سير أعلام النبلاء، ط الرسالة

الطَّبَقَةُ الرَّابِعَةَ عَشَرةَ
104 - الذُّهْلِيُّ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ وَابْنُهُ * (خَ، 4)
مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ فَارِسِ بنِ ذُؤَيْبٍ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، البَارعُ، شَيْخُ الإِسْلامِ، وَعَالِمُ أَهْلِ المَشْرِقِ، وَإِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ بِخُرَاسَانَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الذُّهْلِيُّ مَوْلاَهُمُ، النَّيْسَابُوْرِيُّ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: الحَفْصَيْنِ؛ حَفْصِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَحَفْصِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالحُسَيْنِ بنِ الوَلِيْدِ، وَعَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البُنَانِيِّ، وَمَكِّيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ بِنَيْسَابُوْرَ.
وَارْتَحَلَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةَ مَوْتِ وَكِيْعٍ، فَكَتَبَ بِالرَّيِّ عَنْ يَحْيَى بنِ الضُّرَيْسِ، وَطَبَقَتِهِ.
وَكَتَبَ بِأَصْبَهَانَ عَنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ - كَذَا قَالَ الحَاكِمُ -.
__________
(*) الجرح والتعديل 8 / 125، تاريخ بغداد 3 / 415، 420، طبقات الحنابلة 1 / 327، تهذيب الكمال: 1285، تذهيب التهذيب 4 / 9 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 530، 532، العبر 2 / 17، الوافي بالوفيات 5 / 186، تاريخ ابن كثير 11 / 31، تهذيب التهذيب 9 / 511، 516، النجوم الزاهرة 3 / 29، طبقات الحفاظ: 234، خلاصة تذهيب الكمال: 363، شذرات الذهب 2 / 138، المنتظم 5 / 15.

(12/273)


وَأَحْسِبُهُ لَقِيَهُ بِالبَصْرَةِ، فَإِنَّهُ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ البَصْرَةَ، فَاسْتَقْبَلَتْنِي جَنَازَةُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ، وَكَانَتْ فِي صَفَرٍ، مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ، وَعَاشَ بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، فَأَكْثَرَ عنْهُ، وَهُوَ أَقدَمُ شَيْخٍ لَهُ وَأَجَلُّهُم.
وَسَمِعَ بِهَا مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ بَكْرٍ البُرْسَانِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَأَبِي عَلِيٍّ الحَنَفِيِّ، وَأَبِي عَامِرٍ العَقَدِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ، وَصَفْوَانَ بنِ عِيْسَى، وَأَبِي عَاصِمٍ، وَحَبَّانَ بنِ هِلاَلٍ، وَطَبَقَتِهِم.
وَبِالْكُوْفَةِ عَنْ: أَسْبَاطِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعَمْرِو بنِ مُحَمَّدٍ العَنْقَزِيِّ، وَيَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدٍ - أَخِيْهِ - وَجَعْفَرِ بنِ عَوْنٍ، وَمَحَاضِرِ بنِ المُوَرِّعِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي بَدْرٍ السَّكُوْنِيِّ، وَعِدَّةٍ.
وَبِوَاسِطَ مِنْ: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَعَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ، وَعِدَّةٍ.
وَبِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي النَّضْرِ، وَالأَسْوَدِ بنِ عَامِرٍ، وَيَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَالوَاقِدِيِّ، وَخَلْقٍ.
وَبِمَكَّةَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ، وَطَبَقَتِهِ.
وَبَالمَدِيْنَة مِنْ: عَبْدِ الملكِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ، وَعِدَّةٍ.
وَبَاليَمَنِ مِنْ: عَبْدِ الرَّزَّاقِ - فَأَكْثَرَ - وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ الحَكَمِ بنِ أَبَانٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الوَلِيْدِ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي حَكِيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ.
وَبِمِصْرَ مِنْ: عَمْرِو بنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بنِ حَسَّانٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَبِي صَالِحٍ.
بِالشَّامِ مِنَ: الفِرْيَابِيِّ، وَالهَيْثَمِ بنِ جَمِيْلٍ، وَأَبِي مُسْهِرٍ، وَأَبِي اليَمَانِ، وَعَلِيِّ بنِ عَيَّاشٍ.
وَبَالجَزِيْرَةِ مِنْ: عَمْرِو بنِ خَالِدٍ، وَالنُّفَيْلِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ مِنْ هَذَا الجِيْلِ.
وَكَتَبَ العَالِي وَالنَّازِلَ، وَكَانَ بَحْراً لاَ تُكَدِّرهُ الدِّلاءُ.
جَمَعَ عِلْمَ الزُّهْرِيِّ، وَصَنَّفَهُ، وَجَوَّدَهُ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يُقَالُ لَهُ: الزُّهْرِيُّ، وَيُقَالُ لَهُ: الذُّهْلِيُّ.
وَانتَهَتْ إِلَيْهِ رِئاسَةُ العِلْمِ وَالعَظَمَةِ وَالسُّؤْدُدِ بِبَلَدَهِ.
كَانَتْ لَهُ جَلاَلَةٌ عَجيبَةٌ بِنَيْسَابُوْرَ، مِنْ نَوْعِ جَلاَلَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بِبَغْدَادَ، وَمَالِكٍ بِالمَدِيْنَةِ.
رَوَى عَنْهُ: خَلاَئِقُ، مِنْهُمُ الأَئِمَّةُ: سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ

(12/274)


النُّفَيْلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، وَعَمْرُو بنُ خَالِدٍ - وَهَؤُلاَءِ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، وَيُدَلِّسُهُ كَثِيْراً، لاَ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، بَلْ يَقُوْلُ: مُحَمَّدٌ فَقطْ، أَوْ مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ، أَوْ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ يَنْسِبُهُ إِلَى الجَدِّ، وَيُعمِّي اسْمَهُ لِمَكَانِ الوَاقِعِ بَيْنَهُمَا - غفَرَ اللهُ لَهُمَا -.
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ صَاحِبُ (السُّنَنِ)، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ؛ وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ السِّجْزِيُّ، وَأَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ فِي (سنَنِهِم)، وَإِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ، وَمكِيُّ بنُ عَبْدَانَ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ بِلاَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القَطَّانُ، وَحَاجِبُ بنُ أَحْمَدَ الطُّوْسِيُّ أَحَدُ الضُّعَفَاءِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُوْلِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَأَبُو عَليٍّ المَيْدَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَأَكْثَرَ عَنْهُ مُسْلِمٌ، ثُمَّ فسَدَ مَا بَيْنَهُمَا، فَامْتَنَعَ مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، فَمَا ضَرَّهُ ذَلِكَ عِنْدَ اللهِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كتَبَ عَنْهُ (1) أَبِي بِالرَّيِّ، وَقَالَ: ثِقَةٌ.
ثُمَّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: هُوَ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ (2) .
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ الكَلاَبَاذِيُّ: رَوَى عَنْهُ البُخَارِيُّ، فَقَالَ مَرَّةً: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، وَقَالَ مَرَّةً: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ. وَقَالَ مَرَّةً:
__________
(1) في الأصل: " عني "، وهو خطأ، والتصحيح من " الجرح والتعديل " 8 / 125.
(2) " الجرح والتعديل " 8 / 125، و" تاريخ بغداد " 3 / 418، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 531، و" تهذيب التهذيب " 9 / 514.

(12/275)


حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ (1) .
وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ أَحَدَ الأَئِمَّةِ العَارِفينَ، وَالحُفَّاظِ المُتْقِنِيْنَ.
صَنَّفَ حَدِيْثَ الزُّهْرِيِّ، وَجَوَّدَهُ، وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُثْنِي عَلَيْهِ، وَيَنْشُرُ فَضْلَهُ (2) .
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ جَنَازَةَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، وَالنَّاسُ يَعْدُوْنَ بَيْنَ يَديهَا وَخلفهَا، وَلِي ثَمَانُ سِنِيْنَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ النَّضْرِ الجَارُوديَّ يَقُوْلُ: بَلَغَنِي أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى كَانَ يَكْتُبُ فِي مَجْلِسِ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، فنَظَرَ عَلِيُّ بنُ سَلَمَةَ اللَّبَقِيُّ إِلَى حُسنِ خَطِّهِ وَتَقْييده، فَقَالَ: يَا بُنِي أَلا أَنصحُكَ؟ إِنَّ أَبَا زَكَرِيَّا يُحَدِّثُكَ عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ وَهُوَ حَيٌّ، وَعَنْ وَكِيْعٍ وَهُوَ حَيٌّ بِالْكُوْفَةِ، وَعَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ وَجَمَاعَةٍ أَحيَاءٌ بِالبَصْرَةِ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ وَهُوَ حَيٌّ بِأَصْبَهَانَ، فَاخرجْ فِي طَلَبِ العِلْمِ، وَلا تُضَيِّعْ أَيَّامَكَ فعملَ فِيْهِ قَوْلُهُ، فَخَرَجَ إِلَى أَصْبَهَانَ فسَمِعَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَالحُسَيْنِ بنِ حَفْصٍ، ثُمَّ دَخَلَ البَصْرَة وَقَدْ مَاتَ يَحْيَى، فَكَتَبَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَأَقْرَانِهِ، وَأَكْثَرَ بِهَا المُقَامَ، حَتَّى مَاتَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ.
قُلْتُ: مَا كَانَ يُمْكِنُهُ لُقِيُّه، فَإِنَّ سُفْيَانَ مَاتَ فِي وَسطِ السَّنَةِ، وَلا كَانَ يُمْكِنُهُ المَسِيرُ إِلَى مَكَّةَ إِلاَّ مَعَ الوفدِ، وَأَمَّا وَكِيْعٌ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يتحرَّكَ الذُّهْلِيُّ مِنْ بلدِهِ.
قَالَ: فَخَرَجَ إِلَى اليَمَنِ، وَأَكْثَرَ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
__________
(1) جاء في " تهذيب التهذيب " 9 / 516: روى عنه البخاري أربعة وثلاثين حديثا.
(2) " تاريخ بغداد " 3 / 415، و" تهذيب التهذيب " 9 / 515.

(12/276)


وَأَقْرَانِهِ، ثُمَّ رَجَعَ وَحَجَّ، وَذَهَبَ إِلَى مِصْرَ ثُمَّ الشَّام.
وَبَاركَ اللهُ لَهُ فِي علمِهِ حَتَّى صَارَ إِمَامَ عَصرِهِ.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ الدَّغُولِيُّ: سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَافِظَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ الرَّيَّ، وَكَانَ فَضْلَكُ يُذَاكِرنُي حَدِيْثَ شُعْبَةَ، فَأَلقَى عَلَيَّ لشُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ صُبَيْحٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَذَا خَالِي فَلْيُرِنِي (1) امْرُؤٌ خَالَهُ (2)) فَلَمْ أَحْفَظْ، فَقَالَ فَضْلَكُ: أَنَا أُفِيدُكَهُ، إِذَا دَخَلتَ نَيْسَابُوْرَ تَرَى شَيْخاً حسنَ الشّيبِ، حَسَنَ الوَجْهِ، رَاكباً حِمَاراً مصريّاً، حسَنَ اللِّباسِ.
فَإِذَا رَأَيْتَهُ، فَاعلمْ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، فسَلْهُ عَنْ هَذَا، فَهُوَ عِنْدَهُ عَنْ سَعِيْدِ بنِ وَاصلٍ، عَنْ شُعْبَةَ.
فَلَمَّا دَخَلْتُ نَيْسَابُوْرَ اسْتَقبلنِي شَيْخٌ بِهَذَا الوَصْفِ، فَقُلْتُ: يُشبِهُ أَنْ يَكُوْنَ.
فسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقَالُوا: هُوَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، فَتَبِعْتُهُ إِلَى أَنْ نَزَلَ، فسلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَأَخْبَرتُهُ بِقصدِي إِيَّاهُ.
فَنَزَلتُ فِي مَسْجِدِهِ، وَكَتَبْتُ مَجْلِساً مِنْ أَصولِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ وَصَلَّى قَرَأْتُهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ: حَدَّثَكُم سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ، عَنْ شُعْبَةَ؟ فذَكَرْتُ الحَدِيْثَ، فَقَالَ لِي: يَا فَتَى، مَنْ يَنْتخبْ هَذَا الاَنتخَابَ، وَيَقْرَأْ هَذِهِ القِرَاءةَ، يعلمْ أَنَّ سَعِيْدَ بنَ عَامِرٍ لاَ يُحَدِّثُ عَنْ شُعْبَةَ بِمثلِ هَذَا
__________
(1) في " تاريخ بغداد " 3 / 418: فليبر، وما في الأصل هو الصواب والموافق لرواية الترمذي والحاكم.
(2) تاريخ بغداد 3 / 417، 418، وحديث " هذا خالي فليرني امرؤ خاله " أخرجه الترمذي (3752) في المناقب: باب مناقب سعد بن أبي وقاص من طريقين عن أبي أسامة، عن مجالد، عن عامر الشعبي، عن جابر بن عبد الله قال: أقبل سعد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هذا خالي فليرني امرؤ خاله " وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث مجالد، وصححه الحاكم 3 / 498، ووافقه الذهبي من طريق أبي أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن جابر.
قال الترمذي: وكان سعد بن أبي وقاص من بني زهرة، وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم من بني زهرة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " هذا خالي ".

(12/277)


الحَدِيْثِ.
فَقُلْتُ: نَعَمْ، أَيُّهَا الشَّيْخُ حَدَّثكُم سَعِيْدُ بنُ وَاصلٍ؟
فَقَالَ: نَعَمْ (1) .
قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَأَحْمَدُ بنُ نصرٍ الخَفَّافُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غفَرَ لِي.
قُلْتُ: فَمَا فعلَ بِحَدِيْثِكَ؟
قَالَ: كُتِبَ بِمَاءِ الذَّهبِ، وَرُفِعْتُ فِي عِلِّيِّينَ (2) .
قَالَ أَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو المُسْتَمْلِي، يَقُوْلُ: دَفَنْتُ مِنْ كُتُبِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بَعْدَ وَفَاتِهِ أَلْفَي جُزءٍ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَنْصُوْرٍ القَاضِي يَقُوْلُ: سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ رَجَاءَ، فَقُلْتُ: مُحَمَّد ُبنُ يَحْيَى صليبَةً كَانَ أَوْ مَوْلَىً؟
قَالَ: لاَ صليبَةً وَلاَ مَوْلَىً.
كَانَ جدُّهُم فَارِس مَوْلَىً لاِبْنِ مُعَاذٍ، وَكَانَ مُعَاذُ بنُ مُسْلِمِ بنِ رَجَاءَ رهينَةً عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، رهنَهُ عِنْدَهُ أَبُوْهُ، ثُمَّ ارتدَّ، فَأَرَادَ مُعَاوِيَةُ قَتْلَ ابْنِهِ رَجَاءَ، وَكَانَ عِنْدَهُ القعقَاعُ بنُ شَوْرٍ الذُّهْلِيُّ، فَاسْتوهَبَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ، فوهبَهُ مِنْهُ، فَأَطلقَهُ، فَهَذَا كَانَ النَّسبُ.
الدَّغُوْلِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى قَالَ: لَمَّا رحلتُ بَابنِي إِلَى العِرَاقِ صحبَنِي جَمَاعَةٌ مِنَ الغربَاءِ، فَسَأَلونِي: أَيُّ حَدِيْثٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ أَغربُ؟
فَكُنْتُ أَقُوْلُ: إِذَا دخلْنَا عَلَيْهِ، سَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيْثٍ تَسْتفيدُوْنَهُ.
فَلَمَّا دخلْنَا سَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيْثِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ غِيَاثٍ، عَنِ ابْنِ بُريدَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَر، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ حَدِيْث الإِيْمَانِ (3) .
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لَيْسَ هُوَ عِنْدِي عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ،
__________
(1) " تاريخ بغداد " 3 / 417، 418، و" تهذيب التهذيب " 9 / 514.
(2) " تاريخ بغداد " 3 / 419، 420، و" تهذيب التهذيب " 9 / 515.
(3) وأوله: " بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل شديد بياض الثياب، شديد =

(12/278)


فَخَجِلْتُ، وَقُمْنَا، فَأَخَذَ أَصْحَابُنَا يَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ ذكَرَ هَذَا الحَدِيْثَ غَيْرَ مَرَّةٍ، ثُمَّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحْمَدُ، وَأَنَا سَاكتٌ لاَ أُجِيْبُهُمْ.
قَالَ: ثُمَّ قدِمْنَا بَغْدَادَ، فَدَخَلْنَا عَلَى أَحْمَدَ، فرحَّبَ بِنَا، وَسأَلَ عَنَّا.
ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ: أَيُّ حَدِيْثٍ اسْتفدْتَ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ؟
فَذَكَرْتُ لَهُ حَدِيْثَ الإِيْمَانِ.
فَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ كِتَابَهُ، وَأَملَى عَلَيْنَا.
فَسَكَتَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَلَمْ يَقُلْ: سأَلنَاكَ عَنْهُ.
فتعجَّبَ أَصْحَابُهُ مِنْ صبرِهِ.
قَالَ: فَأَخبَر أَحْمَدُ بِأَنَّهُ كَانَ سأَلَهُ عَنِ الحَدِيْثِ قَبْل خُرُوْجِهِ إِلَى البَصْرَةِ.
فَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ إِذَا ذكرَهُ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَاقلُ (1) .
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ الأَزْهَرِيُّ: سَمِعْتُ خَادِمَةَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، وَهُوَ عَلَى السَّرِيْرِ يُغَسَّلُ، تَقُوْلُ: خَدَمْتُهُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَكُنْتُ أَضَعُ لَهُ المَاءَ، فَمَا رَأَيْتُ سَاقَهُ قَطُّ، وَأَنَا مِلْكٌ لَهُ (2) .
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ زَيْدٍ المُعَدَّلَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ الذُّهْلِيِّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي فِي الصَّيْفِ الصَّائِفِ وَقْتَ القَائِلَةِ، وَهُوَ فِي بَيْتِ كُتُبِهِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ السِّرَاجُ، وَهُوَ يُصَنِّفُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَةِ، هَذَا وَقْتُ الصَّلاَةِ، وَدُخَانُ هَذَا السِّرَاج بِالنَّهَارِ،
__________
= سواد الشعر..." أخرجه مسلم (8) (3) من طريق محمد بن حاتم، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عثمان بن غياث بهذا الإسناد، وأخرجه من طرق عن كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن بريدة بن مسلم (8) وأبو داود (4695) والنسائي 8 / 97، والترمذي (2610) وأخرجه مسلم (8) (2) من طرق عن حماد بن زيد، عن مطر الوراق، عن عبد الله بن بريدة، وأخرجه أيضا (8) (4) من طريق حجاج بن الشاعر، عن يونس بن محمد، عن المعتمر، عن أبيه، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عمر، عن عمر.
(1) تحرفت في " تهذيب التهذيب " 9 / 513، 514 إلى " الناقل "
(2) " تاريخ بغداد " 3 / 419.

(12/279)


فَلَو نَفَّسْتَ عَنْ نَفْسِكَ.
قَالَ: يَا بُنَيَّ، تَقُوْلُ لِي هَذَا، وَأَنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِيْنَ (1) !!
وَسَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَنْصُوْرٍ القَاضِي، سَمِعْتُ خَالِي عَبْدَ اللهِ بنَ عَلَّوَيْه، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، فَقَامَ إِلَيْهِ، وَقَرَّبَ مَجْلِسَهُ، وَأَمرَ بَنِيه وَأَصْحَابَهُ أَنْ يَكْتُبُوا عَنْهُ (2) .
زَنْجُوْيَةُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو المُسْتَمْلِي يَقُوْلُ: أَتيتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟
قُلْتُ: مِنْ نَيْسَابُوْرَ.
قَالَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى لَهُ مَجْلِسٌ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: لَوْ أَنَّهُ عِنْدنَا، لجعلنَاهُ إِمَاماً فِي الحَدِيْثِ.
ثُمَّ ذَكَرْتُ مُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ، فَقَالَ: مَنْ مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ؟ ثُمَّ سكتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: لَعلَّهُ الَّذِي كَانَ مَعَنَا عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: لِمَ لاَ تَجْمَعُ حَدِيْثَ الزُّهْرِيِّ؟
فَقَالَ: كفَانَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى ذَلِكَ.
قَالَ زَنْجُوْيَةُ بنُ مُحَمَّدٍ: كُنْتُ أَسمَعُ مَشَايِخنَا يَقُوْلُوْنَ: الحَدِيْثُ الَّذِي لاَ يَعْرِفُهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى لاَ يُعْبَأُ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو قُرَيْشٍ الحَافِظُ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي زُرْعَةَ، فَجَاءَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَجَلَسَ سَاعَةً، وَتذَاكرَا.
فَلَمَّا أَن قَامَ قُلْتُ لَهُ: هَذَا جَمَعَ أَرْبَعَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ فِي (الصَّحِيْحِ).
فَقَالَ: فلِمَنْ تركَ البَاقِي؟
__________
(1) " تاريخ بغداد " 3 / 419.
(2) " تاريخ بغداد " 3 / 416، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 531.

(12/280)


ثُمَّ قَالَ: هَذَا لَيْسَ لَهُ عقلٌ، لَوْ دَارَى مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى لصَارَ رَجُلاً.
الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحِيْمِ الجَوْزَجَانِيُّ قَالَ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: إِنِّي أَريدُ البَصْرَةَ، وَقَدْ عرَفْتَ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ وَمَا بينَهُم.
فَقَالَ: إِذَا قدِمْتَ فَسَلْ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيِّ، فَإِذَا رَأَيْتَهُ فَالزمْهُ، ثُمَّ قَالَ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ مِنْهُ (1) .
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كتبَ أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بِالرَّيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ صَدُوْقٌ، إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وَثَّقَهُ أَبِي وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: هُوَ إِمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ (2) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَكَانَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ.
الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ القَارِئُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: إِذَا رَوَى عَنِ المُحَدِّثِ رَجُلاَنِ ارتفَعَ عَنْهُ اسْمُ الجهَالَةِ (3) .
وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: تَقَدَّمَ رَجُلٌ إِلَى عَالِمٍ، فَقَالَ: علِّمْنِي وَأَوْجِزْ.
قَالَ: لأُوجِزَنَّ لَكَ، أَمَّا
__________
(1) " تاريخ بغداد " 3 / 417، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 531.
(2) " الجرح والتعديل " 8 / 125 وقد سبق الخبر في الصفحة: 275.
(3) أي جهالة العين، أما جهالة الحال فلا ترتفع إلا بتوثيق أحد الأئمة الذين عرفوا بهذا الشأن له.
انظر " الباعث الحثيث ": 96، 97.

(12/281)


لآخِرَتِكَ: فَإِنَّ اللهَ أَوحَى إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنبيَائِهِ: قُلْ لقومِكَ: لَوْ كَانَتِ المَعْصِيَةُ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوْتِ الجَنَّةِ لأَوْصَلَتْ إِلَيْهِ الخرَابَ.
وَأَمَّا لدُنْيَاكَ فَإِنَّ الشَّاعِرَ يَقُوْلُ:
مَا النَّاسُ إِلاَّ مَعَ الدُّنْيَا وَصَاحِبِهَا ... وَكَيْفَ مَا انقَلَبَتْ يَوْماً بِهِ انْقَلَبُوا
يُعَظِّمُوْنَ أَخَا الدُّنْيَا فَإِنْ وَثَبَتْ ... يَوْماً عَلَيْهِ بِمَا لاَ يَشْتَهِي وَثَبُوا
قَالَ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى: خَرَجتُ مَعَ وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا بَلَغنَاهَا، أَصَابتْنَا شِدَّةٌ، فَسَمِعْتُ وَهباً يَقُوْلُ:
إِنَّ الَّذِي نَجَّاكَ مِنْ بَطْنِ ذَمَهْ ... وَمِنْ سُيولٍ فِي بُطونٍ مُفْعَمَه
لقَادِرٌ أَنْ يَسْتَتِمَّ نِعَمَهُ
أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَدْ جَعَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ إِمَاماً فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ زَيْدٍ، وَهُوَ عَدْلٌ رِضَىً، يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ، وَكُنْت وَاقفاً عَلَى رَأْسِهِ، بَعْدَ الفرَاغِ مِنَ المَجْلِسِ، وَبِيَدِي قلمٌ، فَنَقَطَ نُقْطَةً عَلَى ثَوْبِهِ، فَرَفَعَ إِلَيَّ رَأْسَهُ، فَقَالَ: تُرَانِي أُحِبُّكَ بَعْد هَذَا!!
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ عبدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَحْمَدَ الفَامِيَّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ فِي يدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ كِتَاباً قَطُّ، مَا سَمِعْتُ مِنْهُ فَمِنْ حِفْظِهِ.
أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى، حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بنُ يَحْيَى الوَاسِطِيُّ، وَكَانَ شَيْخاً قَصِيْراً، أَحْمَرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، كَتَبْتُ عَنْهُ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْث بِوَاسِطَ سَنَة تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.

(12/282)


وَقَالَ لَنَا عَفَّانُ: إِذَا قُلْتُ لَكُم: أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ، وَلَمْ أَنْسِبْهُ، فَهُوَ ابْنُ سلمَةَ.
قَالَ ابْنُ يَحْيَى: وَإِذَا قَالَ حَجَّاجٌ: أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ، فَهُوَ ابْنُ سلمَةَ. وَمَا رَوَى سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، وَأَبُو النُّعْمَانِ، عَنْ حَمَّادٍ فَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ، وَجَمِيْعُهُم سَمِعُوا مِنَ الحَمَّادَيْنِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: أَثْبَتُ مَنْ رَأَيْتُ أَرْبَعَةٌ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَوهبُ بنُ جَرِيْرٍ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ بنِ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَقُوْلُ: ارتحلْتُ ثَلاَثَ رحلاَتٍ، وَأَنْفَقْتُ عَلَى العِلْمِ مائَةً وَخَمْسِيْنَ أَلْفاً، وَلَمَّا دَخَلْتُ البَصْرَةَ اسْتَقبلتَنِي جِنَازَةُ يَحْيَى القَطَّانِ عَلَى بَابِ البَصْرَةِ (1) .
وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ بنِ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: لَوْ لَمْ أَبدأْ بِالبَصْرَةِ لَمْ يَفُتْنِي أَبُو أُسَامَةَ، وَحُسَيْنُ الجُعْفِيُّ (2) .
عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمٍ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ سَافِرِي بِالرَّمْلَةِ يَقُوْلُ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: نكتُبُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى؟
قَالَ: اكتُبُوا عَنْهُ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ.
قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: نكتبُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى؟
قَالَ: اكتُبُوا عَنْهُ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ، مَا لَهُ يُرِيْدُ أَنْ يُحَدِّثَ.
أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَالَ لِي عليُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: أَنْتَ وَارِثُ الزُّهْرِيِّ (3) .
__________
(1) " تاريخ بغداد " 3 / 419، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 531، و" تهذيب التهذيب " 9 / 515.
(2) " تاريخ بغداد " 3 / 419، و" تهذيب التهذيب " 9 / 515.
(3) " تاريخ بغداد " 3 / 417، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 531، و" تهذيب التهذيب " 9 / 515.

(12/283)


قَالَ السُّلَمِيُّ: سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ: مَنْ تُقَدِّمُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَمَرْقَنْديِّ؟
فَقَالَ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ وَيعرِفَ قُصُورَ علمِهِ عَنْ عِلْمِ السَّلَفِ، فلينظُرْ فِي (عِلَلِ حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ) لِمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى (1) .
قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ (2) .
وَقَالَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ إِمَامُ عصرِهِ، أَسْكَنَهُ اللهُ جَنَّتَهُ مَعَ مُحِبِّيهِ (3) .
وَقَدْ سُئِلَ صَالِحٌ جَزَرَة عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَقَالَ: مَا فِي الدُّنْيَا أَحمقُ مِمَّنْ يَسْأَلُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى.
قَالَ ابْنُ الشَّرْقِيِّ: مَا أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى.
ثُمَّ قَالَ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
زَادَ غَيْرُهُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ.
وبِخَطِّ أَبِي عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: عَاشَ ستّاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى البَاشَانِيَّ يَقُوْلُ: مَاتَ الذُّهْلِيُّ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنْ رَبِيْعِ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلاَنِيُّ: يَوْمَ الاثْنَيْنِ لأَرْبَعٍ بَقِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ.
كَانَ الذُّهْلِيُّ شَدِيْدَ التَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ، قَامَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 2 / 531، و" تهذيب التهذيب " 9 / 515.
(2) تقدم الخبر في الصفحة: 281.
(3) " تذكرة الحفاظ " 2 / 531.

