سير أعلام النبلاء، ط الرسالة

وَمِنْ طَبَقَةٍ عَلَى رَأْسِ المائَتَيْنِ، وَهِيَ العَاشِرَةُ:

119 - مُعَاذُ بنُ هِشَامِ بنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ سَنْبَرٍ البَصْرِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، فَأَكْثَرَ.
وَقَدْ رَوَى اليَسِيْرَ عَنِ: ابْنِ عَوْنٍ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَبُكَيْرِ بنِ أَبِي السَّمِيْطِ، وَشُعْبَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ رَاهَوَيْه، وَعَلِيٌّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَالقَوَارِيْرِيُّ، وَبُنْدَارُ، وَأَبُو مُوْسَى الزَّمِنُ، وَأَبُو قُدَامَةَ عُبَيْدُ اللهِ السَّرَخْسِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَبَكْرُ بنُ خَلَفٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَرْعَرَةَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ سِنَانٍ، وَزَيْدُ بنُ أَخْزَمَ، وَخَلْقٌ.
رَوَى: المَيْمُوْنِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ:
كَانَ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَبِيْهِ: لَيْسَ المَعَاصِي مِنْ قَدَرِ اللهِ.
قُلْتُ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟
قَالَ: أَنَا رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَبِيْهِ.
ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي تِجَارَةٍ، فَجَلَسَ يُحَدِّثُهُم، فَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: لاَ تَسْمَعُوا مِنْ هَذَا القَدَرِيِّ شَيْئاً (1).
__________
(*) تاريخ ابن معين: 572، التاريخ الكبير 7 / 366، التاريخ الصغير 2 / 289، الجرح والتعديل 8 / 249، الكامل لابن عدي: لوحة 796، تهذيب الكمال: 1340، تذهيب التهذيب 4 / 48 / 1، العبر 1 / 334، ميزان الاعتدال 4 / 133، تذكرة الحافظ 1 / 325، الكاشف 3 / 155، تهذيب التهذيب 10 / 196، طبقات الحفاظ: 136، خلاصة تذهيب الكمال: 380، شذرات الذهب 1 / 359.
(1) " تهذيب الكمال ": 1340.

(9/372)


قَالَ: وَسَمِعَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مَنْ يُكَثِّرُهُ فِي الحَدِيْثِ وَالفِقْهِ، فَقَالَ:
وَأَيُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ مِنَ الحَدِيْثِ؟ مَا كَتَبتُ عَنْهُ إِلاَّ مَجْلِساً سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً (1) .
وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: صَدُوْقٌ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ (2) .
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ مُعَاذَ بنَ هِشَامٍ يَقُوْلُ بِمَكَّةَ، قِيْلَ لَهُ: مَا عِنْدَكَ؟
قَالَ: عِنْدِي عَشْرَةُ آلاَفٍ.
فَأَنْكَرْنَا عَلَيْهِ، وَسَخِرْنَا مِنْهُ، فَلَمَّا جِئْنَا إِلَى البَصْرَةِ، أَخْرَجَ إِلَيْنَا مِنَ الكُتُبِ نَحْواً مِمَّا قَالَ -يَعْنِي: عَنْ أَبِيْهِ-.
فَقَالَ: هَذَا سَمِعْتُهُ، وَهَذَا لَمْ أَسْمَعْهُ، فَجَعَلَ يُمَيِّزُهَا (3) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: قُلْتُ لأَبِي دَاوُدَ: مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ عِنْدَكَ حُجَّةٌ؟
فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَقُوْلَ شَيْئاً، كَانَ يَحْيَى لاَ يَرْضَاهُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لاَ أَدْرِي مَنْ عَنَى: يَحْيَى القَطَّانَ، أَوْ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَأَظُنُّهُ يَحْيَى القَطَّانَ (4) .
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَلَهُ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ قَتَادَةَ حَدِيْثٌ كَثِيْرٌ، وَلَهُ عَنْ غَيْرِ أَبِيْهِ أَحَادِيْثُ صَالِحَةٌ، وَرُبَّمَا يَغْلَطُ فِي الشَّيْءِ، وَأَرْجُو أَنَّهُ صَدُوْقٌ (5) .
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ): مَاتَ سَنَةَ مائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ المَرَاتِبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَمِّي؛ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ
__________
(1) " تهذيب الكمال ": 1340.
(2) " تاريخ يحيى بن معين ": 572.
(3) " الكامل " لابن عدي: لوحة 796، و" تهذيب الكمال ": 134.
(4) " تهذيب الكمال ": 134.
(5) " الكامل في الضعفاء " لوحة 797

(9/373)


الدِّيْنَوَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ أَخْزَمَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِرَحْمَةِ اللهِ وَشَفَاعَةِ الشَّافِعِيْنَ، يُقَالُ لَهُمُ: الجَهَنَّمِيُّوْنَ).
قَالَ حَمَّادٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُم اسْتَعْفَوُا اللهَ مِنْ ذَلِكَ الاسْمِ، فَأَعْفَاهُم.
هَذَا حَدِيْثٌ جَيِّدُ الإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجُوْهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ (1).

120 - أَبُو البَخْتَرِيِّ وَهْبُ بنُ وَهْبِ بنِ كَثِيْرٍ الأَسَدِيُّ *
قَاضِي القُضَاةِ، وَهْبُ بنُ وَهْبِ بنِ كَثِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ زَمْعَةَ بنِ الأَسْوَدِ بنِ المُطَّلِبِ بنِ أَسَدٍ القُرَشِيُّ، الأَسَدِيُّ، المَدَنِيُّ، مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ، إِلاَّ أَنَّهُ مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ.
يَرْوِي عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ.
وَعَنْهُ: رَجَاءُ بنُ سَهْلٍ، وَالمُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَنَزَلَ بَغْدَادَ، وَوَلِيَ قَضَاءَ عَسْكَرِ المَهْدِيِّ، ثُمَّ قَضَاءَ المَدِيْنَةِ وَحَرْبَهَا مَعاً وَصَلاَتَهَا.
__________
(1) وأخرجه أحمد 5 / 402 من طريق محمد بن جعفر وحجاج، كلاهما عن حماد بهذا الإسناد.
وفيه: قال الحجاج: " الجهنميين " وإسناده صحيح.
(*) تاريخ ابن معين: 637، طبقات ابن سعد 7 / 332، تاريخ خليفة: 468، طبقات خليفة: 468، التاريخ الكبير 8 / 170، التاريخ الصغير 2 / 320، الضعفاء الصغير: 116، المعارف: 516، الضعفاء والمتروكين: 104، الضعفاء للعقيلي لوحة 442، الجرح والتعديل 9 / 25، كتاب المجروحين 3 / 74، تاريخ بغداد 3 / 451، العبر 1 / 334، ميزان الاعتدال 4 / 353، لسان الميزان 6 / 231، شذرات الذهب 1 / 360.

(9/374)


وَقَالَ الخَطِيْبُ: وَلِيَ قَضَاءَ القُضَاةِ بَعْدَ أَبِي يُوْسُفَ، وَكَانَ جَوَاداً، مُمَدَّحاً، مُحْتَشِماً (1) .
قَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ: يَضَعُ الحَدِيْثَ (2) .
وَقَالَ البُخَارِيُّ: سَكَتُوا عَنْهُ (3) .
وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ فَقِيْهاً، أَخْبَارِيّاً، جَوَاداً، سَرِيّاً، تَزَوَّجَ بِأُمِّهِ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ، وَهِيَ عَبْدَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بنِ يَزِيْدَ بنِ رُكَانَةَ المُطَّلِبِيَّةُ.
وَقَدْ صَنَّفَ: فِي النَّسَبِ، وَفِي الغَزَوَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ مائَتَيْنِ، وَلَهُ بِضْعٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.

121 - سُلَيْمُ بنُ عِيْسَى بنِ سُلَيْمِ بنِ عَامِرٍ الحَنَفِيُّ مَوْلاَهُمْ
شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو عِيْسَى، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الحَنَفِيُّ مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ.
تِلْمِيْذُ حَمْزَةَ، وَأَحْذَقُ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ خَلَفُهُ فِي الإِقْرَاءِ.
تَلاَ عَلَيْهِ: خَلَفٌ البَزَّارُ، وَخَلاَّدُ بنُ خَالِدٍ، وَأَبُو عُمَرَ الدُّوْرِيُّ، وَأَبُو حَمْدُوْنَ الطَّيِّبُ، وَأَحْمَدُ بنُ جُبَيْرٍ الأَنْطَاكِيُّ، وَتُرْكٌ الحَذَّاءُ (4) ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 451.
(2) " تاريخ يحيى بن معين ": 637.
(3) " التاريخ الكبير " 8 / 170، والبخاري يطلق هذه الجملة، وجملة: " فيه نظر " فيمن تركوا حديثه، بل قال ابن كثير: إنهما أدنى المنازل عنده وأردؤها.
(*) التاريخ الكبير 4 / 127، الضعفاء للعقيلي: 171، الجرح والتعديل 4 / 215، العبر 1 / 300 ميزان الاعتدال 2 / 231، دول الإسلام 1 / 119، غاية النهاية 1 / 318، شذرات الذهب 1 / 320.
(4) هو محمد بن حرب الحذاء الكوفي المعدل، من قدماء أصحاب سليم بن عيسى، انظر ترجمته في " غاية النهاية " 1 / 187.

(9/375)


وَرَوَى عَنْ: حَمْزَةَ، وَالثَّوْرِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: ضِرَارُ بنُ صُرَدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حُمَيْدٍ.
قَالَ الدُّوْرِيُّ: قَالَ لِي الكِسَائِيُّ:
كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى حَمْزَةَ، فَجَاءَ سُلَيْمٌ، فَتَلَكَّأْتُ، فَقَالَ حَمْزَةُ: تَهَابُهُ وَلاَ تَهَابُنِي؟
قُلْتُ: أَيُّهَا الأُسْتَاذُ! أَنْتَ إِنْ أَخطَأْتُ، قَوَّمْتَنِي، وَهَذَا إِنْ أَخْطَأْتُ، عَيَّرَنِي.
وَقِيْلَ: إِنَّ سُلَيْماً تَلاَ عَلَى حَمْزَةَ بنِ حَبِيْبٍ عَشْرَ خِتَمٍ.
قَالَ خَلَفٌ، وَهَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: مَاتَ سُلَيْمٌ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ.

122 - مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبِ بنِ شَابُوْرٍ الدِّمَشْقِيُّ * (4)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَالِمُ، الصَّادِقُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ، مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ، سَكَنَ بَيْرُوْتَ.
مَوْلِدُهُ: فِي حُدُوْدِ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
رَوَى عَنْ: يَحْيَى بنِ الحَارِثِ الذِّمَارِيِّ، وَعُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ - بِمُهْمَلَةٍ - وَعُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاتِكَةِ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَعُرْوَةَ بنِ رُوَيْمٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَسَّانٍ الكِنَانِيِّ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، وَقُرَّةَ بنِ حَيْوَيْلَ، وَعِدَّةٍ.
__________
(*) طبقات خليفة ت (3040)، التاريخ الكبير 1 / 113، الجرح والتعديل 7 / 286، تهذيب الكمال: لوحة 1209، تذهيب التهذيب 3 / 212 / 2، العبر 1 / 331، ميزان الاعتدال 3 / 580، تذكرة الحفاظ 1 / 315، الكاشف 3 / 52، طبقات القراء لابن الجزري 2 / 154، تهذيب التهذيب 9 / 222، النجوم الزاهرة 2 / 165، طبقات الحفاظ: 132، خلاصة تذهيب الكمال: 341، شذرات الذهب 1 / 375.

(9/376)


حَدَّثَ عَنْهُ: سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَدُحَيْمٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَاشِمٍ البَعْلَبَكِّيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ خَالِدٍ السُّلَمِيُّ، وَأَبُو عُتْبَةَ الحِجَازِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَثَّقَهُ: دُحَيْمٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا أَرَى بِهِ بَأْساً، كَانَ رَجُلاً عَاقِلاً (1) .
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: أَخَذَ القِرَاءةَ عرضاً عَنْ: يَحْيَى الذِّمَارِيِّ، وَكَانَ يُفْتِي فِي مَجْلِسِ الأَوْزَاعِيِّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ (2) .
وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَقَالَ دُحَيْمٌ: سَنَةَ مائَتَيْنِ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: هُوَ مَوْلَىً لِسُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَلَهُ دَارٌ عِنْدَ الشَّلاَّحَةِ، بِبَابِ تُوْمَا.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ - مَعَ تَقَدُّمِهِ -.
وَتَلاَ عَلَيْهِ: الرَّبِيْعُ بنُ ثَعْلَب.
قَالَ دُحَيْمٌ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَهِمَ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ الأَزْدِيُّ إِذْ ضَبَطَ جَدَّهُ شَابُوْرٍ بِسِيْنٍ مُهْمَلَةٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: اسْتُفْتِيَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ شَابُوْرٍ جَالِسٌ، فَقَالَ: سَلْ أَبَا عَبْدِ اللهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ: سَمِعْتُ الفَضْلَ بنَ مُحَمَّدٍ العَطَّارَ بِأَنْطَاكِيَةَ
__________
(1) " تهذيب الكمال " 1210.
(2) " تذهيب التهذيب ": 3 / 212 / 2.

(9/377)


يَقُوْلُ:
قُلْتُ لِهِشَامِ بنِ عَمَّارٍ: عِنْدنَا بِأَنْطَاكِيَةَ مَنْ يُحَدِّثُنَا عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ عَنْكَ.
فَقَالَ: رَوَى عَنِّي الوَلِيْدُ، وَمَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْهُ: ابْنُ شَابُوْرٍ.
سَمِعَهَا: أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ مِنَ النَّقَّاشِ.
هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ:
مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ كَانَ مُرْجِئاً، وَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ حِمْيَرٍ، وَمِنْ بَقِيَّةَ، وَمِنْ مُحَمَّدِ بنِ حَرْبٍ (1) .
قُلْتُ: كَانَ إِمَاماً طَلاَّبَةً لِلْعِلْمِ.

123 - الطَّيَالِسِيُّ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ بنِ الجَارُوْدِ * (م، 4)
الحَافِظُ الكَبِيْرُ، صَاحِبُ (المُسْنَدِ)، أَبُو دَاوُدَ الفَارِسِيُّ، ثُمَّ الأَسَدِيُّ، ثُمَّ الزُّبَيْرِيُّ، مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ الحَافِظُ، البَصْرِيُّ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَطَائِفَةٌ، سَمِعُوا عُمَرَ بنَ مُحَمَّدٍ،
__________
(1) " الجرح والتعديل " 7 / 286.
(*) تاريخ ابن معين: 229، طبقات ابن سعد 7 / 298، تاريخ خليفة: 24 و472، طبقات خليفة ت (1934)، التاريخ الكبير 4 / 10، التاريخ الصغير 2 / 299، المعارف: 520، الجرح والتعديل 4 / 111، الكامل لابن عدي لوحة 318، 319، طبقات المحدثين بأصبهان لوحة 41، تاريخ بغداد 9 / 24، تهذيب الكمال لوحة 537، تذهيب التهذيب 2 / 47 / 1، العبر 1 / 354، ميزان الاعتدال 2 / 203، تذكرة الحفاظ 1 / 351، الكاشف 2 / 392، شرح العلل لابن رجب 2 / 596، تهذيب التهذيب 4 / 176، طبقات الحفاظ: 849، خلاصة تذهيب الكمال: 151، شذرات الذهب 2 / 12.

(9/378)


أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بنُ مِهْرَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ:
صَلَّى بِنَا أَنَسُ بنُ مَالِكٍ صَلاَةً، فَأَوْجَزَ فِيْهَا، فَقَالَ: هَكَذَا كَانَتْ صَلاَةُ نَبِيِّكُم (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
أَخْبَرَنَا سُنْقُرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِحَلَبَ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا خَلِيْلُ بنُ بَدْرٍ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا:
أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عِصَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
وَصَّانِي خَلِيْلِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاَثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ - إِنْ شَاءَ اللهُ -: (صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتِيِ الضُّحَى، وَأَلاَّ أَنَامَ إِلاَّ عَلَى وِتْرٍ) (2).
__________
(1) عمارة بن عمران لا بأس به، وباقي رجاله ثقات، وأخرج البخاري 2 / 169، في الجماعة: باب الايجاز في الصلاة وإكمالها، ومسلم (469) في الصلاة: باب أمر الأئمة
بتخفيف الصلاة في تمام، وأحمد 3 / 101 من طرق، عن عبد العزيز بن حبيب، عن أنس قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكملها " هذا لفظ البخاري وأحمد، ولفظ مسلم: " كان يوجز في الصلاة ويتم ".
وفي رواية: " كان من أخف الناس صلاة في تمام "، وفي ثالثة: " ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم "، وهو في سنن ابن ماجة (985).
(2) عبد الملك بن ميسرة لم يرو عنه غير أبي داود الطيالسي، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه أحمد 2 / 459، والبخاري 3 / 47، ومسلم (721)، والدارمي 1 / 339، و2 / 19، والنسائي 3 / 229، كلهم من طريق شعبة عن عباس الجريري عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة، وأخرجه البخاري 4 / 197، ومسلم (721)، عن أبي التياح، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة، وأخرجه مسلم (7721) أيضا من طريق سليمان بن معبد عن معلى بن أسد، عن عبد العزيز بن المختار، عن عبد الله الداناج عن أبي رافع الصائغ، عن أبي هريرة، وأخرجه أبو داود (1432) من طريق ابن المثنى، عن أبي داود، عن أبان ابن يزيد، عن قتادة، عن أبي سعيد من أزد شنوءة، عن أبي هريرة، وأخرجه من طرق عن أبي هريرة أحمد 2 / 258، و260 و265 و277 و329 و402 و472 و484 و489 و497 و499 و505 و526.

(9/379)


أَنْبَأَنَا بِهِ: أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ خَلِيْلٍ.
سَمِعَ: أَيْمَنَ بنَ نَابِلٍ - وَهُوَ تَابِعِيٌّ - وَمَعْرُوْفَ بنَ خَرَّبُوْذَ، وَطَلْحَةَ بنَ عَمْرٍو، وَهِشَامَ بنَ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَشُعْبَةَ بنَ الحَجَّاجِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَبِسْطَامَ بنَ مُسْلِمٍ، وَأَبَا خَلْدَةَ خَالِدَ بنَ دِيْنَارٍ، وَقُرَّةَ بنَ خَالِدٍ، وَصَالِحَ بنَ أَبِي الأَخْضَرِ، وَأَبَا عَامِرٍ الخَزَّازَ، وَالحَمَّادَيْنِ، وَدَاوُدَ بنَ أَبِي الفُرَاتِ، وَزَمْعَةَ بنَ صَالِحٍ، وَجَرِيْرَ بنَ حَازِمٍ، وَفُلَيْحَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَالمَسْعُوْدِيَّ، وَحَرْبَ بنَ شَدَّادٍ، وَابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ ثَابِتِ بنِ ثَوْبَانَ، وَزَائِدَةَ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَهَمَّامَ بنَ يَحْيَى، وَمُحَمَّدَ بنَ أَبِي حُمَيْدٍ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
وَيَنْزِلُ إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَقِيَ ابْنَ عَوْنٍ، وَمَا ذَاكَ بِبَعِيْدٍ.
رَوَى عَنْهُ: جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ - أَحَدُ شُيُوْخِهِ - وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفَلاَّسُ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ الكَاتِبُ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: مُحَمَّدُ بنُ أَسَدٍ المَدِيْنِيُّ - شَيْخُ أَبِي الشَّيْخِ - لَهُ عَنْهُ مَجْلِسٌ لَيْسَ عِنْدَهُ سِوَاهُ.
وَعُمِّرَ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَقِيَهُ الطَّبَرَانِيُّ، فَعَاشَ بَعْدَ أَبِي دَاوُدَ تِسْعِيْنَ عَاماً، وَهَذَا نَادِرٌ جِدّاً، لَمْ يَتَهَيَّأْ مِثْلَهُ إِلاَّ لِلْبَغَوِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ الحَدَّادِ، وَابْنِ كُلَيْبٍ، وَأُنَاسٍ نَحْوِ بَضْعَةَ عَشْرَ شَيْخاً، خَاتِمَتُهُم: أَبُو العَبَّاسِ الحَجَّارُ.
قَالَ الفَلاَّسُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ مِنْ أَبِي دَاوُدَ.

(9/380)


قُلْتُ: قَالَ مِثْلَ هَذَا، وَقَدْ صَحِبَ يَحْيَى القَطَّانَ، وَابْنَ مَهْدِيٍّ، وَرَافَقَ ابْنَ المَدِيْنِيِّ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: أَبُو دَاوُدَ هُوَ أَصْدَقُ النَّاسِ.
قُلْتُ: كَانَا رَفِيْقَيْنِ فِي الطَّلَبِ بِالبَصْرَةِ، فَاسْتَعْمَلاَ البَلاَذُرَ، فَجُذِمَ أَبُو دَاوُدَ، وَبَرِصَ الآخَرُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: رَحَلتُ -يَعْنِي مِنَ الكُوْفَةِ- إِلَى أَبِي دَاوُدَ، فَأَصَبْتُهُ قَدْ مَاتَ قَبْلَ قُدُوْمِي بِيَوْمٍ.
قَالَ: وَكَانَ قَدْ شَرِبَ البَلاَذُرَ، فَجُذِمَ (1) .
قَالَ عَامِرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الأَصْبَهَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ.
وَوَرَدَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ: أَنَّهُ كَانَ يَسرُدُ مِنْ حِفْظِهِ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: كَانَ شُعْبَةُ يُحَدِّثُ، فَإِذَا قَامَ، قَعَدَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَملَى مِنْ حِفْظِهِ مَا مَرَّ فِي المَجْلِسِ (2) .
وَرَوَى: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ حَبِيْبٍ، قَالَ:
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كُنَّا بِبَغْدَادَ، وَكَانَ شُعْبَةُ، وَابْنُ إِدْرِيْسَ يَجْتَمِعُوْنَ يَتَذَاكَرُوْنَ، فَذَكَرُوا بَابَ المَجْذُوْمِ.
فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ خَارِجَةَ بنِ زَيْدٍ،
قَالَ: كَانَ مُعَيْقِيْبٌ يَحضُرُ طَعَامَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ.
فَقَالَ لَهُ: يَا مُعَيْقِيْبُ، كُلْ مِمَّا يَلِيْكَ.
فَقَالَ شُعْبَةُ: يَا أَبَا دَاوُدَ! لَمْ تَجِئْ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 9 / 26. وقد تقدم تعريف " البلاذر " ص 197 ت (2).
(2) " تاريخ بغداد " 9 / 25.

(9/381)


بِشَيْءٍ أَحْسَنَ مِمَّا جِئْتَ بِهِ (1) .
قَالَ وَكِيْعٌ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَحْفَظَ لِحَدِيْثٍ طَوِيْلٍ مِنْ أَبِي دَاوُدَ.
قَالَ: فَذُكِرَ ذَلِكَ لأَبِي دَاوُدَ، فَقَالَ: قُلْ لَهُ: وَلاَ قَصِيْرٌ (2) .
قَالَ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ: سَمِعْتُ ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ (3) .
وَقَالَ عُمَرُ بنُ شَبَّةَ: كَتَبُوا عَنْ أَبِي دَاوُدَ - بِأَصْبَهَانَ - أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، وَلَيْسَ كَانَ مَعَهُ كِتَابٌ (4).
قُلْتُ: سَمِعَ يُوْنُسَ بنَ حَبِيْبٍ عِدَّةَ مَجَالِسَ مُفَرَّقَةً، فَهِيَ (المُسْنَدُ) الَّذِي وَقَعَ لَنَا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: قَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ:
صَنَّفَ أَبُو مَسْعُوْدٍ الرَّازِيُّ لِيُوْنُسَ بنِ حَبِيْبٍ (مُسْنَدَ أَبِي دَاوُدَ).
وَقَالَ حَفْصُ بنُ عُمَرَ المِهْرِقَانِيُّ (5) : كَانَ وَكِيْعٌ يَقُوْلُ: أَبُو دَاوُدَ جَبَلُ العِلْمِ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: أَخْطَأَ أَبُو دَاوُدَ فِي أَلفِ حَدِيْثٍ.
قُلْتُ: هَذَا قَالَهُ إِبْرَاهِيْمُ عَلَى سَبِيْلِ المُبَالَغَةِ، وَلَوْ أَخْطَأَ فِي سُبُعِ هَذَا، لَضَعَّفُوهُ.
__________
(1) " الجرح والتعديل " 4 / 112.
(2) " تاريخ بغداد " 9 / 27.
(3) " تاريخ بغداد " 9 / 27.
(4) " تاريخ بغداد " 9 / 27.
(5) نسبة إلى مهرقان، وهي قرية من قرى الري.

(9/382)


وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ مُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ الضَّرِيْرُ، وَقَالَ:
كُنْتُ أَتَّهِمُهُ، قَالَ لِي: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ، ثُمَّ سَأَلْتُه بَعْدُ: أَسَمِعْتَ مِنِ ابْنِ عَوْنٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، نَحْوَ عِشْرِيْنَ حَدِيْثاً.
قُلْتُ: الجَمْعُ بَيْنَ القَوْلَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئاً مَا ضَبَطَهُ، وَلاَ حَفِظَهُ، فَصَدَقَ أَنْ يَقُوْلَ: مَا سَمِعْتُ مِنْهُ، وَإِلاَّ، فَأَبُو دَاوُدَ أَمِيْنٌ، صَادِقٌ، وَقَدْ أَخْطَأَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيْثَ؛ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتَّكِلُ عَلَى حِفْظِهِ، وَلاَ يَرْوِي مِنْ أَصْلِهِ، فَالوَرَعُ أَنَّ المُحَدِّثَ لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ مِنْ كِتَابٍ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ وَيُوْصِي بِهِ إِمَامُ المُحَدِّثِيْنَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَلَمْ يُخَرِّجِ البُخَارِيُّ لأَبِي دَاوُدَ شَيْئاً؛ لأَنَّهُ سَمِعَ مِنْ عِدَّةٍ مِنْ أَقْرَانِهِ، فَمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ.
قَالَ الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ:
أَسرُدُ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ - وَلاَ فَخْرَ - وَفِي صَدْرِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً لِعُثْمَانَ البُرِّيِّ، مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ، فَخَرَجتُ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَبَثَثْتُهَا فِيْهِم (1) .
قَالَ حَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ بنِ قُتَيْبَةَ: سُئِلَ النُّعْمَانُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ - وَأَنَا حَاضِرٌ - عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ (2) .
عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ القَزْوِيْنِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الأَصْبَهَانِيِّ، سَمِعْتُ بُنْدَاراً يَقُوْلُ:
مَا بَكَيْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، مَا بَكَيْتُ عَلَى أَبِي دَاوُدَ.
قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ؟
قَالَ: لِمَا كَانَ مِنْ حِفْظِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَحُسْنِ مُذَاكَرَتِهِ (3).
__________
(1) " تاريخ بغداد " 9 / 27.
(2) " تاريخ بغداد " 9 / 28.
(3) " تاريخ بغداد " 9 / 27، و" تهذيب الكمال ": 538.

(9/383)


وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكْثَرَ فِي شُعْبَةَ مِنْ أَبِي دَاوُدَ، وَسَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْهُ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ.
قُلْتُ: إِنَّهُ يُخْطِئُ.
قَالَ: يُحْتَمَلُ لَهُ (1) .
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: سَأَلْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ عَنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ.
قُلْتُ: أَبُو دَاوُدَ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ؟
فَقَالَ: أَبُو دَاوُدَ أَعْلَمُ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَحَبُّ إِلَيْنَا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَأَبُو دَاوُدَ أَكْثَرُ رِوَايَةً عَنْ شُعْبَةَ (2) .
وَقَالَ العِجْلِيُّ: أَبُو دَاوُدَ ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحِفْظِ، رحلتُ إِلَيْهِ فَأَصبتُهُ، مَاتَ قَبْلَ قُدُوْمِي بِيَوْمٍ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مِنْ أَصْدَقِ النَّاسِ لَهْجَةً (3) .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: ثِقَةٌ، يُخْطِئُ.
ثُمَّ قَالَ: وَمَا هُوَ عِنْدِي وَعِنْدَ غَيْرِي إِلاَّ مُتَيَقِّظٌ ثَبْتٌ (4) .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ، رُبَّمَا غَلِطَ، تُوُفِّيَ بِالبَصْرَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً (5).
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ (6) .
قُلْتُ: اسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) (7).
__________
(1) " تهذيب الكمال ": 538، وهل ثمت محدث أو حافظ يعرى عن الخطأ ؟ ! (2) " تاريخ بغداد " 9 / 28.
(3) " تهذيب الكمال ": 538.
(4) " الكامل " لابن عدي: لوحة 282.
(5) " طبقات ابن سعد " 7 / 298.
(6) " تاريخ خليفة ": 472.
(7) جاء في البخاري 8 / 677 في التفسير: باب (قم فأنذر) ما نصه: حدثني محمد =

(9/384)


124 - سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ البَصْرِيُّ * (ع)
الزَّاهِدُ، الحَافِظُ، أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْلَى بَنِي عُجَيْفٍ، وَأَخْوَالُه مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ.
وُلِدَ: بَعْدَ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْ: شُبَيْلِ بنِ عَزْرَةَ صَاحِبِ أَنَسٍ، وَقَالَ: حَمَلَنِي عَلَى كَتِفِهِ، فَسَمِعْتُ شُبَيْلاً يَقُوْلُ.
وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: حَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَحُمَيْدِ بنِ الأَسْوَدِ، وَهَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَصَالِحِ بنِ رُسْتُمَ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ رَاهَوَيْه، وَبُنْدَارُ، وَالدَّارِمِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُضَرَ الثَّقَفِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ الرَّازِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ البُسْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: سَعِيْدُ
__________
= ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي وغيره، قالا: حدثنا حرب بن شداد..قال الحافظ عند قوله: " وغيره ": هو أبو داود الطيالسي.
أخرجه أبو نعيم في " المستخرج " من طريق أبي عروبة، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي وأبو داود قالا...وهذا هو المكان الوحيد الذي استشهد فيه البخاري بأبي داود.
(*) العلل لأحمد: 281، طبقات ابن سعد 7 / 296، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة ت (1923)، التاريخ الكبير 3 / 502، التاريخ الصغير 2 / 313، الجرح والتعديل 4 / 48، تهذيب الكمال: 498، تذهيب التهذيب 2 / 22 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 351، الكاشف 1 / 364، دول الإسلام 1 / 128، تهذيب التهذيب 4 / 50، طبقات الحفاظ: 149، خلاصة تذهيب الكمال: 139، شذرات الذهب 2 / 20.

(9/385)


بنُ عَامِرٍ شَيْخُ المِصْرِ مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً (1) .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: إِنِّيْ لأَغْبِطُ جِيْرَانَ سَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ.
قَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: مَا رَأَيْتُ بِالبَصْرَةِ مِثْلَ سَعِيْدٍ الضُّبَعِيِّ.
وَكَذَا قَالَ: أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ (2) .
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الثِّقَةُ، المَأْمُوْنُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَمِنْ حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ رَجُلاً صَالِحاً، صَدُوْقاً، فِي حَدِيْثِهِ بَعْضُ الغَلَطِ (3) .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ المُنْذِرِ القَزَّازُ، وَبَيْنَ مَوْتِهِمَا مائَةٌ وَتِسْعُ سِنِيْنَ.
قُلْتُ: القَزَّازُ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ: مَاتَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ لأَرْبَعٍ بَقِيْنَ مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-.
يَقَعُ مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (الغَيْلاَنِيَّاتِ): أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ إِذْناً، عَنْ خَلِيْلِ بنِ بَدْرٍ، وَمَسْعُوْدٍ الخَيَّاطِ، قَالاَ:
أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا شُبَيْلُ بنُ عَزْرَةَ،
__________
(1) " تهذيب الكمال " 498.
(2) " تهذيب الكمال " 498.
(3) " الجرح والتعديل " 4 / 49.

(9/386)


عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَثَلُ الجَلِيْسِ الصَّالِحِ مَثَلُ العَطَّارِ، إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ عِطْرِهِ -أَوْ قَالَ: يُعْطِكِ مِنْ عِطْرِهِ- أَصَبْتَ مِنْ رِيْحِهِ، وَمَثَلُ الجَلِيْسِ السُّوْءِ مَثَلُ القَيْنِ، إِنْ لَمْ يُحْرِقْ ثَوْبَكَ، أَصَابَكَ مِنْ رِيْحِهِ).
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحُ الإِسْنَادِ، غَرِيْبٌ.
وَشُبَيْلٌ: صَدُوْقٌ، مِنْ أَئِمَّةِ العَرَبِيَّةِ.
أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ (1))، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً عَالِياً بِدَرَجَتَيْنِ.

125 - عَلِيٌّ الرِّضَى ابْنُ مُوْسَى الكَاظِمِ الهَاشِمِيُّ العَلَوِيُّ *
الإِمَامُ، السَّيِّدُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيٌّ الرِّضَى ابْنُ مُوْسَى الكَاظِمِ ابْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ ابْنِ مُحَمَّدٍ البَاقِرِ ابْنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الهَاشِمِيُّ العَلَوِيُّ، المَدَنِيُّ.
وَأُمُّهُ نُوْبِيَّةٌ، اسْمُهَا: سُكَيْنَةُ.
مَوْلِدُهُ: بِالمَدِيْنَةِ، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، عَامَ وَفَاةِ جَدِّهِ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَعْمَامِهِ؛ إِسْمَاعِيْلَ، وَإِسْحَاقَ، وَعَبْدِ اللهِ، وَعَلِيٍّ؛ أَوْلاَدِ جَعْفَرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي المَوَالِي، وَكَانَ مِنَ العِلْمِ
__________
(1) رقم (4831) في الأدب: باب من يؤمر أن يجالس، وصححه الحاكم 4 / 280، ووافقه الذهبي، ورواه البخاري 4 / 271 في البيوع: باب في العطاء وبيع المسك، وفي الذبائح: باب المسك، ومسلم (2628) في البر: باب استحباب مجالسة الصالحين، من طريق بريدة عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبي موسى الأشعري.
(*) تاريخ الطبري 8 / 554، 568، كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 106، الكامل لابن الأثير 6 / 326، 351، وفيات الأعيان 3 / 269، تهذيب الكمال: 994، تذهيب التهذيب 3 / 75 / 1، ميزان الاعتدال 3 / 158، العبر 1 / 340، دول الإسلام 1 / 126، الكاشف 2 / 296، البداية والنهاية 10 / 250، تهذيب التهذيب 7 / 387، خلاصة تذهيب الكمال: 278، شذرات الذهب 2 / 602.

(9/387)


وَالدِّيْنِ وَالسُّوْدَدِ بِمَكَانٍ.
يُقَالُ: أَفْتَى وَهُوَ شَابٌّ فِي أَيَّامِ مَالِكٍ.
اسْتَدْعَاهُ المَأْمُوْنُ إِلَيْهِ إِلَى خُرَاسَانَ، وَبَالَغَ فِي إِعْظَامِهِ، وَصَيَّرَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ، فَقَامَتْ قِيَامَةُ آلِ المَنْصُوْرِ، فَلَمْ تَطُلْ أَيَّامُهُ، وَتُوُفِّيَ (1) .
رَوَى عَنْهُ ضُعَفَاءُ: أَبُو الصَّلْتِ عَبْدُ السَّلاَمِ الهَرَوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَامِرٍ الطَّائِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ العَبَّاسِ القَزْوِيْنِيُّ.
وَرَوَى عَنْهُ - فِيْمَا قِيْلَ -: آدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، وَخَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الذُّهْلِيُّ الأَمِيْرُ، وَلاَ تَكَادُ تَصِحُّ الطُرُقُ إِلَيْهِ.
رَوَى المُفِيْدُ - وَلَيْسَ بِثِقَةٍ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُوْسَى، عَنْ أَبِيْهِ...، فَذَكَرَ حَدِيْثاً مُنْكَرَ المَتْنِ.
وَعَنْ عَلِيِّ بنِ مُوْسَى الرِّضَى، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى إِنْسَانٍ، أَعْطَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ، سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى، أَنَّ الشَّعْبِيَّ قَالَ: أَفْخَرُ بَيْتٍ قِيْلَ قَوْلُ الأَنْصَارِ يَوْمَ بَدْرٍ:
وَبِبِئْرِ بَدْرٍ إِذْ يَرُدُّ وُجُوْهَهُم ... جِبْرِيْلُ تَحْتَ لِوَائِنَا وَمُحَمَّدُ
ثُمَّ قَالَ الصُّوْلِيُّ: أَفْخَرُ مِنْهُ قَوْلُ الحَسَنِ بنِ هَانِئ فِي عَلِيِّ بنِ مُوْسَى الرِّضَى:
قِيْلَ لِي: أَنْتَ وَاحِدُ النَّاسِ فِي كُـ ... ـلِّ كَلاَمٍ مِنَ المَقَالِ بَدِيْهِ
__________
(1) " تاريخ الطبري " 8 / 554، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 326.

(9/388)


لَكَ فِي جَوْهَرِ الكَلاَمِ بَدِيعٌ ... يُثْمِرُ الدُّرَّ فِي يَدَيْ مُجْتَنِيْهِ
فَعَلاَمَ تَرَكْتَ مَدْحَ ابْنِ مُوْسَى ... بِالخِصَالِ الَّتِي تَجَمَّعْنَ فِيْهِ؟
قُلْتُ: لاَ أَهْتَدِي لِمَدْحِ إِمَامٍ ... كَانَ جِبْرِيْلُ خَادِماً لأَبِيْهِ (1)
قُلْتُ: لاَ يَسُوغُ إِطلاَقُ هَذَا الأَخِيْرِ إِلاَّ بِتَوقِيْفٍ، بَلْ كَانَ جِبْرِيْلُ مُعَلِّمَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ -.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ الذُّهْلِيُّ الأَمِيْرُ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيٍّ الرِّضَى بِنَيْسَابُوْرَ، فَجَهَرَ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ فِي كُلِّ سُوْرَةٍ.
قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ بِالكُوْفَةِ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الصَّلْتِ الهَرَوِيُّ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ مُوْسَى الرِّضَى، قَالَ:
مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ.
وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ الرِّضَى، عَنْ آبَائِهِ: كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى العَجْزُ وَالكَيْسُ.
وَعَنْ أَبِي الصَّلْتِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ مُوْسَى بِالمَوْقِفِ يَدعُو:
اللَّهُمَّ كَمَا سَتَرْتَ عَلَيَّ مَا أَعْلَمُ، فَاغْفِرْ لِي مَا تَعْلَمُ، وَكَمَا وَسِعَنِي عِلْمُكَ، فَلْيَسَعْنِي عَفْوُكَ، وَكَمَا أَكْرَمْتَنِي بِمَعْرِفَتِكَ، فَاشْفَعْهَا بِمَغْفِرَتِكَ، يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ، كَهْلاً.
قَالَ (2) ابْنُ حِبَّانَ: عَلِيُّ بنُ مُوْسَى يَرْوِي عَنْ أَبِيْهِ العَجَائِبَ، رَوَى
__________
(1) الابيات في " وفيات الأعيان " 3 / 270.
(2) من هنا وحتى نهاية الترجمة وردت في الأصل بعد ترجمة معروف الكرخي السابقة =

(9/389)


عَنْهُ: أَبُو الصَّلْتِ، وَغَيْرُهُ.
كَانَ يَهِمُ وَيُخْطِئُ (1) .
قَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ فِي (تَارِيْخِهِ (2)): إِنَّ عِيْسَى بنَ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي خَالِدٍ بَيْنَمَا هُوَ فِي عَرْضِ أَصْحَابِه، وَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابُ الحَسَنِ بنِ سَهْلٍ يُعلِمُهُ فِيْهِ أَنَّ المَأْمُوْنَ جَعَلَ عَلِيَّ بنَ مُوْسَى وَلِيَّ عَهْدِهِ؛ لأَنَّهُ نَظَرَ فِي بَنِي العَبَّاسِ، وَبَنِي عَلِيٍّ، فَلَمْ يَجِدْ أَحَداً هُوَ أَفْضَلَ وَلاَ أَعْلَمَ وَلاَ أَورَعَ مِنْهُ، وَأَنَّهُ سَمَّاهُ الرِّضَى مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَرَهُ بِطَرحِ لُبْسِ السَّوَادِ وَلُبْسِ الخُضرَةِ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَمائَتَيْنِ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ قِبَلَهُ بِالبَيْعَةِ لَهُ، وَيَلْبَسَ الخُضرَةَ فِي أَقْبِيَتِهِم وَقَلاَنِسِهِم وَأَعْلاَمِهِم، وَيَأْخُذَ أَهْلَ بَغْدَادَ جَمِيْعاً بِذَلِكَ.
فَدَعَا عِيْسَى أَهْلَ بَغْدَادَ إِلَى ذَلِكَ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ لَهُم رِزْقَ شَهْرٍ، فَأَبَى بَعْضُهُم، وَقَالُوا: هَذَا دَسِيسٌ مِنَ الفَضْلِ بنِ سَهْلٍ.
وَغَضِبَ بَنُو العَبَّاسِ، وَنَهَضَ إِبْرَاهِيْمُ وَمَنْصُوْرٌ ابْنَا المَهْدِيِّ، ثُمَّ نَزَعُوا الطَّاعَةَ، وَبَايَعُوا إِبْرَاهِيْمَ بنَ المَهْدِيِّ.
قَالَ الحَاكِمُ: وَرَدَ الرِّضَى نَيْسَابُوْرَ سَنَةَ مائَتَيْنِ، بَعَثَ إِلَيْهِ المَأْمُوْنُ رَجَاءَ بنَ أَبِي الضَّحَّاكِ لإِشخَاصِه مِنَ المَدِيْنَةِ إِلَى البَصْرَةِ، ثُمَّ مِنْهَا إِلَى الأَهْوَازِ، فَسَارَ مِنْهَا إِلَى فَارِسَ، ثُمَّ عَلَى طَرِيْقِ بُسْتَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، وَأَمَرَه أَنْ لاَ يَسلُكَ بِهِ طَرِيْقَ الجِبَالِ، ثُمَّ سَارَ بِهِ إِلَى مَرْوَ.
قَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ: دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلاَثٍ، فَسَارَ المَأْمُوْنُ إِلَى طُوْسَ، وَأَقَامَ عِنْدَ قَبْرِ أَبِيْهِ الرَّشِيْدِ أَيَّاماً، ثُمَّ إِنَّ عَلِيَّ بنَ مُوْسَى أَكَلَ عِنَباً، فَأَكْثَرَ
__________
= فنقلناها إلى هنا، وفي المجلد السادس من الأصل الثاني الموجود في أحمد الثالث كتب على الهامش بخط مغاير للأصل بعد الانتهاء من ترجمة معروف الكرخي: بداية ترجمة علي الرضى، وقد نقلها من هنا.
(1) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 106.
(2) 8 / 554.

(9/390)


مِنْهُ، فَمَاتَ فَجْأَةً، فِي آخِرِ صَفَرٍ، فَدُفِنَ عِنْدَ الرَّشِيْدِ، وَاغْتَمَّ المَأْمُوْنُ لِمَوْتِهِ (1) .
وَقِيْلَ: إِنَّ دِعْبِلاً الخُزَاعِيَّ أَنْشَدَ عَلِيَّ بنَ مُوْسَى مِدْحَةً (2)، فَوَصَلَهُ بِسِتِّ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَجُبَّةِ خَزٍّ، بَذَلَ لَهُ فِيْهَا أَهْلُ قُمٍّ أَلْفَ دِيْنَارٍ، فَامْتَنَعَ، وَسَافَرَ، فَجَهَّزُوا عَلَيْهِ مَنْ قَطَعَ عَلَيْهِ الطَّرِيْقَ، وَأُخِذَتِ الجُبَّةُ، فَرَجَعَ، وَكَلَّمَهُم.
فَقَالُوا: لَيْسَ إِلَى رَدِّهَا سَبِيْلٌ.
وَأَعْطَوْهُ الأَلْفَ دِيْنَارٍ وَخِرْقَةً مِنَ الجُبَّةِ لِلْبَرَكَةِ.
قَالَ المُبَرِّدُ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ المَازِنِيِّ، قَالَ:
سُئِلَ عَلِيُّ بنُ مُوْسَى الرِّضَى: أَيُكَلِّفُ اللهُ العِبَادَ مَا لاَ يُطِيْقُوْنَ؟
قَالَ: هُوَ أَعْدَلُ مِنْ ذَلِكَ.
قِيْلَ: فَيَسْتَطِيْعُوْنَ أَنْ يَفْعُلُوا مَا يُرِيْدُوْنَ؟
قَالَ: هُم أَعجَزُ مِنْ ذَلِكَ (3) .
قِيْلَ: قَالَ المَأْمُوْنُ لِلرَّضَى: مَا يَقُوْلُ بَنُو أَبِيْكَ فِي جَدِّنَا العَبَّاسِ؟
قَالَ: مَا يَقُوْلُوْنَ فِي رَجُلٍ فَرَضَ اللهُ طَاعَةَ نَبِيِّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَفَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَى نَبِيِّهِ.
وَهَذَا يُوهِمُ فِي البَدِيْهَةِ أَنَّ الضَّمِيْرَ فِي طَاعَتِهِ لِلْعَبَّاسِ، وَإِنَّمَا هُوَ للهِ، فَأَمَرَ لَهُ المَأْمُوْنُ بِأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ (4) .
وَكَانَ لِعَلِيٍّ إِخْوَةٌ مِنَ السَّرَارِي، وَهُم: إِبْرَاهِيْمُ، وَعَبَّاسٌ، وَقَاسِمٌ،
__________
(1) " تاريخ الطبري " 8 / 568.
(2) هي التائية المشهورة ومطلعها: مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات وهي من أحسن الشعر، وأسنى المدائح، أورد ما صح منها ياقوت في " معجم الأدباء " 11 / 103، 110، وأورد المزي الخبر في ترجمة علي الرضى (1995) وأنشد منها ثمانية أبيات.
(3) " تهذيب الكمال ": 995.
(4) " وفيات الأعيان ": 3 / 271.

(9/391)


وَإِسْمَاعِيْلُ، وَهَارُوْنُ، وَجَعْفَرٌ، وَحَسَنٌ، وَأَحْمَدُ، وَمُحَمَّدٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَحَمْزَةُ، وَزَيْدٌ، وَإِسْحَاقُ، وَعَبْدُ اللهِ، وَالحُسَيْنُ، وَالفَضْلُ، وَسُلَيْمَانُ، وَعِدَّةُ بَنَاتٍ، سَرَدَهُمُ الزُّبَيْرُ فِي كِتَابِ (النَّسَبِ (1)).
فَقِيْلَ: إِنَّ أَخَاهُ زَيْداً خَرَجَ بِالبَصْرَةِ عَلَى المَأْمُوْنِ، وَفَتَكَ، وَعَسَفَ، فَنَفَّذَ إِلَيْهِ المَأْمُوْنُ عَلِيَّ بنَ مُوْسَى أَخَاهُ لِيَرُدَّهُ.
فَسَارَ إِلَيْهِ - فِيْمَا قِيْلَ - وَقَالَ: وَيْلَكَ يَا زَيْدُ! فَعَلْتَ بِالمُسْلِمِيْنَ مَا فَعَلتَ، وَتَزْعُمُ أَنَّك ابْنُ فَاطِمَةَ؟! وَاللهِ لأَشَدُّ النَّاسِ عَلَيْكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْبَغِي لِمَنْ أَخَذَ بِرَسُوْلِ اللهِ أَنْ يُعْطِيَ بِهِ.
فَبَلَغَ المَأْمُوْنَ، فَبَكَى، وَقَالَ: هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ هَكَذَا (2) !
وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ الرِّضَى كَبِيْرَ الشَّأْنِ، أَهْلاً لِلْخِلاَفَةِ، وَلَكِنْ كَذَبَتْ عَلَيْهِ وَفِيْهِ الرَّافِضَّةُ، وَأَطْرَوْهُ بِمَا لاَ يَجُوْزُ، وَادَّعَوْا فِيْهِ العِصْمَةَ، وَغَلَتْ فِيْهِ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً.
وَهُوَ بَرِيْءٌ مِنْ عُهْدَةِ تِلْكَ النُّسَخِ المَوْضُوْعَةِ عَلَيْهِ، فَمِنْهَا:
عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ آبَائِهِ، مَرْفُوْعاً: (السَّبْتُ لَنَا، وَالأَحَدُ لِشِيْعَتِنَا، وَالاثْنَيْنُ لِبَنِي أُمَيَّةَ، وَالثُّلاَثَاءُ لِشِيْعَتِهِم، وَالأَرْبعَاءُ لِبَنِي العَبَّاسِ، وَالخَمِيْسُ لِشِيْعَتِهِم، وَالجُمُعَةُ لِلنَّاسِ جَمِيْعاً).
وَبِهِ: (لَمَّا أُسْرِيَ بِي، سَقَطَ مِنْ عَرَقِي، فَنَبَتَ مِنْهُ الوَرْدُ).
وَبِهِ: (ادَّهِنُوا بِالْبَنَفْسَجِ، فَإِنَّهُ بَارِدٌ فِي الصَّيْفِ، حَارٌّ فِي الشِّتَاءِ).
وَبِهِ: (مَنْ أَكَلَ رُمَّانَةً بِقِشْرِهَا، أَنَارَ اللهُ قَلْبَهُ أَرْبَعِيْنَ لَيْلَةً).
__________
(1) جمهرة أنساب العرب: 61
(2) وفيات الأعيان : 3 / 271

(9/392)


وَبِهِ: (الحِنَّاءُ بَعْدَ النَّوْرَةِ أَمَانٌ مِنَ الجُذَامِ).
وَبِهِ: (كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا عَطَسَ، قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: رَفَعَ الله ذِكْرَكَ، وَإِذَا عَطَسَ عَلِيٌّ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَعْلَى اللهُ كَعْبَكَ).
فَهَذِهِ أَحَادِيْثُ وَأَبَاطِيْلُ مِنْ وَضْعِ الضُّلاَّلِ (1) .
وَلِعَلِيِّ بنِ مُوْسَى مَشْهَدٌ بِطُوْسَ، يَقْصِدُوْنَهُ بِالزِّيَارَةِ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ مَاتَ مَسْمُوْماً.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: اسْتُشْهِدَ عَلِيُّ بنُ مُوْسَى بِسَنَدَابَاذَ (2) مِنْ طُوْسَ، لِتِسْعٍ بَقِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ خَلَّفَ مِنَ الوَلَدِ: مُحَمَّداً، وَالحَسَنَ، وَجَعْفَراً، وَإِبْرَاهِيْمَ، وَالحُسَيْنَ، وَعَائِشَةَ.

126 - زَيْدُ بنُ الحُبَابِ بنِ الرَّيَّانِ * (م، 4)
وَقِيْلَ: ابْنُ رُوْمَانَ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو الحُسَيْنِ العُكْلِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ، ثُمَّ الكُوْفِيُّ، الزَّاهِدُ.
وَالحُبَابُ - فِي اللُّغَةِ -: هُوَ نَوْعٌ مِنَ الأَفَاعِي.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
(1) وقد ذكرها ابن حبان في كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 106.
(2) قرية بخراسان قريبة من مدينة طوس. وقال عنها ياقوت: سناباذ.
(*) طبقات ابن سعد 6 / 402، تاريخ خليفة: 471، طبقات خليفة ت (1335)، التاريخ الكبير 3 / 391، التاريخ الصغير 2 / 298، المعارف: 517، الجرح والتعديل 3 / 561، تاريخ بغداد 8 / 442، تهذيب الكمال: 453، تذهيب التهذيب 1 / 250 / 2، العبر 1 / 339، تذكرة الحفاظ 1 / 350، الكاشف / 337، شرح العلل لابن رجب 2 / 671، تهذيب التهذيب 3 / 402، طبقات الحفاظ: 148، خلاصة تذهيب الكمال: 127، شذرات الذهب 2 / 6.

(9/393)


وَرَوَى عَنْ: أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ العُمَرِيِّ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَسَيْفِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَالضَّحَّاكِ بنِ عُثْمَانَ الحِزَامِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ الحِمْصِيِّ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَمُوْسَى بنِ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، وَالحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ المَرْوَزِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، وَمُوْسَى بنِ عُبَيْدَةَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَجَالَ فِي طَلَبِ العِلْمِ مِنْ مَرْوَ الشَّاهِجَانِ (1) ، وَإِلَى مِصْرَ، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ دَخَلَ إِلَى الأَنْدَلُسِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ، حَتَّى إِنَّ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - قَدْ رَوَى عَنْهُ.
وَثَّقَهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ بَعْضُ الحُفَّاظِ: هُوَ صَالِحُ الحَدِيْثِ، لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: صَاحِبُ حَدِيْثٍ كَيِّسٍ، قَدْ رَحَلَ إِلَى مِصْرَ وَخُرَاسَان فِي الحَدِيْثِ، مَا كَانَ أَصبَرَهُ عَلَى الفَقْرِ! كَتَبْتُ عَنْهُ بِالكُوْفَةِ، وَهَا هُنَا.
قَالَ: وَقَدْ ضَرَبَ (2) فِي الحَدِيْثِ إِلَى الأَنْدَلُسِ.
رَوَاهُ: أَبُو بَكْرٍ
__________
(1) أي: مرو العظمى، وهي أشهر مدن خراسان.
(2) أي: ذهب في طلب الحديث إلى هناك.
يقال: ضرب الرجل في الأرض: إذا ذهب وأبعد.

(9/394)


المَرُّوْذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: ظَنَّ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّ زَيْداً سَمِعَ مِنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ بِالأَنْدَلُسِ، فَقَدْ كَانَ عَلَى قَضَائِهَا، وَهَذَا وَهْمٌ، وَأَحسِبُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ بِمَكَّةَ، فَإِنَّ ابْنَ مَهْدِيٍّ وَغَيْرَهُ سَمِعُوا مِنْهُ بِمَكَّةَ (1) .
وَقَالَ الخَطِيْبُ فِي كِتَابِ (السَّابِقِ (2)):
حَدَّثَ عَنْ زَيْدِ بنِ الحُبَابِ: عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَبَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا ثَمَانٍ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بنِ حَرْبٍ الطَّائِيِّ، قَالَ: أَتَيْنَا زَيْدَ بنَ الحُبَابِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبٌ يَخْرُجُ فِيْهِ إِلَيْنَا، فَجَعَلَ البَابَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ حَاجِزاً، وَحَدَّثَنَا مِنْ وَرَائِهِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
قَالَ مُطَيَّنٌ، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ.

127 - العَوْفِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَطِيَّةَ *
قَاضِي الشَّرْقِيَّةِ بِبَغْدَادَ، ثُمَّ قَاضِي عَسْكَرِ المَهْدِيِّ، العَلاَّمَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ ابْنِ المُحَدِّثِ عَطِيَّةَ العَوْفِيُّ، الكُوْفِيُّ، الفَقِيْهُ.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 8 / 443.
(2) اسمه الكامل: " السابق واللاحق في تباعد ما بين وفاة الراويين عن شيخ واحد ".
ذكر المؤلف محتواه في مقدمة كتابه، فقال: هذا كتاب ضمنته ذكر من اشترك في الرواية عنه راويان تباين وقت وفاتيهما تباينا شديدا، وتأخر موت أحدهما عن الآخر تأخرا بعيدا، وسميته كتاب: السابق واللاحق، إشارة إلى لحاق المتأخر بالمتقدم في روايته، وإن كان غير معدود في أهل عصره، وهو مرتب على حروف المعجم.
ومنه نسخة خطية في دار الكتب المصرية في (148) ورقة تحت رقم (381) مصطلح الحديث.
(*) تاريخ ابن معين: 117، تاريخ خليفة: 458، التاريخ الكبير 2 / 385، المعارف: 518، الضعفاء للعقيلي لوحة: 90، الجرح والتعديل 3 / 48، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 246، تاريخ بغداد 8 / 29، 32، ميزان الاعتدال 1 / 532.

(9/395)


رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ.
وَعَنِ: الأَعْمَشِ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ حَسَنٌ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ سَعْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَإِسْحَاقُ بنُ بُهْلُوْلٍ، وَعُمَرُ بنُ شَبَّةَ.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ ضَعِيْفاً فِي القَضَاءِ، ضَعِيْفاً فِي الحَدِيْثِ (1) .
وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ: كَانَتْ لِحْيتُهُ تَبْلُغُ رُكْبَتَهُ (2) .
قُلْتُ: لَهُ حِكَايَاتٌ فِي القَضَاءِ، وَفِيْهِ دُعَابَةٌ، وَكَانَ مُسِنّاً كَبِيْراً.
قَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَمائَتَيْنِ (3).

128 - يَحْيَى بنُ سَلاَّمِ بنِ أَبِي ثَعْلَبَةَ أَبُو زَكَرِيَّا البَصْرِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو زَكَرِيَّا البَصْرِيُّ، نَزِيْلُ المَغْرِبِ بِإِفْرِيْقِيَةَ.
حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَفِطْرِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَشُعْبَةَ، وَالمَسْعُوْدِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ.
وَأَخَذَ القِرَاءاتِ عَنْ أَصْحَابِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ وَهْبٍ - وَهُوَ مِنْ طَبَقَتِهِ - وَوَلَدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى،
__________
(1) " تاريخ بغداد " 8 / 30.
(2) " تاريخ بغداد " 8 / 31.
(3) ذكر خليفة في " تاريخه ": 458: أنه توفي سنة تسع وثمانين ومئة.
(*) الجرح والتعديل 9 / 155، الكامل لابن عدي لوحة: 846، ميزان الاعتدال 4 / 380، 381، طبقات القراء 2 / 373، لسان الميزان 6 / 259، طبقات المفسرين 2 / 371.

(9/396)


وَأَحْمَدُ بنُ مُوْسَى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَبَحْرُ بنُ نَصْرٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ مَعَ ضَعْفِهِ (2) .
قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: رَوَى الحُرُوْفَ عَنْ أَصْحَابِ الحَسَنِ، وَغَيْرِهِ.
وَلَهُ اخْتِيَارٌ فِي القِرَاءةِ مِنْ طَرِيْقِ الآثَارِ، سَكَنَ إِفْرِيْقِيَةَ دَهْراً، وَسَمِعُوا مِنْهُ: تَفْسِيْرَهُ الَّذِي لَيْسَ لأَحَدٍ مِنَ المُتَقَدِّمِيْنَ مِثْلَهُ، وَكِتَابَهُ (الجَامِعَ).
قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، عَالِماً بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ بِاللُّغَةِ وَالعَرَبِيَّةِ، وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ (3) .
وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ بِمِصْرَ، بَعْدَ أَنْ حَجَّ، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ مائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-.

129 - الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الوَلِيْدِ الجُعْفِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الحَافِظُ، المُقْرِئُ، المُجَوِّدُ، الزَّاهِدُ، بَقِيَّةُ
__________
(1) " الجرح والتعديل " 9 / 155، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: ربما أخطأ، وقال سعيد بن عمرو البرذعي: قلت لأبي زرعة في يحيى بن سلام المغربي، فقال: لا بأس به ربما وهم، وقال أبو العرب في " طبقات القيروان ": كان مفسرا، وكان له قدر، ومصنفات كثيرة في فنون العلم، وكان من الحفاظ، ومن خيار خلق الله.
(2) " الكامل " لابن عدي: لوحة: 846.
ونقل المؤلف في " الميزان " 4 / 381،
تضعيفه عن الدارقطني، وقال: ومن أنكر ماله ما رواه الجماعة عن بحر بن نصر، حدثنا يحيى بن سلام، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " أي الشجرة أبعد من الخاذف ؟ " قالوا: فرعها، قال: فكذلك الصف المقدم هو أحصنها من الشيطان " وهذا منكر جدا.
(3) " طبقات القراء " للجزري 2 / 373.
(*) طبقات ابن سعد 6 / 396، تاريخ خليفة: 471، طبقات خليفة ت (1318)، التاريخ =

(9/397)


الأَعْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ.
قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، وَأَتْقَنَهُ.
وَأَخَذَ الحُرُوْفَ عَنْ: أَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: الأَعْمَشِ، وَجَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، وَمُجَمِّعِ بنِ يَحْيَى الأَنْصَارِيِّ، وَفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَزَائِدَةَ، وَطَائِفَةٍ سِوَاهُم.
وَصَحِبَ: الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، وَغَيْرَهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ - وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَإِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ الكَوْسَجُ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَأَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الوَكِيْعِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَهَارُوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَمَّالُ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ - يُرِيْدُ بِالفَضْلِ: التَّقْوَى وَالتَأَلُّهَ - هَذَا عُرْفُ المُتَقَدِّمِيْنَ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ: هُوَ ثِقَةٌ.
وَقَالَ قُتَيْبَةُ: قِيْلَ لِسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ: قَدِمَ حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ.
فَوَثَبَ
__________
= الكبير 2 / 381، المعرفة والتاريخ 1 / 195، الجرح والتعديل 3 / 55، تهذيب الكمال: لوحة 296، تذهيب التهذيب 1 / 157 / 2، العبر 1 / 339، تذكرة الحفاظ 1 / 349، الكاشف 1 / 232، دول الإسلام 1 / 127، غاية النهاية 1 / 247، تهذيب التهذيب 2 / 357، لسان الميزان 2 / 302، النجوم الزاهرة 2 / 174، طبقات الحفاظ: 146، خلاصة تذهيب الكمال: 840، شذرات الذهب 2 / 5.

(9/398)


قَائِماً، وَقَالَ: قَدِمَ أَفْضَلُ رَجُلٍ يَكُوْنُ قَطُّ (1) .
وَقَالَ مُوْسَى بنُ دَاوُدَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَجَاءَ حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، فَقَامَ سُفْيَانُ، فَقَبَّلَ يَدَهُ (2) .
وَقَالَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ عَالِمُ خُرَاسَانَ: إِنْ كَانَ بَقِيَ مِنَ الأَبْدَالِ أَحَدٌ، فَحُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ...، وَذَكَرَ اثْنَيْنِ (3) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ الجُعْفِيُّ، وَكَانَ رَاهِبَ أَهْلِ الكُوْفَةِ.
وَرَوَى: أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، عَنِ الكِسَائِيِّ، قَالَ:
قَالَ لِي هَارُوْنُ الرَّشِيْدُ: مَنْ أَقْرَأُ النَّاسِ؟
قُلْتُ: حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ (4) .
قَالَ حُمَيْدُ بنُ الرَّبِيْعِ: رَأَى حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ كَأَنَّ القِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، وَكَأَنَّ مُنَادِياً يُنَادِي: لِيَقُمِ العُلَمَاءُ، فَيَدْخُلُوا الجَنَّةَ.
قَالَ: فَقَامُوا، وَقُمْتُ مَعَهُم.
فَقِيْلَ لِي: اجْلِسْ، لَسْتَ مِنْهُم، أَنْتَ لاَ تُحَدِّثُ.
قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ بَعْدُ يُحَدِّثُ بَعْدَ أَنْ كَانَ لاَ يُحَدِّثُ، حَتَّى كَتَبْنَا عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ حَدِيْثٍ (5) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ: ثِقَةٌ، كَانَ يُقْرِئُ القُرْآنَ، رَأَسَ فِيْهِ، وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً، لَمْ أَرَ رَجُلاً قَطُّ أَفْضَلَ مِنْهُ، قَدْ رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ حَدِيْثَيْنِ، وَلَمْ نَرَهُ إِلاَّ مُقْعَداً. قَالَ: وَيُقَالُ:
__________
(1) " تهذيب الكمال ": 269.
(2) " تهذيب الكمال ": 296.
(3) " طبقات الحفاظ ": 146.
(4) " غاية النهاية " 1 / 247، وقد تقدم الخبر بأطول مما هنا في الصفحة 44.
(5) " تهذيب الكمال ": 296.

(9/399)


إِنَّهُ لَمْ يَنْحَرْ، وَلَمْ يَطَأْ أُنْثَى قَطُّ.
قُلْتُ: هَذَا كَمَا يُقَالَ: فُلاَنٌ لاَ نَكَحَ وَلاَ ذَبَحَ.
قَالَ: وَكَانَ جَمِيْلاً، لَبَّاساً، يَخْضِبُ، وَخِضَابُهُ إِلَى الصُّفْرَةِ، وَخَلَّفَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ دِيْنَاراً، وَكَانَ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ عَنْ زَائِدَةَ بنِ قُدَامَةَ، كَانَ زَائِدَةُ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ إِلَى مَنْزِلِهِ يُحَدِّثُهُ، وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِذَا رَآهُ، عَانَقَهُ، وَقَالَ: هَذَا رَاهِبٌ جُعْفِيٌّ (1) .
قُلْتُ: تَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ، تَلاَ عَلَيْهِ: أَيُّوْبُ بنُ المُتَوَكِّلِ، وَغَيْرُهُ.
وَحَدِيْثُهُ فِي كُتُبِ الإِسْلاَمِ السِّتَّةِ، وَفِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ).
وَيَقَعُ لَنَا حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي (مُسْنَدِ عَبْدٍ (2))، وَفِي أَجْزَاءَ عِدَّةٍ.
قِيْلَ: إِنَّ مَوْلِدَهُ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي شَهْرِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَتُوُفِّيَ مَعَهُ فِي العَامِ: يَحْيَى بنُ آدَمَ عَالِمُ الكُوْفَةِ، وَعَلِيُّ بنُ مُوْسَى الرِّضَى العَلَوِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ العَبْدِيُّ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَأَزْهَرُ بنُ سَعْدٍ السَّمَّانُ، وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ العُذْرِيُّ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ القَزْوِيْنِيُّ غَيْرَ مَرَّةٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ فِي كِتَابِهِ العَامِّ.
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ إِجَازَةً، عَنْ خَلِيْلِ بنِ بَدْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ، قَالُوا:
أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
__________
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 297.
(2) هو عبد بن حميد، الامام الحافظ المحدث أبو محمد صاحب المسند المتوفى سنة 249 ه.

(9/400)


جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ شَقِيْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالَّذِيْنَ يَتَّخِذُوْنَ القُبُوْرَ مَسَاجِدَ (1)).
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، قَوِيُّ الإِسْنَادِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ يُوْسُفَ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَآخَرُوْنَ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ دَاوُدَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمُّوَيْه، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ خُزَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ عَقِيْلٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي بَكْرٍ: (مَتَى تُوْتِرُ؟).
قَالَ: بَعْدَ العَتَمَةِ، قَبْلَ أَنْ أَنَامَ.
وَقَالَ لِعُمَرَ: (مَتَى تُوْتِرُ؟).
قَالَ: مَنْ آخِرِ اللَّيْلِ.
قَالَ: (حَزُمَ هَذَا، وَقَوِيَ هَذَا) (2).
__________
(1) إسناده حسن، وأخرجه أحمد في " المسند " 1 / 405 و435، والطبراني (10413)، وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان " 1 / 142، وابن أبي شيبة من طرق عن زائدة بهذا الإسناد، وصححه ابن خزيمة (789)، وابن حبان (340) و(341).
وأخرج الشطر الأول منه البخاري 13 / 16، في الفتن: باب ظهور الفتن دون قوله: " والذين يتخذون القبور مساجد " من طريق محمد بن جعفر عن شعبة، عن واصل الاحدب، عن أبي وائل، عن ابن مسعود.
(2) ابن عقيل: هو عبد الله بن محمد الهاشمي في حديثه لين، وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه أحمد 3 / 309 و330، وابن ماجة (1202) في إقامة الصلاة: باب ما جاء في الوتر أول الليل من طرق عن زائدة بهذا الإسناد، وله شاهد عن أبي داود (1434) في الصلاة: باب في الوتر قبل النوم من حديث أبي قتادة، وإسناده صحيح، واخر عند ابن ماجة 1 / 379، 380 من حديث ابن عمر، وسنده قوي. فالحديث صحيح.

(9/401)


130 - أَبُو بَكْرٍ الأَصَمُّ *
شَيْخُ المُعْتَزِلَةِ، أَبُو بَكْرٍ الأَصَمُّ.
كَانَ ثُمَامَةُ بنُ أَشْرَسَ يَتَغَالَى فِيْهِ، وَيُطْنِبُ فِي وَصْفِهِ.
وَكَانَ دَيِّناً، وَقُوْراً، صَبُوْراً عَلَى الفَقْرِ، مُنْقَبِضاً عَنِ الدَّوْلَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فِيْهِ مَيْلٌ عَنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ.
مَاتَ: سَنَةَ إِحْدَى وَمائَتَيْنِ.
وَلَهُ: تَفْسِيْرٌ، وَكِتَابُ (خَلْقِ القُرْآنِ)، وَكِتَابُ (الحُجَّةِ وَالرُّسُلِ)، وَكِتَابُ (الحَرَكَاتِ)، وَ(الرَّدُّ عَلَى المُلْحِدَةِ)، وَ(الرَّدُّ عَلَى المَجُوْسِ)، وَ(الأَسْمَاءُ الحُسْنَى)، وَ(افْتِرَاقُ الأُمَّةِ)، وَأَشْيَاءُ عِدَّةٌ، وَكَانَ يَكُوْنُ بِالعِرَاقِ.

131 - رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ بنِ العَلاَءِ القَيْسِيُّ البَصْرِيُّ ** (ع)
ابْنِ حَسَّانِ بنِ عَمْرٍو الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، الإِمَامُ، أَبُو مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ، البَصْرِيُّ؛ مِنْ قَيْسِ بنِ ثَعْلَبَةَ.
حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَوْنٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الحُمْرَانِيِّ، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ المَدَنِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ العَبْدِيِّ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَزَكَرِيَّا بنِ
__________
(*) الفهرست لابن النديم 214.
(* *) تاريخ ابن معين: 168، طبقات ابن سعد 7 / 296، طبقات خليفة ت (1925)، التاريخ الكبير 3 / 309، التاريخ الصغير 2 / 304، الضعفاء للعقيلي: لوحة 134، الجرح والتعديل 3 / 498، تاريخ بغداد 8 / 401، تهذيب الكمال لوحة: 421، تذهيب التهذيب 1 / 229 / 1، العبر 1 / 347، ميزان الاعتدال 2 / 58، تذكرة الحفاظ 1 / 349، الكاشف 1 / 313، دول الإسلام 1 / 127، تهذيب التهذيب 3 / 293، النجوم الزاهرة 2 / 179، طبقات الحفاظ: 146، خلاصة تذهيب الكمال: 118، شذرات الذهب 2 / 13.

(9/402)


إِسْحَاقَ، وَعَبَّادِ بن إِسْحَاقَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ الأَخْنَسِ، وَعَلِيِّ بنِ سُوَيْدِ بنِ مَنْجُوْفٍ، وَعُمَرَ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، وَمُوْسَى بنِ عُبَيْدَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَحَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ، وَحَجَّاجٍ الصَّوَّافِ، وَحَاتِمِ بنِ أَبِي صَغِيْرَةَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَسُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَمَالِكٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَيَنْزِلُ إِلَى: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَنَحْوِهِ.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ المُحَدِّثِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيٌّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَبُنْدَارُ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ، وَزُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ النَّرْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الكُدَيْمِيُّ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ الكُدَيْمِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ:
نَظَرْتُ لِرَوْحِ بنِ عُبَادَةَ فِي أَكْثَرَ مِنْ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ، كَتَبتُ مِنْهَا عَشْرَةَ آلاَفٍ (1) .
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: رَوْحٌ كَانَ أَحَدَ مَنْ يَتَحَمَّلُ الحَمَالاَتِ (2) ، وَكَانَ سَرِيّاً، مَرِيّاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ جِدّاً، صَدُوْقاً، سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ:
مِنَ المُحَدِّثِيْنَ قَوْمٌ لَمْ يَزَالُوا فِي الحَدِيْثِ، لَمْ يُشْغَلُوا عَنْهُ، نَشَؤُوا،
__________
(1) " تاريخ بغداد " 8 / 401.
(2) الحمالات: جمع حمالة: وهي الدية والغرامة، وهي أن تقع حرب بين قوم وتسفك فيها الدماء، فيتحمل رجل الديات ليصلح بينهم.

(9/403)


فَطَلبُوا، ثُمَّ صَنَّفُوا، ثُمَّ حَدَّثُوا، مِنْهُم: رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ (1) .
قَالَ يَعْقُوْبُ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ رَوْحٍ، فَقَالَ:
صَدُوْقٌ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، حَدِيْثُهُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، ثُمَّ يُحَدِّثُ عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ.
فَقُلْتُ لِيَحْيَى: زَعَمُوا أَنَّ يَحْيَى القَطَّانَ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِيْهِ.
فَقَالَ: بَاطِلٌ، مَا تَكَلَّمَ فِيْهِ بِشَيْءٍ، وَهُوَ صَدُوْقٌ.
قَالَ يَعْقُوْبُ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ...، فَذَكَرَ هَذِهِ القِصَّةَ، فَلَمْ أَضْبِطْهَا عَنْهُ، فَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ عَلِيّاً
، قَالَ:
كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَتَكَلَّمُ فِي رَوْحٍ، فَإِنِّي لَعِنْدَ يَحْيَى، إِذْ جَاءهُ رَوْحٌ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ حَدِيْثِ أَشْعَثَ، فَلَمَّا قَامَ، قُلْتُ لِيَحْيَى: أَمَا تَعْرِفُ هَذَا؟
قَالَ: لاَ.
قُلْتُ: هَذَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، كَأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُهُ، وَلَكِن لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ اسْمِهِ وَصِفَتِهِ.
قَالَ: فَقَالَ: هَذَا رَوْحٌ؟ مَا زِلْتُ أَعْرِفُهُ يَطْلُبُ الحَدِيْثَ وَيَكتُبُهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَلَكِنْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ يَطعَنُ عَلَى رَوْحٍ، وَيُنْكِرُ عَلَيْهِ أَحَادِيْثَ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ هَذِهِ المَسَائِلَ.
فَقَالَ لِي مَعْنٌ: وَمَا يَصْنَعُ بِهَا؟ هِيَ عِنْد بَصْرِيٍّ لَكُم، كَانَ عِنْدَنَا هَا هُنَا حِيْنَ قَرَأَ عَلَيْنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ هَذَا الكِتَابَ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَأَتَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَخْبَرتُهُ، فَأَحْسِبُهُ قَالَ: اسْتَحَلَّهُ لِي (2) .
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ: قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ:
هَذَا القَوَارِيْرِيُّ يُحَدِّثُ عَنْ عِشْرِيْنَ مِنَ الكَذَّابِيْنَ، وَيَقُوْلُ: لاَ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 8 / 403، 404.
(2) " تاريخ بغداد " 8 / 404.

(9/404)


أُحَدِّثُ عَنْ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ (1) .
قَالَ يَعْقُوْبُ: وَسَمِعْتُ عَفَّانَ بنَ مُسْلِمٍ لاَ يَرْضَى أَمْرَ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ: أَنَّهُ سَمِعَ عَفَّانَ - وَذَكَرَ رَوْحَ بنَ عُبَادَةَ - فَقَالَ:
هُوَ أَحْسَنُ حَدِيْثاً عِنْدِي مِنْ خَالِدِ بنِ الحَارِثِ، وَأَحسَنُ حَدِيْثاً مَنْ يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، فَلِمَ تَرَكْنَاهُ؟ -يَعْنِي كَأَنَّهُ يَطْعُنُ عَلَيْهِ-.
فَقَالَ لَهُ أَبُو خَيْثَمَةَ: لَيْسَ هَذَا بِحُجَّةٍ، كُلُّ مَنْ تَرَكتَهُ أَنْتَ يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ، أَمَّا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، فَقَدْ جَازَ حَدِيْثُهُ، الشَّأْنُ فِيْمَنْ بَقِيَ.
قَالَ يَعْقُوْبُ: وَأَحسِبُ أَنَّ عَفَّانَ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ حُجَّةٌ مِمَّا يَسقُطُ بِهَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، لاَحْتَجَّ بِهَا فِي ذَلِكَ الوَقْتِ (2) .
أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ:
كَانَ القَوَارِيْرِيُّ لاَ يُحَدِّثُ عَنْ رَوْحٍ، وَأَكْثَرُ مَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ تِسْعُ مائَةِ حَدِيْثٍ حَدَّثَ بِهَا عَنْ مَالِكٍ سَمَاعاً (3) .
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَسَمِعْتُ الحُلْوَانِيَّ يَقُوْلُ:
أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ كِتَابَهُ: رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَأَبُو أُسَامَةَ.
قَالَ عَقِيْبَ هَذَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ (4) : يَعْنِي أَنَّهُمَا رَوَيَا مَا خُوْلِفَا فِيْهِ! فَأَظْهَرَا كُتُبَهُمَا حُجَّةً لَهُمَا عَلَى مُخَالِفِيْهِمَا، إِذْ رِوَايَتُهُمَا عَنْ حِفْظِهِمَا مُوَافِقَةٌ لِمَا فِي كُتُبِهِمَا.
قَالَ: وَرَوْحٌ كَانَ بَصْرِيّاً، قَدِمَ بَغْدَادَ، وَحَدَّثَ بِهَا مُدَّةً طَوِيْلَةً، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى البَصْرَةِ، فَمَاتَ بِهَا، وَكَانَ كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، صَنَّفَ الكُتُبَ فِي السُّنَنِ وَالأَحْكَامِ، وَجَمَعَ التَّفْسِيْرَ، وَكَانَ ثِقَةً.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 8 / 403.
(2) " تاريخ بغداد " 8 / 403.
(3) " تاريخ بغداد " 8 / 402.
(4) في " تاريخ بغداد " 8 / 402 - 403.

(9/405)


وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ: طَعَنَ عَلَى رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ اثْنَا عَشَرَ أَوْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، فَلَمْ يَنْفُذْ قَوْلُهُم فِيْهِ (1) .
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: ذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ رَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ: لاَ تَفْعَلْ، فَإِنَّ هُنَا قَوْماً يَحمِلُوْنَ كَلاَمَك.
فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ.
ثُمَّ دَخَلَ، فَتَوَضَّأَ - يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الغِيْبَةَ تُنْقِضُ الوُضُوْءَ (2) -.
وَقِيْلَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تَكَلَّمَ فِيْهِ: وَهِمَ فِي إِسْنَادِ حَدِيْثٍ.
وَهَذَا تَعَنُّتٌ، وَقِلَّةُ إِنصَافٍ فِي حَقِّ حَافِظٍ قَدْ رَوَى أُلُوْفاً كَثِيْرَةً مِنَ الحَدِيْثِ، فَوَهِمَ فِي إِسْنَادٍ، فَرَوْحٌ لَوْ أَخْطَأَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيْثَ فِي سَعَةِ عِلْمِهِ، لاَغْتُفِرَ لَهُ ذَلِكَ أُسْوَةُ نُظَرَائِهِ، وَلَسْنَا نَقُوْلُ: إِنَّ رُتْبَةَ رَوْحٍ فِي الحِفْظِ وَالإِتْقَانِ كَرُتْبَةِ يَحْيَى القَطَّانِ، بَلْ مَا هُوَ بِدُوْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَلاَ أَبِي النَّضْرِ.
وَقَدْ رَوَى: الكِنَانِيُّ، عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، قَالَ: رَوْحٌ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي (الكُنَى)، وَفِي أَثْنَاءِ كِتَابِ العَتْقِ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
قَالَ خَلِيْفَةُ (3) ، وَمُطَيَّنٌ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ.
زَادَ غَيْرُهُمَا، فَقَالَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى.
وَوَهِمَ الكُدَيْمِيُّ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ قُدَامَةَ الفَقِيْهُ، وَجَمَاعَةٌ إِذْناً، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا رَوْحُ
__________
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 422.
(2) " تاريخ بغداد " 8 / 402.
(3) في " الطبقات " 1 / 545.

(9/406)


بنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَمُرُّ النَّاسُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ، وَعَلَيْهِ خَطَاطِيْفُ وَحَسَكٌ وَكَلاَلِيبُ تَخْطَفُ النَّاسَ، وَبِجَنْبَتَيْهِ مَلاَئِكَةٌ يَقُوْلُوْنَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ.
فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَمُرُّ مِثْلَ البَرْقِ، وَمِنْهُم مَنْ يَمُرُّ مِثْلَ الرِّيْحِ، وَمِنْهُم مَنْ يَمُرُّ مِثْلَ الفَرَسِ المُجْرَى، وَمِنْهُم مَنْ يَسْعَى سَعْياً، وَمِنْهُم مَنْ يَحْبُو حَبْواً، وَمِنْهُم مَنْ يَزْحَفُ زَحْفاً، فَأَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِيْنَ هُمْ أَهْلُهَا، فَلاَ يَمُوْتُوْنَ، وَلاَ يَحْيَوْنَ، وَأَمَّا أُنَاسٌ يُؤْخَذُوْنَ بِذُنُوْبٍ وَخَطَايَا، فَيَحْتَرِقُوْنَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ فِي الشَّفَاعَةِ...) الحَدِيْثَ (1) .
أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيْثِ خَالِدٍ الطَّحَّانِ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ غِيَاثٍ؛ أَحَدِ الثِّقَاتِ.
ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ (اللِّبَاسِ): حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ، عَنْ مَيْمُوْنَةَ، قَالَتْ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي عَلَى الخُمْرَةِ، وَفِيْهَا تَصَاوِيْرُ (2) .
رَوَاهُ: البُخَارِيُّ دُوْنَ (وَفِيْهَا تَصَاوِيْرُ) (3).
__________
(1) صحيح، وأخرجه أحمد 3 / 25، من طريق يحيى بن سعيد، و26 من طريق روح، كلاهما عن عثمان بن غياث.
وأخرجه بأطول مما هنا البخاري 13 / 358، 360 في التوحيد: باب قوله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة، ومسلم (183) في الايمان: باب معرفة طريق الرؤية، وأحمد 3 / 16 من طرق، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري.
(2) إسناده صحيح على شرط البخاري.
(3) 1 / 413 في الصلاة: باب الصلاة على الخمرة، ومسلم (513) (270) في المساجد: باب جواز الجماعة في النافلة، وأبو داود (656) في الصلاة: باب الصلاة على الخمرة، والنسائي 2 / 57، في الصلاة باب الصلاة على الخمرة، وأحمد 6 / 330 و336 كلهم من طريق سليمان الشيباني بهذ الإسناد.
وجملة " وفيها تصاوير " ليست عند الجميع.

(9/407)


132 - الهُجَيْمِيُّ أَحْمَدُ بنُ عَطَاءٍ البَصْرِيُّ *
شَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ، العَابِدُ، القَانِتُ، أَحْمَدُ بنُ عَطَاءٍ الهُجَيْمِيُّ، البَصْرِيُّ، القَدَرِيُّ، المُبْتَدِعُ، فَمَا أَقْبَحَ بِالزُّهَّادِ رُكُوْبَ البِدَعِ!
كَانَ تِلْمِيْذَ شَيْخِ البَصْرَةِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زَيْدٍ.
ذَكَرَهُ: أَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ فِي (طَبَقَاتِ النُّسَّاكِ)، فَقَالَ:
بَرَّزَ فِي العِبَادَةِ وَالاجْتِهَادِ، وَأَخَذَ المَعْلُوْمَ مِنَ القُوْتِ، وَذَكَرَ أَنَّ الطَّرِيْقَ إِلَى اللهِ لاَ يَكُوْنُ إِلاَّ مِنْ هَذِهِ الأَبْوَابِ: الصَّوْمِ، وَالصَّلاَةِ، وَالجُوْعِ، وَكَانَ يَمِيْلُ إِلَى اكْتِسَابِ القُوْتِ بِيَدِهِ، وَلَزِمَ طَرِيْقَ شَيْخِهِ فِي اللُّطْفِ، فَكَانَ قَدَرِياً غَيْرَ مُعْتَزِلِيٍّ، وَكَتَبَ شَيْئاً مِنَ الحَدِيْثِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ رُسْتَه: رَآنِي ابْنُ مَهْدِيٍّ يَوْمَ جُمُعَةٍ جَالِساً إِلَى جَنْبِ أَحْمَدَ بنِ عَطَاءٍ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ فِي القَدَرِ، وَكَانَ أَزْهَدَ مَنْ رَأَيْتُ، فَاعْتَذَرْتُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ:
لاَ تُجَالِسْهُ، فَإِنَّ أَهْوَنَ مَا يَنْزِلُ بِك أَنْ تَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئاً، يَجِبُ للهِ عَلَيْكَ أَنْ تَقُوْلَ لَهُ: كَذَبتَ، وَلَعَلَّكَ لاَ تَفْعَلُ.
وَكَانَ ابْنُ عَطَاءٍ قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلأُسْتَاذِيَّةِ، وَوَقَفَ دَاراً فِي بَلْهُجَيْمٍ (1) لِلْمُتَعَبِّدِيْنَ وَالمُرِيْدِيْنَ يَقُصُّ عَلَيْهِم.
قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: وَأَحْسِبُهَا أَوَّلَ دَارٍ وُقِفَتْ بِالبَصْرَةِ لِلْعِبَادَةِ.
صَحِبَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: أَحْمَدُ بنُ غَسَّانَ الزَّاهِدُ، وَأَبُو بَكْرٍ
__________
(*) ميزان الاعتدال 1 / 119، المغني في الضعفاء 1 / 47، لسان الميزان 1 / 221.
(1) بلهجيم: الأصل " بني الهجيم " ولذا وجب أن لا يصحب الكسرة التي في الميم التنوين، وهي محلة بالبصرة نزلها بنو الهجيم، وهم بطن من العرب ينسبون إلى الهجيم بن عمرو ابن تميم بن مر بن أد، فنسبت إليهم.

(9/408)


العَطَشِيُّ (1) ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحَمَّالُ، وَجَلَسَ فِي المَشْيَخَةِ بَعْدَهُ: ابْنُ غَسَّانَ، فَوَقَفَ دَاراً لِنَفْسِهِ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَحْمَدُ بنُ عَطَاءٍ الهُجَيْمِيُّ يَرْوِي عَنْ خَالِدٍ العَبْدِ، وَعَنِ الضُّعَفَاءِ، مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: هُوَ صَاحِبُ المِضْمَارِ، وَكَانَ مُجْتَهِداً -يَعْنِي: فِي العِبَادَةِ- وَكَانَ مُغَفَّلاً، يُحَدِّثُ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: أَتَيْتُهُ يَوْماً، فَوَجَدْتُ مَعَهُ دَرجاً يُحَدِّثُ بِهِ.
فَقُلْتُ لَهُ: أَسَمِعْتَ هَذَا؟
قَالَ: لاَ، وَلَكِنِ اشْتَرَيْتُهُ، وَفِيْهِ أَحَادِيْثُ حِسَانٌ أُحَدِّثُ بِهَا هَؤُلاَءِ.
فَقُلْتُ: أَمَّا تَخَافُ اللهَ؟ تُقَرِّبُ العِبَادَ إِلَى اللهِ بِالكَذِبِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-!
قُلْتُ: مَا كَانَ الرَّجُلُ يَدْرِي مَا الحَدِيْثُ، وَلَكِنَّهُ عَبْدٌ صَالِحٌ، وَقَعَ فِي القَدَرِ، نَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ تُرَّهَاتِ الصَّوَفَةِ، فَلاَ خَيْرَ إِلاَّ فِي الاتِّبَاعِ، وَلاَ يُمْكِنُ الاتِّبَاعُ إِلاَّ بِمَعْرِفَةِ السُّنَنِ.
تُوُفِّيَ الهُجَيْمِيُّ هَذَا: سَنَةَ مائَتَيْنِ.
وَمَاتَ أَحْمَدُ بنُ غَسَّانَ: قَبْلَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَكِنَّهُ رَجَعَ عَنِ القَدَرِ، وَامْتَنَعَ مِنَ القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، فَأُخِذَ، وَحُبِسَ، فَرَأَى فِي الحَبْسِ أَحْمَد بنَ حَنْبَلٍ، وَالبُوَيْطِيَّ، فَأَعْجَبَهُمَا سَمْتُهُ وَكَلاَمُهُ، وَخَاطَبَاهُ، فَانْتَفَعَ.
قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: إِلاَّ أَنَّ أَصْحَابَهُ يُنْكِرُوْنَ رُجُوْعَهُ عَنِ القَدَرِ.
__________
(1) هذه نسبة إلى سوق العطش، وهو موضع بالجانب الشرقي من بغداد.

(9/409)


133 - خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَسَدٍ البَجَلِيُّ *
ابْنُ أَمِيْرِ العِرَاقِ، البَجَلِيُّ، القَسْرِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
رَوَى عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ سُوْقَةَ، وَعَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَأَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَأَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، وَأَبِي رَوْقٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ عَلِيٍّ العَبَّاسِيِّ، وَأُمَيٍّ الصَّيْرَفِيِّ، وَغَيْرِهِم.
وَكَانَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ وَمَعْرِفَةٍ، وَلَيْسَ بِالمُتْقِنِ، يَنْفَرِدُ بِالمَنَاكِيْرِ.
رَوَى عَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ - وَهُوَ مِنْ طَبَقَتِهِ - وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَدُحَيْمٌ، وَسُلَيْمَانُ ابْنُ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ، وَأَحْمَدُ بنُ جَنَابٍ المَصِّيْصِيُّ، وَهِشَامُ بنُ خَالِدٍ، وَيُوْسُفُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مُسَلَّمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ بَكْرُوَيْه البَالِسِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (جُزْءِ ابْنِ أَبِي ثَابِتٍ).
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ العُقَيْلِيُّ: لاَ يُتَابَعُ عَلَى حَدِيْثِهِ (1) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ (2) .
وَذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، فَسَاقَ لَهُ جَمَاعَةَ أَحَادِيْثَ، وَقَالَ: أَحَادِيْثُهُ لاَ
__________
(*) الجرح والتعديل 3 / 357، الضعفاء للعقيلي لوحة 118، الكامل لابن عدي لوحة 231، ميزان الاعتدال 1 / 647، المغني في الضعفاء 1 / 208، لسان الميزان 3 / 391، تهذيب تاريخ ابن عساكر 5 / 117.
(1) " الضعفاء ": لوحة 118.
(2) " الجرح والتعديل " 3 / 357.

(9/410)


يُتَابَعُ عَلَيْهَا كُلُّهَا، لاَ إِسْنَاداً، وَلاَ مَتْناً.
ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ أَرَ لِلْمُتَقَدِّمِيْنَ الَّذِيْنَ يَتَكَلَّمُوْنَ فِي الرِّجَالِ فِيْهِ قَوْلاً، وَهُوَ مَعَ ضَعفِهِ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ (1) .
وَمِنْ مَنَاكِيْرِهِ: حَدَّثَنَا أُمَيُّ الصَّيْرَفِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ: إِذَا صَلَّى المَغْرِبَ دُوْنَ المُزْدَلِفَةِ، أَعَادَ (2) .
وَفِي العُلَمَاءِ جَمَاعَةٌ بِاسْمِهِ، فَمِنْهُمْ:

134 - خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ *
الأَمِيْرُ، أَبُو هَاشِمٍ الأُمَوِيُّ.
رَوَى عَنْ: دِحْيَةَ الكَلْبِيِّ، وَأَبِيْهِ.
وَعَنْهُ: رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَالزُّهْرِيُّ.
وَدَارُهُ هِيَ الَّتِي صَارَتِ اليَوْمَ قَيْسَارِيَّةَ مُدِّ الذَّهَبِ، وَكَانَتْ مِنْ قَبْلُ
__________
(1) " الكامل " لابن عدي: لوحة 231.
(2) ذكره العقيلي في كتاب " الضعفاء " لوحة: 118 وفي " الموطأ " 1 / 401، والبخاري 3 / 418، ومسلم (1287)، عن أبي أيوب الأنصاري أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع المغرب والعشاء بمزدلفة جميعا، وفي " الموطأ " 1 / 400، 401 أيضا، والبخاري 1 / 212، ومسلم (2280) عن أسامة بن زيد قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان بالشعب، نزل فبال، ثم توضأ، فلم يسبغ الوضوء، فقلت له: الصلاة يارسول الله، قال: " الصلاة أمامك " فركبت، فلما جاء المزدلفة، نزل، فتوضأ، فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة، فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت العشاء، فصلاها، ولم يصل بينهما شيئا.
(*) التاريخ الكبير 3 / 181، المعارف: 352، الجرح والتعديل 3 / 361، الفهرست لابن النديم: 354، وفيات الأعيان 2 / 224، تهذيب الكمال: 371، تذهيب التهذيب 1 / 195 / 1، الكاشف 1 / 276، البداية والنهاية 9 / 60، تهذيب التهذيب 3 / 128، خلاصة تذهيب الكمال: 103، شذرات الذهب 1 / 96 و99، تهذيب تاريخ ابن عساكر 5 / 119، 123.

(9/411)


تُعْرَفُ بِدَارِ الحِجَارَةِ، شَرْقِيَّ الجَامِعِ.
وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ، ذَا عِلْمٍ، وَفَضْلٍ، وَصَوْمٍ، وَسُؤْدُدٍ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ فِي تَرْجَمَتِهِ: كَانَ مِنْ أَعْلَمِ قُرَيْشٍ بِفُنُوْنِ العِلْمِ.
قَالَ: وَكَانَ بَصِيْراً بِهَذَيْنِ العِلْمَيْنِ: الطِّبِّ وَالكِيْمِيَاءِ، وَلَهُ نَظْمٌ رَائِقٌ.
وَ
135 - خَالِدُ ابْنُ الخَلِيْفَةِ يَزِيْدَ بنِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ
صَلَبَهُ مَرْوَان الحِمَارُ.
وَ

136 - خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ صَالِحِ بنِ صُبَيْحٍ أَبُو هَاشِمٍ المُرِّيُّ *
يَرْوِي عَنْ: جَدِّهِ، وَمَكْحُوْلٍ، وَيُوْنُسَ بنِ مَيْسَرَةَ.
وَتَلاَ عَلَى: ابْنِ عَامِرٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عِرَاكٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبِ بنِ شَابُوْرَ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَنُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، وَعِدَّةٌ.
وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ.
__________
(1) " وفيات الأعيان " 2 / 224.
(*) التاريخ الكبير 3 / 181، الجرح والتعديل 3 / 358، تهذيب الكمال: لوحة 370، تذهيب التهذيب 1 / 195 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 648، الكاشف 1 / 276، تهذيب التهذيب 3 / 125، خلاصة تذهيب الكمال: 103.
(2) في " الجرح والتعديل " 3 / 359.

(9/412)


مَاتَ: بَعْدَ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ.
وَ

137 - خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي مَالِكٍ الهَمْدَانِيُّ * (ق)
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَالصَّلْتِ بنِ بَهْرَامَ، وَأَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ.
وَعَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَهِشَامٌ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ.
ضَعَّفَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ (1) ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
مَاتَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَأَبُوْهُ ثِقَةٌ.
وَ

138 - خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ أَبُو الهَيْثَمِ العَدَوِيُّ العُمَرِيُّ المَكِّيُّ **
وَبَعْضُهُم كَنَّاهُ أَبَا الوَلِيْدِ.
رَوَى عَنِ: ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَالثَّوْرِيِّ.
وَعَنْهُ: عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
كَذَّبَهُ: يَحْيَى، وَأَبُو حَاتِمٍ (2) .
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي المَوْضُوْعَاتِ عَنِ الثِّقَاتِ.
__________
(*) تاريخ ابن معين: 146، التاريخ الكبير 3 / 184، الضعفاء للعقيلي لوحة 118، الجرح والتعديل 3 / 359، تهذيب الكمال: 371، تذهيب التهذيب 1 / 195 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 645، الكاشف، 1 / 276، تهذيب التهذيب 3 / 126، خلاصة تذهيب الكمال: 103، تهذيب ابن عساكر 5 / 119.
(1) " تاريخه ": 146.
(* *) التاريخ الكبير 3 / 184، الجرح والتعديل 3 / 360، الكامل لابن عدي 2 / 232، ميزان الاعتدال 1 / 646، لسان الميزان 2 / 389.
(2) " الجرح والتعديل " 3 / 360.

(9/413)


139 - خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ مُسْلِمٍ الغَنَوِيُّ البَصْرِيُّ *
رَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُسْتَمِرِ العُرُوْقِيُّ.
عِدَادُهُ فِي الضُّعَفَاءِ.
وَ

140 - خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ الكَاهِلِيُّ أَبُو الهَيْثَمِ الكَحَّالُ **
كُوْفِيٌّ.
أَخَذَ عَنْ: حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ.
وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِ البُخَارِيِّ.
وَ

141 - خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ عُمَرَ بنِ هُبَيْرَةَ الفَزَارِيُّ ***
وَلَدُ نَائِبِ العِرَاقِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: بَقِيَّةُ.
وَ

142 - خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ أَبُو عَبْدِ الرَّحِيْمِ المِصْرِيُّ ****
ثِقَةٌ.
__________
(*) الضعفاء للعقيلي لوحة 118، ميزان الاعتدال 1 / 647، لسان الميزان 2 / 391، العقد الثمين 4 / 298، 299.
(* *) التاريخ الكبير 3 / 184، الجرح والتعديل 3 / 360، تهذيب الكمال: 370، تذهيب لتهذيب 1 / 194 / 2، الكاشف 1 / 275، تهذيب التهذيب 3 / 125، خلاصة تذهيب الكمال: 103.
(* * *) تهذيب الكمال: لوحة 371، تذهيب التهذيب 1 / 195 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 648، الكاشف 1 / 276، تهذيب التهذيب 3 / 128، خلاصة تذهيب الكمال: 103.
(* * * *) التاريخ الكبير 3 / 180، الجرح والتعديل 3 / 358، تهذيب الكمال: لوحة 372، تذهيب التهذيب 1 / 195 / 2، الكاشف 1 / 276، تهذيب التهذيب 3 / 129، خلاصة تذهيب الكمال: 104، شذرات الذهب 1 / 207.

(9/414)


رَوَى عَنْهُ: اللَّيْثُ.

143 - وَ خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ العَتَكِيُّ *
عَنْ: ثَابِتٍ البُنَانِيِّ.
صَدُوْقٌ.

144 - وَ خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ السُّلَمِيُّ **
شَيْخٌ لِدُحَيْمٍ.
وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُم.

145 - الحَفَرِيُّ أَبُو دَاوُدَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ *** (م، 4)
الإِمَامُ، الثَّبْتُ، القُدْوَةُ، الوَلِيُّ، أَبُو دَاوُدَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ الحَفَرِيُّ، الكُوْفِيُّ، العَابِدُ.
وَالحَفَرُ: مَوْضِعٌ بِالكُوْفَةِ، وَهُوَ بِكُنْيَتِهِ أَشْهَرُ.
حَدَّثَ عَنْ: مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَمِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، وَصَالِحِ بنِ حَسَّانٍ،
__________
(*) التاريخ الكبير 3 / 182، تهذيب الكمال: لوحة 372، تذهيب التهذيب 1 / 195 / 2، ميزان الاعتدال 1 / 648، الكاشف 1 / 276، تهذيب التهذيب 3 / 129، خلاصة تذهيب الكمال: 104.
(* *) الجرح والتعديل 3 / 360، تهذيب الكمال: 373، تذهيب التهذيب 1 / 196 / 1، الكاشف 1 / 277، تهذيب التهذيب 3 / 130، خلاصة تذهيب الكمال: 104، تهذيب ابن عساكر 5 / 123.
(* * *) طبقات ابن سعد 6 / 403، طبقات خليفة ت (1336)، التاريخ الصغير 2 / 300، المعرفة والتاريخ 1 / 195، الجرح والتعديل 6 / 112، تهذيب الكمال: لوحة 1011، تذهيب التهذيب 3 / 85 / 1، العبر 1 / 340، الكاشف 2 / 311، تهذيب التهذيب 7 / 452 ، خلاصة تذهيب الكمال: 283.

(9/415)


وَبَدْرِ بنِ عُثْمَانَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعِدَّةٍ.
وَلَمْ يَرْحَلْ، وَلَكِنَّهُ ثِقَةٌ، صَاحِبُ حَدِيْثٍ.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَإِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَبَنُو أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ عَبَّاسٌ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يُقَدِّمُ الحَفَرِيَّ فِي حَدِيْثِ سُفْيَانَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَقَبِيْصَةَ (1) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ (2) .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ مِنَ الصَّالِحِيْنَ الثِّقَاتِ.
حُكِيَ: أَنَّهُ أَبطَأَ يَوْماً فِي الخُرُوْجِ إِلَى الجَمَاعَةِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ:
أَعْتَذِرُ إِلَيْكُم، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِي ثَوْبٌ غَيْرُ هَذَا، صَلَّيْتُ فِيْهِ، ثُمَّ أَعْطَيْتُهُ بَنَاتِي حَتَّى صَلَّيْنَ فِيْهِ، ثُمَّ أَخَذْتُهُ، وَخَرَجْتُ إِلَيْكُم.
قَالَ وَكِيْعُ بنُ الجَرَّاحِ: إِنْ كَانَ يُدْفَعُ بِأَحَدٍ فِي زَمَانِنَا، فَبِأَبِي دَاوُدَ الحَفَرِيِّ (3) .
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لاَ أَعْلَمُنِي رَأَيْتُ بِالكُوْفَةِ أَعْبَدَ مِنْهُ (4).
قَالَ الهُجَيْمِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا دَاوُدَ الحَفَرِيَّ، وَكَانَ لاَ يُرَى أَدِيْمُ جَسَدِهِ مِنَ الشَّعْرِ، وَعَلَيْهِ
__________
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 1011.
(2) " الجرح والتعديل " 6 / 112.
(3) " تهذيب الكمال ": لوحة 1012.
(4) " تهذيب الكمال ": لوحة 1012.

(9/416)


خِرْقَتَانِ: إِزَارٌ، وَرِدَاءٌ فِيْهِ عِدَّةُ رِقَاعٍ، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْتَثِرَ، خَرَجَ مِنَ المَسْجَدِ، وَكَانَ مَسْجِدُهُم مُحَصَّباً.
فَقِيْلَ: أَلَيْسَ كَفَّارَتُهَا دَفْنَهَا؟
فَيَقُوْلُ: لَعَلِّي أُؤْخَذُ قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ.
وَتَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ، فَأَصْدَقَهَا ثَلاَثَةَ دَنَانِيْرَ، وَكَانَ قُوْتُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ قُرْصَيْنِ، وَبِفِلْسٍ فِجْلٌ أَوْ هِنْدَبَا.
قَالَ أَبُو حَمْدُوْنَ الطَّيِّبُ المُقْرِئُ: دَفَنَّا أَبَا دَاوُدَ الحَفَرِيَّ -رَحِمَهُ اللهُ- وَتَرَكْنَا بَابَهُ مَفْتُوْحاً، مَا كَانَ فِي البَيْتِ شَيْءٌ (1) .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ (2) .
قُلْتُ: مَاتَ وَقَدْ شَاخَ، أَحسِبُهُ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبْعِيْنَ، وَحَدِيْثُهُ عِنْدَنَا مُتَيَسِّرٌ.

146 - بِشْرُ بنُ عُمَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ الزَّهْرَانِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الزَّهْرَانِيُّ، البَصْرِيُّ.
سَمِعَ: عِكْرِمَةَ بنَ عَمَّارٍ، وَشُعْبَةَ بنَ الحَجَّاجِ، وَعَاصِمَ بنَ مُحَمَّدٍ العُمَرِيَّ، وَهَمَّامَ بنَ يَحْيَى، وَأَبَانَ بنَ يَزِيْدَ، وَجَمَاعَةً.
__________
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 1012.
(2) " طبقات ابن سعد " 6 / 403.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 300، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة ت (1941)، التاريخ الكبير 2 / 80، الجرح والتعديل 2 / 361، تهذيب الكمال: 153، تذكرة الحفاظ 1 / 337، الكاشف 1 / 156، تهذيب التهذيب 1 / 455، طبقات الحفاظ: 141، خلاصة
تذهيب الكمال: 49، شذرات الذهب 2 / 18.

(9/417)


حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَبِشْرُ بنُ آدَمَ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَالذُّهْلِيُّ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى القُطَعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: ابْنُ سَعْدٍ، وَقَالَ: تُوُفِّيَ بِالبَصْرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ (1) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (2) .
وَقِيْلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِدِمَشْقَ - قَدِمَا عَلَيْنَا - قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَكِّيٍّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي؛ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بنُ عِلاَّنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحِيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ مَعْقِلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوْءٍ (3)).
أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنِ الذُّهْلِيِّ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.
__________
(1) " طبقات ابن سعد " 7 / 300.
(2) " الجرح والتعديل " 2 / 361.
(3) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 2 / 461 و517 من طريقين عن مالك بهذا الإسناد، وأخرجه مالك 1 / 85، ومن طريقه البخاري 2 / 311، 312، ومسلم (252)، والنسائي 1 / 12، عن أبي الزناد، عن عبد الرحمن الاعرج، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ " لولا أن أشق على أمتي، لامرتهم بالسواك عند كل صلاة ".
وأخرجه أبو داود (46)، والنسائي 1 / 226 من طريق سفيان، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة يرفعه " لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بتأخير العشاء، والسواك عند كل صلاة ".

(9/418)


147 - الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ أَبُو العَبَّاسِ العُذْرِيُّ * (د، س)
الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الفَقِيْهُ، أَبُو العَبَّاسِ العُذْرِيُّ، البَيْرُوْتِيُّ، صَاحِبُ الأَوْزَاعِيِّ.
أَخَذَ عَنِ: الأَوْزَاعِيِّ تَصَانِيْفَهُ.
وَعَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ شَوْذَبٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَعُثْمَانَ بنِ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاتِكَةِ، وَمُقَاتِلِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ الحَافِظُ، وَأَبُو مُسْهِرٍ الغَسَّانِيُّ، وَدُحَيْمٌ، وَأَبُو عُمَيْرٍ عِيْسَى بنُ مُحَمَّدٍ الرَّمْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَزِيْرٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ خَالِدٍ الرَّمْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ الكَفْرَسُوْسِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ (1)): الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ الشَّامِيُّ سَمِعَ الأَوْزَاعِيَّ، عَنْ عُمَرَ، مُرْسَلٌ، لَمْ يَزِدْ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ مِنْ ثِقَاتِ أَصْحَابِ الأَوْزَاعِيِّ، ثَبْتٌ.
وَقَالَ ابْنُ زَبْرٍ: مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ 126.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ بَرَكَةَ: أَخْرَجَ إِلَيَّ سَعْدٌ البَيْرُوْتِيُّ أُصُوْلَ العَبَّاسِ -يَعْنِي: عَنْ أَبِيْهِ- فَإِذَا أَكْثَرُهَا:
سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ، وَكَانَ الأَوْزَاعِيُّ احْتَرَقَ عِلْمُهُ، فَمَنْ أَخَذَ عَنِ الأَوَّلِ، فَهُوَ حُجَّةٌ،
__________
(*) التاريخ الكبير 8 / 155، الجرح والتعديل 9 / 18، تهذيب الكمال: لوحة 1473، تذهيب التهذيب 4 / 140 / 1، العبر 1 / 343، الكاشف 3 / 242، تهذيب التهذيب 11 / 150، خلاصة تذهيب الكمال: 418، شذرات الذهب 2 / 8.
(1) 8 / 155.

(9/419)


وَسِوَاهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ (1).
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ، سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ:
لَقَدْ حَرَصْتُ عَلَى جَمْعِ عِلْمِ الأَوْزَاعِيِّ، حَتَّى كَتَبتُ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ سَمَاعَةَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ كِتَاباً حَتَّى لَقِيْتُ أَبَاك، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ عِلْماً، لَمْ يَكُنْ عِنْدَ القَوْمِ (2) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ:
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: عَلَيْكُم بِكُتُبِ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ، فَإِنَّهَا صَحِيْحَةٌ (3) .
وَقَالَ أَبُو يُوْسُفَ بنُ السَّفَرِ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: مَا عُرِضَ عَلَيَّ كِتَابٌ أَصَحُّ مِنْ كُتُبِ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ (4) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا فِي الأَوْزَاعِيِّ مِنَ الوَلِيْدِ بن مُسْلِمٍ، لاَ يُخْطِئُ، وَلاَ يُدَلِّسُ (5) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ الوَلِيْدَ بنَ مَزْيَدٍ يَقُوْلُ:
مَنْ أَكَلَ شَهْوَةً مِنْ حَلاَلٍ، قَسَا قَلْبُه.
وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: كَانَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ ثِقَةً، وَلَمْ يَكُنْ يَحْفَظُ، وَكُتُبُهُ صَحِيْحَةٌ.
قَالَ العَبَّاسُ (6) : مَاتَ أَبِي فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ، عَنْ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ
__________
(1) " تهذيب الكمال " لوحة 1473.
(2) " الجرح والتعديل " 9 / 18.
(3) " الجرح والتعديل " 9 / 18.
(4) " الجرح والتعديل " 9 / 18، و" تهذيب الكمال ": لوحة 1473.
(5) " تهذيب الكمال ": لوحة 1473.
(6) في الأصل " أبو العباس " وهو خطأ.

(9/420)


سَنَةً، هَذَا سَمِعَهُ الأَصَمُّ مِنْهُ.
وَرَوَى: الفَسَوِيُّ، عَنْ دُحَيْمٍ، قَالَ:
الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ.
قُلْتُ: الأَوَّلُ أَثْبَتُ.

148 - مُحَمَّدُ بنُ بَكْرِ بنِ عُثْمَانَ البُرْسَانِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو عُثْمَانَ مُحَمَّدُ بنُ بَكْرِ بنِ عُثْمَانَ البُرْسَانِيُّ، الأَزْدِيُّ، البَصْرِيُّ.
وَبُرْسَانُ: بَطْنٌ مِنَ الأَزْدِ.
حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ جُرَيْجٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ الأَيْلِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَشُعْبَةَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَبُنْدَارُ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا البُرْسَانِيُّ، وَكَانَ -وَاللهِ- ظَرِيْفاً، صَاحِبَ أَدَبٍ، ثِقَةً (1).
__________
(*) تاريخ ابن معين: 506، طبقات ابن سعد 7 / 297، تاريخ خليفة: 471، طبقات خليفة: ت 1926، التاريخ الكبير 1 / 48، التاريخ الصغير 2 / 299، الجرح والتعديل 7 / 212، تهذيب الكمال: لوحة 1177، تذهيب التهذيب 3 / 192 / 1، العبر 1 / 341، ميزان الاعتدال 3 / 492، الكاشف 3 / 24، تهذيب التهذيب 9 / 77، خلاصة تذهيب الكمال: 329، شذرات الذهب 2 / 7.
(1) " تاريخ يحيى بن معين ": 506.

(9/421)


وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ، بِالبَصْرَةِ (1) .
قُلْتُ: مَاتَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنَا وَاهِبُ بنُ مُحَمَّدٍ بِالبَصْرَةِ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ البُرْسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ، عَنْ مَسْلَمَةَ بنِ مُخَلَّدٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ فَكَّ عَنْ مَكْرُوْبٍ، فَكَّ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيْهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ (2)).
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، فَرْدٌ.

149 - عُمَرُ بنُ يُوْنُسَ أَبُو حَفْصٍ اليَمَامِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو حَفْصٍ اليَمَامِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَعَاصِمِ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَعُمَرَ
__________
(1) " طبقات ابن سعد " 7 / 296.
(2) رجاله ثقات، وأخرجه أحمد 4 / 104، من طريق محمد بن بكر البرساني بهذا الإسناد، وأورده الخطيب في " تاريخه " 13 / 156، من طريقين، عن نصر بن علي الجهضمي، عن البرساني به، وفي الباب عن ابن عمر عند البخاري 5 / 70، 71، ومسلم (2580)، وعن أبي هريرة عند مسلم (2699)، وأحمد 2 / 407.
(*) طبقات ابن سعد 5 / 556، التاريخ الكبير 6 / 206، الجرح والتعديل 6 / 142، تهذيب الكمال: لوحة 1026، تذهيب لتهذيب 3 / 94 / 1، العبر 1 / 341، الكاشف 2 / 322، تهذيب التهذيب 7 / 506، خلاصة تذهيب الكمال: 286.

(9/422)


بنِ أَبِي خَثْعَمٍ، وَحُبَابِ بنِ فَضَالَةَ - صَاحِبِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ - وَوَالِدِهِ؛ يُوْنُسَ بنِ القَاسِمِ الحَنَفِيِّ.
وَعَنْهُ: أَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ الفَقِيْهُ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بنُ وَهْبٍ العَلاَّفُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَه (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ.
تُوُفِّيَ: بُعَيْدَ المائَتَيْنِ.
وَحَفِيْدُهُ:

150 - أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ اليَمَامِيُّ *
أَحَدُ المَتْرُوْكِيْنَ.
يَرْوِي عَنْ: جَدِّهِ؛ عُمَرَ بنِ يُوْنُسَ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ.
وَعَنْهُ: قَاسِمٌ المُطرِّزُ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ.

151 - يَحْيَى بنُ عِيْسَى التَّمِيْمِيُّ النَّهْشَلِيُّ ** (م، د، ت، ق)
التَّمِيْمِيُّ، النَّهْشَلِيُّ، الكُوْفِيُّ، الفَاخُوْرِيُّ، الجَرَّارُ، نَزِيْلُ الرَّمْلَةِ.
__________
(1) هو عبد الرحمن بن عمر بن يزيد، ولقبه رسته توفي سنة (246) ه.
(*) الجرح والتعديل 2 / 71، ميزان الاعتدال 1 / 142، كتاب المجروحين والضعفاء
1 / 143.
(* *) تاريخ ابن معين: 651، التاريخ الكبير 8 / 297، التاريخ الصغير 2 / 294، الضعفاء للعقيلي: لوحة 445، الجرح والتعديل 9 / 178، كتاب المجروحين والضعفاء 3 / 126، 127، الكامل في الضعفاء لابن عدي: لوحة 839، تهذيب الكمال: لوحة 1513، تذهيب التهذيب 4 / 163 / 1، العبر 1 / 337، ميزان الاعتدال 4 / 401، الكاشف 3 / 265، تهذيب التهذيب 11 / 262، خلاصة تذهيب الكمال: 427، شذرات الذهب 2 / 3.

(9/423)


حَدَّثَ عَنِ: الأَعْمَشِ، وَعَبْدِ الأَعْلَى بنِ أَبِي المُسَاوِرِ، وَمِسْعَرٍ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ كَرَامَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، وَخَلْقٌ.
وَكَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَى العِرَاقِ، وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ حَسَنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ: قَالَ لَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ:
اكْتُبُوا عَنْ يَحْيَى بنِ عِيْسَى، فَطَالَمَا رَأَيْتُهُ عِنْدَ الأَعْمَشِ (1) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عِيْسَى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ:
اخْتَلَفَ أَهْلُ البَصْرَةِ فِي القَصَصِ، فَأَتَوْا أَنَساً، فَسَأَلُوْهُ: أَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُصُّ؟
قَالَ: لاَ، إِنَّمَا بُعِثَ بِالسَّيْفِ (2) .
قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ.

152 - الجَارُوْدُ بنُ يَزِيْدَ أَبُو الضَّحَّاكِ العَامِرِيُّ *
الفَقِيْهُ الكَبِيْرُ، أَبُو الضَّحَّاكِ العَامِرِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ.
__________
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 1513.
(2) أورده المؤلف في " ميزانه " 4 / 401 وتمامه: ولكن سمعته يقول: " لان أقعد مع قوم يذكرون الله بعد صلاة العصر حتى تغيب الشمس أحب إلي من الدنيا وما فيها ".
وأخرج هذا الأخير منه مع زيادة أبو داود (3667) في آخر العلم من طريق محمد بن المثنى، عن عبد السلام ابن مطهر، عن موسى بن خلف العمي، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لان أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولان أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة " وهذا سند حسن.
(*) تاريخ ابن معين: 76، التاريخ الكبير 2 / 237، التاريخ الصغير 2 / 319، الضعفاء =

(9/424)


وَيُقَالُ: أَبُو عَلِيٍّ.
وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ هِشَامٍ، فِي حُدُوْدِ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَارْتَحَلَ فِي طَلَبِ العِلْمِ.
وَحَمَلَ عَنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَبَهْزِ بنِ حَكِيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَعُمَرَ بنِ ذَرٍّ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَمِسْعَرٍ، وَشُعْبَةَ، وَالثَّوْرِيِّ.
وَتَفَقَّهَ بِأَبِي حَنِيْفَةَ، وَأَكْثَرَ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ، وَلَيْسَ هُوَ بِمُحْكِمٍ لِفَنِّ الرِّوَايَةِ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي رَجَاءٍ الهَرَوِيُّ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ زَنْجَوَيْه، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الحَاكِمُ: هُوَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَالمُلاَزِمِيْنَ لَهُ.
وَخُطَّةُ الجَارُوْدِ مَنْسُوْبَةٌ إِلَيْهِ (1) ، وَهِيَ سِكَّةُ الجَارُوْدِيِّ، فِي المُرَبَّعَةِ الصَّغَيْرَةِ، وَمَسْجِدُهُ عَلَى رَأْسِ السِّكَّةِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ.
وَنَقَلَ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ المُسْتَمْلِي، قَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ: وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ قَدِمَ طَاهِرُ بنُ الحُسَيْنِ الأَمِيْرُ (2).
__________
= الصغير للبخاري: 26، الضعفاء والمتروكين: 28، الضعفاء للعقيلي: لوحة 72، الجرح والتعديل 2 / 525، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 220، ميزان الاعتدال 1 / 384، لسان الميزان 2 / 90.
(1) الخطة: هي الأرض التي يختطها الإنسان لنفسه ليبني داره بها، ولم يكن أحد قد نزلها قبله.
(2) مر التعريف به في الصفحة 335 التعليق رقم (1) من هذا الجزء.

(9/425)


قَالَ البُخَارِيُّ: هُوَ مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، كَانَ أَبُو أُسَامَةَ يَرْمِيْهِ بِالكَذِبِ (1) .
وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ (2) .
العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا الجَارُوْدُ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بنُ حَكِيْمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّه، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَتَرْعَوُوْنَ عَنْ ذِكْرِ الفَاجِرِ؟ اذْكُرُوْهُ بِمَا فِيْهِ، يَحْذَرْهُ النَّاسُ).
قَالَ العُقَيْلِيُّ (3) : لَيْسَ لِذَا أَصْلٌ.
قُلْتُ: وَرَوَاهُ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، عَنْهُ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ (4) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ.

153 - عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُسْلِمٍ الحَرَّانِيُّ * (4)
الطَّرَائِفِيُّ (5) ، المُؤَدِّبُ، مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ.
وَقِيْلَ: وَلاَؤُه لِبَنِي تَيْمٍ.
فِي كُنْيَتِهِ أَقْوَالٌ.
__________
(1) " التاريخ الكبير " 2 / 237.
(2) " تاريخ يحيى بن معين ": 76.
(3) في " الضعفاء " لوحة: 72.
(4) " الجرح والتعديل " 2 / 525.
(*) طبقات خليفة: ت 2098، التاريخ الكبير 6 / 238، الضعفاء للعقيلي: لوحة 291، الجرح والتعديل 6 / 157، كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 96، الكامل لابن عدي: لوحة 585، الأنساب 8 / 227، تهذيب الكمال: لوحة 916، تذهيب التهذيب 3 / 31 / 2، العبر 1 / 340، ميزان الاعتدال 3 / 45، الكاشف 2 / 252، تهذيب التهذيب 7 / 134، خلاصة تذهيب الكمال: 261، شذرات الذهب 2 / 6.
(5) سمي بذلك، لأنه كان يتتبع طرائف الأحاديث ويطلبها.

(9/426)


حَدَّثَ عَنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَجَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الحُمْرَانِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ سَلاَّمٍ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَأَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَقُتَيْبَةُ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَعَلِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ الرَّقِّيُّ، وَأَبُو شُعَيْبٍ السُّوْسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
وَكَانَ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، لاَ يُغَيِّرُ شَيْبَهُ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ أَبُو عَرُوْبَةَ: شَيْخٌ، مُتَعَبِّدٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ، يُحَدِّثُ عَنْ قَوْمٍ مَجْهُوْلِيْنَ بِالمَنَاكِيْرِ (1) .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كُنْيتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَقِيْلَ: هُوَ فِي الجَزَرِيِّيْنَ كَبَقِيَّةَ فِي الشَّامِيِّيْنَ، حَاطِبُ لِيْلٍ (2) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَنْكَرَ أَبِي عَلَى البُخَارِيِّ إِدخَالَهُ فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) لَهُ (3) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ كَثِيْرٍ الحَرَّانِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: بَلْ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ.
أَمَّا:
__________
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 916.
(2) " الكامل " لابن عدي: لوحة 585، ويقال: فلان حاطب ليل، أي: يتكلم بالغث والسمين كمن يحطب ليلا، فيحطب الجيد والردئ، وهو في المحدثين من لا يميز صحيح الحديث من ضعيفه.
(3) " الجرح والتعديل " 6 / 157.

(9/427)


154 - عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَقَّاصِيُّ الزُّهْرِيُّ *
فَأَكْبَرُ مِنَ الطَّرَائِفِيِّ.
يَرْوِي عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَجَمَاعَةٍ.
مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ.
وَمِنْ طَبَقَتِهِ:

155 - عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحِيُّ **
بَصْرِيٌّ، صُوَيْلِحٌ.
يَرْوِي عَنْ: نُعَيْمٍ المُجْمِرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الجُمَحِيِّ.
وَعَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، وَجَمَاعَةٌ.

156 - عُمَرُ بنُ شَبِيْبٍ أَبُو حَفْصٍ المُسْلِيُّ *** (ق)
المُعَمَّرُ، المُحَدِّثُ، أَبُو حَفْصٍ المُسْلِيُّ، المَذْحِجِيُّ، الكُوْفِيُّ.
__________
(*) تاريخ ابن معين: 394، التاريخ الكبير 6 / 238، التاريخ الصغير 2 / 161، الضعفاء الصغير: 81، الضعفاء والمتروكين: 76، الضعفاء للعقيلي: لوحة 291، الجرح والتعديل 6 / 157، كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 98، الكامل لابن عدي: لوحة 579، تهذيب الكمال: لوحة 915، تذهيب التهذيب 3 / 31 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 43، تهذيب التهذيب 7 / 133، خلاصة تذهيب الكمال: 261.
(* *) الجرح والتعديل 6 / 158، الكامل لابن عدي: لوحة 580، تهذيب الكمال: لوحة 916، تذهيب التهذيب 3 / 31 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 47، الكاشف 2 / 253، تهذيب التهذيب 7 / 135، خلاصة تذهيب الكمال: 261.
(* * *) تاريخ ابن معين: 430، طبقات ابن سعد 6 / 388، الضعفاء والمتروكين: 84. الضعفاء للعقيلي: لوحة 283، الجرح والتعديل 6 / 115، كتاب المجروحين 2 / 90، تهذيب الكمال: لوحة 1014، تذهيب التهذيب 4 / 86 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 204، الكاشف 2 / 313، تهذيب التهذيب 7 / 461، خلاصة تذهيب لكمال: 283، شذرات الذهب 2 / 3.

