قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: كَانَ
أَبُوْهُ بِأَصْبَهَانَ فِي دَوْلَةِ يَزِيْدَ بنِ
الوَلِيْدِ، فَكَانَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَوْلاَدٍ:
زُفَرُ، وَهَرْثَمَةُ، وَكَوْثَرٌ (1) .
قُلْتُ: وُلِدَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ، وَحَدَّثَ
عَنِ: الأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ،
وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ،
وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَطَبَقَتِهم.
حَدَّثَ عَنْهُ: حَسَّانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
الكَرْمَانِيُّ، وَأَكْثَمُ بنُ مُحَمَّدٍ - وَالِدُ
يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ - وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ
زِيَادٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ (2) ،
وَالنُّعْمَانُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّيْمِيُّ،
وَالحَكَمُ بنُ أَيُّوْبَ، وَمَالِكُ بنُ فُدَيْكٍ،
وَعَامَّتُهُم مِنْ رُفَقَائِهِ وَأَقْرَانِهِ،
لأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَوَانِ الرِّوَايَةِ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ: كَانَ ثِقَةً،
مَأْمُوْناً، وَقَعَ إِلَى البَصْرَةِ فِي مِيْرَاثٍ
لَهُ مِنْ أُخْتِه، فَتَشبَّثَ بِهِ أَهْلُ
البَصْرَةِ، فَلَمْ يَتْركُوهُ يَخْرُجُ مِنْ
عِنْدِهِم.
وَذَكَرَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ،
مَأْمُوْنٌ (3) .
قُلْتُ: هُوَ مِنْ بُحُوْرِ الفِقْهِ، وَأَذْكِيَاءِ
الوَقْتِ.
تَفَقَّهَ بِأَبِي حَنِيْفَةَ، وَهُوَ أَكْبَرُ
تَلاَمِذَتِه، وَكَانَ مِمَّنْ جَمَعَ بَيْنَ العِلْمِ
وَالعَمَلِ، وَكَانَ يَدْرِي الحَدِيْثَ وَيُتْقِنُهُ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ مُدْرِكٍ، عَنِ الحَسَنِ بنِ
زِيَادٍ الفَقِيْهِ، قَالَ:
كَانَ زُفَرُ، وَدَاوُدُ الطَّائِيُّ مُتَوَاخِيَيْنِ،
فَأَمَّا دَاوُدُ فَتَرَك الفِقْهَ وَأَقْبَلَ عَلَى
العِبَادَةِ، وَأَمَّا زُفَر فَجَمَعَهُمَا.
وَقَالَ الحَسَنُ بنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيُّ: مَا
رَأَيْتُ فَقِيْهاً يُنَاظِرُ زُفَرَ إِلاَّ
رَحِمْتُهُ.
__________
(1) تاريخ أصبهان: 1 / 317.
(2) بضم الميم، نسبة إلى الملاءة التي تستتر بها
النساء، وأظن أن هذه النسبة إلى بيعها، واسم أبي نعيم:
الفضل بن دكين.
(3) تاريخ ابن معين: 2 / 172.
(8/39)
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كُنْتُ أَمُرُّ
عَلَى زُفَرَ، فَيَقُوْلُ: تَعَالَ حَتَّى أُغَرْبِلَ
لَكَ مَا سَمِعْتَ.
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ: قَالَ زُفَر: مَنْ
قَعَدَ قَبْلَ وَقْتِهِ، ذَلَّ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كُنْتُ أَعرِضُ الأَحَادِيْثَ
عَلَى زُفَرَ، فَيَقُوْلُ: هَذَا نَاسِخٌ، هَذَا
مَنْسُوْخٌ، هَذَا يُؤْخَذُ بِهِ، هَذَا يُرفَضُ.
قُلْتُ: كَانَ هَذَا الإِمَامُ مُنْصِفاً فِي البَحثِ
مُتَّبِعاً.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، قَالَ:
لَقِيْتُ زُفَرَ -رَحِمَهُ اللهُ- فَقُلْتُ لَهُ:
صِرْتُمْ حَدِيْثاً فِي النَّاسِ وَضُحْكَةً (1) .
قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟
قُلْتُ: تَقُوْلُوْنَ: (ادْرَؤُوا الحُدُوْدَ
بِالشُّبُهَاتِ (2))، ثُمَّ
__________
(1) الضحكة: بضم الضاد وسكون الحاء: الشئ الذي يضحك
منه.
(2) روي من حديث عائشة، ومن حديث علي، ومن حديث أبي
هريرة، أما حديث عائشة فأخرجه الترمذي (1424) في
الحدود: باب ما جاء في درء الحدود بلفظ " ادرؤوا
الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا
سبيله، فإن الامام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في
العقوبة " وقال: هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث
محمد بن ربيعة، عن يزيد بن زياد الدمشقي، عن الزهري،
ويزيد بن زياد ضعيف في الحديث، ورواه وكيع عن يزيد بن
زياد ولم يرفعه وهو أصح، ثم أخرجه عن وكيع، عن يزيد به
موقوفا، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 4 / 384، وقال:
صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وتعقبه الامام الذهبي،
فقال: يزيد بن زياد، قال النسائي فيه: متروك.
وأما حديث علي، فأخرجه الدارقطني ص 324، وفي سنده
مختار التمار وهو ضعيف.
وأما حديث أبي هريرة، فأخرجه ابن ماجة (2545)، وأبو
يعلى من حديث وكيع، حدثني إبراهيم بن الفضل المخزومي،
عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " ادرؤوا الحدود ما استطعتم "
وإبراهيم بن الفضل المخزومي ضعفه أحمد، وابن معين،
والبخاري، وغيرهم.
وأخرجه ابن عدي في " جزء له " عن ابن عباس مرفوعا بلفظ
" ادرؤوا الحدود بالشبهات، وأقيلوا الكرام عثراتهم إلا
في حد من حدود الله " وفيه ابن لهيعة، وروى صدره أبو
مسلم الكجي، وابن السمعاني في " الذيل " عن عمر بن عبد
العزيز مرسلا ومسدد في " مسنده " عن ابن مسعود موقوفا.
(8/40)
جِئْتُم إِلَى أَعْظَمِ الحُدُوْدِ،
فَقُلْتُم: تُقَامُ بِالشُّبُهَاتِ.
قَالَ: وَمَا هُوَ؟
قُلْتُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ
بِكَافِرٍ (1)).
فَقُلْتُم: يُقْتَلُ بِهِ -يَعْنِي: بِالذِّمِّيِّ-.
قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ السَّاعَةَ أَنِّي قَدْ
رَجَعْتُ عَنْهُ.
قُلْتُ: هَكَذَا يَكُوْن العَالِمُ وَقَّافاً مَعَ
النَّصِّ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : مَاتَ زُفَرُ سَنَةَ ثَمَانٍ
وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الحَدِيْثِ
بِشَيْءٍ.
قُلْتُ: قَدْ حَكمَ لَهُ إِمَامُ الصَّنعَةِ (3)
بِأَنَّهُ ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.
7 - قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ أَبُو مُحَمَّدٍ
الأَسَدِيُّ * (د، ت، ق)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُكْثِرُ، أَبُو مُحَمَّدٍ
الأَسَدِيُّ، الكُوْفِيُّ، الأَحْوَلُ، أَحَدُ
أَوْعِيَةِ العِلْمِ عَلَى ضَعفٍ فِيْهِ مِنْ قِبَلِ
حِفْظِه.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ تِسْعِيْنَ.
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 79، والبخاري 12 / 217، في الديات:
باب العاقلة، وباب لا يقتل المسلم بالكافر، والدارمي 2
/ 190، والترمذي (1413) في الديات، والنسائي 8 / 23،
في القسامة، من طريق الشعبي عن أبي جحيفة قال: سألت
عليا رضي الله عنه: " هل عندكم شيء ما ليس في القرآن ؟
وقال مرة ما ليس عند الناس ؟ فقال: والذي فلق الحبة،
وبرأ النسمة، ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهما
يعطى رجل في كتابه، وما في الصحيفة، قلت: وما في
الصحيفة ؟ قال: العقل، وفكاك الاسير، وأن لا يقتل مسلم
بكافر ".
(2) 6 / 387، 388.
(3) هو الامام يحيى بن معين.
(*) طبقات خليفة: 169، تاريخ خليفة: 439 التاريخ
الكبير: 7 / 156، التاريخ الصغير: 2 / 170 - 172، كتاب
المجروحين والضعفاء: 2 / 216 - 219، والكامل لابن عدي:
2 / 270، تهذيب الكمال: 1135، الكاشف للذهبي: 2 / 404،
العبر للذهبي: 1 / 253، ميزان الاعتدال: 3 / 393 -
396، الضعفاء والمتروكين: 89، تذهيب التهذيب: 3 / 162
/ 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 226، المغني: 2 / 526 - 527،
خلاصة تذهيب الكمال 317، الضعفاء الصغير: 95، شذرات
الذهب / 266، طبقات الحفاظ للسيوطي: 96، تهذيب
التهذيب: 8 / 391 - 395.
(8/41)
وَرَوَى عَنْ: عَمْرِو بنِ مُرَّةَ،
وَزِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَعَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ،
وَزُبَيْدٍ اليَامِيِّ، وَمُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ،
وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَعِدَّةٍ.
وَكَانَ مِنَ المُكْثِرِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: رَفِيْقَاهُ: شُعْبَةُ
وَالثَّوْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَإِسْحَاقُ بنُ
مَنْصُوْرٍ السَّلُوْلِيُّ (1) ، وَعَلِيُّ بنُ
الجَعْدِ، وَيَحْيَى الحِمَّانِيُّ (2) ، وَمُحَمَّدُ
بنُ بَكَّارٍ بنِ الرَّيَّانِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَكَانَ شُعْبَةُ يُثنِي عَلَيْهِ.
وَوَثَّقَهُ: عَفَّانُ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ (3) : عَامَّةُ رِوَايَاتِهِ
مُسْتقِيْمَةٌ، وَالقَوْلُ فِيْهِ مَا قَالَهُ
شُعْبَةُ، وَأَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: هُوَ عِنْدَ
جَمِيْعِ أَصْحَابِنَا صَدُوْقٌ، وَكِتَابُهُ صَالِحٌ.
ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ رَدِيْءُ الحِفْظِ جِدّاً،
كَثِيْرُ الخَطَأِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: مَا سَمِعْتُ
يَحْيَى وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثَانِ عَنْ
قَيْسٍ شَيْئاً قَطُّ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ:
كَانَ قَيْسٌ لاَ يُفرِّقُ بَيْنَ (كُرِهَ) وَبَيْنَ
(لاَ بَأْسَ).
__________
(1) بفتح السين وضم اللام، نسبة إلى بني سلول، نزلوا
الكوفة، ولهم بها خطة نسبت إليهم.
(2) بكسر الحاء وتشديد الميم، نسبة إلى حمان: قبيلة من
تميم نزلوا الكوفة.
(3) " الكامل " 2 / 270.
(8/42)
وَقَالَ الفَلاَّسُ: حَدَّثَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ عَنْ قَيْسٍ أَوَّلاً، ثُمَّ تَرَكَه.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ (1) .
وَقَالَ مَرَّةً: يُضَعَّفُ.
وَلَيَّنَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ.
قُلْتُ: لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُترَكَ، فَقَدْ قَالَ
مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ
عُبَيْدٍ يَقُوْلُ:
لَمْ يَكُنْ قَيْسٌ عِنْدَنَا بِدُوْنِ سُفْيَانَ،
لَكِنَّهُ وُلِّيَ، فَأَقَامَ عَلَى رَجُلٍ الحَدَّ،
فَمَاتَ، فَطُفِئَ أَمرُهُ.
وَقَالَ مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
اسْتَعْمَلَ المَنْصُوْرُ قَيْساً عَلَى المَدَائِنِ،
فَكَانَ يُعَلِّقُ النِّسَاءَ بِثُدِيِّهِنَّ،
وَيُرسِلُ عَلَيْهِنَّ الزَّنَابِيْرَ.
قَالَ أَبُو الوَلِيْدِ: حَضَرَ شَرِيْكٌ جَنَازَةَ
قَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، فَقَالَ: مَا تَرَكَ بَعْدَهُ
مِثْلَهُ.
قَالَ أَبُو الوَلِيْدِ: كَتَبْتُ عَنْ قَيْسٍ سِتَّةَ
آلاَفِ حَدِيْثٍ.
قَالَ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ:
أَدْرِكْ قَيْساً لاَ يَفُوَتُكَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
أَلاَ تَعجَبُوْنَ مِنْ هَذَا الأَحْوَلِ! يَقَعُ فِي
قَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ - يُرِيْدُ: يَحْيَى
القَطَّانَ -.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
قَالَ قُرَادٌ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
مَا أَتَيْنَا شَيْخاً بِالكُوْفَةِ إِلاَّ وَجَدْنَا
قَيْساً قَدْ
__________
(1) " تاريخ ابن معين " 2 / 490، وفيه أيضا: سئل يحيى
عن قيس بن الربيع، فقال: لا يساوي شيئا، ونقل عن عفان
قوله: أتيناه، فكان يحدث، فربما أدخل حديث مغيرة في
حديث منصور.
(8/43)
سَبَقَنَا إِلَيْهِ، كُنَّا نَسَمِّيهِ:
قَيْساً الجَوَّالَ (1) .
وَعَنْ شَرِيْكٍ، قَالَ: مَا نَشَأَ بِالكُوْفَةِ
أَطْلَبُ لِلْحَدِيْثِ مِنْ قَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ.
قُرَادٌ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ:
جَلَسْتُ أَنَا وَقَيْسٌ فِي مَسْجِدٍ، فَلَمْ يَزَلْ
يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ، حَتَّى
تَمَنَّيتُ أَنَّ المَسْجِدَ يَقعُ عَلَيَّ
وَعَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: قَدْ سَبَرتُ أَحَادِيْثَ
قَيْسٍ، وَتَتَبَّعْتُهَا، فَرَأَيْتُهُ صَدُوقاً،
مَأْمُوْناً حِيْنَ كَانَ شَابّاً، فَلَمَّا كَبِرَ
سَاءَ حِفْظُهُ، وَامْتُحِنَ بَابْنِ سُوءٍ، فَكَانَ
يُدخِلُ عَلَيْهِ الحَدِيْثَ، فَوَقَعَ فِي أَخْبَارِه
مَنَاكِيْرُ (2) .
قَالَ عَفَّانُ: قَدِمْتُ الكُوْفَةَ، فَأَتَيْنَا
قَيْساً، فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ
يُلَقِّنُهُ، وَيَقُوْلُ لَهُ: حُصَيْنٌ، فَيَقُوْلُ:
حُصَيْنٌ، وَيَقُوْلُ رَجُلٌ آخَرُ: وَمُغِيْرَةُ (3)
.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ
وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
وَكَذَا أَرَّخَهُ: أَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ.
8 - السَّيِّدُ الحِمْيَرِيُّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ *
مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ، لَكِنَّهُ رَافِضِيُّ
جَلْدٌ.
وَاسْمُهُ: أَبُو هَاشِمٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ يَزِيْدَ بنِ رَبِيْعَةَ الحِمْيَرِيُّ.
لَهُ: مَدَائِحُ بَدِيعَةٌ فِي أَهْلِ البَيْتِ، كَانَ
__________
(1) " الجرح والتعديل " 7 / 96، 97، وسمي بذلك لكثرة
سماعه وعلمه فيما قاله ابن سعد 6 / 377.
(2) " المجروحين والضعفاء " لابن حبان 2 / 218.
(3) وتمامه كما في " المجروحين والضعفاء " 2 / 219:
فيقول: ومغيرة، فيقول آخر: والشيباني، فيقول:
والشيباني.
(*) أنساب الاشراف: 4 / 78، طبقات ابن المعتز: 32،
الاغاني: 7 / 229، 278، الذريعة: 1 / 333 - 335، ابن
الوردي: 1 / 250، وفيات الأعيان: 6 / 343، 348، الوافي
بالوفيات: رقم (5003)، فوات الوفيات: 1 / 188، روضات
الجنات: 1 / 28، البداية والنهاية 1 / 173، لسان
الميزان: 1 / 436 - 438 منهج المقال: 60.
(8/44)
يَكُوْنُ بِالبَصْرَةِ، ثُمَّ بِبَغْدَادَ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: الصَّحِيْحُ أَنَّ جَدَّهُ لَيْسَ
بِيَزِيْدَ بنِ مُفَرِّغٍ (1) الشَّاعِرِ.
وَقِيْلَ: كَانَ طُوَالاً، شَدِيْدَ الأُدْمَةِ.
قِيْلَ: إِنَّ بَشَّاراً قَالَ لَهُ: لَوْلاَ أَنَّ
اللهَ شَغَلَكَ بِمَدحِ أَهْلِ البَيْتِ،
لاَفْتَقَرْنَا.
وَقِيْلَ: كَانَ أَبَوَاهُ نَاصِبِيَّينِ (2) ،
وَلِذَلِكَ يَقُوْلُ:
لَعَنَ اللهُ وَالِدَيَّ جَمِيْعاً ... ثُمَّ
أَصْلاَهُمَا عَذَابَ الجَحِيْمِ
حَكَّمَا عَدُوَّهُ كَمَا صَلَّيَا الفَجْـ ... ـرَ
بِلَعْنِ الوَصِيِّ بَابِ العُلُوْمِ
لَعَنَا خَيْرَ مَنْ مَشَى فَوْقَ ظَهْرِ الـ ...
أَرْضِ أَوْ طَافَ مُحْرِماً بِالحَطِيْمِ (3)
وَكَانَ يَرَى رَأيَ الكَيْسَانِيَّةِ (4) فِي
رَجْعَةِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ إِلَى الدُّنْيَا.
وَهُوَ القَائِلُ:
بَانَ الشَّبَابُ وَرَقَّ عَظْمِي وَانْحَنَى ...
صَدْرُ القَنَاةِ وَشَابَ مِنِّي المَفْرِقُ
__________
(1) في الأصل: متفرغ، وهو تحريف، ويزيد هذا، هو ابن
زياد بن ربيعة، لقب بمفرغ لأنه راهن أنه يشرب عسا من
لبن فشربه حتى فرغه، وهو شاعر غزل محسن، توفي سنة 69،
وهو صاحب البيت السائر: العبد يقرع بالعصا * والحر
تكفيه الإشارة مترجم في " الشعر والشعراء " 276، وابن
خلكان 6 / 342، وخزانة الأدب 2 / 213، 214، والاغاني
18 / 180، وطبقات ابن سلام: 554.
(2) النواصب: فرقة تبغض أمير المؤمنين عليا رضي الله
عنه، وفي الاغاني 7 / 225: كانا إباضيين، والاباضية:
أصحاب عبد الله بن إباض الذي خرج في أيام مروان بن
محمد، وهم قوم من الحرورية الخوارج، زعموا أن مخالفهم
كافر مشرك لا تجوز مناكحته، وكفروا أكثر الصحابة.
(3) سمي بذلك لانحطام الناس فيه، أي: ازدحامهم، وهو ما
بين الركن والباب، وقيل: هو الحجر المخرج منها، سمي
به: لان البيت رفع، وترك هو محطوما.
(4) الكيسانية: من الرافضة، هم أصحاب المختار بن أبي
عبيد، ويذكرون أن لقبه " كيسان ".
(8/45)
يَا شِعْبَ رَضْوَى مَا لِمَنْ بِكَ لاَ
يُرَى ... وَبِنَا إِلَيْهِ مِنَ الصَّبَابَةِ
أَوْلَقُ (1)
حَتَّى مَتَى؟ وَإِلَى مَتَى؟ وَكَمِ المَدَى* ؟ ...
يَا ابْنَ الوَصِيِّ وَأَنْتَ حَيٌّ تُرْزَقُ
فَقِيْلَ: إِنَّهُ اجْتَمَعَ بِجَعْفَرٍ الصَّادِقِ،
فَبَيَّنَ لَهُ ضَلاَلَتَهُ، فَتَابَ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ فِي (المِلَلِ وَالنِّحَلِ):
إِنَّ السَّيِّدَ كَانَ يَقُوْلُ بِتَنَاسُخِ
الأَروَاحِ.
قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَةٍ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَنَظْمُهُ فِي الذِّرْوَةِ، وَلِذَلِكَ حَفِظَ
دِيْوَانَهُ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ.
9 - صَالِحٌ المُرِّيُّ أَبُو بِشْرٍ بنُ بَشِيْرٍ
القَاصُّ *
الزَّاهِدُ، الخَاشِعُ، وَاعِظُ أَهْلِ البَصْرَةِ،
أَبُو بِشْرٍ بنُ بَشِيْرٍ القَاصُّ (2).
__________
(1) الشعب: ما انفرج بين جبلين، ورضوى: جبل منيف ذو
شعاب وأودية، وهو من ينبع على مسيرة يوم، ومن المدينة
على سبع مراحل، وهو المكان الذي زعم الكيسانية أن محمد
بن الحنفية به مقيم حي يرزق، وأنه بين أسد ونمر
يحفظانه، عنده عينان نضاختان، تجريان بماء وعسل، ويعود
بعد الغيبة، فيملا الأرض عدلا كما ملئت جورا، والاولق:
شبه الجنون من الخفة، والبيتان في " تاريخ ابن عساكر "
5 / 365، " وتاريخ الإسلام " 3 / 295، ومروج الذهب 2 /
201، والثاني منها في " طبقات الشعراء " ص 33 لابن
المعتز.
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 281، تاريخ خليفة: 448، طبقات
خليفة: 223، التاريخ الكبير: 4 / 273، التاريخ الصغير:
201، الضعفاء للعقيلي: 2 / 186، الكامل لابن عدي: 2 /
199، 200، حلية الأولياء: 6 / 165 - 177، تاريخ بغداد:
9 / 305، الكامل لابن الأثير: 6 / 134، ميزان
الاعتدال: 2 / 289 العبر للذهبي: 1 / 262، تهذيب
التهذيب: 4 / 382، خلاصة تذهيب الكمال 170، صفة
الصفوة: 3 / 350، الضعفاء الصغير: 59، الضعفاء
والمتروكين: 57، المغني: 1 / 302، شذرات الذهب: 1 /
281، تذهيب التهذيب: 2 / 85 / 2، الكاشف 2 / 18،
اللباب: 3 / 201، تهذيب الكمال: لوحة 595، وفيات
الأعيان: 2 / 494، تاريخ ابن معين: 2 / 262.
(2) القاص: هو الواعظ الذي يجلس إلى الناس فيذكرهم
بسرد قصص النبيين والصالحين، وشرحها بأسلوب مشوق محبب،
واستنباط العبر منها، وفي ذلك عبرة لمعتبر، وعظة
لمزدجر، واقتداء بصواب لمتبع، وهو عمل سائغ يثاب عليه
فاعله، إذا كان المتصدي له =
(8/46)
حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ، وَمُحَمَّدٍ،
وَبَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَثَابِتٍ، وَقَتَادَةَ،
وَأَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: عَفَّانُ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ،
وَعُبَيْدُ اللهِ العَيْشِيُّ، وَخَالِدُ بنُ خِدَاشٍ،
وَطَالُوْتُ بنُ عَبَّادٍ، وَآخَرُوْنَ.
رَوَى: عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ
بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ (1) .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.
وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ
مَعِيْنٍ: ضَعِيْفٌ.
وَقَالَ عَفَّانُ: كَانَ شَدِيْدَ الخَوْفِ مِنَ
اللهِ، كَأَنَّهُ ثَكْلَى إِذَا قَصَّ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَاصٌّ، حَسَنُ الصَّوْتِ،
عَامَّةُ أَحَادِيْثِه مُنْكَرَةٌ، أُتِيَ مِنْ
قِلِّةِ مَعْرِفَتِه بِالأَسَانِيْدِ، وَعِنْدِي
أَنَّهُ لاَ يَتَعَمَّدُ (2) .
وَقِيْلَ: لَمَّا سَمِعَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ،
قَالَ: مَا هَذَا قَاصٌّ، هَذَا نَذِيرٌ.
قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: كَانَ الغَالِبُ عَلَى
صَالِحٍ كَثْرَةَ الذِّكْرِ، وَالقِرَاءةِ
بِالتَّحزِيْنِ (3) .
وَيُقَالُ: هُوَ أَوَّلُ مِنْ قَرَأَ بِالبَصْرَةِ
بِالتَّحزِيْنِ.
وَيُقَالُ: مَاتَ جَمَاعَةٌ سَمِعُوا قِرَاءتَه.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَيُقَالُ: بَقِيَ إِلَى سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَةٍ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: شَهِدْتُ صَالِحاً المُرِّيَّ
عَزَّى رَجُلاً، فَقَالَ: لَئِنْ
__________
= عالما بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،
يتحرى الصدق في مروياته، ويحترز عن إيراد القصص
الخرافية، والأحاديث المكذوبة، والحكايات التي تناقض
ما جاء في كتاب الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم.
(1) في " التاريخ الكبير " 4 / 273.
(2) الكامل 199 / 2.
(3) في " تهذيب التهذيب ": كان من أحزن أهل البصرة
صوتا، وفي " الحلية ": صاحب قراءة وشجن ومخافة وحزن.
(8/47)
كَانَتْ مُصِيْبَتُكَ بِابْنِكَ لَمْ
تُحْدِثْ لَكَ مَوْعِظَةً فِي نَفْسِكَ، فَهِي
هَيِّنَةٌ فِي جَنْبِ مُصِيْبَتِكَ بِنَفْسِكَ،
فَإِيَّاهَا فَابْكِ.
10 - مَالِكٌ الإِمَام
ُ مَالِكُ بنُ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ المَدَنِيُّ * (ع)
هُوَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ، حُجَّةُ الأُمَّةِ، إِمَامُ
دَارِ الهِجْرَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مَالِكُ بنُ
أَنَسِ بنِ مَالِكِ بنِ أَبِي عَامِرٍ بنِ عَمْرِو بنِ
الحَارِثِ بنِ غَيْمَانَ بنِ خُثَيْلِ (1) بنِ عَمْرِو
بنِ الحَارِثِ، وَهُوَ ذُو أَصْبَحَ بنُ عَوْفِ بنِ
مَالِكِ بنِ زَيْدٍ بنِ شَدَّادِ بنِ
__________
(*) جماع العلم للشافعي: (242)، تاريخ خليفة بن خياط:
1 / 432، 2 / 719، طبقات خليفة: 275، المعارف لابن
قتيبة: 498 - 499، المنتخب من كتاب ذيل المذيل للطبري:
106، 107، مشاهير علماء الأمصار: ت (1110)، الحلية: 6
/ 316، الفهرست لابن النديم مع تراجم أصحابه: 280 -
284، أنساب العرب لابن حزم: 1 / 435 436، الفهرست
للطوسي: ت (740)، الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء:
9 - 63، طبقات الشيرازي: 67، ترتيب المدارك: 1 / 102 -
254، المبهمات في الحديث للنووي: 34 / 2، جزء فيه
الأحاديث التي خولف فيها مالك بن أنس: تخريج الدارقطني
255 / 1 269 / 2، تذكرة الحفاظ لابن عبد الهادي: 49 /
2، صفة الصفوة: 2 / 177 - 180، الكامل لابن الأثير، 6
/ 147، تهذيب الأسماء واللغات للنووي: 2 / 75 - 79،
وفيات الأعيان 4 / 135 - 139، تهذيب الكمال: 1297،
تذكرة الحفاظ: 1 / 207 - 213، العبر للذهبي: 1 / 272،
مرآة الجنان لليافعي: 1 / 373 - 377، البداية
والنهاية: 10 / 174 - 175، الديباج المذهب: 1 / 55 -
139، تهذيب التهذيب: 10 / 5، النجوم الزاهرة لابن تغري
بردي: 2 / 96 - 97، شرح البخاري للقسطلاني: 1 / 6،
مفتاح السعادة طاش كبري زاده: 2 / 12، 84 - 88،
التاريخ الكبير: 7 / 310، التاريخ الصغير 2 / 220،
الطبقات الكبرى للشعراني: 45، شذرات الذهب: 2 / 12 -
15، تذهيب التهذيب: 4 / 14 / 2 - 1 / 2، الكاشف: 3 /
112، تاريخ ابن معين: 2 / 543 - 546، الأنساب: 1 /
287، اللباب: 1 / 69، الرسالة المستطرفة: 13، مروج
الذهب: 3 / 350، طبقات الحفاظ: 89، تاريخ الخميس: 2 /
333، طبقات القراء: 2 / 35.
(1) بخاء معجمة مضمومة، وثاء مثلثة، وكذا قيده ابن
ماكولا وضبطه، وحكاه عن محمد ابن سعد، عن أبي بكر بن
أبي أويس، وقال أبو الحسن الدارقطني وغيره: جثيل
بالجيم وحكاه عن الزبير، وفي " القاموس ": خثيل كزبير
جد للامام مالك أو هو بالجيم. وسيرد ضبطه عند المؤلف
71.
(8/48)
زُرْعَةَ، وَهُوَ حِمْيَرُ الأَصْغَرُ
الحِمْيَرِيُّ، ثُمَّ الأَصْبَحِيُّ، المَدَنِيُّ،
حَلِيْفُ بَنِي تَيْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَهُم حُلفَاءُ
عُثْمَانَ أَخِي طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ أَحَدِ
العَشْرَةِ (1) .
وَأُمُّهُ هِيَ: عَالِيَةُ بِنْتُ شَرِيْكٍ
الأَزْدِيَّةُ.
وَأَعمَامُه هُم: أَبُو سُهَيْلٍ نَافِعٌ، وَأُوَيْسٌ،
وَالرَّبِيْعُ، وَالنَّضْرُ، أَوْلاَدُ أَبِي عَامِرٍ.
وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ: وَالِدِه أَنَسٍ،
وَعَمَّيْهِ؛ أُوَيْسٍ وَأَبِي سُهَيْلٍ، وَقَالَ:
مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ.
وَرَوَى أَبُو أُوَيْسٍ عَبْدُ اللهِ عَنْ عَمِّهِ
الرَّبِيْعِ، وَكَانَ أَبُوْهُم مِنْ كِبَارِ
عُلَمَاءِ التَّابِعِيْنَ.
أَخَذَ عَنْ: عُثْمَانَ، وَطَائِفَةٍ.
مَوْلِدُ مَالِكٍ عَلَى الأَصَحِّ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ
وَتِسْعِيْنَ، عَامَ مَوْتِ أَنَسٍ خَادِمِ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَشَأَ
فِي صَوْنٍ وَرَفَاهِيَةٍ وَتَجمُّلٍ.
وَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ حَدْثٌ بُعَيْدَ مَوْتِ
القَاسِمِ، وَسَالِمٍ.
فَأَخَذَ عَنْ: نَافِعٍ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ،
وَعَامِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ
المُنْكَدِرِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ
دِيْنَارٍ، وَخَلْقٍ سَنَذْكُرُهُم عَلَى المُعْجَمِ،
وَإِلَى جَانِبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم مَا رَوَى
عَنْهُ فِي (المُوَطَّأِ)، كَمْ عَدَدُهُ.
وَهُمْ:
إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ (18)،
أَيُّوْبُ بنُ أَبِي تَمِيْمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ
عَالِمُ البَصْرَةِ (4)، أَيُّوْبُ بنُ حَبِيْبٍ
الجُهَنِيُّ مَوْلَى سَعْدِ بنِ مَالِكٍ (1)،
إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُقْبَةَ (1)، إِسْمَاعِيْلُ بنُ
أَبِي حَكِيْمٍ (1)، إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
سَعْدٍ (1)، ثَوْرُ بنُ زَيْدٍ الدِّيْلِيُّ (3)،
جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ (7)، حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ
(6)، حُمَيْدُ بنُ قَيْسٍ الأَعْرَجُ (2)، خُبَيْبُ
بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (2)، دَاوُدُ بنُ الحُصَيْنِ
(4)، دَاوُدُ أَبُو لَيْلَى بنُ عَبْدِ اللهِ فِي
القِسَامَةِ (1)، رَبِيْعَةُ الرَّأْيُ (5)، زَيْدُ
بنُ أَسْلَمَ (26) (26)، زَيْدُ بنُ رَبَاحٍ (1)،
زِيَادُ بنُ سَعْدٍ (1)،
__________
(1) أي المبشرين بالجنة.
(8/49)
زَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ (1)، سَالِمٌ
أَبُو النَّضْرِ (13)، سَعِيْدُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ
(4)، سُمَيٌّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ (13)، سَلَمَةُ بنُ
دِيْنَارٍ أَبُو حَازِمٍ (8)، سُهَيْلُ بنُ أَبِي
صَالِحٍ (11)، سَلَمَةُ بنُ صَفْوَانَ الزُّرَقِيُّ
(1)، سَعْدُ بنُ إِسْحَاقَ (1)، سَعِيْدُ بنُ عَمْرِو
بنِ شُرَحْبِيْلَ (1)، شَرِيْكُ بنُ أَبِي نَمِرٍ (1)،
صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ (2)، صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ
(2)، صَيْفِيٌّ مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ (1)، ضَمْرَةُ
بنُ سَعِيْدٍ (2)، طَلْحَةُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ (1)،
عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ (2)، عَبْدُ
اللهِ بنُ الفَضْلِ (1)، عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ
اللهِ بنِ جَابِرِ بنِ عَتِيْكٍ (2)، عَبْدُ اللهِ بنُ
أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ (18)، عَبْدُ اللهِ بنُ
يَزِيْدَ مَوْلَى الأَسْوَدِ (5)، عَبْدُ اللهِ بنُ
دِيْنَارٍ (31)، أَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللهِ بنُ
ذَكْوَانَ (64)، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ
(8)، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي صَعْصَعَةَ (3)،
عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو طُوَالَةَ
(2)، عُبَيْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ الأَغَرُّ (1)،
عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (1)، عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ حَرْملَةَ (1)، عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ أَبِي عَمْرَةَ (1)، عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ
سُهَيْلٍ (1)، عَبْدُ رَبِّهِ بنُ سَعِيْدٍ (2)،
عَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ (1)، عَطَاءٌ
الخُرَاسَانِيُّ (1)، عَمْرُو بنُ الحَارِثِ (1)،
عَمْرُو بنُ أَبِي عَمْرٍو (1)، عَمْرُو بنُ يَحْيَى
بنِ عَمَّارٍ (3)، عَلْقَمَةُ بنُ أَبِي عَلْقَمَةَ
(2)، العَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (1)، فُضَيْلُ
بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ (1)، قَطَنُ بنُ وَهْبٍ (1)،
الزُّهْرِيُّ (18)، ابْنُ المُنْكَدِرِ (4)، أَبُو
الزُّبَيْرِ (8)، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
يَتِيْمُ عُرْوَةَ (4)، مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ
حَلْحَلَةَ (2)، مُحَمَّدُ بنُ عُمَارَةَ (1)،
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي أُمَامَةَ (1)، مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي صَعْصَعَةَ (1)، مُحَمَّدُ بنُ
أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيُّ (1)، مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو
بنِ عَلْقَمَةَ (1)، مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ
حَبَّانَ (4)، مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ
(1)، أَبُو الرِّجَالِ مُحَمَّدٌ (1)، مُوْسَى بنُ
عُقْبَةَ (2)، مُوْسَى بنُ مَيْسَرَةَ (2)، مُوْسَى
بنُ أَبِي تَمِيْمٍ (1)، مَخْرَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ
(1)، مُسْلِمُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ (2)، المِسْوَرُ بنُ
رِفَاعَةَ (1)، نَافِعٌ (85)، أَبُو
(8/50)
سُهَيْلٍ نَافِعُ بنُ مَالِكٍ (1)،
نُعَيْمٌ المُجْمِرُ (3)، وَهْبُ بنُ كَيْسَانَ (1)،
هَاشِمُ بنُ هَاشِمٍ الوَقَّاصِيُّ (1)، هِلاَلُ بنُ
أَبِي مَيْمُوْنَةَ (1)، هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ (42)،
يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ (40)، يَزِيْدُ
بنُ خُصَيْفَةَ (3)، يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ
المَدَنِيُّ (1)، يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
الهَادِ (3)، يَزِيْدُ بنُ رُوْمَانَ (1)، يَزِيْدُ
بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسَيْطٍ (1)، يُوْنُسُ بنُ
يُوْسُفَ بنِ حِمَاسٍ (2)، أَبُو بَكْرٍ بنُ عُمَرَ
العُمَرِيُّ (1)، أَبُو بَكْرٍ بنُ نَافِعٍ (2)،
الثِّقَةُ عِنْدَهُ (2)، الثِّقَةُ (3).
فَعَنْهُم كُلُّهُم سِتُّ مائَةٍ وَسِتَّةٌ
وَثَلاَثُوْنَ حَدِيْثاً، وَسِتَّةُ أَحَادِيْثَ
عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّ، وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فِي
أَحَدٍ وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثاً.
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ مَقَاطِيْعَ (1) :
عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ أَبِي المُخَارِقِ، وَمُحَمَّدُ
بنُ عُقْبَةَ، وَعُمَرُ بنُ حُسَيْنٍ، وَكَثِيْرُ بنُ
زَيْدٍ، وَكَثِيْرُ بنُ فَرْقَدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ
عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَعُثْمَانُ بنُ
حَفْصِ بنِ خَلْدَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ سَعْدِ بنِ زُرَارَةَ، وَيَعْقُوْبُ
بنُ يَزِيْدَ بنِ طَلْحَةَ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ
بنِ طَحْلاَءَ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
رُقَيْشٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ المُجَبَّرِ،
وَالصَّلْتُ بنُ زُيَيْدٍ (2) ، وَأَبُو عُبَيْدٍ
حَاجِبُ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ،
وَعَفِيْفُ بنُ عَمْرٍو، وَمُحَمَّدُ بنُ زَيْدِ بنِ
قُنْفُذٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ القَارِئُ، وَعُمَرُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ، وَصَدَقَةُ بنُ يَسَارٍ
المَكِّيُّ، وَزِيَادُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، وَعُمَارَةُ
بنُ صَيَّادٍ، وَسَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ زَيْدِ
بنِ ثَابِتٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ،
وَعُرْوَةُ بنُ أُذَيْنَةَ، وَأَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى،
وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَرْملَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ
عُثْمَانَ، وَجَمِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
المُؤَذِّنُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
عَبْدِ
__________
(1) هي الأحاديث الموقوفة والمرسلة وغير المسندة.
(2) زييد بياء معجمة باثنتين من تحتها مكررة كما ضبطه
ابن ماكولا، وقد تصحف في " الجرح والتعديل " و" تعجيل
المنفعة " إلى " زبيد " بالباء الموحدة.
(8/51)
اللهِ بنِ عَبْدٍ، وَعَمْرُو بنُ عُبَيْدِ
اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي
عَبْلَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي
هِنْدٍ، وَيَزِيْدُ بنُ حَفْصٍ، وَعَاصِمُ بنُ
عُبَيْدِ اللهِ، وَثَابِتٌ الأَحْنَفُ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَعُمَرُ بنُ أَبِي
دُلاَفٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ قُرَيْزٍ،
وَالوَلِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ صَيَّادٍ،
وَعَائِشَةُ بِنْتُ سَعْدٍ.
وَفِي (المُوَطَّأِ): عِدَّةُ مَرَاسِيْلَ أَيْضاً
عَنِ: الزُّهْرِيِّ، وَيَحْيَى الأَنْصَارِيِّ،
وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ.
عَمِلَ الإِمَامُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَطرَافَ (1)
جَمِيْعِ ذَلِكَ فِي جُزْءٍ كَبِيْرٍ، فَشَفَى
وَبَيَّنَ، وَقَدْ كُنْتُ أَفْرَدْتُ أَسْمَاءَ
الرُّوَاةِ عَنْهُ فِي جُزْءٍ كَبِيْرٍ يُقَارِبُ
عَدَدُهُم أَلْفاً وَأَرْبَعَ مائَةٍ، فَلْنَذْكُرْ
أَعْيَانَهُم:
حَدَّثَ عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ: عَمُّهُ؛ أَبُو
سُهَيْلٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ،
وَالزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَيَزِيْدُ
بنُ الهَادِ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَعُمَرُ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ، وَغَيْرُهُم.
وَمِنْ أَقْرَانِهِ: مَعْمَرٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ،
وَأَبُو حَنِيْفَةَ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ،
وَالأَوْزَاعِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ،
وَجُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ، وَاللَّيْثُ،
وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَخَلْقٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ
جَعْفَرٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ اللهِ
بنُ المُبَارَكِ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَابْنُ أَبِي
الزِّنَادِ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي
زَائِدَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الفَقِيْهُ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
مَهْدِيٍّ، وَمَعْنُ بنُ عِيْسَى القَزَّازُ، وَعَبْدُ
اللهِ بنُ وَهْبٍ، وَأَبُو قُرَّةَ مُوْسَى بنُ
طَارِقٍ، وَالنُّعْمَانُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ،
وَوَكِيْعٌ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَيَحْيَى
القَطَّانُ، وَإِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ،
وَأَنَسُ بنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ، وَضَمْرَةُ بنُ
رَبِيْعَةَ، وَأُمَيَّةُ بنُ خَالِدٍ، وَبِشْرُ بنُ
السَّرِيِّ
__________
(1) الاطراف: أن يذكر طرف الحديث (أول متنه) الدال على
بقية، ويجمع أسانيده إما مستوعبا، وإما مقيدا بكتب
مخصوصة.
(8/52)
الأَفْوَهُ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ،
وَبَكْرُ بنُ الشَّرُوْدِ الصَّنْعَانِيُّ، وَأَبُو
أُسَامَةَ، وَحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَرَوْحُ بنُ
عُبَادَةَ، وَأَشْهَبُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبُو
عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
عَبْدِ الحَكَمِ، وَزِيَادُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
شَبَطُوْنُ الأَنْدَلُسِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو كَامِلٍ مُظَفَّرُ بنُ
مُدْرِكٍ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَعَبْدُ
الرَّزَّاقِ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، وَأَبُو
مُسْهِرٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ
الصَّائِغُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ
المَرْوَزِيُّ عَبْدَانُ، وَمَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ
الطَّاطَرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ
التِّنِّيْسِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ
بنُ دُكَيْنٍ، وَمُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّازِيُّ،
وَمَنْصُوْرُ بنُ سَلَمَةَ الخُزَاعِيُّ، وَالهَيْثَمُ
بنُ جَمِيْلٍ الأَنْطَاكِيُّ، وَهِشَامُ بنُ عُبَيْدِ
اللهِ الرَّازِيُّ، وَأَسَدُ بنُ مُوْسَى، وَآدَمُ بنُ
أَبِي إِيَاسٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ
الطَّبَّاعِ، وَخَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ القَطَوَانِيُّ،
وَيَحْيَى بنُ صَالِحٍ الوُحَاظِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ
وَإِسْمَاعِيْلُ ابْنَا أَبِي أُوَيْسٍ، وَعَلِيُّ بنُ
الجَعْدِ، وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ، وَيَحْيَى بنُ
يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى
اللَّيْثِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَيَحْيَى
بنُ بُكَيْرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ،
وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَمُصْعَبُ بنُ عَبْدِ
اللهِ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ،
وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ اليَرْبُوْعِيُّ، وَسُوَيْدُ
بنُ سَعِيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنُ،
وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَاتِمٍ
الطَّوِيْلُ، وَأَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخُزَاعِيُّ
الشَّهِيْدُ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيُّ،
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ البَلْخِيُّ
المَاكِيَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سُلَيْمَانَ
الزَّيَّاتُ البَلْخِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُوْسَى
الفَزَارِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ عِيْسَى بنِ
الطَّبَّاعِ أَخُو مُحَمَّدٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ
مُحَمَّدٍ الفَرْوِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ الفُرَاتِ،
وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحُنَيْنِيُّ،
وَبِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ الكِنْدِيُّ، وَحَبِيْبُ بنُ
أَبِي حَبِيْبٍ كَاتِبُ مَالِكٍ، وَالحَكَمُ بنُ
المُبَارَكِ الخَاشْتِيُّ (1) ، وَخَالِدُ بنُ خِدَاشٍ
المُهَلَّبِيُّ، وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ البَزَّارُ،
وَزُهَيْرُ
__________
(1) نسبة إلى خاشت قرية من قرى بلخ.