(12/284)


لِكَوْنِهِ أَشَارَ فِي (مَسْأَلَةِ خَلْقِ العِبَادِ) إِلَى أَنَّ تَلَفُّظَ القَارِئِ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فلوَّحَ وَمَا صَرَّحَ، وَالحقَّ أَوضحَ.
وَلَكِنْ أَبَى البحثَ فِي ذَلِكَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَالذُّهْلِيُّ، وَالتَّوسعَ فِي عبارَاتِ المُتَكَلِّمِيْنَ سدّاً للذَّريعَةِ، فَأَحسنُوا، أَحسنَ اللهُ جزَاءهُم.
وَسَافَرَ ابْنُ إِسْمَاعِيْلَ مُخْتَفِياً مِنْ نَيْسَابُوْرَ، وَتَأَلَّمَ مِنْ فِعْلِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى وَمَا زَالَ كَلاَمُ الكِبَارِ المُتَعَاصِرين بَعْضهِمْ فِي بَعْضٍ لاَ يُلْوَى عَلَيْهِ بِمفرَدِهِ.
وَقَدْ سُقْتُ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ إِسْمَاعِيْلَ (1) - رَحِمَ اللهُ الجَمِيْعَ، وَغفرَ لَهُمْ وَلنَا آمِيْن -.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ الذُّهْلِيُّ تَقَدَّمَ فِي الصَّلاَةِ عَلَيْهِ أَمِيْرُ خُرَاسَانَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ فِي مَيدَانِ الحُسَيْنِ.
وَخَلَفَهُ فِي مَشْيَخَةِ البَلَدِ وَلدُهُ حَيْكَانُ، وَاسمه:

105 - يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ * (ق)
الحَافِظُ المُجَوِّدُ الشَّهِيْدُ، أَبُو زَكَرِيَّا.
قَالَ الحَاكِمُ: هُوَ إِمَامُ نَيْسَابُوْرَ فِي الفَتْوَى وَالرِّئاسَةِ، وَابْنُ إِمَامِهَا، وَأَمِيْرُ المُطَّوِّعَةِ بِخُرَاسَانَ بِلاَ مُدَافَعَةٍ، يَعْنِي: الغُزَاةِ.
قَالَ: وَكَانَ يَسْكُنُ دَارَ أَبِيْهِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيْهَا صومعَةٌ وَآثَارٌ لِعِبَادَتِهِمَا، وَالسِّكَّةُ وَالمَسْجِدُ مَنْسُوْبَانِ إِلَى حيكَانَ (2) .
__________
(1) سترد قصته مع الامام البخاري في الصفحة 453.
(*) الجرح والتعديل 9 / 186، تاريخ بغداد 14 / 217، 219، تهذيب الكمال: 1516، 1517، تذهيب التهذيب 4 / 165 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 616، 618، ميزان الاعتدال 4 / 407، العبر 2 / 36، تاريخ ابن كثير 11 / 42، تهذيب التهذيب 11 / 276، 278، النجوم الزاهرة 3 / 43، خلاصة تذهيب الكمال: 428، شذرات الذهب 2 / 152، المنتظم 5 / 62.
(2) " تذكرة الحفاظ " 2 / 617، و" النجوم الزاهرة " 3 / 43.

(12/285)


سَمِعَ: يَحْيَى بنَ يَحْيَى، وَأَحْمَدَ بنَ عَمْرٍو الحَرَشِيَّ، وَابْنَ رَاهْوَيْه.
وَبَالرَّيِّ: إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُوْسَى الفَرَّاءَ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ.
وَبِبَغْدَادَ: عَلِيَّ بنَ الجَعْدِ، وَالحَكَمَ بنَ مُوْسَى، وَأَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَالقَوَارِيْرِيَّ، وَطَبَقَتهُم.
وَبِالبَصْرَةِ: أَبَا الوَلِيْدِ، وَسُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ، وَمسدداً، وَالرَّبِيْعَ بنَ يَحْيَى، وَعَلِيَّ بنَ عُثْمَانَ اللاَحِقيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ كَثِيْرٍ، وَسَهْلَ بنَ بَكَّارٍ، وَالحَوْضِيَّ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُعَاذٍ.
وَبِالْكُوْفَةِ: أَحْمَدَ بنَ يُوْنُسَ، وَسَعِيْدَ بنَ الأَشْعَثِيِّ، وَأَحْمَدَ بنَ يَحْيَى بنِ المُنْذِرِ.
وَبَالحِجَازِ: إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الحَكَمِ المِصْرِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ مَنْصُوْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيَّ، وَمُحرزَ بنَ سَلَمَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُوْهُ، وَالحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ القبَّانِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالسَّرَّاجُ.
قُلْتُ: وَمُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ (1) .
وَفِي كِتَابِ (الكَمَالِ (2)) أَن ابْن مَاجَهْ رَوَى عَنْهُ وَلَمْ نَرَهُ (3) .
__________
(1) الاخرم، بالراء المهملة: هو أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف بن الاخرم الشيباني النيسابوري، محدث حافظ، توفي سنة 344 ه.
(2) واسمه الكامل: " الكمال في معرفة الرجال " للحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي، المتوفى سنة 600 ه، تناول فيه رجال الكتب الستة، وعلى هذا الكتاب عول الحافظ المزي في تأليفه كتابه الحافل " تهذيب الكمال " انظر التفصيل في المقدمة التي كتبها الدكتور بشار عواد لكتاب " تهذيب الكمال " نشر مؤسسة الرسالة.
(3) قال ابن حجر في " التهذيب " 11 / 276: رواية ابن ماجة عنه في باب: الاذنان من الرأس من كتاب الطهارة قال: حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى، حدثنا عمرو بن الحصين..فذكر حديثا.
قال ابن حجر: وجدت ذلك في نسخة صحيحة عتيقة جدا، وفي بعض النسخ: حدثنا محمد بن يحيى بدل يحيى بن محمد بن يحيى فالله أعلم. قلت: وفي المطبوع من " سنن " ابن ماجة (445): حدثنا محمد بن يحيى.

(12/286)


قَتله أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الخُجُسْتَانِيُّ (1) ظُلْماً فِي جمُادَى الآخِرَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، لِكَوْنِهِ قَامَ عَلَيْهِ، وَحَارَبَهُ لاعتدَائِهِ وَعَسْفِهِ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ زَيْدٍ العَدْلَ، خَتَنَ حَيْكَانَ عَلَى ابْنَتِهِ، قَالَ: دخَلْنَا عَلَى أَبِي زَكَرِيَّا بَعْدَ أَنْ رُدَّ مِنَ الطَّرِيْقِ وَهُوَ فِي الحَبْسِ، فَقَالَ لَنَا: اشْتَرَكَ فِي دمِي خَمْسَةُ نَفَرٍ: العبَّاسَانِ، وَابْنُ يَاسِيْنَ، وَبِشْرَوَيْه، وَأَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ اللَّبَّادُ.
وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بنَ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ نُوْحَ بنَ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الخُجُسْتَانِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى حَيْكَانَ فِي مَحْبِسِهِ الَّذِي كُنْتُ حبسْتُهُ فِيْهِ عَلَى أَنْ أَضْرِبَهُ خشبان (2) ، وَأُخَلِيَ سَبِيلَهُ، وَمَا كُنْتُ عَازِماً عَلَى قَتْلِهِ، فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنْهُ، مَدَدْتُ يَديَّ إِلَى لِحْيَتِهِ، فَقَبَضْتُ عَلَيْهَا، فَقَبَضَ عَلَى خَصْيَيَّ، حَتَّى لَمْ أَشُكَّ أَنَّهُ قَاتلِي، فَذَكَرْتُ سِكِّيناً فِي خُفِّي، فَجَرَّدْتُ السِّكِّينَ (3) ، وَشَقَقْتُ بَطْنَهُ (4) .
وَقِيْلَ: إِنَّ حَيكَانَ أَسْلَمَهُ جموعُهُ، فَانهزمَ، وَانضمَّ إِلَى حمَّالينَ، وَتنكَّرَ، ثُمَّ عُرِفَ، فَقُبِضَ عَلَيْهِ.
سَمِعْتُ أَبَا الفَضْلِ الحَسَنَ بنَ يَعْقُوْبَ العَدْلَ، سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو
__________
(1) الخجستاني، بضم الخاء المعجمة والجيم، وسكون السين المهملة، وبعدها تاء فوقها نقطتان، وبعد الالف نون: هذه النسبة إلى خجستان، وهو جبل من جبال هراة.
والخجستاني الأمير هو أحمد بن عبد الله، كان جبارا ظالما غاشما من أتباع يعقوب بن الليث الصفار، ثم خرج عن طاعته.
انظر أخباره في " تاريخ الطبري " حوادث 266 وما بعدها، و" الكامل " في التاريخ 7 / 296.
(2) سقطت من " تهذيب التهذيب "، وفي الأصل: خشبان، وما أثبتناه من " تذكرة الحفاظ ".
(3) في " تذكرة الحفاظ " فجذبتها.
(4) " تذكرة الحفاظ " 2 / 617، 618، و" تهذيب التهذيب " 11 / 277.

(12/287)


المُسْتَمْلِي يَقُوْلُ: رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ مُحَمَّدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَر لِي.
قُلْتُ: فَمَا فَعَلَ الخُجُسْتَانِيُّ؟
قَالَ: هُوَ فِي تَابوتٍ مِنْ نَارٍ، وَالمفْتَاحُ بِيَدِي.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِح بنِ هَانِئٍ يَقُوْلُ: لَمَّا قُتِلَ حَيْكَانُ تركَ أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي اللباسَ القطنِيَّ، وَكَانَ يلبَسُ فِي الشِّتَاءِ فَرواً بِلاَ قَمِيْصٍ، وَفِي الصَّيْفِ مَسْحاً، وَكَانَ مَجْلِسُهُ وَمَبِيْتُهُ فِي مَسْجِدِ الأَدمِيينَ عَلَى رَأْسِ سكَّةِ الحَسَنِ بنِ مُوْسَى بِنَيْسَابُوْرَ، إِذْ سَمِعَ النَّاسَ يَقُوْلُوْنَ: قَدْ أَقبلَ أَحْمَدُ الخُجُسْتَانِيُّ، فَخَرَجَ المُسْتَمْلِي، وَعَلَيْهِ الفروُ، فَتَقَدَّم، فَأَخَذَ عنَانَ أَحْمَدَ، ثُمَّ قَالَ: يَا ظَالِمُ قتلتَ الإِمَامَ بنَ الإِمَامِ، العَالِمَ بنَ العَالِمِ؟؟!! فَارْتَعَدَ الخُجُسْتَانِيُّ، وَنفرت دَابَّتُهُ، فَتَقَدَّمَ الرَّجَّالَةُ لضرِبِهِ، فصَاحَ الخُجُسْتَانِيُّ دعُوهُ دعُوهُ، فَرَجَعَ وَدَخَلَ المَسْجَدَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ صَالِح: فَبلغنِي عَنْ أَبِي حَاتِمٍ نوحٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ الخُجُسْتَانِيُّ: وَاللهِ مَا فَزَعْتُ قَطُّ مِنْ أَحَدٍ فَزَعِي مِنْ صَاحِبِ الفَرْوَةِ، وَلَقَدْ نَدِمْتُ لَمَّا نظرتُ إِلَيْهِ مِنْ إِقدَامِي عَلَى قَتْلِ حَيْكَانَ.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِح يَقُوْلُ: حضَرْنَا آخِرَ مَجْلِسٍ لِلإِملاَءِ عِنْدَ يَحْيَى بنِ مُحَمَّدٍ الشَّهِيْدِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقِيْلَ (1) : فِي شَوَّالٍ، وَرُفِضَتْ مَجَالِسُ الحَدِيْثِ، وَخُبِئَتِ المحَابِرُ، حَتَّى لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ فِي البلدِ أَنْ يَمْشِيَ وَمَعَهُ محبرَةٌ، وَلاَ فِي كُمِّهِ كَرَارِيْسُ الحَدِيْثِ إِلَى سَنَةِ سَبْعِيْنَ، فَاحتَالَ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فِي مجِيءِ السَّرِيِّ خُزَيْمَةَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، وَعَقَدَ لَهُ مَجْلِسَ الإِملاَءِ فِي خَانِ مَحْمِش، وَعَلاَّ
__________
(1) في " تذكرة الحفاظ " 2 / 617: وقتل.

(12/288)


المحبرَةَ بِيَدِهِ وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ خلقٌ عَظِيْمٌ (1) .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ صَالِح بنِ هَانِئٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: عهدِي بِأَصْحَابِنَا، وَأَحْفَظُهُم أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَلَمَّا احْتَاجَ أَنْ يُحَدِّثَ لاَ يكَادُ يُحَدِّثُ إِلاَّ مِنْ كِتَابٍ.
قُلْتُ: لأَنَّ ذَلِكَ أَقربُ إِلَى التَّحرَّي وَالوَرَعِ، وَأَبعدُ عَنِ العُجْبِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ مسدّداً يَقُوْلُ: الجِعَةُ النَّبِيذُ الَّذِي يُعْمَلُ مِنَ الشَّعِيرِ (2) .
وَمِنِ الرِّوَايَةِ عَنِ الذُّهْلِيِّ وَابْنِهِ:
أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا ثَابِتُ بنُ بُنْدَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيُّ، قَرَأْنَا عَلَى أَبِي العَبَّاسِ بنِ حَمْدَانَ، حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بنُ نُعيمٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَقُوْلُ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعملٌ، يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ، وَالقُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ بجَمِيْعِ جهَاتِهِ، وَحَيْثُ تُصْرَفُ، وَلاَ نرَى الكَلاَمَ فِيْمَا أَحَدثُوا فَتَكَلَّمُوا فِي الأَصوَاتِ وَالأَقلاَمِ وَالحِبْرِ وَالورقِ، وَمَا أَحَدثُوا مِنَ المَتْلِيِّ وَالمُتْلَى وَالمُقْرِئ، فُكُلُّ هَذَا عِنْدنَا بدعَةٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مُحْدَثٌ، فَهُوَ عِنْدنَا جَهْمِيٌّ لاَ يُشَكُّ فِيْهِ وَلاَ يُمْتَرَى.
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 2 / 617.
(2) وفي ذلك حديث أخرجه النسائي 8 / 302 من طريق محمد بن عبد الله بن المبارك، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا عمار بن زريق، عن أبي إسحاق، عن صعصعة بن صوحان، عن علي رضي الله عنه قال: نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن حلقة الذهب والقسي والميثرة والجعة.
وهذا سند قوي. وقال أبو عبيد: الجعة: النبيذ المتخذ من الشعير..

(12/289)


قُلْتُ: كَذَا قَالَ: المَتْلِيُّ وَالمُتْلَى، وَمُرَادُهُ المَتْلِيُّ وَالتِّلاَوَةُ، وَالمُقْرِئُ وَالقِرَاءةُ، وَمَذْهَبُ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الدِّيْنِ أَنَّ القُرْآنَ العَظِيْمَ المُنزَّلَ كَلاَمُ اللهِ -تَعَالَى- غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
وَمَذْهَبُ المُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ مَخْلُوْقٌ، وَأَنَّهُ كَلاَمُ اللهِ -تَعَالَى- عَلَى حدِّ قَوْلِهِم: عِيْسَى كَلِمَةُ اللهِ، وَنَاقَةُ اللهِ، أَي: إِضَافَةُ مُلْكٍ.
وَمَذْهَبُ دَاوُدَ وَطَائِفَةٍ أَنَّهُ كَلاَمُ اللهِ، وَأَنَّهُ مُحْدَثٌ مَعَ قَوْلهِمْ: بِأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
وَقَالَ آخرُوْنَ مِنَ الحنَابلَةِ وَغَيْرهِمْ: هُوَ كَلاَمُ اللهِ قَدِيْمٌ غَيْرُ مُحْدَثٍ، وَلاَ مَخْلُوْقٍ.
وَقَالُوا: إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْلُوْقاً فَهُوَ قَدِيْمٌ، وَنُوزِعُوا فِي هَذَا المَعْنَى وَفِي إِطْلاَقِهِ.
وَقَالَ آخرُوْنَ: هُوَ كَلاَمُ اللهِ مجَازاً، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى القُرْآنِ القَدِيْمِ القَائِمِ بِالنَّفْسِ (1) .
وهُنَا بحوثٌ وَجدَالٌ لاَ نخوضُ فِيْهَا أَصْلاً، وَالقَوْلُ هُوَ مَا بدأْنَا بِهِ، وَعَلَيْهِ نَصَّ أَزْيَدُ مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ إِمَامٍ، وَعَلَيْهِ امتُحِنَ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وضُرِبَ بِالسِّيَاطِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الوَزِيْرُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَابرُ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَبْدِ المحسنِ، وَغَيْرهُم، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مكِّيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بنُ عَلاَّنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الحِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَعْقلٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِح، عَنِ ابْنِ
__________
(1) في الأصل: العالم بالنفس.

(12/290)


شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو أُسَامَةَ سَهْلُ بنُ حُنَيْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيْدٍ الخُدْرِيَّ يَقُوْلُ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلِيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُوْنَ ذَلِكَ، وَمَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيْصٌ يَجُرُّهُ).
قَالُوا: مَاذَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (الدِّيْنُ).
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) ، وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ (2) ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي شَرِيْكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِملاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا ابْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى أَنْ يَمْشِيَ الرَّجُلُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ (3) .
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي أَحْمَد بنِ إِسْحَاقَ بِمِصْرَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
__________
(1) أخرجه البخاري 1 / 69 في الايمان: باب تفاضل أهل الايمان في الاعمال، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب مناقب عمر بن الخطاب، وفي التعبير: باب القميص في المنام، وباب جر القميص في المنام، ومسلم (2390) في فضائل الصحابة: باب من فضائل عمر بن الخطاب، والنسائي 8 / 113 في الايمان: باب زيادة الايمان والترمذي (2287).
(2) هو أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد..مترجم في " المشيخة "، ورقة: 4.
(3) إسناده صحيح، وأخرجه النسائي 8 / 217: باب ذكر النهي عن المشي في نعل واحدة من طريق إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن عبيد بهذا الإسناد بلفظ " إذا انقطع شسع نعل أحدكم، فلا يمش في نعل واحدة حتى يصلحها " وأخرجه أحمد 2 / 253 من طريق أبي معاوية عن الأعمش به، وأخرجه مالك 2 / 916، ومن طريقه البخاري 10 / 261، ومسلم (2097) (68) وأبو داود (4136) والترمذي (1774) عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يمش أحدكم في نعل واحدة، لينعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا " وأخرجه أحمد 2 / 257، ومسلم (2098)، والنسائي 8 / 218 من طريق الأعمش، عن أبي رزين، عن أبي هريرة.
وفي الباب عن جابر عند مسلم (2099) وأبي داود (4137).

(12/291)


إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ الخَبْريُّ (1) فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الحَافِظُ سنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ) (2) .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ حَجَّاجِ بنِ الشَّاعِرِ، جَمِيْعاً عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ صَالِح، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بنِ يَحْيَى الحِمْصِيِّ، عَنْ مَحْبوبِ بنِ مُوْسَى، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، عَنْ شُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، كِلاَهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، لَكِن عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَهَذَا أَصحُّ.
وَالآخرُ فمَحْفُوْظٌ، وَإِنْ كَانَ أَبُو أُوَيْسٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَصبحيُّ فِيْهِ لِينٌ.
وَكَذَلِكَ ابْنُهُ تُكُلِّمَ فِيْهِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ رِجَالِ (الصَّحِيْحَيْنِ)، وَبَاقِي الإِسْنَادِ ثِقَاتٌ إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ شَيْخِ شَيْخِنَا هَذَا الخَبْرِيّ، فَإِنَّهُ تُكُلِّمَ فِي مُعْتَقَدِهِ.
__________
(1) بفتح الخاء المعجمة، وسكون الباء المنقوطة بواحدة في آخرها الراء المهملة: هذه النسبة إلى خبر، وهي قرية بنواحي شيراز من فارس، منها أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أحمد الخبري صاحب التصانيف الكثيرة. انظر " التبصير " 1 / 362.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه من حديث أبي بكر عبد الرزاق (9774) وأحمد 1 / 4 و6 و9 و10، وأبو بكر المروزي في مسند أبي بكر (2)، والبخاري 12 / 4 في الفرائض: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا نورث ما تركنا صدقة " ومسلم (1759) في الجهاد والسير، والنسائي 7 / 132، وأبو داود (2963) وفي الباب عن أبي هريرة عند مالك 2 / 993، والبخاري 12 / 5، ومسلم (1760) و(1761) وأبو داود (2974)، وعن عائشة عند مالك 2 / 993، والبخاري 12 / 5، ومسلم (1758) وأبو داود (2976) و(2977).

(12/292)


قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ مِنْ يَحْيَى بنِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ صَدُوْقٌ (1) .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَابْنَهُ يَحْيَى اخْتَلَفَا فِي مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ أَحَدهُمَا لِلآخَرِ: اجعلْ بَيْنَنَا حَكَماً، فَرَضِيَا بِابْنِ خُزَيْمَةَ، فَقَضَى ليَحْيَى عَلَى أَبِيْهِ.
ثُمَّ قَالَ المُزَكِّيُّ: كَانَ يَحْيَى لَهُ مَوْضِعٌ مِنَ العِلْمِ وَالحَدِيْثِ، سَمِعَ مِنَ العَيْشِيِّ وَنَحْوِهِ (2) .
قَالَ: وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ:كَانَ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ أَخرَجَهُ الغزَاةُ (3) وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وَأَصْحَاب الرَّأْيِ، وَأَركبوهُ دَابَّةً، وَأَلبسوهُ سيفاً - قَالَ المُزَكِّيُّ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ سَيْفَ خَشَبٍ - وَقَاتَلُوا (4) سُلْطَانَ نَيْسَابُوْرَ، يُقَالُ لَهُ: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، خَارِجِيٌّ، غَلَبَ عَلَى البلدِ، وَكَانَ ظَالِماً غَاشماً، وَكَانَ النَّاسُ أَوْ أَكْثَرُهُم مُجْتَمِعينَ عَلَيْهِ (5) مَعَ يَحْيَى، فَكَانَتِ الدَّبَرَةُ (6) عَلَى العَامَّةِ، وَهَرَبَ يَحْيَى إِلَى رُسْتَاق، يُقَالُ لَهُ: بُسْت (7) ، فدُلَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَجِيءَ بِهِ.
فَيُقَالُ: إِنَّ عَامَّةَ مَنْ كَانَ مَعَ يَحْيَى مِنَ الرُّؤَسَاءِ، انْقَلَبُوا عَلَيْهِ لَمَّا وَاقَفَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: أَلم أُحْسِنْ إِلَيْك؟ أَلم أَفعلْ، أَلم أَفعلْ؟ وَكَانَ يَحْيَى فَوْقَ جَمِيْعِ أَهْلِ البلدِ.
فَقَالَ: أُكْرِهْتُ عَلَى ذَلِكَ، وَاجْتَمَعُوا عَلَيَّ.
قَالَ: فردَّ عَلَيْهِ الجَمَاعَةُ، أَوْ
__________
(1) " الجرح والتعديل " 9 / 186، و" تاريخ بغداد " 14 / 217، و" تهذيب التهذيب " 11 / 276.
(2) " تاريخ بغداد " 14 / 218، و" تهذيب التهذيب " 11 / 276.
(3) في " تاريخ بغداد ": القراء، وهو خطأ.
(4) في " تاريخ بغداد ": وقابلوا، بالموحدة من تحت، وهو تصحيف.
(5) في الأصل " علي "، وهو خطأ، والمثبت من " تاريخ بغداد ".
(6) في " تاريخ بغداد ": الدائرة.
(7) في " تاريخ بغداد ": بشت، بالاعجام.

(12/293)


مَنْ حضَرَ مِنْهُم، وَقَالُوا: لَيْسَ كَمَا قَالَ.
فَأَخَذَهُ أَحْمَدُ فَقَتَلَهُ.
يُقَالُ: إِنَّهُ بنَى عَلَيْهِ.
قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَمرَ بجرِّ خُصْيَيْهِ حَتَّى مَاتَ (1) .
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ بنِ الأَخْرَمِ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ حَيْكَانَ، لاَ رَحِمَ اللهُ قَاتِلَهُ (2) .

106 - مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُلَيَّةَ الأَسَدِيُّ * (س)
قَاضِي دِمَشْقَ وَمُفتيهَا وَمُحَدِّثُهَا، الإِمَامُ، الحَافِظُ الأَوحدُ، أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ، وَلَدُ شَيْخِ البَصْرَةِ الحَافِظِ الكَبِيْرِ، إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مقْسَمٍ الأَسَدِيُّ (3) البَصْرِيُّ، وَكَانَ أَصغرَ الإِخْوَةِ، لاَ نَعْلَمُ لَهُ شَيْئاً عَنْ أَبِيْهِ.
سَمِعَ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ العَبْدِيِّ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقِ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو بِشْرٍ الدُّوْلاَبِيُّ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَابْنُ جَوْصَا، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ مَلاَّسٍ، وَالقَاضِي مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارٍ البَتَلْهِيُّ، وَأَبُو الدَّحْدَاحِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: حَافِظٌ ثِقَةٌ دِمَشْقِيٌّ (4) .
__________
(1) " تاريخ بغداد " 14 / 218.
(2) " تاريخ بغداد " 14 / 219، و" تهذيب التهذيب " 11 / 276.
(*) تهذيب الكمال 1172، تذهيب التهذيب 3 / 189 / 1 قضاة دمشق لابن طولون: 20، تهذيب التهذيب 9 / 55، 56.
(3) تحرفت في " قضاة دمشق " إلى: السري.
(4) " قضاة دمشق ": 20، و" تهذيب التهذيب " 9 / 56.

(12/294)


وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفَيْضِ: لَمْ يَزَلْ قَاضِياً بِدِمَشْقَ حَتَّى مَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَوَلِيَ القَضَاءَ بَعْدَهُ القَاضِي أَبُو خَازمٍ (1) عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ (2) .
قُلْتُ: أَخُوْهُ هُوَ إِبْرَاهِيْمُ ابنُ عُلَيَّةَ (3) الجَهْمِيُّ المُتَكَلِّمُ الَّذِي نَاظرَهُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ، نَسْأَلُ اللهَ العفوَ.

107 - صَاعِقَةُ أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ * (خَ، د، ت، س)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُتْقِنُ، أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ أَبِي زُهَيْرٍ العَدَوِيُّ، العُمَرِيُّ مَوْلاَهُمُ، الفَارِسِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، صَاعِقَةُ.
سَمِعَ: يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَشَبَابَةَ بنَ سَوَّارٍ، وَأَبَا أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيَّ، وَرَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَيَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَمُعَلَّى بنَ مَنْصُوْرٍ، وَأَبَا النَّضْرِ، وَطَبَقَتَهُمْ.
وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَزَكَرِيَّا خَيَّاطُ
__________
(1) في " قضاة دمشق ": بالحاء المهملة وهو تصحيف، وفيه: ذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: يغرب.
وقال محمد بن جعفر بن ملاس: حدثنا القاضي محمد بن إسماعيل بن عليه الثقة الرضى.
والقاضي عبد الحميد بن عبد العزيز مترجم في " شذرات الذهب " 2 / 210 وفيه: لما احتضر كان يقول: يا رب، من القضاء إلى القبر. ثم يبكي.
(2) " قضاة دمشق ": 20، و" تهذيب التهذيب " 9 / 56، وجاء فيه: قال الدارقطني: لا بأس به.
وقال مسلمة: كان ثقة. وقال المستملي: كان مستقيم الحديث.
(3) وهو مترجم في " الفهرست ": 283، و" تاريخ بغداد " 6 / 20، 23، و" ميزان الاعتدال " 1 / 20، و" لسان الميزان " 1 / 34، 35.
(*) الجرح والتعديل 8 / 9، تاريخ بغداد 2 / 363، 364، طبقات الحنابلة 1 / 305، 306، تهذيب الكمال: 1233، تذهيب التهذيب 3 / 227 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 553، 554، العبر 2 / 10، الوافي بالوفيات 3 / 245، تهذيب التهذيب 9 / 311، 312، النجوم الزاهرة 3 / 24، طبقات الحفاظ: 247، خلاصة تذهيب الكمال: 349، شذرات الذهب 2 / 130، 131.

(12/295)


السُّنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَالقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَخَلْقٌ.
وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ (1) .
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ مُتْقِناً ضَابِطاً عَالِماً حَافِظاً (2) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ الكَرَجِيُّ (3) : سُمِّيَ صَاعِقَة لأَنَّهُ كَانَ جَيِّدَ الحِفْظِ (4) ، وَكَانَ بزَّازاً.
قَالَ السَّرَّاجُ: قَالَ لِي: إِنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.

108 - ابْنُ كَرَامَةَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ * (خَ، د، ت، ق)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ كرَامَةَ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 363، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 553، و" الوافي بالوفيات " 3 / 245، و" تهذيب التهذيب " 9 / 312.
وجاء في " الجرح والتعديل " 8 / 9 عن عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سئل أبي عنه، فقال: صدوق.
وقال ابن حجر في " تهذيب التهذيب " 9 / 312: ذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: كان صاحب حديث يحفظ.
وقال أيضا: وثقه مسلمة.
وقال الدارقطني: حافظ ثبت.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 363 وفيه أيضا عن نصر بن أحمد الكندي قال: كان من
أصحاب الحديث المأمونين.
وعن عبد الله بن أحمد، قال: صاعقة ثقة.
(3) في " تاريخ بغداد "، و" تذكرة الحفاظ ": الكرخي بالخاء المعجمة وهو تصحيف.
(4) " طبقات الحنابلة " لابن أبي يعلى 1 / 306، و" تاريخ بغداد " 2 / 363، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 553 وفي " طبقات الحنابلة ": وقيل - وهو المشهور -: إنما لقب بهذا لأنه كان كلما قدم بلدة للقاء شيخ إذا به قد مات بالقرب.
(*) الجرح والتعديل 8 / 25، تاريخ بغداد 3 / 40، 41، تهذيب الكمال: 1240، 1241، تذهيب التهذيب 3 / 231 / 1، الوافي بالوفيات 4 / 82، تهذيب التهذيب 9 / 338، 339، خلاصة تذهيب الكمال: 351.
(5) بفتح الكاف وتخفيف الراء. " التقريب ".