(9/428)


رَأَى: أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيَّ.
وَرَوَى عَنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، وَعَمْرِو بنِ قَيْسٍ المُلاَئِيِّ، وَكَثِيْرٍ النَّوَّاءِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ طَرِيْفٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ شَبَّةَ، وَسَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَيِّنُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَيْسَ بِثِقَةٍ (1) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ (2) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ (3) .
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ صَدُوْقاً، لَكِنَّهُ يُخْطِئُ كَثِيْراً، عَلَى قِلَّةِ رِوَايَتِهِ (4) .
قُلْتُ: هَذَا فِيْهِ تَنَاقُضٌ، فَالصَّدُوْقُ لاَ يَكْثُرُ خَطَؤُهُ، وَالكَثِيْرُ الخَطَأِ مَعَ القِلَّةِ هُوَ المَتْرُوْكُ، وَلَهُ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ فِي (سُنَنِ ابْنِ مَاجَه (5))، وَهُوَ
__________
(1) " تهذيب الكمال " لوحة 1014.
(2) " الجرح والتعديل " 6 / 115.
(3) " تهذيب الكمال ": لوحة 1014.
(4) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 90.
(5) وهو حديث: " طلاق الأمة اثنتان، وعدتها حيضتان " رواه ابن ماجة (2079) في الطلاق: باب طلاق الأمة وعدتها، من طريق عمر بن شبيب، عن عبد الله بن عيسى، عن عطية العوفي، عن ابن عمر.
وإسناده ضعيف لضعف المترجم، وشيخه عطية، وقال الدارقطني بعدما أخرجه في " سننه " ص 441: تفرد به عمر بن شبيب المسلي، وهو ضعيف لا يحتج بروايته، والصحيح ما رواه نافع وسالم عن ابن عمر من قوله كما في " الموطأ " 2 / 574.
كان يقول: إذا طلق العبد امرأته تطليقتين، فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت أو أمة، وعدة الحرة ثلاث حيض، وعدة الأمة حيضتان، وفي الباب عن عائشة مرفوعا عند أبي داود (2189)، والترمذي (1182)، وابن ماجة (2080)، والحاكم 2 / 205، والبيهقي 7 / 370، وفي سنده مظاهر بن أسلم وهو ضعيف.

(9/429)


أَمْثَلُ مِنْ عُمَرَ بنِ حَبِيْبٍ العَدَوِيِّ.
تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ.
وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ، وَهُوَ صُوَيْلِحٌ.

157 - عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ رَزِيْنٍ السُّلَمِيُّ * (م، د)
الإِمَامُ الكَبِيْرُ، أَبُو العَبَّاسِ السُّلَمِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، أَخُو جَعْفَرٍ وَمُبَشِّرٍ.
سَمِعَ: ابْنَ إِسْحَاقَ، وَسُفْيَانَ بنَ حُسَيْنٍ، وَالثَّوْرِيَّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ طَهْمَانَ، وَجَمَاعَةً.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَأَيُّوْبُ بنُ الحَسَنِ، وَسَهْلُ بنُ عَمَّارٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ سَهْلُ بنُ عَمَّارٍ: لَمْ يَكُنْ بِخُرَاسَانَ أَنبَلُ مِنْهُ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ (1).

158 - أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ أَبُو مَسْعُوْدٍ الحِمْيَرِيُّ ** (د، ت، ق)
مُحَدِّثٌ الرَّمْلَةِ، أَبُو مَسْعُوْدٍ الحِمْيَرِيُّ، السَّيْبَانِيُّ (2) ، الرَّمْلِيُّ.
__________
(*) تهذيب الكمال: لوحة 1015، تذهيب التهذيب 3 / 87 / 2، العبر 1 / 341، الكاشف 2 / 315، تهذيب التهذيب 7 / 468، خلاصة تذهيب الكمال: 284.
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 1016.
(* *) تاريخ ابن معين: 49، التاريخ الكبير 1 / 417، الضعفاء والمتروكين: 16، الضعفاء للعقيلي: لوحة 41، 42، الجرح والتعديل 2 / 249، الكامل لابن عدي: لوحة 40، تهذيب الكمال: لوحة 137، تذهيب التهذيب 1 / 78 / 2، ميزان الاعتدال 1 / 287، الكاشف 1 / 146، تهذيب التهذيب 1 / 405، خلاصة تذهيب الكمال: 43.
(2) هذه النسبة إلى سيبان، وهو بطن من حمير.

(9/430)


حَدَّثَ عَنْ: أَبِي زُرْعَةَ يَحْيَى بنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ السَّرْحِ، وَدُحَيْمٌ، وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَالرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيُّ، وَبَحْرُ بنُ نَصْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ سَيِّئَ الحِفْظِ، لَيِّناً.
رَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ، يَسرِقُ الحَدِيْثَ (1) .
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْهُ، فَقَالَ:
لَيْسَ بِشَيْءٍ، حَدَّثَهُم بِالرَّملَةِ بِأَحَادِيْثَ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، ثُمَّ جَعَلَهَا بَعْدُ عَنْ نَفْسِهِ، عَنْ شُيُوْخِ ابْنِ المُبَارَكِ (2) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيِّنُ الحَدِيْثِ (3) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ فِي جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ (4) .
وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ)، لَكِنْ قَالَ: كَانَ رَدِيْءَ الحِفْظِ.
__________
(1) " تاريخ يحيى بن معين ": 49.
وسرقة الحديث: أن يكون محدث ينفرد بحديث، فيجئ السارق، ويدعي أنه سمعه أيضا من شيخ ذاك المحدث، أو يكون الحديث عرف براو، فيضيفه لراو غيره، ممن شاركه في طبقته.
قال: الامام الذهبي: وليس كذلك من يسرق الاجزاء والكتب، فإنها أنحس بكثير من سرقة الرواة.
(2) " تاريخ يحيى بن معين ": 49.
(3) " الجرح والتعديل " 2 / 250.
(4) " الكامل " لابن عدي: لوحة 44.

(9/431)


وَقَالَ البُخَارِيُّ: يَتَكَلَّمُوْنَ فِيْهِ (1) .
قُلْتُ: وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي السَّرِيِّ.
قَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَيُّوْبَ يَقُوْلُ:
غَرِقَ أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ فِي البَحْرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ (2) .
قُلْتُ: الأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيْحُ.

159 - أَبُو سُفْيَانَ الحِمْيَرِيُّ سَعِيْدُ بنُ يَحْيَى * (خَ، ت)
هُوَ: سَعِيْدُ بنُ يَحْيَى الوَاسِطِيُّ، أَحَدُ الثِّقَاتِ.
سَمِعَ: مَعْمَرَ بنَ رَاشِدٍ، وَالعَوَّامَ بنَ حَوْشَبٍ، وَعَوْفاً الأَعْرَابِيَّ، وَالضَّحَّاكَ بنَ حُمْرَةَ، وَجَمَاعَةً.
وَعَنْهُ: يَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المُخَرِّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَزِيْرٍ الوَاسِطِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ.
__________
(1) " التاريخ الكبير " 1 / 417.
(2) " التاريخ الكبير " 1 / 417.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 314، طبقات خليفة: ت 3195، التاريخ الكبير 3 / 520، التاريخ الصغير 2 / 296، الجرح والتعديل: 4 / 74، تهذيب الكمال: لوحة 511، تذهيب التهذيب 2 / 31 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 163 و4 / 531، الكاشف 1 / 375، تهذيب التهذيب 4 / 99، خلاثة تذهيب الكمال: 144.

(9/432)


وَعَاشَ: تِسْعِيْنَ سَنَةً.
مَاتَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ.

160 - سَلَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ المَرْوَزِيُّ * (خَ، م، ت)
الحَافِظُ، المُؤَدِّبُ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ، وَابْنِ المُبَارَكِ.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ أَبِي رَجَاءٍ الهَرَوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ، وَعَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ الطُّوْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَاذَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ زَاجُ: حَدَّثَنَا مِنْ حِفْظِهِ بِنَحْوٍ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ حَدِيْثٍ (1) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
نَقَلَهُ البُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ اللَّيْثِ.
وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ (2).

161 - سَلْمُوَيْه أَبُو صَالِحٍ سُلَيْمَانُ بنُ صَالِحٍ اللَّيْثِيُّ ** (خَ، س)
الحَافِظُ، المُعَمَّرُ، أَبُو صَالِحٍ سُلَيْمَانُ بنُ صَالِحٍ اللَّيْثِيُّ مَوْلاَهُمْ، المَرْوَزِيُّ،
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 378، التاريخ الكبير 4 / 84، التاريخ الصغير 2 / 300، الجرح والتعديل 4 / 163، تهذيب الكمال: لوحة 527، تذهيب التهذيب 2 / 142، الكاشف 1 / 384، تهذيب التهذيب 4 / 145، خلاصة تذهيب الكمال: 148، وفيه: ابن سليم.
(1) " تهذيب الكمال " لوحة 527.
(2) " التاريخ الكبير " 4 / 84.
(* *) التاريخ الكبير 4 / 20، الجرح والتعديل 4 / 123، تهذيب الكمال: لوحة 543، تذهيب التهذيب 2 / 50 / 2، الكاشف 1 / 396، تهذيب التهذيب 4 / 199، خلاصة تذهيب
الكمال: 152.

(9/433)


صَاحِبُ ابْنِ المُبَارَكِ.
عَنْهُ: ابْنُ رَاهَوَيْه، وَأَحْمَدُ بنُ شَبُّوَيْه، وَعِدَّةٌ.
يُقَالَ: عَاشَ مائَةَ سَنَةٍ.

162 - عَبْدُ المَجِيْدِ ابْنُ الإِمَامِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ * (م، 4)
العَالِمُ، القُدْوَةُ، الحَافِظُ، الصَّادِقُ، شَيْخ الحَرَمِ، أَبُو عَبْدِ المَجِيْدِ المَكِّيُّ، مَوْلَى المُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ.
حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ جُرَيْجٍ بِكُتُبِهِ.
وَعَنْ: أَبِيْهِ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَمَرْوَانَ بنِ سَالِمٍ، وَعُثْمَانَ بنِ الأَسْوَدِ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الحُمَيْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَدَنِيُّ، وَحَاجِبٌ المَنْبِجِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ، وَالزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقِّيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَكَانَ مِنَ المُرْجِئَةِ، وَمَعَ هَذَا فَوَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ فِيْهِ غُلُوٌّ فِي الإِرْجَاءِ، يَقُوْلُ: هَؤُلاَءِ الشُّكَّاكُ.
يُرِيْدُ قَوْلَ العُلَمَاءِ: أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللهُ (1).
__________
(*) تاريخ ابن معين: 370، طبقات ابن سعد 5 / 500، طبقات خليفة: ت 2601، التاريخ الكبير 6 / 112، المعرفة والتاريخ 3 / 52، الضعفاء للعقيلي: لوحة 261، الجرح والتعديل 6 / 64، الكامل لابن عدي: لوحة 654، تهذيب الكمال: لوحة 851، تذهيب التهذيب 2 / 247 / 2، ميزان الاعتدال 2 / 648، الكاشف 2 / 206، شرح العلل لابن رجب 2 / 662، تهذيب التهذيب 6 / 381، خلاصة تذهيب الكمال: 243.
(1) " تهذيب الكمال " لوحة 851، والقول الفصل في هذه المسألة أن المستثني إن أراد الشك في أصل إيمانه، منع من الاستثناء وهذا مما لا خلاف فيه، وإن أراد أنه مؤمن من المؤمنين =

(9/434)


قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيْثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَلَمْ يَكُنْ يَبذُلُ نَفْسَهُ لِلْحَدِيْثِ (1) ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ نُبْلِهِ وَهَيْئَتِهِ.
وَقَالَ أَيْضاً: كَانَ صَدُوْقاً، مَا كَانَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانُوا يُعَظِّمُوْنَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَيُّوْبَ المُخَرِّمِيُّ: لَوْ رَأَيْتَ عَبْدَ المَجِيْدِ، لَرَأَيْتَ رَجُلاً جَلِيْلاً مِنْ عِبَادتِهِ.
وَقَالَ الحُسَيْنُ الرَّقِّيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَجِيْدِ، وَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً إِلَى السَّمَاءِ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُوْهُ أَعْبَدَ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ عَبْدُ المَجِيْدِ رَأْساً فِي الإِرْجَاءِ (2) .
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ سُفْيَانَ: كَانَ مُبْتَدِعاً، دَاعِيَةً (3) .
قَالَ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَجَاءنَا مَوْتُ عَبْدِ المَجِيْدِ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَرَاحَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مِنْ عَبْدِ المَجِيْدِ (4) .
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ الإِرْجَاءُ (5) .
وَقَالَ هَارُوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَمَّالُ: مَا رَأَيْتُ أَخْشَعَ للهِ مِنْ وَكِيْعٍ، وَكَانَ عَبْدُ المَجِيْدِ أَخشَعَ مِنْهُ (6).
__________
= الذين وصفهم الله في الآية الثانية والثالثة والرابعة من سورة الانفال، والآية (15) من سورة الحجرات، فالاستثناء حينئذ جائز، وكذلك من استثنى وأراد عدم العلم بالعاقبة، وكذلك من استثنى تعليقا للامر بمشيئة الله، لا شكا في إيمانه.
(1) " تاريخ يحيى بن معين ": 370.
(2) " تهذيب الكمال ": لوحة 851.
(3) " المعرفة والتاريخ " 3 / 52.
(4) " تهذيب الكمال ": لوحة 851.
(5) " الكامل " لابن عدي: لوحة 654.
(6) " الكامل " لابن عدي: لوحة 654.

(9/435)


قُلْتُ: خُشُوْعُ وَكِيْعٍ مَعَ إِمَامَتِهِ فِي السُّنَّةِ، جَعَلَهُ مُقَدَّماً، بِخِلاَفِ خُشُوْعِ هَذَا المُرْجِئِ - عَفَا اللهُ عَنْهُ - أَعَاذنَا اللهُ وَإِيَّاكُم مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَقَدْ كَانَ عَلَى الإِرْجَاءِ عَدَدٌ كَثِيْرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ، فَهَلاَّ عُدَّ مَذْهَباً، وَهُوَ قَوْلُهُم: أَنَا مُؤْمِنٌ حَقّاً عِنْد اللهِ السَّاعَةَ، مَعَ اعْتِرَافِهِم بِأَنَّهُم لاَ يَدْرُوْنَ بِمَا يَمُوْتُ عَلَيْهِ المُسْلِمُ مِنْ كُفْرٍ أَوْ إِيْمَانٍ، وَهَذِهِ قَوْلَةٌ خَفِيْفَةٌ، وَإِنَّمَا الصَّعْبُ مِنْ قَوْلِ غُلاَةِ المُرْجِئَةِ: إِنَّ الإِيْمَانَ هُوَ الاعتِقَادُ بِالأَفْئِدَةِ، وَإِنَّ تَارِكَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، وَشَارِبَ الخَمْرِ، وَقَاتِلَ الأَنْفُسِ، وَالزَّانِيَ، وَجَمِيْعَ هَؤُلاَءِ، يَكُوْنُوْن مُؤْمِنِيْنَ كَامِلِي الإِيْمَانِ، وَلاَ يَدْخُلُوْنَ النَّارَ، وَلاَ يُعَذَّبُوْنَ أَبَداً (1) .
فَرَدُّوا أَحَادِيْثَ الشَّفَاعَةِ المُتَوَاتِرَةَ، وَجَسَّرُوا كُلَّ فَاسِقٍ وَقَاطِعِ طَرِيْقٍ عَلَى المُوبِقَاتِ - نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الخِذْلاَنِ -.
وَقَدْ غَلِطَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، وَقَالَ: مَاتَ عَبْدُ المَجِيْدِ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَالصَّوَابُ: وَفَاتُهُ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ، كَمَا قَالَ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ.

163 - مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ أَبِي أُمَيَّةَ الطَّنَافِسِيُّ * (ع)
الكُوْفِيُّ، الأَحْدَبُ، الحَافِظُ، أَخُو يَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ.
__________
(1) لكن هذا النوع من الارجاء المبتدع المذموم الذي تسقط عدالة القائل به، ويعد ضالا مفارقا لاهل السنة والجماعة لا يعرف في المحدثين المعدودين في أصحاب الرأي، وهم بريئون منه براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.
وراجع التفصيل في " الرفع والتكميل " ص 149، 165.
(*) تاريخ ابن معين: 529، طبقات ابن سعد 6 / 397، تاريخ خليفة: 472، التاريخ الكبير 1 / 173، المعارف: 517، الجرح والتعديل 8 / 10، مشاهير علماء الأمصار: ت 1383، تاريخ بغداد 2 / 365، تهذيب الكمال: لوحة 1237، تذهيب التهذيب 3 / 229 / 2، =

(9/436)


حَدَّثَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَيَزِيْدَ بنِ كَيْسَانَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَالعَوَّامِ بنِ حَوْشَبٍ، وَإِدْرِيْسَ الأَوْدِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: عُمَرُ، وَمُحَمَّدٌ، وَيَعَلَى بَنُو عُبَيْدٍ: ثِقَاتٌ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عُمَرُ، وَيَعَلَى، وَمُحَمَّدٌ، وَإِدْرِيْسُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بَنُو عُبَيْدٍ: كُلُّهُم ثِقَاتٌ (1) .
وَرَوَى: صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
كَانَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ يُخْطِئُ، وَلاَ يَرْجِعُ عَنْ خَطَئِهِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: نَزلَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ بَغْدَادَ دَهْراً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الكُوْفَةِ، فَمَاتَ قَبْلَ يَعْلَى، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، صَاحِبَ سُنَّةٍ وَجَمَاعَةٍ (2) .
وَقَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: كَانَ مِمَّنْ يُقَدِّمُ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ، وَقَلَّ
__________
= العبر 1 / 348، ميزان الاعتدال 3 / 639، تذكرة الحفاظ 1 / 333، الكاشف 3 / 74، تهذيب التهذيب 9 / 327، طبقات الحفاظ: 140، خلاصة تذهيب الكمال: 350، شذرات الذهب 2 / 14.
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 367.
(2) " طبقات ابن سعد " 6 / 397.

(9/437)


مَنْ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا مِنَ الكُوْفِيِّيْنَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ (1) .
وَقَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ (2) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، وَإِخْوَتُهُ: أَثْبَاتٌ، وَأَحْفَظُهُم: يَعْلَى، وَأَبصَرُهُم بِالحَدِيْثِ: مُحَمَّدٌ، وَعُمَرُ شَيْخُهُم (3) .
قُلْتُ: عُمَرُ مِنْ أَقْرَانِ هُشَيْمٍ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ مَوْلَىً لإِيَادٍ، سَمِعْتُ ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: كَانَ كَيِّساً (4) .
وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، عُثْمَانِيُّ، حَدِيْثُهُ أَرْبَعَةُ آلاَفِ حَدِيْثٍ يَحْفَظُهَا (5).

164 - الوَلِيْدُ بنُ القَاسِمِ بنِ الوَلِيْدِ الهَمْدَانِيُّ * (ت، ق)
ثُمَّ الخَبْذَعِيُّ، الكُوْفِيُّ.
وَخَبْذَعٌ: بَطْنٌ مِنْ قبَائِلِ هَمْدَانَ.
قَيَّدَهُ الأَمِيْرُ بِفَتْحِ الخَاءِ وَالذَّالِ، وَقَيَّدَهُ غَيْرُه بِالكَسْرِ فِيْهِمَا.
حَدَّثَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَأَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ،
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 2 / 367.
(2) " تاريخ خليفة ": 472.
(3) " تاريخ بغداد ": 2 / 368.
(4) " تاريخ بغداد ": 2 / 369.
(5) " تاريخ بغداد ": 2 / 369.
(*) التاريخ الكبير 8 / 152، الجرح والتعديل 9 / 13، الكامل لابن عدي: لوحة 817، تهذيب الكمال: لوحة 1471، تذهيب التهذيب 4 / 139 / 2، العبر 1 / 342، ميزان الاعتدال 4 / 344، الكاشف 3 / 241، تهذيب التهذيب 11 / 145، 146، خلاصة تذهيب الكمال: 417، شذرات الذهب 2 / 8.

(9/438)


وَالأَعْمَشِ، وَيَزِيْدَ بنِ كَيْسَانَ، وَفُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ، وَمُجَالِدِ بنِ سَعِيْدٍ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ، وَمُؤَمَّلُ بنُ إِهَابٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الجُنَيْدِ الدَّقَّاقُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ الجُنَيْدِ الدَّقَّاقُ: سُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ:
ثِقَةٌ، كَتَبْنَا عَنْهُ، وَكَانَ جَاراً لِيَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، فَسَأَلْتُ يَعْلَى عَنْهُ،
فَقَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ، هُوَ جَارُنَا مُنْذُ خَمْسِيْنَ سَنَةً، مَا رَأَينَا إِلاَّ خَيْراً (1) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: قَدْ كَتَبْنَا عَنْهُ أَحَادِيْثَ حِسَاناً عَنْ يَزِيْدَ بنِ كَيْسَانَ، فَاكتُبُوا عَنْهُ (2) .
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: إِذَا رَوَى عَنْ ثِقَةٍ، فَلاَ بَأْسَ بِهِ (3) .
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بنِ زُهَيْرٍ، عَنْهُ: هُوَ ضَعِيْفٌ.
قَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ.

165 - جَعْفَرُ بنُ عَوْنِ بنِ جَعْفَرٍ المَخْزُوْمِيُّ العَمْرِيُّ * (ع)
ابْن عَمْرِو بنِ حُرَيْثِ بنِ عَمْرِو بنِ عُثْمَانَ بنِ
__________
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 1472.
(2) " تهذيب الكمال ": لوحة 1472.
(3) " الكامل " لابن عدي: لوحة 817.
(*) تاريخ ابن معين: 86، طبقات ابن سعد 6 / 396، تاريخ خليفة: 472، طبقات خليفة: ت 1311، التاريخ الكبير 2 / 197، التاريخ الصغير 2 / 310، المعارف: 517، الجرح والتعديل 2 / 485، مشاهير علماء الأمصار: ت 1380، تهذيب الكمال: لوحة 201، تذهيب التهذيب 1 / 109 / 1، العبر 1 / 351، الكاشف: 185، دول الإسلام =

(9/439)


عَبْد اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمِ بنِ يَقَظَةَ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ الكُوْفَةِ، أَبُو عَوْنٍ المَخْزُوْمِيُّ، العَمْرِيُّ؛ نِسبَةً إِلَى عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ الصَّحَابِيِّ.
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَالأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَأَبِي العُمَيْسِ عُتْبَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَمِسْعَرٍ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ العَبْسِيُّ القَصَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي المُثَنَّى المَوْصِلِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: رَجُلٌ صَالِحٌ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (2) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ - وَهُوَ مِنَ المُكْثِرِيْنَ عَنْ جَعْفَرٍ -:
قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَيْنَ تُرِيْدُ؟
فَقُلْتُ: الكُوْفَةَ.
فَقَالَ: عَلَيْكَ بِابْنِ عَوْنٍ -يَعْنِي: جَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ (3) -.
وَقَالَ بَعَضُهُم: إِنَّ جَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ
__________
= 1 / 128، تهذيب التهذيب 2 / 101، خلاصة تذهيب الكمال: 63، شذرات الذهب 2 / 17.
(1) " الجرح والتعديل " 2 / 458.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة 202.
(3) " تهذيب الكمال " لوحة 202.

(9/440)


رَاجِعٌ مِنَ الحَجِّ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: يَقَعُ مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (جُزْءِ ابْنِ الفُرَاتِ (1))، وَ(جُزْءِ الجَابِرِيِّ (2))، وَ(مُسْنَدِ عَبْدٍ).

166 - أَزْهَرُ بنُ سَعْدٍ أَبُو بَكْرٍ البَاهِلِيُّ * (خَ، م، د، ت، س)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، النَّبِيْلُ، أَبُو بَكْرٍ البَاهِلِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، السَّمَّانُ.
حَدَّثَ عَنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَطَائِفَةٍ سِوَاهُم، وَلَهُ جَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَأَحْمَدُ، وَبُنْدَارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنْ رُفَقَائِهِ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَلَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ عَوْنٍ، أَوْصَى لَهُ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
__________
(1) هو أحمد بن الفرات الحافظ، أبو مسعود الرازي، أحد الاعلام رحل وطوف النواحي، وكان ينظر بأبي زرعة في الحفظ.
صنف المسند والتفسير، وقال: كتبت ألف ألف وخمس مئة ألف حديث، توفي سنة (258) ه. العبر 2 / 16.
(2) هو عبد الله بن جعفر بن إسحاق الموصلي صاحب الجزء المشهور، وشيخ أبي نعيم الحافظ، توفي سنة (360) ه.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 294، تاريخ خليفة: 472، طبقات خليفة: ت 1919، التاريخ الكبير 1 / 460، المعارف:: 513، الضعفاء للعقيلي: لوحة 48، الجرح والتعديل 2 / 315، مشاهير علماء الأمصار: ت 1279، تهذيب الكمال: لوحة 76، تذهيب التهذيب 1 / 50 / 1، العبر 1 / 339، ميزان الاعتدال 1 / 172، تذكرة الحفاظ 1 / 342، الكاشف 1 / 102، تهذيب التهذيب 1 / 202، طبقات الحفاظ: 143، خلاصة تذهيب الكمال: 25.

(9/441)


قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ:
لَيْسَ فِي أَصْحَابِ ابْنِ عَوْنٍ أَعْلَمُ مِنْ أَزْهَرَ.
قِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ صَاحِباً لِلْمَنْصُوْرِ أَبِي جَعْفَرٍ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ الخِلاَفَةَ، فَلَمَّا وَلِيَ، قَدِمَ إِلَيْهِ أَزْهَرُ مُهَنِّئاً لَهُ، فَقَالَ: أَعْطُوهُ أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَقُوْلُوا لَهُ: لاَ تَعُدْ.
فَأَخَذَهَا، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ مِنْ قَابِلٍ، فَحَجَبُوْهُ، ثُمَّ دَخَلَ إِلَيْهِ فِي المَجْلِسِ العَامِّ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟
قَالَ: سَمِعْتُ أَنَّك مَرِيْضٌ، فَجِئْتُ أَعُوْدُكَ.
فَقَالَ: أَعْطُوهُ أَلْفَ دِيْنَارٍ، قَدْ قَضَيْتَ حَقَّ العِيَادَةِ، فَلاَ تَعُدْ، فَإِنِّي قَلِيْلُ الأَمرَاضِ.
قَالَ: فَعَادَ مِنْ قَابِلٍ، وَدَخَلَ فِي مَجْلِسٍ عَامٍّ، فَقَالَ لَهُ: مَا جَاءَ بِكَ؟
قَالَ: دُعَاءٌ سَمِعْتُهُ مِنْكَ، جِئْتُ لأَحْفَظَه مِنْكَ.
قَالَ: يَا هَذَا! إِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَجَابٍ، إِنِّيْ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَدْعُو بِهِ أَنْ لاَ تَأْتِيَنِي، وَأَنْتَ تَأْتِيْنِي (1) .
مَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.

167 - وَهْبُ بنُ جَرِيْرِ بنِ حَازِمِ بنِ زَيْدٍ الأَزْدِيُّ * (ع)
ابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ شُجَاعٍ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، الإِمَامُ، أَبُو العَبَّاسِ الأَزْدِيُّ، البَصْرِيُّ.
__________
(1) " الوافي بالوفيات " 8 / 372.
(*) تاريخ ابن معين: 635، طبقات ابن سعد 7 / 298، تاريخ خليفة: 472، طبقات خليفة: ت 1936، التاريخ الكبير 8 / 169، التاريخ الصغير 2 / 307، 309، المعارف: 502، الجرح والتعديل 9 / 28، تهذيب الكمال: لوحة 1477، تذهيب التهذيب 4 / 142 / 2، العبر 1 / 350، تذكرة الحفاظ 1 / 336، الكاشف 3 / 244، تهذيب التهذيب 11 / 161، طبقات الحفاظ: 140، خلاصة تذهيب الكمال: 418، شذرات الذهب 2 / 16.

(9/442)


وُلِدَ: بَعْدَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.
وَرَوَى عَنْ: وَالِدِهِ، فَأَكْثَرَ.
وَعَنِ: ابْنِ عَوْنٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَشُعْبَةَ، وَغَالِبِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَالأَسْوَدِ بنِ شَيْبَانَ، وَسَلاَّمِ بنِ أَبِي مُطِيْعٍ، وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَمُوْسَى بنِ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، وَصَخْرِ بنِ جُوَيْرِيَةَ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَيَحْيَى، وَعَلِيٌّ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَبُنْدَارُ، وَعَبْدُ اللهِ المُسْنَدِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بن مُنِيْرٍ، وَعُقْبَةُ بنُ مُكْرَمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَابْنُ مُثَنَّى، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ أَبِي الرَّبِيْعِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ القَزَّازُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الدَّقِيْقِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ سَيْفٍ الحَرَّانِيُّ، وَيَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
أَمَرَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بِالكِتَابَةِ عَنْهُ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ فِي (مُسْنَدِهِ).
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ.
فَقِيْلَ لَهُ: وَهْبٌ، وَرَوْحٌ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ؟
فَقَالَ: وَهْبٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُمَا، وَهُوَ صَالِحُ الحَدِيْثِ (1) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ، كَانَ عَفَّانُ يَتَكَلَّمُ فِيْهِ.
تُوُفِّيَ: بِالمَنْجَشَانِيَّةِ، عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنَ المَدِيْنَةِ، مُنْصَرِفاً مِنَ الحَجِّ، فَحُمِلَ حَتَّى دُفِنَ بِالبَصْرَةِ (2).
__________
(1) " الجرح والتعديل " 9 / 28.
(2) " تهذيب الكمال ": لوحة 1477.

(9/443)


قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَذْكُرُ عَنْ وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ أَبِي وَهْبٍ الجَيْشَانِيِّ...، ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ:
جَرِيْرٌ رَوَى هَذَا عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، طَلَبْتُهَا بِمِصْرَ، فَمَا وَجَدتُ مِنْهَا حَدِيْثاً وَاحِداً عِنْدَ يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، وَمَا فَقَدْتُ مِنْهَا حَدِيْثاً وَاحِداً مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَأُرَاهَا صَحِيْفَةً اشْتَبَهَتْ عَلَى وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ وَهْبٌ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ (1) .
رَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ ثِقَةٌ (2) .
قُلْتُ: فِي (تَارِيْخِ أَصْبَهَانَ) لأَبِي نُعَيْمٍ، وَعَلَيْهِ خَطُّه حَدِيْثٌ لِوَهْبٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، وَأُرَاهُ وَهْماً، لَعَلَّهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ أَخِي عُبَيْدِ اللهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَلْحَقُ ذَلِكَ.
وَقَعَ لَنَا جُمْلَةٌ مِنْ عَوَالِيْهِ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي (ح).
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو رَوْحٍ الهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، أَخْبَرَنِي أَبِي، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، عَنْ بُجَيْرِ بنِ أَبِي بُجَيْرٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ حِيْنَ خَرَجْنَا مَعَهُ إِلَى الطَّائِفِ، فَمَرَرْنَا بِقَبْرٍ، فَقَالَ: (هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ، وَهُوَ أَبُو ثَقِيْفٍ، وَكَانَ
__________
(1) " طبقات ابن سعد ": 7 / 298.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة 1477.

(9/444)


مِنْ ثَمُوْدَ، وَكَانَ بِهَذَا الحَرَمِ يُدْفَعُ عَنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْهُ، أَصَابَتْهُ النِّقْمَةُ الَّتِي أَصَابَتْ قَوْمَهُ بِهَذَا المَكَانِ، فَدُفِنَ فِيْهِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ، إِنْ أَنْتُم نَبَشْتُم عَنْهُ، أَصَبْتُمُوْهُ مَعَهُ).
فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ، فَاسْتَخْرُجُوا مِنْهُ الغُصْنَ.
أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (1) ، عَنْ يَحْيَى.

168 - أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بنُ المُثَنَّى التَّيْمِيُّ مَوْلاَهُمْ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، البَحْرُ، أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بنُ المُثَنَّى التَّيْمِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، النَّحْوِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ: فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَةٍ، فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيْهَا الحَسَنُ البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَرُؤبَةَ بنِ العَجَّاجِ، وَأَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، وَطَائِفَةٍ.
وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبَ حَدِيْثٍ، وَإِنَّمَا أَوْرَدتُهُ لِتَوَسُّعِهِ فِي عِلْمِ اللِّسَانِ، وَأَيَّامِ النَّاسِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ، وَأَبُو
__________
(1) رقم (3088) في الخراج والامارة والفئ: باب نبش القبور العادية يكون فيها المال، وإسناده ضعيف، لعنعنة ابن إسحاق، وجهالة بجير بن أبي بجير.
(*) تاريخ خليفة: 19 - 20، المعارف: 543، فهرست ابن النديم: 53 - 54، تاريخ بغداد 13 / 252، معجم الأدباء 9 / 154، الكامل لابن الأثير 6 / 390، إنباه الرواة 3 / 276، وفيات الأعيان 5 / 235، تهذيب الكمال: لوحة 1355، ميزان الاعتدال 4 / 155، العبر 1 / 359، تذكرة الحفاظ 1 / 371، مرآة الجنان 2 / 44 - 46، تهذيب التهذيب 10 / 246، النجوم الزاهرة 2 / 184، بغية الوعاة 2 / 294، طبقات المفسرين 2 / 326، شذرات الذهب 2 / 24.

(9/445)


عُثْمَانَ المَازِنِيُّ، وَعُمَرُ بنُ شَبَّةَ، وَعَلِيُّ بنُ المُغِيْرَةِ الأَثْرَمُ، وَأَبُو العَيْنَاءِ، وَعِدَّةٌ.
حَدَّثَ بِبَغْدَادَ بِجُملَةٍ مِنْ تَصَانِيْفِهِ.
قَالَ الجَاحِظُ: لَمْ يَكُنْ فِي الأَرْضِ جَمَاعِيٌّ وَلاَ خَارِجِيٌّ أَعْلَمَ بِجَمِيْعِ العُلُوْمِ مِنْ أَبِي عُبَيْدَةَ (1) .
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ ذَكَرَ أَبَا عُبَيْدَةَ، فَأَحْسَنَ ذِكْرَهُ، وَصَحَّحَ رِوَايَتَهُ، وَقَالَ: كَانَ لاَ يَحكِي عَنِ العَرَبِ إِلاَّ الشَّيْءَ الصَّحِيْحَ (2) .
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
قَالَ المُبَرِّدُ: كَانَ هُوَ وَالأَصْمَعِيُّ مُتَقَارِبَيْنِ (3) فِي النَّحوِ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَكمَلَ القَوْمِ (4) .
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كَانَ الغَرِيْبُ وَأَيَّامُ العَرَبِ أَغَلَبَ عَلَيْهِ، وَكَانَ لاَ يُقِيْمُ البَيْتَ إِذَا أَنشَدَهُ، وَيُخْطِئُ إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ نَظَراً، وَكَانَ يُبْغِضُ العَرَبَ، وَأَلَّفَ فِي مثَالِبِهَا كُتُباً، وَكَانَ يَرَى رَأْيَ الخَوَارِجِ (5) .
وَقِيْلَ: إِنَّ الرَّشِيْدَ أَقدَمَ أَبَا عُبَيْدَةَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ بَعْضَ كُتُبِهِ، وَهِيَ تُقَارِبُ مائَتَيْ مُصَنَّفٍ، مِنْهَا: كِتَابُ (مَجَازِ القُرْآنِ)، وَكِتَابُ (غَرِيْبِ الحَدِيْثِ)، وَكِتَابُ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 252.
(2) " تاريخ بغداد " 13 / 257.
(3) " في الأصل: متقاربان.
(4) " تاريخ بغداد " 13 / 257.
(5) " المعارف " 543.

(9/446)


(مَقْتَلِ عُثْمَانَ)، وَكِتَابُ (أَخْبَارِ الحَجَّاجِ)، وَكَانَ أَلثَغَ، بَذِيْءَ اللِّسَانِ، وَسِخَ الثَّوبِ (1) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: كَانَ يُكْرِمُنِي بِنَاءً عَلَى أَنَّنِي مِنْ خَوَارِجِ سِجِسْتَانَ (2) .
وَقِيْلَ: كَانَ يَمِيْلُ إِلَى المُرْدِ، أَلاَ تَرَى أَبَا نُوَاسٍ حَيْثُ يَقُوْلُ:
صَلَّى الإِلَهُ عَلَى لُوْطٍ وَشِيْعتِهِ ... أَبَا عُبَيْدَةَ قُلْ بِاللهِ: آمِيْنَا
فَأَنْتَ عِنْدِي بِلاَ شَكٍّ بَقِيَّتُهُم ... مُنْذُ احْتَلَمتَ وَقَدْ جَاوَزَتَ سَبْعِيْنَا (3)
قُلْتُ: قَارَبَ مائَةَ عَامٍ، أَوْ كَمَّلَهَا.
فَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ هَذَا المَرْءُ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ بِالمَاهِرِ بِكِتَابِ اللهِ، وَلاَ العَارِفِ بِسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ البَصِيْرِ بِالفِقْهِ وَاخْتِلاَفِ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ، بَلَى، وَكَانَ مُعَافَىً مِنْ مَعْرِفَةِ حِكْمَةِ الأَوَائِلِ، وَالمَنْطِقِ، وَأَقسَامِ الفَلْسَفَةِ، وَلَهُ نَظَرٌ فِي المَعْقُوْلِ، وَلَمْ يَقعْ لَنَا شَيْءٌ مِنْ عَوَالِي رِوَايَتِهِ.

169 - حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ أَبُو مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الحُجَّةُ، الحَافِظُ، أَبُو مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيُّ، الأَعْوَرُ، مَوْلَى
__________
(1) " معجم الأدباء " 19 / 160، 161، و" إنباه الرواة " 3 / 285، 286.
(2) " إنباه الرواة " 3 / 281.
(3) البيتان مع قصة في " وفيات الأعيان " 5 / 242.
(*) تاريخ ابن معين: 102، طبقات ابن سعد 7 / 333، طبقات خليفة: ت 3056، التاريخ الكبير 2 / 380، التاريخ الصغير 2 / 308، الجرح والتعديل 3 / 166، الفهرست لابن النديم: 37، تاريخ بغداد 8 / 236، تهذيب الكمال: لوحة 237، تذهيب التهذيب 1 / 124 / 1، العبر 1 / 349، ميزان الاعتدال 1 / 464، تذكرة الحفاظ، 1 / 345، الكاشف 1 / 207، طبقات القراء 1 / 203، تهذيب التهذيب 2 / 205، النجوم الزاهرة 2 / 181، طبقات المفسرين 1 / 127، خلاصة تذهيب الكمال: 73، شذرات الذهب 2 / 15.

(9/447)


سُلَيْمَانَ بنِ مُجَالِدٍ، تَرْمِذِيُّ الأَصْلِ، سَكَنَ بَغْدَادَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى المَصِّيْصَةِ، وَرَابَطَ بِهَا، وَرَحَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ.
سَمِعَ مِنِ: ابْنِ جُرَيْجٍ - فَأَكْثَرَ وَأَتْقَنَ -.
وَمِنْ: يُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَعُمَرَ بنِ ذَرٍّ، وَشُعْبَةَ، وَحَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ أَبِي السَّفَرِ، وَأَبُو يَحْيَى صَاعِقَةُ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَيُوْسُفُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مُسَلَّمٍ، وَهِلاَلُ بنُ العَلاَءِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
ذكرَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: مَا كَانَ أَضبَطَهُ، وَأَصَحَّ حَدِيْثَهُ، وَأَشَدَّ تَعَاهُدَهِ لِلْحُرُوْفِ!
وَرَفَعَ أَمرَهُ جِدّاً، وَقَالَ: كَانَ صَاحِبَ عَرَبِيَّةٍ، وَكَانَ لاَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، وَإِنَّمَا قَرَأَ هُوَ عَلَى ابْنِ جُرَيْجٍ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ، فَبَقِيَ يَقُوْلُ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَدْ قرَأَ الكُتُبَ عَلَيْهِ، وَسَمِعَ مِنْهُ كِتَابَ (التَّفْسِيْرِ) إِمْلاَءً (1) .
قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: رَحَلَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ إِلَى حَجَّاجٍ الأَعْوَرِ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ يَحْيَى كَتَبَ عَنْهُ نَحْواً مِنْ خَمْسِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ (2).
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ أَثْبَتَ أَصْحَابِ ابْنِ جُرَيْجٍ (3) .
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ الخُشْكُ: حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ نَائِماً أَوْثَقُ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ يَقْظَانَ (4).
__________
(1) " تاريخ بغداد " 8 / 237.
(2) " تاريخ بغداد " 8 / 237، و" طبقات الحفاظ ": 148.
(3) " تهذيب الكمال ": لوحة 237.
(4) " تاريخ بغداد " 8 / 238.

(9/448)


وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: قَدِمَ حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ بَغْدَادَ فِي حَاجَةٍ، وَكَانَ ثِقَةً - إِنْ شَاءَ اللهُ - فَمَاتَ بِبَغْدَادَ، فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ: وَقَدْ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ حِيْنَ رَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ (1) .
قُلْتُ: مَا هُوَ تَغَيُّراً يَضُرُّ.
وَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ الحَافِظُ: أَخْبَرَنِي صَدِيْقٌ لِي، قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ حَجَّاجٌ بَغْدَادَ فِي آخِرِ مَرَّةٍ، خَلَّطَ، فَرَآهُ يَحْيَى يُخِلِّطُ، فَقَالَ لابْنِهِ: لاَ تُدْخِلْ عَلَى الشَّيْخِ أَحَداً (2) .
قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ، وَحَدِيْثُهُ فِي دَوَاوِيْنِ الإِسْلاَمِ، وَلاَ أَعْلَمُ لَهُ شَيْئاً أُنْكِرَ عَلَيْهِ، مَعَ سَعَةِ عِلْمِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ (ح).
وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
وُلِدَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الفِيْلِ (3).
__________
(1) " طبقات ابن سعد " 7 / 333.
(2) " تاريخ بغداد " 8 / 238.
(3) رجاله ثقات، وأخرجه البزار (226) من طريق الحسن بن علوية البغدادي، حدثنا حجاج بن محمد بهذا الإسناد، وأورده الهيثمي في " المجمع " 1 / 196، وزاد نسبته للطبراني في " الكبير " وقال: ورجاله موثقون، وفي الباب عن قيس بن مخرمة قال: " ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، فنحن لدان ولدنا مولدا واحدا " أخرجه أحمد 4 / 215، والترمذي (3619) والحاكم 3 / 455، 456، من طريق ابن إسحاق، حدثني =

(9/449)


وَبِهِ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَتْنِي حُكَيْمَةُ بِنْتُ أُمَيْمَةَ، عَنْ أُمِّهَا أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَبُوْلُ فِي قَدَحٍ مِنْ عَيْدَانٍ، ثُمَّ يُوْضَعُ تَحْتَ سَرِيْرِهِ.
قَالَ: فَوُضِعَ تَحْتَ سَرِيْرِهِ، فَجَاءَ، فَأَرَادَهُ، فَإِذَا القَدَحُ لَيْسَ فِيْهِ شَيْءٌ، فَقَالَ لامْرَأَةٍ يُقَالَ لَهَا: بَرَكَةُ كَانَتْ تَخْدُمُ لأُمِّ حَبِيْبَةَ، جَاءتْ مَعَهَا مِنَ الحَبَشَةِ: (أَيْنَ البَوْلُ الَّذِي كَانَ فِي القَدَحِ؟).
قَالَتْ: شَرِبْتُهُ يَا رَسُوْلَ اللهِ.
أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى، عَنْ حَجَّاجٍ.

170 - عَبْدُ اللهِ بنُ بَكْرِ بنِ حَبِيْبٍ السَّهْمِيُّ البَاهِلِيُّ * (ع)
الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو وَهْبٍ السَّهْمِيُّ، البَاهِلِيُّ، البَصْرِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
مَوْلِدُهُ: فِي خِلاَفَةِ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ.
سَمِعَ: أَبَاهُ؛ بَكْرَ بنَ حَبِيْبٍ شَيْخَ العَرَبِيَّةِ، وَحُمَيْداً الطَّوِيْلَ، وَابْنَ عَوْنٍ، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَهِشَامَ بنَ حَسَّانٍ، وَحَاتِمَ بنَ أَبِي صَغِيْرَةَ، وَشُعْبَةَ، وَطَبَقَتَهُم.
__________
= المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة، عن أبيه، عن جده، وحسنه الترمذي، وانظر " البداية " 2 / 261.
(1) برقم (24) في الطهارة: باب البول في الاناء، وحكيمة بنت أميمة لا تعرف، ومع ذلك، فقد صححه ابن حبان (141) والحاكم 1 / 167، ووافقه الذهبي.
وقوله: " من عيدان " في القاموس: العيدان بالفتح الطوال من النخل، واحدتها بهاء، ومنها كان قدح يبول فيه النبي صلى الله عليه وسلم.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 334، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة: ت 1927، التاريخ الكبير 5 / 52، التاريخ الصغير 2 / 314، لمعارف: 516، الجرح والتعديل 5 / 16، مشاهير علماء الأمصار: ت 1285، تاريخ بغداد 9 / 421، الكامل لابن الأثير 6 / 387، تهذيب الكمال: لوحة 668، تذهيب التهذيب 2 / 133 / 2، العبر 1 / 354، 355، تذكرة الحفاظ 1 / 343، الكاشف 2 / 75، دول الإسلام 1 / 128، تهذيب التهذيب 5 / 162، خلاصة تذهيب الكمال: 192.

(9/450)


حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُنِيْرٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ الأَزْرَقُ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدُوَيْه، وَآخَرُوْنَ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الأَثْرَمَ لَقِيَهُ، وَحَمَلَ عَنْهُ، وَهَذَا بَعِيْدٌ.
وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَكَانَ أَحَدَ الفُقَهَاءِ، وَأَصْحَابِ الحَدِيْثِ.
قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، أَوْ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ (1) -يَعْنِي: أَنَّهُ أَخَذَ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتغَيَّرَ-.
قِيْلَ: تُوُفِّيَ فِي شَهْرِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ قَارَبَ التِّسْعِيْنَ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا عَمْرٍو بنَ العَلاَءِ المَازِنِيَّ، وَعِيْسَى بنَ عُمَرَ اخْتَلَفَا فِي كَلِمَةِ سَطْرٍ وَسَطَرٍ، فَحَكَّمَا بَكْرَ بنَ حَبِيْبٍ عَلَيْهِمَا.

171 - عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ البَصْرِيُّ الخَفَّافُ * (م، 4)
الإِمَامُ، الصَّدُوْقُ، العَابِدُ، المُحَدِّثُ، أَبُو نَصْرٍ البَصْرِيُّ، الخَفَّافُ، مَوْلَى بَنِي عِجْلٍ، سَكَنَ بَغْدَادَ.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 9 / 422.
(*) تاريخ ابن معين: 379، طبقات ابن سعد 7 / 333، طبقات خليفة: ت 3217، التاريخ الكبير 6 / 98، التاريخ الصغير 2 / 302، الضعفاء للعقيلي: لوحة 257، الجرح والتعديل 6 / 72، تاريخ بغداد 11 / 21 - 25، تهذيب الكمال: لوحة 872، تذهيب التهذيب 2 / 260 / 1، العبر 1 / 346، ميزان الاعتدال 2 / 681، تذكرة الحفاظ 1 / 339، الكاشف 2 / 221، تهذيب التهذيب 6 / 450، طبقات الحفاظ: 141، خلاصة تهذيب الكمال: 248، شذرات الذهب 2 / 13.

(9/451)


وَحَدَّثَ عَنْ: حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَسَعِيْدٍ الجُرَيْرِيِّ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ - فَأَكْثَرَ عَنْهُ - وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَأَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ - وَرَوَى عَنْهُ حَرْفَهُ -.
حَمَلَ عَنْهُ القِرَاءةَ: أَحْمَدُ بنُ جُبَيْرٍ الأَنْطَاكِيُّ، وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، لَزِمَ ابْنَ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَعُرِفَ بِصُحْبَتِهِ (1) .
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ (2) .
وَكَذَا قَالَ: الدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُ.
وَرُوِيَ: أَنَّهُ كَانَ عبداً صَالِحاً، بَكَّاءً.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ عَبْدُ الوَهَّابِ يَقرَأُ عِنْدَ سَعِيْدٍ تَصَانِيْفَهُ، فَكَانَ عَبْدُ اللهِ الأَفْطَسُ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ طَرِّبْ طَرِّبْ.
قَالَ: وَكَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيْهِ (3) .
وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: أَعَبْدُ الوَهَّابِ ثِقَةٌ؟
قَالَ: تَدْرِي
__________
(1) " طبقات ابن سعد " 7 / 333.
(2) " التاريخ " لابن معين 379.
(3) " تاريخ بغداد " 11 / 22.

(9/452)


مَا تَقُوْلُ؟ الثِّقَةُ يَحْيَى القَطَّانُ (1) !
وَرَوَى: الأَثْرَمُ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الوَهَّابِ عَالِماً بِسَعِيْدٍ (2) .
وَقَالَ يَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ: بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ مُسْتَمْلِي سَعِيْدٍ، وَكَانَ أَكْثَرَ النَّاسِ بُكَاءً (3) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ (4) .
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هُوَ أَصلَحُ مِنْ عَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ (5) .
رَوَى عَنْ ثَوْرٍ حَدِيْثَيْنِ لَيْسَا مِنْ حَدِيْثِهِ.
قُلْتُ: أَحَدُهُمَا فِي العَبَّاسِ: (اللَّهُمَّ اخْلُفْهُ فِي وَلَدِهِ (6))، حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
تُوُفِّيَ: فِي آخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ.
وَرَوَى: المَيْمُوْنِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، مُضْطَرِبٌ.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 11 / 23.
(2) " تاريخ بغداد " 11 / 22.
(3) " تاريخ بغداد " 11 / 22.
(4) " الجرح والتعديل " 6 / 72.
(5) " تاريخ بغداد " 11 / 24.
(6) أخرجه الترمذي (3762) في المناقب: باب مناقب العباس بن عبد المطلب من طريق إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن عبد الوهاب بن عطاء، عن ثور بن يزيد، عن مكحول، عن كريب (تحرف في المطبوع إلى حذيفة) عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للعباس: " إذا كان غداة الاثنين فأتني أنت وولدك حتى أدعو لك بدعوة ينفعك الله بها وولدك " فغدا وغدونا معه، وألبسنا كساءا، ثم قال: " اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبا، اللهم احفظه في ولده ".
قال المؤلف في " الميزان ": قال صالح جزرة: أنكروا على الخفاف حديث ثور في فضل العباس ما أنكروا عليه غيره، وكان ابن معين يقول: هذا موضوع، فلعل الخفاف دلسه، فإنه بلفظة " عن ".

(9/453)


قُلْتُ: حَدِيْثُهُ فِي دَرَجَةِ الحَسَنِ.

172 - مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ وَاقِدٍ الأَسْلَمِيُّ مَوْلاَهُمْ *
الوَاقِدِيُّ، المَدِيْنِيُّ، القَاضِي، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ وَالمَغَازِي، العَلاَّمَةُ، الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، أَحَدُ أَوْعِيَةِ العِلْمِ عَلَى ضَعفِهِ، المُتَّفَقِ عَلَيْهِ.
وُلِدَ: بَعْدَ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَطَلَبَ العِلْمَ عَامَ بِضْعَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: صِغَارِ التَّابِعِيْنَ فَمَنْ بَعْدَهُم، بِالحِجَازِ، وَالشَّامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَكَثِيْرِ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ، وَالضَّحَّاكِ بنِ عُثْمَانَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَأَفْلَحَ بنِ حُمَيْدٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَهِشَامِ بنِ الغَازِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي سَبْرَةَ، وَمَالِكٍ، وَفُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ، إِلَى الغَايَةِ مِنْ عَوَامِّ المَدَنِيِّينَ.
وَجَمَعَ فَأَوعَى، وَخَلَطَ الغَثَّ بِالسَّمِيْنِ، وَالخَرَزَ بِالدُّرِّ الثَّمِيْنِ،
__________
(*) تاريخ ابن معين: 532، طبقات ابن سعد 7 / 334، تاريخ خليفة: 472، طبقات خليفة: ت 3221. التاريخ الكبير: 1 / 178، التاريخ الصغير 2 / 311، المعارف: 518، الضعفاء للعقيلي: لوحة 361، الجرح والتعديل 8 / 20، كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 290، فهرست ابن النديم: 111، تاريخ بغداد 3 / 3 - 21. معجم الأدباء 18 / 277، الكامل لابن الأثير 6 / 385، وفيات الأعيان 1 / 506، مقدمة عيون الاثر لابن سيد الناس 1 / 17 - 21، تهذيب الكمال: لوحة 1248، العبر 1 / 353، ميزان الاعتدال 3 / 662، تذكرة الحفاظ، 1 / 348، الكاشف 3 / 82، دول الإسلام 1 / 128، الوافي بالوفيات 4 / 238، تهذيب التهذيب 9 / 363، النجوم الزاهرة 2 / 184، طبقات الحفاظ: 144، خلاصة تذهيب الكمال: 353، شذرات الذهب 2 / 18.

(9/454)


فَاطَّرَحُوهُ لِذَلِكَ، وَمَعَ هَذَا، فَلاَ يُسْتَغنَى عَنْهُ فِي المَغَازِي، وَأَيَّامِ الصَّحَابَةِ، وَأَخْبَارِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ - كَاتِبُهُ - وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو حَسَّانٍ الحَسَنُ بنُ عُثْمَانَ الزِّيَادِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الشَّاذَكُوْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الأَزْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ نَاصِحٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ الأَزْرَقُ، وَأَحْمَدُ بنُ الوَلِيْدِ الفَحَّامُ، وَأَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ البُرْجَلاَنِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الهَاشِمِيُّ، وَعِدَّةٌ.
الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
لَمْ نَزَلْ نُدَافِعُ أَمرَ الوَاقِدِيِّ حَتَّى رَوَى عَنْ: مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ نَبْهَانَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؟)(1).
فَجَاءَ بِشَيْءٍ لاَ حِيْلَةَ فِيْهِ، فَهَذَا حَدِيْثُ يُوْنُسَ، مَا رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
__________
(1) وأخرجه أبو داود (4112) في اللباس: باب قول الله تعالى: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن)، والترمذي (2778) في الأدب: باب في احتجاب النساء من الرجال، وأحمد 6 / 296، من طرق عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد، عن الزهري، قال: حدثني نبهان مولى أم سلمة، عن أم سلمة قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم، وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " احتجبا منه " فقلنا: يارسول الله، أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ؟، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه ؟ " وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، مع أن نبهان مولى أم سلمة لم يوثقه غير ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل، والترمذي منسوب إلى التساهل في بعض ما يحسن ويضعف، فلا يعتد بقوله إذا تبين خلافه، فقد قال المؤلف في " الميزان " 4 / 416: فلا يغتر بتحسين الترمذي، فعند المحاققة غالبها ضعاف، وقال أيضا 3 / 407: فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي، وعجب من الحافظ ابن حجر كيف يقويه في " الفتح " 9 / 294، على مذهب ابن حبان، وهو الذي يقول عنه في " اللسان " 1 / 14: هو مذهب عجيب، والجمهور على خلافه وممن ضعف هذا =

(9/455)


قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَرَوَاهُ الذُّهْلِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا نَافِعُ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ الرَّمَادِيُّ: لَمَّا حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ بِهَذَا، ضَحِكتُ.
فَقَالَ: مِمَّ تَضحَكُ؟
فَأَخْبَرتُهُ بِمَا قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ يَقُوْلُ:
هَذَا حَدِيْثٌ تَفَرَّدَ بِهِ يُوْنُسُ، وَهَذَا أَنْتَ تُحَدِّثُ بِهِ، عَنْ نَافِعِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ عُقَيْلٍ.
فَقَالَ: إِنَّ شُيُوْخَنَا المِصْرِيِّينَ لَهُم عِنَايَةٌ بِحَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ.
قَالَ: وَفِيْمَا كَتَبَ أَحْمَدُ إِلَى ابْنِ المَدِيْنِيِّ:
كَيْفَ تَسْتَحِلُّ تَروِي عَنْ رَجُلٍ يَرْوِي عَنْ مَعْمَرٍ حَدِيْثَ نَبْهَانَ مُكَاتَبِ أُمِّ سَلَمَةَ (1) ؟
رَوَاهُ: الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ القَزْوِيْنِيِّ، عَنِ الرَّمَادِيِّ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَابِرٍ الحَافِظُ: سَمِعْتُ الرَّمَادِيَّ، وَحَدَّثَ بِحَدِيْثِ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فَقَالَ: هَذَا مِمَّا ظُلِمَ فِيْهِ الوَاقِدِيُّ (2).
__________
= الحديث الامام أحمد، فيما نقله عنه صاحب " المبدع "، على انه قد صح في الباب ما يخالفه، فقد أخرج البخاري في " صحيحه " 9 / 294، في النكاح: باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا الذي أسأم.
وكان النظر إلى الحبشة عام قدومهم سنة سبع، ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة، وذلك بعد نزول الحجاب، ومما يقوي جواز نظر المرأة إلى الاجنبي استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والاسواق والاسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال، ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا يراهم النساء، فدل على تغاير الحكم بين الطائفتين.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس، وقد طلقها زوجها البتة وهو غائب أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم، وقال لها: " إنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده " وهو حديث صحيح أخرجه مالك 2 / 580، 581، والشافعي في " الرسالة " فقرة (856)، ومسلم (1480).
(1) " تاريخ بغداد " 3 / 18.
(2) " تاريخ بغداد " 3 / 19.

(9/456)


قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ مَوْلَى لِبَنِي أَسْلَمَ، ثُمَّ بَنِي سَهْمٍ، بَطْنٍ مِنْ أَسْلَمَ، وَلِيَ القَضَاءَ بِبَغْدَادَ لِلْمَأْمُوْنِ أَرْبَعَ سِنِيْنَ، وَكَانَ عَالِماً بِالمَغَازِي، وَالسِّيرَةِ، وَالفُتُوْحِ، وَالأَحكَامِ، وَاخْتِلاَفِ النَّاسِ، وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ فِي كُتُبٍ اسْتَخْرَجَهَا وَوَضَعَهَا، وَحَدَّثَ بِهَا، أَخْبَرَنِي أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي (الطَّبَقَاتِ الكَبِيْرِ): هُوَ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بنِ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَدِمَ بَغْدَادَ فِي دَيْنٍ لَحِقَهُ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا، وَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ وَالرَّقَّةِ، ثُمَّ رَجَعَ، فَوَلاَّهُ المَأْمُوْنُ القَضَاءَ، إِذْ قَدِمَ مِنْ خُرَاسَانَ، وَلاَّهُ القَضَاءَ بِعَسْكَرِ المَهْدِيِّ، فَلَمْ يَزَلْ قَاضِياً حَتَّى مَاتَ بِبَغْدَادَ لإِحْدَى عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ (1) .
وَذَكَرَهُ البُخَارِيُّ، فَقَالَ: سَكَتُوا عَنْهُ، تَرَكَهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ (2) .
وَقَالَ مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: هُوَ مِمَّنْ طَبَّقَ ذِكْرُهُ شَرقَ الأَرْضِ وَغَرْبَهَا، وَسَارَتْ بِكُتُبِهِ الرُّكبَانُ فِي فُنُوْنِ العِلْمِ مِنَ المَغَازِي، وَالسِّيَرِ، وَالطَّبَقَاتِ، وَالفِقْهِ، وَكَانَ جَوَاداً، كَرِيْماً، مَشْهُوْراً بِالسَّخَاءِ (3) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: الوَاقِدِيُّ عَالِمُ دَهْرِهِ (4).
__________
(1) " طبقات ابن سعد " 7 / 334، 335.
(2) " التاريخ الكبير " 1 / 178.
(3) " تاريخ بغداد " 3 / 3.
(4) " تاريخ بغداد " 3 / 5.

(9/457)


وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: الوَاقِدِيُّ أَمِيْنُ النَّاسِ عَلَى أَهْلِ الإِسْلاَمِ، كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَمرِ الإِسْلاَمِ.
قَالَ: فَأَمَّا الجَاهِلِيَّةُ، فَلَمْ يَعْلَمْ فِيْهَا شَيْئاً (1) .
وَقَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: سَمِعْتُ مُصْعَباً الزُّبَيْرِيَّ يَذْكُرُ الوَاقِدِيَّ،
فَقَالَ: وَاللهِ مَا رَأَينَا مِثْلَهُ قَطُّ.
وَعَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ - وَذَكَرَ الوَاقِدِيَّ - فَقَالَ: ذَاكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ.
رَوَاهَا: يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ أَبِي الفَرَجِ، عَنْ يَعْقُوْبَ مَوْلَى آلِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْهُ (2) .
وَعَنِ الوَاقِدِيِّ، قَالَ: كَانَتْ أَلوَاحِي تَضِيعُ، فَأُوْتَى بِهَا مِنْ شُهْرَتِهَا بِالمَدِيْنَةِ.
يُقَالَ: هَذِهِ أَلوَاحُ ابْنِ وَاقِدٍ (3) .
قَدْ كَانَتْ لِلوَاقِدِيِّ فِي وَقْتِهِ جَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ، وَوَقْعٌ فِي النُّفُوْسِ، بِحَيْثُ إِنَّ أَبَا عَامِرٍ العَقَدِيَّ قَالَ:
نَحْنُ نُسَأَلُ عَنِ الوَاقِدِيِّ؟ مَا كَانَ يُفِيْدُنَا الشُّيُوْخُ وَالحَدِيْثُ إِلاَّ الوَاقِدِيَّ (4) .
وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
كُنْتُ أَقْدَمُ المَدِيْنَةَ، فَمَا يُفِيْدُنِي وَيَدُلُّنِي عَلَى الشُّيُوْخِ إِلاَّ الوَاقِدِيُّ (5) .
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ الدِّمَشْقِيُّ: حَدَّثَنِي سُيَيْدُ بنُ دَاوُدَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 3 / 5.
(2) " تاريخ بغداد " 3 / 9.
(3) " تاريخ بغداد " 3 / 9.
(4) " تاريخ بغداد " 3 / 9.
(5) " تاريخ بغداد " 3 / 9.

(9/458)


هُشَيْمٍ، فَدَخَلَ الوَاقِدِيُّ، فَسَأَلَهُ هُشَيْمٌ عَنْ بَابٍ: مَا يَحْفَظُ فِيْهِ؟
فَقَالَ: مَا لاَ عِنْدَكَ يَا أَبَا مُعَاوِيَةَ.
فَذَكَرَ خَمْسَةَ أَحَادِيْثَ - أَوْ سِتَّةً - فِي البَابِ، ثُمَّ قَالَ هُشَيْمٌ لِلوَاقِدِيِّ: مَا عِنْدَكَ؟
فَحَدَّثَهُ بِثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِيْنَ.
ثُمَّ قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكاً، وَسَأَلْتُ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَسَأَلْتُ، وَسَأَلْتُ، فَرَأَيْتُ وَجْهَ هُشَيْمٍ يَتَغَيَّرُ، فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ هُشَيْمٌ: لَئِنْ كَانَ كَذَّاباً، فَمَا فَيَ الدُّنْيَا مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ صَادِقاً، فَمَا فِي الدُّنْيَا مِثْلُهُ.
أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ: سَمِعْتُ مُجَاهِدَ بنَ مُوْسَى يَقُوْلُ: مَا كَتَبْنَا عَنْ أَحَدٍ أَحْفَظَ مِنَ الوَاقِدِيِّ (1) .
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: قَالَ سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ:
كَتَبتُ وَرَقَةً مِنْ حَدِيْثِ الوَاقِدِيِّ، وَجَعَلتُ فِيْهَا حَدِيْثاً عَنْ مَالِكٍ، لَمْ يَرْوِهِ إِلاَّ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهَا الوَاقِدِيَّ، فَحَدَّثَنِي إِلَى أَنْ بَلَغَ الحَدِيْثَ، فَتَرَكَنِي، وَقَامَ، ثُمَّ أَتَى، فَقَالَ لِي: هَذَا الحَدِيْثُ سَأَلَ عَنْهُ إِنْسَانٌ بَغِيضٌ لِمَالِكٍ، فَلَمْ أَكْتُبْهُ، ثُمَّ حَدَّثَنِي بِهِ (2) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ: قَالَ ابْنُ سَعْدٍ:
كَانَ الوَاقِدِيُّ يَقُوْلُ: مَا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَكُتُبُهُ أَكْثَرُ مِنْ حِفْظِهِ، وَحِفظِي أَكْثَرُ مِنْ كُتُبِي (3) .
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: لَمَّا انْتَقَلَ الوَاقِدِيُّ مِنْ جَانِبِ الغَرْبِيِّ، يُقَالَ: إِنَّهُ حَمَّلَ كُتُبَهُ عَلَى عِشْرِيْنَ وَمائَةِ وِقْرٍ (4).
__________
(1) " تاريخ بغداد " 3 / 11.
(2) " تاريخ بغداد " 3 / 10.
(3) " معجم الأدباء " 18 / 281.
(4) " معجم الأدباء " 18 / 281.

(9/459)


وَعَنْ أَبِي حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، قَالَ: كَانَ لِلْوَاقِدِيِّ سِتُّ مائَةِ قِمَطْرٍ (1) كُتُبٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَمِعْتُ المُسَيَّبِيَّ يَقُوْلُ:
رَأَينَا الوَاقِدِيَّ يَوْماً جَالِساً إِلَى أُسْطُوَانَةٍ فِي مَسْجِدِ المَدِيْنَةِ، وَهُوَ يُدَرِّسُ، فَقُلْنَا: أَيَّ شَيْءٍ تُدَرِّسُ؟
فَقَالَ: جُزْئِي مِنَ المَغَازِي.
وَقُلْنَا يَوْماً لَهُ: هَذَا الَّذِي تَجْمَعُ الرِّجَالَ تَقُوْلُ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، وَجِئْتَ بِمَتْنٍ وَاحِدٍ، لَوْ حدَّثْتَنَا بِحَدِيْثِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ.
فَقَالَ: يَطُولُ.
قُلْنَا لَهُ: قَدْ رَضِيْنَا.
فغَابَ عَنَّا جُمُعَةً، ثُمَّ جَاءنَا بِغَزْوَةِ أُحُدٍ فِي عِشْرِيْنَ جِلْداً، فَقُلْنَا: رُدَّنَا إِلَى الأَمْرِ الأَوَّلِ (2) .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ الوَاقِدِيُّ مَعَ مَا ذَكَرنَاهُ مِنْ سَعَةِ عِلْمِهِ، وَكَثْرَةِ حِفْظِهِ، لاَ يَحْفَظُ القُرْآنَ:
فَأَنْبَأَنِي الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّافِقِيُّ (3) ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَرْبَرِيُّ، قَالَ:
قَالَ المَأْمُوْنُ لِلْوَاقِدِيِّ: أُرِيْدُ أَنْ تُصَلِيَ الجُمُعَةَ غَداً بِالنَّاسِ، فَامْتَنَعَ.
قَالَ: لاَ بُدَّ.
فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَحْفَظُ سُوْرَةَ الجُمُعَةِ.
قَالَ: فَأَنَا أُحَفِّظُكَ.
فَجَعَلَ المَأْمُوْنُ يُلَقِّنُهُ سُوْرَةَ الجُمُعَةِ، حَتَّى بَلَغَ النِّصْفَ مِنْهَا، فَإِذَا حَفِظَهُ، ابْتَدَأَ بِالنِّصْفِ الثَّانِي، فَإِذَا حَفِظَهُ نَسِيَ الأَوَّلَ، فَأَتعَبَ المَأْمُوْنَ، وَنَعِسَ، فَقَالَ لعَلِيِّ بنِ صَالِحٍ: حَفِّظْهُ أَنْتَ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَفَعَلتُ، فَبَقِيَ كلَمَّا حفَّظْتُهُ شَيْئاً، نَسِيَ شَيْئاً، فَاسْتَيْقَظَ المَأْمُوْنُ، فَقَالَ
__________
(1) القمطر، والقمطرة: ما تصان فيه الكتب قال ابن السكيت: لا يقال بالتشديد، وينشد: ليس بعلم ما يعي القمطر * ما العلم إلا ما وعاه الصدر
(2) " تاريخ بغداد " 3 / 7.
(3) هذه النسبة إلى الرافقة، وهي بلدة كبيرة على الفرات، يقال لها الآن: الرقة.

(9/460)


لِي: مَا فَعَلتَ؟
فَأَخْبَرتُهُ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ يَحْفَظُ التَّأْوِيْلَ، وَلاَ يَحْفَظُ التَّنْزِيلَ، اذْهَبْ، فَصَلِّ بِهِم، وَاقرَأْ أَيَّ سُوْرَةٍ شِئْتَ (1) .
فَهَذِهِ حِكَايَةٌ مُرْسَلَةٌ، وَالبَرْبَرِيُّ فَحَافِظٌ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَابِرٍ الفَقِيْهُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصَّاغَانِيَّ - وَذَكَرَ الوَاقِدِيَّ - فَقَالَ: وَاللهِ لَوْلاَ أَنَّهُ عِنْدِي ثِقَةً، مَا حَدَّثْتُ عَنْهُ، قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو عُبَيْدٍ...، وَسَمَّى غَيْرَهُمَا (2) .
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَمِعْتُ مُصْعَبَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: الوَاقِدِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ (3) .
وَسُئِلَ مَعْنُ بنُ عِيْسَى، عَنِ الوَاقِدِيِّ، فَقَالَ:
أَنَا أُسْأَلُ عَنِ الوَاقِدِيِّ؟ الوَاقِدِيُّ يُسْأَلُ عَنِّي (4) .
وَسَأَلْتُ ابْنَ نُمَيْرٍ عَنْهُ، فَقَالَ: أَمَّا حَدِيْثُهُ هَا هُنَا فَمُسْتَوٍ، وَأَمَّا حَدِيْثُ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، فَهُم أَعْلَمُ بِهِ.
وَرَوَى: جَابِرُ بنُ كُرْدِيٍّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، قَالَ: الوَاقِدِيٌّ ثِقَةٌ.
الحَرْبِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: الوَاقِدِيُّ ثِقَةٌ.
قَالَ الحَرْبِيُّ: أَمَّا فِقْهُ أَبِي عُبَيْدٍ، فَمِنْ كُتُبِ الوَاقِدِيِّ: الاخْتِلاَفُ وَالإِجْمَاعُ كَانَ عِنْدَهُ.
ثُمَّ قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: وَهُوَ إِمَامٌ كَبِيْرٌ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ هَذَا، مَنْ قَالَ: إِنَّ مَسَائِلَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ تُؤخَذُ عَمَّنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنَ الوَاقِدِيِّ، فَلاَ يُصَدَّقُ؛ لأَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكاً، وَسَأَلْتُ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ (5).
__________
(1) " تاريخ بغداد " 3 / 7، 8.
(2) " تاريخ بغداد " 3 / 9.
(3) " تاريخ بغداد " 3 / 11.
(4) " تاريخ بغداد " 3 / 11.
(5) " تاريخ بغداد " 3 / 11 - 12.

(9/461)


قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: أَخْبَرَنِي مَن سَمِعَ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: رَوَى الوَاقِدِيُّ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ غَرِيْبٍ.
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
عِنْدَ الوَاقِدِيِّ عِشْرُوْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ لَمْ أَسْمَعْ بِهَا.
ثُمَّ قَالَ: لاَ يُرْوَى عَنْهُ...، وَضَعَّفَهُ (1) .
وَعَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: أَغرَبَ الوَاقِدِيُّ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِشْرِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ.
وَقَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: كُتُبُ الوَاقِدِيِّ كَذِبٌ (2) .
المُغِيْرَةُ بنُ مُحَمَّدٍ المُهَلَّبِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنَ الوَاقِدِيِّ.
قُلْتُ: أَجْمَعُوا عَلَى ضَعْفِ الهَيْثَمِ.
أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لَيْسَ الوَاقِدِيُّ بِشَيْءٍ (3) .
وَقَالَ مَرَّةً: لاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.
الدُّوْلاَبِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: الوَاقِدِيُّ كَذَّابٌ.
النَّسَائِيُّ فِي (الكُنَى): أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخَفَّافُ،
قَالَ:
قَالَ إِسْحَاقُ: هُوَ عِنْدِي مِمَّنْ يَضَعُ الحَدِيْثَ -يَعْنِي: الوَاقِدِيَّ-.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 3 / 12.
(2) " تاريخ بغداد " 3 / 14.
(3) " التاريخ " ليحيى بن معين: 532.

(9/462)


أَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ: لَمْ يَكُنِ الوَاقِدِيُّ مَقْنَعاً، ذَكَرتُ لأَحْمَدَ مَوْتَهُ يَوْمَ مَاتَ بِبَغْدَادَ، فَقَالَ: جَعَلتُ كُتُبَهُ ظَهَائِرَ لِلْكُتِبِ مُنْذُ حِيْنَ (1) .
وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَا عِنْدِي لِلْوَاقِدِيِّ حَرْفٌ، وَمَا عَرَفْتُ مِنْ حَدِيْثِهِ، فَلاَ أَقْنَعُ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ أَكْتُبُ حَدِيْثَهُ، مَا أَشُكُّ أَنَّهُ كَانَ يَنْقُلُ الحَدِيْثَ، لاَ يُنْظَرُ لِلْوَاقِدِيِّ فِي كِتَابٍ، إِلاَّ تَبَيَّنَ أَمرُهُ فِيْهِ، رَوَى فِي فَتحِ اليَمَنِ وَخَبَرِ العَنْسِيِّ أَحَادِيْثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، لَيْسَتْ مِنْ حَدِيْثِهِ.
وَكَانَ أَحْمَدُ لاَ يَذْكُرُ عَنْهُ كَلِمَةً (2) .
قَالَ النَّسَائِيُّ: المَعْرُوْفُونَ بِوَضعِ الحَدِيْثِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَةٌ: ابْنُ أَبِي يَحْيَى بِالمَدِيْنَةِ، وَالوَاقِدِيُّ بِبَغْدَادَ، وَمُقَاتِلُ بنُ سُلَيْمَانَ بِخُرَاسَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ بِالشَّامِ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: تَرَكَ النَّاسُ حَدِيْثَ الوَاقِدِيِّ (3) .
قُلْتُ: لاَ شَيْءَ لِلْوَاقِدِيِّ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ إِلاَّ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ عِنْدَ ابْنِ مَاجَه (4) ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَنَا، فَمَا جَسَرَ ابْنُ مَاجَه
__________
(1) " تاريخ بغداد " 3 / 15.
(2) " تاريخ بغداد " 3 / 15.
(3) " تهذيب الكمال ": لوحة 1249.
(4) رقم (1095) في إقامة الصلاة والسنة فيها: باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة، ولفظه: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر: " ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوب مهنته ".
ورواه بإسناد آخر لم يذكر فيه الواقدي: من طريق حرملة بن يحيى، حدثنا عبد الله بن وهب به.
قال البوصيري في " مصباح الزجاجة " ورقة 71 / 2: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وأخرجه أبو داود (1078) بهذا اللفظ من حديث عبد الله بن سلام بإسناد آخر، وفي الباب عن عائشة عند ابن ماجة (1096) وابن خزيمة (1765) وهو صحيح بما قبله.

(9/463)


أَنْ يُفصِحَ بِهِ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِوَهْنِ الوَاقِدِيِّ عِنْدَ العُلَمَاءِ، وَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّ مَا رَوَاهُ عَنْهُ كَاتِبُهُ فِي (الطَّبَقَاتِ)، هُوَ أَمثَلُ قَلِيْلاً مِنْ رِوَايَةِ الغَيْرِ عَنْهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ الأَنْبَارِيِّ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عِكْرِمَةَ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا العَنْبَرِيُّ، قَالَ:
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كُنْتُ حَنَّاطاً بِالمَدِيْنَةِ، فِي يَدِي مائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ لِلنَّاسِ أُضَارِبُ بِهَا، فَتَلِفَتِ الدَّرَاهِمُ، فَشَخَصْتُ إِلَى العِرَاقِ، فَأَتَيْتُ يَحْيَى بنَ خَالِدٍ البَرْمَكِيَّ فِي دِهْلِيزِهِ، وَآنَسْتُ الخَدَمَ، وَسَأَلتُهُم أَنْ يُوصِلُوْنِي إِلَيْهِ، فَقَالُوا: إِذَا قُدِّمَ الطَّعَامُ إِلَيْهِ، لَمْ يُحْجَبْ عَنْهُ أَحَدٌ، وَنَحْنُ نُدْخِلُكَ.
قَالَ: فَأَدخَلُوْنِي، فَأَجلَسُونِي عَلَى المَائِدَةِ.
فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ وَمَا قِصَّتُكَ؟
فَأَخْبَرتُهُ، فَلَمَّا رُفِعَ الطَّعَامُ، دَنَوْتُ لأُقَبِّلَ رَأْسَهُ، فَاشْمَأَزَّ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا خَرَجْتُ، لَحِقَنِي خَادمٌ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: الوزِيْرُ يَقرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: اسْتَعِنْ بِهَذِهِ، وَعُدْ إِلَيْنَا.
قَالَ: فَعُدْتُ مِنَ الغَدِ، فَوَصَلَنِي بِأَلْفِ دِيْنَارٍ أُخْرَى، وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ بِأَلفٍ، وَقَالَ: لَمْ يَمْنَعنِي أَنْ أَدَعَكَ تُقَبِّلُ رَأْسِي إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَصَلَكَ مِنْ مَعْرُوْفِنَا مَا يُوجِبُ ذَلِكَ، يَا غُلاَمُ! أَعْطِهِ الدَّارَ الفُلاَنِيَّةَ، وَأَعْطِهِ مائَتَيْ أَلفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ: الزَمْنِي، وَكُنْ عِنْدِي.
فَقُلْتُ: أَعَزَّ اللهُ الوَزِيْرَ، لَوْ أَذِنْتَ لِي فِي الشُّخُوصِ إِلَى المَدِيْنَةِ لأَقْضِيَ النَّاسَ أَمْوَالَهُم، وَأَعُوْدَ.
قَالَ: قَدْ فَعَلتُ، وَأَمَرَ بِتَجهِيزِي.
قَالَ: فَقَضَيْتُ دَيْنِي، وَرَجَعتُ، فَلَمْ أَزَلْ فِي نَاحِيَتِهِ (1) .
وَرَوَى: حُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُسَبِّحٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
قَالَ لِي الوَاقِدِيُّ: حَجَّ هَارُوْنُ الرَّشِيْدُ، فَوَرَدَ المَدِيْنَةَ، فَقَالَ لِيَحْيَى بنِ خَالِدٍ: ارْتَدْ لِي رَجُلاً عَارِفاً بِالمَدِيْنَةِ وَالمَشَاهِدِ، وَكَيْفَ كَانَ
__________
(1) القصه بطولها في " تاريخ بغداد " 3 / 4، 5.

(9/464)


نُزُوْلُ جِبْرِيْلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ يَأْتِيْهِ، وَقُبُوْرِ الشُّهَدَاءِ؟
فَسَأَلَ يَحْيَى، فُكُلُّ أَحَدٍ دَلَّهُ عَلَيَّ، فَبَعَثَ إِلَيَّ، فَأَتَيْتُهُ، فَوَاعَدَنِي إِلَى عِشَاءِ الآخِرَةِ، فَإِذَا شُمُوْعٌ، فَلَمْ أَدَعْ مَشْهَداً وَلاَ مَوْضِعاً إِلاَّ أَرَيْتُهُمَا، فَجَعَلاَ يُصَلِّيَانِ وَيَجْتَهِدَانِ فِي الدُّعَاءِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، ثُمَّ أَمَرَ لِي بُكْرَةً بِعَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ لِي الوَزِيْرُ: لاَ عَلَيْكَ أَنْ تَلقَانَا حَيْثُ كُنَّا.
قَالَ: فَاتَّسَعْنَا، وَزَوَّجْنَا بَعْضَ الوَلَدِ، ثُمَّ إِنَّ الدَّهْرَ أَعَضَّنَا، فَقَالَتْ لِي أُمُّ عَبْدِ اللهِ: مَا قُعُوْدُكَ؟
فَقَدِمْتُ العِرَاقَ، فَسَأَلْتُ عَنْ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَقَالُوا: هُوَ بِالرَّقَّةِ.
فَمَضَيْتُ إِلَيْهَا، وَطَلَبْتُ الإِذْنَ عَلَى يَحْيَى، فَصَعُبَ، فَأَتَيْتُ أَبَا البَخْتَرِيِّ - وَهُوَ فِيَّ عَارِفٌ - فَقَالَ: أَخْطَأْتَ عَلَى نَفْسِكَ، وَسَأَذْكُرُكَ لَهُ.
وَقَلَّتْ نَفَقَتِي، وَتَحَرَّقَتْ ثِيَابِي، فَرَجَعْتُ مَرَّةً فِي سَفِيْنَةٍ، وَمَرَّةً أَمْشِي حَتَّى وَرَدْتُ السَّيْلَحِيْنَ (1) ، فَبَيْنَا أَنَا فِي سُوْقِهَا، إِذْ بِقَافِلَةٍ مِنْ بَغْدَادَ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَإِنَّ صَاحِبَهُم بَكَّاراً الزُّبَيْرِيَّ أَخْرَجَهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ لِيُوَلِّيَهُ قَضَاءَ المَدِيْنَةِ، وَهُوَ أَصْدَقُ النَّاسِ لِي.
فَقُلْتُ: أَدَعُهُ حَتَّى يَنْزِلَ وَيَسْتَقِرَّ.
ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَاسْتَخْبَرَنِي أَمْرِي، فَقَالَ: أَمَّا عَلِمْتَ أَنَّ أَبَا البَخْتَرِيِّ لاَ يُحِبُّ أَنْ يَذْكُرَكَ لأَحَدٍ.
قُلْتُ: أَصِيْرُ إِلَى المَدِيْنَةِ.
قَالَ: هَذَا رَأْيٌ خَطَأٌ، وَلَكِن صِرْ مَعِي، فَأَنَا الذَّاكِرُ لِيَحْيَى بنِ خَالِدٍ أَمْرَكَ.
قَالَ: فَصِرْتُ مَعَهُم إِلَى الرَّقَّةِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، ذَهَبْتُ إِلَى بَابِ الوَزِيْرِ، فَإِذَا الزُّبَيْرِيُّ قَدْ خَرَجَ، فَقَالَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ! أُنْسِيْتُ أَمْرَكَ، قِفْ حَتَّى أَدْخُلَ إِلَيْهِ.
فَدَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ الحَاجِبُ، فَقَالَ لِي: ادْخُلْ.
فَدَخَلْتُ فِي حَالٍ خَسِيْسَةٍ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ رَمَضَانَ ثَلاَثَةُ، أَوْ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ، فَلَمَّا رَآنِي يَحْيَى فِي تِلْكَ الحَالِ، رَأَيْتُ الغَمَّ فِي وَجْهِهِ، فَقَرَّبَ مَجْلِسِي، وَعِنْدَهُ
__________
(1) هي ناحية قريبة من بغداد تبعد عنها ثلاثة فراسخ، وقيل: إنها سميت كذلك، لأنه كانت بها مسالح لكسرى، وهم قوم بسلاح يرتبون في الثغور، واحدهم مسلحي.

(9/465)


قَوْمٌ يُحَادِثُوْنَهُ، فَجَعَلَ يُذَاكِرُنِي الحَدِيْثَ بَعْدَ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ: أَفْطِرْ عِنْدَنَا.
فَأَفْطَرْتُ عِنْدَهُ، وَأَعْطَانِي خَمْسَ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: عُدْ إِلَيْنَا.
فَذَهَبْتُ، فَتَجَمَّلْتُ، وَاكْتَسَيْتُ، وَلَقِيْتُ الزُّبَيْرِيَّ، فَلَمَّا رَآنِي بِتِلْكَ الحَالِ سُرَّ، وَأَخْبَرْتُهُ الخَبَرَ.
وَلَمْ يَزَلِ الوَزِيْرُ يُقَرِّبُنِي، وَيُوْصِلُنِي كُلَّ لَيْلَةٍ خَمْسَ مائَةِ دِيْنَارٍ إِلَى لَيْلَةِ العِيْدِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تَزَيَّنْ غَداً لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ بِأَحْسَنِ زِيٍّ لِلْقُضَاةِ، وَاعْتَرِضْ لَهُ، فَإِنَّهُ سَيَسْأَلُنِي عَنْ خَبَرِكَ، فَأُخْبِرُهُ.
فَفَعَلْتُ، قَالَ: وَجَعَلَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يَلْحَظُنِي فِي المَوْكِبِ، ثُمَّ نَزَلْنَا، وَمَضَيْتُ مَعَ يَحْيَى بنِ خَالِدٍ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا زَالَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يَسْأَلُنِي عَنْكَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ حَجِّنَا، وَقَدْ أَمَرَ بِثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
ثُمَّ تَجَهَّزْتُ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَكَيْفَ أُلاَمُ عَلَى حُبِّ يَحْيَى؟
وَسَاقَ حِكَايَةً طَوِيْلَةً.
قَالَ أَبُو عِكْرِمَةَ الضَّبِّيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ، حَدَّثَنَا الوَاقِدِيُّ، قَالَ:
أَضَقْتُ مَرَّةً، وَأَنَا مَعَ يَحْيَى بنِ خَالِدٍ، وَحَضَرَ عِيْدٌ، فَجَاءتْنِي الجَارِيَةُ، فَقَالَتْ: لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ آلَةِ العِيْدِ شَيْءٌ.
فَمَضَيْتُ إِلَى تَاجِرٍ صَدِيْقٍ لِي لِيُقْرِضَنِي، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ كِيْساً مَخْتُوْماً فِيْهِ أَلْفُ دِيْنَارٍ وَمائَتَا دِرْهَمٍ، فَأَخَذْتُهُ، فَمَا اسْتَقْرَرْتُ فِي مَنْزِلِي حَتَّى جَاءنِي صَدِيْقٌ لِي هَاشِمِيٌّ، فَشَكَا إِلَيَّ تَأَخُّرَ غَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ إِلَى القَرْضِ.
فَدَخَلْتُ إِلَى زَوْجَتِي، فَأَخْبَرْتُهَا، فَقَالَتْ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ عَزَمْتَ؟
قُلْتُ: عَلَى أَنْ أُقَاسِمَهُ الكِيْسَ.
قَالَتْ: مَا صَنَعْتَ شَيْئاً، أَتَيْتَ رَجُلاً سُوْقَةً، فَأَعْطَاكَ أَلْفاً وَمائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَجَاءكَ رَجُلٌ مِنْ آلِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُعْطِيْهِ نِصْفَ مَا أَعْطَاكَ السُّوْقَةُ؟!
فَأَخْرَجْتُ الكِيْسَ كُلَّهُ إِلَيْهِ، فَمَضَى، فَذَهَبَ صَدِيْقِي التَّاجِرُ إِلَى الهَاشِمِيِّ - وَكَانَ صَاحِبَهُ - فَسَأَلَهُ القَرْضَ، فَأَخْرَجَ الهَاشِمِيُّ إِلَيْهِ الكِيسَ بِعَيْنِهِ، فَعَرفَهُ التَّاجِرُ، وَانْصَرَفَ إِلَيَّ، فَحَدَّثَنِي بِالأَمْرِ. قَالَ:

(9/466)


وَجَاءنِي رَسُوْلُ يَحْيَى يَقُوْلُ: إِنَّمَا تَأَخَّرَ رَسُوْلُنَا عَنْكَ لِشُغْلِي.
فَرَكِبْتُ إِلَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ أَمْرَ الكِيسِ.
فَقَالَ: يَا غُلاَمُ! هَاتِ تِلْكَ الدَّنَانِيْرَ.
فَجَاءهُ بِعَشْرَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَقَالَ: خُذْ أَلْفَي دِيْنَارٍ لَكَ، وَأَلْفَي دِيْنَارٍ لِلتَّاجِرِ، وَأَلْفَيْنِ لِلْهَاشِمِيِّ، وَأَرْبَعَةَ آلاَفٍ لِزَوْجَتِكَ، فَإِنَّهَا أَكرَمُكُم (1) .
رَوَاهَا: المُعَافَى، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، عَنِ ابْنِ الأَنْبَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عِكْرِمَةَ.
وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ إِلَى الوَاقِدِيِّ نَحْوٌ مِنْهَا، لَكِنْ أَمَرَ لَهُ بِخَمْسِ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَلِكُلٍّ مِنَ الثَّلاَثَةِ بِمائَتَيْ دِيْنَارٍ، وَهَذَا أَشْبَهُ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ شَاذَانَ، عَنْهُ: صَارَ إِلَيَّ مِنَ السُّلْطَانِ سِتُّ مائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، مَا وَجَبَتْ عَلَيَّ زَكَاةٌ فِيْهَا (2) .
قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: مَاتَ الوَاقِدِيُّ، وَهُوَ عَلَى القَضَاءِ، وَلَيْسَ لَهُ كَفَنٌ، فَبَعَثَ المَأْمُوْنُ بِأَكْفَانِهِ (3) .
وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ الوَاقِدِيُّ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ (4) .
قَرَأْتُ عَلَى المُؤَيَّدِ عَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ يَحْيَى الكَاتِبِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ نَجْمٍ، أَخْبَرَتْنَا فَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ.
وَأَخْبَرَنَا المُؤَيَّدُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بَاسُوَيْه المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو السَّعَادَاتِ القَزَّازُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
__________
(1) القصة بطولها في " تاريخ بغداد " 3 / 19، 20، و" معجم الأدباء " 18 / 280، 281.
(2) " تاريخ بغداد " 3 / 20.
(3) " تاريخ بغداد " 3 / 20.
(4) " التاريخ الكبير " 1 / 178.

(9/467)


بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الخُشَيْشِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الأَدَمِيُّ القَارِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا مِنْ مَوْلُوْدٍ يُوْلَدُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِيْنَ يُوْلَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخاً مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ، إِلاَّ مَرْيَمَ وَابْنَهَا).
ثُمَّ يَقُوْلُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {أُعِيْذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ (1) } [آلُ عِمْرَانَ: 36].
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الفَهْمِ بنِ أَحْمَدَ السُّلَمِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بنُ أَحْمَدَ البَانْيَاسِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ، حَدَّثَنَا الوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ عُمَرَ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي أَرْوَى السَّدُوْسِيِّ، قَالَ:
كُنْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِساً، فَطَلَعَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَقَالَ: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَيَّدَنِي بِكُمَا (2)).
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ الفَرَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البَطِّيِّ،
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف الواقدي، لكن رواه البخاري في " صحيحه " 8 / 159 في تفسير سورة آل عمران من طريق عبد الله بن محمد، عن عبد الرزاق، أخبرنا معمر بهذا الإسناد، ومن طريق محمد بن رافع عن عبد الرزاق، عن معمر، ومن طريق عبد الله ابن عبد الرحمن الدارمي، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، وأخرجه أحمد 2 / 233
من طريق عبد الأعلى و274 من طريق عبد الرزاق، كلاهما عن معمر.
(2) إسناده ضعيف من أجل الواقدي، وشيخه فيه عاصم بن عمر، وهو ضعيف أيضا، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 51، ونسبه إلى البزار والطبراني في الأوسط والكبير.
وأخرجه الحاكم 3 / 74، وصححه، فتعقبه الذهبي بقوله: عاصم واه، ونسبه الحافظ في " الإصابة " في ترجمة أبي أروى 4 / 5 إلى ابن السكن والحاكم وضعف إسناده.

(9/468)


أَخْبَرَنَا النِّعَالِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البَخْتَرِيِّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ، حَدَّثَنَا الوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ سَبِّ أَسَعْدَ الحِمْيَرِيِّ، قَالَ: (هُوَ أَوَّلُ مَنْ كَسَا البَيْتَ) (1) .
وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الوَاقِدِيَّ ضَعِيْفٌ، يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الغَزَوَاتِ وَالتَّارِيْخِ، وَنُوْرِدُ آثَارَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِجَاجٍ، أَمَّا فِي الفَرَائِضِ، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ، فَهَذِهِ الكُتُبُ السِّتَّةُ، وَ(مُسْنَدُ أَحْمَدَ)، وَعَامَّةُ مَنْ جَمَعَ فِي الأَحْكَامِ، نَرَاهُم يَتَرَخَّصُوْنَ فِي إِخْرَاجِ أَحَادِيْثِ أُنَاسٍ ضُعَفَاءَ، بَلْ وَمَتْرُوْكِيْنَ، وَمَعَ هَذَا لاَ يُخَرِّجُوْنَ لِمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ شَيْئاً، مَعَ أَنَّ وَزنَهُ عِنْدِي أَنَّهُ - مَعَ ضَعْفِهِ - يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ وَيُرْوَى؛ لأَنِّي لاَ أَتَّهِمُهُ بِالوَضْعِ، وَقَوْلُ مَنْ أَهدَرَهُ، فِيْهِ مُجَازَفَةٌ مِنْ بَعْضِ الوُجُوْهِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ عِبْرَةَ بِتَوْثِيقِ مَنْ وَثَّقَهُ: كَيَزِيْدَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَالصَّاغَانِيِّ، وَالحَرْبِيِّ، وَمَعْنٍ، وَتَمَّامِ عَشْرَةِ مُحَدِّثِيْنَ، إِذْ قَدِ انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ اليَوْمَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَأَنَّ حَدِيْثَهَ فِي عِدَادِ الوَاهِي -رَحِمَهُ اللهُ-.

173 - أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَمْرٍو القَيْسِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ البَصْرَةِ، أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف الواقدي، وأورده في " المطالب العالية " 1 / 363، ونسبه للحارث بن أبي أسامة، وأعله بالواقدي، وروى الفاكهي - كما في " الفتح " 3 / 366 من طريق عبد الصمد بن معقل، عن وهب بن منبه أنه سمعه يقول: زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سب أسعد، وكان أول من كسا البيت الوصائل.
وجاء في " معارف " ابن قتيبة ص 60: وكان أسعد أبو كرب الحميري آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبع مئة سنة، وهو أول من كسا البيت الانطاع والبرود. وأنشد له أربعة أبيات.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 299، تاريخ خليفة: 472، طبقات خليفة ت 1937، =

(9/469)


عَمْرٍو القَيْسِيُّ، العَقَدِيُّ، البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: زَكَرِيَّا بنِ إِسْحَاقَ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَأَفْلَحَ بنِ حُمَيْدٍ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي حُمَيْدٍ، وَعُمَرَ بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَرَبَاحِ بنِ أَبِي مَعْرُوْفٍ، وَأَفْلَحَ بنِ سَعِيْدٍ، وَشُعْبَةَ، وَمَالِكٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ رَاهَوَيْه، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ شَدَّادٍ المِسْمَعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الكُدَيْمِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَكَانَ مِنْ مَشَايِخِ الإِسْلاَمِ، وَثِقَاتِ النَّقَلَةِ.
ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ القَزَّازُ - وَهُوَ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْهُ -: هُوَ مَوْلَىً لِلْعَقَدِيِّيْنَ، مِنْ بَنِي قَيْسٍ، وَكَانَ لاَ يَخْضِبُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مِنْ حُفَّاظِ أَهْلِ البَصْرَةِ (1) .
قُلْتُ: يَقَعُ حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي (الغَيْلاَنِيَّاتِ) (2).
__________
= التاريخ الكبير 5 / 425، التاريخ الصغير 2 / 304، المعارف: 521، الجرح والتعديل 5 / 359، تهذيب الكمال: لوحة 859، تذهيب التهذيب 3 / 6 / 1، العبر 1 / 347، تذكرة الحفاظ 1 / 347، الكاشف 2 / 212، طبقات القراء 1 / 469، تهذيب التهذيب 6 / 409، طبقات الحفاظ: 144، خلاصة تذهيب الكمال: 245، شذرات الذهب 2 / 14.
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 860.
(2) مر التعريف بها في الضفحة 369 تعليق رقم (1).

(9/470)


قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ (1) ، وَنَصْرٌ الجَهْضَمِيُّ: مَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي عَمْرٍو أَبُو الغَنَائِمِ القَيْسِيُّ، وَجَمَاعَةٌ فِي كِتَابِهِم، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ شَدَّادٍ المِسْمَعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ:
جَاءَ مُسَيْلِمَةُ الكَذَّابُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا قَامَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ: (هَذَا يُبْعَثُ هَلَكَةً لِقَوْمِهِ (2)).
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدُ الدَّائِمِ الوَزَّانُ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الحَنْبَلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَرَّاقُ، وَعُمَرُ بنُ أَبِي بَكْرٍ الأَبَّارِيُّ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ الفُضَيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى -يَعْنِي: ابْنَ صَاعِدٍ- حَدَّثَنَا بَكَّارُ بنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَطْعِمُوْهُم مِمَّا تَأْكُلُوْنَ، وَأَلْبِسُوْهُمْ مِمَّا تَلْبَسُوْنَ، وَمَا فَسَدَ عَلَيْكُم، فَبِيْعُوْهُ، وَلاَ تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللهِ).
يَعْنِي: المَمْلُوْكِيْنَ.
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، فَرْدٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ هَذَا: ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَنَّهُ يَرْوِي عَنْ أَبِيْهِ، وَمَا غَمَزَهُمَا، وَالمَتْنُ مَحْفُوْظٌ بِإِسْنَادٍ آخَرَ (3).
__________
(1) في " طبقاته الكبرى " 7 / 299.
(2) محمد بن شداد ضعيف، وكذا قرة، ثم هو مرسل.
(3) أخرجه البخاري 10 / 390 في الأدب: باب ما نهى عن السباب واللعن، ومسلم (1661) في الايمان: باب إطعام المملوك مما يأكل، وأبو داود (5157) =

(9/471)


174 - يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ العَطَّارُ أَبُو زَكَرِيَّا الأَنْصَارِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو زَكَرِيَّا الأَنْصَارِيُّ، الحِمْصِيُّ.
رَوَى عَنْ: يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَالمَسْعُوْدِيِّ، وَفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عِرْقٍ اليَحْصُبِيِّ، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ المِصْرِيِّ، وَأَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بنِ مُطَرِّفٍ.
وَعَنْهُ: أَبُو هَمَّامٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَأَبُو التَّقِيِّ اليَزَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَنَانٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: ابْنُ مُصَفَّى.
وَضَعَّفَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَهُوَ مُصَنِّفُ كِتَابِ (حِفْظِ اللِّسَانِ).
__________
= و(5158) من طرق عن الأعمش، عن المعرور بن سويد، قال: مررنا بأبي ذر بالربذة وعليه برد وعلى غلامه مثله، فقلنا: يا أبا ذر، لو جمعت بينهما كانت حلة، فقال: إنه كان بيني وبين رجل من إخوتي كلام، وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه، فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية، إن إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوة تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم ".
وزاد أبو داود في رواية: " إنهم إخوانكم فضلكم الله عليهم، فمن لم يلائمكم فبيعوه، ولا تعذبوا خلق الله " وأخرجه البخاري 1 / 80، 81 في الايمان: باب المعاصي من أمر الجاهلية، و5 / 126 في العتق: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: العبيد إخوانكم، ومسلم (1661) (40) من طرق، عن شعبة، عن واصل الاحدب، عن المعرور بن سويد به.
وأخرجه الترمذي (1945) من طريق محمد بن بشار عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن واصل به.
(*) التاريخ الكبير 8 / 277، الضعفاء: لوحة 441، الجرح والتعديل 9 / 152، الكامل لابن عدي 4 / 836، تهذيب الكمال: لوحة 1499، تذهيب التهذيب 4 / 155 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 379، تهذيب التهذيب 11 / 220.

(9/472)


175 - يُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ البَغْدَادِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ.
وَاسْمُ جَدِّهِ: مُسْلِمٌ.
حَدَّثَ عَنْ: دَاوُدَ بنِ أَبِي الفُرَاتِ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، وَحَرْبِ بنِ صَفْوَانَ الكَبِيْرِ، وَفُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَالقَاسِمِ بنِ الفَضْلِ الحُدَّانِيِّ، وَنَافِعِ بنِ عُمَرَ الجُمَحِيِّ، وَالحَمَّادَيْنِ، وَسَلاَّمِ بنِ أَبِي مُطِيْعٍ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَيَعْقُوْبَ القُمِّيِّ، وَشَرِيْكٍ، وَالصَّعْقِ بنِ حَزْنٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ - عَمِّ الشَّافِعِيِّ - وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ، وَمُفَضَّلِ بنِ فَضَالَةَ المِصْرِيِّ، وَأُمِّ الأَسْوَدِ الخُزَاعِيَّةِ، وَأُمِّ نَهَارٍ البَصْرِيَّةِ؛ الَّتِي تَرْوِي عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ خَلْقٍ سِوَاهُم.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ اللهِ المُسْنَدِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ المُنَادِي، وَأَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَابْنُهُ؛ حَرَمِيُّ بنُ يُوْنُسَ - وَاسْمُهُ إِبْرَاهِيْمُ - وَأَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ البُرْجَلاَنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَحُسَيْنُ بنُ عِيْسَى البِسْطَامِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1).
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 337، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة: ت 3223، التاريخ الكبير 8 / 410، الجرح والتعديل 9 / 246، تاريخ بغداد 14 / 350، تهذيب الكمال: لوحة 157، تذهيب التهذيب 4 / 195 / 2، العبر 1 / 356، تذكرة الحفاظ 1 / 361، الكاشف 3 / 305، تهذيب التهذيب 11 / 447، طبقات الحفاظ: 158، خلاصة تذهيب الكمال: 441، شذرات الذهب 2 / 22.
(1) " الجرح والتعديل " 9 / 246.

(9/473)


وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ ثِقَةٌ (1) .
وَقَدْ وَهِمَ صَاحِبُ (الكَمَالِ (2))، وَزَعَمَ أَنَّهُ رَوَى عَنْ: عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ بُخْتٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَهَذَا مُسْتحِيْلٌ.
وَقَدِ اخْتلفُوا فِي وَفَاتِهِ:
فَقَالَ أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ.
زَادَ ابْنُ حِبَّانَ: فِي تَاسِعِ صَفَرٍ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَمُطَيَّنٌ: سَنَةَ ثَمَانٍ.
زَادَ ابْنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ (3) ، لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ صَفَرٍ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُقَرِّبِ، أَخْبَرَنَا طِرَادُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّقِيْبُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُوَيْسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ وَحَمْزَةَ؛ ابْنَيْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيْهِمَا:
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (الشُّؤْمُ فِي الفَرَسِ وَالمَرْأَةِ وَالدَّارِ).
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ شِهَابٍ (4) .
وَيَرْوِيْهِ: النَّسَائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ
__________
(1) تاريخ بغداد " 14 / 351.
(2) هو الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الجماعيلي الحنبلي المتوفي سنة 600 ه صاحب كتاب " الكمال في معرفة الرجال ".
(3) في " الطبقات " 7 / 337: يوم السبت.
(4) رواه مالك 3 / 140، ومن طريقه البخاري 9 / 118 في النكاح: باب ما يتقى من شؤم المرأة، ومسلم (2225) في السلام: باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم، عن ابن شهاب الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، ورواه البخاري 6 / 44، 45 في الجهاد: باب ما يذكر من شؤم الفرس من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري.
وأخرجه أيضا 6 / 118 من طريق محمد بن منهال، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا عمر بن محمد العسقلاني، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: ذكروا الشؤم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي =

(9/474)


بنِ نَصْرٍ النَّيْسَابُوْرِيِّ، عَنْ أَيُّوْبَ بنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَآخَرَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فَكَأَنَّ ابْنَ المُقَرِّبِ الكَرْخِيَّ سَمِعَهُ مِنَ النَّسَائِيِّ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الفَقِيْهِ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَمُّوَيْه، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ خُزَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ،
__________
= صلى الله عليه وسلم: " إن كان الشؤم في شيء، ففي الدار والمرأة والفرس ".
وأخرجه أحمد 2 / 85، ومسلم أيضا (117) من حديث ابن عمر بلفظ: " إن يكن من الشؤم شيء حق، ففي الفرس والمرأة والدار " وفي الباب عن سهل بن سعد عند مالك 3 / 140، والبخاري 6 / 45، 48، ومسلم (2226) بلفظ: " إن كان ففي الفرس والمرأة والمسكن " يعني الشؤم.
وهذا اللفظ الأخير يفهم منه أن الشؤم منتف عن كل شيء، لان معناه: لو كان الشؤم ثابتا في شيء ما، لوجد في هذه الثلاثة، لكنه ليس بثابت في شيء، ويظهر أن الرواية الأولى: " الشؤم في الفرس.." وقع فيها اختصار وتصرف من بعض الرواة، على أنه قد جاء عن عائشة رضي الله عنها الإنكار على من روى هذا الحديث بهذه السياقة، فقد أخرج الامام أحمد 6 / 150 و240 و246 من طريق روح، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي حسان الاعرج أن رجلين دخلا على عائشة، فقالا: إن أبا هريرة يحدث أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار ".
قال: فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض، قالت: والذي أنزل القرآن علي أبي القاسم ما هكذا كان يقول، ولكن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " كان أهل الجاهلية يقولون: الطيرة في المرأة والدابة والدار " ثم قرأت عائشة: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) وأخرجه أيضا 6 / 150 و240 من طريقين عن همام، عن قتادة..وإسناده صحيح، ونقل الزركشي في الاجابة ص: 115 عن بعض الأئمة قولهم: ورواية عائشة في هذا أشبه بالصواب إن شاء الله لموافقتها نهيه عليه الصلاة والسلام عن الطيرة نهيا عاما وكراهتها وترغيبه في تركها بقوله: " يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب، وهم الذين لا يكتوون ولا يتطيرون، ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون "

(9/475)


حَدَّثَنَا أَنَسُ بنُ مَالِكٍ:
أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ الكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟
قَالَ: (إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ).
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ، فَوَافَقْنَاهُ.

176 - يَعْلَى بنُ عُبَيْدِ بنِ أَبِي أُمَيَّةَ الطَّنَافِسِيُّ * (ع)
الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الإِمَامُ، أَبُو يُوْسُفَ الطَّنَافِسِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَحَدُ الإِخْوَةِ (2) .
حَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، وَزَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمِسْعَرٍ، وَخَلْقٍ.
وَعَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ،
__________
(1) رقم (2806) في المنافقين: باب يحشر الكافر على وجهه، وأخرجه البخاري 8 / 378 في التفسير، 110 / 330 في الرقاق: باب الحشر من طريق عبد الله بن محمد الجعفي، عن يونس بن محمد المؤدب بهذا الإسناد.
(*) طبقات ابن سعد 6 / 397، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة ت 1312، التاريخ الكبير 8 / 419، التاريخ الصغير 2 / 314، المعارف: 517، الجرح والتعديل 9 / 304، مشاهير علماء الأمصار ت 1382، تهذيب الكمال: لوحة 1555، تذهيب التهذيب 4 / 188 / 1، العبر 1 / 357، تذكرة الحفاظ 1 / 314، الكاشف 3 / 295، دول الإسلام 1 / 129، شرح العلل لابن رجب 2 / 669، تهذيب التهذيب 11 / 402، طبقات الحفاظ: 140، خلاصة تذهيب الكمال: 438، شذرات الذهب 2 / 23.
(2) تقدم ذكرهم في الصفحة 437 في ترجمة أخيه محمد بن عبيد من هذا الجزء.

(9/476)


وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ بِالكُوْفَةِ، مَعَ جَعْفَرِ بنِ عَوْنٍ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ صَحِيْحَ الحَدِيْثِ، صَالِحاً فِي نَفْسِهِ (1) .
وَرَوَى: الكَوْسَجُ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ (2) .
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ أَيُّوْبَ البُخَارِيُّ: كَانَ يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ يَحْفَظُ عَامَّةَ حَدِيْثِه، أَوْ جَمِيْعَ مَا عِنْدَهُ، وَمَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ وَكِيْعٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ أَثْبَتُ أَوْلاَدِ أَبِيْهِ فِي الحَدِيْثِ (3) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مَنْ يَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً يُرِيْدُ بِعِلْمِهِ اللهَ إِلاَّ يَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ -رَحِمَهُ اللهُ (4) -.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ: مَا رَأَيْتُ يَعْلَى ضَاحِكاً قَطُّ.
وَقِيْلَ: لَمْ يَكُنْ يَعْلَى بِالمُتْقِنِ لِمَا حَمَلَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ بِالكُوْفَةِ، فِي خَامِسِ شَوَّالٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ (5).

177 - أَبُو حُذَيْفَةَ إِسْحَاقُ بنُ بِشْرِ بنِ مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، القَصَّاصُ، الضَّعِيْفُ، التَّالِفُ، أَبُو حُذَيْفَةَ إِسْحَاقُ بنُ
__________
(1) " تهذيب الكمال " لوحة 1555.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة 1555.
(3) " الجرح والتعديل " 9 / 304.
(4) " تهذيب الكمال " لوحة 1555.
(5) " الطبقات الكبرى " 6 / 397.
(*) الضعفاء للعقيلي: لوحة 35، المجروحين والضعفاء 1 / 135، الكامل لابن =

(9/477)


بِشْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَالِمٍ الهَاشِمِيُّ مَوْلاَهُمْ، البُخَارِيُّ، مُصَنِّفُ كِتَابِ (المُبْتَدَأِ)، وَهُوَ كِتَابٌ مَشْهُوْرٌ فِي مُجَلَّدَتَيْنِ، يَنْقُلُ مِنْهُ ابْنُ جَرِيْرٍ فَمَنْ دُوْنَهُ، حَدَّثَ فِيْهِ بِبَلاَيَا وَمَوْضُوْعَاتٍ.
عَنْ: الأَعْمَشِ، وَابْنِ أَبِي خَالِدٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ طَاوُوْسٍ، وَجُوَيْبِرِ بنِ سَعِيْدٍ، وَمُقَاتِلِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ.
وَعَنْهُ: سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ النَّيْسَابُوْرِيُّوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ قُدَامَةَ البُخَارِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عِيْسَى العَطَّارُ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ الجُنْدَيْسَابُوْرِيُّ (1) .
قَالَ مَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الدَّارَبْجَرْدِيُّ (2) ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ البُخَارِيُّ - ثِقَةٌ - عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ طَافَ بِالبَيْتِ، فَلْيَسْتَلِمِ الأَرْكَانَ كُلَّهَا (3)).
قُلْتُ: لاَ يُفْرَحُ بِتَوثِيقِ هَذَا الرَّجُلِ، فَالحَدِيْثُ - كَمَا تُشَاهِدُ - بَاطِلٌ.
قَالَ مُسْلِمٌ: أَبُو حُذَيْفَةَ تَرَكُوا حَدِيْثَهُ.
__________
= عدي: 1 / 34، تاريخ بغداد 6 / 326، معجم الأدباء 6 / 70، العبر 1 / 348،
ميزان الاعتدال 1 / 184، لسان الميزان 1 / 354، شذرات الذهب 2 / 15.
(1) هذه النسبة إلى مدينة خوزستان، يقال لها: جنديسابور
(2) نسبة إلى درابجرد محلة بنيسابور.
(3) أورده المؤلف في " الميزان " 1 / 185، وعلق عليه، فقال: تفرد الدرابجردي بتوثيق أبي حذيفة، فلم يلتفت إليه أحد، لان أبا حذيفة بين الامر لا يخفى حاله على العميان.

(9/478)


وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: كَذَّابٌ، كَانَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ، وَابْنُ طَاوُوْسٍ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ (1) .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ (2) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ: يَرْوِي عَمَّنْ لَمْ يُدرِكْ، وَكَانَ يُزَنُّ بِحِفْظٍ (3) .
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ عَلَى الثِّقَاتِ، قَدْ رَوَى عَنِ: الثَّوْرِيِّ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَرَضُ يَوْمٍ يُكَفِّرُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً (4)).
قُلْتُ: خَلَطَ ابْنُ حِبَّانَ تَرْجَمَةَ هَذَا بِتَرْجَمَةِ إِسْحَاقَ بنِ بِشْرٍ الكَاهِلِيِّ الكُوْفِيِّ؛ أَحَدِ الهَلْكَى أَيْضاً (5) .
مَاتَ أَبُو حُذَيْفَةَ: بِبُخَارَى، فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ. قَالَهُ: غُنْجَارُ (6).
__________
(1) " تاريخ بغداد " 6 / 327.
(2) " تاريخ بغداد " 6 / 328.
(3) " تاريخ بغداد " 6 / 327، ويزن: يتهم.
(4) كتاب " المجروحين " 1 / 136، وفي " اللسان " 1 / 355: وقال النقاشي: يصع الحديث، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: كذاب، وقال ابن الجوزي في " الموضوعات ": أجمعوا على أنه كذاب، وقال الخليلي في " الارشاد ": أتهم بوضع الحديث، وقال ابن عدي: أحاديثه منكرة إما إسنادا، وإما متنا لا يتابعه عليها أحد، وقال الخطيب: كان غير ثقة، وقال العقيلي: مجهول حدث بمناكير ليس لها أصل.
(5) زاد في " الميزان " 1 / 185: وكذا خبط ابن الجوزي، فقال في هذا " الكاهلي مولى بني هاشم " ولم يصب في قوله الكاهلي.
(6) هو محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن كامل أبو عبد الله البخاري الحافظ صاحب تاريخ بخارى، توفي سنة 412 ه.
العبر 3 / 108.

(9/479)


178 - أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بنُ مَخْلَدٍ الشَّيْبَانِيُّ * (ع)
ابْنِ الضَّحَّاكِ بن مُسْلِمِ بنِ الضَّحَّاكِ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ الأَثْبَاتِ، أَبُو عَاصِمٍ الشَّيْبَانِيُّ مَوْلاَهُمْ - وَيُقَالُ: مَنْ أَنْفُسِهِم - البَصْرِيُّ.
وَأُمُّهُ: مِنْ آلِ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ يَبِيْعُ الحَرِيْرَ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَبَهْزِ بنِ حَكِيْمٍ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ أَحرُفاً مِنَ التَّفْسِيْرِ، وَحَنْظَلَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَزَكَرِيَّا بنِ إِسْحَاقَ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَابْنِ عَجْلاَنَ، وَعُثْمَانَ بنِ سَعْدٍ الكَاتِبِ، وَحَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَبَكَّارِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَجَعْفَرِ بنِ يَحْيَى بنِ ثَوْبَانَ، وَحَجَّاجِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ الصَّوَّافِ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ رَافِعٍ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَشَبِيْبِ بنِ بِشْرٍ، وَمُوْسَى بنِ عُبَيْدَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي زِيَادٍ القَدَّاحِ، وَطَلْحَةَ بنِ عَمْرٍو، وَجُبَيْرِ بنِ فَرْقَدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، وَعَبَّادِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَمُسْتقِيْمِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَعُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمَالِكٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 295، تاريخ خليفة: 474، طبقات خليفة ت 1921، التاريخ الكبير 4 / 336، التاريخ الصغير 2 / 324، المعارف: 520، الجرح والتعديل 4 / 463، تهذيب الكمال: لوحة 617، تذهيب التهذيب 2 / 98 / 1، العبر 1 / 262، ميزان الاعتدال 2 / 325، تذكرة الحفاظ 1 / 366، الكاشف 2 / 36، دول الإسلام 1 / 366، تهذيب التهذيب 4 / 450، طبقات الحفاظ: 156، خلاصة تذهيب الكمال 177، شذرات الذهب 2 / 28.
وفي " ميزان الاعتدال " نقل عن أبي العباس أنه ذكره العقيلي في الضعفاء، ولم يجده المؤلف فيه، وكذلك في نسختنا غير موجود في من اسمه الضحاك.

(9/480)


وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ - وَهُوَ أَجَلُّ شُيُوْخِه وَأَكْبَرُهُم - وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ - شَيْخُهُ - وَالأَصْمَعِيُّ، وَالخُرَيْبِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَعَلِيٌّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَبُنْدَارُ، وَابْنُ مُثَنَّى، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَالحَسَنُ الحُلْوَانِيُّ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَالذُّهْلِيُّ، وَالفَلاَّسُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُنِيْرٍ، وَابْنُ وَارَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يَعْقُوْبَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَالكَوْسَجُ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عِصَامٍ الأَصْبَهَانِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي قُرَيْشٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الدَّقِيْقِيُّ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: مُحَمَّدُ بنُ حِبَّانَ (1) الأَزْهَرُ القَطَّانُ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ، لَهُ فِقْهٌ (2) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ (3) .
وَقَالَ عُمَرُ بنُ شَبَّةَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَوَاللهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ (4).
__________
(1) ضبط في الأصل بضم الحاء.
وقال الامام الذهبي في " المشتبه " ص 131: ومحمد بن حبان [ بالفتح ]، عن أبي عاصم، وعنه أبو الطاهر الذهلي.
كذا يقول الحافظ عبد الغني، وغلطه الصوري وغير واحد فضموه، ثم قال عبد الغني: وبالضم محمد بن حبان بن عمرو، بصري ضعيف، روى عنه سلم بن الفضل.
قلت: (القائل الذهبي): هو الأول، وهو بالضم، ويروي عنه الطبراني والجعابي، وهو باهلي معمر.
قال الحافظ في " التبصير " 1 / 283: كذا قال الذهبي، وقد أنكر ابن ماكولا على من زعم أنهما واحد، ورجح كونهما اثنين، أحدهما قد حصل الاتفاق على أنه بالضم، وهو الذي اسم جده بكر ابن عمرو، ومازه بأنه يروي عن أمية بن بسطام، ومحمد بن المنهال، والحسن بن قزعة، وأنه سكن بغداد في المخرم.
وثانيهما.
الراوي عن أبي عاصم، واسم جده أزهر، وهو الباهلي الذي روى عنه أبو الطاهر الذهلي والطبراني وغير واحد، وهو بصري، فعبد الغني ضبطه عن شيخه أبي الطاهر بالفتح، وكلاهما ثقة متقن، وخالفه الباقون فضموه.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة: 617.
(3) " الجرح والتعديل " 4 / 463.
(4) " تهذيب الكمال " لوحة 617.

(9/481)


قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الزَّجَّاجُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِحَدِيْثٍ، فَقُلْتُ لأَبِي عَاصِمٍ: ذَكَرَ ابْنَ جُرَيْجٍ؟
فَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ حَدَّثْتُكَ بِهِ، حَدَّثُونِي بِهِ، وَمَا دَلَّسْتُ حَدِيْثاً قَطُّ، إِنِّيْ لأَرحَمُ مَنْ يُدَلِّسُ (1) .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ أَبُو عَاصِمٍ ثِقَةً، فَقِيْهاً (2) .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: لَمْ يُرَ فِي يَدِهِ كِتَابٌ قَطُّ (3) .
وَذَكَرَهُ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ، فَقَالَ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ زُهْداً، وَعِلْماً، وَدِيَانَةً، وَإِتْقَاناً (4) .
وَقَالَ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُوْلُ:
مُنْذُ عَقَلْتُ أَنَّ الغِيْبَةَ حَرَامٌ، مَا اغْتَبتُ أَحَداً قَطُّ (5) .
وَرَوَى: أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ:
كَانَ أَبُو عَاصِمٍ يَحْفَظُ قَدْرَ أَلفِ حَدِيْثٍ مِنْ جَيِّدِ حَدِيْثِهِ، وَكَانَ فِيْهِ مُزَاحٌ.
وَيُقَالُ: إِنَّمَا قِيْلَ لَهُ: النَّبِيْلُ؛ لأَنَّ فِيْلاً قَدِمَ البَصْرَةَ، فَذَهَبَ النَّاسُ يَنْظُرُوْنَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَا لَكَ لاَ تَنْظُرُ؟
قَالَ: لاَ أَجِدُ مِنْكَ عِوَضاً.
قَالَ: أَنْتَ نَبِيْلٌ.
وَبَعْضُهُم نَقَلَ: أَنَّ أَبَا عَاصِمٍ كَانَ ضَخْمَ الأَنْفِ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَلَمَّا خَلاَ بِهَا، دنَا مِنْهَا لِيُقَبِّلَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: نَحِّ رُكْبَتَكَ عَنْ وَجْهِي.
قَالَ: لَيْسَ ذَا رُكْبَةً، إِنَّمَا هُوَ أَنْفٌ.
__________
(1) تهذيب الكمال " لوحة 617.
(2) " الطبقات الكبرى ": 7 / 295.
(3) " تهذيب الكمال ": لوحة 617.
(4) " تهذيب الكمال ": 617.
(5) " التاريخ الكبير ": 4 / 336.

(9/482)


نَقَلَ ذَلِكَ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ - وَالِي خُرَاسَانَ - عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ.
وَقِيْلَ: لأَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ الخَزَّ وَجَيِّدَ الثِّيَابِ، وَكَانَ إِذَا أَقْبَلَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: جَاءَ النَّبِيْلُ.
وَقِيْلَ: لأَنَّ شُعْبَةَ حَلَفَ أَلاَّ يُحَدِّثَ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ شَهْراً، فَقَصَدَهُ أَبُو عَاصِمٍ، فَدَخَلَ مَجْلِسَه، وَقَالَ: حَدِّثْ، وَغُلاَمِي العَطَّارُ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ كَفَّارَةً عَنْ يَمِيْنِكَ.
فَأَعْجَبَه ذَلِكَ (1) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الزَّجَّاجُ: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُوْلُ:
مَنْ طَلَبَ الحَدِيْثَ، فَقَدْ طَلَبَ أَعْلَى الأُمُوْرِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُوْنَ خَيْرَ النَّاسِ (2) .
قَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُوْلُ:
وُلِدَتْ أُمِّي سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ، وَوُلِدْتُ أَنَا فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ (3) .
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ الجَوْهَرِيُّ المُسْتَمْلِي بِدْعَةً (4) : سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُوْلُ:
وُلِدْتُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، لأَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْهُ (5) .
وَأَرَّخَهُ فِيْهَا: خَلِيْفَةُ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَبِيْبٍ الذَّرَّاعُ (6) ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
__________
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 617.
(2) " تهذيب الكمال ": لوحة 617.
(3) " تهذيب الكمال ": لوحة 617.
(4) سمي بذلك لأنه كان مستملي أبي عاصم، وبدعة لقبه. توفي سنة 257 ه. التهذيب 5 / 147.
(5) طبقات ابن سعد " 7 / 295.
(6) نسبة إلى ذرع الاشياء، ومعرفتها بالذراع.

(9/483)


وَقَالَ الفَلاَّسُ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، مَا ذَكَرَ الشَّهْرَ.
وَقَالَ جَابِرُ بنُ كُرْدِيٍّ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ - فَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ -.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الزِّمَّانِيُّ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (1) - وَهَذَا بَعِيْدٌ -.
وَأَبعَدُ مِنْهُ مَا رَوَى: ابْنُ المُقْرِئِ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ التَّمَّارِ، عَنْ حَمْدَانَ بنِ عَلِيٍّ الوَرَّاقِ، قَالَ:
ذَهَبنَا إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، فَسَأَلنَاهُ أَنْ يُحَدِّثنَا،
فَقَالَ:
تَسْمَعُوْنَ مِنِّي وَمِثْلُ أَبِي عَاصِمٍ فِي الحَيَاةِ؟! اخْرُجُوا إِلَيْهِ (2) .
وَقَالَ البُخَارِيُّ - فَوَهِمَ رَحِمَهُ اللهُ -: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فِي آخِرِهَا (3) .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: رَوَى عَنْ أَبِي عَاصِمٍ: جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ حِبَّانَ، وَبَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا مائَةٌ وَإِحْدَى وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: مَاتَ ابْنُ حِبَّانَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَهُوَ ضَعِيْفٌ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ كِنْدِيٍّ قِرَاءةً، عَنِ المُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ (ح).
وَأَخْبَرُوْنَا عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، وَأَخْبَرُوْنَا عَنْ زَيْنَبَ الشَّعْرِيَّةِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي القَاسِمِ، أَنَّ عُمَرَ بنَ مَسْرُوْرٍ الزَّاهِدَ أَخْبَرَهُم، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ نُجِيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا بَهْزُ بنُ
__________
(1) تحرفت في المطبوع من " تاريخ الفسوي " 3 / 346 لفظة " مئتين " إلى " مئة ".
(2) " تهذيب الكمال ": لوحة 618.
(3) " التاريخ الكبير " 4 / 336.

(9/484)


حَكِيْمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَنْ أَبَرُّ؟
قَالَ: (أُمَّكَ).
قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟
قَالَ: (ثُمَّ أُمَّكَ، ثُمَّ أَبَاكَ، ثُمَّ الأَقْرَبَ، فَالأَقْرَبَ) (1).

