَآخَرُوْنَ.
رَوَى: عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَذَكَرَهُ: شُعْبَةُ، فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي مِنْ
سَادَاتِ المُسْلِمِيْنَ.
قُلْتُ: كَانَ كَبِيْرَ الشَّأْنِ، إِلاَّ أَنَّ
النَّسَائِيَّ ضَعَّفَهُ.
وَقَالَ حَجَّاجٌ: سَأَلْتُ شُعْبَةَ عَنْ مُبَارَكٍ
وَالرَّبِيْعِ بنِ صَبِيْحٍ، فَقَالَ: مُبَارَكٌ أَحَبُّ
إِلَيَّ.
وَقَالَ عَلِيٌّ: جَهدتُ بِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ أَنْ
يُحَدِّثَنِي بِحَدِيْثٍ عَنِ الرَّبِيْعِ بنِ صَبِيْحٍ،
فَأَبَى عَلَيَّ.
وَقَالَ أَبُو الوَلِيْدِ: كَانَ يُدَلِّسُ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كُنْيتُهُ: أَبُو جَعْفَرٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ المُبَارَكِ،
وَوَكِيْعٌ.
وَكَانَ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ البَصْرَةِ وَزُهَّادِهِم،
كَانَ يُشَبَّهُ بَيْتُهُ بِاللَّيْلِ بِالنَّحْلِ، إِلاَّ
أَنَّ الحَدِيْثَ لَمْ يَكُنْ مِنْ صِنَاعَتِهِ، فَكَانَ
يَهِمُ كَثِيْراً.
تُوُفِّيَ: بِالسِّنْدِ، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ
شُعْبَةُ:
لقَدْ بَلَغَ الرَّبِيْعُ بنُ صَبِيْحٍ فِي مِصْرِنَا
هَذَا مَا لاَ يَبلُغُه الأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: يَعْنِي: فِي الارتفَاعِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ (1) : أَوَّلُ
مَنْ صنَّفَ وَبَوَّبَ - فِيْمَا أَعْلَمُ -:
__________
(1) هو أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد المتوفى سنة
(360 ه)، ونصفه هذا في كتابه: " المحدث الفاصل " ص 611،
وابن أبي عروبة هو: أبو النضر سعيد بن أبي عروبة اليشكري،
مولاهم البصري، الامام الحافظ، ثقة حافظ، لكنه كثير
التدليس، واختلط، وهو من أثبت الناس في قتادة، أخرج حديثه
أصحاب الكتب الستة، توفي سنة: (156 ه).
(7/288)
الرَّبِيْعُ بنُ صَبِيْحٍ بِالبَصْرَةِ،
ثُمَّ ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ غَازِياً بِأَرْضِ الهِنْدِ، وَلَهُ فِي
(الجَعْدِيَّاتِ (1)).
قَالَ عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، عَنِ الحَسَنِ،
قَالَ:
لَيْسَ الفِرَارُ مِنَ الزَّحفِ مِنَ الكبَائِرِ، إِنَّمَا
كَانَ ذَاكَ يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ عَبَّاسٌ: سَأَلْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ عَنِ الرَّبِيْعِ
وَالمُبَارَكِ، فَقَالَ:
مَا أَقْرَبَهمَا، لاَ بَأْسَ بِهِمَا.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: قَالَ
الوَثِيْقُ بنُ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ: مَا رَأَيتُ
رَجُلاً أَسْوَدَ (2) مِنَ الرَّبِيْعِ بنِ صَبِيْحٍ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ الرَّبِيْعُ بنُ
صَبِيْحٍ، إِنَّمَا يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ، سَأَلْتُ
الحَسَن.
قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: كَتَبتُ عَنْهُ حَدِيْثاً،
عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، فِي الصَّرْفِ، هُوَ أَحْسَنُهَا
كُلُّهَا، وَحَدِيْثَ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ فِي الحَجِّ
بِطُوْلِهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ.
قُلْتُ لَهُ: مَا حدَّثَ عَنْهُ بِشَيْءٍ؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ غَسَّانُ بنُ المُفَضَّلِ الغَلاَبِيُّ: سَمِعْتُ
مَنْ يَذْكُرُ: أَنَّ الرَّبِيْعَ بنَ صَبِيْحٍ كَانَ
بِالأَهْوَازِ، وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ، فَتَعَرَّضَتْ
لَهُمَا امْرَأَةٌ، فَبَكَى الشَّيْخُ.
قَالَ لَهُ صَاحِبُه: مَا يُبْكِيْكَ؟
قَالَ: إِنَّهَا لَمْ تَطمَعْ فِي شَيْخَيْنِ، إِلاَّ
وَقَدْ رَأَتْ شُيُوْخاً قَبْلَنَا يُتَابِعُونَهَا،
فَلِذَا أَبْكِي.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَتْ وَقْعَةُ بَارنلَ (3)
سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَفِيْهَا: مَاتَ الرَّبِيْعُ
بنُ صَبِيْحٍ -رَحِمَهُ اللهُ-.