(8/53)
بنُ عَبَّادٍ الرُّؤَاسِيُّ، وَسَعِيْدُ
بنُ عُفَيْرٍ المِصْرِيُّ،
وَسَعِيْدُ بنُ دَاوُدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَسَعِيْدُ
بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ سُلَيْمَانُ
بنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ، وَصَالِحُ بنُ عَبْدِ
اللهِ التِّرْمِذِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعِ بنِ
ثَابِتٍ الزُّبَيْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ
الجُمَحِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو
البَجَلِيُّ الحَرَّانِيُّ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ
حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ
يَحْيَى المَدَنِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَعُبَيْدُ
بنُ هِشَامٍ الحَلَبِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ
الحَمِيْدِ المَعْنِيُّ، وَعُتْبَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ
اليَحْمَدِيُّ (1) المَرْوَزِيُّ، وَعَمْرُو بنُ
خَالِدٍ الحَرَّانِيُّ، وَعَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ
الوَاسِطِيُّ، وَعَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ
النَّرْسِيُّ، وَكَامِلُ بنُ طَلْحَةَ، وَمُحَمَّدُ
بنُ مُعَاوِيَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ
عُمَرَ الوَاقِدِيُّ، وَأَبُو الأَحْوَصِ مُحَمَّدُ
بنُ حِبَّانَ البَغَوِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الوَرْكَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ
بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي سُكَيْنَةَ، وَمَنْصُوْرُ
بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، وَمُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ
اليَسَارِيُّ، وَمُحْرِزُ بنُ سَلَمَةَ العَدَنِيُّ،
وَمُحْرِزُ بنُ عَوْنٍ، وَالهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ،
وَيَحْيَى بنُ قَزَعَةَ المَدَنِيُّ، وَيَحْيَى بنُ
سُلَيْمَانَ بنِ نَضْلَةَ المَدَنِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ
صَالِحٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ الفَرَّاءُ.
وَآخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً: رَاوِي (المُوَطَّأِ)؛
أَبُو حُذَافَةَ أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ
السَّهْمِيُّ، عَاشَ بَعْدَ مَالِكٍ ثَمَانِيْنَ
عَاماً (2) .
وَقَدْ حَجَّ قَدِيْماً، وَلَحِقَ عَطَاءَ بنَ أَبِي
رَبَاحٍ، فَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ:
سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي الزُّبَيْرِ يَقُوْلُ:
حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ:
رَأَيْتُ عَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ دَخَلَ
المَسْجِدَ، وَأَخَذَ بِرُمَّانَةِ المِنْبَرِ، ثُمَّ
اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ (3).
__________
(1) نسبة إلى يحمد: بطن من الازد.
(2) للحافظ السيوطي كتاب " إسعاف المبطا برجال الموطا
" ترجم فيه الرواة المذكورين في " الموطأ " وهو مطبوع
ألحق بكتابه " تنوير الحوالك ".
(3) ذكره المؤلف في " تذكرته " 1 / 208.
(8/54)
قَالَ مَعْنٌ، وَالوَاقِدِيُّ، وَمُحَمَّدُ
بنُ الضَّحَّاكِ: حَمَلَتْ أُمُّ مَالِكٍ بِمَالِكٍ
ثَلاَثَ سنِيْنَ (1) .
وَعَنِ الوَاقِدِيِّ، قَالَ: حَمَلتْ بِهِ سَنَتَيْنِ.
وَطَلبَ مَالِكٌ العِلْمَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعَ
عَشْرَةَ سَنَةً، وَتَأَهَّل لِلْفُتْيَا، وَجَلَسَ
لِلإِفَادَةِ، وَلَهُ إِحْدَى وَعِشْرُوْنَ سَنَةً،
وَحَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ وَهُوَ حَيٌّ شَابٌّ
طَرِيٌّ، وَقَصَدَهُ طَلبَةُ العِلْمِ مِنَ الآفَاقِ
فِي آخِرِ دَوْلَةِ أَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُوْرِ،
وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ فِي
خِلاَفَةِ الرَّشِيْدِ، وَإِلَى أَنْ مَاتَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ
الغَنِيِّ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ
إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ
الخَطِيْبُ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
البَاقِي، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ
غَالِبٍ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ،
عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
أَبِي صَالِحٍ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبلُغُ بِهِ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
(لَيَضْرِبَنَّ النَّاسُ أَكْبَادَ الإِبِلِ فِي
طَلَبِ العِلْمِ، فَلاَ يَجِدُوْنَ عَالِماً أَعْلَمَ
مِنْ عَالِمِ المَدِيْنَةِ) (2).
وَبِهِ: إِلَى ابْنِ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بنُ
الفَرَجِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ
أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
__________
(1) انظر " ترتيب المدارك " 1 / 111، والوفيات 4 /
137، والعبر 1 / 272، والانتقاء ص 12.
(2) أخرجه أحمد 2 / 299، والترمذي (2682)، وابن حبان
(2308)، والحاكم 1 / 91، والبيهقي: 1 / 386 كلهم من
حديث سفيان بن عيينة، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن
أبي صالح، عن أبي هريرة، ورجاله ثقات، إلا أن ابن جريج
وأبا الزبير مدلسان، وقد عنعنا، وأعله الامام أحمد
بالوقف، كما ذكره ابن قدامة في " المنتخب " ومع ذلك
فقد حسنه الترمذي، وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه
الذهبي.
(8/55)
أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ
يَضْرِبُوْنَ أَكْبَادَ الإِبِل...)، فَذَكَرَ
الحَدِيْثَ.
هَذَا حَدِيْثٌ نَظِيفُ الإِسْنَادِ، غَرِيْبُ
المَتْنِ.
رَوَاهُ: عِدَّةٌ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ.
وَفِي لَفْظٍ: (يُوْشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ
آبَاطَ الإِبِلِ يَلْتَمِسُوْنَ العِلْمَ).
وَفِي لَفْظٍ: (مِنْ عَالِمٍ بِالمَدِيْنَةِ).
وَفِي لَفْظٍ: (أَفْقَهَ مِنْ عَالِمِ المَدِيْنَةِ).
وَقَدْ رَوَاهُ: المُحَارِبِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ
مَوْقُوَفاً، وَيُرْوَى عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
اللهِ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،
مَرْفُوْعاً.
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
كَثِيْرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ،
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (يَضْرِبُوْنَ أَكْبَادَ الإِبِلِ، فَلاَ
يَجِدُوْنَ عَالِماً أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ
المَدِيْنَةِ).
قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا خَطَأٌ، الصَّوَابُ: عَنْ
أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ.
مَعْنُ بنُ عِيْسَى: عَنْ أَبِي المُنْذِرِ زُهَيْرٍ
التَّمِيْمِيِّ، قَالَ:
قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ
أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ،
قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (يَخْرُجُ نَاسٌ مِنَ المَشْرِقِ
وَالمَغْرِبِ فِي طَلَبِ العِلْمِ، فَلاَ يَجِدُوْنَ
عَالِماً أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ المَدِيْنَةِ (1)).
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ:
كُنْتُ أَقُوْلُ: هُوَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ،
حَتَّى قُلْتُ: كَانَ فِي زَمَانِهِ سُلَيْمَانُ بنُ
يَسَارٍ، وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَغَيْرُهُمَا.
ثُمَّ أَصْبَحْتُ اليَوْمَ أَقُوْلُ: إِنَّهُ مَالِكٌ،
لَمْ يَبْقَ لَهُ نَظِيْرٌ بِالمَدِيْنَةِ.
__________
(1) هو مرسل.
سعيد بن أبي هند لم يسمع مع أبي موسى.
(8/56)
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: هَذَا هُوَ
الصَّحِيْحُ عَنْ سُفْيَانَ.
رَوَاهُ عَنْهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَابْنُ مَعِيْنٍ،
وَذُؤَيْبُ بنُ عِمَامَةَ (1) ، وَابْنُ
المَدِيْنِيِّ، وَالزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ،
وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، كُلُّهُم سَمِعَ
سُفْيَانَ يُفسِّرهُ بِمَالِكٍ، أَوْ يَقُوْلُ:
وَأَظُنُّهُ، أَوْ أَحْسِبُهُ، أَوْ أُرَاهُ، أَوْ
كَانُوا يَرَوْنَهُ (2) .
وَذَكَرَ أَبُو المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيُّ أَنَّ
مَعْنَاهُ: مَا دَامَ المُسْلِمُوْنَ يَطلبُوْنَ
العِلْمَ لاَ يَجِدُوْنَ أَعْلَمَ مِنْ عَالِمٍ
بِالمَدِيْنَةِ.
فَيَكُوْنُ عَلَى هَذَا: سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ،
ثُمَّ بَعْدَهُ مَنْ هُوَ مِنْ شُيُوْخِ مَالِكٍ،
ثُمَّ مَالِكٍ، ثُمَّ مَنْ قَامَ بَعْدَهُ بِعِلْمِهِ،
وَكَانَ أَعْلَمَ أَصْحَابِهِ.
قُلْتُ: كَانَ عَالِمَ المَدِيْنَةِ فِي زَمَانِهِ
بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَصَاحِبَيْهِ، زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ،
وَعَائِشَةُ، ثُمَّ ابْنُ عُمَرَ، ثُمَّ سَعِيْدُ بنُ
المُسَيِّبِ، ثُمَّ الزُّهْرِيُّ، ثُمَّ عُبَيْدُ
اللهِ بنُ عُمَرَ، ثُمَّ مَالِكٌ.
وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: مَالِكٌ عَالِمُ
أَهْلِ الحِجَازِ، وَهُوَ حُجَّةُ زَمَانِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - وَصَدَقَ وَبَرَّ -: إِذَا
ذُكر العُلَمَاءُ فَمَالِكٌ النَّجْمُ (3) .
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بكَّارٍ فِي حَدِيْثِ:
(لَيَضرِبَنَّ النَّاسُ أَكْبَادَ الإِبِل...).
كَانَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا
فِي حَيَاةِ مَالِكٍ، يَقُوْلُ: أُرَاهُ مَالِكاً.
فَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ زَمَاناً ثُمَّ رَجَعَ بَعْدُ،
فَقَالَ: أُرَاهُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ
العُمَرِيَّ الزَّاهِدَ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: لَيْسَ
العُمَرِيُّ مِمَّنْ يَلْحَقُ فِي العِلْمِ وَالفِقْهِ
بِمَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ شَرِيْفاً سَيِّداً،
عَابِداً.
__________
(1) ترجمه المؤلف في " الميزان " فقال: ضعفه الدارقطني
وغيره.
(2) ترتيب المدارك 1 / 83.
(3) وذكره أبو نعيم في " الحلية " 6 / 318، وابن أبي
حاتم في " الجرح والتعديل "
1 / 206، والمؤلف في " تذكرته " 1 / 108، وعبره 1 /
272.
(8/57)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ:
حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ:
نَرَى هَذَا الحَدِيْثَ أَنَّهُ هُوَ مَالِكٌ، وَكَانَ
سُفْيَانُ يَسْأَلُنِي عَنْ أَخْبَارِ مَالِكٍ.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ لِهَذَا العُمَرِيِّ عِلْمٌ وَفقهٌ
جَيِّدٌ وَفَضْلٌ، وَكَانَ قَوَّالاً بِالحَقِّ،
أَمَّاراً بِالعُرْفِ، مُنْعَزِلاً عَنِ النَّاسِ،
وَكَانَ يَحُضُّ مَالِكاً إِذَا خَلاَ بِهِ عَلَى
الزُّهْدِ، وَالاَنقطَاعِ وَالعُزلَةِ - فَرَحِمَهُمَا
اللهُ -.
فَصْلٌ
وَلَمْ يَكُنْ بِالمَدِيْنَةِ عَالِمٌ مِنْ بَعْدِ
التَّابِعينَ يُشْبِهُ مَالِكاً فِي العِلْمِ،
وَالفِقْهِ، وَالجَلاَلَةِ، وَالحفظِ، فَقَدْ كَانَ
بِهَا بَعْدَ الصَّحَابَةِ مِثْلُ سَعِيْدِ بنِ
المُسَيِّبِ، وَالفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ (1) ،
وَالقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَنَافِعٍ،
وَطَبَقَتِهِم، ثُمَّ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَابْنِ
شِهَابٍ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ،
وَصَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَرَبِيْعَةَ بنِ أَبِي
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَطَبَقَتِهِم، فَلَمَّا
تَفَانَوْا، اشْتُهِرَ ذِكْرُ مَالِكٍ بِهَا، وَابْنِ
أَبِي ذِئْبٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ،
وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَفُلَيْحِ بنِ
سُلَيْمَانَ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ، وَأَقرَانِهِم،
فَكَانَ مَالِكٌ هُوَ المُقَدَّمَ فِيْهِم عَلَى
الإِطلاَقِ، وَالَّذِي تُضرَبُ إِلَيْهِ آبَاطُ
الإِبِلِ مِنَ الآفَاقِ -رَحِمَهُ اللهُ-تَعَالَى-.
وَقَدْ وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْه (2) (مُوَطَّأُ
أَبِي مُصْعَبٍ (3)). وَفِي الطَّرِيْقِ
__________
(1) الفقهاء السبعة نظم أسماءهم بعضهم بهذين البيتين.
إذا قيل من في الفقه سبعة أبحر * روايتهم ليست عن
العلم خارجة فقل هم عبيد الله عروة قاسم * سعيد أبو
بكر سليمان خارجة (2) العوالي: جمع علو، وطلب العلو في
الإسناد سنة عمن سلف من هذه الأمة، ولهذا حرص العلماء
على الرحلة إليها واستحبوها، وهو أنواع: منها كان
قريبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ومنها ما كان قريبا من إمام من أئمة الحديث كالاعمش
وابن جريج ومالك وشعبة..، ومنها ما كان قريبا إلى كتاب
من الكتب المعتمدة، المشهورة كالموطأ والكتب الستة
والمسند، وأشرف أنواعه ما كان قريبا إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم بإسناد صحيح نظيف خال من الضعف.
(3) هو أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث بن زرارة بن
مصعب بن عبد الرحمن بن عوف =
(8/58)
إِجَازَةٌ، وَوَقَعَ لِي مِنْ عَالِي
حَدِيْثِهِ بِالاتِّصَالِ أَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً مِنَ
(المائَةِ الشُّرَيْحِيَّةِ)، وَ(جُزءُ بِيْبَى (1))،
وَ(جُزْءُ البَانْيَاسِيِّ (2))، وَالأجزَاءُ
المحَامِلِيَّاتُ (3) ، فَمِنْ ذَلِكَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ
الهَمْدَانِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ
اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ
بِبَغْدَادَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ،
أَخْبَرَنَا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ
الفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ المَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ،
عَنْ أَبِي يُوْنُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ:
أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى البَابِ
وَأَنَا أَسْمَعُ -: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنِّيْ
أُصبِحُ جُنُباً، وَأَنَا أُرِيْدُ
__________
= الزهري العوفي، قاضي المدينة، وأحد شيوخ أهلها، لازم
مالكا، وتفقه عليه، وروى عنه موطأه، وقد قالوا: إن
موطأه آخر الموطآت، توفي سنة (242)، والموطأ بروايته
لم يطبع، والبغوي في " شرح السنة " يكثر الرواية عنه،
والمطبوع من الموطآت برواية يحيى بن يحيى المصمودي،
ورواية محمد بن الحسن تلميذ الامام أبي حنيفة.
(1) هي بيبى بنت عبد الرحمن بن علي أم الفضل وأم عربي
الهرثمية الهروية، لها جزء مشهور بها، ترويه عن عبد
الرحمن بن أبي شريح توفيت سنة (477) أو في التي بعدها،
وقد
استكملت تسعين سنة " العبر " 3 / 287.
(2) هو أبو عبد الله مالك بن أحمد بن علي بن الفراء
البانياسي البغدادي، المتوفى سنة (485) ه، وخبره هذا
فيه مجلسان: أحدهما عن أبي الحسين علي بن محمد بن عبد
الله بن بشران، والثاني: عن أبي الفتح محمد بن أحمد بن
أبي الفوارس.
" العبر " 3 / 208، 209.
(3) هي أمال مؤلفة من تسعة أجزاء للقاضي أبي عبد الله
الحسين بن إسماعيل الضبي البغدادي المحاملي، سمع أبا
هشام الرفاعي، ويعقوب الدورقي، والحسن بن الصالح
البزار، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن إسماعيل البخاري،
وخلقا كثيرا، روى عنه دعلج بن أحمد، والطبراني،
والدارقطني وغيرهم.
قال أبو بكر الداوودي: كان يحضر مجلس إملائه عشرة آلاف
رجل، توفي سنة ثلاثين وثلاث مئة.
تذكرة الحفاظ ": 824.
(8/59)
الصِّيَامَ، أَفَأَغتَسِلُ وَأَصُوْمُ
ذَلِكَ اليَوْمَ؟
فَقَالَ: (وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُباً وَأَنَا أُرِيْدُ
الصِّيَامَ، فَأَغْتَسِلُ وَأَصُوْمُ ذَلِكَ
اليَوْمَ).
فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّكَ
لَسْتَ مِثْلَنَا، قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا
تَقدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ.
فَغَضبَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَقَالَ: (وَاللهِ إِنِّيْ لأَرْجُو أَنْ
أَكُوْنَ أَخْشَاكُم للهِ، وَأَعْلَمَكُم بِمَا
أَتَّقِي (1)).
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ.
أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، عَنِ القَعْنَبِيِّ، عَنْ
مَالِكٍ، وَرَوَاهُ: النَّسَائِيُّ فِي (مُسْنَدِ
مَالِكٍ) لَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ الفَقِيْهِ، عَنْ
مَالِكٍ.
وَرَوَى: النَّسَائِيُّ هَذَا المَتْنَ بِنَحْوِهِ،
عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ النَّيْسَابُوْرِيِّ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، عَنْ
حَجَّاجِ بنِ حَجَّاجٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ
رَبِّهِ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بنِ الحَارِثِ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ،
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيْبٌ عَزِيْزٌ (2) ، قَدْ
تَوَالَى فِيْهِ خَمْسَةُ تَابِعِيُّوْنَ، بَعْضُهُم
عَنْ بَعْضٍ، وَمِنْ حَيْثُ العددُ كَأَنَّنِي
صَافَحْتُ (3) فِيْهِ النَّسَائِيَّ.
وَرَوَاهُ أَيْضاً: ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنْ
قَتَادَةَ بِإِسْنَادِهِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُسَمِّ
فِيْهِ نَافِعاً، بَلْ قَالَ: عَنْ مَوْلَى أُمِّ
سَلَمَةَ عَنْهَا.
وَحَدِيْثُ عَائِشَةَ هُوَ فِي صَحِيْحِ
__________
(1) هو في " الموطأ " 1 / 289 في الصيام: باب ما جاء
في صيام الذي يصبح جنبا في رمضان، وأبو داود (2389) في
الصوم: باب فيمن أصبح جنبا في شهر رمضان، وأخرجه أحمد
6 / 67.
(2) الحديث الغريب: ما تفرد به واحد، وقد يكون ثقة،
وقد يكون ضعيفا، والغرابة قد تكون في المتن، بأن يتفرد
بروايته راو واحد أو في بعضه، كما إذا زاد فيه واحد
زيادة لم يقلها غيره، وقد تكون في الإسناد، كما إذا
كان أصل الحديث محفوظا من وجه آخر أو وجوه، ولكنه بهذا
الإسناد غريب، وما اشترك اثنان أو ثلاثة في روايته عن
الشيخ يسمى " عزيزا ".
الباعث الحثيث: ص 166، 167.
(3) يعني: كأنه ساواه في عدد رجال السند.
(8/60)
مُسْلِمٍ، مِنْ طَرِيْقِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ
جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَهُوَ أَبُو طُوَالَةَ.
وَلَمْ يُخَرِّجْ البُخَارِيُّ لأَبِي يُوْنُسَ
شَيْئاً فِيْمَا عَلِمتُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ - وَذَكَرَ
سَادَةً مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِيْنَ
بِالمَدِيْنَةِ، كَابْنِ المُسَيِّبِ، وَمَنْ بَعْدَهُ
- قَالَ: فَمَا ضُرِبَتْ أَكبَادُ الإِبلِ مِنَ
النَّوَاحِي إِلَى أَحَدٍ مِنْهُم دُوْنَ غَيْرِهِ،
حَتَّى انْقَرَضُوا، وَخلاَ عصرُهُم، ثُمَّ حَدَّث
مِثْلُ ابْنِ شِهَابٍ، وَرَبِيْعَةَ، وَيَحْيَى بنِ
سَعِيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ بنِ هُرْمُزَ،
وَأَبِي الزِّنَادِ، وَصَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ،
وَكُلُّهُم يُفْتِي بِالمَدِيْنَةِ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ
وَاحِدٌ مِنْهُم بِأَنْ ضُرِبَتْ إِلَيْهِ أَكبَادَ
الإِبِلِ، حَتَّى خَلاَ هَذَا العَصْرُ، فَلَمْ يَقعْ
بِهِمُ التَّأْوِيْلُ فِي عَالِمِ أَهْلِ
المَدِيْنَةِ.
ثُمَّ حدَّثَ بَعْدَهُم مَالِكٌ، فَكَانَ مُفتِيْهَا،
فَضُرِبَتْ إِلَيْهِ أَكبَادُ الإِبِلِ مِنَ الآفَاقِ،
وَاعْتَرَفُوا لَهُ، وَرَوَتِ الأَئِمَّةُ عَنْهُ
مِمَّنْ كَانَ أَقدمَ مِنْهُ سِنّاً، كَاللَّيْثِ
عَالِمِ أَهْلِ مِصْرَ، وَالمَغْرِبِ،
وَكَالأَوْزَاعِيِّ عَالِمِ أَهْلِ الشَّامِ
وَمُفتِيْهِم، وَالثَّوْرِيِّ، وَهُوَ المُقَدَّمِ
بِالكُوْفَةِ، وَشُعْبَةَ عَالِمِ أَهْلِ البَصْرَةِ.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَحَمَلَ عَنْهُ قَبْلَهُم يَحْيَى
بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ حِيْنَ وَلاَّهُ أَبُو
جَعْفَرٍ قَضَاءَ القُضَاةِ، فَسَأَلَ مَالِكاً أَنْ
يَكْتُبَ لَهُ مائَةَ حَدِيْثٍ حِيْنَ خَرَجَ إِلَى
العِرَاقِ، وَمِنْ قَبْلُ كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ حَمَلَ
عَنْهُ.
أَبُو مُصْعَبٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ أَمِيْرِ
المُؤْمِنِيْنَ، وَقَدْ نَزَلَ عَلَى مِثَالٍ لَهُ
-يَعْنِي: فَرْشِهِ- وَإِذَا عَلَى بِسَاطِه
دَابَّتَانِ، مَا تَرُوثَانِ وَلاَ تَبُولاَنِ،
وَجَاءَ صبِيٌّ يَخْرُجُ ثُمَّ يَرْجِعُ، فَقَالَ لِي:
أَتَدْرِي مَنْ هَذَا؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: هَذَا ابْنِي، وَإِنَّمَا يَفزَعُ مِنْ
هَيْبَتِكَ.
ثُمَّ سَاءلَنِي عَنِ أَشْيَاءَ، مِنْهَا حَلاَلٌ
وَمِنْهَا حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ لِي: أَنْتَ -وَاللهِ-
أَعقَلُ النَّاسِ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ.
قُلْتُ: لاَ وَاللهِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ!
قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّكَ تَكتُمُ.
ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لَئِنْ بَقِيْتُ، لأَكْتُبَنَّ
قَوْلَكَ كَمَا تُكتَبُ المَصَاحِفُ، وَلأَبْعَثَنَّ
بِهِ إِلَى
(8/61)
الآفَاقِ، فَلأَحْمِلَنَّهم عَلَيْهِ (1) .
الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجَرَوِيُّ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ خَلَفِ
بنِ عُمَرَ: سَمِعَ مَالِكاً يَقُوْلُ:
مَا أَجَبتُ فِي الفَتْوَى حَتَّى سَأَلْتُ مَنْ هُوَ
أَعْلَمُ مِنِّي: هَلْ تَرَانِي مَوْضِعاً لِذَلِكَ؟
سَأَلْتُ رَبِيْعَةَ، وَسَأَلْتُ يَحْيَى بنَ
سَعِيْدٍ، فَأَمَرَانِي بِذَلِكَ.
فَقُلْتُ: فَلَو نَهَوْكَ؟
قَالَ: كُنْتُ أَنْتَهِي، لاَ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ
أَنْ يَبذُلَ نَفْسَه حَتَّى يَسْأَلَ مَنْ هُوَ
أَعْلَمُ مِنْهُ (2) .
قَالَ خَلَفٌ: وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا
تَرَى (3) ؟
فَإِذَا رُؤْيَا بَعَثَهَا بَعْضُ إِخْوَانِه،
يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ، فِي مَسْجِدٍ قَدِ
اجْتَمَعَ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُم:
إِنِّيْ قَدْ خَبَأْتُ تَحْتَ مِنْبَرِي طِيْباً أَوْ
عِلْماً، وَأَمَرتُ مَالِكاً أَنْ يُفرِّقَهُ عَلَى
النَّاسِ، فَانْصَرَفَ النَّاس وَهُم يَقُوْلُوْنَ:
إِذاً يُنَفِّذُ مَالِكٌ مَا أَمرَهُ بِهِ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ
بَكَى، فَقُمْتُ عَنْهُ (4) .
أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ
يَقُوْلُ:
قَالَ مَالِكٌ: لَقَدْ سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ شِهَابٍ
أَحَادِيْثَ كَثِيْرَةً، مَا حَدَّثْتُ بِهَا قَطُّ،
وَلاَ أُحَدِّثُ بِهَا.
نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ (5) : حَدَّثَنِي
حُسَيْنُ بنُ عُرْوَةَ، قَالَ:
قَدِمَ المَهْدِيُّ، فَبَعَثَ إِلَى مَالِكٍ
بِأَلْفَيْ دِيْنَارٍ -أَوْ قَالَ: بِثَلاَثَةِ آلاَفِ
دِيْنَارٍ- ثُمَّ أَتَاهُ الرَّبِيْعُ بَعْدَ ذَلِكَ،
فَقَالَ:
إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يُحبُّ أَنْ
تُعَادِلَهُ (6) إِلَى مَدِيْنَةِ
__________
(1) أورده المؤلف في " تذكرة الحفاظ " 1 / 209.
(2) ذكره في الحلية 6 / 317.
(3) نص الحلية: فقال لي: انظر ما ترى تحت مصلاي أو
حصيري، فنظرت، فإذا أنا بكتاب، فقال: اقرأه.
(4) " الحلية " 6 / 317.
(5) نسبة إلى الجهاضمة، محلة بالبصرة.
(6) أي تكون له عديلا في " المحمل " وتصاحبه في سفره
إلى بغداد.
(8/62)
السَّلاَمِ، فَقَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (المَدِيْنَةُ خَيْرٌ لَهُم لَو كَانُوا
يَعْلَمُوْنَ) وَالمَالُ عِنْدِي عَلَى حَالِهِ (1) .
مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ
بنُ دَاوُدَ المِخْرَاقِيُّ، سَمِعْتُ مَالِكاً
يَقُوْلُ:
أَخَذَ رَبِيْعَةُ الرَّأْيُ بِيَدِي، فَقَالَ:
وَرَبِّ هَذَا المَقَامِ، مَا رَأَيْتُ عِرَاقِيّاً
تَامَّ العَقْلِ، وَسَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: كَانَ
عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ ضَعِيْفَ العَقْلِ.
يَاسِيْنُ بنُ عَبْدِ الأَحَدِ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ
المُحَبِّرِ الرُّعَيْنِيُّ، قَالَ:
قَدِمَ المَهْدِيُّ المَدِيْنَةَ، فَبَعَثَ إِلَى
مَالِكٍ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ لِهَارُوْنَ وَمُوْسَى:
اسْمَعَا مِنْهُ.
فَبَعَثَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يُجِبْهُمَا، فَأَعْلَمَا
المَهْدِيَّ، فَكلَّمَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ! العِلْمُ يُؤْتَى أَهْلُهُ.
فَقَالَ: صَدَقَ مَالِكٌ، صِيْرَا إِلَيْهِ.
فَلَمَّا صَارَا إِلَيْهِ، قَالَ لَهُ مُؤَدِّبُهُمَا:
اقْرَأْ عَلَيْنَا.
فَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ المَدِيْنَةِ يَقْرَؤُونَ عَلَى
العَالِمِ، كَمَا يَقْرَأُ الصِّبْيَانُ عَلَى
المُعَلِّمِ، فَإِذَا أَخْطَؤُوا، أَفْتَاهُم.
فَرَجَعُوا إِلَى المَهْدِيِّ، فَبَعَثَ إِلَى
مَالِكٍ، فَكلَّمَه، فَقَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَقُوْلُ: جَمَعْنَا هَذَا
العِلْمَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ رِجَالٍ، وَهُمْ يَا
أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ،
وَأَبُو سَلَمَةَ، وَعُرْوَةُ، وَالقَاسِمُ،
وَسَالِمٌ، وَخَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ
يَسَارٍ، وَنَافِعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
هُرْمُزَ، وَمِنْ بَعْدِهِم: أَبُو الزِّنَادِ،
وَرَبِيْعَةُ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَابْنُ
شِهَابٍ، كُلُّ هَؤُلاَءِ يُقْرَأُ عَلَيْهِم،
__________
(1) الخبر في " تذكرة الحفاظ " 1 / 210، و" الانتفاء "
ص 42، و" ترتيب المدارك " 1 / 210، ومقدمة الجرح
والتعديل 1 / 32، وحديث: " المدينة خير لهم لو كانوا
يعلمون " أخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 887، 888،
والبخاري 4 / 78، 80، ومسلم (1388) من حديث سفيان بن
أبي زهير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " تفتح اليمن، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون
بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا
يعلمون، وتفتح الشام، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون
بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا
يعلمون، وتفتح العراق، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون
بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون
".
(8/63)
وَلاَ يَقْرَؤُونَ.
فَقَالَ: فِي هَؤُلاَءِ قُدْوَةٌ، صِيْرُوا إِلَيْهِ،
فَاقْرَؤُوا عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا.
قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ:
قَدِمَ هَارُوْنُ يُرِيْدُ الحجَّ، وَمَعَهُ
يَعْقُوْبُ أَبُو يُوْسُفَ، فَأَتَى مَالِكٌ أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ، فَقَرَّبَهُ، وَأَكرَمَه، فَلَمَّا
جَلَسَ، أَقْبَلَ إِلَيْهِ أَبُو يُوْسُفَ، فَسَأَلَهُ
عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ عَادَ
فَسَأَلَهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ عَادَ فَسَأَلَهُ،
فَقَالَ هَارُوْنُ:
يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! هَذَا قَاضِينَا يَعْقُوْبُ
يَسْأَلُكَ.
قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ مَالِكٌ، فَقَالَ: يَا
هَذَا! إِذَا رَأَيتَنِي جَلَسْتُ لأَهْلِ البَاطِلِ
فَتَعَالَ، أُجِبْكَ مَعَهُم (1) .
السَّرَّاجُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ:
كُنَّا إِذَا دَخَلنَا عَلَى مَالِكٍ، خَرَجَ
إِلَيْنَا مُزَيَّناً، مُكَحَّلاً، مُطَيَّباً، قَدْ
لَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَتَصَدَّرَ
الحَلْقَةَ، وَدَعَا بِالمَرَاوِحِ، فَأَعْطَى لِكُلٍّ
مِنَّا مَرْوَحَةً.
مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ
عُمَرَ، قَالَ:
كَانَ مَالِكٌ يَأْتِي المَسْجِدَ، فَيَشهَدُ
الصَّلَوَاتِ، وَالجُمُعَةَ، وَالجَنَائِزَ،
وَيَعُوْدُ المَرْضَى، وَيَجْلِسُ فِي المَسْجِدِ،
فَيَجتَمِعُ إِلَيْهِ أَصْحَابُه، ثُمَّ تَرَكَ
الجُلُوْسَ، فَكَانَ يُصَلِّي وَيَنصَرِفُ، وَتَرَكَ
شُهُوْدَ الجَنَائِزِ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ
وَالجُمُعَةَ، وَاحْتَمَلَ النَّاسُ ذَلِكَ كُلَّهُ،
وَكَانُوا أَرغَبَ مَا كَانُوا فِيْهِ، وَرُبَّمَا
كُلِّمَ فِي ذَلِكَ، فَيَقُوْلُ: لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ
يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِعُذرِهِ (2).
__________
(1) أورد الخبر في " تذكرة الحفاظ " 1 / 210 من طريق
الحاكم، عن علي بن عيسى الحيري، عن محمد بن إبراهيم
العبدي، عن قتيبة، عن معن بن عيسى، قال شعيب: إن صح
هذا القول عن إمام دار الهجرة ولا إخاله يصح فإن ذلك
يعد هفوة منه رحمه الله في حق كبير القضاة الذي انعقدت
الخناصر من الموافق والمخالف على إمامته في الفقه،
وبراعته في الحفظ، وثقة مروياته، وسعة اطلاعه،
واستقامه سيرته، وللمؤلف جزء في ترجمة هذا الامام
مطبوع، سرد فيه جملة صالحة من مناقبه، وثناء الأئمة
عليه، فراجعه.
(2) الخبر في " طبقات ابن سعد " وابن خلكان في "
الوفيات " 4 / 136، وعلق عليه كما =
(8/64)
وَكَانَ يَجْلِسُ فِي مَنْزِلِهِ عَلَى
ضِجَاعٍ لَهُ، وَنَمَارِقَ (1) مَطْرُوْحَةٍ فِي
مَنْزِلِهِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً لِمَنْ يَأْتِيْهِ
مِنْ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ وَالنَّاسِ.
وَكَانَ مَجْلِسُهُ مَجْلِسَ وَقَارٍ وَحِلمٍ (2) .
قَالَ: وَكَانَ رَجُلاً مَهِيْباً، نَبِيْلاً، لَيْسَ
فِي مَجْلِسِهِ شَيْءٌ مِنَ المِرَاءِ وَاللَّغَطِ،
وَلاَ رَفْعُ صَوْتٍ، وَكَانَ (3) الغُربَاءُ
يَسْأَلُوْنَهُ عَنِ الحَدِيْثِ، فَلاَ يُجِيْبُ
إِلاَّ فِي الحَدِيْثِ بَعْدَ الحَدِيْثِ.
وَرُبَّمَا أَذِنَ لِبَعْضِهِم يَقْرَأُ عَلَيْهِ،
وَكَانَ لَهُ كَاتِبٌ قَدْ نَسَخَ كُتُبَهُ، يُقَالُ
لَهُ: حَبِيْبٌ (4) ، يَقْرَأُ لِلْجَمَاعَةِ، وَلاَ
يَنْظُرُ أَحَدٌ فِي كِتَابِهِ، وَلاَ يَسْتَفِهِمُ
هَيْبَةً لِمَالِكٍ، وَإِجْلاَلاً لَهُ، وَكَانَ
حَبِيْبٌ إِذَا قَرَأَ فَأَخطَأَ فَتَحَ عَلَيْهِ
مَالِكٌ، وَكَانَ ذَلِكَ قَلِيْلاً (5) .
ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: مَا
أَكْثَرَ أَحَدٌ قَطُّ، فَأَفلَحَ.
حَرْملَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ لِي
مَالِكٌ:
العِلْمُ يَنْقُصُ وَلاَ يَزِيْدُ، وَلَمْ يَزَلِ
العِلْمُ يَنْقُصُ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ وَالكُتُبِ.
__________
= وجد بخطه بقوله: وإنما كان تخلفه عن المسجد، لأنه
سلس بوله، فقال عند ذلك: لا يجوز أن أجلس في مسجد
الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنا على غير طهارة، فيكون
ذلك استخفافا.
(1) جمع نمرقة: الوسادة.
(2) في " ترتيب المدارك ": وعلم.
(3) في الأصل: " كانوا " وسيأتي الخبر قريبا بلفظ "
كان " كما أثبتنا.
(4) هو أبو محمد حبيب بن أبي حبيب كاتب مالك بن أنس،
قال عنه الامام أحمد: ليس بثقة، وقال ابن معين: كان
حبيب يقرأ على مالك، وكان يخطرف (يسرع) بالناس يصفح
ورقتين ثلاثا.
قال يحيى: وكان يحيى بن بكير سمع من مالك بعرض حبيب،
وهو شر العرض، واتهمه أبو داود بالكذب، وقال ابن حبان:
كان يروي عن الثقات الموضوعات، وقال النسائي: أحاديثه
كلها موضوعة عن مالك وغيره.
قال القاضي عياض في " الالماع " ص 77: ولهذه العلة لم
يخرج البخاري من حديث يحيى بن بكير عن مالك إلا
القليل، وأكثر عنه، عن الليث، وقالوا: لان سماعه كان
بقراءة حبيب، وقد أنكر هو ذلك.
(5) " ترتيب المدارك " 1 / 153، 154، و" الانتفاء " ص
41.
(8/65)
أَحْمَدُ بنُ مَسْعُوْدٍ المَقْدِسِيُّ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
الحُنَيْنِيُّ، قَالَ:
كَانَ مَالِكٌ يَقُوْلُ: وَاللهِ مَا دَخَلْتُ عَلَى
مَلِكٍ مِنْ هَؤُلاَءِ المُلُوْكِ، حَتَّى أَصِلَ
إِلَيْهِ، إِلاَّ نَزَعَ اللهُ هَيْبَتَه مِنْ
صَدْرِي.
حَرْملَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ
مَالِكاً يَقُوْلُ:
أَعْلَمُ أَنَّهُ فَسَادٌ عَظِيْمٌ أَنْ يَتَكَلَّمَ
الإِنسَانُ بِكُلِّ مَا يَسْمَعُ.
هَارُوْنُ بنُ مُوْسَى الفَرْوِيُّ: سَمِعْتُ
مُصْعَباً الزُّبَيْرِيَّ يَقُوْلُ:
سَأَلَ هَارُوْنُ الرَّشِيْدُ مَالِكاً - وَهُوَ فِي
مَنْزِلِهِ، وَمَعَهُ بَنُوْهُ - أَنْ يَقْرَأَ
عَلَيْهِم.
قَالَ: مَا قَرَأتُ عَلَى أَحَدٍ مُنْذُ زَمَانٍ،
وَإِنَّمَا يُقْرَأُ عَلَيَّ.
فَقَالَ: أَخرِجِ النَّاسَ حَتَّى أَقَرَأَ أَنَا
عَلَيْكَ.
فَقَالَ: إِذَا مُنِعَ العَامُّ لِبَعْضِ الخَاصِّ،
لَمْ يَنْتَفِعِ الخَاصُّ.
وَأَمَرَ مَعْنَ بنَ عِيْسَى، فَقَرَأَ عَلَيْهِ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: سَأَلْتُ
خَالِي مَالِكاً عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ لِي: قِرَّ،
ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَى السَّرِيْرِ،
ثُمَّ قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ
بِاللهِ.
وَكَانَ لاَ يُفْتِي حَتَّى يَقُوْلَهَا.
ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ:
مَا تَعلَّمْتُ العِلْمَ إِلاَّ لِنَفْسِي، وَمَا
تَعلَّمتُ لِيَحْتَاجَ النَّاسُ إِلَيَّ، وَكَذَلِكَ
كَانَ النَّاسُ.
إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ
يَقُوْلُ:
لَمْ يَشْهَدْ مَالِكٌ الجَمَاعَةَ خَمْساً
وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، فَقِيْلَ لَهُ: مَا يَمْنَعُكَ؟
قَالَ: مَخَافَةَ أَنْ أَرَى مُنْكَراً، فَأَحْتَاجُ
أَنْ أُغَيِّرَهُ.
إِبْرَاهِيْمُ الحِزَامِيُّ: حَدَّثَنِي مُطَرِّفُ بنُ
عَبْدِ اللهِ:
قَالَ لِي مَالِكٌ: مَا يَقُوْلُ النَّاسُ فِيَّ؟
قُلْتُ: أَمَّا الصَّدِيْقُ فَيُثْنِي، وَأَمَّا
العَدُوُّ فَيَقعُ. فَقَالَ: مَا
(8/66)
زَالَ النَّاسُ كَذَلِكَ، وَلَكِن نَعُوْذُ
بِاللهِ مِنْ تَتَابُعِ الأَلسِنَةِ كُلِّهَا (1) .
أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ (2) : سَمِعْتُ
عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ:
سَأَلَ سَنْدَلٌ (3) مَالِكاً عَنْ مَسْأَلَةٍ،
فَأَجَابَهُ، فَقَالَ: أَنْتَ مِنَ النَّاسِ،
أَحْيَاناً تُخطِئُ، وَأَحْيَاناً لاَ تُصِيْبُ.
قَالَ: صَدَقتَ، هَكَذَا النَّاسُ.
فَقِيْلَ لِمَالِكٍ: لَمْ تَدرِ مَا قَالَ لَكَ؟
فَفَطِنَ لَهَا، وَقَالَ: عَهِدتُ العُلَمَاءَ، وَلاَ
يَتَكَلَّمُوْنَ بِمِثْلِ هَذَا، وَإِنَّمَا أُجِيْبُه
عَلَى جَوَابِ النَّاسِ.
حَرْملَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، سَمِعْتُ
مَالِكاً يَقُوْلُ:
لَيْسَ هَذَا الجَدَلُ مِنَ الدِّيْنِ بِشَيْءٍ.
ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى المَنْصُوْرِ، وَكَانَ يَدْخُلُ
عَلَيْهِ الهَاشِمِيُّوْنَ، فَيُقَبِّلُوْنَ يَدَهُ
وَرِجْلَهُ - عَصَمَنِي اللهُ مِنْ ذَلِكَ -.
الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
القَاسِمِ، قَالَ:
قِيْلَ لِمَالِكٍ: لِمَ لَمْ تَأْخُذْ عَنْ عَمْرِو
بنِ دِيْنَارٍ؟
قَالَ: أَتَيْتُهُ، فَوَجَدتُهُ يَأْخذُوْنَ عَنْهُ
قِيَاماً، فَأَجْلَلْتُ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ آخُذَهُ
قَائِماً.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ،
وَغَيْرُهُ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ:
لاَ يُؤْخَذُ العِلْمُ عَنْ أَرْبَعَةٍ: سَفِيْهٍ
يُعلِنُ السَّفَهَ، وَإِنْ كَانَ أَرْوَى النَّاسِ،
وَصَاحِبِ بِدْعَةٍ يَدعُو إِلَى هَوَاهُ، وَمَنْ
يَكْذِبُ فِي حَدِيْثِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتُ لاَ
أَتَّهِمُهُ فِي
__________
(1) أورده في " الحلية " 6 / 321.
(2) نسبة إلى الرباط: اسم لموضع رباط الخيل وملازمة
أصحابها الثغر لحفظه من عدو الإسلام، فيقال لفاعل ذلك:
مرابط وإنما قيل له: الرباطي، لان كان على الرباط
وعمارته، وتولي الاوقاف التي له.
(3) سندل: لقب عمر بن قيس المكي، تركه أحمد والنسائي
والدارقطني وقال يحيى بن معين ليس بثقة، وقال البخاري:
منكر الحديث، وقال أحمد أيضا: أحاديث بواطيل، والخبر
أورده المؤلف في " ميزانه " بنحوه.
(8/67)
الحَدِيْثِ، وَصَالِحٍ عَابِدٍ فَاضِلٍ،
إِذَا كَانَ لاَ يَحْفَظُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ.
أَصْبَغُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ -
وَسُئِلَ عَنِ الصَّلاَةِ خَلْفَ أَهْلِ البِدَعِ
القَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِم - فَقَالَ: لاَ أَرَى أَنْ
يُصَلَّى خَلْفَهُم.
قِيْلَ: فَالجُمُعَةَ؟
قَالَ: إِنَّ الجُمُعَةَ فَرِيْضَةٌ، وَقَدْ يُذْكَرُ
عَنِ الرَّجُلِ الشَّيْءُ وَلَيْسَ هُوَ عَلَيْهِ.
فَقِيْلَ لَهُ: أَرَأَيتَ إِنِ اسْتَيْقَنْتُ، أَوْ
بَلَّغَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، أَلَيْسَ لاَ أُصَلِّي
الجُمُعَةَ خَلْفَهُ؟
قَالَ: إِنِ اسْتَيْقَنْتَ.
كَأَنَّهُ يَقُوْلُ: إِنْ لَمْ يَسْتَيقِنْ ذَلِكَ،
فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنَ الصَّلاَةِ خَلْفَهُ.
أَبُو يُوْسُفَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ
الصَّيْدَلاَنِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ
الشَّيْبَانِيَّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ، فَنَظَرَ إِلَى أَصْحَابِهِ،
فَقَالَ: انْظُرُوا أَهْلَ المَشْرِقِ،
فَأَنْزِلُوْهُم بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الكِتَابِ إِذَا
حَدَّثُوكُم، فَلاَ تُصَدِّقُوهُم، وَلاَ
تُكَذِّبُوهُم.