179 - حَفْصُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ رَاشِدٍ السُّلَمِيُّ * (خَ، د، س، ق)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّادِقُ، القَاضِي الكَبِيْرُ، أَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو سَهْلٍ السُّلَمِيُّ، الفَقِيْهُ، قَاضِي نَيْسَابُوْرَ.
وُلِدَ: بَعْدَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ فِي الرِّحْلَةِ مِنْ: مِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، وَعُثْمَانَ بنِ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَوَرْقَاءَ بنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ العَرْزَمِيِّ، وَعَبْدِ القُدُّوْسِ بنِ جُنْدَبٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ - وَلاَزَمَه مُدَّةً - وَعُمَرَ بنِ ذَرٍّ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ - وَهُوَ ثَبْتٌ فِي ابْنِ طَهْمَانَ -.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ المُحَدِّثُ أَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ، وَقَطَنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ مَحْمِشٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ الخُزَاعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو قَشْمَرْدُ، وَيَاسِيْنُ بنُ النَّضْرِ، وَأَيُّوْبُ بنُ الحَسَنِ.
وَمِنْ رِفَاقِهِ: أَبُو نُعَيْمٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ قَطَنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:
مَا أَقبَحَ بِالشَّيْخِ المُحَدِّثِ يَجْلِسُ
__________
(1) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 5 / 3، والترمذي (1897) في البر والصلة: باب ما جاء في بر الوالدين، وأبو داود (5139) في الأدب: باب بر الوالدين، وصححه الحاكم 4 / 150، ووافقه الذهبي، وحسنه الترمذي.
(*) الجرح والتعديل 3 / 175، تهذيب الكمال: لوحة 307، تذهيب التهذيب 1 / 63 / 1، العبر 1 / 357، تذكرة الحفاظ 1 / 368، تهذيب التهذيب 2 / 403، طبقات الحفاظ: 158، خلاصة تذهيب الكمال: 87، شذرات الذهب 2 / 22.

(9/485)


لِلْقَوْمِ، فَيُحَدِّثُ مِنْ كِتَابٍ (1) !
جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَوَّارٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ عَبْدِ اللهِ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: لَيْسَ عَلَى نَسَاءِ خُرَاسَانَ حَجٌّ.
قُلْتُ: هَذَا قَوْلٌ عَجِيْبٌ، أَفَمَا هُنَّ مِنَ النَّاسِ، فَكَأَنَّهُ لَمَّحَ بُعْدَ الشُّقَّةِ، وَكَثْرَةَ المَشَقَّةِ.
قَالَ أَبُو عَوَانَةَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَقِيْلٍ يَقُوْلُ:
كَانَ حَفْصُ بنُ عَبْدِ اللهِ قَاضِياً بِالأَثَرِ، وَلاَ يَقضِي بِالرَّأْيِ البَتَّةَ (2) .
وَقِيْلَ: إِنَّهُ وَلِيَ القَضَاءَ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ وَلَدُهُ أَحْمَدُ: مَاتَ لِخَمْسٍ بَقِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ (3).
180 - ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الدِّيْلِيُّ(ع)
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو إِسْمَاعِيْلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمِ بنِ أَبِي فُدَيْكٍ - وَاسْمُهُ دِيْنَارٌ - الدِّيْلِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ.
__________
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 307.
(2) " تهذيب الكمال ": لوحة 307.
(3) " تهذيب الكمال ": لوحة 307.
(*) تاريخ ابن معين: 505، طبقات ابن سعد 5 / 437، طبقات خليفة: ت 2501، التاريخ الكبير 1 / 37، التاريخ الصغير 2 / 289، الجرح والتعديل 7 / 188، تهذيب الكمال: لوحة 1174، تذهيب التهذيب 3 / 189 / 2، العبر 1 / 333، ميزان الاعتدال 3 / 483، تذكرة الحفاظ 1 / 345، الكاشف 3 / 21، تهذيب التهذيب 9 / 61، طبقات الحفاظ 145، خلاصة تذهيب الكمال: 328، شذرات الذهب 1 / 359.

(9/486)


حَدَّثَ عَنْ: سَلَمَةَ بنِ وَرْدَانَ، وَالضَّحَّاكِ بنِ عُثْمَانَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ الفَضْلِ المَخْزُوْمِيِّ، وَعِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ.
وَلَمْ يَرْحَلْ فِي الحَدِيْثِ، وَكَانَ صَدُوْقاً، صَاحِبَ مَعْرِفَةٍ وَطَلَبٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَحُسَيْنُ بنُ عِيْسَى البِسْطَامِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَدْ سَمِعَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ حَدِيْثاً وَاحِداً (1) .
قُلْتُ: هُوَ أَقدَمُ شَيْخٍ لَقِيَهُ.
قَالَ البُخَارِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ مائَتَيْنِ (2) .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ.
كَذَا قَالَ: ابْنُ سَعْدٍ (3) .
وَقَدِ احْتَجَّ بِابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ الجَمَاعَةُ، وَوَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، لَكِنْ مَعْنٌ (4) أَحْفَظُ مِنْهُ، وَأَتْقَنُ، وَوَقَعَ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ فِي أَمَاكِنَ.

181 - أَبُو عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ المَجِيْدِ * (ع)
الإِمَامُ، الصَّدُوْقُ، أَخُو أَبِي بَكْرٍ الحَنَفِيِّ،
__________
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 1174.
(2) " التاريخ الكبير " 1 / 37.
(3) في " طبقاته الكبرى " 5 / 437.
(4) هو معن بن عيسى بن يحيى القزاز، وقد مرت ترجمته في الصفحة 302 من هذا الجزء.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 299، التاريخ الكبير 5 / 391، الضعفاء للعقيلي: لوحة 270، الجرح والتعديل 5 / 324، تهذيب الكمال: لوحة 885، تذهيب التهذيب =

(9/487)


وَلَهُمَا أَخَوَانِ مَا اشْتُهِرَا: شَرِيْكٌ، وَعُمَيْرٌ.
حَدَّثَ أَبُو عَلِيٍّ عَنْ: هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
رَوَى عَنْهُ: بُنْدَارُ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ نَصْرٍ الجَهْضَمِيُّ، وَوَالِدُهُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ سَيْفٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الكُدَيْمِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَيَقَعُ لَنَا حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي (الغَيْلاَنِيَّاتِ (1))، وَفِي (القَطِيْعِيَّاتِ (2)).
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَغَيْرُهُ: لاَ بَأْس بِهِ.
وَقَالَ الكُدَيْمِيُّ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَطَائِفَةٌ إِجَازَةً، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ذَكَرَ
__________
= 3 / 19 / 1، العبر 1 / 357، ميزان الاعتدال 3 / 13، الكاشف 2 / 230، تهذيب التهذيب 7 / 34، خلاصة تذهيب الكمال: 252، شذرات الذهب 2 / 22.
(1) مر التعريف بها في الصفحة 369 ت 1 من هذا الجزء.
(2) هي خمسة أجزاء لمسند العراق أبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك ابن شبيب البغدادي القطيعي، لقب بذلك لأنه سكن قطيعة الرقيق ببغداد، توفي سنة 368 ه، وهو الراوي عن عبد الله بن الامام أحمد " المسند " و" التاريخ " و" الزهد " والمسائل كلها لابيه.

(9/488)


رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العَبَّاسَ، فَقَالَ: (هُوَ عَمِّي، وَصِنْوُ أَبِي) (1) .

182 - أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ عَبْدُ الكَبِيْرِ بنُ عَبْدِ المَجِيْدِ * (ع)
هُوَ: عَبْدُ الكَبِيْرُ بنُ عَبْدِ المَجِيْدِ البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: خُثَيْمِ بنِ عِرَاكٍ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَالضَّحَّاكِ بنِ عُثْمَانَ، وَأَفْلَحَ بنِ حُمَيْدٍ، وَطَائِفَةٍ.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَبُنْدَارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَالكُدَيْمِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ.
__________
(1) محمد بن يونس: هو الكديمي البصري الحافظ أحد المتروكين، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه الترمذي (3760) من طريق أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا شبابة، حدثنا ورقاء، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العباس عم رسول الله، وإن عم الرجل صنو أبيه، أو من صنو أبيه " وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال.
وأخرجه مطولا أحمد 2 / 322، ومسلم (983) من طريق علي ابن حفص، عن ورقاء، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة، وفيه: " أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه "، وهو في سنن أبي داود (1623) من طريق الحسن بن الصباح عن شبابة، عن ورقاء...وفي الباب عن علي عند أحمد 1 / 94 بسند صحيح، وانظر " سير أعلام النبلاء " 2 / 87 والصنو: المثل.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 299، التاريخ الكبير 6 / 126، الجرح والتعديل 6 / 62، تهذيب الكمال: لوحة 849، تذهيب التهذيب 2 / 246 / 1، العبر 1 / 346، الكاشف 2 / 205، تهذيب التهذيب 6 / 370، خلاصة تذهيب الكمال: 305، شذرات الذهب 2 / 12.

(9/489)


مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ.

183 - عُمَرُ بنُ حَبِيْبٍ العَدَوِيُّ البَصْرِيُّ * (ق)
القَاضِي.
حَدَّثَ عَنْ: حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: حَفْصُ بنُ عَمْرٍو الرَّبَالِيُّ، وَإِسْحَاقُ الفَارِسِيُّ شَاذَانُ، وَحَمَّادُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَنْبَسَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ القَزَّازُ، وَأَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَخَلْقٌ.
قَالَ البُخَارِيُّ: يَتَكَلَّمُوْنَ فِيْهِ (1) .
وَقَالَ عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: ضَعِيْفٌ، يَكْذِبُ (2) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ (3) .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَسَنُ الحَدِيْثِ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ مَعَ ضَعْفِهِ (4).
__________
(*) تاريخ ابن معين: 426، تاريخ خليفة: 472، التاريخ الكبير 6 / 148 الضعفاء والمتروكين: 84، أخبار القضاة 2 / 142، الضعفاء للعقيلي: لوحة 277، كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 89، مشاهير علماء الأمصار: ت 1546، الكامل لابن عدي: 486، تهذيب الكمال: لوحة 1005، تذهيب التهذيب 3 / 81 / 1، العبر 1 / 352، ميزان الاعتدال 3 / 184، تهذيب التهذيب 7 / 431، خلاصة تذهيب الكمال: 281، شذرات الذهب 2 / 17.
(1) " التاريخ الكبير " 6 / 148.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة 1005.
(3) " تهذيب الكمال " لوحة 1005.
(4) " الكامل " لابن عدي: لوحة 486

(9/490)


قُلْتُ: وَلِيَ قَضَاءَ البَصْرَةِ، ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ الجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ بَغْدَادَ لِلْمَأْمُوْنِ، وَهُوَ جَدُّ أَبِي رِفَاعَةَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ حَبِيْبٍ العَدَوِيِّ.
نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّهُ مَاتَ بِالبَصْرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ الرَّشِيْد أَرَادَ قَتْلَهُ؛ لِكَوْنِهِ رَدَّ عَلَيْهِ خَطَأً، فَدَفَعَ اللهُ عَنْهُ (1) .

184 - يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيُّ * (ع)
ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ.
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو يُوْسُفَ الزُّهْرِيُّ، العَوْفِيُّ، المَدَنِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ؛ الحَافِظِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَشُعْبَةَ، وَعَاصِمِ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَعَبِيْدَةَ بنِ أَبِي رَائِطَةَ، وَمُحَمَّدِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَشَرِيْكٍ، وَاللَّيْثِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المُطَّلِبِ، وَسَيْفِ بنِ عُمَرَ، وَأَبِي أُوَيْسٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ الرَّبِيْعِ بنِ سَبْرَةَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ المُحَدِّثِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَعَلِيٌّ، وَيَحْيَى، وَأَبُو خَيْثَمَةَ،
__________
(1) انظر القصة مفصلة في " تهذيب الكمال " لوحة 1005 و1006.
(*) تاريخ ابن معين: 680، طبقات ابن سعد 7 / 343، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة: ت 3224، التاريخ الكبير 8 / 396، التاريخ الصغير 2 / 313، الجرح والتعديل 9 / 202، تاريخ بغداد 14 / 268، تهذيب الكمال: لوحة 1547، تذهيب التهذيب 4 / 184 / 1، العبر 1 / 356، تذكرة الحفاظ 1 / 335، الكاشف 3 / 290، تهذيب التهذيب 11 / 380، طبقات الحفاظ: 141، خلاصة تذهيب الكمال: 436، شذرات الذهب 2 / 22.

(9/491)


وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ سَيْفٍ، وَعَلِيُّ بنُ سَلَمَةَ اللَّبَقِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ، وَالفَضْلُ بنُ سَهْلٍ الأَعْرَجُ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى، وَالعِجْلِيُّ، وَطَائِفَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) .
قَالَ الذُّهْلِيُّ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ رَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، عَنْهُ، وَكَثُرَتْ رِوَايَتُهُ لِحَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ، وَأَغرَبَ عَنْهُ، وَمَدَارُ حَدِيْثِهِ عَلَى ابْنِه يَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، سَمِعَ هُوَ وَأَخُوْهُ سَعْدٌ الكُتُبَ.
قَالَ: فَمَاتَ أَخُوْهُ سَعْدٌ قَبْلَ أَنْ يَكْتُبَ عَنْهُ كَبِيْرُ أَحَدٍ، وَبَقِيَ يَعْقُوْبُ، فَكَتَبَ النَّاسُ عَنْهُ، فَوَجَدُوا عَنْهُ عِلْماً جلِيْلاً مِنْ حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ، وَغَيْرِهِ (2) .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، يُقَدَّمُ عَلَى أَخِيْهِ فِي الفَضْلِ، وَالوَرَعِ، وَالحَدِيْثِ، وَلَمْ يَزَلْ بِبَغْدَادَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الحَسَنِ بنِ سَهْلٍ بِفَمِ الصِّلْحِ (3) ، فَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ هُنَاكَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ أَصْغَرَ مِنْ أَخِيْهِ سَعْدٍ بِأَرْبَعِ سِنِيْنَ (4) .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ كَذَلِكَ فِي مَوْتِه.
__________
(1) " الجرح والتعديل " 9 / 202
(2) " تهذيب الكمال " لوحة: 1547.
(3) هو اسم نهر كبير بين واسط وجبل عليه عدة قرى، وعليه كانت دار الحسن بن سهل وزير المأمون
(4) " طبقات ابن سعد " 7 / 343.

(9/492)


قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، أَخْبَرَكُم مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الدَّاوُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ خُزَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنِي يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَقُوْمُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالِمِيْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّى يَغِيْبَ أَحَدُهُم إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ فِي رَشْحِهِ).
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ عَبْدٍ.

185 - أَخُوْهُ: سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيُّ * (خَ، س)
وَالِدُ: عَبْدِ اللهِ، وَعُبَيْدِ اللهِ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَعَبِيْدَةَ بنَ أَبِي رَائِطَةَ.
وَعَنْهُ: ابْنَاهُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ البُرْجَلاَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ.
__________
(1) رقم (2862) في الجنة وصفة نعيمها وأهلها: باب في صفة يوم القيامة، وأخرجه البخاري 11 / 340 في الرقاق: باب قوله تعالى: (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون) من
طريق إسماعيل بن أبان، عن عيسى بن يونس، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر.
وأخرجه ابن ماجة (4278) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن عيسى بن يونس، عن ابن عون، وأخرجه البخاري 8 / 534، 535، من طريق معن بن عيسى، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر.
وأخرجه الترمذي (2422) من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر.
وهو في " المسند " من طرق عن نافع عن ابن عمر 2 / 13 و19 و70 و105 و112 و125 و126.
(*) تاريخ ابن معين: 190، طبقات ابن سعد 7 / 343 طبقات خليفة: ت 2296، التاريخ الكبير 4 / 52، التاريخ الصغير 2 / 296، تاريخ بغداد 9 / 123، تهذيب الكمال: لوحة 471، تذهيب التهذيب 2 / 7 / 1، العبر 1 / 336، تهذيب التهذيب 3 / 462، الكاشف 1 / 350، خلاصة تذهيب الكمال: 133، شذرات الذهب 1 / 172.

(9/493)


قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، لَكِنْ أَخُوْهُ أَحَرُّ رَأْساً، وَأَقرَأُ لِلْكُتُبِ مِنْهُ (1) .
وَقَالَ العِجْلِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ، كَانَ عل قَضَاءِ وَاسِطَ (2) .
قِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَمائَتَيْنِ، بِالمُبَارَكِ (3).

186 - أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ سَعِيْدُ بنُ أَوْسٍ * (د، ت)
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، حُجَّةُ العَرَبِ، أَبُو زَيْدٍ سَعِيْدُ بنُ أَوْسِ بنِ ثَابِتِ بنِ بَشِيْرِ ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، البَصْرِيُّ، النَّحْوِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَرُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ، وَأَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَعَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ القَدَرِيِّ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: خَلَفُ بنُ هِشَامٍ البَزَّارُ - وَتَلاَ عَلَيْهِ - وَأَبُو عُبَيْدٍ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 9 / 124.
(2) " تاريخ بغداد " 9 / 124.
(3) هي بليدة بين بغداد وواسط على شاطئ دجلة.
(*) تاريخ خليفة: 97، التاريخ الكبير 3 / 455، وفيه " أويس " بدل " أوس " المعارف: 545، الجرح والتعديل 4 / 4، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 324، تاريخ بغداد 9 / 77، نزهة الالباء: 173، معجم الأدباء 11 / 212، إنباه الرواة 2 / 30، وفيات الأعيان 2 / 378، تهذيب الكمال: لوحة 480، تذهيب التهذيب 2 / 12 / 2، العبر 1 / 367، ميزان الاعتدال 2 / 126، الكاشف 1 / 355، مرآة الجنان 2 / 58، البداية والنهاية 10 / 269، طبقات القراء 1 / 305، تهذيب التهذيب 4 / 3، النجوم الزاهرة 2 / 210 بغية الوعاة 1 / 582، المزهر 2 / 402، خلاصة تذهيب الكمال: 136، طبقات المفسرين 1 / 179، شذرات الذهب 2 / 34.

(9/494)


القَاسِمُ، وَأَبُو عُمَرَ صَالِحُ بنُ إِسْحَاقَ الجَرْمِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ، وَأَبُو عُثْمَانَ المَازِنِيُّ، وَعُمَرُ بنُ شَبَّةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَالعَبَّاسُ الرِّيَاشِيُّ، وَأَبُو العَيْنَاءِ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ المُنْذِرِ القَزَّازُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي يُجمِلُ القَوْلَ فِيْهِ، وَيَرفَعُ شَأْنَهُ، وَيَقُوْلُ: هُوَ صَدُوْقٌ (1) .
وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: ثِقَةٌ.
قُلْتُ: جَدُّهُ الأَعْلَى أَبُو زَيْدٍ، هُوَ أَحَدُ مَنْ جَمَعَ القُرْآنَ عَلَى عَهدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْمُهُ: ثَابِتُ بنُ زَيْدِ بنِ قَيْسٍ الخَزْرَجِيُّ (2).
وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ المَازِنِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي زَيْدٍ، فَجَاءَ الأَصْمَعِيُّ، فَأَكَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، وَجَلَسَ، وَقَالَ: هَذَا عَالِمُنَا وَمُعَلِّمُنَا مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ جَاءَ خَلَفٌ الأَحْمَرُ، فَأَكَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: هَذَا عَالِمُنَا وَمُعَلِّمُنَا مُنْذُ عِشْرِيْنَ سَنَةً (3) .
المَازِنِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا زَيْدٍ يَقُوْلُ:
وَقَفتُ عَلَى قَصَّابٍ، فَقُلْتُ: بِكَمِ البَطْنَانِ؟
فَقَالَ: بِمِصْفَعَانِ يَا مَضْرطَانِ.
فَغطَّيْتُ رَأْسِي، وَفَرَرتُ (4) .
وَحَكَى السِّيْرَافِيُّ: أَنَّ أَبَا زَيْدٍ كَانَ يَقُوْلُ:
كُلُّ مَا قَالَ سِيْبَوَيْه:
__________
(1) الجرح والتعديل " 4 / 5.
(2) وقد شهد أحدا والمشاهد بعدها، وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، نزل البصرة ثم قدم المدينة فمات بها في خلافة عمر. وقد تقدمت ترجمته في الجزء الأول من هذا الكتاب ص 335، 336.
(3) في الأصل: (عشرين عشرين)، والخبر في " تاريخ بغداد " 9 / 77، 78.
(4) " تاريخ بغداد " 9 / 78.

(9/495)


أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ، فَأَنَا أَخْبَرتُهُ، وَقَدْ مَاتَ أَبُو زَيْدٍ بَعْدَ سِيْبَوَيْه بِنَيِّفٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً (1) .
قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّ الأَصْمَعِيَّ كَانَ يَحْفَظُ ثُلُثَ اللُّغَةِ، وَكَانَ أَبُو زَيْدٍ يَحْفَظُ ثُلُثَيِ اللُّغَةِ، وَكَانَ الخَلِيْلُ يَحْفَظُ نِصْفَ اللُّغَةِ، وَكَانَ عَمْرُو بنُ كِرْكِرَةَ الأَعْرَابِيُّ يَحْفَظُ اللُّغَةَ كُلَّهَا (2) .
قُلْتُ: عَمْرٌو هَذَا لَيْسَ بِمَشْهُوْرٍ.
قَالَ المُبَرِّدُ: الأَصْمَعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَبُو زَيْدٍ، أَعْلَمُ الثَّلاَثَةِ بِالنَّحْوِ أَبُو زَيْدٍ، وَكَانَتْ لَهُ حَلقَةٌ بِالبَصْرَةِ.
وَعَنْ أَبِي زَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ لابْنِ أَخٍ لِي: اكْتَرِ لَنَا.
فَصَاحَ: مَعْشَرَ الملاَّحُوْنَ.
قُلْتُ: وَيْحَكَ! مَا تَقُوْلُ؟
قَالَ: أَنَا أُحِبُّ النَّصْبَ (3) .
قَالَ أَبُو مُوْسَى الزَّمِنُ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ أَبُو زَيْدٍ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (4) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: عَاشَ ثَلاَثاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً (5).

187 - أَبُو زَيْدٍ الهَرَوِيُّ سَعِيْدُ بنُ الرَّبِيْعِ * (خَ، م)
البَصْرِيُّ، بَيَّاعُ الهَرَوِيِّ -يَعْنِي: الثِّيَابَ الَّتِي
__________
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 480.
(2) " تهذيب الكمال ": لوحة 480.
(3) " تاريخ بغداد " 9 / 78، و" إنباه الرواة " 2 / 32.
(4) " تاريخ بغداد " 9 / 79.
(5) " تاريخ بغداد " 9 / 80.
(*) العلل لأحمد بن حنبل: 249، التاريخ الكبير 3 / 471، التاريخ الصغير 2 / 321، الجرح والتعديل 4 / 20، تهذيب الكمال: لوحة 490، تذهيب التهذيب 2 / 18 / 1، العبر =

(9/496)


تُجْلَبُ مِنْ هَرَاةَ (1) -.
يَرْوِي عَنْ: قُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَشُعْبَةَ، وَعَلِيِّ بنِ المُبَارَكِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَبُنْدَارُ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَعَبْدٌ، وَالكُدَيْمِيُّ.
صَدُوْقٌ، قَالَهُ: أَبُو حَاتِمٍ (2) .
وَرَوَى: مُسْلِمٌ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ جَدُّهُ مُكَاتَباً لِزُرَارَةَ بنِ أَوْفَى.
وَأَبُو زَيْدٍ مِنْ قُدَمَاءِ مَشْيَخَةِ البُخَارِيِّ، وَمَوْتُهُ أَقدَمُ مِنْ مَوْتِ الأَنْصَارِيِّ بِأَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ، وَلَكِنَّ أَبَا زَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ أَسنَدُ مِنْهُ، وَأَسَنُّ.

188 - يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ بنِ نَسْرِ بنِ أَسِيْدٍ العَبْدِيُّ * (ع)
الحَافِظُ، الحُجَّةُ، الفَقِيْهُ، قَاضِي كَرْمَانَ (3) ، أَبُو زَكَرِيَّا العَبْدِيُّ، القَيْسِيُّ مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ.
وَقِيْلَ: اسْم أَبِيْهِ نَسْرٌ.
وَقِيْلَ: بِشْرٌ.
وَقِيْلَ: بَشِيْرٌ.
__________
= 1 / 360 الكاشف 1 / 360، تهذيب التهذيب 4 / 27، خلاصة تذهيب الكمال: 137، شذرات الذهب 2 / 26.
(1) هي مدينة عظيمة مشهورة من أمهات مدن خراسان.
(2) في " الجرح والتعديل " 4 / 20.
(*) التاريخ الكبير 8 / 264، الجرح والتعديل 9 / 132، تهذيب الكمال: لوحة 1490، تذهيب التهذيب 4 / 150 / 1، العبر 1 / 356، تذكرة الحفاظ 1 / 385، الكاشف 3 / 251، تهذيب التهذيب 11 / 190، خلاصة تذهيب الكمال: 421، شذرات الذهب 2 / 22.
(3) هي ناحية كبيرة في شرقي بلاد فارس، وهي بلاد كثيرة النخل والزرع والمواشي تشبه بالبصرة. انظر " معجم البلدان " 4 / 454.

(9/497)


حَدَّثَ بِبَغْدَادَ وَبِغَيْرِهَا عَنْ: شُعْبَةَ، وَزَائِدَةَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، وَأَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَزُهَيْرٍ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي حَرْبٍ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ العَوْفِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَعَلِيُّ بنُ سَهْلٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَارِثِ البَغْدَادِيُّ، وَحَفِيْدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ أَبِي بُكَيْرٍ، وَطَائِفَةٌ سِوَاهُم.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ العِجْلِيُّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ: سَنَةَ تِسْعٍ (1) .
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ القَاضِي حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُمَيْعٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ إِدْرِيْسَ القَافُلاَنِيُّ (2) بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ أَبِي حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً، يَضْرِبُ بَعْضُكُم رِقَابَ بَعْضٍ).
رُوَاتُه ثِقَاتٌ، وَهُوَ مِنَ الأَفرَادِ، لَمْ يُخَرِّجُوْهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ (3).
__________
(1) تهذيب الكمال " لوحة 1490.
(2) هذه النسبة إلى حرفة عجمية، وهو من يشتري السفن ويكسرها ويبيع خشبها وقيرها وقفلها وهو حديدها.
(3) وإنما أخرجه بعضهم من حديث ابن عمر وأبي بكر ضمن خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فأخرجه البخاري 1 / 145 في العلم: باب رب مبلغ أوعى من سامع، و3 / 458 و459 في الحج: باب الخطبة أيام منى، و6 / 211 في بدء الخلق: باب ما جاء =

(9/498)


189 - يَحْيَى بنُ الضُّرَيْسِ بنِ يَسَارٍ البَجَلِيُّ * (م، ت)
القَاضِي، الإِمَامُ، الحَافِظُ، قَاضِي الرَّيِّ، أَبُو زَكَرِيَّا البَجَلِيُّ مَوْلاَهُمْ، الرَّازِيُّ.
رَأَى: مُحَمَّدَ بنَ أَبِي لَيْلَى.
وَحَدَّثَ عَنِ: ابْنِ جُرَيْجٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَزَكَرِيَّا بنِ إِسْحَاقَ، وَفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، وَعَمْرِو بنِ أَبِي قَيْسٍ الرَّازِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَزَائِدَةَ بنِ قُدَامَةَ، وَطَبَقَتِهِم.
وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى القَزَّازُ، وَأَبُو غَسَّانَ زُنَيْجٌ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ رَاهَوَيْه، وَإِسْحَاقُ بنُ الفَيْضِ، وَيَحْيَى بنُ أَكْثَم، وَمُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَمُوْسَى بنُ نَصْرٍ، وَخَلْقٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ: جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَكَانَ جَرِيْرٌ مُعجَباً بِحِفْظِهِ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
__________
= في سبع أرضين. و8 / 82 في المغازي: باب حجة الوداع، و244 باب تفسير سورة براءة، و10 / 6 في الاضاحي: باب من قال: الاضحى يوم النحر، و12 / 75 في الحدود: باب ظهر المؤمن حمى، و170 في الديات: باب قوله تعالى: (من أحياها)، و13 / 22 و23 في الفتن: باب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ومسلم (66) في الايمان: باب بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ترجعوا بعدي كفارا..و (1679) في القسامة: باب تحريم الدماء، وأبو داود (1947) في الحج: باب الاشهر الحرم، و(4686) في السنة: باب الدليل على زيادة الايمان.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 380، طبقات خليفة: ت 3169، التاريخ الكبير 8 / 287، التاريخ الصغير 2 / 299، الجرح والتعديل 9 / 158، تهذيب الكمال: لوحة 1503، تذهيب التهذيب 4 / 158 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 347، الكاشف 3 / 259، تهذيب التهذيب 11 / 232، طبقات الحفاظ: 145، خلاصة تذهيب الكمال: 424.
(1) " تهذيب الكمال " لوحة 1503.

(9/499)


وَقَالَ الحَافِظُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى: مِنْهُ تَعَلَّمْتُ الحَدِيْثَ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ عِنْدَ يَحْيَى بنِ ضُرَيْسٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ عَشْرَةُ آلاَفِ حَدِيْثٍ (1) .
رَوَى: البُخَارِيُّ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ مُوْسَى، قَالَ:
مَاتَ يَحْيَى بنُ ضُرَيْسٍ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ (2) .
قُلْتُ: وَهُوَ جَدُّ مُحَدِّثِ الرَّيِّ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ البَجَلِيِّ، مُؤَلِّفِ كِتَابِ (فَضَائِلِ القُرْآنِ).
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: يَحْيَى بنُ الضُّرَيْسِ ثِقَةٌ (3) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ عِنْدَهُ عَنْ حَمَّادٍ عَشْرَةُ آلاَفِ حَدِيْثٍ (4) .
وَقَالَ وَكِيْعٌ: هُوَ مِنْ حُفَّاظِ النَّاسِ، وَقَدْ خَلَّطَ فِي حَدِيْثَيْنِ (5) .
قُلْتُ: لَوْ خَلَّطَ فِي عِشْرِيْنَ حَدِيْثاً فِي سَعَة مَا رَوَى، لَمَا عُدَّ إِلاَّ ثِقَةً.

190 - أَشْهَبُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ دَاوُدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القَيْسِيُّ * (د، ت)
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، مُفْتِي مِصْرَ، أَبُو عَمْرٍو
__________
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 1503.
(2) " التاريخ الصغير " 2 / 299.
(3) " تهذيب الكمال ": لوحة 1503.
(4) " الجرح والتعديل ": 9 / 159.
(5) " الجرح والتعديل " 9 / 159.
(*) التاريخ الكبير 2 / 57، الجرح والتعديل 2 / 432، ترتيب المدارك 2 / 447، وفيات الأعيان 1 / 238، تهذيب الكمال: لوحة 120، تذهيب التهذيب 1 / 71 / 2، العبر 1 / 345، الكاشف 1 / 135، دول الإسلام 1 / 127، الديباج المذهب 1 / 307، تهذيب التهذيب 1 / 359، حسن المحاضرة 1 / 305، خلاصة تذهيب الكمال: 45، شذرات
الذهب 2 / 12.

(9/500)


القَيْسِيُّ، العَامِرِيُّ، المِصْرِيُّ، الفَقِيْهُ.
يُقَالُ: اسْمُهُ مِسْكِيْنٌ، وَأَشْهَبُ: لَقَبٌ لَهُ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ: مَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَاللَّيْثَ بنَ سَعْدٍ، وَيَحْيَى بنَ أَيُّوْبَ، وَسُلَيْمَانَ بنَ بِلاَلٍ، وَبَكْرَ بنَ مُضَرَ، وَدَاوُدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطَّارَ، وَعِدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَبَحْرُ بنُ نَصْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المَوَّازِ، وَسُحْنُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ - فَقِيْهُ المَغْرِبِ - وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ - فَقِيْهُ الأَنْدَلُسِ - وَهَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ الأَيْلِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَيَكفِيْهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيْهِ: مَا أَخْرَجَتْ مِصْرُ أَفْقَهَ مِنْ أَشْهَبَ، لَوْلاَ طَيْشٌ فِيْهِ (1) .
قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: كَانَ فَقِيْهاً، حَسَنَ الرَّأْيِ وَالنَّظَرِ، فَضَّلَهُ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ عَلَى ابْنِ القَاسِمِ فِي الرَّأْيِ، فَذُكِرَ هَذَا لِمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ لُبَابَةَ الأَنْدَلُسِيِّ، فَقَالَ:
إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ لأَنَّهُ لاَزَمَ أَشْهَبَ، وَكَانَ أَخْذُه عَنْهُ أَكْثَرَ، وَابْنُ القَاسِمِ عِنْدَنَا أَفْقَهُ فِي البُيُوعِ وَغَيْرِهَا (2) .
وَقِيْلَ: كَانَ أَشْهَبُ عَلَى خَرَاجِ مِصْرَ، وَكَانَ صَاحِبَ أَمْوَالٍ وَحَشَمٍ.
__________
(1) " ترتيب المدارك " 2 / 447.
(2) " ترتيب المدارك " 2 / 448.

(9/501)


قَالَ سُحْنُوْنُ: رَحِمَ اللهُ أَشْهَبَ، مَا كَانَ يَزِيْدُ فِي سَمَاعِه حَرفاً وَاحِداً (1) .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: لَمْ يُدرِكِ الشَّافِعِيُّ إِذْ قَدِمَ مِصْرَ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِلاَّ أَشْهَبَ، وَابْنَ عَبْدِ الحَكَمِ (2) .
قُلْتُ: وَأَدْرَكَ ابْنَ الفُرَاتِ، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ.
قَالَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ الفَقِيْهُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ يَقُوْلُ: أَشْهَبُ أَفْقَهُ مِنِ ابْنِ القَاسِمِ مائَةَ مَرَّةٍ (3) .
وَعَنِ ابْنِ عَبْدِ الحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَشْهَبَ يَدعُو فِي سُجُوْدِه عَلَى الشَّافِعِيِّ بِالمَوْتِ، فَمَاتَ -وَاللهِ- الشَّافِعِيُّ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَمَاتَ أَشْهَبُ بَعْدَهُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً، وَاشْتَرَى مِنْ تَرِكَةِ الشَّافِعِيِّ عَبداً، اشْتَرَيْتُهُ أَنَا مِنْ تَرِكَةِ أَشْهَبَ (4) .
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ لِثَمَانٍ بَقِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ (5) .
قُلْتُ: قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ: كَانَ أَخْذُ ابْنِ عَبْدِ الحَكَمِ عَنْ أَشْهَبَ أَكْثَرَ -يَعْنِي: مِنْ أَخْذِهِ عَنِ ابْنِ القَاسِمِ- فِيْهِ نَظَرٌ، فَمَا عَلِمتُهُ أَخَذَ عَنْهُ، إِنَّمَا لَحِقَ
__________
(1) " ترتيب المدارك " 2 / 448.
(2) " الديباج المذهب " 1 / 307.
(3) " ترتيب المدارك " 2 / 448.
(4) " ترتيب المدارك " 2 / 453، و" وفيات الأعيان " 1 / 239، وروى عياض في " المدارك " عن الربيع بن سليمان المرادي، قال: سمعنا أشهب يقول في سجوده: اللهم أمت الشافعي وإلا ذهب علم مالك، فبلغ ذلك الشافعي فأنشأ يقول:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت * فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى * تهيأ لاخرى مثلها فكأن قد
(5) " وفيات الأعيان " 1 / 239.

(9/502)


ابْنَ وَهْبٍ، وَقَدْ لَحِقَ ابْنَ القَاسِمِ وَهُوَ مُرَاهِقٌ، فَلَعَلَّهُ بِاعتِنَاءِ وَالِدِه أَخَذَ شَيْئاً يَسِيْراً عَنْهُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
وَدُعَاءُ أَشْهَبَ عَلَى الشَّافِعِيِّ مِنْ بَابِ كَلاَمِ المُتَعَاصِرِيْنَ بَعْضِهِم فِي بَعْضٍ، لاَ يُعْبَأُ بِهِ، بَلْ يُتَرَحَّمُ عَلَى هَذَا، وَعَلَى هَذَا، وَيُستَغْفَرُ لَهُمَا، وَهُوَ بَابٌ وَاسِعٌ، أَوَّلُهُ مَوْتُ عُمَرَ (1) ، وَآخِرُهُ رَأَينَاهُ عَيَاناً، وَكَانَ يُقَالُ لِعُمَرَ: قِفْلُ الفِتْنَةِ.

191 - إِسْحَاقُ بنُ الفُرَاتِ أَبُو نُعَيْمٍ التُّجِيْبِيُّ * (س)
الإِمَامُ الكَبِيْرُ، فَقِيْهُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، وَقَاضِيهَا، أَبُو نُعَيْمٍ التُّجِيْبِيُّ مَوْلاَهُمْ، المِصْرِيُّ، تِلْمِيْذُ مَالِكٍ الإِمَامِ، لَيْسَ هُوَ بِدُوْنِ ابْنِ القَاسِمِ.
حَدَّثَ عَنْ: حُمَيْدِ بنِ هَانِئ - وَهُوَ أَقدَمُ شَيْخٍ لَهُ - وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، وَاللَّيْثِ، وَمَالِكٍ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الطَّاهِرِ بنُ السَّرْحِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَحْشَلٌ، وَبَحْرُ بنُ نَصْرٍ الخَوْلاَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَجَمَاعَةٌ.
رُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ باخْتِلاَفِ العُلَمَاءِ مِنْ إِسْحَاقَ بنِ الفُرَاتِ (2).
__________
(1) فقد تمنى موته أناس ممن كانوا تحت إمرته لما كان يأخذهم به رضي الله عنه من العدل وسلوك الجادة.
(*) الجرح والتعديل 2 / 231، ترتيب المدارك 2 / 459، تهذيب الكمال: لوحة 89، تذهيب التهذيب 1 / 57 / 2، العبر 1 / 344 - 345، ميزان الاعتدال 1 / 195، الكاشف 1 / 112، دول الإسلام 1 / 127، الديباج المذهب 1 / 298، تهذيب التهذيب 1 / 246، حسن المحاضرة 1 / 305، خلاصة تذهيب الكمال: 29، شذرات الذهب 2 / 11.
(2) " ترتيب المدارك " 2 / 459، و" الديباج المذهب " 1 / 298.

(9/503)


وَقَالَ بَحْرُ بنُ نَصْرٍ الخَوْلاَنِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُلَيَّةَ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ بِبَلَدِكُم أَحَداً يُحْسِنُ العِلْمَ إِلاَّ إِسْحَاقَ بنَ الفُرَاتِ (1) .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: مَا رَأَيْتُ فَقِيْهاً أَفْضَلَ مِنْهُ (2) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الهَمْدَانِيُّ: قرَأَ عَلَيْنَا إِسْحَاقُ بنُ الفُرَاتِ (مُوَطَّأَ مَالِكٍ) مِنْ حِفْظِهِ، فَمَا أَسقَطَ مِنْهُ حَرفاً - فِيْمَا أَعْلَمُ (3) -.
وَعَنْ إِسْحَاقَ، قَالَ: مَوْلِدِي سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ (4) .
قُلْتُ: هُوَ إِسْحَاقُ بنُ الفُرَاتِ بنِ الجَعْدِ بنِ سُلَيْمٍ، مَوْلَى الأَمِيْرِ مُعَاوِيَةَ بنِ حُدَيْجٍ، وَلِيَ قَضَاءَ مِصْرَ نِيَابَةً عَنِ القَاضِي مُحَمَّدِ بنِ مَسْرُوْقٍ.
سُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ عَنْهُ، فَقَالَ: شَيْخٌ لَيْسَ بِالمَشْهُوْرِ (5) .
قَالَ ابْنُ الذَّهَبِيِّ: مَا هُوَ بِمَشْهُوْرٍ بِالحَدِيْثِ، بَلَى هُوَ مَشْهُوْرٌ بِالإِمَامَةِ فِي الفِقْهِ، عَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: مَاتَ فِي ثَانِي شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ (6) .
قُلْتُ: وَفِيْهَا مَاتَ قَبْلَهُ: الشَّافِعِيُّ، وَأَشْهَبُ بِمِصْرَ، فَمِثْلُ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ إِذَا خَلَتْ مِنْهُم مَدِيْنَةٌ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، فَقَدْ بَانَ عَلَيْهَا النَّقْصُ.
وَمَاتَ: حَافِظُ البَصْرَةِ: أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَالِمُ مَرْوَ: النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَشَيْخُ النَّسَبِ: هِشَامُ
__________
(1) " ترتيب المدارك " 2 / 459.
(2) " تهذيب الكمال ": لوحة 89.
(3) " ترتيب المدارك " 2 / 459.
(4) " تهذيب الكمال ": لوحة 89.
(5) " الجرح والتعديل " 2 / 231.
(6) " تهذيب الكمال " لوحة 89.

(9/504)


ابْنُ الكَلْبِيِّ، وَمُسْنِدُ الوَقْتِ: أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بنُ الوَلِيْدِ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ، وَعِدَّةٌ مِنَ العُلَمَاءِ.

192 - عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رِزْمَةَ غَزْوَانَ اليَشْكُرِيُّ * (د، ت)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُحَمَّدٍ اليَشْكُرِيُّ مَوْلاَهُمْ، المَرْوَزِيُّ، مِنْ كِبَارِ مَشَايِخِ مَرْوَ.
سَمِعَ مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَالمَسْعُوْدِيِّ، وَجُوَيْبِرِ بنِ سَعِيْدٍ، وَأَبِي المُنِيْبِ العَتَكِيِّ، وَشُعْبَةَ.
وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو وَهْبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُزَاحِمٍ، وَأَحْمَدُ زَاجٌ، وَأَهْلُ مَرْوَ.
ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ).
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَالحَاكِمُ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ أَبِي خَالِدٍ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ، فِي المُحَرَّمِ.

193 - يَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ أَبُو زَكَرِيَّا السَّيْلَحِيْنِيُّ ** (م، 4)
الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثَّبْتُ، أَبُو زَكَرِيَّا السَّيْلَحِيْنِيُّ.
وَالسَّالِحِيْنُ: مَنْ قُرَى العِرَاقِ.
__________
(*) التاريخ الكبير 6 / 29، التاريخ الصغير 2 / 308، تهذيب الكمال: لوحة 838، تذهيب التهذيب 2 / 240 / 2، الكاشف 2 / 198، تهذيب التهذيب 6 / 336، خلاصة تذهيب الكمال: 239.
(* *) طبقات ابن سعد 7 / 340، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة: ت 3228، التاريخ الكبير 8 / 259، الجرح والتعديل 9 / 126، تاريخ بغدد 14 / 157، تهذيب =

(9/505)


وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ المِصْرِيِّ، وَمُوْسَى بنِ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، وَأَبَانِ بنِ يَزِيْدَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّمَشْقِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ حَيَّانَ - أَخِي مُقَاتِلٍ - وَمُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ الأَصْبَهَانِيِّ، وَفُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَالرَّبِيْعِ بنِ بَدْرٍ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَجَعْفَرِ بنِ كَيْسَانَ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ، وَارْتَحَلَ إِلَى الآفَاقِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ المَرْوَزِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي غَرَزَةَ الغِفَارِيِّ بنِ مُلاَعِبٍ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُلاَعِبٍ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: شَيْخٌ صَالِحٌ، ثِقَةٌ، سَمِعَ مِنَ الشَّامِيِّيْنَ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ (1) .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، حَافِظاً لِحَدِيْثه، تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ، سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ (2) .
زَادَ غَيْرُهُ: فِي شَعْبَانَ.
قُلْتُ: مَنْ أَغرِبِ مَا جَاءَ بِهِ، حَدِيْثُهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَكْلِ أُذُنَيِ القَلْبِ.
خَالَفَهُ: مُسَدَّدٌ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِسْرَائِيْلَ، فَرَوَوْهُ عَنْ: عَبْدِ
__________
= الكمال: لوحة 1484، تذهيب التهذيب 4 / 147 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 376، الكاشف 3 / 249، تهذيب التهذيب 11 / 176، طبقات الحفاظ: 160، خلاصة تذهيب الكمال: 421، شذرات الذهب 2 / 27.
(1) " تاريخ بغداد " 14 / 158.
(2) " طبقات ابن سعد " 7 / 340.

(9/506)


اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ، فَقَالَ: عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ مُرْسَلاً.
وَرَوَاهُ هَكَذَا: أَبُو دَاوُدَ فِي المَرَاسِيْلِ.
قَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، عَنِ السَّيْلَحِيْنِيِّ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ المِسْكِيْنُ (1) .
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنْكِرُ حَدِيْثَ مُبَارَكٍ، عَنِ الحَسَنِ فِي حَلِّ العُقَدِ فِي القَبْرِ -يَعْنِي: عَنِ السَّيْلَحِيْنِيِّ (2) -.
قُلْتُ: هُوَ حُجَّةٌ، صَدُوْقٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ - وَلاَ تَنْزِلُ رِوَايَةُ حَدِيْثِهِ عَنْ دَرَجَةِ الحَسَنِ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.

194 - بِشْرُ بنُ بَكْرٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ البَجَلِيُّ * (خَ، د، س، ق)
الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَجَلِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، ثُمَّ التِّنِّيْسِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، سَمِعَهُ مُحَمَّدُ بنُ وَزِيْرٍ يَقُوْلُه.
حَدَّثَ عَنْ: الأَوْزَاعِيِّ، وَعَبْدَةَ بِنْتِ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ الحِمْصِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: وَلَدُهُ؛ أَحْمَدُ، وَابْنُ وَهْبٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَالشَّافِعِيُّ، وَالحُمَيْدِيُّ، وَدُحَيْمٌ، وَأَبُو الطَّاهِرِ بنُ السَّرْحِ، وَالحَارِثُ بنُ أَسَدٍ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 14 / 158.
(2) " تاريخ بغداد " 14 / 158، وانظر " سنن البيهقي " 3 / 407.
(*) التاريخ الكبير 2 / 70، التاريخ الصغير 2 / 304، الجرح والتعديل 2 / 352، تهذيب الكمال: لوحة 148، تذهيب التهذيب 1 / 83 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 314، الكاشف 1 / 154، تهذيب التهذيب 1 / 443، حسن المحاضرة 1 / 284، خلاصة تذهيب الكمال: 48.

(9/507)


الهَمْدَانِيُّ لاَ المُحَاسِبِيُّ، وَالرَّبِيْعُ المُرَادِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ، وَبَحْرُ بنُ نَصْرٍ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ.
وَكَذَا وَثَّقَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ (1) .
وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: كَانَ أَكْثَرُ مَقَامِهِ بِتِنِّيْسَ وَدِمْيَاطَ، وَبِدِمْيَاطَ تُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ (2) .
قَالَ الخَطِيْبُ: آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ: سُلَيْمَانُ بنُ شُعَيْبٍ الكَيْسَانِيُّ، بَقِيَ إِلَى سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ (3) .

195 - ابْنُ كُنَاسَةَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ * (س)
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الثِّقَةُ، البَارِعُ، الأَدِيْبُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خَلِيْفَةَ بنِ زُهَيْرِ بنِ نَضْلَةَ الأَسَدِيُّ، الكُوْفِيُّ.
وَكُنَاسَةُ: لَقَبٌ لِجَدِّه عَبْدِ الأَعْلَى.
وَقِيْلَ: لَقَبٌ لأَبِيْهِ، وَيَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ لَقَباً لَهُمَا.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ،
__________
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 148.
(2) " تهذيب الكمال ": لوحة 148.
(3) " تهذيب الكمال ": لوحة 148.
(*) التاريخ لابن معين: 523، طبقات ابن سعد 6 / 401، التاريخ الكبير 1 / 135، المعارف: 543، الجرح والتعديل 7 / 300، الاغاني 13 / 337 - 346، تاريخ بغداد 5 / 404، تهذيب الكمال: لوحة 1220، تذهيب التهذيب 3 / 218 / 1، العبر 1 / 353، ميزان الاعتدال 3 / 592، الكاشف 3 / 61، لوافي بالوفيات 4 / 377، تهذيب التهذيب 9 / 259، خلاصة تذهيب الكمال: 345، شذرات الذهب 2 / 17.

(9/508)


وَعَبْدِ اللهِ بنِ شُبْرُمَةَ، وَجَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ السَّائِبِ الكَلْبِيِّ، وَمِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَمُؤَمَّلُ بنُ يِهَابٍ، وَالرَّمَادِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ الأَزْرَقُ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَعَلِيٌّ، وَأَحْمَدُ، وَالعِجْلِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَآخَرُوْنَ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ صَاحِبَ أَخْبَارٍ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ (1) .
وَقَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: ثِقَةٌ، صَالِحُ الحَدِيْثِ، لَهُ عِلْمٌ بِالعَرَبِيَّةِ، وَالشِّعْرِ، وَأَيَّامِ النَّاسِ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ الزَّاهِدِ.
قَالَ السَّدُوْسِيُّ: مَاتَ بِالكُوْفَةِ، لِثَلاَثٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ (2) .
وَفِيْهَا أَرَّخَهُ: مُطَيَّنٌ.
وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ - فَوَهِمَ هُوَ أَوِ النَّاسِخُ - فَقَالَ: سَنَةَ تِسْعٍ (3) .
وَلابْنِ كُنَاسَةَ كِتَابُ (الأَنْوَاءِ)، وَكِتَابُ (مَعَانِي الشِّعْرِ)، وَكِتَابُ (سَرِقَاتِ الكُتُبِ مِنَ القُرْآنِ (4)).
وَلَهُ فِي ابْنِهِ يَحْيَى:
وَسَمَّيْتُهُ يَحْيَى لِيَحْيَا وَلَمْ يَكُنْ ... إِلَى قَدَرِ الرَّحْمَنِ فِيْهِ سَبِيْلُ
__________
(1) " الجرح والتعديل " 7 / 300.
(2) " تاريخ بغداد " 5 / 407.
(3) " تاريخ بغداد " 5 / 408.
(4) " الوافي بالوفيات " 4 / 377.

(9/509)


تَفَاءلْتُ - لَوْ يُغنِي التَّفَاؤُلُ - بِاسْمِهِ ... وَمَا خِلْتُ فَالاً قَبْلَ ذَاكَ يَفِيْلُ
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ خَلِيْلِ بنِ بَدْرٍ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالاَ:
أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ، وَالحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ كُنَاسَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَخِيْهِ؛ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِاليَهُوْدِ (1)).
تَفَرَّد بِهِ: ابْنُ كُنَاسَةَ هَكَذَا.
وَأَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ زَنْجَوَيْه، عَنْهُ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، رَوَاهُ: الحُفَّاظُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلاً، وَرَوَاهُ: زَيْدُ بنُ الحَرِيْشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوْعاً، بِنَحْوِهِ.

196 - مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَسَّانٍ الأَسَدِيُّ * (م، 4)
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الحَافِظُ، أَبُو بَكْرٍ - وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ
__________
(1) هو في " حلية الأولياء " 2 / 180، وأخرجه أحمد 1 / 165، وابن سعد 1 / 439، والنسائي 8 / 137، من طريق محمد بن كناسة بهذا الإسناد، وهذا سند رجاله ثقات، لكن اختلف فيه على هشام بن عروة، فرواه النسائي من طريق عيسى بن يونس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن عمر، وقال عن الطريقين: كلاهما غير محفوظ، وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد 2 / 261 و499، وابن سعد 1 / 439، والترمذي (1751) من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عنه، وهذا سند حسن.
(*) تاريخ ابن معين: 556، التاريخ الكبير 7 / 373، التاريخ الصغير 2 / 317، تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1 / 284، 285، الجرح والتعديل 8 / 375، تاريخ دمشق لابن عساكر 11 / 180 / 1 - 181 / 1، تهذيب الكمال: لوحة 1315، تذهيب التهذيب 4 / 30 / 2 العبر 1 / 359، ميزان الاعتدال 4 / 93، تذكرة الحفاظ 1 / 348، تهذيب التهذيب 10 / 95، طبقات الحفاظ: 157، خلاصة تذهيب الكمال: 319، شذرات الذهب 2 / 24.

(9/510)


الرَّحْمَنِ الأَسَدِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الطَّاطَرِيُّ.
وَالطَّاطَرِيُّ: هُوَ الخَامِيُّ، وَهُوَ البَطَائِنِيُّ.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: كُلُّ مَنْ بَاعَ الثِّيَابَ الكَرَابِيْسَ بِدِمَشْقَ، يُقَالُ لَهُ: الطَّاطَرِيُّ.
فَعَنْ مَرْوَانَ، قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، عَامَ الكَوَاكِبِ (1) .
حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ سَلاَّمٍ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَبَكْرِ بنِ مُضَرَ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَالهَيْثَمِ بنِ حُمَيْدٍ، وَيَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَعُثْمَانَ بنِ حِصْنِ بنِ عِلاَقٍ، وَالهِقْلِ بنِ زِيَادٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَخَالِدِ بنِ يَزِيْدَ المُرِّيِّ، وَرِشْدِيْنَ بنِ سَعْدٍ، وَصَخْرِ بنِ جَنْدَلٍ البَيْرُوْتِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ حَوْشَبٍ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَخَلْقٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَمَحْمُوْدُ بنُ خَالِدٍ، وَهِشَامُ بنُ خَالِدٍ الأَزْرَقُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَابْنُ ذَكْوَانَ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَعَبَّاسٌ التُّرْقُفِيُّ (2) ، وَهَارُوْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَكَّارٍ، وَأَحْمَدُ بنُ نَاصِحٍ المَصِّيْصِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَوَلَدُهُ؛ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَرْوَانَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ (3).
__________
(1) " تاريخ أبي زرعة الدمشقي " 1 / 284، وقال خليفة وابن الأثير في حوادث سنة (147): وفي هذه السنة تناثرت النجوم.
(2) هو عباس بن عبد الله بن أبي عيسى الترقفي نسبة إلى ترقف: مدينة من أعمال واسط.
(3) " الجرح والتعديل " 8 / 375.

(9/511)


قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بنِ مُعَاوِيَةَ الهَاشِمِيُّ: أَدْرَكْتُ ثَلاَثَ طَبَقَاتٍ، أَحَدُهَا طَبَقَةُ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، مَا رَأَيْتُ فِيْهِم أَخشَعَ مِنْ مَرْوَانَ بنِ مُحَمَّدٍ (1) .
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: مَا رَأَيْتُ شَامِيّاً خَيْراً مِنْ مَرْوَانَ بنِ مُحَمَّدٍ.
قِيْلَ لَهُ: وَلاَ مُعَلِّمُهُ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَلاَ يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ؟
قَالَ: وَلاَ مُعَلِّمُهُ؛ لأَنَّهُ كَانَ عَلَى بَيْتِ المَالِ، وَلاَ يَحْيَى لأَنَّهُ كَانَ عَلَى القَضَاءِ (2) .
قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ (3) .
قُلْتُ: عَاشَ ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَكَانَ سَيِّداً، إِمَاماً.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، وَهَدِيَّة ُبِنْتُ عَلِيٍّ، وَابْنُ قُدَامَةَ الحَاكِمُ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ دَاوُدَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ بنِ العَبَّاسِ السَّمَرْقَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ عَطِيَّةَ بنِ قَيْسٍ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ
، قَالَ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوْعِ، قَالَ: (رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ العَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ).
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (4) ، عَنْ عَبْدِ اللهِ أَتَمَّ مِنْ هَذَا.
__________
(1) " تهذيب الكمال " لوحة 1316.
(2) " تهذيب الكمال ": لوحة 1316.
(3) " التاريخ الصغير " 2 / 317.
(4) رقم (477) في الصلاة: باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، وأخرجه أبو =

(9/512)


197 - شَبَابَةُ بنُ سَوَّارٍ أَبُو عَمْرٍو الفَزَارِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَمْرٍو الفَزَارِيُّ مَوْلاَهُمْ، المَدَائِنِيُّ.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ عَامِ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.
رَوَى عَنْ: يُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَشُعْبَةَ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَوَرْقَاءَ، وَسُفْيَانَ، وَطَبَقَتِهِم.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَعَلِيٌّ، وَيَحْيَى، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَالحَسَنُ الحُلْوَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَوْحٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ، إِلاَّ أَنَّهُ مُرْجِئٌ.
قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: قِيْلَ لِشَبَابَةَ: أَلَيْسَ الإِيْمَانُ قَوْلاً وَعَمَلاً؟
قَالَ:
__________
= داود (847) في الصلاة: باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، والنسائي 2 / 198 و199 في الافتتاح: باب ما يقول في قيامه ذلك، من طرق عن سعيد بن عبد العزيز بهذا الإسناد، وقوله: " ولا ينفع ذا الجد منك الجد " قال القرطبي: رواه الجمهور بفتح الجيم في اللفظين، وهو بمعنى الحظ والبخت، ومعناه لا ينفع من رزق مالا وولدا وجاها دنيويا شيء من ذلك عندك، وهذا كما قال تعالى: (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).
(*) تاريخ ابن معين: 247، طبقات ابن سعد 7 / 340، تاريخ خليفة: 472، طبقات خليفة: ت 3176، التاريخ الكبير 4 / 270، التاريخ الصغير 2 / 308، المعارف: 527، الجرح والتعديل 4 / 392، الكامل لابن عدي 2 / 395، تاريخ بغداد 9 / 295، تهذيب الكمال: لوحة 570، تذهيب التهذيب 2 / 69 / 1، العبر 1 / 349، ميزان الاعتدال 2 / 260، تذكرة الحفاظ 1 / 361، الكاشف 2 / 3، تهذيب التهذيب 4 / 300، خلاصة تذهيب الكمال: 168، شذرات الذهب 2 / 15.

(9/513)


إِذَا قَالَ، فَقَدْ عَمِلَ (1) .
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: رَجَعَ شَبَابَةُ عَنِ الإِرْجَاءِ (2) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ شُعْبَةُ يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ،
فَقَالَ يَوْماً: مَا فَعَلَ ذَاكَ الغُلاَمُ الجَمِيْلُ؟
يَعْنِي: شَبَابَةَ (3) .
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: خَرَجَ شَبَابَةُ إِلَى مَكَّةَ، فَمَاتَ بِهَا (4) .
وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ دَاعِيَةً إِلَى الإِرْجَاءِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ (5) .
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: يُقَالُ: اسْمُهُ مَرْوَانُ، وَلَقَبُهُ شَبَابَةُ (6) .
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: تَرَكتُهُ لِلإِرْجَاءِ (7) .
وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: قُلْتُ لِيَحْيَى: فَشَبَابَةُ فِي شُعْبَةَ؟
قَالَ: ثِقَةٌ (8) .
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: صَدُوْقٌ، إِلاَّ أَنَّهُ يَرَى الإِرْجَاءَ، وَلاَ يُنْكَرُ لِمَنْ سَمِعَ أُلُوْفاً أَنْ يَجِيْءَ بِخَبَرٍ غَرِيْبٍ (9).
__________
(1) " تاريخ بغداد " 9 / 299.
(2) " تاريخ بغداد " 9 / 299.
(3) " تاريخ بغداد " 9 / 295.
(4) " المعارف ": 527.
(5) " الجرح والتعديل " 4 / 392.
(6) " الكامل " لابن عدي 2 / 395.
(7) " تهذيب الكمال ": لوحة 571.
(8) " تهذيب الكمال " لوحة 571.
(9) " تاريخ بغداد " 9 / 297.

(9/514)


قَالَ طَائِفَةٌ: مَاتَ شَبَابَةُ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ إِجَازَةً، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رَوْحٍ المَدَائِنِيُّ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ زَبْرٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعُمْرَةٍ فِي حَجَّتِهِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَسَمِعْتُ غَيْرَهَا يَقُوْلُ:
أَهَلَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ (1) .
قَالَ الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ - وَذَكَرَ شَبَابَةَ - فَقَالَ:
رَوَى عَنْ: شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَلَدَ فِي الخَمْرِ.
قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، رَوَاهُ: غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ (2) .
قِيْلَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: وَرَوَى عَنْ: شُعْبَةَ، عَنْ بُكَيْرِ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَعْمَر الدِّيْلِيّ فِي الدُّبَّاءِ.
فَقَالَ: وَهَذَا إِنَّمَا رَوَى شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ حَدِيْثَ الحَجِّ.
__________
(1) انظر البخاري 3 / 431 و432 في الحج: باب من ساق البدن معه، ومسلم (1227) و(1228).
وقال ابن القيم في " زاد المعاد " 2 / 107: وإنما قلنا: إنه: صلى الله عليه وسلم أحرم قارنا لبضعة وعشرين حديثا صريحة في ذلك، ثم سردها، وخرجناها هناك، فانظرها فيه 2 / 107، 117.
(2) روى حديث الجلد في الخمر من طريق شعبة، عن قتادة، عن أنس البخاري 12 / 54 في الحدود: باب ما جاء في ضرب شاربي الخمر، ومسلم (1706) في الحدود: باب حد الخمر، والترمذي (1443)، وقد قال الحافظ في " الفتح " 12 / 54 عن السند الذي فيه الحسن بين قتادة وأنس بعد أن نسبه للنسائي: إنه من المزيد في متصل الأسانيد.
(3) في الأصل: حديث الحديث، والصواب ما أثبت، قال الحافظ ابن رجب في " شرح العلل " 1 / 442، 443: حديث شبابة، عن بكير بن عطاء، عن عبد الرحمن بن معمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الدباء، والمزفت، فإن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ في الدباء والمزفت صحيح ثابت عنه، رواه عنه جماعة كثيرون من أصحابه، وأما رواية عبد الرحمن =

(9/515)


وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كُنْتُ كَتَبتُ عَنْ شَبَابَةَ قَدِيْماً شَيْئاً يَسِيْراً قَبْلَ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّهُ يَقُوْلُ: بِهَذَا -يَعْنِي: الإِرْجَاءَ (1) -.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي يُنْكِرُ حَدِيْثَ شَبَابَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَعْنٍ، قَالَ: كَانَ يُنْتَبَذُ لِعَبْدِ اللهِ فِي جرٍّ.
وَذَكَرَ العُقَيْلِيُّ: أَنَّ شَبَابَةَ قَدِمَ مِنَ المَدَائِنِ لِلَّذِي أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَكَانَتِ الرُّسُلُ تَخْتَلِفُ بَيْنَهُمَا.
قَالَ النَّاقِلُ: فَرَأَيْتُ شَبَابَةَ تِلْكَ الأَيَّامَ مَغْمُوْماً مَكْرُوْباً، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المَدَائِنِ قَبْلَ أَنْ يَنْصَلِحَ أَمرُه عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ (2).

198 - عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ بنِ سَعِيْدِ بنِ ذَكْوَانَ التَّمِيْمِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو سَهْلٍ التَّمِيْمِيُّ، العَنْبَرِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، التَّنُّوْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ بِتَصَانِيْفِهِ.
وَعَنْ: هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَعِكْرِمَةَ بنِ
__________
= بن يعمر عنه فغريبة جدا، ولا يعرف إلا بهذا الإسناد، تفرد بها شبابة، عن شعبة، عن بكير ابن عطاء عنه، وعند شعبة بهذا الإسناد عن عبد الرحمن بن يعمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الحج عرفة " في حديث ذكره، فهذا المتن هو الذي يعرف بهذا الإسناد، وأما حديث النهي عن الدباء والمزفت، فهو بهذا الإسناد غريب جدا، وقد أنكره على شبابة طوائف من الأئمة، منهم الامام أحمد، والبخاري وأبو حاتم، وابن عدي، وأما ابن المديني، فإنه سئل عنه، فقال: لا ينكر لمن سمع من شعبة - يعني حديثا كثيرا - أن تفرد بحديث غريب.
(1) " الضعفاء " للعقيلي: لوحة 185.
(2) " الضعفاء " للعقيلي: لوحة 185.
(*) تاريخ ابن معين: 364، طبقات ابن سعد 7 / 300، التاريخ الكبير 6 / 105،
التاريخ الصغير 2 / 307، الجرح والتعديل 6 / 50 تهذيب الكمال: لوحة 835، تذهيب التهذيب 2 / 238 / 2، العبر 1 / 352، تذكرة الحفاظ 1 / 344، الكاشف 2 / 196، تهذيب التهذيب 6 / 327، النجوم الزاهرة 2 / 184، طبقات الحفاظ / 143، خلاصة تذهيب الكمال: 239، شذرات الذهب 2 / 107.

(9/516)


عَمَّارٍ، وَأَبِي خَلْدَةَ خَالِدِ بنِ دِيْنَارٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ العَبْدِيِّ، وَرَبِيْعَةَ بنِ كُلْثُوْمٍ، وَأَبَانِ بنِ يَزِيْدَ، وَشُعْبَةَ، وَهَمَّامٍ، وَحَرْبِ بنِ شَدَّادٍ، وَحَرْبِ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَحَرْبِ بنِ أَبِي العَالِيَةِ، وَخَلْقٍ مِنَ البَصْرِيِّيْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَحْمَدُ، وَبُنْدَارُ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ الوَارِثِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ.
أَمَّا:

199 - عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ حَسَّانٍ المَرْوَزِيُّ *
فَهُوَ: أَبُو يَحْيَى المَرْوَزِيُّ، قَاضِي هَرَاةَ.
حَدَّثَ عَنْ: زَائِدَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَالكُوْفِيِّيْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الذُّهْلِيّ أَيْضاً، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ السُّلَمِيُّ.
مَاتَ: سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ، وَلاَ شَيْءَ لَهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.
__________
(*) التاريخ الكبير 6 / 105، ميزان الاعتدال 2 / 260، لسان الميزان 4 / 20.

(9/517)


وَ

200 - عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ النُّعْمَانِ *
شَيْخٌ، بَغْدَادِيٌّ، بَزَّازٌ.
رَوَى عَنْ: عِيْسَى بنِ طَهْمَانَ، وَشُعْبَةَ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَتَمْتَامٌ، وَأَحْمَدُ بنُ مُلاَعِبٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ 216.

201 - قُرَادٌ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَزْوَانَ الخُزَاعِيُّ ** (خَ، د، س، ت)
الحَافِظُ، الإِمَامُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو نُوْحٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَزْوَانَ الخُزَاعِيُّ - وَيُقَالُ: الضَّبِّيُّ - مَوْلاَهُمْ، المُلَقَّبُ: بِقُرَادٍ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ، كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ، وَلَهُ مَا يُنْكَرُ.
حَدَّثَ عَنْ: عَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَشُعْبَةَ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يَعْقُوْبَ السَّعْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
__________
(*) تاريخ ابن معين: 364، الجرح والتعديل 6 / 51، ميزان الاعتدال 2 / 621، شذرات الذهب 2 / 36.
(* *) العلل لأحمد: 257، تاريخ ابن معين: 355، طبقات ابن سعد 7 / 335، الجرح والتعديل 5 / 274، كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 305 - 306، تاريخ بغداد 10 / 252، تهذيب الكمال: لوحة 811، تذهيب التهذيب 2 / 224 / 2 العبر 1 / 352، ميزان الاعتدال 2 / 581، تذكرة الحفاظ 1 / 339، الكاشف 2 / 180، تهذيب التهذيب 6 / 247، النجوم الزاهرة 2 / 185، طبقات الحفاظ: 142، خلاصة تذهيب الكمال:
233، شذرات الذهب 2 / 17.

(9/518)


أَبِي مَسَرَّةَ المَكِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ العَوْفِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنَ القُدَمَاءِ: أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرُ.
قَالَ مُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى: مَا كَتَبتُ عَنْ شَيْخٍ أَحَرَّ رَأْساً مِنْ أَبِي نُوْحٍ، إِنَّمَا كَانَ يَهْدِرُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ (1) .
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ نُمَيْرٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (2) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ عَاقِلاً مِنَ الرِّجَالِ (3) .
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ (4) : كَانَ يُخْطِئُ، يَتَخَالَجُ فِي القَلْبِ مِنْهُ؛ لِرِوَايَتِهِ عَنِ اللَّيْثِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قِصَّةَ المَمَالِيْكِ وَضَرْبِهِم.
قُلْتُ: لَهُ حَدِيْثٌ لاَ يُحتَمَلُ فِي قِصَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَحِيْرَا بِالشَّامِ (5) .
مَاتَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ.
احْتَجَّ بِهِ: البُخَارِيُّ.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 10 / 253.
(2) " تاريخ بغداد " 10 / 253.
(3) " تاريخ بغداد " 10 / 253.
(4) في كتاب " الثقات " كما صرح بذلك المزي في " تهذيب الكمال ": لوحة 811.
(5) رواه الترمذي في " جامعه " (3624) في المناقب: باب ما جاء في بدء نبوة النبي صلى الله عليه وسلم من طريق قراد عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، وقال: هذا حديث حسن غريب.
وأورده المؤلف بطوله في السيرة النبوية من " تاريخ الإسلام " 26، 28، وانتقده من جهة متنه، وقال: هو حديث منكر جدا، وانظر " البداية " 2 / 285 لابن كثير، و" تاريخ بغداد " 10 / 252، 253.

(9/519)


202 - حُسَيْنُ بنُ الوَلِيْدِ أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ * (س)
الإِمَامُ، الحُجَّةُ، شَيْخُ خُرَاسَانَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُمْ، النَّيْسَابُوْرِيُّ.
وُلِدَ: بَعْدَ عَامِ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ - أَوْ قَبْلَهُ -.
سَمِعَ: ابْنَ جُرَيْجٍ، وَعِكْرِمَةَ بنَ عَمَّارٍ، وَعِيْسَى بنَ طَهْمَانَ، وَشُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَسَعِيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ الغَسِيْلِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ طَهْمَانَ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ أَبِي رَوَّادٍ، وَمَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَمَالِكَ بنَ مِغْوَلٍ، وَطَبَقَتَهُم بِالحِجَازِ، وَالعِرَاقِ، وَخُرَاسَانَ، وَالشَّامِ.
وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَأَنْفَقَ أَمْوَالاً عَلَى أَهْلِ الحَدِيْثِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ، وَحُمَيْدُ بنُ زَنْجَوَيْه، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَأَبُو أَحْمَدَ الفَرَّاءُ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَالذُّهْلِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
ذَكَرَهُ الحَاكِمُ، فَقَالَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الفَقِيْهُ، المَأْمُوْنُ، شَيْخُ بَلَدِنَا فِي عَصرِهِ، كَانَ مِنْ أَسخَى النَّاسِ، وَأَورَعِهِم، وَأَقرَئِهِم لِلْقُرْآنِ.
قَرَأَ عَلَى: الكِسَائِيِّ، وَعِيْسَى بنِ طَهْمَانَ.
وَكَانَ يَغْزُو فِي كُلِّ ثَلاَثِ سِنِيْنَ مَرَّةً، وَيَحُجُّ فِي كُلِّ خَمْسِ سِنِيْنَ مَرَّةً (1).
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 377، طبقات خليفة: ت 3155، التاريخ الكبير 2 / 391، التاريخ الصغير 2 / 300، الجرح والتعديل 3 / 66، تاريخ بغداد 8 / 143، تهذيب الكمال: لوحة 300، تذهيب التهذيب 1 / 160 / 1، العبر 1 / 339، الكاشف 1 / 235، تهذيب التهذيب 2 / 372، خلاصة تذهيب الكمال: 85، شذرات الذهب 2 / 6.
(1) أن يحج الإنسان في كل خمس سنين مرة إن تيسر له ذلك من السنة، لما رواه ابن حبان في " صحيحه " (960) من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال =

(9/520)


قَالَ عِيْسَى بنُ أَحْمَدَ البَلْخِيُّ: حَدَّثَنِي الحُسَيْنُ بنُ الوَلِيْدِ، الَّذِي يُلَقَّبُ: بِكُمَيْلٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ ثِقَةً...، وَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْراً (1) .
وَقِيْلَ: كَانَ يُطْعِمُ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ الفَالُوْذَجَ، وَيَصِلُهُم، كَانَ مُحْتَشِماً، مُتَمَوِّلاً، جَوَاداً، فَقِيْهاً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ (2) .
وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ (3) .
قُلْتُ: رَوَى لَهُ النَّسَائِيُّ، وَأَخْرَجَ لَهُ البُخَارِيُّ تَعْلِيقاً (4) .
203 - صَاحِبُ الأَنْدَلُسِ الأَمِيْر

ُ أَبُو العَاصِ الحَكَمُ بنُ هِشَامٍ الأُمَوِيُّ
ابْنِ الدَّاخِلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن مُعَاوِيَةَ ابْنِ الخَلِيْفَةِ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ.
__________
= الله: إن عبدا صححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم ".
(1) " تاريخ بغداد " 8 / 144.
(2) " تاريخ بغداد " 8 / 145.
(3) " التاريخ الصغير " 2 / 300.
(4) الحديث المعلق هو أن يسقط المحدث من أول إسناده راويا فأكثر، ويعزو
الحديث إلى من فوق المحذوف، وربما أسقط الإسناد كله وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم، وما علقه البخاري بصيغة الجزم يحكم في الغالب بصحته، لأنه لا يجزم بذلك إلا وقد صح عنه، وما علقه بصيغة التمريض كيذكر ويروي فهو ضعيف غالبا.
(*) أورد المؤلف ترجمته في الجزء الثامن من هذا الكتاب ص 225، وليس هو من تلك الطبقة، ولكنه ذكره هناك مع ما ذكر من أمراء الأندلس، وقد نبهنا على ذلك في المقدمة، وانظر مصادر ترجمته هناك.

(9/521)


تَمَلَّكَ بَعْدَ أَبِيْهِ، وَامْتَدَّتْ أَيَّامُه، وَيُلَقَّبُ: بِالمُرْتَضَى، لَكِنْ لَمْ يَتَّسَمَّ بِإِمْرَةِ المُؤْمِنِيْنَ.
وَكَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، عَاتِياً، جَبَّاراً، دَاهِيَةً، سَائِساً.
عَاشَ: خَمْسِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ دَوْلَتُهُ: سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ (1) : كَانَ مُجَاهِراً بِالمَعَاصِي، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، يَأْخُذُ أَوْلاَدَ النَّاسِ المِلاَحَ، فَيَخْصِيْهِم، ثُمَّ يُمْسِكُهُم لِنَفْسِهِ، وَلَهُ أَشْعَارٌ.
قُلْتُ: هُوَ الَّذِي أَوْقَعَ بِأَهْلِ الرَّبَضِ، وَهُوَ مَحَلَّةٌ مُتَّصِلَةٌ بِقَصْرِهِ، فَهَدَمَهَا، وَهَدَمَ مَسَاجِدَهَا، وَفَعَلَ بِأَهْلِ طُلَيْطِلَةَ (2) أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ، وَتَظَاهَرَ بِالفِسْقِ وَالخُمُوْرِ، فَقَامَتِ الفُقَهَاءُ وَالكُبَرَاءُ، فَخَلَعُوْهُ فِي سَنَةِ (189)، ثُمَّ إِنَّهُم أَعَادُوْهُ لَمَّا تَنَصَّلَ وَتَابَ، ثُمَّ تَمَكَّنَ، فَقَتَلَ طَائِفَةً نَحْوَ السَّبْعِيْنَ مِنَ الأَعْيَانِ، وَصَلَبَهُم، وَكَانَ مَنْظَراً فَظِيعاً، فَلَعَنَهُ النَّاسُ، وَأَضمَرُوا الشَّرَّ، وَأَسْمَعُوْهُ المُرَّ، فَتَحَصَّنَ وَاسْتَعَدَّ، وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْرٌ يَطُولُ شَرحُهَا (3) ، إِلَى أَنْ هَلَكَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ، وَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ أَبُو المُطَرِّفِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (4).

204 - يَحْيَى بنُ آدَمَ بنِ سُلَيْمَانَ الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمْ * (ع)
العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، أَبُو زَكَرِيَّا الأُمَوِيُّ
__________
(1) في كتابه " نقط العروس " كما نقل عنه في " المغرب " 1 / 44.
(2) مدينة كبيرة في أواسط الأندلس بالقرب من " مدريد " الآن، فتحها طارق بن زياد سنة 714 ه.
(3) ذكرها المؤلف بطولها في الجزء الثامن من هذا الكتاب ص 227، وانظر " الكامل " لابن الأثير 6 / 337، و" نفح الطيب " 1 / 339 - 343.
(4) أورد المؤلف ترجمته في الجزء الثامن من هذا الكتاب ص 231.
(*) تاريخ ابن معين: 639، طبقات ابن سعد 6 / 402، تاريخ خليفة: 471، =

(9/522)


مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، مِنْ مَوَالِي خَالِدِ بنِ عُقْبَةَ بنِ أَبِي مُعَيْطٍ.
وُلِدَ: بَعْدَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَمْ يُدْرِكْ وَالِدَه، كَأَنَّهُ تُوُفِّيَ وَهَذَا حَمْلٌ.
رَوَى عَنْ: عِيْسَى بنِ طَهْمَانَ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَفِطْرِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَمِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَحَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَالحَسَنِ بنِ حَيٍّ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَعَمَّارِ بنِ رُزَيْقٍ، وَمُفَضَّلِ بنِ مُهَلْهَلٍ، وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ، وَشَرِيْكٍ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَقُطْبَةَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَالحَسَنِ بنِ عَيَّاشٍ، وَأَخِيْهِ؛ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَجَوَّدَ عَنْهُ حُرُوْفَ عَاصِمٍ، وَلَمْ يَلْقَ شُعْبَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَيَحْيَى، وَعَلِيٌّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الخَلاَّلُ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَمُوْسَى بنُ حِزَامٍ التِّرْمِذِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَعَبْدَةُ الصَّفَّارُ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ العَامِرِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ.
__________
= طبقات خليفة: ت 1331، التاريخ الكبير 8 / 261، التاريخ الصغير 2 / 298، الجرح والتعديل 9 / 128، الفهرست لابن النديم: 283، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 150، تهذيب الكمال: لوحة 1484، تذهيب التهذيب 4 / 146 / 2، العبر 1 / 343، تذكرة الحفاظ 1 / 359، الكاشف 3 / 248، دول الإسلام 1 / 127، طبقات القراء 2 / 363، تهذيب التهذيب 11 / 175، طبقات الحفاظ: 152، خلاصة تذهيب الكمال: 420، شذرات الذهب 2 / 8.

(9/523)


قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سُئِلَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ هِشَامٍ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ، فَقَالَ: يَحْيَى وَاحِدُ النَّاسِ (1) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، كَانَ يَتَفَقَّهُ (2) .
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ، فَقِيْهُ البَدَنِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سِنٌّ مُتَقَدِّمٌ، سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ:
يَرْحَمُ اللهُ يَحْيَى بنَ آدَمَ، أَيُّ عِلْمٍ كَانَ عِنْدَهُ! وَجَعَلَ عَلِيٌّ يُطرِيْهِ.
وَسَمِعْتُ عُبَيْدَ بنَ يَعِيْشَ، سَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ آدَمَ قَطُّ إِلاَّ ذَكَرتُ الشَّعْبِيَّ - يُرِيْدُ: أَنَّهُ كَانَ جَامِعاً لِلْعِلْمِ (3) -.
وَلَهُ حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ، رَوَاهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَالحُلْوَانِيُّ، وَالفَضْلُ بنُ سَهْلٍ، وَالمُخَرِّمِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا حُدِّثْتُم عَنِّي حَدِيْثاً تَعْرِفُوْنَهُ وَلاَ تُنْكِرُوْنَهُ، فَصَدِّقُوا بِهِ، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ، فَإِنِّي أَقُوْلُ مَا يُعْرَفُ وَلاَ يُنْكَرُ، وَإِذَا حُدِّثْتُم عَنِّي حَدِيْثاً تُنْكِرُوْنَهُ وَلاَ تَعْرِفُوْنَهُ، فَكَذِّبُوا بِهِ، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ، فَإِنِّي لاَ أَقُوْلُ مَا يُنْكَرُ، وَأَقُوْلُ مَا يُعْرَفُ).
أَخْرَجَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: فِي صِحَّةِ هَذَا الحَدِيْثِ مَقَالٌ، لَمْ نَرَ فِي شَرْقِ الأَرْضِ وَلاَ غَرْبِهَا أَحَداً يَعْرِفُ هَذَا مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ يَحْيَى، وَلاَ رَأَيْتُ مُحَدِّثاً يُثْبِتُ هَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (4).
__________
(1) " تهذيب الكمال " لوحة 1484.
(2) " الجرح والتعديل " 9 / 128.
(3) " تهذيب الكمال ": لوحة 1484.
(4) نقله السيوطي في " مفتاح الجنة " ص 16، ثم نقل عن البيهقي في " المدخل، =

(9/524)


وَقَالَ البَيْهَقِيُّ: وَجَاءَ عَنْ يَحْيَى مُرْسَلاً لِسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ.
قُلْتُ: وَصْلُهُ قَوِيٌّ، وَالثِّقَةُ قَدْ يَغْلَطُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ غَيْلاَنَ: سَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ يَقُوْلُ:
كَانَ عُمَرُ فِي زَمَانِهِ رَأْسَ النَّاسِ، وَهُوَ جَامِعٌ، وَكَانَ بَعْدَهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ فِي زَمَانِهِ، وَبَعدَهُ: الشَّعْبِيُّ فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ بَعْدَهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَكَانَ بَعْدَ الثَّوْرِيِّ: يَحْيَى بنُ آدَمَ (1) .
قُلْتُ: قَدْ كَانَ يَحْيَى بنُ آدَمَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ كَمَا قَالَ فِي زَمَانِهِ.
ثُمَّ كَانَ: عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَمُعَاذٌ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ.
ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُم فِي زَمَانِهِ: زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَعَائِشَةُ، وَأَبُو مُوْسَى، وَأَبُو هُرَيْرَةَ.
ثُمَّ كَانَ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ.
ثُمَّ: عَلْقَمَةُ، وَمَسْرُوْقٌ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ، وَابْنُ المُسَيِّبِ.
ثُمَّ: عُرْوَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَطَاوُوْسٌ، وَعِدَّةٌ.
ثُمَّ: الزُّهْرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَقَتَادَةُ، وَأَيُّوْبُ.
ثُمَّ: الأَعْمَشُ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ.
ثُمَّ: الأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَعْمَرٌ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ، وَشُعْبَةُ.
ثُمَّ: مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ.
ثُمَّ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ وَهْبٍ.
__________
= قوله: وهو مختلف على يحيى بن آدم في إسناده ومتنه اختلافا كثيرا يوجب الاضطراب، منهم من يذكر أبا هريرة، ومنهم من لا يذكره ويرسل الحديث، ومنهم من يقول في متنه: " إذا رويتم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله " وقال البخاري في " تاريخه ": ذكر أبي هريرة فيه وهم.
وذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " 1 / 258، ومحاولة السيوطي تعقبه خطأ ظاهر، وتساهل غير مرضي، فإن الحديث ظاهر البطلان لكل من مارس هذه الصناعة وخبر الأسانيد.
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 1484.

(9/525)


ثُمَّ: يَحْيَى بنُ آدَمَ، وَعَفَّانُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَطَائِفَةٌ.
ثُمَّ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ مَعِيْنٍ.
ثُمَّ: أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ، وَالاجْتِهَادِ.
قَالَ دَعْلَجٌ السِّجْزِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ البَرَاءُ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
نَظَرْتُ، فَإِذَا الإِسْنَادُ يَدُورُ عَلَى سِتَّةٍ -يَعْنِي: الأَسَانِيْدَ الصِّحَاحَ-.
قَالَ: فَلأَهْلِ المَدِيْنَةِ: ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ.
وَلأَهْلِ مَكَّةَ: عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ.
وَلأَهْلِ البَصْرَةِ: قَتَادَةُ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ.
وَلأَهْلِ الكُوْفَةِ: أَبُو إِسْحَاقَ، وَالأَعْمَشُ.
ثُمَّ صَارَ عِلْمُ هَؤُلاَءِ السِّتَّةِ إِلَى أَصْحَابِ الأَصْنَافِ، مِمَّنْ صَنَّفَ:
فَمِنَ المَدِيْنَةِ: مَالِكٌ، وَابْنُ إِسْحَاقَ.
وَمِنْ مَكَّةَ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ.
وَمِنَ البَصْرَةِ: ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَشُعْبَةُ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَمَعْمَرٌ، وَقَدْ سَمِعَ مَعْمَرٌ مِنَ السِّتَّةِ.
وَمِنَ الكُوْفَةِ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ.
وَمِنَ الشَّامِ: الأَوْزَاعِيُّ.
وَمِنْ وَاسِطَ: هُشَيْمٌ.
قُلْتُ: أَغفَلَ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَاللَّيْثَ، وَمَا هُمَا بِدُوْنِهِم.
قَالَ: ثُمَّ انْتَهَى عِلْمُ هَؤُلاَءِ إِلَى: يَحْيَى بن سَعِيْدٍ القَطَّانِ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ.
قُلْتُ: نَسِيَ ابْنَ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعاً، وَابْنَ وَهْبٍ، وَهُم مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ.
وَقَدْ وَقَعَ لَنَا بِعُلُوٍّ كِتَابُ (الخَرَاجِ (1)) لِيَحْيَى بنِ آدَمَ.
__________
(1) وقد نشره لأول مرة المستشرق الدكتور " ث وجوينبول " سنة 1314 ه بمطبعة بريل في مدينة ليدن عن أصل خطي يرجع تاريخه إلى أواخر القرن الخامس الهجري كما هو مبين في السماع المثبت عليه، ثم أعاد تحقيقه وشرحه العلامة أحمد محمد شاكر في سنة 1347 ه وعنيت بنشره المطبعة السلفية بمصر.

(9/526)


وَاتَّفَقَ مَوْتُهُ غَرِيْباً، بِبَلَدِ فَمِ الصِّلْحِ (1) ، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ، فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، فِي النِّصْفِ مِنْهُ.
قَيَّدَهُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ (2) ، وَذَكَرَ العَامَ: البُخَارِيُّ (3) ، وَأَبُو حَاتِمٍ (4) .
أَخَذَ عَنْهُ قِرَاءةَ عَاصِمٍ: شُعَيْبُ بنُ أَيُّوْبَ الصَّرِيْفِيْنِيُّ، وَأَبُو حَمْدُوْنَ الطَّيِّبُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ، وَآخَرُوْنَ (5) .
قَالَ أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ آدَمَ، قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ عَنْ حُرُوْفِ عَاصِمٍ الَّتِي فِي هَذِهِ الكُرَّاسَةِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، فَحَدَّثَنِي بِهَا كُلِّهَا، وَقَرَأَهَا عَلَيَّ حَرفاً حَرفاً (6) .
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو المَعَالِي بنُ المُؤَيَّدِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ العَامِرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، قَالَ:
بَعَثَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى اليَمَنِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِمَّا سَقَتِ السَّمَاءُ وَمِمَّا سُقِيَ بَعْلاً العُشْرَ، وَمَا سُقِيَ بِالدَّوَالِي نِصْفَ العُشْرِ (7).
__________
(1) مر التعريف بها في الصفحة 492 من هذا الجزءت (3).
(2) في " الطبقات الكبرى " 6 / 402.
(3) في " التاريخ الكبير " 8 / 262.
(4) في " الجرح والتعديل " 9 / 128.
(5) " غاية النهاية في طبقات القراء " 2 / 363.
(6) " غاية النهاية في طبقات القراء " 2 / 363.
(7) سنده حسن، وهو في كتاب " الخراج " ص 115، وأخرجه ابن ماجة (1818) في الزكاة: باب صدقة الزروع والثمار، من طريق الحسن بن علي بن عفان، عن يحيى بن آدم بهذا الإسناد، وأخرجه النسائي 5 / 42 في الزكاة: باب ما يوجب العشر وما يوجب نصف =

(9/527)


هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحٌ، جَيِّدُ الإِسْنَادِ، لَكِنْ فِيْهِ إِرسَالٌ بَيْنَ مَسْرُوْقٍ، وَمُعَاذٍ.
أَخْرَجَهُ: ابْنُ مَاجَه، عَنِ (1) الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ كِتَابَةً، عَنْ خَلِيْلِ بنِ بَدْرٍ، وَعَلِيِّ بنِ فَادشَاه، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالُوا:
أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيْلَ، عَنِ الأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدُبِ بنِ سُفْيَانَ، قَالَ:
لَمَّا انْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الغَارِ، قَالَ: لاَ تَدْخُلْ يَا رَسُوْلَ اللهِ حَتَّى أَسْتَبْرِئَهُ.
فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الغَارَ، فَأَصَابَ يَدَهُ شَيْءٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ أُصْبُعِهِ، وَيَقُوْلُ:
هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصْبَعٌ دَمِيْتِ ... وَفِي سَبِيْلِ اللهِ مَا لَقِيْتِ (2)
__________
= العشر، من طريق هناد بن السري، عن أبي بكر بن عياش به، وأخرجه الدارمي 1 / 393 من طريق عاصم بن يوسف، عن أبي بكر بن عياش به، وأخرجه أحمد 5 / 233 من طريق سليمان بن داود الهاشمي، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن أبي وائل، عن معاذ، فأسقط مسروقا.
وفي الباب عن ابن عمر عند البخاري 3 / 274، 276، وأبي داود (1596)، والنسائي 5 / 41، وابن ماجة (1817)، وعن جابر عند مسلم (981)، والنسائي 5 / 41، 42، وعن أبي هريرة عند الترمذي (639)، وابن ماجة (1816).
والدوالي: جمع دالية: شيء يتخذ من خوص وخشب يستقى به بحبال تشد في رأس جذع طويل.
(1) في الأصل: ابن ماجة والحسن...والصواب ما أثبتناه.
(2) عبد الله بن جعفر: هو ابن أحمد بن فارس المتوفى سنة 346 ه، مترجم في " تاريخ أصبهان " لأبي نعيم 2 / 80، ووصفه الذهبي في " العبر " 2 / 272، بمحدث أصبهان الرجل الصالح، ومحمد بن عاصم هو الثقفي الأصبهاني العابد المتوفى سنة 262 ه، قال إبراهيم أورمة: ما رأى مثل نفسه، ولا رأيت مثله، مترجم في " التهذيب " 9 / 240، 241، و" تاريخ أصبهان " 2 / 189، وباقي رجال السند ثقات، وجندب بن سفيان: هو جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي.
وقد نسبه الزرقاني في " شرح المواهب " 1 / 336 إلى ابن مردويه.

(9/528)


وَبِهِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ آدَمَ يَقُوْلُ: المِيْلُ: ثَلاَثَةُ آلاَفٍ وَسِتُّ مائَةِ ذِرَاعٍ، إِلَى أَرْبَعَةِ آلاَفٍ.
وَالفَرْسَخُ: ثَلاَثَةُ أَمْيَالٍ.
وَالبَرِيْدُ: اثْنَا عَشَرَ مِيْلاً.
قَالَ هِشَامُ بنُ مَنْصُوْرٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
قَالَ لِي يَحْيَى بنُ آدَمَ: يَجِيْئُنِي الرَّجُلُ مِمَّنْ أُبْغِضُهُ وَأَكرَهُ مَجِيْئَهُ، فَأَقرَأُ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ مَعَهُ لأَسْتَرِيْحَ مِنْهُ وَلاَ أَرَاهُ، وَيَجَيءُ الرَّجُلُ أَوَدُّه، فَأُرَدِّدُهُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيَّ.

205 - أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ * (ع)
ابْنِ الزُّبَيْرِ بنِ عُمَرَ بنِ دِرْهَمٍ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، المُجَوِّدُ، أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، الكُوْفِيُّ، مَوْلَى بَنِي أَسَدٍ.
حَدَّثَ عَنْ: مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَفِطْرِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَعِيْسَى بنِ طَهْمَانَ - صَاحِبِ أَنَسٍ - وَعُمَرَ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَمِسْعَرٍ، وَسَعْدِ بنِ أَوْسٍ العَبْسِيِّ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَرَبَاحِ بنِ أَبِي مَعْرُوْفٍ، وَحَمْزَةَ بنِ حَبِيْبٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جُمَيْعٍ، وَسُفْيَانَ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ حَسَّانٍ المَخْزُوْمِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ طَاهِرٌ، وَأَحْمَدُ، وَالقَوَارِيْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي
__________
(*) تاريخ ابن معين: 523، طبقات ابن سعد 6 / 402، طبقات خليفة: ت 1334. التاريخ الكبير 1 / 133، التاريخ الصغير 2 / 298، المعارف: 517، الجرح والتعديل 7 / 297، تهذيب الكمال: لوحة 1218، تذهيب التهذيب 3 / 217 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 595 - 596، العبر 1 / 341، تذكرة الحفاظ 1 / 357، الكاشف 3 / 60، الوافي بالوفيات 3 / 303، شرح العلل لابن رجب 2 / 539، تهذيب التهذيب 9 / 254، طبقات الحفاظ: 152، خلاصة تذهيب الكمال: 344.

(9/529)


شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَابْنُ مُثَنَّى، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، وَبُنْدَارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ: قَالَ لِي أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ:
أَنَا لاَ أُبَالِي أَنْ يُسْرَقَ لِي كِتَابُ سُفْيَانَ، إِنِّيْ أَحْفَظُه كُلَّهُ.
ابْنُ عُقْدَةَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ قُتَيْبَةَ، سَمِعْتُ ابْنَ نُمَيْرٍ يَقُوْلُ:
أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ صَدُوْقٌ، مَا عَلِمتُ إِلاَّ خَيْراً، مَشْهُوْرٌ بِالطَّلَبِ، ثِقَةٌ، صَحِيْحُ الكِتَابِ، كَانَ صَدِيْقَ أَبِي نُعَيْمٍ، وَسَمَاعُهُمَا قَرِيْبٌ، وَأَبُو نُعَيْمٍ أَسَنُّ مِنْهُ، وَأَقدَمُ سَمَاعاً (1) .
وَرَوَى: حَنْبَلٌ، عَنْ أَحْمَدَ: كَانَ كَثِيْرَ الخَطَأِ فِي حَدِيْثِ سُفْيَانَ (2) .
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: كُوْفِيٌّ، ثِقَةٌ، يَتَشَيَّعُ (3) .
وَقَالَ بُنْدَارُ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً قَطُّ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ (4) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَافِظٌ لِلْحَدِيْثِ، عَابِدٌ، مُجْتَهِدٌ، لَهُ أَوهَامٌ (5) .
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَغَيْرُهُ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
__________
(1) تهذيب الكمال ": لوحة 1218.
(2) " تهذيب الكمال ": لوحة 1218.
(3) " تهذيب الكمال ": لوحة 1218.
(4) " تهذيب الكمال ": لوحة 1218.
(5) " الجرح والتعديل " 7 / 297.

(9/530)


وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ، قَالَ:
كَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ يَصُوْمُ الدَّهْرَ، فَكَانَ إِذَا تَسَحَّرَ بِرَغِيْفٍ، لَمْ يُصَدَّعْ، فَإِذَا تَسَحَّرَ بِنِصْفِ رَغِيْفٍ، صُدِعَ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى آخِرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَسَحَّرْ، صُدِعَ يَوْمَهُ أَجْمَعَ (1) .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ أَبُو أَحْمَدَ حَبَّالاً، يَبِيْعُ الحِبَالَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُطَيَّنٌ: مَاتَ بِالأَهْوَازِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ.
زَادَ مُطَيَّنٌ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ مَرَّتَيْنِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ القَوَارِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَمَّنْ سَمِعَ عَمْرَو بنَ حُرَيْثٍ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي نَعْلَيْنِ مَخْصُوْفَيْنِ.
هَذَا حَدِيْثٌ مِنَ الأَفرَادِ، يَرْوِيْهِ النَّسَائِيُّ فِي (سُنَنِهِ)، عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً بِعُلُوِّ دَرَجَتَيْنِ.
قَرَأْتُ عَلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَكَ سَالِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ شَاتِيْلَ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ الرَّبَعِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ
__________
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 1219.

(9/531)


اللهِ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وَلِيّاً، وَإِنَّ وَلِيِّيَ إِبْرَاهِيْمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-).
غَرِيْبٌ جِدّاً.
أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ (1) ، عَنْ شَيْخٍ لَهُ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ.
وَلَهُ عِلَّةٌ، فَرَوَاهُ: وَكِيْعٌ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، بِإِسقَاطِ مَسْرُوْقٍ مِنْهُ.

206 - أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُثَنَّى الأَنْصَارِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، قَاضِي البَصْرَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُثَنَّى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، ثُمَّ النَّجَّارِيُّ، البَصْرِيُّ.
سَمِعَهُ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى العَنَزِيُّ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
__________
(1) رجاله ثقات، أخرجه الترمذي (2995) والبزار والطبري (7216) من طريق أبي أحمد الزبيري، عن سفيان الثوري، عن أبيه به.
قال البزار: ورواه غير أبي أحمد الزبيري عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى، عن عبد الله، ولم يذكر مسروقا، وكذا رواه الترمذي من طريق وكيع عن سفيان، ثم قال: وهذا أصح، وتعقبه ابن كثير 1 / 372، فقال: لكن رواه وكيع في " تفسيره " فقال: حدثنا سفيان، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..فذكره.
قلت: ولم ينفرد أبو أحمد الزبيري بوصله، بل تابعه على ذلك محمد بن عبيد الطناقسي عند الحاكم 2 / 292 وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وأبو الاحوص سلام بن سليم عند سعيد بن منصور فيما ذكره ابن كثير 1 / 372، وكلاهما ثقة.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 294، التاريخ الصغير 2 / 331، المعارف: 384 و520، أخبار القضاة 2 / 154، 155، 157، 160، الضعفاء للعقيلي: لوحة 384، الجرح والتعديل 7 / 305، مشاهير علماء الأمصار: ت 1287، تاريخ بغداد 5 / 408 - 412، تهذيب الكمال: لوحة 1224، تذهيب لتهذيب 3 / 221 / 1، العبر 1 / 367، تذكرة الحفاظ 1 / 371، الكاشف 3 / 64، دول الإسلام 1 / 131، الوافي بالوفيات 3 / 303، تهذيب التهذيب 9 / 274، طبقات الحفاظ: 156، خلاصة تذهيب الكمال: 346، شذرات الذهب 2 / 35.

(9/532)


وَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ شَابٌّ.
فَحَدَّثَ عَنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَسَعِيْدٍ الجُرَيْرِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الحُمْرَانِيِّ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحُدَّانِيِّ، وَحَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ، وَأَبِيْهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ المُثَنَّى، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ المَكِّيِّ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَأَبِي خَلْدَةَ خَالِدِ بنِ دِيْنَارٍ، وَحَجَّاجِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ الصَّوَّافِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ الأَخْنَسِ، وَعُيَيْنَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جَوْشَنٍ، وَشُعْبَةَ، وَهَمَّامٍ، وَالمَسْعُوْدِيِّ، وَخَلْقٍ.
وَيَنْزِلُ إِلَى: زُفَرَ الفَقِيْهِ، وَسَعْدِ بنِ الصَّلْتِ القَاضِي.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَبُنْدَارُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَالزَّعْفَرَانِيُّ، وَالفَلاَّسُ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَقُتَيْبَةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَأَبُو قِلاَبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الخَنَاجِرِ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ الأَنْصَارِيُّ الصَّغِيْرُ، وَأَبُو عُمَيْرٍ عَبْدُ الكَبِيْرِ - وَلَدُهُ - وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقَ القَاضِي، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمَّوَيْه، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي قُرَيْشٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، خَاتِمَتُهُم: أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ.
رَوَى: الأَحْوَصُ بنُ المُفَضَّلِ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) .
وَقَالَ أَيْضاً: لَمْ أَرَ مِنَ الأَئِمَّةِ إِلاَّ
__________
(1) " الجرح والتعديل " 7 / 305.

(9/533)


ثَلاَثَةً: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ دَاوُدَ الهَاشِمِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَأَمَّا أَبُو دَاوُدَ، فَقَالَ: تَغَيَّرَ تَغَيُّراً شَدِيْداً.
وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: هُوَ رَجُلٌ جَلِيْلٌ، عَالِمٌ، لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُم مِنْ فُرْسَانِ الحَدِيْثِ مِثْلَ يَحْيَى القَطَّانِ وَنُظَرَائِهِ، غَلَبَ عَلَيْهِ الرَّأْيُ (1) .
وَعَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ يَلِيقُ بِهِ القَضَاءُ.
قِيْلَ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، فَالحَدِيْثُ؟
فَقَالَ:
إِنَّ لِلْحَرْبِ أَقْوَاماً لَهَا خُلِقُوا ... وَلِلدَّوَاوِيْنِ كُتَّابٌ وَحُسَّابُ (2)
وَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ: أَنْكَرَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ حَدِيْثَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ، عَنْ مَيْمُوْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ (3) .
وَقِيْلَ: وَهِمَ فِيْهِ الأَنْصَارِيُّ. رَوَاهُ: سُفْيَانُ بنُ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 5 / 410، 411.
(2) أورده ابن عدي في " الكامل " لوحة 235، وهو في " تاريخ بغداد " 5 / 411.
(3) هو في " سنن الترمذي " رقم (776) في الصوم: باب ما جاء من الرخصة في الحجامة للصائم، من طريق أبي موسى عن محمد بن عبد الله الأنصاري بهذا الإسناد لكن بإسقاط لفظة " محرم " وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وأخرجه فيما قاله العيني في " العمدة " النسائي بإسناد الترمذي بتمامه، وقال: هذا حديث منكر لا أعلم أحدا رواه عن حبيب غير الأنصاري، ولعله أراد أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة، وأخرجه البخاري 4 / 155 في الصوم: باب الحجامة والقئ للصائم، من طريق معلى بن أسد، حدثنا وهيب، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم، وتابعه عبد الوارث عن أيوب موصولا عند البخاري أيضا 10 / 125 في الطب، وأبي داود (2372)، قال الحافظ: ورواه ابن علية ومعمر، عن أيوب، عن عكرمة مرسلا، واختلف على حماد بن زيد في وصله وإرساله، وقد بين ذلك =

(9/534)


حَبِيْبٍ، عَنْ حَبِيْبٍ، عَنْ (1) مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ مَيْمُوْنَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ (2) .
لَكِنْ قَدْ رَوَى الأَنْصَارِيُّ حَدِيْثَ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ هَكَذَا.
وَقَالَ الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
مَا كَانَ يَضَعُ الأَنْصَارِيَّ عِنْدَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ إِلاَّ النَّظَرُ فِي الرَّأْيِ، وَأَمَّا السَّمَاعُ فَقَدْ سَمِعَ...، ثُمَّ ذَكَرَ الحَدِيْثَ المَذْكُوْرَ بِضَعْفِهِ.
وَقَالَ: ذَهَبَتْ لِلأَنْصَارِيِّ كُتُبٌ، فَكَانَ بَعْدُ يُحَدِّثُ مِنْ كُتُبِ غُلاَمِهِ أَبِي حَكِيْمٍ (3) .
__________
= النسائي، وقال مهنا: سألت أحمد عن هذا الحديث فقال: ليس فيه " صائم "، إنما هو " وهو محرم " ثم ساقه من طرق عن ابن عباس لكن ليس فيها طريق أيوب هذه، والحديث صحيح لامرية فيه وأخرجه أبو داود (2373)، وابن ماجة (2682) من طريقين عن يزيد ابن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس.
وراجع ما علقناه على " زاد المعاد " 2 / 60 لمعرفة النصوص المنبئة عن نسخ الفطر بالحجامة.
(1) في الأصل " بن " وهو خطأ.
(2) " تاريخ بغداد 5 / 409، 410، وفيه: وقال أبو خيثمة: أنكر معاذ ويحيى بن سعيد حديث الأنصاري والثابت عن يزيد بن الأصم، وهو ابن خالة ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال، أخرجه أحمد 6 / 335، وأبو داود (1843) من طريقين عن حماد ابن سلمة، عن حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مهران، عن يزيد بن الأصم ابن أخت ميمونة، عن ميمونة قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف.
وأخرجه الترمذي (845)، وابن ماجة (1964)، وأحمد 6 / 333، والطحاوي 2 / 270 عن جرير بن حازم، عن أبي فزارة، عن يزيد بن الأصم، عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال، وبنى بها حلالا، وماتت بسرف، ودفناها في الظلة التي بنى بها فيها.
والثابت عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم، أخرجه البخاري 4 / 45 في الحج: باب تزويج المحرم، وفي النكاح: باب نكاح المحرم ومسلم (1410)، وفي الباب عن عائشة عند الطحاوي في " شرح معاني الآثار " 1 / 442، وصححه ابن حبان (1271)، وعن أبي هريرة عند الطحاوي.
(3) وثمت نقول عن أحمد أوردها ابن القيم في " زاد المعاد " 2 / 62، 63 فراجعها فيه.

(9/535)


وَقَالَ الفَسَوِيُّ (1) : سُئِلَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ عَنِ الحَدِيْثِ المَذْكُوْرِ، فَقَالَ:
لَيْسَ مِنْ ذَا شَيْءٌ، إِنَّمَا أَرَادَ حَدِيْثَ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ.
الرَّامَهُرْمُزِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبَانٍ الخَيَّاطُ مِنْ أَهْلِ رَامَهُرْمُزَ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ نَصْرٍ المُخَرِّمِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ المِنْقَرِيُّ، قَالَ:
وَجَّهَ المَأْمُوْنُ إِلَى الأَنْصَارِيِّ خَمْسِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ يَقسِمُهَا بَيْنَ الفُقَهَاءِ بِالبَصْرَةِ، فَكَانَ هِلاَلُ بنُ مُسْلِمٍ يَتَكَلَّمُ عَنْ أَصْحَابِهِ.
قَالَ الأَنْصَارِيُّ: وَكُنْتُ أَتَكَلَّمُ عَنْ أَصْحَابِي، فَقَالَ هِلاَلٌ: هِيَ لَنَا.
وَقُلْتُ: بَلْ هِيَ لِي وَلأَصْحَابِي.
فَاخْتَلَفْنَا، فَقُلْتُ لِهِلاَلٍ: كَيْفَ تَتَشَهَّدُ؟
فَقَالَ: أَوَ مِثْلِي يُسْأَلُ عَنِ التَّشَهُّدِ؟
فَتَشَهَّدَ عَلَى حَدِيْثِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، فَقَالَ: مَنْ حَدَّثَكَ بِهِ؟ وَمِنْ أَيْنَ ثَبَتَ عِنْدَكَ؟
فَبَقِيَ هِلاَلٌ، وَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: تُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ، وَتُرَدِّدُ هَذَا الكَلاَمَ، وَأَنْتَ لاَ تَدْرِي مَنْ رَوَاهُ عَنْ نَبِيِّكَ؟! بَاعَدَ اللهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الفِقْهِ.
فَقَسَمَهَا الأَنْصَارِيُّ فِي أَصْحَابِهِ (2) .
البَيَانُ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ: فَإِنَّ المِنْقَرِيَّ وَاهٍ.
وَكَانَ الأَنْصَارِيُّ قَدْ أَخَذَ الفِقْهَ عَنْ: عُثْمَانَ البَتِّيِّ، وَسَوَّارِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ الحَسَنِ العَنْبَرِيِّ، وَوَلِيَ قَضَاءَ البَصْرَةِ زَمَنَ الرَّشِيْدِ، بَعْدَ مُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ، وَوَلِي بِهَا القَضَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ.
فَعَنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ (3) : أَنَّ الرَّشِيْدَ قَلَّدَهُ القَضَاءَ بِالجَانِبِ الشَّرقِيِّ بَعْدَ العَوْفِيِّ، فَلَمَّا وَلِيَ الأَمِيْنُ، عَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى المَظَالِمِ، بَعْدَ ابْنِ عُلَيَّةَ.
__________
(1) " المعرفة والتاريخ " 3 / 7 - 8.
(2) " المحدث الفاصل " 210 - 211، و" تاريخ بغداد " 5 / 409.
(3) " المعارف ": 530.

(9/536)


قَالَ ابْنُ مُثَنَّى: سَمِعْتُ الأَنْصَارِيَّ:
كَانَ يَأْتِي عَلَيَّ قَبْلَ اليَوْمِ عَشْرَةُ أَيَّامٍ لاَ أَشرَبُ المَاءَ، وَاليَوْمَ أَشْرَبُ كُلَّ يَوْمَيْنِ، وَمَا أَتَيْتُ سُلْطَاناً قَطُّ إِلاَّ وَأَنَا كَارِهٌ (1) .
وَقِيْلَ: تَفَقَّهَ بِزُفَرَ، وَبأَبِي يُوْسُفَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ الأَنْصَارِيُّ بِالبَصْرَةِ، فِي رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: عَاشَ سَبْعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ أَسنَدَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَلَهُ (جُزْءٌ) مَشْهُوْرٌ مِنَ العَوَالِي، تَفَرَّدَ بِهِ التَّاجُ الكِنْدِيُّ، وَ(جُزْءٌ) آخَرُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ عَنْهُ، سَمِعْنَاهُ مِنْ طَرِيْقِ السِّلَفِيِّ، وَ(جُزْءٌ) رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ المُهَلَّبُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُهَلَّبِ المُهَلَّبِيُّ، وَيَقَعُ حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي (الغَيْلاَنِيَّاتِ (3))، وَمَا فِي شُيُوْخِ البُخَارِيِّ أَحَدٌ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَلاَ أَعْلَى رِوَايَةً، بَلَى، لَهُ عِنْدَ البُخَارِيِّ نُظَرَاءُ، مِنْهُم: عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ -رَحِمَهُمُ الله-.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ كِتَابَةً، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، أَنَّ أَبَا عَاصِمٍ حَدَّثَهُم، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (قُمْتُ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 5 / 411.
(2) في " الطبقات " 7 / 295.
(3) انظر الصفحة (369) من هذا الجزء.

(9/537)


يَدْخُلُهَا المَسَاكِيْنُ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ يَدْخُلُهَا النِّسَاءُ).
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، مِنْ وُجُوْهٍ، عَنِ التَّيْمِيِّ.

207 - يَحْيَى بنُ كَثِيْرِ بنِ دِرْهَمٍ أَبُو غَسَّانَ العَنْبَرِيُّ (ع)
مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، الحَافِظُ.
عَنْ: قُرَّةَ، وَشُعْبَةَ، وَعَلِيِّ بنِ المُبَارَكِ، وَسُلَيْمِ بنِ أَخْضَرَ، وَعُمَرَ بنِ العَلاَءِ المَازِنِيِّ.
وَعَنْهُ: بُنْدَارُ، وَالفَلاَّسُ، وَأَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ (2) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
قُلْتُ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ، أَوْ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ.
أَمَّا:
__________
(1) أخرجه البخاري 11 / 361 في الرقاق: باب صفة الجنة والنار، وفي النكاح: باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه، ومسلم (2736) في الرقاق: باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وهو في " المسند " 5 / 205 و209 و210.
* التاريخ الكبير 8 / 300، التاريخ الصغير 2 / 297، الجرح والتعديل 9 / 183، تهذيب الكمال: لوحة 1514، تذهيب التهذيب 4 / 163 / 2، الكاشف 3 / 266، تهذيب التهذيب 11 / 266، خلاصة تذهيب الكمال: 427.
(2) " الجرح والتعديل " 9 / 183.

(9/538)


208 - يَحْيَى بنُ كَثِيْرٍ أَبُو النَّضْرِ * (ق)
صَاحِبُ البَصْرِيِّ، أَبُو النَّضْرِ، فَوَاهٍ.
رَوَى عَنْ: أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ كَثِيْرُ بنُ يَحْيَى.
خَرَّجَ لَهُ: ابْنُ مَاجَه (1).

209 - أَبُو سَعِيْدٍ أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ الوَهْبِيُّ الحِمْصِيُّ ** (4)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو سَعِيْدٍ أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ الوَهْبِيُّ، الحِمْصِيُّ، الكِنْدِيُّ مَوْلاَهُمْ، أَخُو مُحَمَّدِ بنِ خَالِدٍ.
قِيْلَ: اسْمُ جَدِّهِمَا مُوْسَى.
وَقِيْلَ: مُحَمَّدٌ.
حَدَّثَ أَحْمَدُ عَنْ: يُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَعَنْ: مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، وَإِسْرَائِيْلَ بنِ يُوْنُسَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ
__________
(*) الضعفاء للعقيلي: لوحة 446، الجرح والتعديل 9 / 182، كتاب المجروحين 3 / 130، تهذيب الكمال: لوحة 1514، تذهيب التهذيب 4 / 163 / 1، ميزان الاعتدال 4 / 403، تهذيب التهذيب 11 / 267، خلاصة تذهيب الكمال: 427.
(1) حديثا واحدا برقم (431) عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ خلل لحيته وفرج أصابعه مرتين.
وإسناده ضعيف لضعف يحيى هذا، وشيخه يزيد، وممن ضعف يحيى هذا: ابن معين، وقال عمرو بن علي الفلاس: لا يتعمد الكذب، إلا أنه يغلط ويهم، وقال أبو زرعة، وأبو حاتم: ضعيف الحديث، زاد أبو حاتم: ذاهب الحديث جدا، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال العقيلي: منكر الحديث، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم لا يجوز الاحتجاج به فيما انفرد به.
(* *) التاريخ الكبير 2 / 2، التاريخ الصغير 2 / 331، الجرح والتعديل 2 / 49، تهذيب الكمال: لوحة 21، تذهيب التهذيب 1 / 10 / 2، الكاشف 1 / 56، تهذيب التهذيب 1 / 26، خلاصة تذهيب الكمال: 5.

(9/539)


المَاجَشُوْنِ، وَعِدَّةٍ.
وَلَمْ أَرَ لَهُ رِوَايَةً عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ (1))، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ، وَأَخُوْهُ؛ يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ خَالِدِ بنِ خَلِيٍّ، وَصَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو الصَّغِيْرُ، وَمُوْسَى بنُ عِيْسَى بنِ المُنْذِرِ، وَعِمْرَانُ بنُ بَكَّارٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الحَوْطِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الدِّمَشْقِيُّ الخَرَّازُ الأَدَمِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
رَوَى: أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: أَنَّهُ ثِقَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (2) .
قُلْتُ: مَاتَ وَهُوَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ.
يَقَعُ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ فِي كُتُبِ الطَّبَرَانِيِّ.
أَخُوْهُ:

210 - مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ الوَهْبِيُّ * (د، ق)
ارْتَحَلَ، وَحَمَلَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَابْنِ
__________
(1) هذا وهم من المؤلف رحمه الله، فإن البخاري لم يخرج له في " صحيحه " وإنما خرج له في " الأدب المفرد "، وفي كتاب " القراءة خلف الامام " كما في " تهذيب الكمال " للمزي، و" تذهيب " المؤلف، و" تهذيب ابن حجر ".
(2) " تهذيب الكمال ": لوحة 21.
(*) التاريخ الكبير 1 / 74، الجرح والتعديل 7 / 243، تهذيب الكمال: لوحة 1192، تذهيب التهذيب 3 / 200 / 2، الكاشف 3 / 38، تهذيب التهذيب 9 / 143، خلاصة تذهيب الكمال: 334.

(9/540)


جُرَيْجٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ، وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَأَهْلُ حِمْصَ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
قُلْتُ: هُوَ الأَكْبَرُ، مَاتَ قَبْلَ المائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-.

211 - خَلَفُ بنُ أَيُّوْبَ أَبُو سَعِيْدٍ العَامِرِيُّ * (ت)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، مُفْتِي المَشْرِقِ، أَبُو سَعِيْدٍ العَامِرِيُّ، البَلْخِيُّ، الحَنَفِيُّ، الزَّاهِدُ، عَالِمُ أَهْلِ بَلْخَ.
تَفَقَّه عَلَى: القَاضِي أَبِي يُوْسُفَ.
وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، وَطَائِفَةٍ.
وَصَحِبَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ مُدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَعَلِيُّ بنُ سَلَمَةَ اللَّبَقِيُّ، وَأَهْلُ بَلَدِهِ.
وَقَدْ لَيَّنَهُ مِنْ جِهَةِ إِتْقَانِهِ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
قَالَ أَبُو عِيْسَى فِي (جَامِعِهِ) فِي بَابِ تَفْضِيْلِ الفِقْهِ عَلَى العِبَادَةِ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ أَيُّوْبَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ،
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 375، التاريخ الكبير 3 / 196، الضعفاء للعقيلي: لوحة 123، الجرح والتعديل 3 / 370، تهذيب الكمال: لوحة 377، تذهيب التهذيب 1 / 198 / 2، العبر 1 / 367، الكاشف 1 / 281، تهذيب التهذيب 3 / 147، خلاصة تذهيب الكمال: 105، شذرات الذهب 2 / 34.

(9/541)


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (خَصْلَتَانِ لاَ تَجْتَمِعَانِ فِي مُنَافِقٍ: حُسْنُ سَمْتٍ، وَفِقْهٌ فِي الدِّيْنِ (1)).
قَالَ أَبُو عِيْسَى: تَفَرَّدَ بِهِ خَلَفٌ، وَلاَ أَدْرِي كَيْفَ هُوَ.
قَالَ الحَاكِمُ فِي (تَارِيْخِهِ): سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْد العَزِيْزِ المُذَكِّرَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ البِيْكَنْدِيَّ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ مَشَايِخَنَا يَذْكُرُوْنَ أَنَّ السَّبَبَ لِثَبَاتِ مُلْكِ آلِ سَامَانَ، أَنَّ أَسَدَ بنَ نُوْحٍ خَرَجَ إِلَى المُعْتَصِمِ، وَكَانَ شُجَاعاً عَاقِلاً، فَتَعَجَّبُوا مِنْ حُسْنِهِ وَعَقْلهِ، فَقَالَ لَهُ المُعْتَصِمُ: هَلْ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ أَشْجَعُ مِنْكَ؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَهَلْ فِيْهِم أَعْلَمُ وَأَعقَلُ مِنْكَ؟
قَالَ: لاَ.
فَلَمْ يُعْجِبِ المُعْتَصِمَ، ثُمَّ سَأَلَهُ: لِمَ قُلْتَ؟
قَالَ: لأَنَّهُ لَيْسَ فِي أَهْلِ بَيْتِي مَنْ وَطِئَ بِسَاطَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ وَرَآهُ غَيْرِي.
فَاسْتَحسَنَ ذَلِكَ، وَوَلاَّهُ بَلْخَ، فَكَانَ يَتَوَلَّى الخُطبَةَ بِنَفْسِهِ.
ثُمَّ سَأَلَ عَنْ عُلَمَاءِ بَلْخَ، فَذَكَرُوا لَهُ خَلَفَ بنَ أَيُّوْبَ، فَتَحَيَّنَ مَجِيْئَه لِلْجُمُعَةِ، وَرَكِبَ إِلَى نَاحِيَتِهِ، فَلَمَّا رَآهُ، تَرَجَّلَ وَقَصَدَهُ، فَقَعَدَ خَلَفٌ، وَخَمَّرَ وَجْهَه، فَقَالَ لَهُ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم.
فَأَجَابَه، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهِ، فَرَفَعَ الأَمِيْرُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا العَبْدَ الصَّالِحَ يُبْغِضُنَا فِيْكَ، وَنَحْنُ نُحِبُّه فِيْكَ، ثُمَّ رَكِبَ.
قَالَ: وَمَرِضَ خَلَفٌ، فَعَادَهُ الأَمِيْرُ أَسَدٌ،
__________
(1) الترمذي (2685) في العلم: باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، وفي خلف بن أيوب يقول الخليلي في " الارشاد ": صدوق مشهور كان يوصف بالستر والصلاح والزهد وكان فقيها على رأي الكوفيين، وذكره ابن حبان في " الثقات " ونقم عليه الارجاء - وهو ليس بجرح - وقال ابن أبي حاتم بعد أن ذكر شيوخه والاخذين عنه: وسألت أبي عنه، فقال: يروي عنه: وباقي رجال الإسناد ثقات. ولم ينفرد ابن أيوب به، بل ورد من طريقين آخرين أحدهما عن أنس أشار إليه العقيلي في " الضعفاء " لوحة 123، والثاني رواه ابن المبارك في " الزهد " ورقة 75 / 1 من طريق معمر، عن محمد بن حمزة بن عبد الله بن سلام مرفوعا به، فالحديث أقل أحواله أن يكون حسنا.

(9/542)


وَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، أَنْ لاَ تَعُوْدَ إِلَيَّ، وَإِنْ مُتُّ، فَلاَ تُصَلِّ عَلَيَّ، وَعَلَيْكَ السَّوَادُ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ، شَيَّعَهُ، وَنَزَعَ سَوَادَهُ.
فَقِيْلَ: إِنَّهُ سَمِعَ صَوْتاً: بِتَوَاضُعِكَ وَإِجْلاَلِكَ خَلَفاً بُنِيَتِ الدَّوْلَةُ فِي عَقِبِكَ.
هَذِهِ حِكَايَةٌ غَرِيْبَةٌ، فَإِنْ صَحَّتْ، فَلَعَلَّ وِفَادَةَ أَسَدٍ عَلَى المَأْمُوْنِ حَتَّى يَسْتَقِيْمَ ذَلِكَ، فَإِنَّ خَلَفاً مَاتَ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: عَاشَ تِسْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً.

212 - الحَسَنُ بنُ زِيَادٍ أَبُو عَلِيٍّ الأَنْصَارِيُّ مَوْلاَهُمْ *
العَلاَّمَةُ، فَقِيْهُ العِرَاقِ، أَبُو عَلِيٍّ الأَنْصَارِيُّ مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ، اللُّؤْلُؤِيُّ، صَاحِبُ أَبِي حَنِيْفَةَ.
نَزَلَ بَغْدَادَ، وَصَنَّفَ (1) ، وَتَصَدَّرَ لِلْفِقْهِ.
__________
(*) تاريخ ابن معين: 114، الضعفاء والمتروكين: 35، أخبار القضاة 3 / 188، الضعفاء للعقيلي: لوحة 82، 83، الجرح والتعديل 3 / 15، الفهرست لابن النديم: 258، أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري: 131 - 133، تاريخ بغداد 7 / 314، طبقات الفقهاء للشيرازي: 115، طبقات الحنابلة 1 / 132، المناقب للموفق المكي 1 / 46 و170 و173 و185 و264 و2 / 132 وما بعدها، العبر 1 / 345، ميزان الاعتدال 1 / 491، دول الإسلام 1 / 127، طبقات القراء 1 / 213، لسان الميزان 2 / 208، جامع المسانيد 2 / 433، النجوم الزاهرة 2 / 188، مفتاح السعادة 1 / 120، الجواهر المضية 1 / 193 و2 / 542، شذرات الذهب 2 / 12، الفوائد البهية في تراجم الحنفية: 60 - 61، مناقب الكردرية الكبرى 2 / 209، الامتاع بسيرة الامامين الحسن بن زياد وصاحبه محمد بن شجاع للكوثري.
(1) قال العلامة الكوثري في " الامتاع " ص 15 بعد أن ذكر مؤلفاته: وأما ما يعزى إليه من جزء فيما سمعه من القراءات من أبي حنيفة برواية ابنه محمد بن الحسن بن زياد فكذب ملفق، لا صلة بها لأبي حنيفة ولا بالحسن بن زياد، وقد ثبت عند أهل العلم أن ملفقها هو أبو الفضل الخزاعي القارئ المكشوف الامر، وإن تكلف ابن الجزري تبرئة ساحته من ذلك، وإنما قراءة أبي حنيفة هي قراءة عاصم، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود (ح) وعن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي كرم الله وجهه، وفي الطريقين من =

(9/543)


أَخَذَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ، وَشُعَيْبُ بنُ أَيُّوْبَ الصَّرِيْفِيْنِيُّ.
وَكَانَ أَحَدَ الأَذْكِيَاءِ البَارعِيْنَ فِي الرَّأْيِ، وَلِيَ القَضَاءَ بَعْد حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، ثُمَّ عَزَلَ نَفْسَهُ (1) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَمَاعَةَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:
كَتَبتُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلفَ حَدِيْثٍ، كُلُّهَا يَحتَاجُ إِلَيْهَا الفَقِيْهُ (2) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الحَارِثِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ خُلُقاً مِنَ الحَسَنِ اللُؤْلُؤِيِّ! وَكَانَ يَكْسُو مَمَالِيْكَهُ كَمَا يَكسُو نَفْسَهُ (3) .
__________
= قراءة عاصم الفاتحة والمعوذتان، وقراءته في أعلى درجات التواتر، فيؤسف على سرد تلك القراءات في بعض كتب التفسير والمناقب مع محاولة توجيهها كقراءات لأبي حنيفة مروية بطريق الحسن بن زياد عنه، مع أنها قراءات مكذوبة عليه كما ذكرت في " تأنيب الخطيب " وغيره تحقيق أهل الشأن في ذلك.
قلت: ومن هذه القراءات المنسوبة كذبا إلى أبي حنيفة: قوله تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه) برفع " إبراهيم " ونصب " ربه " وقوله تعالى: " إنما يخشى الله من عباده العلماء) برفع لفظ الجلالة، ونصب " العلماء " انظر " البحر المحيط " 1 / 374، و375 و7 / 312.
(1) انظر الخبر مفصلا في " تاريخ بغداد " 7 / 314، و" الامتاع " 15، 16.
(2) " تاريخ بغداد " 7 / 314، وله مسند معروف في مروياته عن أبي حنيفة رحمه
الله، وهو أحد المسانيد السبعة عشر لأبي حنيفة المذكور أسانيدها في " الفهرست الأوسط " للحافظ الشمس ابن طولون، وفي " عقود الحمان " للحافظ محمد بن يوسف الصالحي، وفي " ثبت " المسند الشيخ أيوب بن أحمد الدمشقي الخلوتي، وفي " حصر الشارد في أسانيد محمد بن عابد " السندي، وقد ساق المحدث علي بن عبد المحسن الدواليبي الحنبلي سنده في " مسند " الحسن بن زياد في " ثبته " المحفوظ في ظاهرية دمشق تحت رقم (285) من الحديث.
(3) ونص المؤلف في " تاريخ الإسلام ": وقال ابن كاس النخعي: حدثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي قال: ما رأيت أحسن خلفا من الحسن بن زياد، ولا أقرب مأخذا منه ولا أسهل جانبا مع توفر فقهه وعلمه وزهده وورعه، وكان يكسو مماليكه ككسوة نفسه وأورده الصيمري في " أخبار أبي حنيفة وأصحابه " ص 131، والخطيب في " تاريخه " =

(9/544)


قُلْتُ: لَيَّنَهُ ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَطَوَّلَ تَرْجَمَتَه الخَطِيْبُ (1) .
مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-.