(12/296)


العِجْلِيُّ مَوْلاَهُم الكُوْفِيُّ الوَرَّاقُ، وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَرَّاقُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى.
سَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ بِشْرٍ العَبْدِيَّ، وَحُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ الجُعْفِيَّ، وَيَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَأَخَاهُ مُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ، وَعِدَّةً.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ رَوَى عَنْ: غُنْدَرٍ.
وَلَمْ يَصِحَّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَالسَّرَّاجُ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ: صَدُوْقٌ (1) .
قَالَ مُطَيَّنُ: مَاتَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) .
وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ حَدِيْثُ: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً (3)) وَهُوَ
__________
(1) " الجرح والتعديل " 8 / 25، و" تاريخ بغداد " 3 / 41، و" الوافي بالوفيات " 4 / 82، و" تهذيب التهذيب " 9 / 339 وفيه: ذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال مسلمة: بغدادي ثقة.
وقال ابن عقدة: سمعت محمد بن عبد الله بن سليمان، وداود بن يحيى يقولان: كان صدوقا.
(2) زاد الخطيب: ببغداد. ووهم من قال: بالكوفة.
(3) أخرجه البخاري 11 / 292، 295 في الرقاق: باب التواضع من طريق محمد بن عثمان بن كرامة، حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني شريك بن عبد الله ابن أبي نمر، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحببته، فكنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لاعطينه، ولئن استعاذني لاعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت، وأنا أكره مساءته " وفي خالد بن مخلد فقال، وكذا شريك بن عبد الله، لكن قال الحافظ: للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلا ثم أوردها.

(12/297)


مُوَافَقَةً (1) لِلْبُخَارِيِّ.
قَرَأْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهِ وَجَمَاعَةٍ سمِعُوا عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ حُضُوْراً، وَلِي أَرْبَعُ سِنِيْنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ كرَامَةَ، حَدَّثَنَا قَبِيْصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ:
زُلْزِلَتْ فَسَا عَلَى عَهْدِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نرَى الآيَاتِ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَرَكَاتٍ، وَأَنْتُم تعدُّونهَا تخويفاً.
إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ (2) ، وَلَهُ عِلَّةٌ فَبالإِسْنَادِ إِلَى يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا قَبِيْصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ بِإِسْنَادِهِ نحوَهُ.

109 - المُقَوِّمُ يَحْيَى بنُ حَكِيْمٍ البَصْرِيُّ * (د، س، ق)
الحَافِظُ، الإِمَامُ، المَأْمُوْنُ، أَبُو سَعِيْدٍ البَصْرِيُّ
__________
(1) الموافقة: هو الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريق، أي: الطريق التي تصل إلى ذلك التصنيف المعين.
(2) وأخرجه أحمد 1 / 396 من طريق معاوية بن هشام، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله...وأخرجه أحمد 1 / 460 من طريق الوليد بن القاسم بن الوليد، والدارمي 1 / 14، 15 من طريق عبيد الله بن موسى، كلاهما عن إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله..وأخرجه البخاري 3589 في علامات النبوة في الإسلام من طريق محمد بن المثنى، حدثنا أبو أحمد الزبيري، عن إسرائيل بهذا الإسناد وقوله: الآيات، أي: الأمور الخارقة للعادات.
(*) الجرح والتعديل 9 / 134، الأنساب، ورقة: 540 / ب، اللباب 3 / 249، تهذيب الكمال: 1492، تذهيب التهذيب 4 / 152 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 515، العبر 2 / 13، تهذيب التهذيب 11 / 198، 199، طبقات الحفاظ: 224، خلاصة تذهيب الكمال: 422، شذرات الذهب 2 / 136.

(12/298)


المُقَوِّمُ، وَقَدْ يُقَالُ: المُقَوِّمِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيِّ، وَغُنْدَر، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَدِيٍّ، وَمَخْلَدِ بنِ يَزِيْدَ الحَرَّانِيِّ، وَمُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَحَرَمِيِّ بنِ عُمَارَةَ، وَحَمَّادِ بنِ مَسْعَدَةَ، وَسَلْمِ بنِ قُتَيْبَةَ، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَفِي (تَهْذِيْبِ) شَيْخِنَا، أَنَّهُ رَوَى عَنِ: النُّعْمَانِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الأَصْبَهَانِيِّ، وَلَمْ يُدْرِكْ ذَاكَ.
وَينْزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنْ: أَبِي الوَلِيْدِ، وَعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ الرَّاسِبِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَسْلَمُ بنُ سَهْلٍ، وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى السِّجْزِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خَلاَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَأَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جُمْعَةَ، وَعَلِيُّ بنُ العَبَّاسِ المقَانعِيّ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِد، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرُّوْيَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُرْوَةَ، وَالحَافِظُ عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ أَبُو الآذَانِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ حَافِظاً مُتْقِناً.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ حَافِظٌ.
وَقَالَ أَبُو عَرُوْبَةَ: مَا رَأَيْتُ بِالبَصْرَةِ أَثْبَتَ مِنْهُ، وَمِن أَبِي مُوْسَى العَنَزِيِّ (1) ، وَكَانَ يَحْيَى وَرِعاً مُتَعَبِّداً، أَوْ كَمَا قَالَ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ: كَانَ مِمَّنْ جَمَعَ وَصَنَّفَ (2) .
__________
(1) هو محمد بن المثنى.
(2) " تذكرة الحفاظ " 2 / 515، و" تهذيب التهذيب " 11 / 199 وفيه أيضا: قال مسلمة: بصري ثقة.

(12/299)


وَمَاتَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ حَكِيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ مَحْبُوْب، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَالحَسَنُ وَثَابِتٌ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ الهَاشِمِيِّ، فَقَالَ ثَابِتٌ: يَا أَبَا يَعْقُوْبَ، حَدِّثْ أَبَا سَعِيْدٍ بِحَدِيْثِ الكَتِفِ.
فَقَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَكِيْمٍ بِنْتُ الزُّبَيْرِ أَنَّهَا كَانَتْ تَصْنَعُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طعَاماً، فَيَأْتِيهَا، فَرُبَّمَا أَكَلَ عِنْدَهَا، وَأَنَّهَا زَعَمَتْ أَنَّهُ أَتَاهَا يَوْماً، فَأَتَتْهُ بِكَتِفٍ، فَجَعَلَ يَتَسَحَّاهَا (1) ، فَأَكل مِنْهَا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يتوضأْ (2) .
__________
(1) في الأصل: يتحساها، وما أثبتناه من هامش الأصل. وتحسى اللحم: قشره.
(2) نسبه الحافظ في " الإصابة " 4 / 444 إلى إسحاق بن راهويه من رواية داود بن أبي هند أن أم حكيم بنت الزبير - وهي ضباعة - كانت تصنع للنبي صلى الله عليه وسلم الطعام...وقال: فهذا يوضح ان ام حكيم كنية ضباعة، وأورده الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " وابن منده فيما قاله الحافظ من طريق حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن أم حكيم، وذكر الاختلاف فيه عن قتادة، فقال سعيد بن أبي عروبة عنه، عن صالح أبي الخليل، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث، عن ام الحكم، عن اختها ضباعة، وقيل: عن سعيد، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل ان ام حكيم بنت الزبير حدثته، ولم يذكر ضباعة، أخرجه أحمد 6 / 419، وقال همام، عن قتادة، عن إسحاق لم يذكر أبا الخليل أخرجه ابن منده، وقال ابن مندة: رواه داود بن أبي هند، عن إسحاق، عن أم حكيم صفية ولم يذكر ضباعة.
وفي الباب عن ابن عباس عند البخاري 1 / 268، ومسلم (354)، وعن عمر بن أمية الضمري عند البخاري 1 / 268، ومسلم (355) وعن ميمونة وأبي رافع عند مسلم (356) و(357).

(12/300)


110 - حَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ بنِ حَجَّاجٍ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الشَّاعِرِ أَبِي يَعْقُوْبَ الثَّقَفِيُّ * (م، د)
البَغْدَادِيُّ، الحَافِظُ، فَأَمَّا أَبُوْهُ فَلَقَبُهُ لِقْوَةٌ، مِنْ تَلاَمِذَةِ أَبِي نُوَاسٍ وَأَصْحَابِهِ.
فنشَأَ حَجَّاجٌ بِبَغْدَادَ، وَطلَبَ العِلْمَ.
وَكَتَبَ عَنْ: أَبِي النَّضْرِ، وَيَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَحَجَّاجِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَالعَقَدِيِّ، وَأَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ، وَعَبْدِ الصَّمَدِ التَّنُّورِيِّ، وَخَلْقٍ.
رَوَى عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالمَحَامِلِيُّ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، حَافِظٌ (1) .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ خَيْرٌ مِنْ مائَةٍ مِثْلِ الرَّمَادِيِّ (2) .
قَالَ صَالِحُ جَزَرَة: سَمِعْتُ حَجَّاجَ بنَ الشَّاعِرِ يَقُوْلُ: جَمَعَتْ لِي أُمِّي
__________
(*) الجرح والتعديل 3 / 168، تاريخ بغداد 8 / 240، 241، طبقات الحنابلة 1 / 148، 149، الأنساب 3 / 134، تهذيب الكمال: 239، تذهيب التهذيب 1 / 124 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 549، 550، العبر 2 / 19، تهذيب التهذيب 2 / 209، 210، طبقات الحفاظ: 244، خلاصة تذهيب الكمال: 73، شذرات الذهب 2 / 139، المنتظم 5 / 20
(1) " الجرح والتعديل " 3 / 168 - وصدقه أبو حاتم نفسه - و" تاريخ بغداد " 8 / 241، و" طبقات الحنابلة " 1 / 148، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 549، و" تهذيب التهذيب " 2 / 210.
(2) الخبر في " تاريخ بغداد " 8 / 241، و" طبقات الحنابلة " 1 / 149، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 549، " تهذيب التهذيب " 2 / 210 وقال الخطيب: كان ثقة فهما حافظا، وكذا قال ابن أبي يعلى في " طبقات الحنابلة ".
وعن ابن الغلابي قال: وسئل يحيى بن معين عن حجاج بن الشاعر، فبزق لما سئل عنه.

(12/301)


مائَةَ رَغِيْفٍ، فَجَعَلْتُهَا فِي جِرَابٍ، وَانحدرْتُ إِلَى شَبَابَةَ بِالمَدَائِنِ، فَأَقمتُ ببَابِهِ مائَةَ يَوْمٍ، أَغْمِسُ الرَغِيْفَ فِي دِجْلَةَ وَآكُلُهُ، فَلَمَّا نَفَدَتْ خَرَجْتُ (1) .
تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ أَبُو حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ وَهْبٍ، وَإِسْحَاقُ البَغَوِيُّ لُؤْلُؤٌ، وَبِشْرُ بنُ مَطَرٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ آدَمَ، وَعَلِيُّ بنُ مَعْبَدٍ بِمِصْرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ مَحْمِش.

111 - العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيْمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ تَوْبَةَ * (خت، 4)
الحَافِظُ، الحُجَّةُ، الإِمَامُ، أَبُو الفَضْلِ، العَنْبَرِيُّ البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ، وَمُعَاذِ بنِ هِشَامٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَعُمَرَ بنِ يُوْنُسَ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَالنَّضْرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَكَانَ وَاسِعَ الرِّحْلَةِ، مُتَبَحِّراً مِنَ الآثَارِ.
رَوَى لَهُ البُخَارِيُّ: تَعْلِيْقاً، وَالبَاقُوْنَ سَمَاعاً، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعَبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَعُمَرُ بنُ بُجَيْرٍ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 8 / 240، و" طبقات الحنابلة " 1 / 148، وفيه: قال النسائي: أبو محمد حجاج بن يوسف بغدادي ثقة. والخبر في " تذكرة الحفاظ " 2 / 550.
(*) التاريخ الكبير 4 / 6، التاريخ الصغير، 2 / 384، الجرح والتعديل 6 / 216، تاريخ بغداد 12 / 137، 138، طبقات الحنابلة 1 / 235، الأنساب 9 / 70 تهذيب الكمال: 658، تذهيب التهذيب 2 / 125 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 524، تهذيب التهذيب 5 / 121، 122، طبقات الحفاظ: 228، خلاصة تذهيب الكمال 189 شذرات الذهب 2 / 112.

(12/302)


قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ (1) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى السِّمْسَارُ: كَانَ مِنْ سَادَاتِ المُسْلِمِيْنَ.
وَقَالَ آخر: كَانَ مِنْ أَعْقَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَمِنْ أَهْلِ الفَضْلِ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.

112 - أَبُو التَّقِيِّ اليَزَنِيُّ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ * (د، س، ق)
الإِمَامُ، الحَافِظُ المُتْقِنُ، أَبُو التَّقِيِّ، هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عِمْرَانَ، اليَزَنِيُّ الحِمْصِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَبَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَرْبٍ الأَبْرَشِ، وَمُحَمَّدِ بنِ حِمْيَرٍ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَحَفِيْدُهُ حُسَيْنُ بنُ تقِي بنِ هِشَامٍ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغَنْدِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ جَوْصَا، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ مُتْقِناً فِي الحَدِيْثِ (2) .
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 2 / 524.
وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 6 / 216: سئل أبي عنه، فقال صدوق.
وجاء في " تهذيب التهذيب " 5 / 122 قال مسلمة: بصري ثقة.
(*) الجرح والتعديل 9 / 66، تهذيب الكمال: 1440، تذهيب التهذيب 4 / 117 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 528، 529، ميزان الاعتدال 4 / 301، العبر 2 / 1، تاريخ ابن كثير 11 / 10، تهذيب التهذيب 11 / 45، طبقات الحفاظ: 231، خلاصة تذهيب الكمال: 410، شذرات الذهب 2 / 124.
(2) " الجرح والتعديل " 9 / 66، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 529، و" ميزان الاعتدال " 4 / 301، و" تهذيب التهذيب " 11 / 45.

(12/303)


وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثقَةٌ (1) .
قُلْتُ: مَاتَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ عَنْ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.

113 - شُعَيْبُ بنُ عَمْرٍو أَبُو مُحَمَّدٍ الضُّبَعِيُّ *
المُحَدِّثُ المُسْنِدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الضُّبَعِيُّ.
حدَّثَ بِدِمَشْقَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِي، وَابْنُ جَوْصَا، وَأَبُو الدَّحدَاحِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ.

114 - شُعَيْبُ ابْنُ المُحَدِّثِ شُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ الدِّمَشْقِيُّ ** (س)
مَوْلَى قُرَيْشٍ، يُكْنَى أَبَا مُحَمَّدٍ.
لَمْ يلحقْ السَّمَاعَ مِنْ أَبِيْهِ، فَإِنَّهُ وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ زَيْد بنَ يَحْيَى بنِ عُبَيْدٍ، وَأَبَا المُغِيْرَةِ الحِمْصِيَّ، وَأَبَا اليَمَانِ، وَأَحْمَدَ بنَ خَالِدٍ.
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 2 / 529، و" ميزان الاعتدال " 4 / 301 وفيه أيضا: روى أبو عبيد عن أبي داود: ضعيف، وجاء في " تهذيب التهذيب " 11 / 45: ذكره ابن حبان في " الثقات ".
(*) تهذيب ابن عساكر 6 / 325.
(* *) الجرح والتعديل 4 / 347، 348، تهذيب الكمال: 586، 587، تذهيب التهذيب 2 / 79 / 2، تهذيب التهذيب 4 / 353، خلاصة تذهيب الكمال: 167: تهذيب ابن عساكر 6 / 322.

(12/304)


وَعَنْهُ: النَّسَائِيُّ، وَابْنُ جَوْصَا، وَأَبُو الدّحدَاحِ.
وَلَهُ شعرٌ جَيِّدٌ (1) .
تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمئَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (2) .

115 - عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ بنِ سَعِيْدِ بنِ كَثِيْرِ بنِ دِيْنَارٍ الحِمْصِيُّ * (د، س، ق)
الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو حَفْصٍ الحِمْصِيُّ، مَوْلَى قُرَيْشٍ.
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ: إِسْمَاعِيْلَ بنَ عَيَّاشٍ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَبَقِيَّةَ بنَ الوَلِيْدِ، وَالوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ، وَعِدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، مِنْ آخرِهِم أَحْمَدُ بنُ عُمَيْرِ بنِ جَوْصَا.
__________
(1) ومن شعره في " تهذيب ابن عساكر " 6 / 323:
ولم أر مثل الصدق أسنى لاهله * إذا جمعتهم والرجال المجامع
إذا ما رأى الجهال ذا العلم واضعا * إلى ذي الغنى مالوا إليه وأسرعوا
(2) " الجرح والتعديل " 4 / 348، و" تهذيب التهذيب " 4 / 353، وفيه: قال النسائي ثقة. وقال ابن حجر: قال مسلمة في " الصلة ": حدثنا عنه بعض شيوخنا، وكان ثقة.
(*) التاريخ الصغير 2 / 391، الجرح والتعديل 4 / 249، تهذيب الكمال: 1044، تذهيب التهذيب 3 / 106 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 509، العبر 2 / 1، تاريخ ابن كثير 11 / 10، تهذيب التهذيب 8 / 76، لسان الميزان 4 / 371، طبقات الحفاظ: 221، خلاصة تذهيب الكمال: 291، شذرات الذهب 2 / 124.

(12/305)


قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَسَمِعَ مِنْ: مَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ شُعَيْبِ بنِ شَابُوْرَ، وَسَمَّى جَمَاعَةً.
قَالَ: وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعَبْدَانُ الجَوَالِيْقِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) .
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ أَحْفَظَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ مُصَفَّى (2) .
قَالَ دَاوُدُ بنُ الحُسَيْنِ البَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّ السَّيِّدُ بنُ السَّيِّدِ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَة إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ
وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ، عَنْ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَقَعَ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (البَعْثِ)، وَفِي (صفَةِ المُنَافِقِ).
وَأَخُوْهُ:

116 - يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ أَبُو سُلَيْمَانَ الحِمْصِيُّ * (د، س، ق)
العَبْدُ الصَّالِحُ الوَلِيُّ، أَبُو سُلَيْمَانَ.
سَمِعَ: بَقِيَّةَ بنَ الوَلِيْدِ، وَوَكِيْعاً، وَالوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ حِمْيَرٍ، وَجَمَاعَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ أَيْضاً، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ
__________
(1) " الجرح والتعديل " 6 / 249، و" تهذيب التهذيب " 8 / 76.
(2) " الجرح والتعديل " 6 / 249، و" تهذيب التهذيب " 8 / 76. وفيه: ذكره ابن حبان في " الثقات ".
ووثقه النسائي في " أسماء شيوخه "، وكذا أبو داود ومسلمة وثقاه.
(*) الجرح والتعديل 9 / 174، تهذيب الكمال: 1510، 1511، تذهيب التهذيب 4 / 161 / 2، تهذيب التهذيب 11 / 255، 256، خلاصة تذهيب الكمال: 426.

(12/306)


مَتَّوَيْه، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَأَبُو بِشْرٍ الدُّوْلاَبِيُّ، وَعَبْدُ الغَافرِ بنُ سَلاَمَةَ، وَابْنُ جَوْصَا، وَعِدَّةٌ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّ، نِعْمَ الشَّيْخُ هُوَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ صَالِحاً صَدُوْقاً (1) .
وَسُئِلَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ عَنْ يَحْيَى وَأَخِيْهِ عَمْرٍو، فَقَالَ: كِلاَهُمَا ثِقَةٌ، وَلَكِن يَحْيَى كَانَ عَابِداً، وَعَمْرُو أَبصرُ مِنْهُ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو عَرُوْبَةَ: سَمِعْتُ المُسَيَّبَ بنَ وَاضِحٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ آتياً أَتَانِي، فَقَالَ: إِنْ كَانَ بَقِيَ مِنَ الأَبْدَالِ أَحَدٌ، فَيَحْيَى بنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ وَأَخُوْهُ وَأَبُوْهُمَا لاَ بَأْسَ بِهِم، لَمْ أَرَ مَنْ يطعنُ فِي يَحْيَى غَيْر أَبِي عَرُوْبَةَ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كَانَ يَحْيَى لاَ يَسْوَى نوَاةً فِي الحَدِيْثِ، وَكَانَ يتلقَّنُ كُلَّ شَيْءٍ.
قَالَ: وَكَانَ يُعْرَفُ بِالصِّدْقِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يُجِلُّ يَحْيَى بنَ عُثْمَانَ، وَيُقَدِّمُهُ فِي الصَّلاَةِ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
__________
(1) " الجرح والتعديل " 9 / 174.

(12/307)


117 - وَأَبُوْهُمَا عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الحِمْصِيُّ *
مِنْ أَصْحَابِ حَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَشُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ.
وَهُوَ صَدُوْقٌ، صَاحِبُ حَدِيْثٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ، وَعَبَّاسٌ التَّرْقُفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ.
وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِيْنٍ (1) ، وَاحْتَجَّ بِهِ النَّسَائِيُّ وَغَيْرهُ.
قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ نجدَةَ: كَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ مِنَ الأَبدَالِ (2) .
قُلْتُ: مَوْتُهُ قَرِيْبٌ مِنْ أَبِي اليَمَانِ (3) .

118 - المَرَّارُ بنُ حَمُّويَه بنِ مَنْصُوْرٍ الثَّقَفِيُّ ** (ق)
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الحَافِظُ، شَيْخُ هَمَذَانَ، أَبُو أَحْمَدَ الثَّقَفِيُّ الهَمَذَانِيُّ.
__________
(*) الجرح والتعديل 6 / 152، تاريخ بغداد 11 / 293، 294، تهذيب الكمال: 910، 911، تذهيب التهذيب 3 / 30 / 1، تهذيب التهذيب 7 / 118، خلاصة تذهيب الكمال: 259.
(1) " الجرح والتعديل " 6 / 152.
(2) " تهذيب التهذيب " 7 / 118. وجاء فيه: ذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال عبد الوهاب بن نجدة: هو ريحانة الشام عندنا. وقال الحاكم في " المستدرك ": ثقة.
(3) جاء في " تهذيب التهذيب " 7 / 118: وفاته - كما قال مطين - سنة 209، وكذا أرخه ابن قانع.
(* *) الجرح والتعديل 8 / 443، تهذيب الكمال: 1312، 1313، تذهيب التهذيب 4 / 29 / 1، العبر 2 / 7، تهذيب التهذيب 10 / 80، 81، خلاصة تذهيب الكمال: 395، شذرات الذهب 2 / 129.

(12/308)


وُلِدَ بَعْدَ التِّسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَبِي الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ الكَاتِبِ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، والقَعْنَبِيِّ، وَطبَقَتِهِمْ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ فِي (سُنَنِهِ)، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَابْنُ وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الدُّحَيْمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي غَانمٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَمَّادٍ الطِّهرَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَرِوَايَةُ ابْنِ مَاجَهْ عَنْهُ عَن مُحَمَّدِ بنِ مُصَفَّى الحِمْصِيِّ.
وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ (1)): حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الكَتَّانِيُّ، فَقِيْلَ: هُوَ المَرَّارُ.
وَقِيْلَ: بَلْ هُوَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ، وَقِيْلَ: مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البِيْكَنْدِيُّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الهَمَذَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا فضلاَنُ بنُ صَالِح قَالَ: قُلْتُ لأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ: أَنْتَ أَحْفَظُ أَمِ المَرَّار؟
فَقَالَ: أَنَا أَحْفَظُ، وَهُوَ أَفْقَهُ.
__________
(1) 5 / 239 في الشروط: باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك: حدثنا أبو أحمد، حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان الكتاني، أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال الحافظ في الفتح: كذا للاكثر غير مسمى ولا منسوب ولابن السكن في روايته عن الفربري وافقه أبو ذر: حدثنا أبو أحمد مرار بن حمويه، وقال في المقدمة ص 236: سماه ابن السكن في روايته مرار بن حمويه، وبذلك جزم أبو ذر الهروي عن بعض مشايخه، وأبو نعيم في " المستخرج " وأبو مسعود في " الاطراف " وغيرهم، وقال الحاكم: أهل بخارى يزعمون أنه أبو أحمد محمد بن يوسف البيكندي البخاري، وقد أكثر البخاري من الرواية عنه، قال الحاكم: وقرأت هذا الحديث بخط أبي عمرو المستملي، قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب الفراء، عن أبي غسان يعني فيجوز أن يكون هو الفراء.

(12/309)


وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: مَا أَخْرَجَتْ هَمَذَانُ أَفْقَهَ مِنَ المَرَّارِ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو شجَاعٍ شِيْرَوَيْه: نَزَلَ أَبُو حَاتِمٍ عَلَى المَرَّارِ، وَكَتَبَ عَنْهُ، وَهُوَ قَدِيْمُ المَوْتِ، جَلِيْلُ الخَطَرِ، سأَلَهُ جُمْهُوْرٌ النَّهَاوَنْدِيُّ عَنْ مَسَائِلَ، وَهِيَ مُدَوَّنَةٌ عَنْهُ، مَنْ نظرَ فِيْهَا عَلِمَ مَحَلَّ المرَّارِ مِنَ العِلْمِ الوَاسِعِ، وَالحِفْظِ وَالإِتْقَانِ وَالِديَانَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ أَحْمَدُ بنُ الدُّحَيْمِيِّ (1) : سَمِعْتُ المَرَّارَ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ ارزقنِي الشَّهَادَةَ، وَأَمَرَّ يدَهُ عَلَى حَلْقِهِ.
وَقِيْلَ: لَمَّا وَقعتْ فِتْنَةُ المُعْتَزِّ وَالمستعينِ كَانَ عَلَى هَمَذَانَ الأَمِيْرَانِ جَبَّاخٌ وَجُغْلاَنُ مِنْ قِبَلِ المُعْتَزِّ، فَاسْتشَارَ أَهْلُ هَمَذَانَ المَرَّارَ وَالجُرْجَانِيَّ فِي مُحَارَبَتِهِمَا، فَأَمرَاهُم بلُزُوْمِ مَنَازِلِهِم، فَلَمَّا أَغَارَ أَصْحَابُهُمَا عَلَى دَارِ سَلَمَةِ بنِ سَهْلٍ وَغَيْرِهَا، وَرَمَوْا رَجُلاً بِسهمٍ، أَفتيَاهُم فِي الحَرْبِ، وَتَقَلَّدَ المَرَّارُ سيفاً، فَخَرَجَ مَعَهُم، فَقُتِلَ عَدَدٌ كَثِيْرٌ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ، ثُمَّ طلبَ مُفْلحٌ المَرَّارَ، فَاعتصمَ بِأَهْلِ قُمّ.
وَهَرَبَ مَعَهُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَسْعُوْدٍ المُحَدِّثُ.
فَأَمَّا إِبْرَاهِيْمُ فَهَازلَهُم وَقَاربَهُم فَسَلِمَ، وَأَمَّا المَرَّارُ، فَأَظهرَ مُخَالَفَتَهُم فِي التَّشَيُّعِ، وَكَاشَفَهُم، فَأَوقعُوا بِهِ وَقْتلُوهُ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَرَوَى الحُسَيْنُ بنُ صَالِح أَنَّ عَمَّهُ المَرَّارَ قُتِلَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَخمسُوْنَ سَنَةً.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ التَّمِيْمِيُّ: قُتِلَ المَرَّارُ فِي السُّنَّةِ شهيداً. وَكَانَ
__________
(1) بضم الدال وفتح الحاء وسكون الياء تحتها نقطتان وفي آخرها ميم وياء: وهي نسبة إلى دحيم، لقب القاضي أبي سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم القرشي الدمشقي مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقد تصحفت في " تهذيب التهذيب " 10 / 81 إلى: " البرجمي ".

(12/310)


ثِقَةً عَالِماً فَقِيْهاً سُنِّيّاً - رَحْمَةُ اللهُ عَلَيْهِ -.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الإِسْلاَمِ.
وَمَا وَقَعَ لَنَا حَدِيْثُهُ العَالِي إِلاَّ بِالإِجَازَةِ.

119 - أَحْمَدُ بنُ سَعْدِ بنِ الحَكَمِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ المِصْرِيُّ * (د، س)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو جَعْفَرٍ المِصْرِيُّ، مَوْلَى بَنِي جُمَحٍ.
حَدَّثَ عَنْ: عَمِّهِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَسَدِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي اليَمَانِ، وَحَبِيبٍ كَاتِبِ مَالِكٍ، وَتحرَّجَ بِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ.
وَعَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالبَاغَنْدِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ سِرَاجٍ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ عَلاَّنُ، وَابْنُ وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ (1) .
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.

120 - الزُّبَيْرُ بنُ بكَّارٍ القُرَشِيُّ الأَسَدِيُّ الزُّبَيْرِيُّ ** (ق)
العَلاَّمَةُ الحَافِظُ النَّسَّابَةُ، قَاضِي مَكَّةَ وَعَالِمُهَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ أَبِي
__________
(*) تهذيب الكمال: 21، 22، تذهيب التهذيب 1 / 11 / 1، تهذيب 1 / 29، 30، خلاصة تذهيب الكمال: 6.
(1) " تهذيب التهذيب " 1 / 30. وفيه: قال أبو عمر الكندي في كتاب " الموالي ": كان من أهل العلم والرحلة والتصنيف: وروى عنه بقي بن مخلد، وكان لا يحدث إلا عن ثقة.
(* *) مقدمة كتابه: جمهرة نسب قريش، بتحقيق الأستاذ الكبير محمود محمد شاكر، الجرح والتعديل 3 / 585، الاغاني 9 / 41، 43، الفهرست: 123، 124، تاريخ بغداد 8 / 467، 471، مصارع العشاق: 255، 256، معجم الأدباء 11 / 161، 165، الكامل =

(12/311)


بكرٍ بكَّارُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُصْعَبِ بنِ ثَابِتِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ بنِ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيِّ بنِ كلاَبٍ القُرَشِيُّ الأَسَدِيُّ الزُّبَيْرِيُّ المَدَنِيُّ المَكِّيُّ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَأَبِي ضَمْرَةَ اللَّيْثِيِّ، وَالنَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَذُؤَيْبِ بنِ عِمَامَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ، وَعَبْدِ المَجِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ، وَعَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ المَدَائِنِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ زَبَالَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ الضَّحَّاكِ بنِ عُثْمَانَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ، وَمُصْعَبِ بنِ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيِّ عَمِّهِ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ فِي (سُنَنِهِ)، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَبِيْبٍ الرَّبَعِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، وَحَرَمِيُّ بنُ أَبِي العَلاَءِ المَكِّيُّ، وَاسمُهُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ العَبَّاسِ الوَرَّاقُ، وَيُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الأَزْرَقُ، وَحَدَّثَ فِي أَواخِرِ أَيَّامِهِ بِبَغْدَادَ.
وَهُوَ مُصَنِّفُ كِتَابِ (نَسَبِ قُرَيْشٍ)، وَهُوَ كِتَابٌ كَبِيْرٌ نفيسٌ (1) .
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَدركْتُهُ وَرَأَيْتُهُ، ُ وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ (2) .
__________
= لابن الأثير 7 / 217، وفيات الأعيان 2 / 311، 313، تهذيب الكمال: 426، 427، تذهيب التهذيب 1 / 232 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 528، دول الإسلام 1 / 121، ميزان الاعتدال 2 / 66، العبر 2 / 12، مرآة الجنان 2 / 167، تاريخ ابن كثير 11 / 24، العقد الثمين 4 / 427، 429، تهذيب التهذيب 3 / 312، 314، النجوم الزاهرة 3 / 25، طبقات الحفاظ: 231، خلاصة تذهيب الكمال: 120، شذرات الذهب 2 / 133، 134.
(1) وقد ذكر ياقوت في " معجمه " 11 / 164، 165 اثنين وثلاثين كتابا للزبير بن بكار.
(2) " الجرح والتعديل " 3 / 585.