ثُمَّ الْتَفَتَ، فَرَآنِي، فَكَأَنَّهُ اسْتَحْيَى،
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! أَكرَهُ أَنْ
تَكُوْنَ غِيبَةً، هَكَذَا أَدْرَكْتُ أَصْحَابَنَا
يَقُوْلُوْنَ.
قُلْتُ: هَذَا القَوْلُ مِنَ الإِمَامِ قَالَهُ
لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ اعْتِنَاءٌ بِأَحْوَالِ
بَعْضِ القَوْمِ، وَلاَ خَبَرَ تَرَاجِمَهِم، وَهَذَا
هُوَ الوَرَعُ، أَلاَ تَرَاهُ لَمَّا خَبَرَ حَالَ
أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ العِرَاقِيِّ كَيْفَ
احْتَجَّ بِهِ، وَكَذَلِكَ حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ،
وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُم (1) .
وَأَهْلُ العِرَاقِ كَغَيْرِهِم، فِيْهِمُ الثِّقَةُ
الحُجَّةُ، وَالصَّدُوقُ، وَالفَقِيْهُ، وَالمُقْرِئُ،
وَالعَابِدُ، وَفِيْهِمُ الضَّعِيْفُ، وَالمَتْرُوكُ،
وَالمُتَّهَمُ، وَفِي (الصَّحِيْحَيْنِ) شَيْءٌ
كَثِيْرٌ جِدّاً مِنْ رِوَايَةِ العِرَاقِيِّينَ -
رَحِمَهُمُ اللهُ -.
وَفِيْهِم مِنَ التَّابِعِيْنَ كَمِثْلِ: عَلْقَمَةَ،
وَمَسْرُوْقٍ، وَعَبِيْدَةَ، وَالحَسَنِ،
__________
(1) يقول مالك فيما رواه عنه حمزة، كما في " إسعاف "
المبطأ ": إنما كانت العراق تجش علينا بالدراهم
والثياب، ثم صارت تجيش علينا بالعلم.
(8/68)
وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَالشَّعْبِيِّ،
وَإِبْرَاهِيْمَ، ثُمَّ الحَكَمِ، وَقَتَادَةَ،
وَمَنْصُوْرٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَابْنِ عَوْنٍ،
ثُمَّ مِسْعَرٍ، وَشُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ،
وَالحَمَّادَيْنِ، وَخَلاَئِقَ أَضْعَافِهِم - رَحِمَ
اللهُ الجَمِيْعَ -.
وَهَذِهِ الحِكَايَةُ رَوَاهَا: الحَاكِمُ، عَنِ
النَّجَّادِ، عَنْ هِلاَلِ بنِ العَلاَءِ، عَنِ
الصَّيْدَلاَنِيِّ.
صِفَةُ الإِمَامِ مَالِكٍ
عَنْ عِيْسَى بنِ عُمَرَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ قَطُّ
بَيَاضاً، وَلاَ حُمْرَةً أَحْسَنَ مِنْ وَجْهِ
مَالِكٍ، وَلاَ أَشَدَّ بَيَاضِ ثَوْبٍ مِنْ مَالِكٍ.
وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ (1) : أَنَّهُ كَانَ
طُوَالاً، جَسِيْماً، عَظِيْمَ الهَامَةِ، أَشقَرَ،
أَبْيَضَ الرَّأسِ وَاللِّحْيَةِ، عَظِيْمَ
اللِّحْيَةِ، أَصلَعَ، وَكَانَ لاَ يُحْفِي شَارِبَه
(2) ، وَيَرَاهُ مُثْلَةً.
وَقِيْلَ: كَانَ أَزْرَقَ العِيْنَ، رَوَى بَعْضُ
ذَلِكَ: ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ
اللهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ الحِزَامِيُّ:
كَانَ مَالِكٌ نَقِيَّ الثَّوْبِ، رَقِيْقَهُ، يُكثِرُ
اخْتِلاَفَ اللَّبُوسِ.
وَقَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: كَانَ مَالِكٌ
يَلْبَسُ البَيَاضَ، وَرَأَيْتُهُ وَالأَوْزَاعِيَّ
يَلْبَسَانِ السِّيجَانَ (3) .
قَالَ أَشْهَبُ: كَانَ مَالِكٌ إِذَا اعْتَمَّ، جَعَلَ
مِنْهَا تَحْتَ ذَقْنِهِ، وَيُسْدِلُ طَرَفَهَا بَيْنَ
كَتِفَيْهِ.
__________
(1) وانظر الديباج المذهب: ص 18.
(2) أي لا يبالغ في قصة، وانظر " زاد المعاد " 1 / 178
- 182.
(3) السيجان: الطيالسة السود أو الخضر، واحدها ساج.
(8/69)
وَقَالَ خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ: رَأَيْتُ
عَلَى مَالِكٍ طَيْلَسَاناً وَثِيَاباً مَرْويَّةً
جِيَاداً.
وَقَالَ أَشْهَبُ: كَانَ إِذَا اكْتَحَلَ
لِلضَّرُوْرَةِ، جَلَسَ فِي بَيْتِهِ.
وَقَالَ مُصْعَبٌ: كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ
العَدَنِيَّةَ، وَيَتَطَيَّبُ.
وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ: مَا رَأَيْتُ مُحَدِّثاً
أَحْسَنَ وَجْهاً مِنْ مَالِكٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ شَدِيْدَ البَيَاضِ إِلَى صُفْرَةٍ،
أَعْيَنَ (1) ، أَشَمَّ (2) ، كَانَ يُوَفِّرُ
سَبَلَتَهُ (3)، وَيَحْتَجُّ بِفَتْلِ عُمَرَ
شَارِبَهُ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: رَأَيْتُ مَالِكاً خَضَبَ
بِحِنَّاءٍ مَرَّةً.
وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: كَانَ مَالِكٌ مِنْ أَحْسَنِ
النَّاسِ وَجْهاً، وَأَجْلاَهُم عَيْناً، وَأَنْقَاهُم
بَيَاضاً، وَأَتَمِّهُم طُوْلاً، فِي جَوْدَةِ بَدَنٍ.
وَعَنِ الوَاقِدِيِّ: كَانَ رَبْعَةً، لَمْ يَخْضِبْ،
وَلاَ دَخَلَ الحَمَّامَ.
وَعَنْ بِشْرِ بنِ الحَارِثِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى
مَالِكٍ، فَرَأَيْتُ عَلَيْهِ طَيْلَسَاناً يُسَاوِي
خَمْسَ مائَةٍ، وَقَدْ وَقَعَ جَنَاحَاهُ عَلَى
عَيْنَيْهِ أَشْبَهَ شَيْءٍ بِالمُلُوْكِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: كَانَ مَالِكٌ إِذَا اعْتَمَّ،
جَعَلَ مِنْهَا تَحْتَ حَنَكِه، وَأَرْسَلَ طَرَفهَا
خَلْفَهُ، وَكَانَ يَتَطَيَّبُ بِالمِسْكِ وَغَيْرِه.
وَقَدْ سَاقَ القَاضِي عِيَاضٌ (4) مِنْ وُجُوْهٍ:
حُسْنَ بَزَّةِ الإِمَامِ وَوُفُورَ تَجَمُّلِهِ.
__________
(1) يقال: إنه أعين: إذا كان ضخم العين واسعها.
(2) الشمم: ارتفاع في قصبة الانف مع استواء في أعلاه،
وإشراف الارنبة قليلا، فإن كان فيها احديداب، فهو
القنا.
(3) السبلة: ما على الشفة العليا من الشعر، يجمع
الشاربين وما بينهما.
(4) في " ترتيب المدارك " 1 / 113، 116.
(8/70)
فِي نَسَبِ مَالِكٍ اخْتِلاَفٌ (1) :
مَعَ اتِّفَاقِهِم عَلَى أَنَّهُ عَرَبِيٌّ
أَصْبَحِيٌّ، فَقِيْلَ فِي جَدِّهِ الأَعْلَى: عَوْفُ
بنُ مَالِكِ بنِ زَيْدِ بنِ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ
بنِ نَبْتِ بنِ مَالِكِ بنِ زَيْدِ بنِ كَهْلاَنَ بنِ
سَبَأِ بنِ يَشْجُبَ بنِ يَعْرُبَ بنِ قَحْطَانَ،
وَإِلَى قَحْطَانَ جِمَاعُ اليَمَنِ.
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الأَصْبَحِيِّينَ مِنْ
حِمْيَرٍ، وَحِمْيَرٌ فَمِنْ قَحْطَانَ.
نَعَمْ، وَغَيْمَانُ فِي نَسَبِهِ المَشْهُوْرِ
بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ، ثُمَّ بِآخِرِ الحُرُوْفِ عَلَى
المَشْهُوْرِ.
وَقِيْلَ: عُثْمَانُ عَلَى الجَادَّةِ، وَهَذَا لَمْ
يَصِحَّ.
وَخُثَيْلٌ: بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، ثُمَّ بِمُثَلَّثَةٍ.
قَالَهُ: ابْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ،
وَالدَّارَقُطْنِيُّ: جُثَيْلٌ: بِجِيْمٍ، ثُمَّ
بِمُثَلَّثَةٍ.
وَقِيْلَ: حَنْبَلٌ.
وَقِيْلَ: حِسْلٌ، وَكِلاَهُمَا تَصْحِيْفٌ.
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: اخْتُلِفَ فِي نَسَبِ ذِي
أَصْبَحَ، اخْتِلاَفاً كَثِيْراً.
مَوْلِدُهُ
تَقدَّمَ أَنَّهُ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ.
قَالَهُ: يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَغَيْرُه.
وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ.
قَالَهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ
الحَكَمِ، وَعُمَارَةُ بنُ وَثِيْمَةَ، وَغَيْرُهُمَا.
وَقِيْلَ: سَنَةَ سَبْعٍ، وَهُوَ شَاذٌّ.
قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ
أَبِي أُوَيْسٍ: ذُو أَصْبَحَ مِنْ حِمْيَرٍ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ
مَالِكاً وَآلَهُ مَوَالِي بَنِي تَيْمٍ، فَأَخْطَأَ،
وَكَانَ ذَلِكَ أَقْوَى سَبَبٍ فِي تَكْذِيبِ
الإِمَامِ مَالِكٍ لَهُ، وَطَعْنِهِ عَلَيْهِ.
وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ إِمَاماً فِي نَقْدِ الرِّجَالِ،
حَافِظاً، مُجَوِّداً، مُتْقِناً.
قَالَ بِشْرُ بنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ: سَأَلْتُ
مَالِكاً عَنْ رَجُلٍ، فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتَهُ
__________
(1) انظر " جمهرة أنساب العرب " 1 / 435، 436، و"
الوفيات " 4 / 138، و" ترتيب المدارك " 1 / 102، 107.
(8/71)
فِي كُتُبِي؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: لَوْ كَانَ ثِقَةً، لَرَأَيْتَهُ فِي كُتُبِي.
فَهَذَا القَوْلُ يُعْطِيْكَ بِأَنَّهُ لاَ يَرْوِي
إِلاَّ عَمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ ثِقَةٌ، وَلاَ يَلْزَمُ
مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَرْوِي عَنْ كُلِّ الثِّقَاتِ،
ثُمَّ لاَ يَلْزَمُ مِمَّا قَالَ أَنَّ كُلَّ مَنْ
رَوَى عَنْهُ - وَهُوَ عِنْدَهُ ثِقَةٌ - أَنْ
يَكُوْنَ ثِقَةً عِنْد بَاقِي الحُفَّاظِ، فَقَدْ
يَخفَى عَلَيْهِ مِنْ حَالِ شَيْخِه مَا يَظْهَرُ
لِغَيْرِه، إِلاَّ أَنَّهُ بِكُلِّ حَالٍ كَثِيْرُ
التَّحَرِّي فِي نَقْدِ الرِّجَالِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
ابْنُ البَرْقِيِّ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ
كِنَانَةَ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ:
رُبَّمَا جَلَسَ إِلَيْنَا الشَّيْخُ، فَيُحُدِّثُ
جُلَّ نَهَارِه، مَا نَأخُذُ عَنْهُ حَدِيْثاً
وَاحِداً، وَمَا بِنَا أَنْ نَتَّهِمَهُ، وَلَكِنْ
لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ.
إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: حَدَّثَنَا عَتِيْقُ بنُ
يَعْقُوْبَ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ:
حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ بِبِضْعَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ
حَدِيْثاً، ثُمَّ قَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ، فَأَعَدتُ
عَلَيْهِ مِنْهَا أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً.
وَقَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بنُ
عُرْوَةَ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ:
قَدِمَ عَلَيْنَا الزُّهْرِيُّ، فَأَتَيْنَاهُ
وَمَعَنَا رَبِيْعَةُ، فَحَدَّثَنَا بِنَيِّفٍ
وَأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مِنَ
الغَدِ، فَقَالَ:
انْظُرُوا كِتَاباً حَتَّى أُحَدِّثَكُم مِنْهُ،
أَرَأَيتُم مَا حَدَّثتُكُم بِهِ أَمْسُ، أَيْش فِي
أَيْدِيكُم مِنْهُ؟
فَقَالَ رَبِيْعَةُ: هَا هُنَا مَنْ يَردُّ عَلَيْكَ
مَا حَدَّثتَ بِهِ أَمْسُ (1) .
قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟
قَالَ: ابْنُ أَبِي عَامِرٍ.
قَالَ: هَاتِ.
فَسَرَدَ لَهُ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً مِنْهَا.
فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ
بَقِيَ مَنْ يَحفَظُ هَذَا غَيْرِي.
__________
(1) في الأصل: أنس وهو تصحيف، والتصويب من " تهذيب
الكمال " و" تذهيب التهذيب " للمؤلف.
(8/72)
قَالَ البُخَارِيُّ: عَنْ عَلِيِّ بنِ
عَبْدِ اللهِ: لِمَالِكٍ نَحْوٌ مِنْ أَلفِ حَدِيْثٍ.
قُلْتُ: أَرَادَ مَا اشْتُهِرَ لَهُ فِي (المُوَطَّأِ)
وَغَيْرِه، وَإِلاَّ فَعِنْدَهُ شَيْءٌ كَثِيْرٌ، مَا
كَانَ يَفْعَلُ أَنْ يَرْوِيَهُ (1) .
وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ،
قَالَ:
رَحِمَ اللهُ مَالِكاً، مَا كَانَ أَشَدَّ
انْتِقَادَهُ لِلرِّجَالِ (2) .
ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَعِيْنٍ،
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ:
مَا نَحْنُ عِنْدَ مَالِكٍ، إِنَّمَا كُنَّا نَتَّبِعُ
آثَارَ مَالِكٍ، وَنَنظُرُ الشَّيْخَ، إِنْ كَانَ
كَتَبَ عَنْهُ مَالِكٌ، كَتَبنَا عَنْهُ.
وَرَوَى: طَاهِرُ بنُ خَالِدٍ الأَيْلِيُّ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ:
كَانَ مَالِكٌ لاَ يُبَلِّغُ مِنَ الحَدِيْثِ إِلاَّ
صَحِيْحاً، وَلاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ عَنْ ثِقَةٍ، مَا
أَرَى المَدِيْنَةَ إِلاَّ سَتَخْرَبُ بَعْدَ مَوْتِهِ
-يَعْنِي: مِنَ العِلْمِ-.
الطَّحَاوِيُّ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، سَمِعْتُ
سُفْيَانَ - وَذَكَرَ حَدِيْثاً - فَقَالُوا:
يُخَالِفُكَ فِيْهِ مَالِكٌ.
فَقَالَ: أَتَقْرِنُنِي بِمَالِكٍ؟ مَا أَنَا وَهُوَ
إِلاَّ كَمَا قَالَ جَرِيْرٌ (3):
__________
(1) جاء في مناقب الشافعي ص 199 لابن أبي حاتم: قال
الشافعي: قيل لمالك بن أنس: إن عند ابن عيينة عن
الزهري أشياء ليست عندك ؟ فقال مالك: وأنا كل ما سمعت
من الحديث أحدث به ؟ انا إذن أريد أن أظلمهم.
ورواه أبو نعيم في " الحلية " 6 / 322 بنحوه.
(2) مقدمة " الجرح والتعديل " 1 / 23، وفي " الحلية "
6 / 322 عن علي بن عبد الله، حدثنا سفيان قال: كان
مالك ينتقي الرجال ولا يحدث عن كل أحد، قال علي: ومالك
أمان فيمن حدث عنه من الرجال.
(3) ديوانه: 231 من قصيدة يهجو التيم، ومطلعها: حي
الهدملة من ذات المواعيس * فالحنو أصبح قفرا غير مأنوس
وهو من شواهد سيبويه 1 / 265، و" المقتضب " 4 / 46،
320، و" الجمل " للزجاجي ص 192، واللسان: (لبن، لز،
قعس)، والمغني 1 / 75.
(8/73)
وَابْنُ اللَّبُوْنِ إِذَا مَا لُزَّ فِي
قَرَنٍ ... لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البُزْلِ
القَنَاعِيْسِ (1)
ثُمَّ قَالَ يُوْنُسُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ
يَقُوْلُ:
مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ القَرِيْنَانِ، وَلَوْلاَ
مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ، لَذَهَبَ عِلْمُ
الحِجَازِ.
وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ، وَغَيْرُه: عَنْ شُعْبَةَ،
قَالَ:
قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ بَعْدَ مَوْتِ نَافِعٍ
بِسَنَةٍ، وَلِمَالِكِ بنِ أَنَسٍ حَلْقَةٌ.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ،
قَالَ:
لَقَدْ كَانَ لِمَالِكٍ حَلْقَةٌ فِي حَيَاةِ نَافِعٍ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: سَأَلْتُ المُغِيْرَةَ بنَ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ المَاجَشُوْنِ،
فَرَفَعَ مَالِكاً، وَقَالَ: مَا اعْتَدَلاَ فِي
العِلْمِ قَطُّ.
ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ
مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
أَخْبَرَنِي وُهَيْبٌ - وَكَانَ مِنْ أَبصَرِ النَّاسِ
بِالحَدِيْثِ وَالرِّجَالِ - أَنَّهُ قَدِمَ
المَدِيْنَةَ، قَالَ:
فَلَمْ أَرَ أَحَداً إِلاَّ تَعْرِفُ وَتُنْكِرُ
إِلاَّ مَالِكاً، وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ
الأَنْصَارِيَّ (2) .
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لاَ أُقَدِّمُ عَلَى
مَالِكٍ فِي صِحَّةِ الحَدِيْثِ أَحَداً.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيْعَةَ: قُلْتُ لأَبِي الأَسْوَدِ:
مَنْ لِلرَّأيِ بَعْدَ رَبِيْعَةَ بِالمَدِيْنَةِ؟
قَالَ: الغُلاَمُ الأَصْبَحِيُّ (3).
__________
(1) ابن اللبون: ما أوفى على ثلاث سنين، لز: ربط.
القرن: الحبل الذي يشد به البعيران
ونحوهما فيقرنان معا، والبزل: جمع بازل: البعير الذي
دخل في السنة التاسعة، والقناعيس: جمع قنعاس: الجمل
العظيم الجسم، الشديد القوة، قال البغدادي: ضربه مثلا
لمن يعارضه ويهاجيه، يقول: من رام إدراكي كان بمنزلة
ابن اللبون إذا قرن في قرن مع البازل القنعاس، إن صال
عليه لم يقدر على دفع صولته ومقاومته، وإن رام النهوض
معه قصر عن عدوته.
(2) مقدمة " الجرح والتعديل " 1 / 13 و14.
(3) " ترتيب المدارك " 1 / 129.
(8/74)
الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: سَمِعْتُ ابْنَ
وَهْبٍ يَقُوْلُ:
لَوْلاَ أَنِّي أَدْرَكتُ مَالِكاً وَاللَّيْثَ،
لَضَلَلْتُ.
هَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ ذَكَرَ
اخْتِلاَفَ الحَدِيْثِ وَالرِّوَايَاتِ، فَقَالَ:
لَوْلاَ أَنِّي لَقِيْتُ مَالِكاً، لَضَلَلْتُ (1) .
وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مَا فِي القَوْمِ أَصَحُّ
حَدِيْثاً مِنْ مَالِكٍ، كَانَ إِمَاماً فِي
الحَدِيْثِ.
قَالَ: وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَوْقَهُ فِي كُلِّ
شَيْءٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ
(2) :
أَقَمْتُ عِنْدَ مَالِكٍ ثَلاَثَ سِنِيْنَ وَكَسْراً،
وَسَمِعْتُ مِنْ لَفْظِه أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ مائَةِ
حَدِيْثٍ، فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ عَنْ
مَالِكٍ امْتَلأَ مَنْزِلُهُ، وَإِذَا حَدَّثَ عَنْ
غَيْرِه مِنَ الكُوْفِيِّيْنَ، لَمْ يَجِئْهُ إِلاَّ
اليَسِيْرُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ العَدَنِيُّ: سَمِعْتُ
الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
مَالِكٌ مُعَلِّمِي، وَعَنْهُ أَخَذْتُ العِلْمَ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: كَانَ إِذَا شَكَّ فِي
حَدِيْثٍ طَرَحَهُ كُلَّهُ.
أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ
بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ سَعْدٍ،
__________
(1) الخبر في " ترتيب المدارك " 1 / 141، بلفظ: " لولا
أن الله استنقذنا بمالك والليث لضللنا ".
(2) هو الامام المجتهد، صاحب التصانيف السائرة في
الفقه والحديث، صاحب أبي حنيفة وتلميذه، وراوي "
الموطأ " عن الامام مالك، وقد سمعه منه كله، وضمنه
زيادات كثيرة، ليست في غيره من الموطآت التي رواها
غيره من الأئمة عن مالك، ولمحمد فيه اجتهادات كثيرة،
خالف فيها مالكا وأبا حنيفة وأصحابه، يعبر عنها بقوله:
وبه نأخذ، وعليه الفتوى، وبه يفتى، وعليه الاعتماد،
وعليه عمل الأمة، وهذا الصحيح، وهو الاشهر، ونحو ذلك،
وهو يعد بحق مصدرا من المصادر الأصلية الوثيقة لفقه
أهل المدينة والعراق، انظر " مقدمة اللكنوي " لشرح "
الموطأ " وسترد ترجمة محمد بن الحسن في الجزء التاسع
من هذا الكتاب.
(8/75)
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَصْرٍ،
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ
الحَكَمِ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ: صَاحِبُنَا
أَعْلَمُ مِنْ صَاحِبِكُم - يُرِيْدُ: أَبَا
حَنِيْفَةَ وَمَالِكاً - وَمَا كَانَ لِصَاحِبِكُم
أَنْ يَتَكَلَّمَ، وَمَا كَانَ لِصَاحِبِنَا أَنْ
يَسكُتَ.
فَغَضِبْتُ، وَقُلْتُ: نَشَدْتُكَ اللهَ مَنْ أَعْلَمُ
بِالسُّنَّةِ، مَالِكٌ أَوْ صَاحِبُكُم؟
فَقَالَ: مَالِكٌ، لَكِنْ صَاحِبُنَا أَقْيَسُ.
فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَمَالِكٌ أَعْلَمُ بِكِتَابِ
اللهِ، وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوْخِه، وَبِسُنَّةِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَمَنْ كَانَ أَعْلَمَ
بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَانَ أَوْلَى بِالكَلاَمِ
(1) .
قَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: قَالَ لِي
الشَّافِعِيُّ:
ذَاكَرْتُ يَوْماً مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ، وَدَارَ
بَيْنَنَا كَلاَمٌ وَاخْتِلاَفٌ، حَتَّى جَعَلتُ
أَنْظُرُ إِلَى أَوْدَاجِه تَدِرُّ، وَأَزْرَارِهِ
تَتَقَطَّعُ، فَقُلْتُ: نَشَدْتُكَ بِاللهِ، تَعْلَمُ
أَنَّ صَاحِبَنَا كَانَ أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللهِ؟
قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قُلْتُ: وَكَانَ عَالِماً باخْتِلاَفِ الصَّحَابَةِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: أَئِمَّةُ النَّاسِ فِي
زَمَانِهِم أَرْبَعَةٌ: الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ،
وَالأَوْزَاعِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ.
وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعقَلَ مِنْ مَالِكٍ
(2) .
يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: حَدَّثَنَا ابْنُ
وَهْبٍ، سَمِعْتُ مَالِكاً - وَقَالَ لَهُ ابْنُ
القَاسِمِ: لَيْسَ بَعْدَ أَهْلِ المَدِيْنَةِ أَحَدٌ
أَعْلَمَ بِالبُيُوْعِ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ - فَقَالَ
مَالِكٌ: مَنْ أَيْنَ عَلِمُوا ذَلِكَ؟
قَالَ: مِنْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
فَقَالَ: مَا أَعْلَمُهَا أَنَا، فَكَيْفَ
يَعْلَمُوْنَهَا بِي؟
__________
(1) " الانتقاء " ص 24، 25 و" حلية الأولياء " 6 / 329
و" مناقب الشافعي " ص 201.
(2) مقدمة " الجرح والتعديل " 1 / 31.
(8/76)
وَعَنْ مَالِكٍ، قَالَ: جُنَّةُ العَالِمِ:
(لاَ أَدْرِي)، فَإِذَا أَغفَلَهَا أُصِيْبَتْ
مَقَاتِلُهُ (1) .
قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَتْ حَلْقَةُ
مَالِكٍ فِي زَمَنِ رَبِيْعَةَ مِثْلَ حَلْقَةِ
رَبِيْعَةَ وَأَكْبَرَ، وَقَدْ أَفْتَى مَعَهُ عِنْدَ
السُّلْطَانِ.
الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ،
حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ:
لَمَّا أَجْمَعتُ التَّحوِيلَ عَنْ مَجْلِسِ
رَبِيْعَةَ، جَلَسْتُ أَنَا وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ
فِي نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، فَلَمَّا قَامَ رَبِيْعَةُ،
عَدَلَ إِلَيْنَا، فَقَالَ:
يَا مَالِكُ، تَلعَبُ بِنَفْسِك زَفَنْتَ (2) ،
وَصَفَّقَ لَكَ سُلَيْمَانُ، بَلَغتَ إِلَى أَنْ
تَتَّخِذَ مَجْلِساً لِنَفْسِكَ؟! ارْجِعْ إِلَى
مَجْلِسِكَ.
قَالَ الهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً
سُئِلَ عَنْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ مَسْأَلَةً،
فَأَجَابَ فِي اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ مِنْهَا بِـ:
لاَ أَدْرِي.
وَعَنْ خَالِدِ بنِ خِدَاشٍ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى
مَالِكٍ بِأَرْبَعِيْنَ مَسْأَلَةً، فَمَا أَجَابَنِي
مِنْهَا إِلاَّ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ.
ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بنَ
يَزِيْدَ بنِ هُرْمُزَ يَقُوْلُ:
يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُورِّثَ جُلَسَاءهُ
قَوْلَ: (لاَ أَدْرِي)، حَتَّى يَكُوْنَ ذَلِكَ
أَصْلاً يَفْزَعُوْنَ إِلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: صَحَّ عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ أَنَّ: (لاَ أَدْرِي) نِصْفُ العِلْمِ
(3).
__________
(1) " الانتقاء " ص 37.
(2) زفنت: يقال زفن، يزفن بكسر العين: رقص.
(3) انظر " ترتيب المدارك " 1 / 144، 152.
(8/77)
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ رُمْحٍ: رَأَيْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقُلْتُ:
يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّ مَالِكاً وَاللَّيْثَ
يَخْتَلِفَانِ، فَبِأَيِّهُمَا آخُذُ؟
قَالَ: (مَالِكٌ، مَالِكٌ (1)).
أَشْهَبُ: عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ،
قَالَ:
دَخَلْتُ مَسْجِدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَافَيْتُهُ يَخطُبُ، إِذْ
أَقْبَلَ مَالِكٌ، فَلَمَّا أَبصرَهُ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِلَيَّ،
إِلِيَّ).
فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنْهُ، فَسَلَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمَهُ مِنْ
خِنْصَرِهِ، فَوَضَعَهُ فِي خِنْصَرِ مَالِكٍ.
مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ
الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمَّادٍ
(2) الزُّهْرِيُّ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ:
قَالَ لِي المَهْدِيُّ: ضَعْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ
كِتَاباً أَحْمِلُ الأُمَّةَ عَلَيْهِ.
فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَمَّا هَذَا
الصُّقْعُ - وَأَشَرتُ إِلَى المَغْرِبِ - فَقَدْ
كُفِيْتَهُ، وَأَمَّا الشَّامُ، فَفِيْهُم مَنْ قَدْ
عَلِمتَ -يَعْنِي: الأَوْزَاعِيَّ- وَأَمَّا
العِرَاقُ، فَهُم أَهْلُ العِرَاقِ (3) .
ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ،
سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ:
لَمَّا حَجَّ المَنْصُوْرُ، دَعَانِي، فَدَخَلْتُ
عَلَيْهِ، فَحَادَثْتُه، وَسَأَلَنِي، فَأَجَبْتُهُ،
فَقَالَ:
عَزمتُ أَنْ آمُرَ بِكُتُبِكَ هَذِهِ -يَعْنِي:
(المُوَطَّأَ)- فَتُنسَخَ نُسَخاً، ثُمَّ أَبعَثَ
إِلَى كُلِّ مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ المُسْلِمِيْنَ
بِنُسخَةٍ، وَآمُرَهُم أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا فِيْهَا،
وَيَدَعُوا مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ العِلْمِ
المُحْدَثِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ أَصْلَ العِلْمِ
رِوَايَةُ أَهْلِ المَدِيْنَةِ وَعِلْمُهُم.
قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لاَ تَفْعَلْ،
فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ سِيقَتْ إِلَيْهِم أَقَاوِيْلُ،
وَسَمِعُوا أَحَادِيْثَ، وَرَوَوْا رِوَايَاتٍ،
وَأَخَذَ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا سِيقَ إِلَيْهِم،
وَعَمِلُوا بِهِ، وَدَانُوا بِهِ، مِنِ اخْتِلاَفِ
أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَغَيْرِهم، وَإِنَّ رَدَّهُم عَمَّا
اعْتَقَدُوْهُ شَدِيْدٌ، فَدَعِ النَّاسَ وَمَا هُمْ
عَلَيْهِ، وَمَا اخْتَارَ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ
__________
(1) الانتقاء: 38.
(2) في الأصل " جماز " والتصويب من " ميزان الاعتدال "
و" لسان الميزان ".
(3) ذكره ابن عبد البر في " الانتقاء " ص 40، والقاضي
عياض في " ترتيب المدارك " 1 / 193.
(8/78)
لأَنْفُسِهِم.
فَقَالَ: لَعَمْرِي، لَوْ طَاوَعْتَنِي لأمَرتُ
بِذَلِكَ (1) .
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ
مِسْكِيْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ، قَالاَ:
سَمِعْنَا مَالِكاً يَذْكُرُ دُخُوْلَهُ عَلَى
المَنْصُوْرِ، وَقَوْلَهُ فِي انْتِسَاخِ كُتُبِهِ،
وَحَمْلِ النَّاسِ عَلَيْهَا، فَقُلْتُ:
قَدْ رَسَخَ فِي قُلُوْبِ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ مَا
اعْتَقَدُوْهُ وَعَمِلُوا بِهِ، وَرَدُّ العَامَّةِ
عَنْ مِثْلِ هَذَا عَسِيْرٌ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ مَالِكٌ يَجْلِسُ فِي
مَنْزِلِهِ عَلَى ضِجَاعٍ وَنَمَارِقَ مَطْرُوْحَةٍ
يَمنَةً وَيَسرَةً فِي سَائِرِ البَيْتِ لِمَنْ
يَأْتِي، وَكَانَ مَجْلِسُه مَجْلِسَ وَقَارٍ
وَحِلْمٍ، وَكَانَ مَهِيْباً، نَبِيْلاً، لَيْسَ فِي
مَجْلِسِهِ شَيْءٌ مِنَ المِرَاءِ وَاللَّغَطِ،
وَكَانَ الغُربَاءُ يَسْأَلونُهُ عَنِ الحَدِيْثِ
بَعْدَ الحَدِيْثِ، وَرُبَّمَا أَذِنَ لِبَعْضِهِم،
فَقَرَأَ عَلَيْهِ، وَكَانَ لَهُ كَاتِبٌ يُقَالُ
لَهُ: حَبِيْبٌ، قَدْ نَسَخَ كُتُبَهُ، وَيَقْرَأُ
لِلْجَمَاعَةِ، فَإِذَا أَخْطَأَ فَتَحَ عَلَيْهِ
مَالِكٌ، وَكَانَ ذَلِكَ قَلِيْلاً (2) .
أَبُو زُرْعَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، قَالَ لِي
مَالِكٌ:
قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ!
ذَهَبَ النَّاسُ، لَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُكَ.
ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَرَأَيْتُ غَيْرَ
وَاحِدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يُقَبِّلُوْنَ يَدَهُ،
وَعُوْفِيْتُ، فَلَمْ أُقَبِّلْ لَهُ يَداً (3).
المِحْنَةُ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ: كَانَ مَالِكٌ قَدْ
ضُرِبَ بِالسِّيَاطِ، وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ،
فَحَدَّثَنِي العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا
ابْنُ ذَكْوَانَ، عَنْ مَرْوَانَ
__________
(1) " ترتيب المدارك " 1 / 192، 193.
(2) " ترتيب المدارك " 1 / 153، و" الانتقاء " ص 41،
و" الديباج المذهب " 1 / 108.
(3) " ترتيب المدارك " 1 / 208.
(8/79)
الطَّاطَرِيِّ:
أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ نَهَى مَالِكاً عَنِ الحَدِيْثِ:
(لَيْسَ عَلَى مُسْتَكْرَهٍ طَلاَقٌ (1))، ثُمَّ دَسَّ
إِلَيْهِ مَنْ يَسْأَلُهُ، فَحَدَّثَهُ بِهِ عَلَى
رُؤُوْسِ النَّاسِ، فَضَرَبَهُ بِالسِّيَاطِ (2) .
وَحَدَّثَنَا العَبَّاسُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ
بنُ حَمَّادٍ (3) :
أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى مَالِكٍ إِذَا أُقِيْمَ
مِنْ مَجْلِسِهِ، حَمَلَ يَدَهُ بِالأُخْرَى.
ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا الوَاقِدِيُّ، قَالَ:
لَمَّا دُعِيَ مَالِكٌ، وَشُوْوِرَ، وَسُمِعَ مِنْهُ،
وَقُبِلَ قَوْلُهُ، حُسِدَ، وَبَغَوْهُ بِكُلِّ
شَيْءٍ، فَلَمَّا وَلِيَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ
المَدِيْنَةَ، سَعَوْا بِهِ إِلَيْهِ، وَكَثَّرُوا
عَلَيْهِ عِنْدَهُ، وَقَالُوا:
لاَ يَرَى أَيْمَانَ بَيْعَتِكُم هَذِهِ بِشَيْءٍ،
وَهُوَ يَأْخُذُ بِحَدِيْثٍ رَوَاهُ عَنْ ثَابِتِ بنِ
الأَحْنَفِ فِي طَلاَقِ المُكْرَهِ: أَنَّهُ لاَ
يَجُوْزُ عِنْدَهُ.
قَالَ: فَغَضِبَ جَعْفَرٌ، فَدَعَا بِمَالِكٍ،
فَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِمَا رُفِعَ إِلَيْهِ عَنْهُ،
فَأَمَرَ بِتَجرِيْدِه، وَضَرْبِهِ بِالسِّيَاطِ،
وَجُبِذَتْ يَدُهُ حَتَّى انْخَلَعَتْ مِنْ
__________
(1) لم يرد في المرفوع، وإنما هو موقوف على ابن عباس
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " 5 / 48 من طريق
هشيم، عن عبد الله بن طلحة الخزاعي، عن أبي يزيد
المديني، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: " ليس لمكره ولا
لمضطهد طلاق " ورجاله ثقات، وعلقه البخاري 9 / 343 في
الطلاق، ولفظه: وقال ابن عباس: طلاق السكران والمستكره
ليس بجائز.
وقال الحافظ: وصله ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور،
جميعا عن هشيم، عن عبد الله بن طلحة الخزاعي، عن أبي
يزيد المديني، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ليس لسكران
ولا لمضطهد طلاق.
والمضطهد: المغلوب المقهور، وثمة آثار في عدم وقوع
طلاق المكره عن عمر، وابن عمر، وابن الزبير، وعمر بن
عبد العزيز، والحسن، وعطاء، والضحاك، ذكرها ابن أبي
شيبة في مصنفه 5 / 48، 49.
(2) " ترتيب المدارك " 1 / 228، و" وفيات الأعيان " 4
/ 137، و" الانتقاء " 43.
وجاء في " تاريخ الطبري " 7 / 560: وحدثني سعيد بن عبد
الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن سنان الحكمي
أخو الانصار، قال: أخبرني غير واحد أن مالك بن أنس
استفتي في الخروج مع محمد، وقيل له: إن في أعناقنا
بيعة لأبي جعفر، فقال: إنما بايعتم مكرهين، وليس على
مكره يمين، فأسرع الناس إلى محمد، ولزم مالك بيته.
(3) في الأصل: " جماز " والتصويب من " ميزان الاعتدال
" و" لسان الميزان ".
(8/80)
كَتِفِهِ، وَارتُكِبَ مِنْهُ أَمْرٌ
عَظِيْمٌ، فَوَاللهِ مَا زَالَ مَالِكٌ بَعْدُ فِي
رِفْعَةٍ وَعُلُوٍّ.
قُلْتُ: هَذَا ثَمَرَةُ المِحْنَةِ المَحْمُوْدَةِ،
أَنَّهَا تَرفَعُ العَبْدَ عِنْدَ المُؤْمِنِيْنَ،
وَبِكُلِّ حَالٍ فَهِيَ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيْنَا،
وَيَعْفُو اللهُ عَنْ كَثِيْرٍ: (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ
بِهِ خَيْراً، يُصِبْ مِنْهُ (1)).
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (كُلُّ قَضَاءِ المُؤْمِنِ خَيْرٌ لَهُ
(2)).
وَقَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
حَتَّى نَعْلَمَ المُجَاهِدِيْنَ مِنْكُمْ
وَالصَّابِرِيْنَ} [مُحَمَّدٌ: 31].
وَأَنْزَلَ -تَعَالَى- فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ قَوْلَهُ:
{أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُصِيْبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ
مِثْلَيْهَا، قُلْتُمْ: أَنَّى هَذَا؟ قُلْ: هُوَ مِنْ
عِنْدِ أَنْفُسِكُم} [آلُ عِمْرَانَ: 165].
وَقَالَ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيْبَةٍ فَبِمَا
كَسَبَتْ أَيْدِيْكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيْرٍ}
[الشُّوْرَى: 30].
فَالمُؤْمِنُ إِذَا امْتُحِنَ صَبَرَ وَاتَّعَظَ
وَاسْتَغْفَرَ، وَلَمْ يَتَشَاغَلْ بِذَمِّ مِنِ
انْتَقَمَ مِنْهُ، فَاللهُ حَكَمٌ مُقْسِطٌ، ثُمَّ
يَحْمَدُ اللهَ عَلَى سَلاَمَةِ دِيْنِه، وَيَعْلَمُ
أَنَّ عُقُوْبَةَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ وَخَيْرٌ لَهُ.
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: أَلَّفَ فِي مَنَاقِبِ
مَالِكٍ -رَحِمَهُ اللهُ- جَمَاعَةٌ، مِنْهُم:
القَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ التُّسْتَرِيُّ (3)
المَالِكِيُّ، لَهُ فِي ثَلاَثِ مُجَلَّدَاتٍ، وَأَبُو
الحَسَنِ بنُ فِهْرٍ المِصْرِيُّ (4) ، وَجَعْفَرُ بنُ
مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ القَاضِي، وَأَبُو بِشْرٍ
الدُّوْلاَبِيُّ الحَافِظُ، وَالزُّبَيْرُ بنُ
بَكَّارٍ، وَأَبُو عُلاَثَةَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي
غَسَّانَ،
__________
(1) أخرجه البخاري 10 / 94 في أول كتاب المرضى من حديث
أبي هريرة، وأكثر العلماء ضبطوا الصاد بالكسر، والفاعل
هو الله، قال أبو عبيد الهروي: معناه: يبتليه بالمصائب
ليثيبه عليها.
(2) قطعة من حديث أخرجه أحمد في " مسنده " 5 / 24 من
حديث أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " عجبا للمؤمن لا يقضي الله له شيئا إلا كان
خيرا له " وسنده جيد.
(3) هو محمد بن أحمد بن عمر التستري المتوفى سنة خمس
وأربعين وثلاث مئة، مترجم في " الديباج المذهب " 2 /
193، 194.
(4) هو علي بن الحسين بن محمد بن العباس فقيه مالكي
مترجم في " الديباج المذهب " 2 / 104.
(8/81)
وَابْنُ حَبِيْبٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ
الجَارُوْدِ، وَأَحْمَدُ بنُ رِشْدِيْنَ، وَأَبُو
عَمْرٍو المُغَامِيُّ (1) ، وَالحَسَنُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ الضَّرَابُ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ
مُنْتَابٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بنُ شَعْبَانَ، وَأَبُو
بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ اليَقْطِيْنِيُّ،
وَالحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ بنُ الجَبَّانِ، وَأَبُو
بَكْرٍ بنُ رَوْزَبَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَالقَاضِي
أَبُو عَبْدِ اللهِ الزَّنْكَانِيُّ (2) ، وَأَبُو
الحَسَنِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَبُو
بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مَرْوَانَ الدِّيْنَورِيُّ،
وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَبْهَرِيُّ، وَالقَاضِي
أَبُو الفَضْلِ القُشَيْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ
اللَّبَّادِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ أَبِي زَيْدٍ،
وَالحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ، وَأَبُو
ذَرٍّ عَبْدُ بنُ أَحْمَدَ الهَرَوِيُّ، وَأَبُو
عُمَرَ الطَّلَمَنْكِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ بنُ حَزْمٍ
الصَّدَفِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ،
وَالقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ نَصْرٍ، وَابْنُ
الإِمَامِ التُّطَيْلِيُّ، وَابْنُ حَارِثٍ
القَرَوِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيُّ،
وَأَبُو مَرْوَانَ بنُ أَصْبَغَ (3) .
وَقَدْ جَمَعَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ
كِتَاباً كَبِيْراً فِي الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ،
وَشَيْءٍ مِنْ رِوَايَتِهم عَنْهُ.
قُلْتُ: وَلِلْحَافِظِ أَبِي نُعَيْمٍ تَرْجَمَةٌ
طُوْلَى فِي (الحِلْيَة) لِمَالِكٍ.
وَمِمَّنْ أَلَّفَ فِي الرُّوَاةِ عَنْهُ: الإِمَامُ
أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مُفَرِّجٍ، وَالإِمَامُ أَبُو
عَبْدِ اللهِ بنُ أَبِي دُلَيْمٍ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ البَكْرِيُّ.
__________
(1) بضم الميم، وفتح الغين، وبعد الالف ميم ثانية، هذه
النسبة إلى مغامة: وهي مدينة بالاندلس، واسمه يوسف بن
يحيى بن يوسف الأزدي من أهل قرطبة، توفي سنة 288 ه.
مترجم في " جذوة المقتبس " ص 373، و" نفح الطيب " 2 /
520.
(2) كذا في الأصل، وفي " الديباج المذهب ": 2 / 183،
البرنكاني، ويقال البركاني، وهو محمد بن أحمد بن سهل
القاضي البصري المتوفى سنة تسع عشر وثلاث مئة.
(3) " ترتيب المدارك " 1 / 44، 45، وذكر القاضي عياض
أن معوله في تأليفه " ترتيب المدارك " كان على كتابي
التستري، والضراب، وتلقط من غيرهما ما فيه زيادة فائدة
أو نادرة لم تقع فيهما.