213 - أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ اللَّيْثِيُّ الخُرَاسَانِيُّ * (ع)
هُوَ: الحَافِظُ، الإِمَامُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ، أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ اللَّيْثِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، قَيْصَرُ (2) ، مِنْ بَنِي لَيْثِ بنِ
__________
= 7 / 314، 315، وعن يحيى بن آدم كما في " أخبار أبي حنيفة " ص 131: ما رأيت أفقه من الحسن بن زياد.
ومن علم من هو يحيى بن آدم، وما هي منزلته في العلم ومن رآهم من الفقهاء، علم مبلغ أهمية هذه الشهادة منه للحسن بن زياد، وقد أخرج أبو عوانة حديثه في " مستخرجه على صحيح مسلم "، والحاكم في " المستدرك " وهذا منهما في حكم التوثيق، وقال مسلمة بن قاسم: كان ثقة رحمه الله تعالى، وأورده ابن حبان، في " الثقات " فيما ذكره صاحب " كشف الاستار عن رجال معاني الآثار " ومع جلالة قدر هذا الامام في العلم، وسعة الرواية في الحديث، والامامة في الفقه، وعلو النفس، وكرم الخلال، والاعتصام بالسنة، لم يتورع بعض الحاقدين المتعصبين أن يلصقوا به طعونا شنيعة يستحيا من ذكرها ظلما وعدوانا، ويختلفوا عليه ما هو برئ منه، وكان على النقلة أن يتقوا الله، فينزهوا كتبهم عن أن يشينوها بتدوين تلك الطعون، أو - على الأقل - أن يبينوا وهاءها وافتعالها لئلا ينخدع القارئ بها ثقة بأولئك النقلة، ويغلب على الظن أن الذهبي رحمه الله أضرب عن ذكرها لما يعلم من بطلانها، وأنها مما أثمره الحقد والتعصب.
(1) كذا قال هنا، وأما في " تاريخ الإسلام " المجلد الحادي عشر فقال: قد ساق في ترجمة الحسن هذا أبو بكر الخطيب أشياء لا ينبغي لي ذكرها.
وقد نقل العلامة الكوثري في كتابه " الامتاع " ص 36 - 50 ما هو موجود من تلك الاشياء في " تاريخ بغداد " و" كامل " ابن عدي، و" الضعفاء " للعقيلي، وردها، وكشف عن زيفها وبطلانها.
(*) تاريخ ابن معين: 615، طبقات ابن سعد 7 / 335، تاريخ خليفة: 472، طبقات خليفة ت 3220، التاريخ الكبير 8 / 235، التاريخ الصغير 2 / 303، الجرح والتعديل 9 / 105، تاريخ بغداد 14 / 63، تهذيب الكمال: لوحة 1432، تذهيب لتهذيب 4 / 110 / 2، العبر 1 / 353، ميزان الاعتدال 4 / 290، تذكرة الحفاظ 1 / 359، الكاشف 3 / 217، تهذيب التهذيب 11 / 18، طبقات الحفاظ: 152، خلاصة تذهيب الكمال: 408، شذرات الذهب 2 / 19.
(2) هذا لقب أبي النضر كما سيأتي.

(9/545)


كِنَانَةَ، مِنْ أَنْفُسِهِم.
وَيُقَالُ: بَلْ هُوَ تَمِيْمِيٌّ.
ذَكَرَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ (1) .
سَمِعَ: ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَشُعْبَةَ، وَحَرِيْزَ بنَ عُثْمَانَ.
وَرَأَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَتَوَضَّأُ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ.
وَسَمِعَ أَيْضاً: عِكْرِمَةَ بنَ عَمَّارٍ، وَأَبَا جَعْفَرٍ الرَّازِيَّ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيَّ، وَسُلَيْمَانَ بنَ المُغِيْرَةِ، وَمُبَارَكَ بنَ فَضَالَةَ، وَالمَسْعُوْدِيَّ، وَوَرْقَاءَ بنَ عُمَرَ، وَأَبَا عَقِيْلٍ صَاحِبَ بُهَيَّةَ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ المَاجَشُوْنِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ ثَابِتِ بنِ ثَوْبَانَ، وَاللَّيْثَ بنَ سَعْدٍ، وَأَبَا مَعْشَرٍ السِّنْدِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَالوَلِيْدَ بنَ جَمِيْلٍ، وَأَبَا إِسْحَاقَ الأَشْجَعِيَّ، وَأَبَا عَقِيْلٍ الثَّقَفِيَّ، وَعَبْدَ الصَّمَدِ بنَ حَبِيْبٍ، وَبَكْرَ بنَ خُنَيْسٍ، وَعُبَيْدَ اللهِ الأَشْجَعِيَّ.
وَسَمِعَ مِنْ شُعْبَةَ مَا أَملاَهُ بِبَغْدَادَ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلاَفِ حَدِيْثٍ، وَرَحَلَ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَعَلِيٌّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ، وَخَلَفُ بنُ سَالِمٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَالفَضْلُ بنُ سَهْلٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَوَلَدُهُ؛ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي النَّضْرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ المُنَادِي، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَأَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ البُرْجَلاَنِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 14 / 64.

(9/546)


قَالَ الحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ الكِنَانِيُّ مِنْ بَنِي لَيْثٍ، مِنْ أَنْفُسِهِم، وَكَانَ يُلَقَّبُ قَيْصَرَ، وَإِنَّمَا لُقِّبَ بِقَيْصَرَ: أَنَّ نَصْرَ بنَ مَالِكٍ الخُزَاعِيَّ؛ صَاحِبَ شُرْطَةِ الرَّشِيْدِ، دَخَلَ الحَمَّامَ فِي وَقْتِ صَلاَةِ العَصْرِ، وَقَالَ لِلْمُؤَذِّنِ: لاَ تُقِمِ الصَّلاَةَ حَتَّى أَخْرُجَ.
قَالَ: فَجَاءَ أَبُو النَّضْرِ إِلَى المَسْجَدِ، وَقَدْ أَذَّنَ المُؤَذِّنُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو النَّضْرِ: مَا لَكَ لاَ تُقِيْمُ؟
قَالَ: أَنْتَظِرُ أَبَا القَاسِمِ.
فَقَالَ: أَقِمْ.
فَأَقَامَ الصَّلاَةَ، فَصَلَّوْا، فَلَمَّا جَاءَ نَصْرُ بنُ مَالِكٍ، قَالَ لِلْمُؤَذِّنِ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ: لاَ تُقِمْ حَتَّى أَخْرُجَ؟
قَالَ: لَمْ يَدَعنِي هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ، وَقَالَ لِي: أَقِمْ.
فَقَالَ: لَيْسَ ذَا هَاشِمٌ، هَذَا قَيْصَرُ، يُمَثِّلُ مَلِكَ الرُّوْمِ، فَلَزِمَهُ هَذَا اللَّقَبُ (1) .
قَالَ الحَارِثُ: وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
أَبُو النَّضْرِ شَيْخُنَا، مِنَ الآمِرِيْنَ بِالمَعْرُوْفِ، وَالنَّاهِيْنَ عَنِ المُنْكَرِ (2) .
وَرَوَى: أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: أَبُو النَّضْرِ مِنْ مُتَثَبِّتِي بَغْدَادَ (3) .
وَعَنْ أَحْمَدَ: أَبُو النَّضْرِ أَثْبَتُ مِنْ شَاذَانَ (4) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ: اجْتَمَعتُ لَيْلَةً مَعَ ابْنِ وَارَةَ، فَذَكَرنَا أَصْحَابَ شُعْبَةَ، فَقُلْتُ أَنَا: أَبُو النَّضْرِ أَثْبَتُ مِنْ وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ.
وَقَالَ هُوَ: وَهْبٌ أَثْبَتُ.
فَغَدَوْنَا عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: أَبُو النَّضْرِ كَتَبَ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 14 / 64.
(2) " تاريخ بغداد " 14 / 64.
(3) " الجرح والتعديل " 9 / 105.
(4) " تاريخ بغداد " 14 / 65.

(9/547)


عَنْ شُعْبَةَ إِمْلاَءً (1) .
وَرَوَى: عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ (2) .
وَكَذَا قَالَ: ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُم (3) .
قَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ أَبُو النَّضْرِ مِنَ الأَبْنَاءِ، ثِقَةً، صَاحِبَ سُنَّةٍ، سَكَنَ بَغْدَادَ.
قَالَ: وَكَانَ أَهْلُ بَغْدَادَ يَفخَرُوْنَ بِهِ (4) .
وَقَالَ الحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَمُطَيَّنٌ، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ.
وَغَلِطَ مَنْ قَالَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ التَّنُوْخِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا المَسْعُوْدِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
الرَّعْدُ مَلَكٌ، وَالبَرْقُ مَخَارِيْقُ بِأَيْدِي المَلاَئِكَةِ، يَسُوقُوْنَ بِهَا السَّحَابَ (5).
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدُوَيْه الخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 14 / 65.
(2) " تاريخ يحيى بن معين ": 615، و" تاريخ بغداد " 14 / 65.
(3) " الجرح والتعديل " 9 / 105.
(4) " تاريخ بغداد " 14 / 65.
(5) المسعودي - واسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة - اختلط قبل موته، وباقي رجاله ثقات.

(9/548)


الرَّازِيُّ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنِّيْ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُوْلُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيُقِيْمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَصَمُوا بِهَا دِمَاءهُم، وَأَمْوَالَهُم، إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُم عَلَى اللهِ).
الحَسَنُ لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ صَاحِبُ تَدْلِيسٍ (1).

214 - مَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ بَشِيْرِ بنِ فَرْقَدٍ التَّمِيْمِيُّ * (ع)
وَيُقَالُ: جَدُّه فَرْقَدُ بنُ بَشِيْرٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّادِقُ، مُسْنِدُ خُرَاسَانَ، أَبُو السَّكَنِ التَّمِيْمِيُّ، الحَنْظَلِيُّ، البَلْخِيُّ.
__________
(1) إسناده ضعيف، أبو جعفر الرازي سيئ الحفظ، والحسن مدلس وقد عنعن، وهو في " سنن ابن ماجة " (71) من طريق أحمد بن الأزهر، عن أبي النضر بهذا الإسناد، ورواه عن أبي هريرة من طريق آخر دون قوله: " ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " البخاري 3 / 211 في أول الزكاة، و12 / 244 في استتابة المرتدين: باب قتل من أبى قبول الفرائض، ومسلم (21) في الايمان: باب الامر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، والترمذي (2608)، والنسائي 5 / 14، وأبو داود (2640)، وأخرجه بتمامه وزيادة " وأن محمدا رسول الله " البخاري 1 / 70، 71 في الايمان: باب (فإن تابوا وأقاموا الصلاة)، ومسلم (22)، وفي رواية لمسلم: " حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به " وأخرجه أحمد 2 / 345 من طريق عفان، عن عبد الواحد بن زياد، عن سعيد ابن كثير بن عبيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، وهذا سند حسن، فإن كثير بن عبيد والد سعيد وثقه ابن حبان، وروى عنه غير واحد، وباقي رجاله ثقات، وصححه ابن خزيمة (2248)، من طريق محمد بن أبان، عن أبي نعيم، عن سعيد بن كثير به، وهو في " المستدرك " 1 / 387 من طريق أبي نعيم بهذا الإسناد.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 373، طبقات خليفة: ت 3143، التاريخ الكبير 8 / 71، التاريخ االصغير 2 / 333، الجرح والتعديل 8 / 441، تاريخ بغداد 13 / 115، تهذيب الكمال: 1369، تذهيب التهذيب 4 / 68 / 2، العبر 1 / 368، تذكرة الحفاظ 1 / 365، الكاشف 3 / 173، دول الإسلام 1 / 131، تهذيب التهذيب 10 / 293، طبقات الحفاظ: 160، خلاصة تذهيب الكمال: 398، شذرات الذهب 2 / 35.

(9/549)


سَأَلَهُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ جَعْفَرٍ البَلْخِيُّ: فِي أَيِّ سَنَةٍ وُلِدْتَ؟
قَالَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَبَهْزِ بنِ حَكِيْمٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَالجُعَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحَنْظَلَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَمُوْسَى بنِ عُبَيْدَةَ، وَعُثْمَانَ بنِ سَعْدٍ الكَاتِبِ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَدَاوُدَ بنِ يَزِيْدَ الأَوْدِيِّ، وَفَائِدٍ أَبِي الوَرْقَاءِ، وَفِطْرِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَهَاشِمِ بنِ هَاشِمِ بنِ عُتْبَةَ، وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَعُثْمَانَ بنِ الأَسْوَدِ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَيَعْقُوْبَ بنِ عَطَاءٍ، وَعِدَّةٍ، وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ جِدّاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَبُنْدَارُ، وَسَهْلُ بنُ زَنْجَلَةَ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ (1) الفَضْلِ البَلْخِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ النَّرْسِيُّ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَمُعَمَّرُ بنُ مُحَمَّدٍ البَلْخِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ سِنَانٍ البَصْرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُدْرِكٍ القَاصُّ، وَحَفِيْدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بن زُهَيْرٍ الحُلْوَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ البَلْخِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يَعْقُوْبَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ مُقْرِئُ نَيْسَابُوْرَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي كَثِيْرٍ البَلْخِيُّ، وَحَامِدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ حَرْبٍ، وَأَبُو عَوْفٍ البُزُوْرِيُّ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سُلَيْمَانَ البَلْخِيُّ الأَعْرَجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَاهَانَ البَلْخِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَدُّوَيْه التِّرْمِذِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ السَّرَخْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ خَشْنَامِ بنِ صَالِحٍ البَلْخِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ الصَّيْدَلاَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَامِرِ بنِ كَامِلٍ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ غَالِبٍ،
__________
(1) سقطت من الأصل، واستدركت من " تهذيب الكمال " 1369.

(9/550)


وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ البَزَّازُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ قَاسِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ - وَالِدُ الحَافِظِ أَبِي عَلِيٍّ - وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو السَّوَّاقُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ حَازِمٍ البَلْخِيُّوْنَ عَشْرَتُهُم.
قَالَ الكَوْسَجُ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ مَكِّيٍّ، فَقَالَ: ثِقَةٌ.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى: صَالِحٌ (1) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ (2) .
وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
قُلْتُ: حَجَّ كَثِيْراً، وَكَانَ لَهُ مَالٌ وَتِجَارَةٌ.
حَدَّثَ عَنْ: مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَكَبَّرَ أَرْبَعاً، فَتَفَرَّدَ بِهَذَا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ لَمَّا بَانَ لَهُ أَنَّهُ وَهِمَ، وَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ، ثُمَّ وَجَدَهُ فِي كِتَابِهِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (3) ، وَقَالَ: هَكَذَا فِي كِتَابِي.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 117.
(2) " الجرح والتعديل " 8 / 441.
(3) أخرجه مالك 1 / 226 في الجنائز: باب التكبير على الجنائز من طريق الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، وأخرجه من طريق مالك: البخاري 3 / 92 في الجنائز: باب الرجل ينعى إلى أهل البيت الميت بنفسه، و3 / 163: باب التكبير على الجنازة أربعا، ومسلم (951) في الجنائز: باب في التكبير على الجنازة، وأبو داود (3204) في الجنائز: باب في الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك، وأخرجه البخاري 3 / 149، والترمذي (1022) في الجنائز: باب ما جاء في التكبير على الجنازة من طريق معمر عن الزهري به، وأخرجه البخاري 3 / 160 من طريق الليث عن عقيل، عن الزهري.

(9/551)


قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ الفَضْلِ: شَهِدْتُ مَكِّيّاً يَقُوْلُ:
حَجَجْتُ سِتِّيْنَ حَجَّةً، وَتَزَوَّجْتُ بِسِتِّيْنَ امْرَأَةً، وَجَاوَرتُ بِالبَيْتِ عَشْرَ سِنِيْنَ، وَكَتَبتُ عَنْ سَبْعَةَ عَشَرَ نَفْساً مِنَ التَّابِعِيْنَ، وَلَوْ عَلِمتُ أَنَّ النَّاسَ يَحتَاجُوْنَ إِلَيَّ، لَمَا كَتَبتُ دُوْنَ التَّابِعِيْنَ عَنْ أَحَدٍ (1) .
وَجَاءَ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ الفَضْلِ، قَالَ: رَوَى مَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ عَنْ أَحَدَ عَشَرَ نَفْساً مِنَ التَّابِعِيْنَ، وَوَقَعَ عِنْدِي تِسْعَةٌ (2) .
وَقَالَ عُمَرُ بنُ مُدْرِكٍ: سَمِعْتُ مَكِّيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ:
قَطَعْتُ البَادِيَةَ مِنْ بَلْخَ خَمْسِيْنَ مَرَّةً حَاجّاً، وَدَفَعْتُ فِي كِرَاءِ بُيُوْتِ مَكَّةَ أَلْفَ دِيْنَارٍ وَمائَتَيْ دِيْنَارٍ وَنَيِّفاً (3) .
عُمَرُ هَذَا: وَاهٍ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَكِّيٌّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ (4) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بِنَيْسَابُوْرَ (5) .
وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: قَدِمَ عَلَيْنَا مَكِّيٌّ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (6) .
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَالبُخَارِيُّ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ (7).
__________
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 116.
(2) " تاريخ بغداد " 13 / 116.
(3) " تاريخ بغداد " 13 / 117.
(4) " تهذيب الكمال ": لوحة 1370.
(5) " تهذيب الكمال ": لوحة 1370.
(6) " تهذيب الكمال ": لوحة 1370.
(7) في " الجرح والتعديل " 8 / 441، و" التاريخ الكبير " 8 / 71.

(9/552)


وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَمُطَيَّنٌ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ الفَضْلِ، وَغَيْرُهُم: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
زَادَ ابْنُ سَعْدٍ: بِبَلْخَ، فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَقَدْ قَارَبَ المائَةَ، وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ -رَحِمَهُ اللهُ (1) -.
قُلْتُ: لَمْ يَلْقَ البُخَارِيُّ بِخُرَاسَانَ أَحَداً أَكْبَرَ مِنْهُ.
رَوَى لَهُ: الجَمَاعَةُ.
أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَبِي نَصْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ قَوَّامٍ، وَطَائِفَةٌ، سَمِعُوا الحُسَيْنَ بنَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، حَدَّثَنَا أَبُو الحَسَنِ المُظَفَّرِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ حَمُّوَيْه، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نِعْمَتَانِ مَغْبُوْنٌ فِيْهِمَا كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالفَرَاغُ) (2) .

215 - عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى بنِ أَبِي المُخْتَارِ بَاذَامَ العَبْسِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَابِدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ
__________
(1) " طبقات ابن سعد " 7 / 373.
(2) البخاري 11 / 196 في أول كتاب الرقائق.
قال ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحا، ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيا، ولا يكون صحيحا، فإذا اجتمعا، فغلب عليه الكسل عن الطاعة، فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله، فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله، فهو المغبون.
(*) تاريخ ابن معين: 384، طبقات ابن سعد 6 / 400 طبقات خليفة: ت 1321، التاريخ الكبير 5 / 401، التاريخ الصغير 2 / 326، المعارف: 519، و532، المعرفة والتاريخ 1 / 198، الضعفاء للعقيلي: لوحة 270، الجرح والتعديل 5 / 334، مشاهير علماء الأمصار: ت 1385، تهذيب الكمال: لوحة 891، تذهيب التهذيب 3 / 22 / 1، العبر 1 / 364، ميزان الاعتدال 3 / 16، تذكرة الحفاظ 1 / 353، الكاشف 2 / 234، دول الإسلام 1 / 130، طبقات القراء لابن الجزري 1 / 493، تهذيب التهذيب 7 / 50، خلاصة تذهيب الكمال: 253، شذرات الذهب 2 / 29، الرسالة المستطرفة: 62.

(9/553)


العَبْسِيُّ - بِمُوَحَّدَةٍ - مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ.
أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ (المُسْنَدَ) عَلَى تَرتِيْبِ الصَّحَابَةِ بِالكُوْفَةِ، كَمَا أَنَّ أَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ (المُسْنَدَ) مِنَ البَصْرِيِّيْنَ عَلَى مَا نَقَلَهُ الخَلِيْلِيُّ فِي (إِرْشَادِهِ).
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ عَامِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ: هِشَامَ بنَ عُرْوَةَ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي خَالِدٍ، وَمَعْرُوْفَ بنَ خَرَّبُوْذَ، وَزَكَرِيَّا بنَ أَبِي زَائِدَةَ، وَسَعْدَ بنَ أَوْسٍ العَبْسِيَّ، وَسَلَمَةَ بنَ نُبَيْطٍ، وَحَنْظَلَةَ بنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَطَلْحَةَ بنَ عَمْرٍو الحَضْرَمِيَّ، وَطَلْحَةَ بنَ يَحْيَى التَّيْمِيَّ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ أَبِي زِيَادٍ القَدَّاحَ، وَعُثْمَانَ بنَ الأَسْوَدِ، وَعِيْسَى بنَ أَبِي عِيْسَى الحَنَّاطَ، وَكَيْسَانَ أَبَا عُمَرَ القَصَّارَ، وَمُصْعَبَ بنَ سُلَيْمٍ، وَأَبَا إِدَامٍ المُحَارِبِيَّ، وَمُوْسَى بنَ عُبَيْدَةَ، وَابْنَ جُرِيجٍ، وَالأَوْزَاعِيَّ، وَمِسْعَراً، وَشُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَشَيْبَانَ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَالحَسَنَ بنَ حَيٍّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
وَكَانَ مِنْ حُفَّاظِ الحَدِيْثِ، مُجَوِّداً لِلْقُرْآنِ.
تَلاَ عَلَى: حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، وَعِيْسَى بنِ عُمَرَ الهَمْدَانِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ صَالِحِ بنِ حَيٍّ.
وَتَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ وَالتَّحْدِيْثِ.
تَلاَ عَلَيْهِ: أَحْمَدُ بنُ جُبَيْرٍ الأَنْطَاكِيُّ، وَأَيُّوْبُ بنُ عَلِيٍّ الأَبْزَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو حَمْدُوْنَ الطَّيِّبُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ، وَطَائِفَةٌ سِوَاهُم.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ قَلِيْلاً - كَانَ يَكرَهُهُ لِبِدْعَةٍ مَا فِيْهِ - وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ،

(9/554)


وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ كَرَامَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ البَاغَنْدِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَازِمٍ الغِفَارِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَرَوَى عَنْهُ: البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ)، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ فِي (مَشْيَخَتِهِ).
وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَحَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، حَسَنُ الحَدِيْثِ.
قَالَ: وَأَبُو نُعَيْمٍ أَتْقَنُ مِنْهُ، وَعُبَيْدُ اللهِ أَثبَتُهُم فِي إِسْرَائِيْلَ، كَانَ إِسْرَائِيْلُ يَأْتِيْهِ، فَيَقرَأُ عَلَيْهِ القُرْآنَ (1) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، رَأْسٌ فِي القُرْآنِ، عَالِمٌ بِهِ، مَا رَأَيْتُهُ رَافِعاً رَأْسَهُ، وَمَا رُئِيَ ضَاحِكاً قَطُّ (2) .
وَرَوَى: أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: كَانَ شِيْعِيّاً، مُحْتَرِقاً، جَازَ حَدِيْثُهُ (3).
قُلْتُ: كَانَ صَاحِبَ عِبَادَةٍ وَلَيْلٍ، صَحِبَ حَمْزَةَ، وَتَخَلَّقَ بِآدَابِهِ، إِلاَّ فِي التَّشَيُّعِ المَشْؤُوْمِ، فَإِنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ المُؤَسَّسِ عَلَى البِدعَةِ.
__________
(1) " الجرح والتعديل " 5 / 334، 335.
(2) " تهذيب الكمال ": لوحة 892.
(3) " تهذيب الكمال ": لوحة 892.

(9/555)


قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَ بِأَحَادِيْثِ سُوْءٍ، وَأَخْرَجَ تِلْكَ البَلاَيَا، فَحَدَّثَ بِهَا (1) .
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعْتُ مِنْهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (2) .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ (3) ، وَوَافَقَهُ عَلَى السُّنَّةِ خَلِيْفَةُ (4) ، وَالبُخَارِيُّ (5) ، وَجَمَاعَةٌ.
وَقِيْلَ: مَاتَ فِي شَوَّالِهَا.
وَقَالَ الفَسَوِيُّ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ (6) .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، عَنْ عَوْنِ بنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: خَيْرُنَا بَعْدَ نَبِيِّنَا: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللهِ مِثْلَ هَذَا، دَالٌّ عَلَى تَقْدِيْمِهِ لِلشَّيْخَيْنِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَنَالُ مِنْ خُصُوْمِ عَلِيٍّ.
قَالَ ابْنُ مَنْدَةَ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَدُلُّ النَّاسَ عَلَى عُبَيْدِ اللهِ، وَكَانَ مَعْرُوْفاً بِالرَّفْضِ، لَمْ يَدَعْ أَحَداً اسْمُهُ مُعَاوِيَةُ يَدْخُلُ دَارَهُ. فَقِيْلَ:
__________
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 892.
(2) " الجرح والتعديل " 5 / 334.
(3) في المطبوع من " طبقات ابن سعد " 6 / 400: وتوفي بالكوفة في آخر شوال سنة ثلاث عشرة ومئتين.
(4) في " طبقاته ": 171.
(5) في " تاريخه الكبير " 5 / 401.
(6) " المعرفة والتاريخ " 1 / 198.

(9/556)


دَخَلَ عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ الأَشْعَرِيُّ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟
قَالَ: مُعَاوِيَةُ.
قَالَ: وَاللهِ لاَحَدَّثْتُكَ، وَلاَ حَدَّثْتُ قَوْماً أَنْتَ فِيْهِم.

216 - عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ بنِ فَارِسِ بنِ لَقِيْطِ بنِ قَيْسٍ العَبْدِيُّ * (ع)
أَبُو مُحَمَّدٍ العَبْدِيُّ، البَصْرِيُّ، الحَافِظُ.
وَقِيْلَ: يُكْنَى: أَبَا عَدِيٍّ.
وَقِيْلَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ.
وَقِيْلَ: أَصْلُهُ مِنْ بُخَارَى.
مَوْلِدُهُ: بَعْدَ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ: ابْنَ عَوْنٍ، وَهِشَامَ بنَ حَسَّانٍ، وَكَهْمَسَ بنَ الحَسَنِ، وَيُوْنُسَ بنَ يَزِيْدَ، وَقُرَّةَ بنَ خَالِدٍ، وَعَلِيَّ بنَ المُبَارَكِ الهُنَائِيَّ، وَشُعْبَةَ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَعَزْرَةَ بنَ ثَابِتٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ مُسْلِمٍ العَبْدِيَّ، وَأَبَا عَامِرٍ الخَزَّازَ، وَدَاوُدَ بنَ قَيْسٍ، وَابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَفُلَيْحَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَمُعَاذَ بنَ العَلاَءِ، وَعِدَّةً.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَالفَلاَّسُ، وَبُنْدَارُ، وَابْنُ مُثَنَّى، وَالرَّمَادِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ سَيْفٍ الحَرَّانِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ سِنَانٍ البَصْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَالصَّنْعَانِيُّ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَوْحٍ المَدَائِنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ القَزَّازُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 296، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة: ت 1924، التاريخ الكبير 6 / 240، الجرح والتعديل 6 / 159، تاريخ بغداد 11 / 280، تهذيب الكمال: لوحة 919، تذهيب التهذيب 3 / 33 / 2، العبر 1 / 357، ميزان الاعتدال 3 / 49، تذكرة الحفاظ 1 / 378، الكاشف 2 / 254، دول الإسلام 1 / 129، تهذيب التهذيب 7 / 142، طبقات الحفاظ: 160، خلاصة تذهيب الكمال: 261، 262، شذرات الذهب 2 / 22.

(9/557)


قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: رَجُلٌ صَالِحٌ، ثِقَةٌ (1) .
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ (2) .
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ (3) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ لاَ يَرْضَاهُ (4).
قُلْتُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ كَثِيْرُ التَّعَنُّتِ فِي الرِّجَالِ، وَإِلاَّ فَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ ثِقَةٌ، مَا فِيْهِ مَغْمَزٌ.
قَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: مَاتَ لِثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ (5) .
وَقَالَ يَحْيَى بنُ حَكِيْمٍ: لِثَمَانٍ بَقِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ.
وَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوْسِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ (6) ، فَوَهِمَ.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: سَنَةَ سَبْعٍ، فَصَحَّفَ.
أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ قُدَامَةَ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 11 / 281.
(2) " الجرح والتعديل " 6 / 159، و" تاريخ بغداد " 11 / 282.
(3) " تاريخ بغداد " 11 / 282.
(4) " الجرح والتعديل " 6 / 159.
(5) " تاريخ بغداد " 11 / 282.
(6) " تاريخ بغداد " 11 / 282.

(9/558)


كَلِمَةً، وَبَعْدَهَا أَشْعَرَ بُدْنَتَهُ وَقَلَّدَهَا، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى البَيْتِ، وَأَقَامَ بِالمَدِيْنَةِ، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1).

217 - الأَشْيَبُ الحَسَنُ بنُ مُوْسَى البَغْدَادِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، قَاضِي المَوْصِلِ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُوْسَى البَغْدَادِيُّ، الأَشْيَبُ.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ: ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَشُعْبَةَ، وَشَيْبَانَ، وَحَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَزُهَيْرَ بنَ مُعَاوِيَةَ، وَحَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَعِدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَإِسْحَاقُ بنُ الحَسَنِ الحَرْبِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
__________
(1) رقم (1321) (362) في الحج: باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم من طريق عبد الله بن مسلمة بن قعنب، عن أفلح بهد الإسناد بلفظ: فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم أشعرها وقلدها، ثم بعث بها إلى البيت، وأقام بالمدينة، فما حرم عليه شيء كان حلا له.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 337، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة: ت 3226، التاريخ الكبير 2 / 306، التاريخ الصغير 2 / 286، الجرح والتعديل 3 / 37، 38، تاريخ بغداد 7 / 426، تهذيب الكمال: لوحة 284، تذهيب التهذيب 1 / 146 / 1، العبر 1 / 357، ميزان الاعتدال 1 / 524، تذكرة الحفاظ 1 / 369، الكاشف 1 / 327، دول الإسلام: 128، تهذيب التهذيب 2 / 323، طبقات الحفاظ: 155، خلاصة تذهيب الكمال: 81.

(9/559)


وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ (1) .
وَلِيَ قَضَاءَ حِمْصَ، وَقَضَاءَ طَبَرِسْتَانَ، ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ المَوْصِلِ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، لاَ يُقَلِّدُ أَحَداً.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ الحَافِظُ: كَانَ بِالمَوْصِلِ بَيْعَةٌ قَدْ خَرِبَتْ، فَاجْتَمَعَ النَّصَارَى إِلَى الحَسَنِ الأَشَيْبِ، وَجَمَعُوا مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، عَلَى أَنْ يَحْكُمَ لَهُم بِهَا حَتَّى تُبْنَى، فَقَالَ: ادْفَعُوا المَالَ إِلَى بَعْضِ الشُّهُودِ.
فَلَمَّا حَضَرُوا بِالجَامِعِ، قَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِأَنِّي قَدْ حَكَمْتُ بِأَنْ لاَ تُبْنَى.
فَنَفَرَ النَّصَارَى، وَرَدَّ عَلَيْهِمُ المَالَ (2) .
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَاتَ الأَشَيْبُ بِالرَّيِّ، فَحَضَرتُ جِنَازَتَه (3) .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَلِيَ قَضَاءَ حِمْصَ وَالمَوْصِل لِهَارُوْنَ الرَّشِيْدِ، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ، إِلَى أَنْ وَلاَّهُ المَأْمُوْنُ قَضَاءَ طَبَرِسْتَانَ، فَتَوَجَّه إِلَيْهَا، فَمَاتَ بِالرَّيِّ، سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ (4) .

218 - مَنْصُوْرُ بنُ سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صَالِحٍ الخُزَاعِيُّ * (خَ، م، س)
الحَافِظُ، النَّاقِدُ، الحُجَّةُ، أَبُو سَلَمَةَ الخُزَاعِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
__________
(1) " الجرح والتعديل " 3 / 38.
(2) " تاريخ بغداد " 7 / 427.
(3) " الجرح والتعديل " 3 / 38.
(4) " الطبقات الكبرى " 7 / 337، 338.
(*) تاريخ ابن معين: 587، طبقات ابن سعد، 7 / 345، التاريخ الكبير 7 / 348، التاريخ الصغير 2 / 315، الجرح والتعديل 8 / 173، تاريخ بغداد 13 / 70، تهذيب الكمال: لوحة 1374، تذهيب التهذيب 4 / 71 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 358، الكاشف =

(9/560)


وُلِدَ: بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَيَعْقُوْبَ القُمِّيِّ، وَشَرِيْكٍ القَاضِي، وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَهُشَيْمٍ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ، بَصِيْراً بِالرِّجَالِ وَالعِلَلِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: قَالَ لِي أَبِي - وَقَدْ رَجَعنَا مِنْ عِنْدِ أَبِي سَلَمَةَ الخُزَاعِيِّ -: كَتَبْتَ اليَوْمَ عَنْ كَبْشٍ نَطَّاحٍ (1) .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ أَحَدُ الحُفَّاظِ الرُّفَعَاءِ، الَّذِيْنَ كَانُوا يُسْأَلُوْنَ عَنِ الرِّجَالِ، وَيُؤْخَذُ بِقَوْلِهُم، أَخَذَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُمَا عِلْمَ ذَلِكَ (2) .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، يَتَمَنَّعُ بِالحَدِيْثِ، ثُمَّ حَدَّثَ أَيَّاماً، وَخَرَجَ إِلَى الثَّغْرِ، فَمَاتَ بِالمَصِّيْصَةِ، سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ (3) .
وَفِيْهَا أَرَّخَهُ: أَبُو بَكْرٍ
__________
= 3 / 176، تهذيب التهذيب 10 / 308، طبقات الحفاظ: 162، خلاصة تذهيب الكمال: 387.
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 70.
(2) " تاريخ بغداد " 13 / 70، 71.
(3) " طبقات ابن سعد " 7 / 345.

(9/561)


الأَعْيَنُ، وَمُطَيَّنٌ.
وَقَالَ مُطَيَّنٌ مَرَّةً: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ.
وَالأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيْحُ.

219 - اليَزِيْدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بنُ المُبَارَكِ بنِ المُغِيْرَةِ *
شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بنُ المُبَارَكِ بنِ المُغِيْرَةِ العَدَوِيُّ، البَصْرِيُّ، النَّحْوِيُّ، وَعُرِفَ: بِالِيَزِيْدِيِّ؛ لاتِّصَالِهِ بِالأَمِيْرِ يَزِيْدَ بنِ مَنْصُوْرٍ؛ خَالِ المَهْدِيِّ، يُؤَدِّبُ وَلَدَه.
جَوَّدَ القُرْآنَ عَلَى: أَبِي عَمْرٍو المَازِنِيِّ، وَحَدَّثَ عَنْهُ، وَعَنِ: ابْنِ جُرَيْجٍ.
تَلاَ عَلَيْهِ خَلْقٌ، مِنْهُم: أَبُو عُمَرَ الدُّوْرِيُّ (1) ، وَأَبُو شُعَيْبٍ السُّوْسِيُّ (2) .
وَحَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُحَمَّدٌ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ المَوْصِلِيُّ.
وَرَوَى عَنْهُ قِرَاءةَ أَبِي عَمْرٍو: بَنُوْهُ؛ مُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَإِسْمَاعِيْلُ، وَإِسْحَاقُ، وَحَفِيْدُهُ؛ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو حَمْدُوْنَ الطَّيِّبُ، وَعَامِرٌ أُوْقِيَّةُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ خَلاَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُجَاعٍ، وَأَبُو أَيُّوْبَ الخَيَّاطُ، وَجَعْفَرٌ غُلاَمُ سَجَّادَةَ، وَمُحَمَّدُ
__________
(*) تاريخ بغداد 14 / 146، نزهة الالباء: 103، معجم الأدباء 20 / 30 - 32، وفيات الأعيان 6 / 183 - 191، العبر 1 / 38، دول الإسلام 1 / 126، عيون التواريخ 7 ورقة 156، طبقات القراء 2 / 375، النجوم الزاهرة 2 / 173، بغية الوعاة 2 / 340، خزانة الأدب 4 / 426، شذرات الذهب 2 / 4.
(1) هو حفص بن عمر بن عبد العزيز الدوري الثقة، إمام القراءة في زمانه، المتوفى سنة 246 ه، وسترد ترجمته في الجزء الحادي عشر ص 541.
(2) هو صالح بن زياد بن عبد الله أبو شعيب السوسي الرقي مقرئ ضابط محرر ثقة، من أجل أصحاب اليزيدي، أخذ عنه قراءة أبي عمرو، توفي سنة 261 ه.

(9/562)


بنُ سَعْدَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الرُّوْمِيُّ.
وَلَهُ اخْتِيَارٌ فِي القِرَاءةِ، لَمْ يَخْرُجْ فِيْهِ عَنِ السَّبْعِ (1) .
وَقَدْ أَدَّبَ المَأْمُوْنَ، وَعَظُمَ حَالُه، وَكَانَ ثِقَةً، عَالِماً، حُجَّةً فِي القِرَاءةِ، لاَ يَدْرِي مَا الحَدِيْثُ، لَكِنَّهُ أَخْبَارِيٌّ، نَحْوِيٌّ، عَلاَّمَةٌ، بَصِيْرٌ بِلِسَانِ العَرَبِ، أَخَذَ العَرَبِيَّةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَعَنِ الخَلِيْلِ.
وَأَلَّفَ كِتَابَ (النَّوَادِرِ)، وَكِتَابَ (المَقْصُوْرِ وَالمَمْدُوْدِ)، وَكِتَابَ (الشَّكْلِ)، وَكِتَابَ (نَوَادِرِ اللُّغَةِ)، وَكِتَابَ (النَّحْوِ).
وَكَانَ نَظِيْراً لِلْكِسَائِيِّ، يَجْلِسُ لِلنَّاسِ فِي مَسْجِدٍ مَعَ الكِسَائِيِّ لِلإِفَادَةِ، فَكَانَ يُؤَدِّبُ المَأْمُوْنَ، وَكَانَ الكِسَائِيُّ يُؤَدِّبُ الأَمِيْنَ (2) .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَمْدُوْنَ، قَالَ: شَهِدتُ ابْنَ أَبِي العَتَاهِيَةِ، وَكَتَبَ عَنِ اليَزِيْدِيِّ نَحْوَ عَشْرَةِ آلاَفِ وَرَقَةٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ خَاصَّةً (3) .
قُلْتُ: عَاشَ أَرْبَعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: بَلْ كَانَتْ وَفَاتُهُ بِمَرْوَ، فِي صَحَابَةِ المَأْمُوْنِ.

220 - عَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامِ بنِ نَافِعٍ الحِمْيَرِيُّ * (ع)
الحَافِظُ الكَبِيْرُ، عَالِمُ اليَمَنِ، أَبُو بَكْر الحِمْيَرِيُّ
__________
(1) في " غاية النهاية " 2 / 376: وله اختيار خالف فيه أبا عمرو في حروف يسيرة وهي عشرة. ثم ذكرها.
(2) " تاريخ بغداد " 14 / 147، و" عيون التواريخ " 7 / الورقة 157.
(3) " تاريخ بغداد " 14 / 147، و" عيون التواريخ " 7 / الورقة 157.
(*) تاريخ ابن معين: 362، طبقات ابن سعد 5 / 548، طبقات خليفة: ت 2673، التاريخ الكبير 6 / 130، التاريخ الصغير 2 / 320، الضعفاء للعقيلي: لوحة 265 - 266، =

(9/563)


مَوْلاَهُمْ، الصَّنْعَانِيُّ، الثِّقَةُ، الشِّيْعِيُّ.
ارْتَحَلَ إِلَى الحِجَازِ، وَالشَّامِ، وَالعِرَاقِ، وَسَافَرَ فِي تِجَارَةٍ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بن عُمَرَ، وَأَخِيْهِ؛ عَبْدِ اللهِ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ - فَأَكْثَرَ عَنْهُ - وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالمُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ، وَعُمَرَ بنِ ذَرٍّ، وَمُحَمَّدِ بنِ رَاشِدٍ، وَزَكَرِيَّا بنِ إِسْحَاقَ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْرَائِيْلَ بنِ يُوْنُسَ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَوَالِدِهِ؛ هَمَّامٍ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: شَيْخُهُ؛ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ رَاهَوَيْه، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَيَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مُوْسَى خَتُّ (1) ، وَالحَسَنُ بنُ أَبِي الرَّبِيْعِ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ السُّلَمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَسَلَمَةُ بنُ
__________
= الجرح والتعديل 6 / 38، الكامل لابن عدي 4 / 640، الفهرست لابن النديم: 228، وفيات الأعيان 3 / 216، 217، تهذيب الكمال: لوحة 831، تذهيب التهذيب 2 / 230 / 1، العبر 1 / 360، ميزان الاعتدال 2 / 609، تذكرة الحفاظ 1 / 364، دول الإسلام 1 / 129، عيون التواريخ 7 / 276، البداية والنهاية 10 / 265، شرح علل الترمذي لابن رجب 2 / 577 - 581 و585، تهذيب التهذيب 6 / 310، النجوم الزاهرة 2 / 202، طبقات الحفاظ / 154، خلاصة تذهيب الكمال: 238، شذرات الذهب 2 / 27.
(1) هو يحيى بن موسى البلخي الختي من شيوخ البخاري، ويقال له: خت. انظر " تبصير المنتبه " 1 / 303، 304.

(9/564)


شَبِيْبٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّبَرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سُوَيْدٍ الشِّبَامِيُّ (1) ، وَالحَسَنُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى البَوْسِيُّ (2) ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَرَّةَ الصَّنْعَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ المِصْرِيُّ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَمَّادٍ الطِّهْرَانِيُّ (3) ، وَمُؤَمَّلُ بنُ إِهَابٍ.
قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ (4) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ:
لَزِمْتُ مَعْمَراً ثَمَانِيَ سِنِيْنَ، حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى، وَابْنُ مَعِيْنٍ (5) .
عَبَّاسٌ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ:
كَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي حَدِيْثِ مَعْمَرٍ أَثْبَتَ مِنْ هِشَامِ بنِ يُوْسُفَ، وَكَانَ هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ أَثْبَتَ مِنْهُ فِي حَدِيْثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَقرَأَ لِكُتُبِ ابْنِ جُرَيْجٍ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (6) .
أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، قَالَ:
أَتَيْنَا عَبْدَ الرَّزَّاقِ قَبْلَ المائَتَيْنِ، وَهُوَ صَحِيْحُ البَصْرِ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ مَا ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَهُوَ ضَعِيْفُ السَّمَاعِ (7) .
وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: إِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ
__________
(1) نسبة إلى شبام: مدينة باليمن بالقرب من صنعاء ": الأنساب " 7 / 280.
(2) نسبة إلى بوس: قرية بصنعاء اليمن يقال لها: بيت بوس.
(3) نسبة إلى طهرن.
انظر " الأنساب " 8 / 274.
(4) " تهذيب الكمال: " لوحة 832.
(5) " الجرح والتعديل " 6 / 38.
(6) " تاريخ يحيى بن معين ": 364.
(7) " تاريخ أبي زرعة الدمشقي " 1 / 457.

(9/565)


مَعْمَرٍ، فَالحَدِيْثُ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: قَالَ لِي هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ: كَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَعْلَمَنَا، وَأَحْفَظَنَا (1) .
قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ النُّظَرَاءُ يَعتَرِفُوْنَ لأَقْرَانِهِم بِالحِفْظِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَا كَانَ أَعْلَمَ عَبْدَ الرَّزَّاقِ بِمَعْمَرٍ وَأَحْفَظَهُ عَنْهُ! وَكَانَ هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ فَصِيْحاً، يَبْتَدِعُ الخُطبَةَ عَلَى المِنْبَرِ.
قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: فَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي سُفْيَانَ؟
قَالَ: مِثْلُهُم -يَعْنِي: قَبِيْصَةَ، وَالفِرْيَابِيَّ، وَعُبَيْدَ اللهِ، وَابْنَ يَمَانٍ (2) -.
قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ: ثِقَةٌ، كَانَ يَتَشَيَّعُ.
وَفِي (المُسْنَدِ)، قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ:
مَا كَانَ فِي قَرْيَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِئْرٌ، فَكُنَّا نَذهَبُ نُبَكِّرُ عَلَى مِيْلَيْنِ نَتَوَضَّأُ، وَنَحمِلُ مَعَنَا المَاءَ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ يَقُوْلُ:
كُنْتُ مَعَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَجَاءنَا يَوْمُ الفِطْرِ، فَخَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ إِلَى المُصَلَّى، وَمَعَنَا نَاسٌ كَثِيْرٌ، فَلَمَّا رَجَعْنَا، دَعَانَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ إِلَى الغَدَاءِ، ثُمَّ قَالَ لأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ: رَأَيْتُ اليَوْمَ مِنْكُمَا عَجَباً، لَمْ تُكَبِّرَا!
فَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! كُنَّا نَنْتَظِرُ هَلْ تُكَبِّرُ، فَنُكَبِّرَ، فَلَمَّا رَأَينَاكَ لَمْ تُكَبِّرْ، أَمسَكْنَا.
قَالَ: وَأَنَا كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَيْكُمَا، هَلْ تُكَبِّرَانِ، فَأُكَبِّرَ.
__________
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 832.
(2) انظر " الجرح والتعديل " 6 / 39، و" تهذيب الكمال ": لوحة 832.

(9/566)


مَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ: صَارَ مَعْمَرٌ هَلِيْلَجَةً (1) فِي فَمِي.
الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ فَيَّاضَ بنَ زُهَيْرٍ النَّسَائِيَّ يَقُوْلُ:
تَشَفَّعْنَا بِامْرَأَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَلَيْهِ، فَدَخَلْنَا، فَقَالَ: هَاتُوا، تَشَفَّعتُم إِلَيَّ بِمَنْ يَنْقَلِبُ مَعِيَ عَلَى فِرَاشِي؟
ثُمَّ قَالَ:
لَيْسَ الشَّفِيْعُ الَّذِي يَأْتِيْكَ مُتَّزِراً ... مِثْلَ الشَّفِيْعِ الَّذِي يَأْتِيْكَ عُرْيَانَا
عَبَّاسٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ بِشْرُ بنُ السَّرِيِّ:
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَدِمتُ مَكَّةَ مَرَّةً، فَأَتَانِي أَصْحَابُ الحَدِيْثِ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ انْقَطَعُوا عَنِّي يَوْمَيْنِ - أَوْ ثَلاَثَةً - فَقُلْتُ: يَا رَبِّ مَا شَأْنِي؟ أَكَذَّابٌ أَنَا؟ أَيُّ شَيْءٍ أَنَا؟
قَالَ: فَجَاؤُونِي بَعْدَ ذَلِكَ (2) .
المُفَضَّلُ الجَنَدِيُّ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ:
أَخزَى اللهُ سِلْعَةً لاَ تَنْفُقُ إِلاَّ بَعْدَ الكِبَرِ وَالضَّعْفِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَحَدُهُم مائَةَ سَنَةٍ، كُتِبَ عَنْهُ، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ:كَذَّابٌ، فَيُبطِلُوْنَ عِلْمَهُ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: مُبتَدِعٌ، فَيُبطِلُوْنَ عِلْمَهُ، فَمَا أَقَلَّ مَنْ يَنجُوَ مِنْ ذَلِكَ.
مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ: عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ لِي وَكِيْعٌ:
أَنْتَ رَجُلٌ عِنْدَكَ حَدِيْثٌ، وَحِفظُكَ لَيْسَ بِذَاكَ، فَإِذَا سُئِلتَ عَنْ حَدِيْثٍ، فَلاَ تَقُلْ: لَيْسَ هُوَ عِنْدِي، وَلَكِنْ قُلْ: لاَ أَحفَظُهُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي (المُسْنَدِ): قَالَ يَحْيَى بنُ
__________
الهليلج والاهليلج: ثمر يتخذ في العقاقير، انظر خواصه في " المعتمد " 536، 539.
(2) " تاريخ يحيى بن معين ": 363.

(9/567)


مَعِيْنٍ: قَالَ لِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ: اكْتُبْ عَنِّي حَدِيْثاً وَاحِداً مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ.
قُلْتُ: لاَ، وَلاَ حَرْفٍ.
ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَعِيْنٍ، قَالَ لِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ اليَمَنَ:
يَا فَتَى! مَا تُرِيْدُ إِلَى هَذِهِ الأَحَادِيْثِ، سَمِعْنَا وَعَرَضنَا، وَكُلٌّ سَمَاعٌ؟
وَقَالَ لِي: إِنَّ هَذِهِ الكُتُبَ كَتَبَهَا لِيَ الوَرَّاقُوْنَ، سَمِعْنَاهَا مَعَ أَبِي (1) .
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَعَبَّاسٌ - وَاللَّفْظُ لَهُ -: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ السُّوَيْدِيُّ:
جَاؤُوا إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِأَحَادِيْثَ كَتَبُوْهَا، لَيْسَتْ مِنْ حَدِيْثِهِ، فَقَالُوا لَهُ: اقْرَأْهَا عَلَيْنَا.
فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُهَا.
فَقَالُوا: اقْرَأْهَا عَلَيْنَا، وَلاَ تَقُلْ فِيْهَا: حَدَّثَنَا، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِم (2) .
قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ فِي حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: حَدَّثَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ (النَّارُ جُبَارٌ (3)): لَمْ يَكُنْ فِي الكُتُبِ، بَاطِلٌ، رَوَاهَا: الأَثْرَمُ، عَنْ أَحْمَدَ، وَزَادَ:
ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ؟
قُلْتُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ شَبُّوَيْه.
قَالَ: هَؤُلاَءِ سَمِعُوا بَعْدَ مَا عَمِيَ، كَانَ يُلَقَّنُ،
__________
(1) " تاريخ يحيى بن معين ": 363.
(2) " تاريخ يحيى بن معين ": 363، و" الجرح والتعديل " 6 / 39.
(3) أخرجه أبو داود (4594) في الديات: باب في النار تعدى، وابن ماجة (2676)، في الديات: باب الجبار، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة، ولم ينفرد عبد الرزاق به، فقد تابعه عبد الملك الصنعاني، وفي الباب عن أنس عند النسائي وابن عدي.
قال الخطابي: والحديث متأول على النار يوقدها الرجل في ملكه لحاجة له فيها، فتطير بها الريح، فتشعلها في بناء أو متاع لغيره من حيث لا يملك ردها، فيكون هدرا غير مضمون عليه.

(9/568)


فَلَقَّنُوْهُ، وَلَيْسَ فِي كُتُبِهِ، وَقَدْ أَسنَدُوا عَنْهُ أَحَادِيْثَ لَيْسَتْ فِي كُتُبِهِ (1) .
قُلْتُ: أَظُنُّهَا تَصَحَّفَتْ عَلَيْهِم، فَإِنَّ النَّارَ قَدْ تُكْتَبُ (النِّيْرَ) عَلَى الإِمَالَةِ بِيَاءٍ، عَلَى هَيْئَةِ (البِيْرِ)، فَوَقَعَ التَّصْحِيْفُ (2) .
ابْنُ أَبِي العَقِبِ، وَأَبُو المَيْمُوْنِ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنِي مَحْمُوْدُ بنُ سُمَيْعٍ، سَمِعَ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ يَقُوْلُ:
قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: رَأَيْتَ أَحْسَنَ حَدِيْثاً مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ كَاتِبُهُ: مَا أَدْرِي مَا عَنَى أَحْمَدُ بِحُسْنِ حَدِيْثِهِ، هَلْ هُوَ جُوْدَةُ الإِسْنَادِ، أَوِ المَتْنِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي السَّرِيِّ، قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ: مَا رَأْيُكَ أَنْتَ؟
يَعْنِي: فِي التَّفْضِيْلِ.
قَالَ: فَأَبَى أَنْ يُخْبِرَنِي، وَقَالَ: كَانَ سُفْيَانُ يَقُوْلُ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَيَسْكُتُ.
ثُمَّ قَالَ لِي سُفْيَانُ: أُحِبُّ أَنْ أَخْلُوَ بِأَبِي عُرْوَةَ -يَعْنِي: مَعْمَراً-.
فَقُلْنَا لِمَعْمَرٍ، فَقَالَ: نَعَمْ.
فَخَلاَ بِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قُلْتُ: يَا أَبَا عُرْوَةَ! كَيْفَ رَأَيْتَهُ؟
قَالَ: هُوَ رَجُلٌ، إِلاَّ أَنَّهُ قَلَّمَا تُكَاشِفُ كُوْفِيّاً، إِلاَّ وَجَدتَ فِيْهِ شَيْئاً - يُرِيْدُ: التَّشَيُّعَ -.
ثُمَّ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَكَانَ مَالِكٌ يَقُوْلُ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَيَسكُتُ.
وَكَانَ مَعْمَرٌ يَقُوْلُ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَيَسكُتُ، وَمِثْلُه كَانَ يَقُوْلُ هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ (3).
__________
(1) أورده الحافظ ابن رجب في " شرح العلل " 2 / 579، 580.
(2) في " معالم السنن " 4 / 40، 41: ومن قال: هو تصحيف " البئر " احتج في
ذلك بأن أهل اليمن يسمون النار " النير " يكسرون النون منها، فسمعه بعضهم على الامالة فكتبه بالياء، ثم نقله الرواة مصحفا.
(3) الخبر في " تاريخ الفسوي " 2 / 806 باختلاف يسير.

(9/569)


قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي: أَكَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يُفْرِطُ فِي التَّشَيُّعِ؟
قَالَ: أَمَّا أَنَا، فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ فِي هَذَا شَيْئاً، وَلَكِنَّ رَجُلاً يُعْجِبُهُ أَخْبَارُ النَّاسِ، أَوِ الأَخْبَارُ (1).
مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ الضُّرَيْسِ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيَّ عَنْ حَدِيْثٍ لِجَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، فَقُلْتُ: رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ؟
فَقَالَ: فَقَدتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ، مَا أَفسَدَ جَعْفَراً غَيْرَهُ -يَعْنِي: فِي التَّشَيُّعِ (2) -.
قُلْتُ أَنَا: بَلْ مَا أَفسَدَ عَبْدَ الرَّزَّاقِ سِوَى جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ بُكَيْرٍ الحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ يَزِيْدَ البَصْرِيُّ، سَمِعْتُ مَخْلَداً الشَّعِيْرِيَّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَذَكَرَ رَجُلٌ مُعَاويَةَ، فَقَالَ: لاَ تُقَذِّرْ مَجْلِسَنَا بِذِكْرِ وَلَدِ أَبِي سُفْيَانَ (3) !
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: تَخْشَى السِّنَّ عَلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ؟
فَقَالَ: أَمَّا حَيْثُ رَأَينَاهُ، فَمَا كَانَ بَلَغَ الثَّمَانِيْنَ، نَحْوٌ مِنْ سَبْعِيْنَ.
ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ السُّوَيْدِيُّ أَنَّ قَوْماً مِنَ الخُرَاسَانِيَّةِ - مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ - جَاؤُوا إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِأَحَادِيْثَ لِلْقَاضِي هِشَامِ بنِ يُوْسُفَ، تَلَقَّطُوهَا عَنْ مَعْمَرٍ، مِنْ حَدِيْثِ هِشَامٍ وَابْنِ ثَوْرٍ، وَكَانَ ابْنُ ثَوْرٍ ثِقَةً، فَجَاؤُوا بِهَا إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَنَظَرَ فِيْهَا، فَقَالَ: بَعْضُهَا سَمِعْتُهَا، وَبَعْضُهَا لاَ أَعْرِفُهَا وَلَمْ أَسْمَعْهَا.
قَالَ: فَلَمْ
__________
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 832.
(2) " تهذيب الكمال ": لوحة 832.
(3) " الضعفاء ": لوحة 265.

(9/570)


يُفَارِقُوهُ حَتَّى قَرَأَهَا، وَلَمْ يَقُلْ لَهُم: حَدَّثَنَا، وَلاَ أَخْبَرَنَا.
حَدَّثَنِي السُّوَيْدِيُّ بِهَذَا.
آدَمُ بنُ مُوْسَى: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ مَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ، فَهُوَ أَصَحُّ (1).
أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المُسْنَدِيُّ، قَالَ:
وَدَّعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، فَقُلْتُ: أَتُرِيْدُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ؟
قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ مِنَ الَّذِيْنَ ضَلَّ سَعْيُهُم فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا (2) .
عَبَّاسٌ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ، قَالَ هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ:
عَرَضَ مَعْمَرٌ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ عَلَى هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ، إِلاَّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهَا نَيِّفاً وَثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً (3) -يَعْنِي: صَحِيْفَةَ هَمَّامٍ الَّتِي رَوَاهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْهُ، وَهِيَ مائَةٌ وَنَيِّفٌ وَثَلاَثُوْنَ حَدِيْثاً، أَكْثَرُهَا فِي (الصَّحِيْحَيْنِ).
العُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) لَهُ، فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمَّادٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عُثْمَانَ الثَّقَفِيَّ، قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيْمِ مِنْ عِنْدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ صَنْعَاءَ، قَالَ لَنَا- وَنَحْنُ جَمَاعَةٌ -: أَلَسْتُ قَدْ تَجَشَّمْتُ الخُرُوْجَ إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ؟ فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ، وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، حَتَّى سَمِعْتُ مِنْهُ مَا أَرَدْتُ، وَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، إِنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ كَذَّابٌ، وَالوَاقِدِيُّ أَصْدَقُ مِنْهُ (4).
قُلْتُ: بَلْ -وَاللهِ- مَا بَرَّ عَبَّاسٌ فِي يَمِيْنِهِ، وَلَبِئْسَ مَا قَالَ، يَعْمَدُ إِلَى
__________
(1) " التاريخ الكبير " 6 / 130.
(2) " الضعفاء " للعقيلي: لوحة 265.
(3) " تاريخ ابن معين ": 577.
(4) " الضعفاء " للعقيلي: لوحة 265.

(9/571)


شَيْخِ الإِسْلاَمِ، وَمُحَدِّثِ الوَقْتِ، وَمَنِ احْتَجَّ بِهِ كُلُّ أَربَابِ الصِّحَاحِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَوهَامٌ مَغْمُورَةٌ، وَغَيْرُهُ أَبرَعُ فِي الحَدِيْثِ مِنْهُ، فَيَرْمِيهِ بِالكَذِبِ، وَيُقَدِّمُ عَلَيْهِ الوَاقِدِيَّ الَّذِي أَجْمَعَتِ الحُفَّاظُ عَلَى تَرْكِهِ، فَهُوَ فِي مَقَالَتِهِ هَذِهِ خَارِقٌ لِلإِجْمَاعِ بِيَقِيْنٍ.
قَالَ العُقَيْلِيُّ (1) : سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ الصَّنْعَانِيَّ يَقُوْلُ:
كَانَ زَيْدُ بنُ المُبَارَكِ قَدْ لَزِمَ عَبْدَ الرَّزَّاقِ، فَأَكْثَرَ عَنْهُ، ثُمَّ خَرَقَ كُتُبَهُ، وَلَزِمَ مُحَمَّدَ بنَ ثَوْرٍ، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:
كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَحَدَّثَنَا بِحَدِيْثِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ...، الحَدِيْثَ الطَّوِيْلَ (2) ، فَلَمَّا قَرَأَ قَوْلَ عُمَرَ لِعَلِيٍّ وَالعَبَّاسِ: فَجِئْتَ أَنْتَ تَطْلُبَ مِيْرَاثَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيْكَ، وَجَاءَ هَذَا يَطلُبُ مِيْرَاثَ امْرَأَتِهِ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ:
انْظُرُوا إِلَى الأَنْوَكِ، يَقُوْلُ: تَطلُبُ أَنْتَ مِيْرَاثَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيْكَ، وَيَطلُبُ هَذَا مِيْرَاثَ زَوْجَتِهِ مِنْ أَبِيْهَا، لاَ يَقُوْلُ: رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَ زَيْدُ بنُ المُبَارَكِ: فَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ، وَلاَ أَرْوِي عَنْهُ.
قُلْتُ: هَذِهِ عَظِيْمَةٌ، وَمَا فَهِمَ قَوْلَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُمَرَ، فَإِنَّكَ يَا هَذَا لَوْ سَكَتَّ، لَكَانَ أَوْلَى بِكَ، فَإِنَّ عُمَرَ إِنَّمَا كَانَ فِي مَقَامِ تَبْيِيْنِ العُمُوْمَةِ وَالبُنُوَّةِ، وَإِلاَّ فَعُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَعْلَمُ بِحَقِّ المُصْطَفَى، وَبِتَوقِيْرِهِ، وَتَعْظِيْمِهِ مِنْ كُلِّ مُتَحَذْلِقٍ مُتَنَطِّعٍ، بَلِ الصَّوَابُ أَنْ نَقُوْلَ عَنْكَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الأَنْوَكِ الفَاعِلِ - عَفَا اللهُ عَنْهُ - كَيْفَ يَقُوْلُ عَنْ عُمَرَ هَذَا، وَلاَ يَقُوْلُ: قَالَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ الفَارُوْقُ؟ وَبِكُلِّ حَالٍ، فَنَسْتَغْفِرُ اللهَ لَنَا وَلِعَبْدِ
__________
(1) في كتاب: " الضعفاء ": 265 و266.
(2) انظره بطوله في البخاري 12 / 4، 5 في الفرائض: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نورث، ما تركنا صدقة "، ومسلم (1757)، في الجهاد: باب حكم الفئ، وأبي داود (2963)، والترمذي (1610)، والنسائي 7 / 136، 137.

(9/572)


الرَّزَّاقِ، فَإِنَّهُ مَأْمُوْنٌ عَلَى حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَادِقٌ.
قَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ الصِّرَارِيَّ يَقُوْلُ:
بَلَغَنَا - وَنَحْنُ بِصَنْعَاءَ، عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ - أَنَّ أَصْحَابَنَا يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَغَيْرَهُمَا تَرَكُوا حَدِيْثَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَكَرِهُوهُ، فَدَخَلَنَا مِنْ ذَلِكَ غَمٌّ شَدِيْدٌ، وَقُلْنَا: قَدْ أَنْفَقْنَا، وَرَحَلْنَا، وَتَعِبْنَا، فَلَمْ أَزَلْ فِي غَمٍّ مِنْ ذَلِكَ إِلَى وَقْتِ الحَجِّ، فَخَرَجتُ إِلَى مَكَّةَ، فَلَقِيْتُ بِهَا يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا! مَا نَزَلَ بِنَا مِنْ شَيْءٍ بَلَغَنَا عَنْكُم فِي عَبْدِ الرَّزَّاقِ؟
قَالَ: وَمَا هُوَ؟
قُلْنَا: بَلَغَنَا أَنَّكُم تَرَكْتُم حَدِيْثَهُ، وَرَغِبْتُم عَنْهُ.
قَالَ: يَا أَبَا صَالِحٍ! لَوِ ارْتَدَّ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الإِسْلاَمِ، مَا تَرَكْنَا حَدِيْثَهُ (1) .
أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ - وَبَلَغَهُ أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ تَكَلَّمَ فِي عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى بِسَبَبِ التَّشَيُّعِ - فَقَالَ يَحْيَى:
وَاللهِ العَظِيْمِ، لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي هَذَا المَعْنَى أَكْثَرَ مِمَّا يَقُوْلُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَلَكِنْ خَافَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَنْ تَذْهَبَ رِحْلَتُهُ إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ - أَوْ كَمَا قَالَ (2) - رَوَاهَا ثِقَتَانِ عَنْهُ.
أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: أَنْبَؤُوْنَا عَنْ بَرَكَاتٍ الخُشُوْعِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَالِبٍ اليُوْسُفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ البَرْمَكِيُّ، حَدَّثَنَا القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ سَلَمَةَ بنَ شَبِيْبٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ:
مَا انْشَرَحَ صَدْرِي قَطُّ أَنْ أُفَضِّلَ عَلِيّاً عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَرَحِمَهُمَا اللهُ،
__________
(1) " الضعفاء " للعقيلي: 266.
(2) " تهذيب الكمال ": لوحة 832.

(9/573)


وَرَحِمَ عُثْمَانَ وَعَلِيّاً، مَنْ لَمْ يُحِبَّهُم، فَمَا هُوَ بِمُؤْمِنٍ، أَوْثَقُ عَمَلِي حُبِّي إِيَّاهُم (1) .
أَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرقِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ:
أُفَضِّلُ الشَّيْخَيْنِ بِتَفْضِيْلِ عَلِيٍّ إِيَّاهُمَا عَلَى نَفْسِهِ، كَفَى بِي إِزْرَاءً أَنْ أُخَالِفَ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (2) -.
عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَيَّارٍ الفَرْهِيَانِيُّ (3) : حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيْمِ، عَنْ زَيْدِ بنِ المُبَارَكِ، قَالَ:
كَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كَذَّاباً، يَسْرِقُ الحَدِيْثَ.
وَذَكَرَهُ: أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ فِي (كَامِلِهِ)، فَقَالَ:
نَسَبُوْهُ إِلَى التَّشَيُّعِ، وَرَوَى أَحَادِيْثَ فِي الفَضَائِلِ لاَ يُوَافَقُ عَلَيْهَا، فَهَذَا أَعْظَمُ مَا ذَمُّوهُ بِهِ مِنْ رِوَايَتِهِ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ، وَلِمَا رَوَاهُ فِي مَثَالِبِ غَيْرِهِم مِمَّا لَمْ أَذْكُرْهُ، وَأَمَّا الصِّدْقُ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ أَحَادِيْثُ فِي أَهْلِ البَيْتِ، وَمثَالِبُ آخَرِيْنَ مَنَاكِيْرُ، وَقَدْ سَمِعْتُ ابْنَ حَمَّادٍ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ الصِّرَارِيَّ...، فَذَكَرَ حِكَايَتَه، وَقَوْلَ يَحْيَى: لَوِ ارْتَدَّ، مَا تَرَكنَا حَدِيْثَهُ (4) .
وَقَدْ أَوْرَد أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ تَرْجَمَةَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي سَبْعَ عَشْرَةَ وَرَقَةً، وَأَفظَعُ حَدِيْثٍ لَهُ، مَا تَفَرَّد بِهِ عَنْهُ الثِّقَةُ أَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ فِي مَنَاقِبِ الإِمَامِ عَلِيٍّ، فَإِنَّهُ شِبْهُ مَوْضُوْعٍ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سُفْيَانَ
__________
(1) " تهذيب الكمال ": لوحة 832.
(2) " تهذيب الكمال ": لوحة 832.
(3) ويقل: الفرهاذاني نسبة إلى فرهاذان قرية من قرى نسا بخراسان.
(4) " الكامل " لابن عدي 4 / 640 و642.

(9/574)


الصَّنْعَانِيُّ النَّجَّارُ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
نَظَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: (أَنْتَ سَيِّدٌ فِي الدُّنْيَا، سَيِّدٌ فِي الآخِرَةِ، حَبِيْبُكَ حَبِيْبِي، وَحَبِيْبِي حَبِيْبُ اللهِ، وَعَدُوُّكَ عَدُوِّي، وَعَدُوِّي عَدُوُّ اللهِ، فَالوَيْلُ لِمَنْ أَبْغَضَكَ بَعْدِي (1)).
قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَ بِهِ أَبُو الأَزْهَرِ بِبَغْدَادَ، فِي حَيَاةِ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَأَنْكَرَهُ مَنْ أَنْكَرَهُ، حَتَّى تَبَيَّنَ لِلْجَمَاعَةِ أَنَّ أَبَا الأَزْهَرِ بَرِيْءُ السَّاحَةِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ صَادِقٌ.
وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ المُذَكِّرُ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ...، فَذَكَرَهُ.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوْنَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ النَّجَّارُ...، فَذَكَرَهُ.
وَسَمِعْتُ (2) أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يَحْيَى التُّسْتَرِيَّ يَقُوْلُ:
لَمَّا حَدَّثَ أَبُو الأَزْهَرِ بِهَذَا فِي الفَضَائِلِ، أُخْبِرَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ بِذَلِكَ، فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَهُ فِي جَمَاعَةِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، إِذْ قَالَ:
مَنْ هَذَا الكَذَّابُ النَّيْسَابُوْرِيُّ الَّذِي حَدَّثَ بِهَذَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ؟
فَقَامَ أَبُو الأَزْهَرِ، فَقَالَ: هُوَ ذَا أَنَا.
فَتَبَسَّم يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَقَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَسْتَ بِكَذَّابٍ.
وَتَعَجَّبَ مِنْ سَلاَمتِهِ، وَقَالَ: الذَّنْبُ لِغَيْرِكَ فِيْهِ.
وَسَمِعْتُ (2) أَبَا أَحْمَدَ الحَافِظَ، سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ بنَ الشَّرْقِيِّ، وَسُئِلَ عَنْ حَدِيْثِ أَبِي الأَزْهَرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي فَضْلِ عَلِيٍّ، فَقَالَ:
هَذَا بَاطِلٌ، وَالسَّبَبُ فِيْهِ: أَنَّ مَعْمَراً كَانَ لَهُ ابْنُ أَخٍ رَافِضِيٌّ، وَكَانَ مَعْمَرٌ يُمَكِّنُهُ مِنْ كُتُبِهِ، فَأَدخَلَ عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيْثَ، وَكَانَ مَعْمَرٌ مَهِيْباً، لاَ يَقْدِرُ
__________
(1) انظر " تهذيب الكمال " ترجمة أبي الأزهر فقد بسط الكلام على الحديث هناك.
(2) القائل هو الحاكم.

(9/575)


أَحَدٌ عَلَى مُرَاجَعَتِهِ، فَسَمِعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي كِتَابِ ابْنِ أَخِي مَعْمَرٍ.
قُلْتُ: هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَمَا كَانَ مَعْمَرٌ شَيْخاً مُغَفَّلاً يَرُوْجُ هَذَا عَلَيْهِ، كَانَ حَافِظاً، بَصِيْراً بِحَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ.
قَالَ مَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ، قَالَ:
خَرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ إِلَى قَرْيَتِهِ، فَبَكَّرْتُ إِلَيْهِ يَوْماً، حَتَّى خَشِيْتُ عَلَى نَفْسِي مِنَ البُكُورِ، فَوَصَلتُ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا خَرَجَ، رَآنِي، فَأَعْجَبَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ، دَعَانِي، وَقرَأَ عَلَيَّ هَذَا الحَدِيْثَ، وَخَصَّنِي بِهِ دُوْنَ أَصْحَابِي.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا سَالِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ ابْنُ شَاتِيْلَ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ:
دَخَلْتُ أَنَا وَابْنُ فَيْرُوْزٍ مَوْلَى عُثْمَانَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ فَيْرُوْزٍ:
يَا أَبَا عَبَّاسٍ: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ...} الآيَةُ [السَّجْدَةُ: 5].
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ فَيْرُوْزٍ.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ}.
فَقَالَ: أَسْأَلُكَ يَا أَبَا عَبَّاسٍ؟
قَالَ: أَيَّامٌ سَمَّاهَا اللهُ، هُوَ أَعْلَمُ بِهَا، أَكْرَهُ أَنْ أَقُوْلَ فِيْهَا مَا لاَ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: فَضَرَبَ الدَّهْرُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، فَسُئِلَ عَنْهَا، فَلَمْ يَدرِ مَا يَقُوْلُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَلاَ أُخْبِرُكَ مَا حَضَرتُ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؟
فَأَخْبَرتُهُ، فَقَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ لِلسَّائِلِ: هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَدِ اتَّقَى

(9/576)


أَنْ يَقُوْلَ فِيْهَا، وَهُوَ أَعْلَى مِنِّي (1) .
وَبِهِ: إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ:
كَانَ عَدِيُّ بنُ أَرْطَاةَ يَبْعَثُ إِلَى الحَسَنِ كُلَّ يَوْمٍ قِعَاباً (2) مِنْ ثَرِيْدٍ، فَيَأْكُلُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ عَدِيٌّ أَمِيْراً عَلَى البَصْرَةِ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.
وَبِهِ: إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، حَدَّثَنِي مَنْصُوْرٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَقَّارِ بنِ المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِيْهِ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنِ اكْتَوَى أَوِ اسْتَرْقَى، فَقَدْ برِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ (3)).
وَبِهِ: إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ، فَقَالَ: (أَيْنَ فُلاَنَةُ؟).
قَالُوا: اشْتَكَتْ عَيْنَهَا.
فَقَالَ: (اسْتَرْقُوا لَهَا، فَقَدْ أَعَجَبَتْنِي عَيْنَاهَا (4)).
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَكُمُ الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي شَرِيْكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِمْلاَءً، قَالَ:
قُرِئَ عَلَى أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ
__________
(1) رجاله ثقات، وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 5 / 171، 172، ونسبه إلى عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في " المصاحف " والحاكم وصححه.
(2) القعب: القدح الضخم الغليظ، وقيل: هو قدح من خشب مقعر.
(3) إسناده صحيح، وأخرجه الترمذي (2056) في الطب: باب ما جاء في كراهية الرقية، من طريق محمد بن بشار، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان بهذا الإسناد، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقد تحرف فيه " عقار " إلى " عفان " - وأخرجه أحمد 4 / 253 من طريقين عن شعبة، عن منصور به، وأخرجه ابن ماجة (3489) في الطب: باب الكي من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن إسماعيل ابن علية، عن ليث، عن مجاهد به.
(4) رجاله ثقات، لكنه مرسل، ومراسيل الزهري شبه الريح.

(9/577)


القَاضِي - وَأَنَا أَسْمَعُ - فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، قِيْلَ لَهُ:
حَدَّثَكُم أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ سَيَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسٌ، قَالَ:
فُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ الصَّلَوَاتُ خَمْسِيْنَ، ثُمَّ نَقَصَتْ إِلَى خَمْسٍ، ثُمَّ نُودِيَ: (يَا مُحَمَّدُ! إِنَّهُ لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، وَإِنَّ لَكَ بِالخَمْسِ خَمْسِيْنَ (1)).
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الكَاتِبُ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَبْدِ المُحْسِنِ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَكِّيٍّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي؛ أَبُو طَاهِرٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بنُ مَنْصُوْرٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَعْقِلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ:
فُرِضَتْ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ الصَّلَوَاتُ خَمْسِيْنَ، ثُمَّ نَقَصَتْ حَتَّى جُعِلَتْ خَمْساً، ثُمَّ نُودِيَ: (يَا مُحَمَّدُ! إِنَّهُ لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، وَإِنَّ لَكَ بِهَذِهِ الخَمْسِ خَمْسِيْنَ).
أَخْرَجَه: التِّرْمِذِيُّ، عَنِ الذُّهْلِيِّ (2).
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الهَمَذَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ (ح).
وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ القَاضِي (ح).
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ، عَنْ
__________
(1) إسناده صحيح، وهو في " المصنف " (1768)، وانظر ما بعده.
(2) رقم (213) في الصلاة: باب ما جاءكم فرض الله على عباده من الصلوات، وهو من طريق آخر من حديث الاسراء الطويل أخرجه البخاري 6 / 217، 220، في بدء الخلق: باب ذكر الملائكة، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب المعراج، ومسلم (162) في الايمان: باب الاسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات، والنسائي 1 / 217، 223 في الصلاة: باب فرض الصلاة.

(9/578)


عَبْد المُعِزِّ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الزَّاهِدُ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ السُّكَّرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، وَعُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، كَانُوا يَنْزِلُوْنَ المُحَصَّبَ (1) .
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَالَ عُمَرُ: يَا أَسْلَمُ! لاَ يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفاً، وَلاَ بُغْضُكَ تَلَفاً.
قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟
قَالَ: إِذَا أَحبَبتَ، فَلاَ تَكْلَفْ كَمَا يَكْلَفُ الصَّبِيُّ، وَإِذَا أَبْغَضْتَ، فَلاَ تُبْغِضْ بُغْضاً تُحِبُّ أَنْ يَتْلَفَ صَاحِبُك وَيَهْلِكَ (2) .
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ بَطْحَاءَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنِي الحُسَيْنُ بنُ دَاوُدَ بنِ مُعَاذٍ البَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ
__________
(1) وأخرجه مسلم (1310) في الحج: باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر، من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد.
والمحصب يقع بأعلى مكة، حرسها الله، وهو براح من الأرض بينه وبين منى قدر ميل، ويسمى أيضا الحصباء والحصبة، وهو الابطح، والبطحاء، وخيف بني كنانة، ولم يعد المحصب في هذا العصر براحا من الأرض، فقد شغلته دور أهل مكة حتى كادت تصل بين مكة ومنى.
(2) إسناده صحيح.

(9/579)


وَجَلَّ: {وُجُوْهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، قَالَ: تَنْظُرُ فِي وَجْهِ الرَّحْمَنِ -عَزَّ وَجَلَّ (1) -.
تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ:
كَانَ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ حِيْنَ قَدِمَ ابْنُ جُرَيْجٍ اليَمَنَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ:
قَالَ لِي هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ: كَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَعْلَمَنَا، وَأَحفَظَنَا.
قَالَ يَعْقُوْبُ: وَكُلٌّ (2) ثِقَةٌ، ثَبْتٌ.

221 - هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ الصَّنْعَانِيُّ * (خَ، 4)
الإِمَامُ، الثَّبْتُ، قَاضِي صَنْعَاءِ اليَمَنِ، وَفَقِيْهُهَا، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مِنْ أَقْرَانِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، لَكِنَّهُ أَجَلُّ وَأَتْقَنُ، مَعَ قِدَمِ مَوْتِهِ، فَهُوَ مِمَّنْ يُذْكَرُ مَعَ مَعْنِ بنِ عِيْسَى، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ.
حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ فَيَّاضٍ، وَجَمَاعَةٍ.
وَلَيْسَ بِالمُكْثِرِ، لَكِنَّهُ مُجَوِّدٌ.
رَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المُسْنَدِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَلَمْ يُدْرِكْهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
__________
(1) إسناده صحيح.
(2) في الأصل: " وكلا ".
(*) تاريخ ابن معين: 620، طبقات ابن سعد 7 / 548، طبقات خليفة: ت 2670، التاريخ الكبير 8 / 194، الجرح والتعديل 9 / 70، الكامل لابن عدي 4 / 821، تهذيب الكمال: لوحة 1445، تذهيب التهذيب 4 / 120 / 1، العبر 1 / 324، تذكرة الحفاظ 1 / 346، الكاشف 3 / 224، مرآة الجنان 1 / 457، تهذيب التهذيب 10 / 57، طبقات الحفاظ: 145، خلاصة تذهيب الكمال: 410، شذرات الذهب 1 / 349.

(9/580)


ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، مُتْقِنٌ (1) .
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ مَرَّةً: قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ:
كَتَبَ لِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ إِلَى هِشَامِ بنِ يُوْسُفَ، فَقَالَ: إِنَّكَ تَأْتِي رَجُلاً، إِنْ كَانَ غَيَّرَهُ السُّلْطَانُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْ حَدِيْثَهُ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَكَثْنَا عَلَى بَابِ هِشَامٍ خَمْسِيْنَ يَوْماً، لاَ يُحَدِّثُنَا بِحَدِيْثٍ نَذْهَبُ مَعَهُ إِلَى بَابِ الأَمِيْرِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ:
أَتَاهُ -يَعْنِي: يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ- فَأَجْزَرَهُ شَاةً، وَفَعَلَ بِهِ، وَفَعَلَ.
ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: هِشَامٌ أَلأَمُ مِنْ أَنْ يَذْبَحَ لَهُ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ:
قَدِمَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ اليَمَنَ، فَقَالَ: اطلُبُوا كَاتِباً سَرِيْعَ الخَطِّ.
فَارْتَادُوْنِي، فَكُنْتُ أَكْتُبُ (2) .
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: هِشَامٌ أَصَحُّ اليَمَانِيِّيْنِ كِتَاباً (3) .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: إِنْ حَدَّثَكُمُ القَاضِي، فَلاَ عَلَيْكُم أَنْ لاَ تَكتُبُوا عَنْ غَيْرِهِ (4) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ هِشَامٌ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، فِي عَشْرِ السَّبْعِيْنَ أُرَى.
__________
(1) " الجرح والتعديل " 9 / 71.
(2) " الجرح والتعديل " 9 / 71، و" تهذيب الكمال ": لوحة 1445، وفيه: " سريع الحفظ " بدل " سريع الخط ".
(3) " الجرح والتعديل " 9 / 71، و" تهذيب الكمال ": لوحة 1445.
(4) " الجرح والتعديل " 9 / 70، 71.

(9/581)


قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُؤَيَّدِ القَرَافِيِّ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ، وَالفَرَجُ بنُ عَبْدِ اللهِ الكَاتِبُ بِبَغْدَادَ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَحِبُّوا اللهَ لِمَا يَغْذُوْكُمْ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَحِبُّوْنِي لِحُبِّ اللهِ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي).
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، فَردٌ، مَا رَوَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلاَّ وَلَدُهُ عَلِيٌّ، وَلاَ عَنْ عَلِيٍّ إِلاَّ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ أَبُو الخُلَفَاءِ.
تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ: قَاضِي صَنْعَاءَ عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ إِلاَّ هِشَامٌ.
أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ (1) ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ الأَشْعَثِ السِّجْزِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً بِعُلُوِّ دَرَجَتَيْنِ.
وَقَدْ رَوَاهُ: يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ (2))، عَنْ زِيَادِ بنِ أَيُّوْبَ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، وَالنَّاسُ فِيْهِ عِيَالٌ عَلَى يَحْيَى، وَلَيْسَ النَّوْفَلِيُّ بِمَعْرُوْفٍ.
__________
(1) رقم (3789) في المناقب: باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وحسنه، مع أن عبد الله ابن سليمان النوفلي لم يوثق، ولم يرو عنه غير هشام بن يوسف، وصححه الحاكم 3 / 149، 150، ووافقه الذهبي مع أنه في " الميزان " قال في عبد الله بن سليمان: فيه جهالة، ثم أورد له هذا الحديث.
(2) 1 / 497.

(9/582)


222 - بَكْرُ بنُ بَكَّارٍ أَبُو عَمْرٍو القَيْسِيُّ البَصْرِيُّ *
المُحَدِّثُ، العَالِمُ الكَبِيْرُ، أَبُو عَمْرٍو القَيْسِيُّ، البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَوْنٍ، وَعَبَّادِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَحَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَمِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، وَشُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، وَجَمَاعَةٍ.
وَلَهُ (جُزْءٌ) مَشْهُوْرٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ: رَفِيْقُهُ؛ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ سَمَّوَيْه، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الجَيْرَانِيُّ (1) ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدَانَ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ (2) .
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هُوَ ثِقَةٌ، مَا يُخْطِئُ.
وَأَمَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ (3) .
قَالَهُ: عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ (4) : قَدِمَ بَكْرٌ أَصْبَهَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ، وَحَدَّثَ
__________
(*) تاريخ ابن معين: 62، التاريخ الكبير 2 / 88، الضعفاء والمتروكين: 55، الضعفاء للعقيلي: لوحة 55، الجرح والتعديل 2 / 382، أخبار أصبهان 1 / 234، ميزان الاعتدال 1 / 343، الكاشف 1 / 161، تهذيب التهذيب 1 / 479، وهو عند الجميع " القيسي " سوى " ضعفاء " العقيلي، ففيه، " القرشي " وهو تحريف.
(1) نسبة إلى جيران، وهي من قرى أصبهان على فرسخين منها.
(2) " الجرح والتعديل " 2 / 383.
(3) " تاريخ ابن معين ": 62.
(4) " أخبار أصبهان " 1 / 234.

(9/583)


بِهَا فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: لَمْ يَقَعْ لَهُ شَيْءٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ (1) .
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ القَزْوِيْنِيِّ، أَخْبَرَنَا إِدْرِيْسُ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ إِذْناً عَامّاً، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي ذَرٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ فُوْرَكَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا عَائِذُ بنُ شُرَيْحٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ دُعِيْتُ إِلَى كُرَاعٍ، لأَجَبْتُ).
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ.
وَعَائِذٌ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ (2).

223 - عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ أَبُو الحَسَنِ البَصْرِيُّ *
الإِمَامُ، الرَّبَّانِيُّ، العَابِدُ، أَبُو الحَسَنِ البَصْرِيُّ، الزَّاهِدُ، نَزِيْلُ المَصِّيْصَةِ، وَمُرِيْدُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ.
حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَوْنٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ.
رَوَى عَنْهُ: هَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَيُوْسُفُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مُسَلَّمٍ،
__________
(1) قال الحافظ في " التهذيب ": روى له النسائي أثرا واحدا في أثناء الصلاة في " السنن الكبرى " رواية ابن الاحمر من روايته عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن محرر بن أبي هريرة في تسمية أبيه أبي هريرة، وقال بعده: بكر بن بكار ليس بقوي، وسفيان بن حسين ضعيف.
(2) لكن صح الحديث عن أبي هريرة مرفوعا أخرجه البخاري 5 / 147، في الهبة: باب القليل من الهبة، وأحمد 2 / 424، و479 و481 و512 بلفظ: " لو دعيت إلى ذراع أو كراع لاجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت ".
(*) التاريخ الكبير 6 / 262، الجرح والتعديل 6 / 176، حلية الأولياء 9 / 317.

(9/584)


وَالفَيْضُ بنُ إِسْحَاقَ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَبَرَكَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَلَبِيُّ الوَاهِي، وَعَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيْقٍ الأَنْطَاكِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ يُوْسُفُ بنُ مُسْلِمٍ: بَكَى عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ حَتَّى عَمِيَ، وَكَانَ قَدْ أَثَّرَتِ الدُّمُوعُ فِي خَدَّيْهِ.
قُلْتُ: وَكَانَ فَارِساً، مُرَابِطاً، مُجَاهِداً، كَثِيْرَ الغَزْوِ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:
وَاقَعْنَا العَدُوَّ، فَانْهَزَمَ المُسْلِمُوْنَ، وَقَصَّرَ بِي فَرَسِي، فَقُلْتُ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ.
فَقَالَ الفَرَسُ: نَعَمْ، إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، حَيْثُ تَتَّكِلُ عَلَى فُلاَنَةَ فِي عَلَفِي، فَضَمِنْتُ أَنْ لاَ يَلِيَهُ غَيْرِي (1) .
وَعَنْهُ، قَالَ: لأَنْ أَلْقَى الشَّيْطَانَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى حُذَيْفَةَ المَرْعَشِيَّ، أَخَافُ أَنْ أَتَصَنَّعَ لَهُ، فَأَسْقُطَ مِنْ عَيْنِ اللهِ (2) .
وَقَالَ مُوْسَى بنُ طَرِيْفٍ: كَانَتِ الجَارِيَةُ تَفْرُشُ لعَلِيِّ بنِ بَكَّارٍ، فَيَلْمَسُهُ بِيَدِهِ، وَيَقُوْلُ: وَاللهِ إِنَّكَ لَطَيِّبٌ، وَاللهِ إِنَّكَ لَبَارِدٌ، وَاللهِ لاَ عَلَوْتُكَ اللَّيْلَةَ.
وَكَانَ يُصَلِّي الفَجْرَ بِوُضُوْءِ العَتَمَةِ (3) .
قَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: أَمَّا عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ المَصِّيْصِيُّ الصَّغِيْرُ: فَآخَرُ، بَقِيَ إِلَى سَنَةِ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
__________
(1) " حلية الأولياء " 9 / 318.
(2) " حلية الأولياء " 9 / 318، 319.
(3) " حلية الأولياء " 9 / 318.

(9/585)


224 - النِّبَاجِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ سَعِيْدُ بنُ بُرِيْدٍ الصُّوفِيُّ *
القُدْوَةُ، العَابِدُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ سَعِيْدُ بنُ بُرِيْدٍ الصُّوْفِيُّ.
لَهُ كَلاَمٌ شَرِيْفٌ، وَمَوَاعِظُ.
حَكَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بن أَبِي الحَوَارِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَكْرٍ القُرَشِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الأَصْبَهَانِيُّ، وَسَهْلُ بنُ عَاصِمٍ، وَغَيْرُهُم.
رَوَى: أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ خَالِهِ:
أَنَّ النِّبَاجِيَّ كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، وَلَهُ آيَاتٌ وَكَرَامَاتٌ، كَانَ فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلٌ عَائِنٌ نَاقَتَه بِالعَيْنِ، فَجَاءهُ النِّبَاجِيُّ، وَدَعَا عَلَيْهِ بِأَلْفَاظٍ، فَخَرَجَتْ حَدَقَتَا العَائِنِ، وَنَشَطَتِ النَّاقَةُ (1) .
وَعَنْهُ، قَالَ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَداً يَكُوْنُ فِي الصَّلاَةِ، فَيَقَعُ فِي سَمْعِهِ غَيْرُ مَا يُخَاطِبُهُ اللهُ (2) .
وَعَنْهُ، قَالَ: لَوْ جُعِلَتْ لِي دَعوَةٌ مُجَابَةٌ، مَا سَأَلْتُ الفِرْدَوْسَ، وَلَكُنْتُ أَسْأَلُ الرِّضَى، فَهُوَ تَعجِيْلُ الفِرْدَوْسِ (3) .
قَالَ ابْنُ بَكْرٍ: سَمِعْتُ النِّبَاجِيَّ يَقُوْلُ:
يَنْبَغِي أَنْ نَكُوْنَ بِدُعَاءِ إِخْوَانِنَا أَوْثَقُ مِنَّا بِأَعْمَالِنَا، نَخَافُ فِي أَعْمَالِنَا التَّقْصِيْرَ، وَنَرْجُوْ أَنْ نَكُوْنَ فِي دُعَائِهِم لَنَا مُخلِصِيْنَ (4).
لِلنِّبَاجِيِّ تَرْجَمَةٌ طَوِيْلَةٌ فِي (الحِلْيَةِ) (5).
__________
(*) " حلية الأولياء " 9 / 310.
(1) " حلية الأولياء " 9 / 316، 317.
(2) " حلية الأولياء " 9 / 317.
(3) " حلية الأولياء " 9 / 315.
(4) " حلية الأولياء " 9 / 312.
(5) تحرف اسمه في المطبوع من " الحلية " إلى " سعد بن يزيد الساجي ".

(9/586)


بِعَوْنِهِ -تَعَالَى- وَتَوْفِيْقِهِ تَمَّ الجُزْءُ التَّاسِعُ مِنْ (سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ).
وَيَتْلُوهُ الجُزْءُ العَاشِرُ، وَأَوَّلُهُ: تَرْجَمَةُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ.

(9/587)


الْجُزْءُ الْعَاشِرُ

1 - الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ بنِ العَبَّاسِ * (خت (1) ، 4)
مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ بنِ العَبَّاسِ بنِ عُثْمَانَ بنِ شَافِعِ بنِ السَّائِبِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عَبْدِ يَزِيْدَ بنِ هِشَامِ بنِ المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ، الإِمَامُ، عَالِمُ العَصْرِ، نَاصِرُ الحَدِيْثِ، فَقِيْهُ
__________
(*) التاريخ الكبير 1 / 42، التاريخ الصغير 2 / 302، الجرح والتعديل 7 / 201، حلية الأولياء 9 / 63 - 161، الفهرست 263، مناقب الشافعي للبيهقي، الانتقاء: 65 - 121، تاريخ بغداد 2 / 56 - 73، طبقات الفقهاء للشيرازي: 48 - 50، طبقات الحنابلة 1 / 280، ترتيب المدارك 2 / 382، الأنساب 7 / 251 - 254، تاريخ ابن عساكر 14 / 395 - 418 و15 / 1 - 25، صفة الصفوة 2 / 95، مناقب الشافعي للرازي، معجم الأدباء 17 / 281 - 327، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 44 - 67، وفيات الأعيان 4 / 163 - 169، المختصر في أخبار البشر 2 / 28 - 29، تهذيب الكمال لوحة 1160، تذهيب التهذيب 3 / لوحة 180 / 2، تاريخ الإسلام 11 / 29 ب - 39 أ، تذكرة الحفاظ 1 / 361 - 363، الكاشف 3 / 17، عيون التواريخ 7 / لوحة 172 - 183، الوافي بالوفيات 2 / 171 - 181، مرآة الجنان 2 / 13 - 28، طبقات الشافعية للسبكي: انظر الجزء الأول، البداية والنهاية 10 / 251 - 254، الديباج المذهب 2 / 156 - 161، غاية النهاية 2 / 95، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1 / 21، تهذيب التهذيب 9 / 25، توالي التأسيس بمعالي ابن إدريس، النجوم الزاهرة 2 / 176، 177، طبقات الحفاظ: 152، حسن المحاضرة 1 / 303 - 304، خلاصة تذهيب الكمال: 326، طبقات المفسرين 2 / 98، مفتاح السعادة 2 / 88 - 94، تاريخ الخميس 2 / 335، طبقات الشافعية لابن هداية الله: 11 - 14، شذرات الذهب 2 / 9 - 11، شرح إحياء علوم الدين 1 / 191 - 201، الرسالة المستطرفة: 17.
(1) لم تذكر هذه الرموز في الأصل، واستدركت من " تهذيب الكمال " و" تذهيب التهذيب "، وفي المطبوع من " تهذيب التهذيب " و" تقريب التهذيب " زيادة رمز " م " إشارة إلى أن مسلما روى له، وهو خطأ.

(10/5)


المِلَّةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ، ثُمَّ المُطَّلِبِيُّ، الشَّافِعِيُّ، المَكِّيُّ، الغَزِّيُّ (1) المَوْلِدِ، نَسِيْبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَابْنُ عَمِّهِ، فَالمُطَّلِبُ هُوَ أَخُو هَاشِمٍ وَالِدِ عَبْدِ المُطَّلِبِ.
اتَّفَقَ مَوْلِدُ الإِمَامِ بِغَزَّةَ، وَمَاتَ أَبُوْهُ إِدْرِيْسُ شَابّاً، فَنَشَأَ مُحَمَّدٌ يَتِيْماً فِي حَجْرِ أُمِّهِ، فَخَافَتْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ، فَتَحَوَّلَتْ بِهِ إِلَى مَحْتِدِهِ وَهُوَ ابْنُ عَامَيْنِ، فَنَشَأَ بِمَكَّةَ، وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّمْيِ، حَتَّى فَاقَ فِيْهِ الأَقْرَانَ، وَصَارَ يُصِيْبُ مِنْ عَشْرَةِ أَسْهُمٍ تِسْعَةً، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى العَرَبِيَّةِ وَالشَّرْعِ، فَبَرَعَ فِي ذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ.
ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الفِقْهُ، فَسَادَ أَهْلَ زَمَانِهِ.
وَأَخَذَ العِلْمَ بِبَلَدِهِ عَنْ: مُسْلِمِ بنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ (2) - مُفْتِي مَكَّةَ - وَدَاوُدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطَّارِ، وَعَمِّهِ (3) ؛ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ شَافِعٍ - فَهُوَ ابْنُ عَمِّ العَبَّاسِ جَدِّ الشَّافِعِيِّ - وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ المُلَيْكِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ سَالِمٍ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَعِدَّةٍ.
وَلَمْ أَرَ لَهُ شَيْئاً عَنْ نَافِعِ بنِ عُمَرَ الجُمَحِيِّ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ مَعَهُ بِمَكَّةَ.
وَارْتَحَلَ - وَهُوَ ابْنُ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَقَدْ أَفْتَى وَتَأَهَّلَ لِلإِمَامَةِ - إِلَى
__________
(1) نسبة إلى غزة، مدينة في أقصى الشام من ناحية مصر، وهي جنوب فلسطين بينها وبين عسقلان فرسخان، وفيها مات هاشم بن عبد مناف جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبها قبره، ولذلك يقال لها: غزة هاشم.
(2) قال ابن سعد: كان أبيض مشربا بحمرة، وإنما قيل له: الزنجي، لمحبته التمر،
قالت له جاريته: ما أنت إلا زنجي لاكل التمر، فبقي عليه هذا اللقب.
ومسلم بن خالد هذا على جلالة قدره في الفقه ضعيف في الحديث لسوء حفظه.
(3) في الأصل " عمهم " وهو خطأ، والمثبت من " تهذيب " المزي، و" تذهيب " المؤلف.

(10/6)


المَدِيْنَةِ، فَحَمَلَ عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ (المُوَطَّأَ)، عَرَضَهُ مِنْ حِفْظِهِ.
وَقِيْلَ: مِنْ حِفْظِهِ لأَكْثَرِهِ.
وَحَمَلَ عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى (1) - فَأَكْثَرَ - وَعَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَعَطَّافِ بنِ خَالِدٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَإِبرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَطَبَقَتِهِم.
وَأَخَذَ بِاليَمَنِ عَنْ: مُطَرِّفِ بنِ مَازِنٍ، وَهِشَامِ بنِ يُوْسُفَ القَاضِي، وَطَائِفَةٍ.
وَبِبَغْدَادَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ؛ فَقِيْهِ العِرَاقِ، وَلاَزَمَهُ، وَحَمَلَ عَنْهُ وِقْرَ بَعِيْرٍ.
وَعَنْ: إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَخَلْقٍ.
وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَدَوَّنَ العِلْمَ، وَرَدَّ عَلَى الأَئِمَّةِ مُتَّبِعاً الأَثَرَ، وَصَنَّفَ فِي أُصُوْلِ الفِقْهِ وَفُرُوْعِهِ، وَبَعُدَ صِيْتُهُ، وَتَكَاثَرَ عَلَيْهِ الطَّلَبَةُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحُمَيْدِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الهَاشِمِيُّ، وَأَبُو يَعْقُوْبَ يُوْسُفُ البُوَيْطِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ خَالِدٍ الكَلْبِيُّ، وَحَرْمَلَةُ بنُ يَحْيَى، وَمُوْسَى بنُ أَبِي الجَارُوْدِ المَكِّيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ المَكِّيُّ - صَاحِبُ (الحَيْدَةِ (2))- وَحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ
__________
(1) هو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الاسلمي المدني أحد الضعفاء المتروكين.
قال ابن حبان في " الضعفاء " 1 / 105، 107: كان مالك وابن المبارك ينهيان عنه، وتركه يحيى القطان، وابن مهدي، وكان الشافعي يروي عنه، كان إبراهيم يرى القدر، ويذهب إلى كلام جهم، ويكذب مع ذلك في الحديث..وأما الشافعي، فإنه كان يجالسه في حداثته، ويحفظ عنه حفظ الصبي، والحفظ في الصغر كالنقش في الحجر، فلما دخل مصر في آخر عمره، وأخذ يصنف الكتب المبسوطة، احتاج إلى الاخبار، ولم تكن معه كتبه، فأكثر ما أودع الكتب من حفظه، فمن أجله ما روى عنه، وربما كنى عنه، ولا يسميه في كتبه، وقال الربيع بن سليمان: كان الشافعي إذا قال: حدثنا من لا أتهم يريد إبراهيم بن أبي يحيى.
(2) هو عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز بن مسلم بن ميمون الكناني المكي: قدم بغداد في أيام المأمون، وجرى بينه وبين بشر المريسي مناظرة في القرآن، وكان من أهل العلم والفضل، وله مصنفات عدة، منها كتاب " الحيدة "، وهو مطبوع متداول، إلا أن المؤلف =

(10/7)


الكَرَابِيْسِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الهَمْدَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ الرَّازِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ وَزِيْرٍ المِصْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَهْبِيُّ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَإِسْحَاقُ بنُ بُهْلُوْلٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الشَّافِعِيُّ المُتَكَلِّمُ، وَالحَارِثُ بنُ سُرَيْجٍ النَّقَّالُ، وَحَامِدُ بنُ يَحْيَى البَلْخِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ المَهْرِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عِمْرَانَ بنِ مِقْلاَصٍ، وَعَلِيُّ بنُ معَبْدٍ الرَّقِّيُّ، وَعَلِيُّ بنُ سَلَمَةَ اللَّبَقِيُّ، وَعَمْرُو بنُ سَوَّادٍ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ قَحْزَمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَسْوَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَدَنِيُّ، وَمَسْعُوْدُ بنُ سَهْلٍ المِصْرِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ الأَيْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، وَأَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ عَمْرِو بنِ السَّرْحِ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَالرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيُّ، وَالرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ الجِيْزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَبَحْرُ
بنُ نَصْرٍ الخَوْلاَنِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمُ.
وَقَدْ أَفْرَدَ الدَّارَقُطْنِيُّ كِتَابَ (مَنْ لَهُ رِوَايَةٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ) فِي جُزْأَيْنِ، وَصَنَّفَ الكِبَارَ فِي مَنَاقِبِ هَذَا الإِمَامِ، قَدِيْماً وَحَدِيْثاً (1) ، وَنَالَ بَعْضُ النَّاسِ
__________
= الذهبي يشكك في صحة نسبته إليه، فقد قال في " الميزان " 2 / 639: لم يصح إسناد كتاب " الحيدة " إليه، فكأنه وضع عليه.
وكان ممن تفقه بالشافعي، واشتهر بصحبته، توفي قبل الأربعين ومئتين تقريبا.
(1) قال السبكي في " طبقات الشافعية " 1 / 343 - 345: وأول من بلغني صنف في مناقب الشافعي الامام داود بن علي الاصفهاني إمام أهل الظاهر، له مصنفات في ذلك.
ثم صنف زكريا بن يحيى الساجي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، ثم صنف أبو الحسن محمد بن الحسين ابن إبراهيم الآبري كتابا حافلا رتبه على أربعة وسبعين بابا، ثم ألف الحاكم أبو عبد الله ابن البيع الحافظ مصنفا جامعا، وصنف في عصره أيضا أبو علي الحسن بن الحسين بن حمكان الأصبهاني مختصرا في هذا النوع، ثم صنف أبو عبد الله ابن شاكر القطان مختصره المشهور، ثم صنف الامام الزاهد إسماعيل بن محمد السرخسي القراب مجموعا حافلا، رتبه على مئة وستة عشر بابا، =

(10/8)


مِنْهُ غَضّاً، فَمَا زَادَهُ ذَلِكَ إِلاَّ رِفْعَةً وَجَلاَلَةً، وَلاَحَ لِلْمُنْصِفِيْنَ أَنَّ كَلاَمَ أَقْرَانِهِ فِيْهِ بِهَوَىً، وَقَلَّ مَنْ بَرَّزَ فِي الإِمَامَةِ وَرَدَّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ إِلاَّ وَعُودِيَ - نَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الهَوَى - وَهَذِهِ الأَوْرَاقُ تَضِيقُ عَنْ مَنَاقِبِ هَذَا السَّيِّدِ.
فَأَمَّا جَدُّهُمُ السَّائِبُ المُطَّلِبِيُّ، فَكَانَ مِنْ كُبَرَاءِ مَنْ حَضَرَ بَدْراً مَعَ الجَاهِلِيَّةِ، فَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ يُشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَوَالِدَتُه: هِيَ الشِّفَاءُ بِنْتُ أَرْقَمَ بنِ نَضْلَةَ.
وَنَضْلَةُ: هُوَ أَخُو عَبْدِ المُطَّلِبِ؛ جَدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُقَالُ: إِنَّهُ بَعْدَ أَنْ فَدَى نَفْسَهُ، أَسْلَمَ (1) .
وَابْنُهُ شَافِعٌ: لَهُ رُؤْيَةٌ، وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ (2) ، وَوَلَدُهُ عُثْمَانُ: تَابِعِيٌّ، لاَ أَعْلَمُ لَهُ كَبِيْرَ رِوَايَةٍ.
وَكَانَ أَخْوَالُ الشَّافِعِيِّ مِنَ الأَزْدِ.
عَنْ ابْنِ عَبْدِ الحَكَمِ، قَالَ: لَمَّا حَمَلَتْ وَالِدَةُ الشَّافِعِيِّ بِهِ، رَأَتْ كَأَنَّ
__________
= ثم صنف الأستاذ الجليل أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي كتابين: أحدهما كبير حافل يختص بالمناقب، والآخر مختصر محقق يختص بالرد على الجرجاني الحنفي الذي تعرض لجناب هذا الامام.
ثم صنف الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي كتابه في المناقب، المشهور، والحسن الجامع المحقق، وكتبا أخر في هذا النوع، مثل " بيان خطأ من خطأ الشافعي " وعيره، ثم صنف الحافظ الكبير أبو بكر الخطيب مجموعا في المناقب، ومختصرا في الاحتجاج بالشافعي، ثم صنف الامام فخر الدين الرازي كتابه المشهور، والمرتب على أبواب وتقاسيم، وصنف الحافظ أبو عبيد الله محمد بن محمد بن أبي زيد الأصبهاني، المعروف بابن المقرئ، كتابين: أحدهما سماه " شفاء الصدور في محاسن صدر الصدور "، والآخر مجلد كبير، وهو مختصر من شفاء الصدور، سماه: " الكتاب الذي أعده شافعي في مناقب الامام الشافعي ".
وصنف الحافظ أبو الحسن بن أبي القاسم البيهقي، المعروف بفندق، كتابا كبيرا في المناقب.
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 58، و" أسد الغابة " 2 / 317، و" مناقب الشافعي " للبيهقي 1 / 79، 80، و" توالي التأسيس ": 45، و" الإصابة " 2 / 11.
(2) انظر " أسد الغابة " 2 / 501، و" الإصابة " 2 / 135.

(10/9)


المُشْتَرِي خَرَجَ مِنْ فَرْجِهَا، حَتَّى انْقَضَّ بِمِصْرَ، ثُمَّ وَقَعَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مِنْهُ شَظِيَّةٌ، فَتَأَوَلَّهُ المُعَبِّرُوْنَ أَنَّهَا تَلِدُ عَالِماً، يَخُصُّ عِلْمَهُ أَهْلَ مِصْرَ، ثُمَّ يَتَفَرَّقُ فِي البُلْدَانِ (1) .
هَذِهِ رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ.
وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيِّ - فِيْمَا نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ - عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، عَنْهُ، قَالَ:
وُلِدْتُ بِاليَمَنِ -يَعْنِي: القَبِيْلَةَ، فَإِنَّ أُمَّهُ أَزْدِيَّةٌ- قَالَ: فَخَافَتْ أُمِّي عَلَيَّ الضَّيْعَةَ، وَقَالَتْ: الْحَقْ بِأَهْلِكَ، فَتَكُوْنَ مِثْلَهُمْ، فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ أَنْ تُغْلَبَ عَلَى نَسَبِكَ.
فَجَهَّزَتْنِي إِلَى مَكَّةَ، فَقَدِمْتُهَا يَوْمَئِذٍ وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِيْنَ، فَصِرْتُ إِلَى نَسِيْبٍ لِي، وَجَعَلْتُ أَطْلُبُ العِلْمَ، فَيَقُوْلُ لِي: لاَ تَشْتَغِلْ بِهَذَا، وَأَقبِلْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، فَجُعِلَتْ لَذَّتِي فِي العِلْمِ (2) .
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ عَمْرَو بن سَوَّادٍ: قَالَ لِيَ الشَّافِعِيُّ:
وُلِدْتُ بِعَسْقَلاَنَ، فَلَمَّا أَتَى عَلَيَّ سَنَتَانِ، حَمَلَتْنِي أُمِّي إِلَى مَكَّةَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ:
وُلِدْتُ بِغَزَّةَ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَحُمِلْتُ إِلَى مَكَّةَ ابْنَ سَنَتَيْنِ.
__________
(1) الخبر في " تاريخ بغداد " 2 / 58، 59.
(2) " آداب الشافعي " لابن أبي حاتم 21، 22، و" مناقب الشافعي " للبيهقي 1 / 73، 74 و" معرفة السنن والآثار " 1 / 128، و" تاريخ بغداد " 2 / 59، و" مناقب الشافعي " للرازي: 8، و" توالي التأسيس " 49 - 50، وقد علق الحافظ ابن حجر على قوله: ولدت باليمن، فقال: قال الحافظ شمس الدين الذهبي شيخ شيوخنا: هذا القول غلط إلا أن يريد باليمن قبيلة.
قلت (القائل ابن حجر): سبقه إلى ذلك البيهقي في المدخل، وهو محتمل، أو وهم أحمد بن عبد الرحمن في قوله: ولدت، وإنما أراد نشأت، فالذي يجمع الأقوال أنه ولد بغزة عسقلان، ولما بلغ سنتين حولته أمه إلى الحجاز ودخلت به إلى قومها وهم من أهل اليمن لأنها كانت أزدية، فنزلت عندهم، فلما بلغ عشرا خافت على نسبه الشريف أن ينسى ويضيع، فحولته إلى مكة.

(10/10)


قَالَ المُزَنِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ وَجْهاً مِنَ الشَّافِعِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ-! وَكَانَ رُبَّمَا قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَلاَ يَفْضُلُ عَنْ قَبْضَتِهِ.
قَالَ الرَّبِيعُ المُؤَذِّنُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ أَلْزَمُ الرَّمْيَ، حَتَّى كَانَ الطَّبِيْبُ يَقُوْلُ لِي: أَخَافُ أَنْ يُصِيبَكَ السِّلُّ مِنْ كَثْرَةِ وُقُوفِكَ فِي الحَرِّ.
قَالَ: وَكُنْتُ أُصِيبُ مِنَ العَشَرَةِ تِسْعَةً (1) .
قَالَ الحُمَيْدِيُّ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ يَتِيْماً فِي حَجْرِ أُمِّي، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَا تُعْطِينِي لِلْمُعَلِّمِ، وَكَانَ المُعَلِّمُ قَدْ رَضِيَ مِنِّي أَنْ أَقُوْمَ عَلَى الصِّبْيَانِ إِذَا غَابَ، وَأُخَفِّفَ عَنْهُ (2) .
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ فِي الأَكتَافِ وَالعِظَامِ، وَكُنْتُ أَذْهَبُ إِلَى الدِّيْوَانِ، فَأَسْتَوْهِبُ الظُّهُوْرَ، فَأَكْتُبُ فِيْهَا.
وَقَالَ عَمْرُو بنُ سَوَّادٍ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ:
كَانَتْ نَهْمَتِي فِي الرَّمْيِ، وَطَلَبِ العِلْمِ، فَنِلْتُ مِنَ الرَّمْيِ حَتَّى كُنْتُ أُصِيبُ مِنْ عَشْرَةٍ عَشْرَةً، وَسَكَتَ عَنِ العِلْمِ.
فَقُلْتُ: أَنْتَ -وَاللهِ- فِي العِلْمِ أَكْبَرُ مِنْكَ فِي الرَّمْيِ (3) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الطَّائِيُّ الأَقْطَعُ: حَدَّثَنَا المُزَنِيُّ، سَمِعَ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
حَفِظْتُ القُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِيْنَ، وَحَفِظْتُ (المُوَطَّأَ) وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ (4) .
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 60، و" المناقب " للبيهقي 2 / 128.
(2) " آداب الشافعي ": 24، و" حلية الأولياء " 9 / 73، و" توالي التأسيس ": 50، و" المناقب " للرازي: 9، و" المناقب " للبيهقي 1 / 92.
(3) " تاريخ بغداد " 2 / 59، 60، و" حلية الأولياء " 9 / 77، و" آداب الشافعي ": 22، و" تهذيب الكمال ": لوحة: 1161، و" تهذيب التهذيب " 9 / 25، 26، و" توالي التأسيس ": 49 و67، و" المناقب " للبيهقي 2 / 127، 128.
(4) " تاريخ بغداد " 2 / 62، 63، و" توالي التأسيس ": 50، و" تهذيب الكمال " لوحة: 1161.

(10/11)


الأَقْطَعُ: مَجْهُوْلٌ.
وَفِي (مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ) لِلآبُرِيِّ (1) : سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ بنَ عَبْدِ الوَاحِدِ الهَمَذَانِيَّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى، سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ بنَ سُلَيْمَانَ يَقُوْلُ:
وُلِدَ الشَّافِعِيُّ يَوْمَ مَاتَ أَبُو حَنِيْفَةَ - رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى (2) -.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ مَالِكاً وَأَنَا ابْنُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً - كَذَا قَالَ، وَالظَّاهِرُ أنَّهُ كَانَ ابْنَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً - قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عَمٍّ لِي وَالِي المَدِيْنَةِ، فَكَلَّمَ مَالِكاً، فَقَالَ: اطلُبْ مَنْ يَقْرَأُ لَكَ.
قُلْتُ: أَنَا أَقرَأُ.
فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ، فَكانَ رُبَّمَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ قَدْ مَرَّ: أَعِدْهُ.
فَأُعِيدُهُ حِفْظاً، فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ، ثُمَّ سَأَلْتُه عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأَجَابَنِي، ثُمَّ أُخْرَى، فَقَالَ: أَنْتَ تُحِبُّ أَنْ تَكُوْنَ قَاضِياً (3) .
وَيُرْوَى عَنِ الشَّافِعِيِّ: أَقَمْتُ فِي بُطُوْنِ العَرَبِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، آخُذُ أَشعَارَهَا وَلُغَاتِهَا، وَحَفِظْتُ القُرْآنَ، فَمَا عَلِمْتُ أنَّه مَرَّ بِي حَرْفٌ إِلاَّ وَقَدْ
__________
(1) هو أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم الآبري السجستاني المتوفى 363 ه، وآبر: قرية من عمل سجستان، وقد وصف السبكي في " طبقاته " 1 / 344 كتابه هذا بأنه حافل ومرتب على أربعة وسبعين بابا.
(2) " مناقب البيهقي " 1 / 72، و" مناقب الرازي ": 8، وفي " توالي التأسيس ": ص 49: وأما زمان مولده، فلم يختلف فيه، بل اتفقوا عليه، قال الحاكم: لا أعلم خلافا أنه ولد سنة خمسين ومئة، وهو العام الذي مات فيه أبو حنيفة، ففيه إشارة إلى أنه يخلفه في فنه، وقد قيل: إنه ولد في اليوم الذي مات فيه، وزيفوه، وليس بواه، فقد أخرجه الآبري في " مناقب الشافعي " بسند جيد إلى الربيع بن سليمان، قال: ولد الشافعي يوم مات أبو حنيفة.
لكن هذا اللفظ يقبل التأويل، فإنهم يطلقون اليوم، ويريدون مطلق الزمان.
(3) هو في " مناقب الشافعي " للبيهقي 1 / 101، وفيه: " يجب أن تكون قاضيا " وانظر " الحلية " 9 / 69، و" توالي التأسيس ": 51، و" آداب الشافعي ": 27، 28، و" مناقب " الرازي: 9، 10، و" الانتقاء ": 68، 69، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 402.

(10/12)


عَلِمْتُ المَعْنَى فِيْهِ وَالمُرَادَ، مَا خَلاَ حَرْفَيْنِ، أَحَدُهُمَا: دَسَّاهَا (1) .
إِسْنَادُهَا فِيْهِ مَجْهُوْلٌ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: قرأْتُ القُرْآنَ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ قُسْطَنْطِيْنَ.
وَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَى شِبْلٍ، وَأَخْبَرَ شِبْلٌ أنَّهُ قَرَأَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ كَثِيْرٍ، وَقَرَأَ عَلَى مُجَاهِدٍ، وَأَخْبَرَ مُجَاهِدٌ أنَّهُ قَرَأَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَانَ إِسْمَاعِيْلُ يَقُوْلُ: القُرَانُ اسْمٌ لَيْسَ بِمَهْموزٍ، وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ (قَرَأْتُ) وَلَوْ أُخِذَ مِنْ (قَرَأْتُ) كَانَ كُلُّ مَا قُرِئَ قُرْآناً، وَلَكِنَّهُ اسْمٌ لِلْقُرَانِ، مِثْلُ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيْلِ (2) .
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 63، و" تهذيب الكمال " لوحة: 1161، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 402 / 2، وجاء في " الحلية " 9 / 104 عن ابن بنت الشافعي: سمعت أبي يقول: سمعت الشافعي يقول: نظرت في دفتي المصحف، فعرفت مراد الله تعالى فيه إلا حرفين واحد منهما قوله تعالى: [ وقد خاب من دساها ] فإني لم أجده.
وأخرجه البيهقي في " أحكام القرآن " 2 / 190 من طريق محمد بن عبد الله بن محمد قال: سمعت الشافعي يقول: نظرت بين دفتي المصحف، فعرفت مراد الله عزوجل في جميع ما فيه إلا حرفين - ذكرهما وأنسيت أحدهما - والآخر: قوله تعالى: [ وقد خاب من دساها ] فلم أجده في كلام العرب، فقرأت لمقاتل بن سليمان أنها لغة السودان، وأن دساها: أغواها.
وعلق عليه البيهقي فقال: قوله: في كلام العرب، أراد لغتهم، أو أراد فيما بلغه من كلام العرب، والذي ذكره مقاتل: " لغة السودان " من كلام العرب.
قال ابن قتيبة في " مشكل القرآن " 267: [ وقد خاب من دساها ] أي: نقصها وأخفاها بترك عمل البر، وبركوب المعاصي، والفاجر أبدا خفي المكان، زمر المروءة، غامض الشخص، ناكس الرأس، ودساها من " دسست " فقلبت إحدى السينات ياء، كما يقال:لبيت، والاصل: لببت، وقصيت أظفاري، وأصله: قصصت، ومثله كثير.
(2) إسناده حسن، إسماعيل بن قسطنطين: وهو إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين أبو إسحاق المكي مولى بني مخزون المعروف بالقسط مقرئ مكة المتوفى سنة 170، ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 2 / 180، فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ووصفه ابن الجزري في " طبقاته " 1 / 166 بأنه ثقة ضابط، وباقي رجال السند رجال الصحيح، وانظر " توالي التأسيس ": 42، و" مناقب الشافعي " للبيهقي 1 / 276، 277، و" الأسماء والصفات ": 272، و" آداب الشافعي ": 141، 143، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 402 / 1، و" طبقات =

(10/13)


الأَصَمُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
قَدِمْتُ عَلَى مَالِكٍ، وَقَدْ حَفِظْتُ (المُوَطَّأَ) ظَاهِراً، فَقُلْتُ: أُرِيْدُ سَمَاعَهُ، قَالَ: اطْلُبْ مَنْ يَقْرَأُ لَكَ.
فَقُلْتُ: لاَ عَلَيْكَ أَنْ تَسْمَعَ قِرَاءتِي، فَإِنْ سَهُلَ عَلَيْكَ، قَرَأْتُ لِنَفْسِي (1) .
أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الحِمَّانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، وَقَدْ دَفَعَ إِلَيْهِ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ دَفَعَ إِلَيْهِ خَمْسِيْنَ دِرْهَماً، وَقَالَ: إِنِ اشْتَهَيتَ العِلْمَ، فَالْزَمْ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَسَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
كَتَبْتُ عَنْ مُحَمَّدٍ وِقْرَ بَعِيْرٍ، وَلَمَّا أَعْطَاهُ مُحَمَّدٌ، قَالَ لَهُ: لاَ تَحْتَشِمْ.
قَالَ: لَوْ كُنْتَ عِنْدِي مِمَّنْ أَحْشُمُكَ (2) ، مَا قَبِلْتُ بِرَّكَ (3) .
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
حَمَلْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ حِمْلَ بُخْتِيٍّ، لَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ سَمَاعِي (4) .
__________
= القراء " 1 / 166، و" البداية " 10 / 252، و" تاريخ بغداد " 2 / 62، و" مناقب الشافعي " للرازي: 70، و" اللسان ": قرأ، وقراءة غير ابن كثير من القراء: (القرآن) بالهمز مصدر قرأت
الشئ، أي: ألفته وجمعته، قراءة وقرآنا، كالغفران والكفران والفرقان.
والأصل في هذه اللفظة الجمع، وكل شيء جمعته فقد قرأته، وسمي القرآن، لأنه جمع القصص والامر والنهي والوعد والوعيد، والآيات والسور بعضها إلى بعض.
(1) " آداب الشافعي ": 27، 28، و" حلية الأولياء " 9 / 69، و" توالي التأسيس ": 51، و" الانتقاء " 68، 69.
(2) أي: أستحيي منك، والحشمة،: الانقباض عن أخيك في المطعم، وطلب الحاجة.
(3) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 402 / 2.
(4) إسناده صحيح، وهو في " آداب الشافعي ": 33، و" الحلية " 9 / 78، و" تاريخ بغداد " 2 / 176، و" الانتقاء ": 69، و" الجواهر المضية " 2 / 43، وقال الحافظ في " توالي التأسيس ": 54 انتهت رياسة الفقه بالمدينة إلى مالك بن أنس، رحل (أي الشافعي) إليه، ولازمه وأخذ عنه، وانتهت رياسة الغفة بالعراق إلى أبي حنيفة، فأخذ عن صاحبه محمد بن =

(10/14)


قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي سُرَيْجٍ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
قَدْ أَنْفَقْتُ عَلَى كُتُبِ مُحَمَّدٍ سِتِّيْنَ دِيْنَاراً، ثُمَّ تَدَبَّرْتُهَا، فَوَضَعْتُ إِلَى جَنْبِ كُلِّ مَسْأَلَةٍ حَدِيْثاً -يَعْنِي: ردَّ عَلَيْهِ (1) -.
قَالَ هَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ:
أَخَذْتُ اللُّبَانَ (2) سَنَةً لِلْحِفْظِ، فَأَعْقَبَنِي صَبَّ الدَّمِ سَنَةً.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنَ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَا قَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَتَّى إِنَّه، قَالَ: لَوْ جُمِعَتْ أُمَّةٌ لَوَسِعَهُمْ عَقْلُهُ (3) .
قُلْتُ: هَذَا عَلَى سَبِيْلِ المُبَالَغَةِ، فَإِنَّ الكَامِلَ العَقْلِ لَوْ نَقَصَ مِنْ عَقْلِهِ نَحْوُ الرُّبْعِ لَبَانَ عَلَيْهِ نَقْصٌ مَا، وَلَبَقِيَ لَهُ نُظَرَاءُ، فَلَو ذَهَبَ نِصْفُ ذَلِكَ العَقْلِ مِنْهُ، لَظَهَرَ عَلَيْهِ النَّقْصُ، فَكَيْفَ بِهِ لَوْ ذَهَبَ ثُلُثَا عَقْلِهِ! فَلَو أَنَّكَ أَخَذْتَ عقولَ ثَلاَثَةِ أَنْفُسٍ مَثَلاً، وَصَيَّرْتَهَا عقلَ وَاحِدٍ، لَجَاءَ مِنْهُ كَامِلُ العَقْلِ وَزيَادَةٍ.
جَمَاعَةٌ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، سَمِعْتُ الحُمَيْدِيَّ، سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ خَالِدٍ الزَّنْجيَّ يَقُوْلُ لِلشَّافِعِيِّ: أَفْتِ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَقَدْ -وَاللهِ- آنَ لَكَ أَنْ تُفْتِي -
__________
= الحسن جملا ليس فيها شيء إلا وقد سمعه عليه، فاجتمع له علم أهل الرأي، وعلم أهل الحديث، فتصرف في ذلك حتى أصل الأصول، وقعد القواعد، وأذعن له الموافق والمخالف.
(1) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 402 / 2، وفيه: " ردا عليه ".
(2) هو نبات من الفصيلة البخورية يفرز صمغا، ويسمى الكندر.
وانظر فوائده في " المعتمد في الادوية المفردة " 434، 435، والخبر في " آداب الشافعي ": 35، وابن عساكر 4 / 403 / 2، و" شذرات الذهب " 2 / 9.
(3) " مناقب البيهقي " 2 / 185، 186، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 403 / 2، و" توالي التأسيس " 58، و" معرفة السنن والآثار " 1 / 127، و" البداية والنهاية " 10 / 253.