(12/312)


وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ.
وَرُوِيَ عَنِ السَّرِيِّ بنِ يَحْيَى التَّمِيْمِيِّ، قَالَ: لَقِيَ الزُّبَيْرُ بنُ بكَّارٍ إِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ المَوْصِلِيَّ، فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، عَمِلْتَ كِتَاباً سَمَّيْتَهُ كِتَابَ (النَّسَبِ) وَهُوَ كِتَابُ الأَخْبَارِ.
فَقَالَ: وَأَنْتَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ عَمِلْتَ كِتَاباً سَمَّيْتَهُ كتابَ (الأَغَانِي) وَهُوَ كِتَابُ المغَانِي (1) .
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ القَاسِمِ الكوكبِيُّ: لَمَّا قَدِمَ الزُّبَيْرُ بنُ بكَّارٍ بَغْدَادَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ المُسْتَمْلِي عَلَيْهِ: مَنْ ذَكَرْتَ يَا ابْنَ حوَاريِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَأَعْجَبَهُ (2) .
رَوَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الملكِ التَّاريخِيُّ، قَالَ: أَنشدنِي ابْنُ أَبِي طَاهِرٍ لِنَفْسِهِ فِي الزُّبَيْرِ بنِ بكَّارٍ:
مَا قَالَ لاَ قَطُّ إِلاَّ فِي تَشَهُّدِهِ ... وَلاَ جَرَى لَفْظُهُ إِلاَّ عَلَى نَعَمِ
بَيْنَ الحَوَارِيِّ وَالصِّدِّيْقِ نِسْبَتُه ... وَقَدْ جَرَى وَرَسُوْلُ اللهِ فِي رَحِم (3)
الكوكبِيّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى المَارستَانِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ بكَّارٍ، قَالَ: قَالَتْ بِنْتُ أُختِي لأَهْلِنَا: خَالِي خَيْرُ رَجُلٍ لأَهْلِهِ، لاَ يتَّخِذُ ضَرَّةً وَسُرِّيَّةً (4) .
قَالَ: تَقُوْلُ المرأَةُ: وَاللهِ هَذِهِ الكُتُبُ أَشَدُّ عليَّ مِنْ ثَلاَثِ ضرَائِرٍ (5) .
__________
(1) " تاريخ بغداد " 8 / 469، و" وفيات الأعيان " 2 / 311.
(2) الخبر في " تاريخ بغداد " 8 / 468 عن المعافى بن زكريا، قال: قال لنا أبو علي الكوكبي: لما قدم الزبير - يعني ابن بكار - إلى بغداد، قال: اعرضوا على مستمليكم، فعرضوا عليه فأتاهم.
فلما حضر أبو حامد المستملي: قال له: من ذكرت يا بن حواري رسول الله ؟ قال: فأعجبه أمره، فاستملى عليه.
(3) البيتان في " تاريخ بغداد " 8 / 468.
(4) في " تاريخ بغداد " 8 / 471، و" وفيات الأعيان ": ضرة، ولا يشتري جارية.
(5) " تاريخ بغداد " 8 / 471، و" وفيات الأعيان " 2 / 312.

(12/313)


قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّيْرَفِيُّ: سَأَلْتُ الزُّبَيْرَ: مُنْذُ كَمْ زَوْجَتُكَ مَعَكَ؟
قَالَ: لاَ تسأَلْنِي، لَيْسَ تردُ القِيَامَةَ أَكْثَرُ كِباشاً مِنْهَا، ضحَّيْتُ عَنْهَا سَبْعِيْنَ كَبْشاً (1) .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ الزُّبَيْرُ ثِقَةً ثَبْتاً عَالِماً بِالنَّسَبَ وَأَخْبَارِ المُتَقَدِّمِيْنَ، لَهُ مُصَنَّفٌ فِي (نسب قُرَيْشٍ (2)).
قُلْتُ: الكِتَابُ مِنْ عَوَالِي الفخرِ عليٍّ عَنِ ابْنِ طَبَرزَدْ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ السّليمَانِيُّ الحَافِظُ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ.
كَذَا قَالَ، وَلاَ يَدْرِي مَا يَنْطِقُ بِهِ (3) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الطُّوْسِيُّ: تُوُفِّيَ الزُّبَيْرُ لِتِسْعٍ بَقِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ بِمَكَّةَ.
وَقَدْ بَلَغَ أَرْبَعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ مُصْعَبٌ بَعْدَ فرَاغِنَا مِنْ قِرَاءةِ كِتَابِ (النَّسَبِ) عَلَيْهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.
قَالَ: وَكَانَ سَبَبُ وَفَاتِهِ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ فَوْقِ سَطْحِهِ، فَمَكَثَ يَوْمَيْن لاَ يَتَكَلَّمُ، وَمَاتَ، انكسرَتْ تَرْقُوَتُهُ وَوَرِكُهُ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِطِّيخٍ، وَأَحْمَدُ بنُ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 8 / 471.
(2) اسمه " جمهرة نسب قريش وأخبارها " وقد نشر الجزء الأول منه وهو أقل من النصف الثاني للكتاب بتحقيق وشرح العلامة الشيخ محمود محمد شاكر سنة 1381 ه.
(3) وقال في " ميزان الاعتدال " 2 / 66: لا يلتفت إلى قوله، وقال ابن حجر في " تهذيب التهذيب ": وهذا جرح مردود، فلعله استنكر إكثاره عن الضعفاء مثل محمد بن الحسن بن زبالة، وعمر بن أبي بكر المؤملي، وعامر بن صالح الزبيري وغيرهم، فإن في كتاب " النسب " عن هؤلاء أشياء كثيرة منكرة.

(12/314)


مُؤْمِنٍ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ أَحْمَدَ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ الوَاعِظُ، أَخْبَرَتْنَا فَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلْحَةَ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي ابْنُ قَاضِي أَبَرْقُوه، أَخْبَرَنَا أَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ بكَّارٍ، حَدَّثَنِي أَبُو غَزِيَّةَ، عَنْ فُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَأَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، مَنْ لَقِيَ اللهَ بِهِمَا غَيْرَ شَاكٍّ دَخَلَ الجَنَّةَ (1)).
وَبِهِ: إِلَى الحُسَيْنِ المَحَامِلِيِّ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ جَابِرٍ (2) ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَذكرَهُ، وَقَالَ: (لَمْ يُحْجَبْ عَنِ الجَنَّةِ).
وَرَوَاهُ مَالِكُ بنُ مِغْوَل، عَنْ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا (3) .
__________
(1) إسناده ضعيف، أبو غزية - واسمه محمد بن موسى - ضعفه البخاري وأبو حاتم وابن حبان، وفليح بن سليمان كثير الخطأ، لكن متن الحديث صحيح من غير هذا الطريق. انظر التعليق الآتي.
(2) كذا الأصل، ولم أجده عن جابر، وربما يكون الصواب: " أو عن أبي سعيد " كما أخرجه احمد 3 / 11، ومسلم (27) (45) في الايمان: باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة، كلاهما من طريق أبي معاوية بهذا الإسناد، والشك في صحابي هذا الحديث من الأعمش كما هو مصرح به في رواية احمد ومسلم.
(3) هو في " صحيح مسلم " (27) (44)، وفي الباب عن رفاعة بن عرابة الجهني عند أحمد 4 / 16، وعن عمر عند البزار (11) وعن عمران بن حصين عند البزار (14) أيضا، وعن =

(12/315)


121 - عَبْدُ اللهِ بنُ مُنِيْرٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْوَزِيُّ * (خَ، ت، س)
الإِمَامُ، القُدْوَةُ الوَلِيُّ الحَافِظُ الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْوَزِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَسَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَأَبِي النَّضْرِ، وَطَبَقَتِهِم.
وَكَانَ وَاسِعَ الرِّحْلَةِ، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ وَالفَضْلِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَإِسْرَائِيْلُ بنُ السَّمَيْدَعِ، وَعَبْدَانُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَهُبَيْرَةُ بنُ حسنٍ البَغَوِيُّ، وَطَائِفَةٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ الفِرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُوْلُ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: لَمْ أَرَ مِثْلَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْرٍ.
قَالَ الفِرَبْرِيُّ: كَانَ يَسْكُنُ فِرَبْر، وَبِهَا تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ هِبَةُ اللهِ اللاَّلْكَائِيُّ (1) : تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ.
__________
= سعد بن عبادة عند الطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع " 6 / 21، وعن أبي عمرة الأنصاري عند أحمد 3 / 417، 418.
(*) التاريخ الكبير 5 / 212، 213، الجرح والتعديل 5 / 181، 182، تهذيب الكمال: 745، تذهيب التهذيب 2 / 190 / 1، العبر 1 / 436، تهذيب التهذيب 6 / 43، خلاصة تذهيب الكمال: 216، شدرات الذهب 2 / 99، المنتظم 5 / 40.
(1) هو أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي الشافعي اللالكائي. فقيه، محدث، حافظ، متكلم.
قدم بغداد، واستوطنها، ودرس الفقه الشافعي على أبي حامد الاسفراييني وتوفي بالدينور سنة 418 ه. من آثاره: " مذاهب أهل السنة "، وكتاب " رجال الصحابة ". سترد ترجمته.

(12/316)


قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مَحْمُوْدٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ بَدْرٍ القُرَشِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ منيرٍ قَبْلَ الصَّلاَةِ، يَكُوْن بِفِرَبْر، فَإِذَا كَانَ وَقْتُ الصَّلاَةِ يرونَهُ فِي مَسْجِدِ آمُل، فَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ يَمْشِي عَلَى المَاءِ.
فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَمَا المشِيُ عَلَى المَاءِ فَلاَ أَدْرِي، وَلَكِن إِذَا أَرَادَ اللهُ جَمَعَ حَافَّتَيِ النَّهْرِ، حَتَّى يَعْبُرُ الإِنْسَانُ.
قَالَ: وَكَانَ إِذَا قَامَ مِنَ المَجْلِسِ خَرَجَ إِلَى البَرِّيَّةِ مَعَ قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، يَجْمَعُ شَيْئاً مِثْلَ الأُشْنَانِ وَغَيْرهِ، يَبِيْعُهُ فِي السُّوْقِ، وَيعيشُ مِنْهُ فَخَرَجَ يَوْماً مَعَ أَصْحَابِهِ، فَإِذَا هُوَ بِالأَسدِ رَابضٌ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: قِفُوا، وَتقدَّمَ هُوَ إِلَى الأَسدِ، فَلاَ ندرِي مَا قَالَ لَهُ، فَقَامَ الأَسدُ، فَذَهَبَ.
وَسُئِلَ ابْنُ رَاهْوَيْه: أَيدخُل الرَّجُلُ المفَازَةَ بِغَيْرِ زَادٍ؟
قَالَ: إِنْ كَانَ مِثْلَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْرٍ، فَنَعَمْ.
وَقِيْلَ: كَانَ ابْنُ منيرٍ يُعَدُّ مِنَ الأَبْدَالِ.

122 - بَحْشَلٌ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ * (م)
الحَافِظُ العَالِمُ المُحَدِّثُ، أَبُو عُبَيْدِ اللهِ، أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَهْبِ بنِ مُسْلِمٍ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُمُ المِصْرِيُّ، وَيُعْرَفُ بـ: بَحْشَل (1) ، ابْنُ أَخِي عَالِمِ مِصْرَ عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ.
أَكْثَرَ عَنْ: عَمِّهِ جِدّاً، وَعَنِ: الشَّافِعِيِّ، وَبِشْرِ بنِ بَكْرٍ التِّنِّيْسِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
__________
(*) الجرح والتعديل 2 / 59، 60، الجمع بين رجال الصحيحين: 14، تهذيب الكمال: 30، تذهيب التهذيب 1 / 18 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 113، 114، الوافي بالوفيات 7 / 47، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 26، تاريخ ابن كثير 11 / 36، تهذيب التهذيب 1 / 54، 56، خلاصة تذهيب الكمال: 9، شذرات الذهب 2 / 147.
(1) بفتح الموحدة، وسكون المهملة، بعدها شين معجمة: لقب له.

(12/317)


حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ مُحْتَجّاً بِهِ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ الطَّبرِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَعَبْدَان، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ المشَارقَةِ وَالمغَارِبَةِ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: رَأَيْتُ شُيُوْخَ مِصْرَ مُجمعِين عَلَى ضَعْفِهِ، وَالغُرَبَاءُ لاَ يَمْتَنِعُونَ مِنَ الأَخَذِ عَنْهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، فَمَنْ دُونهمَا (1) .
وَقَالَ لِي عَبْدَانُ: كَانَ فِي أَيَّامِنَا مُسْتَقِيْمَ الأَمْرِ، وَمَن لَمْ يلحقْ حَرْمَلَةَ اعتمدَهُ، وَكُلُّ مَنْ تَفَرَّدَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بِشَيْءٍ وَجَدُوهُ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ (2) ، مِنْ ذَلِكَ كِتَابُ الدجَّالِ (3) .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْعَثِ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، فَمَرَّ عَلَيْهِ هَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ الأَيْلِيُّ رَاكباً، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَلاَ أُطْرِفُكَ بِشَيْءٍ؟ جَاءنِي أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَسَأَلونِي عَنْكَ، فَقُلْتُ: إِنَّمَا يُسْأَلُ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ عَنَّا، لَيْسَ نَحْنُ نُسأَلُ عَنْهُ، هُوَ الَّذِي كَانَ يَسْتَملِي لَنَا عِنْدَ عَمِّهِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَقْرَأُ لَنَا.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كُلُّ مَا أَنْكَروهُ عَلَيْهِ فيُحْتَمَلُ، وَإِنْ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ، لَعَلَّ عَمَّهُ خَصَّهُ بِهِ (4) .
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظُ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ خُزَيْمَةَ، وَقِيْلَ لَهُ: لِمَ رويتَ عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَهْبٍ، وَتركتَ
__________
(1) " ميزان الاعتدال " 1 / 113، و" تهذيب التهذيب " 1 / 55.
(2) تصحفت في " ميزان الاعتدال " إلى: عبد الله.
(3) " ميزان الاعتدال " 1 / 113، و" تهذيب التهذيب " 1 / 55.
(4) " ميزان الاعتدال " 1 / 113، و" تهذيب التهذيب " 1 / 55.

(12/318)


سُفْيَانَ بنَ وَكِيْعٍ؟
قَالَ: لأَنَّ أَحْمَدَ لَمَّا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ تِلْكَ الأَحَادِيْثِ، وَعَرَضوهَا عَلَيْهِ، رَجَعَ عَنْهَا عَنْ آخرِهَا إِلاَّ حَدِيْثَ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ (إذَا حَضَرَ العَشَاءُ (1)).
وَأَمَّا ابْنُ وَكِيْعٍ، فَكَانَ وَرَّاقُهُ أَدْخَلَ عَلَيْهِ أَحَادِيْثَ، فرَوَاهَا، وَكلَّمْنَاهُ فِيْهَا، فَلَمْ يرجِعْ عَنْهَا.
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: أَبُو عُبَيْدِ اللهِ لاَ تَقُوْمُ بِهِ حجَّةٌ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الضُّعَفَاءِ): جَعَلَ يَأْتِي عَنْ عَمِّهِ بِمَا لاَ أَصْلَ لَهُ، كَأَنَّ الأَرْضَ أَخْرَجَتْ لَهُ أَفلاَذَ كَبِدِهَا.
رَوَى عَنْ عَمِّهِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ اللهَ زَادَكُمْ صَلاَةً إِلَى صَلاَتِكُمْ، وَهِيَ الوِتْرُ) (2) .
__________
(1) أخرجه البخاري 2 / 134، من طريق الليث بن سعد، عن عقيل، عن الزهري، عن أنس، أخرجه أيضا 9 / 505 من طريق وهيب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، وأخرجه الحميدي (1181)، ومسلم (557)، وأحمد 3 / 110، والترمذي (353) وابن ماجة (933)، والنسائي 2 / 111 من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أنس، وأخرجه مسلم بن طريق ابن وهب، عن عمرو، عن ابن شهاب، عن أنس.
(2) أورده الزيلعي في " نصب الراية " 2 / 110، وقال: أخرجه الدارقطني في غرائب مالك، عن حميد بن أبي الجون الإسكندراني، حدثنا عبد الله بن وهب، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال الدارقطني: وحميد بن أبي الجون ضعيف، وقال ابن يونس في " تاريخ مصر ": روى عن ابن وهب حديثا منكرا لا يتابعه عليه إنسان.
قلت: لكن متن الحديث صحيح، فقد أخرجه من حديث عمرو بن العاص أحمد 6 / 397، من طريق يحيى ابن إسحاق، والطحاوي 1 / 250 من طريق أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ كلاهما عن عبد الله بن لهيعة، أخبرنا عبد الله بن هبيرة، سمعت أبا تميم الجيشاني، سمعت عمرو بن العاص، عن أبي بصرة الغفاري مرفوعا " إن الله زادكم صلاة صلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح الوتر الوتر " وهذا سند قوي، فإن راويه ابن لهيعة عند الطحاوي عبد الله بن يزيد المقرئ وهو أحد العبادلة الذين إذا رووا عن ابن لهيعة يكون حديثه صحيحا، على أن ابن لهيعة لم ينفرد به، فقد رواه احمد 6 / 7 من طريق علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا سعيد ابن يزيد، حدثني بن هبيرة بهذا الإسناد وهذا سند صحيح، وفي الباب عن عمرو بن شعيب، عن =

(12/319)


قُلْتُ: لاَ يُحتَملُ مَالِكٌ، بَلْ وَلاَ ابْنُ وَهْبٍ هَذَا.
وَهَكَذَا ذكرَهُ ابْنُ حِبَّانَ تَعْلِيْقاً.
ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَكُوْنُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يُحِلُّونَ الحَرَامَ، وَيُحَرِّمُونَ الحَلاَلَ، وَيَقِيْسُونَ الأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ (1)).
فهَذَا إِنَّمَا يُعْرَفُ بِنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، عَنْ عِيْسَى، وَسرقَهُ مِنْهُ سُوَيْدٌ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ العُرْضِيُّ (2) ، وَالحَكَمُ بنُ المُبَارَكِ الخَاسْتِيُّ (3) ، أَنْكَروهُ عَلَى أَبِي عبيدِ اللهِ عَنْ عَمِّهِ.
ثُمَّ قَالَ: وَلَهُ عَنْ عَمِّهِ، عَنْ مَخْرَمَةَ بنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ نَافِعٍ،
__________
= أبيه عن جده عند أحمد 2 / 206 و208، في " المسند " وص 84 في " الاشربة "، والدارقطني 2 / 31.
وعن خارجة بن حذافة عند أبي داود (1418)، والترمذي (452)، والدارمي 1 / 370، وابن ماجة (1168)، والطحاوي 1 / 250، والدارقطني 2 / 30، والحاكم 1 / 306، والبيهقي 2 / 478.
وانظر " نصب الراية " 2 / 108، 112.
(1) وهو ضعيف، وفي ميزان الاعتدال " 4 / 268 في ترجمة نعيم بن حماد: قال محمد بن علي بن حمزة المروزي: سألت يحيى بن معين عن هذا - يعني هذا الحديث -، فقال: ليس له أصل، قلت: فنعيم ؟ قال: ثقة، قلت: يحدث ثقة بباطل ؟ قال: شبه له.
(2) بضم العين، وسكون الراء المهملتين، وفي آخرها الضاد المعجمة.
قال السمعاني: هذه النسبة إلى عرض، وهي ناحية بدمشق.
وعبد الوهاب هو ابن الضحاك العرضي السلمي، من أهل حمص.
قال أبو حاتم بن حبان في " المجروحين " 2 / 140: حدثنا عنه شيوخنا، وكان ممن يسرق الحديث ويرويه...لا يحل الاحتجاج به ولا الذكر عنه إلا على جهة الاعتبار.
(3) في " ميزان الاعتدال ": الخاشتي، بإعجام الشين وهو تصحيف انظر " الأنساب " 5 / 18.

(12/320)


عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوْعاً: (إِذَا كَانَ الجِهَادُ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَخْرُجْ إِلاَّ بِإِذْنِ أَبَوَيْهِ (1)).
ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ العَبَّاسِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا عمِّي، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، عَنْ أَبِي صَخْرٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرةَ مَرْفُوْعاً: (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، يُرْسَلُ إِلَى القُرْآنِ، فَيُرْفَعُ مِنَ الأَرْضِ (2)).
فَهَذَا تَفَرَّدَ برفعِهِ.
أَحْمَدُ بنُ أَخِي ابْن وَهْبٍ: حَدَّثَنَا عمِّي، حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ المُؤَنَّثِينَ أَوْلاَدُ الجِنِّ (3)).
قِيْلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: نَهَى
__________
(1) وهو في " معجم الطبراني الصغير " 1 / 104 من طريق أسامة بن علي بن سعيد بن بشير الرازي، عن أبي عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بهذا الإسناد، ومعنى الحديث ثابت من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه البخاري 6 / 97، 98، في الجهاد: باب الجهاد بإذن الأبوين، ومسلم (2549) في البر والصلة: باب بر الوالدين وأنهما أحق به قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال: " أحي والداك " ؟ قال: نعم، قال: " ففيهما فجاهد " وفي رواية لمسلم " فارجع إلى والديك، فأحسن صحبتهما " ولابي داود (2528) " ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما " ولابي داود (2530) وصححه ابن حبان
(1622) من حديث أبي سعيد بلفظ " ارجع فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما ".
(2) لكن صح معناه من طريق آخر، فقد أخرجه ابن ماجة (4049) من طريق أبي معاوية، عن أبي مالك الاشجعي، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله عزوجل في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة.
فأعرض عنه حذيفة، ثم ردها عليه ثلاثا، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: يا صلة تنجيهم من النار ثلاثا.
وإسناده صحيح كما قال البوصيري في " الزوائد " ورقة 247، وصححه الحاكم 4 / 473 على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
(3) المؤنث: ذكر في خلق أنثى، وهو المخنث.

(12/321)


اللهُ أَنْ يَأتِيَ الرَّجُلُ حَائِضاً، فَإِذَا أَتَاهَا سَبَقَهُ بِهَا الشَّيْطَانُ، فَحْملَتْ مِنْهُ، فَأَنثَ المُؤنَّثَ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ (1) .
قَالَ خَالِدُ بنُ سَعْدٍ (2) الأَنْدَلُسِيُّ: سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ عُثْمَانَ الأَعنَاقِيَّ (3) ، وَسَعْدَ بنَ مُعَاذٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ فُطيسٍ يُحْسِنُونَ الثَّنَاءَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، وَيُوثِّقونَهُ، فَقَالَ الأَعنَاقِيُّ: قَدمْنَا مِصْرَ، فَوجَدْنَا يُوْنُسَ أَمْرَهُ صعباً، وَوجدنَا أَحْمَدَ أَسهلَ، فَجَمَعنَا لَهُ دَنَانِيْرَ، وَأَعطينَاهُ، وَقَرَأْنَا عَلَيْهِ (مُوَطَّأَ) عَمِّهِ وَجَامِعَهُ.
وَسَمِعْتُ ابْنَ فُطَيسٍ يَقُوْلُ: فصَارَ فِي نَفْسِي، فَأَردْتُ أَنْ أَسْأَلَ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، فَقُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، العَالِمُ يَأْخُذُ عَلَى قِرَاءةِ العِلْمِ؟
فشعرَ فِيْمَا ظَهرَ لِي أَنِّي إِنَّمَا سَأَلْتُهُ عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، فَقَالَ لِي: جَائِزٌ، عَافَاكَ اللهُ، حلاَلٌ أَنْ لاَ أَقرأَ لَكَ وَرَقَةً إِلاَّ بِدِرْهَمٍ، وَمَنْ أَخَذَنِي أَنْ أَقْعُدَ مَعَكَ طولَ النَّهَارِ، وَأَدَعَ مَا يلزمُنِي مِنْ أَسبَابِي، وَنفقَةِ عِيَالِي؟!
هَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ مُتوجِّهٌ فِي حقِّ مُتَسَبِّبٍ يَفوتُهُ الكَسْبُ وَالاحْتِرَافُ لتعوُّقِهِ بِالرِّوَايَةِ لمَا قَالَ عَلِيُّ بنُ بَيَان الرَّزَّازُ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ بِعُلُوِّ جزءِ ابْنِ عَرَفَةَ، فَكَانَ يَطْلُبُ عَلَى تَسْمِيعِهِ دِيْنَاراً: أَنْتُم إِنَّمَا تطلبُونَ مِنِّي
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب " 1 / 56: وقد صح رجوع أحمد عن هذه الأحاديث التي أنكرت عليه، ولاجل ذلك اعتمده ابن خزيمة من المتقدمين، وابن القطان من المتأخرين.
(2) تحرف في " نفح الطيب " 2 / 52 و213 و237 و243 إلى " سعيد " وهو مترجم في " تاريخ علماء الأندلس " لابن الفرضي: 1 / 130.
(3) الاعناقي: نسبة إلى موضع يقال له: أعناق وعناق.
انظر ترجمته في " جذوة المقتبس ": 214، و" بغية الملتمس ": 803 و" تاريخ علماء الأندلس " 1 / 164، و" نفح الطيب " 2 / 633. توفي سنة 305 ه.

(12/322)


العُلُوَّ، وَإِلاَّ فَاسْمَعُوا الجُزْءَ مِنْ أَصْحَابِي، فَفِي الدَّرْبِ جَمَاعَةٌ سمِعُوهُ مِنِّي.
فَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ عَسِراً ثَقِيْلاً لاَ شُغلَ لَهُ، وَهُوَ غنِيٌّ، فَلاَ يُعطَى شَيْئاً، وَاللهُ المُوَفِّقُ.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي رَبِيْعٍ الآخرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَقَدْ رَوَى أُلُوْفاً مِنَ الحَدِيْثِ عَلَى الصِّحَّةِ، فَخمسَةُ أَحَادِيْثَ مُنْكَرَةٌ فِي جنبِ ذَلِكَ لَيْسَتْ بِمُوجِبَةٍ لِترْكه، نعم، وَلاَ هُوَ فِي القُّوَّةِ كيُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى وَبُنْدَارٍ.

123 - عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ بنِ نَافِعٍ البَغْدَادِيُّ * (د، ت، س)
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، الحُجَّةُ، أَبُو الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ الوَرَّاقُ.
سَمِعَ: أَبَا ضَمْرَةَ اللَّيْثِيَّ، وَيَحْيَى بنَ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيَّ، وَمُعَاذَ بنَ مُعَاذٍ، وَطَبَقَتَهُم.
وَعَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالبَغَوِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَعِدَّةٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ (1) .
وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: عَبْدُ الوَهَّابِ الوَرَّاقُ:
__________
(*) الجرح والتعديل 6 / 74، تاريخ بغداد 11 / 25، 28، طبقات الحنابلة 1 / 209، 212، تهذيب الكمال: 871، 872، تذهيب التهذيب 2 / 259 / 1، تذكرة الحفاظ، 2 / 526، 527، تهذيب التهذيب 6 / 448، النجوم الزاهرة 2 / 331، 332، طبقات الحفاظ: 229، خلاصة تذهيب الكمال: 248.
(1) " تاريخ بغداد " 11 / 27 و" تهذيب الكمال ": 871 و" تذكرة الحفاظ " 2 / 526 وكذا قال فيه الدارقطني.
وقال الخطيب: كان ثقة صالحا ورعا زاهدا.

(12/323)


رَجُلٌ صَالِحٌ، مِثْلُهُ يُوَفَّقُ لإِصَابَةِ الحَقِّ (1) .
قَالَ الحَسَنُ وَلَدُهُ: مَا رَأَيْتُ أَبِي مَازحاً قَطُّ، وَلاَ ضَاحِكاً إِلاَّ تَبَسُّماً (2) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَافَاهُ اللهُ، قَلَّ أَنْ تَرَى مِثْلَهُ (3) .
قُلْتُ: كَانَ كَبِيْرَ الشّأْنِ، مِنْ خَوَاصِّ الإِمَامِ أَحْمَدَ.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.