(8/82)
قَالَ عِيَاضٌ: وَاسْتَقْصَيْنَا
كِتَابَنَا هَذَا فِي أَخْبَارِ مَالِكٍ مِنْ
تَصَانِيْفِ المُحَدِّثِيْنَ:
كَكُتُبِ البُخَارِيِّ، وَالزُّبَيْرِ، وَابْنِ أَبِي
حَاتِمٍ، وَوَكِيْعٍ القَاضِي، وَالدَّارَقُطْنِيِّ،
وَابْنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ، وَالصُّوْلِيِّ،
وَأَحْمَدَ بنِ كَامِلٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ بنِ
يُوْنُسَ الصَّدَفِيِّ، وَأَبِي عُمَرَ الكِنْدِيِّ،
وَأَبِي عُمَرَ الصَّدَفِيِّ القُرْطُبِيِّ، وَأَبِي
عَبْدِ اللهِ بنِ حَارِثٍ القَرَوِيِّ، وَأَبِي
العَرَبِ التَّمِيْمِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ بنِ
الرَّفِيْقِ الكَاتِبِ، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ
البَصْرِيِّ فِي القُرَوِيِّينَ، وَتَارِيْخِ أَبِي
بَكْرٍ بنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ المَالِكِيِّ فِي
القُرَوِيِّينَ.
وَتَوَارِيْخِ الأَنْدَلُسِ: كَكِتَابِ أَبِي عَبْدِ
اللهِ بنِ عَبْدِ البَرِّ، وَكِتَابِ (الاحْتِفَالِ)
لأَبِي عُمَرَ بنِ عَفِيْفٍ، وَ(الانْتِخَابِ) لأَبِي
القَاسِمِ بنِ مُفَرِّجٍ، وَتَارِيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ
بنِ الفَرَضِيِّ، وَتَوَارِيْخِ أَبِي مَرْوَانَ،
وَابْنِ حَيَّان، وَالرَّازِيِّ، وَكِتَابِ أَحْمَدَ
بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُظَاهِرٍ (1) .
وَمَا وَقَعَ إِلَيَّ مِنْ (تَارِيْخ الخَطِيْبِ) فِي
البَغْدَادِيِّينَ، وَكِتَابِ أَبِي نَصْرٍ الأَمِيْرِ
(2) ، وَطَبَقَاتِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيْرَازِيِّ،
وَكِتَابِ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ فِي الأَئِمَّةِ
الثَّلاَثَةِ وَرُوَاتِهِم (3).
قَالَ القَاضِي: وَحَقَّقْنَا مَنْ رَوَى
(المُوَطَّأَ) عَنْ مَالِكٍ، وَمَنْ نَصَّ عَلَيْهِم
أَصْحَابُ الأَثَرِ وَالنُّقَّادُ: ابْنُ وَهْبٍ،
ابْنُ القَاسِمِ، مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ، الغَازُ بنُ
قَيْسٍ، زِيَادٌ شَبَطُوْنُ، الشَّافِعِيُّ،
القَعْنَبِيُّ، مَعْنُ بنُ عِيْسَى، عَبْدُ اللهِ بنُ
__________
(1) قال ابن بشكوال في " الصلة " 1 / 70: عني بسماع
العلم ولقاء الشيوخ، والاخذ عنهم، وكان له بصر
بالمسائل، وميل إلى الاثر، وتقييد الخبر، وله كتاب في
تاريخ فقهاء طليطلة وقضاتها، وقد نقلنا منه في كتابنا
هذا ما نسبناه إليه، وكان ثقة فيما رواه ونقله.
(2) هو الحافظ الكبير النسابة الأمير أبو نصر علي بن
هبة الله بن علي بن جعفر العجلي المعروف بابن ماكولا،
المتوفى سنة 487 ه.
قال المؤلف في " العبر " 3 / 317: ولم يكن في بغداد
بعد الخطيب أحفظ منه، واسم كتابه: " الإكمال في رفع
الارتياب عن المؤتلف والمختلف
في الأسماء والكنى والأنساب " وهو كتاب عظيم في بابه،
طبع في سبع مجلدات بتحقيق العلامة عبد الرحمن المعملي
اليماني رحمه الله.
(3) واسمه " الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء
" وهو مطبوع.
(8/83)
يُوْسُفَ، يَحْيَى بنُ يَحْيَى
التَّمِيْمِيُّ، يَحْيَى بنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ،
يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ
اليَسَارِيُّ، عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ،
مُوْسَى بنُ طَارِقٍ، أَسَدُ بنُ الفُرَاتِ،
وَمُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ الصُّوْرِيُّ، أَبُو
مُسْهِرٍ الغَسَّانِيُّ، حَبِيْبٌ كَاتِبُ اللَّيْثِ،
قَرَعُوْسُ بنُ العَبَّاسِ (1) ، أَحْمَدُ بنُ
مَنْصُوْرٍ الحَرَّانِيُّ، يَحْيَى بنُ صَالِحٍ
الوُحَاظِيُّ، يَحْيَى بنُ مُضَرَ، سَعِيْدُ بنُ
دَاوُدَ الزُّبَيْرِيُّ، مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ
الزُّبَيْرِيُّ، أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ،
سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ،
سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، عَلِيُّ بنُ زِيَادٍ
التُّوْنُسِيُّ، قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ
الثَّقَفِيُّ، عَتِيْقُ بنُ يَعْقُوْبَ
الزُّبَيْرِيُّ، مُحَمَّدُ بنُ شَرُّوْسٍ
الصَّنْعَانِيُّ (2) ، إِسْحَاقُ بنُ عِيْسَى بنِ
الطَّبَّاعِ، خَالِدُ بنُ نِزَارٍ الأَيْلِيُّ،
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَأَخُوْهُ أَبُو
بَكْرٍ، عِيْسَى بنُ شَجَرَةَ المَغْرِبِيُّ، بَرْبَرٌ
المُغَنِّي وَالِدُ الزُّبَيْرِ بنِ بَكَّارٍ، أَبُو
حُذَافَةَ أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ السَّهْمِيُّ.
خَاتِمَةُ مَنْ رَوَى عَنْهُ: قِيْلَ: إِنَّ
زَكَرِيَّا بنَ دُوَيْدٍ الكِنْدِيَّ لَقِيَ مَالِكاً،
وَلَكِنَّهُ كَذَّابٌ، بَقِيَ إِلَى سَنَةِ نَيِّفٍ
وَسِتِّيْنَ وَمَائَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ بَنَى
الخَطِيْبُ فِي كِتَابِ (السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ
(3))، خَلَفُ بنُ جَرِيْرٍ القَرَوِيُّ، مُحَمَّدُ بنُ
يَحْيَى السَّبَائِيُّ، مُحْرِزُ بنُ هَارُوْنَ،
سَعِيْدُ بنُ عَبْدُوْسٍ، عَبَّاسُ بنُ نَاصِحٍ،
عُبَيْدُ بنُ حَيَّانَ الدِّمَشْقِيُّ، أَيُّوْبُ بنُ
صَالِحٍ الرَّمْلِيُّ، حَفْصُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ،
وَأَخُوْهُ حَسَّانٌ، يَحْيَى وَفَاطِمَةُ وَلَدَا
مَالِكٍ، سُلَيْمَانُ بنُ بُرْدٍ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ
__________
(1) مترجم في " الديباج المذهب " 2 / 154.
(2) مترجم في " ترتيب المدارك " 1 / 397، وهو محمد بن
عبد الرحيم بن شروس، وقد تصحف فيه " الصنعاني " إلى "
الصغاني ".
(3) في تباعد ما بين وفاة الروايين عن شيخ واحد، لم
يطبع بعد، ومنه نسخة في دار الكتب المصرية تقع في 148
ورقة تحت رقم (138، حديث)، ضمنه كما قال في مقدمته ذكر
من اشتراك في الرواية عنه راويان تباين وقت وفاتيهما
تباينا شديدا، وتأخر موت أحدهما عن الآخر تأخرا بعيدا.
(8/84)
خَالِدٍ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ هِنْدٍ،
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْدَلُسِيُّ.
وَقَدْ قِيْلَ: إِنَّ قَاضِي البَصْرَةِ مُحَمَّدَ بنَ
عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ رَوَى (المُوَطَّأَ) عَنْ
مَالِكٍ إِجَازَةً (1) .
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا يُوْسُفَ القَاضِي رَوَاهُ عَنْ
رَجُلٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَمَا زَالَ العُلَمَاءُ
قَدِيْماً وَحَدِيْثاً لَهُم أَتَمُّ اعْتنَاءٍ
بِرِوَايَةِ (المُوَطَّأِ)، وَمَعْرِفَتِه،
وَتَحصِيْلِه.
وَقَدْ جَمَعَ إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي أَحَادِيْثَ
(المُوَطَّأِ) عَنْ رِجَالِهِ، عَنْ مَالِكٍ،
وَسَائِرِ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ حَدِيْثِ مَالِكٍ.
وَأَلَّفَ قَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ الحَافِظُ حَدِيْثَ
مَالِكٍ، وَأَبُو القَاسِمِ الجَوْهَرِيُّ، وَأَبُو
الحَسَنِ القَابِسِيُّ عَمِلَ (المُلَخَّصَ)،
وَحَفِظَهُ خَلْقٌ مِنَ الطَّلَبَةِ.
وَأَلَّفَ أَبُو ذَرٍّ الهَرَوِيُّ (مُسْنَدَ
المُوَطَّآتِ)، وَأَلَّف أَبُو بَكْرٍ القَبَّابُ
حَدِيْثَ مَالِكٍ.
وَلأَبِي الحَسَنِ بنِ حَبِيْبٍ السِّجِلْمَاسِيِّ (2)
(مُسْنَدُ المُوَطَّأِ)، وَلِفُلاَنٍ المُطَرِّزِ،
وَلأَبِي عَبْدِ اللهِ الجِيْزِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ
بُنْدَارَ الفَارِسِيِّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ بنِ
الأَعْرَابِيِّ، وَابْنِ مُفَرِّجٍ.
وَأَلَّفَ النَّسَائِيُّ (مُسْنَدَ مَالِكٍ)، وَأَبُو
أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
بنِ جَامِعٍ السُّكَّرِيُّ، وَابْنُ عُفَيْرٍ، وَأَبُو
عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُوْرِيُّ السَّرَّاجُ،
وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ،
وَأَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ، وَأَبُو العَرَبِ
التَّمِيْمِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَالحَافِظُ
أَبُو القَاسِمِ الأَنْدَلُسِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ بنُ
عَبْدِ البَرِّ، لَهُ (التَّقَصِّي)، وَمُحَمَّدُ بنُ
عَيْشُوْنَ الطُّلَيْطُلِيُّ.
وَأَلَّفَ (مُسْنَدَ مَالِكٍ): أَبُو القَاسِمِ
الجَوْهَرِيُّ - وَذَلِكَ غَيْرُ مَا فِي (
__________
(1) الاجازة: أن يأذن الشيخ لغيره أن يروي عنه مروياته
أو مؤلفاته، وكأنها تتضمن إخباره بما أذن له بروايته
عنه.
(2) نسبة إلى سجلماسة، مدينة في جنوب المغرب.
(8/85)
المُوَطَّأِ)- وَالحَافِظُ عَبْدُ
الغَنِيِّ بنُ سَعِيْدٍ الأَزْدِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الحَضْرَمِيُّ، وَأَبُو
الفَضْلِ بنُ أَبِي عِمْرَانَ الهَرَوِيُّ.
وَعَمِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ كِتَابَ (اخْتِلاَفَاتِ
المُوَطَّأِ).
وَأَلَّفَ دَعْلَجٌ السِّجْزِيُّ (1) (غَرَائِبَ
حَدِيْثِ مَالِكٍ)، وَابْنُ الجَارُوْدِ، وَقَاسِمُ
بنُ أَصْبَغَ.
وَعَمِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضاً الأَحَادِيْثَ
الَّتِي خُوْلِفَ فِيْهَا مَالِكٌ.
وَلأَبِي بَكْرٍ البَزَّارِ مُؤَلَّفٌ فِي ذَلِكَ.
وَعَمِلَ مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ الحَافِظُ مَا
وَصَلَهُ مَالِكٌ خَارِجَ مُوَطَّئِهِ.
وَأَلَّفَ أَبُو عُمَرَ بنُ نَصْرٍ الطُّلَيْطُلِيُّ
(مُسْنَدَ المُوَطَّأِ)، وَكَذَا: إِبْرَاهِيْمُ بنُ
نَصْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ فَرْضَخٍ
الإِخْمِيْمِيُّ، وَالمُحَدِّثُ أَبُو سُلَيْمَانَ بنُ
زَبْرٍ، وَأُسَامَةُ بنُ عَلِيٍّ المِصْرِيُّ،
وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الحَمَّالُ الحَافِظُ،
وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ السَّلِيْمِ أَفرَدَ مَا
لَيْسَ فِي (المُوَطَّأِ).
وَعَمِلَ أَبُو الحَسَنِ بنُ أَبِي طَالِبٍ العَابِرُ
كِتَابَ (مُوَطَّأِ المُوَطَّأِ).
وَعَمِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ الخَطِيْبُ (أَطْرَافَ
المُوَطَّأِ).
وَعَمِلَ لَهُ شَرْحاً: يَحْيَى بنُ مُزينٍ
الفَقِيْهُ، وَلَهُ كِتَابٌ فِي رِجَالِه.
وَلابْنِ وَهْبٍ فِيْهِ شَرحٌ، وَلِعِيْسَى بنِ
دِيْنَارٍ، وَلِعَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ،
وَلِحَرْمَلَةَ، وَلابْنِ حَبِيْبٍ، وَلِمُحَمَّدِ بنِ
سُحْنُوْنَ.
وَلِمُسْلِمٍ مُؤَلَّفٌ فِي شُيُوْخِ مَالِكٍ.
وَللبَرْقِيِّ (رِجَالُ المُوَطَّأِ)،
وَلِلطَّلَمَنْكِيِّ (2) ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ
الحَذَّاءِ،
__________
(1) نسبة إلى سجستان على غير قياس.
(2) هو أبو عمر، أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي عيسى
الطلمنكي نسبة إلى طلمنكة ثغر بالاندلس الشرقي، مترجم
في " ترتيب المدارك " 4 / 749، 750.
(8/86)
وَلأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مُفَرِّجٍ،
وَلأَحْمَدَ بنِ عِمْرَانَ الأَخْفَشِ فِي غَرِيْبِهِ.
وَلِلْبَرْقِيِّ، وَلِلْغَسَّانِيِّ المِصْرِيِّ،
وَلأَبِي جَعْفَرٍ الدَّاوُوْدِيِّ، وَلأَبِي
مَرْوَانَ القَنَازِعِيِّ، وَلأَبِي عَبْدِ المَلِكِ
البُوْنِيِّ (1) .
وَجَمَعَ ابْنُ جَوْصَا بَيْنَ (المُوَطَّأِ)
رِوَايَةَ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ القَاسِمِ،
وَلِغَيْرِهِ جَمعٌ بَيْنَ رِوَايَةِ يَحْيَى بنِ
يَحْيَى، وَأَبِي مُصْعَبٍ.
وَلابْنِ عَبْدِ البَرِّ شَرْحَانِ، وَهُمَا
(التَّمْهِيْدُ)، و(الاسْتِذْكَارُ)، وَلَهُ كِتَابُ
(مَا رَوَاهُ مَالِكٌ خَارِجَ المُوَطَّأِ).
وَعَمِلَ عَلَى (المُوَطَّأِ) أَبُو الوَلِيْدِ
البَاجِيُّ كِتَابَ (الإِيْمَانِ)، وَكِتَابَ
(المُنْتَقَى)، وَعَمِلَ كِتَابَ (الاسْتِيفَاءِ)
طَوِيْلٌ جِدّاً، وَلَمْ يُتِمَّهُ.
وَشَرَحَه: أَبُو الوَلِيْدِ بنُ الصَّفَّارِ فِي
كِتَابٍ اسْمُهُ (المُوْعِبُ)، لَمْ يُتِمَّهُ.
وَكِتَابُ (المُحَلَّى فِي شَرِحِ المُوَطَّا)
لِلْقَاضِي مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ خَلِيْفَةَ.
وَلأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ حَزْمٍ شَرحٌ.
وَلأَبِي بَكْرٍ بنِ سَائِقٍ شَرحٌ.
وَلابْنِ أَبِي صُفْرَةَ شَرحٌ.
وَلأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ الحَاجِّ القَاضِي شَرحٌ.
وَلِشَيْخِنَا أَبِي الوَلِيْدِ بنِ العَوَّادِ
(الجَمْعُ بَيْنَ التَّمْهِيْدِ وَالاسْتِذْكَارِ) مَا
تَمَّ.
وَلأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ السَّيِّدِ البَطَلْيَوْسِيِّ
شَرحٌ كَبِيْرٌ.
وَلابْنِ عَيْشُوْنَ: (تَوْجِيْهُ المُوَطَّأِ).
__________
(1) هو مروان بن علي القطان، أندلسي الأصل، سكن بونة
من بلاد إفريقية، وكان من الفقهاء المتفننين، مترجم في
" ترتيب المدارك " 4 / 709، 710.
(8/87)
وَلِعُثْمَانَ بنِ عَبْدِ رَبِّهِ
المَعَافِرِيِّ الدَّبَّاغِ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ عَلَى
أَبْوَابِ (المُوَطَّأِ).
وَلأَبِي القَاسِمِ بنِ الجدِّ: (اخْتِصَارُ
التَّمْهِيْدِ).
وَلِحَازِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَازِمٍ كِتَابُ
(السَّافِرِ عَنْ آثَارِ المُوَطَّأِ).
و(تَفْسِيْرُ المُوَطَّأِ) لأَبِي الحَسَنِ
الإِشْبِيْلِيِّ.
وَتَفْسِيْرٌ لابْنِ شَرَاحِيْلَ.
وَلِلطَّلَمَنْكِيِّ تَفْسِيْرٌ، لَمْ يَتِمَّ.
وَ (شَرْحُ مُسْنَدِ المُوَطَّأِ) لِيُوْنُسَ بنِ
مُغِيْثٍ.
وَلِلْمُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ فِي ذَلِكَ.
وَلأَخِيْهِ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي ذَلِكَ.
وَلِلقَاضِي أَبِي بَكْرٍ بنِ العَرَبِيِّ كِتَابُ
(القَبَسِ فِي شَرْحِ المُوَطَّأِ).
وَلأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ يَرْبُوْعٍ الحَافِظِ كِتَابٌ
عَلَى مَعْرِفَةِ رِجَالِ (المُوَطَّأِ).
وَلِعَاصِمٍ النَّحْوِيِّ شُرَيْحٌ لَمْ يَكْمُلْ.
وَلأَبِي بَكْرٍ بنِ مَوْهِبٍ القِيْرِيِّ (شَرْحُ
الملخَّصِ) فِي مُجَلَّدَاتٍ (1) .
فَصْلٌ
ولِمَالِكٍ -رَحِمَهُ اللهُ- رِسَالَةٌ فِي القَدَرِ،
كَتَبَهَا إِلَى ابْنِ وَهْبٍ، وَإِسْنَادُهَا
صَحِيْحٌ (2) .
وَلَهُ مُؤَلَّفٌ: فِي النُّجُوْمِ وَمَنَازِلِ
القَمَرِ، رَوَاهُ سُحْنُوْنُ، عَنِ ابْنِ نَافِعٍ
الصَّائِغِ، عَنْهُ، مَشْهُوْرٌ.
__________
(1) " ترتيب المدارك " 1 / 198، 201.
(2) قال القاضي عياض في " ترتيب المدارك " 1 / 204 بعد
أن أورد سنده فيه: وهذا سند صحيح مشهور الرجال، وكلهم
ثقات.
(3) قال عياض 1 / 204، 205: وهو كتاب جيد مفيد جدا قد
اعتمد الناس عليه في هذا =
(8/88)
وَرِسَالَةٌ فِي الأَقْضِيَةِ، مُجَلَّدٌ،
رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بنِ مَطْرُوْحٍ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ (1) .
وَرِسَالَةٌ إِلَى أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بنِ
مُطَرِّفٍ (2) .
وَرِسَالَةُ آدَابٍ إِلَى الرَّشِيْدِ، إِسْنَادُهَا
مُنْقَطِعٌ، قَدْ أَنْكَرَهَا إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي،
وَغَيْرُهُ، وَفِيْهَا أَحَادِيْثُ لاَ تُعرَفُ.
قُلْتُ: هَذِهِ الرِّسَالَةُ مَوْضُوْعَةٌ.
وَقَالَ القَاضِي الأَبْهَرِيُّ: فِيْهَا أَحَادِيْثُ
لَوْ سَمِعَ مَالِكٌ مَنْ يُحَدِّثُ بِهَا، لأَدَّبَهُ
(3) .
وَلَهُ جُزْءٌ فِي التَّفْسِيْرِ، يَرْوِيْهِ خَالِدُ
بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُوْمِيُّ، يَرْوِيْهِ
القَاضِي عِيَاضٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بنِ
سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ
الحَسَنِ المُقْرِئِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ
المَصِّيْصِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، بِإِسْنَادِهِ (4) .
وَكِتَابُ (السِّرِّ) مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ القَاسِمِ،
عَنْهُ، رَوَاهُ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ
العُثْمَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ
بنِ وَزِيْرٍ الجَرَوِيِّ، عَنِ الحَارِثِ بنِ
مِسْكِيْنٍ، عَنْهُ (5) .
قُلْتُ: هُوَ جُزْءٌ وَاحِدٌ، سَمِعَهُ أَبُو
مُحَمَّدٍ بنُ النَّحَّاسِ المِصْرِيُّ، مِنْ
مُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ العَكرِيِّ، حَدَّثَنَا
مِقْدَامُ بنُ دَاوُدَ الرُّعَيْنِيُّ، حَدَّثَنَا
الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، وَأَبُو زَيْدٍ بنُ أَبِي
الغِمْرِ، قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ القَاسِمِ.
__________
= الباب، وجعلوه أصلا، وعليه اعتمد أبو محمد عبد الله
بن مسرور الفقيه القروي في تأليفه في هذا الباب.
(1) قال عياض: وهو مؤدب مالك بن أنس.
(2) وهو من كبار أهل المدينة، يعد قرينا لمالك، يروي
عن أبي حازم، وزيد بن أسلم، وروى عنه الثقات ووثقوه.
(3) " ترتيب المدارك " 1 / 206.
(4) " ترتيب المدارك " 1 / 207.
(5) " ترتيب المدارك " 1 / 207.
(8/89)
قَالَ: وَرِسَالَةٌ إِلَى اللَّيْثِ فِي
إِجمَاعِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، مَعْرُوْفَةٌ (1) .
فَأَمَّا مَا نَقَلَ عَنْهُ كِبَارُ أَصْحَابِهِ مِنَ
المَسَائِلِ، وَالفَتَاوَى، وَالفَوَائِدِ، فَشَيْءٌ
كَثِيْرٌ.
وَمِنْ كُنُوْزِ ذَلِكَ: (المُدَوَّنَةُ)،
وَ(الوَاضِحَةُ)، وَأَشْيَاءُ.
قَالَ مَالِكِيٌّ: قَدْ نَدَرَ الاجْتِهَادُ اليَوْمَ،
وَتَعَذَّرَ، فَمَالِكٌ أَفْضَلُ مَنْ يُقَلَّدُ،
فَرَجَّحَ تَقْلِيْدَهُ.
وَقَالَ شَيْخٌ: إِنَّ الإِمَامَ لِمَنِ التَزَمَ
بِتَقلِيْدِهِ، كَالنَّبِيِّ مَعَ أُمَّتِهِ، لاَ
تَحِلُّ مُخَالَفَتُهُ.
قُلْتُ: قَوْلُهُ: لاَ تَحِلُّ مُخَالَفَتُه:
مُجَرَّدُ دَعْوَى وَاجْتِهَادٍ بِلاَ مَعْرِفَةٍ،
بَلْ لَهُ مُخَالَفَةُ إِمَامِهِ إِلَى إِمَامٍ آخَرَ،
حُجَّتُهُ فِي تِلْكَ المَسْأَلَةِ أَقوَى، لاَ بَلْ
عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الدَّلِيْلِ فِيْمَا تَبَرهَنَ
لَهُ، لاَ كَمَنْ تَمَذْهَبَ لإِمَامٍ، فَإِذَا لاَحَ
لَهُ مَا يُوَافِقُ هَوَاهُ، عَمِلَ بِهِ مِنْ أَيِّ
مَذْهَبٍ كَانَ، وَمَنْ تَتَبَّعَ رُخَصَ المَذَاهِبِ،
وَزَلاَّتِ المُجْتَهِدِيْنَ، فَقَدْ رَقَّ دِيْنُهُ،
كَمَا قَالَ الأَوْزَاعِيُّ أَوْ غَيْرُهُ: مَنْ
أَخَذَ بِقَوْلِ المَكِّيِّيْنَ فِي المُتْعَةِ،
وَالكُوْفِيِّيْنَ فِي النَّبِيذِ، وَالمَدَنِيِّينَ
فِي الغِنَاءِ، وَالشَّامِيِّينَ فِي عِصْمَةِ
الخُلَفَاءِ، فَقَدْ جَمَعَ الشَّرَّ.
وَكَذَا مَنْ أَخَذَ فِي البُيُوْعِ الرَّبَوِيَّةِ
بِمَنْ يَتَحَيَّلُ عَلَيْهَا، وَفِي الطَّلاَقِ
وَنِكَاحِ التَّحْلِيْلِ بِمَنْ تَوسَّعَ فِيْهِ،
وَشِبْهِ ذَلِكَ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلانحِلاَلِ،
فَنَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ وَالتَّوفِيْقَ.
وَلَكِنْ شَأْنُ الطَّالِبِ أَنْ يَدْرُسَ أَوَّلاً
مُصَنَّفاً فِي الفِقْهِ، فَإِذَا حَفِظَهُ، بَحَثَهُ،
وَطَالَعَ الشُّرُوحَ، فَإِنْ كَانَ ذَكِيّاً،
فَقِيْهَ النَّفْسِ، وَرَأَى حُجَجَ الأَئِمَّةِ،
فَلْيُرَاقِبِ اللهَ، وَلْيَحْتَطْ لِدِيْنِهِ،
فَإِنَّ خَيْرَ الدِّيْنِ الوَرَعُ، وَمَنْ تَرَكَ
الشُّبُهَاتِ،
__________
(1) أوردها القاضي عياض في " ترتيب المدارك " 1 / 64،
65 وانظر رد الليث عليها في " إعلام الموقعين " 3 /
72، 77.
(8/90)
فَقَدِ اسْتَبرَأَ لِدِيْنِهِ وَعِرْضِهِ،
وَالمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللهُ.
فَالمُقَلَّدُوْنَ صحَابَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَرْطِ ثُبُوْتِ
الإِسْنَادِ إِلَيْهِم، ثُمَّ أَئِمَّةُ
التَّابِعِيْنَ كَعَلْقَمَةَ، وَمَسْرُوْقٍ،
وَعَبِيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ
المُسَيِّبِ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، وَسَعِيْدِ بنِ
جُبَيْرٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ،
وَعُرْوَةَ، وَالقَاسِمِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالحَسَنِ،
وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ.
ثُمَّ كَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي الزِّنَادِ،
وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَرَبِيْعَةَ،
وَطَبَقَتِهِم.
ثُمَّ كَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَمَالِكٍ،
وَالأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ،
وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،
وَالحَمَّادَيْنِ، وَشُعْبَةَ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ
المَاجِشُوْنِ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ.
ثُمَّ كَابْنِ المُبَارَكِ، وَمُسْلِمٍ الزَّنْجِيِّ،
وَالقَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، وَالهِقْلِ بنِ زِيَادٍ،
وَوَكِيْعٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ،
وَطَبَقَتِهِم.
ثُمَّ كَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدَ،
وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالبُوَيْطِيِّ،
وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ.
ثُمَّ كَالمُزَنِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الأَثْرَمِ،
وَالبُخَارِيِّ، وَدَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدِ
بنِ نَصْرٍ المَرْوَزِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ
الحَرْبِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ القَاضِي.
ثُمَّ كَمُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ، وَأَبِي
بَكْرٍ بنِ خُزَيْمَةَ، وَأَبِي عَبَّاسٍ بنِ
سُرَيْجٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ المُنْذِرِ، وَأَبِي
جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الخَلاَّلِ.
ثُمَّ مِنْ بَعْدِ هَذَا النَّمَطِ تَنَاقَصَ
الاجْتِهَادُ، وَوُضِعَتِ المُخْتَصَرَاتُ، وَأَخلَدَ
الفُقَهَاءُ إِلَى التَّقْلِيْدِ، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ
فِي الأَعْلَمِ، بَلْ بِحَسبِ الاتِّفَاقِ،
وَالتَّشَهِّي، وَالتَّعْظِيْمِ، وَالعَادَةِ،
وَالبَلَدِ.
فَلَو أَرَادَ الطَّالِبُ اليَوْمَ أَنْ يَتَمَذْهَبَ
فِي المَغْرِبِ لأَبِي حَنِيْفَةَ، لَعَسُرَ عَلَيْهِ،
كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَمَذْهَبَ لابْنِ حَنْبَلٍ
(8/91)
بِبُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ، لَصَعُبَ
عَلَيْهِ، فَلاَ يَجِيْءُ مِنْهُ حَنْبَلِيٌّ، وَلاَ
مِنَ المَغْرِبِيِّ حَنَفِيٌّ، وَلاَ مِنَ الهِنْدِيِّ
مَالِكِيٌّ.
وَبِكُلِّ حَالٍ: فَإِلَى فِقْهِ مَالِكٍ المُنْتَهَى،
فَعَامَّةُ آرَائِهِ مُسَدَّدَةٌ، وَلَو لَمْ يَكُنْ
لَهُ إِلاَّ حَسمُ مَادَةِ الحِيَلِ، وَمُرَاعَاةُ
المَقَاصِدِ، لَكَفَاهُ، وَمَذْهَبُهُ قَدْ مَلأَ
المَغْرِبَ وَالأَنْدَلُسَ، وَكَثِيْراً مِنْ بِلاَدِ
مِصْرَ، وَبَعْضَ الشَّامِ، وَالِيَمَنَ،
وَالسُّوْدَانَ، وَبِالبَصْرَةِ، وَبَغْدَادَ،
وَالكُوْفَةِ، وَبَعْضِ خُرَاسَانَ.
وَكَذَلِكَ اشْتُهِرَ مَذْهَبُ الأَوْزَاعِيِّ
مُدَّةً، وَتَلاَشَى أَصْحَابُهُ، وَتَفَانَوْا.
وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ
سَمَّيْنَا، وَلَمْ يَبْقَ اليَوْمَ إِلاَّ هَذِهِ
المَذَاهِبُ الأَرْبَعَةُ.
وَقَلَّ مَنْ يَنهَضُ بِمَعْرِفَتِهَا كَمَا
يَنْبَغِي، فَضْلاً عَنْ أَنْ يَكُوْنَ مُجْتَهِداً.
وَانْقَطَعَ أَتْبَاعُ أَبِي ثَوْرٍ بَعْدَ الثَّلاَثِ
مائَةٍ، وَأَصْحَابُ دَاوُدَ إِلاَّ القَلِيْلُ،
وَبَقِيَ مَذْهَبُ ابْنِ جَرِيْرٍ إِلَى مَا بَعْدَ
الأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَللزَّيْدِيَّةِ مَذْهَبٌ فِي الفُرُوْعِ بِالحِجَازِ
وَبِاليَمَنِ، لَكِنَّهُ مَعْدُوْدٌ فِي أَقْوَالِ
أَهْلِ البِدَعِ، كَالإِمَامِيَّةِ، وَلاَ بَأْسَ
بِمَذْهَبِ دَاوُدَ، وَفِيْهِ أَقْوَالٌ حَسَنَةٌ،
وَمُتَابَعَةٌ لِلنُّصُوصِ، مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ
العُلَمَاءِ لاَ يَعتَدُّونَ بِخِلاَفِهِ، وَلَهُ
شُذُوْذٌ فِي مَسَائِلَ شَانَتْ مَذْهَبَهُ.
وَأَمَّا القَاضِي، فَذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى
جَوَازِ تَقلِيْدِهِم إِجْمَاعاً، فَإِنَّهُ سَمَّى
المَذَاهِبَ الأَرْبَعَةَ، وَالسُّفْيَانِيَّةَ،
وَالأَوْزَاعِيَّةَ، وَالدَّاوُوْدِيَّةَ.
ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ: فَهَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ وَقَعَ
إِجْمَاعُ النَّاسِ عَلَى تَقْلِيْدِهِم، مَعَ
الاخْتِلاَفِ فِي أَعْيَانِهِم، وَاتِّفَاقِ
العُلَمَاءِ عَلَى اتِّبَاعِهِم، وَالاقْتِدَاءِ
بِمَذَاهِبِهِم، وَدَرْسِ كُتُبِهِم، وَالتَّفَقُّهِ
عَلَى مَآخِذِهِم، وَالتَّفْرِيْعِ عَلَى أُصُوْلِهِم،
دُوْنَ غَيْرِهِم مِمَّنْ تَقَدَّمَهُم أَوْ
عَاصَرَهُم؛ لِلْعِلَلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.
(8/92)
وَصَارَ النَّاسُ اليَوْمَ فِي الدُّنْيَا
إِلَى خَمْسَةِ مَذَاهِبَ، فَالخَامِسُ: هُوَ مَذْهَبُ
الدَّاوُوْدِيَّةِ.
فَحَقٌّ عَلَى طَالِبِ العِلْمِ أَنْ يَعْرِفَ
أَوْلاَهُم بِالتَّقْلِيْدِ، لِيَحصَلَ عَلَى
مَذْهَبِهِ.
وَهَا نَحْنُ نُبَيِّنُ أَنَّ مَالِكاً -رَحِمَهُ
اللهُ- هُوَ ذَلِكَ؛ لِجَمعِهِ أَدَوَاتِ الإِمَامَةِ،
وَكَونِهِ أَعْلَمَ القَوْمِ.
ثُمَّ وَجَّهَ القَاضِي دَعوَاهُ، وَحَسَّنَهَا،
وَنَمَّقَهَا، وَلَكِنْ مَا يَعْجِزُ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْ حَنَفِيٍّ، وَشَافِعِيٍّ، وَحَنْبَلِيٍّ،
وَدَاوُوْدِيٍّ عَنِ ادِّعَاءِ مِثْلِ ذَلِكَ
لِمَتْبُوعِه، بَلْ ذَلِكَ لِسَانُ حَالِه، وَإِنْ
لَمْ يَفُهْ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: وَعِنْدنَا - وَللهِ
الحَمْدُ - لِكُلِّ إِمَامٍ مِنَ المَذْكُوْرِيْنَ
مَنَاقِبُ، تَقْضِي لَهُ بِالإِمَامَةِ (1) .
قُلْتُ: وَلَكِنَّ هَذَا الإِمَامَ الَّذِي هُوَ
النَّجمُ الهَادِي قَدْ أَنْصَفَ، وَقَالَ قَوْلاً
فَصْلاً، حَيْثُ يَقُوْلُ:
كُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِه، وَيُتْرَكُ،
إِلاَّ صَاحِبَ هَذَا القَبْرِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَلاَ رَيْبَ أَنَّ كُلَّ مِنْ أَنِسَ مِنْ نَفْسِهِ
فِقهاً، وَسَعَةَ عِلْمٍ، وَحُسْنَ قَصدٍ، فَلاَ
يَسَعُهُ الالْتِزَامُ بِمَذْهَبٍ وَاحِدٍ فِي كُلِّ
أَقْوَالِه، لأَنَّهُ قَدْ تَبَرَهَنَ لَهُ مَذْهَبُ
الغَيْرِ
__________
(1) راجع الفصل الذي كتبه القاضي عياض في " ترتيب
المدارك " 1 / 89، 102 في ترجيح مذهب الامام على غيره
من الأئمة، فإنك ستعلم أن الامام الذهبي كان محقا في
تعقبه ونقده في مواطن من كلامه، فقد كتب هذا الفصل
يدافع التعصب المقيت الحامل على الغلو والاطراء في
المدح، وإضفاء صفة الكمال والعصمة لغير من هي له،
ونسبة أقوال إلى غيره من الأئمة لا تصح عنهم، يلزم
عنها الطعن فيهم والنبيل منهم، فالامام مالك رحمه الله
مع كونه صاحب فضل وعلم، واجتهاد وورع، هو كغيره من
الأئمة المجتهدين، يصيب ويخطئ، فإن أصاب فله أجران،
وإن أخطأ، فله أجر واحد، وقد انتقده غير واحد من
الأئمة كالشافعي وأحمد وغيرهما في أكثر من مسألة
وبينوا أن الصواب في غير ما ذهب إليه، وذلك مدون في
مظانه من كتب الخلاف، وجاء في " حلية الأولياء " 6 /
323 عن سعيد بن سليمان قال: قلما سمعت مالكا يفتي بشيء
إلا تلا هذه الآية: (إن نظن إلا ظنا وما نحن
بمستيقنين) ولست أشك في أن الامام مالكا لو رأى الذي
كتبه القاضي عياض لتبرأ منه، وأنحى بالائمة عليه.
(8/93)
فِي مَسَائِلَ، وَلاَحَ لَهُ الدَّلِيْلُ،
وَقَامَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ، فَلاَ يُقَلِّدُ
فِيْهَا إِمَامَهُ، بَلْ يَعْمَلُ بِمَا تَبَرْهَنَ،
وَيُقِلِّدُ الإِمَامَ الآخَرَ بِالبُرْهَانِ، لاَ
بِالتَّشَهِّي وَالغَرَضِ.
لِكَنَّهُ لاَ يُفْتِي العَامَّةَ إِلاَّ بِمَذْهَبِ
إِمَامِه، أَوْ لِيَصمُتْ فِيْمَا خَفِيَ عَلَيْهِ
دَلِيْلُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: العِلْمُ يَدُوْرُ عَلَى
ثَلاَثَةٍ: مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ.
قُلْتُ: بَلْ وَعَلَى سَبْعَةٍ مَعَهُم، وَهُمُ:
الأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَعْمَرٌ، وَأَبُو
حَنِيْفَةَ، وَشُعْبَةُ، وَالحَمَّادَانِ.
وَرُوِيَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا
ذَكَرَ مَالِكاً، يَقُوْلُ: عَالِمُ العُلَمَاءِ،
وَمُفْتِي الحَرَمَيْنِ.
وَعَنْ بَقِيَّةَ، أَنَّهُ قَالَ: مَا بَقِيَ عَلَى
وَجْهِ الأَرْضِ أَعْلَمُ بِسُنَّةٍ مَاضِيَةٍ مِنْكَ
يَا مَالِكُ.
وَقَالَ أَبُو يُوْسُفَ: مَا رَأَيْتُ أَعْلَمَ مِنْ
أَبِي حَنِيْفَةَ، وَمَالِكٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى.
وَذَكَرَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مَالِكاً، فَقَدَّمَه
عَلَى الأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ،
وَحَمَّادٍ، وَالحَكَمِ، فِي العِلْمِ.
وَقَالَ: هُوَ إِمَامٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِي
الفِقْهِ.
وَقَالَ القَطَّانُ: هُوَ إِمَامٌ يُقْتَدَى بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: مَالِكٌ مِنْ حُجَجِ اللهِ
عَلَى خَلْقِه.
وَقَالَ أَسَدُ بنُ الفُرَاتِ: إِذَا أَرَدْتَ اللهَ
وَالدَّارَ الآخِرَةَ، فَعَلَيْكَ بِمَالِكٍ.
(8/94)
وَقَدْ صَنَّفَ مَكِّيٌّ القَيْسِيُّ (1)
كِتَاباً فِيْمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي
التَّفْسِيْرِ، وَمَعَانِي القُرْآنِ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ: أَبُو عَمْرٍو الدَّانِي (2) فِي
(طَبَقَاتِ القُرَّاءِ)، وَأَنَّهُ تَلاَ عَلَى
نَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ.
وَقَالَ بُهْلُوْلُ بنُ رَاشِدٍ (3) : مَا رَأَيْتُ
أَنزَعَ بِآيَةٍ مِنْ مَالِكٍ مَعَ مَعْرِفَتِه
بِالصَّحِيْحِ وَالسَّقِيْمِ.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَكَارِمِ
التَّيْمِيُّ، وَنَبَّأَنِي ابْنُ سَلاَمَةَ، عَنْ
أَبِي المَكَارِمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ
الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ،
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ كُلَيْبٍ، عَنِ
الفَضْلِ بنِ زِيَادٍ:
سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ: مَنْ ضَرَبَ
مَالِكاً؟
قَالَ: بَعْضُ الوُلاَةِ فِي طَلاَقِ المُكْرَهِ،
كَانَ لاَ يُجِيْزُه، فَضَرَبَهُ لِذَلِكَ (4) .
وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا المُفَضَّلُ الجَنَدِيُّ،
__________
(1) هو مكي بن أبي طالب بن حيوس القيسي القيرواني، ثم
الأندلسي القرطبي، الامام العلامة المحقق أستاذ القراء
والمجودين، كان من أهل التبحر في علوم القرآن
والعربية، حسن الفهم، كثير التآليف في علوم القرآن،
توفي سنة 437 ه.
" طبقات القراء " 2 / 309، 310.
(2) هو عثمان بن سعيد بن عثمان الداني الأموي، الامام
العلامة الحافظ شيخ المقرئين، صاحب التآليف الكثيرة في
علوم القرآن، المتوفى سنة 444 ه.
طبقات القراء 1 / 503، 505.
(3) هو أبو عمرو البهلول بن راشد الحجري، ثم الرعيني
مولاهم من علماء القيروان، ألف كتابا في الفقه،
والغالب عليه اتباع مالك، وربما مال إلى قول الثوري،
وأخباره في الزهد كثيرة، توفي سنة 183 ه، ترجمته في "
معالم الايمان " 1 / 264، 279 و" الجرح والتعديل " 2 /
429، و" لسان الميزان " 2 / 66.
(4) " حلية الأولياء " 6 / 316.
(8/95)
سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ، سَمِعْتُ
مَالِكاً يَقُوْلُ:
مَا أَفْتَيتُ حَتَّى شَهِدَ لِي سَبْعُوْنَ أَنِّي
أَهْلٌ لِذَلِكَ (1) .
ثُمَّ قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: كَانَ مَالِكٌ لاَ
يُحَدِّثُ إِلاَّ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ؛ إِجْلاَلاً
لِلْحَدِيْثِ (2) .
وَبِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا
يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا جَاءَ الأَثَرُ، كَانَ
مَالِكٌ كَالنَّجْمِ، وَهُوَ وَسُفْيَانُ
القَرِيْنَانِ (3) .
وَبِهِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ،
حَدَّثَنَا السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ
غَيْلاَنَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ:
أَتَيْتُ المَدِيْنَةَ بَعْد مَوْتِ نَافِعٍ بِسَنَةٍ،
فَإِذَا الحَلْقَةُ لِمَالِكٍ (4) .
وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ رَاشِدٍ،
سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ:
حَكَى لِي بَعْضُ أَصْحَابِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْهُ:
أَنَّ مَالِكاً لَمَّا ضُرِبَ، حُلِقَ، وَحُمِلَ (5)
عَلَى بَعِيْرٍ، فَقِيْلَ لَهُ: نَادِ عَلَى نَفْسِكَ.
فَقَالَ: أَلاَ مَنْ عَرَفَنِي، فَقَدْ عَرَفَنِي،
وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي، فَأَنَا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ،
أَقُوْلُ: طَلاَقُ المُكْرَهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ جَعْفَرَ بنَ سُلَيْمَانَ الأَمِيْرَ،
فَقَالَ: أَدْرِكُوهُ، أَنْزِلُوْهُ (6).
__________
(1) " الحلية " 6 / 316.
(2) " الحلية " 6 / 318.
(3) " الحلية " 6 / 318.
(4) " الحلية " 6 / 319.
(5) في الأصل: " وتحمل ".
(6) " الحلية " 6 / 316.
(8/96)
وَبِهِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ،
حَدَّثَنَا السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ
عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ
مِسْكِيْنٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ:
قِيْلَ لِمَالِكٍ: مَا تَقُوْلُ فِي طَلَبِ العِلْمِ؟
قَالَ: حَسَنٌ، جَمِيْلٌ، لَكِنِ انْظُرِ الَّذِي
يَلْزَمُكَ مِنْ حِيْنَ تُصبِحُ إِلَى أَنْ تُمْسِيَ،
فَالزَمْهُ (1) .
وَبِهِ: عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ
الدَّاعِي يَقُوْلُ: يَا سَيِّدِي، فَقَالَ:
يُعْجِبُنِي دُعَاءُ الأَنْبِيَاءِ: رَبَّنَا،
رَبَّنَا (2) .
وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ سَلْمٍ،
حَدَّثَنَا الأَبَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ:
سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ لِي
سُلْطَاناً عَلَى مَنْ يُفَسِّرُ القُرْآنَ،
لَضَرَبْتُ رَأْسَهُ (3) .
قُلْتُ: يَعْنِي: تَفْسِيْرَهُ بِرَأْيِه.