(10/15)


وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً - (1).
وَقَدْ رَوَاهَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ الزَّنْبَرِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ الإِسْتِرَابَاذِيُّ، عَنِ الرَّبِيْعِ، عَنِ الحُمَيْدِيِّ، قَالَ: قَالَ الزَّنْجيُّ.
وَهَذَا أَشْبَهُ، فَإِنَّ (2) الحُمَيْدِيَّ يَصْغُرُ عَنِ السَّمَاعِ مِنْ مُسْلِمٍ، وَمَا رَأَيْنَا لَهُ فِي (مُسْنَدِهِ) عَنْهُ رِوَايَةً (3) .
جَمَاعَةٌ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لأَنْ يَلقَى اللهَ العَبْدُ بِكُلِّ ذَنْبٍ إِلاَّ الشِّرْكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِشَيْءٍ مِنَ الأَهوَاءِ (4) .
الزُّبَيْرُ الإِسْتِرَابَاذِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ آدَمَ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي الكَلاَمِ مِنَ الأهوَاءِ لَفَرُّوا مِنْهُ، كَمَا يفِرُّوْنَ مِنَ الأسَدِ (5) .
قَالَ يُوْنُسُ الصَّدَفِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنَ الشَّافِعِيِّ، نَاظَرْتُهُ يَوْماً فِي مَسْأَلَةٍ، ثُمَّ افْتَرَقْنَا، وَلَقِيَنِي، فَأَخَذَ بِيَدِي، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُوْسَى، أَلاَ يَسْتَقيمُ أَنْ نَكُوْنَ إِخْوَاناً وَإِنْ لَمْ نَتَّفِقْ فِي مَسْأَلَةٍ (6) .
__________
(1) و" مناقب البيهقي " 2 / 243، و" معرفة السنن والآثار " 1 / 124، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 405 / 1، و" آداب الشافعي ": 39، 40، و" تاريخ بغداد " 2 / 64، و" الحلية " 9 / 93، و" مناقب الرازي ": 18، و" توالي التأسيس ": 54.
(2) في الأصل: " قال " وهو خطأ.
(3) في " توالي التأسيس " ص 54: وأخرج الخطيب في " تاريخه " 2 / 64، من طريق أخرى عن الربيع، عن الحميدي، قال: قال مسلم بن خالد للشافعي: أفت فقد آن لك والله أن تفتي.
قال الخطيب: هذا هو الصواب، لان الحميدي يصغر عن إدراك قول مسلم للشافعي في ذلك السن.
قلت (القائل ابن حجر): وكذلك أخرجه الآبري عن أبي نعيم الجرجاني عن الربيع مثله ليس فيه سمعت مسلم بن خالد، فلعلها وهم من بعض رواة الأول.
(4) " آداب الشافعي ": 187، و" مناقب البيهقي " 1 / 453، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 405 / 2، و" توالي التأسيس ": 64.
(5) " حلية الأولياء " 9 / 111، و" تاريخ ابن عساكر " 4 / 405 / 2.
(6) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 403 / 2.

(10/16)


قُلْتُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ عَقْلِ هَذَا الإِمَامِ، وَفقهِ نَفْسِهِ، فَمَا زَالَ النُّظَرَاءُ يَخْتَلِفُوْنَ.
أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو الفَضْلِ الوَاشْجِرْدِيُّ (1) ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الصَّاغَانِيَّ قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ أكْثَمَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، وَالشَّافِعِيِّ، أَيُّهُمَا أَعْلَمُ؟
قَالَ: أَبُو عُبَيْدٍ كَانَ يَأْتِيْنَا هَا هُنَا كَثِيْراً، وَكَانَ رَجُلاً إِذَا سَاعَدَتْهُ الكُتُبُ، كَانَ حَسَنَ التَّصْنِيْفِ مِنَ الكُتُبِ، وَكَانَ يُرَتِّبُهَا بِحُسْنِ أَلفَاظِهِ، لاَقتِدَارِهِ عَلَى العَرَبِيَّةِ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ، فَقَدْ كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ كَثِيْراً فِي المُنَاظَرَةِ، وَكَانَ رَجُلاً قُرَشِيَّ العَقْلِ، وَالفَهْمِ، وَالذِّهْنِ، صَافِيَ العَقْلِ وَالفَهْمِ وَالدِّمَاغِ، سَرِيْعَ الإِصَابَةِ - أَوْ كَلِمَةٍ نَحْوَهَا - وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ سَمَاعاً لِلْحَدِيْثِ، لاستَغْنَى أُمَّةُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِ، عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الفُقَهَاءِ (2) .
قَالَ مَعْمَرُ بنُ شَبِيْبٍ: سَمِعْتُ المَأْمُوْنَ يَقُوْلُ: قَدِ امتَحَنْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيْسَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَوَجَدْتُهُ كَامِلاً (3) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ: سَمِعْتُ أَبِي وَعَمِّي يَقُوْلاَنِ: كَانَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ إِذَا جَاءهُ شَيْءٌ مِنَ التَّفْسِيْرِ وَالفُتْيَا، التَفَتَ إِلَى الشَّافِعِيِّ، فَيَقُوْلُ: سَلُوا هَذَا (4) .
وَقَالَ تَمِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ:
كُنْتُ عِنْدَ سُفْيَانَ، فَجَاءَ الشَّافِعِيُّ، فَسَلَّمَ وَجَلَسَ، فَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدِيْثاً رَقِيقاً،
__________
(1) نسبة إلى واشجرد بفتح الواو وسكون الشين وكسر الجيم وسكون الراء: من قرى ما وراء نهر جيحون وبها كان الثغر والمرابطة.
(2) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 403 / 2.
(3) تاريخ ابن عساكر " 14 / 404 / 1، و" توالي التأسيس ": 56.
(4) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 404 / 2، و" مناقب البيهقي " 2 / 240.

(10/17)


فَغُشِيَ عَلَى الشَّافِعِيِّ.
فَقِيْلَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، مَاتَ مُحَمَّدُ بنُ إدْرِيْسَ، فَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: إِنْ كَانَ مَاتَ، فَقَدْ مَاتَ أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ (1) .
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ بنَ أَبِي عُثْمَانَ، سَمِعْتُ الحَسَنَ ابْنَ صَاحِبٍ الشَّاشِيَّ، سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ وَسُئِلَ عَنِ القُرْآنِ؟
فَقَالَ: أُفٍّ أُفٍّ، القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، مَنْ قَالَ: مَخْلُوْقٌ فَقَدْ كَفَرَ (2) .
هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيْحٌ.
أَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو حَاتِمٍ: عَنْ أَبِي ثَوْرٍ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا ارتَدَى أَحَدٌ بِالكَلاَمِ، فَأَفْلَحَ (3) .
مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي الكَلاَمِ وَالأَهوَاءِ، لَفَرُّوا مِنْهُ كَمَا يَفِرُّوْنَ مِنَ الأَسَدِ (4) .
الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ نَاظَرَ حَفْصاً الفَرْدَ يَكْرَهُ الكَلاَمَ، وَكَانَ يَقُوْلُ: وَاللهِ لأَنْ يُفْتِي العَالِمُ فيُقَالُ: أَخْطَأَ العَالِمُ، خَيْرٌ لَهُ
__________
(1) " حلية الأولياء " 9 / 95، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 404 / 2، و" مناقب " الرازي: 17، 18.
(2) ابن عساكر 14 / 406 / 1، و" معرفة السنن والآثار " 1 / 114، وعلق البيهقي على الخبر، فقال: وكل من لم يقل من أصحابنا بتكفير أهل الاهواء من أهل القبلة، فإنه يحمل قول السلف رضي الله عنهم في تكفيرهم على كفر دون كفر، وهو المروي عن ابن عباس في تفسير الآية 44 من سورة المائدة، أي: كفر عملي لا يخرج عن الملة.
(3) " آداب الشافعي ": 186، و" حلية الأولياء " 9 / 111.
(4) تقدم الخبر في الصفحة (16).

(10/18)


مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَيُقَالُ: زِنْدِيْقٌ، وَمَا شَيْءٌ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنَ الكَلاَمِ وَأَهْلِهِ (1) .
قُلْتُ: هَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَنَّ الخَطَأَ فِي الأُصُوْلِ، لَيْسَ كَالخَطَأِ فِي الاجتِهَادِ فِي الفُرُوْعِ.
الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَنْ حَلَفَ باسمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ، فَحَنَثَ، فَعَلَيْهِ الكَفَّارَةُ، لأَنَّ اسْمَ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ حَلَفَ بِالكَعْبَةِ وَبَالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، لأَنَّهُ مَخْلُوْقٌ، وَذَاكَ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
__________
(1) " تاريخ ابن عساكر 4 / 405 / 1، ونقل البيهقي في " المناقب " 1 / 453، 454، عن يونس بن عبد الأعلى قال: أتيت الشافعي بعد ما كلم حفصا الفرد، فقال: غبت عنا يا أبو موسى، لقد اطلعت من أهل الكلام على شيء والله ما توهمته قط، ولان يبتلى المرء بجميع ما نهى الله عنه ما خلا الشرك بالله خير من أن يبتليه الله بالكلام.
وعلق عليه البيهقي، فقال: إنما أراد الشافعي رحمه الله بهذا الكلام حفصا وأمثاله من أهل البدع، وهذا مراده بكل ما حكي عنه في ذم الكلام وذم أهله، غير أن بعض الرواة أطلقه، وبعضهم قيده، وفي تقييد من قيده دليل على مراده، ثم نقل عن أبي الوليد بن الجارود قوله: دخل حفص الفرد على الشافعي، فكلمه، ثم خرج إلينا الشافعي، فقال لنا: لان يلقى الله العبد بذنوب مثل جبال تهامة خير له من أن يلقاه باعتقاد حرف مما عليه هذا الرجل وأصحابه، وكان يقول بخلق القرآن.
ثم قال: وهذه الروايات تدل على مراده بما أطلق عنه فيما تقدم وفيما لم يذكرها هنا، وكيف يكون كلام أهل السنة والجماعة مذموما عنده، وقد تكلم فيه، وناظر من ناظره فيه، وكشف عن تمويه من ألقى إلى سمع بعض أصحابه من أهل الاهواء شيئا مما هم فيه.
(2) " آداب الشافعي ": 193، و" الحلية " 9 / 113، و" الأسماء والصفات " 257، 256، و" معرفة السنن والآثار " 1 / 113، و" مناقب " البيهقي 1 / 403، وفيه زيادة وهي: وكل يمين بغير الله، فهي مكروهة منهي عنها من قبل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عزوجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت ".
قال البيهقي: فجعل اليمين باسم من أسماء الله كاليمين بالله، ثم قال: " ومن حلف
بشيء غير الله فلا كفارة عليه، فبين بذلك أنه لا يقال في أسماء الله وصفاته: إنها أغيار، وإنما يقال: أغيار، لما يكون مخلوقا.

(10/19)


وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: الخُلَفَاءُ خَمْسَةٌ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعلِيُّ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ (1) .
قَالَ الحَارِثُ بنُ سُرَيْجٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: أَنَا أَدْعُو اللهَ لِلشَّافِعِيِّ، أَخُصُّهُ بِهِ (2) .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ: أَنَا أَدْعُو اللهَ فِي دُبُرِ صَلاَتِي لِلشَّافِعِيِّ (3) .
الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الكَرَابِيْسِيُّ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مُتَكَلِّمٍ عَلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَهُوَ الجِدُّ، وَمَا سِوَاهُ، فَهُوَ هَذَيَانٌ.
ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَجَمَاعَةٌ قَالُوا: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ يُقَالُ: لِمَ لِلأَصْلِ، وَلاَ كَيْفَ (4) .
وَعَنْ يُوْنُسَ: سَمِعَ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: الأَصْلُ القُرْآنُ، وَالسُّنَّةُ، وَقِيَاسٌ عَلَيْهِمَا، وَالإِجْمَاعُ أَكْبَرُ مِنَ الحَدِيْثِ المُنْفَرِدِ (5) .
__________
(1) " آداب الشافعي ": 189، و" مناقب " البيهقي 1 / 448، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 407 / 1، و" الانتقاء ": 82، 83.
وقال ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " ص 249: ونص كثير من الأئمة على أن عمر بن عبد العزيز خليفة راشد أيضا، ويدل عليه ما خرجه الامام أحمد 4 / 273 من حديث حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبي، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إليه، ثم تكون ملكا عاضا ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية تكون ما شاء ألله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج نبوة " ثم سكت.
(2) " مناقب " البيهقي 2 / 243، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 405 / 2، و" معرفة السنن والآثار " 1 / 24.
(3) ابن عساكر 14 / 409 / 1.
(4) انظر " مناقب الشافعي " للبيهقي 2 / 30.
(5) " حلية الأولياء " 9 / 105، و" آداب الشافعي ": 231، 233، و" مناقب =

(10/20)


ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ يُوْنُسَ يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: الأَصْلُ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَقِيَاسٌ عَلَيْهِمَا، وَإِذَا صَحَّ الحَدِيْثُ فَهُوَ سُنَّةٌ، وَالإِجْمَاعُ أَكْبَرُ مِنَ الحَدِيْثِ المُنْفَرِدِ، وَالحَدِيْثُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِذَا احتَمَلَ الحَدِيْثُ مَعَانِي، فَمَا أَشْبَهَ ظَاهِرَهُ، وَلَيْسَ المُنْقَطِعُ بِشَيْءٍ، مَا عَدَا مُنْقَطِعِ ابْنِ المُسَيِّبِ (1) ، وَكُلاًّ رَأَيْتُهُ اسْتَعْمَلَ الحَدِيْثَ المُنْفَرِدَ، استَعْمَلَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ
__________
= البيهقي " 2 / 30.
والإجماع: هو اتفاق جميع المجتهدين في عصر على حكم شرعي، هو عند الشافعي في المسائل المعلومة من الدين ضرورة كما صرح به في غير موضع من كتبه، فقد قال في " الرسالة " رقم (1559): ولست أقول ولا أحد من أهل العلم: هذا مجتمع عليه إلا لما لا تلقى عالما أبدا إلا قاله لك، وحكاه عمن قبله، كالظهر أربع، وكتحريم الخمر، وما أشبه هذا، وقال في " اختلاف الحديث " 7 / 147 بهامش " الام ": وكفى حجة على أن دعوى الاجماع في كل الاحكام ليس كما ادعى من ادعى ما وصفت من هذا ونظائر له أكثر منه، وجملته أن لم يدع الاجماع فيما سوى جمل الفرائض التي كلفتها العامة أحد من أصحاب رسول الله ولا التابعين، ولا القرن الذين من بعدهم، ولا القرن الذين يلونهم، ولا عالم علمته على ظهر الأرض، ولا أحد نسبته العامة إلى علم إلا حينا من الزمان، فإن قائلا قال فيه بمعنى لم أعلم أحدا من أهل العلم عرفه، وقد حفظت عن عدد منهم إبطاله.
وقال في " جماع العلم ": 65، 66، وقد سئل: هل من إجماع ؟ فأجاب: نعم،
بحمد الله، كثير في جملة الفرائض التي لا يسمع جهلها، وذلك الاجماع هو الذي لو قلت: أجمع الناس، لم تجد حولك أحدا يعرف شيئا يقول لك ليس هذا بإجماع.
وانظر " الاحكام " لابن حزم 4 / 141 وما بعدها.
(1) يعني بالمنقطع ما أرسله، قال السخاوي في " شرح الالفية " 1 / 140: قال النووي في " الارشاد ": اشتهر عند فقهاء أصحابنا أن مرسل سعيد حجة عند الشافعي حتى إن كثيرا منهم لا يعرفون غير ذلك، وليس الامر على ذلك.
ثم بينه بما ذكر معناه في " شرح المهذب " 1 / 99 فإنه قال فيه عقب نقله عن الشافعي في المختصر مما رواه عنه الربيع أيضا: إرسال ابن المسيب عندنا حسن ما نصه: اختلف أصحابنا المتقدمون في معناه على وجهين - حكاهما الشيخ أبو إسحاق في " اللمع "، والخطيب في كتابيه " الفقيه والمتفقه " و" الكفاية " وآخرون: أحدهما: أنها حجة عنده بخلاف غيرها من المراسيل، قالوا: لأنها فتشت فوجدت مسندة.
ثانيهما: أنها ليست بحجة عنده، بل هي كغيرها على ما ذكرناه.
قالوا: وإنما رجح الشافعي بمرسله، والترجيح بالمرسل جائز.
قال الخطيب في كتابه " الفقيه والمتفقه ": والصواب الثاني.
وأما الأول فليس بشيء. =

(10/21)


فِي التَّفْلِيْسِ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: (إِذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ مَالَهُ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ (1)).
وَاسْتَعْمَلَ أَهْلُ العِرَاقِ حَدِيْثَ العُمْرَى.
__________
= وكذا قال في " الكفاية ": إن الثاني هو الصحيح، لان في مراسيل سعيد ما لم يوجد بحال من وجه يصح.
قال البيهقي: وقد ذكرنا لابن المسيب مراسيل لم يقبلها الشافعي حيث لم ينضم إليها ما يؤكدها، ومراسيل لغيره قال بها حين انضم إليها ما يؤكدها، قال: وزيادة ابن المسيب في هذا على غيره أنه أصح التابعين إرسالا فيما زعم الحفاظ.
قال: وأما قول القفال المروزي في أول كتابه " شرح
التلخيص ": قال الشافعي في الرهن الصغير: مرسل سعيد عندنا حجة، فهو محمول على التفصيل الذي قدمناه عن البيهقي والخطيب والمحققين.
وانظر " مناقب الشافعي " للبيهقي 2 / 30.
(1) أخرجه من حديث أبي هريرة مالك في " الموطأ " 2 / 678 في البيوع: باب ما جاء في إفلاس الغريم، والبخاري 5 / 47 في الاستقراض: باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض، ومسلم (1559) في المساقاة: باب من أدرك ما باعه عند المشتري وقد أفلس، والترمذي (162) في البيوع: باب ما جاء إذا أفلس للرجل غريم، وأبو داود (3519) في البيوع: باب في الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه، والنسائي 7 / 311 في البيوع: باب الرجل يبتاع فيفلس، وابن ماجه (2358) في الاحكام: باب من وجد متاعه بعينه، والبيهقي 6 / 46، 47 ولفظه: " من أدرك ما له بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس، فهو أحق به من غيره " قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: هو أسوة الغرماء، وهو قول أهل الكوفة، وقال اللكنوي في " التعليق الممجد " ص 34: ومذهب الحنفية في ذلك أن صاحب المتاع ليس بأحق لا في الموت ولا في الحياة، لان المتاع بعد ما قبضه المشتري صار ملكا خاصا له، والبائع صار أجنبيا منه كسائر أمواله، فالغرماء شركاء للبائع فيه في كلتا الصورتين، وإن لم يقبض، فالبائع أحق لاختصاصه به، وهذا معنى واضح لولا ورود النص بالفرق، وسلفهم في ذلك علي، فإن قتادة روى عن خلاس بن عمرو عن علي أنه قال: هو أسوة الغرماء إذا وجدها بعينها.
وأحاديث خلاس عن علي ضعيفة، وروي مثله عن إبراهيم النخعي.
(2) الخبر في " آداب الشافعي ": 231، 232، و" الحلية " 9 / 105، و" مناقب " البيهقي 1 / 167، 168، وحديث العمرى رواه جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه، فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها، لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث "، أخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 756 في الاقضية: باب القضاء في العمرى، ومن طريق مسلم (1625) عن ابن شهاب الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن،
عن جابر..، وقوله: " لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث " مدرج من قول أبي سلمة، بين ذلك ابن أبي ذئب كما في تنوير الحوالك 2 / 225، ومسلم (1625) (24)، وأخرجه =

(10/22)


ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: قِرَاءةُ الحَدِيْثِ خَيْرٌ مِنْ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ.
وَقَالَ: طَلَبُ العِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ النَّافلَةِ (1) .
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: صَاحِبُنَا اللَّيْثُ يَقُوْلُ: لَوْ رَأَيْتَ صَاحِبَ هَوَىً يَمْشِي عَلَى المَاءِ، مَا قَبِلْتُهُ.
قَالَ: قَصَّرَ لَوْ رَأَيْتُهُ يَمْشِي فِي الهَوَاءِ، لَمَا قَبِلْتُهُ (2) .
قَالَ الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ: أَنْتُم الصَّيَادِلَةُ، وَنَحْنُ الأَطِبَّاءُ (3) .
زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مَرْدَكٍ الرَّازِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ صَالِحٍ صَاحِبَ اللَّيْثِ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي مَجْلِسِهِ، فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ فِي تَثْبِيْتِ خَبَرِ الوَاحِدِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَتَبْنَاهُ، وَذَهَبْنَا بِهِ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ
__________
= البخاري 5 / 175، 176 في الهبة، ومسلم (1625) (25) من طرق أخرى عن أبي سلمة، عن جابر قال: " قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرى أنها لمن وهبت له ".
والعمرى: أن يقول الرجل لآخر: داري لك عمرك، أو يقول: داري هذه لك عمري، فإذا قال ذلك، وسلمها إليه ملكها المعمر، ونفذ تصرفه فيها، وإذا مات تورث منه، سواء قال: هي لعقبك من بعدك أو لورثتك أو لم يقل، قال البغوي: وهو قول زيد بن ثابت وابن عمر، وبه قال عروة بن الزبير، وسليمان ابن يسار، ومجاهد، وإليه ذهب الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وقال مالك: العمرى ترجع إلى الذي أعمرها إذا لم يقل: هي لك ولعقبك.
انظر " شرح السنة " 8 / 293، و" فتح الباري " 5 / 176، و" الام " 3 / 176 و189، 191،
و" شرح الزرقاني " على " الموطأ " 3 / 146، و" شرح معاني الآثار " 4 / 90، 94، و" سنن البيهقي " 6 / 171، 176، و" المغني " لابن قدامة 6 / 302.
(1) " آداب الشافعي ": 97، و" الحلية " 9 / 119، و" توالي التأسيس ": 73، و" الانتقاء ": 84، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 53، 54.
(2) " آداب الشافعي ": 184، و" مناقب " البيهقي 1 / 453.
(3) وجاء في " تاريخ ابن عساكر " 14 / 411 / 2 عن الامام أحمد قال: كان الفقهاء أطباء، والمحدثون صيادلة، فجاء محمد بن إدريس طبيبا صيدلانيا.

(10/23)


عُلَيَّةَ، وَكَانَ مِنْ غِلْمَانِ أَبِي بَكْرٍ الأَصَمِّ (1) ، وَكَانَ فِي مَجْلِسهِ عِنْدَ بَابِ الصُّوْفِيِّ (2) ، فَلَمَّا قَرَأْنَا عَلَيْهِ جَعَلَ يَحْتَجُّ بِإِبْطَالِهِ.
فَكَتَبْنَا مَا قَالَ، وَذَهَبنَا بِهِ إِلَى الشَّافِعِيِّ، فَنَقَضَهُ، وَتَكَلَّمَ بِإِبطَالِهِ، ثُمَّ كَتَبْنَاهُ، وَجئنَا بِهِ إِلَى ابْنِ عُلَيَّةَ، فَنَقَضَهُ، ثُمَّ جِئْنَا بِهِ إِلَى الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ عُليَّةَ ضَالٌّ، قَدْ جَلَسَ بِبَابِ الضَّوَالِّ يُضِلُّ النَّاسَ (3) .
قُلْتُ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ مِنْ كِبَارِ الجَهْمِيَّةِ، وَأَبوهُ إِسْمَاعِيْلُ (4) شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ، إِمَامٌ.
المُزَنِيُّ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ، عَظُمَتْ قِيْمَتُهُ، وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي الفِقْهِ، نَمَا قَدْرُهُ، وَمَنْ كَتَبَ الحَدِيْثَ، قَوِيَتْ حُجَّتُهُ، وَمَنْ نَظَرَ فِي اللُّغَةِ، رَقَّ طَبْعُهُ، وَمَنْ نَظَرَ فِي الحِسَابِ، جَزُلَ رَأَيُهُ، وَمَنْ لَمْ يَصُنْ نَفْسَهُ، لَمْ يَنْفَعْهُ عِلْمُهُ (5) .
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَتُّوَيْه الأَصْبَهَانِيُّ: سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ حَدِيْثٍ جَاءَ مِنَ العِرَاقِ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الحِجَازِ، فَلاَ تَقْبَلْهُ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحاً، مَا أُرِيْدُ إِلاَّ نَصِيْحَتَكَ (6) .
قُلْتُ: ثُمَّ إِنَّ الشَّافِعِيَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا، وَصَحَّحَ مَا ثَبَتَ إِسْنَادُهُ لَهُمْ.
__________
(1) هو شيخ المعتزلة تقدمت ترجمته في الجزء التاسع ص 402.
(2) في " مناقب " البيهقي: وكان مجلسه بمصر عند باب الضوال.
(3) " مناقب " البيهقي 1 / 457 (4) تقدمت ترجمته في الجزء التاسع من هذا الكتاب ص 107.
(5) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 16 / 2، و" مناقب البيهقي " 1 / 282، و" مناقب " الرازي: 70، و" توالي التأسيس ": 72، و" طبقات الشافعية " للعبادي: 32.
(6) " آداب الشافعي ": 200 (7) في " معرفة السنن والآثار " للبيهقي (64) بسنده إلى الشافعي قال: من عرف من =

(10/24)


وَيُرْوَى عَنْهُ: إِذَا لَمْ يُوجَدْ لِلْحَدِيْثِ أَصْلٌ فِي الحِجَازِ، ضُعِّفَ -أَوْ قَالَ: ذَهَبَ نُخَاعُهُ (1) -.
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيٍّ العَابِدُ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا العُلَبِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الهَرَوِيُّ، قَالَ:
أَفَادَنِي يَعْقُوْبُ، وَكَتَبْتُهُ مِنْ خَطِّهِ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الخَالِدِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ الحُسَيْنِ الزَّعْفَرَانِيَّ، سَمِعْتُ عُثْمَانَ بنَ سَعِيْدِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْمَاطيَّ، سَمِعْتُ المُزَنِيَّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ أَنْظُرُ فِي الكَلاَمِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ الشَّافِعِيُّ، فَلَمَّا قَدِمَ أَتَيْتُهُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَقَالَ لِي: تَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ؟
قُلْتُ: نَعَمْ، فِي مَسْجِدِ الفُسْطَاطِ.
قَالَ لِي: أَنْتَ فِي تَارَانَ (2) - قَالَ عُثْمَانُ: وَتَارَانُ مَوْضِعٌ فِي بَحْرِ القُلْزُمِ، لاَ تَكَادُ تَسْلَمُ
__________
= أهل العراق ومن أهل بلدنا بالصدق والحفظ، قبلنا حديثه، ومن عرف منهم من أهل بلدنا بالغلط رددنا حديثه، وما حابينا أحدا، ولا حملنا عليه.
قال البيهقي: وعلى هذا مذهب أكثر أهل العلم بالحديث، وإنما رغب بعض السلف عن رواية أهل العراق، لما ظهر من المناكير والتدليس في روايات بعضهم، ثم قام بهذا العلم جماعة منهم ومن غيرهم، فميزوا أهل الصدق من غيرهم، ومن دلس ممن لم يدلس، وصنفوا فيه الكتب حتى أصبح من عمل في معرفة ما عرفوه، وسعى في الوقوف على ما عملوه على خبرة من دينه وصحة ما يجب الاعتماد عليه من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة.
وانظر الصفحة 33 من هذا الجزء تعليق رقم (3).
(1) " آداب الشافعي ": 200.
(2) في " معجم ياقوت ": تاران: جزيرة في بحر القلزم، بين القلزم وأيلة، وهو أخبث مكان في هذا البحر، وذاك أن به دوران ماء في سفح جبل إذا وقعت الريح على ذروته انقطعت الريح قسمين، فتلقي المركب بين شعبتين من هذا الجبل متقابلتين، فتخرج الريح من كليهما، كل واحدة مقابلة للاخرى، فيثور البحر على كل سفينة تقع في ذلك الدوران باختلاف الريحين، فتنقلب ولا تسلم أبدا، وقال البيهقي في " مناقب الشافعي " 1 / 458: " تاران " في بحر القلزم، يقال: فيها غرق فرعون وقومه، فشبه الشافعي المزني فيما أورد عليه بعض أهل الالحاد ولم يكن عنده جواب بمن ركب البحر في الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون وقومه، وأشرف على الهلاك، ثم علمه جواب ما أورد عليه حتى زالت عنه تلك الشبهة، وفي ذلك =

(10/25)


مِنْهُ سَفِيْنَةٌ - ثُمَّ أَلقَى عَلَيَّ مَسْأَلَةً فِي الفِقْهِ، فَأَجَبْتُ، فَأَدْخَلَ شَيْئاً أَفْسَدَ جَوَابِي، فَأَجَبْتُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَدْخَلَ شَيْئاً أَفْسَدَ جَوَابِي، فَجَعَلْتُ كُلَّمَا أَجَبْتُ بِشَيْءٍ، أَفْسَدَهُ.
ثُمَّ قَالَ لِي: هَذَا الفِقْهُ الَّذِي فِيْهِ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَأَقَاوِيْلُ النَّاسِ، يَدْخُلُهُ مِثْلُ هَذَا، فَكَيْفَ الكَلاَمُ فِي رَبِّ العَالِمِيْنَ، الَّذِي فِيْهِ الزَّلَلُ كَثِيْرٌ؟
فَتَرَكْتُ الكَلاَمَ، وَأَقْبَلْتُ عَلَى الفِقْهِ (1) .
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ دَاوُدَ يَقُوْلُ:
لَمْ يُحْفَظْ فِي دَهْرِ الشَّافِعِيِّ كُلِّهِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَهْوَاءِ، وَلاَ نُسِبَ إِلَيْهِ، وَلاَ عُرِفَ بِهِ، مَعَ بُغْضِهِ لأَهْلِ الكَلاَمِ وَالبِدَعِ.
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ:
كَانَ الشَّافِعِيُّ إِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ الخَبَرُ، قَلَّدَهُ، وَخَيْرُ خَصْلَةٍ كَانَتْ فِيْهِ، لَمْ يَكُنْ يَشْتَهِي الكَلاَمَ، إِنَّمَا هِمَّتُهُ الفِقْهُ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ حَامِدٍ السُّلَمِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَقِيْلِ بنِ الأَزْهَرِ، يَقُوْلُ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى المُزَنِيِّ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَقَالَ: إِنِّي أَكْرَهُ هَذَا، بَلْ أَنَهَى عَنْهُ، كَمَا نَهَى عَنْهُ الشَّافِعِيُّ، لَقَدْ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الكَلاَمِ وَالتَّوْحِيْدِ، فَقَالَ: مُحَالٌ أَنْ نَظُنَّ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ عَلَّمَ أُمَّتَهُ الاسْتِنْجَاءَ، وَلَمْ يُعَلِّمْهُمُ التَّوْحِيْدَ، وَالتَّوْحِيْدُ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُوْلُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ (2)) فَمَا عُصِمَ بِهِ الدَّمُ وَالمَالُ، حَقِيْقَةُ التَّوْحِيْدِ.
__________
دلالة على حسن معرفته بذلك، وأنه يجب الكشف عن تمويهات أهل الالحاد عند الحاجة إليه.
وأراد بالكلام: ما وقع فيه أهل الالحاد من الالحاد، وأهل البدع من البدع، والله أعلم.
(1) " مناقب " البيهقي 1 / 458، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 8 / 1 (2) هذا الحديث رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر، وأبو هريرة، وجابر، وأنس بن مالك، =

(10/26)


زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ حُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ الكَرَابِيْسِيَّ يَقُوْلُ:
شَهِدْتُ الشَّافِعِيَّ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ بِشْرٌ المَرِيسِيُّ فَقَالَ لبِشْرٍ: أَخْبِرْنِي عَمَّا تَدعُو إِلَيْهِ: أَكتَابٌ نَاطِقٌ، وَفَرْضٌ مُفْتَرَضٌ، وَسُنَّةٌ قَائِمَةٌ، وَوَجَدْتَ عَنِ السَّلَفِ البَحْثَ فِيْهِ، وَالسُّؤَالَ؟
فَقَالَ بِشْرٌ: لاَ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَسَعُنَا خِلاَفُهُ.
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَقْرَرْتَ بِنَفْسِكَ عَلَى الخَطَأِ، فَأَيْنَ أَنْتَ عَنِ الكَلاَمِ فِي الفِقْهِ وَالأَخْبَارِ، يُوَالِيْكَ النَّاسُ، وَتَتْرُكُ هَذَا؟
قَالَ: لَنَا نَهْمَةٌ فِيْهِ.
فَلَمَّا خَرَجَ بِشْرٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ يُفْلِحُ (1) .
أَبُو ثَوْرٍ وَالرَّبِيْعُ: سَمِعَا الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا ارتَدَى أَحَدٌ بِالكَلاَمِ، فَأَفْلَحَ (2) .
__________
= والنعمان بن بشير، وأوس بن حذيفة، وطارق الاشجعي، فحديث ابن عمر أخرجه البخاري 1 / 70، 71، ومسلم (22)، وحديث أبي هريرة أخرجه البخاري 3 / 211، و12 / 244، ومسلم (21)، وأبو داود (2640)، والترمذي (2610)، وحديث جابر أخرجه مسلم (21) (35)، والترمذي (3338)، وحديث أنس أخرجه البخاري 1 / 417، وأبو داود (2641)، والترمذي (2609)، والنسائي 7 / 75 و8 / 109، وحديث النعمان بن بشير أخرجه النسائي 7 / 79، 80، وحديث أوس بن حذيفة أخرجه النسائي 7 / 80، 81، وحديث طارق الاشجعي أخرجه مسلم (23)، وفي الباب عن غير هؤلاء، وهو حديث متواتر.
(1) " مناقب " البيهقي 1 / 204، وبشر هذا تابع المعتزلة في مسألة خلق القرآن، فزجره أبو يوسف القاضي، ولم ينزجر، قال البغدادي في " أصول الدين " (308): فأما المريسي من أصحاب أبي حنيفة فإنما وافق المعتزلة في خلق القرآن، وأكفرهم في خلق الافعال.
وقال ابن تيمية في " منهاج السنة " 1 / 256: كان من المرجئة لم يكن من المعتزلة، بل كان من كبار الجهمية.
وروى ابن زنجويه عن أحمد بن حنبل قال: كنت في مجلس أبي يوسف القاضي حين أمر ببشر المريسي، فجر برجله فأخرج، ثم رأيته بعد ذلك في المجلس، فقلت له: على ما فعل بك رجعت إلى المجلس ؟ قال: لست أضيع حظي من العلم بما فعل بي بالامس.
وأسند ابن أبي العوام بطريق الطحاوي أن أبا يوسف كان يقول لبشر المريسي: أي رجل أنت لولا رأيك السوء.
وقال الصيمري ص (156): وله تصانيف وروايات كثيرة عن أبي يوسف، وكان من أهل الورع والزهد غير أنه رغب الناس عنه في ذلك الزمان لاشتهاره بعلم الكلام وخوضه في ذلك، وعنه أخذ حسين النجار مذهبه.
وسترد ترجمة بشر المريسي في هذا الجزء ص 199.
(2) تقدم في الصفحة (18) تعليق رقم (3).

(10/27)


قَالَ الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ: قَالَ المُزَنِيُّ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَقَالَ: سَلْنِي عَنْ شَيْءٍ، إِذَا أَخْطَأْتُ فِيْهِ، قُلْتَ: أخْطَأْتَ، وَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ، إِذَا أَخْطَأْتُ فِيْهِ قُلْتَ: كَفَرْتَ (1) .
زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: يَا مُحَمَّدُ، إِنْ سَأَلكَ رَجُلٌ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَلاَ تُجِبْهُ، فَإِنَّهُ إِنْ سَأَلَكَ عَنْ دِيَةٍ، فَقُلْتَ: دِرْهَماً، أَوْ دَانَقاً، قَالَ لَكَ: أَخْطَأْتَ، وَإِنْ سَأَلَكَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَزَلَلْتَ قَالَ لَكَ: كَفَرْتَ (2) .
قَالَ الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: المِرَاءُ فِي الدِّيْنِ يُقَسِّي القَلْبَ، وَيُورِثُ الضَّغَائِنَ (3) .
وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَا رَبِيْعُ! اقبَلْ مِنِّي ثَلاَثَةً: لاَ تَخُوضَنَّ فِي أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ خَصْمَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَداً.
وَلاَ تَشْتَغِلْ بِالكَلاَمِ، فَإِنِّي قَدِ اطَّلَعْتُ مِنْ أَهْلِ الكَلاَمِ عَلَى التَّعْطِيلِ.
وَزَادَ المُزَنِيُّ: وَلاَ تَشْتَغِلْ بِالنُّجُومِ (4) .
وَعَنْ حُسَيْنٍ الكَرَابِيْسِيِّ، قَالَ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ،
__________
(1) جاء على هامش الأصل بخط مغاير ما نصه: حاشية: كل هذه الآثار عن الامام الشافعي في ذم الكلام إنما هي في كلام المعتزلة، لأنه لم يكن ذلك الوقت متكلم غيرهم، فأما الكلام على الوجه الصحيح، فليس مرادا له، إذ لم يكن ذلك في زمانه، وإنما ظهرت بعده، فليتنبه لذلك.
(2) " مناقب " البيهقي 1 / 460.
(3) " مناقب " البيهقي 2 / 151، وفيه " المراء في العلم ".
(4) " توالي التأسيس ": 73، ولفظه فيه: لا تخض في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإن خصمك النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، ولا تشتغل بالكلام، فإني قد اطلعت من أهل الكلام على أمر عظيم، ولا تشتغل بالنجوم، فإنه يجر إلى التعطيل.

(10/28)


فَغَضِبَ، وَقَالَ: سَلْ عَنْ هَذَا حَفْصاً الفَرْدَ وَأَصْحَابَهُ أَخْزَاهُمُ اللهُ (1) .
الأصَمُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنَّ النَّاسَ تَعَلَّمُوا هَذَا العِلْمَ -يَعْنِي: كُتُبَهُ- عَلَى أَنْ لاَ يُنْسَبَ إِلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ (2) .
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ: حُكْمِي فِي أَهْلِ الكَلاَمِ، حُكْمُ عُمَرَ فِي صَبِيْغٍ (3).
الزَّعْفَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ: سَمِعْنَا الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: حُكْمِي فِي أَهْلِ الكَلاَمِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالجَرِيْدِ، وَيُحْمَلُوا عَلَى الإِبِلِ، وَيُطَافُ بِهِم فِي العَشَائِرِ، يُنَادَى عَلَيْهِم: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَأَقْبَلَ عَلَى الكَلاَمِ (4) .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَشْعَرِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَذْهَبِي فِي أَهْلِ الكَلاَمِ تَقْنِيعُ رُؤُوْسِهِم بِالسِّيَاطِ، وَتَشْرِيدُهُمْ فِي البِلاَدِ.
قُلْتُ: لَعَلَّ هَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنِ الإِمَامِ.
الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا نَاظَرْتُ أَحَداً عَلَى الغَلَبَةِ إِلاَّ عَلَى الحَقِّ عِنْدِي.
وَالزَّعْفَرَانِيُّ عَنْهُ: مَا نَاظَرْتُ أَحَداً إِلاَّ عَلَى النَّصِيحَةِ.
زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ العَبَّاسِ النَّسَائِيُّ، سَمِعْتُ
__________
(1) " حلية الأولياء " 9 / 111.
(2) " آداب الشافعي ": 91، و" الحلية " 9 / 118، و" الانتقاء ": 84، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 53، و" المجموع " 1 / 12، و" توالي التأسيس ": 62.
(3) هو صبيغ بن عسل الحنظلي، له إدراك، قدم المدينة، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر، فأعد له عراجين النخل، فقال: من أنت ؟ قال: أنا عبد الله صبيغ، قال: وأنا عبد الله عمر، فضربه حتى دمى رأسه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي.
انظر " الإصابة " 2 / 198.
(4) " مناقب " البيهقي 1 / 462، و" توالي التأسيس ": 64.

(10/29)


الزَّعْفَرَانِيَّ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا نَاظَرْتُ أَحَداً فِي الكَلاَمِ إِلاَّ مَرَّةً، وَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ ذَلِكَ.
سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ اللَّخْمِيُّ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُوْلُ: الاسْمُ غَيْرُ المُسَمَّى، وَالشَّيْءُ غَيْرُ المُشَيِّ، فَاشهَدْ عَلَيْهِ بِالزَّنْدَقَةِ.
سَعِيْدٌ: مصرِيٌّ لاَ أَعْرِفُهُ.
وَيُرْوَى عَنِ الرَّبِيْعِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ فِي كِتَابِ (الوَصَايَا): لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَوْصَى بِكُتُبِهِ مِنَ العِلْمِ لآخَرَ، وَكَانَ فِيْهَا كُتُبُ الكَلاَمِ، لَمْ تَدْخُلْ فِي الوَصِيَّةِ، لأنَّهُ لَيْسَ مِنَ العِلْمِ.
وَعَنْ أَبِي ثَوْرٍ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: ضَعْ فِي الإِرْجَاءِ كِتَاباً.
فَقَالَ: دَعْ هَذَا.
فَكَأَنَّهُ ذَمَّ الكَلاَمَ.
مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ: لَمَّا كَلَّمَ الشَّافِعِيَّ حَفْصٌ الفَرْدُ، فَقَالَ حَفْصٌ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ.
فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: كَفَرْتَ بِاللهِ العَظِيْمِ (1) .
قَالَ المُزَنِيُّ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَنَهَى عَنِ الخَوْضِ فِي الكَلاَمِ.
أَبُو حَاتَمٍ الرَّازِيِّ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: قَالَتْ لِي أُمُّ المَرِيْسِيِّ: كَلِّمْ بِشْراً أَنْ يَكُفَّ عَنِ الكَلاَمِ، فَكَلَّمْتُهُ، فَدَعَانِي إِلَى الكَلاَمِ (2) .
__________
(1) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 407 / 1، و" مناقب " البيهقي 1 / 407.
(2) " آداب الشافعي ": 187، و" تاريخ بغداد " 7 / 59، و" الحلية " 9 / 110، 111.

(10/30)


السَّاجِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ زِيَادٍ الأُبُلِّيُّ، سَمِعْتُ البُوَيْطِيَّ يَقُوْلُ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ: أُصَلِّي خَلْفَ الرَّافِضِيِّ؟
قَالَ: لاَ تُصَلِّ خَلْفَ الرَّافِضِيِّ، وَلاَ القَدَرِيِّ، وَلاَ المُرْجِئِ.
قُلْتُ: صِفْهُمْ لَنَا.
قَالَ: مَنْ قَالَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ، فَهُوَ مُرْجِئٌ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَيْسَا بِإِمَامَيْنِ، فَهُوَ رَافِضِيٌّ، وَمَنْ جَعَلَ المَشِيْئَةَ إِلَى نَفْسِهِ، فَهُوَ قَدَرِيٌّ.
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ، قَالَ لِيَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَضَعَ عَلَى كُلِّ مُخَالفٍ كِتَاباً لَفَعَلْتُ، وَلَكِنْ لَيْسَ الكَلاَمُ مِنْ شَأْنِي، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ (1) .
قُلْتُ: هَذَا النَّفَسُ الزَّكِيُّ مُتَوَاتِرٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أبَانَ القَاضِي: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، حَدَّثَنَا المُزَنِيُّ، قَالَ: قُلْتُ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُخْرِجُ مَا فِي ضَمِيرِي، وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ خَاطِرِي مِنْ أَمْرِ التَّوْحِيْدِ فَالشَّافِعِيُّ، فَصِرْتُ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي مَسْجِدِ مِصْرَ، فَلَمَّا جَثَوْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْتُ: هَجَسَ فِي ضَمِيرِي مَسْأَلَةٌ فِي التَّوْحِيْدِ، فَعَلِمْتُ أَنَّ أَحَداً لاَ يَعْلَمُ عِلْمَكَ، فَمَا الَّذِي عِنْدَكَ؟
فَغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: أتَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: هَذَا المَوْضِعُ الَّذِي أَغْرَقَ اللهُ فِيْهِ فِرْعَوْنَ.
أَبَلَغَكَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: هَلْ تَكَلَّمَ فِيْهِ الصَّحَابَةُ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: تَدْرِي كَمْ نَجْماً فِي السَّمَاءِ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: فَكَوْكَبٌ مِنْهَا: تَعْرِفُ جِنْسَهُ، طُلُوْعَهُ، أُفُولَهُ، مِمَّ خُلِقَ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: فَشَيْءٌ تَرَاهُ بِعَيْنِكَ مِنَ الخَلْقِ لَسْتَ تَعْرِفُهُ، تَتَكَلَّمُ فِي عِلْمِ خَالِقِهِ؟!
ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي
__________
(1) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 5 / 1.

(10/31)


الوُضُوْءِ، فَأَخْطَأْتُ فِيْهَا، فَفَرَّعَهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، فَلَمْ أُصِبْ فِي شَيْء مِنْهُ.
فَقَالَ: شَيْءٌ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ خَمْسَ مَرَّاتٍ، تَدَعُ عِلْمَهُ، وَتَتَكَلَّفُ عِلْمَ الخَالِقِ، إِذَا هَجَسَ فِي ضَمِيرِكَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى اللهِ، وَإِلَى قَوْلِهِ تعَالَى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيْم ... إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ...} الآيَةَ [البَقَرَةُ: 163 و164] فَاسْتَدِلَّ بِالمَخْلُوْقِ عَلَى الخَالِقِ، وَلاَ تَتَكَلَّفْ عِلْمَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ عَقْلُكَ.
قَالَ: فَتُبْتُ (1) .
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: فِي كِتَابِي عَنِ الرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَضَرْتُ الشَّافِعِيَّ، أَوْ حَدَّثَنِي أَبُو شُعَيْبٍ، إِلاَّ أَنِّي أَعْلَمُ أنَّهُ حَضَرَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ، وَيُوْسُفُ بنُ عَمْرٍو، وَحَفْصٌ الفَرْدُ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يُسَمِّيهِ: حَفْصاً المُنْفَرِدِ، فَسَأَلَ حَفْصٌ عَبْدَ اللهِ: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟
فَأَبَى أَنْ يُجِيْبَهُ، فَسَأَلَ يُوْسُفَ، فَلَمْ يُجِبْهُ، وَأشَارَ إِلَى الشَّافِعِيِّ، فَسَأَلَ الشَّافِعِيَّ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ، فَطَالَتْ فِيْهِ المُنَاظَرَةُ، فَقَامَ الشَّافِعِيُّ بِالحُجَّةِ عَلَيْهِ بِأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَبِكفْرِ حَفْصٍ.
قَالَ الرَّبِيْعُ: فَلقِيتُ حَفْصاً، فَقَالَ: أَرَادَ الشَّافِعِيُّ قَتْلِي (2) .
الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ (3) .
__________
(1) تقدم الخبر بنحوه في الصفحة: 25، 26.
(2) " آداب الشافعي ": 194، 195، و" الأسماء والصفات " للبيهقي: 252، و" المناقب " له 1 / 455، وبنحوه من طريق آخر في " الحلية " 9 / 112، و" توالي التأسيس " 56.
(3) " الانتقاء ": 81، و" تهذيب الأسماء " 1 / 66، و" توالي التأسيس ": 64، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 405، و" آداب الشافعي ": 192.

(10/32)


وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: تَجَاوَزَ اللهُ عَمَّا فِي القُلُوبِ، وَكَتَبَ عَلَى النَّاسِ الأَفْعَالَ وَالأقَاوِيْلَ (1) .
وَقَالَ المُزَنِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقَالُ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ لاَ يَعْمَلُهَا: فَإِنْ صَلَّيْتَ، وَإِلاَّ اسْتَتَبْنَاكَ، فَإِنْ تُبْتَ، وَإِلاَّ قَتَلْنَاكَ، كَمَا تَكْفُرُ، فَنَقُوْلُ: إِنْ آمَنْتَ، وَإِلاَّ قَتَلْنَاكَ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: مَا كَابَرَنِي أَحَدٌ عَلَى الحَقِّ وَدَافَعَ، إِلاَّ سَقَطَ مِنْ عَيْنِي، وَلاَ قَبِلَهُ إِلاَّ هِبْتُهُ، وَاعتَقَدْتُ مَوَدَّتَهُ (2) .
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِالأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا، فَإِذَا كَانَ خَبَرٌ صَحِيْحٌ، فَأَعلِمْنِي حَتَّى أَذْهَبَ إِلَيْهِ، كُوفِيّاً كَانَ، أَوْ بَصْرِيّاً، أَوْ شَامِيّاً (3) .
وَقَالَ حَرْمَلَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَا قُلْتُهُ فَكَانَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خِلاَفُ قَوْلِي مِمَّا صَحَّ، فَهُوَ أَوْلَى، وَلاَ تُقَلِّدُوْنِي (4) .
__________
(1) مقتبس من حديث صحيح أخرجه البخاري 5 / 116، 11 / 478، ومسلم (127)، وأبو داود (2209)، والترمذي (1183)، والنسائي 6 / 156، 157 وابن ماجه (2540) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يعملوا أو يتكلموا " وفي رواية: " ما وسوست به صدورها "، وللحافظ ابن رجب كلام جيد على هذا الحديث في " جامع العلوم والحكم " ص 334، 335، فليراجع.
(2) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 8 / 2، و" توالي التأسيس ": 73.
(3) إسناده صحيح، وهو في " آداب الشافعي " 94، 95، و" الحلية " 9 / 170، و" الانتقاء ": 75، و" طبقات الحنابلة " 1 / 282، و" شذرات الذهب " 2 / 10، و" مناقب " الرازي: 127، و" توالي التأسيس ": 63، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 9 / 1، وهذا النص يؤكد أن الشافعي رضي الله عنه رجع عن رفضه لحديث العراقيين، كما تقدم في الصفحة (24، 25).
(4) " آداب الشافعي ": 67، 68، و" مناقب " البيهقي 1 / 473، و" حلية الأولياء " =

(10/33)


الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا وَجَدْتُمْ فِي كتَابِي خِلاَفَ سُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُوْلُوا بِهَا، وَدَعُوا مَا قُلْتُهُ (1) .
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ - وَقَدْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ -: تَأْخُذُ بِهَذَا الحَدِيْثِ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
فَقَالَ: مَتَى رَوَيْتُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ حَدِيْثاً صَحِيْحاً وَلَمْ آخُذْ بِهِ، فَأُشْهِدُكُم أَنَّ عَقْلِي قَدْ ذَهَبَ (2) .
وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: رَوَى الشَّافِعِيُّ يَوْماً حَدِيْثاً، فَقُلْتُ: أَتَأْخُذُ بِهِ؟
فَقَالَ: رَأَيتَنِي خَرَجْتُ مِنْ كَنِيْسَةٍ، أَوْ عَلَيَّ زِنَّارٌ، حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيْثاً لاَ أقولُ بِهِ (3) ؟!
__________
= 9 / 106، 107، و" توالي التأسيس ": 63، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 9 / 2، و" إيقاظ الهمم ": 50.
قال الحافظ في " توالي التأسيس ": وقرأت بخط الشيخ تقي الدين السبكي في مصنف له في هذه المسألة ما ملخصه: إذا وجد شافعي حديثا صحيحا يخالف مذهبه إن كملت فيه آلة
الاجتهاد في تلك المسألة، فليعمل بالحديث، بشرط أن لا يكون الامام اطلع عليه، وأجاب عنه، وإن لم يكمل ووجد إماما من أصحاب المذاهب عمل به، فله أن يقلده فيه، وإن لم يجد، وكانت المسألة حيث لا إجماع، قال السبكي: فالعمل بالحديث أولى، وإن فرض الاجماع فلا.
قلت (القائل ابن حجر): ويتأكد ذلك إذا وجد الامام بني المسألة على حديث ظنه صحيحا، وتبين أنه غير صحيح، ووجد خبرا صحيحا يخالفه، وكذا إذا اطلع الامام عليه، ولكن لم يثبت عنده مخالفة، ووجد له طريق ثابتة، وقد أكثر الشافعي من تعليق القول بالحكم على ثبوت الحديث عند أهله كما قال في البويطي: إن صح الحديث في الغسل من غسل الميت قلت به، وفي " الام ": إن صح حديث ضباعة في الاشتراط قلت به، إلى غير ذلك.
(1) " مناقب البيهقي " 1 / 472، 473، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 10 / 1، و" توالي التأسيس ": 63.
(2) " آداب الشافعي " 67 و93، و" حلية الأولياء " 9 / 106، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 10 / 1، و" مناقب البيهقي، 1 / 474، و" العلو " 204 للذهبي.
(3) " حلية الأولياء " 9 / 106، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 10 / 2، و" مناقب البيهقي " 1 / 474، و" توالي التأسيس ": 63، و" مفتاح الجنة ": 54.

(10/34)


قَالَ الرَّبِيْعُ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا رَوَيْتُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيْثاً فَلَمْ أقُلْ بِهِ (1) .
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُلُّ حَدِيْثٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ قَوْلِي، وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوهُ مِنِّي (2) .
وَيُرْوَى أنَّهُ، قَالَ: إِذَا صَحَّ الحَدِيْثُ فَهُوَ مَذْهَبِي (3) ، وَإِذَا صَحَّ الحَدِيْثُ، فَاضْرِبُوا بِقَولِي الحَائِطَ.
مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ العَكَرِيُّ وَغَيْرُهُ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ قَدْ جَزَّأَ اللَّيْلَ: فَثُلُثُهُ الأَوَّلُ يَكْتُبُ، وَالثَّانِي يُصَلِّي، وَالثَّالِثُ يَنَامُ (4) .
قُلْتُ: أَفْعَالُهُ الثَّلاَثَةُ عِبَادَةٌ بِالنِّيَّةِ.
قَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنِي حُسَيْنٌ الكَرَابِيْسِيُّ: بِتُّ مَعَ الشَّافِعِيِّ لَيْلَةً، فَكَانَ يُصَلِّي نَحْوَ ثُلُثِ اللَّيْلِ، فَمَا رَأَيْتُهُ يَزِيْدُ عَلَى خَمْسِيْنَ آيَةً، فَإِذَا أكْثَرَ فَمائَةِ آيَةٍ، وَكَانَ لاَ يَمُرُّ بآيَةِ رَحمَةٍ إِلاَّ سَأَلَ اللهَ، وَلاَ بآيَةِ عَذَابٍ إِلاَّ تَعَوَّذَ، وَكَأَنّمَا جُمِعَ لَهُ الرَّجَاءُ وَالرَّهْبَةُ جَمِيْعاً (5) .
__________
(1) " حلية الأولياء " 9 / 106، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 10 / 2، و" مناقب البيهقي " 1 / 475.
(2) " آداب الشافعي ": 94، و" البداية " 10 / 253، 254.
(3) للامام تقي الدين السبكي رسالة تناول فيها كلمة الشافعي هذه بالشرح والبيان، وما يجب أن تحمل عليه وتقيد به سماها " معنى قول المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي " وهي مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية 3 / 98، 114.
وقد نقل عنها الحافظ في " توالي التأسيس " كما تقدم في التعليق (4) ص (33، 34).
(4) " حلية الأولياء " 9 / 125، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 11 / 1.
(5) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 11 / 1، و" مناقب الرازي ": 127، و" توالي التأسيس ": 68

(10/35)


قَالَ الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ مِنْ طَرِيْقَيْنِ عَنْهُ، بَلِ أَكْثَرَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سِتِّيْنَ خَتْمَةً.
ورَوَاهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ، فَزَادَ: كُلُّ ذَلِكَ فِي صَلاَةٍ (1) .
أَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِي: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيُّ يَقُوْلُ: مَا شَبِعْتُ مُنْذُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً إِلاَّ مَرَّةً، فَأَدْخَلْتُ يَدِي فَتَقَيَّأْتُهَا.
رَوَاهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيْعِ، وَزَادَ: لأَنَّ الشِّبَعَ يُثْقِلُ البَدَنَ، وَيُقَسِّي القَلْبَ، وَيُزِيلُ الفِطْنَةَ، وَيجلِبُ النَّوْمَ، وَيُضْعِفُ عَنِ العِبَادَةِ (2) .
الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ مَطَرٍ، سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ، قَالَ لِيَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْكَ بِالزُّهْدِ، فَإِنَّ الزُّهْدَ عَلَى الزَّاهِدِ أَحْسَنُ مِنَ الحُلِيِّ عَلَى المَرْأَةِ النَّاهِدِ (3) .
قَالَ الزُّبَيْرُ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، سَمِعْتُ حَرْمَلَةَ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا حَلَفْتُ بِاللهِ صَادِقاً وَلاَ كَاذِباً (4) .
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنِي أَبُو ثَوْرٍ، قَالَ: قَلَّ مَا كَانَ يُمْسِكُ الشَّافِعِيُّ الشَّيْءَ مِنْ سَمَاحَتِهِ (5) .
__________
(1) " آداب الشافعي " 101، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 11 / 2، و" مناقب " الرازي: 127.
(2) " آداب الشافعي ": 106، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 12 / 1، و" الحلية " 9 / 127، و" تهذيب الأسماء " 1 / 54، و" توالي التأسيس ": 66.
(3) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 12 / 1، و" حلية الأولياء " 9 / 130.
(4) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 12، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 54، و" توالي التأسيس ": 67.
(5) " آداب الشافعي ": 126.

(10/36)


وَقَالَ عَمْرُو بنُ سَوَّادٍ: كَانَ الشَّافِعِيُّ أَسْخَى النَّاسِ عَلَى الدِّيْنَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالطَّعَامِ.
فَقَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: أَفلَسْتُ مِنْ دَهْرِي ثَلاَثَ إِفْلاسَاتٍ، فَكُنْتُ أَبِيْعُ قَلِيْلِي وَكَثِيْرِي حَتَّى حُلِيَّ بِنْتِي وَزَوْجَتِي، وَلَمْ أرْهَنْ قَطُّ (1) .
قَالَ الرَّبِيْعُ: أَخَذَ رَجُلٌ بِرِكَابِ الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ لِي: أَعْطِهِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيْرَ، وَاعْذِرْنِي عِنْدَهُ (2) .
سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ اللَّخْمِيُّ المِصْرِيُّ: سَمِعْتُ المُزَنِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ مَعَ الشَّافِعِيِّ يَوْماً، فَخَرَجْنَا الأَكْوَامَ (3) ، فَمَرَّ بِهَدَفٍ، فَإِذَا بِرَجُلٍ يَرْمِي بِقَوسٍ عَرَبِيَّةٍ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ يَنْظُرُ، وَكَانَ حَسَنَ الرَّمْيِ، فَأَصَابَ بِأَسْهُمٍ.
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَحْسَنْتَ، وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَعْطِهِ ثَلاَثَةَ دَنَانِيْرَ، وَاعذِرْنِي عِنْدَهُ (4) .
وَقَالَ الرَّبِيْعُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ مَارّاً بِالحَذَّائِيْنَ، فَسَقَطَ سَوْطُهُ، فَوَثَبَ غُلاَمٌ، وَمَسَحَهُ بِكُمِّهِ، وَنَاوَلَهُ، فَأَعْطَاهُ سَبْعَةَ دَنَانِيْرٍ (5) .
قَالَ الرَّبِيْعُ: تَزَوَّجْتُ، فَسَأَلَنِي الشَّافِعِيُّ كَمْ أَصْدَقْتَهَا؟
قُلْتُ: ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً، عَجَّلْتُ مِنْهَا سِتَّةً، فَأَعْطَانِي أَرْبَعَةً وَعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً (6) .
__________
(1) " آداب الشافعي ": 126، و" حلية الأولياء " 9 / 77 و132، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 13 / 1، و" توالي التأسيس ": 67، و" مناقب " البيهقي 2 / 222.
(2) " مناقب " البيهقي 2 / 220، و" الحلية " 9 / 130، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 13 / 2.
(3) الاكوام: جمع كوم: وهي جبال لغطفان، ثم لفزارة كما في " معجم ياقوت ".
(4) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 13 / 2. و" توالي التأسيس ": 67، و" الانتقاء ": 94.
(5) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 13 / 2، و" مناقب " البيهقي 2 / 221، و" مناقب " الرازي: 128.
(6) " آداب الشافعي ": 125، و" حلية الأولياء " 9 / 132، و" الانتقاء ": 94، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 13 / 2، و" مناقب " البيهقي 2 / 223.

(10/37)


أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ قَالَ: كَانَ بِالشَّافِعِيِّ هَذِهِ البَوَاسِيْرُ، وَكَانَتْ لَهُ لِبْدَةٌ مَحْشُوَّةٌ بِحُلْبَةٍ يَجْلِسُ عَلَيْهَا، فَإِذَا رَكِبَ، أَخَذْتُ تِلْكَ اللِّبْدَةَ، وَمَشَيْتُ خَلْفَهُ، فَنَاولَهُ إِنْسَانٌ رُقْعَةً يَقُوْلُ فِيْهَا: إِنَّنِي بَقَّالٌ، رَأْسُ مَالِي دِرْهَمٍ، وَقَدْ تَزَوَّجْتُ، فَأَعِنِّي.
فَقَالَ: يَا رَبِيْعُ، أَعْطِهِ ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً، وَاعذِرْنِي عِنْدَهُ.
فَقُلْتُ: أصْلَحَكَ اللهُ، إِنَّ هَذَا يَكْفِيْهِ عَشرَةُ دَرَاهِمِ.
فَقَالَ: وَيْحَكَ! وَمَا يَصْنَعُ بِثَلاَثِيْنَ؟ أَفِي كَذَا، أَمْ فِي كَذَا - يَعُدُّ مَا يَصْنَعُ فِي جِهَازِهِ - أَعْطِهِ (1) .
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ رَوْحٍ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ سُلَيْمَانَ القُرَشِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: خَرَجَ هَرْثَمَةُ، فَأَقْرَأَنِي سَلاَمَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ هَارُوْنَ، وَقَالَ: قَد أمَرَ لَكَ بِخَمْسَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ.
قَالَ: فَحَمَلَ إِلَيْهِ المَالَ، فَدَعَا بِحَجَّامٍ، فَأَخَذَ شَعْرَهُ، فَأَعْطَاهُ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، ثُمَّ أَخَذَ رِقَاعاً، فَصَرَّ صُرراً، وَفَرَّقَهَا فِي القُرَشِيِّيْنَ الَّذِيْنَ هُم بِالحَضْرَةِ وَمَنْ بِمَكَّةَ، حَتَّى مَا رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ إِلاَّ بِأَقَلَّ مِنْ مائَةِ دِيْنَارٍ (2) .
مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ العَكَرِيُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ قَالَ: أَخْبَرَنِي الحُمَيْدِيُّ، قَالَ: قَدِمَ الشَّافِعِيُّ صَنْعَاءَ، فضُرِبَتْ لَهُ خَيْمَةٌ، وَمَعَهُ عَشْرَةُ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَجَاءَ قَوْمٌ، فَسَأَلُوْهُ، فَمَا قُلِعَتِ الخَيْمَةُ وَمَعَهُ مِنْهَا شَيْءٌ.
رَوَاهَا الأَصَمُّ، وَجَمَاعَةٌ عَنِ الرَّبِيْعِ (3) .
__________
(1) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 13 / 2 و14 / 1.
(2) " آداب الشافعي ": 128، و" حلية الأولياء " 9 / 131، 132، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 14 / 1، و" توالي التأسيس ": 68، و" مناقب " البيهقي 2 / 226.
(3) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 14، و" مناقب " البيهقي 2 / 220، و" مناقب " الرازي: 128.

(10/38)


وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ بُرَانَةَ، قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ جَسِيماً، طُوَالاً، نَبِيْلاً (1) .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: كَانَ الشَّافِعِيُّ أَسْخَى النَّاسِ بِمَا يَجِدُ، وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا، فَإِنْ وَجَدَنِي، وَإِلاَّ قَالَ: قُولُوا لمُحَمَّدٍ إِذَا جَاءَ: يَأْتِي المَنْزِلَ، فَإِنِّي لاَ أَتَغَدَّى حَتَّى يَجِيءَ (2) .
دَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ الأَصْبَهَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو ثَوْرٍ، قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَسْمَحِ النَّاسِ، يَشْتَرِي الجَارِيَةَ الصَّنَاعَ الَّتِي تَطْبُخُ وَتعْمَلُ الحَلْوَاءَ، وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهَا هُوَ أَنْ لاَ يَقْرَبَهَا، لأَنَّهُ كَانَ عَلِيْلاً لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَبَ النِّسَاءَ لِبَاسورٍ بِهِ إِذْ ذَاكَ، وَكَانَ يَقُوْلُ لَنَا: اشْتَهُوا مَا أَرَدْتُمْ (3) .
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ حَمَكَانَ (4) : حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّي، حَدَّثَنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، قَالَ: أَصْحَابُ مَالِكٍ كَانُوا يَفْخَرُوْنَ، فَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ يَحْضُرُ مَجْلِسَ مَالِكٍ نَحْوٌ مِنْ سِتِّيْنَ مُعَمَّماً، وَاللهِ لَقَدْ عَدَدْتُ فِي مَجْلِسِ الشَّافِعِيِّ ثَلاَثَ مائَةِ مُعَمَّمٍ سِوَى مَنْ شَذَّ عَنِّي (5) .
قَالَ الرَّبِيْعُ: اشْتَرَيْتُ لِلشَّافِعِيِّ طِيْباً بِدِيْنَارٍ، فَقَالَ: مِمَّنْ اشْتَرَيْتَ؟
قُلْتُ: مِنْ ذَاكَ الأَشْقَرِ الأَزْرَقِ.
قَالَ: أَشْقَرُ، أَزْرَقُ، رُدَّهُ، رُدَّهُ، مَا جَاءَنِي خَيْرٌ قَطُّ مِنْ أَشْقَرٍ (6) .
__________
(1) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 14 / 2
(2) " آداب الشافعي ": 125، 126، و" حلية الأولياء " 9 / 132، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 14 / 2، و" توالي التأسيس ": 68، و" مناقب " البيهقي 2 / 222.
(3) " مناقب " البيهقي 2 / 222، و" الحلية " 9 / 133، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 15 / 1، و" توالي التأسيس ": 68.
(4) هو الحسن بن الحسين بن حمكان الحمداني الفقيه الشافعي نزيل بغداد، له كتاب " مناقب الشافعي " توفي سنة 405 ه " العبر " 3 / 89.
(5) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 15 / 2.
(6) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 15 / 2، و" مناقب " البيهقي 2 / 133، و" آداب الشافعي ": 131، و" حلية الأولياء " 9 / 139، 140.

(10/39)


أَبُو حَاتَمٍ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ يَقُوْلُ: احذَرِ الأَعْوَرَ، وَالأَعْرَجَ، وَالأَحْوَلَ، وَالأَشْقَرَ، وَالكَوْسَجَ، وَكُلُّ نَاقِصِ الخَلْقِ، فَإِنَّهُ صَاحِبُ التِوَاءٍ، وَمُعَامَلَتُهُ عَسِرَةٌ (1) .
العَكَرِيُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَنَا، وَالمُزَنِيُّ، وَالبُوَيْطِيُّ عِنْد الشَّافِعِيِّ، فَنَظَرَ إِليَنَا، فَقَالَ لِي: أَنْتَ تَمُوْتُ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَالَ لِلْمُزَنِيِّ: هَذَا لَوْ نَاظَرَهُ الشَّيْطَانُ، قَطَعَهُ وَجَدَلَهُ.
وَقَالَ لِلبُوَيْطِيِّ: أَنْتَ تَمُوْتُ فِي الحَدِيْدِ.
قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى البُوَيْطِيِّ أَيَّامَ المِحْنَةِ، فَرَأَيْتُهُ مُقَيَّداً مَغلَوْلاً (2) .
وَجَاءهُ رَجُلٌ مَرَّةً، فَسَأَلَهُ -يَعْنِي: الشَّافِعِيَّ- عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: أَنْتَ نَسَّاجٌ؟
قَالَ: عِنْدِي أُجَرَاءَ.
أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ وَرَّاقُ الحُمَيْدِيِّ: سَمِعْتُ الحُمَيْدِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: خَرَجْتُ إِلَى اليَمَنِ فِي طَلَبِ كُتُبِ الفِرَاسَةِ حَتَّى كَتَبْتُهَا، وَجَمَعْتُهَا (3) .
وَعَنِ الرَّبِيْعِ، قَالَ: مَرَّ أَخِي، فَرَآهُ الشَّافِعِيُّ، فَقَالَ: هَذَا أَخُوْكَ؟ وَلَمْ يَكُنْ رَآهُ.
قُلْتُ: نَعَمْ (4) .
أَبُو عَلِيٍّ بنُ حَمَكَانَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الهَمَذَانِيُّ العَدْلُ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ: أَصْلُ
__________
(1) " آداب الشافعي ": 131، 132، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 15، 16، و" مناقب " البيهقي 2 / 132، و" حلية الأولياء " 9 / 144، و" مناقب " الرازي: 121.
(2) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 16 / 1، و" مناقب " البيهقي 2 / 136.
(3) انظر الخبر مع قصة في " مناقب " البيهقي 2 / 136.
(4) " مناقب " البيهقي 2 / 131، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 16 / 1.

(10/40)


العِلْمِ: التَّثْبِيتُ.
وَثَمَرَتُهُ: السَّلاَمَةُ.
وَأَصْلُ الوَرَعِ: القَنَاعَةُ.
وَثَمَرَتُهُ: الرَّاحَةُ.
وَأَصْلُ الصَّبْرِ: الحَزْمُ.
وَثَمَرَتُهُ: الظَّفَرُ.
وَأَصْلُ العَمَلِ: التَّوْفِيْقُ.
وَثَمَرَتُهُ: النُّجْحُ.
وَغَايَةُ كُلِّ أَمْرٍ: الصِّدْقُ (1) .
بَلَغَنَا عَنِ الكُدَيْمِيِّ، حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: العَالِمُ يَسْأَلُ عَمَّا يعلَمُ وَعَمَّا لاَ يَعْلَمُ، فَيُثَبِّتُ مَا يَعْلَمُ، وَيَتَعَلَّمُ مَا لاَ يَعْلَمُ، وَالجَاهِلُ يَغْضَبُ مِنَ التَّعَلُّمِ، وَيَأْنَفُ مِنَ التَّعْلِيْمِ (2) .
أَبُو حَاتَمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ حَسَّانِ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: العِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمُ الدِّيْنِ وَهُوَ الفِقْهُ، وَعِلْمُ الدُّنْيَا وَهُوَ الطِّبُّ، وَمَا سِوَاهُ مِنَ الشِّعْرِ وَغَيْرِهِ فَعَنَاءٌ وَعَبَثٌ (3) .
وَعَنِ الرَّبِيْعِ، قَالَ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: مَنْ أَقْدَرُ الفُقَهَاءِ عَلَى المُنَاظَرَةِ؟
قَالَ: مَنْ عَوَّدَ لِسَانَهُ الرَّكْضَ فِي ميدَانِ الألفَاظِ، لَمْ يَتَلَعْثَمْ إِذَا رَمَقَتْهُ العُيُونُ (4) .
فِي إِسْنَادِهَا أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ، وَهُوَ وَاهٍ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ: بِئْسَ الزَّادُ إِلَى المَعَادِ العُدْوَانُ عَلَى العِبَادِ (5) .
قَالَ يُوْنُسُ الصَّدَفِيُّ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ إِلَى السَّلاَمَةِ مِنَ
__________
(1) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 16.
(2) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 16 / 2.
(3) " آداب الشافعي ": 321، 322، و" مناقب " البيهقي 2 / 114، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 16 / 2، و" الانتقاء ": 84، و" الحلية " 9 / 142، و" توالي التأسيس ": 73.
(4) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 17 / 1.
(5) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 17 / 1.

(10/41)


النَّاسِ سَبِيْلٌ، فَانْظُرِ الَّذِي فِيْهِ صَلاَحُكَ فَالْزَمْهُ (1) .
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: مَا رَفَعْتُ مِنْ أَحَدٍ فَوقَ مَنْزِلَتِهِ، إِلاَّ وَضَعَ مِنِّي بِمِقْدَارِ مَا رَفَعْتُ مِنْهُ (2) .
وَعَنْهُ: ضَيَاعُ العَالِمِ أَنْ يَكُوْنَ بِلاَ إِخْوَانٍ، وَضَيَاعُ الجَاهِلِ قِلَّةُ عَقلِهِ، وَأَضْيَعُ مِنْهُمَا مَنْ وَاخَى مَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ (3) .
وَعَنْهُ: إِذَا خِفْتَ عَلَى عَمَلِكَ العُجْبَ، فَاذكُرْ رِضَى مَنْ تَطْلُبُ، وَفِي أَيِّ نَعِيْمٍ تَرْغَبُ، وَمِنْ أَيِّ عِقَابٍ تَرْهَبُ، فَمَنْ فَكَّرَ فِي ذَلِكَ، صَغُرَ عِنْدَهُ عَمَلُهُ (4) .
آلاَتُ الرِّيَاسَةِ خَمْسٌ: صِدْقُ اللَّهْجَةِ، وَكِتْمَانُ السِّرِّ، وَالوَفَاءُ بِالعَهْدِ، وَابْتِدَاءُ النَّصِيْحَةِ، وَأَدَاءُ الأَمَانَةِ (5) .
مُحَمَّدُ بنُ فَهْدٍ المِصْرِيُّ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَنِ اسْتُغْضِبَ فَلَمْ يَغْضَبْ، فَهُوَ حِمَارٌ، وَمَنِ اسْتُرْضِي فَلَمْ يَرْضَ، فَهُوَ شَيْطَانٌ (6) .
أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الضَّحَّاكِ
__________
(1) " آداب الشافعي ": 278 - 279، و" حلية الأولياء " 9 / 122، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 17 / 1.
(2) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 17 / 2، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 57، و" توالي التأسيس ": 72.
(3) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 17 / 2.
(4) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 17 / 2.
(5) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 17 / 2.
(6) " مناقب " البيهقي 2 / 202، وحلية الأولياء " 9 / 143، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 17 / 2، و" مناقب " الرازي 123، و" توالي التأسيس ": 72.

(10/42)


الفَارِسِيُّ، سَمِعْتُ المُزَنِيَّ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، قَالَ:
أَيُّمَا أَهْلُ بَيْتٍ لَمْ يَخْرُجْ نِسَاؤُهُمْ إِلَى رِجَالِ غَيْرِهِم، وَرِجَالُهُمْ إِلَى نِسَاءِ غَيْرِهِم، إِلاَّ وَكَانَ فِي أَوْلاَدِهِم حُمْقٌ (1) .
زَكَرِيَّا بنُ أَحْمَدَ البَلْخِيُّ القَاضِي: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ نَصْرٍ التِّرْمِذِيَّ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ فِي المَنَامِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسْجِدِه بِالمَدِيْنَةِ، فَكَأَنِّيْ جِئْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَكْتُبُ رَأْيَ مَالِكٍ؟
قَالَ: (لاَ).
قُلْتُ: أَكْتُبُ رَأْيَ أَبِي حَنِيْفَةَ؟
قَالَ: (لاَ).
قُلْتُ: أَكْتُبُ رَأْيَ الشَّافِعِيِّ؟
فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، كَأَنَّهُ انْتَهَرَنِي، وَقَالَ: (تَقُوْلُ رَأْيَ الشَّافِعِيِّ! إِنَّهُ لَيْسَ بِرَأْيٍ، وَلَكِنَّهُ رَدٌّ عَلَى مَنْ خَالَفَ سُنَّتِي).
رَوَاهَا: غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (2) .
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ الخُوَارِزْمِيُّ نَزِيْلُ مَكَّةَ - فِيْمَا كَتَبَ إِلَيَّ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ رَشِيْقٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ البَلْخِيُّ، قَالَ:
قُلْتُ فِي المَنَامِ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا تَقُوْلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَالشَّافِعِيَّ، وَمَالِكٍ؟
فَقَالَ: (لاَ قَوْلَ إِلاَّ قَوْلِي، لَكِنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ ضِدُّ قَوْلِ أَهْلِ البِدَعِ (3)).
وَرُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ: عَنْ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ التِّرْمِذِيِّ الحَافِظِ، قَالَ:
__________
(1) " آداب الشافعي ": 133، 134، و" حلية الأولياء " 9 / 125، و" الانتقاء ": 98، و" مناقب " البيهقي 2 / 201.
(2) " حلية الأولياء " 9 / 100 ومتى كان المنام حجة عند أهل العلم ؟ ! فمالك وأبو حنيفة وغيرهما من الأئمة العدول الثقات اجتهدوا، فأصاب كل واحد منهم في كثير مما انتهى إليه اجتهاده فيه، وأخطأ في بعضه، وكل واحد منهم يؤخذ من قوله ويرد، فكان ماذا ؟
(3) " حلية الأولياء " 9 / 100، 101.

(10/43)


رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الاخْتِلاَفِ، فَقَالَ: (أَمَّا الشَّافِعِيُّ، فَمِنِّي، وَإِلَيَّ).
وَفِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى: (أَحْيَى سُنَّتِي (1)).
رَوَى: جَعْفَرُ ابْنُ أَخِي أَبِي ثَوْرٍ الكَلْبِيُّ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ:
كَتَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ إِلَى الشَّافِعِيِّ وَهُوَ شَابٌّ أَنْ يَضَعَ لَهُ كِتَاباً فِيْهِ مَعَانِي القُرْآنِ، وَيَجْمَعَ قَبُوْلَ الأَخْبَارِ، وَحُجَّةَ الإِجْمَاعِ، وَبيَانَ النَّاسِخِ وَالمَنْسُوخِ، فَوَضَعَ لَهُ كِتَابَ (الرِّسَالَةِ) (2) .
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: قَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: مَا أُصَلِّي صَلاَةً إِلاَّ وَأَنَا أَدْعُو لِلشَّافِعِيِّ فِيْهَا (3) .
وَقَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: حَجَّ بِشرٌ المَرِيْسِيُّ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ:
رَأَيْتُ بِالحِجَازِ رَجُلاً، مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ سَائِلاً وَلاَ مُجِيْباً -يَعْنِي: الشَّافِعِيَّ-.
قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْنَا، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَخَفُّوا عَنْ بِشْرٍ، فَجِئْتُ إِلَى بِشْرٍ، فَقُلْتُ: هَذَا الشَّافِعِيُّ الَّذِي كُنْتَ تَزْعُمُ قَدْ قَدِمَ.
قَالَ: إِنَّهُ قَدْ تَغَيَّرَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَمَا كَانَ مَثَلُ بِشْرٍ إِلاَّ مَثَلَ اليَهُوْدِ فِي شَأْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَّمٍ (4) .
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 69.
(2) وهي الرسالة القديمة التي كتبت عنه بالعراق، وأرسلها إلى عبد الرحمن بن مهدي مع الحارث بن سريج النقال الخوارزمي، ثم البغدادي، وبسبب ذلك سمي النقال.
وهذه الرسالة القديمة لم يبق لها أثر، وليس في أيدي الناس الآن إلا الرسالة الجديدة المطبوعة طبعة جيدة بتحقيق العلامة أحمد شاكر رحمه الله. وانظر الخبر في " تاريخ بغداد " 2 / 64، 65، و" مناقب " البيهقي 2 / 244، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 409 / 1، و" معرفة السنن والآثار " 1 / 124، و" توالي التأسيس ": 55، و" تهذيب الكمال " لوحة: 1162.
(3) " مناقب " البيهقي 2 / 244، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 409 / 1، و" توالي التأسيس ": 55.
(4) " تاريخ بغداد " 2 / 65، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 412 / 2، و" تهذيب الكمال " لوحة: 1162، و" توالي التأسيس ": 58.
وشأن اليهود في عبد الله بن سلام أنه لما أراد أن =

(10/44)


قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: سِتَّةٌ أَدْعُو لَهُمْ سَحَراً، أَحَدُهُمُ: الشَّافِعِيُّ (1) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الزَّنْجَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قُلْتُ لأَبِي:
أَيَّ رَجُلٍ كَانَ الشَّافِعِيُّ، فَإِنِّي سَمِعتُكَ تُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ لَهُ؟
قَالَ: يَا بُنِيَّ، كَانَ كَالشَّمْسِ لِلدُّنْيَا، وَكَالعَافِيَةِ لِلنَّاسِ، فَهَلْ لِهَذَيْنِ مِنْ خَلَفٍ، أَوْ مِنْهُمَا عِوَضٌ (2) ؟
الزَّنْجَانِيُّ: لاَ أَعرِفُه.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَا رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَمِيْلُ إِلَى أَحَدٍ مَيْلَهُ إِلَى الشَّافِعِيِّ (3) .
وَقَالَ قُتَيبَةُ بنُ سَعِيْدٍ: الشَّافِعِيُّ إِمَامٌ (4) .
قُلْتُ: كَانَ هَذَا الإِمَامُ مَعَ فَرْطِ ذَكَائِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ يَتَنَاولُ مَا يُقَوِّي حَافِظَتَهُ.
قَالَ هَارُونُ بنُ سَعِيْدٍ الأَيْلِيُّ: قَالَ لَنَا الشَّافِعِيُّ:
أَخَذْتُ اللُّبَانَ سَنَةً لِلْحِفْظِ، فَأَعْقَبَنِي رَمْيَ الدَّمِ سَنَةً (5) .
__________
= يسلم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن اليهود قوم بهت وإنهم إن يعلموا بإسلامي، بهتوني، فأرسل إليهم، فسلهم عني، فأرسل إليهم، فقال: أي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا: حبرنا وابن حبرنا، وعالمنا وابن عالمنا..فلما أعلن عبد الله بن سلام إسلامه أمامهم، قالوا: شرنا وابن شرنا، وجاهلنا وابن جاهلنا.
انظر " السير " 2 / 415.
(1) " تهذيب الكمال " لوحة: 1162.
(2) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 415 / 1، و" تهذيب الكمال " لوحة 1162.
(3) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 415 / 2، و" تهذيب الكمال " لوحة 1162.
(4) " تاريخ بغداد " 2 / 67، و" معرفة السنن والآثار " 1 / 125، و" البداية والنهاية " 10 / 252.
(5) تقدم في الصفحة (15) تعليق رقم (2).

(10/45)


قَالَ الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَهْلٍ النَّابُلُسِيُّ الشَّهِيْدُ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ، سَمِعْتُ تَمِيْمَ بنَ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ، سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ:
مَاتَ الثَّوْرِيُّ وَمَاتَ الوَرَعُ، وَمَاتَ الشَّافِعِيُّ وَمَاتَتِ السُّنَنُ، وَيَمُوْتُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَتَظْهَرُ البِدَعُ (1) .
أَبُو ثَوْرٍ الكَلْبِيُّ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الشَّافِعِيِّ، وَلاَ رَأَى هُوَ مِثْلَ نَفْسِهِ (2) .
وَقَالَ أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ: مَا ظَنَنْتُ أَنِّي أَعِيْشُ حَتَّى أَرَى مِثْلَ الشَّافِعِيِّ (3) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ - مِنْ طُرُقٍ - عَنْهُ: إِنَّ اللهَ يُقَيِّضُ لِلنَّاسِ فِي رَأْسِ كُلِّ مائَةٍ مَنْ يُعلِّمُهُمُ السُّنَنَ، وَيَنْفِي عَنْ رَسُوْلِ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكَذِبَ.
قَالَ: فَنَظَرنَا، فَإِذَا فِي رَأْسِ المائَةِ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَفِي رَأْس المائَتَيْنِ الشَّافِعِيُّ (4) .
__________
(1) " مناقب " البيهقي 2 / 250، وفي قول قتيبة هذا من المبالغة ما لا يخفى، فإن السنن لم تمت بموت الشافعي، بل إنه قد جمعت من بعده ودونت، وضبطت وحفظت.
(2) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 411 / 2.
(3) " آداب الشافعي ": 40، و" مناقب " البيهقي 2 / 246، و" حلية الأولياء " 9 / 94، و" توالي التأسيس " 55.
(4) " تاريخ بغداد " 2 / 62، و" معرفة السنن والآثار " 1 / 138، و" حلية الأولياء " 9 / 97، 98، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 412 / 2، و" توالي التأسيس ": 48.
وقوله: " إن الله يقيض.." مقتبس من حديث أخرجه أبو داود (4291)، والحاكم 4 / 522، والبيهقي في " المناقب " 1 / 137 من طريق ابن وهب، عن سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل ابن يزيد المعافري، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها " ورجاله ثقات، وإسناده قوي كما قال الحافظ في " توالي التأسيس ": 48.

(10/46)


قَالَ حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: سُمِّيْتُ بِبَغْدَادَ: نَاصِرَ الحَدِيْثِ (1) .
الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:
مَا أَحَدٌ مَسَّ مِحْبَرَةً وَلاَ قَلَماً إِلاَّ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي عُنُقِه مِنَّةٌ (2) .
وَعَنْ أَحْمَدَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَفْصَحِ النَّاسِ (3) .
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنِ الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ: حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، وَرَأْيٌ صَحِيْحٌ (4) .
قَالَ الحَسَنُ الزَّعْفَرَانِيُّ: مَا قَرَأْتُ عَلَى الشَّافِعِيِّ حَرْفاً مِنْ هَذِهِ الكُتُبِ إِلاَّ وَأَحْمَدُ حَاضِرٌ (5) .
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه: مَا تَكَلَّمَ أَحَدٌ بِالرَّأْيِ - وَذَكَرَ جَمَاعَةً مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ - إِلاَّ وَالشَّافِعِيُّ أَكْثَرُ اتِّبَاعاً مِنْهُ، وَأَقَلُّ خَطَأً مِنْهُ، الشَّافِعِيُّ إِمَامٌ (6) .
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (7) .
وَعَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، قَالَ: مَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَدِيْثٌ فِيْهِ غَلَطٌ (8) .
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 68، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 414 / 1.
(2) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 415 / 1، و" توالي التأسيس ": 57.
(3) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 415 / 1، و" توالي التأسيس ": 60.
(4) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 415 / 2.
(5) " تاريخ بغداد " 2 / 68، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 416 / 1.
(6) " آداب الشافعي ": 89، 90، و" تاريخ بغداد " 2 / 65، و" حلية الأولياء " 9 / 102، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 416 / 2، و" مناقب " الرازي: 21، و" توالي التأسيس ": 57.
(7) " الحلية " 9 / 97.
(8) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 2 / 1.

(10/47)


وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: مَا أَعْلَمُ لِلشَّافِعِيِّ حَدِيْثاً خَطَأً (1) .
قُلْتُ: هَذَا مِنْ أَدَلِّ شَيْءٍ عَلَى أَنَّهُ ثِقَةٌ، حُجَّةٌ، حَافِظٌ، وَنَاهِيْكَ بِقَوْلِ مِثْلِ هَذَيْنِ.
وَقَدْ صَنَّفَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ كِتَاباً فِي ثُبُوتِ الاحْتِجَاجِ بِالإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَمَا تَكَلَّمَ فِيْهِ إِلاَّ حَاسِدٌ أَوْ جَاهِلٌ بِحَالِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ الكَلاَمُ البَاطِلُ مِنْهُم مُوْجِباً لارْتِفَاعِ شَأْنِهِ، وَعُلُوِّ قَدْرِهِ، وَتِلْكَ سُنَّةُ اللهِ فِي عِبَادِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لاَ تَكُوْنُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوْسَى، فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا، وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهَا ... يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمنُوا اتَّقُوا اللهَ، وَقُوْلُوا قَوْلاً سَدِيداً} [الأَحْزَابُ: 69 و70].
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ صَدُوْقٌ.
وَقَالَ الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ -وَاللهِ- لِسَانُهُ أَكْبَرُ مِنْ كُتُبِهِ، لَوْ رَأَيتُمُوهُ، لَقُلْتُمْ إِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ كُتُبُهُ (2) .
وَعَنْ يُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: مَا كَانَ الشَّافِعِيُّ إِلاَّ سَاحِراً، مَا كُنَّا (3) نَدْرِي مَا يَقُوْلُ إِذَا قَعَدْنَا حَوْلَهُ، كَأَنَّ أَلفَاظَهُ سُكَّرٌ (4) ، وَكَانَ قَدْ أُوتِيَ عُذُوبَةَ مَنْطِقٍ، وَحُسْنَ بَلاغَةٍ، وَفَرْطَ ذَكَاءٍ، وَسَيَلاَنَ ذِهْنٍ، وَكَمَالَ فَصَاحَةٍ، وَحُضُوْرَ حُجَّةٍ.
__________
(1) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 2 / 1.
(2) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 5 / 1، و" مناقب " البيهقي 2 / 49 - 50 و274، و" توالي التأسيس ": 59، وما بين حاصرتين منهما، فإن في الأصل مكان هذه الجملة طمسا.
(3) طمس في الأصل، واستدرك من " تاريخ ابن عساكر ".
(4) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 5 / 1، و" مناقب " البيهقي 2 / 50، و" توالي التأسيس ": 60.
وبعد قوله " سكر " كلمة مطموسة لم أتبينها.

(10/48)


فَعَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ هِشَامٍ اللُّغَوِيِّ، قَالَ: طَالَتْ مُجَالَسَتُنَا لِلشَّافِعِيِّ، فَمَا سَمِعْتُ مِنْهُ لَحْنَةً قَطُّ (1) .
قُلْتُ: أَنَّى يَكُوْنُ ذَلِكَ وَبِمِثْلِهِ فِي الفَصَاحَةِ يُضْرَبُ المَثَلُ، كَانَ أَفْصَحُ قُرَيْشٍ فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ مِمَّا يُؤْخَذُ عَنْهُ اللُّغَةُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْوَهَ، وَلاَ أَنْطَقَ مِنَ الشَّافِعِيِّ (2) .
وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: أَخَذْتُ شِعْرَ هُذَيْلٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ (3) .
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بكَّارٍ: أَخَذْتُ شِعْرَ هُذَيْلٍ وَوقَائِعهَا عَنْ عَمِّي مُصْعَبٍ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ: أَخَذْتُهَا مِنَ الشَّافِعِيِّ حِفْظاً (4) .
قَالَ مُوْسَى بنُ سَهْلٍ الجَوْنِيُّ (5) : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ:
تَعَبَّدْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَرَأَّسَ، فَإِنَّكَ إِنْ تَرَأَّسْتَ، لَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَتَعَبَّدْ.
ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ إِذَا تَكَلَّمَ، كَأَنَّ صَوتَهُ صَوْتُ صَنْجٍ وَجَرَسٍ، مِنْ حُسْنِ صَوْتِهِ (6) .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: مَا رَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ يُنَاظِرُ أَحَداً إِلاَّ رَحِمْتُهُ، وَلَوْ
__________
(1) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 5 / 1، و" توالي التأسيس ": 60.
(2) " آداب الشافعي ": 137، و" توالي التأسيس ": 58.
(3) " معرفة السنن والآثار " 1 / 127، و" مناقب " البيهقي 2 / 44، و" مناقب " الفخر الرازي 87.
(4) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 411 / 1 و15 / 6 / 1، و" مناقب " البيهقي 2 / 45.
(5) نسبة إلى الجون، بطن من الازد.
(6) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 6 / 1، و" مناقب " البيهقي 2 / 51، و" توالي التأسيس ": 60.
والصنج: صفحة مدورة من النحاس الاصفر تضرب على أخرى مثلها للطرب.

(10/49)


رَأَيْتَ الشَّافِعِيَّ يُنَاظِرُكَ لَظَنَنْتُ أَنَّهُ سَبُعٌ يَأْكُلُكَ، وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَ النَّاسَ الحُجَجَ (1) .
قَالَ الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأُعْجِبَ بِنَفْسِهِ، فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:
إِذَا المُشْكِلاَتُ تَصَدَّيْنَنِي ... كَشَفْتُ حَقَائِقَهَا بِالنَّظَرْ
وَلَسْتُ بِإِمَّعَةٍ فِي الرِّجَالِ ... أُسَائِلُ هَذَا وَذَا مَا الخَبَرْ؟
وَلَكِنَّنِي مِدْرَهُ الأَصْغَرَيْـ ... ـنِ فَتَّاحُ خَيْرٍ، وَفَرَّاجُ شَرِّ (2)
وَرَوَى عَنْ هَارُونَ بنِ سَعِيْدٍ الأَيْلِيِّ، قَالَ: لَوْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَاظَرَ عَلَى أَنَّ هَذَا العَمُوْدَ الحَجَرَ خَشَبٌ، لَغَلَبَ؛ لاِقْتِدَارِهِ عَلَى المُنَاظَرَةِ (3) .
قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: قَدِمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ بَغْدَادَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، فَأَقَامَ عِنْدنَا سَنَتَيْنِ، وَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ قَدِمَ سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، فَأَقَامَ عِنْدَنَا أَشْهُراً، وَخَرَجَ -يَعْنِي: إِلَى مِصْرَ-.
قُلْتُ: قَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَأَجَازَهُ الرَّشِيْدُ بِمَالٍ، وَلاَزَمَ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ مُدَّةً، وَلَمْ يَلْقَ أَبَا يُوْسُفَ القَاضِي، مَاتَ قَبْلَ قُدُومِ الشَّافِعِيِّ (4) .
__________
(1) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 6 / 2.
(2) الابيات في " تاريخ ابن عساكر " 15 / 6 / 2، و" طبقات الشافعية " للسبكي 1 / 300، و" توالي التأسيس ": 74.
و" الامعة ": الذي لا رأي له، فهو يتابع كل أحد على
رأيه، والهاء فيه للمبالغة.
و" المدره ": خطيب القوم، والمتكلم عنهم، والذين يرجعون إلى رأيه، و" الاصغران " القلب واللسان، ومن أمثالهم: المرء بأصغريه، ومعناه: أن المرء يعلو الأمور ويضبطها بجنانه ولسانه.
(3) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 6 / 2، و" حلية الأولياء " 9 / 103.
(4) قال ابن كثير في " البداية " 10 / 182: من زعم من الرواة أن الشافعي اجتمع بأبي =

(10/50)


قَالَ المُزَنِيُّ: لَمَّا وَافَى الشَّافِعِيُّ مِصْرَ، قُلْتُ فِي نَفْسِي: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُخْرِجُ مَا فِي ضَمِيرِي مِنْ أَمْرِ التَّوْحِيْدِ، فَهُوَ.
تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الحِكَايَةُ (1) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ سَمَاعُ زَكَرِيَّا السَّاجِيِّ مِنَ المُزَنِيِّ.
قَالَ: فَكَلَّمْتُهُ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ؟ هَذَا المَوْضِعُ الَّذِي غَرِقَ فِيْهِ فِرْعَوْنُ.
أَبَلَغَكَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: فَهَلْ تَكَلَّمَ فِيْهِ الصَّحَابَةُ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ رَشِيقٍ الحَافِظُ: حَدَّثَنَا فَقِيْرُ بنُ مُوْسَى بنِ فَقِيْرٍ الأَسْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيْفَةَ قَحْزَمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَسْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيْفَةَ بنُ سِمَاكِ بنِ الفَضْلِ الخَوْلاَنِيُّ الشِّهَابِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيحٍ الكَعْبِيِّ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَ الفَتْحِ: (مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِنْ أَحَبَّ العَقْلَ، أَخَذَ، وَإِنْ أَحَبَّ، فلَهُ القَوَدُ).
رَوَاهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنِ ابْنِ رَشِيقٍ (2) .
__________
= يوسف كما يقول عبد الله بن محمد البلوي الكذاب في الرحلة التي ساقها للشافعي، فقد أخطأ في ذلك، وإنما ورد الشافعي بغداد في أول قدمة قدمها إليها سنة أربع وثمانين ومئة، وإنما اجتمع الشافعي بمحمد بن الحسن الشيباني، فأحسن إليه، وأقبل عليه، ولم يكن بينهما شنآن كما يذكره بعض من لا خبرة له بهذا الشأن.
وقال الذهبي في " الميزان " 2 / 491: عبد الله بن محمد البلوي، عن عمار بن يزيد، قال الدارقطني: يضع الحديث.
وقال ابن حجر في " اللسان " 3 / 338: وهو صاحب " رحلة الشافعي " طولها ونمقها.
وغالب ما أورده فيها مختلق.
وفي " توالي التأسيس ": وأما الرحلة المنسوبة إلى الشافعي المروية من طريق عبد الله بن محمد البلوي، فقد أخرجها الآبري والبيهقي وغيرهما مطولة ومختصرة، وساقها الفخر الرازي في " مناقب الشافعي " بدون إسناد معتمدا عليها، وهي مكذوبة، وغالب ما فيها موضوع، وبعضها ملفق من روايات ملفقة.
(1) في الصفحة (31) من هذا الجزء.
(2) أبو حنيفة بن سماك ترجمه الدولابي في " الكنى والاسماء " 1 / 159، 160، فقال: روى عنه الشافعي، ثم روى هذا الحديث من طريق الربيع بن سليمان، عن الشافعي بهذا الإسناد، وباقي رجاله ثقات، وهو في " الرسالة " ص 450، ورواه البيهقي في " سننه " =

(10/51)


الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا أَبُو ثَوْرٍ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ - وَكَانَ مِنْ مَعَادِنِ الفِقْهِ، ونُقَّادِ المَعَانِي، وَجَهَابِذَةِ الأَلْفَاظِ - يَقُوْلُ:
حُكْمُ المَعَانِي خِلاَفُ حُكْمِ الأَلْفَاظِ، لأَنَّ المَعَانِي مَبْسُوْطَةٌ إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ، وأَسْمَاءُ المَعَانِي مَعْدُوْدَةٌ مَحْدُوْدَةٌ، وَجَمِيْعُ أَصْنَافِ الدَّلاَلاَتِ عَلَى المَعَانِي لَفْظاً وَغَيْرَ لَفْظٍ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: اللَّفْظُ، ثُمَّ الإِشَارَةُ، ثُمَّ العَقْدُ، ثُمَّ الخَطُّ، ثُمَّ الَّذِي يُسَمَّى النَّصْبَةُ، وَالنَّصبَةُ فِي الحَالِ الدَّلاَلَةُ الَّتِي لاَ تَقُوْمُ مَقَامَ تِلْكَ الأَصْنَافِ وَلاَ تَقصُرُ عَنْ تِلْكَ الدَّلاَلاَتِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الخَمْسَةِ صُورَةٌ بَائِنَةٌ مِنْ صُورَةِ صَاحِبَتِهَا، وَحِلْيَةٌ مُخَالِفَةٌ لِحْلِيَةِ أُخْتِهَا، وَهِيَ الَّتِي تَكْشِفُ لَكَ عَنْ أَعْيَانِ المَعَانِي فِي الجُمْلَةِ، وَعَنْ خَفَائِهَا عَنِ التَّفْسِيْرِ، وَعَنْ أَجْنَاسِهَا وَأَفرَادِهَا، وَعَنْ خَاصِّهَا وَعَامِّهَا، وَعَنْ طِبَاعِهَا فِي السَّارِّ وَالضَّارِّ، وَعَمَّا يَكُوْنُ بَهْواً بَهْرَجاً، وَسَاقِطاً مُدَحْرَجاً (1) .
قَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ:
لَيْسَ إِلَى السَّلاَمَةِ مِنَ النَّاسِ سَبِيْلٌ، فَانْظُرْ الَّذِي فِيْهِ صَلاَحُكَ، فَالْزَمْهُ (2) .
__________
= 5 / 52، و" المعرفة " 1 / 39، 40 من طريق الشافعي، عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، وأخرجه أحمد 4 / 32، من طريق ابن إسحاق، حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي شريح.
وأخرجه أبو داود (4504)، والترمذي (1406)، وأحمد ثلاثتهم من طريق يحيى بن سعيد، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي شريح، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وأخرجه الدارقطني 3 / 95، 96 من طريق يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب...ومن طريق محمد بن عبد الله المخزومي، عن عثمان بن عمر، عن ابن أبي ذئب بإسناده نحوه، وروى أبو هريرة هذا المعنى في حديث أخرجه البخاري 1 / 183، 184، ومسلم (1355)، وأبو داود (2017).
وقوله: " بخير النظرين " أي: أوفق الامرين له، فإما أن يعطوا الدية، وهي العقل، وإما أن يقاد، أي: يقتل قصاصا، فأي الامرين اختار ولي الدم، كان له.
(1) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 416 / 2.
(2) تقدم تخريج الخبر في الصفحة (42) تعليق رقم (1).

(10/52)


قَالَ حَرْمَلَةُ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ رَجُلٍ فِي فَمِهِ تَمْرَةٌ، فَقَالَ: إِنْ أَكَلْتُهَا، فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَإِنْ طَرَحْتُهَا، فَامرَأَتِي طَالِقٌ.
قَالَ: يَأْكلُ نِصْفاً، وَيَطْرَحُ النِّصْفَ (1) .
قَالَ الرَّبِيْعُ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: إِنْ لَمْ يَكُنِ الفُقَهَاءُ العَاملُوْنَ أَوْلِيَاءَ اللهِ، فَمَا للهِ وَلِيٌّ (2) .
وَقَالَ: طَلَبُ العِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ النَّافلَةِ (3) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَقَلَّ صَبّاً لِلْمَاءِ فِي تَمَامِ التَّطَهُّرِ مِنَ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: يَنْبَغِي لِلْفَقِيْهِ أَنْ يَضَعَ التُّرَابَ عَلَى رَأَسِهِ تَوَاضُعاً للهِ، وَشُكْراً للهِ.
الأَصَمُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ:
سَأَلَ رَجُلٌ الشَّافِعِيَّ عَنْ قَاتَلِ الوَزَغِ: هَلْ عَلِيْهِ غُسْلٌ؟
فَقَالَ: هَذَا فُتْيَا العَجَائِزِ.
الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الأَشْعَثِ المِصْرِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ، قَالَ:
مَا رَأَتْ عَيْنِي قَطُّ مِثْلَ الشَّافِعِيَّ، قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَرَأَيْتُ أَصْحَابَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ المَاجَشُوْنِ يَغْلُوْنَ بِصَاحِبِهِم، يَقُوْلُوْنَ: صَاحِبُنَا الَّذِي قَطَعَ الشَّافِعِيَّ.
قَالَ: فَلَقِيتُ عَبْدَ المَلِكِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأَجَابَنِي، فَقُلْتُ: الحُجَّةُ؟
قَالَ: لأَنَّ مَالِكاً قَالَ كَذَا وَكَذَا.
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَيْهَاتَ،
__________
(1) " حلية الأولياء " 9 / 143، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 7 / 1.
(2) " مناقب " البيهقي 2 / 155.
(3) " الحلية " 9 / 119، و" آداب الشافعي ": 97، و" الانتقاء ": 84، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 53، 54، و" مفتاح الجنة ": 35، و" جامع بيان العلم " 1 / 25.

(10/53)


أَسْأَلُكَ عَنِ الحُجَّةِ، وَتَقُوْلُ: قَالَ مُعَلِّمِي، وَإِنَّمَا الحُجَّةُ عَلَيْكَ وَعَلَى مُعَلِّمِكَ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ الحَافِظُ: سَأَلْتُ أَبَا قُدَامَةَ السَّرَخْسِيَّ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَابْنِ رَاهْوَيْه، فَقَالَ: الشَّافِعِيُّ أَفْقَهُهُمْ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَنْصُوْرٍ القَاضِي: سَمِعْتُ إِمَامَ الأَئِمَّةِ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ: وَقُلْتُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُ سُنَّةً لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الحَلاَلِ وَالحَرَامِ لَمْ يُوْدِعْهَا الشَّافِعِيُّ كُتُبَهُ؟
قَالَ: لاَ (1) .
قَالَ حَرْمَلَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ:
كُنْتُ أُقْرِئُ النَّاسَ وَأَنَا ابْنُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَحَفِظْتُ (المُوَطَّأَ) قَبْلَ أَنْ أَحْتَلِمَ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الطُّوْسِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، سَمِعْتُ البُوَيْطِيَّ يَقُوْلُ:
سُئِلَ الشَّافِعِيُّ: كَمْ أُصُوْلُ الأَحْكَامِ؟
فَقَالَ: خَمْسُ مائَةٍ.
قِيْلَ لَهُ: كَمْ أُصُوْلُ السُّنَنِ؟
قَالَ: خَمْسُ مائَةٍ.
قِيْلَ لَهُ: كَمْ مِنْهَا عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: كُلُّهَا إِلاَّ خَمْسَةً وَثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً.
قِيْلَ لَهُ: كَمْ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ؟
قَالَ: كُلُّهَا إِلاَّ خَمْسَةً (2) .
قَالَ الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
مَنْ حَلَفَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ فَحَنِثَ، فَعَلَيْهِ الكَفَّارَةُ؛ لأَنَّ اسْمَ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ حَلَفَ بِالكَعْبَةِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؛ لأَنَّهُ مَخْلُوْقٌ (3) .
__________
(1) " تاريخ ابن عساكر ".
وهذه مبالغة لا تسلم لقائلها ولا يرضى عنها الشافعي، فإن من يطالع كتب الشافعي ويقارن بين ما جاء فيها من السنن، وبين ما هو مدون من المسانيد والسنن يتبين له خلاف ذلك.
(2) " مناقب " البيهقي 1 / 519.
(3) تقدم الخبر في الصفحة (19) تعليق رقم (2).

(10/54)


قَالَ حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
وَدِدْتُ أَنَّ كُلَّ عِلْمٍ أُعَلِّمُهُ، تَعَلَّمَهُ النَّاسُ، أُوْجَرُ عَلَيْهِ وَلاَ يَحْمَدُونِي (1) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ: مَا تَرَى فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ الَّتِي عِنْدَ العِرَاقِيِّينَ، أَهِيَ أَحَبُّ إِليَكَ، أَوِ الَّتِي بِمِصْرَ؟
قَالَ: عَلَيْكَ بِالكُتُبِ الَّتِي عَمِلَهَا بِمِصْرَ، فَإِنَّهُ وَضَعَ هَذِهِ الكُتُبَ بِالعِرَاقِ، وَلَمْ يُحْكِمْهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِصْرَ، فَأَحْكَمَ تِلْكَ.
وَقُلْتُ لأَحْمَدَ: مَا تَرَى لِي مِنَ الكُتُبِ أَنْ أَنْظُرُ فِيْهِ، رَأْيُ مَالِكٍ، أَوِ الثَّوْرِيِّ، أَوِ الأَوْزَاعِيِّ؟
فَقَالَ لِي قَوْلاً أُجِلُّهُم أَنْ أَذْكُرَهُ، وَقَالَ: عَلَيْكَ بِالشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ أَكْثَرُهُم صَوَاباً، وَأَتْبَعُهُم لِلآثَارِ (2) .
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَةَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ ابْنَ وَارَةَ يَقُوْلُ:
قَدِمْتُ مِنْ مِصْرَ، فَأَتَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ لِي: كَتَبْتَ كُتُبَ الشَّافِعِيِّ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: فَرَّطْتَ، مَا عَرَفْنَا العُمُوْمَ مِنَ الخُصُوصِ، وَنَاسِخَ الحَدِيْثِ مِنْ مَنْسُوخِهِ حَتَّى جَالَسْنَا الشَّافِعِيَّ.
قَالَ: فَحَمَلَنِي ذَلِكَ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى مِصْرَ، فَكَتَبْتُهَا (3) .
تَفَرَّدَ بِهَذِهِ الحِكَايَةِ عَنِ ابْنِ نَاجِيَةَ: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ الصُّوْفِيُّ،
__________
(1) " آداب الشافعي ": 92، و" حلية الأولياء " 9 / 119، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 540، و" توالي التأسيس ": 62، و" البداية " 10 / 253.
(2) " آداب الشافعي ": 60، و" الحلية " 9 / 97، و" مناقب " البيهقي 1 / 263، و" الانتقاء ": 76.
ففي هذا الخبر يرى أحمد أن ينظر في كتب الشافعي، ويكتب رأيه، بينما يصرح بخلاف ذلك في جواب سؤال وجهه إليه تلميذه أبو بكر المروذي، فقد جاء في " طبقات أبي يعلى " 1 / 57: قلت لأبي عبد الله: أترى يكتب الرجل كتب الشافعي ؟ قال: لا، قلت: أترى أن يكتب الرسالة ؟ قال: لا تسألني عن شيء محدث، قلت: كتبتها ؟ قال: معاذ الله.
وقال أحمد: لا تكتب كلام مالك، ولا سفيان، ولا الشافعي، ولا إسحاق ابن راهويه، ولا أبي عبيد.
(3) " مناقب " البيهقي 1 / 262، و" معجم الأدباء " 17 / 312.

(10/55)


وَلَيْسَ هُوَ بِثِقَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الفَرَجِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: عَلَيْكُمْ بِكُتُبِ الشَّافِعِيِّ (1) .
قُلْتُ: وَمِنْ بَعْضِ فُنُونِ هَذَا الإِمَامِ الطِّبُّ، كَانَ يَدْرِيهِ.
نَقَلَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَعَنْهُ، قَالَ: عَجَباً لِمَنْ يَدْخُلُ الحَمَّامَ ثُمَّ لاَ يَأْكُلُ مِنْ سَاعَتِهِ كَيْفَ يَعِيْشُ، وَعَجَباً لِمَنْ يَحْتَجِمُ ثُمَّ يَأْكلُ مِنْ سَاعَتِهِ كَيْفَ يَعِيْشُ (2) .
حَرْمَلَةُ: عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: مَنْ أَكَلَ الأُتْرُجَّ ثُمَّ نَامَ، لَمْ آمَنْ أَنْ تُصِيْبَهُ ذُبْحَةٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِصْمَةَ الجَوْزَجَانِيُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
ثَلاَثَةُ أَشْيَاءٍ دَوَاءُ مَنْ لاَ دَوَاءَ لَهُ، وَأَعْيَتِ الأَطِبَّاءَ مُدَاوَاتُهُ: العِنَبُ، وَلَبَنُ اللِّقَاحِ، وَقَصَبُ السُّكَّرِ، لَوْلاَ قَصَبُ السُّكَّرِ، مَا أَقَمْتُ بِبَلَدِكُمْ (3) .
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كَانَ غُلاَمِي أَعْشَى، لَمْ يَكُنْ يُبْصِرُ بَابَ الدَّارِ، فَأَخَذْتُ لَهُ زِيَادَةَ الكَبِدِ، فَكَحَّلْتُهُ بِهَا، فَأَبْصَرَ (4) .
وَعَنْهُ: عَجَباً لِمَنْ تَعَشَّى البَيْضَ المَسْلُوْقَ فَنَامَ، كَيْفَ لاَ يَمُوْتُ (5) .
وَعَنْهُ: الفُوْلُ يَزِيْدُ فِي الدِّمَاغِ، وَالدِّمَاغُ يَزِيْدُ فِي العَقْلِ (6) .
__________
(1) هو في " مناقب " البيهقي 2 / 248 من طريق محمد بن يعقوب الفرجي قال: سمعت محمد بن علي بن المديني، قال: قال أبي: لا تترك للشافعي حرفا واحدا إلا كتبته، فإن فيه معرفة.
(2) " مناقب " البيهقي 2 / 119، و" حلية الأولياء " 9 / 142.
(3) " مناقب " البيهقي 2 / 122.
(4) " مناقب " البيهقي 2 / 122.
(5) انظر " مناقب " البيهقي 2 / 118، و" حلية الأولياء " 9 / 143.
(6) " آداب الشافعي ": 322، 323، و" الانتقاء ": 87، و" الحلية " 9 / 137 141، و" ألف باء " للبلوي 2 / 159.

(10/56)


وَعَنْهُ: لَمْ أَرَ أَنْفَعَ لِلوَبَاءِ مِنَ البَنَفْسَجِ، يُدْهَنُ بِهِ وَيُشْرَبُ (1) .
قَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
لاَ أَعْلَمُ عِلْماً بَعْدَ الحَلاَلِ وَالحَرَامِ، أَنْبَلَ مِنَ الطِّبِّ، إِلاَّ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ قَدْ غَلَبُوْنَا عَلَيْهِ.
قَالَ حَرْمَلَةُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَتَلَهَّفُ عَلَى مَا ضَيَّعَ المُسْلِمُوْنَ مِنَ الطِّبِّ، وَيَقُوْلُ: ضَيَّعُوا ثُلُثَ العِلْمِ، وَوَكَلُوهُ إِلَى اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى (2) .
وَيُقَالُ: إِنَّ الإِمَامَ نَظَرَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ النُّجُومِ، ثُمَّ هَجَرَهُ، وَتَابَ مِنْهُ.
فَقَالَ الحَافِظُ أَبُو الشَّيْخِ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ المَكِّيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيُّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
كَانَ الشَّافِعِيُّ - وَهُوَ حَدَثٌ - يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، وَمَا يَنْظُرُ فِي شَيْءٍ، إِلاَّ فَاقَ فِيْهِ، فَجَلَسَ يَوْماً وَامرَأَتُهُ تُطْلَقُ، فَحَسَبَ، فَقَالَ:
تَلِدُ جَارِيَةً عَوْرَاءَ، عَلَى فَرْجِهَا خَالٌ أَسْوَدُ، تَمُوْتُ إِلَى يَوْمِ كَذَا وَكَذَا.
فَوَلَدَتْ كَمَا قَالَ، فَجَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لاَ يَنْظُرَ فِيْهِ أَبَداً، وَدَفَنَ تِلْكَ الكُتُبَ (3) .
قَالَ فُوْرَانُ: قَسَمْتُ كُتُبَ الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بَيْنَ وَلَدَيْهِ، فَوَجَدْتُ فِيْهَا رِسَالَتَيِ الشَّافِعِيَّ، (العِرَاقيَّةِ) وَ(المِصْرِيَّةِ)، بِخَطِّ أَبِي عَبْدِ اللهِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّوْمَعِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
صَاحِبُ حَدِيْثٍ لاَ يَشْبَعُ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الدُّخَمْسِيْنِيُّ (4) : سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ
__________
(1) " آداب الشافعي ": 323، 324، و" مناقب " البيهقي 2 / 118.
(2) " مناقب " البيهقي 2 / 116، و" توالي التأسيس ": 66.
(3) " مناقب " البيهقي 2 / 126، و" مناقب " الرازي: 120، و" عيون التواريخ " 7 / 177، و" توالي التأسيس ": 65.
(4) في الأصل: " الدخسميني " وعلي بن أحمد هذا لم اظفر له بترجمة، وشيخه علي =

(10/57)


الأَزْدِيَّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ - وَسُئِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ - فَقَالَ:
لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بِهِ، لَقَدْ كُنَّا تَعَلَّمْنَا كَلاَمَ القَوْمِ، وَكَتَبْنَا كُتُبَهُمْ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا سَمِعْنَا كَلاَمَهُ، عَلِمْنَا أنَّهُ أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ جَالَسْنَاهُ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ، فَمَا رَأَيْنَا مِنْهُ إِلاَّ كُلَّ خَيْرٍ.
فَقِيْلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَانَ يَحْيَى وَأَبُو عُبَيْدٍ لاَ يَرْضَيَانِهِ - يُشِيْرُ إِلَى التَّشَيُّعِ، وَأنَّهُمَا نَسَبَاهُ إِلَى ذَلِكَ -.
فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا نَدْرِي مَا يَقُوْلاَنِ، وَاللهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُ إِلاَّ خَيْراً (1) .
قُلْتُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَتَشَيَّعُ، فَهُوَ مُفْتَرٍ، لاَ يَدْرِي مَا يَقُوْلُ.
قَدْ قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الإِسْتِرَابَاذِيُّ: أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بنُ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
حَجَجْنَا مَعَ الشَّافِعِيِّ، فَمَا ارْتَقَى شَرَفاً، وَلاَ هَبَطَ وَادِياً إِلاَّ وَهُوَ يَبْكِي، وَيُنْشِدُ:
يَا رَاكِباً قِفْ بِالمُحَصَّبِ مِنْ مِنَى ... وَاهْتِفْ بِقَاعِدِ خَيْفِنَا وَالنَّاهِضِ
سَحَراً إِذَا فَاضَ الحَجِيْجُ إِلَى مِنَىً ... فَيْضاً كَمُلْتَطِمِ الفُرَاتِ الفَائِضِ
إِنْ كَانَ رَفْضاً حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ ... فَلْيَشْهَدِ الثَّقَلانِ أَنِّي رَافِضِي (2)
__________
= ابن أحمد بن النضر الأزدي ضعفه الدارقطني كما قال في " تاريخ الخطيب " 11 / 316، و" ميزان المؤلف ".
وأورده البيهقي في " المناقب " 2 / 259 من طريق شيخه الحاكم أبي عبد الله، عن أبي أحمد علي بن عبد الله المروزي صاحب " الكنى "، عن علي بن أحمد بن النضر الأزدي.
(1) وللخبر تتمة غاية في النفاسة عند البيهقي، وهي: ثم قال أحمد لمن حوله: اعلموا رحمكم الله تعالى أن الرجل من أهل العلم إذا منحه الله شيئا من العلم، وحرمه قرناؤه وأشكاله، حسدوه فرموه بما ليس فيه، وبئست الخصلة في أهل العلم.
(2) " مناقب " البيهقي 2 / 71، و" مناقب " الرازي: 51، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 407، و" طبقات الشافعية " للسبكي 1 / 299، و" الانتقاء ": 90، 91، و" معجم
الأدباء " 17 / 320، و" عيون التواريخ " 7 / 180.

(10/58)


قُلْتُ: لَوْ كَانَ شِيْعِيّاً - وَحَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ (1) - لَمَا قَالَ: الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُوْنَ خَمْسَةٌ، بَدَأَ بِالصِّدِّيْقِ، وَخَتَمَ بِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.
الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ القَزْوِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ (المُوَطَّأَ) مِنَ الشَّافِعِيِّ؛ لأَنِّي رَأَيْتُهُ فِيْهِ ثَبْتاً، وَقَدْ سَمِعتُهُ مِنْ جَمَاعَةٍ قَبْلَهُ.
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الشَّاشِيَّ الفَقِيْهَ يَقُوْلُ:
دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ خُزَيْمَةَ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! عَلَى مَنْ دَرَسْتَ الفِقْهَ؟
فَسَمَّيتُ لَهُ أَبَا اللَّيْثِ.
فَقَالَ: وَعَلَى مَنْ دَرَسَ؟
قُلْتُ: عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ.
فَقَالَ: وَهلْ أَخَذَ ابْنُ سُرَيْجٍ العِلْمَ إِلاَّ مِنْ كُتُبٍ مُسْتَعَارَةٍ؟
فَقَالَ رَجُلٌ: أَبُو اللَّيْثِ هَذَا مَهْجُورٌ بِالشَّاشِيِّ، فَإِنَّ البَلَدَ حَنَابِلَةً.
فَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةُ: وَهَلْ كَانَ ابْنُ حَنْبَلٍ إِلاَّ غُلاَماً مِنْ غِلْمَانِ الشَّافِعِيِّ (2) .
زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: قُلْتُ لأَبِي دَاوُدَ: مَنْ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ؟
فَقَالَ: أَوَّلُهُمْ: الحُمَيْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَالبُوَيْطِيُّ.
وَيُرْوَى بِطَرِيْقَيْنِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ:
إِذَا رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ
__________
(1) لا يعد التشيع قدحا في حق القائل إذا كان ثقة، صرح بذلك المؤلف في غير موضع وانظر " الميزان " 1 / 5.
(2) هذا الأسلوب من المدح والاطراء تنبو عنه أذواق أهل العلم، ولا يرتضونه، فإنه في حين يرفع شأن ممدوحه ويعلي من قدره يبخس حق الآخرين ويحط من أقدارهم، وربما يكونون أعلى كعبا وأرفع منزلة من ممدوحه، ويغلب على ظني أن الشافعي رحمه الله لو سمع مقالة ابن خزيمة هذه لاوسعه عتبا وذما، أليس هو الذي يقول للامام أحمد - كما تقدم في الصفحة (33) - أنتم أعلم بالاخبار الصحاح منا، فإذا كان خبر صحيح، فأعلمني حتى أذهب إليه، كوفيا كان، أو بصريا، أو شاميا.
وروى ابن أبي حاتم عن أبيه قال: أحمد بن حنبل أكبر من الشافعي، تعلم الشافعي أشياء من معرفة الحديث من أحمد بن حنبل، وكان الشافعي فقيها، ولم تكن له معرفة بالحديث، فربما قال لأحمد: هذا الحديث قوي محفوظ ؟ فإذا قال أحمد: نعم، جعله أصلا، وبنى عليه.

(10/59)


الحَدِيْثِ، فَكَأَنِّيْ رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَزَاهُمُ اللهُ خَيْراً، هُمْ حَفِظُوا لَنَا الأَصْلَ، فَلَهُمْ عَلَيْنَا الفَضْلُ (1) .
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُنَاقِبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ غَانِمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ السَّمَّانُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَحْمُوْدٍ بِتُسْتَرَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المُبَارَكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى صَلاَةَ الكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ (2) .
رَوَاهُ: الحَافِظُ أَبُو سَعِيْدٍ النَّقَّاشُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ...، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَأَخْبَرْنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ القَلاَنِسِيُّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَالِكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الخَلِيلِيُّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَلَمَةَ القَزْوِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ...، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ.
أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ زَكِيٍّ (3) الحَافِظُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، أَخْبَرَنَا
__________
(1) انظر " حلية الأولياء " 9 / 109.
(2) إسناده ضعيف.
يحيى بن سليم، وهو القرشي الطائفي، سيئ الحفظ، وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر، وهو هنا عنه.
ورواه بأطول مما هنا البزار في " مسنده " (668) (زوائد) من طريق مسلم بن خالد الزنجي - وهو ضعيف - ومن طريق عدي بن الفضل - وهو متروك - كلاهما عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر...وانظر هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف في " زاد المعاد " 1 / 450، 456 طبع مؤسسة الرسالة.
(3) هو الامام الحافظ المتقن جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي صاحب " تهذيب =

(10/60)


المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ - قُلْتُ: وَأَجَازَهُ المَذْكُوْرَانِ لِي - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، أَنَّ حَنْبَلَ بنَ عَبْدِ اللهِ أخْبَرَهُمْ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ المُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ المَالِكِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَنَهَى عَنِ النَّجَشِ، وَنَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الحَبَلَةِ، وَنَهَى عَنِ المُزَابَنَةِ).
وَالمُزَابنَةُ: بَيعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً، وَبَيعُ الكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلاً (1) .
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَبَعْضُ الأَئِمَّةِ يُفَرِّقُهُ، وَيَجْعَلُهُ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ، وَهَذِهِ البُيُوْعُ الأَرْبَعَةُ مُحَرَّمَةٌ، وَالأَخِيْرَانِ مِنْهَا فَاسِدَانِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي العِزِّ البَزَّازُ، وَسِتُّ الوُزَرَاءِ بِنْتِ القَاضِي عُمَرِ بنِ أَسْعَدَ سَمَاعاً، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ اليَمَانِيُّ (ح).
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ القَزْوِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الصُّوْفِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ
__________
= الكمال ".
وقد شرعت مؤسسة الرسالة بطبعه، وصدر الجزء الأول منه بتحقيق الدكتور بشار عواد معروف.
(1) هو في " مسند الشافعي " 2 / 155 و170، و" الموطأ " 2 / 128 في البيوع: باب ما جاء في المزابنة والمحاقلة، و170 و171: باب ما ينهى عنه من المساومة والمبايعة، و149: باب ما لا يجوز من بيع الحيوان، والبخاري 4 / 295 في البيوع: باب لا يبع على بيع أخيه و313: باب النهي عن تلقي الركبان، و315: باب بيع الزبيب بالزبيب، و321: باب بيع المزابنة، وباب بيع الزرع بالطعام كيلا، و4 / 298، 299 في البيوع: باب بيع الغرر والحبلة، و4 / 298 في البيوع: باب النجش، ومسلم (1412) في البيوع: باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، و(1542) في البيوع: باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا و(1513): باب تحريم حبل الحبلة، و(1516): باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه.