124 - أَبُو نَشِيْطٍ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرَّبَعِيُّ المَرْوَزِيُّ *
الإِمَامُ المُقْرِئُ المُجَوِّدُ الحَافِظُ الثِّقَةُ، أَبُو نَشِيْطٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، الرَّبَعِيُّ المَرْوَزِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ الحَرْبِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
تَلا عَلَى: عِيْسَى بنِ مِيْنَا بحرفِ نَافِعٍ (4) ، وَسَمِعَ مِنْ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي المُغِيْرَةِ عَبْدِ القُدُّوسِ الحِمْصِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ عيَّاشٍ، وَأَبِي اليَمَانِ، وَعَمْرِو بنِ
__________
(1) " طبقات الحنابلة " 1 / 211، و" تهذيب الكمال ": 871.
(2) " تاريخ بغداد " 11 / 76.
وجاء بعده: ولقد رآني مرة وأنا أضحك مع أمي، فجعل يقول لي: صاحب قرآن يضحك هذا الضحك ؟ وإنما كنت مع أمي.
والخبر في " تهذيب الكمال ": 871، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 526.
(3) " تهذيب الكمال ": 871، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 526.
(*) الجرح والتعديل 8 / 117، تاريخ بغداد 3 / 352، 353، تهذيب الكمال: 1280، غاية النهاية في طبقات القراء 2 / 272، 273، تهذيب التهذيب 9 / 493، 494، المنتظم 5 / 15.
(4) تقدمت ترجمته في الجزء السابع ص 336.

(12/324)


الرَّبِيْعِ المِصْرِيِّ، وَالوَلِيْدِ بنِ عُتْبَةَ المُقْرِئِ، وَطَائِفَةٍ.
قرأَ عَلَيْهِ: أَبو حسَّان أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الأَشْعَثِ العَنَزِيُّ، وَاعتمدَ عَلَى طَرِيْقِهِ أَبُو عَمْرٍو (1) فِي (تيَسِيْرهِ) مِنْ طَرِيْقِ أَبِي الحُسَيْنِ بنِ بُويان.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَابْنُ مَاجَهْ فِي (التَّفْسِيْرِ) وَالبَغَوِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَخْلَدٍ، وَقَاسِمٌ المُطَرِّزُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَةَ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (2) .
وَقَالَ ابْنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو نَشِيْطٍ، وَكَانَ حَافِظاً.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ (3) .
قَالَ ابْنُ مَخْلَدٍ: مَاتَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّبَعِيُّ البَغْدَادِيُّ الحَرْبِيُّ الفَلاَّسُ المَعْرُوْفُ بِأَبِي نَشِيْطٍ سَمِعَ رَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَسَاقَ باقِي التَّرْجَمَةِ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: كَتَبْتُ مِنْ خطِّ أَبِي أَحْمَدَ بنِ أَبِي مُسْلِمٍ المُقْرِئِ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ صَاحِبُنَا قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ بُويان أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى ابْنِ الأَشْعَثِ، وَأَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أَبِي نَشِيْط، عَنْ قَالُوْنَ، وَذَلِكَ بجزمِ المِيمِ
__________
(1) سترد ترجمته.
(2) " الجرح والتعديل " 8 / 117، و" تاريخ بغداد " 3 / 352، و" تهذيب الكمال " 1280.
(3) " تاريخ بغداد " 3 / 353، و" تهذيب الكمال ": 1280 وقال: ذكره ابن حبان في " الثقات "

(12/325)


مِنْ: (عَلَيْهِمْ)، وَ(إليهِمْ)، وَ(لديهِمْ)، وَأَشْبَاهِهِ جَمِيْعَ القُرْآنِ.
ثُمَّ قَالَ الدَّانِيُّ: خَالفَهُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ بُويان، فَرَوَى ضمَّ المِيمِ فِي جَمِيْعِ القُرْآنِ.
وفِي (سَبْعَةِ) ابْنِ مُجَاهدٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مهرَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ قَالُوْنَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّهُ كَانَ لاَ يَعِيبُ رفعَ المِيمِ فِي نَحْوِ {أَنْذَرْتَهُمُ أَمْ لَم } [البَقَرَة: 6] وَشِبْهِهِ.
وَقَدْ وَهِمَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَقَالَ: إِنَّ أَبَا نَشِيْطٍ تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَإِنَّمَا المُتوفَّى فِي نَحْوِ هَذِهِ السَّنَةِ المحدِّثُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ هَارُوْنَ شِيَطَا، وَأَصَابَ فِي جَعلِ أَبِي نَشِيْطٍ المَرْوَزِيِّ هُوَ البَغْدَادِيُّ الرَّبَعِيُّ، وَبَعْضُ النَّاسِ يُفَرِّقُ بَيْنَ التَّرْجَمَتَينِ، وَهُمَا وَاحِدٌ - هَذَا الرَّاجحُ عِنْدِي - وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، كَمَا قَالَهُ تلمِيذُهُ ابْنُ مَخْلَدٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
قَرَأْتُ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ: عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، قَالَ: قَرَأْتُ بِرِوَايَةِ قَالُوْنَ خَتْمَةً عَلَى هِبَةِ اللهِ بنِ الطَّبَرِ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الخَيَّاطِ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي أَحْمَدَ بنِ أَبِي مُسْلِمٍ الفَرَضِيِّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ بنِ بُويانَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي حسَّان، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي نَشِيْطٍ، وَقَرَأَ عَلَى قَالُوْنَ صَاحِبِ نَافِعٍ -رَحِمَهُ اللهُ-.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ الخَطِيْبُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ البَطّيِّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البَطِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نَشِيْطٍ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ، وَالعَبَّاسُ التَّرْقُفِيُّ (1) ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا أَبُو المُغِيْرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَان، حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بنُ
__________
(1) الترقفي، بفتح التاء، وسكون الراء، وضم القاف، وفي آخرها الفاء. قال =

(12/326)


عُبَيْدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ الزُّبَيْرَ بنَ الوَلِيْدِ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا غَزَا أَوْ سَافَرَ، فَأَدْرَكَهُ اللَّيْلُ، قَالَ: (يَا أَرْضُ، رَبِّي وَرَبُّكِ اللهُ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّكِ وَشَرِّ مَا فِيْكِ، وَشَرِّ مَا دَبَّ عَلَيْكِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ كُلِّ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ وَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ، وَمِنْ سَاكِنِي البَلَدِ، وَمِنْ شَرِّ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) (1) .

125 - مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ أَبُو جَعْفَرٍ المُخَرِّمِيُّ الفَلاَّسُ *
وَقِيْلَ: مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ هَارُوْنَ، أَبُو جَعْفَرٍ، المُخَرِّمِيُّ، الفَلاَّسُ، شَيطَا.
حَافِظٌ ثِقَةٌ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (2) .
سَمِعَ: أَبَا نُعَيْمٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ.
وَعَنْهُ: المَحَامِلِيُّ، وَابْنُ مَخْلَدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
مَاتَ بِالنَّهْرَوَانِ (3) سنَةَ 265.
__________
= السمعاني: هذه النسبة إلى ترقف، وظني أنها من أعمال واسط، والله أعلم.
والعباس الترقفي هو أبو محمد العباس بن عبد الله بن أبي عيسى. كان ثقة صدوقا مأمونا حافظا عارفا بالحديث.
وكانت وفاته سنة سبع أو ثمان وستين ومئتين.
انظر " الأنساب " 3 / 41، 42.
(1) وأخرجه أحمد 2 / 132 و3 / 124، من طريق أبي المغيرة، وأبو داود (2603)، من طريق بقية كلاهما عن صفوان بهذا الإسناد، والزبير بن الوليد لم يوثقه غير ابن حبان، ومع ذلك، فقد صححه الحاكم 2 / 100، ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ في " أمالي الاذكار " فيما نقله عنه ابن علان في " الفتوحات الربانية " 5 / 164.
(*) الجرح والتعديل 8 / 118، تاريخ بغداد 3 / 353، 354، الإكمال 7 / 89، الأنساب، ورقة: 434 / ب، الوافي بالوفيات 5 / 147، تبصير المنتبه 3 / 1116، المنتظم 5 / 55.
(2) " الجرح والتعديل " 8 / 118.
(3) قال ياقوت: وأكثر ما يجري على الالسنة بكسر النون، وهي كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي، حدها الأعلى متصل ببغداد.
وكان بها وقعة لامير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، مع الخوارج مشهورة.

(12/327)


وَقَعَ لَنَا حَدِيْثُهُ فِي الأَكَابِر عَنْ مَالِكٍ.

126 - عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمِ بنِ حَيَّانَ الطُّوْسِيُّ * (م)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُتْقِنُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّوْسِيُّ المَوْلِدِ، النَّيْسَابُوْرِيُّ الوطنِ.
سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيْعاً، وَخَالِدَ بنَ الحَارِثِ، وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ القَطَّانَ، وَأَبَا مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَعِدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَالحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ القبَّانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ، وَمكِيُّ بنُ عَبْدَانَ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ، وَأَخُوْهُ عَبْدُ اللهِ بنُ الشَّرْقِيِّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَسَائِرُ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ بِبَلَدِهِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ الحَافِظُ: عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ يُجَوِّدُ فِي حَدِيْثِ يَحْيَى وَابْنِ مَهْدِيٍّ.
وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: ثِقَةٌ.
قُلْتُ: قَدْ جمعَ زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ عَوَالِي ابْنِ هَاشِمٍ، سَمِعْنَاهُ.
الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سلمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ، قَالَ لَنَا وَكِيْعٌ: أَيُّ الإِسْنَادَيْنِ أَحَبُّ إِلَيْكُم: الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَوْ سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ
__________
(*) الجرح والتعديل 5 / 196، الأنساب 6 / 37، 38، اللباب 2 / 5، تهذيب الكمال: 750، تذهيب التهذيب 2 / 192 / 2، تهذيب التهذيب 6 / 60، خلاصة تذهيب الكمال: 217.

(12/328)


إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؟
فَقُلْنَا: الأَوَّلُ.
فَقَالَ: الأَعْمَشُ شَيْخٌ، وَأَبُو وَائِلٍ شَيْخٌ، وَسُفْيَانُ فَقِيْهٌ، وَمَنْصُوْرٌ فَقِيْهٌ، وَإِبْرَاهِيْمُ فَقِيْهٌ، وَعَلْقَمَةُ فَقِيْهٌ، وَحَدِيْثٌ يتدَاولهُ الفُقَهَاءُ خَيْرٌ مِمَّا يتدَاولهُ الشُّيُوْخُ.
قُلْتُ: بَلْ وَالأَعْمَشُ وَشَيْخُهُ لَهُمَا فقهٌ وَمَعْرِفَةٌ وَجَلاَلَةٌ.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمِ بنِ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَو تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيْلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيْراً) (2) .

127 - البَجَلِيُّ مُحَمَّدُ بنُ الهَيْثَمِ بنِ خَالِدٍ *
الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَجَلِيُّ، الكُوْفِيُّ، نَزِيْلُ بُخَارَى.
__________
(1) " تهذيب الكمال ": 750 وجاء بعده: وقال أحمد بن سيار المروزي وأبو بكر بن منجويه: مات سنة تسع وخمسين ومئتين.
وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " وجاء في " تهذيب التهذيب " 6 / 60: قال الخليلي: ثقة كبير.
(2) وأخرجه من طرق عن شعبة، عن موسى بن أنس، عن أنس: البخاري 8 / 210، 211 في تفسير سورة المائدة: باب قوله تعالى: (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) ، و11 / 273 في الرقاق: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لو تعلمون ما أعلم "، ومسلم (2359) في الفضائل: باب توقيره صلى الله عليه وسلم.
(*) لم نقف على ترجمة فيما وقفنا عليه من مصادر.

(12/329)


حَدَّثَ عَنْ: عمِّ أَبِيْهِ الحَسَنِ بنِ الرَّبِيْعِ البُورَانِيِّ، وَحُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَطَائِفَةٍ.
روَى عَنْهُ أَهْلُ بُخَارَى.
قَالَ بَكْرُ بنُ مُنِيْرٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَسْأَلُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الهيثمِ، لَمَّا قَدِمَ، فَقَالَ: اكتُبُوا عَنْهُ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ.
قَالَ بكرٌ: جَمِيْعُ مَا حَدَّثَنَاهُ مِنْ حِفْظِهِ، وَالكُتُبُ بَيْنَ يَدَيْهِ مَطَروحَةٌ.
أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ بنُ الخَلاَّلِ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ البَردَانِيُّ، أَخْبَرَنَا هَنَّادٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ غُنجَارٌ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي حَامِدٍ البَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ مُنِيْرِ بنِ خَالِدٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ الهَيْثَمِ البَجَلِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ بِبَغْدَادَ قَائِدٌ مِنْ قُوَّادِ المُتَوَكِّلِ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ تَلِدُ البنَاتِ، فَحْملت مَرَّةً، فحلفَ القَائِدُ إِنْ وَلدَتْ هَذِهِ المرَّة بنتاً قتلتُكِ بِالسَّيْفِ.
فَلَمَّا جلَسَتْ لِلْوِلاَدَةِ هِيَ وَالقَابلَةُ، أَلقت مِثْل الجُريِّبِ وَهُوَ يضْطربُ فَشَقُّوهُ، فَخَرَجَ مِنْهُ أَرْبَعُوْنَ ابْناً، وَعَاشوا كلُّهُم، وَأَنَا رأَيتُهُم بِبَغْدَادَ رُكْبَاناً خَلْفَ أَبيهِم، وَكَانَ اشْتَرَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم ظِئْراً.
قَالَ بكرٌ: فَحضرتُ مَجْلِسَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، فَحَدَّثَهُ أَبِي بِمَا حَكَى لَنَا ابْنُ الهَيْثَمِ، فَقَالَ: إِنَّهُ صَدُوْقٌ مستورٌ.
قَالَ غَنجَارٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمَائتينِ.
قُلْتُ: وَبكرٌ ثِقَةٌ.
فسُبْحَانَ القَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ (1) .
__________
(1) لا شك أن الله قادر على كل شيء، ولكن إثبات مثل هذا الخبر يحتاج إلى تثبت وتمحيص.

(12/330)


128 - أَحْمَدُ بنُ بُدَيْلِ بنِ قُرَيْشِ بنِ بُدَيرِ بنِ الحَارِثِ اليَامِيُّ * (ت، ق (1))
قَاضِي الكُوْفَةِ ثُمَّ هَمَذَانَ، الحَافِظُ، أَبُو جَعْفَرٍ، عَالِمٌ دَيِّنٌ فَاضِلٌ مُعَمَّرٌ.
حَدَّثَ عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَالمُحَارِبِيِّ، وَوَكِيْعٍ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ دِيْنَارٍ الهَمَذَانِيُّ تِلْمِيْذُ ابْنِ مَاجَهْ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَمْرُوسٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَكِيْلُ أَبِي صَخْرَةَ (2) ، وَحَاجِبٌ الفَرْغَانِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عِيْسَى الوَزِيْرُ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزَّعْفَرَانِيُّ قُلَيْلَة، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: رَوَى أَحَادِيْثَ أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ عَلَى ضَعْفِهِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: فِيْهِ لينٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: لَمْ يُقْضَ لِيَ السَّمَاعُ مِنْهُ، وَمَحَلُّهُ الصِّدْقَ (3) .
__________
(*) الجرح والتعديل 2 / 43، تاريخ بغداد 4 / 49، 52، الأنساب، ورقة: 596 / ب، تهذيب الكمال: 17، 18، تذهيب التهذيب 1 / 8 / 1، العبر 2 / 16، الوافي بالوفيات 6 / 263، تاريخ ابن كثير 11 / 31، تهذيب التهذيب 1 / 17، 18، خلاصة تذهيب الكمال: 4، شذرات الذهب 2 / 137، المنتظم 5 / 9. ميزان الاعتدال 1 / 84، 85.
(1) بفتح الياء وبعد الالف ميم، نسبة إلى يام بن أصبى بن رافع...بطن من همدان.
(2) في " تهذيب الكمال ": 17. أحمد بن عبد الله بن محمد الوكيل، صاحب أبي صخرة.
(3) " الجرح والتعديل " 2 / 43، و" تاريخ بغداد " 4 / 49، و" تهذيب التهذيب " 1 / 17 وجاء فيه أيضا: قال النسائي، لا بأس به. وقال ابن حجر: ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: مستقيم الحديث.

(12/331)


قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يُسَمَّى بِالْكُوْفَةِ رَاهِبَ الكُوْفَةِ، فَلَمَّا تَقَلَّدَ القَضَاءَ قَالَ: خُذِلْتُ عَلَى كبرِ السِّنِّ.
مَعَ عفَّتِهِ وَصيَانَتِهِ (1) .
قَالَ مُطَيَّنٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.

129 - أَحْمَدُ بنُ إِسْرَائِيْلَ بنِ الحُسَيْنِ الأَنْبَارِيُّ *
الكَاتِبُ، وَزِيْرُ المُعْتَزِّ.
كَانَ ذَا مَكَانَةٍ رَفِيْعَةٍ عِنْدَ المُعْتَزِّ، فَاسْتوزَرَهُ سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ، فنهضَ بأَعبَاءِ الأَمْرِ، وَكَانَ يُضْرَبُ بذَكَائِهِ المَثَلُ، لاَ يَسْمَعُ شَيْئاً إِلاَّ حَفِظَهُ.
وَكَانَ إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي حسَابِ الدِّيْوَانِ (2) .
نوَّهَ بِاسْمهِ ابْنُ الزَّيَّاتِ وَقَدَّمَهُ، وَقَدْ باشَرَ العَمَلَ فِي دَوْلَةِ الأَمِيْنِ، وَطَالَ عُمُرُهُ.
وَعَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَنسخُ الكِتَابَ، فَلاَ أَفْرَغُهُ حَتَّى أَحفَظَهُ حَرْفاً حَرْفاً.. فعلتُ ذَلِكَ مَرَّاتٍ كَثِيْرَةً.
وَقَدْ أَحْدَثَ رسوماً وَقَوَاعِدَ فِي الكِتَابَةِ بقيَتْ بَعْدَهُ، وَتُرِكَ مَا قبلَهَا.
اختصرَ (تَقْدِيْرَ خرَاجِ الممَالِكِ) فِي نِصْفِ طَلْحِيَّةٍ (3) ، فَكَانَ لاَ يُفَارِقُ خُفَّ ابْنِ الزَّيَّاتِ.
فَسَأَلَهُ الوَاثِقُ يَوْماً عَنِ الأَمْوَالِ، فَلَمْ تكنْ الورقَةُ
__________
(1) في الأصل: فلم، وهو خطأ.
والمثبت من " تاريخ بغداد " 4 / 49، و" تذهيب التهذيب " 1 / 8 / 2، و" الوافي بالوفيات " 6 / 263، و" تهذيب التهذيب " 1 / 17.
(*) تاريخ الطبري: الجزء التاسع، الوافي بالوفيات 6 / 243، 244.
(2) " الوافي بالوفيات " 6 / 243.
(3) في " الوافي بالوفيات " 6 / 244: في ثلث قرطاس.

(12/332)


مَعَهُ، فَخَرَجَ، فَأَملاَهُ ابْنُ إِسْرَائِيْلَ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِهِ (1) .
قَالَ الصُّوْلِيُّ: كَانَتْ وَزَارَتُهُ دُوْنَ ثَلاَثِ سِنِيْنَ: وَقْتَلَهُ وَصيفٌ بِالضَّربِ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.

130 - المُؤَيَّدُ بِاللهِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُتَوَكِّلِ بنِ المُعْتَصِمِ *
عَقَدَ لَهُ أَخُوْهُ بولاَيَةِ عهدِ الخِلاَفَةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَدُعِيَ لَهُ فِي الأَمصَارِ، ثُمَّ بَلَغَ المُعْتَزَّ عَنْهُ أَمْرٌ، فضربَهُ، وَخلعَهُ مِنَ العهْدِ، وَحَبَسَهُ يَوْماً، ثُمَّ أُخْرِجَ ميتاً.
فَقِيْلَ: أُجْلِسَ فِي الثَّلجِ حَتَّى مَاتَ برداً، وَبُعِثَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ، فَبَعثَتْ تَقُوْلُ لقبيحَةَ أُمِّ المُعْتَزِّ: عَنْ قَرِيْبٍ تَرَيْنَ المُعْتَزَّ ابْنَكِ هَكَذَا.
قُلْتُ: كَذَا وَقَعَ، وَمَا أَمهَلَهُ اللهُ.
قُتِلَ المُؤَيَّدُ فِي رَجَبٍ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَكَانَ شَابّاً مَلِيْحاً.

131 - الجَرَوِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ ** (خَ)
الإِمَامُ الأَجَلُّ الصَّادِقُ، أَبُو عَلِيٍّ، الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ وَزِيْرِ بنِ ضَابِئِ بنِ مَالِكِ بنِ عَامِرِ بنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَدِيِّ بنِ حمرسٍ
__________
(1) " الوافي بالوفيات " 6 / 244.
(*) تاريخ الطبري: الجزء التاسع، تاريخ بغداد 6 / 50، الكامل لابن الأثير: الجزء السابع، النجوم الزاهرة 2 / 335.
(* *) الجرح والتعديل 3 / 24، طبقات الحنابلة 1 / 135، 137، تاريخ بغداد 7 / 337، 338، الأنساب 3 / 237، 239، اللباب 1 / 274، 275، تهذيب الكمال: 269، تذهيب التهذيب 1 / 139 / 2، تهذيب التهذيب 2 / 291، 292، النجوم الزاهرة 3 / 27، خلاصة تذهيب الكمال: 79، المنتظم 5 / 2، 3.
(2) ضبط في " الإصابة " بكسر الحاء والراء المهملتين، بينهما ميم ساكنة، وآخره سين مهملة، وعدي هذا مترجم في " الإصابة " 2 / 469.

(12/333)


الجُذَامِيُّ المِصْرِيُّ الجَرَوِيُّ.
أَجَازَ لَهُ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَسَمِعَ: أَيُّوْبَ بنَ سُوَيْدٍ، وَبِشْرَ بنَ بَكْرٍ التِّنِّيْسِيَّ، وَعَمْرَو بنَ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَبَا مُسْهِرٍ الغَسَّانِيَّ، وَجَمَاعَةً.
وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَإِبْرَاهِيْم الحَرْبِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَالسَّرَّاجُ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَحَفِيْدُهُ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ الجَرَوِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ (1) .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ فَوْقَ الثِّقَةِ، لَمْ يُرَ مِثْلُهُ فَضْلاً وَزُهْداً (2) .
وَقَالَ الخَطِيْبُ: مَذْكُوْرٌ بِالوَرَعِ وَالثِّقَةِ، موصوفٌ بِالعِبَادَةِ (3) .
قَالَ جَعْفَرٌ: سَمِعْتُ جَدِّي الحَسَنَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَقُوْلُ: مَنْ لَمْ يَرْدَعْهُ القُرْآنُ وَالمَوْتُ، ثُمَّ (4) تَنَاطحَتِ الجِبَالُ بَيْنَ يَدَيْهِ، لَمْ يَرْتَدِعْ (5) .
قِيْلَ: حُمِلَ الحَسَنُ إِلَى العِرَاقِ بَعْد مَقْتَلِ أَخِيْهِ، فَبقيَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: بُعِثَ إِلَى الحَسَنِ مِيرَاثُهُ مائَةُ أَلْفِ دِيْنَارٍ،
__________
(1) " الجرح والتعديل " 3 / 24، و" طبقات الحنابلة " 1 / 135، و" تاريخ بغداد " 7 / 338، و" تهذيب الكمال ": 269.
(2) " طبقات الحنابلة " 1 / 135، و" تهذيب الكمال ": 269.
(3) " طبقات الحنابلة " 1 / 135، و" تاريخ بغداد " 7 / 338، و" تهذيب الكمال ": 269.
(4) في " طبقات الحنابلة " 1 / 135: فلو تناطحت.
(5) " طبقات الحنابلة " 1 / 135، و" تاريخ بغداد " 7 / 338، و" تهذيب الكمال ": 269.

(12/334)


فَحَمَلَ مِنْهَا إِلَى أَبِي ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: هِيَ حلاَلٌ.
فَلَمْ يَقْبَلْهَا.
الجَرَوِيَّةُ (1) : قَرْيَةُ تِنِّيس، نَزَلَهَا جدُّ هَذَا، وَهُوَ جَرَوِيٌّ مِنْ وَلَدِ جَرِيِّ بنِ عَوْفٍ الجُذَامِيِّ.

132 - العُتْبِيُّ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ *
فَقِيْهُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عُتْبَةَ بنِ حُمَيْدِ بنِ عُتْبَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ، الأُمَوِيُّ السُّفْيَانِيُّ العُتْبِيُّ القُرْطُبِيُّ المَالِكِيُّ، صَاحِبُ كِتَابِ (العُتْبِيَّةِ).
سَمِعَ: يَحْيَى بنَ يَحْيَى اللَّيْثِيَّ، وَأَصْبَغَ بنَ الفَرَجِ، وَسَحْنُوْنَ بنَ سَعِيْدٍ، وَسَعِيْدَ بنَ حَسَّانَ، وَطَائِفَةً.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ لُبَابَة، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ أَسْلَمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ، قَالَ: أَتيتُ بكُتُبٍ حسنَةِ الخطِّ، تُدْعَى: (المستخرجَةُ) مِنْ وضْعِ صَاحِبِكُم مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ العُتْبِيِّ (2) ، فَرَأَيْتُ جُلَّهَا كُذوباً (3) ، مَسَائِلَ المَجَالِسِ لَهُ لَمْ يُوقَفْ
__________
(1) في " تهذيب الكمال ": نسبة إلى قرية من قرى تنيس يقال لها: جروية.
(*) تاريخ علماء الأندلس 2 / 6، 7، الأنساب 8 / 380، اللباب 2 / 320، العبر 2 / 7،
الوافي بالوفيات 2 / 30، نفح الطيب 2 / 215، 216، ترتيب المدارك 3 / 144، 146، الديباج المذهب 2 / 176، 177، شجرة النور الزكية 1 / 75، جذوة المقتبس: 39، فهرست ابن خير: 241.
(2) جاء في " نفح الطيب " 2 / 216: والعتبي نسبة إلى عتبة بن أبي سفيان بن حرب وقيل: إلى جد للمذكور يسمى عتبة.
وقيل: إلى ولاء عتبة بن يعيش.
(3) النص في " ترتيب المدارك " 3 / 145، و" الديباج المذهب " 2 / 177، بلفظ: فرأيت جلها مكذوبا ومسائل لا أصول لها، ولما قد أسقط وطرح، وشواذ من مسائل المجالس لم يوقف عليها أصحابها.

(12/335)


عَلَيْهَا أَصْحَابُهَا، فَخشيتُ أَنْ أَمُوتَ، فَتوجَدَ فِي تَرِكَتِي، فوهبْتُهَا لمَنْ يَقْرَأُ فِيْهَا.
قُلْتُ: كَيْفَ اسْتحللتَ أَنْ تُعْطِيَهُ ليقرأَ فِيْهَا (1) ؟ فَسَكَتَ.
وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ: لَيْسَ لِلْعُتْبِيِّ نِسْبَةٌ، إِنَّمَا كَانَ لَهُ جدٌّ يُسَمَّى عُتبَةٌ، كَذَا قَالَ.
وَقَالَ ابْنُ الفَرَضيِّ: رحلَ وَأَخَذَ عَن سَحْنُوْنَ، وَأَصْبَغَ، وَنُظَرَائِهِمَا، وَكَانَ حَافِظاً لِلْمَسَائِلِ، جَامعاً لَهَا، عَالِماً بِالنّوازلِ، جمع المستخرَجَةِ، وَأَكْثَرَ فِيْهَا مِنَ الرِوَايَاتِ المَطَروحَةِ، وَالمَسَائِلِ الشَّاذَةِ (2) .
مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَيُقَالُ: سَنَةَ أَرْبَعٍ.

133 - ابْنُ نَذِيْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عِيْسَى الأُمَوِيُّ *
مُفْتِي الأَنْدَلُسِ، أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عِيْسَى بنِ نذيرٍ (3) الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمُ القُرْطُبِيُّ المَالِكِيُّ.
حجَّ وَحملَ عَنْ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ، وَمُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ اللهِ اليَسَارِيِّ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ المَاجَشُوْنِ وَطَبَقَتِهِم.
__________
(1) " تاريخ علماء الأندلس " 2 / 7 وتتمته فيه: إذا لم تستجز أن تكون عندك ؟
(2) " تاريخ علماء الأندلس " 2 / 6، و" نفح الطيب " 2 / 215، و" ترتيب المدارك " 3 / 145 وتمامه فيه: وكان يؤتى بالمسائل الغريبة فإذا أعجبته قال: أدخلوها في " المستخرجة " ونقل عن ابن وضاح قوله: وفي " المستخرجة " خطأ كثير.
وتعقب صاحب " نفح الطيب " قول ابن وضاح فقال: كذا قال، ولكن الكتاب وقع عليه الاعتماد من أعلام المالكية كابن رشد وغيره.
ونقل القاضي عياض عن أبي محمد بن حزم قوله في " المستخرجة " هذه: لها بإفريقية القدر العالي، والطيران الحثيث.
(*) جذوة المقتبس: 271، بغية الملتمس: 361، الديباج المذهب 1 / 469، إيضاح المكنون 1 / 346، هدية العارفين 1 / 512.
(3) في " جذوة المقتبس "، ابن جرير، وفي " الديباج المذهب ": بريد، وفي " هدية العارفين ": يزيد والكل تحريف.

(12/336)


وبرعَ فِي الفِقْهِ وَدقَائِقِ المَسَائِلِ.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ لُبَابَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ عُثْمَانَ الأَعنَاقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُطَيسٍ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ بِقرطبَةَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.