وَكَذَلِكَ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ، مِنْ طَرِيْقٍ
أُخْرَى.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ
الحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ
التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ،
سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً ارْتَفَعَ مِثْلَ مَالِكٍ،
لَيْسَ لَهُ كَثِيْرُ صَلاَةٍ وَلاَ صِيَامٍ، إِلاَّ
أَنْ تَكُوْنَ لَهُ سَرِيْرَةٌ (4) .
قُلْتُ: مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ العِلْمِ وَنَشْرِهِ
أَفضَلُ مِنْ نَوَافلِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ لِمَنْ
أَرَادَ بِهِ اللهَ.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ،
حَدَّثَنَا المِقْدَادُ بنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ
__________
(1) " الحلية " 6 / 319.
(2) " الحلية " 6 / 320.
(3) " الحلية " 6 / 322.
(4) " الحلية " 6 / 330.
(8/97)
بنُ عَبْدِ الحَكَمِ:
سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: شَاوَرَنِي هَارُوْنُ
الرَّشِيْدُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي أَنْ يُعَلِّقَ
(المُوَطَّأَ) فِي الكَعْبَةِ، وَيَحْمِلَ النَّاسَ
عَلَى مَا فِيْهِ، وَفِي أَنْ يَنْقُضَ مِنْبَرَ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَيَجْعَلَهُ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَوْهَرٍ، وَفِي
أَنْ يُقَدِّمَ نَافِعاً إِمَاماً فِي مَسْجِدِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقُلْتُ: أَمَّا تَعلِيقُ (المُوَطَّأِ)، فَإِنَّ
الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي الفُرُوعِ،
وَتَفَرَّقُوا، وَكُلٌّ عِنْد نَفْسِه مُصِيْبٌ،
وَأَمَّا نَقْضُ المِنْبَرِ، فَلاَ أَرَى أَنْ
يُحْرَمَ النَّاسُ أَثَرَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَّا تَقدِمَتُكَ
نَافِعاً، فَإِنَّهُ إِمَامٌ فِي القِرَاءةِ، لاَ
يُؤْمَنُ أَنْ تَبْدُرَ مِنْهُ بَادِرَةٌ فِي
المِحْرَابِ، فَتُحْفَظَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ: وَفَّقَكَ اللهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ (1)
.
هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، لَكِنْ لَعَلَّ الرَّاوِي
وَهِمَ فِي قَوْلِهِ: هَارُوْنُ؛ لأَنَّ نَافِعاً
قَبْلَ خِلاَفَةِ هَارُوْنَ مَاتَ.
مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي السُّنَّةِ:
وَبِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ
عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا
الحُلْوَانِيُّ، سَمِعْتُ مُطَرِّفَ بنَ عَبْدِ اللهِ،
سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ:
سَنَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَوُلاَةُ الأَمْرِ بَعْدَهُ سُنَناً،
الأَخْذُ بِهَا اتِّبَاعٌ لِكِتَابِ اللهِ،
وَاسْتِكمَالٌ بِطَاعَةِ اللهِ، وَقُوَّةٌ عَلَى
دِيْنِ اللهِ، لَيْسَ لأَحَدٍ تَغِييرُهَا وَلاَ
تَبْدِيلُهَا، وَلاَ النَّظَرُ فِي شَيْءٍ خَالَفَهَا،
مَنِ اهْتَدَى بِهَا، فَهُوَ مُهتَدٍ، وَمَنِ
اسْتَنصَرَ بِهَا، فَهُوَ مَنْصُوْرٌ، وَمَنْ
تَرَكَهَا، اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيْلِ المُؤْمِنِيْنَ،
وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى، وَأَصْلاَهُ
جَهَنَّمَ، وَسَاءتْ مَصِيْراً (2).
__________
(1) " الحلية " 6 / 332، وأورده القاضي عياض في "
ترتيب المدارك " 1 / 214، 215، لكن ذكر بدل " هارون "
" المهدي ".
(2) " الحلية " 6 / 324.
(8/98)
وَبِهِ: إِلَى الحُلْوَانِيِّ: سَمِعْتُ
إِسْحَاقَ بنَ عِيْسَى يَقُوْلُ:
قَالَ مَالِكٌ: أَكُلَّمَا جَاءنَا رَجُلٌ أَجْدَلُ
مِنْ رَجُلٍ، تَرَكنَا مَا نَزَلَ بِهِ جِبْرِيْلُ
عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لِجَدَلِهِ (1) ؟!
وَبِهِ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا
زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ،
حَدَّثَنَا أَبُو ثَوْرٍ:
سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ مَالِكٌ إِذَا
جَاءهُ بَعْضُ أَهْلِ الأَهوَاءِ، قَالَ: أَمَا
إِنِّيْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ دِيْنِي، وَأَمَّا
أَنْتَ، فَشَاكٌّ، اذْهَبْ إِلَى شَاكٍّ مِثْلِكَ،
فَخَاصِمْهُ (2) .
وَبِهِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيُّ،
حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بنُ خَلَفٍ الطَّرَسُوْسِيُّ - وَكَانَ مِنْ
ثِقَاتِ المُسْلِمِيْنَ - قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ،
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا تَقُوْلُ
فِيْمَنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ؟
فَقَالَ مَالِكٌ: زِنْدِيقٌ، اقْتُلُوْهُ.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّمَا أَحكِي
كَلاَماً سَمِعْتُهُ.
قَالَ: إِنَّمَا سَمِعْتُهُ مِنْكَ، وَعَظَّمَ هَذَا
القَوْلَ (3) .
وَبِهِ: حَدَّثَنَا ابْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ
أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ،
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ:
قَالَ مَالِكٌ: النَّاسُ يَنْظُرُوْنَ إِلَى اللهِ
-عَزَّ وَجَلَّ- يَوْمَ القِيَامَةِ بِأَعْيُنِهِم (4)
.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ،
حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ:
سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ عَنِ
القَدَرِ: نَعَمْ (5) ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-:
{وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا}
[السَّجْدَةُ: 12].
__________
(1) " الحلية " 6 / 324.
(2) " الحلية " 6 / 324.
(3) " الحلية " 6 / 325.
(4) " الحلية " 6 / 326.
(5) لفظه في " الحلية " 6 / 326: سمعت مالكا يقول
لرجل: سألتني أمس عن القدر ؟ قال: نعم.
(8/99)
وَبِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، سَمِعْتُ
سَعِيْدَ بنَ عَبْدِ الجَبَّارِ:
سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: رَأيِي فِيْهِم أَنْ
يُسْتَتَابُوا، فَإِنْ تَابُوا، وَإِلاَّ قُتِلُوا.
يَعْنِي: القَدَرِيَّةَ (1) .
وَبِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ
العُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا القَاضِي أَبُو أُمَيَّةَ
الغَلاَّبِيُّ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ،
حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا
جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا
أَبَا عَبْدِ اللهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ
اسْتَوَى} [طه: 5] كَيْفَ اسْتَوَى؟
فَمَا وَجَدَ مَالِكٌ مِنْ شَيْءٍ مَا وَجَدَ مِنْ
مَسْأَلَتِهِ، فَنَظَرَ إِلَى الأَرْضِ، وَجَعَلَ
يَنْكُتُ بِعُوْدٍ فِي يَدِهِ، حَتَّى عَلاَهُ
الرُّحَضَاءُ (2) ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَه، وَرَمَى
بِالعُوْدِ، وَقَالَ: الكَيْفُ مِنْهُ غَيْرُ
مَعْقُوْلٍ، وَالاسْتِوَاءُ مِنْهُ غَيْرُ مَجْهُوْلٍ،
وَالإِيْمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ
بِدْعَةٌ، وَأَظُنُّكَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ.
وَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ (3) .
قَالَ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ مَرَّةً فِي رِوَايَةِ
هَذَا: وَقَالَ لِلسَّائِلِ: إِنِّيْ أَخَافُ أَنْ
تَكُوْنَ ضَالاًّ.
وَقَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ الرَّشِيْدِيْنِيُّ:
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ،
__________
(1) " الحلية " 6 / 326.
(2) الرحضاء: العرق إثر الحمى، أو عرق يغسل الجلد
كثرة.
(3) " حلية الأولياء " 6 / 325، 326، وهذا هو المذهب
الحق في صفات الله سبحاناه، نؤمن بها، ونمرها على
ظاهرها اللائق بجلال الله تعالى من غير تحريف، ولا
تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل (ليس كمثله شيء وهو
السميع البصير)، فإن الله أعلم بنفسه من كل أحد، ورسول
الله صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق، فمتى ورد النص من
الكتاب أو السنة الصحيحة بإثبات صفة أو نفيها، فلا
يجوز لأحد العدول عنه إلى قياس أو رأي، والكلام في
الصفات فرع عن الكلام في الذات، يحتذى فيه حذوه، ويتبع
مثاله، فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات
تكييف، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات تكييف،
وهذا هو مذهب السلف المشهود لهم بالفضل والخيرية، كما
ثبت عن سيدنا محمد خير البرية، وإليه رجع كثير من
المتكلمين المتأخرين كإمام الحرمين الجويني والغزالي،
وفخر الدين الرازي.
(8/100)
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ:
{الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} كَيْفَ
اسْتِوَاؤُهُ؟
فَأَطرَقَ مَالِكٌ، وَأَخَذَتْهُ الرُّحَضَاءُ، ثُمَّ
رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى
العَرْشِ اسْتَوَى} كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، وَلاَ
يُقَالُ لَهُ: كَيْفَ، وَ(كَيْفَ) عَنْهُ مَرْفُوْعٌ،
وَأَنْتَ رَجُلُ سُوءٍ، صَاحِبُ بِدْعَةٍ،
أَخْرِجُوْهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو قَشْمَرْدُ
النَّيْسَابُورِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ يَحْيَى
يَقُوْلُ:
كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ:
{الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى}...، فَذَكَرَ
نَحْوَهُ، وَفِيْهِ: فَقَالَ: الاسْتِوَاءُ غَيْرُ
مَجْهُوْلٍ.
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي
كِتَابِ (الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ (1)) لَهُ،
قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بنُ
النُّعْمَانِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ، قَالَ:
قَالَ مَالِكٌ: اللهُ فِي السَّمَاءِ، وَعِلْمُهُ فِي
كُلِّ مَكَانٍ لاَ يَخْلُو مِنْهُ شَيْءٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ
العُمَرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ،
سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ:
القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، وَكَلاَمُ اللهِ مِنْهُ،
وَلَيْسَ مِنَ اللهِ شَيْءٌ مَخْلُوْقٌ (2).
__________
(1) ويرى المؤلف رحمه الله أن هذا الكتاب موضوع على
الامام أحمد لا تصح نسبته إليه كما سيجئ ذلك في ترجمته
في الجزء الحادي عشر من هذا الكتاب، ومما يؤكد قوله أن
في السند إليه مجهولا وهو الخضر بن المثنى والرواية عن
مجهول مقدوح فيها، مطعون في سندها، على أن فيه آراء
تخالف ما كان عليه السلف الصالح من معتقد، ويختلف عما
جاء عن الامام في غيره مما صح عنه، ولا نجد لهذا
الكتاب ذكرا لدى أقرب الناس إلى الامام أحمد ممن
عاصروه وجالسوه أو أتوا بعده مباشرة، وهم على مشربه،
وكتبوا في الموضوع ذاته كالامام البخاري ت 256، وعبد
الله مسلم بن قتيبة ت 276، وأبي سعيد الدارمي ت 280
وأبو الحسن الأشعري قد ذكر عقيدة الامام أحمد في كتابه
" مقالات الإسلاميين " ولكنه لم يشر إلى هذا الكتاب
مطلقا، ولم يستنفد منه شيئا.
(2) ذكره في " ترتيب المدارك " 1 / 174.
(8/101)
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ فِي سِيْرَةِ
مَالِكٍ (1) : قَالَ ابْنُ نَافِعٍ، وَأَشْهَبُ -
وَأَحَدُهُمَا يَزِيْدُ عَلَى الآخَرِ -:
قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ: {وُجُوْهٌ يَوْمَئِذٍ
نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القِيَامَةُ:
22 - 23] يَنْظُرُوْنَ إِلَى اللهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، بِأَعْيُنِهُم هَاتَيْنِ.
قُلْتُ: فَإِنَّ قَوْماً يَقُوْلُوْنَ: نَاظرَةٌ:
بِمَعْنَى مُنْتَظِرَةٌ إِلَى الثَّوَابِ.
قَالَ: بَلْ تَنظُرُ إِلَى اللهِ، أَمَّا سَمِعْتَ
قَوْلَ مُوْسَى: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}
[الأَعْرَافُ: 143] أَتُرَاهُ سَأَلَ مُحَالاً؟ قَالَ
اللهُ: {لَنْ تَرَانِي} فِي الدُّنْيَا، لأَنَّهَا
دَارُ فَنَاءٍ، فَإِذَا صَارُوا إِلَى دَارِ
البَقَاءِ، نَظَرُوا بِمَا يَبْقَى إِلَى مَا يَبْقَى.
قَالَ -تَعَالَى-: {كَلاَّ، إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ
يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُوْنَ} [المُطَفِّفِيْنَ: 15].
قَالَ القَاضِي (2) : وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ
مَالِكٍ:
الإِيْمَان قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ،
وَبَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ.
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ القَاسِمِ: كَانَ مَالِكٌ
يَقُوْلُ: الإِيْمَانُ يَزِيْدُ.
وَتَوقَّفَ عَنِ النُّقصَانِ (3) .
قَالَ: وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ، عَنْ مَالِكٍ: مَنْ
قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، يُجلَدُ وَيُحبَسُ.
قَالَ: وَفِي رِوَايَةِ بِشْرِ بنِ بَكْرٍ، عَنْ
مَالِكٍ، قَالَ: يُقتَلُ، وَلاَ تُقْبَلُ لَهُ تَوبَةٌ
(4) .
يُوْنُسُ الصَّدَفِيُّ: حَدَّثَنَا أَشْهَبُ، عَنْ
مَالِكٍ، قَالَ: القَدَرِيَّةُ، لاَ
__________
(1) 1 / 172، 173، وانظر " الحلية " 6 / 326، و"
الانتقاء " ص 32.
(2) في " ترتيب المدارك " 1 / 173، 174.
(3) " ترتيب المدارك " 1 / 174.
(4) " ترتيب المدارك " 1 / 174.
(8/102)
تُنَاكِحُوهُم، وَلاَ تُصَلُّوا خَلْفَهُم
(1) .
أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ:
قَالَ مَالِكٌ: لاَ يُسْتَتَابُ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الكُفَّارِ
وَالمُسْلِمِيْنَ.
أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
عَلِيٍّ المَدَائِنِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ
بنُ أَبِي الغَمْرِ، قَالَ:
قَالَ ابْنُ القَاسِمِ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَمَّنْ
حَدَّثَ بِالحَدِيْثِ: الَّذِيْنَ قَالُوا: (إِنَّ
اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُوْرَتِهِ (2))،
وَالحَدِيْثِ الَّذِي جَاءَ: (إِنَّ اللهَ يَكْشِفُ
عَنْ سَاقِهِ (3))، (وَأَنَّهُ
__________
(1) " ترتيب المدارك " 1 / 176.
(2) أخرجه البخاري في " صحيحه " 11 / 2 في أول
الاستئذان، ومسلم (2841) في الجنة: باب يدخل الجنة
أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير، وأحمد 2 / 315، وابن
خزيمة في " التوحيد " 39، 40 من طريق معمر، عن همام بن
منبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه
قال: اذهب، فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس،
فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال:
السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله،
فزادوه: " ورحمة الله " فكل من يدخل الجنة على صورة
آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن "، وأخرجه مسلم
(2612) (115)، وأحمد 2 / 463 و519، وابن خزيمة ص 37 من
طريق قتادة، عن أبي أيوب المراغي، عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم
على صورته "، وأخرجه أحمد 2 / 244، والآجري في "
الشريعة ": 341، والبيهقي في " الأسماء والصفات " 290،
من طريق سفيان، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي
هريرة..وأخرجه أحمد 2 / 323 من طريق المغيرة بن عبد
الرحمن، عن أبي الزناد، عن موسى بن أبي عثمان، عن
أبيه، عن أبي هريرة..وأخرجه أحمد 2 / 251، و434، وابن
خزيمة: 36 من طريق يحيى، عن ابن عجلان، عن سعيد، عن
أبي هريرة.
(3) أخرجه البخاري 8 / 508 في التفسير من طريق سعيد بن
أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي
سعيد رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يقول: " يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة،
ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد،
فيعود ظهره طبقا واحدا " وهو قطعة من حديث أبي سعيد
المطول في رؤية الله في الآخرة والشفاعة، أخرجه
البخاري في التوحيد 13 / 358، 360.
وأخرجه مسلم (183) في الايمان: باب معرفة طريق الرؤية،
من طريق سويد بن سعيد، عن حفص بن ميسرة، عن =
(8/103)
يُدْخِلُ يَدَهُ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى
يُخْرِجَ مَنْ أَرَادَ (1)).
فَأَنْكَر مَالِكٌ ذَلِكَ إِنْكَاراً شَدِيْداً،
وَنَهَى أَنْ يُحَدِّثَ بِهَا أَحَدٌ (2) .
فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ نَاساً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ
يَتَحَدَّثُوْنَ بِهِ.
فَقَالَ: مَنْ هُوَ؟
قِيْلَ: ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ.
قَالَ: لَمْ يَكُنِ ابْنُ عَجْلاَنَ يَعْرِفُ هَذِهِ
الأَشْيَاءَ، وَلَمْ يَكُنْ عَالِماً.
وَذَكَرَ أَبَا الزِّنَادِ، فَقَالَ: لَمْ يَزَلْ
عَامِلاً لِهَؤُلاَءِ حَتَّى مَاتَ.
رَوَاهَا: مِقْدَامٌ الرُّعَيْنِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي
الغَمْرِ، وَالحَارِثِ بنِ مِسْكِيْنٍ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ القَاسِمِ.
قُلْتُ: أَنْكَرَ الإِمَامُ ذَلِكَ، لأَنَّهُ لَمْ
يَثبُتْ عِنْدَهُ، وَلاَ اتَّصَلَ بِهِ، فَهُوَ
مَعْذُورٌ، كَمَا أَنَّ صَاحِبَي (الصَّحِيْحَيْنِ)
مَعْذُورَانِ فِي إِخرَاجِ ذَلِكَ - أَعْنِي:
الحَدِيْثَ الأَوَّلِ وَالثَّانِي - لِثُبُوتِ
سَنَدِهِمَا، وَأَمَّا الحَدِيْثُ الثَّالِثُ، فَلاَ
أَعْرِفُه
__________
= زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري،
ولفظه عنده: " فيكشف عن ساقه " وهذه الرواية أصح
لموافقتها لفظ القرآن كما قال الاسماعيلي، ونقله عنه
الحافظ في " الفتح " 8 / 508، وأقره.
(1) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرج الآجري في "
الشريعة " ص 346، من طريق هناد بن السري، عن أبي
معاوية، عن أبي إسحاق بن عبد الله، عن سعيد بن أبي
سعيد، عن
ابن عمر رضي الله عنه قال: لقد بلغت الشفاعة يوم
القيامة حتى إن الله عزوجل ليقول للملائكة: أخرجوا
برحمتي من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان،
قال: ثم يخرجهم حفنات بيده بعد ذلك.
وأخرج أحمد 3 / 94، ومسلم (183)، والآجري في الشريعة ص
346 من حديث أبي سعيد الخدري المطول وفيه: " فيقول
الله عزوجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع
المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من
النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط.." وقد ورد
ذكر اليد في غاير ما حديث صحيح، أوردها البيهقي في "
الأسماء والصفات " 314، 323 .
(2) جاء في " صحيح البخاري " 1 / 199 ما نصه: باب من
خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا يفهموا، وقال علي:
حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله !
ثم ذكر حديث معاذ.
قال الحافظ: وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن
يذكر عند العامة، ومثله قول ابن مسعود: " ما أنت محدثا
قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة "
رواه مسلم في مقدمة صحيحه 1 / 11 من طريق ابن شهاب، عن
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود، وممن كره
التحديث ببعض دون بعض مالك في أحاديث الصفات، وأبو
يوسف في الغرائب.
(8/104)
بِهَذَا اللَّفْظِ، فَقَولُنَا فِي ذَلِكَ
وَبَابِهِ: الإِقرَارُ، وَالإِمْرَارُ، وَتَفْويضُ
مَعْنَاهُ إِلَى قَائِلِه الصَّادِقِ المَعْصُومِ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
هَارُوْنَ بنِ حَسَّانٍ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ
أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا حَبِيْبُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ،
حَدَّثَنِي مَالِكٌ، قَالَ:
يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -
أَمْرُهُ، فَأَمَّا هُوَ، فَدَائِمٌ لاَ يَزُولُ.
قَالَ صَالِحٌ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِيَحْيَى بنِ
بُكَيْرٍ، فَقَالَ: حَسَنٌ وَاللهِ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ
مِنْ مَالِكٍ.
قُلْتُ: لاَ أَعْرِفُ صَالِحاً، وَحَبِيْبٌ
مَشْهُوْرٌ، وَالمَحْفُوْظُ عَنْ مَالِكٍ -رَحِمَهُ
اللهُ- رِوَايَةُ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، أَنَّهُ
سَأَلهُ عَنْ أَحَادِيْثِ الصِّفَاتِ، فَقَالَ:
أَمِرَّهَا كَمَا جَاءتْ، بِلاَ تَفْسِيْرٍ.
فَيَكُوْنُ لِلإِمَامِ فِي ذَلِكَ قَوْلاَنِ إِنْ
صَحَّتْ رِوَايَةُ حَبِيْبٍ.
أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ البَرْقِيِّ:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا
عَمْرُو بنُ حَسَّانٍ:
أَنَّ أَبَا خُلَيْدٍ قَالَ لِمَالِكٍ: يَا أَبَا
عَبْدِ اللهِ، إِنَّ أَهْلَ دِمَشْقَ يَقْرَؤُونَ:
إِبْرَاهَامُ (1) .
فَقَالَ: أَهْلُ دِمَشْقَ بِأَكْلِ البَطِّيخِ
أَعْلَمُ مِنْهُم بِالقِرَاءةِ (2) .
قَالَ لَهُ أَبُو خُلَيْدٍ: إِنَّهُم يَدَّعُوْنَ
قِرَاءةَ عُثْمَانَ.
قَالَ مَالِكٌ: فَهَذَا مُصْحَفُ عُثْمَانَ عِنْدِي.
وَدَعَا بِهِ، فَفُتِحَ، فَإِذَا فِيْهِ:
إِبْرَاهَامُ، كَمَا قَالَ أَهْلُ دِمَشْقَ.
قُلْتُ: رَسْمُ المُصْحَفِ مُحْتَمِلٌ
لِلْقِرَاءتَيْنِ، وَقِرَاءةُ الجُمْهُوْرِ أَفصَحُ
وَأَوْلَى.
__________
(1) هي قراءة ابن عامر الشامي أحد السبعة، وانظر " حجة
القراءات " ص: 113، 114.
(2) يغلب على ظني أن هذا القصة مفتعلة على مالك، إذ
كيف تعزب عنه هذه القراءة وينكرها على أهل دمشق وهي
ثابتة في مصحف عثمان الذي هو عنده كما جاء في آخر
الخبر.
(8/105)
قَالَ ابْنُ القَاسِمِ: سَأَلْتُ مَالِكاً
عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ، فَقَالَ:
مَا أَدْرَكتُ أَحَداً مِمَّنْ أَقتَدِي بِهِ إِلاَّ
وَهُوَ يَرَى الكَفَّ عَنْهُمَا.
قَالَ ابْنُ القَاسِمِ: يُرِيْدُ التَّفْضِيْلَ
بَيْنَهُمَا.
فَقُلْتُ: فَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ؟
فَقَالَ: لَيْسَ فِيْهِمَا إِشْكَالٌ، إِنَّهُمَا
أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمَا.
قَالَ الحَسَنُ بنُ رُشَيْقٍ: سَمِعْتُ النَّسَائِيَّ
يَقُوْلُ:
أُمَنَاءُ اللهِ عَلَى عِلْمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَةٌ: شُعْبَةُ،
وَمَالِكٌ، وَيَحْيَى القَطَّانُ.
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: قَالَ مَعْنٌ:
انْصَرَفَ مَالِكٌ يَوْماً، فَلَحِقَهُ رَجُلٌ يُقَالُ
لَهُ: أَبُو الجُوَيْرِيَةِ، مُتَّهَمٌ بِالإِرْجَاءِ،
فَقَالَ: اسْمَعْ مِنِّي.
قَالَ: احْذَرْ أَنْ أَشْهَدَ عَلَيْكَ.
قَالَ: وَاللهِ مَا أُرِيْدُ إِلاَّ الحَقَّ، فَإِنْ
كَانَ صَوَاباً، فَقُلْ بِهِ، أَوْ فَتَكَلَّمْ.
قَالَ: فَإِنْ غَلَبْتَنِي؟
قَالَ: اتَّبِعْنِي.
قَالَ: فَإِنْ غَلَبْتُكَ؟
قَالَ: اتَّبَعْتُكَ.
قَالَ: فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ، فَكَلَّمَنَا،
فَغَلَبَنَا؟
قَالَ: اتَّبَعْنَاهُ.
فَقَالَ مَالِكٌ: يَا هَذَا، إِنَّ اللهَ بَعَثَ
مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِدِيْنٍ وَاحِدٍ، وَأَرَاكَ تَتَنَقَّلُ (1) .
وَعَنْ مَالِكٍ، قَالَ: الجِدَالُ فِي الدِّيْنِ
يُنشِئُ المِرَاءَ، وَيُذْهِبُ بِنُورِ العِلْمِ مِنَ
القَلْبِ وَيُقَسِّي، وَيُورِثُ الضِّغنَ (2) .
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: قَالَ أَبُو طَالِبٍ
المَكِّيُّ:
كَانَ مَالِكٌ -رَحِمَهُ اللهُ- أَبعَدَ النَّاسِ مِنْ
مَذَاهِبِ المُتَكَلِّمِيْنَ، وَأَشَدَّ نَقضاً
لِلْعِرَاقِيِّينَ.
ثُمَّ قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: قَالَ سُفْيَانُ بنُ
عُيَيْنَةَ:
سَأَلَ رَجُلٌ مَالِكاً، فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى
العَرْشِ اسْتَوَى} كَيْفَ اسْتَوَى؟
فَسَكَتَ مَالِكٌ حَتَّى عَلاَهُ الرُّحَضَاءُ، ثُمَّ
قَالَ: الاسْتِوَاءُ مِنْهُ مَعْلُوْمٌ، وَالكَيْفُ
مِنْهُ غَيْرُ مَعْقُوْلٍ، وَالسُّؤَالُ عَنْ هَذَا
__________
(1) " ترتيب المدارك " 1 / 170 وفيه بعد قوله: " اسمع
مني " زيادة، وهي " شيئا أعلمك به وأحاجك، وأخبرك
برأيي ".
(2) " ترتيب المدارك " 1 / 170.
(8/106)
بِدْعَةٌ، وَالإِيْمَانُ بِهِ وَاجِبٌ،
وَإِنِّيْ لأَظُنُّكَ ضَالاًّ، أَخْرِجُوْهُ.
فَنَادَاهُ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ،
وَاللهِ لَقَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا أَهْلَ البَصْرَةِ
وَالكُوْفَةِ وَالعِرَاقِ، فَلَمْ أَجِدْ أَحَداً
وُفِّقَ لِمَا وُفِّقْتَ لَهُ (1) .
فَصْلٌ
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي (مُسْنَدِ مَالِكٍ)
بِإِسْنَادٍ صَحَّ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ:
سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: لَقَدْ سَمِعْتُ مِنِ
ابْنِ شِهَابٍ أَحَادِيْثَ كَثِيْرَةً مَا حَدَّثتُ
بِهَا قَطُّ.
وَقَالَ: نَشَرَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عِلْماً
كَثِيْراً أَكْثَرَ مِمَّا نَشَرَ عَنْهُ بَنُوْهُ.
الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ مَالِكٌ:
كُنْتُ آتِي نَافِعاً، وَأَنَا غُلاَمٌ حَدِيْثُ
السِّنِّ، مَعَ غُلاَمٍ لِي، فَيَنْزِلُ مِنْ دَرَجِه،
فَيَقِفُ مَعِي، وَيُحَدِّثُنِي، وَكَانَ يَجْلِسُ
بَعْدَ الصُّبْحِ فِي المَسْجِدِ، فَلاَ يَكَادُ
يَأْتِيْهِ أَحَدٌ.
سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: سَمِعْتُ مَالِكاً
يَقُوْلُ: جَالَسَ نُعَيْمٌ المُجْمِرُ أَبَا
هُرَيْرَةَ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
قَالَ مَعْنٌ: كَانَ مَالِكٌ يَتَّقِي فِي حَدِيْثِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
اليَاءَ وَالتَّاءَ وَنَحْوَهُمَا (2) .
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ:
العِلْمُ حَيْثُ شَاءَ اللهُ جَعَلَهُ، لَيْسَ هُوَ
بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ.
ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ:
حَقٌّ عَلَى مَنْ طَلَبَ العِلْمَ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ
__________
(1) ترتيب المدارك 1 / 170، 171.
(2) " حلية الأولياء " 6 / 318، و" ترتيب المدارك " 1
/ 163، والكفاية ص 179، و" الالماع " ص 179، وتدريب
الراوي 2 / 101.
(8/107)
وَقَارٌ، وَسَكِيْنَةٌ، وَخَشْيَةٌ،
وَالعِلْمُ حَسَنٌ لِمَنْ رُزِقَ خَيْرَه، وَهُوَ
قَسْمٌ مِنَ اللهِ -تَعَالَى (1) - فَلاَ تُمَكِّنِ
النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّ مِنْ سَعَادَةِ
المَرْءِ أَنْ يُوَفَّقَ لِلْخَيْرِ، وَإِنَّ مِنْ
شِقْوَةِ المَرْءِ أَنْ لاَ يَزَالَ يُخطِئُ، وَذُلٌّ
وَإِهَانَةٌ لِلْعِلمِ أَنْ يَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ
بِالعِلْمِ عِنْدَ مَنْ لاَ يُطِيْعُهُ (2).
القَعْنَبِيُّ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ:
كَانَ الرَّجُلُ يَخْتلِفُ إِلَى الرَّجُلِ
ثَلاَثِيْنَ سَنَةً يَتَعَلَّمُ مِنْهُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ: جَالَسْتُ مَالِكاً
خَمْساً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَمْلأَ
أَلْوَاحِي مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: لاَ أَدْرِي،
لَفَعلْتُ.
حَرْملَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، سَمِعْتُ
مَالِكاً يَقُوْلُ: لَيْسَ هَذَا الجَدَلُ مِنَ
الدِّيْنِ بِشَيْءٍ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: قُلْتُ لأَمِيْرِ
المُؤْمِنِيْنَ فِيْمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي هَذِهِ
المَسَائِلِ المُعْضِلَةِ:
الكَلاَمُ فِيْهَا - يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ -
يُورِثُ البَغْضَاءَ.
سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ، وَابْنَ جُرَيْجٍ،
وَمَالِكاً، وَابْنَ عُيَيْنَةَ، كُلَّهُم
يَقُوْلُوْنَ:
الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ.
قَالَ مَخْلَدُ بنُ خِدَاشٍ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَنِ
الشِّطْرَنْجِ، فَقَالَ: أَحَقٌّ هُوَ؟
فَقُلْتُ: لاَ.
قَالَ: {فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ}
[يُوْنُسُ: 32].
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَجَجتُ سَنَةَ ثَمَانٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَصَائِحٌ يَصِيْحُ: لاَ
يُفْتِي النَّاسَ إِلاَّ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَابْنُ
المَاجِشُوْنِ.
__________
(1) ترتيب المدارك 1 / 185 وبعده: ولكن انظر ما يلزمك
حين تصبح إلى حين تمسي، فالزمه.
(2) انظر " ترتيب المدارك " 1 / 186 و188 و189.
(8/108)
ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّهُ مَا زَهِدَ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا
وَاتَّقَى، إِلاَّ نَطَقَ بِالحِكْمَةِ.
ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ:
إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا ذَهَبَ يَمدَحُ نَفْسَه، ذَهَبَ
بَهَاؤُهُ.
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: التَّوقِيْتُ فِي
المَسْحِ بِدْعَةٌ (1) .
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ:
سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: اجْتَمَعَ مَالِكٌ
وَأَبُو يُوْسُفَ عِنْد أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ،
فَتَكَلَّمُوا فِي الوُقُوفِ، وَمَا يُحَبِّسُهُ
النَّاسُ.
فَقَالَ يَعْقُوْبُ: هَذَا بَاطِلٌ.
قَالَ شُرَيْحٌ: جَاءَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِطلاَقِ الحُبُسِ (2) .
فَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّمَا أَطْلَقَ مَا كَانُوا
يُحَبِّسُونَهُ لآلِهَتِهِم مِنَ البَحِيْرَةِ
وَالسَّائِبَةِ (3) ، فَأَمَّا الوُقُوفُ، فَهَذَا
وَقْفُ عُمَرَ
__________
(1) ذهب أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم، إلى
توقيت المسح على الخفين: للمقيم يوما وليلة، وللمسافر
ثلاثة أيام بلياليها، على ما ورد في حديث علي رضي الله
عنه المخرج في " صحيح مسلم " (276) في الطهارة، باب
التوقيت على المسح على الخفين، وأحمد 1 / 96 و100 و113
و117 و118 و120 و149، والنسائي 1 / 84، وابن ماجه
(552)، والشافعي 1 / 32، والدارقطني 1 / 71، والبيهقي
1 / 28، وسنده حسن، وصحيح ابن حبان (184)، وقول مالك
في عدم التوقيت يروى عن عمر وعثمان وعائشة كما في "
شرح السنة " 1 / 462 للبغوي بتحقيقنا، واستدل لمذهبهم
بما أخرجه أبو داوود (157)، والترمذي (95)، وقال: حسن
صحيح عن خزيمة بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
" المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم "
قال: ولو استزدناه لزادنا ورواية ابن ماجه (553) لو
مضى السائل على مسألته خمسة لجعلها خمسا.
ورد هذا الاستدلال: بأن ذلك من ظن الراوي، والحجة إنما
تقوم بقول صاحب الشريعة لا بظن الراوي.
(2) قال الازهري: الحبس جمع الحبيس: يقع على كل شيء
وقفه صاحبه وقفا محرما لا يورث ولا يباع من أرض ونخل
وكرم ومستغل.
(3) السائبة: الناقة إذا ولدت عشرة أبطن سيبت، فلم
تركب ولم يشرب لبنها إلا ولدها، أو =
(8/109)
قَدِ اسْتَأْذَنَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (حَبِّسْ
أَصْلَهَا، وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا (1))، وَهَذَا
وَقْفُ الزُّبَيْرِ.
فَأَعْجَبَ الخَلِيْفَةَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَبَقِيَ
يَعْقُوْبُ (2) .
ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، قَالَ:
كَانَ بَيْنَ جِدَارِ قِبْلَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ المِنْبَرِ
قَدْرُ مَمَرِّ الرَّجُلِ مُتَحَرِّجاً، وَقَدْرُ
مَمَرِّ الشَّاةِ، وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَدَّمَ
جِدَارَ القِبْلَةِ حَتَّى جَعَلَهَا عِنْد
المَقْصُوْرَةِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، وَإِنَّ
عُثْمَانَ قَرَّبَهَا إِلَى حَيْثُ هِيَ اليَوْمَ.
دَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ
مُسْلِمٍ:
سَأَلْتُ مَالِكاً عَنْ تَفْضِيضِ المَصَاحِفِ،
فَأَخْرَجَ إِلَيْنَا مُصْحَفاً، فَقَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي: أَنَّهُم جَمَعُوا
القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ، وَأَنَّهُم
فَضَّضُوا المَصَاحِفَ عَلَى هَذَا، أَوْ نَحْوِه (3)
.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لِمَالِكٍ نَحْوُ أَلفِ
حَدِيْثٍ -يَعْنِي: مَرْفُوْعَةً-.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: قَالَ لِي
مَالِكٌ: قَرَأْتُ عَلَى نَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ.
وَرَوَى: القَعْنَبِيُّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ،
قَالَ: مَا تَرَكَ مَالِكٌ عَلَى ظَهْرِ الأَرْض
مِثْلَهُ.
__________
= الضيف حتى تموت، والبحيرة: ابنة السائبة الأخيرة
فإنهم يشقون أو يخرقون أذنها، ويكون حكمها حكم أمها.
(1) أخرجه النسائي 6 / 232 باب حبس المشاع، وابن ماجة
(2397) في الصدقات: باب من وقف...من حديث ابن عمر قال:
قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: إن المئة سهم التي
لي بخيبر لم أصب مالا قط أعجب إلي منها، قد أردت أن
أتصدق بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " احبس
أصلها وسبل ثمرتها ".
وإسناده صحيح.
وأخرجه البخاري 5 / 263 باب الشروط في الوقف، ومسلم
(1632) في الوصية: باب الوقف، بلفظ: " إن شئت حبست
أصلها وتصدقت بها ".
(2) الخبر في " مناقب الشافعي " 198، 199 لابن أبي
حاتم.
(3) انظر في حكم تحلية القرآن كتاب " المصاحف " لابن
أبي داود ص 150 وما بعدها.
(8/110)
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ مَالِكٌ ثِقَةً،
ثَبْتاً، حُجَّةً، عَالِماً، وَرِعاً.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَوْلاَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ،
لَضَلَلْنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا فِي الأَرْضِ كِتَابٌ فِي
العِلْمِ أَكْثَرُ صَوَاباً مِنْ (مُوَطَّأِ مَالِكٍ).
قُلْتُ: هَذَا قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يُؤَلَّفَ
(الصَّحِيْحَانِ).
قَالَ خَالِدُ بنُ نِزَارٍ الأَيْلِيُّ: بَعَثَ
المَنْصُوْرُ إِلَى مَالِكٍ حِيْنَ قَدِمَ
المَدِيْنَةَ، فَقَالَ:
إِنَّ النَّاسَ قَدِ اخْتَلَفُوا بِالعِرَاقِ، فَضَعْ
كِتَاباً نَجْمَعُهُم عَلَيْهِ.
فَوَضَعَ (المُوَطَّأَ).
قَالَ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ عَاصِمٍ: قُلْتُ
لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ:
رَجُلٌ يُحِبُّ أَنْ يَحفَظَ حَدِيْثَ رَجُلٍ
بِعَيْنِه؟
قَالَ: يَحفَظُ حَدِيْثَ مَالِكٍ.
قُلْتُ: فَرَأْيٌ؟
قَالَ: رَأْيُ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قِيْلَ لأُخْتِ مَالِكٍ: مَا
كَانَ شُغْلُ مَالِكٍ فِي بَيْتِهِ؟
قَالَتْ: المُصْحَفُ، التِّلاَوَةُ.
قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: كَانُوا يَزْدَحِمُوْنَ عَلَى
بَابِ مَالِكٍ حَتَّى يَقْتَتِلُوا مِنَ الزِّحَامِ،
وَكُنَّا إِذَا كُنَّا عِنْدَهُ، لاَ يَلْتَفِتُ ذَا
إِلَى ذَا، قَائِلُوْنَ بِرُؤُوْسِهِم هَكَذَا،
وَكَانَتِ السَّلاَطِيْنُ تَهَابُهُ، وَكَانَ
يَقُوْلُ: لاَ، وَنَعَمْ، وَلاَ يُقَالُ لَهُ: مَنْ
أَيْنَ قُلْتُ ذَا؟
أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
المُتَعَالِ بنُ صَالِحٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ،
قَالَ:
قِيْلَ لِمَالِكٍ: إِنَّكَ تَدْخُلُ عَلَى
السُّلْطَانِ، وَهُم يَظْلِمُوْنَ، وَيَجُورُوْنَ!
فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَأَيْنَ المُكَلِّمُ
بِالحَقِّ (1).
__________
(1) الجرح والتعديل 1 / 30.
وفيه " التكلم بالحق " وفي " ترتيب المدارك " 1 / 207:
=
(8/111)
وَقَالَ مُوْسَى بنُ دَاوُدَ: سَمِعْتُ
مَالِكاً يَقُوْلُ:
قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو جَعْفَرٍ المَنْصُوْرُ سَنَةَ
خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، فَقَالَ: يَا مَالِكُ! كَثُرَ
شَيبُكَ!
قُلْتُ: نَعَمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، مَنْ
أَتَتْ عَلَيْهِ السِّنُوْنُ، كَثُرَ شَيبُهُ.
قَالَ: مَا لِي أَرَاك تَعتَمِدُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ
عُمَرَ مِنْ بَيْنِ الصَّحَابَةِ؟
قُلْتُ: كَانَ آخِرَ مَنْ بَقِيَ عِنْدَنَا مِنَ
الصَّحَابَةِ، فَاحْتَاجَ إِلَيْهِ النَّاسُ،
فَسَأَلُوْهُ، فَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ.
ذَكَرَ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ أَصْحَابَ نَافِعٍ،
فَقَالَ:
مَالِكٌ وَإِتْقَانُه، وَأَيُّوْبُ وَفَضْلُهُ،
وَعُبَيْدُ اللهِ وَحِفْظُهُ.
ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ
يَقُوْلُ:
قَالَ لِي مُحَمَّدٌ: أَيُّهُمَا أَعْلَمُ، صَاحِبُنَا
أَمْ صَاحِبُكُم؟ -يَعْنِي: أَبَا حَنِيْفَةَ
وَمَالِكاً-.
قُلْتُ: عَلَى الإِنْصَافِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ، مَنْ أَعْلَمُ
بِالقُرْآنِ؟
قَالَ: صَاحِبُكُم.
قُلْتُ: مَنْ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ؟
قَالَ: صَاحِبُكُم.
قُلْتُ: فَمَنْ أَعْلَمُ بِأَقَاوِيْلِ الصَّحَابَةِ
وَالمُتَقَدِّمِيْنَ؟
قَالَ: صَاحِبُكُم.
قُلْتُ: فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ القِيَاسُ، وَالقِيَاسُ
لاَ يَكُوْنُ إِلاَّ عَلَى هَذِهِ الأَشْيَاءِ، فَمَنْ
لَمْ يَعْرِفِ الأُصُوْلَ، عَلَى أَيِّ شَيْءٍ
يَقِيسُ؟ (1)
قُلْتُ: وَعَلَى الإِنْصَافِ؟ لَوْ قَالَ قَائِلٌ:
بَلْ هُمَا سَوَاءٌ فِي عِلْمِ الكِتَابِ، وَالأَوَّلُ
أَعْلَمُ بِالقِيَاسِ، وَالثَّانِي أَعْلَمُ
بِالسُّنَّةِ، وَعِنْدَهُ عِلْمٌ جَمٌّ
__________
= " وأين المتكلم بالحق " وفيه: وقال مالك: حق على كل
مسلم أو رجل جعل الله في صدره شيئا من العلم والفقه أن
يدخل إلى ذي سلطان يأمره بالخير، وينهاه عن الشر،
ويعظه حتى يتبين دخول العالم على غيره، لان العالم
إنما يدخل على السلطان يأمره بالخير، وينهاه عن الشر،
فإذا كان، فهو الفضل الذي ليس بعده فضل.
(1) الخبر في " الجرح والتعديل " 1 / 4 و12، 13، و"
مناقب الشافعي " 159، 160، و" حلية الأولياء " 6 /
329، و9 / 74، و" فيات الأعيان " 4 / 136، و" الانتقاء
" 24، و" الديباج المذهب " ص: 22، و" مناقب أحمد " ص
498 لابن الجوزي، وانظر نقد هذا
الخبر في " تأنيب الخطيب " ص 181، 183.
(8/112)
مِنْ أَقْوَالِ كَثِيْرٍ مِنَ
الصَّحَابَةِ، كَمَا أَنَّ الأَوَّلَ أَعْلَمُ
بِأَقَاوِيْلِ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ،
وَطَائِفَةٍ مِمَّنْ كَانَ بِالكُوْفَةِ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَرَضِيَ اللهُ عَنِ الإِمَامَيْنِ، فَقَدْ
صِرْنَا فِي وَقْتٍ لاَ يَقْدِرُ الشَّخْصُ عَلَى
النُّطقِ بِالإِنْصَافِ - نَسْأَل اللهُ السَّلاَمَةَ
-.