(10/61)


المَقْدِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بنُ مَنْصُوْرٍ الكَرْجِيُّ (ح).
وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ، أَنَّ عَبْدَ الغَفَّارِ بنَ مُحَمَّدٍ التَّاجِرَ أَجَازَ لَهُمْ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ:
أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعَائِشَةَ: (طَوَافُكِ بِالبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، يَكْفِيْكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ).
وَبِهِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرْنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ نَجِيْحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِهِ، وَرُبَّمَا أَرْسَلَهُ عَطَاءٌ.
هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ.
أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (1) ، عَنِ الرَّبِيْعِ.
__________
(1) رقم (1897) في المناسك: باب طواف القارن، وإسناده قوي، وفي " صحيح مسلم " (1211) (133) من طريق إبراهيم بن نافع، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عائشة أنها حاضت بسرف، فتطهرت بعرفة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك ".
واختلف العلماء في طواف القارن والمتمتع على ثلاثة مذاهب: أحدها: أن على كل منهما طوافين وسعيين.
روي ذلك عن علي وابن مسعود، وهو قول سفيان الثوري وأبي حنيفة وأهل الكوفة والاوزاعي، وإحدى الروايتين عن أحمد.
الثاني: أن عليهما كليهما طوافا واحدا وسعيا واحدا.
نص عليه الامام أحمد في رواية ابنه عبد الله، وهو ظاهر حديث جابر.
الثالث: أن على المتمتع طوافين وسعيين، وعلى القارن سعي واحد، وهذا هو المعروف عن عطاء، وطاووس، والحسن، وهو مذهب مالك، والشافعي، وظاهر مذهب أحمد.
وفي " الموطأ " 1 / 410، والبخاري 3 / 395، ومسلم (1212) من حديث عائشة قالت: فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين كانوا أهلوا بالحج، أو جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافا واحدا.
وفي الباب عند البخاري 3 / 345 تعليقا ووصله الاسماعيلي في " مستخرجه " كما في " البيهقي " 5 / 23 بسند صحيح عن ابن عباس..وفيه أنه سئل عن متعة الحج، فقال: أهل المهاجرون والانصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأهللنا، فلما قدمنا مكة، =

(10/62)


قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ خَلَفٍ الحَافِظِ (1) ، وَعلَى أَبِي الحُسَيْنِ بنِ الفَقِيْهِ، أَخْبَرَكُمَا الحَافِظُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَظِيْمِ بنِ عَبْدِ القَوِيِّ المُنْذِرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُفَضَّلِ الحَافِظُ مِنْ حِفْظِي، حَدَّثَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ لَفْظاً، حَدَّثَنَا الإِمَامُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّبَرَيُّ إِلْكِيَا (2) ، مِنْ لَفْظِهِ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا إِمَامُ الحَرَمَيْنِ أَبُو المَعَالِي عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ الجُوَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبِي أَبُو مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ القَزْوِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الخَازِنِ (ح).
وَأَخْبَرْنَا ابْنُ الفَقِيْهِ، وَابْنُ مُشَرِّفٍ، وَوَزِيْرَةُ (3) قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الزُّبَيْدِيِّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَقْدِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بنُ عَلاَّنَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو بَكْرٍ
__________
= قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي " فطفنا بالبيت والصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: " من قلد الهدي، فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله "، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت، وبالصفا، والمروة، فقد تم حجنا.
(1) هو كما في " مشيخة المؤلف " ورقة 86 / 2: عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن ابن شرف العلامة الحافظ الحجة شرف الدين أبو محمد الدمياطي النوبي الشافعي، أحد الأئمة الاعلام، وبقية نقاد الحديث، ولد سنة ثلاث عشرة وست مئة، واشتغل بدمياط وأتقن الفقه، ثم طلب الحديث سنة ست وثلاثين، ورحل وسمع من علي بن مختار، ومنصور بن الدباغ، ويوسف بن المختلي، وابن المقر، وعلي بن زيد التساوسي، وبدمشق من عمر بن البرادعي، وابن مسلمة، وبحلب من ابن رواحة وابن خليل، وبحماه من صفية القرشية، وبماردين من عبد الخالق النشتيري، وببغداد من أبي نصر بن العليق، وابن الخير، وابن قميرة وأخيه أحمد، وبحران وسنجار والموصل والحرمين، ومعجمه يشتمل على ألف ومئتين وخمسين شيخا، وله تصانيف متقنة في الحديث والعوالي واللغة والفقه وغير ذلك، وعمل أربعين حديثا متباينة الإسناد من حديث أهل بغداد على شرط الصحيح، وله " السيرة النبوية " في مجلد.
حدث عنه أئمة، ومات فجأة في ذي القعدة سنة خمس وسبع مئة بالقاهرة، ومحاسنه جمة.
(2) قال ابن خلكان في " وفيات الأعيان " 3 / 289: وفي اللغة العجمية: إليكا: هو
الكبير القدر، المقدم بين الناس.
(3) هي ست الوزراء بنت القاضي عمر بن أسعد التنوخية.

(10/63)


الجِيزِيُّ (1) ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (المُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالخِيَارِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلاَّ بَيْعَ الخِيَارِ (2)).
أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ يُوْسُفَ؛ وَمُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى؛ وَأَبُو دَاوُدَ، عَنِ القَعْنَبِيِّ جَمِيْعاً، عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ مُسَلْسَلٌ فِي طَرِيْقِنَا الأَوَّلِ بِالفُقَهَاءِ إِلَى مُنْتَهَاهُ.
وَأَخْبَرَنَاهُ عَالِياً أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ قِرَاءةً، عَنِ المُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيِّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ سَهْلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ.
وَأَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الخَالِقِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ بِبَعْلَبَكَّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ بِنْتُ
__________
(1) نسبة إلى الجيزة، بليدة غربي فسطاط مصر.
(2) إسناده صحيح، وهو في " مسند الشافعي " 2 / 162 و" الموطأ " 2 / 671 في البيوع: باب بيع الخيار، والبخاري 4 / 276 في البيوع: باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، وباب كم يجوز الخيار، وباب إذا لم يوقت في الخيار هل يجوز البيع، وباب إذا كان البائع بالخيار هل يجوز البيع، ومسلم (1531) في البيوع: باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، وأبو داود (3454) في البيوع: باب في خيار المتبايعين.
وأخرجه الترمذي (1245) من طريق فضيل عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر، وأخرجه ابن ماجه (2181) من طريق الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر.
وقوله: " إلا بيع الخيار " قال البغوي في " شرح السنة " 8 / 41: معناه أن يقول أحدهما لصاحبه: اختر، فيقول: اخترت، فيكون هذا إلزاما للبيع منهما، وإن كان المجلس قائما، ويسقط خيارهما.
وتأوله بعضهم على خيار الشرط، وقال: هذا استثناء يرجع إلى مفهوم مدة الخيار، معناه: كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا تفرقا، لزم البيع إلا أن يتبايعا بشرط خيار ثلاثة أيام، فبقي خيار الشرط بعد التفرق، واستبعد هذا التأويل، ورجح المعنى الأول لوروده مصرحا به في روايته عند البخاري 4 / 274.

(10/64)


أَحْمَدَ الكَاتِبَةُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ القَادِرِ (ح).
وَأَخْبَرَنَا سُنْقُرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِحَلَبَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ ثَابِتٍ بنِ بُنْدَارَ البَقَّالُ، أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ دُوْسْتٍ العَلاَّفُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَزَّازِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ الحَسَنِ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْلَمَةَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (المُتَبَايعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخيَارِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلاَّ بَيْعَ الخِيَارِ (1)).
وَبِهِ إِلَى القَعْنَبِيِّ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا وَجْهٌ مَعْرُوْفٌ، وَلاَ أَمرٌ مَعْمُوْلٌ (2) .
قُلْتُ: قَدْ عَمِلَ جُمْهُوْرُ الأَئِمَّةِ بِمُقْتَضَاهُ، أَوَّلُهُمْ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَاوِي الحَدِيْثِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمَذَانِيُّ بِقِرَاءتِي عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو البَرَكَاتِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَلِيْلٍ القَيْسِيُّ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصُّوْرِيُّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ ابْنُ صَصْرَى، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ الأَسَدِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنِ عَلِيٍّ الثَّعْلَبِيُّ.
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ
__________
(1) إسناده صحيح.
(2) يعني أن مالكا لا يأخذ بهذا الحديث لان عمل أهل المدينة على خلافه، وقد تعقب بأنه قال به ابن عمر، ثم سعيد بن المسيب، ثم الزهري، ثم ابن أبي ذئب، وهؤلاء من أكابر علماء أهل المدينة في أعصارهم، ولا يحفظ عن أحد من علماء المدينة في أعصارهم القول بخلاف غير ربيعة شيخ مالك.
وابن عبد البر، وابن العربي - وهما من المالكية - يقولان: إنما لم يأخذ به مالك، لان وقت التفرق غير معلوم، فأشبه بيوع الغرر كالملامسة، وتعقب بأنه يقول بخيار الشرط، ولا يحده بوقت معين، وما ادعاه من الغرر موجود فيه، وبأن الغرر في خيار المجلس معدوم، لان كلا منهما متمكن من إمضاء البيع أو فسخه بالقول أو الفعل فلا غرر.

(10/65)


الحَافِظُ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الطَّائِيُّ، وَعَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ اللَّطِيْفِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، وَغَيْرُهُم، قَالُوا: أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الشَّافِعِيُّ.
وَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الجَوْهَرِيِّ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ يُوْسُفَ الوَاعِظَةُ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُكْرَمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الصَّقْرِ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ بنِ القَوَّاسِ، وَابْنُ عَمِّهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، وَالقَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَالتَّقِيُّ بنُ مُؤْمِنٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الخلاَّلِ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الأُرْمَوِيُّ، وَسِتُّ الفَخْرِ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالُوا:
حَدَّثَتْنَا أُمُّ الفَضْلِ كَرِيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الوَهَّابِ القُرَشِيَّةُ، قَالُوا ثَلاَثتُهُم:
أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى بنُ الحُبُوبِيِّ، قَالَ هُوَ وَابْنُ خَلِيْلٍ وَالأَسَدِيُّ:
أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ بنِ أَبِي العُلاَ المَصِّيْصِيُّ قِرَاءةً عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُثْمَانَ بنِ القَاسِمِ بنِ أَبِي نَصْرٍ التَّمِيْمِيُّ، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ جَامِعٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ، سَمِعَا أَبَا وَائِلٍ يُخْبِرُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِيْنٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ).
قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَإِنْ كَانَ شَيْئاً يَسِيْراً؟
قَالَ: (وَإِنْ كَانَ سِواكاً مِنْ أرَاكٍ) (1) .
__________
(1) إسناده صحيح، وجامع: هو ابن أبي راشد الصيرفي، وأبو وائل: هو شقيق بن سلمة، وأخرجه أحمد 1 / 377 من طريق سفيان، عن جامع، عن أبي وائل، عن ابن مسعود.
وأخرجه بأطول مما هنا أحمد 1 / 379، والبخاري 11 / 485 في الايمان: باب قول الله تعالى: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم)، ومسلم (138) في الايمان: باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، وأبو داود (3243)، والترمذي (2999)، وابن ماجة (2323) من طرق، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود.
وفي الباب عن أبي أمامة عند مالك 2 / 727، ومسلم (137)، والنسائي 8 / 246.

(10/66)


أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ يَحْيَى بنُ أَحْمَدَ الجُذَامِيُّ (1) ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الحُسَيْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القُرَشِيُّ بِقِرَاءتِي، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ المَالِكِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَدِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ خَالِدٍ الجَنَدِيِّ، عَنِ أبَانَ بنِ صَالِحٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ أَنَسٍ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَزْدَادُ الأَمْرُ إِلاَّ شِدَّةً، وَلاَ الدُّنْيَا إِلاَّ إِدْبَاراً، وَلاَ النَّاسُ إِلاَّ شُحّاً، وَلاَ تَقُوْمُ السَّاعَةُ إِلاَّ عَلَى شِرَارِ النَّاسِ، وَلاَ مَهْدِيَّ إِلاَّ عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ).
أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ (2) عَنْ يُوْنُسَ، فَوَافَقْنَاهُ، وَهُوَ خَبَرٌ مُنْكَرٌ، تَفَرَّدَ بِهِ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ أَحَدُ الثِّقَاتِ، وَلَكِنَّهُ مَا أَحْسِبُهُ سَمِعَهُ مِنَ الشَّافِعِيِّ، بَلْ أَخْبَرَهُ بِهِ مُخْبِرٌ مَجْهُوْلٌ، لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ الثَّابتَةِ عَنْ يُوْنُسَ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، فَذَكَرَهُ (3) .
__________
(1) نسبة إلى جذام قبيلة من اليمن.
(2) رقم (4039) وإسناده ضعيف لجهالة محمد بن خالد الجندي، والحسن مدلس وقد عنعن، ومتنه منكر كما قال المصنف، وهو في " حلية الأولياء " 9 / 161، و" تاريخ بغداد " 4 / 221، و" المستدرك " 4 / 441، ونقل الشوكاني في " الفوائد المجموعة " ص 195 عن الصنعاني: أنه موضوع.
وجملة " لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن مسعود أخرجه مسلم في " صحيحه " (2949).
(3) نقله تلميذه السبكي في " الطبقات " 2 / 171 في ترجمة يونس بن عبد الأعلى بأوسع مما هنا، فقال: وكان شيخنا الذهبي رحمه الله ينبه على فائدة، وهي أن حديثه المذكور عن الشافعي إنما قال فيه: حدثت عن الشافعي، ولم يقل: حدثني الشافعي، قال: هكذا هو موجود في كتاب يونس رواية أبي الطاهر أحمد بن محمد المديني عنه، ورواه جماعة عنه عن الشافعي، فكأنه دلسه بلفظة " عن " وأسقط ذكر من حدثه به عن الشافعي.
هذا كلام شيخنا رحمه الله تعالى، وأنا أقول: قد صرح الرواة عن يونس بأنه قال: " حدثنا " الشافعي أسنده من طريقين، وفيه التصريح بالتحديث.
ثم رد دعوى تفرد يونس به بأنه قد تابعه عليه زيد بن =

(10/67)


أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ القلاَنسِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الجَارُودِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ القَرَّابُ (1)، أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى السَّاجِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجْزِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ: إِذَا أَغْفَلَ العَالِمُ (لاَ أَدْرِي) أُصِيْبَتْ مَقَاتِلُهُ (2) .
فَغَالِبُ هَذَا الإِسْنَادِ مُسَلْسَلٌ بِالحُفَّاظِ، مِنْ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ إِلَى عَجْلاَنَ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَبِهِ إِلَى أَبِي إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَلِيْدِ حَسَّانُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الكُوْفِيُّ - وَكَانَ مِنَ الإِسْلاَمِ بِمَكَانٍ - قَالَ: رَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ بِمَكَّةَ يُفْتِي النَّاسَ، وَرَأَيْتُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ حَاضِرَيْنِ.
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيْلٌ مِنْ دَارٍ؟).
فَقَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، عَنِ الحَسَنِ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، وَعَبْدَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ: أَنَّهُمَا لَمْ يَكُوْنَا يَرَيَانِهِ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُوْسٌ، لَمْ يَكُوْنَا يَرَيَانِهِ.
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ هَذَا؟
قِيْلَ: إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحَنْظَلِيُّ ابْنُ رَاهْوَيْه.
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنْتَ الَّذِي يَزْعُمُ أَهْلُ خُرَاسَانَ أَنَّكَ فَقِيْهُهُمْ، مَا أَحْوَجَنِي أَنْ يَكُوْنَ غَيرُكَ فِي
__________
= السكن، وعلي بن زيد اللحجي، فروياه عن محمد بن خالد، وانتهى إلى أن الذي تفرد به هو محمد بن خالد الجندي ذاك المجهول.
(1) نسبة لمن يعمل القرب، وهي أوعية الماء أو اللبن.
(2) " آداب الشافعي ": 107، و" طبقات الشافعية " للسبكي 1 / 222، و" الانتقاء ": 37، 38، و" بدائع الفوائد " 3 / 276، و" جامع بيان العلم " 2 / 54، و" الآداب الشرعية " 2 / 79.

(10/68)


مَوْضِعِكَ، فَكُنْتُ آمُرُ بِعَرْكِ أُذُنَيْهِ أَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْتَ تَقُوْلُ: عَطَاءٌ، وَطَاوُوْسٌ، وَمَنْصُوْرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، وَالحَسَنِ، وَهَلْ لأَحَدٍ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُجَّةً (1) ؟!
وَبِهِ: إِلَى أَبِي إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الفَقِيْهُ إِملاَءً، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ فَرَاشَةَ الفَقِيْهَ بِمَرْوَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيَّ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُغِيْرَةِ، سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ إِمْلاَءً، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ السَّاوِيُّ (2) بِمَرْوَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الفَضْلِ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، سَمِعْتُ البُوَيْطِيَّ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَكَأَنِّيْ رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
زَادَ البُوَيْطِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: جَزَاهُمُ اللهُ خَيْراً، فَهُم حَفِظُوا لَنَا الأَصْلَ، فَلَهُمْ عَلَينَا فَضْلٌ.
__________
(1) " مناقب " البيهقي 1 / 214، 215، و" آداب الشافعي " 1 / 177، 178، و" معجم الأدباء " 17 / 295، و" مناقب " الرازي: 100.
وقوله صلى الله عليه وسلم: " وهل ترك لنا عقيل من دار ؟ " قاله في حجته، أو يوم الفتح، حيث قيل له: أتنزل في دارك بمكة ؟ وأراد الشافعي رحمه الله أن الدور لو كانت مباحة للناس لكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: أي موضع أدركنا في دار من كان نزلنا، فإن ذلك مباح لنا، بل أشار إلى دورهم التي كانت لآبائهم باعها عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه قبل أن يسلم، فلم يطالب بشيء منها، ولم يؤاخذ، وقال: لم يترك لنا عقيل مسكنا.
والحديث أخرجه من حديث أسامة بن زيد البخاري 3 / 360، 361 في الحج: باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها، وفي الجهاد: باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم، وفي المغازي: باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، ومسلم (1351) في الحج: باب النزول بمكة للحاج وتوريث دورها، وأبو داود (2910) في الفرائض: باب هل يرث المسلم الكافر، والبيهقي في " سننه " 6 / 34.
(2) نسبة إلى ساوة: مدينة بين الري وهمدان.
(3) تقدم الخبر في الصفحة (59، 60) ت (1).

(10/69)


وَبِهِ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الجَارُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ القَرَّابُ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى السَّاجِيُّ، عَنِ البُوَيْطِيِّ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: عَلَيْكُمْ بِأَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَإِنَّهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ صَوَاباً.
وَيُرْوَى عَنِ الشَّافِعِيِّ: لَوْلاَ المَحَابرُ لَخَطَبَتِ الزَّنَادقَةُ عَلَى المَنَابرِ.
الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: المُحْدَثَاتُ مِنَ الأُمُورِ ضَرْبَانِ: مَا أُحْدِثَ يُخَالِفُ كِتَاباً، أَوْ سُنَّةً، أَوِ أَثَراً، أَوِ إِجْمَاعاً، فَهَذِهِ البِدْعَةُ ضَلاَلَةٌ، وَمَا أُحْدِثَ مِنَ الخَيْرِ لاَ خِلاَفَ فِيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَا، فَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ، قَدْ قَالَ عُمَرُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ: نِعْمَتِ البِدْعَةُ هَذِهِ، يَعْنِي: أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ، وَإِذْ كَانَتْ فَلَيْسَ فِيْهَا رَدٌّ لِمَا مَضَى.
رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ (1) ، عَنِ الصَّدَفِيِّ، عَنِ الأصمِّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ: تَزَوَّجَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه بِامْرَأَةِ رَجُلٍ - كَانَ عِنْدَهُ كُتُبُ الشَّافِعِيِّ - مَاتَ، لَمْ يَتَزَوَّجْ بِهَا إِلاَّ لِلْكُتُبِ.
قَالَ: فَوَضَعَ (جَامِعَ الكَبِيْرِ) عَلَى كِتَابِ الشَّافِعِيِّ، وَوَضَعَ (جَامِعَ الصَّغِيْرِ) عَلَى (جَامِعِ سُفْيَانَ) فَقَدِمَ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ نَيْسَابُوْرَ، وَكَانَ عِنْدَهُ كُتُبُ الشَّافِعِيِّ عَنِ البُوَيْطِيِّ، فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: لاَ تُحَدِّثْ بكُتُبِ الشَّافِعِيِّ مَا دُمتُ هُنَا، فَأَجَابَهُ (2) .
قَالَ دَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ ابْنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: مَا كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ فِي هَذَا المَحَلِّ، وَلَوْ عَلِمْتُ لَمْ أُفَارقْهُ (3) .
__________
(1) في " المناقب " 1 / 468، 469، وانظر " حلية الأولياء " 9 / 113.
(2) " آداب الشافعي ": 64، 65، و" مناقب " البيهقي 1 / 266، 267، و" حلية الأولياء " 9 / 102، و" توالي التأسيس ": 76، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 4 / 2.
(3) " مناقب " البيهقي 1 / 265.

(10/70)


قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: قَالَ إِسْحَاقُ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: مَا حَالُ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ (1) عِنْدَكُمْ؟
فَقَالَ: ثِقَةٌ، كَتَبْنَا عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى عَنْهُ أَرْبَعَ مائَةِ حَدِيْثٍ (2) .
قَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَلاَ أَسْكَتَ عَنِ الفُتْيَا مِنْهُ (3).
رَوَى أَبُو الشَّيْخِ الحَافِظُ، وَغَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمَّا دَخَلَ مِصْرَ أتَاهُ جِلَّةُ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَأقبلُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَنْ رَأَوهُ يُخَالِفُ مَالِكاً، وَيَنْقُضُ عَلَيْهِ، جَفَوهُ، وَتَنَكَّرُوا لَهُ، فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:
أَأَنْثُرُ دُرّاً بَيْنَ سَارِحَةِ النَّعَمْ ... وَأَنْظِمُ مَنْثُوراً لِرَاعِيَةِ الغَنَمْ
لَعَمْرِي لَئِنْ ضُيِّعْتُ فِي شَرِّ بَلْدَةٍ ... فلَسْتُ مُضِيعاً بَينَهُمْ غُرَرَ الحِكَمْ
فَإِنْ فَرَّجَ اللهُ اللَّطِيْفُ بِلُطْفِهِ ... وَصَادَفْتُ أَهْلاً لِلْعُلُومِ وَلِلحِكَمْ
بَثَثْتُ مُفِيداً وَاسْتفَدْتُ وِدَادَهُم ... وَإِلاَّ فَمَخْزُونٌ لَدَيَّ وَمُكْتَتَمْ
وَمَنْ مَنَحَ الجُهَّالَ عِلْماً أَضَاعَهُ ... وَمَنْ مَنَعَ المُسْتَوْجِبِينَ فَقَدْ ظَلَمْ
وَكَاتِمُ عِلْمِ الدِّيْنِ عَمَّنْ يُرِيْدُهُ ... يَبُوءُ بِإِثْمٍ زَادَ وَآثِمٍ إِذَا كَتَمْ (4)
__________
(1) هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بالصادق، تقدمت ترجمة في الجزء السادس رقم (117).
(2) " مناقب " البيهقي 1 / 523، و" آداب الشافعي ": 177، و" الجرح والتعديل " 2 / 487، و" تهذيب التهذيب " 2 / 103.
(3) " آداب الشافعي ": 206، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 224، وانظر " مناقب " الرازي: 17، و" تهذيب التهذيب " 4 / 120، و" شذرات الذهب " 1 / 355، و" الجرح والتعديل " 1 / 32، 33.
(4) الابيات - عدا هذا الأخير في " مناقب الشافعي " 2 / 72، و" معجم الأدباء " 17 / 307، و" مناقب " الرازي: 111، و" حلية الأولياء " 9 / 153، و" طبقات الشافعية " للسبكي 1 / 294.

(10/71)


قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَهْ: حُدِّثْتُ عَنِ الرَّبِيْعِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَشْهَبَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ سَاجداً يَقُوْلُ فِي سُجُوْدِهِ: اللَّهُمَّ أَمِتِ الشَّافِعِيَّ، لاَ يَذْهَبُ عِلْمُ مَالِكٍ، فَبَلَغَ الشَّافِعِيَّ، فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:
تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ ... فَتِلْكَ سَبِيْلٌ لَسْتُ فِيْهَا بِأَوْحَدِ
فَقُلْ لِلَّذِي يَبْغِي (1) خِلاَفَ الَّذِي مَضَى ... تَهَيَّأْ لأُخْرَى مِثْلِهَا فَكَأَن قَدِ
وَقَدْ عَلِمُوا لَوْ يَنْفَعُ العِلْمُ عِنْدَهُمْ ... لَئِنْ مِتُّ مَا الدَّاعِي عَلَيَّ بِمُخْلَدِ (2)
قَالَ المُبَرَّدُ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيْفَةَ لَفُصَحَاءٌ، فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:
فلَوْلاَ الشِّعْرُ بِالعُلَمَاءِ يُزْرِي ... لكُنْتُ اليَوْمَ أَشْعَرَ مِنْ لَبِيدِ
وَأَشجَعَ فِي الوَغَى مِنْ كُلِّ لَيْثٍ ... وَآلِ مُهَلَّبٍ وَأَبِي يَزِيْدِ
وَلَوْلاَ خَشْيَةُ الرَّحْمَنِ رَبِّي ... حَسِبْتُ النَّاسَ كُلَّهُمُ عَبِيْدِي (3)
__________
(1) في الأصل " يبقى " والمثبت هو من مصادر التخريج.
(2) الخبر مع الشعر في " مناقب " البيهقي 2 / 73، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 21 / 1 و" مناقب " الرازي: 115، و" توالي التأسيس ": 83، و" عيون الاخبار " 3 / 114، و" حلية الأولياء " 9 / 149، 150، و" طبقات " السبكي 1 / 303، و" نوادر " القالي 218 / 3.
(3) " مناقب " البيهقي 2 / 62، و" مناقب " الرازي: 119.

(10/72)


وَلأَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيِّ فِي الشَّافِعِيِّ:
وَمِنْ شُعَبِ الإِيْمَانِ حُبُّ ابْنُ شَافِعٍ ... وَفَرْضٌ أَكِيدٌ حُبُّهُ لاَ تَطَوُّعُ
وَإِنِّيْ حَيَاتِي شَافِعِيٌّ فَإِنْ أَمُتْ ... فَتَوْصِيَتِي بَعْدِي بِأَنْ يَتَشَفَّعُوا (1)
قَالَ الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ غَانِمٍ فِي كِتَابِ (مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ) لَهُ، وَهُوَ مُجَلَّدٌ: جَمَعْتُ دِيْوَانَ شِعْرِ الشَّافِعِيِّ كِتَاباً عَلَى حِدَةٍ.
ثُمَّ إِنَّهُ سَاقَ بِإِسْنَادٍ لَهُ إِلَى ثَعْلَبٍ، قَالَ: الشَّافِعِيُّ إِمَامٌ فِي اللُّغَةِ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ (2) : سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ مرَاراً يَقُوْلُ: لَوْ
__________
(1) " مناقب الشافعي " للبيهقي 2 / 362.
وهكذا نجد كل تابع لامام من الأئمة يقول في حق إمامه كذلك.
إن الأئمة المجتهدين، كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم، رحمهم الله تعالى لم يقل واحد منهم لاتباعه: اتبعوني وخذوا بجميع أقوالي، وآثروني على من سواي، وإنما ثبت عن كل واحد منهم قوله: " إذا خالف قولي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحجة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، واضربوا بقولي عرض الحائط " وجميعهم أصحاب فضل وعلم، وقد بذلوا جهدهم في التماس الحق في المسائل التي اجتهدوا فيها، فأصاب كل واحد منهم في بعضها، وله في ذلك أجران، وأخطأ في البعض الاخر، وله فيها أجر واحد، فالمحب الصحيح هو الذي يوالي الجميع، ويقدر جهودهم، ويشيد بفضلهم، ولا يعتقد العصمة فيهم، وإذا رأى أحدهم يفضل على الآخرين بشيء قد خصه الله به، فلا يتخذه وسيلة للتعصب أو الإفراط في الحب الذي قد يدعوه إلى العدول عن الصواب، لان هذا الامام يحبه لم يقل به.
وليضع كل واحد منا نصب عينيه كلمة الامام مالك رحمه الله: " ما منا إلا من رد أو رد عليه إلا صاحب هذا القبر " وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو وحده الذي افترض الله علينا الاخذ بجميع أقواله، وليس ذلك لأحد سواه.
(2) هو الحافظ الحجة أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني الاستراباذي الفقيه، المتوفى سنة 323 وهو غير ابن عدي صاحب " الكامل " في الضعفاء، المتوفى سنة 365، فذاك كنيته أبو أحمد، واسمه عبد الله.

(10/73)


رَأَيْتَ الشَّافِعِيَّ وَحُسْنَ بَيَانِهِ، وَفصَاحتِهِ، لَعَجِبْتَ، وَلَوْ أَنَّهُ أَلَّفَ هَذِهِ الكُتُبَ عَلَى عَرَبِيَّتِهِ الَّتِي كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهَا مَعَنَا فِي المُنَاظَرَةِ، لَمْ نَقْدِرْ عَلَى قِرَاءةِ كُتُبِهِ لِفَصَاحتِهِ وَغَرَائِبِ أَلفَاظِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ فِي تَأْلِيفِهِ يُوَضِحُ لِلْعَوَامِّ (1) .
حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا جَهِلَ النَّاسُ وَلاَ اخْتَلَفُوا، إِلاَّ لِتَرْكِهِم لِسَانَ العَرَبِ، وَمِيلِهِمْ إِلَى لِسَانِ أَرْسطَاطَالِيْسَ.
هذِهِ حِكَايَةٌ نَافِعَةٌ، لَكِنَّهَا مُنْكَرَةٌ، مَا أَعْتَقِدُ أَنَّ الإِمَامَ تَفَوَّهَ بِهَا، وَلاَ كَانَتْ أَوْضَاعُ أَرِسْطُوطَالِيْسَ عُرِّبَتْ بَعْدُ البَتَّةَ.
رَوَاهَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مَهْدِيِّ الفَقِيْهُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا هُمَيْمُ بنُ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ.
ابْنُ هَارُوْنَ: مَجْهُوْلٌ.
قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِأَيَّامِ النَّاسِ مِنَ الشَّافِعِيِّ (2) .
وَنَقَلَ الإِمَامُ ابْنُ سُرَيْجٍ عَنْ بَعْضِ النَّسَّابِيْنَ، قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالأَنْسَابِ، لَقَدِ اجْتَمَعُوا مَعَهُ لَيْلَةً، فَذَاكَرَهُم بِأَنسَابِ النِّسَاءِ إِلَى الصَّبَاحِ، وَقَالَ: أَنسَابُ الرِّجَالِ يَعْرِفُهَا كُلُّ أَحَدٍ (3) .
الحَسَنُ بنُ رَشِيْقٍ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَدَائِنِيُّ، قَالَ: قَالَ المُزَنِيُّ: قَدِمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ، فَأَتَاهُ ابْنُ هِشَامٍ صَاحِبُ المَغَازِي، فَذَاكَرَهُ أَنسَابَ الرِّجَالِ.
فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: دَعْ عَنْكَ أَنسَابَ الرِّجَالِ، فَإِنَّهَا لاَ
__________
(1) " توالي التأسيس ": 77، و" مناقب " البيهقي 2 / 49، و" مناقب " الرازي.
(2) " مناقب " البيهقي 1 / 488.
(3) " مناقب " البيهقي 1 / 488، 489

(10/74)


تَذْهَبُ عَنَّا وَعَنْكَ، وَحَدِّثْنَا فِي أَنْسَابِ النِّسَاءِ، فَلَمَّا أَخَذُوا فِيْهَا بَقِيَ ابْنُ هِشَامٍ (1) .
قَالَ يُوْنُسُ الصَّدَفِيُّ: كَانَ الشَّافِعِيُّ إِذَا أَخَذَ فِي أَيَّامِ النَّاسِ، قُلْتُ: هَذِهِ صِنَاعَتُهُ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: مَا أَرَدْتُ بِهَا -يَعْنِي: العَرَبِيَّةَ وَالأَخْبَارَ- إِلاَّ لِلاستِعَانَةِ عَلَى الفِقْهِ (2) .
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً لَقِيَ مِنَ السُّقْمِ مَا لَقِيَ الشَّافِعِيُّ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اقرَأْ مَا بَعْدَ العِشْرِيْنَ وَالمائَةِ مِنْ آلِ عِمْرَانَ، فَقرأْتُ، فَلَمَّا قُمْتُ، قَالَ: لاَ تَغْفَلْ عَنِّي فَإِنِّي مَكْرُوبٌ.
قَالَ يُوْنُسُ: عَنَى بِقِرَاءتِي مَا لَقِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ أَوْ نَحْوَهُ (3) .
ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَغَيْرُهُ: حَدَّثَنَا المُزَنِيُّ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟
فَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: أَصْبَحْتُ مِنَ الدُّنْيَا رَاحِلاً، وَلإِخْوَانِي مُفَارِقاً، وَلِسُوءِ عَمَلِي مُلاَقِياً، وَعَلَى اللهِ وَارِداً، مَا أَدْرِي رُوْحِي تَصِيْرُ إِلَى جَنَّةٍ فَأُهَنِّيْهَا،
__________
(1) أي: انقطع، وهو في " مناقب " البيهقي 1 / 488 و2 / 42، و" توالي التأسيس ": 60.
(2) " مناقب " البيهقي 2 / 42.
(3) " آداب الشافعي ": 76، 77، و" مناقب " البيهقي 2 / 293، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 65، و" توالي التأسيس ": 69 و83.
وأخرج ابن أبي حاتم فيما ذكره الحافظ في " الفتح " 7 / 267، والواحدي في " أسباب النزول " 115، 116 من طريق المسور بن مخرمة قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف - أي خالي - أخبرني عن قصتكم يوم أحد ؟ فقال: اقرأ العشرين ومئة من آل عمران تجدها: (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين) إلى قوله تعالى: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا).

(10/75)


أَوْ إِلَى نَارٍ فَأُعَزِّيْهَا، ثُمَّ بَكَى وَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:
وَلَمَّا قَسَا قَلْبِي وَضَاقَتْ مَذَاهِبِي ... جَعَلْتُ رَجَائِي دُوْنَ عَفْوِكَ سُلَّمَا
تَعَاظَمَنِي ذَنْبِي فَلَمَّا قَرَنْتُهُ ... بِعَفْوِكَ رَبِّي كَانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَا
فَمَا زِلْتَ ذَا عَفْوٍ عَنِ الذَّنْبِ لَمْ تَزَلْ ... تَجُوْدُ وَتَعْفُو مِنَّةً وَتَكَرُّمَا
فَإِنْ تَنْتَقِمْ مِنِّي فَلَسْتُ بِآيِسٍ ... وَلَوْ دَخَلَتْ نَفْسِي بِجِرمِي جَهَنَّمَا
وَلولاَكَ لَمْ يُغْوَى بِإِبْلِيْسَ عَابِدٌ ... فَكَيْفَ وَقَدْ أَغوَى صَفِيَّكَ آدَمَا
وَإِنِّيْ لآتِي الذّنْبَ أَعْرِفُ قَدْرَهُ ... وَأَعلَمُ أَنَّ اللهَ يَعْفُو تَرَحُّمَا
إِسْنَادُهُ ثَابِتٌ عَنْهُ (1) .
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ: دَخَلْتُ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مريضٌ، فَسَأَلنِي عَنِ أَصْحَابِنَا.
فَقُلْتُ: إِنَّهُم يَتَكَلَّمُوْنَ.
فَقَالَ: مَا نَاظَرْتُ أَحَداً قَطُّ عَلَى الغَلَبَةِ، وَبِودِّي أَنَّ جَمِيْعَ الخَلْقِ تَعَلَّمُوا هَذَا الكِتَابَ -يَعْنِي: كُتُبَهُ- عَلَى أَنْ لاَ يُنْسَبَ إِلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ.
قَالَ هَذَا يَوْمَ الأَحَدِ، وَمَاتَ يَوْمَ الخَمِيْسِ، وَانْصَرَفْنَا مِنْ جِنَازَتِهِ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، فَرَأَيْنَا هِلاَلَ شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً (2) .
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ السِّجِسْتَانِيُّ نَزِيْلُ مَكَّةَ، حَدَّثَنِي الحَارِثُ بنُ سُرَيْجٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ الشَّافِعِيِّ عَلَى خَادِمِ الرَّشِيْدِ وَهُوَ فِي بَيْتٍ قَدْ فُرِشَ بِالدِّيْبَاجِ، فَلَمَّا أَبْصَرَهُ رَجَعَ.
فَقَالَ لَهُ الخَادِمُ: ادْخُلْ.
قَالَ: لاَ يَحِلُّ افْتِرَاشُ الحُرُمِ.
فَقَامَ الخَادِم مُتَبَسِّماً
__________
(1) " مناقب " البيهقي 2 / 111، 293، 294، و" معجم الأدباء " 17 / 303، و" طبقات الشافعية " للسبكي 1 / 156، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 21، و" توالي التأسيس ": 83.
(2) " مناقب " البيهقي 2 / 297، 298، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 22 / 1.

(10/76)


حَتَّى دَخَلَ بيتاً قَدْ فُرِشَ بِالأَرْمَنِيِّ (1) ، فَدَخَلَ الشَّافِعِيُّ، ثُمَّ أَقبلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَذَا حَلاَلٌ، وَذَاكَ حَرَامٌ، وَهَذَا أحسنُ مِنْ ذَاكَ، وَأكثرُ ثَمَناً.
فَتَبَسَّمَ الخَادِمُ وَسَكَتَ (2) .
وَعَنِ الرَّبِيْعِ لِلشَّافِعِيِّ:
لَقَدِ أصبحَتْ نَفْسِي تَتُوقُ إِلَى مِصْرَ ... وَمِنْ دُونِهَا أَرْضُ المَهَامِهِ وَالقَفْرِ
فَوَاللهِ مَا أَدْرِي أَلِلْمَالِ وَالغِنَى ... أُسَاقُ إِلَيْهَا أَمْ أُسَاقُ إِلَى قَبْرِي (3)
قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنِ القِيَاسِ، فَقَالَ: عِنْد الضَّرُوْرَاتِ (4) .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الخَلاَّلِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ اللَّتِّيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ، سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا وَجَدْتُم
__________
(1) نسبة إلى أرمينية على غير قياس، البلد التي تصنع فيه تلك الفرش، وهي أنجاد وجبال تتخللها سهول مرتفعة في آسيا الصغرى جنوبي القفقاس بين أنجاد إيران شرقا والاناضول غربا، وبين بحر قزوين ومسيل الفرات.
(2) " آداب الشافعي ": 103، 104، و" حلية الأولياء " 9 / 126، 127، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 12 / 2، و" توالي التأسيس ": 66.
(3) " مناقب " البيهقي، 2 / 108، و" الانتقاء ": 102، و" معجم الأدباء " 17 / 319، 320، و" مناقب " الرازي: 118، 119، و" عيون التواريخ " 7 / 179.
(4) أي عند عدم وجود النص، وهذا ما عليه الأئمة الأربعة، فإنهم لا يفزعون إلى القياس إلا عند عدم وجود النص، ولكن منهم من يستعمله في ما هو كائن من الحوادث، وفيما سيجد منها، ومنهم من يقتصر على الحوادث الكائنة، والشافعي رحمه الله قد استخدم القياس كثيرا في كتابه " الام " وفي غيره من تواليفه.

(10/77)


فِي كتَابِي خِلاَفَ سُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُوْلُوا بِسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدَعُوا مَا قُلْتُ (1) .
سَمِعْنَا جُزْءاً فِي رِحْلَةِ الشَّافِعِيِّ، فَلَمْ أَسُقْ مِنْهُ شَيْئاً، لأنَّهُ بَاطِلٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ (2) ، وَكَذَلِكَ عُزِيَ إِلَيْهِ أقوَالٌ وَأُصُوْلٌ لَمْ تَثْبُتْ عَنْهُ، وَرِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الحَكَمِ عَنْهُ فِي مَحَاشِّ النِّسَاءِ (3) مُنْكَرَةٌ، وَنصُوصُهُ فِي تَوَالِيفِهِ بِخِلاَفِ ذَلِكَ.
__________
(1) " مناقب " البيهقي 1 / 472، و" توالي التأسيس ": 63.
(2) وهذا الجزء مروي من طريق عبد الله بن محمد البلوي الكذاب الوضاع، وسامح الله الامام البيهقي فإنه أورد خبر هذه الرحلة عن طريق البلوي هذا في " مناقب الشافعي " 1 / 130 وما بعدها، ولم ينبه على وضعها، مع أنه لا يخفى عليه بطلانها، فانخدع بصنيعه هذا غير واحد ممن ألف في مناقب الشافعي ممن لا شأن له في تمحيص الروايات وغربلتها من أمثال الجويني والرازي وأبي حامد الطوسي، واعتمدوها بصدد ترجيحهم لمذهب الشافعي.
ولا ينقضي عجبي كيف راجت هذه الفرية على الامام النووي، وهو من نقدة الاخبار وجهابذة المحدثين، فقال في " المجموع " 1 / 81: وفي رحلته مصنف مشهور مسموع، ونقل منها في " تهذيب الأسماء " 1 / 59 قوله: وبعث أبو يوسف القاضي إلى الشافعي حين خرج من عند هارون الرشيد يقرئه السلام، ويقول: صنف الكتب فإنك أولى من يصنف في هذا الزمان.
أما الحافظ ابن حجر، فقد قال في " توالي التأسيس " ص 71: وأما الرحلة المنسوبة إلى الشافعي المروية من طريق عبد الله بن محمد البلوي فقد أخرجها الآبري والبيهقي، وغيرهما، مطولة ومختصرة، وساقها الفخر الرازي في " مناقب الشافعي " - ص 23 - بغير إسناد معتمدا عليها، وهي مكذوبة، وغالب ما فيها موضوع، وبعضها ملفق من روايات ملفقة، وأوضح ما فيها من الكذب قوله فيها: إن أبا يوسف ومحمد بن الحسن حرضا الرشيد على قتل الشافعي، وهذا باطل من وجهين: أحدهما: أن أبا يوسف لما دخل الشافعي بغداد كان مات ولم يجتمع به الشافعي.
والثاني: أنهما كانا أتقى لله من أن يسعيا في قتل رجل مسلم، لا سيما وقد اشتهر بالعلم وليس له إليهما ذنب إلا الحسد له على ما آتاه الله من العلم.
هذا ما لا يظن بهما، وإن منصبهما وجلالتهما وما اشتهر من دينهما ليصد عن ذلك والذي تحرر لنا بالطرق الصحيحة أن قدوم الشافعي بغداد أول ما قدم كان سنة أربع وثمانين، وكان أبو يوسف قد مات قبل ذلك بسنتين، وأنه لقي محمد ابن الحسن في تلك القدمة، وكان يعرفه قبل ذلك من الحجاز وأخذ عنه ولازمه.
(3) المحاش: جمع محشة: وهي الدبر.
ورواية ابن عبد الحكم هذه أوردها ابن أبي =

(10/78)


وَكَذَا وَصيَّةُ الشَّافِعِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الحُسَيْنِ بنِ هِشَامٍ البَلَدِيِّ غَيْرُ صَحِيْحَةٍ (1) .
وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ الهَكَّارِيُّ، فِي كِتَابِ (عَقِيْدَةِ الشَّافِعِيِّ) لَهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ عَلْقَمَةَ الأَبْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ - وَقَدْ سُئِلَ عَنْ صِفَاتِ اللهِ -تَعَالَى- وَمَا يُؤمِنُ بِهِ - فَقَالَ: للهِ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ، جَاءَ بِهَا كِتَابُهُ، وَأَخْبَرَ بِهَا نَبِيُّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّتَهُ، لاَ يَسَعُ أَحَداً قَامَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ رَدَّهَا، لأَنَّ القُرْآنَ نَزَلَ بِهَا، وَصَحَّ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القَوْلَ بِهَا، فَإِنْ خَالَفَ
__________
= حاتم في " آداب الشافعي " ص (216) عنه قال: سمعت الشافعي يقول: ليس فيه - يعني في إتيان النساء في الدبر - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحريم والتحليل حديث ثابت، والقياس أنه حلال.
وذكرها الذهبي في " الميزان " في ترجمة ابن عبد الحكم 3 / 612، فقال: هذا منكر من القول، بل القياس التحريم، وقد صح الحديث فيه، وقال الشافعي: " إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط ".
قال ابن الصباغ في " الشامل " عقيب هذه الحكاية: قال الربيع: والله لقد كذب على الشافعي، فإن الشافعي ذكر تحريم هذا في ستة كتب من كتبه.
قلت: والأحاديث في النهي عن إتيان الرجل زوجته في دبرها صحيحة ثابتة، مخرجة في " زاد المعاد " 4 / 257، 261، " وشرح السنة " 9 / 104 بتحقيقنا.
ومما يقوي قول الربيع في أن ما أثر عن الشافعي من رواية ابن عبد الحكم كذب، أن الشافعي رحمه الله أورد حديث خزيمة بن ثابت في " الأم " 5 / 173، 174 من طريق عمه، عن ابن السائب، عن ابن الحلاج، عن خزيمة بن ثابت...وفيه: " فإن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن " وصححه ثم قال: فلست أرخص فيه، بل أنهى عنه.
فهذا نص صريح واضح في كون الشافعي رحمه الله يحرم على الرجل أن يأتي زوجته في دبرها.
وانظر " السنن الكبرى " 7 / 196، 199، و" مناقب الشافعي " 2 / 10، 13.
واستدل أيضا في " الام " 5 / 94 في تحريم إتيان النساء في أدبارهن بالآية وبحديث خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: والاتيان في الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الاتيان في القبل محرم بدلالة الكتاب ثم السنة.
(1) والوصية الثابتة عنه رحمه الله، أوردها البيهقي في " مناقبه " 2 / 288، 289، وهي في " الام " 4 / 48، 51.

(10/79)


ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الحُجَّةِ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَافِرٌ، فَأَمَّا قَبْلَ ثُبُوْتِ الحُجَّةِ، فَمَعْذُورٌ بِالجَهْلِ، لأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لاَ يُدْرَكُ بِالعَقْلِ، وَلاَ بِالرَّوِيَّةِ وَالفِكْرِ، وَلاَ نُكَفِّرُ بِالجَهْلِ بِهَا أَحَداً، إِلاَّ بَعْدَ انتهَاءِ الخَبَرِ إِلَيْهِ بِهَا، وَنُثْبِتُ هَذِهِ الصَّفَاتِ، وَنَنْفِي عَنْهَا التَّشْبِيْهَ، كَمَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْر} [الشُّوْرَى: 11].
قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَسْمُرُ مَعَ أَبِي إِلَى الصَّبَاحِ (1) .
وَقَالَ المُبَرِّدُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَشْعَرِ النَّاسِ، وَآدَبِ النَّاسِ، وَأَعْرَفِهِم بِالقِرَاءَاتِ (2) .
وَمِنْ منَاقبِ هَذَا الإِمَامِ: قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو المُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلاَ إِسْلاَمٍ). أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (3) .
__________
(1) " مناقب " البيهقي 2 / 46.
(2) " مناقب " البيهقي 2 / 48، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 6 / 1، و" معجم الأدباء " 17 / 312.
(3) 6 / 173، 174، في الجهاد: باب ومن الدليل على أن الخمس للامام، وأنه يعطي بعض قرابته دون بعض، و389 في المناقب: باب مناقب قريش، و7 / 371 في المغازي: باب غزوة خيبر من طريقين: عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن جبير بن مطعم، قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا: أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا، ونحن بمنزلة واحدة منك، فقال: " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد ".
قال جبير: ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس وبني نوفل شيئا.
وأخرجه أبو داود (2978) و(2979) و(2980)، والنسائي 7 / 130، 131، وأحمد 4 / 81 و83 و85، وابن ماجه (2881)، والطبري 13 / 556، والبيهقي في " السنن " 6 / 340، 341، وأبو عبيد في " الاموال " ص (331) والشافعي في " الام " 4 / 71.

(10/80)


قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مِمَّا نَقَلَهُ البَيْهَقِيُّ فِي (المَدْخَلِ) لَهُ: مَا رَأَيْتُ أعْقَلَ -أَوْ قَالَ: أَفْقَهَ- مِنَ الشَّافِعِيِّ، وَأَنَا أَدْعُو اللهَ لَهُ، أَخُصُّهُ بِهِ (1)).
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، حَدَّثَنِي العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ بِأُرْسُوفٍ (2) ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: الشَّافِعِيُّ فَيْلَسُوْفٌ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءٍ: فِي اللُّغَةِ، وَاختِلاَفِ النَّاسِ، وَالمَعَانِي، وَالفِقْهِ (3) .
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ: حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، وَرَأْيٌ صَحِيْحٌ.
وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَذَكَرَ القِصَّةَ (4) .
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدَةَ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ إِذَا أَخَذَ فِي التَّفْسِيرِ، كَأَنَّهُ شَهِدَ التَّنْزِيْلَ (5) .
قَالَ البَيْهَقِيُّ فِيْمَا أجَازَ لَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ عَسَاكِرَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ
__________
= قال البيهقي في " المناقب " 1 / 43: والشافعي رحمه الله من صليبة بني عبد المطلب بن عبد مناف من قبل آبائه، وهو من بني هاشم بن عبد مناف من جهة جداته اللاتي كن لآبائه.
قال الامام أحمد: وفي تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم وآله بني هاشم وبني المطلب بإعطائهم سهم ذي القربى وقوله: " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد " فضيلة أخرى، وهي أنه حرم الله عليهم الصدقة، وعوضهم منها هذا السهم من الخمس، وقال: " إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد " فدل بذلك على أنه آله الذين أمر بالصلاة عليهم معه هم الذين حرم الله عليهم الصدقة، وعوضهم منها هذا السهم من الخمس.
(1) تقدم الخبر في الصفحة 20 تعليق رقم (2).
(2) في " الأنساب " بضم الهمزة، وفي " معجم البلدان " بفتحها: مدينة على ساحل بحر الشام بين قيسارية ويافا، كان بها خلق من المرابطين.
(3) " مناقب " البيهقي 2 / 41، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 415 / 2.
(4) تقدم الخبر في الصفحة (47) ت (4).
(5) " مناقب " البيهقي 1 / 284، و" مناقب " الرازي: 70، و" توالي التأسيس ": 58.

(10/81)


الفُرَاوِيِّ (1) ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ العُصْمِيُّ (2) ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بنُ يَاسِيْنَ الهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ، سَمِعْتُ المَرُّوْذِيُّ يَقُوْلُ:
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِذَا سُئِلْتُ عَنْ مَسْأَلَةٍ لاَ أَعْرِفُ فِيْهَا خَبَراً، قُلْتُ فِيْهَا بِقَولِ الشَّافِعِيِّ، لأنَّهُ إِمَامٌ قُرَشِيٌّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّهُ، قَالَ: (عَالِمُ قُرَيْشٍ يَمْلأُ الأَرْضَ عِلْماً) إِلَى أَنْ قَالَ أَحْمَدُ: وَإِنِّي لأَدْعُو لِلشَّافِعِيِّ مُنْذُ أَرْبَعينَ سَنَةٍ فِي صَلاَتِي (3) .
رَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِسرَائِيلَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الجَارُوْدِ النَّضْرِ بنِ حُمَيْدٍ (4) ، عَنْ أَبِي الجَارُوْدِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تَسُبُّوا قُرَيْشاً، فَإِنَّ عَالِمَهَا يَمْلأُ الأَرْضَ عِلْماً (5)).
قُلْتُ: النَّضْرُ قَالَ فِيْهِ أَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ (6) .
__________
(1) بضم الفاء نسبة إلى فراوة: بليدة مما يلي خوارزم.
(2) نسبة إلى عصم، وهو جد محمد بن العباس هذا.
(3) " مناقب " البيهقي 1 / 54، و" توالي التأسيس ": 48، و" الحلية " 9 / 65، و" تاريخ بغداد " 2 / 60، 61، و" مناقب " الرازي: 126.
(4) في المطبوع من " مسند " الطيالسي و" الحلية ": النضر بن معبد وفي " تاريخ بغداد ": النضر بن سعيد وكلاهما تحريف.
(5) هو في " مسند الطيالسي " 2 / 199، و" حلية الأولياء " 9 / 65، و" تاريخ بغداد " 2 / 60، 61، و" مناقب البيهقي " 1 / 26، وعندهم السند: عن النضر بن حميد، عن الجارود، عن أبي الاحوص.
مع أن البخاري يقول كما سيأتي: روى عن أبي الجارود.
(6) كما في " الجرح والتعديل " 8 / 476، 477، وأورده المؤلف في " الميزان "
4 / 256، فقال: النضر بن حميد أبو الجارود، عن أبي إسحاق، قال أبو حاتم: متروك الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث، وهو النضر بن حميد الكندي، قال البخاري: حدث عن أبي الجارود وثابت، ثم أورد الحديث من طريق جعفر بن سليمان.
وأورده السخاوي في " المقاصد الحسنة " ص 281، وقال: الجارود مجهول، والراوي عنه مختلف فيه.

(10/82)


قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ سِتِّيْنَ خَتْمَةً، وَفِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثِيْنَ خَتْمَةً، وَكَانَ يُحَدِّثُ وَطَسْتٌ تَحْتَهُ، فَقَالَ يَوْماً: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لَكَ فِيْهِ رِضَى، فَزِدْ (1) .
فَبَعَثَ إِلَيْهِ إِدْرِيْسُ بنُ يَحْيَى المَعَافِرِيُّ -يَعْنِي: زَاهِدَ مِصْرَ-: لَسْتَ مِنْ رِجَالِ البَلاَءِ، فَسَلِ اللهَ العَافِيَةَ.
الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ الفِرْيَابِيُّ، قَالَ: قَالَ المُزَنِيُّ، أَوِ الرَّبِيْعُ: كُنَّا يَوْماً عِنْد الشَّافِعِيِّ، إِذْ جَاءَ شَيْخٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ صُوفٌ، وَفِي يَدِهِ عُكَّازَةٌ، فَقَامَ الشَّافِعِيُّ وَسَوَّى عَلَيْهِ ثِيَابَه، وَسَلَّمَ الشَّيْخُ وَجَلَسَ، وَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ يَنْظُرُ إِلَى الشَّيْخِ هَيْبَةً لَهُ، إِذْ قَالَ الشَّيْخُ: أسْأَلُ؟
قَالَ: سَلْ.
قَالَ: مَا الحُجَّةُ فِي دِيْنِ اللهِ؟
قَالَ: كِتَابُ اللهِ.
قَالَ: وَمَاذَا؟
قَالَ: سُنَّةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَ: وَمَاذَا؟
قَالَ: اتِّفَاقُ الأُمَّةِ.
قَالَ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ: اتِّفَاقُ الأُمَّةِ؟
فَتَدَبَّرَ الشَّافِعِيُّ سَاعَةً، فَقَالَ الشَّيْخُ: قَدْ أَجَّلْتُكَ ثَلاَثاً، فَإِنْ جِئْتَ بِحُجَّةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَإِلاَّ تُبْ إِلَى اللهِ -تَعَالَى-.
فَتَغَيَّرَ لُوْنُ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ إِنَّهُ ذَهَبَ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى اليَوْمِ الثَّالِثِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَقَدِ انْتَفَخَ وَجْهُهُ، وَيَدَاهُ، وَرِجلاَهُ، وَهُوَ مِسْقَامٌ، فَجَلَسَ، فَلَمْ يَكُنْ
__________
(1) في ثبوت هذا عن الشافعي وقفة، فإنه مما لا يخفى عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من البلاء، ويسأل الله العافية، ففي البخاري 11 / 125، ومسلم (2707) من حديث أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الاعداء.
وفي " صحيح مسلم " (2739) من حديث ابن عمر: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحول عافيتك، ومن فجاءة نقمتك، ومن جميع سخطك وغضبك " وصح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر فيما رواه أبو داود (5073) أنه كان يدعو حين يصبح ويمسي بهذه الدعوات: " اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي " والنص في " الحلية " 9 / 135.
وفيه بعد قوله: " فسل الله العافية " أن الشافعي بعث إليه، فقال: ادع الله لي بالعافية.

(10/83)


بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ جَاءَ الشَّيْخُ، فَسَلَّمَ وَجَلَسَ، فَقَالَ: حَاجَتِي.
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: نَعْمْ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُوْلَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سِبِيْلِ المُؤْمِنِيْنَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى...} الآيَةَ [النِّسَاءُ: 115].
قَالَ: فَلاَ يُصْلِيهِ عَلَى خِلاَفِ المُؤْمِنِيْنَ إِلاَّ وَهُوَ فَرْضٌ.
فَقَالَ: صَدَقْتَ، وَقَامَ فَذَهَبَ.
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَرَأْتُ القُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَليلَةٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَيْهِ (1) .
أُنْبِئْتُ بِهَذِهِ القِصَّةِ، عَنْ مَنْصُوْرٍ الفُرَاوِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ، فَذَكَرَهَا.
__________
(1) وجه الاستدلال بالآية أنه تعالى توعد على متابعة غير سبيل المؤمنين، ولو لم يكن ذلك محرما لما توعد الله عليه، ولما حسن الجمع بينه وبين ما حرم من مشاقة الرسول عليه السلام في التوعد، كما لا يحسن الجمع في التوعد بين الكفر وأكل الخبز المباح، ومخالفة ما أجمع عليه المسلمون اتباع لغير سبيل المؤمنين بالعمل بإجماعهم واجبا.
وأجيب بأنا لا نسلم أن المراد بسبيل المؤمنين في الآية هو إجماعهم لاحتمال أن يكون المراد سبيلهم في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو في مناصرته، أو في الاقتداء به، أو فيما صاروا به مؤمنين، وهو الايمان به، ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال.
وقال إمام الحرمين في كتابه " البرهان " فيما نقله عنه صاحب " سلم الوصول " 3 / 869: الظاهر أن الرب سبحانه وتعالى أراد بذلك من أراد الكفر وتكذيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، والحيد عن سنن الحق، وترتيب المعنى: ومن يشاقق الرسول، ويتبع غير سبيل المؤمنين المقتدين به، نوله ما تولى.
فإن سلم ظهور ذلك، فذلك، وإلا فهو وجه في التأويل لائح، ومسلك للانكار واضح، فلا يبقى للتمسك بالآية إلا ظاهر معرض للتأويل، ولا يسوغ التمسك بالمحتملات في مطالب القطع، وليس على المعترض إلا أن يظهر وجها في الامكان، ولا يقوم للمحصل عن هذا جواب إن أنصف، وقال الغزالي في " المستصفى " 1 / 175: والذي نراه أن الآية ليست نصا في الغرض، بل الظاهر أن المراد بها أن من يقاتل الرسول ويشاقه، ويتبع غير سبيل المؤمنين في مشايعته ونصرته، ودفع الاعداء عنه، نوله ما تولى.
فكأنه لم يكتف بترك المشاقة حتى تنضم متابعة سبيل المؤمنين في نصرته والذب عنه، والانقياد له فيما يأمر وينهى.
وهذا هو الظاهر السابق إلى الفهم، فإن لم يكن ظاهرا، فهو محتمل.

(10/84)


قُالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: قَدِمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ بَغْدَادَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، فَأَقَامَ عِنْدنَا شَهْراً، ثُمَّ خَرَجَ.
وَكَانَ يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ، وَكَانَ خَفِيْفَ العَارِضَينِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: رَأَيْتُهُ أَحْمَرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ -يَعْنِي: أَنَّهُ اخْتَضَبَ (1) -.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا يَزِيْدَ القَرَاطِيْسِيَّ يَقُوْلُ: حَضَرْتُ جَنَازَةَ ابْنِ وَهْبٍ، وَحَضَرْتُ مَجْلِسَ الشَّافِعِيِّ.
أَبُو نُعَيْمٍ فِي (الحِلْيَةِ): حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ خَلَفٍ البَزَّارُ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ حَسَناً الكَرَابِيْسِيَّ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ امرَأً أَكْتُبُ الشِّعْرَ، فَآتِي البَوَادِيَ، فَأَسْمَعُ مِنْهُمُ، فَقَدِمْتُ مَكَّةَ، فَخَرَجتُ وَأَنَا أَتَمَثَّلُ بِشِعْرٍ لِلَبِيدٍ، وَأَضْرِبُ وَحْشِيَّ قَدَمَيَّ بِالسَّوطِ، فَضَرَبَنِي رَجُلٌ مِنْ وَرَائِيَ، مِنَ الحَجَبَةِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ ابْنِ المُطَّلِبِ، رَضِيَ مِنْ دِيْنِهِ وَدُنْيَاهُ أَنْ يَكُوْنَ مُعَلِّماً، مَا الشِّعْرُ إِذَا اسْتَحْكَمْتَ فِيْهِ فَعُدْتَ مُعَلِّماً؟ تَفَقَّهْ يُعْلِكَ (2) اللهُ.
فَنَفَعَنِي اللهُ بكَلاَمِهِ، فَكَتَبْتُ مَا شَاءَ اللهُ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، ثُمَّ كُنْتُ أُجَالِسُ مُسْلِمَ بنَ خَالِدٍ، ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى مَالِكٍ، فَلَمَّا عَرَضْتُ عَلَيْهِ إِلَى كِتَابِ السِّيَرِ قَالَ لِي: تَفَقَّهْ تَعْلُ (3) يَا ابْنَ أَخِي.
فَجِئْتُ إِلَى مُصْعَبِ بنِ عَبْدِ اللهِ، فَكَلَّمتُهُ أَنْ يُكَلِّمَ لِي بَعْضَ أَهْلِنَا، فيُعْطِينِي شَيْئاً، فَإِنَّهُ كَانَ بِي مِنَ الفَقْرِ وَالفَاقَةِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيْمٌ. فَقَالَ لِي
__________
(1) " آداب الشافعي ": 79، و" حلية الأولياء " 9 / 68، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 64، و" توالي التأسيس ": 69.
(2) في " الحلية ": يعلمك. وهو خطأ.
(3) في الأصل: " تعلو ".

(10/85)


مُصْعَبٌ: أَتَيْتُ فُلاَناً فَكَلَّمْتُهُ.
فَقَالَ: أَتُكَلِّمَنِي فِي رَجُلٍ كَانَ مِنَّا فَخَالَفَنَا؟
قَالَ: فَأَعْطَانِي مائَةَ دِيْنَارٍ.
ثُمَّ قَالَ لِي مُصْعَبٌ: إِنَّ الرَّشِيْدَ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أَصِيْرَ إِلَى اليَمَنِ قَاضِياً، فَتَخْرُجُ مَعَنَا، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُعَوِّضَكَ.
فَخَرَجتُ مَعَهُ، وَجَالَسْنَا النَّاسَ، فَكَتَبَ مُطَرِّفُ بنُ مَازِنٍ إِلَى الرَّشِيْدِ: إِنْ أَرَدْتَ اليَمَنَ لاَ يَفْسُدُ عَلَيْكَ، وَلاَ يَخْرُجُ مِنْ يِدِكَ، فَأَخْرِجْ عَنْهُ مُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيْسَ، وَذَكَرَ أَقواماً مِنَ الطَّالِبِيِّيْنَ، فَبَعَثَ إِلَى حَمَّادٍ البَرْبَرِيِّ، فَأُوْثِقْتُ بِالحَدِيْدِ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى هَارُوْنَ الرَّقَّةَ، فَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ... وَذَكَرَ اجْتِمَاعَهُ بَعْدُ بِمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، وَمُنَاظَرَتَهُ لَهُ (1) .
قَالَ الحُمَيْدِيُّ: عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: كَانَ مَنْزِلُنَا بِمَكَّةَ فِي شِعْبِ الخَيْفِ، فَكُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى العَظْمِ يَلُوْحُ، فَأَكْتُبُ فِيْهِ الحَدِيْثَ، أَوِ المَسْأَلَةَ، وَكَانَتْ لَنَا جَرَّةٌ قَدِيْمَةٌ، فَإِذَا امْتَلأَ العَظْمُ طَرَحْتُه فِي الجَرَّةِ (2) .
قَالَ عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ المَكِّيِّ: عَنِ الزَّعْفَرَانِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: أَنَا أَدْعُو اللهَ لِلشَّافِعِيِّ فِي صَلاَتِي مُنْذُ أَرْبَعِ سِنِيْنَ (3) .
قَالَ ابْنُ مَاجَهْ القَزْوِيْنِيُّ: جَاءَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَهُ، إِذْ مرَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى بَغْلَتِهِ، فَوَثَبَ أَحْمَدُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَتَبِعَهُ فَأَبْطَأَ، وَيَحْيَى جَالِسٌ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ يَحْيَى: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ!
__________
(1) " حلية الأولياء " 9 / 70
(2) " آداب الشافعي ": 24، و" حلية الأولياء " 9 / 73، و" توالي التأسيس ": 50، و" مناقب " الرازي: 9، و" الانتقاء ": 70.
(3) " مناقب " البيهقي 2 / 244، وانظر الصفحة (20) تعليق رقم (2) و(3) والصفحة (44) تعليق رقم (3).

(10/86)


كَمْ هَذَا؟
فَقَالَ: دَعْ عَنْكَ هَذَا، إِنْ أَرَدْتَ الفِقْهَ فَالْزَمْ ذَنَبَ البَغْلَةِ (1) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ العَبَّاسِ النَّسَائِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ مَا لاَ أُحْصِيهِ وَهُوَ يَقُوْلُ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، ثُمَّ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَتْبَعَ لِلأَثرِ مِنَ الشَّافِعِيِّ (2) .
أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: نَاظَرْتُ يَوْماً مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ، فَاشتَدَّ مُنَاظَرَتِي لَهُ، فَجَعَلَتْ أَودَاجُهُ تَنْتَفِخُ، وَأَزْرَارُهُ تَنْقَطِعُ، زِرّاً زِرّاً (3) .
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: سُمِّيتُ بِبَغْدَادَ نَاصرَ الحَدِيْثِ (4) .
وَقَالَ يُوْنُسُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا فَاتَنِي أَحَدٌ كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنَ اللَّيْثِ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَاللَّيْثُ أَتْبَعُ لِلأَثرِ مِنْ مَالِكٍ (5) .
__________
(1) انظر " مناقب " البيهقي 2 / 252.
(2) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 415 / 2.
(3) " آداب الشافعي ": 160، و" حلية الأولياء " 9 / 104، و" تاريخ بغداد " 2 / 177، و" الانتقاء ": 25، وفي " بلوغ الأماني " 27، 32 تعليق على هذا الخبر يحسن الرجوع إليه.
وليقارن هذا الخبر بما ثبت عن الشافعي: ما رأيت أحدا يسأل عن مسألة فيها نظر إلا رأيت الكراهية في وجهه إلا محمد بن الحسن.
(4) تقدم الخبر في الصفحة 47 ت (1).
(5) " آداب الشافعي ": 29، و" حلية الأولياء " 9 / 74، و109، و" تاريخ بغداد " 2 / 300، 301، وعلق أبو حاتم على الخبر بقوله: ما ظننت أنه أدركهما حتى يأسف عليهما.
وتعقبه ابن حجر في " التوالي "، فقال: أما الليث، فأدركه، فإنه حين اجتمع بمالك، وقرأ عليه في " الموطأ " كان موجودا لكن بمصر، وأسف أن لا يكون له إذ ذاك معرفة بقدر الليث، فكان يرحل إليه، أو كان يعرفه، لكن لم يكن له قدرة على الرحلة إليه، وأسف على فوته، وأما ابن أبي ذئب، فمات والشافعي ابن تسع سنين بالمدينة، والشافعي إذ ذاك صغير، ولا يلزم من ذلك أن لا يصح منه الاسف على فوت لقيه، بمعنى أنه أسف أن لا يكون له إدراك زمانه.

(10/87)


أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ إِجَازَةً، عَنْ مَسْعُوْدٍ الجَمَّالِ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَهْلٍ، حَدَّثَنِي حَسَّانُ بنُ أَبَانٍ القَاضِي بِمِصْرَ، حَدَّثَنِي جَامِعُ بنُ القَاسِمِ البَلْخِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ حَكِيْمٍ المُسْتَمْلِي، قَالَ: رَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ فِي المَسْجَدِ الحَرَامِ وَقَدْ جُعِلَتْ لَهُ طَنَافِسٌ، فَجَلَسَ عَلَيْهَا، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِن أَهْلِ خُرَاسَانَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! مَا تَقُوْلُ فِي أَكْلِ فَرْخِ الزُّنْبُورِ؟
فَقَالَ: حَرَامٌ.
فَقَالَ: حَرَامٌ؟!
قَالَ: نَعَمْ، مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ، وَالمَعْقُوْلِ:
أَعُوْذُ بِاللهِ السَّمِيعِ العَلِيْمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُوْلُ فَخُذُوهُ، وَمَا نَهَاكُم عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشرُ: 7].
وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مَوْلَى لِرِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي، أَبِي بَكْرٍ، وَعمَرَ).
هَذَا الكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ.
وَحَدَّثُونَا عَنِ إِسْرَائِيْلَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ المُسْتَمْلِي: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، عَنْ إِسْرَائِيْلَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ:
أَنَّ عُمَرَ أمَرَ بِقَتْلِ الزُّنْبُورِ.
وَفِي المَعْقُولِ: أَنَّ مَا أُمِرَ بِقَتْلِهِ فَحَرَامٌ أَكْلُهُ (1) .
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، سَمِعْتُ البُوَيْطِيَّ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: إِنَّمَا خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ بِـ (كُنْ) فَإِذَا كَانَتْ (كُنْ) مَخْلُوْقَةً، فَكَأَنَّ مَخْلُوْقاً خُلِقَ بِمَخْلُوْقٍ (2) .
__________
(1) " حلية الأولياء " 9 / 109، 110، و" مناقب " البيهقي 1 / 362، 363، و" مناقب " الرازي: 125، 126.
وحديث " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " حديث صحيح أخرجه أحمد 5 / 382 و385 و402، والترمذي (3663)، وابن ماجه (97) عن حذيفة بن اليمان، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم 3 / 75، ووافقه الذهبي، وأخرجه
أحمد 5 / 399 من طريق آخر لا بأس به، وصححه ابن حبان (2193)، وله شاهد من حديث ابن مسعود عند الترمذي (3807)، والحاكم 3 / 75.
(2) " حلية الأولياء " 9 / 111.

(10/88)


الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: لَمْ أَرَ أَحَداً أَشْهَدَ بِالزُّورِ مِنَ الرَّافِضَةِ (1) .
وَقَالَ: لاَ يَبْلُغُ فِي هَذَا الشَّأْنِ رَجُلٌ حَتَّى يُضِرَّ بِهِ الفَقْرُ، وَيُؤْثِرُهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
وَقَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: يَا يُوْنُسَ! الاَنقِبَاضُ عَنِ النَّاسِ مَكْسَبَةٌ لِلْعَدَاوَةِ، وَالاَنبِسَاطُ إِلَيْهِم مَجْلَبَةٌ لقُرَنَاءِ السُّوْءِ، فَكُنْ بَيْنَ المُنْقَبِضِ وَالمُنْبَسِطِ (2) .
وَقَالَ لِي: رِضَى النَّاسِ غَايَةٌ لاَ تُدْرَكُ، وَلَيْسَ إِلَى السَّلاَمَةِ مِنْهُم سَبِيْلٌ، فَعَلَيْكَ بِمَا يَنْفَعُكَ، فَالْزَمْهُ (3) .
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ: العِلْمُ مَا نَفَعَ، لَيْسَ العِلْمُ مَا حُفِظَ (4) .
وَعَنْهُ: اللَّبِيبُ العَاقِلُ، هُوَ الفَطِنُ المُتَغَافِلُ (5) .
وَعَنْهُ: لَو أَعْلَمُ أَنَّ المَاءَ البَارِدَ يُنْقِصُ مُرُوْءتِي، مَا شَرِبْتُهُ (6) .
__________
(1) " آداب الشافعي ": 187، 189، و" حلية الأولياء " 9 / 114، و" الانتقاء ": 79.
(2) " حلية الأولياء " 9 / 122، و" مناقب " البيهقي 2 / 190، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 57، و" الآداب الشرعية " 3 / 477، و" مناقب " الرازي: 122، و" توالي التأسيس ": 72.
(3) تقدم في الصفحة (42) ت (1).
(4) " حلية الأولياء " 9 / 123، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 54.
(5) " حلية الأولياء " 9 / 123، و" مناقب " البيهقي 2 / 198، و" مناقب " الرازي: 123، و" تهذيب الأسماء " 1 / 56.
(6) " مناقب " البيهقي 2 / 187، و" مناقب " الرازي: 222، و" توالي التأسيس ": 75.

(10/89)


أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُقْرِئِ، سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: عَنْ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، عَنْ أَبِيْهِ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
بَيْنَمَا أَنَا أَدُوْرُ فِي طَلَبِ العِلْمِ، وَدَخَلْتُ اليَمَنَ، فَقِيْلَ لِي: بِهَا إِنْسَانٌ مِنْ وَسَطِهَا إِلَى أَسْفَلِ، بَدَنُ امْرَأَةٍ، وَمِنْ وَسَطِهَا إِلَى فَوْقَ بَدَنَان مُفْتَرِقَان، بِأَرْبَعِ أَيْدٍ، وَرَأْسَينِ، وَوَجْهَينِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا، فَلَمْ أَسْتَحِلَّ حَتَّى خَطَبْتُهَا مِنْ أَبِيْهَا، فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هِيَ كَمَا ذُكِرَ لِي، فَلَعَهْدِي بِهِمَا وَهُمَا يَتَقَاتَلاَن، وَيَتَلاَطَمَانِ، وَيَصْطَلِحَانِ، وَيَأْكُلاَنِ، ثُمَّ إِنِّيْ نَزَلْتُ عَنْهَا، وَغِبْتُ عَنْ تِلْكَ البَلَدِ - أَحْسِبُهُ، قَالَ: سَنَتَيْنِ - ثُمَّ عُدْتُ، فَقِيْلَ لِي: أَحْسَنَ اللهُ عَزَاءكَ فِي الجَسَدِ الوَاحِدِ، تُوُفِّيَ، فَعُمِدَ إِلَيْهِ، فَرُبِطَ مِنْ أَسْفَلِ بِحَبْلٍ، وَتُرِكَ حَتَّى ذَبُلَ، فَقُطِعَ، وَدُفِنَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَعَهْدِي بِالجَسَدِ الوَاحِدِ فِي السُّوْقِ ذَاهِباً وَجَائِياً، أَوْ نَحْوَهُ (1) .
هَذِهِ حِكَايَةٌ عَجِيْبَةٌ، مُنْكَرَةٌ، وَفِي إِسْنَادِهَا مَنْ يُجْهَلُ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: مَا نَقَصَ مِنْ أَثَمَانِ السُّودِ إِلاَّ لِضَعْفِ عُقُولِهِم، وَإِلاَّ هُوَ لُوْنٌ مِنَ الأَلْوَانِ (2) .
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ الأَصْبَهَانِيُّ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَخْتِمُ فِي رَمَضَانَ سِتِّيْنَ خَتْمَةً (6) .
__________
(1) " حلية الأولياء " 9 / 127، 128 من طريق محمد بن إبراهيم، قال: سمعت يونس ابن محمد بن موسى المروزي يقول: سمعت عمر بن الربيع يقول: عن عمر بن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن أبيه.
(2) " مناقب " البيهقي 2 / 206، و" حلية الأولياء " 9 / 129.
(3) تقدم في الصفحة (36) ت (1)، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم هو الواجب الاتباع، فإنه لم يأذن لعبد الله بن عمرو بن العاص أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث، وقال: " لم يفقه من قرأ

(10/90)


قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْسَنَ صَلاَةً مِنَ الشَّافِعِيِّ، وَذَاكَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ مُسْلِمِ بنِ خَالِدٍ، وَأَخَذَ مُسْلِمٌ مِنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَخَذَ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ عَطَاءِ، وَأَخَذَ عَطَاءٌ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَخَذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ بِاليَمَنِ بِنَاتِ تِسْعٍ يَحِضْنَ كَثِيْراً (1) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: يَقُوْلُوْنَ: مَاءُ العِرَاقِ وَمَا فِي الدُّنْيَا مِثْلُ مَاءِ مِصْرَ لِلرِّجَالِ، لَقَدْ قَدِمْتُ مِصْرَ وَأَنَا مِثْلُ الخَصِيِّ، مَا أَتَحَرَّكُ.
قَالَ: فَمَا بَرِحَ مِنْ مِصْرَ حَتَّى وُلِدَ لَهُ (2) .
مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ جَنَّادٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجَرَوِيُّ (3) ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: خَلَّفْتُ بِبَغْدَادَ شَيْئاً أَحْدَثَتْهُ الزَّنَادِقَةُ، يُسَمُّونَهُ التَّغْبِيْرُ، يَشْغَلُوْنَ بِهِ عَنِ القُرْآنِ (4) .
عَنْ الشَّافِعِيِّ: مَا أَفْلَحَ سَمِيْنٌ قَطُّ، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ.
__________
القرآن في أقل من ثلاث " أخرجه أبو داود (1394)، والترمذي (2950) من حديث عبد الله
ابن عمرو، وإسناده صحيح.
(1) " آداب الشافعي ": 49، و" حلية الأولياء " 9 / 137.
(2) " مناقب " البيهقي 2 / 119.
(3) نسبة إلى جري بن عوف: بطن من جذام كما في " الأنساب " 3 / 238، وثقه أبو حاتم، وقال الدارقطني: لم ير مثله فضلا وزهدا.
(4) " آداب الشافعي ": 310، و" حلية الأولياء " 9 / 146، و" مناقب " البيهقي 1 / 283، و" تلبيس إبليس ": 230، وإسناد الخبر صحيح.
قال الازهري في " تهذيب اللغة " 8 / 122: وقد يسمى ما يقرأ بالتطريب من الشعر في ذكر الله تعالى تغبيرا، كأنهم إذا تناشدوها بالالحان، طربوا فرقصوا وأرهجوا، فسموا مغبرة بهذا المعنى، ثم نقل كلام الشافعي.
وقال أبو إسحاق النحوي: سمي هؤلاء مغبرين لتزهيدهم الناس في الفانية الماضية، وترغيبهم في الغابرة، وهي الآخرة الباقية.

(10/91)


قِيْلَ: وَلَمَ؟
قَالَ: لأَنَّ العَاقِلَ لاَ يَعْدُو مِنْ إِحْدَى خُلَّتَينِ: إِمَّا يَغْتَمُّ لآخِرَتِهِ، أَوْ لِدُنْيَاهُ، وَالشَّحْمُ مَعَ الغَمِّ لاَ يَنْعَقِدُ (1) .
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَمْرٍو المُعَدَّلُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَبَعْدَهَا، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا جَدِّيُّ أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ نَظِيْفٍ الفَرَّاءُ بِمِصْرَ سَنَة تِسْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الصَّابُوْنِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا المُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الوِصَالِ.
فَقِيْلَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ؟
فَقَالَ: (لَسْتُ مِثْلَكُم، إِنِّيْ أُطْعَمُ وَأُسْقَى) (2) .
قُلْتُ: كَلاَمُ الأَقْرَانِ إِذَا تَبَرْهَنَ لَنَا أَنَّهُ بِهَوَىً وَعَصَبِيَّةٍ، لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، بَلْ يُطْوَى، وَلاَ يُرْوَى، كَمَا تَقَرَّرَ عَنِ الكَفِّ عَنْ كَثِيْرٍ مِمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَقِتَالِهِم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم أَجْمَعِيْنَ - وَمَا زَالَ يَمُرُّ بِنَا ذَلِكَ فِي الدَّوَاوينِ، وَالكُتُبِ، وَالأَجْزَاءِ، وَلَكِنْ أَكْثَرُ ذَلِكَ مُنْقَطِعٌ، وضَعِيْفٌ، وَبَعْضُهُ كَذِبٌ، وَهَذَا فِيْمَا بِأَيْدِيْنَا وَبَيْنَ عُلُمَائِنَا، فَيَنْبَغِي طَيُّهُ وَإِخْفَاؤُهُ، بَلْ إِعْدَامُهُ، لِتَصْفُوَ القُلُوْبُ، وَتَتَوَفَّرَ عَلَى حُبِّ الصَّحَابَةِ، وَالتَّرَضِّي عَنْهُمُ، وَكُتْمَانُ ذَلِكَ مُتَعَيِّنٌ عَنِ العَامَّةِ، وَآحَادِ العُلَمَاءِ، وَقَدْ يُرَخَّصُ فِي مُطَالعَةِ ذَلِكَ خَلْوَةً لِلْعَالِمِ المُنْصِفِ، العَرِيِّ مِنَ الهَوَى، بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَغفرَ لَهُم، كَمَا عَلَّمَنَا اللهُ -تَعَالَى-
__________
(1) " مناقب البيهقي " 2 / 120.
(2) إسناده صحيح، وهو في " الموطأ " 1 / 300، والبخاري 4 / 119 في الصوم: باب بركة السحور، و177: باب الوصال، ومسلم (1102) في الصوم: باب النهي عن الوصال في الصوم، و" سنن " أبي داود (2360)، و" المسند " 2 / 102 و128 و143.

(10/92)


حَيْثُ يَقُوْلُ: {وَالَّذِيْنَ جَاؤُوَا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُوْلُوْنَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِيْنَ سَبَقُونَا بِالإِيْمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوْبِنَا غِلاَّ لِلذِيْنَ آمَنُوا} [الحشرُ: 10].
فَالقَوْمُ لَهُم سَوَابِقُ وَأَعْمَالٌ مُكَفِّرَةٌ لِمَا وَقَعَ مِنْهُمُ، وَجِهَادٌ مَحَّاءٌ، وَعُبَادَةٌ مُمَحِّصَةٌ، وَلَسْنَا مِمَّنْ يَغْلُو فِي أَحَدٍ مِنْهُم، وَلاَ نَدَّعِي فِيْهِم العِصْمَةَ، نَقْطَعُ بِأَنَّ بَعْضَهُم أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَنَقْطَعُ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَفْضَلُ الأُمَّةِ.
ثُمَّ تَتِمَّةُ العَشْرَةِ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ، وَحَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَمُعَاذٌ، وَزَيْدٌ، وَأُمَّهَاتُ المُؤْمِنِيْنَ، وَبنَاتُ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَهْلُ بَدْرٍ، مَعَ كَوْنِهِم عَلَى مَرَاتِبَ.
ثُمَّ الأَفْضَلُ بَعْدَهُم مِثْلَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَسَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَائِرِ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، الَّذِيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم بِنَصِّ آيَةِ سُوْرَةِ الفَتْحِ (1) .
ثُمَّ عُمُوْمُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، كخَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَالعَبَّاسِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَهَذِهِ الحَلْبَةُ.
ثُمَّ سَائِرُ مَنْ صَحِبَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَاهَدَ مَعَهُ، أَوْ حَجَّ مَعَهُ، أَوْ سَمِعَ مِنْهُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُ أَجْمَعِيْنَ - وَعَنْ جَمِيْعِ صَوَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُهَاجِرَاتِ، وَالمَدَنِيَّاتِ، وَأَمِّ الفَضْلِ، وَأَمِّ هَانِئٍ الهَاشِمِيَّةِ، وَسَائِرِ الصَّحَابِيَّاتِ.
فَأَمَّا مَا تَنْقُلُهُ الرَّافِضَةُ، وَأَهْلُ البِدَعِ فِي كُتُبِهِم مِنْ ذَلِكَ، فَلاَ نُعَرِّجُ عَلَيْهِ، وَلاَ كرَامَةَ، فَأَكْثَرُهُ بَاطِلٌ، وَكَذِبٌ، وَافْتِرَاءٌ، فَدَأْبُ الرَّوَافِضِ رِوَايَةُ الأَبَاطِيْلِ، أَوْ رَدُّ مَا فِي الصِّحَاحِ وَالمسَانِيْدِ، وَمتَى إِفَاقَةُ مَنْ بِهِ سَكْرَانٌ؟!
ثُمَّ قَدْ تَكَلَّمَ خَلْقٌ مِنَ التَّابِعِيْنَ بَعْضُهُم فِي بَعْضٍ، وَتحَارَبُوا، وَجَرَتْ أُمُورٌ لاَ يُمْكِنُ شَرْحُهَا، فَلاَ فَائِدَةَ فِي بَثِّهَا، وَوَقَعَ فِي كُتُبِ التَّوَارِيْخِ، وَكُتُبِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ أُمُورٌ عَجِيْبَةٌ، وَالعَاقِلُ خَصْمُ نَفْسِهِ، وَمِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ
__________
(1) وهي الآية رقم (18)، ونصها: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا). وكانت عدة الذين شهدوا هذه البيعة ألفا وخمس مئة كما في " الصحيحين "، وانظر " زاد المعاد " 3 / 287.

(10/93)


المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ، وَلُحُومُ العُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ، وَمَا نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ لِتَبْيِينِ غَلَطِ العَالِمِ، وَكَثْرَةِ وَهْمِهِ، أَوْ نَقْصِ حِفْظِهِ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا النَّمَطِ، بَلْ لِتَوضيحِ الحَدِيْثِ الصَّحِيْحِ مِنَ الحَسَنِ، وَالحَسَنِ مِنَ الضَّعيفِ.
وَإِمَامُنَا فَبِحَمْدِ اللهِ ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، حَافِظٌ لِمَا وَعَى، عَدِيْمُ الغَلَطِ، مَوْصُوفٌ بِالإِتْقَانِ، مَتِيْنُ الدِّيَانَةِ، فَمَنْ نَالَ مِنْهُ بِجَهْلٍ وَهوَىً، مِمَّنْ عُلِمَ أَنَّهُ مُنَافسٌ لَهُ، فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، وَمَقَتَتْهُ العُلَمَاءُ، وَلاَحَ لِكُلِّ حَافِظٍ تَحَامُلُهُ، وَجَرَّ النَّاسَ بِرِجْلِهِ، وَمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ، وَاعْتَرفَ بِإِمَامَتِهِ وَإِتقَانِهِ، وَهُمْ أَهْلُ العَقْدِ وَالحَلِّ، قَدِيْماً وَحَدِيْثاً، فَقَدْ أَصَابُوا، وَأَجْمَلُوا، وَهُدُوا وَوُفِّقُوا.
وَأَمَّا أَئمَّتُنَا اليَوْمَ، وَحُكَّامُنَا، فَإِذَا أَعْدَمُوا مَا وُجِدَ مِنْ قَدْحٍ بِهوَىً، فَقَدْ يُقَالُ: أَحْسَنُوا، وَوُفِّقُوا، وَطَاعَتُهُم فِي ذَلِكَ مُفْتَرَضَةً، لِمَا قَدْ رَأَوهُ مِنْ حَسْمِ مَادَةِ البَاطِلِ وَالشَّرِّ.
وبِكُلِّ حَالٍ فَالجُهَّالُ وَالضُّلاَّلُ، قَدْ تَكَلَّمُوا فِي خِيَارِ الصَّحَابَةِ، وَفِي الحَدِيْثِ الثَّابتِ، لاَ أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذَىً يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلداً، وَإِنَّهُ لَيَرْزُقُهُم وَيُعَافِيَهُمْ (1) .
وَقَدْ كُنْتُ وَقَفْتُ عَلَى بَعْضِ كَلاَمِ المغَارِبَةِ فِي الإِمَامِ -رَحِمَهُ اللهُ- فَكَانَتْ فَائِدتِي مِنْ ذَلِكَ تَضْعِيفُ حَالِ مَنْ تَعَرَّضَ إِلَى الإِمَامِ، وَللهِ الحَمْدُ.
__________
(1) أخرجه البخاري 10 / 426 في الأدب: باب الصبر في الأذى، ومسلم (2804) في صفات المنافقين: باب لا أحد أصبر على أذى من الله عزوجل من طرق عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن أبي موسى الأشعري..وهو في " المسند " 4 / 395، و401 و405.

(10/94)


وَلاَ رَيْبَ أَنَّ الإِمَامَ لَمَّا سَكَنَ مِصْرَ، وَخَالَفَ أَقْرَانَهُ مِنَ المَالِكيَّةِ، وَوَهَّى بَعْضَ فُرُوْعِهِم بِدَلاَئِلِ السُّنَّةِ، وَخَالَفَ شَيْخَهُ فِي مَسَائِلَ، تَأَلَّمُوا مِنْهُ، وَنَالُوا مِنْهُ، وَجَرَتْ بَيْنَهُم وَحْشَةٌ، غَفَرَ اللهُ لِلْكُلِّ.
وَقَدِ اعتَرَفَ الإِمَامُ سُحْنُوْنُ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فِي الشَّافِعِيِّ بِدْعَةٌ.
فَصَدَقَ وَاللهِ، فَرَحِمَ اللهُ الشَّافِعِيَّ، وَأَيْنَ مِثْلُ الشَّافِعِيِّ وَاللهِ فِي صِدْقِهِ، وَشَرَفِهِ، وَنُبلِهِ، وَسَعَةِ عِلْمِهِ، وَفَرْطِ ذَكَائِهِ، وَنَصْرِهِ لِلْحَقِّ، وَكَثْرَةِ مَنَاقبِهِ - رَحِمَهُ اللهُ تعَالَى -.
قَالَ الحَافِظُ، أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ فِي مَسْأَلَةِ الاحْتِجَاجِ بِالإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، فِيْمَا قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الفَضْلِ بنِ عَسَاكِرَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مُحَمَّدِ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، قَالَ: سَأَلَنِي بَعْضُ إِخْوَانِنَا بَيَانَ عِلَّةِ تَرْكِ البُخَارِيِّ الرِّوَايَةَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي (الجَامِعِ)؟
وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى رَأْي أَبِي حَنِيْفَةَ ضَعَّفَ أَحَادِيْثَ الشَّافِعِيِّ، وَاعْتَرضَ بِإِعرَاضِ البُخَارِيِّ عَنْ رِوَايتِهِ، وَلَوْلاَ مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ فِيْمَا يَعْلَمُوْنَهُ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ، لَكَانَ أَوْلَى الأَشْيَاءِ الإِعْرَاضُ عَنِ اعتِرَاضِ الجُهَّالِ، وَتَرْكُهُمْ يَعْمَهُونَ.
وَذَكَرَ لِي مَنْ يُشَارُ إِلَيْهِ خُلُوَّ كِتَابِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهُ مِنْ حَدِيْثِ الشَّافِعِيِّ.
فَأَجَبْتُهُ بِمَا فَتَحَ اللهُ لِي: وَمثلُ الشَّافِعِيِّ مَنْ حُسِدَ، وَإِلَى سَتْرِ مَعَالِمِهِ قُصِدَ، وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتَمَّ نُورَهُ، وَيُظْهِرَ مِنْ كُلِّ حَقٍّ مَسْتُورَهُ، وَكَيْفَ لاَ يُغْبَطُ مَنْ حَازَ الكَمَالَ، بِمَا جَمَعَ اللهُ لَهُ مِنَ الخِلاَلِ اللَّوَاتِي لاَ يُنْكِرُهَا إِلاَّ ظَاهِرُ الجَهْلِ، أَوْ ذَاهِبُ العَقْلِ.
ثُمَّ أَخَذَ الخَطِيْبُ يُعَدِّدُ عُلُوْمَ الإِمَامِ وَمنَاقبَهِ، وَتَعْظِيْمَ الأَئِمَّةِ لَهُ، وَقَالَ:
أَبَى اللهُ إِلاَّ رَفْعَهُ وَعُلُوَّهُ ... وَلَيْسَ لِمَا يُعْلِيهِ ذُو العَرْشِ وَاضِعُ
إِلَى أَنْ قَالَ: وَالبُخَارِيُّ هَذَّبَ مَا فِي (جَامِعِهِ) غَيْرَ أَنَّهُ عَدَلَ عَنْ كَثِيْرٍ مِنَ الأُصُوْلِ، إِيثَاراً لِلإِيجَازِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَعْقِلٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ:

(10/95)


مَا أَدْخَلْتُ فِي كتَابِيَ (الجَامِعَ) إِلاَّ مَا صَحَّ، وَتَرَكْتُ مِنَ الصِّحَاحِ لِحَالِ الطُّولِ.
فَتَرْكُ البُخَارِيِّ الاحْتِجَاجَ بِالشَّافِعِيِّ، إِنَّمَا هُوَ لاَ لِمَعْنَى يُوْجِبُ ضَعْفَهُ، لَكِن غَنِيَ عَنْهُ بِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، إِذْ أَقدَمُ شُيُوْخِ الشَّافِعِيِّ: مَالِكٌ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَدَاوُدُ العَطَّارُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالبُخَارِيُّ لَمْ يُدْرِكِ الشَّافِعِيَّ، بَلْ لَقِيَ مَنْ هُوَ أَسنُّ مِنْهُ، كعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي عَاصِمٍ، مِمَّنْ رَوَوا عَنِ التَّابِعِيْنَ، وَحَدَّثَهُ عَنْ شُيُوْخِ الشَّافِعِيِّ عِدَّةٌ، فَلَمْ يرَ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ مَالِكٍ.
فَإِنْ قِيْلَ: فَقَدْ رَوَى عَنِ المُسْنَدِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ عَمْرٍو، عَنِ الفَزَارِيِّ، عَنْ مَالِكٍ، فَلاَ شَكَّ أَنَّ البُخَارِيَّ سَمِعَ هَذَا الخَبَرَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَهُوَ فِي (المُوَطَّأِ) فَهَذَا يَنْقُضُ عَلَيْكَ؟!
قُلْنَا: إِنَّهُ لَمْ يَرْوِ حَدِيْثاً نَازِلاً وَهُوَ عِنْدَهُ عَالٍ، إِلاَّ لِمَعْنَى مَا يَجِدُهُ فِي العَالِي، فَأَمَّا أَنْ يُورِدَ النَّازلَ وَهُوَ عِنْدَهُ عَالٍ لاَ لِمَعْنَى يَخْتَصُّ بِهِ، وَلاَ عَلَى وَجْهِ المتَابعَةِ لِبَعْضِ مَا اخْتُلِفَ فِيْهِ، فَهَذَا غَيْرُ مَوْجُوْدٍ فِي الكِتَابِ.
وَحَدِيْثُ الفَزَارِيِّ فِيْهِ بَيَانُ الخَبَرِ، وَهُوَ مَعْدُوْمٌ فِي غَيْرِهِ، وَجَوَّدَهُ الفَزَارِيُّ بِتَصْرِيْحِ السَّمَاعِ.
ثُمَّ سَرَدَ الخَطِيْبُ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ عِدَّةٍ، قَالَ: وَالبُخَارِيُّ يَتَّبِعُ الأَلْفَاظَ بِالخَبَرِ فِي بَعْضِ الأَحَادِيْثَ، وَيُرَاعِيهَا، وَإِنَّا اعْتَبَرْنَا رِوَايَاتِ الشَّافِعِيِّ الَّتِي ضَمَّنَهَا كُتُبَهُ، فَلَمْ نَجِدْ فِيْهَا حَدِيْثاً وَاحِداً عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ أَغْرَبَ بِهِ، وَلاَ تَفَرَّدَ بِمَعْنَى فِيْهِ يُشْبِهُ مَا بَيَّنَّاهُ.
وَمثلُ ذَلِكَ القَوْلِ فِي تَرْكِ مُسْلِمٍ إِيَّاهُ، لإِدرَاكِهِ مَا أَدْرَكَ البُخَارِيُّ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا أَبُو دَاوُدَ، فَأَخْرَجَ فِي (سُنَنِهِ) لِلشَّافِعِيِّ غَيْرَ حَدِيْثٍ، وَأَخْرَجَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

(10/96)


ثُمَّ سَرَدَ الخَطِيْبُ فَصْلاً فِي ثَنَاءِ مَشَايخِهِ وَأَقْرَانِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَرَدَ أَشْيَاءَ فِي غَمْزِ بَعْضِ الأَئِمَّةِ، فَأَسَاءَ مَا شَاءَ - أَعْنِي غَامِزُهُ -.
وَبَلَغَنَا عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ أَلْفَاظٌ قَدْ لاَ تَثْبُتُ، وَلكِنَّهَا حِكَمٌ، فَمِنْهَا:
مَا أَفْلَحَ مَنْ طَلَبَ العِلْمَ إِلاَّ بِالقِلَّةِ (1) .
وَعَنْهُ، قَالَ: مَا كَذَبْتُ قَطُّ، وَلاَ حَلَفْتُ بِاللهِ، وَلاَ تَرَكْتُ غُسْلَ الجُمُعَةِ، وَمَا شَبِعْتُ مُنْذُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، إِلاَّ شبعَةً طَرَحْتُهَا مِنْ سَاعَتِي (2) .
وَعَنْهُ، قَالَ: مَنْ لَمْ تُعِزُّهُ التَّقْوَى، فَلاَ عِزَّ لَهُ (3) .
وَعَنْهُ: مَا فَزِعْتُ مِنَ الفَقْرِ قَطُّ، طَلَبُ فُضُوْلِ الدُّنْيَا عُقُوبَةٌ عَاقَبَ بِهَا اللهُ أَهْلَ التَّوْحِيْدِ (4) .
وَقِيْلَ لَهُ: مَا لَكَ تُكْثِرُ مِنْ إِمسَاكِ العَصَا، وَلَسْتَ بِضَعِيْفِ؟
قَالَ: لأَذْكُرَ أَنِّي مُسَافِرٌ (5) .
وَقَالَ: مَنْ لَزِمَ الشَّهَوَاتِ، لَزِمَتْهُ عُبُوْدِيَّةُ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا.
وَقَالَ: الخَيْرُ فِي خَمْسَةٍ: غِنَى النَّفْسِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَكَسْبُ الحَلاَلِ، وَالتَّقْوَى، وَالثِّقَةُ بِاللهِ (6) .
__________
(1) " مناقب " الرازي: 129، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 54، و" مناقب الشافعي " 2 / 141.
(2) تقدم الخبر في الصفحة 36.
(3) " مناقب " البيهقي 2 / 168، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 54.
(4) " مناقب " البيهقي 2 / 169، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 54.
(5) " مناقب البيهقي " 2 / 170، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55.
(6) " مناقب " البيهقي 2 / 170، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55.

(10/97)


وَعَنْهُ: أَنْفَعُ الذَّخَائِرِ التَّقْوَى، وَأَضَرُّهَا العُدْوَانُ (1) .
وَعَنْهُ: اجتِنَابُ المَعَاصِي، وَتَرْكُ مَا لاَ يَعْنِيْكَ، يُنَوِّرُ القَلْبَ، عَلَيْكَ بِالخَلْوَةِ، وَقِلَّةِ الأَكْلِ، إِيَّاكَ وَمُخَالَطَةُ السُّفَهَاءِ، وَمَنْ لاَ يُنْصِفُكَ، إِذَا تَكَلَّمْتَ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْكَ، مَلَكَتْكَ الكَلِمَةُ، وَلَمْ تَمْلِكْهَا (2) .
وَعَنْهُ: لَوْ أَوْصَى رَجُلٌ بِشَيْءٍ لأَعْقَلِ النَّاسِ، صُرِفَ إِلَى الزُّهَّادِ (3) .
وَعَنْهُ: سِيَاسَةُ النَّاسِ أَشَدُّ مِنْ سِيَاسَةِ الدَّوَابِّ (4) .
وَعَنْهُ: العَاقلُ مَنْ عَقَلَهُ عَقْلُهُ عَنْ كُلِّ مَذْمُوْمٍ (5) .
وَعَنْهُ: لِلْمُرُوْءةِ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ: حُسْنُ الخُلُقِ، وَالسَّخَاءُ، وَالتَّواضُعُ، وَالنُّسُكُ (6) .
وَعَنْهُ: لاَ يَكْمُلُ الرَّجُلُ إِلاَّ بِأَرْبَعٍ: بِالدِّيَانَةِ، وَالأَمَانَةِ، وَالصِّيَانَةِ، وَالرَّزَانَةِ (7) .
وَعَنْهُ: لَيْسَ بِأَخِيْكَ مَنْ احتَجْتَ إِلَى مُدَارَاتِهِ (8) .
__________
(1) " حلية الأولياء " 9 / 123، و" مناقب " البيهقي 2 / 171.
(2) انظر " مناقب " البيهقي 2 / 172، و" مناقب " الرازي، 124، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55.
(3) انظر " مناقب " البيهقي 2 / 183، 184، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55.
(4) " آداب الشافعي ": 271، و" مناقب " البيهقي 2 / 187، و" مناقب " الرازي 122، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55، و" توالي التأسيس " 72.
(5) " مناقب " البيهقي 2 / 187، و" مناقب " الرازي: 122، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55.
(6) " مناقب " البيهقي 2 / 188، و" مناقب " الرازي: 122، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55.
(7) " مناقب " البيهقي 2 / 189، و" مناقب " الرازي: 122، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55.
(8) " مناقب " البيهقي 2 / 194، و" مناقب " الرازي: 122، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55.

(10/98)


وَعَنْهُ: عَلاَمَةُ الصَّدِيقِ أَنْ يَكُوْنَ لِصَدِيقِ صَدِيقِهِ صَدِيقاً (1) .
وَعَنْهُ: مَنْ نَمَّ لَكَ، نَمَّ عَلَيْكَ (2) .
وَعَنْهُ، قَالَ: التَّوَاضُعُ مِنْ أَخْلاَقِ الكرَامِ، وَالتَّكبرُ مِنْ شِيَمِ اللِّئَامِ، التَّواضُعُ يُوْرِثُ المَحَبَّةَ، وَالقنَاعَةُ تُوْرِثُ الرَّاحَةَ (3) .
وَقَالَ: أَرْفَعُ النَّاسِ قَدْراً، مَنْ لاَ يَرَى قَدْرَهُ، وَأَكْثَرُهُم فَضْلاً، مَنْ لاَ يَرَى فَضْلَهُ (4) .
وَقَالَ: مَا ضُحِكَ مِنْ خَطَأِ رَجُلٍ، إِلاَّ ثَبَتَ صَوَابُه فِي قَلْبِهِ (5) .
لاَ نُلاَمُ وَاللهِ عَلَى حُبِّ هَذَا الإِمَامِ، لأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الكَمَالِ فِي زَمَانِهِ -رَحِمَهُ اللهُ- وَإِنْ كُنَّا نُحِبُّ غَيْرَهُ أَكْثَرَ.

2 - الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ السَّرْخَسِيُّ *
الوَزِيْرُ، وَأَخُو الوَزِيْرِ الحَسَنِ بنِ سَهْلٍ.
أَسْلَمَ أَبُوْهُمَا عَلَى يَدِ المَهْدِيِّ، وَأَسْلَمَ الفَضْلُ سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ عَلَى يَدِ المَأْمُوْنِ.
__________
(1) " مناقب " البيهقي 2 / 196، و" توالي التأسيس ": 72، و" مناقب " الرازي: 123، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55.
(2) " مناقب " البيهقي 2 / 196، و" توالي التأسيس ": 72، و" مناقب " الرازي: 123، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 56.
(3) " مناقب " البيهقي 2 / 200، و" مناقب " الرازي: 123.
(4) " مناقب " البيهقي 2 / 201، و" مناقب " الرازي: 123.
(5) " مناقب " البيهقي 2 / 214، و" مناقب " الرازي: 123.
(*) تاريخ خليفة: 471، تاريخ الطبري 8 / 424 و565، مروج الذهب 4 / 5، الوزراء والكتاب: انظر فهرسته، معجم الشعراء للمرزباني: 313، تاريخ بغداد 12 / 339، الكامل لابن الأثير 6 / 346، وفيات الأعيان 4 / 41 - 44، العبر 1 / 338، البداية والنهاية 10 / 249، النجوم الزاهرة 2 / 172، شذرات الذهب 2 / 4.

(10/99)


وَقِيْلَ: لَمَّا عَزَمَ جَعْفَرٌ البَرْمَكِيُّ عَلَى استِخْدَامِ الفَضْلِ لِلْمَأْمُوْنِ، وَصَفَهُ بِحَضْرَةِ الرَّشِيْدِ، وَنَطَقَ الفَضْلُ، فَرَآهُ الرَّشِيْدُ فَطِناً، بَلِيْغاً.
وَكَانَ يُلَقَّبُ: ذَا الرِّئَاسَتَينِ؛ لأَنَّهُ تَقَلَّدَ الوِزَارَةَ وَالحَرْبِ.
وَكَانَ شِيْعِيّاً، مُنَجِّماً، مَاكِراً، أَشَارَ بِتَجْهِيْزِ طَاهِرِ بنِ الحُسَيْنِ، وَحَسَبَ بِالرَّملِ بِأَنَّهُ يَظْفَرُ بِالأَمِيْنِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ مِنْ إِصَابَاتِهِ الكَاذِبَةِ، أَنَّهُ حَكَمَ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ يَعِيْشُ ثَمَانِياً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ يُقْتَلُ بَيْنَ مَاءٍ وَنَارٍ، فَعَاشَ كَذَلِكَ، وَقَتَلَهُ خَالُ المَأْمُوْنِ فِي حَمَّامِ سَرْخَسَ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ.
وَقَدِ امْتَدَحَهُ فُحُولُ الشُّعرَاءِ، فَمِنْ ذَلِكَ لإِبْرَاهِيْمَ الصُّوْلِيِّ:
لِفَضْلِ بنِ سَهْلٍ يَدٌ ... تَقَاصَرَ فِيْهَا المَثَلْ
فَنَائِلُهَا لِلْغِنَى ... وَسَطْوَتُهَا لِلأَجَلْ
وَبَاطِنُهَا لِلنَّدَى ... وَظَاهِرُهَا لِلْقُبَلْ (1)
وَازدَادَتْ رِفْعَتُهُ حَتَّى ثَقُلَ أَمرُهُ عَلَى المَأْمُوْنِ، فَدَسَّ عَلَيْهِ خَالَهُ؛ غَالِباً الأَسْوَدَ فِي جَمَاعَةٍ، فَقَتَلُوهُ (2) ، وَبَعْدَهُ بِأَيَّامٍ مَاتَ أَبُوْهُ.
وَأَظْهَرَ المَأْمُوْنُ حُزْناً لِمَصْرَعِهِ، وَعَزَّى وَالِدَتَهُ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ أَخْلَفَنِي عَلَيْكِ بَدَلَ ابْنِكِ.
فَبَكَتْ، وَقَالَتْ: كَيْفَ لاَ أَحْزَنُ عَلَى وَلَدٍ أَكْسَبَنِي وَلَداً مِثْلَكَ.
ثُمَّ عَاشَتْ وَأَدْرَكَتْ عُرْسَ بِنْتِ ابْنِهَا بُوْرَانَ عَلَى المَأْمُوْنِ (3) .
وَكَانَ الحَسَنُ بنُ سَهْلٍ مِنْ كِبَارِ الوُزَرَاءِ المُمَدَّحِينَ.
__________
(1) الابيات في " تاريخ بغداد " 12 / 341، و" وفيات الأعيان " 4 / 43، و" الطرائف الأدبية ": 136.
(2) انظر " تاريخ الطبري " 8 / 565، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 346.
(3) وكان ذلك في رمضان سنة 210 هـ. انظر الطبري 8 / 606 - 609، وابن الأثير 6 / 395، والبداية 10 / 265.

(10/100)


3 - ابْنُ الكَلْبِيِّ أَبُو المُنْذِرِ هِشَامُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّائِبِ *
العَلاَّمَةُ، الأَخْبَارِيُّ، النَّسَّابَةُ الأَوْحَدُ، أَبُو المُنْذِرِ هِشَامُ ابْنُ الأَخْبَارِيِّ البَاهِرِ مُحَمَّدِ بنِ السَّائِبِ بنِ بِشْرٍ الكَلْبِيُّ، الكُوْفِيُّ، الشِّيْعِيُّ، أَحَدُ المَتْرُوْكِيْنَ كَأَبِيْهِ.
رَوَى عَنْ أَبِيْهِ كَثِيْراً.
وَعَنْ: مُجَالِدٍ، وَأَبِي مِخْنَفٍ لُوْطٍ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ العَبَّاسُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَابْنُ أَبِي السَّرِيِّ العَسْقَلاَنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ العِجْلِيُّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِنَّمَا كَانَ صَاحِبَ سَمَرٍ وَنَسَبٍ، مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَداً يُحَدِّثُ عَنْهُ (1) .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ (2) .
__________
(*) طبقات خليفة: 167، تاريخ خليفة: 423، الضعفاء للعقيلي لوحة 428، الكامل لابن عدي لوحة 821، الفهرست: 108، تاريخ بغداد 14 / 45، الأنساب 10 / 454، 455، نزهة الالباء: 59، معجم الأدباء 19 / 287، وفيات الأعيان 6 / 82، 84، ميزان الاعتدال 4 / 304، 305، العبر 1 / 746، المغني في الضعفاء 2 / 711، عيون التواريخ 7 / لوحة 215، مرآة الجنان 2 / 29، العبر لابن خلدون 2 / 262، لسان الميزان 6 / 196، 197، نور القبس: 291.
(1) " العلل " لأحمد: 219، و" تاريخ بغداد " 4 / 46، و" معجم الأدباء " 19 / 287 وفيه: " سير " بدل " سمر "، و" الميزان " 4 / 304، و" لسان الميزان " 6 / 196، و" الضعفاء " للعقيلي لوحة 428، و" الكامل " لابن عدي لوحة 281 وفيه: وهذا كما قال أحمد: هشام بن
الكلبي الغالب عليه الاخبار والاسمار والنسب ولا أعرف له شيئا من المسند.
قلت: والمؤرخون كابن سعد والطبري وياقوت الحموي وغيرهم ينقلون عنه كثيرا من الاخبار التي تتعلق بالتاريخ والنسب والطرائف والاوابد، وربما محصوا شيئا مما يأثرونه عنه وردوه واتهموه بافتعاله وتوليده.
(2) " معجم الأدباء " 19 / 287، و" الميزان " 4 / 304، و" لسان الميزان " 6 / 196 وفيه: وقال يحيى بن معين: غير ثقة، وليس عن مثله يروى الحديث.
وقال أبو حاتم: هو أحب إلي من أبيه.
قلت (القائل ابن حجر): واتهمه الاصمعي، وذكره العقيلي وابن الجارود وابن السكن وغيرهم في الضعفاء.

(10/101)


وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: رَافِضِيٌّ، لَيْسَ بِثِقَةٍ.
وَقَدِ اتُّهِمَ فِي قَوْلِهِ: حَفِظْتُ القُرْآنَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.
وَكَذَا قَوْلِهُ: نَسِيْتُ مَا لَمْ يَنْسَ أَحَدٌ: قَبَضْتُ عَلَى لِحْيَتِي، وَالمِرْآةُ بِيَدِي، لأَقُصَّ مَا فَضَلَ عَنِ القَبْضَةِ، فَنَسِيْتُ، وَقَصَّيْتُ (1) مِنْ فَوقِ القَبْضَةِ (2) .
وَلَهُ: كِتَابُ (الجَمْهَرَةِ) فِي النَّسَبِ (3) ، وَكِتَابُ (حِلْفِ الفُضُوْلِ) وَكِتَابُ (المُنَافَرَاتِ)، وَكِتَابُ (الكُنَى)، وَكِتَابُ (مُلُوْكِ الطَّوائِفِ)، وَكِتَابُ (مُلُوْكِ كِنْدَةَ (4)).
وَتَصَانِيْفُهُ جَمَّةٌ، يُقَالُ: بَلَغَتْ مائَةً وَخَمْسِيْنَ مُصَنَّفاً (5) .
وَكَانَ أَبُوْهُ (6) مُفَسِّراً، وَلَكِنَّهُ لاَ يُوثَقُ بِهِ أَيْضاً، وَفِيْهِ رَفْضٌ كَابْنِهِ.
__________
(1) أي: وقصصت، قلبت الصاد ياء للاستثقال، ففي " اللسان ": قص الشعر والصوف والظفر يقصه قصا، وقصصه وقصاه على التحويل.
ومثله: تظنيت في تظننت، وتقضى في تقضض، ودينار في دنار، ولبى في لبب.
انظر " الفاخر " للمفضل بن سلمة ص 4 و5.
(2) " تاريخ بغداد " 14 / 45، 46، و" معجم الأدباء " 19 / 288.
(3) وهو المرجع الوحيد الذي يعول عليه أهل العلم بالنسب، وتوجد منه قطعة صغيرة تتألف من 13 ورقة، ولم يعثر له حتى الآن فيما نعلم على نسخة كاملة منه، وقد اختصره ياقوت الحموي في 167 ورقة، وذكر في نهايته أنه انتهى منه في العشرين من ذي الحجة سنة عشر وست مئة، وعندنا منه نسخة مصورة عن أصل كتب عن أصل المؤلف، وذكر كاتبها أنه فرغ من كتابتها سنة خمس وستين وست مئة، وهي نسخة في غاية النفاسة والضبط.
(4) وله أيضا كتاب " الاصنام " و" نسب الخيل "، وكلاهما مطبوع في مصر بتحقيق الأستاذ أحمد زكي.
(5) وقد سردها ابن النديم في " الفهرست " 108 - 111، فبلغت مئة وأربعة وأربعين كتابا.
(6) تقدمت ترجمته في الجزء السادس من هذا الكتاب ص 248، وقد قال ابن كثير في " اختصار علوم الحديث " ص 209 في النوع الثامن والاربعين في معرفة من له أسماء متعددة: محمد بن السائب الكلبي منهم من يصرح باسمه هذا، ومنهم من يقول: حماد بن السائب، ومنهم من يكنيه بأبي النضر، ومنهم من يكنيه بأبي سعيد.
قال ابن الصلاح: وهو الذي يروي عنه عطية العوفي التفسير موهما أنه أبو سعيد الخدري.

(10/102)


مَاتَ ابْنُ الكَلْبِيِّ عَلَى الصَّحِيْحِ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: بَعْدَ ذَلِكَ بِقَلِيْلٍ، وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي (مِيْزَانِ الاعْتِدَالِ).
وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ.

4 - الهَيْثَمُ بنُ عَدِيِّ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدِ بنِ أُسَيْدِ بنِ جَابِرٍ الطَّائِيُّ *
الأَخْبَارِيُّ، العَلاَّمَةُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِيُّ، الكُوْفِيُّ، المُؤَرِّخُ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَمُجَالِدٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو الجَهْمِ البَاهِلِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ أَبُو عَصِيْدَةَ، وَآخَرُوْنَ.
وَهُوَ مِنْ بَابَةِ الوَاقِدِيِّ، وَقَلَّ مَا رَوَى مِنَ المُسْنَدِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ عِنْدِي أَصْلَحُ مِنَ الوَاقِدِيِّ (1) .
قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: قَالَتْ جَارِيَةُ
__________
(*) تاريخ ابن معين: 226، تاريخ خليفة: 472، البيان والتبيين 1 / 347 و361، التاريخ الكبير 8 / 218، التاريخ الصغير 2 / 265، المعارف 538، 539، الضعفاء للعقيلي لوحة 430، الجرح والتعديل 9 / 85، الكامل لابن عدي لوحة 820، الفهرست 112، 113، تاريخ بغداد 14 / 50، معجم الأدباء 19 / 304 - 310، إنباه الرواة 3 / 365، وفيات الأعيان 6 / 106 - 114، ميزان الاعتدال 4 / 324، 325، العبر 1 / 353، مرآة الجنان 2 / 32، لسان الميزان 6 / 209، النجوم الزاهرة 2 / 184، نور القبس: 293، طبقات المفسرين 2 / 354، 355.
(1) " تاريخ بغداد " 14 / 52، ولفظه: الهيثم بن عدي أوثق عندي من الواقدي ولا أرضاه في الحديث ولا في الأنساب ولا في شيء.
وهو في " الضعفاء " للعقيلي لوحة 430.

(10/103)


الهَيْثَمِ بنِ عَدِيٍّ: كَانَ مَوْلاَيَ يَقُومُ عَامَّةَ اللَّيْلِ يُصَلِّي، فَإِذَا أَصْبَحَ، جَلَسَ يَكْذِبُ (1) .
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو دَاوُدَ: كَذَّابٌ (2) .
وَقَالَ البُخَارِيُّ: سَكَتُوا عَنْهُ (3) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ (4) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ بِفَمِ الصِّلْحِ (5) ، فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.

5 - مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بنِ مُحَمَّدٍ البَاقِرِ العَلَوِيُّ *
ابْنِ زَيْنِ العَابِدِيْنَ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ العَلَوِيُّ،
__________
(1) " تاريخ يحيى بن معين ": 226، و" تاريخ بغداد " 14 / 53.
(2) " تاريخ ابن معين ": 226، و" تاريخ بغداد " 14 / 53، و" الجرح والتعديل " 9 / 85، و" الضعفاء " للعقيلي لوحة 430، و" الكامل " لابن عدي لوحة 820.
(3) " التاريخ الكبير " 8 / 218، وهذه اللفظة يطلقها البخاري على من تركوا حديثه، فهي أدنى المنازل عنده وأردؤها في التضعيف. انظر " فتح المغيث " ص 161.
(4) " الضعفاء والمتروكين " للنسائي ص 104، و" تاريخ بغداد " 14 / 53، و" ميزان الاعتدال " 4 / 324، و" لسان الميزان " 6 / 209.
وقال أبو حاتم: متروك الحديث، محله محل الواقدي.
وقال يعقوب بن شيبة: كانت له معرفة بأمور الناس وأخبارهم، ولم يكن في الحديث بالقوي، ولا كانت له معرفة، وبعض الناس يحمل عليه في صدقه، وذكره ابن السكن وابن شاهين وابن الجارود والدارقطني في الضعفاء " لسان الميزان " 6 / 210.
(5) الصلح بالكسر ثم السكون والحاء المهملة: كورة فوق واسط لها نهر يستمد من دجلة على الجانب الشرقي يسمى فم الصلح.
وفيه كانت دار الحسن بن سهل وزير المأمون، وبه بنى المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل.
انظر " الأنساب " للسمعاني 8 / 83، و" معجم البلدان " 3 / 421 و4 / 276، و" وفيات الأعيان " 1 / 290، و" الروض المعطار ": 358.
(*) مقاتل الطالبيين: 353، تاريخ بغداد، 2 / 113 - 115، الكامل لابن الأثير 6 / 311، العبر 1 / 342، عيون التواريخ 7 / لوحة 170، 171، تاريخ ابن خلدون 3 / 244، شذرات الذهب 2 / 7.

(10/104)


الحُسَيْنِيُّ، المَدَنِيُّ، أَبُو جَعْفَرٍ، سَيِّدُ بَنِي هَاشِمٍ فِي زَمَانِهِ، يُلَقَّبُ: بِالدِّيْبَاجِ (1) ، وَهُوَ أَخُو مُوْسَى الكَاظِمِ (2) ، لَمْ يَكُنْ فِي الفَضْلِ وَالجَلاَلَةِ بِدُوْنِ أَخِيْهِ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَدَنِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ كَاسِبٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ سَيِّداً، مَهِيْباً، عَاقِلاً، فَارِساً، شُجَاعاً، يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ، وَلَهُ عِدَّةُ إِخْوَةٍ.
لَمَّا مَاجَتِ الدَّوْلَةُ العَبَّاسِيَّةُ بِالكَائِنَةِ الكُبْرَى بِقَتْلِ الأَمِيْنِ، وَحِصَارِ بَغْدَادَ عِشْرِيْنَ شَهْراً، ثُمَّ بِخَلْعِ العَبَّاسِيِّيْنَ لِلْمَأْمُوْنِ، دَعَا مُحَمَّدٌ هَذَا إِلَى نَفْسِهِ، وَخَرَجَ بِمَكَّةَ، فَبَايَعُوْهُ سَنَةَ مَائَتَيْنِ وَقَدْ شَاخَ، فَاتَّفَقَ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ المُعْتَصِمَ حَجَّ حِيْنَئِذٍ، وَنَدَبَ عَسْكَراً لِقِتَالِ هَذَا، فَأَخَذُوْهُ، فَلَمْ يُؤْذِهِ أَبُو إِسْحَاقَ، وَصَحِبَهُ إِلَى بَغْدَادَ، فَلَمْ يُطَوِّلْ بِهَا، وَتُوُفِّيَ (3) .
وَكَانَ يَصُوْمُ يَوْماً، وَيُفْطِرُ يَوْماً.
وَاتَّفَقَ مَوْتُهُ بِجُرْجَانَ، فِي شَهْرِ شَعْبَانَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ المَأْمُوْنُ، وَنَزَلَ بِنَفْسِهِ فِي لَحْدِهِ، وَقَالَ: هَذِهِ رَحِمٌ قُطِعَتْ مِنْ سِنِيْنَ (4) .
فَقِيْلَ: إِنَّ سَبَبَ مَوْتِهِ - وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبْعِيْنَ - أَنَّهُ جَامَعَ وَدَخَلَ الحَمَّامَ وَافْتَصَدَ، فَمَاتَ فَجْأَةً -رَحِمَهُ اللهُ- تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ.
__________
(1) لقب بذلك لحسنه وجماله.
(2) تقدمت ترجمته في الجزء السادس من هذا الكتاب ص 270.
(3) انظر خبر ظهوره وبيعته في الطبري 8 / 537 - 541، وابن الأثير 6 / 311 - 313.
(4) " تاريخ بغداد " 2 / 115.