134 - يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ الصَّبَّاحِ الكِنْدِيُّ الأَشْعَثِيُّ *
الفيلسوفُ، صَاحِبُ الكُتُبِ، مِنْ وَلدِ الأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ، أَمِيْرِ العَرَبِ.
كَانَ رَأْساً فِي حكمَةِ الأَوَائِلِ وَمنطقِ اليونَانِ وَالهيئَةِ وَالتّنجيمِ وَالطبِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
لاَ يُلْحَقُ شأوهُ فِي ذَلِكَ العِلْمِ المَتْرُوْكِ، وَلَهُ بَاعٌ أَطْوَلُ فِي الهندسَةِ وَالمُوْسِيْقَى.
كَانَ يُقَالُ لَهُ: فيلسوفُ العَرَبِ، وَكَانَ مُتَّهَماً فِي دِيْنِهِ، بخيلاً، سَاقطَ المروءةِ، وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّدٌ وَبلاغَةٌ وَتَلاَمِذَةٌ، هَمَّ بِأَنْ يَعْمَلَ شيئاً مِثْلَ القُرْآنِ، فَبعدَ أَيَّامٍ أَذْعَنَ بِالعجزِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ: رَأَيْتُهُ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: مَا هُوَ إِلاَّ أَن رَآنِي، فَقَالَ : {انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ } [الْمُرْسَلَات: 29]
وَقَدْ رَوَى عَنْ أَبِيْهِ أَبُو دَاوُدَ.
__________
(*) طبقات الاطباء 1 / 206، 214، الفهرست: 255، 261، طبقات الاطباء والحكماء لابن جلجل: 73، أخبار الحكماء للقفطي: 240، 247، لسان الميزان، 6 / 305، سرح العيون: 123.

(12/337)


135 - يَعْقُوْبُ بنُ عُبَيْدٍ أَبُو يُوْسُفَ النَّهْرُتِيْرِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو يُوْسُفَ النَّهْرُتِيْرِيُّ (1) ، مِنْ مَشَايِخِ العِرَاقِ.
لَهُ رِحْلَةٌ وَمَعْرِفَةٌ.
سَمِعَ: وَكِيْعاً، وَعَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَأَبَا مُسْهِرٍ، وَهِشَامَ بنَ عَمَّارٍ، وَعِدَّةً.
وَعَنْهُ: ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَامضُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعَ مِنْهُ أَبِي، وَهُوَ صَدُوْقٌ (2) .
وَقَالَ ابْنُ شَاهِيْنَ: مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ-.

136 - ابْنُ شَاكِرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ شَاكِرٍ **
صَاحِبُ الهندسَةِ، أَخُو أَحْمَدَ وَالحَسَنِ، كَانَ أَبُوْهُم مِنْ رُؤُوْسِ أَئِمَّةِ الهندسَةِ، وَكَذَلِكَ بنوهُ، وَيُنْسَبُونَ إِلَى (حِيَل (3)) بَنِي مُوْسَى.
__________
(*) الجرح والتعديل 9 / 210، تاريخ بغداد 14 / 280، الأنساب، ورقة: 572 / ب.
(1) بفتح النون، وسكون الهاء، وضم الراء، وكسر التاء المثناة، وتحتيه، وراء: هذه النسبة إلى قرية نهرتير بنواحي البصرة.
انظر " اللباب "، و" لب اللباب ".
(2) " الجرح والتعديل " 9 / 210، و" تاريخ بغداد " 14 / 280.
(* *) وفيات الأعيان 5 / 161، 163، الوافي بالوفيات 5 / 84، 85، الفهرست، 271، أخبار الحكماء: 315، مرآة الجنان 2 / 170.
(3) في الأصل: جبل، وهو تصحيف. وجاء في " أخبار الحكماء ": 208: ترجمة أبيهم موسى بن شاكر: وكان بنوه الثلاثة أبصر الناس بالهندسة وعلم الحيل، ولهم في ذلك تآليف عجيبة نعرف ب " حيل بني موسى " وهي شريفة الاغراض، عظيمة الفائدة مشهورة عند الناس.

(12/338)


ذَكَرَهُمُ ابْنُ خَلِّكَانَ (1) ، وَمِنْ قَبْلِهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ النَّدِيْمُ، وَأَنَّهُم كَانُوا ذَوِي أَمْوَالٍ، وَلهُم هِمَمٌ عَالِيَةٌ فِي تَحْصِيْلِ هَذَا الفَنِّ، وَالكُتُبِ القَدِيْمَةِ، وَتطلَّبُوهَا، وَأَحضرُوا مَنْ عَرَّبَهَا.
وَلهُم كِتَابٌ فِي (الحِيَلِ)، فِيْهِ عَجَائِبُ وَغَرَائِبُ.
وَكَذَلِكَ صنَّفُوا فِي المُوْسِيْقَى.
وَكَانَ المَأْمُوْنُ يعتمدُ عَلَيْهِم فِي الرّصدِ وَمسَاحَةِ الدُّنْيَا.
وَيُقَالُ: إِنَّ كِتَابَ (الحِيَل) لأَحْمَدَ، وَكِتَابَ (الجُزْءِ) لمُحَمَّدٍ، وَكِتَابَ (أَوَّليَّةِ العَالَمِ) لمُحَمَّدٍ، وَكِتَابَ (حَرَكَاتِ الفلكِ) لَهُ، وَكِتَابَ (المُدَوَّرِ المستطيلِ) لحسن، وَكِتَابَ (الشّكلِ الهندسِيّ) لمُحَمَّدٍ.
وَهُمُ الَّذِيْنَ حَسَبُوا أَنَّ دَورَ الكُرَةِ مسَافَةُ أَرْبَعَة وَعِشْرِيْنَ أَلْفِ مِيلٍ.
وَمجموعُ ذَلِكَ ثَلاَثُ مائَةٍ وَسِتُّوْنَ دَرَجَةً.
مَاتَ: مُحَمَّدٌ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.

137 - ابْنُ يَزْدَاذَ أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ *
الوَزِيْرُ الأَكْمَلُ، أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَزدَاذَ الكَاتِبُ.
وَزَرَ لِلْمستعينِ أَشْهُراً بَعْدَ أَحْمَدَ بنِ الخصيبِ، فَاحتَاطَ عَلَى بَعْضِ أَقطَاعِ بُغَا، فَتهدَّدُوهُ بِالقتلِ، فَاخْتَفَى (2) .
ثُمَّ وَزرَ مَرَّةً ثَانيَةً لِلْمستعينِ بَعْدَ شُجَاعٍ، ثُمَّ إِنَّ بُغَا أَلَّبَ عَلَيْهِ
__________
(1) " وفيات الأعيان " 5 / 161.
(*) تاريخ الطبري 9 / 264، الفهرست.
138، الكامل لابن الأثير 7 / 123، النجوم الزاهرة 3 / 35.
(2) انظر " تاريخ الطبري " 9 / 264، و" الكامل " لابن الأثير 7 / 123.

(12/339)


الأُمرَاءَ، فَهَرَبَ إِلَى بَغْدَادَ، وَاخْتَفَى.
مدحَهُ البُحترِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَنقلَ الكوكبِيُّ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الشُّعرَاءِ امتدحُوا الوَزِيْرَ أَبَا صَالِحٍ، فَأَمرَ لَهُم بِثَلاَثَةِ دَرَاهِم لَيْسَ إِلاَّ، وَكَتَبَ إِلَيْهِم:
قيمَةُ أَشعَارِكُم دِرْهَمٌ ... عِنْدِي وَقَدْ زِدْتُكُم دِرْهَمَا
وثَالِثاً قِيمَةُ أَوْرَاقِكُمْ ... فَانْصَرِفُوا قَدْ نِلْتُمُ مَغْنَمَا
مَاتَ الوَزِيْرُ ابْنُ يزدَاذ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

138 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرِ بنِ الحَكَمِ العَبْدِيُّ * (خَ، م، د، ق)
ابْنِ حَبِيْبِ بنِ مِهْرَانَ المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الجَوَّادُ، الثِّقَةُ، الإِمَامُ، أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَبْدِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ.
أَخْبَرَنَا الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا أَكملُ العَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ زُنبورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بشرٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَكِيْمٍ، حَدَّثَنِي الحَكَمُ بنُ أَبَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو هَارُوْنَ العُمَانِيُّ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ جِبْرِيْلَ حَدَّثَهُ، قَالَ: إِنَّ اللهَ قَضَى، أَوْ إِنَّ اللهَ قَالَ: يُؤْتَى بِحَسَنَاتِ العَبْدِ وَسَيِّئاتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُقْضَى بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَإِنْ بَقِيَتْ حَسَنَةٌ، وَسِعَ لَهُ الجَنَّةُ مَا شَاءَ) (1) .
__________
(*) الجرح والتعديل 5 / 215، تاريخ بغداد 10 / 271، 272، تهذيب الكمال: 777، تذهيب التهذيب 2 / 205 / 2، تهذيب التهذيب 6 / 144، 145، خلاصة تذهيب الكمال: 224، المنتظم 5 / 25.
(1) أبو هارون العماني واسمه: غطريف كما في الجرح والتعديل " 7 / 58 مجهول، =

(12/340)


مَوْلِدُهُ بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
واعتنَى بِهِ أَبُوْهُ، وَارْتَحَلَ بِهِ، وَلقيَ الكِبَارَ، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَتَفَرَّدَ.
رَوَى عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَوَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ، وَبَهْزِ بنِ أَسَدٍ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ بنِ هَمَّامٍ، وَمَعْنِ بنِ عِيْسَى، وَيَعْلَى وَمُحَمَّدِ ابْنَي عُبَيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الوَلِيْدِ العَدَنِيُّ، وَالحُسَيْنِ بنِ الوَلِيْدِ النَّيْسَابُوْرِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، وَحَفْصِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَحَفْصِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دُوَادٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَمَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ بِلاَلٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الجَارُوْدُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَمِّ وَالِدِهِ الحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ حَبِيْبٍ الفَرَّاءُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ابْنَ ابنِ عمِّي يَقُوْلُ: كُنَّا نكتبُ عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَأَبُوْهُ يلعبُ بِالحَمَامِ، وَكَانَ ابْنُ بشرٍ مَوْصُوفاً بطِيبِ الصّوتِ.
قَالَ مَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ الأَمِيْرُ يحضرُ بِاللَّيْلِ مُتَنَكِّراً إِلَى مَسْجِدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ليسمعَ قرَاءتَهُ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بشرٍ: أَقَامَنِي يَحْيَى القطَّانُ فِي مَجْلِسهِ، فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُم عَنِّي هَذَا الصَّبيُّ فَصَدِّقوهُ، فَإِنَّهُ كَيِّسٌ.
__________
= وبقية رجاله ثقات وأبو الشعثاء: هو جابر بن زيد، وأورده الهيثمي في " المجمع " 10 / 217، وقال: رواه الطبراني بإسناد جيد، ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريقين عن المعتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان بهذا الإسناد، قال ابن كثير في تفسيره 4 / 158: وهو حديث غريب، وإسناده جيد لا بأس به.

(12/341)


قُلْتُ: كَانَ ارتحَالُ أَبِيْهِ بِهِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، وَهُوَ نَحْوُ المُحْتَلِمِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ بشرٍ يَقُوْلُ: حملنِي أَبِي عَلَى عَاتِقِهِ فِي مَجْلِسِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، أَنَا بِشْرُ بنُ الحَكَمِ، سَمِعَ أَبِي مِنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَسَمِعْتُ أَنَا مِنْهُ وَحدَّثْتُ عَنْهُ بِخُرَاسَانَ (1) وَهَذَا ابْنِي قَدْ سَمِعَ مِنْهُ (2) .
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: احتلمْتُ بِاليَمَنِ مَعَ أَبِي.
قُلْتُ: آخرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الدُّنْيَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ المُذَكِّرُ شَيْخٌ لِلْحَاكِمِ ضَعِيْفٌ (3) .
سَمِعْنَا عَوَالِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ بِشْرٍ لزَاهِرٍ الشَّحَّامِيِّ.
قَالَ أَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: احتلمْتُ فَدَعَا أَبِي عَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَأَصْحَابَ الحَدِيْثِ الغربَاءَ فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الطَّعَامِ قَالَ: اشهدُوا أَنَّ ابْنِي قَدِ احْتَلَمَ وَهوَ ذَا يَسْمَعُ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ.
قُلْتُ: هَذَا الإِعلاَمُ إِيلاَمٌ لِلصبِيِّ، وَتخجيلٌ لَهُ.
رُوِيَ أَنَّ الأَمِيْرَ عَبْدَ اللهِ بنَ طَاهِرٍ قَالَ: مَا بِخُرَاسَانَ رَجُلٌ أَحسنُ عقلاً مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ بِشْرٍ.
قَالَ مُسَدَّدُ بنُ قَطنَ: لَمَّا تُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى عَقَدَ مُسْلِمٌ مَجْلِساً لخَالِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ بِشْرٍ، فَكَانَ يَحْضُرُ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ، وَينتقِي لَهُ
__________
(1) ما بين حاصرتين من " تاريخ بغداد "، و" تهذيب الكمال ". وجاء في " تهذيب الكمال ".
قال صالح بن محمد الأسدي: صدوق. وذكره ابن حبان في " الثقات ".
(2) " تاريخ بغداد " 10 / 272، و" تهذيب الكمال ": 777، و" تذهيب التهذيب " 2 / 205 / 2، و" تهذيب التهذيب " 6 / 144.
(3) هو أبو علي النيسابوري. مترجم في " ميزان الاعتدال " 3 / 651 وفيه: قال المزني في أثناء ترجمة أحمد بن خليل المذكر: من المعروفين بسرقة الحديث.

(12/342)


مُسْلِمٌ شرطَهُ فِي (الصَّحِيْحِ)، فيُمْلِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَجْلِسُ إِمْلاَءٍ قبلَهَا.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الوَهَّابِ يَقُوْلُ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بشرٍ مِنْ قُرَّاءِ النَّاس، وَكَانَ يَقْرَأُ : {فَعَدَلَكَ } [الإِنفطَار: 7] فَخفّفَ (1) .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرٍ: قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: يَا بُنيَّ، إِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ أَحَادِيْثَ شُعْبَةَ، فَعَلَيْكَ بِبَهْزِ بنِ أَسَدٍ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: أَمرَ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ أَنْ يُكْتَبَ لَهُ أَسَامِي الأَعْيَانِ بِنَيْسَابُوْرَ.
فكتبُوا مائَةَ نَفْسٍ (2) ، ثُمَّ قَالَ: تختَارُ مِنَ المائَةِ عَشْرَةً، فكتبُوا أَسْمَاءَ عَشْرَةٍ.
قَالَ: تختَارُ مِنْهُم أَرْبَعَةً.
فَكَانَ مِنَ الأَرْبَعَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرٍ.
الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ يَقُوْلُ: بكَّرْتُ يَوْماً عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ بِشْرٍ فِي تزويجِ أُخْتِ امْرَأَةِ مُسْلِمِ بنِ الحَجَّاجِ، فَرَأَيْتُهُ فِي المَسْجَدِ، فَقَالَ: مَا بكَّرَ بِكَ اليَوْمَ؟
قُلْتُ: عَبْدُ الوَاحِدِ الصَّفَّارُ سَأَلَنِي أَنْ أَجيئكَ لتُزَوِّجَ ابْنَتَهُ.
فَقَالَ: مَا حضَرتُ تزويجاً قَطُّ، إِذَا كَانَ فِي وَقْتِ قَوْلِهِم لِلْخَاطبِ: قَبِلْتَ هَذَا النِّكَاحَ وَلَهَا مِنَ المهرِ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا.
فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ فِي نَفْسِي، شقيتَ شقَاءً لاَ تُسْعدُ بَعْدَهُ أَبَداً.
قَالَ مَحْمُوْدُ بنُ وَالاَنَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ بشرٍ، سَمِعْتُ ابْنَ
__________
(1) وهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي.
قال الفراء: وجهه - والله أعلم - فصرفك إلى أي صورة شاء إما حسن أو قبيح، أو طويل أو قصير.
وقرأ الباقون فعدلك " بالتشديد، يعني: فقومك.
(2) الخبر في " تهذيب التهذيب " 6 / 145 وفيه: مئة مسن.

(12/343)


عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: غَضَبُ اللهِ دَاءٌ لاَ دوَاءَ لَهُ.
قُلْتُ: دواؤُهُ كَثْرَةُ الاسْتِغْفَارِ بِالأَسحَارِ، وَالتَّوبَةُ النَّصوحُ.
قَالَ الحَاكِمُ: قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرٍ لَيْلَةَ الأَرْبعَاءِ لثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الآخرِ سنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، فكبَّرَ أَرْبَعاً، وَسلَّمَ تسليمَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ جَاءَ يَحْيَى بنُ الذُّهْلِيِّ إِلَى القَبْرِ فِي زِحَامٍ كَثِيْرٍ، فَصَلَّى بِهِم عَلَى القَبْرِ.
أَبُوْهُ الإِمَامُ الزَّاهِدُ الثِّقَةُ الفَقِيْهُ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ:

139 - بِشْرُ بنُ الحَكَمِ العَبْدِيُّ * (خَ، م، س)
مِنْ جِلَّةِ أَهْلِ نَيْسَابُوْرَ.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ بِضْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، أَوْ نَحْو ذَلِكَ.
رَوَى عَنْ: أَبِي شَيْبَةَ العَبْسِيِّ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَشَرِيْكٍ القَاضِي، وَمُسْلِمٍ الزَّنْجِيِّ وَعَبْدِ رَبِّهِ بنِ بارقٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الرِّجَالِ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَخَلْقٍ.
وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْ وَلَدِهِ، وَأَوْسَعُ رِوَايَةً.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ عَمِّهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ (1) ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَمُسَدَّدُ بنُ قَطَنٍ.
__________
(*) تهذيب الكمال: 150، 151، تذهيب التهذيب 1 / 84 / 2، تهذيب التهذيب 1 / 447، 448، خلاصة تذهيب الكمال: 48، شذرات الذهب 2 / 89.
(1) كناه في " تهذيب الكمال ": 1202. بأبي أحمد.

(12/344)


وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ.
قَالَ الحُسَيْنُ القَبَّانِيُّ: مَاتَ بشرٌ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ زَكَرِيَّا ابْنُ دَلَّوَيه: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ.

140 - العَطَّارُ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ غَالِبٍ * (فَق)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ غَالِبٍ، البَغْدَادِيُّ العَطَّارُ الضَّرِيْرُ.
حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُلَيَّةَ، وَعَبِيدَةَ بنِ حُمَيْدٍ، وَمُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَخَلْقٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ فِي (تَفْسِيْرهِ)، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ سُرَيْجٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُرْوَةَ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَامضُ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَابْنُ مَخْلَدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثِقَةٌ صَدُوْقٌ (1) .
وَقَالَ ابْنُ مَخْلَدٍ: مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: عِنْدِي حَدِيْثُهُ بِعُلُوٍّ، مرَّ فِي سيرَةِ مَالِكٍ.
__________
(*) الجرح والتعديل 7 / 266، تاريخ بغداد 5 / 306، 307، تهذيب الكمال: 1202، تذهيب التهذيب 3 / 207 / 1، الوافي بالوفيات 3 / 95، تهذيب 9 / 189، خلاصة تذهيب الكمال: 338.
(1) " الجرح والتعديل " 7 / 266، و" تاريخ بغداد " 5 / 306. وقال الخطيب: وكان ثقة. و" تهذيب الكمال ": 1202.
وفيه: ذكره ابن حبان في كتاب " الثقات ".

(12/345)


141 - أَحْمَدُ بنُ شَيْبَانَ بنِ الوَلِيْدِ بنِ حَيَّانَ الرَّمْلِيُّ *
المُحَدِّثُ الكَبِيْرُ، الصَّدُوقُ، أَبُو عَبْدِ المُؤْمِنِ الرَّمْلِيُّ.
سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدَ المَجِيْدِ بنَ روَّادٍ، وَعَبْدَ المَلِكِ الجُدِّيَّ، وَمُؤَمَّلَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: يُوْسُفُ بنُ مُوْسَى المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَعُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ السَمَرْقَنْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يُخْطِئُ (1) .
قُلْتُ: وَقَعَ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (الخِلَعِيَّاتِ) وَفِي (الثَّقَفيَّاتِ).
مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

142 - مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ زَنْجَوْيَه البَغْدَادِيُّ ** (4)
الحَافِظُ، الإِمَامُ، أَبُو بَكْرٍ البَغْدَادِيُّ، الغَزَّالُ، الفَقِيْهُ،
__________
(*) الجرح والتعديل 2 / 55، ميزان الاعتدال 1 / 103، العبر 2 / 38، تاريخ ابن كثير 11 / 42، تهذيب التهذيب 1 / 39، لسان الميزان 1 / 185، 186.
(1) " تهذيب التهذيب " 1 / 39. وجاء فيه: قال صالح الطرابلسي: ثقة مأمون، أخطأ في حديث واحد.
وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 2 / 55: صدوق وقال ابن حجر: ذكره في " الكمال " ولم يذكر من روى عنه من الستة، فحذفه المزي لذلك.
وقال العقيلي في " الضعفاء ": لم يكن ممن يفهم الحديث، وحدث بمناكير.
(* *) الجرح والتعديل 8 / 5، تاريخ بغداد 2 / 345، 346، طبقات الحنابلة 1 / 306، تهذيب الكمال: 1234، تذهيب التهذيب 3 / 227 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 554، العبر =

(12/346)


صَاحِبُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
سَمِعَ: يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَزَيْدَ بنَ الحُبَابِ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيَّ، وَطَبَقَتَهُم، وَلَهُ رِحْلَةٌ شَاسعَةٌ، وَمَعْرِفَةٌ جيدَةٌ، وَتَوَالِيْفٌ.
حدث عَنْهُ: أَرْبَابُ (السُّنَنِ) الأَرْبَعَةِ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالبَغَوِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَأَخُوْهُ قَاسمٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ (1) .
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
يَقَعُ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ.

143 - زَكْرَوَيْه أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى بنِ أَسَدٍ *
الشَّيْخُ المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو يَحْيَى، زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى بنِ أَسَدٍ المَرْوَزِيُّ، نَزِيْلُ بغَدَادَ.
حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، وَمَعْرُوْفٍ الكَرْخِيِّ، وَهُوَ صَاحِبُ جزءِ ابْنِ عُيَيْنَةَ الَّذِي عِنْد السِّلَفِيِّ.
__________
= 2 / 17، الوافي بالوفيات 4 / 34، تهذيب التهذيب 9 / 315، 316، طبقات الحفاظ: 247، خلاصة تذهيب الكمال: 349، شذرات الذهب 2 / 138.
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 346، و" تهذيب الكمال ": 1234، و" الوافي بالوفيات " 4 / 34 وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 8 / 5: صدوق. وذكره ابن حبان في " الثقات ".
(*) تاريخ بغداد 8 / 460، 461، ميزان الاعتدال 2 / 80، العبر 2 / 45، شذرات الذهب 2 / 160، المنتظم 5 / 77.

(12/347)


حَدَّثَ عَنْهُ: القَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ المنَادَى، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لاَ بأسَ بِهِ (1) .
وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو الفَتْحِ الأَزْدِيُّ فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) فَلَمْ يُصبْ، أَكْثَرُ مَا تَعَلَّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ سُفْيَانَ، وَهَذَا قَدْحٌ بَارِدٌ.
وَذكرَ أَنَّهُ يُلَقَّبُ جُوذَابه.
مَاتَ: فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخرِ، سنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: لَعَلَّهُ قَارَبَ المائَةَ.
وآخرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً الأَصَمُّ، وَآخِرُ مَنْ رَوَى فِي الدُّنْيَا عَنْ أَصْحَابِ الأَصَمِّ هَذَا الجُزْءَ هُوَ عَبْدُ الغفَّارِ بنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَوِيُّ البَاقِي إِلَى سَنَةِ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ بِنَيْسَابُوْرَ.

144 - يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى بنِ مَيْسَرَةَ الصَّدَفِيُّ * (م، س، ق)
ابْنِ حَفْصِ بنِ حَيَّانَ الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو مُوْسَى
__________
(1) " تاريخ بغداد " 8 / 460، و" ميزان الاعتدال " 2 / 80. وقال فيه: صدوق.
(*) الجرح والتعديل 9 / 243، الانتقاء: 111، طبقات الشافعية للعبادي: 18، طبقات الفقهاء للشيرازي: 99، الأنساب 8 / 44، 45، اللباب 2 / 236، 237، وفيات الأعيان 7 / 249، 254، تهذيب الكمال: 1566، 1567، تذهيب التهذيب 4 / 194 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 527، 528، ميزان الاعتدال 4 / 484، العبر 2 / 29، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 170، 180، طبقات الشافعية للاسنوي 1 / 33، غاية النهاية في طبقات القراء 2 / 406، 407، طبقات ابن قاضي شهبة: 46، تهذيب التهذيب 11 / 440، 441، طبقات الحفاظ: 230، حسن المحاضرة 1 / 309، خلاصة تذهيب الكمال: 441، مرآة الجنان 2 / 176، شذرات الذهب 2 / 149، المنتظم 5 / 49.

(12/348)


الصَّدَفيُّ (1) ، المِصْرِيُّ المُقْرِئُ الحَافِظُ.
وَأُمُّهُ: فُلَيْحَةُ بِنْتُ أَبَانَ التُّجِيبِيَّةُ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ فِي ذِي الحِجَّةِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَمَعْنِ بنِ عِيْسَى، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَأَبِي ضَمْرَةَ اللَّيْثِيِّ، وَبِشْرِ بنِ بَكْرٍ التِّنِّيْسِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ سُوَيْدٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ، وَسَلاَمَةَ بنِ رَوْحٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيِّ، وَيَحْيَى بنِ حَسَّانٍ، وَأَشْهَبَ الفَقِيْهِ.
وَيَنْزِلُ إِلَى: نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَيَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، بَلْ وَإِلَى أَنْ رُوِيَ عَنْ تلمِيذِهِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ.
وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى وَرْشٍ صَاحِبِ نَافِعٍ.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ فِي زَمَانِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَعُمَرُ بنُ بُجَيْر?، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ سَلاَمَةَ الطَّحَاوِيُّ، وَأَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَامِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سُفْيَانَ بنِ سَعِيْدٍ المِصْرِيُّ المُؤَذِّنُ، وَأَبُو الفَوَارِسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّنْدِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَقَرَأَ عَلَيْهِ: مَوَاسُ بنُ سَهْلٍ المِصْرِيُّ (2) ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ
__________
(1) قال السمعاني في " الأنساب " 8 / 43 الصدفي: بفتح الصاد والدال المهملتين، وفي آخرها الفاء: هذه النسبة إلى " الصدف، بكسر الدال، وهي قبيلة من حمير نزلت مصر، وهو: الصدف بن سهل بن عمرو...وقال ابن خلكان في " وفيات الأعيان " 7 / 253 وذكر السهيلي أنه بكسر الدال وفتحها، وانما فتحوا الدال في النسب مع كسرها في غير النسب كي لا يوالوا بين كسرتين قبل ياءين، كما قالوا في النسبة إلى النمر: نمري وغير ذلك. واذكر ما قاله في الاختلاف حول اسم الصدف.
(2) مترجم في " غاية النهاية في طبقات القراء " 2 / 316.

(12/349)


الوَاسِطِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الهَيْثَمِ دُلْبَةٌ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الرَّبِيْعِ المَلَطِيُّ شَيْخٌ لِلْمُطَّوِّعِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْهُ الحُرُوْفَ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الأَصْبَهَانِيُّ وَأُسَامَةُ بنُ أَحْمَدَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ جَرِيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الرَّبِيْعِ الجِيزِيُّ، وَغَيْرهُم.
وَكَانَ كَبِيْرَ المُعدِّلينَ وَالعُلَمَاءِ فِي زَمَانِهِ بِمِصْرَ.
قَالَ يَحْيَى بنُ حَسَّانٍ التِّنِّيْسِيُّ: يونُسُكُم هَذَا ركنٌ مِنْ أَركَانِ الإِسْلاَمِ (1) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي يُوَثِّقُهُ، وَيرفعُ مِنْ شَأْنِهِ (2) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّاهِرِ بنَ السَّرْحِ، يَحُثُّ عَلَى يُوْنُسَ، وَيُعَظِّمُ شَأْنَهُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ قُدَيْدٍ: كَانَ يَحْفَظُ الحَدِيْثَ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: كَانَ ذَا عقلٍ، لَقَدْ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ عَمْرِو بنِ خَالِدٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَا أَبَا الحَسَنِ، انْظُر إِلَى هَذَا البَابِ الأَوَّلِ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجَدِ الجَامِعِ.
قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا يدخُلُ مِنْ هَذَا البَابِ أَحَدٌ أَعقلُ مِنْ يُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى (3) .
__________
(1) " طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 171، و" غاية النهاية في طبقات القراء " 2 / 407.
(2) " الجرح والتعديل " 9 / 243، و" تهذيب الكمال ": 1567، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 171، و" غاية النهاية في طبقات القراء " 2 / 407.
(3) " وفيات الأعيان " 7 / 250، و" تهذيب الكمال ": 1567، و" تذهيب التهذيب " 4 / 194 / 1.