قَالَ مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَغَيْرُهُ: كَانَ
خَاتِمُ مَالِكٍ، الَّذِي مَاتَ وَهُوَ فِي يَدِهِ،
فَصُّهُ أَسْوَدُ حَجَرِيٌّ، وَنَقْشُهُ: حَسْبِيَ
اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيْلُ.
وَكَانَ يَلْبَسُهُ فِي يَسَارِهِ، وَرُبَّمَا
لَبِسَهُ فِي يَمِيْنِه.
وَعَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَهْيَبَ، وَلاَ أَتَمَّ عَقْلاً
مِنْ مَالِكٍ، وَلاَ أَشَدَّ تَقوَىً.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَا نَقَلْنَا مِنْ أَدَبِ
مَالِكٍ، أَكْثَرُ مِمَّا تَعْلَّمْنَا مِنْ عِلْمِهِ.
وَعَنْ مَالِكٍ، قَالَ: مَا جَالَسْتُ سَفِيْهاً
قَطُّ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: أَفْتَى مَالِكٌ مَعَ
نَافِعٍ وَرَبِيْعَةَ.
وَقَالَ أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيُّ: رُوِيَ أَنَّ
المَنْصُوْرَ حَجَّ، وَأَقَادَ مَالِكاً مِنْ جَعْفَرِ
بنِ سُلَيْمَانَ الَّذِي كَانَ ضَرَبَه.
فَأَبَى مَالِكٌ، وَقَالَ: مَعَاذَ اللهِ.
قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ فِي مَالِكٍ:
يَدَعُ الجَوَابَ فَلاَ يُرَاجَعُ هَيْبَةً ...
وَالسَّائِلُوْنَ نَوَاكِسُ الأَذْقَانِ
عِزُّ الوَقَارِ وَنُوْرُ سُلْطَانِ التُّقَى ...
فَهُوَ المَهِيْبُ وَلَيْسَ ذَا سُلْطَانِ (1)
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
البُوْشَنْجِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ
بنِ الرَّمَّاحِ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ
اللهِ، مَا فِي
__________
(1) " حلية الأولياء " 6 / 318، 319، و" ترتيب المدارك
" 1 / 167.
(8/113)
الصَّلاَةِ مِنْ فَرِيْضَةٍ؟ وَمَا فِيْهَا
مِنْ سُنَّةٍ؟ -أَوْ قَالَ: نَافلَةٍ؟-
فَقَالَ مَالِكٌ: كَلاَمُ الزَّنَادِقَةِ،
أَخْرِجُوْهُ.
وَقَالَ مَنْصُوْرُ بنُ سَلَمَةَ الخُزَاعِيُّ: كُنْتُ
عِنْدَ مَالِكٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا
عَبْدِ اللهِ، أَقَمْتُ عَلَى بَابِكَ سَبْعِيْنَ
يَوْماً حَتَّى كَتَبتُ سِتِّيْنَ حَدِيْثاً.
فَقَالَ: سِتُّوْنَ حَدِيْثاً! وَجَعَلَ
يَسْتَكْثِرُهَا.
فَقَالَ الرَّجُلُ: رُبَّمَا كَتَبْنَا بِالكُوْفَةِ
أَوْ بِالعِرَاقِ فِي المَجْلِسِ الوَاحِدِ سِتِّيْنَ
حَدِيْثاً.
فَقَالَ: وَكَيْفَ بِالعِرَاقِ دَارُ الضَّربِ،
يُضْرَبُ بِاللَّيْلِ، وَيُنْفَقُ بِالنَّهَارِ؟
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ
البُخَارِيَّ يَقُوْلُ:
أَصَحُّ الأَسَانِيْدِ: مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي
(التَّمْهِيْدِ): هَذَا كَتَبتُهُ مِنْ حِفْظِي،
وَغَابَ عَنِّي أَصْلِي:
إِنَّ عَبْدَ اللهِ العُمَرِيَّ العَابِدَ كَتَبَ
إِلَى مَالِكٍ يَحُضُّهُ عَلَى الانْفِرَادِ
وَالعَمَلِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ: إِنَّ اللهَ
قَسَمَ الأَعْمَالَ كَمَا قَسَمَ الأَرْزَاقَ، فَرُبَّ
رَجُلٍ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّلاَةِ، وَلَمْ يُفتَحْ
لَهُ فِي الصَّوْمِ، وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي
الصَّدَقَةِ، وَلَمْ يُفتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ،
وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الجِهَادِ.
فَنَشْرُ العِلْمِ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ البِرِّ،
وَقَدْ رَضِيْتُ بِمَا فُتِحَ لِي فِيْهِ، وَمَا
أَظُنُّ مَا أَنَا فِيْهِ بِدُوْنِ مَا أَنْتَ فِيْهِ،
وَأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ كِلاَنَا عَلَى خَيْرٍ
وَبِرٍّ.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ حَسَنِ بن مُهَاجِرٍ الحَافِظُ:
سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ الزُّهْرِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ
مَالِكٌ بَعْدَ تَخَلُّفِهِ (1) عَنِ المَسْجِدِ
يُصَلِّي فِي مَنْزِلِهِ فِي جَمَاعَةٍ يُصَلُّونَ
بِصَلاَتِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي صَلاَةَ الجُمُعَةِ فِي
مَنْزِلِهِ وَحْدَه.
__________
(1) تقدم أن سبب تخلفه عن المسجد كان لمرض ألم به.
(8/114)
رِوَايَةُ بَعْضِ مَشَايِخِهِ عَنْهُ (1)
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ
المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ
يُوْسُفَ، وَأَنْبَأَنَا أَبُو المَعَالِي
الأَبَرْقُوْهِيُّ (2) ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
أَبِي القَاسِمِ الخَطِيْبُ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّيِّ (3) ،
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ الأَنْبَارِيِّ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ
أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ
الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ
العَطَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَارِثِ أَبُو
بَكْرٍ البَاغَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ
مُحَمَّدٍ النَّسَّاجُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
شَبِيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُوْنُسَ بنِ
يَزِيْدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ
أَهْلِ المَدِيْنَةِ يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بنُ
أَنَسٍ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمَّتِه
زَيْنَبَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ (4) :
أَنَّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْلاَجٍ لَهُ، ثُمَّ
قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-...، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ مِثْلَ حَدِيْثِ
النَّاسِ.
وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ
جَمَاعَةٍ: أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الحَدَّادَ
أَخْبَرَهُم: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا
ابْنُ الصَّوَّافِ، وَمُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا البَاغَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ
النَّسَّاجُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ شَبِيْبٍ،
حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِسْحَاقَ،
عَنْ عَمَّتِه
__________
(1) انظر " ترتيب المدارك " 1 / 254 وما بعدها، و"
الديباج المذهب " 1 / 136، 139.
(2) بفتح الالف والباء، وسكون الراء، وضم القاف، هذه
النسبة إلى أبرقوه، وهي بليدة بنواحي أصبهان على عشرين
فرسخا منها.
(3) نسبة إلى البطة، وهو لقب لبعض أجداده، وهو أبو
الفتح محمد بن عبدا لباقي بن أحمد بن سليمان بن البطي
البغدادي، ولعل واحدا من أجداده كان يبيع البط فنسب
إلى ذلك.
(اللباب).
(4) أثبت في الأصل على كلمة " زينب وعن " علامة
التضبيب، إشارة إلى أن ثمت خطأ
في السند، وهو كذلك، فإن الذي يفهم من هذا السياق أن
الخارج هو أبو سعيد الخدري في طلب الاعلاج، بينما
الرواية الصحيحة تقول - كما ستأتي قريبا إن الذي خرج
في طلب الاعبد هو زوج الفريعة بنت مالك أخت أبي سعيد
الخدري، وأنه قتل، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم تسأله..
(8/115)
زَيْنَبَ، عَنِ الفُرَيْعَةِ أُخْتِ أَبِي
سَعِيْدٍ:
أَنَّ زَوْجهَا تَكَارَى (1) عُلُوجاً لَهُ،
فَقَتَلُوْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ:
إِنِّيْ لَسْتُ فِي مَسْكَنٍ لَهُ، وَلاَ يَجْرِي
عَلَيَّ مِنْهُ رِزْقٌ، فَأَنْتقِلُ إِلَى أَهْلِ
أَبْيَاتِي، فَأُقِيْمُ عَلَيْهِم؟
قَالَ: (اعْتَدِّي حَيْثُ يَبْلُغُكِ الخَبَرُ).
وَأَخْبَرَنَاهُ بِتَمَامِه عَالِياً أَبُو مُحَمَّدٍ
عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عُلْوَانَ بِقِرَاءتِي،
أَخْبَرَنَا البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ،
أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ
بنُ دُوْسْتَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
اللهِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ الحَسَنِ
الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا
مَالِكٌ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمَّتِهِ
زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ:
أَنَّ الفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بنِ سِنَانٍ -
وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ -
أَخْبَرَتْهَا:
أَنَّهَا جَاءتْ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَسْأَلُه أَنْ تَرْجِعَ إِلَى
أَهْلِهَا فِي بنِي خُدْرَةَ، فَإِنَّ زَوْجَهَا
خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا، حَتَّى
إِذَا كَانَ بِظَهْرِ القَدُوْمِ (2) ، لَحِقَهُم،
فَقَتَلُوْهُ.
قَالَتْ: فَسَأَلْتُ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَرجِعَ إِلَى أَهْلِي،
فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَترُكْنِي فِي مَسْكَنٍ
يَملِكُهُ، وَلاَ نَفَقَةٍ.
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (نَعَمْ).
فَخَرَجتُ، فَقَالَ: (كَيْفَ قُلْتِ؟).
فَردَدْتُ عَلَيْهِ القِصَّةَ، فَقَالَ: (امْكُثِي فِي
بَيْتِكِ، حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ).
فَاعْتَدَدْتُ فِيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً
(3) ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ،
أَرْسَلَ إِلَيَّ، فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ،
__________
(1) تكارى، واستكرى، واكترى: بمعنى، والعلوج: جمع علج،
وهو الرجل من العجم، والمراد: العبيد.
(2) بالتخفيف والتشديد، موضع على ستة أميال من
المدينة.
(3) أخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 591 في الطلاق: باب
مقام المتوفى عنها في بيتها حتى تحل، وأبو داود
(2300)، والترمذي (1204)، وابن ماجة (2031)، والدارمي
2 / 168، وأحمد 6 / 370 و420، والنسائي 6 / 199،
والطيالسي (1664) وإسناده قوي، وصححه ابن حبان (1332)،
والحاكم 2 / 208، وأقره الذهبي، ونقل تصحيحه عن محمد
بن يحيى الذهلي.
ومعنى قوله: حتى يبلغ الكتاب أجله: أي القدر المكتوب
من العدة.
(8/116)
فَأَخْبَرتُهُ، فَاتَّبَعَهُ، وَقَضَى
بِهِ.
وَأَخْبَرَنَاهُ عَالِياً بِدَرَجَاتٍ: أَحْمَدُ بنُ
هِبَةِ اللهِ، عَنِ المُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ سَهْلٍ، أَخْبَرَنَا
سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ
أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ
الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا
مَالِكٌ بِنَحْوِهِ.
وَبِإِسْنَادِي إِلَى ابْنِ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا
زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا
خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ،
عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ
بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَلِيٍّ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
أَنَّهُ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ
خَيْبَرَ.
ثُمَّ قَالَ حَمَّادٌ: وَحَدَّثَنَا بِهِ مَالِكٌ
وَمَعْمَرٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وَأَخْبَرَنَاهُ عَالِياً سُنْقُرُ الزَّيْنِيُّ
بِحَلَبَ، أَخْبَرَنَا المُوَفَّقُ عَبْدُ
اللَّطِيْفِ، وَأَنْجَبُ الحَمَّامِيُّ، وَعَبْدُ
اللَّطِيْفِ القُبَّيْطِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ
السَّبَّاكِ، وَغَيْرُهُم، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي،
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ البَانْيَاسِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الصَّلْتِ، أَخْبَرَنَا
إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَخْبَرَنَا
أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَالحَسَنِ ابْنَيْ
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِمَا، عَنْ
عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ
خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُوْمِ الحُمُرِ
الإِنْسِيَّةِ (1).
__________
(1) أخرجه مالك 2 / 542 في النكاح: باب نكاح المتعة،
والبخاري 7 / 369 في المغازي: باب غزوة خيبر و9 / 143،
144، في النكاح: باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن
نكاح المتعة أخيرا، ومسلم (1407) في النكاح: باب نكاح
المتعة.
ويرى ابن القيم في " زاد المعاد " 3 / 344 أن المتعة
لم تحرم يوم خيبر، إنما كان تحريمها عام الفتح بحديث
سبرة الذي أخرجه مسلم في " صحيحه " (1406) (12)
مرفوعا: " يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في
الاستمتاع من النساء، وإن اله قد حرم ذلك إلى يوم
القيامة ".
وقال في حديث علي هذا: إن لفظة " يوم خيبر " ظرف
لتحريم الحمر لا للمتعة، كما جاء ذلك في مسند الامام
أحمد بإسناد صحيح أن =
(8/117)
وَأَخْبَرَنَا بِهِ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو
مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّوْسِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ
البَانْيَاسِيُّ...، فَذَكَرَهُ.
وَبِهِ: إِلَى ابْنِ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
المَلِكِ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ
يَحْيَى بنُ كَثِيْرٍ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ
مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا دَخَلَ العَشْرُ، وَأَرَادَ
أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ
شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ).
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ شَيْخٍ لَهُ، عَنِ
العَنْبَرِيِّ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً عَالِياً.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ
الصَّغَانِيُّ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ،
حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
مَالِكٍ، عَنْ عُمَرَ - أَوْ عَمْرِو - بنِ مُسْلِمٍ
بِنَحْوِهِ.
هَذَا غَرِيْب، وَلَيْسَ ذَا فِي (المُوَطَّأِ).
الحَاكِمُ: فِي تَرْجَمَةِ مَالِكٍ، فِي كِتَابِ
(مُزَكِّي الأَخْبَارِ)، حَدَّثَنَا أَبُو الطَّيِّبِ
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الكَرَابِيْسِيُّ، حَدَّثَنَا
الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ مِنْ أَصلِهِ،
حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ
دِيْنَارٍ،
__________
= رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الحمر
الاهلية يوم خيبر، وحرم متعة النساء.
وفي لفظ: حرم متعة النساء، وحرم لحوم الحمر الاهلية
يوم خيبر، فظن بعض الرواة أن يوم خيبر زمن للتحريمين
فقيدهما به، ثم جاء بعضهم، فاقتصر على أحد المحرمين،
وهو تحريم الحمر، وقيده بالظرف، فمن ها هنا نشأ الوهم،
وقصة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات،
ولا أستأذنوا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولا نقله أحد قط في هذه الغزوة، ولا كان للمتعة فيها
ذكر البتة لا فعلا ولا تحريما، بخلاف غزاة الفتح، فإن
قصة المتعة فيها فعلا وتحريما مشهورة.
(1) أخرجه مسلم (1977) (41)، والنسائي 7 / 211، وابن
ماجة (3150)، والترمذي (1523) من طريق شعبة عن مالك بن
أنس، عن عمرو بن مسلم، عن سعيد بن المسيب، عن أم
سلمة..وأخرجه مسلم (1977)، والنسائي 7 / 212، وابن
ماجة (3149) والدارمي 2 / 76 من طريق سفيان بن عيينة،
عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن سعيد
بن المسيب، عن أم سلمة.
(8/118)
عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ سُمَيٍّ،
عَنْ أَبِي صَالِحٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: (السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ
(1)).
غَرِيْبٌ جِدّاً.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ، أَخْبَرَكَ
ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَكَارِمِ
اللَّبَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ
بنُ خَلاَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ،
حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ.
وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي
دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ شُعَيْبِ بنِ
اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ
يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، كِلاَهُمَا عَنْ مَالِكٍ، عَنْ
أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
نَحَرْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الحُدَيْبِيَةِ البَدَنَةَ
عَنْ سَبْعَةٍ (2) .
وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا القَاضِي
أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا
بَكْرُ بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ
الرُّعَيْنِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي
حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (سَاعَتَانِ تُفْتَحُ فِيْهِمَا أَبْوَابُ
السَّمَاءِ، قَلَّمَا تُرَدُّ فِيْهِمَا دَعْوَةٌ:
حُضُوْرُ الصَّلاَةِ، وَعِنْدَ الزَّحْفِ لِلْقِتَالِ)
(3).
__________
(1) أخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 980 في الاستئذان:
باب ما يؤمر به في العمل للسفر، من طريق سمي، عن أبي
صالح، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: " السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه
وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه، فليعجل إلى
أهله "، وأخرجه البخاري 3 / 495، 496 في العمرة: باب
السفر قطعة من العذاب، وأخرجه مسلم (1927) في الامارة:
باب السفر قطعة من العذاب، كلاهما من طريق مالك، عن
سمي، عن أبي صالح به.
(2) هو في الحلية 6 / 335، وأخرجه مالك في " الموطأ "
2 / 37 في الضحايا: باب الشركة في الضحايا وعن كم تذبح
البقرة والبدنة، من طريق أبي الزبير، عن جابر بن عبد
الله أنه قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة.
(3) هو في " الحلية " 6 / 343 وصححه ابن حبان (297)
و(298) من طريق مالك، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد،
وأخرجه أبو داود (2540) من طريق موسى بن يعقوب =
(8/119)
رَوَاهُ أَيْضاً: أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ،
وَأَبُو المُنْذِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُمَرَ، عَنْ
مَالِكٍ، نَحْوَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الهَمْدَانِيُّ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ بِحَرَّانَ
(1) ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ
أَحْمَدَ بنِ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
مُصَفَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ، عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
دَخَلَ مَكَّةَ زَمَنَ الفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ
المِغْفَرُ (2) .
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ،
حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا
شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا
عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ
عَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بنِ
رِبْعِيٍّ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ،
فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَبْل أَنْ يَقْعُدَ).
اتَّفَقَا عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيْثِ مَالِكٍ (3).
__________
= الزمعي، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد مرفوعا بلفظ: "
ثنتان لا تردان أو قلما تردان: الدعاء عند النداء،
وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا " وأخرج أبو داود
(524) من حديث عبد الله ابن عمرو أن رجلا قال: يا رسول
الله، إن المؤذنين يفضلوننا فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعط ".
وسنده حسن، وصححه ابن حبان (295).
(1) مدينة بالجزيرة من ديار ربيعة لها شهرة واسعة في
التاريخ وكان منها جماعة من العلماء.
(2) هو في " الموطأ " 1 / 423 في الحج: باب جامع،
وأخرجه البخاري: 8 / 13 في المغازي: باب غزوة الفتح في
رمضان، ومسلم (1357) في الحج: باب جواز دخول مكة بغير
إحرام.
والمغفر: زرد ينسج على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة.
(3) هو في " الموطأ ": 1 / 162 في قصر الصلاة في
السفر: باب انتظار الصلاة والمشي إليها، والبخاري: 1 /
447 في المساجد: باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين،
ومسلم (714) في صلاة المسافرين: باب استحباب تحية
المسجد بركعتين.
(8/120)
الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ:
أَخْبَرَنَا البَرْقَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو
القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
الجُرْجَانِيُّ، قُرِئَ عَلَى أَبِي عَرُوْبَةَ
الحَرَّانِيِّ، حَدَّثَكُم مُحَمَّدُ بنُ وَهْبٍ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ
الرَّحِيْمِ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ
مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ،
عَنْ أَبِيْهِ - لاَ أَعْلَمُه إِلاَّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ - قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (رَحِمَ اللهُ عَبْداً كَانَتْ عِنْدَهُ
لأَخِيْهِ مَظْلَمَةٌ فِي نَفْسٍ، أَوْ مَالٍ،
فَأَتَاهُ، فَاسْتَحَلَّ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ تُؤْخَذَ
حَسَنَاتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ،
أَخَذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ، فَتُوْضَعُ فِي
سَيِّئَاتِهِ (1)).
الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ مُحَمَّدِ بنِ
مَنْصُوْرٍ العَدْلُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الحَنْظَلِيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
عَبْدِ الحَكَمِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا بَكْرُ
بنُ مُضَرَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الهَادِ، حَدَّثَنِي
مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَحْتَلِبَنَّ أَحَدُكُمْ
مَاشِيَةَ أَخِيْهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَيُحِبُّ
أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ، فَتُكْسَرَ
خِزَانَتُهُ، وَيُنْثَلَ مَا فِيْهِ، فَلاَ
يَحْلُبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَخِيْهِ بِغَيْرِ
إِذْنِهِ) (2).
__________
(1) هو في " الحلية " 6 / 343، وأخرجه الترمذي (2421)
في صفة القيامة: باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص، من
طريق عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن أبي خالد يزيد
بن عبد الرحمن، عن زيد بن أبي أنيسة، عن سعيد المقبري،
به، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث سعيد
المقبري، وقد رواه مالك بن أنس، عن سعيد المقبري، عن
أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
وأخرجه البخاري: 5 / 73 في المظالم: باب الظلم ظلمات
يوم القيامة، من طريق آدم بن أبي إياس، حدثنا ابن أبي
ذئب، حدثنا سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت له مظلمة لأخيه من
عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار
ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ بقدر مظلمته، وإن لم
يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ".
(2) وهو في " الموطأ ": 2 / 971 في الاستئذان: باب ما
جاء في أمر الغنم من طريق نافع، عن ابن عمر، وأخرجه
البخاري: 5 / 64، 65 في اللقطة: باب لا تحتلب ماشية
أحد
بغير إذنه، ومسلم (1726) في اللقطة: باب تحريم حلب
الماشية بغير إذن مالكها كلاهما من =
(8/121)
وَرَوَاهُ: إِسْحَاقُ بنُ بَكْرِ بنِ
مُضَرَ، عَنْ أَبِيْهِ، وَقَدْ وَقَعَ لِي عَالِياً،
كَأَنِّيْ سَمِعْتُهُ مِنَ الحَاكِمِ.
أَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ
بِنَابُلُسَ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ
القَادِرِ، وَالحُسَيْنُ بنُ مُبَارَكٍ، وَأَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ
المُبَارَكِ، وَنَفِيْسُ بنُ كَرَمٍ، وَعَبْدُ
اللَّطِيْفِ بنُ عَسْكَرٍ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَعِدَّةٌ بِمِصْرَ، وَسُنْقُرُ
الزَّيْنِيُّ بِحَلَبَ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَأَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ قَوَامٍ، وَيُوْسُفُ
بنُ أَبِي نَصْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ عُثْمَانَ
الأَمِيْنُ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَازِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ
يُوْسُفَ الذَّهَبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَاشِمٍ
العَبَّاسِيُّ، وَعُمَرُ، وَأَبُو بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَسُوَيْجُ بنُ
مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي العِزِّ،
وَفَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ الآمِدِيَّةُ،
وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ المَرَاتِبِيَّةُ (1) ،
وَفَاطِمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيْمَ البَطَائِحِيَّةُ،
وَهَدِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الحَمِيْدِ (2) ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَبِي بَكْرٍ
اليَمَانِيُّ، وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ
الفَقِيْهُ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الحَاجِبُ،
وَنَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ
العِمَادِ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ المُجَاهِدِ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ
المُلَقِّنُ، وَأَحْمَدُ بنُ رِسْلاَنَ، وَعُمَرُ بنُ
مُحَمَّدٍ المُذْهَبُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ الدَّائِمِ بنُ أَحْمَدَ
الوَزَّانُ، وَعُبَيْدُ الحُمَيْدِ بنُ أَحْمَدَ،
وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ فَضْلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ
عَبْدِ اللهِ اليُوْنِيْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ
قَايْمَازَ الدَّقِيْقِيُّ، وَهَدِيَّةُ بِنْتُ
عَلِيٍّ (3) ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدُ
اللهِ بنُ عُمَرَ،
__________
= طريق مالك..والمشربة: بفتح الراء وضمها: الغرفة التي
يخزن فيها الطعام.
ينثل: النثل: النثر مرة واحدة بسرعة.
(1) توفيت سنة (698) ه كما في " العبر " 5 / 397.
(2) توفيت سنة (699) انظر " العبر " 5 / 407، و" شذرات
الذهب " 5 / 454.
(3) قال ابن العماد في " الشذرات " 6 / 31: وفي سنة
اثنتي عشرة وسبع مئة توفيت =
(8/122)
قَالُوا سِتَّتُهُم:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ
الفَارِسِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ الأَنْصَارِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ
مُوْسَى إِمْلاَءً سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ
وَمَائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَامَ، فَقَالَ: (لاَ يَحْلُبَنَّ
أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَحَدٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ،
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ،
فَتُكْسَرَ بَابُ خِزَانَتِهِ، فَيُنْتَقَلَ
طَعَامُهُ، وَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُم ضُرُوْعُ
مَوَاشِيْهِمْ أَطْعِمَاتِهِمْ، فَلاَ يَحْلُبَنَّ
أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ).
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
رُمْحٍ، عَنْ لَيْثٍ.
مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الزَّبِيْدِيُّ: حَدَّثَنَا
أَبُو قُرَّةَ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ
مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوْعاً: (لاَ تُبَاعُ
الثَّمَرَةُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا (2)).
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ تَيْمِيَّةَ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، وَأَخْبَرَنَا
الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ
الخَطِيْبُ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ
بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ
مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ،
حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيْدَ
بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسَيْطٍ، عَنِ ابْنِ
المُسَيِّبِ:
أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ
__________
= المعمرة أم محمد هدية بنت علي بن عسكر الهراس، ولها
ست وثمانون سنة تروي عن ابن الزبيدي حضورا، وعن ابن
اللتي، والمهذاني وغيرهم.
وكانت فقيرة صالحة قنوعة متعبدة
سمراء قابلة.
توفيت بالقدس في جمادى الأولى. قاله الذهبي.
(1) رقم (1726).
(2) هو في " الموطأ " 2 / 618 في البيوع: باب النهي عن
بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، من طريق نافع، عن ابن
عمر، ومن طريق مالك أخرجه البخاري 4 / 330 في البيوع:
باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، وباب بيع
المزابنة، ومسلم (1534) في البيوع: باب النهي عن بيع
الثمار قبل بدو صلاحها.
(8/123)
قَضَيَا فِي المِلْطَاةِ وَهِيَ
السِّمْحَاقُ، بِنِصْفِ مَا فِي المُوْضِحَةِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا
سُفْيَانُ، فَسَأَلْنَاهُ، فَحَدَّثَنَا بِهِ عَنْ
مَالِكٍ، ثُمَّ لَقِيْتُ مَالِكاً، فَقُلْتُ:
إِنَّ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَنْكَ، عَنِ ابْنِ
قُسَيْطٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ
وَعُثْمَانَ قَضَيَا فِي المِلْطَاةِ بِنِصْفِ
المُوضِحَةِ؟
فَقَالَ: صَدَقَ، حَدَّثْتُهُ بِهِ.
قُلْتُ: حَدِّثْنِي.
قَالَ: مَا أُحَدِّثُ بِهِ اليَوْمَ (1) .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بنُ أَحْمَدَ السَّاوِيُّ (2) ، أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ الحِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ
الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ،
حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ
سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
مَالِكٍ، نَحْوَهُ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ عَزِيْزٌ، نَزَلَ الشَّافِعِيُّ فِي
إِسْنَادِهِ كَثِيْراً تَحْصِيْلاً لِلْعِلْمِ.
الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ
عُبَيْدٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
الضَّحَّاكِ بنِ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ
عَبْدِ الرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا بَكَّارُ بنُ
الحَسَنِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ حَمَّادِ بنِ
أَبِي حَنِيْفَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي
حَنِيْفَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
الفَضْلِ، عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ:
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق (17345)، وقال: قلت لمالك: إن
الثوري أخبرنا عنك عن يزيد بن قسيط عن ابن المسيب أن
عمر وعثمان..فقال لي: قد حدثته به، فقلت: فحدثني به،
فأبى، وقال: العمل عندنا على غير ذلك، وليس الرجل
عندنا هنالك، يعنى (يزيد بن قسيط)، وأخرجه البيهقي 8 /
83 من طريق عبد الرزاق..ورد الطحاوي عليه قوله يعني
ابن قسيط، وأثبت أن المراد غيره، راجع " الجوهر النقي
" 8 / 82.
والملطاة، والملطاء، والملطا من الشجاج: السمحاق أو
القشر الرقيق بين لحم الرأس وعظمه وكل قشرة رقيقة فهي
سمحاق.
والموضحة: هي الشجة التي تبدي وضح العظم.
(2) نسبة إلى ساوة مدينة بين الري وهمذان.
(8/124)
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا
مِنْ وَلِيِّهَا، وَالبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي
نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا (1)).
أَخْبَرَنَا بِهِ: أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنِ
المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ
السَّيِّدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ
البَحِيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ،
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ،
حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، نَحْوَهُ.
وَسَاوَيتُ الحَاكِمَ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ:
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشَرِيْكٌ القَاضِي،
وَشُعْبَةُ.
الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ
المَدِيْنِيُّ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ
دُرُسْتَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ القَنَّادُ،
عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنِ
الأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (القَطْعُ فِي رُبْعِ دِيْنَارٍ، فَصَاعِداً).
غَرِيْبٌ جِدّاً، وَلاَ نَعْلمُ مَالِكاً اجْتَمَعَ
بِيَحْيَى، وَلَو جَرَى ذَلِكَ، لَكَانَ يَرْوِي
عَنْهُ، وَلكَانَ مِنْ كُبَرَاءِ مَشْيَخَةِ مَالِكٍ.
تَفَرَّدَ بِهِ: أَبُو الطَّاهِرِ، وَفِيْهِ مَقَالٌ
(2).
__________
(1) هو في " الموطأ " 2 / 524 في النكاح: باب استئذان
البكر والايم في أنفسهما من طريق عبد الله بن الفضل،
عن نافع بن جبير بن مطعم، عن ابن عباس، ومن طريق مالك
أخرجه مسلم (1421) في النكاح: باب استئذان الثيب في
النكاح بالنطق والبكر بالسكوت.
والايم: من لا زوج له رجلا أو امرأة، سواء كان تزوج من
قبل أو لم يتزوج، والمراد هنا: المرأة الثيب بدليل
قوله: والبكر.
وصماتها: سكوتها.
(2) قال المؤلف في " ميزانه " 3 / 460: روى مناكير،
أراه كان اختلط، لا تجوز الرواية عنه، وقال ابن عدي:
يغلط ويثبت عليه ولا يرجع.
قلت: لكن الحديث صحيح عن عائشة من غيره هذه الطريق،
فقد أخرجه الشافعي (270)، ومسلم (1684) من حديث ابن
عيينة، عن ابن شهاب، عن عمرة، عن عائشة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: " القطع في ربع دينار فصاعدا
"، =
(8/125)
يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ السَّدُوْسِيُّ:
حَدَّثَنَا قَبِيْصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ
المُغِيْرَةِ بنِ النُّعْمَانِ، عَنْ مَالِكِ بنِ
أَنَسٍ، عَنْ هَانِئ بنِ حَرَامٍ، قَالَ:
كُتِبَ إِلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فِي رَجُلٍ وَجَدَ
مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً، فَقَتَلَهُ.
فَكَتَبَ فِي السِّرِّ: يُعْطِي الدِّيَةَ، وَكَتَبَ
فِي العَلاَنِيَةِ: يُقَادُ مِنْهُ (1) .
قَالَ يَعْقُوْبُ: أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يُرهِبَ
بِذَلِكَ.
وَبِإِسْنَادِي إِلَى ابْنِ مَخْلَدٍ العَطَّارِ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَنَسٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو هُبَيْرَةَ الدِّمَشْقِيُّ،
حَدَّثَنَا سَلاَمَةُ بنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ
بنُ السِّمْطِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ مَالِكٍ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (إِنَّ الغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ
القِيَامَةِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنٍ).
أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ (2) ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ
عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ سَلاَمَةَ، بِهِ.
وَوَقَعَ لَنَا عَالِياً.
أَخْبَرَنَاهُ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الحُسَيْنِيُّ (3)
، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ،
__________
= وأخرجه البخاري 12 / 89 من طريق إبراهيم بن سعد، عن
ابن شهاب، ومن طريق يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد
الرحمن الأنصاري، كلاهما عن عمرة، به.
(1) أخرجه عبد الرزاق (17921)، عن الثوري، عن المغيرة
بن النعمان، عن هانئ ابن حرام.
(2) والبخاري: 10 / 464 في الأدب: باب ما يدعى الناس
بآبائهم، ومسلم (1735) في الجهاد والسير: باب تحريم
الغدر، وأبو داود (2756)، وكلهم من حديث ابن عمر، وفي
الباب عن أنس، أخرجه مسلم (1737)، وعن أبي سعيد الخدري
أخرجه مسلم أيضا (1738)، وعن عبد الله بن مسعود
(1736)، والبخاري 6 / 202.
(3) هو علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرافي
الامام المحدث تاج الدين أبو الحسن الهاشمي الواسطي
الغرافي، ثم الإسكندراني المعدل، سمع عن غير واحد من
الشيوخ، وحدث، وأكثر عنه الرحالة من المشارقة
والمغاربة، كان عالما فاضلا محدثا، كثير التلاوة معمور
الاوقات بالخير، إذا حصل له من الكسب ما يقوم بأوده،
اقتصر عليه، وانصرف إلى العبادة.
توفي سنة 704 ه.
مترجم في " مشيخة الذهبي " الورقة 93.
(8/126)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ
العَبَّاسِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ العَبْقَسِيُّ (1) ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّيْبُلِيُّ (2) ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ،
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ دِيْنَارٍ، بِهَذَا.
وَبِإِسْنَادِي إِلَى ابْنِ مَخْلَدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ:
ذَكَرَ عَلِيُّ بنُ بَحْرٍ القَطَّانُ، سَمِعْتُ ابْنَ
أَبِي حَازِمٍ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ البَتِّيَّ (3) قَائِماً عَلَى رَأْسِ
مَالِكِ بنِ أَنَسٍ.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ
أَبِي الحَنِيْنِ، حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، عَنْ
شُعْبَةَ، قَالَ:
قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ
وَمائَةٍ، فَوَجَدْتُ لِمَالِكٍ حَلْقَةً، وَوَجَدْتُ
نَافِعاً قَدْ مَاتَ.
وَبِهِ: أَخْبَرَنَا الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا
الحَكَمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ
مَالِكٍ، قَالَ:
رُحْتُ إِلَى الظُّهْرِ مِنْ بَيْتِ ابْنِ هُرْمُزَ
اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً (4) .
وَبِهِ: حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا
الحَكَمُ، أَخْبَرَنَا أَشْهَبُ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، فَقُلْتُ لَهُ: أَعِدْهُ
عَلَيَّ.
قَالَ: لاَ.
قُلْتُ: أَمَّا كَانَ يُعَادُ عَلَيْكَ؟
قَالَ: لاَ.
فَقُلْتُ: كُنْتَ تَكْتُبُ؟
قَالَ: لاَ.
وَكَفَّ الحَدِيْدَةَ -يَعْنِي: اللِّجَامَ-.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدٍ
المُؤَيَّدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ
__________
(1) نسبة إلى عبد القيس.
(2) نسبة إلى ديبل، مدينة على ساحل البحر الهندي قريبة
من السند.
(3) هو عثمان بن مسلم البتي أبو عمرو من رجال "
التهذيب ".
(4) انظر " ترتيب المدارك " 1 / 120، 121.
(8/127)
يُوْسُفَ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ،
قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيُّ (1) ،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ،
حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ،
عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ:
إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يُصَافِحُ امْرَأَةً قَطُّ (2)
.
أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، فِي جَمْعِهِ أَحَادِيْثَ
مَالِكٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ
الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الطَّائِيُّ
غَيْرَ مَرَّةٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ
مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ
- وَأَنَا فِي الرَّابِعَةِ - أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ
المُسَلَّمِ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ
الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ سَنَةَ خَمْسٍ
وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو
الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ
بِصَيْدَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ
مائَةٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدٍ الهِزَّانِيُّ (3) بِالبَصْرَةِ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ البُسْرِيُّ، حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ (ح (4)).
وَأَخْبَرَنَا بِعُلُوٍّ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ
بنِ أَحْمَدَ، عَنِ المُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ،
__________
(1) نسبة إلى أرمية من بلاد أذربيجان.
(2) إسناده صحيح، وفي " الموطأ ": 2 / 189 من حديث
أميمة بنت رقيقة أنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم في نسوة بايعنه على الإسلام فقلن: يا رسول
الله، نيايعك على ألا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا
نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي نفتريه بين أيدينا
وأرجلنا ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " فيما استطعتن وأطقتن "، قالت: فقلن: الله
ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، هلم نبايعك يا رسول الله،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لا أصافح
النساء إنما قولي لمئة امرأة كقولي لامرأة واحدة، أو
مثل قولي لامرأة واحدة "، وأخرجه النسائي: 7 / 149 في
البيعة: باب بيعة النساء، والترمذي (1597) في السير:
باب ما جاء في بيعة النساء، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(3) نسبة إلى هزان وهو بطن من العتيك، والعتيك من
ربيعة وهو هزان بن صباح بن عتيك.
(4) رمز لتحويل السند إلى طريق آخر.
(8/128)
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ سَهْلٍ،
أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا
زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ
عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ،
حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ،
عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ
وَلِيِّهَا، وَالبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا،
وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا (1)).
لَفْظُ شُعْبَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ،
أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَلِيِّ بنِ حَسَّانٍ
بِبَغْدَادَ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ
بنُ مُحَمَّدٍ بِبَعْلَبَكَّ، وَأَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدٍ بِمِصْرَ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو المَنْجَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ
بنِ اللَّتِّيِّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ
عِيْسَى (ح).
وَأَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ
الفَقِيْهُ كِتَابَةً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ القَادِرِ
الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ أَبِي
سَعْدٍ بِهَرَاةَ، قَالاَ:
أَخْبَرَتْنَا أُمُّ الفَضْلِ: بِيْبَى بِنْتُ عَبْدِ
الصَّمَدِ، قَالَتْ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ
الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ،
حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- دَخَلَ الكَعْبَةَ هُوَ، وَأُسَامَةُ،
وَبِلاَلٌ، وَعُثْمَانُ بنُ طَلْحَةَ الحَجَبِيُّ،
فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِم، وَمَكَثَ فِيْهَا.
فَسَأَلْتُ بِلاَلاً حِيْنَ خَرَجَ: مَاذَا صَنَعَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
فَقَالَ: جَعَلَ عَمُوْداً عَنْ يَسَارِهِ،
وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَثَلاَثَةَ أَعمِدَةٍ
وَرَاءهُ، وَكَانَ البَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ
أَعمِدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى (2).
__________
(1) هو في " الموطأ " 2 / 524 في النكاح: باب استئذان
البكر، والايم أحق بنفسها، ومسلم (1421) في النكاح:
باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت،
وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه البخاري 9 / 164، 165 في
النكاح: باب لا ينكح الاب وغيره البكر والثيب إلا
برضاهما، ومسلم (1419).
(2) إسناده صحيح، وهو في " الموطأ ": 1 / 398 في الحج:
باب الصلاة في البيت من طريق نافع عن ابن عمر، ومن
طريق مالك أخرجه البخاري: 1 / 477 في الصلاة: باب
الصلاة بين السواري في غير جماعة، ومسلم (1329) في
الحج: باب استحباب دخول الكعبة للحاج
وغيره والصلاة فيها والدعاء في نواحيها كلها.
(8/129)
وَبِهِ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ
اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ بَيْعِ الوَلاَءِ، وَعَنْ
هِبَتِهِ (1).
وَفَاةُ مَالِكٍ
قَالَ القَعْنَبِيُّ: سَمِعْتُهُم يَقُوْلُوْنَ:
عُمُرُ مَالِكٍ تِسْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، مَاتَ
سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: مَرِضَ
مَالِكٌ، فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَهْلِنَا عَمَّا قَالَ
عِنْد المَوْتِ.
قَالُوا: تَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: {للهِ الأَمْرُ مِنْ
قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الرُّوْمُ: 4].
وَتُوُفِّيَ: صَبِيْحَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ
رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَةٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ: الأَمِيْرُ عَبْدُ اللهِ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ الهَاشِمِيُّ؛
وَلَدُ زَيْنَبَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ العَبَّاسِيَّةِ،
وَيُعْرَفُ بِأُمِّهِ.
رَوَاهَا: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ:
وَسَأَلْتُ مُصْعَباً، فَقَالَ:
بَلْ مَاتَ فِي صَفَرٍ، فَأَخْبَرَنِي مَعْنُ بنُ
عِيْسَى بِمِثْلِ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ: مَاتَ لِعَشْرٍ
مَضَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سُحْنُوْنَ: مَاتَ فِي حَادِي
عَشَرَ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَاتَ لِثَلاَثَ عَشْرَةَ
خَلَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ.
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ (2) : الصَّحِيْحُ وَفَاتُهُ
فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، يَوْم الأَحَدِ، لِتَمَامِ
اثْنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ يَوْماً مِنْ مَرَضِهِ.
__________
(1) هو في " الموطأ ": 2 / 782 في العتق: باب مصير
الولاء لمن أعتق، وأخرجه البخاري 5 / 121 في العتق:
باب بيع الولاء وهبته من طريق شعبة، و12 / 37 في
الفرائض من طريق سفيان، كلاهما عن عبد الله بن دينار،
عن ابن عمر، ومسلم (1506) في العتق: باب النهي عن بيع
الولاء وهبته، من طرق عن عبد الله بن دينار، عن ابن
عمر.
(2) " ترتيب المدارك " 1 / 237.
(8/130)
وَغَسَلَهُ: ابْنُ أَبِي زَنْبَرٍ، وَابْنُ
كِنَانَةَ، وَابْنُهُ يَحْيَى وَكَاتِبُهُ حَبِيْبٌ
يَصُبَّانِ عَلَيْهِمَا المَاءَ، وَنَزَلَ فِي
قَبْرِهِ جَمَاعَةٌ، وَأَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي
ثِيَابٍ بِيْضٍ، وَأَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ فِي
مَوْضِعِ الجَنَائِزِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ الأَمِيْرُ
المَذْكُوْرُ.
قَالَ: وَكَانَ نَائِباً لأَبِيْهِ مُحَمَّدٍ عَلَى
المَدِيْنَةِ، ثُمَّ مَشَى أَمَام جِنَازَتِه،
وَحَمَلَ نَعشَهُ، وَبَلَغَ كَفَنُهُ خَمْسَةَ
دَنَانِيْرَ.
قُلْتُ: تَوَاتَرَتْ وَفَاتُه فِي سَنَةِ تِسْعٍ،
فَلاَ اعْتِبَارَ لِقَوْلِ مَنْ غَلِطَ وَجَعَلَهَا
فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ، وَلاَ اعْتِبَارَ
بِقَوْلِ حَبِيْبٍ كَاتِبِهِ، وَمُطَرِّفٍ فِيْمَا
حُكِيَ عَنْهُ، فَقَالاَ: سَنَة ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَنَقَلَ القَاضِي عِيَاضٌ: أَنَّ أَسَدَ بنَ مُوْسَى
قَالَ:
رَأَيْتُ مَالِكاً بَعْد مَوْتِهِ وَعَلَيْهِ
طَوِيْلَةٌ وَثِيَابٌ خُضْرٌ، وَهُوَ عَلَى نَاقَةٍ
يَطِيْرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَقُلْتُ: يَا
أَبَا عَبْدِ اللهِ! أَلَيْسَ قَدْ مُتَّ؟
قَالَ: بَلَى.
فَقُلْتُ: فَإِلاَمَ صِرتَ؟
فَقَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَبِّي، وَكَلَّمنِي كِفَاحاً
(1) ، وَقَالَ: سَلْنِي أُعْطِكَ، وَتَمَنَّ عَلَيَّ
أُرْضِكَ (2) .
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: وَاخْتُلِفَ فِي سِنِّهِ:
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ الصَّائِغُ، وَابْنُ
أَبِي أُوَيْسٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَحَبِيْبٌ:
إِنَّ عُمُرَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
قَالَ: وَقِيْلَ: أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَقِيْلَ: سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: تِسْعُوْنَ سَنَةً.
وَقَالَ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو مُصْعَبٍ: سِتٌّ
وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَقَالَ القَعْنَبِيُّ: تِسْع وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، قَالَ:
عَاشَ سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَشَذَّ: أَيُّوْبُ بنُ صَالِحٍ، فَقَالَ:
__________
(1) أي: مواجهة وبدون واسطة.