(10/105)


6 - نَفِيْسَةُ بِنْتُ الحَسَنِ بنِ زَيْدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ العَلَوِيَّةُ *
السَّيِّدَةُ، المُكَرَّمَةُ، الصَّالِحَةُ، ابْنَةُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ الحَسَنِ بنِ زَيْدِ ابْنِ السَّيِّدِ سِبْطِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- العَلَوِيَّةُ، الحَسَنِيَّةُ، صَاحِبَةُ المَشْهَدِ الكَبِيْرِ المَعْمُوْلِ بَيْنَ مِصْرَ وَالقَاهِرَةِ.
وَلِي أَبُوْهَا المَدِيْنَةَ لِلْمَنْصُوْرِ، ثُمَّ عَزَلَهُ، وَسَجَنَهُ مُدَّةً، فَلَمَّا وَلِي المَهْدِيَّ، أَطْلَقَهُ، وَأَكْرَمَهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ أَمْوَالَهُ، وَحَجَّ مَعَهُ، فَتُوُفِّيَ بِالْحَاجِرِ (1) .
وَتَحَوَّلَتْ هِيَ مِنَ المَدِيْنَةِ إِلَى مِصْرَ مَعَ زَوْجِهَا الشَّرِيْفِ إِسْحَاقَ بنِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ - فِيْمَا قِيْلَ - ثُمَّ تُوُفِّيَتْ بِمِصْرَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَمَائَتَيْنِ.
وَلَمْ يَبْلُغْنَا كَبِيْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِهَا.
وَلِجَهَلَةِ المِصْرِيِّيْنَ فِيْهَا اعْتِقَادٌ يَتَجَاوَزُ الوَصْفَ، وَلاَ يَجُوْزُ مِمَّا فِيْهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَيَسْجُدُوْنَ لَهَا، وَيَلْتَمِسُوْنَ مِنْهَا المَغْفِرَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ دَسَائِسِ دُعَاةِ العُبَيْدِيَّةِ (2) .
__________
(*) وفيات الأعيان 5 / 423، العبر 1 / 355، عيون التواريخ 7 / لوحة 226، مرآة الجنان 2 / 43، البداية والنهاية 10 / 262، النجوم الزاهرة 2 / 185، حسن المحاضرة 1 / 511، طبقات الشعراني 1 / 58، شذرات الذهب 2 / 21، خطط مبارك 5 / 135.
(1) هي قرية على خمسة أميال من المدينة، وانظر خبر توليته في " تاريخ الطبري " 8 / 32، و" الكامل " 5 / 593، و" البداية " 10 / 262.
(2) قال ابن كثير في " البداية " 10 / 262: وإلى الآن قد بالغ العامة في اعتقادهم فيها وفي غيرها كثيرا جدا، ولا سيما عوام مصر، فإنهم يطلقون فيها عبارات بشيعة مجازفة تؤدي إلى الكفر والشرك، وألفاظا ينبغي أن يعرفوا أنها لا تجوز، وربما نسبها بعضهم إلى زين العابدين وليست من سلالته، والذي ينبغي أن يعتقد فيها ما يليق بمثلها من النساء الصالحات، وأصل عبادة الاصنام من =

(10/106)


وَكَانَ أَخُوْهَا القَاسِمُ رَجُلاً صَالِحاً، زَاهِداً، خَيِّراً، سَكَنَ نَيْسَابُوْرَ، وَلَهُ بِهَا عَقِبٌ، مِنْهُم السَّيِّدُ العَلَوِيُّ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ الحَافِظُ البَيْهَقِيُّ.
وَقِيْلَ: كَانَتْ مِنَ الصَّالِحَاتِ العَوَابِدِ، وَالدُّعَاءُ مُسْتَجَابٌ عِنْدَ قَبْرِهَا، بَلْ وَعِنْدَ قُبُوْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِيْنَ (1) ، وَفِي المَسَاجِدِ، وَعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَفِي السَّفَرِ المُبَاحِ، وَفِي الصَّلاَةِ، وَفِي السَّحَرِ، وَمِنَ الأَبَوَيْنِ، وَمِنَ الغَائِبِ لأَخِيْهِ، وَمِنَ المُضْطَّرِ، وَعِنْدَ قُبُوْرِ المُعَذَّبِيْنَ (2) ، وَفِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِيْنٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ: ادْعُوْنِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.
وَلاَ يُنْهَى الدَّاعِي عَنِ الدُّعَاءِ فِي وَقْتٍ إِلاَّ وَقْتَ الحَاجَةِ، وَفِي الجِمَاعِ، وَشِبْهِ ذَلِكَ.
وَيَتَأَكَّدُ الدُّعَاءُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَدُبُرَ المَكْتُوْبَاتِ، وَبَعْدَ الأَذَانِ (3) .
__________
= المغالاة في القبور وأصحابها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسوية القبور وطمسها، والمغالاة في البشر حرام، ومن زعم أنها تفك من الخشب، أو أنها تنفع أو تضر بغير مشيئة الله فهو مشرك، رحمها الله وأكرمها.
(1) لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم شيء في كون الدعاء مستجابا عند قبور الأنبياء والصالحين، والسلف الصالح لا يعرف عنهم أنهم كانوا يقصدون قبور الأنبياء والصالحين للدعاء عندهم، ويرى ابن الجزري في " الحصن الحصين " أن استجابة الدعاء عند قبور الأنبياء والصالحين ثبتت بالتجربة، وأقره عليه الشوكاني في " تحفة الذاكرين " ص 46 لكن قيده بشرط ألا تنشأ عن ذلك مفسدة وهي أن يعتقد في ذلك الميت ما لا يجوز اعتقاده كما يقع لكثير من المعتقدين في القبور، فإنهم قد يبلغون الغلو بأهلها إلى ما هو شرك بالله عزوجل فينادونهم مع الله، ويطلبون منهم ما لا يطلب إلا من الله عزوجل، وهذا معلوم من أحوال كثير من العاكفين على القبور خصوصا العامة الذين لا يفطنون لدقائق الشرك.
(2) أخرج البخاري برقم (4420) و(4702) ومسلم (2980) من حديث عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الحجر - أي: في شأنهم، وكان هذا في غزوة تبوك -: " لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم " وفي رواية: لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم الا أن تكونوا باكين حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم " ثم قنع رأسه، وأسرع السير حتى أجاز الوادي.
(3) انظر أدلة ذلك في " تحفة الذاكرين " 46 - 50

(10/107)


7 - طَاهِرُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُصْعَبِ بنِ رُزَيْقٍ الخُزَاعِيُّ *
الأَمِيْرُ، مُقَدَّمُ الجُيُوْشِ، ذُوْ اليَمِيْنَيْنِ (1) ، أَبُو طَلْحَةَ الخُزَاعِيُّ، القَائِمُ بِنَصْرِ خِلاَفَةِ المَأْمُوْنِ، فَإِنَّهُ نَدَبَهُ لِحَرْبِ أَخِيْهِ الأَمِيْنِ، فَسَارَ فِي جَيْشٍ لَجِبٍ، وَحَاصَرَ الأَمِيْنَ، فَظَفِرَ بِهِ، وَقَتَلَهُ صَبْراً، فَمُقِتَ لِتَسَرُّعِهِ فِي قَتْلِهِ (2) .
وَكَانَ شَهْماً، مَهِيْباً، دَاهِيَةً، جَوَاداً، مُمَدَّحاً.
رَوَى عَنِ: ابْنِ المُبَارَكِ، وَعَمِّهِ؛ عَلِيِّ بنِ مُصْعَبٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ أَمِيْرُ خُرَاسَانَ، وَابْنُهُ الآخَرُ طَلْحَةُ.
وَمِنْ كَرَمِهِ المُسْرِفِ: أَنَّهُ وَقَّعَ يَوْماً بِصِلاَتٍ جَزِيْلَةٍ، بَلَغَتْ أَلْفَ أَلْفٍ وَسَبْعَ مائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
__________
(*) تاريخ خليفة: 466، 467، 468، 472، تاريخ الطبري 8 / 593 - 596، الوزراء والكتاب: 290، تاريخ بغداد 9 / 353، الكامل لابن الأثير 6 / 381، وفيات الأعيان 2 / 517 - 523، عيون التواريخ 7 / لوحة 203 - 208، البداية والنهاية 10 / 255 و260 - 261، النجوم الزاهرة 2 / 149 و152 و155 و160 و178 و183 و184، شذرات الذهب 2 / 16.
(1) لقب بذلك لأنه ضرب شخصا في واقعة علي بن عيسى فقده نصفين، وكانت الضربة بشماله، فقال فيه بعض الشعراء: كلتا يديك يمين حين تضربه
وقيل: لقب بذلك لان المأمون كتب إليه: يمينك يمين أمير المؤمنين، وشمالك يمين.
وقيل: لأنه ولي العراق وخراسان.
(2) انظر تفصيل خبر قتله الامين في الطبري 8 / 478 - 495، وابن الأثير 6 / 382.
(3) " تاريخ بغداد " 9 / 354، و" عيون التواريخ " 7 / لوحة 206، وقد مدحه مقدس بن صيفي الخلوقي الشاعر بثلاثة أبيات هي:
عجبت لحراقة ابن الحسين * لاغرقت كيف لا تغرق
وبحران من فوقها واحد * وآخر من تحتها مطبق
وأعجب من ذاك أعوادها * وقد مسها كيف لا تورق
فقال: أعطوه ألف دينار، وقال: زد حتى نزيدك.
فقال: حسبي.

(10/108)


وَكَانَ مَعَ فَرطِ شَجَاعَتِهِ عَالِماً، خَطِيْباً، مُفَوَّهاً، بَلِيْغاً، شَاعِراً، بَلَغَ أَعْلَى الرُّتَبِ، ثُمَّ مَاتَ فِي الكُهُوْلَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ.

8 - الفَضْلُ بنُ الرَّبِيْعِ بنِ يُوْنُسَ *
الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، حَاجِبُ الرَّشِيْدِ، وَكَانَ أَبُوْهُ حَاجِبَ المَنْصُوْرِ.
وَكَانَ مِنْ رِجَالِ العَالَمِ حِشْمَةً، وَسُؤْدُداً، وَحَزْماً، وَرَأْياً.
قَامَ بِخِلاَفَةِ الأَمِيْنِ، وَسَاقَ إِلَيْهِ خَزَائِنَ الرَّشِيْدِ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِ البُرْدَ وَالقَضِيْبَ وَالخَاتَمَ، جَاءهُ بِذَلِكَ مِنْ طُوْسَ، وَصَارَ هُوَ الكُلَّ لاِشْتِغَالِ الأَمِيْنِ بِاللَّعِبِ، فَلَمَّا أَدْبَرَتْ دَوْلَةُ الأَمِيْنِ، اخْتَفَى الفَضْلُ مُدَّةً طَوِيْلَةً، ثُمَّ ظَهَرَ إِذْ بُوْيِعَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المَهْدِيِّ، فَسَاسَ نَفْسَهُ، وَلَمْ يَقُمْ مَعَهُ، وَلذَلِكَ عَفَا عَنْهُ المَأْمُوْنُ.
مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَتَيْنِ فِي عَشْرِ السَّبْعِيْنَ، وَهُوَ مِنْ مَوَالِي عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
يُقَالُ: إِنَّهُ تَمَكَّنَ مِنَ الرَّشِيْدِ، وَكَانَ يَكْرَهُ البَرَامِكَةَ، فَنَالَ مِنْهُم، وَمَالأَهُ عَلَى ذَلِكَ كَاتِبُهُم إِسْمَاعِيْلُ (1) بنُ صُبَيْحٍ.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ قَدَّمَ عَشْرَ قِصَصٍ إِلَى جَعْفَرٍ البَرْمَكِيِّ، فَعَلَّلَهَا، وَلَمْ
__________
(*) تاريخ خليفة: 447 و465 و473، تاريخ الطبري 8 / 599، زهر الآداب: 541 - 545، تاريخ بغداد 12 / 343، الكامل لابن الأثير 6 / 386، وفيات الأعيان 4 / 37 - 40، العبر 1 / 355، مرآة الجنان 2 / 42، البداية والنهاية 10 / 263، النجوم الزاهرة 2 / 185، مفتاح السعادة 2 / 303 - 306، شذرات الذهب 2 / 20، إعتاب الكتاب: 99.
(1) في الأصل: " إبراهيم " والتصويب من ابن خلكان، و" الوزراء والكتاب " للجهشياري.

(10/109)


يُوَقِّعْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، فَأَخَذَهَا الفَضْلُ، وَقَامَ وَهُوَ يَقُوْلُ: ارْجِعْنَ خَائِبَاتٍ خَاسِرَاتٍ (1) .
وَلَمَّا نُكِبُوا، وَلِي الفَضْلُ وِزَارَةَ الرَّشِيْدِ وَعَظُمَ مَحَلُّهُ، وَمَدَحَتْهُ الشُّعرَاءُ.

9 - مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ العَدَوِيُّ مَوْلاَهُمْ * (ت، س، ق)
الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَدَوِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، مَوْلَى العُمَرِيِّيْنَ، جَاوَرَ بِمَكَّةَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَشُعْبَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَنَافِعِ بنِ عُمَرَ الجُمَحِيِّ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَبُنْدَارُ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَمُؤَمَّلُ بنُ إِهَابٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ المُهَاجِرِ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) في " الوفيات " 4 / 38 و" البداية " 10 / 263: " خاسئات "، وتمام الخبر عندهما:
ثم خرج وهو يقول: عسى وعسى يثني الزمان عنانه * بتصريف حال والزمان عثور فتقضى لبانات وتشفى حسائف * وتحدث من بعد الأمور أمور فسمعه يحيى وهو ينشد ذلك، فقال له: عزمت عليك يا أبا العباس إلا رجعت، فرجع فوقع في جميع الرقاع، ثم ما كان إلا القليل حتى نكبوا على يده، وتولى بعدهم وزارة الرشيد وفي ذلك يقول أبو نواس: ما رعى الدهر آل برمك لما * أن رمى ملكهم بأمر فظيع إن دهرا لم يرع عهدا ليحيى * غير راع ذمام آل الربيع وانظر " الفرج بعد الشدة " 1 / 307، 309.
(*) تاريخ ابن معين: 591، التاريخ الكبير 8 / 49، التاريخ الصغير 2 / 306، 307، الجرح والتعديل 8 / 474، تهذيب الكمال لوحة 1394، تذهيب التهذيب 4 / 84 / 2، ميزان الاعتدال 4 / 228، 229، الكاشف 3 / 190، 191، المغني في الضعفاء 2 / 689، العقد الثمين 7 / 312 - 313، تهذيب التهذيب 10 / 380، خلاصة تذهيب الكمال: 393.

(10/110)


وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ (1) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، شَدِيْدٌ فِي السُّنَّةِ، كَثِيْرُ الخَطَأِ (2) .
وَقَالَ البُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ (3) .
وَأَمَّا أَبُو دَاوُدَ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَعَظَّمَهُ، وَرَفَعَ مِنْ شَأْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِلاَّ أَنَّهُ يَهِمُ فِي الشَّيْءِ (4) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ.
قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الفَتْحِ النَّحْوِيِّ بِطَرَابُلُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الخَصِيْبِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بنُ إِهَابٍ، حَدَّثَنَا المُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ مَعْمَرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَحْتَكِرُ إِلاَّ خَاطِئٌ) (5) .
__________
(1) في " تاريخه " 591.
(2) " الجرح والتعديل " 8 / 374.
(3) وهذا اللفظ يطلقه البخاري على من لا تحل الرواية عنه كما نقله المؤلف عنه في " الميزان " 1 / 6 في ترجمة أبان بن جبلة، و2 / 202 في ترجمة سليمان بن داود اليمامي، والسيوطي في " تدريب الراوي " ص 235، والسخاوي في " فتح المغيث " ص 162.
(4) " تهذيب الكمال " لوحة 1394، وقال الحافظ في " التقريب ": صدوق سيئ الحفظ.
(5) حديث صحيح، أخرجه أحمد 3 / 453، و6 / 400، والدارمي 2 / 248، وابن ماجة (2154)، والترمذي (1267) من طرق عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن سعيد بن المسيب، عن معمر بن عبد الله بن نضلة..وقال الترمذي: حسن صحيح.
وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1605) في المساقاة: باب تحريم الاحتكار في الاقوات من =

(10/111)


رَوَاهُ: طَائِفَةٌ، عَنْ سَعِيْدٍ.

10 - شَاذَانُ أَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ الشَّامِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ، شَاذَانُ الشَّامِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ: هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ، وَطَلْحَةَ بنَ عَمْرٍو، وَذَوَّادَ بنَ عُلْبَةَ، وَجَرِيْرَ بنَ حَازِمٍ، وَشُعْبَةَ بنَ الحَجَّاجِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ المَاجَشُوْنِ، وَحَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَحَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَعِدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو ثَوْرٍ الكَلْبِيُّ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَعَبْدُ اللهِ الدَّارِمِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ الوَلِيْدِ الفَحَّامُ، وَأَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ البُرْجُلاَنِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
__________
= طريق عبد الله بن مسلمة، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن معمر.
وأخرجه أحمد 3 / 454 من طريق يحيى بن سعيد الأموي، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن معمر.
وأخرجه أبو داود (3447)، ومسلم (1605) (130) من طرق عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن المسيب، عن معمر بن عبد الله..والاحتكار: حبس الطعام وغيره طلب غلائه، والاسم منه الحكرة، والخاطئ: المذنب الآثم.
يقال: خطئ يخطأ فهو خاطئ: إذا أذنب، ومنه قوله تعالى: [ إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ] وأخطأ يخطئ، فهو مخطئ: إذا فعل ضد الصواب.
وظاهر الحديث تحريم الاحتكار للطعام وغيره، وهو الذي ذهب إليه أبو يوسف صاحب أبي حنيفة، فقال: كل ما أضر بالناس حبسه فهو احتكار، وإن كان ذهبا أو ثيابا.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 336، التاريخ الكبير 1 / 348، التاريخ الصغير 2 / 314، الجرح والتعديل 2 / 294، تاريخ بغداد 7 / 34، 35، تهذيب الكمال لوحة 114، تذهيب التهذيب 1 / 69 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 369، العبر 1 / 354، الكاشف 1 / 131، تهذيب التهذيب 1 / 340، طبقات الحفاظ: 155، خلاصة تذهيب الكمال: 37، شذرات الذهب 2 / 20.

(10/112)


وَثَّقَهُ: ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَغَيْرُهُ، وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنَ القُدَمَاءِ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ.
تُوُفِّيَ: فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَمائَتَيْنِ، بِبَغْدَادَ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَالمُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا شَاذَانُ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ بُرَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ:
عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: (إِذَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ، أَعْطِ مُحَمَّداً سُؤْلَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِلاَّ نَالَتْهُ شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ القِيَامَةِ (1)).
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا جَدِّي؛ أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ (الصِّفَاتِ) لَهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ المَالِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ، أَخْبَرَنِي الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (رَأَيْتُ رَبِّي -يَعْنِي: فِي المَنَامِ-...) وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (2) .
وَهُوَ بِتَمَامِهِ فِي تَأْلِيفِ البَيْهَقِيِّ، وَهُوَ خَبَرٌ مُنْكَرٌ - نَسْأَلُ اللهَ
__________
(1) إسناده جيد وفي الباب عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي " أخرجه البخاري 2 / 77، 78 في الاذان: باب الدعاء عند النداء و8 / 303 في تفسير سورة الاسراء: باب (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا)، وأبو داود (529) في الصلاة: باب ما جاء في الدعاء عند الاذان، والترمذي (211) في الصلاة: باب ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن من الدعاء، والنسائي 2 / 27 في الاذان: باب الدعاء عند الاذان، وابن ماجه (722)، وأحمد 3 / 354، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 1 / 146.
(2) ونصه بتمامه: " رأيت ربي جعدا أمرد عليه حلة خضراء " وهو في " الأسماء

(10/113)


السَّلاَمَةَ فِي الدِّيْنِ - فَلاَ هُوَ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ، وَلاَ مُسْلِمٍ، وَرُوَاتُهُ - وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُتَّهَمِيْنَ - فَمَا هُمْ بِمَعْصُوْمِيْنَ مِنَ الخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، فَأَوَّلُ الخَبَرِ:
قَالَ: (رَأَيْتُ رَبِّي)، وَمَا قَيَّدَ الرُّؤْيَةَ بِالنَّوْمِ، وَبَعْضُ مَنْ يَقُوْلُ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَبَّهُ لَيْلَةَ المِعْرَاجِ يَحْتَجُّ بِظَاهِرِ الحَدِيْثِ.
وَالَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيْلُ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ مَعَ إِمْكَانِهَا (1) ، فَنَقِفُ عَنْ هَذِهِ المَسْأَلَةِ، فَإِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيْهِ، فَإِثْبَاتُ ذَلِكَ أَوْ نَفْيُهُ صَعْبٌ، وَالوُقُوْفُ سَبِيْلُ السَّلاَمَةِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
وَإِذَا ثَبَتَ شَيْءٌ، قُلْنَا بِهِ، وَلاَ نُعَنِّفُ مَنْ أَثْبَتَ الرُّؤْيَةَ لِنَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الدُّنْيَا، وَلاَ مَنْ نَفَاهَا، بَلْ نَقُوْلُ: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ، بَلَى نُعَنِّفُ وَنُبَدِّعُ مَنْ أَنْكَرَ الرُّؤْيَةَ فِي الآخِرَةِ، إِذْ رُؤْيَةُ اللهِ فِي الآخِرَةِ ثَبَتَ بِنُصُوْصٍ مُتَوَافِرَةٍ.

11 - الفِرْيَابِيُّ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ وَاقِدِ بنِ عُثْمَانَ * (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الضَّبِّيُّ مَوْلاَهُمْ، نَزِيْلُ قَيْسَارِيَّةَ السَّاحِلِ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِيْنَ.
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
= والصفات، للبيهقي ص 444، 445، وانظر ما قاله ابن كثير عن هذا الحديث في " تفسيره " 4 / 250، 251.
(1) انظر " زاد المعاد " 3 / 36 - 38.
(*) تاريخ ابن معين: 543، التاريخ الكبير 1 / 264، التاريخ الصغير 2 / 324، المعرفة والتاريخ 1 / 197، 198 الجرح والتعديل 8 / 119، الكامل لابن عدي 3 / لوحة 568، الفهرست: 285، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 452، الأنساب 9 / 290، تاريخ ابن عساكر 16 / 75 / 2، المعجم المشتمل: 283، تهذيب الكمال لوحة 1291، تذكرة الحفاظ 1 / 376، العبر 1 / 363، تذهيب التهذيب 4 / 13 / 1، الكاشف 3 / 111، ميزان الاعتدال 4 / 71، تهذيب التهذيب 9 / 335، طبقات الحفاظ: 159، خلاصة تذهيب الكمال: 365، شذرات الذهب 2 / 28، الرسالة المستطرفة: 51.

(10/114)


وَسَمِعَ مِنْ: يُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَفِطْرِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَعُمَرَ بنِ ذَرٍّ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ - فَأَكْثَرَ عَنْهُ - وَإِسْرَائِيْلَ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَعِيْسَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَجَلِيِّ، وَصَبِيْحِ بنِ مُحْرِزٍ المَقْرَائِيِّ (1) ، وَأَبَانِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ بَهْرَامَ، وَفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ، وَوَرْقَاءَ، وَنَافِعِ بنِ عُمَرَ، وَخَلْقٍ سِوَاهُمُ.
وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زَنْجُوْيَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَرْقِيِّ، وَمُؤَمَّلُ بنُ يِهَابٍ، وَحَمِيْدُ بنُ زَنْجُوْيَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ، وَعَبَّاسٌ التَّرْقُفِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَبْدُ اللهِ - وَلَدُهُ (2) - وَعَبْدُ الوَارِثِ بنُ الحَسَنِ بنِ عَمْرِو بنِ التُّرْجُمَانِ البَيْسَانِيُّ، وَعَمْرُو بنُ ثَوْرٍ الجُذَامِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ، وَأُمَمٌ سِوَاهُمُ.
سَمِعَ مِنْ: سُفْيَانَ، وَصَحِبَهُ مُدَّةً بِالكُوْفَةِ.
قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ رَجُلاً صَالِحاً، صَحِبَ سُفْيَانَ، كَتَبْتُ عَنْهُ بِمَكَّةَ (3) .
قَالَ أَبُو عُمَيْرٍ بنُ النَّحَّاسِ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ: أَيُّمَا أَحَبُّ
__________
(1) نسبة إلى " مقرى " قرية في نواحي دمشق بسفح جبل قاسيون بين نهري يزيد وثوري، وقد خرجت ولم يبق لها أثر.
وقيل: هي في الأصل اسم لمخلاف من مخاليف اليمن نزل أهله في سفح جبل قاسيون، فسموا تلك الجهة باسم مخلافهم.
انظر " القلائد الجوهرية " ص 19.
(2) في الأصل: " وولده " وهو خطأ، فإن عبد الله هو ابن المترجم محمد بن يوسف.
(3) " الجرح والتعديل " 8 / 120، و" تهذيب الكمال " لوحة: 1292.

(10/115)


إِلَيْكَ، كِتَابُ قَبِيْصَةَ أَوْ كِتَابُ الفِرْيَابِيِّ؟
قَالَ: كِتَابُ الفِرْيَابِيِّ (1) .
رَوَى عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ:
قَبِيْصَةُ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَالفِرْيَابِيُّ: كُلُّهُم عَنْ سُفْيَانَ قَرِيْبٌ مِنَ السَّوَاءِ (2) .
وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: الفِرْيَابِيُّ فِي سُفْيَانَ؟
قَالَ: مِثْلُهُم -يَعْنِي: مِثْلَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَقَبِيْصَةَ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ (3) -.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: الفِرْيَابِيُّ ثِقَةٌ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ - فِيْمَا حَكَاهُ عَنْهُ الدُّوْلاَبِيُّ -: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ - وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ - عَنْ سُفْيَانَ، بِحَدِيْثٍ... ذَكَرَهُ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: الفِرْيَابِيُّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ يَحْيَى بنِ يَمَانٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ (4) .
وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ، فَوَثَّقَهُ، وَقَدَّمَهُ لِفَضْلِهِ وَنُسُكِهِ عَلَى قَبِيْصَةَ.
وَقَالَ ابْنُ زَنْجُوْيَةَ: مَا رَأَيْتُ أَوْرَعَ مِنَ الفِرْيَابِيِّ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ:
خَرَجْنَا مَعَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ فِي الاسْتِسْقَاءِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَمَا أَرْسَلَهُمَا حَتَّى مُطِرْنَا (5) .
__________
(1) " الجرح والتعديل " 8 / 120، و" تهذيب الكمال " لوحة: 1292.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة: 1292.
(3) " تهذيب الكمال " لوحة: 1292.
(4) " الجرح والتعديل " 8 / 120.
(5) " تهذيب الكمال " لوحة: 1292.

(10/116)


وَقَالَ البُخَارِيُّ: رَأَيْتُ قَوْماً دَخَلُوا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ هَؤُلاَءِ مُرْجِئَةٌ.
فَقَالَ: أَخْرِجُوْهُم.
فَتَابُوا، وَرَجَعُوا (1) .
قَالَ البُخَارِيُّ: وَاسْتَقْبَلَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَهُوَ يُرِيْدُ حِمْصَ، وَنَحْنُ خَارِجُوْنَ مِنْهَا، وَفَاتَهُ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ (2) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: سَأَلْتُ الفِرْيَابِيَّ: مَا تَقُوْلُ؟ أَبُو بَكْرٍ أَفْضَلُ أَوْ لُقْمَانُ؟
فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ هَذَا إِلاَّ مِنْكَ، أَبُو بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْ لُقْمَانَ (3) .
قَالَ العِجْلِيُّ: الفِرْيَابِيُّ: ثِقَةٌ، كَانَتْ سُنَّتُهُ كُوْفِيَّةً.
ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ البَغْدَادِيِّيْنَ:
أَخْطَأَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ فِي خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً وَمائَةٍ مِنْ حَدِيْثِ سُفْيَانَ (4) .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ أَفْرَادَاتٍ، وَلَهُ حَدِيْثٌ كَبِيْرٌ عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَيُقَدَّمُ عَلَى جَمَاعَةٍ فِي الثَّوْرِيِّ، كَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَنُظَرَائِهِ.
وَقَالُوا: الفِرْيَابِيُّ: أَعْلَمُ بِالثَّوْرِيِّ مِنْهُم.
وَرَحَلَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ قَيْسَارِيَّةَ، نُعِيَ إِلَيْهِ، فَعَدَلَ إِلَى حِمْصَ.
وَالفِرْيَابِيُّ - فِيْمَا يَتَبَيَّنُ - صَدُوْقٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ (5) .
أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الدَّرَجِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مَعْمَرٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ
__________
(1) " تهذيب الكمال " لوحة: 1292.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة: 1292.
(3) " تهذيب الكمال " لوحة: 1292.
(4) " تهذيب الكمال " لوحة: 1292.
(5) " الكامل " لابن عدي 3 / لوحة 568، و" تهذيب الكمال " لوحة: 1292، وقد علق الذهبي في " الميزان " على قول ابن عدي: له أفرادات عن الثوري، فقال: لأنه لازمه مدة، فلا ينكر له أن ينفرد عن ذاك البحر.

(10/117)


أَبِي الرَّجَاءِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مَحْمُوْدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ المُقْرِئِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي رَجَاءٍ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُعَاوِيَةَ القَيْسَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، قَالَ:
رَأَيْتُ فِي مَنَامِي كَأَنِّيْ دَخَلْتُ كَرْماً فِيْهِ أَصْنَافُ العِنَبِ، فَأَكَلْتُ مِنْ عِنَبِهِ كُلِّهِ غَيْرَ الأَبْيَضِ، فَلَمْ آكُلْ مِنْهُ شَيْئاً، فَقَصَصْتُهَا عَلَى سُفْيَانَ، فَقَالَ:
تُصِيْبُ مِنَ العِلْمِ كُلِّهِ غَيْرَ الفَرَائِضِ، فَإِنَّهَا جَوْهَرُ العِلْمِ، كَمَا أَنَّ العِنَبَ الأَبْيَضَ جَوْهَرُ العِنَبِ.
فَكَانَ الفِرْيَابِيُّ كَذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ يُجِيْدُ النَّظَرَ فِي الفَرَائِضِ (1) .
وَقَالَ الفَسَوِيُّ: سَمِعْتُ ثِقَةً يَقُوْلُ: قَالَ الفِرْيَابِيُّ: وُلِدْتُ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ (2) .
وَالفِرْيَابِيُّ مِنْ أَكْبَرِ شَيْخٍ لِلْبُخَارِيِّ.
قَالَ البُخَارِيُّ، وَابْنُ يُوْنُسَ:
مَاتَ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (3) .

12 - الفَرَّاءُ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ زِيَادٍ الأَسَدِيُّ *
العَلاَّمَةُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ زِيَادِ بنِ عَبْدِ اللهِ
__________
(1) " تهذيب الكمال " لوحة: 1292، و" الوافي بالوفيات " 5 / 243.
(2) " المعرفة والتاريخ " 1 / 198.
(3) " التاريخ الكبير " 1 / 264.
(*) مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي: 86 طبقات الزبيدي: 143، أخبار النحويين البصريين للسيرافي: 51، فهرست ابن النديم: 73، 74، تاريخ بغداد 14 / 146، الأنساب 9 / 247، نزهة الالباء: 98، معجم الأدباء 20 / 9، إنباه الرواة رقم (814)، وفيات الأعيان 6 / 176 - 182، المختصر في أخبار البشر 2 / 30، تذكرة الحفاظ 1 / 372، تذهيب التهذيب 4 / 153 / 2، العبر 1 / 354، مرآة الجنان 2 / 38 - 41، البداية والنهاية 10 / 261، غاية النهاية 2 / 371، تهذيب التهذيب 11 / 212، روضات الجنات 4 / 235 =

(10/118)


بنِ مَنْظُوْرٍ الأَسَدِيُّ مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ، النَّحْوِيُّ، صَاحِبُ الكِسَائِيِّ.
يَرْوِي عَنْ: قَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَمَنْدَلِ بنِ عَلِيٍّ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَعَلِيِّ بنِ حَمْزَةَ الكِسَائِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: سَلَمَةُ بنُ عَاصِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الجَهْمِ السِّمَّرِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.
وَكَانَ ثِقَةً.
وَرَدَ عَنْ ثَعْلَبٍ: أَنَّهُ قَالَ:
لَوْلاَ الفَرَّاءُ، لَمَا كَانَتْ عَرَبِيَّةً، وَلَسَقَطَتْ؛ لأَنَّهُ خَلَّصَهَا، وَلأَنَّهَا كَانَتْ تُتَنَازَعُ وَيَدِّعِيْهَا كُلُّ أَحِدٍ (1) .
وَنَقَلَ أَبُو بُدَيْلٍ الوَضَّاحِيُّ: أَنَّ المَأْمُوْنَ أَمَرَ الفَرَّاءَ أَنْ يُؤَلِّفَ مَا يُجْمَعَ بِهِ أُصُوْلُ النَّحْوِ، وَأُفْرِدَ فِي حُجْرَةٍ، وَقَرَّرَ لَهُ خَدَماً وَجَوَارِيَ، وَوَرَّاقِيْنَ، فَكَانَ يُمْلِي فِي ذَلِكَ سِنِيْنَ.
قَالَ: وَلَمَّا أَمْلَى كِتَابَ (مَعَانِي القُرْآنِ)، اجْتَمَعَ لَهُ الخَلْقُ، فَكَانَ مِنْ جُمْلَتِهِم ثَمَانُوْنَ قَاضِياً، وَأَمَلَّ (الحَمْدَ) فِي مائَةِ وَرْقَةٍ (2) .
وَكَانَ المَأْمُوْنُ قَدْ وَكَّلَ بِالفَرَّاءِ وَلَدَيْهِ يُلَقِّنُهُمَا النَّحْوَ، فَأَرَادَ القِيَامَ، فَابْتَدَرَا إِلَى نَعْلِهِ، فَقَدَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ فَرْدَةً.
فَبَلَغَ ذَلِكَ المَأْمُوْنَ، فَقَالَ: لَنْ يَكْبُرَ الرَّجُلُ عَنْ تَوَاضُعِهِ لِسُلْطَانِهِ وَأَبِيْهِ وَمُعَلِّمِهِ (3) .
__________
= 239، بغية الوعاة 2 / 333، خلاصة تذهيب الكمال: 423، مفتاح السعادة 1 / 178 - 180.
ولم يذكره المزي في " التهذيب " مع أنه قد علق له البخاري في موضعين من " صحيحه " في تفسير الحديد والعصر.
(1) " تاريخ بغداد " 14 / 149، و" الأنساب " 9 / 247، و" معجم الأدباء " 20 / 11، وعند الأخير " حصلها " بدل " خلصها " وهو تحريف.
(2) الخبر بأطول مما هنا في " تاريخ بغداد " 14 / 149، و" معجم الأدباء " 20 / 12، 13، و" وفيات الأعيان " 6 / 177، 178.
(3) " تاريخ بغداد " 14 / 150 مطولا.

(10/119)


قَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لأَهْلِ بَغْدَادَ وَالكُوْفَةِ مِنَ النُّحَاةِ إِلاَّ الكِسَائِيُّ وَالفَرَّاءُ، لَكَفَى.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الفَرَّاءُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي النَّحْوِ (1) .
وَعَنْ هَنَّادٍ، قَالَ: كَانَ الفَرَّاءُ يَطُوْفُ مَعَنَا عَلَى الشُّيُوْخِ، وَلاَ يَكْتُبُ، فَظَنَنَّا أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ (2) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الجَهْمِ: مَا رَأَيْتُ مَعَ الفَرَّاءِ كِتَاباً قَطُّ إِلاَّ كِتَابَ (يَافِعٍ وَيفْعَةٍ (3)).
وَعَنْ ثُمَامَةَ بنِ أَشْرَسِ: رَأَيْتُ الفَرَّاءَ، فَفَاتَشْتُهُ عَنِ اللُّغَةِ، فَوَجَدْتُهُ بَحْراً، وَعَنِ النَّحْوِ فَشَاهَدْتُهُ نَسِيْجَ وَحْدِهِ، وَعَنِ الفِقْهِ فَوَجَدْتُهُ عَارِفاً بِاخْتِلاَفِ القَوْمِ، وَبِالطِّبِّ خَبِيْراً، وَبِأَيَّامِ العَرَبِ وَالشِّعْرِ وَالنُّجُوْمِ، فَأَعْلَمْتُ بِهِ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَطَلَبَهُ (4) .
وَلِلْفَرَّاءِ: كِتَابُ (البَهِيَّ) فِي حَجْمِ (الفَصِيْحِ) لِثَعْلَبٍ، وَفِيْهِ أَكْثَرُ مَا فِي (الفَصِيْحِ)، غَيْرَ أَنَّ ثَعْلَباً رَتَّبَهُ عَلَى صُوْرَةٍ أُخْرَى.
وَمِقْدَارُ تَوَالِيْفِ الفَرَّاءِ: ثَلاَثَةُ آلاَفِ وَرَقَةٍ.
وَقَالَ سَلَمَةُ: أَمَلَّ الفَرَّاءُ كُتُبَهُ كُلَّهَا حِفْظاً (5) .
وَقِيْلَ: عُرِفَ بِالفَرَّاءِ لأَنَّهُ كَانَ يَفْرِي الكَلاَمَ (6) .
__________
(1) " تاريخ بغداد " 14 / 152، و" معجم الأدباء " 20 / 13.
(2) " تاريخ بغداد " 14 / 152.
(3) " تاريخ بغداد " 14 / 153.
(4) " تاريخ بغداد " 14 / 151، و" معجم الأدباء " 20 / 11، 12، و" وفيات الأعيان " 6 / 177.
(5) " تاريخ بغداد " 14 / 153، و" وفيات الأعيان " 6 / 181.
(6) ذكره السمعاني في " الأنساب " نقلا عن كتاب " الألقاب ".

(10/120)


وَقَالَ سَلَمَةُ: إِنِّيْ لأَعْجَبُ مِنَ الفَرَّاءِ كَيْفَ يُعَظِّمُ الكِسَائِيَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالنَّحْوِ مِنْهُ.
مَاتَ الفَرَّاءُ: بِطَرِيقِ الحَجِّ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-.

13 - هَوْذَةُ بنُ خَلِيْفَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ * (ق)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، مُسْنِدُ بَغْدَادَ، أَبُو الأَشْهَبِ هَوْذَةُ بنُ خَلِيْفَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ نَفِيْعٍ الثَّقَفِيُّ، البَكْرَاوِيُّ، البَصْرِيُّ، الأَصَمُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الحُمْرَانِيِّ، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَالحَسَنِ بنِ عُمَارَةَ، وَطَائِفَةٍ.
وَكَانَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ وَمَعْرِفَةٍ، إِلاَّ أَنَّ أَكْثَرَ كُتُبِهِ عَدِمَتْ، فَحَدَّثَ بِمَا بَقِيَ لَهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ - لاَ الرَّازِيُّ - وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 339، التاريخ الكبير 8 / 246، التاريخ الصغير 2 / 336، الجرح والتعديل 9 / 118، 119، تاريخ بغداد 14 / 94 - 96، تهذيب الكمال لوحة 1449، تذهيب التهذيب 4 / 123 / 1، العبر 1 / 370، الكاشف 3 / 226، ميزان الاعتدال 4 / 311، تهذيب التهذيب 11 / 74، خلاصة تذهيب الكمال: 414.

(10/121)


الحَرْبِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الخَرَّازُ المُقْرِئُ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَوَلَدُهُ؛ عَبْدُ المَلِكِ بنُ هَوْذَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ شَاذَانَ الجَوْهَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ المُؤَدِّبُ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمُ.
رَوَى: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: مَا كَانَ أَصْلَحَ حَدِيْثَهُ (1) !
وَرَوَى الأَثْرَمُ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: مَا كَانَ أَضْبَطَ هَذَا الأَصَمَّ عَنْ عَوْفٍ!
يَعْنِي: هَوْذَةَ.
ثُمَّ قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ صَدُوْقاً (2) .
وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَاصِمٍ الكِلاَبِيُّ: كَتَبْتُ عَنْ هَوْذَةَ صَحِيْفَةَ عَوْفٍ مُنْذُ كَمْ (3) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِلَى مَنْ تَخْتَلِفُ بِبَغْدَادَ؟
قُلْتُ: إِلَى هَوْذَةَ بنِ خَلِيْفَةَ، وَعَفَّانَ.
فَسَكَتَ كَالرَّاضِي بِذَلِكَ (4) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: عَنْ يَحْيَى: هَوْذَةُ بنُ خَلِيْفَةَ، عَنْ عَوْفٍ ضَعِيْفٌ (5) .
وَرَوَى أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحْرِزٍ، عَنْ يَحْيَى:
لَمْ يَكُنْ بِالمَحْمُوْدِ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِهَذِهِ الأَحَادِيْثِ كَمَا جَاءَ بِهَا، وَكَانَ أُطْرُوشاً (6) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (7) .
__________
(1) " تاريخ بغداد " 14 / 95.
(2) " تاريخ بغداد " 14 / 95.
(3) " تاريخ بغداد " 14 / 95.
(4) " الجرح والتعديل " 9 / 119.
(5) الخبر في " تاريخ بغداد " 14 / 95، وما بين معقوفين منه.
(6) " تاريخ بغداد " 14 / 95، والاطروش: الأصم.
(7) " الجرح والتعديل " 9 / 119.

(10/122)


وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (1) .
وَقَالَ أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ: مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ (2) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: مَاتَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَهُوَ ابْنُ اثنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ، بَلَغَنِي أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ (3) .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أُمُّهُ: الزُّهرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ أَبِي بَكْرَةَ، طَلَبَ الحَدِيْثَ، وَكَتَبَ عَنْ يُوْنُسَ، وَهِشَامٍ، وَعَوْفٍ، وَغَيْرِهِم، فَذَهَبَتْ كُتُبُه، وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ إِلاَّ كِتَابُ عَوْفٍ، وَشَيْءٌ يَسِيْرٌ لابْنِ عَوْنٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَشْعَثَ، وَالتَّيْمِيِّ.
قَالَ: وَمَاتَ بِبَغْدَادَ، لَيْلَةَ الثَّلاَثَاءِ، لِعَشرٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ، وَكَانَ رَجُلاً طُوَالاً، أَسْمَرَ، يَخْضِبُ بالحِنَّاءِ (4) .
قُلْتُ: الصَّحِيْحُ مَوْتُهُ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ.
قَالَهُ: جَمَاعَةٌ.
يَقَعُ حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي (القَطِيعيَّاتِ (5))، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
كَتَبَ إِلَيْنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، وَغَيْرُهُ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بنُ طَبَرْزَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ حَسَنٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بنُ خَلِيْفَةَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ،
__________
(1) " تاريخ بغداد " 14 / 95.
(2) " تاريخ بغداد " 14 / 95.
(3) " تهذيب الكمال " لوحة: 1450.
(4) " طبقات ابن سعد " 7 / 339.
(5) هي خمسة أجزاء لأبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شبيب البغدادي القطيعي - لقب بذلك لأنه سكن قطيعة الرقيق ببغداد - مسند العراق المتوفى سنة 368 ه، وهو الراوي عن عبد الله بن الامام أحمد " المسند " و" التاريخ " و" الزهد " و" المسائل " كلها لابيه.

(10/123)


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ أَبُو القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنِ اشْتَرَى لِقْحَةً مُصَرَّاةً، فَحَلَبَهَا، فَهُوَ بِأَحَدِ النَّظَرَيْنِ بِالخِيَارِ: إِنْ شَاءَ حَازَهَا، وَإِن شَاءَ رَدَّهَا وَإِنَاءً مِنْ طَعَامٍ) (1) .

14 - مُظَفَّرُ بنُ مُدْرِكٍ البَغْدَادِيُّ * (ت، ر، س)
الإِمَامُ، الثَّبْتُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، أَبُو كَامِلٍ البَغْدَادِيُّ، أَصْلُهُ خُرَاسَانِيٌّ.
وُلِدَ: قَبْلَ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: عَاصِمِ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَمَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَقَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ، وَزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَشَرِيْكٍ، وَطَبَقَتِهِم.
__________
(1) إسناده صحيح، عوف هو ابن أبي جميلة، ومحمد هو ابن سيرين، وأخرجه أحمد 2 / 259 من طريق عبد الواحد عن عوف، وأخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " 4 / 17 من طريق بكار بن قتيبة، عن روح بن عبادة، عن عوف.
وأخرجه من حديث أبي هريرة مالك 2 / 683، والبخاري 4 / 309، ومسلم (1524)، والترمذي (1251) و(1252)، وأبو داود (3443) و(3444) و(3445)، والنسائي 7 / 253، 254، وأحمد 2 / 242 و317، والدارمي 2 / 251، وعندهم " صاعا من تمر " بدل " وإناء من طعام ".
واللقحة: الناقة القريبة العهد بالنتاج، والمصراة: اسم مفعول من التصرية، وهي حبس اللبن في الضرع أياما حتى يتوهم المبتاع أن ذلك حالها في كل يوم، فيزيد في ثمنها، والمصراة هي الناقة أو البقرة أو الشاة المفعول بها ذلك، وانظر " فتح الباري " 4 / 304، 305.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 337، تاريخ ابن معين: 571، التاريخ الكبير 8 / 74، التاريخ الصغير 2 / 278، الجرح والتعديل 8 / 442، تاريخ بغداد 13 / 125، تهذيب الكمال لوحة 1336، تذهيب التهذيب 4 / 45 / 2، الكاشف 3 / 158، تذكرة الحفاظ 1 / 357، 358، تهذيب التهذيب 11 / 183، طبقات الحفاظ: 159، خلاصة تذهيب الكمال: 397، شذرات الذهب 2 / 18.

(10/124)


وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَبُو مَعْمَرٍ القَطِيْعِيُّ، وَمُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ القُوْمِسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدَانٍ المُقْرِئُ.
رَوَى: مُهَنَّا بنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ:
لاَ أَعْلَمُ أَثْبَتَ فِي زُهَيْرٍ مِنَ الأَشْيَبِ، إِلاَّ أَبَا كَامِلٍ مُظَفَّراً، فَإِنَّهُ كَانَ أَثْبَتَ مِنَ الأَشْيَبِ (1) .
وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ - وَذَكَرَ أَبَا كَامِلٍ - فَقَالَ: لَيْسَ فِيْهِمْ مِثْلُهُ.
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
كَانَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ بِبَغْدَادَ: أَبُو كَامِلٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ الخُزَاعِيُّ، وَالهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ، وَكَانَ الهَيْثَمُ أَحْفَظَهُمْ، وَكَانَ أَبُو كَامِلٍ أَتْقَنَ لِلْحَدِيْثِ مِنْهُمْ (2) .
وَرَوَى: أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ:
أَبُو سَلَمَةَ الخُزَاعِيُّ، وَالهَيْثَمُ، وَأَبُو كَامِلٍ كَانَ لَهُم بَصَرٌ بِالحَدِيْثِ وَالرِّجَالِ، وَلاَ يَكْتُبُوْنَ إِلاَّ عَنِ الثِّقَاتِ، وَكَانَ أَبُو كَامِلٍ مُتْقِناً، بَصِيْراً بِالحَدِيْثِ، يُشْبِهُ النَّاسَ، لاَ يَتَكَلَّمُ إِلاَّ أَنْ يُسْأَلَ، فَيُجِيْبُ أَوْ يَسْكُتُ، لَهُ عَقْلٌ سَدِيدٌ، وَالهَيْثَمُ كَانَ أَحْفَظَهُمْ، وَأَبُو سَلَمَةَ كَانَ مِنْ أَبْصَرِ النَّاسِ بِأَيَّامِ النَّاسِ، لاَ تَسْأَلُهُ عَنْ أَحَدٍ، إِلاَّ جَاءَكَ بِمَعْرِفَةٍ، وَكَانَ يَتَفَقَّهُ (3) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: تَرَاضَوْا مَرَّةً بِأَبِي كَامِلٍ أَنْ يَسْأَلَ شَرِيْكاً، فَقُلْتُ لَهُ بِبَغْدَادَ، فَقَالَ: حِيْنَ خَرَجَ تَبِعُوهُ - أَوْ نَحْوَ هَذَا -.
فَتَرَاضَوا بِهِ، وَكَانَ
__________
(1) " تهذيب الكمال " لوحة 1336.
(2) انظر " العلل " لأحمد: 171، 172.
(3) تهذيب الكمال " لوحة: 1336.

(10/125)


يَوْمَئِذٍ يُعَدُّ مِنْ أَهْلِ الفَضْلِ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
أَيْشٍ يَقُوْلُ أَبُو كَامِلٍ فِي حَدِيْثٍ مِنْ حَدِيْثِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ (1) .
قَالَ أَحْمَدُ: سَمِعْتُ أَبَا كَامِلٍ مُنْذُ نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ لَهُ وَقَارٌ وَهَيْبَةٌ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، يَقُوْلُ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي إِبْرَاهِيْمَ مَنْصُوْرٌ.
وَقَالَ أَبُو كَامِلٍ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ أَصَحُّ حَدِيْثاً مِنَ اللَّيْثِ، وَكَانَ أَبُو مَعْشَرٍ لاَ يَضْبِطُ الإِسْنَادَ (2) .
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ ذَكَرَ أَبَا كَامِلٍ، فَقَالَ:
كُنْتُ آخُذُ عَنْهُ هَذَا الشَّأْنِ، وَكَانَ بَغْدَادِيّاً مِنَ الأَبنَاءِ (3) ، وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً، قَلَّ مَا رَأَيْتُ مَنْ يُشْبِهُهُ (4) .
وَرَوَى: المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ (5) ، عَنْ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو كَامِلٍ ثِقَةً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ (6) .
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: سَمِعْتُ أَبَا خَيْثَمَةَ يَقُوْلُ:
مَا كَانَ أَبُو كَامِلٍ عِنْدَنَا بِدُوْنِ وَكِيْعٍ عِنْدَ الكُوْفِيِّيْنَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَ البَصْرِيِّيْنَ (7) .
__________
(1) " تهذيب الكمال " لوحة: 1336، و" تاريخ بغداد " 13 / 125.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة: 1336.
(3) يقال لاولاد فارس: الابناء، وهم الذين أرسلهم كسرى مع سيف بن ذي يزن لما جاء يستنجده على الحبشة، فنصروه، وملكوا اليمن، وتديروها، وتزوجوا في العرب، فقيل لاولادهم: الابناء، وغلب عليهم هذا الاسم لان أمهاتهم من غير جنس آبائهم.
(4) " تهذيب الكمال " لوحة: 1336، وانظر " تاريخ بغداد " 13 / 125، 126.
(5) الغلابي: بالغين المعجمة المفتوحة والتخفيف كما ضبطه صاحبا " التوضيح " و" التبصير " والسيوطي وهو المفضل بن غسان بن المفضل أبو عبد الرحمن الغلابي، ترجمه الخطيب في " تاريخه " 13 / 124 ووثقه.
(6) " تهذيب الكمال " لوحة 1337، و" تاريخ بغداد " 13 / 125.
(7) " تهذيب الكمال " لوحة 1337، و" تاريخ بغداد " 13 / 126.

(10/126)


وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ، ثِقَةٌ (1) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ (2) .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ الجَلاَّبُ (3) : قِيْلَ لإِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيِّ: رَأَيْتَ أَبَا كَامِلٍ؟
قَالَ: لاَ، مَاتَ سَنَةَ مَوْتِ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ (4) .
وَقَدْ وَهِمَ ابْنُ عَدِيٍّ، وَعَدَّهُ فِي شُيُوْخِ البُخَارِيِّ (5) .

15 - يَحْيَى بنُ حَسَّانِ بنِ حَيَّانَ البَكْرِيُّ * (خَ، م، د، ت، س (6))
الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، أَبُو زَكَرِيَّا البَكْرِيُّ، البَصْرِيُّ، ثُمَّ التِّنِّيْسِيُّ، نَزِيْلُ تِنِّيْسَ.
وَأَمَّا ابْنُ حَيَّانَ، فَيُقَالُ: أَصْلُهُ مِنْ دِمَشْقَ.
وَقَالَ دُحَيْمٌ: مَوْلِدُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
رَوَى عَنْ: حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَاللَّيْثِ بنِ
__________
(1) " تهذيب الكمال " لوحة 1337، و" تاريخ بغداد " 13 / 126.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة 1337، و" تاريخ بغداد " 13 / 126.
(3) نسبة إلى من يجلب الرقيق والدواب من موضع إلى موضع.
انظر " الأنساب للسمعاني 3 / 399.
(4) " تهذيب الكمال " لوحة 1337، و" تاريخ بغداد " 13 / 126.
(5) لان أول رحلة البخاري كانت سنة عشر ومئتين، وقد سبق المؤلف إلى هذا التنبيه على هذا الوهم الحافظ المزي في " التهذيب " لوحة 1337، وتابعهما الحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب ".
(*) التاريخ الكبير 8 / 269، التاريخ الصغير 2 / 314، الجرح والتعديل 9 / 135، تهذيب الكمال لوحة 1492، تذهيب التهذيب 4 / 151 / 1، الكاشف 3 / 252، العبر 1 / 356، تهذيب التهذيب 11 / 197، حسن المحاضرة 1 / 287، خلاصة تذهيب الكمال: 422.
(6) في الأصل: " حبان " بالباء الموحدة وهو خطأ.

(10/127)


سَعْدٍ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَابْنِ أَبِي المَوَالِ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى الزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ المَخْرَمِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ الرَّبِيْعِ بنِ سَبْرَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ رَاشِدٍ المَكْحُوْلِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ سَلاَّمٍ، وَوُهَيْبِ بنِ خَالِدٍ، وَمَنْصُوْرِ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُهَاجِرٍ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ، وَقُرَيْشِ بنِ حَيَّانَ، وَمُجَمِّعِ بنِ يَعْقُوْبَ، وَهُشَيْمٍ، وَعِدَّةٍ.
وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ الأَبْرَارِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ وَزِيْرٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَالإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - وَمَاتَ قَبْلَهُ - وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَجَعْفَرُ بنُ مُسَافِرٍ، وَدُحَيْمٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَرْقِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مِسْكِيْنٍ اليَمَامِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَالرَّبِيْعُ المُرَادِيُّ، وَبَحْرُ بنُ نَصْرٍ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَآخَرُوْنَ، وَابْنُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى.
رَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ: ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ.
وَالأَثْرَمُ: عَنْ أَحْمَدَ: كَانَ ثِقَةً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ (1) .
وَقَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، عَالِماً بِالحَدِيْثِ (2) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ (3) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ (4) .
__________
(1) " تهذيب الكمال " لوحة 1492.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة 1492.
(3) " تهذيب الكمال " لوحة 1492.
(4) " الجرح والتعديل " 9 / 135.

(10/128)


قُلْتُ: لَوْ كَانَ لَحِقَهُ، لَقَالَ: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ.
وَجَاءَ فِي (ذَمِّ الكَلاَمِ (1)) حَدِيْثٌ لِيَحْيَى بنِ حَسَّانٍ عَنْ شُعْبَةَ، وَمَا أَظُنُّهُ لَقِيَهُ.
قَالَ مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ فِيْمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ:
لَوْ رَأَيْتَنِي وَالوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ نَطْلُبُ الحَدِيْثَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ يَحْيَى بنُ حَسَّانٍ، لَرَحِمْتَنَا، لَمْ نَكُنْ نُحْسِنُ نَطْلُبُ حَتَّى قَدِمَ يَحْيَى بنُ حَسَّانٍ (2) .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: قَدْ خَلَّفَ يَحْيَى بنُ حَسَّانٍ كَذَا كَذَا أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَمَا كَانَ لَهُ مَالٌ قَدِيْمٌ (3) .
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: كَانَ ثِقَةً، حَسَنَ الحَدِيْثِ، وَصَنَّفَ كُتُباً، وَحَدَّثَ بِهَا (4) .
قَالَ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجَروِيُّ، وَابْنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَتَيْنِ.
زَادَ ابْن يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ، بِمِصْرَ، وَوَهِمَ مَنْ قَالَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ.
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيٍّ، وَهَدِيَّةُ بِنْتُ عَسْكَرٍ، وَعِدَّةٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَمُّوَيْه، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
__________
(1) هو لأبي إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الهروي الحنبلي الصوفي المتوفى سنة 481 ه وهو صاحب كتاب " منازل السائرين " الذي شرحه الامام ابن القيم بكتابه العظيم " مدارج السالكين ".
(2) " الجرح والتعديل " 9 / 135.
(3) " تهذيب الكمال " لوحة 1492.
(4) " تهذيب الكمال " لوحة 1492.

(10/129)


اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ حَسَّانٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَجُوْعُ أَهْلُ بَيْتٍ عِنْدَهُمُ التَّمْرُ (1)).
وَبِهِ: عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (نِعْمَ الإِدَامُ الخَلُّ (2)).
أَخْرَجَهُمَا: مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، فَوَافَقْنَاهُمَا بِعُلُوٍّ.

16 - قَبِيْصَةُ بنُ عُقْبَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سُفْيَانَ السُّوَائِيُّ * (ع)
ابْنِ عُقْبَةَ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ جُنَيْدِبِ بنِ رَبَابِ بنِ
__________
(1) أخرجه مسلم (2046) في الاشربة: باب في إدخال التمر ونحوه من الاقوات للعيال من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بهذا الإسناد، وأخرجه أيضا (2046) (153) من طريق عبد الله بن مسلمة بن قعنب، عن يعقوب بن محمد بن طحلاء، عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن، عن أمه، عن عائشة.
وأخرجه أبو داود (3831) في الاطعمة، والترمذي (1815) في الاطعمة، وابن ماجه (3327) من طريقين عن سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة بلفظ: " بيت لا تمر فيه جياع أهله ".
(2) أخرجه مسلم (2051) في الاشربة: باب فضيلة الخل والتأدم به، والترمذي (1840) في الاطعمة: باب ما جاء في الخل، من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بهذا
الإسناد، وأخرجه ابن ماجه (3316) في الاطعمة: باب الائتدام بالخل، من طريق أحمد بن أبي الحواري، عن مروان بن محمد، عن سليمان بن بلال بهذا الإسناد، وأخرج مسلم (2052) (167)، وأبو داود (3821)، والنسائي 7 / 14 من طرق عن المثنى بن سعيد، حدثني طلحة بن نافع، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ذات يوم إلى منزله، فأخرج إليه فلقا من خبز، فقال: " ما من أدم ؟ " فقالوا: لا، إلا شيء من خل.
قال: " فإن الخل نعم الادم ".
قال جابر: فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من نبي الله صلى الله عليه وسلم.
وقال طلحة: ما زلت أحب الخل منذ سمعتها من جابر.
(*) تاريخ ابن معين: 484، طبقات خليفة ت (1332)، التاريخ الكبير 7 / 177، التاريخ الصغير 2 / 333، الجرح والتعديل 7 / 126، تهذيب الكمال لوحة 1120، تذهيب التهذيب 3 / 154 / 2، الكاشف 2 / 396، تذكرة الحفاظ 1 / 373 - 375، العبر 1 / 368، ميزان الاعتدال 3 / 383، تهذيب التهذيب 8 / 347، مقدمة فتح الباري: ص 435، طبقات الحفاظ: 161، خلاصة تذهيب الكمال: 314.

(10/130)


حَبِيْبِ بنِ سُوَاءةَ بنِ عَامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ، الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، العَابِدُ، أَبُو عَامِرٍ السُّوَائِيُّ، الكُوْفِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عِيْسَى بنِ طَهْمَانَ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَعَاصِمِ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَمِسْعَرٍ، وَشُعْبَةَ، وَوَرْقَاءَ، وَحَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - فَأَكْثَرَ عَنْهُ - وَصَفْوَانَ بنِ أَبِي الصَّهْبَاءِ، وَوَهْبِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبِي الأَشْهَبِ العُطَارِدِيِّ، وَخَلْقٍ.
وَمَا أَظُنُّهُ ارْتَحَلَ فِي الحَدِيْثِ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَهَنَّادٌ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَأَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَالبُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ)، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَأَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ النَّرْسِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ سَيَّارٍ النَّصِيْبِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَحَفْصُ بنُ عُمَرَ سَنْجَه، وَحَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُهُ؛ عُقْبَةُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ حَدَثٌ.
قَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: هُوَ أَصْغَرُ مِنِّي بِسَنَتَيْنِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، مِنْ طَرِيْقِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْهُ:
قَبِيْصَةُ: ثِقَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، إِلاَّ فِي حَدِيْثِ سُفْيَانَ، فَلَيْسَ بِذَاكَ القَوِيِّ، فَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ وَهُوَ صَغِيْرٌ (1) .
__________
(1) " تاريخ بغداد " 12 / 474، و" تهذيب الكمال " لوحة 1121.

(10/131)


وَقَالَ الفَسَوِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ:
قَبِيْصَةُ أَكْبَرُ مِنْ يَحْيَى بنِ آدَمَ بِشَهْرَيْنِ، وَسَمِعْتُ قَبِيْصَةَ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ عِنْدَ شَرِيْكٍ، فَامْتَحَنَنِي فِي شَهَادَتِي، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسُفْيَانَ، فَأَنْكَرَ عَلَى شَرِيْكٍ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْتَحِنَهُ، وَصَلَّيْتُ بِسُفْيَانَ الفَرِيضَةَ (1) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: قُلْتُ لِلْفِرْيَابِيِّ: أَرَأَيْتَ قَبِيْصَةَ عِنْدَ سُفْيَانَ؟
قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُهُ صَغِيْراً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: لَوْ حَدَّثَنَا قَبِيْصَةُ عَنِ النَّخَعِيِّ، لَقَبِلْنَا مِنْهُ (2) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ قَبِيْصَةَ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، فَقَالَ:
كَانَ قَبِيْصَةُ أَفْضَلَ الرَّجُلَيْنِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ أَتقَنَهُمَا، وَلَمْ أَرَ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ مَنْ يَحْفَظُ وَيَأْتِي بِالحَدِيْثِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ لاَ يُغَيِّرُهُ سِوَى قَبِيْصَةَ وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي حَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ، وَسِوَى يَحْيَى الحِمَّانِيِّ فِي حَدِيْثِ شَرِيْكٍ، وَعَلِيِّ بنِ الجَعْدِ فِي حَدِيْثِهِ (3) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَأَلْتُ أَبَا دَاوُدَ عَنْ قَبِيْصَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، فَقَالَ:
قَبِيْصَةُ أَسْلَمُ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ، كَانَ قَبِيْصَةُ، وَأَبُو عَامِرٍ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ لاَ يَحْفَظُوْنَ، ثُمَّ حَفِظُوا بَعْدُ (4) .
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ سَيَّارٍ: مَا رَأَيْتُ فِي الشُّيُوْخِ أَحْفَظَ مِنْ قَبِيْصَةَ (5) .
__________
(1) " تاريخ الفسوي " 1 / 717، وتمامه فيه: ذكر أي صلاة كانت فذهب علي.
(2) " تاريخ أبي زرعة الدمشقي " 1 / 580، و" تاريخ بغداد " 12 / 475، قال ذلك لما قيل له: إن قبيصة كان صغيرا حين سمع من سفيان.
(3) " الجرح والتعديل " 7 / 126، 127.
(4) " تاريخ بغداد " 12 / 475، و" تهذيب الكمال " لوحة 1121.
(5) " تاريخ بغداد " 12 / 475، و" تهذيب الكمال " لوحة 1121.

(10/132)


وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشِ: صَدُوْقٌ (1) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَرَوَى: حَنْبَلٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ كَثِيْرَ الغَلَطِ، وَكَانَ صَغِيْراً لاَ يَضْبِطُ.
قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: فَفِي غَيْرِ سُفْيَانَ؟
قَالَ: كَانَ رَجُلاً صَالِحاً، ثِقَةً، لاَ بَأْسَ بِهِ فِي بَدَنِهِ، وَأَيُّ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ؟ -يَعْنِي: أَنَّهُ كَثِيْرُ الحَدِيْثِ (2) -.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي ذَكَرَ قَبِيْصَةَ، وَأَبَا حُذَيْفَةَ، فَقَالَ:
قَبِيْصَةُ أَثْبَتُ مِنْهُ جِدّاً -يَعْنِي: فِي حَدِيْثِ سُفْيَانَ- أَبُو حُذَيْفَةَ شِبْهُ لاَ شَيْءَ، وَقَدْ كَتَبْتُ عَنْهُمَا جَمِيْعاً (3) .
وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةَ: كَانَ قَبِيْصَةُ رَجُلاً صَالِحاً، تَكَلَّمُوا فِي سَمَاعِهِ مِنْ سُفْيَانَ (4) .
قُلْتُ: الرَّجُلُ ثِقَةٌ، وَمَا هُوَ فِي سُفْيَانَ كَابْنِ مَهْدِيٍّ، وَوَكِيْعٍ، وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ الجَمَاعَةُ فِي سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ مِنَ العَابِدِيْنَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ: سَمِعْتُ هَنَّاداً يَقُوْلُ غَيْرَ مَرَّةٍ إِذَا ذُكِرَ قَبِيْصَةُ: الرَّجُلُ الصَّالِحُ.
وَتَدْمَعُ عَيْنَاهُ، وَكَانَ هَنَّادٌ كَثِيْرَ البُكَاءِ (5) .
وَقَالَ الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ الأَعْرَجُ: كَانَ قَبِيْصَةُ يُحَدِّثُ بِحَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 12 / 475، و" تهذيب الكمال " لوحة 1121.
(2) " تاريخ بغداد " 12 / 474، و" تهذيب الكمال " لوحة 1121.
(3) " العلل " لأحمد: 124.
(4) " تاريخ بغداد " 12 / 474، 475، و" تهذيب الكمال " لوحة 1121.
(5) " تاريخ بغداد " 12 / 475، و" تهذيب الكمال " لوحة 1121.

(10/133)


عَلَى الوِلاَءِ (1) ، دَرْساً دَرْساً حِفْظاً (2) .
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ دَاوُدَ بنِ مَنْصُوْرٍ الفَارِسِيُّ: سَمِعْتُ حَفْصَ بنَ عُمَرَ قَالَ:
مَا رَأَيْتُ مِثْلَ قَبِيْصَةَ! مَا رَأَيْتهُ مُتَبَسِّماً قَطُّ، مِنْ عِبَادِ الله الصَّالِحِيْنَ (3) .
قُلْتُ: كَذَا كَانَ -وَاللهِ- أَهْلُ الحَدِيْثِ، العِلْمَ وَالعِبَادَةَ، وَاليَوْمَ فَلاَ عِلْمَ وَلاَ عِبَادَةَ، بَلْ تَخْبِيْطٌ، وَلَحنٌ، وَتَصْحِيْفٌ كَثِيْرٌ، وَحِفْظٌ يَسِيْرٌ، وَإِذَا لَمْ يَرْتَكِبِ العَظَائِمَ، وَلاَ يُخِلَّ بِالفَرَائِضِ، فَلِلَّهِ دَرُّهُ.
قَالَ جَعْفَرُ بنُ حَمْدُوَيْه: كُنَّا عَلَى بَابِ قَبِيْصَةَ، وَمَعَنَا دُلَفُ ابْنُ الأَمِيْرِ أَبِي دُلَفٍ (4) ، وَمَعَهُ الخَدَمُ يَكْتُبُ الحَدِيْثَ، فَصَارَ إِلَى بَابِ قَبِيْصَةَ، فَدَقَّ عَلَيْهِ، فَأَبطَأَ قَبِيْصَةُ، فَعَاوَدَهُ الخَدَمُ، وَقِيْلَ لَهُ: ابْنُ مَلِكِ الجَبَلِ عَلَى البَابِ وَأَنْت لاَ تَخْرُجُ إِلَيْهِ!
فَخَرَجَ وَفِي طَرَفِ إِزَارِه كِسَرٌ مِنَ الخُبْزِ، فَقَالَ: رَجُلٌ قَدْ رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِهَذَا، مَا يَصْنَعُ بِابْنِ مَلِكِ الجَبَلِ، وَاللهِ لاَ حَدَّثْتُهُ، فَلَمْ يُحَدِّثْهُ (5) .
قَالَ هَارُوْنُ الحَمَّالُ: سَمِعْتُ قَبِيْصَةَ يَقُوْلُ:
جَالَسْتُ الثَّوْرِيَّ وَأَنَا ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، ثَلاَثَ سِنِيْنَ (6) .
وَمِنْ تَعَنُّتِ القَاضِي أَبِي الحَسَنِ بنِ القَطَّانِ المَغْرِبِيِّ (7) - الحَافِظَ عبدَ
__________
(1) أي: متابعة، يقال: والى بين الامر موالاة وولاء: تابع، وافعل هذه الاشياء على الولاء، أي: متابعة.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة 1121.
(3) " تهذيب الكمال " لوحة 1121.
(4) سترد ترجمة الأمير أبي دلف في الصفحة 561 من هذا الجزء.
(5) " تاريخ بغداد " 12 / 476.
(6) " تهذيب الكمال " لوحة 1121.
(7) هو الحافظ العلامة قاضي الجماعة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى =

(10/134)


الحَقِّ - قَوْلُهُ: يَرْوِي فِي (الأَحْكَامِ) لِقَبِيْصَةَ، وَلاَ يَعرِضُ لَهُ، وَهُوَ عِنْدَهُم كَثِيْرُ الخَطَأِ.
قُلْتُ: قَدْ قَفَزَ قَبِيْصَةُ القَنْطَرَةَ، وَاحتَجُّوا بِهِ، فَأَرنِي الحَدِيْثَ المُنْكَرَ الَّذِي يُنْقَمُ بِهِ عَلَى قَبِيْصَةَ.
قَالَ السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ حَاتَمٍ، وَمُطَيَّنُ، وَغَيْرُهُمُ: مَاتَ قَبِيْصَةُ سنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
وَشَذَّ: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ الدِّمَشْقِيُّ - بَلْ وَهِمَ - فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ.
رَوَوْا لَهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.
وَهُوَ أَخُو:

17 - سُفْيَانَ بنِ عُقْبَةَ السُّوَائِيِّ * (4)
وَهَذَا الأَكْبَرُ.
لَقِيَ حُسَيْناً المُعَلِّمُ، وَمِسْعَراً، وَعِدَّةً.
__________
= الحميري الفاسي الشهير بابن القطان، المتوفى سنة 628 ه، وصفه ابن الابار بأنه من أبصر الناس بصناعة الحديث وأحفظهم لاسماء رجاله، وأشدهم عناية بالرواية.
وكتابه " الوهم والإيهام " الذي وضعه على " الاحكام الكبرى " للحافظ العلامة عبد الحق الاشبيلي المتوفى سنة 581 ه يدل على حفظه وقوة فهمه وبراعته في النقد، إلا أنه كما قال المؤلف في " تذكرته " 1407: تعنت في أحوال رجال فما أنصف، بحيث إنه أخذ يلين هشام بن عروة ونحوه.
وانظر ما قاله أيضا في " الميزان " في ترجمة هشام بن عروة.
قلت: وكتابه " الوهم والإيهام " لم يطبع بعد، وهو في مجلدين، الأول في 284 ورقة، والثاني في 285 ورقة، وعندنا منه نسخة مصورة، جاء في آخرها: بلغ مقابلة على نسخة أصله بتاريخ الثامن من جمادى الأولى سنة عشرين وسبع مئة.
(*) التاريخ الكبير 4 / 95، الجرح والتعديل 4 / 230، تهذيب الكمال لوحة 517، تذهيب التهذيب 2 / 36 / 1، الكاشف 1 / 378، تهذيب التهذيب 11 / 116، 117، خلاصة تذهيب الكمال: 145.

(10/135)


رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ فِيْهِ ابْنُ نُمَيْرٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
قُلْتُ: بَقِيَ إِلَى بَعْدِ المائَتَيْنِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.

18 - مُوْسَى بنُ دَاوُدَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الضَّبِّيُّ * (م، د، س، ق)
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، الضَّبِّيُّ، الطَّرَسُوْسِيُّ، الكُوْفِيُّ الأَصْلِ، الخُلْقَانِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ، ثُمَّ قَاضِي طَرَسُوسَ وَعَالِمُهَا.
سَمِعَ: شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمُبَارَكَ بنَ فَضَالَةَ، وَحَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ المَاجَشُوْنِ، وَزُهَيْرَ بنَ مُعَاوِيَةَ، وَنَافِعَ بنَ عُمَرَ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَالذُّهْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الأَزْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي خَلَفٍ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: كَانَ زَاهِداً، ثِقَةً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ.
وَلِيَ قَضَاءَ المَصِّيْصَةِ (1) .
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 345، التاريخ الكبير 7 / 283، الجرح والتعديل 8 / 140، تاريخ بغداد 13 / 33، تهذيب الكمال لوحة 1384، تذهيب التهذيب 4 / 78 / 2، العبر 1 / 371، تذكرة الحفاظ 1 / 387، الكاشف 3 / 183، ميزان الاعتدال 4 / 204، تهذيب التهذيب 10 / 342، طبقات الحفاظ: 163، خلاصة تذهيب الكمال: 390، شذرات الذهب 2 / 38.
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 34.

(10/136)


وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ مُصَنِّفاً مُكْثِراً، مَأْمُوْناً، وَلِيَ قَضَاءَ الثُّغُوْرِ (1) .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي (الطَّبَقَاتِ (2)): كَانَ ثِقَةً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ، وَلِيَ قَضَاءَ طَرَسُوسَ، وَبِهَا مَاتَ، فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: لَهُ فِي الصَّلاَةِ مِنْ (صَحِيْح مُسْلِمِ) حَدِيْثٌ وَاحِدٌ (3) ، وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ: بِشْرُ بنُ مُوْسَى الأَسَدِيُّ، وَقَدْ خَرَّجَ لَهُ أَيْضاً أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ.

19 - أَبُو حُذَيْفَةَ مُوْسَى بنُ مَسْعُوْدٍ النَّهْدِيُّ * (خَ، د، ت، ق)
المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو حُذَيْفَةَ مُوْسَى بنُ مَسْعُوْدٍ النَّهْدِيُّ، البَصْرِيُّ.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، بَلْ قَبْلُ.
حَدَّثَ عَنْ: أَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ مِنَ التَّابِعِيْنَ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَهُوَ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 34.
(2) 7 / 345.
(3) برقم (571) في المساجد: باب السهو في الصلاة والسجود له، من طريق محمد ابن أحمد بن أبي خلف، حدثنا موسى بن داود، حدثنا سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى، ثلاثا أم أربعا ؟ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لاربع كانتا ترغيما للشيطان ".
(*) طبقات خليفة ت (1955)، التاريخ الكبير 7 / 295، التاريخ الصغير 2 / 340، الجرح والتعديل 8 / 163، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 484، المعجم المشتمل: 298، تهذيب الكمال لوحة 1392، الكاشف 3 / 188، 189، تذهيب التهذيب 4 / 83 / 1، العبر 1 / 381، ميزان الاعتدال 4 / 221، تهذيب التهذيب 10 / 370، مقدمة فتح الباري: ص 446، 447، خلاصة تذهيب الكمال: 392، شذرات الذهب 2 / 48.

(10/137)


تَابِعِيٌّ أَيْضاً، وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فَأَكْثَرَ، وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، وَزَائِدَةَ، وَشِبْلِ بنِ عَبَّادٍ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ (1) ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وَالذُّهْلِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَأَحْمَدُ بنُ شَبُّوْيَه، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَحَمَّادُ بنُ إِسْحَاقَ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ كَيْسَان المَصِّيْصِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ تَمْتَامِ، وَمُحَمَّدُ بنُ زَكَرِيَّا الأَصْبَهَانِيُّ، وَحَفْصُ بنُ عُمَرَ الرَّقِّيُّ سِنْجَه، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، مَعْرُوْفٌ بِالثَّوْرِيِّ، كَانَ الثَّوْرِيُّ قَدْ نَزَلَ بِالبَصْرَةِ عَلَى رَجُلٍ، وَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ مَعَهُم، فَكَانَ سُفْيَانُ يُوَجِّهُ أَبَا حُذَيْفَةَ فِي حَوَائِجِهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُصَحِّفُ.
رَوَى عَنِ الثَّوْرِيِّ بَضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، وَفِي بَعْضِهَا شَيْءٌ (2) .
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في مقدمة " الفتح " ص 446: من شيوخ البخاري صدوق في حفظه شيء.
قاله أحمد.
وقال ابن معين: لم يكن من أهل الكذب.
وقال العجلي: ثقة.
وقال أبو حاتم: صدوق ولكنه كان يصحف، وروى عن الثوري بضعة عشر ألف حديث، وفي بعضها شيء، وهو أقل خطأ من مؤمل بن إسماعيل.
وقال ابن خزيمة: لا يحتج به.
وقال الساجي: كان يصحف وهو لين.
وقال الترمذي: يضعف في الحديث.
قلت: روى عنه البخاري أحاديث، أحدها في العتق بمتابعة الربيع بن يحيى، كلاهما عن زائدة بمتابعة عثام بن علي، كلاهما عن هشام بن عروة، عن امرأته فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر في الامر بالعتاقة في الكسوف.
وثانيها في الرقاق حديث ابن مسعود: " الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك " وقد تابعه عليه وكيع وغيره عن سفيان.
ثالثها في القدر حديث حذيفة: " لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما ترك فيها شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره "..الحديث.
وقد تابعه أبو معاوية ووكيع عند مسلم، وهذا جميع ما له في البخاري، وعلق عنه
موضعا آخر في آخر الجهاد، وهو حديث أبي إسحاق، عن البراء في صلح الحديبية، وهو عنده من طرق أخرى عن أبي إسحاق.
(2) " الجرح والتعديل " 8 / 163.

(10/138)


وَقَالَ بُنْدَارُ: هُوَ ضَعِيْفٌ.
وَقَالَ الفَلاَّسُ: لاَ يُحَدِّثُ عَنْهُ مَنْ يُبْصِرُ الحَدِيْثَ (1) .
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: قِيْلَ: إِنَّ الثَّوْرِيَّ تَزَوَّجَ أُمَّهُ لَمَّا أَتَى البَصْرَةَ (2) .
وَقِيْلَ: كَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ مُعَلِّماً.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَفِيْهَا أَرَّخَهُ البُخَارِيُّ.
وَقِيْلَ: عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.

20 - يَحْيَى بنُ حَمَّادِ بنِ أَبِي زِيَادٍ الشَّيْبَانِيُّ * (خَ، م، ت، س، ق)
، الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو مُحَمَّدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، مَوْلاَهُمُ البَصْرِيُّ، خَتَنُ أَبِي عَوَانَةَ.
حَدَّثَ عَنْ: شُعْبَةَ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَهَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَجُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المُخْتَارِ، وَأَكْثَرَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ.
رَوَى عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَبُنْدَارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَحَمِيْدُ بنُ زَنْجُوْيَةَ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ السُّرْمَارِيُّ (3) ، وَبَكَّارُ بنُ قُتَيْبَةَ، وَالحَسَنُ
__________
(1) " ميزان الاعتدال " 4 / 221.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة 1392.
(*) التاريخ الكبير 8 / 267، التاريخ الصغير 2 / 224، الجرح والتعديل 9 / 137، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 559، المعجم المشتمل: 318، تهذيب الكمال لوحة 1493، تذهيب التهذيب 4 / 151 / 2، تهذيب التهذيب 11 / 199، خلاصة تذهيب الكمال: 422.
(3) نسبة إلى سرمارى: قرية من قرى بخارى.

(10/139)


ابْنُ مُدْرِكٍ الطَّحَّانُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ حَجَّاجِ بنِ مِنْهَالٍ، وَوَلَدُهُ حَمَّادُ بنُ يَحْيَى بنِ حَمَّادٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ (1) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ النُّعْمَانِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ: لَمْ أَرَ أَعْبَدَ مِنْ يَحْيَى بنِ حَمَّادِ، وَأَظُنُّهُ لَمْ يَضْحَكْ (2) .
قُلْتُ: الضَّحِكُ اليَسِيْرُ، وَالتَّبَسُّمُ أَفْضَلُ، وَعَدَمُ ذَلِكَ مِنْ مَشَايخِ العِلْمِ عَلَى قِسْمَينِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُوْنُ فَاضِلاً لِمَنْ تَرَكَهُ أَدَباً وَخَوْفاً مِنَ اللهِ، وَحُزْناً عَلَى نَفْسِهِ المِسْكِيْنَةِ.
وَالثَّانِي: مَذْمُوْمٌ لِمَنْ فَعَلَهُ حُمْقاً، وَكِبْراً، وَتَصَنُّعاً.
كَمَا أَنَّ مَنْ أَكْثَرَ الضَّحِكَ اسْتُخِفَّ بِهِ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّ الضَّحِكَ فِي الشَّبَابِ أَخَفُّ مِنْهُ وَأَعْذَرُ مِنْهُ فِي الشُّيُوْخِ.
وَأَمَّا التَّبَسُّمُ، وَطلاَقَةُ الوَجْهِ، فَأَرْفَعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهُ.
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيْكَ صَدَقَةً (3)).
وَقَالَ جَرِيْرٌ: مَا رَآنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
__________
(1) في " الطبقات " 7 / 306.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة 1493.
(3) أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (891)، والترمذي (1956) في البر والصلة: باب ما جاء في صنائع المعروف، من طريق عكرمة بن عمار، عن أبي زميل سماك =

(10/140)


إِلاَّ تبسَّمَ (1)).
فَهَذَا هُوَ خُلُقُ الإِسْلاَمِ، فَأَعْلَى المَقَامَاتِ مَنْ كَانَ بَكَّاءً بِاللَّيْلِ، بَسَّاماً بِالنَّهَارِ.
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: (لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، فَلْيَسَعْهُم مِنْكُم بَسْطُ الوَجْهِ (2)).
بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ ضَحُوكاً بَسَّاماً أَنْ يُقَصِّرَ مِنْ ذَلِكَ، وَيَلُوْمَ نَفْسَهُ حَتَّى لاَ تَمَجُّهُ الأَنْفُسُ، وَيَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ عَبُوساً مُنْقَبِضاً أَنْ يَتَبَسَّمَ، وَيُحسِّنَ خُلُقَهُ، وَيَمْقُتَ نَفْسَهُ عَلَى رَدَاءةِ خُلُقِهِ، وَكُلُّ انحِرَافٍ عَنِ الاعتدَالِ فَمَذْمُوْمٌ، وَلاَ بُدَّ لِلنَّفْسِ مِنْ مُجَاهدَةٍ وَتَأْدِيْبٍ.
رَوَى البُخَارِيُّ، عَنِ الحَسَنِ بنِ مُدْرِكِ: أَنَّ يَحْيَى بنَ حَمَّادٍ -رَحِمَهُ اللهُ- مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (3) .
__________
= ابن الوليد، عن مالك بن مرثد، عن أبيه، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الردئ البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة " وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (864)، وأخرجه أحمد من طريق آخر 5 / 168 بأطول منه وبنحوه، وإسناده صحيح.
(1) أخرجه البخاري (3035) في الجهاد: باب من لا يثبت على الخيل، و(6089) في الأدب: باب التبسم والضحك، ومسلم (2475) (135) في فضائل الصحابة، وابن ماجة
(11) في المقدمة، وأحمد 4 / 358 و359 و362 و365.
(2) أخرجه البزار برقم (1977) والحاكم 1 / 124، وأبو نعيم 10 / 25 من حديث أبي هريرة، وفي سنده عبد الله بن سعيد المقبري وهو متروك، وأورده الهيثمي في " المجمع " 8 / 22، وزاد نسبته إلى أبي يعلى، وضعفه بعبد الله بن سعيد.
وصححه الحاكم، ورده عليه المؤلف بقوله: عبد الله واه.
(3) " التاريخ الصغير " 2 / 334.

(10/141)


21 - أَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ التَّيْمِيُّ الطَّلحيُّ * (ع)
الحَافِظُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، الفَضْلُ بنُ عَمْرِو بنِ حَمَّادِ بنِ زُهَيْرِ بنِ دِرْهَمٍ، التَّيْمِيُّ، الطَّلحيُّ، القُرَشِيُّ مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ، المُلاَئِيُّ، الأَحْوَلُ، مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ.
وَكَانَ شَرِيْكاً لِعَبْدِ السَّلاَمِ بنِ حَرْبٍ المُلاَئِيِّ، كَانَا فِي حَانُوْتٍ بِالكُوْفَةِ، يَبِيْعَانِ المُلاَءَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَكَانَ كَذَلِكَ غَالِبُ عُلَمَاءِ السَّلَفِ، إِنَّمَا يُنْفِقُوْنَ مِنْ كَسْبِهِمْ.
أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ فِي كِتَابِهِمْ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوْساً مَعَ حُذَيْفَةَ، فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ رَجُلاً يَرْفَعُ الحَدِيْثَ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ).
رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ (1) .
__________
(*) تاريخ ابن معين: 474، طبقات خليفة ت (1324)، التاريخ الكبير 7 / 118،
التاريخ الصغير 2 / 340، الجرح والتعديل 7 / 61، الفهرست: 283، تاريخ بغداد 12 / 346، مناقب الامام أحمد لابن الجوزي: 109، 110 و481، 482، الكامل لابن الأثير 6 / 445، تهذيب الكمال لوحة 1097، تذهيب التهذيب 3 / 137 / 1، العبر 1 / 377، تذكرة الحفاظ 1 / 372، الكاشف 2 / 381، ميزان الاعتدال 3 / 350، تهذيب التهذيب 8 / 270، طبقات الحفاظ: 159، خلاصة تذهيب الكمال: 308، شذرات الذهب 2 / 46.
(1) أخرجه البخاري 10 / 394 في الأدب: باب ما يكره من النميمة، وأحمد 5 / 397 من طريق أبي نعيم بهذا الإسناد، وأخرجه مسلم (105) (169) و(170) في الايمان، وأبو داود (4871) في الأدب، والترمذي (2026) في البر والصلة، وأحمد 5 / 382 و389 و392 و402 و404 من طرق عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن حذيفة.

(10/142)


أَنْبَأَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، وَجَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ رِيْذَةَ (1) ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ العَيْزَارِ بنِ حُرَيْثٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا عَائِشَةُ تَرْفَعُ عَلَيْهِ صَوتَهَا، فَقَالَ: يَا ابْنَةَ فُلاَنَة! تَرْفَعِيْنَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَحَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا.
ثُمَّ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَرَضَّاهَا، فَقَالَ: (أَلَمْ تَرَينِي حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ).
ثُمَّ استَأَذَنَ أَبُو بَكْرٍ مَرَّةً أُخْرَى، فسَمِعَ تَضَاحُكَهُمَا، فَقَالَ: أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا، كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا (2) .
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيْثِ يُوْنُسَ.
وَبِهِ إِلَى سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، قَالاَ:
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ المِقْدَامِ أَبِي كَرِيمَةَ الشَّامِيِّ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَيْلَةُ الضَّيفِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَإِنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، إِنْ شَاءَ اقتَضَاهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) (3) .
__________
(1) في الأصل: ابن زائدة وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه، وابن ربذة هذا هو مسند أصبهان أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني التاجر، راوية أبي القاسم الطبراني سليمان بن أحمد.
وفاطمة بنت عبد الله هي الجوزدانية المتوفاة بأصبهان سنة 524، وقد تفردت في وقتها برواية " المعجم الكبير " و" المعجم الصغير " للطبراني بروايته عن ابن ريذة.
انظر " التحبير " 2 / 428، 429 للسمعاني، و" العبر " 3 / 193 للمؤلف.
(2) إسناده قوي وأخرجه أبو داود برقم (4999)، وأحمد 4 / 271، 272 وقد تقدم في الجزء الثاني من هذا الكتاب ص 171.
(3) إسناده صحيح وهو في " مسند أحمد " 4 / 132، وأخرجه أبو داود (3750) في الاطعمة، من طريقين عن أبي عوانة، عن منصور، به، وأخرجه ابن ماجة (3677) في الأدب، من طريق علي بن محمد، عن وكيع، عن سفيان، عن منصور.
وأخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " 4 / 39 من طريقين عن شعبة، عن منصور.

(10/143)


روَاهُمَا أَحْمَدُ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ.
وَفِي (الطَّبَقَاتِ (1)) لابْنِ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُوْسُ بنُ كَامِلٍ، قَالَ: دُفِنَ أَبُو نُعَيْمٍ يَوْمَ سَلْخِ شَعْبَانَ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ حَضَرَهُ، قَالَ: اشْتَكَى قَبْلَ أَنْ يَمُوْتَ بِيَوْمٍ لَيْلَةَ الاثْنَيْنِ، فَمَا تَكَلَّمَ إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ تَكلَّمَ فَأَوْصَى ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِبُنَيِّ ابْنٍ يُقَالُ لَهُ: مَيْثَمٍ، كَانَ مَاتَ قَبْلَهُ، فَلَمَّا أَمْسَى طُعِنَ فِي عُنُقِهِ، وَظهرَ بِهِ وَرْشَكَيْن فِي يَدِهِ، فَتُوُفِّيَ لَيْلَتَئِذٍ، وَأُخْرِجَ بُكرَةً، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ جَاءَ الوَالِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عِيْسَى بنِ مُوْسَى الهَاشِمِيُّ فلاَمهُمْ إِذْ لَمْ يُخْبِرُوهُ، ثُمَّ تَنَحَّى بِهِ عَنِ القَبْرِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُلاعِبٍ: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ فِي آخِرِ سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ (2) .
سَمِعَ: سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَزَكَرِيَّا بنَ أَبِي زَائِدَةَ، وَجَعْفَرَ بنَ بُرْقَانَ، وَعُمَرَ بنَ ذَرٍّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ مُسْلِمٍ العَبْدِيَّ، وَطَلْحَةَ بنَ عَمْرٍو، وَعَبْدَ الوَاحِدِ بنَ أَيْمَنَ، وَبَشِيْرَ بنَ المُهَاجِرِ، وَفِطْرَ بنَ خَلِيْفَةَ، وَمَالِكَ بنَ مِغْوَلٍ، وَأَبَا خَلْدَةَ خَالِدَ بنَ دِيْنَارٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ سَيْفٍ المَكِّيَّ، وَمُوْسَى بنَ عَلِيٍّ، وَيُوْنُسَ بنَ أَبِي إِسْحَاقَ، وَمِسْعَرَ بنَ كِدَامٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَشُعْبَةَ، وَالحَسَنَ بنَ صَالِحٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ حَبِيْبٍ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَزَمْعَةَ بنَ صَالِحٍ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَشَرِيْكاً، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ الغَسِيْلِ، وَابْنَ أَبِي رَوَّادٍ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَإِيَاسَ بنَ دَغْفَلٍ، وَأَبَانَ بنَ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيَّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ نَافِعٍ المَكِّيَّ، وَإِسْحَاقَ بنَ سَعِيْدٍ القُرَشِيَّ،
__________
(1) 6 / 400، 401
(2) " تاريخ بغداد " 12 / 355.

(10/144)


وَبَدْرَ بنَ عُثْمَانَ، وَحَبِيْبَ بنَ جُرَيٍّ، وَالحَكَمَ بنَ مُعَاذٍ، وَخَالِدَ بنَ طَهْمَانَ، وَسَعْدَ بنَ أَوْسٍ، وَعِصَامَ بنَ قُدَامَةَ، وَالمَسْعُوْدِيَّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي الصُّفَيْرَاءِ، وَجَرِيْرَ بنَ حَازِمٍ، وَسَعِيْدَ بنَ عُبَيْدٍ الطَّائِيَّ، وَعَبِيْدَةَ بنَ أَبِي رَائِطَةَ، وَأَبَا حَنِيْفَةَ، وَابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ قَيْسٍ الأَسَدِيَّ، وَسَلَمَةَ بنَ نُبَيْطٍ، وَيَعْلَى بنَ الحَارِثِ المُحَارِبِيَّ، وَخَلْقاً (1) سِوَاهُم.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ وَأَثبَاتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ كَثِيْراً، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ مَشْيَخَتِهِ، وَرَوَى هُوَ وَالجَمَاعَةُ عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ.
وَرَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَالذُّهْلِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ وَالدِّمَشْقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَنْجَرَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ الفُرَاتِ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ سَمُّوْيَه، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَهْدِيٍّ الأَصْبَهَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَإِسْحَاقُ بنُ الحَسَنِ الحَرْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ البَاغَنْدِيُّ، وَعُمَيْرُ بنُ مِرْدَاسٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الهَيْثَمِ بنِ خَالِدٍ البَزَّازُ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدُوَيْه البَغْدَادِيُّ شَيْخُ الطَّبَرَانِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ الطَّبَّاعِ، وَأَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الوَزَّانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الكُدَيْمِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ، وَفُضَيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ المَلَطِيُّ (2)،
__________
(1) في الأصل: وخلق.
(2) نسبة إلى " ملطية " من الثغور الجزرية بالشام، وكان فتحها عنوة حبيب بن مسلمة الفهري، وجهه إليها عياض بن غنم من سميساط، ففتحها، ورتب فيها رابطة من المسلمين، ثم شحنها معاوية، فكانت في طريق الصوائف.
انظر " الروض المعطار " ص 545.

(10/145)


وَأَحْمَدُ بنُ خُلَيدٍ الحَلَبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ سَمَاعَةَ الحَضْرَمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ السَّوْطِيُّ (1) ، وَأَحْمَدُ بنُ مُوْسَى الحَمَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ القَتَّاتُ (2) ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مَاهَانَ المُزَنِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَحْمَسِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ جَعْفَرٍ الوَشَّاءُ، وَأُمَمٌ سِوَاهُمُ.
وَتَبَقَّى صِغَارُ أَصْحَابِهِ إِلَى بُعَيْدِ الثَّلاَثِ مائَةٍ.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، مَعَ تَقَدُّمِهِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ القَتَّاتِ فِي الوَفَاةِ مائَةُ عَامٍ وَعِشْرُوْنَ عَاماً.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ الأَعْمَشِ مِنَ الثِّقَاتِ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: شَارَكْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِيْنَ شَيْخاً (3) .
وَأَمَّا حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كَتَبْتُ عَنْ نَيِّفٍ وَمائَةِ شَيْخٍ مِمَّنْ كَتَبَ عَنْهُمْ سُفْيَانَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدَةَ بنِ سُلَيْمَانَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي نُعَيْمٍ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ: يَا أَبَا نُعَيْمٍ! إِنَّمَا حَمَلْتَ عَنِ الأَعْمَشِ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ؟
فَقَالَ: وَمَنْ كُنْتُ أَنَا عِنْدَ الأَعْمَشِ؟ كُنْتُ قِرْداً بِلاَ ذَنَبٍ (4) .
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: قُلْتُ لأَبِي: وَكِيْعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَيْنَ يَقَعُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ هَؤُلاَءِ؟
قَالَ: يَجِيْءُ حَدِيْثُهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ هَؤُلاَءِ، إِلاَّ أَنَّهُ كَيِّسٌ يَتَحَرَّى الصِّدْقَ.
قُلْتُ: فَأَبُو نُعَيْمٍ أَثْبَتُ
__________
(1) نسبة لمن يعمل السوط.
(2) نسبة إلى بيع القت وهو الفصفصة الرطبة.
(3) " تاريخ بغداد " 12 / 348.
(4) " تاريخ بغداد " 12 / 348، و" تهذيب الكمال " لوحة 1098.

(10/146)


أَوْ وَكِيْعٌ؟
فَقَالَ: أَبُو نُعَيْمٍ أَقَلُّ خَطَأً (1) .
وَقَالَ حَنْبَلٌ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَبُو نُعَيْمٍ أَعْلَمُ بِالشُّيُوْخِ وَأَنسَابِهِم، وَبَالرِّجَالِ، وَوَكِيْعٌ أَفْقَهُ (2) .
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: أَبُو نُعَيْمٍ أَثْبَتُ مِنْ وَكِيْعٍ (3) .
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَخْطَأَ وَكِيْعٌ فِي خَمْسِ مائَةِ حَدِيْثٍ (4) .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: إِذَا مَاتَ أَبُو نُعَيْمٍ صَارَ كِتَابُهُ إِمَاماً، إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي شَيْءٍ فَزِعُوا إِلَيْهِ (5) .
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَثْبَتَ مِنْ رَجُلَيْنِ: أَبِي نُعَيْمٍ، وَعَفَّانَ (6) .
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحِ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مُحَدِّثاً أَصْدَقَ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ (7) .
قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا أَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ كَانَ غَايَةً فِي الإِتْقَانِ (8) .
__________
(1) " تهذيب الكمال " لوحة 1098.
(2) " تاريخ بغداد " 12 / 353.
(3) " تاريخ بغداد " 12 / 352.
(4) " تاريخ بغداد " 12 / 352.
(5) " تهذيب الكمال " لوحة 1098.
(6) " تهذيب الكمال " لوحة 1098.
(7) " تهذيب الكمال " لوحة 1098، و" تاريخ بغداد " 12 / 354.
(8) " تهذيب الكمال " لوحة 1098.

(10/147)


وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ حَافِظاً، مُتْقِناً، لَمْ أَرَ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ مَنْ يَحْفَظُ وَيَأْتِي بِالحَدِيْثِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ لاَ يُغَيِّرُهُ سِوَى قَبِيْصَةَ، وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي حَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ، وَكَانَ أَبُو نُعَيْمٍ يَحْفَظُ حَدِيْثَ الثَّوْرِيِّ حِفْظاً جَيِّداً -يَعْنِي: الَّذِي عِنْدَهُ عَنْهُ-.
قَالَ: وَهُوَ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ وَخَمْسُ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَيَحْفَظُ حَدِيْثَ مِسْعَرٍ، وَهُوَ خَمْسُ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَكَانَ لاَ يُلَقَّنُ (1) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ: خَرَجْتُ مَعَ أَحْمَدَ وَيَحْيَى إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ خَادِماً لَهُمَا.
قَالَ: فَلَمَّا عُدْنَا إِلَى الكُوْفَةِ قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أُرِيْدُ أَنْ أَختَبِرَ أَبَا نُعَيْمٍ.
فَقَالَ أَحْمَدُ: لاَ تُرِدْ، فَالرَّجُلُ ثِقَةٌ.
قَالَ يَحْيَى: لاَ بُدَّ لِي، فَأَخَذَ وَرَقَةً، فَكَتَبَ فِيْهَا ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً، وَجَعَلَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ عَشرَةٍ مِنْهَا حَدِيْثاً لَيْسَ مِنْ حَدِيْثِهِ.
ثُمَّ إِنَّهُمْ جَاؤُوا إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، فَخَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى دُكَّانِ طِيْنٍ، وَأَخَذَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَيَحْيَى عَنْ يَسَارِهِ، وَجلَسْتُ أَسْفَلَ الدُّكَّانِ.
ثُمَّ أَخْرَجَ يَحْيَى الطَّبَقَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ، فَلَمَّا قَرَأَ الحَادِيَ عَشَرَ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيْثِي، اضرِبْ عَلَيْهِ.
ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الثَّانِي، وَأَبُو نُعَيْمٍ سَاكِتٌ، فَقَرَأَ الحَدِيْثَ الثَّانِيَ، فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيْثِي، فَاضرِبْ عَلَيْهِ.
ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الثَّالِثَ ثُمَّ قَرَأَ الحَدِيْثَ الثَّالِثَ، فَتَغيَّرَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَانقَلَبَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى يَحْيَى، فَقَالَ: أَمَّا هَذَا - وَذِرَاعُ أَحْمَدَ بِيَدِهِ - فَأَوْرَعُ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هَذَا، وَأَمَّا هَذَا - يُرِيْدُنِي - فَأَقَلُّ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ ذَاكَ، وَلَكِنْ هَذَا مِنْ فِعْلِكَ يَا فَاعِلُ، وَأَخْرَجَ رِجْلَهُ فَرَفَسَ يَحْيَى، فَرَمَى بِهِ مِنَ
__________
(1) " الجرح والتعديل " 7 / 62: وهذا دلالة على تمكنه من الحفظ، فإن التلقين كما سيذكر المؤلف ص 210 هو أن يحدث المحدث، فيغلط أثناء التحديث، أو يتوقف، فيرده الطلبة، فيأخذ بقولهم.

(10/148)


الدُّكَّانِ، وَقَامَ، فَدَخَلَ دَارَهُ.
فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ليَحْيَى: أَلَمْ أَمْنَعْكَ، وَأَقُلْ لَكَ إِنَّهُ ثَبْتٌ.
قَالَ: وَاللهِ لَرَفْسَتُهُ لِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَفْرَتِي (1) .
قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: شَيْخَانِ كَانَ النَّاسُ يَتَكَلَّمُوْنَ فِيْهِمَا، وَيَذْكُرُونَهُمَا، وَكُنَّا نَلْقَى مِنَ النَّاسِ فِي أَمرِهِمَا مَا اللهُ بِهِ عَلِيْمُ، قَامَا للهِ بِأَمرٍ لَمْ يَقُمْ بِهِ كَبِيْرُ أَحَدٍ: عَفَّانُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ (2) .
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: عَنِ الكُدَيْمِيِّ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ أَبُو نُعَيْمٍ عَلَى الوَالِي لِيَمْتَحِنَهُ، وثَمَّ يُوْنُسُ، وَأَبُو غَسَّانَ، وَغَيْرُهُمَا، فَأَوَّلُ مَنِ امتُحِنَ فُلاَنٌ، فَأَجَابَ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ، فَقَالَ: قَدْ أجَابَ هَذَا، فَمَا تَقُوْلُ؟
فَقَالَ: وَاللهِ مَا زِلْتُ أتَّهِمُ جَدَّهُ بِالزَّنْدَقَةِ، وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ يَقُوْلُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَرْمِيَ الجَمْرَةَ بِالقَوَارِيْرِ.
أَدْرَكْتُ الكُوْفَةَ وَبِهَا أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِ مائَةِ شَيْخٍ، الأَعْمَشُ فَمَنْ دُوْنَهُ يَقُوْلُوْنَ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، وَعُنُقِي أَهْوَنُ مِنْ زِرِّي هَذَا.
فَقَامَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ - وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَحْنَاءُ - وَقَالَ: جَزَاكَ اللهُ مِنْ شَيْخٍ خَيْراً (3) .
أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، لَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ (4) .
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: سَمِعْتُ صُليحَةَ بِنْتَ أَبِي نُعَيْمٍ تَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ قَالَ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ.
__________
(1) " مناقب الامام أحمد " لابن الجوزي: 79، 80، و" تاريخ بغداد " 12 / 354، و" تهذيب الكمال " لوحة 1098.
(2) " تاريخ بغداد " 12 / 348، 349، و" تهذيب الكمال " لوحة 1098.
(3) انظر " مناقب الامام أحمد " لابن الجوزي: 481، و" تاريخ بغداد " 12 / 349، و" تهذيب الكمال " لوحة 1098.
(4) " تهذيب الكمال " لوحة 1098، 1099.

(10/149)


قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ (1) فِي كِتَابِ (مِرْآةِ الزَّمَانِ): قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ المُهْتَدِي: لَمَّا دَخَلَ المَأْمُوْنُ بَغْدَادَ، نَادَى بِتَرْكِ الأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وَذَلِكَ لأَنَّ الشُّيُوْخَ بَقَوا يَضْرِبُوْنَ وَيَحْبِسُوْنَ، فَنَهَاهُمُ المَأْمُوْنُ، وَقَالَ: قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى إِمَامٍ، فَمَرَّ أَبُو نُعَيْمٍ، فَرَأَى جُنْدِياً وَقَدْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ بَيْنَ فَخِذَي امْرَأَةٍ، فَنَهَاهُ بِعُنْفٍ، فَحَمَلَهُ إِلَى الوَالِي، فَيَحْمِلُهُ الوَالِي إِلَى المَأْمُوْنِ.
قَالَ: فَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ بُكرَةً وَهُوَ يُسبِّحُ، فَقَالَ: تَوَضَّأْ.
فَتَوَضَّأْتُ ثَلاَثاً ثَلاَثاً، عَلَى مَا رَوَاهُ عبدُ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ (2) ، فصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ.
فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ أَبَوَيْنِ؟
فَقُلْتُ: لِلأُمِّ الثُّلُثُ، وَمَا بَقِيَ لِلأَبِ.
قَالَ: فَإِنْ خَلَّفَ أَبَوَيْهِ وَأَخَاهُ؟
قُلْتُ: المَسْأَلَةُ بحَالِهَا، وَسَقَطَ الأَخُ.
قَالَ: فَإِنْ خَلَّفَ أَبَوَيْنِ وَأَخَوَيْنِ؟
قُلْتُ: لِلأُمِّ السُّدُسُ، وَمَا بَقِيَ لِلأَبِ.
قَالَ: فِي قَوْلِ النَّاسِ كُلِّهِم؟
قُلْتُ: لاَ، إِنَّ جَدَّكَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ مَا حَجَبَ الأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ، إِلاَّ بِثَلاَثَةِ إِخْوَةٍ.
فَقَالَ: يَا هَذَا مَنْ نَهَى مِثْلَكَ عَنِ الأَمرِ بِالمَعْرُوْفِ؟ إِنَّمَا نَهَيْنَا أَقْوَاماً يَجْعَلُوْنَ المَعْرُوْفَ مُنْكَراً، ثُمَّ خَرَجْتُ (3) .
رَوَى المَرُّوْذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: إِنَّمَا رَفَعَ اللهُ عَفَّانَ وَأَبَا نُعَيْمِ بِالصِّدْقِ، حَتَّى نَوَّهَ بِذِكْرِهِمَا.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: قُلْتُ لأَبِي دَاوُدَ: كَانَ أَبُو نُعَيْمٍ حَافِظاً؟
قَالَ: جِدّاً (4) .
__________
(1) هو أبو المظفر يوسف قزا أو غلي المعروف بسبط ابن الجوزي المتوفى سنة 654 ه، وكتابه " مرآة الزمان في تاريخ الأعيان " لم يطبع منه سوى المجلد الثامن بحيدر آباد سنة (1951 م).
(2) أخرجه أبو داود (111) و(112) و(113)، والنسائي 1 / 67، 70، والترمذي (49)
وقال: حديث حسن صحيح، وهو كما قال.
(3) " تاريخ بغداد " 12 / 350.
(4) " تهذيب الكمال " لوحة 1098.

(10/150)


قَالَ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءِ: كُنَّا نَهَابُ أَبَا نُعَيْمٍ أَشدَّ مِنْ هَيْبَةِ الأَمِيْرِ.
قُلْتُ: وَكَانَ فِي أَبِي نُعَيْمٍ تَشَيُّعٌ خَفِيْفٍ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُلاعِبٍ: حَدَّثَنِي ثِقَةٌ قَالَ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَا كَتَبَتْ عَلَيَّ الحفظَةُ أَنِّي سَبَبْتُ مُعَاوِيَةَ.
وَبَلَغَنَا عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ أَنَّهُ، قَالَ: حُبُّ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عبَادَةٌ، وَخَيْرُ العِبَادَةِ مَا كُتِمَ (1) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبَانٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ القَطَّانَ يَقُوْلُ: إِذَا وَافَقَنِي هَذَا الأَحْوَلُ -يَعْنِي: أَبَا نُعَيْمٍ- مَا أُبَالِي مَنْ خَالَفَنِي (2) .
قَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: نُزَاحمُ بِهِ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ أَبُو نُعَيْمٍ شَهِيْداً، فَإِنَّهُ طُعِنَ فِي عُنُقِهِ، وَحَصَلَ لَهُ وَرشكين.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ مُطَيَّنُ: رَأَيْتُ أَبَا نُعَيْمٍ، وَكَلَّمْتُهُ.
قَالَ: وَمَاتَ يَوْمَ الشَّكِّ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ: إِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ مَاتَ بِالكُوْفَةِ، لَيْلَةَ الثَّلاَثَاءِ، لانسِلاخِ شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ (3) .
قُلْتُ: شَذَّ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى الزَّمِنُ، فَقَالَ: مَاتَ فِي آخِرِ سَنَةِ ثَمَانِ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 12 / 351، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي: " لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ".
(2) " تاريخ بغداد " 12 / 352.
(3) " تاريخ بغداد " 12 / 356.

(10/151)


عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (1) .
قَالَ بِشْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: رَأَيْتُ أَبَا نُعَيْمٍ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ -يَعْنِي: فِيْمَا كَانَ يَأْخُذُ عَلَى الحَدِيْثِ-.
فَقَالَ: نَظَرَ القَاضِي فِي أَمْرِي، فَوَجَدَنِي ذَا عِيَالٍ، فَعَفَا عَنِّي (2) .
قُلْتُ: ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ عَلَى الحَدِيْثِ شَيْئاً قَلِيْلاً لِفَقْرِهِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ يَقُوْلُ: يَلُوْمُونَنِي عَلَى الأَخْذِ وَفِي بَيْتِي ثَلاَثَةَ عَشَرَ نَفْساً، وَمَا فِي بَيْتِي رَغِيْفٌ (3) .
قُلْتُ: لاَمُوهُ عَلَى الأَخْذِ يَعْنِي: مِنَ الإِمَامِ، لاَ مِنَ الطَّلَبَةِ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الطَّائِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو اليَمَنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ إِمْلاَءً، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ القَطِيْعِيُّ قِرَاءةً عَلَيْهِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ، وَأَكْلَهُ، وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِيْنَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِيْنَ يَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ).
أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (4) فِي التَّوْحِيْدِ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 12 / 356.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة 1099.
(3) " تهذيب الكمال " لوحة 1099.
(4) برقم (7492) في التوحيد: باب قول الله تعالى: (يريدون أن يبدلوا كلام الله)، =

(10/152)


وَحَدِيْثُ أَبِي نُعَيْمٍ كَثِيْرُ الوقُوْعِ فِي الكُتُبِ وَالأَجْزَاءِ، وَقَدْ جَمَعَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ (1) مَا وَقَعَ لَهُ عَالِياً مِنْ حَدِيْثِ أَبِي نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ، فِي جُزْءٍ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ، صَدَّرَهُ بِمَا حَدَّثَهُ ابْنُ فَارِسِ، عَنِ ابْنِ الفُرَاتِ، وَسَمُّوْيَه، كِلاَهُمَا عَنْهُ، وَعِدَّةُ ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُوْنَ حَدِيْثاً، بَعْضُهَا آثَارٌ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ قَيْمَازٍ الدَّقِيْقِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ قَوامٍ، أَخْبَرَنَا خَلِيْلُ بنُ بَدْرٍ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مجَاهِدِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الدَّوَاءِ الخَبِيْثِ (2) .
غَرِيْبٌ، وَإِسْنَادُهُ صَالِحٌ.
أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بنُ الوَاسِطِيُّ، وَجَمَاعَةٌ كِتَابَةً، قَالُوا: أَخْبَرْنَا ابْنُ بَهْرُوزَ (3) ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ -يَعْنِي: القَرَّابُ- حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ الأَزْهَرِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ، سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ يَقُوْلُ:
__________
= وأخرجه أيضا 4 / 88 - 94 في الصوم: باب فضل الصوم، وباب هل يقول: إني صائم إذا شتم، وفي اللباس: باب ما يذكر في المسك، وأخرجه مسلم (1151) في الصيام: باب حفظ اللسان، وباب فضل الصيام، ومالك 1 / 310، وأبو داود (2363)، والترمذي (764)، والنسائي 4 / 162 - 165.
(1) هو أحمد بن عبد الله الأصبهاني صاحب كتاب " الحلية ".
المتوفى سنة 430 ه.
(2) وأخرجه أحمد 2 / 305، وأبو داود (3870)، والترمذي (2045)، وابن ماجة (3459) من طرق عن يونس بن أبي إسحاق بهذا الإسناد، وهذا سند قوي، وصححه الحاكم 4 / 410، ووافقه الذهبي، وفسر الحاكم الدواء الخبيث بالخمر.
(3) هو أبو بكر محمد بن مسعود بن بهروز البغدادي الطبيب، سمعه خاله من أبي الوقت، وتفرد بالرواية بالسماع عنه، توفي سنة 635 ه.
انظر " العبر " 5 / 145 للمؤلف.

(10/153)


يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ هَذَا الشَّأْنُ عَمَّنْ كَتَبَ الحَدِيْثَ يَوْمَ كَتَبَ يَدْرِي مَا كَتَبَ، صَدُوْقٌ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهِ، يُحَدِّثُ يَوْمَ يُحَدِّثُ يَدْرِي مَا يُحَدِّثُ.
قَالَ البَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا الحَاكِمُ، أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا العَنَزِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي مَطَرٍ البَلْخِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَابْنِ مَهْدِيٍّ، وَوَكِيْعٍ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَجَدُّ (1) مِنْ وَكِيْعٍ، وَكفَاكَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ مَعْرِفَةً وَإِتقَاناً، وَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَوْزَنَ بِقَومٍ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ، وَأَشَدَّ تَثَبُّتاً فِي أُمُورِ الرِّجَالِ مِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ: فَأَقَلُّ الأَرْبَعَةِ خَطَأً، وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ، مَوْضِعُ الحُجَّةِ فِي الحَدِيْثِ (2) .
أَحْمَدُ بنُ مُلاعِبٍ: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ، يَقُوْلُ: لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤخَذَ الحَدِيْثُ إِلاَّ مِنْ حَافِظٍ لَهُ، أَمِيْنٍ لَهُ، عَارِفٍ بِالرِّجَالِ.
قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ أَبُو نُعَيْمٍ ذَا دُعَابَةٍ، فَرَوَى عَلِيُّ بنُ العَبَّاسِ المُقَانِعِيُّ (3) ، سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ عَمْرٍو العَنْقَزِيَّ يَقُوْلُ: دَقَّ رَجُلٌ عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ البَابَ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟
قَالَ: أَنَا.
قَالَ: مَنْ أَنَا؟
قَالَ: رَجُلٌ مِن وَلدِ آدَمَ.
فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَبُو نُعَيْمٍ، وَقَبَّلَه، وَقَالَ: مَرْحَباً وَأَهْلاً، مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ بَقِيَ مِنْ هَذَا النَّسْلِ أَحَدٌ (4) .
قُلْتُ: عَدَدُ شُيُوْخِهِ فِي (التَّهْذِيبِ) مِئَتَانِ وَثَلاَثَةُ أَنْفُسٍ.
__________
(1) في " تهذيب الكمال ": أحفظ من وكيع.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة 1098.
(3) نسبة إلى عمل المقانع جمع مقنعة وهي ما تغطي به المرأة رأسها.
(4) " تهذيب الكمال " لوحة 1099.

(10/154)


قَالَ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ القَتَّاتُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الأَحْوَلُ مِنَ العَيْنَيْنِ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ.
رَوَى: جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الهَاشِمِيُّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: عِنْدِي عَنْ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ سُفْيَانَ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ(1) .
الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ: أَيَجْرِي عِنْدَكَ (2) ابْنُ فُضَيْلٍ مَجْرَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى؟
قَالَ: لاَ، كَانَ ابْنُ فُضَيْلٍ أَسْتَرُ، وَكَانَ عُبَيْدُ اللهِ صَاحِبُ تَخْلِيْطٍ، رَوَى أَحَادِيْثَ سُوْءٍ.
قُلْتُ: فَأَبُو نُعَيْمٍ، يَجْرِي مَجْرَاهُمَا؟
قَالَ: لاَ، أَبُو نُعَيْمٍ يَقْظَانُ فِي الحَدِيْثِ، وَقَامَ فِي الأَمْرِ -يَعْنِي: المِحْنَةَ-.
ثُمَّ قَالَ: إِذَا رَفَعْتَ أَبَا نُعَيْمٍ مِنَ الحَدِيْثِ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ (3) .
وَرَوَى المَرُّوْذِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ الحُجَّةُ، الثَّبْتُ (4) .
وَرَوَى المَيْمُوْنِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ أَثْنَى عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ، وَقَالَ: كَانَ ثِقَةً، يَقْظَانَ فِي الحَدِيْثِ، عَارِفاً بِهِ، ثُمَّ قَامَ فِي أَمْرِ الامْتِحَانِ، مَا لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ، عَافَاهُ اللهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: أَبُو نُعَيْمٍ مُتْقِنٌ حَافِظٌ، إِذَا رَوَى عَنِ الثِّقَاتِ، فَحَدِيْثُهُ حُجَّةٌ أَحَجُّ مَا يَكُوْنُ (5) .
__________
(1) " تهذيب الكمال " لوحة 1098.
(2) في الأصل: " عنك " والتصويب من " تاريخ بغداد " و" تهذيب الكمال ".
(3) " تاريخ بغداد " 12 / 353، و" تهذيب الكمال " لوحة 1098.
(4) " تهذيب الكمال " لوحة 1098.
(5) " تاريخ بغداد " 12 / 354.

(10/155)


وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ مَرَّةً: حَدَّثَنَا الأَسَدُ.
فَقِيْلَ: مَنْ؟
قَالَ: أَبُو نُعَيْمٍ (1) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَأَلْتُ عَلِيّاً: مَنْ أَوْثَقُ أَصْحَابِ الثَّوْرِيِّ؟
قَالَ: يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَوَكِيْعٌ، وَأَبُو نُعَيْمٍ (2) .
وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، يَحْفَظُ حَدِيْثَ الثَّوْرِيِّ وَمِسْعَرٍ حِفْظاً جَيِّداً، كَانَ يَحْزُرُ حَدِيْثَ الثَّوْرِيِّ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَخَمْسَ مائَةٍ، وَحَدِيْثَ مِسْعَرٍ نَحْوَ خَمْسِ مائَةٍ، كَانَ يَأْتِي بِحَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ لاَ يُغَيِّرُهُ، وَكَانَ لاَ يُلَقَّنُ، وَكَانَ حَافِظاً، مُتْقِناً (3) .
وَعَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: نَظَرَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي كُتُبِي، فَقَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَصَحَّ مِنْ كُتُبِكَ (4) .
أَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، سَمِعْتُ الكُدَيْمِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ يَقُوْلُ: كَثُرَ تَعَجُّبِي مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ: ذَهَبَ الَّذِيْنَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمُ (5) ، لَكِنِّي أَقُوْلُ:
ذَهَبَ النَّاسُ فَاسْتَقَلُّوا وَصِرْنَا ... خَلَفاً فِي أَرَاذِلِ النَّسْنَاسِ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 12 / 354، و" تهذيب الكمال " لوحة 1098.
(2) " الجرح والتعديل " 7 / 62.
(3) " الجرح والتعديل " 7 / 62.
(4) " تهذيب الكمال " لوحة 1098.
(5) شطر بيت للبيد من قصيدة يرثي بها أخاه أربد بعد موته، وهو في " ديوانه " صفحة 153 وتمامه: وبقيت في خلف كجلد الاجرب وقد تمثلت به السيدة عائشة رضي الله عنها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة حزنا على فقدهم.
انظر الجزء الثاني من هذا الكتاب الصفحة 197.

(10/156)


فِي أُنَاسٍ نَعُدُّهُم مِنْ عَدِيدٍ ... فَإِذَا فُتِّشُوا فَلَيْسُوا بِنَاسِ
كُلَّمَا جِئْتُ أَبْتَغِي النَّيْلَ مِنْهُم ... بَدَرُوْنِي قَبْلَ السُّؤَالِ بِيَاسِ
وَبَكَوْا لِي حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي ... مِنْهُم قَدِ افْلَتُّ رَأْساً بِرَاسِ (1)

22 - أَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ أَبُو حَفْصٍ البُخَارِيُّ الحَنَفِيُّ *
الفَقِيْهُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ (2) ، أَبُو حَفْصٍ البُخَارِيُّ، الحَنَفِيُّ، فَقِيْهُ المَشْرِقِ، وَوَالِدُ العَلاَّمَةِ شَيْخِ الحَنَفِيَّةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ الفَقِيْهِ.
ارْتَحَلَ، وَصَحِبَ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ مُدَّةً، وَبَرَعَ فِي الرَّأْيِ.
وَسَمِعَ مِنْ: وَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَهَذِهِ الطَّبَقَةِ.
قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي رَجَاءٍ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَفْصٍ، يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ عَلَيْهِ قَمِيْصٌ، وَامْرَأَةٌ إِلَى جَنْبِهِ تَبْكِي، فَقَالَ لَهَا: لاَ تَبْكِي، فَإِذَا مُتُّ، فَابْكِي.
فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْبُرُهَا لِي، حَتَّى قَالَ لِي إِسْمَاعِيْلُ وَالِدُ البُخَارِيِّ: إِنَّ السُّنَّةَ قَائِمَةٌ بَعْدُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الأَدِيْبُ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ بنَ نَصْرٍ الشَّاعِرَ يَقُوْلُ:
تَذَاكَرْنَا الحَدِيْثَ: (إِنَّ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مائَةِ سَنَةٍ مَنْ يَصْلُحُ أَنْ
__________
(1) الخبر مع الابيات في " تاريخ بغداد " 12 / 351، 352، و" تهذيب الكمال " لوحة 1099، و" حياة الحيوان الكبرى " 2 / 353 وانظر فيه تفسير " النسناس ".
(*) الفوائد البهية: ص 18، الجواهر المضية في تراجم الحنفية.
(2) ما وراء النهر يراد به ما وراء نهر جيحون بخراسان، وما كان في شرقيه يقال له: بلاد الهياطلة، وفي الإسلام سموه: ما وراء النهر، وما كان في غريبه فهو خراسان وولاية خوارزم. انظر " معجم البلدان " 5 / 45.

(10/157)


يَكُوْنَ عَلَمَ الزَّمَانِ (1))، فَبَدَأْتُ بِأَبِي حَفْصٍ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ، فَقُلْتُ: هُوَ فِي فِقْهِهِ وَوَرَعِهِ وَعَمَلِهِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُوْنَ عَلَمَ الزَّمَانِ.
ثُمَّ ثَنَّيْتُ بِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، فَقُلْتُ: هُوَ فِي مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ وَطُرُقِهِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُوْنَ عَلَماً.
ثُمَّ ثَلَّثْتُ بِأَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيِّ، فَقُلْتُ: رَجُلٌ يَقْرَأُ عَلَى مِنْبَرِ الخَلِيْفَةِ هَا هُنَا يَقُوْلُ: شَهِدْتُ مَرَّةً أَنَّ رَجُلاً وَحْدَهَ كَسَرَ جُنْدَ العَدُوِّ - عَنَى نَفْسَهُ - فَإِنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُوْنَ عَلَمَ الزَّمَانِ.
قَالُوا: نَعَمْ.
مَوْلِدُ أَبِي حَفْصٍ الفَقِيْهِ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: هُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَالرِّوَايَةُ عَنْهُ تَعِزُّ (2) .
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُنِيْرِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ سَهْلِ بنِ حَمْدُوَيْه، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ أَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ، عَنْ جَرِيْرٍ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعَةٍ: بِاللهِ وَحْدَهِ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّ اللهَ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، وَبِالبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ، وَبَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) (3) .
__________
(1) لفظ الحديث: " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها " وهو حديث صحيح أخرجه أبو داود (4291) في الملاحم: باب ما يذكر في قرن المئة، والحاكم 4 / 522، والخطيب 2 / 61، والبيهقي في " معرفة السنن والآثار " ص 52 من حديث أبي هريرة.
وانظر شرح هذا الحديث لزاما في " جامع الأصول " 11 / 320 - 324.
(2) يقال: عز الشئ يعز - بكسر العين - عزا وعزة وعزازة وهو عزيز: إذا قل حتى كاد لا يوجد.
(3) أخرجه أحمد 1 / 97، والترمذي (2145)، وابن ماجة (82) من طرق عن منصور بهذا الإسناد، وصححه الحاكم 1 / 32، 33، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

(10/158)


مَاتَ أَبُو حَفْصٍ: بِبُخَارَى، فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
وَلَدُهُ:

23 - أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ البُخَارِيُّ *
الإِمَامُ، مُفْتِي بُخَارَى وَعَالِمُهَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ، تَفَقَّهَ بِوَالِدِهِ، وَبِهِ تَفَقَّهَ أَهْلُ بُخَارَى، عَاشَ إِلَى نَحْوِ السَّبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الإِسْلاَمِ وَالسُّنَّةِ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ وَشُهْرَةٌ كَبِيْرَةٌ.

24 - مُنَبِّهُ بنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ اللَّخْمِيُّ **
مُحَدِّثٌ مُعَمَّرٌ، أَدْرَكَ أَيَّامَ مَكْحُوْلٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: ثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَعُرْوَةَ بنِ رُوَيْمٍ، وَخُلَيْدِ بن دَعْلَجٍ، وَأَرْطَاةَ بنِ المُنْذِرِ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَعُمَرَ بنِ زَيْدٍ، وَالوَضِيْنِ بنِ عَطَاءٍ، وَمُحَمَّدٍ، وَالوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيِّ، وَمُوْسَى بنِ جَابَانَ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ حُمَيْدٌ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَهَارُوْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَكَّارٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ القَاهِرِ اللَّخْمِيُّ شَيْخٌ لِلطَّبَرَانِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ زَبْرٍ: وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ (1) : سَمِعْتُ مُنَبِّهاً يَقُوْلُ: كُنْتُ حَمْلاً (2) عَامَ
__________
(*) سيترجمه المؤلف بأطول مما هنا في الجزء الثاني عشر.
(* *) تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1 / 280، الجرح والتعديل 8 / 419، تاريخ ابن عساكر 11 / ورقة 407 / 2.
(1) في " تاريخه " 1 / 280.
(2) أي: في بطن أمه.