__________
(1) انظر الصفحة: 284، حا: 1.
(2) من السيادة.
(3) كذا الأصل: " بارنل " وفي الطبري " 8 / 128، و" الكامل
" 6 / 46: باربد، وهي مدينة كبيرة في بلاد الهند، وكان
المهدي قد سير جيشا في البحر بقيادة عبد الملك بن شهاب
المسمعي، =
(7/289)
88 - الرَّبِيْعُ بنُ مُسْلِمٍ أَبُو
بَكْرٍ القُرَشِيُّ * (م، د، س)
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو بَكْرٍ القُرَشِيُّ،
الجُمَحِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ
زِيَادٍ - صَاحِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَغَيْرِهِمَا.
حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَأَبُو
دَاوُدَ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَطَالُوْتُ بنُ
عَبَّادٍ، وَعِدَّةٌ.
وَحَفِيْدُهُ شَيْخُ مُسْلِمٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
بَكْرِ بنِ الرَّبِيْعِ.
وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَمَا لَيَّنَهُ
أَحَدٌ.
وَاحْتجَّ بِهِ: مُسْلِمٌ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
89 - القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ أَبُو المُغِيْرَةِ
الحُدَّانِيُّ ** (م، 4)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو المُغِيْرَةِ الأَزْدِيُّ،
الحُدَّانِيُّ، البَصْرِيُّ، كَانَ يَنْزِلُ فِي بَنِي
حُدَّانَ، فَعُرِفَ بِهِم.
وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ الوَلِيْدِ.
حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَأَبِي
نَضْرَةَ، وَثُمَامَةَ بنِ حَزْنٍ القُشَيْرِيِّ،
__________
= إلى بلاد الهند، وقد حاصر الجيش المدينة، وفتحها عنوة.
وكان من بين متطوعي الجيش: الربيع ابن صبيح، وقد أصاب
الجيش مرض في أفواه الجنود، في أثناء العودة، فمات منهم
نحو من ألف رجل، منهم الربيع.
انظر: الطبري، والكامل: حوادث سنة 160 ه، والعبر: 1 / 233،
234، والشذرات: 1 / 247.
(*) التاريخ الكبير: 3 / 275، الجرح والتعديل: 3 / 469،
مشاهير علماء الأمصار: 157، تهذيب الكمال: خ: 409، تذهيب
التهذيب: خ: 1 / 220، عبر الذهبي: 1 / 249، تهذيب التهذيب:
3 / 251، خلاصة تذهيب الكمال: 115، شذرات الذهب: 1 / 263.
(* *) طبقات ابن سعد: 7 / 283، التاريخ الكبير: 7 / 169،
التاريخ الصغير: 2 / 168، الضعفاء: خ: 362، الجرح
والتعديل: 7 / 116 - 117، مشاهير علماء الأمصار: 159،
تهذيب الكمال: خ: 1115، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 150، ميزان
الاعتدال: 3 / 377، عبر الذهبي. 1 / 251، تهذيب التهذيب: 8
/ 329 - 330، خلاصة تذهيب الكمال: 313، شذرات الذهب: 1 /
264.
(7/290)
وَمُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، وَالنَّضْرِ
بنِ شَيْبَانَ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ،
وَسَعِيْدِ بنِ المُهَلَّبِ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ،
وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو دَاوُدَ،
وَحَيَّانُ بنُ عَلِيٍّ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ،
وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
مَهْدِيٍّ، وَأَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، وَخَلْقٌ
سِوَاهُم.
وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: هُوَ مِنْ مَشَايِخِنَا
الثِّقَاتِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: ذَكَرْتُهُ لِيَحْيَى
بنِ سَعِيْدٍ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ.
قُلْتُ: لَمْ يُصِبْ العُقَيْلِيُّ فِي ذِكْرِهِ
لِلْقَاسِمِ فِي (الضُّعَفَاءِ (1))، وَمَا زَادَ عَلَى
أَنْ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا
مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ، عَنْ
أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: (بَيْنَمَا رَاعٍ
يَرْعَى غنماً، أَخَذَ الذِّئْبُ شَاةً، فَخَلَّصَهَا
الرَّاعِي.
فَقَالَ الذِّئْبُ: أَلاَ تَتَّقِي اللهَ؟).
قُلْتُ: صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ (2) ، وَرَفَعَهُ.
تُوُفِّيَ الحُدَّانِيُّ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ
وَمائَةٍ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ.
وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ فِي مُنْتَقَى
(المُخَلِّصِيَّات) (3).
__________
(1) الضعفاء: خ: 362.
(2) رقم: (3695)، من طريق محمود بن غيلان، عن أبي داود
الطيالسي، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن
أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأخرجه البخاري: 6 / 375، ومسلم: (2388) من طريق أبي سلمة،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
" بينما راع في غنمه، عدا عليه الذئب، فأخذ منها شاة،
فطلبه الراعي حتى استنقذها منه.