(2) " ترتيب المدارك " 1 / 239.
(8/131)
عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الضَّرَّابُ: هَذَا خَطَأٌ،
الصَّوَابُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ (1) .
وَاختُلِفَ فِي حَمْلِ أُمِّهِ بِهِ:
فَقَالَ مَعْنٌ، وَالصَّائِغُ، وَمُحَمَّدُ بنُ
الضَّحَّاكِ: حَمَلَتْ بِهِ ثَلاَثَ سِنِيْنَ.
وَقَالَ نَحْوَهُ: وَالِدُ الزُّبَيْرِ بنِ بَكَّارٍ.
وَعَنِ الوَاقِدِيِّ: حَمَلتْ بِهِ سَنَتَيْنِ (2) .
قُلْتُ: وَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ اتِّفَاقاً، وَقَبْرُهُ
مَشْهُوْرٌ يُزَارُ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي مَاتَ
فِيْهَا رَأَى رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ قَائِلاً
يُنشِدُ:
لَقَدْ أَصْبَحَ الإِسْلاَمُ زُعْزِعَ رُكْنُهُ ...
غَدَاةَ ثَوَى الهَادِي لَدَى مَلْحَدِ القَبْرِ
إِمَامُ الهُدَى مَا زَالَ لِلْعِلْمِ صَائِناً ...
عَلَيْهِ سَلاَمُ اللهِ فِي آخِرِ الدَّهْرِ
قَالَ: فَانْتَبَهتُ، فَإِذَا الصَّارِخَةُ عَلَى
مَالِكٍ.
ثُمَّ أَوْرَدَ القَاضِي عِيَاضٌ عِدَّةَ مَنَامَاتٍ
حَسَنَةٍ لِلإِمَامِ (3) ، وَسَائِرُ كِتَابِه بِلاَ
أَسَانِيْدَ، وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ مَا يُنْكَرُ.
قَالَ ابْنُ القَاسِمِ: مَاتَ مَالِكٌ عَنْ مائَةِ
عِمَامَةٍ، فَضْلاً عَنْ سِوَاهَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: بِيْعَ مَا فِي
مَنْزِلِ خَالِي مَالِكٍ مِنْ بُسُطٍ، وَمِنَصَّاتٍ،
وَمَخَادَّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، بِمَا يُنِيْفُ عَلَى
خَمْسِ مائَةِ دِيْنَارٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ خَلَفٍ: خَلَّف
مَالِكٌ خَمْسَ مائَةِ زَوْجٍ مِنَ
__________
(1) " ترتيب المدارك " 1 / 111.
(2) " ترتيب المدارك " 1 / 111، 112.
(3) " ترتيب المدارك " 1 / 238، 245.
(8/132)
النِّعَالِ، وَلَقَدِ اشْتَهَى يَوْماً
كِسَاءً قُوْصِيّاً، فَمَا مَاتَ (1) إِلاَّ
وَعِنْدَهُ مِنْهَا سَبْعَةٌ بُعِثَتْ إِلَيْهِ.
وَأَهدَى لَهُ يَحْيَى بنُ يَحْيَى
النَّيْسَابُوْرِيُّ هَدِيَّةً، فَوُجِدَتْ بِخَطِّ
جَعْفَرٍ: قَالَ مَشَايِخُنَا الثِّقَاتُ: إِنَّهُ
بَاعَ مِنْهَا مِنْ فَضْلَتِهَا بِثَمَانِيْنَ
أَلْفاً.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: تَرَكَ مِنَ النَّاضِّ (2)
أَلفَيْ دِيْنَارٍ وَسِتَّ مائَةِ دِيْنَارٍ،
وَسَبْعَةً وَعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً، وَمِنَ
الدَّرَاهِمِ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ هَذَا الإِمَامُ مِنَ الكُبَرَاءِ
السُّعدَاءِ، وَالسَّادَةِ العُلَمَاءِ، ذَا حِشْمَةٍ،
وَتَجَمُّلٍ، وَعَبِيْدٍ، وَدَارٍ فَاخِرَةٍ وَنِعمَةٍ
ظَاهِرَةٍ، وَرِفعَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ،
كَانَ يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ، وَيَأْكُلُ طَيِّباً،
وَيَعْمَلُ صَالِحاً، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ
المُبَارَكِ فِيْهِ:
صَمُوْتٌ إِذَا مَا الصَّمتُ زَيَّنَ أَهْلَهُ ...
وَفَتَّاقُ أَبْكَارِ الكَلاَمِ المُخَتَّمِ
وَعَى مَا وَعَى القُرْآنُ مِنْ كُلِّ حِكْمَةٍ ...
وَسِيْطَتْ لَهُ الآدَابُ بِاللَّحْمِ وَالدَّمِ (3)
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ -رَحِمَهُ اللهُ- فِيْهِ:
يَا سَائِلاً عَنْ حَمِيْدِ الهَدْيِ وَالسَّنَنِ ...
اطْلُبْ، هُدِيْتَ عُلُوْمَ الفِقْهِ وَالسُّنَنِ
وَعَقْدَ قَلْبِكَ فَاشدُدْهُ عَلَى ثَلجٍ ... لاَ
تَطْوِيَنَّهُ عَلَى شَكٍّ وَلاَ دَخَنِ (4)
__________
(1) في هامش الأصل: فمات بات.
(2) الناض: النقد من الدنانير والدراهم.
(3) وسيطت: مزجت.
(4) ثلج: اطمئنان، والدخن: الفساد.
(8/133)
وَاسْلُكْ سَبِيْلَ الأُلَى حَازُوا نُهَىً
وَتُقَىً ... كَانُوا فَبَانُوا حِسَانَ السِّرِّ
وَالعَلَنِ
هُمُ الأَئِمَّةُ وَالأَقْطَابُ مَا انْخَدَعُوا ...
وَلاَ شَرَوْا دِيْنَهُم بِالبَخْسِ وَالغَبَنِ
أَصْحَابُ خَيْرِ الوَرَى أَحْبَارُ مِلَّتِهِ ...
خَيْرُ القُرُوْنِ نُجُومُ الدَّهْرِ وَالزَّمَنِ
مَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُم مُهتَدٍ وَهُمُ ... نَجَاةُ
مَنْ بَعْدَهُم مِنْ غَمْرَةِ الفِتَنِ
وَتَابِعُوْهُم عَلَى الهَدْيِ القَويمِ هُمُ ...
أَهْلُ التُّقَى وَالهُدَى وَالعِلْمِ وَالفِطَنِ
فَاخْتَرْ لِدِيْنِكَ ذَا عِلْمٍ تُقَلِّدُهُ ...
مُشَهَّرَ الذِّكْرِ فِي شَامٍ وَفِي يَمَنِ
حَوَى أُصُولَهُمُ ثُمَّ اقْتَفَى أَثراً ... نَهْجاً
إِلَى كُلِّ مَعْنَى رَائِقٍ حَسَنِ (1)
وَمَالِكُ المُرْتَضَى لاَ شَكَّ أَفْضَلُهُم ...
إِمَامُ دَارِ الهُدَى وَالوَحِيِ وَالسُّنَنِ
فَعَنْهُ حُزْ عِلْمَهُ إِنْ كُنْتَ مُتَّبِعاً ...
وَدَعْ زَخَارِفَ كَالأَحْلاَمِ وَالوَسَنِ
فَهُوَ المُقَلَّدُ فِي الآثَارِ يُسْنِدُهَا ...
خِلاَفَ مَنْ هُوَ فِيْهَا غَيْرُ مُؤْتَمَنِ
__________
(1) نهجا: سالكا.
(8/134)
وَهُوَ المُقَدَّمُ فِي فِقْهٍ وَفِي
نَظَرٍ ... وَالمُقتَدَى فِي الهُدَى فِي ذَلِكَ
الزَّمَنِ
وَعَالِمُ الأَرْضِ طُرّاً بِالَّذِي حَكَمَتْ ...
شَهَادَةُ المُصْطَفَى ذِي الفَضْلِ وَالمِنَنِ
وَمَنْ إِلَيْهِ بِأَقْطَارِ البِلاَدِ غَدَتْ ...
تُنْضَى المَطَايَا وَتُضْحَى بُزَّلُ البُدُنِ (1)
مَنْ أُشْرِبَ الخَلْقُ طُرّاً حُبَّهُ فَجَرَى ...
طَيَّ القُلُوْبِ كَجَرْيِ المَاءِ فِي الغُصُنِ
وَقَالَ كُلُّ لِسَانٍ فِي فَضَائِلِه ... قَوْلاً
وَإِنْ قَصَّرُوا فِي الوَصْفِ عَنْ لَسَنِ
عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ أَصْفَى عَوَاطِفِهِ ... وَمِنْ
رِضَاهُ كَصَوبِ العَارِضِ الهَتِنِ (2)
وَجَادَ مَلحَدَهُ وَطْفَاءُ هَاطِلَةٌ ... تَسْقِي
بِرُحْمَاهُ مَثْوَى ذَلِكَ الجَنَنِ (3)
11 - عَبْدُ القُدُّوْسِ بنُ حَبِيْبٍ أَبُو سَعِيْدٍ
الكَلاَعِيُّ *
المُحَدِّثُ، أَبُو سَعِيْدٍ الكَلاَعِيُّ،
الوُحَاظِيُّ، الشَّامِيُّ.
__________
(1) تنضى: تهزل.
تضحى: تسعى.
البزل: جمع بازل: الناقة في التاسع من سنها.
البدن: الابل والبقر تهدى إلى مكة.
(2) العارض: السحاب يعترض في الافق، الهتن: الممطر.
(3) ملحده: لحده وقبره.
وطفاء: السحابة المسترخية لكثرة الماء.
الجنن: القبر والميت.
والابيات في " ترتيب المدارك " 1 / 253، 254 وفيها
تحريف كثير تصحح من هنا.
(*) التاريخ الكبير 6 / 119، التاريخ الصغير: 2 / 203،
الضعفاء للعقيلي: 2 / 256، كتاب المجروحين والضعفاء: 2
/ 131، الكامل لابن عدي: 4 / 253، الميزان 2 / 643.
(8/135)
رَوَى عَنْ: مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ،
وَأَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ،
وَالحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَمَكْحُوْلٍ، وَابْنِ
شِهَابٍ.
وَعَنْهُ: عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَحَيْوَةُ بنُ
شُرَيْحٍ، وَالثَّوْرِيُّ - وَمَاتُوا قَبْلَه
بِمُدَّةٍ - وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ
شَابُوْرٍ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَلِيُّ بنُ
الجَعْدِ، وَأَبُو الجَهْمِ، وَصَالِحُ بنُ مَالِكٍ
الخُوَارِزْمِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي
إِسْرَائِيْلَ.
يَقَعُ مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (الجَعْدِيَّاتِ (1)).
اتَّفقُوا عَلَى ضَعْفِهِ.
كَذَّبَهُ: ابْنُ المُبَارَكِ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: مَطْرُوحُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ الفَلاَّسُ: تَرَكُوهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: ذَاهِبُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: لأَنْ أَقطَعَ
الطَّرِيْقَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَرْوِيَ
عَنْهُ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلاَ
مَأْمُوْنٍ.
قُلْتُ: بَقِيَ إِلَى مَا بَعْدَ السَّبْعِيْنَ
وَمائَةٍ، وَعُمِّرَ دَهْراً.
12 - اللَّيْثُ بنُ سَعْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الفَهْمِيُّ *(ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، وَعَالِمُ
الدِّيَارِ
__________
(1) هي اثنا عشر جزءا تصنيف الحافظ محدث بغداد أبي
الحسن علي بن الجعد الهاشمي مولاهم البغدادي الجوهري،
روى عن أحمد ويحيى والبخاري وأبي داود وخلق.
مات سنة ثلاثين ومئتين عن ست وتسعين سنة.
انظر " العبر " 1 / 406.
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 517، التاريخ لابن معين: 501،
طبقات خليفة: 296. تاريخ خليفة: 449، التاريخ الكبير:
7 / 246، التاريخ الصغير: 2 / 209، المعارف لابن =
(8/136)
المِصْرِيَّةِ، أَبُو الحَارِثِ
الفَهْمِيُّ، مَوْلَى خَالِدِ بنِ ثَابِتِ بنِ
ظَاعِنٍ.
وَأَهْلُ بَيْتِهِ يَقُوْلُوْنَ: نَحْنُ مِنَ الفُرسِ،
مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، وَلاَ مُنَافَاةَ بَيْنَ
القَوْلَيْنِ.
مَوْلِدُهُ: بِقَرْقَشَنْدَةَ - قَرْيَةٌ مِنْ
أَسْفَلِ أَعْمَالِ مِصْرَ - فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ
وَتِسْعِيْنَ.
قَالَهُ: يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ.
ذَكَرَهُ: سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ.
وَالأَوَّلُ أَصَحُّ، لأَنَّ يَحْيَى يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ فِي شَعْبَانَ،
سَنَةَ أَرْبَعٍ.
قَالَ اللَّيْثُ: وَحَجَجْتُ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ
وَمائَةٍ.
سَمِعَ: عَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ، وَابْنَ أَبِي
مُلَيْكَةَ، وَنَافِعاً العُمَرِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ
أَبِي سَعِيْدٍ المَقْبُرِيَّ، وَابْنَ شِهَابٍ
الزُّهْرِيَّ، وَأَبَا الزُّبَيْرِ المَكِّيَّ،
وَمِشْرَحَ بنَ هَاعَانَ، وَأَبَا قَبِيْلٍ
المَعَافِرِيَّ، وَيَزِيْدَ بنَ أَبِي حَبِيْبٍ،
وَجَعْفَرَ بنَ رَبِيْعَةَ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ
أَبِي جَعْفَرٍ، وَبُكَيْرَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ
الأَشَجِّ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ القَاسِمِ،
وَالحَارِثَ بنَ يَعْقُوْبَ، وَدَرَّاجاً أَبَا
السَّمْحِ الوَاعِظَ، وَعُقَيْلَ بنَ خَالِدٍ،
وَيُوْنُسَ بنَ يَزِيْدَ، وَحُكَيْمَ بنَ عَبْدِ اللهِ
بنِ قَيْسٍ، وَعَامِرَ بنَ يَحْيَى المَعَافِرِيَّ،
وَعُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ، وَعِمْرَانَ بنَ أَبِي
أَنَسٍ، وَعَيَّاشَ بنَ عَبَّاسٍ، وَكَثِيْرَ بنَ
فَرْقَدَ، وَهِشَامَ بنَ عُرْوَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَأَيُّوْبَ
بنَ مُوْسَى، وَبَكْرَ بنَ سَوَادَةَ، وَأَبَا
كَثِيْرٍ الجُلاَّحَ، وَالحَارِثَ بنَ يَزِيْدَ
الحَضْرَمِيَّ، وَخَالِدَ بنَ يَزِيْدَ، وَصَفْوَانَ
بنَ سُلَيْمٍ، وَخَيْرَ بنَ نُعَيْمٍ، وَأَبَا
الزِّنَادِ،
__________
= قتيبة: 505، 506، الجرح والتعديل: 7 / 179 - 180،
مشاهير علماء الأمصار: (1536): 191، مروج الذهب: 3 /
349، الحلية: 7 / 318، الفهرست: 1 / 199، تاريخ بغداد:
13 / 3، صفوة الصفوة: 4 / 281، وفيات الأعيان: 4 / 127
- 132، تهذيب الكمال للمزي: 1152، تذكرة الحفاظ: 1 /
224 - 226، ميزان الاعتدال 3 / 423، العبر للذهبي: 1 /
266، صبح الاعشى: 2 / 399، تهذيب التهذيب: 8 / 459،
النجوم الزاهرة: 2 / 82، الجواهر المضيئة: 1 / 266،
شذرات الذهب: 1 / 285.
(8/137)
وَقَتَادَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى بنِ
حَبَّانَ، وَيَزِيْدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ،
وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيَّ، وَخَلْقاً
كَثِيْراً.
حَتَّى إِنَّهُ يَرْوِي عَنْ تَلاَمِذَتِهِ، وَحَتَّى
إِنَّهُ رَوَى عَنْ نَافِعٍ، ثُمَّ رَوَى حَدِيْثاً
بَيْنَهُ وَبَيْنَه فِيْهِ أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ،
وَكَذَلِكَ فَعَلَ فِي شَيْخِهِ ابْنِ شِهَابٍ، رَوَى
غَيْرَ حَدِيْثٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَه فِيْهِ ثَلاَثَةُ
رِجَالٍ.
رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: ابْنُ
عَجْلاَنَ - شَيْخُهُ - وَابْنُ لَهِيْعَةَ،
وَهُشَيْمٌ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ،
وَعَطَّافُ بنُ خَالِدٍ، وَشَبَابَةُ، وَأَشْهَبُ،
وَسَعِيْدُ بنُ شُرَحْبِيْلَ، وَسَعِيْدُ بنُ
عُفَيْرٍ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَحُجَيْنُ بنُ
المُثَنَّى، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَآدَمُ
بنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ،
وَشُعَيْبُ بنُ اللَّيْثِ - وَلَدُهُ - وَيَحْيَى بنُ
بُكَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ،
وَمَنْصُوْرُ بنُ سَلَمَةَ، وَيُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ،
وَأَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ، وَيَحْيَى
بنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى
التَّمِيْمِيُّ، وَأَبُو الجَهْمِ العَلاَءُ بنُ
مُوْسَى، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ
رُمْحٍ، وَيَزِيْدُ بنُ مَوْهِبٍ الرَّمْلِيُّ،
وَكَامِلُ بنُ طَلْحَةَ، وَعِيْسَى بنُ حَمَّادٍ
زُغْبَةُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ الكَاتِبُ،
وَعَمْرُو بنُ خَالِدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ
التِّنِّيْسِيُّ.
وَلَحِقَهُ الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، وَسَأَلَه عَنْ
مَسْأَلَةٍ، وَرَآهُ يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
الدَّوْرَقِيُّ بِبَغْدَادَ وَهُوَ صَبِيٌّ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا
الفَتْحُ، أَخْبَرَنَا الأُرْمَوِيُّ، وَابْنُ
الدَّايَةِ، وَالطَّرَائِفِيُّ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ،
أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ،
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ
سَعْدِ بنِ سِنَانٍ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَكُوْنُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ
فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ
الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً، وَيُمْسِي كَافِراً،
وَيُمْسِي مُؤْمِناً،
(8/138)
وَيُصْبِحُ كَافِراً، يَبِيْعُ أَقْوَامٌ
دِيْنَهُم بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا).
هَذَا الحَدِيْثُ حَسَنٌ، عَالٍ.
أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ (1) ، عَنْ قُتَيْبَةَ،
فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ يُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ
الصَّالِحَيُّ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ
القَادِرِ الجِيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ
سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ (ح).
وَأَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ
إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُؤَيَّدِ القَرَافِيُّ
الزَّاهِدُ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ
الحَسَنُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مَوْهُوْبِ بنِ
الجَوَالِيقِيِّ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ
بِبَغْدَادَ (ح).
وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ عَبْدِ
المُنْعِمِ الطَّائِيِّ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ زَيْدِ
بنِ الحَسَنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُهْتَدِي بِاللهِ
فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
عَلِيٍّ الزَّيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ الأَشْعَثِ
الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ حَمَّادٍ
التُّجِيْبِيُّ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ،
عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنْ
أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ:
لَقَدْ رَأَيْتُ زَيْدَ بنَ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ
قَائِماً، مُسنِداً ظَهْرَهُ إِلَى الكَعْبَةِ
يَقُوْلُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! وَاللهِ مَا فِيْكُم
أَحَدٌ عَلَى دِيْنِ إِبْرَاهِيْمَ غَيْرِي، وَكَانَ
يُحْيِي المَوْؤُدَةَ يَقُوْلُ لِلرَّجُلِ إِذَا
أَرَادَ أَنْ يَقتُلَ ابْنَتَه: مَهْ، لاَ
تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيْكَ مُؤْنَتَهَا،
فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ، قَالَ
لأَبِيْهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ
شِئْتَ كَفَيْتُكَ مُؤْنَتَهَا.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ.
وَإِنَّمَا يَرْوِيْهِ اللَّيْثُ، عَنْ هِشَامٍ،
بِالإِجَازَةِ، لأَنَّ
__________
(1) (2198) وسنده حسن، كما قال المؤلف، وله شاهد من
حديث أبي هريرة عن مسلم (118) في الايمان: باب الحث
على المبادرة بالاعمال، بلفظ " بادروا بالاعمال فتنا
كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو
يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا ".
(8/139)
البُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ فِي: (صَحِيْحِهِ
(1)) تَعْلِيقاً، فَقَالَ:
وَقَالَ اللَّيْثُ: كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامُ بنُ
عُرْوَةَ...، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ، فَهُوَ فِي
(الصَّحِيْحِ)، وِجَادَةً (2) عَلَى إِجَازَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا
أَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ
بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ زُنْبُوْرٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ،
حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً،
يَسِيْرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مائَةَ سَنَةٍ (3)).
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ،
أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ،
وَالحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بنُ المُؤَيَّدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ
عَسْكَرَ، وَحَسَنُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ
الزَّبِيْدِيِّ، وَالنَّفِيْسُ بنُ كَرَمٍ،
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي
__________
(1) 7 / 110 في مناقب الانصار: باب حديث زيد بن عمرو
بن نفيل، وقال الحافظ: وهذا الحديث رويناه موصولا في
حديث زغبة، من رواية أبي بكر بن أبي داود، عن عيسى بن
حماد، وهو المعروف بزغبة، عن الليث.
(2) الوجادة، بكسر الواو: أن يقف المرء على أحاديث أو
كتاب بخط راويها، فله أن يرويها عن راويها، ويقول على
سبيل الحكاية: قرأت بخط فلان أو كتابه: حدثنا فلان،
ويسوق الإسناد والمتن، وله أن يقول: قال فلان، إذا لم
يكن فيه تدليس يوهم اللقاء، ولا يجوز له أن يقول:
حدثنا أو أخبرنا مما يدل على اتصال السند، وروي عن
الامام الشافعي جواز العمل به، وهذا هو الراجح.
ويقول ابن كثير في " الباعث الحثيث " 142: والوجادة:
ليست من باب الرواية، وإنما هي حكاية عما وجد في
الكتاب..قال ابن الصلاح: وقطع بعض المحققين من أصحاب
الشافعي العمل به عند حصول الثقة به.
(3) وأخرجه البخاري 8 / 481 في تفسير سورة الواقعة من
طريق سفيان، عن أبي الزناد عن الاعرج، عن أبي هريرة،
وأخرجه مسلم (2826) في صفة الجنة من طريق قتيبة، عن
الليث، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي
هريرة، وأخرجه البخاري 11 / 366 في الرقاق، ومسلم
(2828) من حديث أبي سعيد الخدري، وأخرجه البخاري 11 /
366 في الرقاق، ومسلم (2827) من حديث سهل بن سعد،
وأخرجه البخاري 6 / 233 من حديث أنس.
(8/140)
طَالِبٍ، وَخَلْقٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو المُنَجَّا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ
بنِ اللَّتِّيِّ، قَالُوا سِتَّتُهُم:
أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مَسْعُوْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو
مُحَمَّدٍ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو
القَاسِمِ البَغَوِيُّ، أَخْبَرَنَا العَلاَءُ بنُ
مُوْسَى البَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ
نَافِعٍ:
أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ نِكَاحِ
الرَّجُلِ النَّصْرَانِيَّةَ أَوِ اليَهُوْدِيَّةَ،
قَالَ: إِنَّ اللهَ حَرَّمَ المُشْرِكَاتِ عَلَى
المُسْلِمِيْنَ، وَلاَ أَعْلَمُ مِنَ الإِشْرَاكِ
شَيْئاً أَكْبَرَ مِنْ أَنْ تَقُوْلَ المَرْأَةُ
رَبُّهَا عِيْسَى، وَهُوَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيْدِ اللهِ.
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (1) ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ
اللَّيْثِ.
أَخْبَرَنَا القَاضِي تَاجُ الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ
عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ سَعِيْدِ
بنِ عُلْوَانَ بِبَعْلَبَكَّ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا
أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
(ح).
وَأَخْبَرَنَا عِزُّ الدِّيْنِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْدَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ خَلَفٍ الفَقِيْهُ سَنَةَ سِتَّ
عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ (ح).
وَأَخْبَرَنَا بِيْبَرْسُ المَجْدِيُّ بِحَلَبَ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ النَّخَّالِ،
قَالُوا:
أَخْبَرَتْنَا فَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ بِنْتُ
أَحْمَدَ الكَاتِبَةُ (2) ، أَخْبَرَنَا أَبُو
الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ
الأَنْصَارِيُّ (ح).
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الفِدَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ
الفَرَّاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ
__________
(1) 9 / 367 في النكاح: باب قوله تعالى: (ولا تنكحوا
المشركات حتى يؤمن).
وهذا رأي انفرد به ابن عمر، ولا يحفظ عن أحد من
الاوائل أنه حرم نساء أهل الكتاب.
ويروى عن عمر أنه كان يأمر بالتنزه عنهن من غير أن
يحرمهن، والجمهور على الاباحة وقالوا: إن عموم قوله
تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) مخصوص بقوله
تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم)
انظر " جامع البيان " 4 / 362، 367، و" فتح الباري " 9
/ 367.
(2) قال المؤلف في " العبر " 4 / 220: هي شهدة بنت أبي
نصر أحمد بن الفرج الدينوري، ثم البغدادي، الكاتبة
المسندة، فخر النساء، كانت دينة عابدة صالحة، سمعها
أبوها الكثير، وصارت مسندة العراق.
روت عن طراد والنعالي وابن البطر وطائفة.
وكانت ذات بر وخير.
توفيت في رابع عشر المحرم عن نيف وتسعين سنة.
(8/141)
بنُ قُدَامَةَ الفَقِيْهُ (1) ،
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّيِّ، وَيَحْيَى
بنُ ثَابِتٍ البَقَّالُ، قَالَ أَبُو الفَتْحِ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ
الحَافِظُ، وَقَالَ البَقَّالُ:
أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ الحَافِظُ، قَالَ:
قَرَأتُ عَلَى أَبِي العَبَّاسِ بنِ حَمْدَانَ،
حَدَّثَكُم مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بنُ
سَعْدٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الهَادِ، عَنْ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بنِ
كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ
المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: فَذَكَرَ الحَدِيْثَ: (بَيْنَا
أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيْبٍ،
فَنَزَعْتُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَنْزَعَ...).
أَخْبَرَنَاهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقُّوْرِ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ العَلاَّفُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ الحَمَّامِيِّ،
حَدَّثَنَا دَعْلَجُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ،
حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الهَادِ، عَنْ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بنِ
كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ
المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ،
رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيْبٍ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا
شَاءَ اللهُ، ثُمَّ نَزَعَ ابْنُ قُحَافَةَ ذَنُوْباً
أَوْ ذَنُوْبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ،
وَلْيَغْفِرِ اللهُ لَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْباً،
فَأَخَذَ ابْنُ الخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيّاً
مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَهُ، حَتَّى ضَرَبَ
__________
(1) هو أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة
المقدسي ثم الدمشقي الصالحي الفقيه الزاهد شيخ
الإسلام، وأحد الاعلام، صاحب التصانيف الكثيرة الحسنة
من أعظمها " المغني " في الفقه المقارن ضمنه أقوال
الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، وحكى أدلة كل واحد
منهم بأمانة ووضوح ودونما تعصب.
قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام: ما رأيت في كتب
الإسلام في العلم مثله في جودته وتحقيق ما فيه، ولم
تطب نفسي بالفتيا حتى صارت نسخة من المغني عندي.
توفي سنة (620) ه.
(8/142)
النَّاسُ بِعَطَنٍ (1)).
رَوَاهُ مَنْ حَدِيْثِ يَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ
بنِ سَعْدٍ: مُسْلِمٌ فِي (صَحِيْحِهِ)، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ صَالِحٍ، نَحْوَهُ، وَالبُخَارِيُّ:
عَنْ يَسَرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
بِنَفْسِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي القَرَافِيُّ،
أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا
الأُرْمَوِيُّ، وَابْنُ الدَّايَةِ،
وَالطَّرَائِفِيُّ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا ابْنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو
الفَضْلِ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ،
حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ خَالِدٍ الرَّمْلِيُّ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ أَبَا إِدْرِيْسَ عَائِذَ اللهِ
الخَوْلاَنِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّ يَزِيْدَ بنَ
عَمِيْرَةَ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذِ بنِ
جَبَلٍ - قَالَ:
كَانَ مُعَاذٌ لاَ يَجْلِسُ مَجْلِساً إِلاَّ قَالَ
حِيْنَ يَجْلِسُ: الله حَكَمٌ قِسْطٌ، تَبَارَكَ
اسْمُهُ، هَلَكَ المُرتَابُوْنَ.
كَانَ اللَّيْثُ -رَحِمَهُ اللهُ- فَقِيْهَ مِصْرَ،
وَمُحَدِّثَهَا، وَمُحْتَشِمَهَا، وَرَئِيْسَهَا،
وَمَنْ يَفتَخِرُ بِوُجُوْدِهِ الإِقْلِيْمُ، بِحَيْثُ
إِنَّ مُتَوَلِّي مِصْرَ، وَقَاضِيَهَا، وَنَاظِرَهَا
مِنْ تَحْتِ أَوَامِرِه، وَيَرْجِعُوْنَ إِلَى
رَأْيِهِ، وَمَشُوْرَتِهِ، وَلَقَدْ أَرَادَهُ
المَنْصُوْرُ عَلَى أَنْ يَنُوبَ لَهُ عَلَى
الإِقْلِيْمِ، فَاسْتَعْفَى مِنْ ذَلِكَ.
وَمِنْ غَرَائِبِ حَدِيْثِ اللَّيْثِ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، حَدِيْثُ: (مَنْ كَذَبَ
عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ
مِنَ النَّارِ (2)).
صَحَّحَهُ: أَبُو عِيْسَى، وَغَرَّبَهُ.
__________
(1) أخرجه البخاري: 13 / 378 في التوحيد: باب في
المشيئة والارادة، ومسلم (2392) في الفضائل..والقليب:
البئر.
والذنوب: الدلو المملوء.
والغرب: الدلو العظيمة.
والعبقري: هو السيد، وقيل: الذي ليس فوقه شيء.
ضرب الناس بعطن: أي أرووا إبلهم، ثم آووها إلى
مستراحها.
(2) أخرجه الترمذي (2661) في العلم: باب ما جاء في
تعظيم الكذب على رسول الله =
(8/143)
قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ الغَسَّانِيُّ شَيْخُ
أَهْلِ دِمَشْقَ: قَدِمَ عَلَيْنَا اللَّيْثُ، فَكَانَ
يُجَالِسُ سَعِيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَأَتَاهُ
أَصْحَابُنَا، فَعَرَضُوا عَلَيْهِ، فَلَمْ أَرَ أَنَا
أَخْذَ ذَلِكَ عَرْضاً، حَتَّى قَدِمتُ عَلَى مَالِكٍ.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ شَبُّويَه: سَمِعْتُ
سَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، سَمِعْتُ لَيْثَ بنَ
سَعْدٍ يَقُوْلُ:
بَلَغتُ الثَّمَانِيْنَ، وَمَا نَازَعتُ صَاحِبَ
هَوَىً قَطُّ.
قُلْتُ: كَانَتِ الأَهوَاءُ وَالبِدَعُ خَامِلَةً فِي
زَمَنِ اللَّيْثِ، وَمَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ،
وَالسُّنَنُ ظَاهِرَةٌ عَزِيْزَةٌ، فَأَمَّا فِي
زَمَنِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي
عُبَيْدٍ، فَظَهَرَتِ البِدعَةُ، وَامْتُحِنَ
أَئِمَّةُ الأَثَرِ، وَرَفَعَ أَهْلُ الأَهوَاءِ
رُؤُوْسَهُم بِدُخُوْلِ الدَّولَةِ مَعَهُم،
فَاحْتَاجَ العُلَمَاءُ إِلَى مُجَادَلَتِهِم
بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ،
وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمُ العُلَمَاءُ أَيْضاً
بِالمَعْقُوْلِ، فَطَالَ الجِدَالَ، وَاشتَدَّ
النِزَاعُ، وَتَوَلَّدَتِ الشُّبَهُ - نَسْأَلُ اللهَ
العَافِيَةَ -.
قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ
مِنَ الزُّهْرِيِّ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
__________
= صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب
من هذا الوجه من حديث الزهري، عن أنس، وقد روي هذا
الحديث من غير وجه عن أنس.
قلت: أخرجه البخاري 1 / 179، 180 في العلم، ومسلم (3)
في المقدمة، وأحمد 3 / 98 من طرق، عن عبد العزيز بن
صهيب، عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ " من تعمد علي كذبا
فليتبوأ مقعده من النار " وأخرجه أحمد 3 / 223، وابن
ماجه (32) من طريق الليث، عن ابن شهاب، عن أنس، وأخرجه
أحمد 3 / 113 من طريق أبي معاوية، عن عاصم الاحول، عن
أنس بن مالك و116 و117 من طريق يحيى وإسماعيل، عن
التيمي، عن أنس، و166 و167 من طريق المعتمر، عن أبيه،
عن أنس، و203 من طريق شعبة عن حماد، عن أنس، و209 من
طريق شعبة، عن حماد، وعبد العزيز بن رفيع، وعتاب مولى
ابن هرمز، ورافع، عن أنس، و278 من طريق شعبة، عن
قتادة، وحماد بن أبي سليمان، وسليمان التيمي، عن أنس،
و280 من طريق هاشم، عن عيسى بن طهمان، عن أنس والحديث
متواتر رواه سبعون صحابيا عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم انظر تخريجها في " الاسرار المرفوعة " 4، 38
للعلامة ملا علي القاري.
(8/144)
وَقَالَ عِيْسَى بنُ زُغْبَةَ، عَنِ
اللَّيْثِ، قَالَ: أَصْلُنَا مِنْ أَصْبَهَانَ،
فَاسْتَوصُوا بِهِم خَيْراً.
قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ
اللَّيْثَ يَقُوْلُ:
كَتَبتُ مِنْ عِلْمِ ابْنِ شِهَابٍ عِلْماً كَثِيْراً،
وَطَلَبتُ رُكُوبَ البَرِيْدِ إِلَيْهِ إِلَى
الرُّصَافَةِ، فَخِفتُ أَنْ لاَ يَكُوْنَ ذَلِكَ للهِ،
فَتَرَكتُهُ، وَدَخَلْتُ عَلَى نَافِعٍ، فَسَأَلَنِي،
فَقُلْتُ: أَنَا مِصرِيٌّ.
فَقَالَ: مِمَّنْ؟
قُلْتُ: مَنْ قَيْسٍ.
قَالَ: ابْنُ كَمْ؟
قُلْتُ: ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
قَالَ: أَمَّا لِحْيَتُكَ فَلِحْيَةُ ابْنِ
أَرْبَعِيْنَ (1) .
قَالَ أَبُو صَالِحٍ: خَرَجْتُ مَعَ اللَّيْثِ إِلَى
العِرَاقِ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ،
خَرَجْنَا فِي شَعْبَانَ، وَشَهِدْنَا الأَضْحَى
بِبَغْدَادَ.
قَالَ: وَقَالَ لِي اللَّيْثُ وَنَحْنُ بِبَغْدَادَ:
سَلْ عَنْ مَنْزِلِ هُشَيْمٍ الوَاسِطِيِّ، فَقُلْ
لَهُ: أَخُوْكَ لَيْثٌ المِصْرِيُّ يُقْرِئُكَ
السَّلاَمَ، وَيَسْأَلُكَ أَنْ تَبْعَثَ إِلَيْهِ
شَيْئاً مِنْ كُتُبِكَ.
فَلَقِيْتُ هُشَيْماً، فَدَفَعَ إِلَيَّ شَيْئاً،
فَكَتَبنَا مِنْهُ، وَسَمِعتُهَا مَعَ اللَّيْثِ (2) .
قَالَ الحَسَنُ بنُ يُوْسُفَ بنِ مُلَيْحٍ: سَمِعْتُ
أَبَا الحَسَنِ الخَادِمَ، وَكَانَ قَدْ عَمِيَ مِنَ
الكِبَرِ فِي مَجْلِسِ يُسْرٍ، قَالَ:
كُنْتُ غُلاَماً لِزُبَيْدَةَ، وَأُتِيَ بِاللَّيْثِ
بنِ سَعْدٍ تَسْتَفْتِيْهِ، فَكُنْتُ وَاقِفاً عَلَى
رَأْسِ سَتِّي زُبَيْدَةَ، خَلْفَ السِّتَارَةِ،
فَسَأَلَهُ الرَّشِيْدُ، فَقَالَ لَهُ: حَلَفْتُ (3)
إِنَّ لِيَ جَنَّتَيْنِ.
فَاسْتَحْلَفَهُ اللَّيْثُ ثَلاَثاً: إِنَّكَ تَخَافُ
الله؟
فَحَلَفَ لَهُ، فَقَالَ: قَالَ اللهُ: {وَلِمَنْ خَافَ
مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرَّحْمَنُ: 16].
قَالَ: فَأَقطَعَهُ قَطَائِعَ كَثِيْرَةً بِمِصْرَ
(4).
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 13 / 5 و" الوفيات ": 4 / 129.
(2) " تاريخ بغداد ": 13 / 4.
(3) في الأصل " حملت " وهو خطأ.
(4) " تاريخ بغداد " 13 / 4، 5 و" حلية الأولياء " 7 /
223، و" الوفيات " 4 / 129.
(8/145)
قُلْتُ: إِنْ صحَّ هَذَا، فَهَذَا كَانَ
قَبْلَ خِلاَفَةِ هَارُوْنَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العَبْدِيُّ:
سَمِعْتُ ابْنَ بُكَيْرٍ، يُحَدِّثُ عَنْ يَعْقُوْبَ
بنِ دَاوُدَ وَزِيْرِ المَهْدِيِّ، قَالَ:
قَالَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ لَمَّا قَدِمَ
اللَّيْثُ العِرَاقَ: الْزَمْ هَذَا الشَّيْخَ، فَقَدْ
ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ أَعْلَمُ
بِمَا حَمَلَ مِنْهُ (1) .
الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ:
قَالَ اللَّيْثُ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ: تَلِي لِي
مِصْرَ؟
قُلْتُ: لاَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنِّيْ
أَضْعُفُ عَنْ ذَلِكَ، إِنِّيْ رَجُلٌ مِنَ
المَوَالِي.
فَقَالَ: مَا بِكَ ضَعفٌ مَعِي، وَلَكِنْ ضَعُفَتْ
نِيَّتُكَ فِي العَمَل لِي (2) .
وَحَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ:
قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ: رَأَيْتُ
اللَّيْثَ عِنْدَ رَبِيْعَةَ يُنَاظِرُهُم فِي
المَسَائِلِ، وَقَدْ فَرْفَرَ أَهْلَ الحَلْقَةِ (3) .
أَبُو إِسْحَاقَ بنُ يُوْنُسَ الهَرَوِيُّ: حَدَّثَنَا
الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ،
حَدَّثَنَا شُرَحْبِيْلُ بنُ جَمِيْلٍ، قَالَ:
أَدْرَكْتُ النَّاسَ أَيَّامَ هِشَامٍ الخَلِيْفَةِ،
وَكَانَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ حَدَثَ السِّنِّ،
وَكَانَ بِمِصْرَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ،
وَجَعْفَرُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَالحَارِثُ بنُ يَزِيْدَ،
وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَابْنُ هُبَيْرَةَ،
وَإِنَّهُم يَعْرِفُوْنَ لِلَّيْثِ فَضْلَه وَوَرَعَهُ
وَحُسْنَ إِسْلاَمِه عَنْ حَدَاثَةِ سِنِّه.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: لَمْ أَرَ مِثلَ
اللَّيْثِ.
وَرَوَى: عَبْدُ المَلِكِ بنُ يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ،
عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكمَلَ مِنَ اللَّيْثِ.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 5.
(2) " المعرفة والتاريخ " 2 / 441، 442، و" تاريخ
بغداد " 13 / 5.
(3) " تاريخ بغداد " 13 / 5، وفرفر أهل الحلقة: كسرهم،
وغلبهم بحجته، وإذا جعلت " أهل " فاعل لفرفر، فيكون
المعنى: إن أهل الحلقة استبد بهم الطيش والخفة لقوة
عارضة الليث، وبراعة استدلاله.
(8/146)
وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: كَانَ اللَّيْثُ
فَقِيْهَ البَدَنِ، عَرَبِيَّ اللِّسَانِ، يُحْسِنُ
القُرْآنَ وَالنَّحْوَ، وَيَحفَظُ الحَدِيْثَ
وَالشِّعْرَ، حَسَنَ المُذَاكَرَةِ.
فَمَا زَالَ يَذْكُرُ خِصَالاً جَمِيْلَةً، وَيَعْقِدُ
بِيَدِهِ، حَتَّى عَقَدَ عَشْرَةً: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ
(1) .
وَنَقَلَ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ (2)): عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيِّ، سَمِعَ
ابْنَ بُكَيْرٍ يَقُوْلُ:
أُخْبِرْتُ عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي أَيُّوْبَ، قَالَ:
لَوْ أَنَّ مَالِكاً وَاللَّيْثَ اجْتَمَعَا، لَكَانَ
مَالِكٌ عِنْد اللَّيْثِ أَخْرَسَ، وَلَبَاعَ
اللَّيْثُ مَالِكاً فِيْمَنْ يَزِيْدُ.
قُلْتُ: لاَ يَصِحُّ إِسْنَادُهَا؛ لِجَهَالَةِ مَنْ
حَدَّثَ عَنْ سَعِيْدٍ بِهَا، أَوْ أَنَّ سَعِيْداً
مَا عَرَفَ مَالِكاً حَقَّ المَعْرِفَةِ.
أَخْبَرَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالمُسَلَّمُ
بنُ عَلاَّنَ كِتَابَةً، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رِزْقٍ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عِيَاضِ بنِ
أَبِي طَيْبَةَ المُفْرِضُ (3) ، حَدَّثَنَا هَارُوْنُ
بنُ سَعِيْدٍ:
سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُوْلُ: كُلُّ مَا كَانَ فِي
كُتُبِ مَالِكٍ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَرْضَى مِنْ
أَهْلِ العِلْمِ، فَهُوَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ (4) .
وَبِهِ: إِلَى أَبِي بَكْرٍ: حَدَّثَنَا الصُّوْرِيُّ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 6، و" الوفيات " 4 / 130.
(2) 13 / 6.
(3) بضم الميم وسكون الفاء، وكسر الراء، وفي آخرها ضاد
معجمة، يقال هذا لمن يعرف الفرائض، قال ابن الأثير:
أهل مصر يقولون له: المفرض، وأهل العراق يقولون له:
الفرائضي والفرضي، والمشهور بهذه النسبة أبو طيبة عبد
الملك بن نصير المفرض، كان عالم مصر بالفرائض.
(4) " تاريخ بغداد " 13 / 7.
(8/147)
التُّجِيْبِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ
يُوْسُفَ بنِ صَالِحِ بنِ مُلَيْحٍ الطَّرَائِفِيُّ،
سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ بنَ سُلَيْمَانَ يَقُوْلُ:
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَوْلاَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ،
لَضَلَّ النَّاسُ (1) .
قَالَ أَحْمَدُ الأَبَّارُ: حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ،
عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ:
لَوْلاَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، هَلَكْتُ، كُنْتُ
أَظُنُّ كُلَّ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُفْعَلُ بِهِ (2) .
جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّسْعَنِيُّ (3) :
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ صَالِحٍ، قَالَ:
كَانَ أَهْلُ مِصْرَ يَنْتَقِصُوْنَ عُثْمَانَ، حَتَّى
نَشَأَ فِيْهِمُ اللَّيْثُ، فَحَدَّثَهُم
بِفَضَائِلِه، فَكَفُّوا.
وَكَانَ أَهْلُ حِمْصَ (4) يَنْتَقِصُوْنَ عَلِيّاً
حَتَّى نَشَأَ فِيْهِم إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ،
فَحَدَّثهُم بِفَضَائِلِ عَلِيٍّ، فَكَفُّوا عَنْ
ذَلِكَ.
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عِيَاضٍ المُفْرِضُ:
سَمِعْتُ حَرْملَةَ يَقُوْلُ:
كَانَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ يَصِلُ مَالِكاً بِمائَةِ
دِيْنَارٍ فِي السَّنَةِ، فَكَتَبَ مَالِكٌ إِلَيْهِ:
عَلَيَّ دَيْنٌ.
فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِخَمْسِ مائَةِ دِيْنَارٍ،
فَسَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُوْلُ: كَتَبَ مَالِكٌ
إِلَى اللَّيْثِ: إِنِّيْ أُرِيْدُ أَنْ أُدخِلَ
بِنْتِي عَلَى زَوْجِهَا، فَأُحِبُّ أَنْ تَبْعَثَ لِي
بِشَيْءٍ مِنْ عُصْفُرٍ.
فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِثَلاَثِيْنَ حِمْلاً عُصْفُراً،
فَبَاعَ مِنْهُ بِخَمْسِ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَبَقِيَ
عِنْدَهُ فَضْلَةٌ (5) .
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ قُتَيْبَةُ:
كَانَ اللَّيْثُ يَسْتَغِلُّ عِشْرِيْنَ أَلْفَ
دِيْنَارٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَقَالَ: مَا وَجَبَتْ
عَلَيَّ زَكَاةٌ قَطُّ.
وَأَعْطَى اللَّيْثُ ابْنَ لَهِيْعَةَ أَلْفَ
دِيْنَارٍ،
__________
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 7.
(2) " تاريخ بغداد " 13 / 7.
(3) نسبة إلى رأس العين مدينة من مدن الجزيرة بين حران
ونصيبين.
(4) سقطت من الأصل، واستدركت من " تاريخ بغداد " 13 /
7.
(5) " تاريخ بغداد " 13 / 7، 8، و" وفيات الأعيان " 4
/ 130 و" حلية الأولياء " 7 / 319.
(8/148)
وَأَعْطَى مَالِكاً أَلْفَ دِيْنَارٍ،
وَأَعْطَى مَنْصُوْرَ بنَ عَمَّارٍ الوَاعِظَ أَلْفَ
دِيْنَارٍ، وَجَارِيَةً تَسْوَى ثَلاَثَ مائَةِ
دِيْنَارٍ (1) .
قَالَ: وَجَاءتِ امْرَأَةٌ إِلَى اللَّيْثِ،
فَقَالَتْ: يَا أَبَا الحَارِثِ، إِنَّ ابْناً لِي
عَلِيْلٌ، وَاشْتَهَى عَسَلاً.
فَقَالَ: يَا غُلاَمُ، أَعْطِهَا مِرْطاً مِنْ عَسَلٍ.
وَالمِرْطُ: عِشْرُوْنَ وَمائَةُ رَطْلٍ.
قَالَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ شُعَيْبِ بنِ اللَّيْثِ بنِ
سَعْدٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
مَا وَجَبَتْ عَلَيَّ زَكَاةٌ مُنْذُ بَلَغتُ.
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: سَأَلَتِ امْرَأةٌ اللَّيْثَ
مَنّاً مِنْ عَسَلٍ، فَأَمَرَ لَهَا بِزِقٍّ، وَقَالَ:
سَأَلَتْ عَلَى قَدَرِهَا، وَأَعْطَيْنَاهَا عَلَى
قَدَرِ السَّعَةِ عَلَيْنَا (2) .
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ
اللهِ بنُ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ إِسْحَاقَ
السَّيْلَحِيْنِيَّ، قَالَ:
جَاءتِ امْرَأَةٌ بِسُكُرَّجَةٍ (3) إِلَى اللَّيْثِ
تَطلُبُ عَسَلاً، فَأَمَرَ مَنْ يَحمِلُ مَعَهَا
زِقّاً، فَجَعَلت تَأْبَى، وَجَعَلَ اللَّيْثُ يَأْبَى
إِلاَّ أَنْ يُحْمَلَ مَعَهَا مِنْ عَسَلٍ، وَقَالَ:
نُعطِيْكِ عَلَى قَدَرِنَا.
وَعَنِ الحَارِثِ بنِ مِسْكِيْنٍ، قَالَ: اشْتَرَى
قَوْمٌ مِنَ اللَّيْثِ ثَمَرَةً، فَاسْتَغْلَوْهَا،
فَاسْتَقَالُوْهُ، فَأَقَالَهُم، ثُمَّ دَعَا
بِخَرِيطَةٍ فِيْهَا أَكْيَاسٌ، فَأَمَرَ لَهُم
بِخَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ
الحَارِثُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:
اللَّهُمَّ غَفْراً، إِنَّهُم قَدْ كَانُوا أَمَّلُوا
فِيْهَا أَمَلاً، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُعَوِّضَهُم مِنْ
أَمَلِهِم بِهَذَا.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 8، وتسوى: لغة في تساوي
نادرة، قال الازهري في " التهذيب " 13 / 126: وقولهم:
لا يسوى.
ليس من كلام العرب، وهو من كلام المولدين.
(2) " تاريخ بغداد ": 13 / 8، و" الوفيات ": 4 / 131.
(3) إناء صغير يؤكل فيه الشئ القليل من الادم وهي
فارسية، وأكثر ما يوضع فيه الكوامخ ونحوها.
(8/149)
أَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ النَّسَائِيُّ:
سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ، سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ اللَّيْثِ
يَقُوْلُ:
خَرَجْتُ حَاجّاً مَعَ أَبِي، فَقَدِمَ المَدِيْنَةَ،
فَبَعَثَ إِلَيْهِ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ بِطَبَقِ
رُطَبٍ.
قَالَ: فَجَعَلَ عَلَى الطَّبَقِ أَلْفَ دِيْنَارٍ،
وَرَدَّهُ إِلَيْهِ.
إِسْمَاعِيْلُ سَمَّوَيْه: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ
بنُ صَالِحٍ، قَالَ:
صَحِبتُ اللَّيْثَ عِشْرِيْنَ سَنَةً، لاَ يَتَغَدَّى
وَلاَ يَتَعَشَّى إِلاَّ مَعَ النَّاسِ، وَكَانَ لاَ
يَأْكُلُ إِلاَّ بِلَحمٍ إِلاَّ أَنْ يَمْرَضَ.
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عِيَاضٍ المُفْرِضُ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَمْرٍو الغَافِقِيُّ،
سَمِعْتُ أَشْهَبَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَقُوْلُ:
كَانَ اللَّيْثُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَةُ
مَجَالِسَ يَجْلِسُ فِيْهَا: أَمَّا أَوَّلُهَا،
فَيَجلِسُ لِنَائِبَةِ السُّلْطَانِ فِي نَوَائِبِه
وَحَوَائِجِه، وَكَانَ اللَّيْثُ يَغشَاهُ
السُّلْطَانُ، فَإِذَا أَنْكَرَ مِنَ القَاضِي أَمراً،
أَوْ مِنَ السُّلْطَانِ، كَتَبَ إِلَى أَمِيْرِ
المُؤْمِنِيْنَ، فَيَأْتِيْهِ العَزلُ، وَيَجْلِسُ
لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: نَجِّحُوا
أَصْحَابَ الحَوَانِيْتِ، فَإِنَّ قُلُوْبَهُم
مُعَلَّقَةٌ بِأَسْوَاقِهِم.
وَيَجلِسُ لِلْمَسَائِلِ، يَغشَاهُ النَّاسُ،
فَيَسْأَلُوْنَهُ، وَيَجلِسُ لِحَوَائِجِ النَّاسِ،
لاَ يَسْأَلُهُ أَحَدٌ فَيَرُدّهُ، كَبُرَتْ حَاجَتُهُ
أَوْ صَغُرَتْ.
وَكَانَ يُطعِمُ النَّاسَ فِي الشِّتَاءِ الهَرَائِسَ
بِعَسَلِ النَّحْلِ وَسَمْنِ البَقَرِ، وَفِي
الصَّيْفِ سَوِيْقَ اللَّوْزِ فِي السُّكَّرِ (1) .
وَبِهِ: إِلَى الخَطِيْبِ أَبِي بَكْرٍ: أَخْبَرَنَا
البَرْقَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
المُزَكِّي، أَخْبَرَنَا السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ
قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ:
قَفَلْنَا مَعَ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ مِنَ
الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَكَانَ مَعَهُ ثَلاَثُ
سَفَائِنَ: سَفِيْنَةٌ فِيْهَا مَطْبَخُه،
وَسَفِيْنَةٌ فِيْهَا عَائِلَتُهُ، وَسَفِيْنَةٌ
فِيْهَا أَضْيَافُهُ.
وَكَانَ إِذَا حَضَرتِ الصَّلاَةُ يَخْرُجُ إِلَى
الشَّطِّ، فَيُصَلِّي.
وَكَانَ ابْنُهُ شُعَيْبٌ إِمَامَهُ، فَخَرَجْنَا
لِصَلاَةِ المَغْرِبِ، فَقَالَ: أَيْنَ
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 13 / 9 و" الوفيات " 4 / 131.
(8/150)
شُعَيْبٌ؟
فَقَالُوا: حُمَّ.
فَقَامَ اللَّيْثُ، فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ، ثُمَّ
تَقدَّمَ، فَقَرَأَ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}،
فَقَرَأَ: {فَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا (1) }.
وَكَذَلِكَ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ
يَقُوْلُوْنَ: هُوَ غَلَطٌ مِنَ الكَاتِبِ عِنْدَ
أَهْلِ العِرَاقِ، وَيَجْهَرُ: بِبِسْمِ اللهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، وَيُسلِّمُ تِلْقَاءَ
وَجْهِهِ (2) .
الفَسَوِيُّ: قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ:
سَمِعْتُ اللَّيْثَ كَثِيْراً يَقُوْلُ: أَنَا
أَكْبَرُ مِنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَالحَمْدُ للهِ
الَّذِي مَتَّعَنَا بِعَقْلِنَا (3) .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بنُ
اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَمَّا وَدَّعتُ أَبَا جَعْفَرٍ بِبِيْتِ المَقْدِسِ،
قَالَ: أَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ شِدَّةِ
عَقْلِكَ، وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي
رَعِيَّتِي مِثْلَكَ.
قَالَ شُعَيْبٌ: كَانَ أَبِي يَقُوْلُ: لاَ تُخْبِرُوا
بِهَذَا مَا دُمتُ حَيّاً (4) .
قَالَ قُتَيْبَةُ: كَانَ اللَّيْثُ أَكْبَرَ مِنِ
ابْنِ لَهِيْعَةَ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ، وَإِذَا نَظَرتَ
تَقُوْلُ: ذَا ابْنٌ، وَذَا أَبٌ -يَعْنِي: ابْنَ
لَهِيْعَةَ الأَبَ (5) -.
قَالَ: وَلَمَّا احْتَرَقَتْ كُتُبُ ابْنِ لَهِيْعَةَ،
بَعَثَ إِلَيْهِ اللَّيْثُ مِنَ الغَدِ بِأَلْفِ
دِيْنَارٍ (6) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ الأَشَجُّ: سُئِلَ
قُتَيْبَةُ: مَنْ أَخْرَجَ لَكُم هَذِهِ
__________
(1) قال الطبري في " تفسيره " 30 / 216: قرأته عامة
قراء الحجاز والشام (فلا يخاف عقباها) بالفاء وكذلك هو
في مصاحفهم، وقرأته عامة العراق في المصرين (بالواو)
(ولا يخاف عقباها)، وكذلك هو في مصاحفهم، والصواب من
القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان غير مختلفي
المعنى فبأيتهما قرأ القارئ، فمصيب.
(2) " تاريخ بغداد " 13 / 9، و" الوفيات " 4 / 131.
(3) " تاريخ بغداد " 13 / 10.
(4) " المعرفة والتاريخ " 2 / 441، و" تاريخ بغداد "
13 / 10.
(5) " تاريخ بغداد " 13 / 10.
(6) " حلية الأولياء " 7 / 322.
(8/151)
الأَحَادِيْثَ مِنْ عِنْدِ اللَّيْثِ؟
فَقَالَ: شَيْخٌ كَانَ يُقَالُ لَهُ: زَيْدُ بنُ
الحُبَابِ (1) .
وَقَدِمَ مَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارٍ عَلَى اللَّيْثِ،
فَوَصَلَهُ بِأَلْف دِيْنَارٍ.
وَاحْتَرَقَتْ دَارُ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَوَصَلَهُ
بِأَلْفِ دِيْنَارٍ، وَوَصَلَ مَالِكاً بِأَلْفِ
دِيْنَارٍ، وَكَسَانِي قَمِيْصَ سُنْدُسٍ، فَهُوَ
عِنْدِي.
رَوَاهَا: صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ الهَمَذَانِيُّ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ
الصَّيْدَنَانِيِّ، سَمِعْتُ الأَشَجَّ (2) .
أَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ النَّسَائِيُّ: سَمِعْتُ
قُتَيْبَةَ، سَمِعْتُ شُعَيْباً يَقُوْلُ:
يَسْتَغِلُّ أَبِي فِي السَّنَةِ مَا بَيْنَ
عِشْرِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ إِلَى خَمْسَةٍ
وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً، تَأْتِي عَلَيْهِ السَّنَةُ
وَعَلَيْهِ دَيْنٌ.
وَبِهِ: إِلَى الخَطِيْبِ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ
الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ الرَّمْلِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ
رُمْحٍ يَقُوْلُ:
كَانَ دَخْلُ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ
ثَمَانِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، مَا أَوْجَبَ اللهُ
عَلَيْهِ زَكَاةَ دِرْهَمٍ قَطُّ (3) .
قُلْتُ: مَا مَضَى فِي دَخْلِهِ أَصَحُّ.
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نَجْدَةَ التَّنُوخِيُّ:
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ رُمْحٍ يَقُوْلُ:
حَدَّثَنِي سَعِيْدٌ الآدَم، قَالَ: مَرَرتُ
بِاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، فَتَنَحْنَحَ لِي، فَرَجَعتُ
إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: يَا سَعِيْدُ، خُذْ هَذَا
القُنْدَاقَ (4) ، فَاكْتُبْ لِي فِيْهِ مَنْ يَلْزَمُ
المَسْجِدَ، مِمَّنْ لاَ بِضَاعَةَ لَهُ وَلاَ
غَلَّةَ.
فَقُلْتُ: جَزَاكَ اللهُ خَيْراً يَا أَبَا
__________
(1) ذكره في " تاريخ بغداد " 13 / 10، وزيد بن الحباب
من رجال مسلم، قال في " التقريب ": أصله من خراسان،
وكان بالكوفة ورحل في الحديث فأكثر منه، وهو صدوق،
يخطئ في حديث الثوري.
(2) " تاريخ بغداد " 13 / 10، 11.
(3) " تاريخ بغداد ": 13 / 11، و" حلية الأولياء " 7 /
322.
(4) القنداق: صحيفة الحساب.
(8/152)
الحَارِثِ.
وَأَخَذْتُ مِنْهُ القُنْدَاقَ، ثُمَّ صِرتُ إِلَى
المَنْزِلِ، فَلَمَّا صَلَّيْتُ، أَوْقَدتُ
السِّرَاجَ، وَكَتَبتُ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيْمِ، ثُمَّ قُلْتُ: فُلاَنُ بنُ فُلاَنٍ.
ثُمَّ بَدَرَتْنِي نَفْسِي، فَقُلْتُ: فُلاَنُ بنُ
فُلاَنٍ.
قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا عَلَى ذَلِكَ، إِذْ أَتَانِي
آتٍ، فَقَالَ: هَا اللهِ يَا سَعِيْدُ، تَأْتِي إِلَى
قَوْمٍ عَامَلُوا اللهَ سِرّاً، فَتَكْشِفُهُم
لآدَمِيٍّ؟! مَاتَ اللَّيْثُ، وَمَاتَ شُعَيْبٌ،
أَلَيْسَ مَرجِعُهُم إِلَى اللهِ الَّذِي (1)
عَامَلُوْهُ؟
فَقُمْتُ وَلَمْ أَكْتُبْ شَيْئاً، فَلَمَّا
أَصْبَحتُ، أَتَيْتُ اللَّيْثَ، فَتَهَلَّلَ وَجْهُهُ،
فَنَاوَلْتُهُ القُنْدَاقَ، فَنَشَرَهُ، فَمَا رَأَى
فِيْهِ غَيْرَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ،
فَقَالَ: مَا الخَبَرُ؟
فَأَخْبَرتُهُ بِصِدقٍ عَمَّا كَانَ، فَصَاحَ
صَيْحَةً، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنَ
الحِلَقِ، فَسَأَلُوْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ إِلاَّ
خَيْرٌ.
ثُمَّ أَقْبَل عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا سَعِيْدُ،
تَبَيَّنْتَهَا وَحُرِمْتَهَا، صَدَقتَ، مَاتَ
اللَّيْثُ أَلَيْسَ مَرجِعُهُم إِلَى اللهِ (2) ؟
قَالَ مِقْدَامُ بنُ دَاوُدَ: رَأَيْتُ سَعِيْداً
الآدَمَ، وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ مِنَ الأَبْدَالِ.
قَالَ أَبُو صَالِحٍ: كَانَ اللَّيْثُ يَقْرَأُ
بِالعِرَاقِ مِنْ فَوْقِ علِّيَّةٍ (3) عَلَى
أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وَالكِتَابُ بِيَدِي، فَإِذَا
فَرَغَ، رَمَيتُ بِهِ إِلَيْهِم، فَنَسَخُوهُ.
رَوَى: عَبْدُ المَلِكِ بنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ،
قَالَ:
قِيْلَ لِلَّيْثِ: أَمتَعَ اللهُ بِكَ، إِنَّا
نَسْمَعُ مِنْك الحَدِيْثَ لَيْسَ فِي كُتُبِكَ.
فَقَالَ: أَوَ كُلُّ مَا فِي صَدْرِي فِي كُتُبِي؟
لَوْ كَتَبتُ مَا فِي صَدْرِي، مَا وَسِعَه هَذَا
المَرْكَبُ.
رَوَاهَا: الحَافِظُ ابْنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ أَبِيْهِ.
__________
(1) في الأصل: الذين.
(2) " تاريخ بغداد " 13 / 11، 12، و" تهذيب الكمال "
1153.
(3) بضم العين وكسرها. الغرفة.
(8/153)
يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: قَالَ اللَّيْثُ:
كُنْتُ بِالمَدِيْنَةِ مَعَ الحُجَّاجِ وَهِيَ
كَثِيْرَةُ السِّرقِيْنِ (1) ، فَكُنْتُ أَلبَسُ
خُفَّينِ، فَإِذَا بَلَغتُ بَابَ المَسْجِدِ، نَزعتُ
أَحَدَهُمَا، وَدَخَلْتُ.
فَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: لاَ
تَفْعَلْ هَذَا، فَإِنَّكَ إِمَامٌ مَنْظُوْرٌ
إِلَيْكَ - يُرِيْدُ لُبسَ خُفٍّ عَلَى خُفٍّ -.
الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
مَا فِي هَؤُلاَءِ المِصْرِيِّينَ أَثبَتُ مِنَ
اللَّيْثِ، لاَ عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَلاَ أَحَدٌ،
وَقَدْ كَانَ عَمْرُو بنُ الحَارِثِ عِنْدِي، ثُمَّ
رَأَيْتُ لَهُ أَشْيَاءَ مَنَاكِيْرَ، مَا أَصَحَّ
حَدِيْثَ لَيْثِ بنِ سَعْدٍ.
وَجَعَلَ يُثْنِي عَلَيْهِ، فَقَالَ رَجُلٌ لأَبِي
عَبْدِ اللهِ: إِنَّ إِنْسَاناً ضَعَّفَهُ.
فَقَالَ: لاَ يَدْرِي (2) .
وَقَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: قَالَ أَحْمَدُ: لَيْثٌ
كَثِيْرُ العِلْمِ، صَحِيْحُ الحَدِيْثِ (3) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ: سَمِعْتُ
أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
اللَّيْثُ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:
لَيْسَ فِي المِصْرِيِّينَ أَصَحُّ حَدِيْثاً مِنَ
اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ
يُقَارِبُهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي
يَقُوْلُ:
أَصَحُّ النَّاسِ حَدِيْثاً عَنْ سَعِيْدٍ
المَقْبُرِيِّ: لَيْثُ بنُ سَعْدٍ، يَفْصِلُ مَا رَوَى
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَا عَنْ أَبِيْهِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ.
هُوَ ثَبْتٌ فِي حَدِيْثِهِ جِدّاً.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: سُئِلَ أَحْمَدُ: ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ عَنِ المَقْبُرِيِّ، أَوِ
__________
(1) السرقين: بكسر السين، معرب السركين أو السرجين:
الزبل.
(2) " تاريخ بغداد " 13 / 12.
(3) " تاريخ بغداد " 13 / 12.
(8/154)
ابْنُ عَجْلاَنَ؟
قَالَ: ابْنُ عَجْلاَنَ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ سَمَاعُهُ
مِنْ سَمَاعِ أَبِيْهِ، اللَّيْثُ أَحَبُّ إِلَيَّ
مِنْهُم فِي المَقْبُرِيِّ (1) .
وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى
بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: اللَّيْثُ أَحَبُّ إِلَيَّ
مَنْ يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، وَيَحْيَى ثِقَةٌ.
قُلْتُ: فَكَيْفَ حَدِيْثُهُ عَنْ نَافِعٍ؟
فَقَالَ: صَالِحٌ، ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ:
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: اللَّيْثُ عِنْدِي أَرْفَعُ
مِنِ ابْنِ إِسْحَاقَ.
قُلْتُ: فَاللَّيْثُ، أَوْ مَالِكٌ؟
قَالَ: مَالِكٌ.
وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ - وَذَكَرَ اللَّيْثَ -
فَقَالَ:
إِمَامٌ قَدْ أَوجَبَ اللهُ عَلَيْنَا حَقَّهُ، لَمْ
يَكُنْ بِالبَلَدِ - بَعْدَ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ -
مِثْلُهُ.
وَقَالَ سَهْلُ بنُ أَحْمَدَ الوَاسِطِيُّ: سَمِعْتُ
الفَلاَّسَ يَقُوْلُ:
لَيْثُ بنُ سَعْدٍ صَدُوْقٌ، سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ
يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: اسْتَقَلَّ اللَّيْثُ
بِالفَتْوَى، وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ،
سَرِيّاً مِنَ الرِّجَالِ، سَخِيّاً، لَهُ ضِيَافَةٌ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: فِي حَدِيْثِهِ عَنِ
الزُّهْرِيِّ بَعْضُ الاضْطِرَابِ.
عَنِ اللَّيْثِ، قَالَ: ارْتَحَلْتُ إِلَى
الإِسْكَنْدَرِيَّةِ إِلَى الأَعْرَجِ، فَوَجَدْتُهُ
قَدْ مَاتَ، فَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: اللَّيْثُ
ثِقَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: صَدُوْقٌ، صَحِيْحُ
الحَدِيْثِ.
__________
(1) انظر هذه الاخبار في " تاريخ بغداد " 13 / 13.
(8/155)
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
بنُ مَعِيْنٍ، قَالَ:
هَذِهِ رِسَالَةُ مَالِكٍ إِلَى اللَّيْثِ، حَدَّثَنَا
بِهَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ يَقُوْلُ فِيْهَا:
وَأَنْتَ فِي إِمَامَتِك وَفَضْلِكَ وَمَنْزِلَتِكَ
مِنْ أَهْلِ بَلَدِكَ، وَحَاجَةِ مَنْ قِبَلَكَ
إِلَيْكَ، وَاعْتِمَادِهِم عَلَى مَا جَاءهُم مِنْكَ.
أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَهْبٍ: سَمِعْتُ
الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ إِلاَّ أَنَّ
أَصْحَابَه لَمْ يَقُوْمُوا بِهِ (1) .
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى
بنَ بُكَيْرٍ يَقُوْلُ:
اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ، وَلَكِنَّ
الحُظْوَةَ لِمَالِكٍ -رَحِمَهُ اللهُ (2) -.
وَقَالَ حَرْملَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
اللَّيْث أَتْبَعُ لِلأَثَرِ مِنْ مَالِكٍ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: اللَّيْثُ ثَبْتٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ
مُفَضَّلِ بنِ فَضَالَةَ (3) .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ
الحُسَيْنِ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:
اللَّيْث ثِقَةٌ، وَلَكِنَّ فِي أَخْذِهِ سُهُولَةً.
قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: قَالَ اللَّيْثُ: قَالَ
لِي المَنْصُوْرُ: تَلِي لِي مِصْرَ؟
فَاسْتَعْفَيْتُ.
قَالَ: أَما إِذْ أَبَيْتَ، فَدُلَّنِي عَلَى رَجُلٍ
أُقلِّدُهُ مِصْرَ.
قُلْتُ: عُثْمَانُ بنُ الحَكَمِ الجُذَامِيُّ (4) ،
رَجُلٌ لَهُ صَلاَحٌ، وَلَهُ عَشِيْرَةٌ.
قَالَ: فَبَلَغَ عُثْمَانَ ذَلِكَ، فَعَاهَدَ اللهَ
أَلاَّ يُكَلِّمَ اللَّيْثَ.
__________
(1) أورده ابن حجر في ترجمة الليث 2 / 243 من " مجموع
الرسائل المنيرية ".
(2) " الجرح والتعديل " 7 / 180.
(3) " الجرح والتعديل " 7 / 180.
(4) هو من رجال " التهذيب " قال الحافظ في " التقريب "
صدوق له أوهام من الطبقة الثامنة، مات سنة 163، ونقل
عن ابن وهب أنه أول من أدخل مسائل مالك إلى مصر.
(8/156)
قَالَ: وَوَلِيَ لَهُمُ اللَّيْثُ ثَلاَثَ
وَلاَيَاتٍ لِصَالِحِ بنِ عَلِيٍّ (1) .
قَالَ صَالِحٌ لِعَمْرِو بنِ الحَارِثِ: لاَ أَدَعُ
اللَّيْثَ حَتَّى يَتَوَلَّى لِي.
فَقَالَ عَمْرٌو: لاَ يَفْعَلُ.
فَقَالَ: لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ.
فَجَاءهُ عَمْرٌو، فَحَذَّرَهُ، فَوَلِيَ دِيْوَانَ
العَطَاءِ، وَوَلِيَ الجَزِيْرَةَ أَيَّامَ أَبِي
جَعْفَرٍ، وَوَلِيَ الدِّيْوَانَ أَيَّامَ
المَهْدِيِّ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ
الحِيْرِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُعَاوِيَةَ
يَقُوْلُ - وَسُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ إِلَى جَنْبِهِ
-:
خَرَجَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ يَوْماً، فَقَوَّمُوا
ثِيَابَه، وَدَابَّتَه، وَخَاتِمَه، وَمَا عَلَيْهِ،
ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إِلَى عِشْرِيْنَ
أَلْفاً.
فَقَالَ سُلَيْمَانُ: لَكِنْ خَرَجَ عَلَيْنَا
شُعْبَةُ يَوْماً، فَقَوَّمُوا حِمَارَه وَسَرْجَه
وَلِجَامَه، ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَماً، إِلَى
عِشْرِيْنَ دِرْهَماً.
عَنْ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ، قَالَ:
كُنَّا عَلَى بَابِ مَالِكٍ، فَامْتَنَعَ عَنِ
الحَدِيْثِ، فَقُلْتُ: مَا يُشْبُهُ هَذَا صَاحِبَنَا؟
قَالَ: فَسَمِعَهَا مَالِكٌ، فَأَدْخَلَنَا، وَقَالَ:
مَنْ صَاحِبُكُمْ؟
قُلْتُ: اللَّيْثُ.
قَالَ: تُشَبِّهُونَا بِرَجُلٍ كَتَبْتُ إِلَيْهِ فِي
قَلِيْلِ عُصْفُرٍ، نَصْبِغُ بِهِ ثِيَابَ
صِبْيَانِنَا، فَأَنفَذَ مِنْهُ مَا بِعْنَا
فَضْلَتَهُ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ (2) .
قَالَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ شُعَيْبِ بنِ اللَّيْثِ:
سَمِعْتُ أَسَدَ بنَ مُوْسَى يَقُوْلُ:
كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ يَطلُبُ بَنِي
أُمَيَّةَ، فَيَقْتُلُهُم.
قَالَ: فَدَخَلْتُ مِصْرَ فِي هَيْئَةٍ
__________
(1) هو صالح بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي
الأمير عم السفاح والمنصور، وأول من ولي مصر من قبل
الخلفاء العباسيين سنة 133، وضمت إليه ولاية فلسطين ثم
ضمت إليه إفريقية، وفي خلافة المنصور نقله إلى ولاية
الجزيرة، وأنشأ مدينة " أدنة " بلد من الثغور قرب
المصيصة، وكسر الروم في وقائع مرج دابق، وكان شجاعا
حازما ولد بالشراة سنة 96 وتوفي بقنسرين سنة 151، "
دول الإسلام ": 1 / 104، و" النجوم الزاهرة ": 1 / 323
و" تهذيب ابن عساكر 6 / 378، 379، و" الولاة والقضاة
": 97.
(2) " حلية الأولياء " 7 / 319.
(8/157)
رَثَّةٍ، فَأَتَيْتُ اللَّيْثَ، فَلَمَّا
فَرَغتُ مِنَ المَجْلِسِ، تَبِعَنِي خَادِمٌ لَهُ
بِمائَةِ دِيْنَارٍ، وَكَانَ فِي حُزَّتِي (1)
هِمْيَانٌ فِيْهِ أَلفُ دِيْنَارٍ، فَأَخْرَجْتُهَا،
فَقُلْتُ: أَنَا فِي غِنَىً، اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى
الشَّيْخِ.
فَاسْتَأْذَنَ، فَدَخَلْتُ، وَأَخْبَرْتُهُ بِنَسَبِي،
وَاعْتَذَرتُ مِنَ الرَّدِّ، فَقَالَ: هِيَ صِلَةٌ.
قُلْتُ: أَكرَهُ أَنْ أُعَوِّدَ نَفْسِي.
قَالَ: ادْفَعْهَا إِلَى مَنْ تَرَى مِنْ أَصْحَابِ
الحَدِيْثِ (2) .
قَالَ قُتَيْبَةُ: كَانَ اللَّيْثُ يَرْكَبُ فِي
جَمِيْعِ الصَّلَوَاتِ إِلَى الجَامِعِ، وَيَتَصَدَّقُ
كُلَّ يَوْمٍ عَلَى ثَلاَثِ مائَةِ مِسْكِيْنٍ.
سُلَيْمُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا
أَبِي، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى اللَّيْثِ خَلْوَةً، فَأَخْرَجُ مِنْ
تَحْتِهِ كِيْساً فِيْهِ أَلفُ دِيْنَارٍ، وَقَالَ:
يَا أَبَا السَّرِيِّ، لاَ تُعْلِمْ بِهَا ابْنِي،
فَتَهُونَ عَلَيْهِ (3) .
أَبُو صَالِحٍ: عَنِ اللَّيْثِ، قَالَ لِي
الرَّشِيْدُ: مَا صَلاَحُ بَلَدِكُم؟
قُلْتُ: بِإِجرَاءِ النِّيْلِ، وَبِصَلاَحِ
أَمِيْرِهَا، وَمِنْ رَأْسِ العَيْنِ يَأْتِي
الكَدَرُ، فَإِنْ صَفَتِ العَيْنُ، صَفَتِ
السَّوَاقِي.
قَالَ: صَدَقتَ (4) .
وَعَنِ ابْنِ وَزِيْرٍ، قَالَ: قَدْ وَلِيَ اللَّيْثُ
الجَزِيْرَةَ، وَكَانَ أُمَرَاءُ مِصْرَ لاَ
يَقْطَعُوْنَ أَمْراً إِلاَّ بِمَشُوْرَتِه.
فَقَالَ أَبُو المُسْعَدِ، وَوَصَّلهَا إِلَى
المَنْصُوْرِ:
لِعَبْدِ اللهِ عَبْدِ اللهِ عِنْدِي ... نَصَائِحُ
حُكْتُهَا فِي السِّرِّ وَحْدِي
أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ تَلاَفَ مِصْراً ... فَإِنَّ
أَمِيْرَهَا لَيْثُ بنُ سَعْدِ (5)
__________
(1) الحزة، بضم الحاء: الحجزة، وهي موضع شد الازار
والسراويل.
(2) " حلية الأولياء " 7 / 322.
(3) " حلية الأولياء " 7 / 321.
(4) " حلية الأولياء " 7 / 322.
(5) " النجوم الزاهرة " 2 / 82.
(8/158)
قَالَ بَكْر بنُ مُضَرَ: قَدِمَ عَلَيْنَا
كِتَابُ مَرْوَانَ بنِ مُحَمَّدٍ إِلَى حَوْثَرَةَ (1)
وَالِي مِصْرَ:
إِنِّيْ قَدْ بَعثْتُ إِلَيْكُم أَعْرَابِيّاً
بَدَوِيّاً فَصِيْحاً مِنْ حَالِهِ، وَمِن حَالِه،
فَاجْمَعُوا لَهُ رَجُلاً يُسدِّدُه فِي القَضَاءِ،
وَيُصَوِّبُهُ فِي المَنْطِقِ.
فَأَجْمَعَ رَأْيُ النَّاسِ عَلَى اللَّيْثِ بنِ
سَعْدٍ، وَفِي النَّاسِ مُعَلِّمَاهُ: يَزِيْدُ بنُ
أَبِي حَبِيْبٍ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: أَعضَلَتِ الرَّشِيْدَ
مَسْأَلَةٌ، فَجَمَعَ لَهَا فُقَهَاءَ الأَرْضِ،
حَتَّى أَشْخَصَ اللَّيْثَ، فَأَخْرَجَهُ مِنْهَا.
قَالَ سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، قَالَ:
قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَجِئْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ،
فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابَيْنِ، فَانْقَلْبتُ بِهِمَا،
ثُمَّ قُلْتُ: لَوْ عَاوَدْتُهُ، فَسَأَلتُهُ:
أَسَمِعْتَ هَذَا كُلَّهُ مِنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ
اللهِ؟
فَقَالَ: مِنْهُ مَا سَمِعْتُهُ، وَمِنْهُ مَا
حُدِّثْتُ بِهِ.
فَقُلْتُ لَهُ: عَلِّمْ لِي عَلَى مَا سَمِعْتَ.
فَعَلَّمَ لِي عَلَى هَذَا الَّذِي عِنْدِي (2) .
قُلْتُ: قَدْ رَوَى اللَّيْثُ إِسْنَاداً عَالِياً فِي
زَمَانِهِ، فَعِنْدَهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ،
وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
وَعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنِ
المَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا
النَّمَط أَعْلَى مَا يُوجَدُ فِي زَمَانِهِ.
ثُمَّ تَرَاهُ يَنزِلُ فِي أَحَادِيْثَ، وَلاَ
يُبَالِي لِسَعَةِ عِلْمِهِ، فَقَدْ رَوَى أَحَادِيْثَ
عَنِ الهِقْلِ بنِ زِيَادٍ -
__________
(1) هو حوثرة بن سهيل أخو عجلان بن سهيل الباهلي، كان
بدويا قحا، فصيح اللسان، صاحب رأي وتدبير وقوة وخبرة
بالحروب، ولي مصر سنة 128 لمروان بن محمد واستمر إلى
سنة إحدى وثلاثين ومئة، ثم عزله مروان، وبعثه إلى
العراق لقتال الخراسانية دعاة بني العباس، فقتل هناك
سنة 132 ه. " النجوم الزاهرة " 1 / 305.
(2) قلت: ولذا قال العلماء: يرد من حديث أبي الزبير ما
يقول فيه " عن " أو " قال " ونحو ذلك سواء أكان حديثه
في الصحيح أو غيره، لأنه موصوف بالتدليس، فإذا قال: "
سمعت " و" أخبرنا " احتج به، ويحتج به إذا قال " عن "
فيما رواه عنه الليث بن سعد خاصة.
(8/159)
وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ بِكَثِيْرٍ - عَنِ
الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ دَاوُدَ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ
مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ
عُمَرَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ سَعِيْدِ
بنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنِ ابْنِ الهَادِ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ:
أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -
عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ
تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى} [النِّسَاءُ: 3]...،
الحَدِيْثَ (1).
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ،
حَدَّثَنِي خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنِ
ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ:
أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ إِذَا سَجَدَ، فَرَفَعَ
رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الأُوْلَى، قَعَدَ عَلَى
أَطرَافِ أَصَابِعِه، وَيَقُوْلُ: إِنَّهُ مِنَ
السُّنَّةِ.
لَمْ يَرْوِهِ إِلاَّ اللَّيْثُ.
تَفَرَّد بِهِ عَنْهُ: أَبُو صَالِحٍ.
جَمَاعَةٌ، قَالُوا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ
الهَادِ، عَنْ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ أَبِي بَكْرٍ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
سُئِلَ عَنِ الكَوْثَرِ، فَقَالَ: (نَهْرٌ
أَعْطَانِيْهِ رَبِّي، أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ
اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ، وَفِيْهِ طَيْرٌ
كَأَعْنَاقِ الجُزُرِ).
فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّ تِلْكَ
الطَّيْرَ نَاعِمَةٌ!
قَالَ: (آكِلُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا يَا عُمَرُ) (2).
__________
(1) وتمامه: قالت: " يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في
حجر وليها، فيرغب في جمالها ومالها، ويريد أن يتزوجها
بأدنى من سنة صداق نسائها، فنهوا عن ذلك أن ينكحوهن
إلا أن يقسطوا، فيكملوا لهن الصداق، ثم أمروا أن
تنكحوا سواهن من النساء إن لم يكملوا لهن الصداق ".
وأخرجه الطبري (8459) من طريق المثنى، عن أبي صالح عبد
الله كاتب الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عروة.
وعلقه البخاري في " صحيحه " 5 / 95، فقال: وقال الليث:
حدثني يونس..وأخرجه موصولا البخاري 8 / 179 في
التفسير، ومسلم (3018) من طرق عن الزهري، عن عروة، عن
عائشة.
وأخرجه البخاري 9 / 162، ومسلم (3018) (7) من طريق
هشام، عن أبيه، عن عائشة.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 3 / 220، 221 من طريق
أبي سلمة الخزاعي، عن =
(8/160)
سَمِعَهُ: ابْنُ بُكَيْرٍ، وَمَنْصُوْرُ
بنُ سَلَمَةَ، وَيُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ، مِنْهُ،
وَعَبْدُ اللهِ هُوَ أَخُو الزُّهْرِيِّ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ: كُنَّا فِي
مَجْلِسِ اللَّيْثِ، فَذَكَرَ العَدَسَ، فَقَالَ
مَسْلَمَةُ بنُ عَلِيٍّ: بَارَك فِيْهِ سَبْعُوْنَ
نَبِيّاً.
فَقَضَى اللَّيْثُ صَلاَتَه، وَقَالَ: وَلاَ نَبِيٌّ
وَاحِدٌ، إِنَّهُ بَاردٌ مُؤذٍ (1) .
قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ: لَقَدْ
رَأَيْتُ اللَّيْثَ، وَإِنَّ رَبِيْعَةَ وَيَحْيَى بنَ
سَعِيْدٍ لَيَتَزَحْزَحُونَ لَهُ زَحْزَحَةً.
قَالَ سَعِيْدٌ الآدَمُ: قَالَ العَلاَءُ بنُ
كَثِيْرٍ: اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ سَيِّدُنَا،
وَإِمَامُنَا، وَعَالِمُنَا.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ اللَّيْثُ قَدِ اسْتَقَلَّ
بِالفَتْوَى فِي زَمَانِهِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي
مَرْيَمَ:
مَاتَ اللَّيْثُ لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ
خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ يَحْيَى: يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ:
__________
= الليث به، وأخرجه أحمد 3 / 236، وابن جرير 30 / 324
من حديث الزهري، عن أخيه عبد الله، عن أنس، أن رجلا
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر،..فذكره،
وأخرجه الترمذي (2542) من طريق عبد بن حميد، عن عبد
الله بن مسلمة، عن محمد بن عبد الله بن مسلم، عن أبيه،
عن أنس..
(1) وحكى الخطيب في ترجمة سلم بن سالم من تاريخه 9 /
143 أن ابن المبارك سئل عن الحديث الذي حدث في أكل
العدس، وأنه قدس على لسان سبعين نبيا ؟، فقال: ولا على
لسان نبي واحد، إنه لمؤذ منفخ، من يحدثكم به ؟ قالوا:
سلم بن سالم، قال: عمن ؟ قالوا: عنك، قال: وعني أيضا ؟
! قلت: وسلم بن سالم هذا ترجمه المؤلف في " الميزان "
ونقل تضعيفه عن ابن معين وأحمد، وأبي زرعة، وابن أبي
حاتم والنسائي وابن المبارك وغيرهم.
وقد أورد الحديث ابن القيم في كتابه " المنار المنيف "
(51) ضمن الأحاديث الموضوعة التي تعرف بتكذيب الحس
لها، وقال: ويشبه أن يكون هذا الحديث من وضع الذين
اختاروه على المن والسلوى أو أشباههم.
(8/161)
مُوْسَى بنُ عِيْسَى.
وَقَالَ سَعِيْدٌ: مَاتَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ.
قَالَ خَالِدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الصَّدَفِيُّ:
شَهِدتُ جَنَازَةَ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ مَعَ
وَالِدِي، فَمَا رَأَيْتُ جَنَازَةً قَطُّ أَعْظَمَ
مِنْهَا، رَأَيْتُ النَّاسَ كُلَّهُم عَلَيْهِمُ
الحُزْنُ، وَهُمْ يُعَزِّي بَعْضُهُم بَعْضاً،
وَيبْكُوْنَ، فَقُلْتُ: يَا أَبتِ، كَأَنَّ كُلَّ
وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ صَاحِبُ هَذِهِ الجَنَازَةِ.
فَقَالَ: يَابُنَيَّ، لاَ تَرَى مِثْلَهُ أَبَداً.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ الفَقِيْهُ:
أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ وَاصِلٍ
المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ،
أَخْبَرَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، قَالَ:
سَأَلْتُ مَالِكاً، وَالثَّوْرِيَّ، وَاللَّيْثَ،
وَالأَوْزَاعِيَّ عَنِ الأَخْبَارِ الَّتِي فِي
الصِّفَاتِ، فَقَالُوا: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءتْ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَا أَدْركنَا أَحَداً
يُفَسِّرُ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ، وَنَحْنُ لاَ
نُفَسِّرُهَا.
قُلْتُ: قَدْ صَنَّفَ أَبُو عُبَيْدٍ (1) كِتَابَ
(غَرِيْبِ الحَدِيْثِ)، وَمَا تَعرَّضَ لأَخْبَارِ
الصِّفَاتِ الإِلَهِيَّةِ بِتَأْوِيلٍ أَبَداً، وَلاَ
فَسَّرَ مِنْهَا شَيْئاً.
وَقَدْ أَخَبَرَ بِأَنَّهُ مَا لَحِقَ أَحَداً
يُفَسِّرُهَا، فَلَو كَانَ -وَاللهِ- تَفْسِيْرُهَا
سَائِغاً، أَوْ حَتماً، لأَوْشَكَ أَنْ يَكُوْنَ
اهْتِمَامُهُم بِذَلِكَ فَوْقَ اهْتِمَامِهِم
بِأَحَادِيْثِ الفُرُوْعِ وَالآدَابِ، فَلَمَّا لَمْ
يَتعَرَّضُوا لَهَا بِتَأْوِيلٍ، وَأَقَرُّوهَا عَلَى
مَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ، عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ
الحَقُّ الَّذِي لاَ حَيْدَةَ عَنْهُ.
وَقَدْ رَوَى: اللَّيْثُ، عَمَّنْ هُوَ فِي
طَبَقَتِهِ، بَلْ أَصْغَرُ:
رَوَى عَنْ: سَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحِيِّ، وَشُعَيْبِ
__________
(1) هو القاسم بن سلام، و" غريب الحديث " طبع بالهند
بمطبعة دائرة المعارف العثمانية سنة 1385 ه ويقع في
أربعة أجزاء.
(8/162)
بنِ إِسْحَاقَ الدِّمَشْقِيِّ، وَعَبْدِ
العَزِيْزِ بنِ المَاجِشُوْنِ، وَأَبِي مَعْشَرٍ،
وَهِشَامِ بنِ سَعْدٍ.
وَرَوَى عَنْ: رَجُلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ
- وَإِبْرَاهِيْمُ أَصْغَرُ مِنْهُ -.
وَقَدْ رَوَى عَنْ: كَاتِبِه أَبِي صَالِحٍ حَدِيْثاً
وَاحِداً.
فَهَذَا مَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ تَرْجَمَةِ
اللَّيْثِ مُوْجَزاً -رَحِمَهُ اللهُ- وَالحَمْدُ للهِ
وَحْدَهُ.
(8/163)