(10/159)


الجَرَّاحِ الحَكَمِيِّ (1) ، وَهِيَ سَنَةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَقِيْتُهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَسِيْرٍ (2) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ صَدُوْقاً (3) .
قُلْتُ: لَمْ تَقَعْ لَهُ رِوَايَةٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلاَ فِي (المُوَطَّأِ) وَلاَ (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) وَهُوَ فِي عِدَادِ الثِّقَاتِ الَّذِيْنَ بَلَغُوا المائَةَ.

25 - يَحْيَى بنُ هَاشِمٍ الغَسَّانِيُّ السِّمْسَارُ *
المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، أَبُو زَكَرِيَّا الغَسَّانِيُّ، الكُوْفِيُّ، السِّمْسَارُ.
رَوَى عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَمِسْعَرٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالكِبَارِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ تَمْتَامٌ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ الضُّرَيْسِ، وَمُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، وَيُونُسُ بنُ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) أي: عام مقتل الجراح وهو أبو عقبة الجراح بن عبد الله الحكمي الدمشقي أمير خراسان، وكان شجاعا غازيا، استشهد بمرج أردبيل.
وقد تقدمت ترجمته في الجزء الخامس من هذا الكتاب صفحة 189.
(2) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 280.
(3) " الجرح والتعديل " 8 / 419.
(*) الضعفاء والمتروكين للنسائي: 1100، الضعفاء للعقيلي لوحة 448، الجرح والتعديل 9 / 195، المجروحين والضعفاء لابن حبان 3 / 125، 126، الكامل في الضعفاء لابن عدي لوحة 846، تاريخ بغداد 14 / 163 - 165، ميزان الاعتدال 4 / 412، المغني في الضعفاء للذهبي 2 / 745.

(10/160)


وَتَحَايَدَهُ (1) الحُفَّاظُ، وَاتَّهَمُوهُ.
كَذَّبَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَصَالِحٌ جَزَرَةُ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ (2) .
وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ عَلَى الثِّقَاتِ (3) .
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لاَ تَحِلُّ كِتْبَةُ حَدِيْثِهِ إِلاَّ عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ لأَهْلِ الصَّنْعَةِ، وَلاَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ بِحَالٍ (4) .
رَوَى عَنْ: هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نَبَاتُ الشَّعْرِ فِي الأَنْفِ أَمَانٌ مِنَ الجُذَامِ (5)).
وَبِهِ: (لاَ تَسْتَخْدِمُوا أَرِقَّاءَكُم بِاللَّيْلِ، فلهُمُ اللَّيْلُ، وَلكُمُ النَّهَارُ).
وَبِهِ: (لاَ يَبِتْ أَحَدُكُم وَعِنْدَ رَأْسِهِ الطَّعَامِ، فَإِنِّي لاَ آمَنُ عَلَيْهِ الهَوَامَّ).
وَرَوَى عَنْ: مِسْعَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (عِنْدَ
__________
(1) أي: عدلوا عن الرواية عنه، من حاد عنه يحيد حيدا: إذا مال عنه وعدل.
(2) " الضعفاء والمتروكين " ص 110.
(3) " الضعفاء " للعقيلي لوحة: 448.
(4) كتاب " المجروحين والضعفاء " 3 / 125.
(5) وأورده الهيثمي في " المجمع " 5 / 99، 100 ونسبه إلى أبي يعلى والطبراني في " الأوسط " وقال: وفيه أبو الربيع السمان وهو ضعيف واسم أبي الربيع أشعث بن سعيد، ترجمه المؤلف في " الميزان " 1 / 263، فقال: قال أحمد: مضطرب الحديث ليس بذاك.
وقال ابن معين: ليس بشيء.
وقال النسائي: لا يكتب حديثه.
وقال الدارقطني: متروك، وأورد له هذا الحديث، وقال: قال البغوي: هذا باطل، وقد رواه غير أبي الربيع من الضعفاء.

(10/161)


كُلِّ خَتْمَةٍ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ (1)).
مَاتَ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
يقعُ لِي حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي جُزْءِ ابْنِ نُجيدٍ (2) ، وَأَظنُّ فِي (الغَيْلاَنِيَّاتِ (3)) إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُفْرَحُ بِهِ، لأَنَّهُ سَاقِطُ الرِّوَايَةِ، مُتَّهَمٌ.

26 - أَسَدُ السُّنَّةِ أَسَدُ بنُ مُوْسَى الأُمَوِيُّ * (خت، د، س)
هُوَ الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، ذُو التَّصَانِيْفِ، أَبُو سَعِيْدٍ، أَسَدُ بنُ مُوْسَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الخَلِيْفَةِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ المِصْرِيُّ.
وَقَدْ وَلِي جَدُّه إِبْرَاهِيْمُ الخِلاَفَةَ شَهْرَيْنِ، وَخَلَعَهُ مَرْوَانُ الحِمَارُ.
__________
(1) أورده هذه الأحاديث الباطلة ابن حبان في " المجروحين والضعفاء " 3 / 125، 126،
والمؤلف في " الميزان " 4 / 412، والحديث الأخير منها أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 7 / 260 من طريق يحيى بن هاشم، وعن مسعر، عن قتادة، عن أنس..وقال: لا أعلم رواه عن مسعر غير يحيى بن هاشم.
(2) هو إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف السلمي النيسابوري المتوفى سنة 366 ه.
انظر " طبقات الصوفية " ص 454، 457، و" المنتظم " 7 / 84، و" العبر " 2 / 336.
وقد ذكر الوادي آشي في " برنامجه " ص 239 أنه سمع هذا الجزء بالقاهرة على شيخ الحديث بالمنصورية نور الدين أبي الحسن علي بن جابر بن علي.
(3) هي أحد عشر جزءا تخريج الدارقطني من حديث أبي بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم البغدادي الشافعي البزار المتوفى سنة 354 ه، وهو القدر المسموع لأبي طالب محمد ابن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزاز المتوفى سنة 404 ه من أبي بكر المذكور، وهي من أعلى الحديث وأحسنه.
(*) التاريخ الكبير 2 / 49، الجرح والتعديل 2 / 338، جمهرة أنساب العرب: 90، تهذيب الكمال لوحة 93، تذكرة الحفاظ 1 / 402، العبر 1 / 361، ميزان الاعتدال 1 / 207، تذهيب التهذيب 1 / 59 / 1، الكاشف 1 / 115، عيون التواريخ 7 / لوحة 282، تهذيب التهذيب 1 / 261، حسن المحاضرة 1 / 346، طبقات الحفاظ: 167، خلاصة تذهيب الكمال: 31، شذرات الذهب 2 / 27، الرسالة المستطرفة: 61.

(10/162)


وُلِدَ أَسَدٌ: بِالبَصْرَةِ.
وَقِيْلَ: بِمِصْرَ - وَهُوَ أَشبهُ - سَنَةَ زَالَتْ دَوْلَةُ آبَائِهِ بِبَنِي العَبَّاسِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، فَنَشَأَ، وَطَلَبَ العِلْمَ، وَلَقِيَ الكِبَارَ، وَرَحَلَ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ.
حَدَّثَ عَنْ: شُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ (1) ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ المَسْعُوْدِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَهُوَ أَسنُّ شَيْخٍ لَهُ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَعَافِيَةَ بنِ يَزِيْدَ القَاضِي، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ الفَقِيْهُ، وَالرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيُّ، وَالرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ الجِيْزِيُّ، وَوَلَدُه سَعِيْدُ بنُ أَسَدٍ، وَالمِقْدَامُ بنُ دَاوُدَ الرُّعَيْنِيُّ، وَأَبُو يَزِيْدَ يُوْسُفُ بنُ يَزِيْدَ القَرَاطِيْسِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، وَلَوْ لَمْ يُصَنِّفْ لكَانَ خَيْراً لَهُ (2) .
وَقَالَ البُخَارِيُّ: هُوَ مَشْهُوْرُ الحَدِيْثِ، يُقَال لَهُ: أَسَدُ السُّنَّةِ (3) ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: ثِقَةٌ، مَاتَ بِمِصْرَ، فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (4) .
قُلْتُ: عَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَقَعَ لَنَا مِنْ تَوَالِيفِهِ كِتَابُ (الزُّهْدِ) وَغَيْرُ ذَلِكَ.
__________
(1) نسبة إلى نحو بن شمس من الازد، وليس من نحو العربية كما في " اللباب ".
(2) " تهذيب الكمال " لوحة 94، و" تذكرة الحفاظ " 1 / 402.
(3) " التاريخ الكبير " 2 / 49.
(4) انظر " تهذيب الكمال " لوحة 94، و" تذكرة الحفاظ " 1 / 402.

(10/163)


قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: رَوَى أَحَادِيْثَ مُنْكَرَةً، وَكَانَ ثِقَةً، وَأَحْسَبُ الآفَةَ مِنْ غَيْرِهِ (1) .
وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ.
وأَمَّا ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ فِي كِتَابِ (الإِيصَالِ (2)): ضَعِيْفٌ، ذَكَرَهُ فِي الزَّكَاةِ (3) .
قَالَ صَاحِبُ (الإِمَامِ (4)): يُقَالُ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ المُسْنَدَ.

27 - خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ صَفْوَانَ السُّلَمِيُّ * (خَ، د، ت)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ، الكُوْفِيُّ.
__________
(1) " ميزان الاعتدال " 1 / 207.
(2) قال المؤلف في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1147 في ترجمة ابن حزم: وقد صنف كتابا كبيرا في فقه الحديث سماه: الايصال إلى فهم كتاب الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام والحلال والحرام والسنة والإجماع، أورد فيه أقوال الصحابة فمن بعدهم، والحجة لكل قول.
وهو كبير جدا.
(3) وقال المؤلف في " الميزان ": وما علمت به بأسا إلا أن ابن حزم ذكره في كتاب الصيد، فقال: منكر الحديث.
وكلام ابن حزم هذا هو في " المحلى " 7 / 472.
(4) هو الفقيه المجتهد المحدث شيخ الإسلام محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري المعروف بابن دقيق العيد، المتوفى سنة 702 ه، وكتابه " الامام " في أحاديث الاحكام، وهو جليل حافل، ولم يكمله، قال المؤلف في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1482: ولو كمل تصنيفه وتبييضه لجاء في خمسة عشر مجلدا.
(*) التاريخ الصغير 2 / 328، التاريخ الكبير 3 / 189، الجرح والتعديل 3 / 368، المعجم المشتمل: 116، تهذيب الكمال لوحة 386، تذهيب التهذيب 1 / 202 / 2، الكاشف 1 / 285، ميزان الاعتدال 1 / 657، العبر 1 / 263، المغني في الضعفاء 1 / 211، العقد الثمين 4 / 341، تهذيب التهذيب 3 / 174، خلاصة تذهيب الكمال: 107، شذرات الذهب 2 / 28.

(10/164)


سَمِعَ: عِيْسَى بنَ طَهْمَانَ - صَاحِبَ أَنَسٍ - وَفِطْرَ بنَ خَلِيْفَةَ، وَعَبْدَ الوَاحِدِ بنَ أَيْمَنَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً، وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَعَمُّ أَبِي زُرْعَةَ؛ إِسْمَاعِيْلُ بنُ يَزِيْدَ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الكُدَيْمِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو عِيْسَى، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ.
وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً: أَبُو حَاتِمٍ، وَحَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (1) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: صَدُوْقٌ، إِلاَّ أَنَّ فِي حَدِيْثِهِ غَلَطاً قَلِيْلاً (2) .
وَقَالَ البُخَارِيُّ: سَكَنَ مَكَّةَ، وَمَاتَ بِهَا، قَرِيْباً مِنْ سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (3) .
وَقَالَ حَنْبَلُ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ (4) .
وسَيَأْتِي خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ القَطَوَانِيُّ الكُوْفِيُّ، المُتَوَفَّى فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (5) .

28 - إِدْرِيْسُ بنُ يَحْيَى أَبُو عَمْرٍو الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمْ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، شَيْخُ مِصْرَ، أَبُو عَمْرٍو الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمْ،
__________
(1) " تهذيب الكمال " لوحة 386، و" ميزان الاعتدال " 1 / 657.
(2) " الجرح والتعديل " 3 / 368، و" ميزان الاعتدال " 1 / 657.
(3) " التاريخ الكبير " 3 / 197.
(4) " تهذيب الكمال " لوحة 386.
(5) انظره في الصفحة 217 من هذا الجزء
(*) الجرح والتعديل 2 / 265، اللباب 1 / 472.

(10/165)


المِصْرِيُّ، المَعْرُوْفُ: بِالخَوْلاَنِيِّ (1) ، أَحَدُ الأَبْدَالِ، كَانَ يُشَبَّهُ بِبِشْرٍ الحَافِي فِي فَضْلِهِ وَتَأَلُّهِهِ.
رَوَى عَنْ: حَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ، وَرَجَاءِ بنِ أَبِي عَطَاءٍ، وَبَكْرِ بنِ مُضَرَ، وَحَرْمَلَةَ الكَبِيْرِ.
وَعَنْهُ: أَبُو الطَّاهِرِ بنُ السَّرْحِ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَسَعِيْدُ بنُ أَسَدِ بنِ مُوْسَى، وَحَرْمَلَةُ بنُ يَحْيَى.
قَالَ يُوْنُسُ: مَا رَأَيْتُ فِي الصُّوْفِيَّةِ عَاقِلاً سِوَاهُ.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الكِنْدِيُّ: كَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَعْظَمَهُم قَدْراً.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوْقٌ، صَالِحٌ، مِنْ أَفَاضِلِ المُسْلِمِيْنَ (2) .
قُلْتُ: وَصَحَّحَ لَهُ الحَاكِمُ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.

29 - المُقْرِئُ عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الأَهْوَازِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، الحُجَّةُ، شَيْخُ الحَرَمِ، أَبُو
__________
(1) نسبة إلى خولان موضع سكناه، لا إلى القبيلة التي نزلت الشام والتي ينسب إليها جماعة من العلماء كأبي إدريس.
انظر " اللباب " 1 / 472.
(2) " الجرح والتعديل " 2 / 265.
(*) تاريخ ابن معين 338، تاريخ خليفة 474، طبقات خليفة 227، التاريخ الكبير 5 / 288، التاريخ الصغير 2 / 326، الجرح والتعديل 5 / 201، تهذيب الكمال لوحة 757، العبر 1 / 364، تذكرة الحفاظ 1 / 367، تذهيب التهذيب 2 / 196 / 1، البداية والنهاية 10 / 267، العقد الثمين 5 / 298 - 300، طبقات القراء لابن الجزري 1 / 463، 464، تهذيب التهذيب 6 / 83، طبقات الحفاظ: 156، خلاصة تذهيب الكمال: 219، شذرات
الذهب 2 / 29.

(10/166)


عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَهْوَازِيُّ الأَصْلِ، البَصْرِيُّ، ثُمَّ المَكِّيُّ، مَوْلَى آلِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ.
مَوْلِدُهُ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْ: ابْنِ عَوْنٍ، وَكَهْمَسِ بنِ الحَسَنِ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَمُوْسَى بنِ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، وَحَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ، وَحَرْمَلَةَ بنِ عِمْرَانَ التُّجِيْبِيِّ، وَشُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي أَيُّوْبَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زِيَادِ بنِ أَنْعُمَ الإِفْرِيْقِيِّ، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَمَالِكٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الشُّعَيْثِيِّ، وَالمَسْعُوْدِيِّ، وَعَيَّاشِ بنِ عُقْبَةَ - عمٍّ لابْنِ لَهِيْعَةَ - وَوَرْقَاءَ بنِ عُمَرَ اليَشْكُرِيِّ، وَخَلْقٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَالكُلُّ - عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ - وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الصَّائِغُ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَهَارُوْنُ بنُ مَلُّوْلٍ، وَأَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بنُ الفَرَجِ القَطَّانُ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ (1) ، وَهُوَ مِنْ كُبَرَاءِ مَشْيَخَةِ البُخَارِيِّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ:
أَنَا مَا بَيْنَ التِّسْعِيْنَ إِلَى المائَةِ، وَأَقْرَأْتُ القُرْآنَ بِالبَصْرَةِ سِتّاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَهَا هُنَا بِمَكَّةَ خَمْساً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً (2) .
قُلْتُ: أَخَذَ الحُرُوْفَ عَنْ نَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ (3) ، وَأَحْسَبُهُ تَلاَ عَلَيْهِ،
__________
(1) " تهذيب الكمال " لوحة 757.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة 757، و" تذكرة الحفاظ " 1 / 367.
(3) تقدمت ترجمته في الجزء السابع ص 336 - 338.

(10/167)


وَلَهُ اخْتِيَارٌ فِي القِرَاءةِ، رَوَاهُ عَنْهُ وَلدُهُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، تَلَقَّنَ عَلَيْهِ عَدَدٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ بِمَكَّةَ سَنَةَ، اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، أَوْ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (1) .
وَقَالَ مُطَيَّنٌ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ (2) .
قُلْتُ: يَقَعُ مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (القَطِيْعِيَّاتِ (3))، وَكَانَ مِنْ مَشَايخِ الإِسْلاَمِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
أَخْبَرَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، وَابْنُ البُخَارِيِّ إِجَازَةً، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، عَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ:
أنَّه رَآهُ يُصَلِّي فِي قَمِيْصٍ خَفِيْفٍ، لَيْسَ عَلَيْهِ إِزَارٌ، وَلاَ رِدَاءٌ.
قَالَ: وَلاَ أَظُنُّهُ صَلَّى فِيْهِ إِلاَّ لِيُرِيَنَا أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ (4) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُقْرِئِ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِذَا سُئِلَ عَنْ أَبِي، قَالَ: كَانَ ذَهَباً خَالِصاً (5) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ صَدُوْقٌ (6) .
__________
(1) انظر " التاريخ الكبير " 5 / 228.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة 757.
(3) تقدم التعريف بها في الصفحة 123 تعليق رقم 5.
(4) إسناده صحيح، وهو في " مسند " أبي حنيفة برقم (81)، وقال محمد بن المنكدر:
رأيت جابرا يصلي في ثوب واحد، وقال: رأيت رسول الله يصلي في ثوب.
أخرجه البخاري 1 / 395 في الصلاة: باب عقد الازار على القفا في الصلاة، و403 باب الصلاة بغير رداء، ومسلم (518) و(766) وأبو داود (633) و(634).
(5) " تهذيب الكمال " لوحة 757، و" العقد الثمين " 5 / 299.
(6) " الجرح والتعديل " 5 / 201.

(10/168)


وَقَالَ الخَلِيْلِيُّ: حَدِيْثُهُ عَنِ الثِّقَاتِ حُجَّةٌ، وَيَنْفَرِدُ بِأَحَادِيْثَ، وَابْنُهُ مُحَمَّدٌ ثِقَةٌ (1) .

30 - يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ زَيْدٍ الحَضْرَمِيُّ * (م، د، س، ق)
ابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، الإِمَامُ، المُجَوِّدُ، الحَافِظُ، مُقْرِئُ البَصْرَةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الحَضْرَمِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، أَحَدُ العَشَرَةِ.
وُلِدَ: بَعْدَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.
تَلاَ عَلَى: أَبِي المُنْذِرِ سَلاَّمٍ الطَّوِيْلِ، وَأَبِي الأَشْهَبِ العُطَارِدِيِّ، وَمَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَشِهَابِ بنِ شُرْنُفَةَ (2) .
وَسَمِعَ أَحْرُفاً مِنَ: حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ (3) .
وَسَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ: شُعْبَةَ، وَهَمَّامٍ (4) ، وَأَبِي عَقِيْلٍ الدَّوْرَقِيِّ، وَهَارُوْنَ بنِ مُوْسَى، وَسَلِيْمِ بنِ حَيَّانَ، وَالأَسْوَدِ بنِ شَيْبَانَ، وَزَائِدَةَ بنِ قُدَامَةَ، وَعِدَّةٍ، وَتَقَدَّمَ فِي عِلمِ الحَدِيْثِ،
__________
(1) " تهذيب الكمال " لوحة 757.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 304، طبقات خليفة: 227، تاريخ خليفة 472، التاريخ الكبير 8 / 399، 400، التاريخ الصغير 2 / 304، الجرح والتعديل 9 / 203، طبقات الزبيدي: 51، معجم الأدباء 20 / 52، وفيات الأعيان 6 / 390، 391، تهذيب الكمال لوحة 1548، تذهيب التهذيب 4 / 184 / 1، العبر 1 / 348، معرفة القراء الكبار للذهبي 1 / 130، الكاشف 3 / 290، طبقات القراء لابن الجزري 2 / 386 - 389، تهذيب التهذيب 11 / 382، النجوم الزاهرة 2 / 179، بغية الوعاة 2 / 348، خلاصة تذهيب الكمال: 436، شذرات الذهب 2 / 14.
(2) بضم الشين، وسكون الراء، وضم النون كما في " تبصير المنتبه " 2 / 781.
(3) تقدمت ترجمته في الجزء السابع من هذا الكتاب الصفحة 90.
(4) هو همام بن يحيى بن دينار العوذي.

(10/169)


وَفَاقَ النَّاسَ فِي القِرَاءةِ، وَمَا هُوَ بِدُوْنِ الكِسَائِيِّ (1) ، بَلْ هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُ عِنْدَ أَئِمَّةٍ، لَكِنْ رُزِقَ أَبُو الحَسَنِ سَعَادَةً.
وازْدَحَمَ القُرَّاءُ عَلَى يَعْقُوْبَ، فتَلاَ عَلَيْهِ: رَوْحُ بنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ (2) ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُتَوَكِّلِ رُوَيْسٌ (3) ، وَالوَلِيْدُ بنُ حَسَّانٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الخَالِقِ المَكْفُوْفُ، وَكَعْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَحُمَيْدُ بنُ وَزِيْرٍ، وَالمِنْهَالُ بنُ شَاذَانَ أَبُو عُمَرَ الدُّوْرِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
وَكَانَ يُقْرِئُ النَّاسَ عَلاَنيَةً بِحَرْفِهِ بِالبَصْرَةِ، فِي أَيَّامِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَابْنِ مَهْدِيٍّ، وَالقَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، وَمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، وَيَحْيَى اليَزِيْدِيِّ، وَسُلَيْمٍ (4) ، وَالشَّافِعِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّيْنِ، فَمَا بَلَغَنَا بَعْدَ الفَحْصِ وَالتَّنْقِيبِ أَنَّ أَحَداً مِنَ القُرَّاءِ، وَلاَ الفُقَهَاءِ، وَلاَ الصُّلَحَاءِ، وَلاَ النُّحَاةِ، وَلاَ الخُلَفَاءِ كَالرَّشِيْدِ، وَالأَمِيْنِ، وَالمَأْمُوْنِ أَنْكَرُوا قِرَاءتَهُ، وَلاَ مَنَعُوهُ مِنْهَا أَصْلاً، وَلَوْ أَنْكَرَ أَحَدٌ عَلَيْهِ، لَنُقِلَ، وَلاَشْتُهِرَ، بَلْ مَدَحَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ، وَأَقرَأَ بِهَا أَصْحَابُه بِالعِرَاقِ، وَاسْتَمَرَّ إِمَامُ جَامِعِ البَصْرَةِ بِقِرَاءتِهَا فِي المِحْرَابِ سِنِيْنَ مُتَطَاوِلَةٍ، فَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ، بَلْ تَلَقَّاهَا النَّاسُ بِالقَبُولِ، وَلَقَدْ عُومِلَ حَمْزَةُ مَعَ جَلاَلتِهِ بِالإِنْكَارِ عَلَيْهِ
__________
(1) تقدمت ترجمته في الجزء التاسع من هذا الكتاب الصفحة 131.
(2) هو روح بن عبد المؤمن أبو الحسن الهذلي مولاهم البصري النحوي، مقرئ جليل ثقة ضابط مشهور، روى قراءة يعقوب عنه، وروى عنه البخاري في " صحيحه "، مات سنة 234 أو 235.
انظر " غاية النهاية في طبقات القراء " 1 / 285.
(3) هو محمد بن المتوكل أبو عبد الله اللؤلؤي البصري المعروف برويس، مقرئ ضابط مشهور، أحد رواة قراءة يعقوب، قال الداني: وهو من أحذق أصحابه. توفي بالبصرة سنة 238.
انظر " غاية النهاية في طبقات القراء " 2 / 234، 235.
(4) هو سليم بن عيسى بن سليم بن عامر المقرئ، المتوفى سنة 188 ه.
وقد تقدمت ترجمته في الجزء التاسع ص 375.

(10/170)


فِي قِرَاءتِهِ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الكِبَارِ، وَلَمْ يَجْرِ مِثْلُ ذَلِكَ لِلْحَضْرَمِيِّ أَبَداً، حَتَّى نَشَأَ طَائِفَةٌ مُتَأَخِّرُوْنَ لَمْ يَأْلَفُوهَا، وَلاَ عَرَفُوهَا، فَأَنْكَرُوهَا - وَمَنْ جَهِلَ شَيْئاً، عَادَاهُ - قَالُوا: لَمْ تَتَّصِلْ بِنَا مُتَوَاتِرَةً.
قُلْنَا: اتَّصَلَتْ بِخَلْقٍ كَثِيْرٍ مُتَوَاتِرَةً، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّوَاتُرِ أَنْ يَصِلَ إِلَى الأُمَّةِ، فَعِنْدَ القُرَّاءِ أَشْيَاءُ مُتَوَاتِرَةٌ دُوْنَ غَيْرِهِم، وَعِنْدَ الفُقَهَاءِ مَسَائِلُ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ أَئِمَّتِهِمْ لاَ يَدْرِيْهَا القُرَّاءُ، وَعِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ أَحَادِيْثُ مُتَوَاتِرَةٌ قَدْ لاَ يَكُوْنُ سَمِعَهَا الفُقَهَاءُ، أَوْ أَفَادَتْهُم ظَنّاً فَقَطْ، وَعِنْدَ النُّحَاةِ مَسَائِلُ قَطْعِيَّةٌ، وَكَذَلِكَ اللُّغَوِيُّونَ، وَلَيْسَ مَنْ جَهِلَ عِلْماً حُجَّةً عَلَى مَنْ عَلِمَهُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِلْجَاهِلِ: تَعَلَّمْ، وَسَلْ أَهْلَ العِلْمِ إِنْ كُنْتَ لاَ تَعْلَمُ، لاَ يُقَالُ لِلْعَالِمِ: اجْهَلْ مَا تَعْلَمُ، رَزَقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُم الإِنْصَافَ، فَكَثِيْرٌ مِنَ القِرَاءَاتِ تَدَّعُوْنَ تَوَاتُرَهَا، وَبِالجَهْدِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَى غَيْرِ الآحَادِ فِيْهَا، وَنَحْنُ نَقُوْلُ: نَتْلُو بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لاَ تُعْرَفُ إِلاَّ عَنْ وَاحِدٍ؛ لِكَوْنِهَا تُلُقِّيَتْ بِالقَبُولِ، فَأَفَادَتِ العِلْمَ، وَهَذَا وَاقِعٌ فِي حُرُوْفٍ كَثِيْرَةٍ، وَقِرَاءَاتٍ عَدِيْدَةٍ، وَمَنِ ادَّعَى تَوَاتُرَهَا، فَقَدْ كَابَرَ الحِسَّ (1) ، أَمَّا القُرْآنُ العَظِيْمُ - سُوَرُهُ وَآيَاتُهُ - فَمُتَوَاتِرٌ - وَللهِ الحَمْدُ - مَحْفُوْظٌ مِنَ الله -تَعَالَى- لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُبَدِّلَهُ، وَلاَ يَزِيْدَ فِيْهِ آيَةً، وَلاَ جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ عَمْداً، لاَنْسَلَخَ مِنَ الدِّيْنِ.
قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَإِنَّا لَهُ
__________
(1) جاء في كتاب " المدخل " ص 196 لعبد القادر بدران بتحقيق الدكتور عبد الله بن التركي ما نصه: القراءات السبع متواترة وهو المشهور، وقال ابن الحاجب: هي متواترة فيما ليس من قبيل المد والامالة وتخفيف الهمزة ونحوها، وهذا خلاف المشهور.
وذهب الطوفي إلى أن القراءات متواترة عن الأئمة السبعة، أما تواترها عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأئمة السبعة فهو محل نظر، فإن أسانيد الأئمة السبعة بهده القراءات السبعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم موجودة في كتب القراءات، وهي نقل الواحد عن الواحد، لم تستكمل شروط التواتر، قال: وأبلغ من هذا أنها لم تتواتر بين الصحابة.
قال: واعلم أن بعض من لا تحقيق عنده ينفر من القول بعدم تواتر القراءات ظنا منه أن ذلك يستلزم عدم تواتر القرآن، وليس ذلك بلازم، لأنه فرق بين ماهية القرآن والقراءات، والإجماع على تواتر القرآن.

(10/171)


لَحَافِظُوْنَ} [الحِجْرُ: 9].
وَأَوَّلُ مَنْ ادَّعَى أَنَّ حَرْفَ يَعْقُوْبَ مِنَ الشَّاذِّ: أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ أئِمَّةٌ، وَصَارَ فِي الجُمْلَةِ فِي المَسْأَلَةِ خِلاَفٌ حَادِثٌ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
نَعَمْ، وَحَدَّثَ عَنْ يَعْقُوْبٍ: أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَبُنْدَارُ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ شَاذَانُ، وَالكُدَيْمِيُّ (1) ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمُ.
وَكَانَ أَخُوْهُ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيُّ أَسَنَّ مِنْهُ.
قَالَ العَلاَّمَةُ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: يَعْقُوْبُ أَعْلَمُ مَنْ رَأَينَا بِالحُرُوْفِ وَالاختِلاَفِ فِي القُرْآنِ، وَعِلَلِهِ، وَمَذَاهِبِهِ، وَمَذَاهِبِ النَّحْوِ (2) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ صَدُوْقٌ (3) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ العِجْلِيُّ يَمْدَحُ يَعْقُوْبَ:
أَبُوْهُ مِنَ القُرَّاءِ كَانَ وَجَدُّهُ ... وَيَعْقُوْبُ فِي القُرَّاءِ كَالكَوْكَبِ الدُّرِّي
تَفَرُّدُهُ مَحْضُ الصَّوَابِ وَوَجْهُهُ (4) ... فَمَنْ مِثْلُهُ فِي وَقْتِهِ وَإِلَى الحَشْرِ
__________
(1) هو محمد بن يونس الكديمي (2) " معرفة القراء " 1 / 130، و" وفيات الأعيان " 6 / 391.
(3) " الجرح والتعديل " 9 / 204، و" تهذيب الكمال " لوحة 1458.
(4) في " معجم الأدباء ": " وجمعه "، يشير إلى كتاب " الجامع " الذي صنفه يعقوب، وذكر فيه اختلاف وجوه القراءات، ونسب كل حرف إلى من قرأ به.
(5) البيتان في " معرفة القراء " 1 / 130، و" معجم الأدباء " 2 / 53، و" بغية الوعاة " 2 / 438، و" النجوم الزاهرة " 2 / 179.

(10/172)


قَالَ أَبُو الحَسَنِ طَاهِرُ بنُ غَلْبُوْنَ (1) : وَإِمَامُ أَهْلِ البَصْرَةِ بِالجَامِعِ لاَ يَقْرَأُ إِلاَّ بِقِرَاءةِ يَعْقُوْبَ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَقَالَ الإِمَامُ عَلِيُّ بنُ جَعْفَرٍ السَّعِيْدِيُّ: كَانَ يَعْقُوْبُ أَقْرَأَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَكَانَ لاَ يَلْحَنُ فِي كَلاَمِهِ، وَكَانَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ مِنْ بَعْضِ غِلْمَانِهِ (2) .
وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ المَازِنِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُوْرَةَ طَه، فَقُلْتُ: مَكَاناً سِوَى.
فَقَالَ: (اقرَأْ سُوَى قِرَاءةَ يَعْقُوْبَ) (3) .
قَالَ أَبُو القَاسِمِ الهُذَلِيُّ (4) فِي (كَامِلِهِ): وَمِنْهُم يَعْقُوْبُ الحَضْرَمِيُّ، لَمْ يُرَ فِي زَمَنِهِ مِثْلُهُ، كَانَ عَالِماً بِالعَرَبِيَّةِ وَوُجُوْهِهَا، وَالقُرْآنِ وَاختِلاَفِهِ، فَاضِلاً، تَقِيّاً، نَقِيّاً، وَرِعاً، زَاهِداً، بَلَغَ مِنْ زُهْدِهِ أنَّهُ سُرِقَ رِدَاؤُهُ عَنْ كَتِفِهِ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ، وَلَمْ يَشْعُرْ، وَرُدَّ إِلَيْهِ فَلَمْ يَشْعُرْ؛ لِشُغْلِهِ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ، وَبَلَغَ مِنْ جَاهِهِ بِالبَصْرَةِ أنَّه كَانَ يَحْبِسُ وَيُطْلِقُ (5) .
وَقَالَ أَبُو طَاهِرٍ بنُ سِوَارٍ: كَانَ يَعْقُوْبُ حَاذِقاً بِالقِرَاءةِ، قَيِّماً بِهَا،
__________
(1) هو أبو الحسن طاهر بن عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي ثم المصري، شيخ الديار المصرية في القراءات، ومصنف " التذكرة " وشيخ أبي عمرو الداني. توفي سنة 399 ه انظر " النشر " 1 / 73.
(2) " معرفة القراء الكبار " 1 / 130.
(3) وهي قراءة عاصم وحمزة وابن عامر، وقرأ الباقون بالكسر، وهما لغتان: أي: مكانا عدلا، وقيل: وسطا بين قريتين " حجة القراءات " ص 453.
(4) واسمه يوسف بن علي بن جبارة بن محمد بن عقيل الهذلي المغربي نزيل نيسابور، وقد توفي بها سنة خمس وستين وأربع مئة، وكتابه " الكامل " في القراءات العشر والاربعين الزائدة عليها، فيما ذكره ابن الجزري في " النشر " 1 / 90.
(5) " معرفة القراء الكبار " 1 / 131.

(10/173)


مُتَحَرِّياً، نَحْوِيّاً، فَاضِلاً.
قَالَ رَوْحُ بنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَغَيْرُهُ: قَرَأَ يَعْقُوْبُ عَلَى سَلاَّمٍ الطَّوِيْلِ، وَقَرَأَ سَلاَّمٌ عَلَى أَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ.
وَقَالَ رُوَيْسٌ: قَرَأْتُ عَلَى يَعْقُوْبَ، وَقَرَأَ عَلَى سَلاَّمٍ، عَنْ عَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُوْدِ.
وَرُوِيَ عَنْ يَعْقُوْبَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى سَلاَّمٍ، عَنْ قِرَاءتِهِ عَلَى عَاصِمٍ الجَحْدَرِيِّ.
فَهَذِهِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ سَلاَّماً أَخَذَ عَنِ الثَّلاَثَةِ.
مَاتَ يَعْقُوْبُ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ.
أَخُوْهُ:

31 - أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيُّ * (م، د، ت، س)
حَافِظٌ، ثِقَةٌ.
يَرْوِي عَنْ: عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَهَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَوُهَيْبٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، وَعِدَّةٌ.
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 304، التاريخ الكبير 2 / 1، الجرح والتعديل 2 / 40، تاريخ بغداد 4 / 26، تهذيب الكمال لوحة 17، ميزان الاعتدال 1 / 82، تذهيب التهذيب 1 / 7 / 1، الكاشف 1 / 51، تهذيب التهذيب 1 / 14، خلاصة تذهيب الكمال: 3.

(10/174)


وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ (1) ، وَالنَّسَائِيُّ (2) .
مَاتَ: سنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ.
لَمْ يُخَرِّجْ لَهُمَا البُخَارِيُّ شَيْئاً.
وَيُكْنَى أَحْمَدُ: أَبَا إِسْحَاقَ، وَكَانَ يَحْفَظُ حَدِيْثَهُ.

32 - الأَصْمَعِيُّ أَبُو سَعِيْدٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ قُرَيْبٍ * (د، ت)
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، حُجَّةُ الأَدَبِ، لِسَانُ العَرَبِ، أَبُو سَعِيْدٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ قُرَيْبِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَصْمَعَ بنِ مُظَهِّرِ (3) بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ أَعْيَا بنِ سَعْدِ بنِ عَبْدِ بنِ غَنْمِ بنِ قُتَيْبَةَ بنِ مَعْنِ بنِ مَالِكِ بنِ أَعْصُرَ بنِ سَعْدِ بنِ قَيْسِ عَيْلاَنَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ الأَصْمَعِيُّ، البَصْرِيُّ، اللُّغَوِيُّ، الأَخْبَارِيُّ، أَحَدُ الأعلاَمِ.
يُقَالُ: اسْمُ أَبِيْهِ: عَاصِمٌ، وَلَقَبُهُ: قُرَيْبٌ.
__________
(1) " الجرح والتعديل " 2 / 40.
(2) " تاريخ بغداد " 4 / 27.
(*) تاريخ ابن معين: 374، التاريخ الكبير 5 / 428، المعارف لابن قتيبة: 543، 544، الجرح والتعديل 5 / 363، مراتب النحويين: 46 - 65، طبقات النحويين للزبيدي: 167 - 174، أخبار النحويين البصريين: 58 - 67، تاريخ أصبهان 2 / 130، الفهرست: 60، 61، تاريخ بغداد 10 / 410 - 420، الأنساب للسمعاني 1 / 293، تاريخ ابن عساكر 10 / ورقة 239 / 1 - 247 / 1، نزهة الالبا: 112 - 124، إنباه الرواة 2 / 197 - 205، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 273، وفيات الأعيان 3 / 170 - 176، تاريخ أبي الفدا 2 / 30، تهذيب الكمال لوحة 861، تذهيب التهذيب 3 / 6 / 2، العبر 1 / 370، ميزان الاعتدال 2 / 662، عيون التواريخ 7 / لوحة 308، مرآة الجنان 2 / 64، طبقات القراء لابن الجزري 1 / 470، تهذيب التهذيب 6 / 415، النجوم الزاهرة 2 / 190، روضات الجنات 458 - 462، بغية الوعاة 2 / 112، 113، المزهر 2 / 404، 405، خلاصة تذهيب الكمال: 245، طبقات المفسرين 1 / 354 - 356، شذرات الذهب 2 / 36 - 38، شرح الشريشي 2 / 256.
(3) ضبط بالاصل بتشديد الهاء المكسورة، وهو الموافق لما في " الإكمال " و" الأنساب " و" الجمهرة "، وفي " القاموس " بتشديد الهاء المفتوحة، وفي " تبصير المنتبه " مظهر بوزن محسن.

(10/175)


وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَوْنٍ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَأَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَمِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، وَعُمَرَ بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَشُعْبَةَ، وَنَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ - وَتَلاَ عَلَيْهِ - وَبَكَّارِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ، وَسَلَمَةَ بنِ بِلاَلٍ، وَشَبِيْبِ بنِ شَيْبَةَ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ، لَكِنَّهُ قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ لِلْمُسْنَدَاتِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عُبَيْدٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَوْصِلِيُّ، وَسَلَمَةُ بنُ عَاصِمٍ، وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى المِنْقَرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ شَبَّةَ، وَأَبُو الفَضْلِ الرِّيَاشِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَابْنُ أَخِيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَصْمَعِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ أَبُو عَصِيْدَةَ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَالكُدَيْمِيُّ، وَأَبُو العَيْنَاءِ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، عَنِ الأَصْمَعِيِّ، قَالَ: سَمِعَ مِنِّي مَالِكُ بنُ أَنَسٍ (1) .
وَقَدِ أَثْنَى أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَلَى الأَصْمَعِيِّ فِي السُّنَّةِ (2) .
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: لَوْ تَفَرَّغْتَ، لَجِئْتُكَ (3) .
قَالَ إِسْحَاقُ المَوْصِلِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى الأَصْمَعِيِّ أَعُودُهُ، فَإِذَا قِمَطْرٌ.
__________
(1) " تهذيب الكمال " لوحة 861.
(2) " تاريخ بغداد " 10 / 418، و" تهذيب الكمال " لوحة 861، و" نزهة الالباء " ص 123.
(3) " تاريخ بغداد " 10 / 411، و" تهذيب الكمال " لوحة 861، و" تذهيب التهذيب " 3 / 6 / 2، و" تهذيب التهذيب " 6 / 416.
وجاء في الأصل بعد قوله: " لجئتك " زيادة لفظ " بالشعبي " ولم ترد في المصادر السابقة.

(10/176)


فَقُلْتُ: هَذَا عِلْمُكَ كُلُّهُ؟
فَقَالَ: إِنَّ هَذَا مِنْ حَقٍّ لَكَثِيْرٌ (1) .
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: قِيْلَ لِلأَصْمَعِيِّ: كَيْفَ حَفِظْتَ وَنَسُوا؟
قَالَ: دَرَسْتُ، وَتَرَكُوا (2) .
قَالَ عُمَرُ بنُ شَبَّةَ: سَمِعْتُ الأَصْمَعِيَّ يَقُوْلُ: أَحْفَظُ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفِ أُرْجُوزَةٍ (3) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الأَعْرَابِيِّ: شَهِدْتُ الأَصْمَعِيَّ وَقَدْ أَنْشَدَ نَحْواً مِنْ مَائَتَي بَيْتٍ، مَا فِيْهَا بَيْتٌ عَرَفْنَاهُ (4) .
قَالَ الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
مَا عَبَّرَ أَحَدٌ عَنِ العَرَبِ بِأَحْسَنَ مِنْ عِبَارَةِ الأَصْمَعِيِّ (5) .
وَعَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ الأَصْمَعِيُّ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ فِي فَنِّهِ (6) .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: صَدُوْقٌ (7) .
__________
(1) " تهذيب الكمال " لوحة 862.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة 862.
(3) " تاريخ بغداد " 10 / 411، و" وفيات الأعيان " 3 / 171، و" تهذيب الكمال " لوحة 862، و" إنباه الرواة " 2 / 198، و" بغية الوعاة " 2 / 112، و" طبقات المفسرين " 1 / 354، و" نزهة الالباء " ص 113، و" عيون التواريخ " 7 / 308.
(4) تهذيب الكمال " لوحة 862، و" نزهة الالباء " ص 113.
(5) " تاريخ بغداد " 10 / 417، و" تهذيب الكمال " لوحة 862، و" وفيات الأعيان " 3 / 172، و" طبقات المفسرين " 1 / 354، و" بغية الوعاة " 2 / 112، و" نزهة الالباء "
ص 121.
(6) " الجرح والتعديل " 5 / 363، و" بغية الوعاة " 2 / 112، و" طبقات المفسرين " 1 / 355، و" عيون التواريخ " 7 / 308.
(7) " تهذيب الكمال " لوحة 862، و" طبقات المفسرين " 1 / 355، و" نزهة الالباء " ص 123.

(10/177)


قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّنْجِيُّ (1) : سَمِعْتُ الأَصْمَعِيَّ يَقُوْلُ:
إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى طَالِبِ العِلْمِ إِذَا لَمْ يَعْرِفِ النَّحْوَ أَنْ يَدْخُلَ فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ (2)).
وَقَالَ نَصْرٌ الجَهْضَمِيُّ: كَانَ الأَصْمَعِيُّ يَتَّقِي أَنْ يُفَسِّرَ الحَدِيْثَ كَمَا يَتَّقِي أَنْ يُفَسِّرَ القُرْآنَ (3) .
قَالَ المُبَرِّدُ: كَانَ الأَصْمَعِيُّ بَحْراً فِي اللُّغَةِ، لاَ نَعْرِفُ مِثْلَهُ فِيْهَا، وَكَانَ أَبُو زَيْدٍ أَنْحَى مِنْهُ (4) .
قِيْلَ لأَبِي نُوَاسٍ: قَدْ أُشْخِصَ الأَصْمَعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى الرَّشِيْد.
فَقَالَ: أَمَّا أَبُو عُبَيْدَةَ، فَإِنْ مَكَّنُوهُ مِنْ سِفْرِهِ، قَرَأَ عَلَيْهِم عِلْمَ أَخْبَارِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِيْنَ، وَأَمَّا الأَصْمَعِيُّ فَبُلْبُلٌ يُطْرِبُهُم بِنَغَمَاتِهِ (5) .
قَالَ أَبُو العَيْنَاءِ: قَالَ الأَصْمَعِيُّ:
دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى الفَضْلِ بنِ الرَّبِيْعِ، فَقَالَ: يَا أَصْمَعِيُّ! كَمْ كِتَابُكَ فِي الخَيْلِ؟
قُلْتُ: جِلْدٌ.
__________
(1) هو أبو داود سليمان بن معبد بن كوسجان السنجي نسبة إلى سنج - بكسر السين وسكون النون وفي آخرها جيم - قرية كبيرة من قرى مرو على سبعة فراسخ منها.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة 862، و" التبصرة والتذكرة " 2 / 174، و" الالماع " ص 184، و" فتح المغيث " 2 / 227، و" توضيح الافكار " 2 / 293، 294، وعلق عليه الأخير
فقال: إنما قال الاصمعي: " أخاف " ولم يجزم، لان من لم يعلم بالعربية وإن لحن لم يكن متعمدا للكذب.
(3) " تاريخ بغداد " 10 / 418، و" تهذيب الكمال " لوحة 862، و" بغية الوعاة " 2 / 112، و" نزهة الالباء " ص 122، و" طبقات المفسرين " 1 / 355 وفي الأخير: قال أبو داود: كان الاصمعي ...
(4) انظر " تاريخ بغداد " 10 / 414، و" تهذيب الكمال " لوحة 862، و" نزهة الالباء " ص 113، و" إنباه الرواة " 2 / 201.
(5) " تاريخ بغداد " 10 / 414، و" تهذيب الكمال " لوحة 862، و" إنباه الرواة " 2 / 201، و" عيون التواريخ " 7 / 308.

(10/178)


فَسَأَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: خَمْسُوْنَ جِلْداً.
فَأَمَرَ بِإِحْضَارِ الكِتَابَيْنِ، وَأَحْضَرَ فَرَساً، فَقَالَ لأَبِي عُبَيْدَةَ: اقرَأْ كِتَابَكَ حَرْفاً حَرْفاً، وضَعْ يَدَكَ عَلَى مَوْضِعٍ مَوْضِعٍ.
قَالَ: لَسْتُ بِبِيْطَارٍ (1) ، إِنَّمَا هَذَا شَيْءٌ أَخَذْتُهُ مِنَ العَرَبِ.
فَقَالَ لِي: قُمْ، فَضَعْ يَدَكَ.
فَقُمْتُ، فَحَسَرْتُ عَنْ ذِرَاعِي وَسَاقِي، ثُمَّ وَثَبْتُ، فَأَخَذْتُ بِأُذُنِ الفَرَسِ، ثُمَّ وَضَعْتُ يَدِي عَلَى نَاصِيَتِهِ، فَجَعَلْتُ أَقْبِضُ (2) مِنْهُ بِشَيْءٍ شَيْءٍ، وَأَقُوْلُ هَذَا اسْمُهُ كَذَا، وَأُنْشِدُ فِيْهِ، حَتَّى بَلَغْتُ حَافِرَهُ، فَأَمَرَ لِي بِالفَرَسِ، فَكُنْتُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَغِيْظَ أَبَا عُبَيْدَةَ، رَكِبْتُ الفَرَسَ وَأَتَيْتُهُ (3) .
وَعَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ: أَنَّ الأَصْمَعِيَّ كَانَ بَخِيْلاً، وَيَجْمَعُ أَحَادِيْثَ البُخَلاَءِ (4) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ: كُنَّا مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ بقُرْبِ دَارِ الأَصْمَعِيِّ، فَسَمِعْنَا مِنْهَا ضَجَّةً، فَبَادَرَ النَّاسُ لِيَعْرِفُوا ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّمَا يَفْعَلُوْنَ هَذَا عِنْدَ الخُبْزِ، كَذَا يَفْعَلُوْنَ إِذَا فَقَدُوا رَغِيفاً (5) .
وَعَنِ الأَصْمَعِيِّ، قَالَ: نِلْتُ مَا نِلْتُ بِالمُلَحِ (6) .
__________
(1) البيطار: معالج الدواب.
(2) في " بغية الوعاة " و" وفيات الأعيان " و" طبقات المفسرين ": وجعلت أذكر عضوا عضوا وأضع يدي عليه.
وفي " إنباه الرواة ": وشرعت أذكر عضوا عضوا، ويدي على ذلك العضو.
(3) " تاريخ بغداد " 10 / 415، و" تهذيب الكمال " لوحة 862، و" وفيات الأعيان " 3 / 172، و" الأنساب " 1 / 294، و" نزهة الالباء " ص 120، 121، و" بغية الوعاة " 2 / 113، و" طبقات المفسرين " 1 / 355، و" إنباه الرواة " 2 / 202.
(4) " تهذيب الكمال " لوحة 862، و" طبقات المفسرين " 1 / 355.
(5) " تهذيب الكمال " لوحة 862.
(6) " تهذيب الكمال " لوحة 862، وتتمته فيه: قال: وقال مصعب الزبيري: قال أبي: الملح يا بني لا يفهمها إلا عقلاء الرجال.

(10/179)


قُلْتُ: كَتَبَ شَيْئاً لاَ يُحْصَى عَنِ العَرَبِ، وَكَانَ ذَا حِفْظٍ، وَذكَاءٍ، وَلُطْفِ عِبارَةٍ، فَسَادَ.
وَرَوَى: ثَعْلَبٌ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ النَّحْوِيِّ (1) ، قَالَ:
قَدِمَ الحَسَنُ بنُ سَهْلٍ، فَجَمَعَ أَهْلَ الأَدَبِ، وَحَضَرْتُ، وَوَقَّعَ الحَسَنُ عَلَى خَمْسِيْنَ رُقْعَةٍ، وَجَرَى ذِكْرُ الحُفَّاظِ، فَذَكَرْنَا الزُّهْرِيَّ، وَقَتَادَةَ.
فَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: فَأَنَا أُعِيدُ مَا وَقَّعَ بِهِ الأَمِيْرُ عَلَى التَّوَالِي، فَأُحْضِرَتِ الرِّقَاعُ.
فَقَالَ: صَاحِبُ الرُّقْعَةِ الأُوْلَى كَذَا وَكَذَا، وَاسْمُهُ كَذَا وَكَذَا، وَوقَّعَ لَهُ بِكَذَا وَكَذَا، وَالرُّقْعَةُ الثَّانِيَةُ كَذَا، وَالثَّالِثَةُ... حَتَّى مَرَّ عَلَى نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ رُقْعَةً.
فَقَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ: أَيُّهَا المَرْءُ أَبْقِ عَلَى نَفْسِكَ مِنَ العَينِ (2) .
وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
وَقَالَ: حَسْبُكَ لاَ تُقْتَلْ بِالعَيْنِ.
وَقَالَ: يَا غُلاَمُ! احمِلْ مَعَهُ خَمْسِيْنَ أَلْفاً.
قَالَ عَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ: رَأَيْتُ الأَصْمَعِيَّ وَسِيْبَوَيْه يَتَنَاظرَانِ.
فَقَالَ يُوْنُسَ: الحَقُّ مَعَ سِيْبَوَيْه، وَهَذَا يَغْلِبُهُ بِلِسَانِهِ (3) .
وَرُوِيَ عَنِ الأَصْمَعِيِّ: أَنَّ الرَّشِيْدَ أَجَازَهُ مَرَّةً بِمائَةِ أَلْفِ (4) .
__________
(1) هو أحمد بن عمر بن بكير النحوي، ذكره القفطي في " إنباه الرواة " 1 / 90، وقال: نحوي مذكور متصدر للاقراء، عاصر أبا عبيدة معمر بن المثنى التيمي، والاصمعي، ونصر بن علي الجهضمي، ووطئ بساط الامراء والكبراء والوزراء، وروى عنه أبو العباس أحمد بن يحيى ابن ثعلب وطبقته.
(2) " تاريخ بغداد " 10 / 415، 416، و" تهذيب الكمال " لوحة 862، و" وفيات الأعيان " 3 / 173، و" نزهة الالباء " ص 121، و" إنباه الرواة " 1 / 90، 91.
(3) " تاريخ بغداد " 10 / 417، و" طبقات المفسرين " 1 / 355، و" نزهة الالباء " ص 122.
(4) الخبر مطولا في " تاريخ بغداد " 10 / 413.

(10/180)


وَتَصَانِيْفُ الأَصْمَعِيِّ وَنَوَادِرُهُ كَثِيْرَةٌ، وَأَكْثَرُ تَوَالِيفِهِ مُخْتَصَرَاتٍ، وَقَدْ فُقِدَ أَكْثَرُهَا (1) .
قَالَ خَلِيْفَةُ (2) ، وَأَبُو العَيْنَاءِ (3) : مَاتَ الأَصْمَعِيُّ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمَائَتَيْنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَالبُخَارِيُّ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ (4) .
وَيُقَالُ: عَاشَ ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ- (5) .
33 - عَمْرُو بنُ مَسْعَدَةَ بنِ سَعْدِ بنِ صُوْلٍ الصُّوْلِيُّ *
العَلاَّمَةُ، البَلِيْغُ، أَبُوَ الفَضْلِ، ابْنُ عَمِّ إِبْرَاهِيْمَ بنِ العَبَّاسِ، الصُّوْلِيِّ، الشَّاعِرُ.
وَكَانَ مُوَقِّعاً (6) بَيْنَ يَدِي جَعْفَرَ البَرْمَكِيِّ، وَكَانَ فَصِيْحاً، قَوِيَّ الموَادِّ فِي الإِنشَاءِ.
يُقَالُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (7) .
وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ.
__________
(1) وقد ذكرها ابن النديم في " الفهرست " ص 61.
(2) في " تاريخه " ص 475.
(3) " تاريخ بغداد " 10 / 419.
(4) " التاريخ الكبير " 5 / 428، و" تاريخ بغداد " 10 / 419.
وذكر أبو نعيم في كتاب " أخبار أصبهان " 2 / 130 أنه توفي سنة اثنتي عشرة ومئتين.
(5) قاله الخطيب في " تاريخ بغداد " 10 / 420.
(*) الوزراء والكتاب: 216، معجم المرزباني: 33، تاريخ بغداد 12 / 203، معجم الأدباء 16 / 127 - 132، وفيات الأعيان 3 / 475 - 478، إعتاب الكتاب: 116، أمراء البيان: 191.
(6) الموقع: هو الكاتب الذي يجيب على الرسائل، وانظر بعض كتاباته في " وفيات الأعيان " 3 / 475 - 478.
(7) " تاريخ بغداد " 12 / 203، و" وفيات الأعيان " 3 / 476، وذكرا أن وفاته في موضع يقال له: أذنة.

(10/181)


عَمِلَ وِزَارَةَ المَأْمُوْنِ، وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّدٌ (1) .

34 - أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، الكَبِيْرُ، زَاهِدُ العَصْرِ، أَبُو سُلَيْمَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ.
وَقِيْلَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَطِيَّةَ.
وَقِيْلَ: ابْنُ عَسْكَرٍ العَنْسِيُّ، الدَّارَانِيُّ (2) .
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَرَوَى عَنْ: سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي الأَشْهَبِ العُطَارِدِيِّ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زَيْدٍ البَصْرِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بنِ سُوَيْدٍ، وَصَالِحِ بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ.
رَوَى عَنْهُ: تِلْمِيْذُهُ؛ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَهَاشِمُ بنُ خَالِدٍ، وَحُمَيْدُ بنُ هِشَامٍ العَنْسِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ صَالِحٍ الدَّارَانِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عُمَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَيُّوْبَ الحَوْرَانِيُّ.
أَبُو الجَهْمِ بنُ طَلاَّبٍ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، قَالَ:
اسْمُ أَبِي سُلَيْمَانَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَطِيَّةَ العَنْسِيُّ، مِنْ صَلِيْبَةِ العَرَبِ.
__________
(1) انظر شيئا من نظمه في " معجم الأدباء " 16 / 130 و131.
(*) الجرح والتعديل 5 / 214، تاريخ داريا للقاضي عبد الجبار الخولاني: ص 51، طبقات الصوفية: 75 - 82، حلية الأولياء 9 / 254 - 280، تاريخ بغداد 10 / 248 - 250، نتائج الافكار القدسية شرح الرسالة القشيرية 1 / 113، الأنساب للسمعاني 5 / 243، صفة الصفوة 4 / 223 - 234، معجم البلدان 2 / 431، اللباب 1 / 482، وفيات الأعيان 3 / 131، العبر 1 / 347، فوات الوفيات 2 / 265، عيون التواريخ 7 / لوحة 186، مرآة الجنان 2 / 29، البداية والنهاية 10 / 255، طبقات الأولياء: 386 - 397، النجوم الزاهرة 2 / 179، طبقات الشعراني 1 / 92، شذرات الذهب 2 / 13.
(2) قال ابن خلكان 3 / 131: والداراني بفتح الدال المهملة وبعد الالف راء مفتوحة، وبعد الالف الثانية نون، هذه النسبة إلى داريا، وهي قرية بغوطة دمشق، والنسبة إليها على هذه الصورة من شواذ النسب، والياء في " داريا " مشددة.

(10/182)


وَرَوَى: أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، عَنْ أَبِي الجَهْمِ أَيْضاً، عَنِ ابْنِ أَبِي الحَوَارِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ وَاسْمُه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَسْكَرٍ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ يَقُوْلُ:
صَلِّ خَلْفَ كُلِّ مُبْتَدِعٍ، إِلاَّ القَدَرِيَّ، لاَ تُصَلِّ خَلْفَهُ، وَإِنْ كَانَ سُلْطَاناً.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِالعِرَاقِ أَعْمَلُ، وَأَنَا بِالشَّامِ أَعْرَفُ (1) .
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَيْسَ لِمَنْ أُلْهِمَ شَيْئاً مِنَ الخَيْرَاتِ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ حَتَّى يَسْمَعَهُ مِنَ الأَثَرِ (2) .
الخَلْدِيُّ: عَنِ الجُنَيْدِ، قَالَ: قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ:
رُبَّمَا يَقَعُ فِي قَلْبِي النُّكْتَةُ مِنْ نُكَتِ القَوْمِ أَيَّاماً، فَلاَ أَقْبَلُ مِنْهُ إِلاَّ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَينِ، الكِتَابُ وَالسُّنَّة (3) .
وَعَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ: أَفْضَلُ الأَعْمَالِ خِلاَفُ هَوَى النَّفْسِ (4) .
وَقَالَ: لِكُلِّ شَيْءٍ عَلَمٌ، وَعَلَمُ الخِذْلاَنِ تَرْكُ البُكَاءِ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ صَدَأٌ، وَصَدَأُ القَلْبِ الشِّبَعُ (5) .
__________
(1) " تاريخ بغداد " 10 / 249، و" حلية الأولياء " 9 / 272، و" طبقات الأولياء " ص 293، وتتمة الخبر: قال أحمد بن أبي الحواري: فحدثت به سليمان ابنه، فقال: إنما معرفة أبي لله تعالى بالشام لطاعته بالعراق، ولو ازداد بالشام طاعة لازداد بالله معرفة.
(2) " تاريخ بغداد " 10 / 249، و" حلية الأولياء " 9 / 269، وتتمته: فإذا سمعه من الاثر عمل به وحمد الله حيث وافق ما في قلبه.
(3) " البداية والنهاية " 10 / 255، و" طبقات الصوفية " ص 77، 78، و" نتائج الافكار القدسية " 1 / 114. وأراد ب " النكتة ": كلمة الحكمة، وب " القوم ": الصالحين ممن اشتهر بالخير.
(4) " البداية والنهاية " 10 / 256، و" طبقات الصوفية " ص 81، و" نتائج الافكار القدسية " 1 / 115.
(5) " البداية والنهاية " 10 / 256، و" طبقات الصوفية " ص 81، و" طبقات الأولياء " ص 387، و" نتائج الافكار القدسية " 1 / 115.

(10/183)


ابْنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ يَقُوْلُ:
أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ الخَوْفُ مِنَ الدُّنْيَا، وَمِفْتَاحُ الدُّنْيَا الشِّبَعُ، وَمِفْتَاحُ الآخِرَةِ الجُوعُ (1) .
أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا الخَلْدِيُّ، حَدَّثَنِي الجُنَيْدُ، سَمِعْتُ السَّرِيَّ السَّقَطِيَّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ يَقُوْلُ:
قَدَّمَ إِلَيَّ أَهْلِي مَرَّةً خُبْزاً وَمِلْحاً، فَكَانَ فِي المِلْحِ سُمْسُمَةٌ، فَأَكَلْتُهَا، فَوَجَدْتُ رَانَهَا عَلَى قَلْبِي بَعْدَ سَنَةٍ.
أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنْ رَأَى لِنَفْسِهِ قِيْمَةً، لَمْ يَذُقْ حَلاَوَةَ الخِدْمَةِ (2) .
وَعَنْهُ: إِذَا تَكَلَّفَ المُتَعَبِّدُوْنَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالإِعرَابِ، ذَهَبَ الخُشُوْعُ مِنْ قُلُوْبِهِم.
وَعَنْهُ: إِنَّ مِنْ خَلْقِ اللهِ خَلْقاً لَوْ زُيِّنَ لَهُمُ الجِنَانُ، مَا اشْتَاقُوا إِلَيْهَا، فَكَيْفَ يُحِبُّوْنَ الدُّنْيَا، وَقَدْ زَهَّدَهُم فِيْهَا (3) .
قَالَ أَحْمَدُ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:
لَوْلاَ اللَّيْلُ لَمَا أَحْبَبْتُ البَقَاءَ فِي الدُّنْيَا، وَلَرُبَّمَا رَأَيْتُ القَلْبَ يَضْحَكُ ضَحِكاً (4) .
__________
(1) " حلية الأولياء " 9 / 259، و" تاريخ بغداد " 10 / 250، و" البداية والنهاية " 10 / 256، وفيها: وأصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله تعالى.
(2) " البداية والنهاية " 10 / 256.
(3) الخبر في " الحلية " 9 / 273، ولفظه: أحمد - هو ابن أبي الحواري قال: سمعت
أبا سليمان يقول: إن في خلق الله تعالى خلقا لو ذم لهم الجنان ما اشتاقوا إليها، فكيف يحبون الدنيا وهو قد زهدهم فيها ؟ فحدثت به سليمان ابنه، فقال: لو ذمها لهم ؟ قلت: كذا قال أبوك.
قال: والله لو شوقهم إليها لما اشتاقوا، فكيف لو ذمها لهم.
(4) انظر " الحلية " 9 / 275، و" تاريخ بغداد " 10 / 249، و" البداية والنهاية " 10 / 257.

(10/184)


قَالَ أَحْمَدُ: وَرَأَيْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ حِيْنَ أَرَادَ أَنْ يُلَبِّيَ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أفَاقَ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ العَبْدَ إِذْ حَجَّ مِنْ غَيْرِ وَجْهِهِ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ، قِيْلَ لَهُ: لاَ لَبَّيْكَ وَلاَ سَعْدَيْكَ، حَتَّى تَطْرَحَ مَا فِي يَدَيْكَ، فَمَا يُؤْمِنَّا أَنْ يُقَالَ لَنَا مِثْلُ هَذَا، ثُمَّ لَبَّى (1) .
قَالَ الجُنَيْدُ: شَيْءٌ يُرْوَى عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ، أَنَا أَسْتَحْسِنُهُ كَثِيْراً:
مَنِ اشْتَغَلَ بِنَفْسِهِ، شُغِلَ عَنِ النَّاسِ، وَمَنِ اشتَغَلَ بِرَبِّهِ، شُغِلَ عَنْ نَفْسِه وَعَنِ النَّاسِ (2) .
ابْنُ بَحْرٍ الأَسَدِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ يَقُوْلُ:
مَنْ وَثِقَ بِاللهِ فِي رِزْقِهِ، زَادَ فِي حُسْنِ خُلُقِهِ، وَأَعْقَبَهُ الحِلْمَ، وَسَخَتْ نَفْسُهُ، وَقَلَّتْ وَسَاوِسُهُ فِي صَلاَتِهِ (3) .
وَعَنْهُ: الفُتُوَّةُ أَنْ لاَ يَرَاكَ اللهُ حَيْثُ نَهَاكَ، وَلاَ يَفْقِدُكَ حَيْثُ أَمَرَكَ.
وَلابْنِ سُلَيْمَانَ مِنْ هَذَا المَعْنَى كَثِيْرٌ فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ (تَارِيْخِ دِمَشْقَ) وَفِي (الحِلْيَةِ).
أَنْبَأَنِي المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا طَاهِرُ بنُ سَهْلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الدَّائِمِ الهِلاَلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الكِلاَبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خُرَيْمٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ يَقُوْلُ:
تَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ فِي المَنَامِ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ سَنَةٍ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا مُعَلِّمُ! مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: يَا أَحْمَدُ! دَخَلْتُ مِنْ بَابِ الصَّغِيْرِ، فَلَقِيتُ
__________
(1) " الحلية " 9 / 263، 264.
(2) " البداية والنهاية " 10 / 257.
(3) " حلية الأولياء " 9 / 257.

(10/185)


وَسْقَ شِيْحٍ، فَأَخَذْتُ مِنْهُ عُوداً، فَلاَ أَدْرِي تَخَلَّلْتُ بِهِ أَمْ رَمَيْتُ بِهِ، فَأَنَا فِي حِسَابِهِ مِنْ سَنَةٍ (1) .
قَالَ سَعِيْدُ بنُ حَمْدُوْنَ، وَالسُّلَمِيُّ، وَأَبُو يَعْقُوْبَ القَرَّابُ: تُوُفِّيَ أَبُو سُلَيْمَانَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ (2) .
وَلَنَا:

35 - أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ الكَبِيْرُ * (ق)
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سُلَيْمَانَ بنُ أَبِي الجَوْنِ العَنْسِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، مُحَدِّثٌ، رَحَّالٌ.
رَوَى عَنْ: لَيْثٍ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَابْنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَعَمْرِو بنِ شَرَاحِيْلَ الدَّارَانِيِّ.
وَعَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ - مِنْ أَقْرَانِهِ - وَمُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ، وَأَبُو تَوْبَةَ الحَلَبِيُّ، وَصَفْوَانُ بنُ صَالِحٍ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَثَّقَهُ: دُحَيْمٌ (3) .
__________
(1) ذكره ابن كثير في " البداية والنهاية " 10 / 279 ونسبه إلى ابن عساكر، وأورد الخبر ابن الكتبي في " فوات الوفيات " 2 / 266، وفي " عيون التواريخ " 7 / لوحة 189.
(2) " تاريخ بغداد " 10 / 250.
(*) التاريخ الكبير 5 / 289، الجرح والتعديل 5 / 240، الكامل لابن عدي 3 / لوحة 459، تهذيب الكمال لوحة 793، تذهيب التهذيب 2 / 213 / 1، الكاشف 2 / 166، المغني في الضعفاء 2 / 381، ميزان الاعتدال 2 / 567، 568، تهذيب التهذيب 6 / 188، 189، خلاصة تذهيب الكمال: 228.
(3) " تهذيب الكمال " لوحة 793.

(10/186)


وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ (1) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
رَوَى لَهُ ابْنُ مَاجَهْ حَدِيْثاً (2) .

36 - عُلَيَّةُ بِنْتُ المَهْدِيِّ *
وَأُخْتُ الرَّشِيْدِ، الهَاشِمِيَّةُ، العَبَّاسِيَّةُ، أَدِيبَةٌ، شَاعِرَةٌ، عَارِفَةٌ بِالغِنَاءِ وَالمُوْسِيْقَى، رَخِيْمَةُ الصَّوْتِ، ذَاتُ عِفَّةٍ وَتَقْوَىً وَمَنَاقِبَ.
وأُمُّهَا أُمُّ وَلَدٍ، اسْمُهَا: مَكْنُوْنَةُ، كَانَتْ جَمِيْلَةً، بَارِعَةَ الغِنَاءِ، اشتُرِيَتْ بِمائَةِ أَلْفٍ.
وكَانَتْ عُلَيَّةُ مِنْ مِلاَحِ زَمَانِهَا، وَأَظْرَفِ بَنَاتِ الخُلَفَاءِ.
رَوَى إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الكَاتِبُ: أَنَّهَا كَانَتْ لاَ تُغَنِّي إِلاَّ زَمَنَ حَيْضِهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ، أَقْبَلَتْ عَلَى التِّلاَوَةِ وَالعِلْمِ، إِلاَّ أَنْ يَدْعُوَهَا الخَلِيْفَةُ، وَلاَ تَقْدِرُ تُخَالِفَهُ (3) .
وكَانَتْ تَقُوْلُ: لاَ غُفِرَ لِي فَاحِشَةٌ ارْتَكَبْتُهَا قَطُّ، وَمَا أَقُوْلُ فِي شِعْرِي إِلاَّ عَبَثاً (4) .
__________
(1) " الجرح والتعديل " 5 / 240، ونصه: دمشقي يكتب حديثه ولا يحتج به.
(2) برقم (757) في المساجد: باب تطهير المساجد وتطييبها، من طريق هشام بن عمار، عن عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون، حدثنا محمد بن صالح المدني، حدثنا مسلم بن أبي مريم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتا في الجنة ".
قال البوصيري في " زوائد ابن ماجة " ورقة 51: هذا إسناد ضعيف، مسلم هو ابن يسار لم يسمع من أبي سعيد، ومحمد فيه لين.
(*) أشعار أولاد الخلفاء: 55 - 83، الاغاني 10 / 162 - 185، البصائر والذخائر للتوحيدي: 74، فوات الوفيات 3 / 123 - 126، النجوم الزاهرة 2 / 191، شذرات الذهب 3 / 111، الدر المنثور في طبقات ربات الخدور: 349، 350.
(3) " الاغاني " 10 / 163.
(4) " الاغاني " 10 / 163.

(10/187)


وَجَاءَ عَنْهَا، قَالَتْ: مَا كَذَبْتُ قَطُّ.
وَكَانَ أَخُوْهَا لاَ يَصْبِرُ عَنْ غِيَابِهَا، وَأَخَذَهَا مَعَهُ إِلَى الرَّيِّ (1) .
قِيْلَ: مَاتَتْ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ، وَلَهَا خَمْسُوْنَ سَنَةً.
وَسَبَبُ مَوْتِهَا: أَنَّ المَأْمُوْنَ ضَمَّهَا إِلَيْهِ، فَقَبَّلَهَا وَهِيَ عَمَّتُهُ، وَكَانَ وَجْهُهَا مُغَطَّى، فَشَرِقَتْ وَسَعَلَتْ، ثُمَّ حُمَّتْ أَيَّاماً، وَمَاتَتْ (2) .

37 - اللَّيْثُ بنُ عَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ أَبُو زُرَارَةَ القِتْبَانِيُّ * (س)
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، أَبُو زُرَارَةَ القِتْبَانِيُّ، المِصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَغَيْرِهِمَا.
رَوَى عَنْهُ: حَفِيْدُهُ؛ يَاسِيْنُ بنُ عَبْدِ الأَحَدِ القِتْبَانِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَأَبُو الطَّاهِرِ بنُ السَّرْحِ، وَآخَرُوْنَ.
ونَيَّفَ عَلَى التِّسْعِيْنَ (3) .
تُوُفِّيَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
وَهُوَ: لَيْثُ بنُ عَاصِمِ بنِ كُلَيْبِ بنِ خِيَارِ بنِ خَيْرِ بنِ أَسَعْدَ بنِ نَاشِرَةَ، وَمَحَلُّهُ الصِّدْقُ.
أَمَّا:
__________
(1) انظر " فوات الوفيات " 3 / 124.
(2) " الاغاني " 10 / 185، و" فوات الوفيات " 3 / 123.
* الجرح والتعديل 7 / 181، تهذيب الكمال لوحة 1154، تذهيب التهذيب 3 / 176 / 2، الكاشف 3 / 14، تهذيب التهذيب 8 / 468، حسن المحاضرة 1 / 287، خلاصة تذهيب الكمال: 323.
(3) في " تقريب التهذيب " 2 / 139: وله ست وتسعون سنة.

(10/188)


38 - اللَّيْثُ بنُ عَاصِمِ بنِ العَلاَءِ الخَوْلاَنِيُّ *
الحُدَادِيُّ - بِضَمٍّ، وَخِفَّةٍ - فَشَيْخٌ آخَرُ.
رَوَى عَنْ: أَبِي قَبِيْلٍ المَعَافِرِيِّ، وَأَبِي الخَيْرِ الجَيْشَانِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ وَهْبٍ، وَيَحْيَى بنُ يَزِيْدَ المُرَادِيُّ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَبَقَةِ شُيُوْخِ القِتْبَانِيِّ.
وَقَدْ خَلَطَ التَّرْجَمَتَيْنِ صَاحِبُ (تَهْذِيْبِ الكَمَالِ (1)).
وَوَهِمَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (2) فِي نَسَبِهِ الثَّانِي، وَفِي كُنْيَتِهِ، فَقَالَ فِي الثَّانِي: أَبُو زُرَارَةَ القِتْبَانِيُّ، وَإِنَّمَا هُوَ خَوْلاَنِيٌّ، فَيُحَرَّرُ هَذَا.

39 - المُهَلَّبِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ عَبَّادِ بنِ حَبِيْبٍ **
السَّيِّدُ، الجَوَادُ، حَاتِمُ زَمَانِهِ، أَمِيْرُ البَصْرَةِ، مُحَمَّدُ ابْنُ مُحَدِّثِ البَصْرَةِ عَبَّادِ بنِ عَبَّادِ بنِ حَبِيْبٍ ابْنِ الأَمِيْرِ المُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ الأَزْدِيُّ، المُهَلَّبِيُّ.
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَهُشَيْمٍ.
وَعَنْهُ: الكُدَيْمِيُّ، وَأَبُو العَيْنَاءِ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ المُهَلَّبِ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: كَتَبَ مَنْصُوْرٌ أَخُو الرَّشِيْدِ
__________
(*) تهذيب الكمال لوحة 1154، تذهيب التهذيب 3 / 176 / 2، تهذيب التهذيب 8 / 469، حسن المحاضرة 1 / 287، خلاصة تذهيب الكمال: 323.
(1) لوحة 1154، 1155.
(2) في " الجرح والتعديل " 7 / 181.
(* *) الوزراء والكتاب: 215، النجوم الزاهرة 2 / 217، رغبة الآمل 4 / 138.

(10/189)


إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبَّادٍ يَشْكُو ضِيْقاً، وَجَفْوَةَ سُلْطَانٍ، فَنَفَّذَ إِلَيْهِ عَشْرَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ.
وَقَالَ أَبُو العَيْنَاءِ: قَالَ المَأْمُوْنُ لِمُحَمَّدِ بنِ عَبَّادٍ: أَرَدْتُ أَنْ أُوَلِّيَكَ، فَمَنَعَنِي إِسْرَافُكَ.
قَالَ: مَنْعُ الجُوْدِ، سُوْءُ ظَنٍّ بِالمَعْبُوْدِ.
فَقَالَ: لَوْ شِئْتَ أَبْقَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ، فَإِنَّ مَا تُنْفِقُهُ مَا أَبْعَدَ رُجُوعَهُ إِلَيْكَ!
قَالَ: مَنْ لَهُ مَوْلَى غَنِيٌّ لَمْ يَفْتَقِرْ (1) .
فَقَالَ المَأْمُوْنُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُكْرِمَنِي، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفِي مُحَمَّداً.
فَجَاءتْهُ الأَمْوَالُ، فَمَا ذَخَرَ مِنْهَا دِرْهَماً، وَقَالَ: الكَرِيْمُ لاَ تُحَنِّكُهُ التَّجَارِبُ.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ دَخَلَ مَرَّةً عَلَى المَأْمُوْنِ، فَقَالَ: كَمْ دَيْنُكَ يَا مُحَمَّدُ؟
قَالَ: سِتُّوْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
فَأَعْطَاهُ مائَةَ أَلْفِ دِيْنَارٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّ المَأْمُوْنَ قَالَ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لاَ يَقْدَمُ أَحَدٌ البَصْرَةَ إِلاَّ أَضَفْتَهُ؟
فَقَالَ: مَنْعُ الجُوْدِ، سُوْءُ ظَنٍّ بِالمَعْبُوْدِ.
فَاسْتَحْسَنَهُ، وَأَعْطَاهُ نَحْوَ سِتَّةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
ثُمَّ مَاتَ مُحَمَّدٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ؛ خَمْسُوْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
وَقِيْلَ لِلْعُتَبِيِّ: مَاتَ مُحَمَّدٌ، فَقَالَ:
نَحْنُ مِتْنَا بِفَقْدِهِ ... وَهُوَ حَيٌّ بِمَجْدِهِ (2)
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
__________
(1) " النجوم الزاهرة " 2 / 217.
(2) " النجوم الزاهرة " 2 / 217.

(10/190)


40 - مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ العَلَوِيُّ الحُسَيْنِيُّ *
ابْنِ زَيْنِ العَابِدِيْنَ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ ابْنِ الإِمَامِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ العَلَوِيُّ، الحُسَيْنِيُّ، الزَّاهِدُ، المُلَقَّبُ: بِالصُّوْفِيِّ؛ لِلُبْسِهِ الصُّوْفَ.
كَانَ فَقِيْهاً، عَالِماً، عَامِلاً، عَابِداً، مُعَظَّماً عِنْد الزَّيْدِيَّةِ.
ظَهَرَ بِالطَّالْقَانِ (1) ، وَدَعَا إِلَى الرِّضَى مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاجْتَمَعَ لَهُ جَيْشٌ كَبِيْرٌ، وَحَارَبَ عَسْكَرَ خُرَاسَانَ فِي دَوْلَةِ المَأْمُوْنِ، وَقَوِيَ سُلْطَانُهُ، ثُمَّ انْفَلَّ جَمْعُهُ، وَقُبِضَ عَلَيْهِ، فَأُتِيَ بِهِ المُعْتَصِمَ، فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فَحَبَسَهُ بِسَامَرَّاءَ، ثُمَّ هَرَبَ مِنَ السِّجْنِ يَوْمَ عِيْدٍ، وَاسْتَتَرَ، وَأَضْمَرَتْهُ البِلاَدُ (2) .
قَالَ أَبُو الفَرَجِ صَاحِبُ (الأَغَانِي): احتَالَ لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ مُخْتَفِياً، وَصَارَ إِلَى وَاسِطَ، وَغَابَ خَبَرُهُ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: بِوَاسِطَ مَشْهَدٌ يُقَالُ: إِنَّهُ مَدْفُونٌ فِيْهِ - فَاللهُ أَعْلمُ -.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ سَلاَّمٍ الكُوْفِيِّ: أَنَّ المُعْتَصِمَ قَتَلَهُ صَبْراً.
وَكَانَ أَبْيَضَ، مَلِيْحَ الوَجْهِ، تَامَّ الشَّكْلِ، قَدْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ وَتَكَهَّلَ.
__________
(*) مروج الذهب للمسعودي 7 / 116، 117، مقاتل الطالبيين: 577، 578، جمهرة أنساب العرب: 54، تاريخ ابن الأثير 6 / 442، البداية والنهاية 10 / 282.
(1) هي بلدة بخراسان بين " مرو الروذ " و" بلخ ".
(2) " البداية والنهاية " 10 / 282، وانظر " جمهرة أنساب العرب ": 54.

(10/191)


وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ جَهَلَةِ الجَارُوْدِيَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلاَ يَمُوْتُ حَتَّى يَمْلأَ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً (1) .
نَقَلَ ذَلِكَ: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمِ.

41 - العَكَوَّكُ عَلِيُّ بنُ جَبَلَةَ بنِ مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيُّ *
فَحْلُ الشُّعَرَاءِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ جَبَلَةَ بنِ مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيُّ.
قَالَ الجَاحِظُ: كَانَ أَحْسَنَ خَلْقِ اللهِ إِنشَاداً، مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ بَدَوِيّاً، وَلاَ حَضَرِيّاً (2) .
وَكَانَ مِنَ المَوَالِي، وَقَدْ وُلِدَ أَعْمَى، وَكَانَ أَسْوَدَ، أَبْرَصَ، وَشِعْرُهُ سَائِرٌ، وَهُوَ القَائِلُ فِي أَبِي دُلَفٍ الأَمِيْرِ:
ذَادَ وِرْدَ الغِيِّ عَنْ صَدَرِه ... فَارْعَوَى وَاللَّهْوُ مِنْ وَطَرِه (3)
وَمِنَ المَدِيْحِ:
إِنَّمَا الدُّنْيَا أَبُو دُلَفٍ ... بَيْنَ مَغْزَاهُ وَمُحْتَضَرِه (4)
فَإِذَا وَلَّى أَبُو دُلَفٍ ... وَلَّتِ الدُّنْيَا عَلَى أَثَرِه
كُلُّ مَنْ فِي الأَرْضِ مِنْ عَرَبٍ ... بَيْنَ بَادِيْهِ إِلَى حَضَرِه
__________
(1) انظر " مروج الذهب " للمسعودي 7 / 117.
* التاريخ الكبير 6 / 265، الشعر والشعراء: 550 - 553، الجرح والتعديل 5 / 177، الاغاني 20 / 14 - 43، تاريخ بغداد 11 / 359، سمط اللآلي: 330، وفيات الأعيان 3 / 350 - 354، نكت الهميان: 209، عيون التواريخ 7 / لوحة 289، البداية والنهاية 10 / 267، شذرات الذهب 2 / 30. والعكوك: بفتح العين والكاف وتشديد الواو، وبعدها كاف ثانية، وهو السمين القصير مع صلابة.
(2) " وفيات الأعيان " 3 / 350.
(3) انظر " طبقات الشعراء ": 173، و" الاغاني " 20 / 15، و" الشعر والشعراء " ص 550، و" ديوان المعاني " 1 / 28، و" وفيات الأعيان " 3 / 351.
(4) في " الطبقات ": بين معراه. وفي " الاغاني ": بين مبداه.

(10/192)


مُسْتَعِيرٌ مِنْكَ مَكْرُمَةً ... يَكْتَسِيْهَا يَوْمَ مُفْتَخَرِه
وَهِيَ طَوِيْلَةٌ بَدِيْعَةٌ، وَازَنَ بِهَا قَصِيدَةَ أَبِي نُوَاسٍ:
أَيُّهَا المُنْتَابُ عَنْ عُفُرِه ... لَسْتَ مِنْ لَيلِي وَلاَ سَمَرِهْ (1)
قَالَ ابْنُ عُنَيْنٍ: مَا يَصْلُحُ أَنْ يُفَاضِلَ بَيْنَ القَصِيدَتَيْنِ إِلاَّ مَنْ يَكُوْنَ فِي دَرَجَةِ هَذَينِ الشَّاعِرَيْنِ (2) .
وَقَالَ ابْنُ المُعْتَزِّ فِي (طَبَقَاتِ الشُّعَرَاءِ): لَمَّا بَلَغَ المَأْمُوْنَ خَبَرُ هَذِهِ القَصِيْدَةِ، غَضِبَ، وَقَالَ: اطْلُبُوْهُ.
فَطَلَبُوْهُ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ؛ لأَنَّهُ كَانَ مُقِيماً بِالجَبَلِ، فَفَرَّ إِلَى الجَزِيْرَةِ، ثُمَّ إِلَى الشَّامَاتِ، فَظَفِرُوا بِهِ، فَحُمِلَ مُقَيَّداً إِلَى المَأْمُوْنِ،
فَقَالَ: يَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ! أَنْتَ القَائِلُ:
كُلُّ مَنْ فِي الأَرْضِ مِنْ عَرَبٍ ... ... ... ... ...
جَعَلْتَنَا نَسْتَعِيرُ مِنْهُ المكَارِمِ؟
قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! أَنْتُم أَهْلُ بَيْتٍ لاَ يُقَاسُ بِكُم.
قَالَ: وَاللهِ مَا أَبْقَيْتَ أَحَداً، وَإِنَّمَا أَسْتَحِلُّ دَمَكَ بِكُفْرِكَ حَيْثُ تَقُوْلُ:
أَنْتَ الَّذِي تُنْزِلُ الأَيَّامَ مَنْزِلَهَا ... وَتَنْقُلُ الدَّهْرَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالِ
__________
(1) القصيدة في " ديوان أبي نواس " ص 308 - 311، و" أخبار أبي نواس " لابن منظور ص 134 " وفي الأصل: " من عفره ".
(2) " وفيات الأعيان " 3 / 351، وابن عنين: هو محمد بن نصر بن الحسين بن عنين الأنصاري الكوفي الأصل، الدمشقي المولد، الشاعر المشهور، قال ابن خلكان: كان خاتمة الشعراء، لم يأت بعده مثله، ولا كان في أواخر عصره من يقاس به.
توفي سنة 630 ه بدمشق، وله ديوان مطبوع بدمشق سنة 1946 بتحقيق الأستاذ خليل مردم بك.
انظر ترجمته في " وفيات الأعيان " 5 / 14 - 19 وسترد ترجمته في الجزء الثاني والعشرين من " السير ".

(10/193)


وَمَا مَدَدْتَ مَدَى طَرْفٍ إِلَى أَحَدٍ ... إِلاَّ قَضَيْتَ بِأَرْزَاقٍ وَآجَالِ (1)
ذَاكَ هُوَ اللهُ، أَخْرِجُوا لِسَانَهُ مِنْ قَفَاهُ.
فَفَعَلُوا بِهِ، فَمَاتَ (2) سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَمَاتَ كَهْلاً.

42 - الجَوْزَجَانِيُّ مُوْسَى بنُ سُلَيْمَانَ الحَنَفِيُّ *
العَلاَّمَةُ، الإِمَامُ، أَبُو سُلَيْمَانَ مُوْسَى بنُ سُلَيْمَانَ الجَوْزَجَانِيُّ، الحَنَفِيُّ، صَاحِبُ أَبِي يُوْسُفَ وَمُحَمَّدٍ.
حَدَّثَ: عَنْهُمَا، وَعَنِ: ابْنِ المُبَارَكِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: القَاضِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البِرْتِيُّ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ صَدُوْقاً، مَحْبُوباً إِلَى أَهْلِ الحَدِيْثِ.
قَالَ ابْنُ حَاتَمٍ: كَانَ يُكَفِّرُ القَائِلِيْنَ بِخَلْقِ القُرْآنِ (3) .
وَقِيْلَ: إِنَّ المَأْمُوْنَ عَرَضَ عَلَيْهِ القَضَاءَ، فَامْتَنَعَ (4) ، وَاعْتَلَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ
__________
(1) " الشعر والشعراء " ص 551، و" طبقات الشعراء " ص 172، والاغاني 20 / 42.
(2) انظر الخبر في " طبقات الشعراء " ص 172، 173، و" الاغاني " 20 / 41، 42، و" وفيات الأعيان " 3 / 352، 353، ورجح ابن المعتز أن المأمون عفا عنه، وأنه مات حتف أنفه.
(*) الجرح والتعديل 8 / 145، الأنساب 3 / 362، تاج التراجم: 55، هدية العارفين 2 / 477، الجواهر المضية 2 / 186، 187، الفوائد البهية: 216، إيضاح المكنون 2 / 33، و681.
(3) " الجرح والتعديل " 8 / 145.
(4) " الفوائد البهية " ص 216.

(10/194)


بِأَهْلٍ لِذَلِكَ، فَأَعْفَاهُ، وَنَبُلَ عِنْدَ النَّاسِ لامْتِنَاعِهِ.
وَلهُ تَصَانِيْفُ.

43 - أَبُو العَتَاهِيَةِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَاسمِ بنِ سُوَيْدٍ العَنَزِيُّ *
رَأْسُ الشُّعرَاءِ، الأَدِيْبُ، الصَّالِحُ الأَوْحَدُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَاسمِ بنِ سُوَيْدِ بنِ كَيْسَانَ العَنَزِيُّ (1) مَوْلاَهُمُ، الكُوْفِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
لُقِّبَ: بِأَبِي العتَاهيَةِ؛ لاضْطِرَابٍ فِيْهِ.
وَقِيْلَ: كَانَ يُحِبُّ الخَلاعَةَ، فَيَكُوْنُ مَأْخُوْذاً مِنَ العُتُوِّ.
سَارَ شِعْرُهُ لِجُوْدَتِهِ، وَحُسْنِهِ، وَعَدَمِ تَقَعُّرِهِ.
وَقَدْ جَمَعَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ شِعْرَهُ وَأَخْبَارَهُ (2) ، تَنَسَّكَ بِأَخَرَةٍ.
وَقَالَ فِي المَوَاعِظِ وَالزُّهْدِ، فَأَجَادَ.
وَكَانَ أَبُو نُوَاسٍ يُعَظِّمُهُ، وَيَتَأَدَّبُ مَعَهُ لِدِيْنِهِ، وَيَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُهُ إِلاَّ تَوَهَّمْتُ أَنَّهُ سَمَاوِيٌّ، وَأَنِّي أَرْضِيٌّ (3) .
__________
(*) الشعر والشعراء: 497 - 501، طبقات ابن المعتز: 228، تاريخ الطبري 10 / 278، مروج الذهب 7 / 82 - 88، الموشح: 254 - 263، الاغاني 4 / 1 - 112، الفهرست: 181، تاريخ بغداد 6 / 250 - 260، وفيات الأعيان 1 / 219 - 226، المختصر في أخبار البشر 2 / 31، ميزان الاعتدال 1 / 245، العبر 1 / 360، عيون التواريخ 7 / لوحة 263، مرآة الجنان 2 / 49 - 52، البداية والنهاية 10 / 265، 266، لسان الميزان 1 / 426، روضات الجنات: 102، 103، معاهد التنصيص 2 / 285، شذرات الذهب 2 / 25، دائرة المعارف الإسلامية 1 / 377، أمراء الشعر العربي في العصر العباسي: 138.
(1) نسبة إلى عنزة بن أسد بن ربيعة. انظر " الاغاني " 4 / 3، و" وفيات الأعيان " 1 / 226.
(2) ومنه نسخة في ظاهرية دمشق، وهي واحدة من نسختين خطيتين اعتمدهما الدكتور شكري فيصل في طبع شعر أبي العتاهية وأخباره.
(3) انظر الخبر بتمامه في " الاغاني " 4 / 71، و" تاريخ بغداد " 6 / 251.

(10/195)


مَدَحَ أَبُو العَتَاهِيَةِ المَهْدِيَّ، وَالخُلَفَاءَ بَعْدَهُ، وَالوُزَرَاءَ، وَمَا أَصْدَقَ قَوْلَهُ:
إِنَّ الشَّبَابَ وَالفَرَاغَ وَالجِدَه ... مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَه (1)
حَسْبُكَ مِمَّا تَبْتَغِيهِ القُوْتُ ... مَا أَكْثَرَ القُوْتَ لِمَنْ يَمُوْتُ (2)
هِيَ المَقَادِيرُ فَلُمْنِي أَوْ فَذَرْ ... إِنْ كُنْتُ أَخْطَأْتُ فَمَا أَخْطَا القَدَرْ (3)
وَهُوَ القَائِلُ:
حَسْنَاءُ لاَ تَبْتَغِي حَلْياً إِذَا بَرَزَتْ ... لأَنَّ خَالِقَهَا بِالحُسْنِ حَلاَّهَا
قَامَتْ تَمَشَّى، فَلَيْتَ اللهُ صَيَّرنِي ... ذَاكَ التُّرَابَ الَّذِي مَسَّتْهُ رِجْلاَهَا (4)
وَقَالَ:
النَّاسُ فِي غَفَلاَتِهِم ... وَرَحَى المَنِيَّةِ تَطْحَنُ (5)
__________
(1) انظر " ديوانه " ص 448، و" الاغاني " 4 / 19.
(2) " ديوانه " ص 446، و" الاغاني " 4 / 36.
(3) " ديوانه " ص 449، و" الاغاني " 4 / 36.
(4) لم يرد هذان البيتان في " ديوانه " المطبوع بتحقيق الدكتور شكري فيصل.
(5) " الاغاني " 4 / 52 و98، و" تاريخ بغداد " 6 / 252.

(10/196)


وَقَالَ:
إِذَا مَا بَدَتْ وَالبَدْرُ لَيْلَةَ تِمِّهِ ... رَأَيْتَ لَهَا وَجْهاً يَدُلُّ عَلَى عُذْرِي (1)
وَتَهْتَزُّ مِنْ تَحْتِ الثِّيَابِ كَأَنَّهَا ... قَضِيْبٌ مِنَ الرَّيْحَانِ فِي وَرَقٍ خُضْرِ
أَبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ أَمُوْتَ صَبَابَةً ... بِسَاحِرَةِ العَيْنَينِ طَيِّبَةِ النَّشْرِ (2)
تُوُفِّيَ أَبُو العَتَاهِيَةِ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، أَوْ نَحْوَهَا، بِبَغْدَادَ.
وَاشْتُهِرَ بِمَحَبَّةِ عُتْبَةَ؛ فَتَاةِ المَهْدِيِّ، بِحَيْثُ إِنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ هَذَينِ البَيْتَيْنِ:
نَفْسِي بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا مُعَلَّقَةٌ ... اللهُ وَالقَائِمُ المَهْدِيُّ يَكفِيْهَا
إِنِّيْ لأَيْأَسُ مِنْهَا ثُمَّ يُطْمِعُنِي ... فِيْهَا احتِقَارُكَ لِلدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا
__________
(1) رواية البيت في " الديوان " و" تاريخ بغداد ":
إذا ما بدت والبدر ليلة تمه * رأيت لها فضلا مبينا على البدر
وقبله: وإني لمعذور على طول حبها * لان لها وجها يدل على عذري
(2) " ديوانه " ص 547، و" تاريخ بغداد " 6 / 257، والابيات قالها في عتبة فتاة المهدي.

(10/197)


فَهَمَّ بِدَفْعِهَا إِلَيْهِ، فَجَزِعَتْ، وَاسْتَعْفَتْ، وَقَالَتْ: أَتَدْفَعُنِي إِلَى سُوْقَةٍ، قَبِيْحِ المَنْظَرِ؟
فَعَوَّضَهُ بِذَهَبٍ (1) .
وَلهُ فِي عُمَرَ بنِ العَلاَءِ:
إِنِّيْ أَمِنْتُ مِنَ الزَّمَانِ وَصَرْفِهِ (2) ... لَمَّا عَلِقْتُ مِنَ الأَمِيْرِ حِبَالاَ
لَوْ يَسْتَطيعُ النَّاسُ مِنْ إِجْلاَلِهِ ... تَخِذُوا لَهُ حُرَّ الخُدُوْدِ نِعَالاَ (3)
إِنَّ المطَايَا تَشْتَكِيكَ لأَنَّهَا ... قَطَعَتْ إِلَيْكَ سَبَاسِباً وَرِمَالاَ
فَإِذَا وَرَدْنَ بِنَا، وَرَدْنَ خَفَائِفاً ... وَإِذَا صَدَرْنَ بِنَا، صَدَرْنَ ثِقَالاَ (4)
فَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ سَبْعِيْنَ أَلْفاً.
وَتَحْتَمِلُ سِيْرَةُ أَبِي العتَاهيَةِ أَنْ تُعْمَلَ فِي كَرَارِيْسَ.
__________
(1) انظر الخبر مفصلا في " الكامل " للمبرد 2 / 302، و" وفيات الأعيان " 1 / 219 - 220، والبيتان في " ديوانه " ص 668، وقصته مع عتبة في " تاريخ بغداد " 6 / 254.
(2) في الديوان: " وريبه ".
(3) رواية البيت في " الديوان ": لو يستطيع الناس من إجلاله * لحذوا له حر الوجوه نعالا
(4) رواية البيت في " الديوان ": فإذا أتين بنا أتين مخفة * وإذا رجعن بنا رجعن ثقالا وانظر قصيدته التي يمدح بها عمر بن العلاء في " ديوانه ": 603 - 606.

(10/198)


44 - أَبُو عَبَّادٍ الكَاتِبُ ثَابِتُ بنُ يَحْيَى بنِ يَسَارٍ الرَّازيُّ *
وَزِيْرُ المَأْمُوْنِ، هُوَ: ثَابِتُ بنُ يَحْيَى بنِ يَسَارٍ الرَّازِيُّ.
أَحَدُ الكُفَاةِ، البَارِعِيْنَ فِي الحسَابِ، وَالتَّصَرُّفِ، وَالمَعْرِفَةِ، وَبِذَلِكَ سَادَ وَتَقَدَّمَ.
نَهَضَ بِأُمُورِ الأَمْوَالِ لِمَخْدُومِهِ أَتَمَّ مَا يَكُوْنُ، ثُمَّ إِنَّهُ عَجَزَ مِنِ اسْتيلاَءِ النِّقْرِسِ، وَاسْتَعْفَى.
وَكَانَ جَوَاداً، سَمْحاً، سَرِيّاً، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ مُنْقَبِضاً، عَبُوساً.
عَاشَ: خَمْساً وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
وَتُوُفِّيَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
طَوَّلَ ابْنُ النَّجَّارِ تَرْجَمَتَهُ، ذَكَرَهُ مِنْ تَأْلِيفِ الصُّوْلِيِّ، وَكِتَابِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدُوْسٍ الجِهْشَيَارِيِّ فِي (سِيَرِ الوُزَرَاءِ).

45 - المَرِيْسِيُّ بِشْرُ بنُ غِيَاثِ بنِ أَبِي كَرِيْمَةَ العَدَوِيُّ **
المُتَكَلِّمُ، المُنَاظِرُ، البَارِعُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِشْرُ بنُ غِيَاثِ بنِ أَبِي كَرِيْمَةَ العَدَوِيُّ مَوْلاَهُمُ، البَغْدَادِيُّ، المَرِيْسِيُّ، مِنْ مَوَالِي آلِ زَيْدِ بنِ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
كَانَ بِشْرٌ مِنْ كِبَارِ الفُقَهَاءِ.
أَخَذَ عَنِ: القَاضِي أَبِي يُوْسُفَ.
وَرَوَى عَنْ:
__________
(*) تاريخ الطبري 8 / 660، معجم البلدان 2 / 540، 541.
(* *) الفرق بين الفرق: 192 - 195، تاريخ بغداد 7 / 56 - 67، معجم البلدان 5 / 118، الانتصار: 201، اللباب 3 / 200، وفيات الأعيان 1 / 277، 278، ميزان الاعتدال 1 / 322، 323، العبر 1 / 373، عيون التواريخ 8 / لوحة 9، الوافي بالوفيات 10 / 151، البداية والنهاية 10 / 281، لسان الميزان 2 / 29 - 31، النجوم الزاهرة 2 / 228، الجواهر المضية: 164، شذرات الذهب 2 / 44، الفوائد البهية: 54.

(10/199)


حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ.
وَنَظَرَ فِي الكَلاَمِ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ، وَانْسَلَخَ مِنَ الوَرَعِ وَالتَّقْوَى، وَجَرَّدَ القَوْلَ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَدَعَا إِلَيْهِ، حَتَّى كَانَ عَيْنَ الجَهْمِيَّة فِي عَصْرِهِ وَعَالِمَهُم، فَمَقَتَهُ أَهْلُ العِلْمِ، وَكَفَّرَهُ عِدَّةٌ، وَلَمْ يُدْرِكْ جَهْمَ بنَ صَفْوَانَ، بَلْ تَلَقَّفَ مَقَالاَتِهِ مِنْ أَتْبَاعِهِ.
قَالَ البُوَيْطِيُّ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: نَاظَرْتُ المَرِيْسِيَّ، فَقَالَ: القُرْعَةُ قِمَارٌ.
فَذَكَرْتُ لَهُ حَدِيْثَ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ فِي القُرْعَةِ (1) ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ لأَبِي البَخْتَرِيِّ القَاضِي، فَقَالَ: شَاهِداً آخَرَ وَأَصْلِبُهُ (2) .
وَقَالَ أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ: كَانَ وَالِدُ بِشْرٍ يَهُوْدِيّاً، قَصَّاراً، صَبَّاغاً فِي سُوَيْقَةِ نَصْرٍ (3) .
وَلِلمَرِيْسِيِّ تَصَانِيْفُ جَمَّةٌ.
ذَكَرَهُ النَّدِيْمُ، وَأَطْنَبَ فِي تَعْظِيْمِهِ.
وَقَالَ: كَانَ دَيِّناً، وَرِعاً، مُتَكَلِّماً.
ثُمَّ حَكَى أَنَّ البَلْخِيَّ قَالَ: بَلَغَ مِنْ وَرَعِهِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَطَأُ أَهْلَهُ لَيْلاً مَخَافَةَ
__________
(1) أخرجه مسلم (1668) في الايمان: باب من أعتق شركا له في عبد، وأبو داود (3958) في العتق: باب فيمن أعتق عبيدا له لم يبلغهم الثلث، والترمذي (1364) في الاحكام: باب ما جاء فيمن يعتق مماليكه عند موته، وأحمد 4 / 426 كلهم من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين: أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته، لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة، وقال له قولا شديدا.
وأخرجه النسائي 4 / 64 في الجنائز: باب الصلاة على من يحيف في وصيته، وأحمد 4 / 438 و439 و445 و446 من طرق عن الحسن البصري، عن عمران بن حصين.
(2) " تاريخ بغداد " 7 / 60، و" ميزان الاعتدال " 1 / 323.
(3) " الفوائد البهية " ص 54. وسويقة نصر - نسبة إلى نصر بن مالك الخزاعي - محلة صغيرة بشرقي بغداد، أقطعه إياها المهدي.

(10/200)


الشُّبْهَةِ، وَلاَ يَتَزَوَّجُ إِلاَّ مَنْ هِيَ أَصْغَرُ مِنْهُ بِعَشْرِ سِنِيْنَ، مَخَافَةَ أَنْ تَكُوْنَ رَضِيْعَتَهُ.
وَكَانَ جَهْمِيّاً، لَهُ قَدَرٌ عِنْدَ الدَّوْلَةِ، وَكَانَ يَشْرَبُ النَّبِيذَ، وَقَالَ مَرَّةً لِرَجُلٍ اسْمُهُ كَامِلٌ: فِي اسْمِهِ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ الاسْمَ غَيْرُ المُسَمَّى.
وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي التَّوْحِيْدِ، وَكِتَابَ (الإِرْجَاءِ)، وَكِتَابَ (الرَّدِّ عَلَى الخَوَارِجِ)، وَكِتَابَ (الاسْتِطَاعَةِ)، وَ(الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضَةِ فِي الإِمَامَةِ)، وَكِتَابَ (كُفْرِ المُشَبِّهَةِ)، وَكِتَابَ (المَعْرِفَةِ)، وَكِتَابَ (الوَعِيْدِ)، وَأَشْيَاءَ غَيْرَ ذَلِكَ فِي نِحْلَتِهِ.
وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ: عِنْدنَا بِبَغْدَادَ رَجُلٌ يُقَال لَهُ: المَرِيْسِيُّ، يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ.
فَقَالَ: مَا فِي فِتْيَانِكُمْ مَنْ يَفْتِكُ بِهِ (1) ؟
قُلْتُ: قَدْ أُخِذَ المَرِيْسِيُّ فِي دَوْلَةِ الرَّشِيْدِ، وَأُهِينَ مِنْ أَجْلِ مَقَالَتِهِ.
رَوَى: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ:
أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ مَهْدِيٍّ أَيَّامَ صُنِعَ بِبِشْرٍ مَا صُنِعَ يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوْسَى، يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ.
وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ - وَذَكَرَ المَرِيْسِيَّ - فَقَالَ:
كَانَ أَبُوْهُ يَهُوْدِيّاً، أَيَّ شَيْءٍ تُرَاهُ يَكُوْنُ (2) ؟!
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كَانَ بِشْرٌ يَحْضُرُ مَجْلِسَ أَبِي يُوْسُفَ، فَيَصِيْحُ، وَيَسْتَغِيثُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو يُوْسُفَ مَرَّةً: لاَ تَنْتَهِي أَوْ تُفْسِدَ خَشَبَةً. (3) ثُمَّ قَالَ أَبُو
__________
(1) انظر " تاريخ بغداد " 7 / 63.
(2) انظر " ميزان الاعتدال " 1 / 323.
(3) ذكره في " الميزان " 1 / 323 وزاد: يعني وتصلب. وفي " تاريخ بغداد " 7 / 63: حتى تصعد خشبة.

(10/201)


عَبْدِ اللهِ: مَا كَانَ صَاحِبَ حُجَجٍ، بَلْ صَاحِبَ خُطَبٍ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنِ الصَّلاَةِ خَلْفَ بِشْرٍ المَرِيْسِيِّ، فَقَالَ: لاَ تُصَلِّ خَلْفَهُ.
وَقَالَ قُتَيْبَةُ: بِشْرٌ المَرِيْسِيُّ كَافِرٌ.
وَقُلْتُ: وَقَعَ كَلاَمُهُ إِلَى عُثْمَانَ بنِ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيِّ الحَافِظِ، فَصَنَّفَ مُجَلَّداً فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ (1) .
وَمَاتَ: فِي آخِرِ سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ قَارَبَ الثَّمَانِيْنَ، فَهُوَ بِشْرُ الشَّرِّ، وَبِشْرٌ الحَافِي (2) بِشْرُ الخَيْرِ، كَمَا أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ هُوَ أَحْمَدُ السُّنَّةِ، وَأَحْمَدَ بنَ أَبِي دُوَادَ أَحْمَدُ البِدْعَةِ.
وَمَنْ كُفِّرَ بِبِدْعَةٍ - وَإِنْ جَلَّتْ - لَيْسَ هُوَ مِثْلَ الكَافِرِ الأَصْلِيِّ، وَلاَ اليَهُوْدِيِّ، وَالمَجُوْسِيِّ، أَبَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَصَامَ، وَصَلَّى، وَحَجَّ، وَزَكَّى - وَإِنِ ارْتَكَبَ العَظَائِمَ، وضَلَّ، وَابِتَدَعَ - كَمَنْ عَانَدَ الرَّسُوْلَ، وَعَبَدَ الوَثَنَ، وَنَبَذَ الشَّرَائِعَ، وَكَفَرَ، وَلَكِنْ نَبْرَأُ إِلَى اللهِ مِنَ البِدَعِ وَأَهْلِهَا (3) .
__________
(1) وسماه كتاب " الرد على بشر المريسي فيما ابتدعه من التأويل لمذهب الجهمية " وهو مطبوع.
وقد قال فيه الامام الذهبي: فيه بحوث عجيبة مع المريسي، يبالغ فيها في الاثبات، والسكوت عنها أشبه بمنهج السلف في القديم والحديث.
وقال الشيخ محمد حامد الفقي: إنه أتى فيه ببعض ألفاظ دعاه إليها عنف الرد، وشدة الحرص على إثبات صفات الله وأسمائه التي كان يبالغ بشر المريسي وشيعته في نفيها، وكان الأولى والاحسن أن لا يأتي بها، وأن يقتصر على الثابت من الكتاب والسنة الصحيحة كمثل الجسم والمكان والحيز، فإنني لا أوافقه عليها، ولا أستجيز إطلاقها، لأنها لم تأت في كتاب الله ولا في سنة صحيحة.
(2) سترد ترجمته في الصفحة 467 من هذا الجزء.
(3) هذا كلام صادر عن إنصاف وتعقل وعلم، فرحم الله المؤلف رحمة واسعة، فانه يتوخى دائما جانب الإنصاف في التراجم، وقلما تجد من يقاربه في ذلك.

(10/202)


46 - بِشْرُ بنُ المُعْتَمِرِ أَبُو سَهْلٍ الكُوْفِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ *
العَلاَّمَةُ، أَبُو سَهْلٍ الكُوْفِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، شَيْخُ المُعْتَزِلَةِ، وَصَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
كَانَ مِنَ القَرَامِي (1) الكِبَارِ، أَخْبَارِيّاً، شَاعِراً، مُتَكَلِّماً، كَانُوا يُفَضِّلُونَهُ عَلَى أَبَانٍ اللاَّحِقِيِّ (2) ، وَلَهُ قَصِيْدَةٌ طَوِيْلَةٌ فِي مُجَلَّدٍ تَامٍّ فِيْهَا أَلْوَانٌ.
وَكَانَ أَبْرَصَ (3) ، ذَكِيّاً، فَطِناً، لَمْ يُؤتَ الهُدَى، وَطَالَ عُمُرُهُ فَمَا ارْعَوَى، وَكَانَ يَقَعُ فِي أَبِي الهُذَيْلِ العَلاَّفِ (4) ، وَيَنْسِبُهُ إِلَى النِّفَاقِ.
وَلَهُ: كِتَابُ (تَأْوِيْلِ المُتَشَابِهِ)، وَكِتَابُ (الرَّدِّ عَلَى الجُهَّالِ)، وَكِتَابُ (العَدْلِ)، وَأَشْيَاءُ (5) لَمْ نَرَهَا - وَللهِ الحَمْدُ -.
مَاتَ: سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ.

47 - ثُمَامَةُ بنُ أَشْرَسَ أَبُو مَعْنٍ النُّمَيْرِيُّ البَصْرِيُّ **
العَلاَّمَةُ، أَبُو مَعْنٍ النُّمَيْرِيُّ، البَصْرِيُّ، المُتَكَلِّمُ، مِنْ رُؤُوْسِ المُعْتَزِلَةِ
__________
(*) الاغاني 3 / 128، الفرق بين الفرق: 156، الانتصار: 194، الفهرست: 184 و205، الملل والنحل 1 / 64، الأنساب 2 / 231، اللباب 1 / 156، عيون التواريخ 7 / لوحة 247، 248، لسان الميزان 2 / 33، الوافي بالوفيات 10 / 155.
(1) أي من الأصول.
(2) انظر ترجمته في " الفهرست " ص 132.
(3) " الفهرست " ص 205.
(4) سترد ترجمته في الصفحة 540 من هذا الجزء.
(5) ذكر ابن النديم كتبه في " الفهرست " ص 184 و185 و205
(* *) البيان والتبيين 1 / 105 و111، الفرق بين الفرق: 157، 159، الفهرست: 207، تاريخ بغداد 7 / 145 - 148، ميزان الاعتدال 1 / 371، 372، العبر 1 / 456، خطط المقريزي 2 / 347، لسان الميزان 2 / 83، 84، النجوم الزاهرة 2 / 206 الوزراء والكتاب: 314، طبقات المعتزلة: 62، الوافي بالوفيات 11 / 20.

(10/203)


القَائِلِيْنَ بِخَلْقِ القُرْآنِ - جَلَّ مُنْزِلُهِ -.
وَكَانَ نَدِيماً، ظَرِيْفاً، صَاحِبَ مُلَحٍ، اتَّصَلَ بِالرَّشِيْدِ، ثُمَّ بِالمَأْمُوْنِ.
رَوَى عَنْهُ: تِلْمِيْذُهُ الجَاحِظُ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: العَالَمُ هُوَ بِطِبَاعِهِ فِعْلُ اللهِ.
وَقَالَ: المُقَلِّدُوْنَ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَعَبَدَةِ الأَوْثَانِ لاَ يَدْخُلُوْنَ النَّارَ، بَلْ يَصِيَرَوْنَ تُرَاباً، وَإِنَّ مَنْ مَاتَ مُسْلِماً وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى كَبِيْرَةٍ، خُلِّدَ فِي النَّارِ، وَإِنَّ أَطْفَالَ المُؤْمِنِيْنَ يَصِيَرَوْنَ تُرَاباً، وَلاَ يَدْخُلُوْنَ جَنَّةً (1) .
قُلْتُ: قَبَّحَ اللهُ هَذِهِ النِّحْلَةِ.
قَالَ المُبَرِّدُ: قَالَ ثُمَامَةُ: خَرَجْتُ إِلَى المَأْمُوْنِ، فَرَأَيْتُ مَجْنُوناً شُدَّ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟
قُلْتُ: ثُمَامَةُ.
فَقَالَ: المُتَكَلِّمُ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: جَلَسْتَ عَلَى هَذِهِ الآجُرَّةِ، وَلَمْ يَأْذنْ لَكَ أَهْلُهَا.
فَقُلْتُ: رَأَيْتُهَا مَبْذُولَةً.
قَالَ: لَعَلَّ لَهُمْ تَدْبِيراً غَيْرَ البَذْلِ، مَتَى يَجِدُ النَّائِمُ لَذَّةَ النَّوْمِ؟
إِنْ قُلْتَ: قَبْلَهُ، أَحَلْتَ، لأَنَّهُ يَقْظَانُ.
وَإِنْ قُلْتَ: فِي النَّوْمِ، أَبْطَلْتَ، إِذِ النَّائِمُ لاَ يَعْقِلُ.
وَإِنْ قُلْتَ: بَعْدَهُ، فَقَدْ خَرَجَ عَنْهُ، وَلاَ يُوْجَدُ شَيْءٌ بَعْدَ فَقْدِهِ.
قَالَ: فَمَا كَانَ عِنْدِي فِيْهَا جَوَابٌ (2) .
وَعَنْهُ، قَالَ: عُدْتُ رَجُلاً، وَتَرَكْتُ حِمَارِي عَلَى بَابِهِ، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَإِذَا صَبِيٌّ رَاكبُهُ، فَقُلْتُ: لِمَ رَكِبْتَهُ بِغَيْرِ إِذْنِي؟
قَالَ: خِفْتُ أَنْ يَذْهَبَ.
قُلْتُ: لَوْ ذَهَبَ، كَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ.
قَالَ: فَهَبْهُ لِي، وَعُدَّ أَنَّهُ ذَهَبَ، وَارْبَحْ
__________
(1) انظر " ميزان الاعتدال " 1 / 372.
(2) " تاريخ بغداد " 7 / 146.

(10/204)


شُكْرِي.
فَلَمْ أَدْرِ مَا أَقُوْلُ (1) .
قَالَ هَاشِمُ بنُ مُحَمَّدٍ الخُزَاعِيُّ: حَدَّثَنَا الجَاحِظُ سَنَةَ (253)، حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ، قَالَ:
شَهِدْتُ رَجُلاً قَدَّمَ خَصْمَهُ إِلَى وَالٍ، فَقَالَ: أَصْلَحَكَ اللهُ، هَذَا نَاصِبِيٌّ، رَافِضِيٌّ، جَهْمِيٌّ، مُشَبِّهٌ، يَشْتِمُ الحَجَّاجَ بنَ الزُّبَيْرِ، الَّذِي هَدَمَ الكَعْبَةَ عَلَى عَلِيٍّ، وَيَلْعَنُ مُعَاوِيَةَ بنَ أَبِي طَالِبٍ (2) .
يَمُوْتُ بنُ المُزَرَّعِ: حَدَّثَنَا الجَاحِظُ، قَالَ:
دَخَلَ أَبُو العَتَاهِيَةِ عَلَى المَأْمُوْنِ، فَطَعَنَ عَلَى المُبْتَدِعَةِ، وَلَعَنَ القَدَرِيَّةَ، فَقَالَ المَأْمُوْنُ: أَنْتَ شَاعِرٌ، وَلِلْكَلاَمِ قَوْمٌ.
قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنْ أَسْأَلُ ثُمَامَةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقُلْ لَهُ يُجِبْنِي.
ثُمَّ أَخْرَجَ يَدَهُ، فَحَرَّكَهَا، وَقَالَ: يَا ثُمَامَةُ! مَنْ حَرَّكَ يَدِي؟
قَالَ: مَنْ أُمُّهُ زَانِيَةٌ.
فَقَالَ: يَشْتِمُنِي يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.
فَقَالَ ثُمَامَةُ: نَاقَضَ وَاللهِ (3) .
قَالَ أَبُو رَوْقٍ الهِزَّانِيُّ (4) : حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ يَعْقُوْبَ، قَالَ:
اجْتَمَعَ ثُمَامَةُ وَيَحْيَى بنُ أَكْثَمَ عِنْدَ المَأْمُوْنِ، فَقَالَ المَأْمُوْنُ ليَحْيَى: مَا العِشْقُ؟
قَالَ: سَوَانِحُ تَسْنَحُ لِلْعَاشِقِ، يُؤثِرُهَا، وَيَهِيمُ بِهَا.
قَالَ ثُمَامَةُ: أَنْتَ بِالفِقْهِ أَبْصَرُ، وَنَحْنُ أَحْذَقُ مِنْكَ.
قَالَ المَأْمُوْنُ: فَقُلْ.
قَالَ: إِذَا امْتَزَجَتْ جَوَاهِرُ النُّفُوْسِ بِوَصْلِ المُشَاكَلَةِ، نَتَجَتْ لَمْحَ نُوْرٍ سَاطِعٍ تَسْتَضِيءُ بِهِ بَوَاصِرُ العَقْلِ، وَتَهْتَزُّ لإِشْرَاقِهِ طَبَائِعُ الحَيَاةِ، يُتَصَوَّرُ مِنْ ذَلِكَ اللَّمْحِ نُوْرٌ خَاصٌّ بِالنَّفْسِ، مُتَّصِلٌ بِجَوْهَرِهَا، يُسَمَّى عِشْقاً.
فَقَالَ المَأْمُوْنُ: هَذَا -
__________
(1) " تاريخ بغداد " 7 / 146.
(2) " تاريخ بغداد " 7 / 146.
(3) " تاريخ بغداد " 7 / 147، و" العقد الفريد " 2 / 382.
(4) نسبة إلى هزان: بطن من العتيك. انظر اللباب 3 / 387.

(10/205)


وَأَبِيْكَ - الجَوَابُ (1) .
قَالَ هَارُوْنُ الحَمَّالُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي كَبْشَةَ، قَالَ:
كُنْتُ فِي سَفِيْنَةٍ، فَسَمِعْتُ هَاتِفاً يَقُوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، كَذَبَ المَرِيْسِيُّ عَلَى اللهِ.
ثُمَّ عَادَ الصَّوْتُ يَقُوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، عَلَى ثُمَامَةَ وَالمَرِيْسِيِّ لَعْنَةُ اللهِ.
قَالَ: وَمَعَنَا رَجُلٌ مِن أَصْحَابِ المَرِيْسِيِّ فِي المَرْكَبِ، فَخَرَّ مَيْتاً (2).

48 - الأَخْفَشُ سَعِيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ البَلْخِيُّ *
إِمَامُ النَّحْوِ، أَبُو الحَسَنِ سَعِيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ البَلْخِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيُّ، مَوْلَى بَنِي مُجَاشِعٍ.
أَخَذَ عَنِ: الخَلِيْلِ بنِ أَحْمَدَ.
وَلَزِمَ سِيْبَوَيْه حَتَّى بَرَعَ، وَكَانَ مِنْ أَسْنَانِ سِيْبَوَيْه، بَلْ أَكْبَرَ.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 7 / 147، 148، و" ذم الهوى " لابن الجوزي ص 291، وأورد تعريف العشق ابن القيم في " روضة المحبين " ص 140 بأقصر مما هنا ونسبه لمجهول، ولفظه: إذا امتزجت جواهر النفوس بوصف المشاكلة أنتجت لمح نور ساطع تستضئ به النفس في معرفة محاسن المعشوق، فتسلك طريق الوصول إليه.
وقد جاء في " ذم الهوى " ص 290، و" روضة المحبين " ص 139، و" الكشكول " ص 158 وصف آخر للعشق عن ثمامة فقال: العشق جليس ممتع، وأنيس مؤنس، وصاحب ملك مسالكه لطيفة، ومذاهبه غامضة، وأحكامه جارية، ملك الابدان وأرواحها، والقلوب وخواطرها، والعقول وآراءها، قد أعطي عنان طاعتها، وقوة تصرفها، توارى عن الابصار مدخله، وعمي في القلوب مسلكه.
(2) " تاريخ بغداد " 7 / 148.
(*) المعارف: 545، 546، مراتب النحويين: 109، طبقات الزبيدي: 45، 46، أخبار النحويين البصريين: 50، 51، الفهرست: 58، نزهة الالباء: 133 - 135، معجم الأدباء 11 / 224 - 230، إنباه الرواة 2 / 36 - 43، وفيات الأعيان 2 / 380، تاريخ أبي الفدا 2 / 29، مسالك الابصار ج 4 مجلد 2 / 283، 284، عيون التواريخ 7 / لوحة 251، مرآة الجنان 2 / 61، الوافي بالوفيات 13 / 86 - 88، البداية والنهاية 10 / 293، روضات الجنات: 313 - 314، المزهر 2 / 405 و419، بغية الوعاة 1 / 590 - 591، مفتاح السعادة 1 / 158، 159، شذرات الذهب 2 / 36.

(10/206)


قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: كَانَ الأَخْفَشُ قَدَرِيّاً، رَجُلَ سُوْءٍ، كِتَابُهُ فِي المَعَانِي صُوَيْلِحٍ، وَفِيْهِ أَشْيَاءُ فِي القَدَرِ (1) .
وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ المَازِنِيُّ: كَانَ الأَخْفَشُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالكَلاَمِ، وَأَحْذَقَهُمْ بِالجَدَلِ (2) .
قُلْتُ: أَخَذَ عَنْهُ: المَازِنِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَسَلَمَةُ، وَطَائِفَةٌ.
وَعَنْهُ، قَالَ: جَاءَنَا الكِسَائِيُّ إِلَى البَصْرَةِ، فَسَأَلَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْهِ كِتَابَ سِيْبَوَيْه، فَفَعَلْتُ، فَوَجَّهَ إِلَيَّ بِخَمْسِيْنَ دِيْنَاراً (3) .
وَكَانَ الأَخْفَشُ يُعَلِّمُ وَلَدَ الكِسَائِيِّ (4) .
وَكَانَ ثَعْلَبٌ يُفَضِّلُ الأَخْفَشَ، وَيَقُوْلُ: كَانَ أَوْسَعَ النَّاسِ عِلْماً.
وَلهُ كُتُبٌ كَثِيْرَةٌ فِي: النَّحْوِ، وَالعَرُوضِ، وَمَعَانِي القُرْآنِ (5) .
وَجَاءَ عَنْهُ، قَالَ: أَتَيْتُ بَغْدَادَ، فَأَتَيْتُ مَسْجِدَ الكِسَائِيِّ، فَإِذَا بَيْنَ يَدَيْهِ الفَرَّاءُ، وَالأَحْمَرُ، وَابْنُ سَعْدَانَ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ مائَةِ مَسْأَلَةٍ، فَأَجَابَ، فَخَطَّأْتُه فِي جَمِيْعِهَا، فَهَمُّوا بِي، فَمَنَعَهُمْ، وَقَالَ: بِاللهِ أَنْتَ أَبُو الحَسَنِ.
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَامَ، وَعَانَقَنِي، وَأَجْلَسَنِي إِلَى جَنْبِهِ، وَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ يَتَأَدَّبَ أَوْلاَدِي بِكَ، فَأَجَبْتُهُ (6) .
__________
(1) " إنباه الرواة " 2 / 38.
(2) " معجم الأدباء " 11 / 230، و" إنباه الرواة " 2 / 39.
(3) " إنباه الرواة " 2 / 40.
(4) " إنباه الرواة " 2 / 40.
(5) " معجم الأدباء " 11 / 229، و" إنباه الرواة " 2 / 40.
(6) " معجم الأدباء " 11 / 227 - 229، و" إنباه الرواة " 2 / 39.

(10/207)


مَاتَ الأَخْفَشُ: سَنَةَ نَيِّفَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ عَشْرٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ أَجْلَعَ - وَهُوَ الَّذِي لاَ تَنْطَبِقُ شَفَتَاهُ عَلَى أَسْنَانِهِ (1) -.
وَقَدْ رَوَى عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالكَلْبِيِّ، وَعَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ.
وَصَنَّفَ كُتُباً فِي النَّحْوِ، لَمْ يُتِمَّهَا.
قَالَ الرِّيَاشِيُّ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ أُجَالِسُ سِيْبَوَيْه، وَكَانَ أَعْلَمَ مِنِّي، وَأَنَا اليَوْمَ أَعْلمُ مِنْهُ (2) .
__________
(1) " وفيات الأعيان " 2 / 381، و" إنباه الرواة " 2 / 39.
(2) " وفيات الأعيان " 2 / 381.

(10/208)