(12/350)


وَقَالَ حَفِيْدُهُ الحَافِظُ الكَبِيْرُ، أَبُو سَعِيْدٍ (1) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْنُسَ: دِعْوَتُهُم (2) فِي الصَّدَفِ (3) ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَنْفُسِهِم، وَلاَ مَوَاليهِم (4) .
تُوُفِّيَ غدَاةَ يَوْمِ الاثْنَيْنِ ثَانِي رَبِيْع الآخرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: عَاشَ أَرْبَعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَوَقَعَ لِي جُمْلَةٌ مِنْ عَالِي حَدِيْثِهِ فِي (الخِلعِيَّاتِ)، وفِي أَمَاكنَ مُخْتَلِفَةٍ، وَبَيْنَ مَشَايِخنَا وَبَيْنَهُ خَمْسَةُ أَنفُسٍ.
وَلَقَدْ كَانَ قُرَّةَ عَيْنٍ، مُقَدَّماً فِي العِلْمِ وَالخَيْرِ وَالثِّقَةِ.
وَأَمَّا الحَدِيْثُ الَّذِي انفردَ بِهِ عَنِ الشَّافِعِيِّ، حَدِيْثُ: (لاَ مَهْدِيَّ إِلاَّ عِيْسَى (5))، فَلَعَلَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، فدَلَّسَهُ.
وَقَدْ رَأَيْتُ أَصْلاً عتيقاً، يَقُوْلُ فِيْهِ: حُدِّثْتُ عَنِ الشَّافِعِيِّ.
__________
(1) صاحب تاريخ مصر.
(2) أي يدعي في النسب إليهم، وليس هو منهم.
والدعوة بكسر الدال: ادعاء الولد الدعي غير أبيه، والدعوة في النسبة بالكسر: أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه وعشيرته.
(3) في " تهذيب الكمال ": الصدوق، بالمثناة.
(4) " تهذيب الكمال ": 1567.
(5) أخرجه ابن ماجة (4039) والحاكم 4 / 441، من طريق يونس بن عبد الأعلى، عن محمد بن إدريس الشافعي، عن محمد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزداد الامر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارا، ولا الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا المهدي إلا عيسى بن مريم " وهذا سند لا تقوم به حجة محمد بن خالد الجندي مجهول، والحسن مدلس وقد عنعن، وقال الامام الذهبي في ترجمة يونس بن عبد الأعلى من " الميزان " 4 / 481 عن الحديث: هو منكر جدا، وقال القرطبي في " التذكرة ": إسناده ضعيف، والأحاديث عن النبي في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم بها دونه.

(12/351)


145 - مُحَمَّدُ بنُ إِشكَابٍ أَبُو جَعْفَرٍ البَغْدَادِيُّ * (خَ، د، س)
الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الحُرِّ بنِ زعلاَنَ البَغْدَادِيُّ، أَخُو عَلِيٍّ، وَأَبُوْهُمَا يُلَقَّبُ بِإِشكَابٍ، وَمُحَمَّدٌ هُوَ الأَصغَرُ وَالأَحْفَظُ.
سَمِعَ: عَبْدَ الصَّمَدِ بنَ عَبْدِ الوَارِثِ، وَأَبَا النَّضْرِ هَاشِمَ بنَ القَاسِمِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ عُمَرَ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) .
وَقَالَ بَعْضُهُم: وُلِدَ مُحَمَّدٌ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ، فِي سَنَةِ إِحدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَفِيْهَا مَاتَ أَخُوْهُ:

146 - عَلِيُّ بنُ إِشكَابٍ أَبُو الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ ** (د، ق)
بَعْدَهُ بِأَشْهُرٍ، وَهُوَ أَبُو الحَسَنِ، مُحَدِّثٌ، فَاضِلٌ، مُتْقِنٌ.
__________
(*) الجرح والتعديل 7 / 229، 230، تاريخ بغداد 2 / 223، 224، تهذيب الكمال: 1188، تذهيب التهذيب 3 / 198 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 574، 575، تهذيب التهذيب 9 / 121، 122، طبقات الحفاظ: 257، خلاصة تذهيب الكمال: 333، شذرات الذهب 2 / 146.
(1) " الجرح والتعديل " 7 / 230، و" تاريخ بغداد " 2 / 223، و" تهذيب الكمال ": 1188 وجاء فيه: وقال أبو بكر بن أبي عاصم: ثبت.
وقال أبو العباس بن سعيد عن ابن خراش: كان من أهل العلم والأمانة. وذكره ابن حبان في " الثقات ".
(* *) الجرح والتعديل 6 / 179، تاريخ بغداد 11 / 392، 394، تهذيب الكمال: 963، تذهيب التهذيب 3 / 57 / 2، تهذيب التهذيب 7 / 302، 303، خلاصة تذهيب الكمال: 72.

(12/352)


سَمِعَ: أَبَا مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرَ، وَحَجَّاجَ بنَ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرَ، وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقَ، وَمُحَمَّدَ بنَ رَبِيْعَةَ، وَعِدَّةً.
وَطَالَ عُمُرُهُ، وَتَزَاحَمَ عَلَيْهِ الطُلاَّبُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنِ سُرَيْجٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى بنِ عَيَّاش القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَيَقَعُ حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي (جزءِ) الحفارِ.
وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.

147 - ابْنُ مَلاَّسٍ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِشَامٍ الدِّمَشْقِيُّ *
الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِشَامِ بنِ ملاَّسٍ النُّمَيْرِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: مَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ الفَزَارِيِّ، وَحَرْمَلَةَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ اللهِ السُّكَّرِيِّ، قَاضِي دِمَشْقَ، وَمُتَوَكِّلِ بنِ مُوْسَى.
حَدَّثَ عَنْهُ: حَفِيْدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَصَائِرِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ حَسْنُوَيْه، وَعِدَّةٌ.
__________
(*) الجرح والتعديل 8 / 116، العبر 2 / 46، الوافي بالوفيات 5 / 166، شذرات الذهب 2 / 160.

(12/353)


قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعَ مِنْهُ أَبِي، وَهُوَ صَدُوْقٌ (1) .
وَقَالَ الأَصَمُّ: سَأَلْتُهُ عَنْ سِنِّهِ، فَقَالَ: أَنَا فِي أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، وَلَقِيتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ لَمَّا حَجَجتُ وَكَثُرَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ.
قَالَ عَمْرُو بنُ دُحَيْمٍ: تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ لَهُ جُزءٌ عَالٍ، سَمِعْنَاهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي القَاسِمِ بنِ رَوَاحَةَ.
أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ قَايْمَازَ الكَافُوْرِيُّ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الأَنْصَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الصَّابُوْنِيُّ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ (ح).
وَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بنُ مَنْصُوْرٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
أُصِيْبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، قَدْ عَلِمْتَ مَنْزِلَ حَارِثَةَ مِنِّي، فَإِنْ يَكُنْ فِي الجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ تَرَى مَا أَصْنَعُ.
فَقَالَ: (جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ؟!! إِنَّهَا جَنَّاتٌ كَثِيْرَةٌ، وَإِنَّهُ فِي الفِرْدَوْسِ الأَعْلَى) (2) .

148 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَرْزُوقِ بنِ دِيْنَارٍ البَصْرِيُّ * (س)
الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو إِسْحَاقَ البَصْرِيُّ، نَزِيْلُ مِصْرَ.
__________
(1) " الجرح والتعديل " 8 / 116.
(2) صحيح وأخرجه من طريق حميد عن أنس أحمد 3 / 264.
والبخاري 7 / 237 في المغازي: باب فضل من شهد بدرا، و11 / 384 في الرقائق: باب صفة الجنة والنار، وأخرجه البخاري 6 / 20 في الجهاد: باب من أتاه سهم غرب فقتله، والترمذي (3174) من طريق قتادة عن أنس.
(*) الجرح والتعديل 2 / 137، تهذيب الكمال: 65، تذهيب التهذيب 1 / 43 / 1، =

(12/354)


سَمِعَ: أَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ، وَعُثْمَانَ بنَ عُمَرَ، وَمَكِّيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَبْدَ الصَّمَدِ بنَ عَبْدِ الوَارِثِ، وَأَبَا عَامِرٍ العَقَدِيَّ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ - فِيْمَا ذَكَرَهُ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ وَحدَهُ - وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَعُمَرُ بنُ بُجَيْرٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَأَبُو الفَوَارِسِ السِّنْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: صَالِحٌ (1) .
وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمَائتينِ.
سَكَنَ مِصْرَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفِدَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي؛ أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ البُنِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السِّنْدِيِّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ، عَنِ السِّمطِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُوْسَى بنِ وَرْدَانَ، عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ، قَالَ:
إِنَّ فِي الجَنَّةِ عَمُوداً مَنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، عَلَيْهَا كَذَا وَكَذَا غُرْفَةٌ، وَهُوَ مَنْزِلُ المُتَحَابِّيْنَ فِي اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- (2) .
__________
= ميزان الاعتدال 1 / 65، تهذيب التهذيب 1 / 163، خلاصة تذهيب الكمال: 22، المنتظم 5 / 74
(1) " تهذيب الكمال ": 65. وفيه أيضا: وقال النسائي في موضع آخر: لا بأس به. وفي موضع آخر: ليس لي به علم.
وقال الدارقطني: ثقة إلا أنه كان يخطئ، فيقال له، فلا يرجع.
وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 2 / 137: كتبت عنه وهو صدوق.
(2) موسى بن عبيدة ضعيف، وشيخه لم أقف له على ترجمة، ثم هو موقوف على كعب الاحبار، وروايته كما قال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على تفسير ابن جرير 6 / 457 -: لا =

(12/355)


149 - الحَسَنُ بنُ أَبِي الرَّبِيْعِ أَبُو عَلِيٍّ الجُرْجَانِيُّ * (ق)
المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عَلِيٍّ بنُ يَحْيَى بنِ الجَعْدِ العَبْدِيُّ، الجُرْجَانِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
سَمِعَ: أَبَا يَحْيَى الحِمَّانِيَّ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ فَأَكْثَرَ، وَوَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَشَبَابَةَ بنَ سَوَّارٍ، وَعَبْدَ الصَّمَدِ بنَ عَبْدِ الوَارِثِ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ البَلْخِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى القَطَّانُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) .
وَقِيْلَ: إِنَّهُ عَاشَ ثَلاَثاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ المُنَادِي: مَاتَ فِي سَلخِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، وَأَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَالحَسَنُ بنُ
__________
= شيء، ولا يحتج بها، وصدق معاوية في قوله في كعب الاحبار: إن كان لمن أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب رواه البخاري 13 / 281، 282 في الاعتصام: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء.
(*) الجرح والتعديل 3 / 44، تهذيب الكمال: 284، تذهيب التهذيب 1 / 149 / 1، تاريخ ابن كثير 11 / 36، تهذيب التهذيب 2 / 324، 325، خلاصة تذهيب الكمال: 81، المنتظم 5 / 44.
(1) " الجرح والتعديل " 3 / 43.

(12/356)


عليٍّ، قَالَ عِيْسَى: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مَحْمُوْد، وَقَالَ الحَسَنُ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُنِيْرٍ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ (ح).
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، قَالَ هُوَ وَالسِّلَفِيُّ:
أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ، أَخْبَرَنَا زيدُ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ القَطَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ أَبِي الرَّبِيْعِ، حَدَّثَنَا وَهبٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ:
أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَافَرَ، قَالَ: (اللَّهُمَّ بَلِّغْ بَلاَغاً يَبْلُغُ خَيْراً رِضْوَانَكَ وَالجَنَّةَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ) (1) .

150 - سَعْدَانُ أَبُو عُثْمَانَ بنُ نَصْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ الثَّقَفِيٌّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عُثْمَانَ سَعْدَانُ بنُ نَصْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ الثَّقَفِيُّ، البَغْدَادِيُّ، البَزَّازُ، وَإِنَّمَا اسْمُهُ سَعِيْدٌ، فَلُقِّبَ بِسَعْدَانَ.
سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَأَبَا مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ، وَمُعَمَّرَ بنَ سُلَيْمَانَ الرَّقِّيَّ، وَمُعَاذَ بنَ مُعَاذٍ، وَعَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ، وَأَبَا قَتَادَةَ عَبْدَ اللهِ بنَ وَاقِدٍ، وَشُجَاعَ بنَ الوَلِيْدِ، وَسَلْمَ بنَ سَالِمٍ البَلْخِيَّ، وَعُمَرَ بنَ شَبِيْبٍ المُسْلِيَّ (2) ، وَشَبَابَةَ بنَ سَوَّارٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ مُصْعَبٍ القَرْقَسَانِيَّ، وَمُوْسَى بنَ
__________
(1) رجاله ثقات.
(*) الجرح والتعديل 4 / 290، 291، تاريخ بغداد 9 / 205، 206، تاريخ ابن كثير 11 / 38، النجوم الزاهرة 3 / 41، شذرات الذهب 2 / 149، المنتظم 5 / 51.
(2) المسلي، بضم الميم، وسكون السين المهملة، بعدها لام: نسبة إلى مسلية قبيلة من مذحج. والمسلي ضعيف، خرج له ابن ماجة.

(12/357)


دَاوُدَ الضَّبِّيَّ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَأَبو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ البَخْتَرِيِّ، وَأَبُو عَوَانَةَ فِي (صَحِيْحِهِ)، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَأَبُو بَكْرٍ الخَرَائِطيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنْهُ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ.
مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-.

151 - سَعْدَانُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ يَزِيْدَ البَغْدَادِيُّ البَزَّازُ *
المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ سَعْدَانُ بنُ يَزِيْدَ البَغْدَادِيُّ، البَزَّازُ، نَزِيْلُ سُرَّ مَنْ رَأَى.
سَمِعَ: إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقَ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَأَبَا بَدْرٍ السَّكُوْنِيَّ.
وَعَنْهُ: ابْنُ صَاعِدٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَابْنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَثْرَمُ، وَالخرَائِطيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (2) .
__________
(1) " الجرح والتعديل " 4 / 291، و" تاريخ بغداد " 9 / 205.
(*) الجرح والتعديل 4 / 290، تاريخ بغداد 9 / 204، 205، طبقات الحنابلة 1 / 170، النجوم الزاهرة 3 / 36، المنتظم 5 / 39.
(2) " الجرح والتعديل " 4 / 290.

(12/358)


قُلْتُ: مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ اثْنَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

152 - المُخَرِّمِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، الوَرِعُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ بنِ صَبِيْحٍ البَغْدَادِيُّ، المُخَرِّمِيُّ.
سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بنَ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَعَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيَّ، وَحَسَنَ بنَ صَالِحٍ العَبَّادَانِيَّ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي بُكَيْرٍ، وَمُوْسَى بنَ هِلاَلٍ العَبْدِيَّ، وَرَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَوَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَزَيْدَ بنَ الحُبَابِ، وَأَبَا سُفْيَانَ الحِمْيَرِيَّ، وَأَسْبَاطَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَأَبَا بَدْرٍ السَّكُوْنِيَّ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَجَمَاعَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَابْنُ عَيَّاشٍ القَطَّانُ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (1) : سَمِعْتُ مِنْهُ مَعَ أَبِي، وَهُوَ صَدُوْقٌ، قُلِّدَ القَضَاءَ فَلَمْ يَقْبَلْهُ، وَاخْتَفَى.
قُلْتُ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَإِليه يُنْسَبُ (جُزْءُ) المُخَرِّمِيِّ، وَالمَرْوَزِيُّ الَّذِي عِنْدَ ابْنِ قُمَيْرَةَ بِعُلُوٍّ.
أَمَا الحَافِظُ الكَبِيْرُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ فَقَدْ ذُكِرَ (2) .
__________
(*) تاريخ بغداد 10 / 81، 82، الأنساب، ورقة: 513 / ب، النجوم الزاهرة 3 / 41، المنتظم 5 / 52.
(1) " الجرح والتعديل " 5 / 11، وفيه عبد الله بن أيوب بإسقاط اسم أبيه.
(2) في الصفحة: 265.

(12/359)


153 - مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مُوْسَى الإِسْفَرَايِيْنِيُّ *
الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، يُلَقَّبُ: حَيَّوَيْه.
رَوَى عَنْ: أَبِي النَّضْرِ، وَسَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي عَاصِمٍ، وَأَبِي مُسْهِرٍ، وَخَلْقٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ رَجَاءَ، وَطَائِفَةٌ.
وَكَانَ الحَافِظُ أَبُو عَوَانَةَ يَفْتَخِرُ بِهِ، يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ يَحيَانَا، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحيَاكُم (1) -يَعْنِي: الذُّهْلِيَّ-.
وَقِيْلَ: إِنَّ حَيَّوَيْه لَقَبٌ لأَبِيْهِ يَحْيَى.
مَاتَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ: يَوْمَ التَّرويَةِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، عَنْ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.

154 - زُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ قُمَيْرِ بنِ شُعْبَةَ المَرْوَزِيُّ ** (ق)
الإِمَامُ، الرَّبَّانِيُّ، المُحَدِّثُ، الثَّبْتُ، أَبُو مُحَمَّدٍ - وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ - المَرْوَزِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
سَمِعَ: رَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَأَبَا النَّضْرِ هَاشِمَ بنَ القَاسِمِ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَسُنَيْدَ بنَ دَاوُدَ، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَطَبَقَتَهُم.
__________
(*) تذكرة الحفاظ 2 / 554، العبر 2 / 19، الوافي بالوفيات 5 / 188، طبقات الحفاظ: 242، شذرات الذهب 2 / 140.
(1) " تذكرة الحفاظ " 2 / 554.
(* *) تاريخ بغداد 8 / 484، 486، طبقات الحنابلة 1 / 159، تهذيب الكمال: 438، تذهيب التهذيب 1 / 240 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 551، 552، تهذيب التهذيب 3 / 347، 348، طبقات الحفاظ: 246، خلاصة تذهيب الكمال: 123، شذرات الذهب 2 / 136، المنتظم 5 / 4.

(12/360)


حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَمْرٍو البَزَّارُ، وَعُمَرُ بنُ بُجَيْرٍ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ الثَّقَفِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى بنِ عَيَّاشٍ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً، صَادِقاً، وَرِعاً، زَاهِداً.
انْتَقَلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ عَنْ بَغْدَادَ إِلَى طَرَسُوْسَ، فَرَابطَ بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ (1) .
قَالَ البَغَوِيُّ: مَا رَأَيْتُ بَعْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ أَفْضَلَ مِنْهُ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَشْتهِي لَحماً مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَلاَ آكُلُهُ حَتَّى أَدخُلَ الرُّوْمَ، فَآكُلُ مِنْ مَغَانِمِ الرُّوْمِ (2) .
وحَدَّثَنِي وَلدُهُ مُحَمَّدُ بنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: كَانَ أَبِي يَجْمَعُنَا فِي وَقْتِ خَتمِهِ لِلْقُرْآنِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، يَختِمُ تِسْعِيْنَ خَتمَةً فِي رَمَضَانَ (3) .
مَاتَ -رَحِمَهُ اللهُ-: فِي آخِرِ سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.
قُلْتُ: مَاتَ عَنْ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
يَا حَبَّذَا مَرْوُ وَمَا أَخْرَجَتْ ... مِنْ سَادَةٍ فِي العِلْمِ وَالدِّيْنِ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 8 / 484، " تهذيب الكمال ": 438، و" تذهيب التهذيب " 1 / 240 / 2.
(2) " تاريخ بغداد " 8 / 485، و" تهذيب الكمال ": 438، و" تذهيب التهذيب " 1 / 240 / 2.
(3) " تاريخ بغداد "، و" تهذيب الكمال ": 438 وقال: ذكره ابن حبان في كتاب " الثقات " والخبر في " تذهيب التهذيب " 1 / 240 / 2.

(12/361)


155 - ابْنُ مَثْرُودٍ عِيْسَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ الغَافِقِيُّ * (د، س)
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَثْرُودٍ الغَافِقِيُّ مَوْلاَهُمُ، المِصْرِيُّ، مِنْ ثِقَاتِ المُسْنِدِيْنَ.
سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ القَاسِمِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ وَهْبٍ، وَجَمَاعَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ جَوْصَا، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ (1) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: تُوُفِّيَ قَبْلَ قُدُوْمِي مِصْرَ (2) .
وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ العِجْلِيُّ، وَشُعَيْبُ بنُ أَيُّوْبَ الصَّريفِيْنِيُّ، وَأَبُو شُعَيْبٍ صَالِحُ بنُ زِيَادٍ السُّوْسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ إِشْكَابٍ، وَأَخُوْهُ؛ مُحَمَّدٌ، وَعَلِيُّ بنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، وَمُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ القُشَيْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ غَالِبٍ العَطَّارُ، وَخَلْقٌ.
__________
(*) الجرح والتعديل 6 / 272، تهذيب الكمال: 1078، تذهيب التهذيب 3 / 127 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 310، تهذيب التهذيب 8 / 205، خلاصة تذهيب الكمال: 301.
(1) " تهذيب الكمال ": 1078، و" تهذيب التهذيب " 8 / 205 وفيه: قال مسلمة بن قاسم: مصري ثقة.
(2) " الجرح والتعديل " 6 / 272، و" تهذيب التهذيب " 8 / 205.

(12/362)


156 - الفَاخُوْرِيُّ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ بنِ أَبَانٍ * (س، ق)
المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، المُعَمَّرُ، أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ بنِ أَبَانٍ الرَّمْلِيُّ، الفَاخُوْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَضَمْرَةَ بنِ رَبِيْعَةَ، وَابْنِ شَابُوْرَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو بِشْرٍ الدُّوْلاَبِيُّ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَتَّابٍ الزِّفْتِيُّ (1) ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الرَّمْلِيُّ القُدوْرِيُّ، وَابْنُ وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُبَيْدِ بنِ فَيَّاضٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ (2) .
تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ.

157 - أَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ بنِ مَنِيْعِ بنِ سَلِيْطٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ (3) ** (س، ق)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو الأَزْهَرِ العَبْدِيُّ،
__________
(*) الجرح والتعديل 6 / 292، الأنساب، 9 / 209، اللباب 2 / 402، تهذيب الكمال: 1086، 1087، تذهيب التهذيب 3 / 132 / 1، ميزان الاعتدال 3 / 328، تهذيب التهذيب 8 / 237، و238، خلاصة تذهيب الكمال: 304.
(1) الزفتي.
بكسر الزاي كما في " الأنساب " و" اللباب " نسبة إلى الزفت، وهو شيء أسود مثل القير.
وعبد الله هذا مترجم في " الأنساب " 6 / 290.
(2) وثقة أيضا أحمد وابو حاتم، ويعقوب بن شيبه، وابن خراش. انظر " تهذيب التهذيب " 8 / 238
(3) في " تاريخ بغداد " 4 / 39: أحمد بن زاهر
(* *) الجرح والتعديل 2 / 41، تاريخ بغداد 4 / 39، 43، تهذيب الكمال 1 / 255، 261، تذهيب التهذيب 1 / 6 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 545، 546، ميزان الاعتدال 1 / 82، =

(12/363)


النَّيْسَابُوْرِيُّ، مُحَدِّثُ خُرَاسَانَ فِي زَمَانِهِ.
وُلِدَ: بَعْدَ السَّبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
رَأَى سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَمَا أَدْرِي لِمَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ.
وَسَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَأَسْبَاطَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَمَالِكَ بنَ سُعَيْرٍ (1) ، وَيَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَوَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَيَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَأَنَسَ بنَ عِيَاضٍ اللَّيْثِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ مَيْمُوْنٍ القَدَّاحَ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ بِشْرٍ، وَابْنَ أَبِي فُدَيْكٍ، وَمَرْوَانَ بنَ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيَّ، وَخَلْقاً سِوَاهُم بِالحِجَازِ، وَاليَمَنِ، وَالشَّامِ، وَالكُوْفَةِ، وَالبَصْرَةِ، وَخُرَاسَانَ.
وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: رَفِيقَاهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْخُهُ؛ يَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ (2) ، وَخَلْقٌ، خَاتِمَتُهُم: مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القَطَّانُ.
وَمِمَّنْ قِيْلَ رَوَى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَالبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.
وَهُوَ ثِقَةٌ بِلاَ تَرَدُّدٍ، غَايَةُ مَا نَقَمُوا عَلَيْهِ ذَاكَ
__________
= العبر 2 / 26، تاريخ ابن كثير 11 / 36، تهذيب التهذيب 1 / 11، 13، لسان الميزان 1 / 136، طبقات الحفاظ: 240، خلاصة تذهيب الكمال: 3، شذرات الذهب 2 / 146، 147.
(1) بإهمال السين، وبالتصغير.
(2) الشرقي، بفتح الشين المعجمة، وسكون الراء، وفي آخرها القاف: هذه النسبة إلى موضعين: أحدهما " الشرقية " ببغداد، وهي محلة من محال بغداد على الجانب الغربي من دجلة. إلى موضع " شرقي نيسابور وإليه ينسب أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن بن الشرقي الحافظ توفي سنة 325 انظر " تاريخ بغداد " 4 / 426. والأنساب 7 / 316.

(12/364)


الحَدِيْثُ فِي فَضْلِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (1) - وَلاَ ذَنبَ لَهُ فِيْهِ.
قَالَ النَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ: صَدُوْقٌ (2) .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَبُو الأَزْهَرِ هَذَا كتبَ الحَدِيْثَ، فَأَكْثَرَ، وَمَنْ أَكْثَرَ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِي حَدِيْثِهِ الوَاحِدُ وَالاثنَانِ وَالعشرَةُ مِمَّا يُنْكَر.
وَسَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ بنَ الشَّرْقِيِّ يَقُوْلُ: قيلَ لِي: لِمَ لَمْ ترحلْ إِلَى العِرَاقِ؟ فَقُلْتُ: وَمَا أَصنَعُ بِالعِرَاقِ؟ وَعندنَا مِنْ بنَادِرَةِ (3) الحَدِيْثِ ثَلاَثَةٌ: الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو الأَزْهَرِ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ السُّلَمِيُّ (4) .
وَقَالَ ابْنُ الشَّرْقِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا الأَزْهَرِ يَقُوْلُ: كتبَ عَنِّي يَحْيَى بنُ يَحْيَى.
وَقَالَ مَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ: سَأَلْتُ مسلماً عَنْ أَبِي الأَزْهَرِ، فَقَالَ: اكتُبْ عَنْهُ.
__________
(1) قال مغلطاي في " الإكمال " ورقة 6: وفي كتاب " الارشاد " للخليلي: قال يحيى بن معين له لما حدث بحديث: " أنت سيد ": لقد جئت بطامة، فقال له: حدثنيه عبد الرزاق...قال الخليلي: ولا يسقط ابو الأزهر بهذا، يعني برواية هذا الحديث، وفي " ميزان " المؤلف 1 / 82: روى هذا الحديث محمد بن حمدون النيسابوري، عن محمد بن علي بن سفيان النجار، عن عبد الرزاق، فبرئ أبو الأزهر من عهدته.
ونقل في ترجمة عبد الرزاق 2 / 610 عن ابن عدي قوله: حدث بأحاديث في الفضائل لم يوافقه عليها أحد، وسيذكر المؤلف قريبا نص الحديث بسنده.
(2) " الجرح والتعديل " 2 / 41.
(3) البنادرة جمع بندار، وهو هنا: الناقد كما قال المزي في حاشية " تهذيبه " والكلمة ليست بعربية، وأصل هذه النسبة أنها تقال لمن كان مكثرا من شيء يشتري منه من هو أسفل منه أو أخف حالا وأقل مالا منه، ثم يبيع ما يشتري منه من غيره.
(4) " تاريخ بغداد " 4 / 42 وتتمته فيه: فاستغنينا بهم عن أهل العراق وكذا في " تهذيب الكمال ": 258، 259

(12/365)


قَالَ الحَاكِمُ: وَلَعَلَّ مُتَوهِّماً يتوهَّمُ أَنَّ أَبَا الأَزْهَر فِيْهِ لينٌ لقولِ ابْنِ خُزَيْمَةَ فِي مُصنَّفَاتِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ، وَكَتَبْتُهُ مِنْ كِتَابِهِ، وَلَيْسَ كَمَا يُتَوَهمُ، فَإِنَّ أَبَا الأَزْهَرِ كُفَّ بَصَرُهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَكَانَ لاَ يَحْفَظُ حَدِيْثَهُ، فَرُبَّمَا قُرِئَ عَلَيْهِ فِي الوَقْتِ بَعْدَ الوَقْتِ.
فَقيَّدَ أَبُو بَكْرٍ بسَمَاعَاتِهِ مِنْهُ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ.
قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ المُذَكِّرُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
نَظَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَلِيٍّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: (أَنْتَ سَيِّدٌ فِي الدُّنْيَا، سَيِّدٌ فِي الآخِرَةِ، حَبِيْبُكَ حَبِيْبِي، وَحَبِيْبِي حَبِيْبُ اللهِ، وَعَدُوُّكَ عَدُوِّي، وَعَدُوِّي عَدُوُّ اللهِ، فَالوَيْلُ لِمَنْ أَبْغَضَكَ بَعْدِي (1)).
قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَ بِهِ ابْنُ الأَزْهَرِ بِبَغْدَادَ فِي حَيَاةِ أَحْمَدَ وَابْنِ المَدِيْنِيِّ وَابْنِ مَعِيْنٍ، فَأَنْكَرَهُ مَنْ أَنْكَرَهُ، حَتَّى تَبَيَّنَ لِلْجَمَاعَةِ أَنَّ أَبَا الأَزْهَرِ برِيءُ السَّاحَةِ مِنْهُ، فَإِنَّ محلَّهُ مَحَلَّ الصَّادِقينَ.
وَقَدْ تُوبِعَ عَلَيْهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حمدُوْنَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سُفْيَانَ النَّجَّارُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزَّاقِ فذكرَهُ.
وَسَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يَحْيَى بنِ زُهَيْرٍ يَقُوْلُ: لَمَّا حَدَّثَ أَبُو الأَزْهَرِ بِحَدِيْثِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي الفَضَائِلِ، أُخْبِرَ
__________
(1) قال المؤلف في " الميزان " 2 / 613 بعد أن أورده: قلت مع كونه ليس بصحيح فمعناه صحيح سوى آخره، ففي النفس منها شيء وما اكتفى بها حتى زاد، وحبيبك حبيب الله، وبغيضك بغيض الله، فالويل لمن أبغضك " فالويل لمن أبغضه هذا لا ريب فيه، بل الويل لمن يغض منه، أو غض من رتبته، ولم يحبه كحب نظرائه أهل الشورى رضي الله عنهم أجمعين.
قلت: وفي صحيح مسلم (78) عن علي رضي الله عنه قال: " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة: إنه لعهد النبي الأمي إلي: انه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق ".