فالتفت إليه الذئب، فقال له: من لها يوم السبع، يوم ليس
لها راع غيري ؟ "، فقال الناس: سبحان الله ! فقال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: " فإني أو من بذلك أنا وأبو
بكر وعمر ".
(3) المخلصيات: هي أجزاء حديثية، لأبي طاهر محمد بن عبد
الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن بن زكريا البغدادي،
المتوفى (393 ه).
والمخلص: يقال لمن يخلص الذهب من الغش.
(7/291)
90 - يَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
التُّسْتَرِيُّ أَبُو سَعِيْدٍ * (ع)
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو سَعِيْدٍ البَصْرِيُّ،
مَوْلَى بَنِي تَمِيْمٍ.
وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ، فِي آخِرِهَا -
أَظُنُّ -.
وَحَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَالحَسَنِ،
وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ،
وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ،
وَقَتَادَةَ، وَأَيُّوْبَ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٌ، وَابْنُ
مَهْدِيٍّ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو دَاوُدَ،
وَأَبُو أُسَامَةَ، وَأَبُو الوَلِيْدِ، وَمُسْلِمُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ العَوَقِيُّ،
وَعَفَّانُ، وَأَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ، وَعَلِيُّ
بنُ الجَعْدِ، وَهُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، وَحَجَّاجُ بنُ
مِنْهَالٍ، وَأَبُو عُمَرَ الحَوْضِيُّ، وَشَيْبَانُ بنُ
فَرُّوْخٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ
جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو الوَلِيْدِ: هُوَ أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِنْ
هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ.
وَقَالَ مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ: عَنْ وَكِيْعٍ: ثِقَةٌ،
ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، مِنْ أَوسطِ أَصْحَابِ
الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، كَانَ
عَفَّانُ يَرْفَعُ أَمرَهُ، وَكَانَ يَنْزِلُ فِي
بَاهِلَةَ.
__________
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 278، طبقات خليفة: 222، تاريخ
خليفة: 437، التاريخ الكبير: 8 / 318، المعرفة والتاريخ: 2
/ 53، 60، الجرح والتعديل: 9 / 252 - 253، مشاهير علماء
الأمصار: 159، تهذيب الكمال: خ: 1528، تذهيب التهذيب: خ: 4
/ 172 - 173، تذكرة الحفاظ: 1 / 200، ميزان الاعتدال: 4 /
418 - 419، عبر الذهبي: 1 / 239، تهذيب التهذيب: 11 / 311
- 313، طبقات الحفاظ: 86، خلاصة تذهيب الكمال: 430، شذرات
الذهب: 1 / 256.
(7/292)
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَنْكَرتُ
أَحَادِيْثَ رَوَاهَا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَهُوَ
مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيْثُه، وَلاَ بَأْسَ بِهِ، وَأَرْجُو
أَنْ يَكُوْنَ صَدُوقاً.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ ثَبتٌ فِي
الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ.
وَقَدْ وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ،
وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُم.
وَرَوَى: عَلِيٌّ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ:
يَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ قَتَادَةَ: لَيْسَ
بِذَاكَ.
قَالَ أَبُو الوَلِيْدِ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى
وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ الفَلاَّسُ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ.
وَقَالَ حَفِيْدُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ سَعِيْدٍ: مَاتَ
جَدِّي سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ،
وَغَيْرُهُ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ
اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ
الحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
التُّسْتَرِيُّ، عَنْ أَبِي هَارُوْنَ الغَنَوِيِّ، عَنْ
مُسْلِمِ بنِ شَدَّادٍ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ
أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، قَالَ:
الشُّهَدَاءُ يَوْمَ القِيَامَةِ بِفِنَاءِ العَرْشِ، فِي
قِبَابٍ وَرِيَاضٍ بَيْنَ يَدَي اللهِ -تَعَالَى-.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَذْهَبُ،
وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا أَبُو
الوَقْتِ، أَنْبَأَنَا جَمَالُ الإِسْلاَمِ، أَنْبَأَنَا
ابْنُ حَمُّوَيْه، أَنْبَأَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ
بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَنْبَأَنِي الحَسَنُ، قَالَ: تَرِثُ
الجَدَّةُ وَابْنُهَا حَيٌّ (1).
__________
(1) وأخرج الترمذي: (2101)، في الفرائض، باب ما جاء في
ميراث الجدة مع ابنها، من طريق الحسن بن عرفة، حدثنا يزيد
بن هارون، عن محمد بن سالم، عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد
الله بن مسعود، قال في الجدة مع ابنها: إنها أول جدة
أطعمها رسول - الله صلى الله عليه وسلم - سدسا مع ابنها،
وابنها حي، وإسناده ضعيف لضعف محمد بن سالم.
وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه.
وقد ورث بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الجدة مع
ابنها، ولم يورثها =
(7/293)
وَفِي (الجَعْدِيَّاتِ (1)) عِدَّةُ أَحَادِيْثَ
عَالِيَةٍ لِيَزِيْدَ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ،
وَطَائِفَةٍ.
|