(12/366)


يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ بِذَلِكَ، فَبينَا هُوَ عِنْدَ يَحْيَى فِي جَمَاعَةِ أَهْلِ الحَدِيْثِ، إِذْ قَالَ يَحْيَى: مَنْ هَذَا الكَذَّابُ النَّيْسَابُوْرِيُّ الَّذِي حَدَّثَ بِهَذَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ؟
فَقَامَ أَبُو الأَزْهَرِ، فَقَالَ: هُوَ ذَا أَنَا.
فتبسَّمَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَقَالَ: أَمَا إِنَّك لَسْتَ بكذَّابٍ، وَتعجَّبَ مِنْ سَلاَمَتِهِ، وَقَالَ: الذنْبُ لِغَيرِكَ فِيْهِ (1) .
وَسَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ بنَ الشَّرْقِيِّ، وَسُئِلَ عَنْ حَدِيْثِ أَبِي الأَزْهَرِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي فضلِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: هَذَا حَدِيْثٌ بَاطِلٌ.
ثُمَّ قَالَ: وَالسَّبَبُ فِيْهِ أَن مَعْمَراً كَانَ لَهُ ابْنُ أَخٍ رَافضيٌّ، وَكَانَ مَعْمَرُ يُمَكِّنُهُ مِنْ كُتُبِهِ، فَأَدْخَلَ هَذَا عَلَيْهِ.
وَكَانَ مَعْمَرُ رَجُلاً مَهِيْباً لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِي السُّؤَالِ وَالمرَاجعَةِ، فسَمِعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي كِتَابِ ابْنِ أَخِي مَعْمَرٍ (2) .
قُلْتُ: وَلِتَشَيُّعِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ سُرَّ بِالحَدِيْثِ، وَكَتَبَهُ، وَمَا رَاجَعَ مَعْمَراً فِيْهِ، وَلَكِنَّهُ مَا جَسَرَ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ لِمِثْلِ أَحْمَدَ وَابْنِ مَعِيْنٍ وَعلِيٍّ، بَلْ وَلاَ خَرَّجَهُ فِي تَصَانِيْفِهِ، وَحدَّثَ بِهِ وَهُوَ خَائِفٌ يترقَّبُ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَامِدٍ البَزَّازَ، سَمِعْتُ مَكِّيَّ بنَ عبدَانَ، سَمِعْتُ أَبَا الأَزْهَرِ يَقُوْلُ: خَرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ إِلَى قَرْيَتِهِ، فَبكَّرْتُ إِلَيْهِ يَوْماً، حَتَّى خَشِيْتُ عَلَى نَفْسِي مِنَ البُكورِ.
قَالَ: فوصلْتُ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يخرجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ.
فَلَمَّا خَرَجَ، رَآنِي، فَقَالَ: كُنْتَ البَارِحَةَ هَا هُنَا؟
قُلْتُ: لاَ، وَلَكِنِّي خَرَجتُ فِي اللَّيْلِ، فَأَعجَبَهُ ذَلِكَ.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَةِ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 4 / 42 و" تهذيب الكمال " 260
(2) تاريخ بغداد " 4 / 42 و" تهذيب الكمال ": 260

(12/367)


الصُّبْحِ، دعَانِي، وَقَرَأَ عليَّ هَذَا الحَدِيْثَ، وَخَصَّنِي بِهِ دُوْنَ أَصْحَابِي (1) .
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، يخرجُ إِلَى قَرْيَةٍ، فَذَهَبْتُ خَلْفَهُ، فرآنِي أَشْتَدُّ، فَقَالَ: تعَالَ، فَأَرْكَبَنِي خَلْفَهُ عَلَى البغلِ، ثُمَّ قَالَ لِي: أَلاَ أُخْبِركَ بِحَدِيْثٍ غَرِيْبٍ؟
قُلْتُ: بَلَى.
فَحَدَّثَنِي بِالحَدِيْثِ، فذكرَهُ.
قَالَ: فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَغْدَادَ، أَنْكَرَ عليَّ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ وَهَؤُلاَءِ، فحلفْتُ أَنِّي لاَ أُحَدِّثُ بِهِ حَتَّى أَتصدَّقَ بِدِرْهَمٍ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَدْ أَخْرَجَ فِي (الصَّحِيْحِ) عَمَّنْ هُوَ دُوْنَ أَبِي الأَزْهَرِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَامِدٍ بنِ الشَّرْقِيِّ، قَالَ: كَانَ عِنْدَ أَبِي الأَزْهَرِ عَنْ شُيُوْخٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى عَنْهُم، وَهُم: ابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبو ضَمْرَةَ، وَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ القَبَّانِيُّ: مَاتَ أَبُو الأَزْهَرِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِي (تَارِيْخِهِ): مَاتَ فِي أَوّلِ سنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: سَنَةَ ثَلاَثٍ أَثْبَتُ.
وَمَاتَ فِيْهَا: أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ المَوْصِلِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ أَبِي الرَّبِيْعِ الجُرْجَانِيُّ، وَالحَافِظُ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، تِلْمِيْذُ ابْنِ مَعِيْنٍ، وَالإِمَامُ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 4 / 42

(12/368)


مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ الرَّقِّيُّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الحَافِظ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الجُرْجَانِيُّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي أَوْفَى: رَجَمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: بَعْدَ مَا نَزَلَتِ النُّوْرُ أَمْ قَبْلَهَا؟
قَالَ: لاَ أَدْرِي (1) .
وسَمِعْنَاهُ بِطُرُقٍ إِلَى السِّلَفِيِّ.

158 - عُمَرُ بنُ شَبَّةَ بنِ عَبْدَةَ أَبُو زَيْدٍ البَصْرِيُّ * (ق)
ابْنِ زَيْدِ بنِ رَائِطَةَ (2) ، العَلاَّمَةُ الأَخْبَارِيُّ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، أَبُو زَيْدٍ، النُّمَيْرِيُّ البَصْرِيُّ النَّحْوِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
(1) وأخرجه من طرق عن الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى البخاري 12 / 147 في المحاربين: باب أحكام أهل الذمة، ومسلم (1702) في الحدود: باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى، وأحمد 4 / 355
(*) الجرح والتعديل 6 / 116، الفهرست: 125، تاريخ بغداد 11 / 208، 210، معجم الأدباء 16 / 60، 62، تهذيب الأسماء واللغات: الجزء الثاني من القسم الأول، ص: 16، 17، وفيات الأعيان 3 / 440، تهذيب الكمال: 1013، 1014، تذهيب التهذيب 3 / 86 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 516، 517، العبر 2 / 25، تاريخ ابن كثير 11 / 35، تهذيب التهذيب 7 / 460، طبقات الحفاظ: 225، خلاصة تذهيب الكمال: 283، شذرات الذهب 2 / 146، المنتظم 5 / 41.
(2) في " الفهرست ": 125 عمر بن شبه بن عبيد بن ريطة. وفي " الجرح والتعديل " 6 / 116: " ابن عبيدة ".
وفي " معجم الأدباء 16 / 60: بن عبيدة بن ريطة. وفي " تهذيب الأسماء واللغات " 2 / 1 / 16 عمر بن شبه - بشين - معجمة مفتوحة ثم موحدة مشددة، بن عبيدة، وبفتح العين، بن زيد بن رابطه. وفي " وفيات الأعيان " 3 / 440: رايطة.

(12/369)


وَسَمِعَ: يَحْيَى بن سَعِيْدٍ القَطَّانَ، وَيُوْسُفَ بنَ عطيَّه، وَعُمَرَ بنَ عَلِيٍّ المُقَدَّمِيَّ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ، وَعَبْدَ الأَعْلَى السَّامِيَّ، وَغُنْدَراً، ومُعَاذَ بنَ مُعَاذٍ، وَعَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَأَبَا زُكيرٍ يَحْيَى بنَ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ، وَأَبَا أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيَّ، وَعُبَيْدَ بنَ الطُّفَيْلِ، وَسَعِيْدَ بنَ عَامِرٍ، وَأَبَا عَاصِمٍ النَّبِيْلَ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
وَيَنْزِلُ إِلَى الرِّوَايَةِ عَنْ: أَبِي خَيْثَمَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ، وَنَصْرِ بنِ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ عَرَفَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ بِحَدِيْثين، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَابْنُ صَاعِدِ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الأَثْرَمِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الخرَائِطيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ العَبَّاسِ الوَرَّاقُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبْتُ عَنْهُ مَعَ أَبِي، وَهُوَ صَدُوْقٌ، صَاحِبُ عَرَبِيَّةٍ وَأَدَبٌ (1) .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ: مُسْتَقِيْمُ الحَدِيْثِ، وَكَانَ صَاحِبَ أَدبٍ وَشعرٍ (2) ، وَأَخْبَارٍ وَمَعْرِفَةٍ بِأَيَّامِ النَّاسِ.
__________
(1) " الجرح والتعديل " 6 / 116، و" تهذيب الكمال ": 1014، و" تذهيب التهذيب " 3 / 86 / 2
(2) من شعره ما قال بعد ان امتحن بمسألة خلف القرآن، فقال:
لما رأيت العلم ولى ودثر * وقام بالجهل خطيب فهجر
لزمت بيتي معلنا ومستتر * مخاطبا خير الورى لمن غبر
أعني النبي المصطفى على البشر * والثاني الصديق والتالي عمر
وأورد له الخطيب في " تاريخه " 11 / 209 - 210 قصيدة من أربعة عشر بيتا.

(12/370)


قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً عَالِماً بِالسِّيَرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَةٌ.
وَكَانَ قَدْ نَزَلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ بِسُرَّ مَنْ رَأَى، وَتُوُفِّيَ بِهَا (1) .
وَذكرَ عُمَرُ بنُ شَبَّةَ أَنَّ اسْمَ أَبِيْهِ زيدٌ، وَلقَبَهُ شَبَّه، لأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ تُرَقِّصُهُ، وَتَقُوْلُ:
يَا بأَبِي وَشبّا(2) ... وَعَاشَ حَتَّى دبّا
شَيْخاً كَبِيْراً خبّا (3)
قَالَ ابْنُ المُنَادِي: مَاتَ بِسُرَّ مَنْ رَأَى، يَوْم الاثْنَيْن لِخَمْسٍ بَقِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَكَانَ قَدْ جَاوَزَ التِّسْعِيْنَ، كَذَا قَالَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَرْبَرِيُّ: مَوْلِدُهُ أَوَّلَ رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ: وَمَاتَ يَوْمَ الخَمِيْسِ لأَرْبَعٍ بَقِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
فكَملَ تِسْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً إِلاَّ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ.
قُلْتُ: صَنَّفَ تَارِيْخاً كَبِيْراً للبصرَةِ لَمْ نرَهُ، وَكِتَاباً فِي (أَخْبَارِ المَدِيْنَةِ)، رَأَيْتُ نصفَهُ يقضِي بِإِمَامَتِهِ، وَصَنَّفَ (أَخْبَارَ الكُوْفَةِ)، وَ(أَخْبَارَ مَكَّةَ)، وَكِتَابَ (الأَمرَاءِ)، وَكِتَابَ (الشِّعْرِ وَالشُّعرَاءِ)، وَكِتَابَ (أَخْبَارِ المَنْصُوْرِ)، وَكِتَابَ (النَّسَبِ)، وَكِتَابَ (التَّارِيْخِ) فِي أَشْيَاءَ كَثِيْرَةٍ.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 11 / 208، و" تهذيب الأسماء واللغات " 2 / 1 / 17 و" تهذيب الكمال ": 1014
(2) روايته في " شذرات الذهب " 2 / 146: يا رب ابني شبا.
(3) الابيات في " الفهرست ": 125، و" تاريخ بغداد " 11 / 208، و" معجم الأدباء " 16 / 60 و" تهذيب الكمال ": 1014، و" تذهيب التهذيب " 3 / 86 / 2، و" تهذيب التهذيب " 7 / 461 والثلاثة في " شذرات الذهب " 2 / 146 و" المنتظم " 5 / 41 دون الثالث.

(12/371)


وَقَدْ وَقَعَ لِي مِنْ عَالِي حَدِيْثِ عُمَرَ بنِ شَبَّةَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عِمْرَانَ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جدِّهِ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُعَلِّمُ عَلَى أَشْرَافِ حَرَمِ المَدِيْنَةِ، فَأَعْلَمْتُ شَرَفَ ذَاتِ الجَيْشِ، وَعَلَى مُشَيْرِفِ وَعَلَى أَشْرَافِ مَحِيصَ، وَعَلَى الحَفْيَاءِ، وَعَلَى العُشْرَاءِ، وَعَلَى قَلْتٍ (1) .
وَفِيْهَا مَاتَ: سَعْدَانُ بنُ يَزِيْدَ البَزَّازُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَيْمُوْنٍ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ صَاحِبُ (المُسْنَدِ)، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَاذٍ، وَعَبَّادُ بنُ الوَلِيْدِ الغُبَرِيُّ (2) ، وَحَاتِمُ بنُ اللَّيْثِ الجَوْهَرِيُّ.

159 - الرِّيَاشِيُّ عَبَّاسُ بنُ الفَرَجِ * (د)
العَلاَّمَةُ الحَافِظُ، شَيْخُ الأَدبِ، أَبُو الفَضْلِ
__________
(1) إسناده ضعيف جدا عبد العزيز بن عمران - وهو الزهري المدني الاعرج - قال الحافظ في " التقريب ": متروك احترقت كتبه، فحدث من حفظه، فاشتد غلطه.
وكان عارفا بالانساب، وشيخه فيه لم أجد من ترجمه، وأورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 302، ونسبه للطبراني في " الأوسط " وضعفه بعبد العزيز بن عمران.
وأورده المؤلف في تذكرة الحفاظ ص 517 في ترجمة عمر بن شبه.
(2) بضم العين المعجمة، وفتح الباء الموحدة، وفي آخرها راء: هذه النسبة إلى بني غبر وهم بطن من يشكر، وهو غبر بن غنم بن حبيب.
(*) مراتب النحويين: 75، 76، المزهر 2 / 419، 423، المنتظم 5 / 5، نزهة الالباء: =

(12/372)


الرِّيَاشِيُّ، البَصْرِيُّ، النَّحْوِيُّ، مَوْلَى مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ عَلِيٍّ العَبَّاسِيِّ الأَمِيْرِ، وَقِيْلَ: كَانَ أَبُوْهُ عبداً لِرَجُلٍ مِنْ جُذَام اسْمُهُ رِيَاش.
وُلِدَ بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ طَائِفَةٍ كَثِيْرَةٍ، وَحملَ عَنْ: أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بنِ المُثَنَّى، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَالأَصْمَعِيِّ، وَأَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَأَبِي أَحْمَدَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيِّ، وَأَشْهلِ بنِ حَاتِمٍ، وَأَحْمَدَ بنِ خَالِدٍ الوَهبِيِّ، وَعُمَرَ بنِ يُوْنُسَ اليَمَامِيِّ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَمُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَالعَلاَءِ بنِ أَبِي سَوِيَّةَ المِنْقَرِيِّ، وَمُسَدَّدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلاَّمٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَعَنْهُ: أَبوَ دَاوُدَ كَلاَمَهُ فِي تَفْسِيْر أَسنَانِ الإِبلِ (1) ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَابْنُهُ مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ، وَأَبُو العَبَّاسِ المُبَرِّدُ، وَأَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمِيرَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُسْتِيُّ القَاضِي، وَأَبُو خَلِيْفَةَ الفَضْلُ بنُ الحُبَابِ (2) ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَأَبُو رَوقٍ
__________
= 199، إيضاح المكنون 2 / 261 و294 و326، بغية الوعاة 2 / 27، الكامل لابن الأثير 5 / 364، تاريخ أبي الفداء 2 / 48، تلخيص ابن مكتوم: 178، الجرح والتعديل 6 / 213، 214، أخبار النحويين البصريين: 89، 93، طبقات النحويين واللغويين: 97، 99، الفهرست: 63، 64، تاريخ بغداد 12 / 138، 140، الأنساب 6 / 209، 210، نزهة الالباء: 262، 264، معجم الأدباء، 12 / 44، 46، اللباب 2 / 46، إنباه الرواة 2 / 367، 374، وفيات الأعيان 3 / 27، 28، تهذيب الكمال: 659، 660، تذهيب التهذيب 2 / 126 / 2، العبر 2 / 14، تهذيب التهذيب 5 / 124، 125، تاريخ ابن كثير 11 / 38، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2 / 14، 15، النجوم الزاهرة 3 / 27، 28، خلاصة تذهيب الكمال: 189، شذرات الذهب 2 / 136.
(1) انظر سنن أبي داود 2 / 247: باب تفسير أسنان الابل.
(2) وهو راوي كتاب " طبقات فحول شعراء " عن ابن سلام الجمحي.
وكان أعمى، وهو ابن اخت محمد بن سلام صاحب " الطبقات " وكان راوية للاخبار والاشعار والآداب والأنساب " وهو مسند عصره في الحديث بالبصرة، وكان ثقة عالما، روى عن الأئمة الكبار. =

(12/373)


الهزَّانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ دُرَيْدٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ رَاوياً لِلأَصْمَعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ السّيرَافيُّ: كَانَ الرِّيَاشِيُّ حَافِظاً لِلُّغَةِ وَالشِّعْرِ، كَثِيْرَ الرِّوَايَةِ عَنِ الأَصْمَعِيِّ.
وَأَخَذَ أَيْضاً عَنْ غَيْرِهِ.
أَخَذَ عَنْهُ: المُبَرِّدُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ دُرَيْدٍ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، وَكَانَ عِنْدَهُ أَخْبَارُ الرِّيَاشِيِّ، قَالَ: كُنَّا نرَاهُ يَجِيْءُ إِلَى أَبِي العَبَّاسِ المُبَرِّدِ فِي قَدْمَةٍ قَدمهَا مِنَ البَصْرَةِ، وَقَدْ لَقِيَهُ أَبُو العَبَّاسِ ثعلبٌ، وَكَانَ يُفَضِّلُهُ وَيُقَدِّمُهُ (1) .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: قَدِمَ الرِّيَاشِيُّ بَغْدَادَ، وَحَدَّثَ بِهَا، وَكَانَ ثِقَةً، وَكَانَ مِنَ الأَدَبِ وَعلمِ النَّحْوِ بِمحَلٍّ عَالٍ.
كَانَ يَحْفَظُ كُتُبَ أَبِي زَيْدٍ، وَكُتُبَ الأَصْمَعِيِّ كُلَّهَا.
وَقَرَأَ عَلَى أَبِي عُثْمَانَ المَازِنِيِّ (كِتَابَ) سِيْبَوَيْه (2) ، فَكَانَ المَازِنِيُّ يَقُوْلُ: قَرَأَ عليَّ الرِّيَاشِيُّ (الكِتَابَ)، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي (3).
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: قتلتْهُ الزَّنْجُ بِالبَصْرَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ: لَمَّا كَانَ مِنْ دُخُوْلِ الزَّنْجِ البَصْرَة مَا كَانَ، وَقَتْلِهِم بِهَا مَنْ قَتَلُوا، وَذَلِكَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعٍ، بَلَغَنَا أَنَّهُم دَخَلُوا عَلَى الرِّيَاشِيِّ المَسْجَدَ بِأَسيَافِهِم، وَالرِّيَاشِيُّ قَائِمٌ يُصَلِّي الضُّحَى، فضربُوهُ
__________
= وتوفي سنة 305 ه.
وقد أثبت العلامة المحقق الشيخ محمود شاكر ثبتا بمصادر ترجمته في " طبقات فحول الشعراء " 1 / 33.
(1) " تاريخ بغداد " 12 / 139، و" تهذيب الكمال ": 660
(2) جاء في " الفهرست ": 64: قال أبو الفتح محمد بن جعفر النحوي: قرأ الرياشي النصف الأول من كتاب " سيبويه " على المازني.
(3) " تاريخ بغداد " 12 / 139، و" تهذيب الكمال ": 660

(12/374)


بِالأَسيَافِ، وَقَالُوا: هَاتِ المَالَ، فَجَعَلَ يَقُوْلُ: أَيُّ مَال، أَيُّ مَال؟!! حَتَّى مَاتَ.
فَلَمَّا خرجَتِ الزَّنْجُ عَنِ البَصْرَةِ، دخلنَاهَا، فمررْنَا ببنِي مَازِن الطَّحَّانين - وَهنَاكَ كَانَ يَنْزِلُ الرِّيَاشِيُّ - فَدَخَلْنَا مَسْجِدَهُ، فَإِذَا بِهِ مُلقَىً وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ القِبْلَةِ، كَأَنَّمَا وُجِّهَ إِلَيْهَا.
وَإِذَا بِشَمْلَةٍ تحركُهَا الرِّيْحُ وَقَدْ تمزقَتْ، وَإِذَا جَمِيْعَ خَلْقِهِ صَحِيْحٌ سِوَيٌّ لَمْ ينشَقَّ لَهُ بطنٌ، وَلَمْ يتغيَّرْ لَهُ حَالٌ، إِلاَّ أَنَّ جلدَهُ قَدْ لَصِقَ بِعَظْمِهِ وَيبسَ، وَذَلِكَ بَعْد مقتلِهِ بِسنتينِ -رَحِمَهُ اللهُ (1) -.
قُلْتُ: فِتْنَةُ الزَّنْجِ كَانَتْ عَظِيْمَةً، وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الشّيَاطينِ الدُّهَاةِ، كَانَ طُرقيّاً أَوْ مُؤَدِّباً، لَهُ نظرٌ فِي الشِّعْرِ وَالأَخْبَارِ، وَيَظْهَرُ مِنْ حَالِهِ الزَنْدَقَةُ وَالمروقُ، ادَّعَى أَنَّهُ علوِيٌّ، وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، فَالتفَّ عَلَيْهِ قُطَّاعُ طَرِيْقٍ، وَالعَبيدُ السُّودُ مِنْ غلمَانِ أَهْلِ البَصْرَةِ، حَتَّى صَارَ فِي عِدَّةٍ، وَتحيّلُوا وَحَصَّلُوا سُيوفاً وَعِصِيّاً، ثُمَّ ثَارُوا عَلَى أَطرَافِ البلدِ، فَبدَّعُوا وَقَتَّلُوا، وَقَوُوا، وَانضمَّ إِلَيْهِم كُلُّ مجرمٍ، وَاسْتفحلَ الشَّرُّ بِهِم؛ فَسَارَ جَيْشٌ مِنَ العِرَاقِ لحربِهِم، فكسرُوا الجَيْشَ، وَأَخَذُوا البَصْرَةَ، وَاستباحوهَا، وَاشتدَّ الخَطْبُ، وَصَارَ قَائِدُهُمُ الخَبِيْثُ فِي جَيْشٍ وَأُهْبَةٍ كَامِلَةٍ، وَعزمَ عَلَى أَخذِ بَغْدَادَ، وَبنَى لِنَفْسِهِ مَدِيْنَةً عَظِيْمَةً، وَحَارَ الخَلِيْفَةُ المعتمدُ فِي نَفْسِهِ، وَدَام البلاَءُ بِهَذَا الخَبِيْثِ المَارقِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَهَابَتْهُ الجُيُوشُ، وَجَرَتْ مَعَهُ مَلاَحِمٌ وَوقَعَاتٌ يطولُ شرحُهَا، قَدْ ذكرَهَا المُؤَرِّخونَ إِلَى أَنْ قُتِلَ.
فَالزَّنْجُ هُمْ عبارَةٌ عَنْ عَبيدِ البَصْرَةِ الَّذِيْنَ ثَارُوا مَعَهُ، لاَ بَارَكَ اللهُ فِيْهِم (2) .
أَخْبَرَنَا أَيُّوْبُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا فضلُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِبَغْدَادَ،
__________
(1) " تاريخ بغداد " 12 / 140، و" تهذيب الكمال ": 660
(2) انظر التفصيل في تاريخ الطبري 431، 437، وابن الأثير 7 / 235 و244 وما بعدها.

(12/375)


أَخْبَرَنَا نصرُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجبّارِ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ الحُرْفيُّ (1) ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ أَحْمَدَ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ الفَرَجِ الرِّيَاشِيُّ، سَمِعْتُ زَيْدَ بنَ هُبَيْرَةَ المَازِنِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكْرِمُ أَحَداً كَرَامَتَهُ لِلْعَبَّاسِ (2) .

160 - ابْنُ مُعَارِكٍ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ نَصْرٍ البَغْدَادِيُّ *
الحَافِظُ الثَّبْتُ، أَبُو عَلِيٍّ، الحُسَيْنُ بنُ نَصْرِ بنِ مُعَارِكٍ، البَغْدَادِيُّ، صهرُ الحَافِظِ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ.
نزل مِصْرَ، وَحَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَإِسْحَاقَ بنَ سُلَيْمَانَ الرَّازِيِّ، وَشَبَابَةَ، وَفُدَيْكِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعُمَرَ بنِ يُوْنُسَ، وَالفريَابَيِّ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالدُّوْلاَبِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَابْنُ جَوْصَا، وَخَلْقٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْق (3) .
__________
(1) الحرفي، بضم الحاء، وسكون الراء وكسر الفاء: هذه النسبة للبقال ببغداد، ومن يبيع الاشياء التي تتعلق بالبذور والبقالين وقال السمعاني 4 / 112: والمشهور بهذه النسبة أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله..السمسار الحرفي من أهل بغداد.
صدقه الخطيب، وتوفي في شوال سنة 336 ه.
(2) زيد بن هبيرة لم أقف له على ترجمة.
(*) الجرح والتعديل 3 / 66، تاريخ بغداد 8 / 143، المنتظم 5 / 27.
(3) " الجرح والتعديل " 3 / 66

(12/376)


وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ.
تُوُفِّيَ: بِمِصْرَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

161 - مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ أَبُو جَعْفَرٍ الثَّقَفِيُّ *
القُدْوَةُ العَابِدُ الصَّادِقُ الإِمَامُ، أَبُو جَعْفَرٍ، الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُمُ الأَصْبَهَانِيُّ، أَخُو أَسِيْدِ بنِ عَاصِمٍ وَإِخوتِهِ.
سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدَةَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَحُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ الجُعْفِيَّ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَيَحْيَى بنَ آدَمَ، وَمُحَمَّدَ بنَ بِشْرٍ العَبْدِيَّ، وَأَبَا يَحْيَى الحِمَّانِيَّ، وَعِدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الجَارُوْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ حَفْصٍ الجُورْجِيرِيُّ، وَخَلْقٌ خَاتِمَتُهُم عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ فَارِسٍ.
رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أُورْمَةَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْل مُحَمَّدِ بن عَاصِمٍ، وَلاَ رَأَى هُوَ مِثْلَ نَفْسِهِ (1) ، يَعْنِي: فِي التَّقْوَى وَالفَضْلِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ: كُنْتُ أَخْتلفُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً يُشْبِهُهُ فِي حُسْنِ دينِهِ، وَحِفْظِ لِسَانِهِ إِلاَّ مُحَمَّدَ بنَ عَاصِمٍ (2) .
وَقَالَ أَبُو الشَّيْخِ أَوْ غَيْرُهُ: كَانَ مُحَمَّدٌ وَأَسِيدٌ وَعلِيٌّ وَالنُّعْمَانُ بَنو عَاصِمٍ مِنْ
__________
(*) الجرح والتعديل 8 / 46، ذكر أخبار أصبهان 2 / 189، طبقات المحدثين بأصبهان: 62، 63، العبر 2 / 25، الوافي بالوفيات 3 / 180، تاريخ ابن كثير 11 / 35.
(1) " طبقات المحدثين ": 63 / لأبي الشيخ وأخبار أصبهان " 2 / 189
(2) " طبقات المحدثين ": 63.

(12/377)


سكَانِ المَدِيْنَةِ مَدِيْنَة جَيّ (1) .
مَاتَ مُحَمَّدٌ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ المُعَمَّرِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا أَبو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يكرَهُ مَسَّ قَبْرِ النَّبِيِّ (2) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
سَمِعْنَا جُزءَ مُحَمَّدِ بنِ عَاصِمٍ بِالاتِّصَالِ.

162 - أَسِيْدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ أَبُو الحُسَيْنِ *
الحَافِظُ المُحَدِّثُ الإِمَامُ، أَبُو الحُسَيْنِ، كَانَ أَصَغَرَ مِنْ أَخِيْهِ مُحَمَّدٍ.
سَمِعَ: سَعِيْدَ بنَ عَامِرٍ الضُّبَعِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ بَكْرٍ السَّهْمِيَّ، وَبِشْرَ بنَ عُمَرَ الزَّهْرَانِيَّ، وَبَكْرَ بنَ بَكَّارٍ، وَعَامِرَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَالحُسَيْنَ بنَ حَفْصٍ، وَطَبَقَتَهُم، وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ).
حدَّثَ عَنْهُ: أَبُو علِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَيَّوَيْه
__________
(1) " أخبار أصبهان " 2 / 189، بدون " مدينة جي " وجي، بفتح الجيم، وتشديد الياء: مدينة بأصبهان، ويقال: إنها إحدى المدن التي بناها الاسكندر: انظر " الروض المعطار ": 186.
(2) رجاله ثقات.
(*) الجرح والتعديل 2 / 318، حلية الأولياء 10 / 394، ذكر أخبار أصبهان 1 / 226، طبقات المحدثين بأصبهان: 78، العبر 2 / 44، تاريخ ابن كثير 11 / 47، 48، شذرات الذهب 2 / 158.

(12/378)


الكَرَجِيُّ (1) ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ فَارِسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ بُنْدَارٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَقَعَ لَنَا نُسختَانِ مِنْ حَدِيْثِهِ، تتكررُ أَحَادِيْثُهُمَا كَثِيْراً.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:ثِقَةٌ رِضَىً (2) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ فِي عشرِ التِّسْعِيْنَ.

163 - مُحَمَّدُ بنُ شُجَاعٍ ابْنُ الثَّلْجِيِّ البَغْدَادِيُّ *
الفَقِيْهُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، البَغْدَادِيُّ الحَنَفِيُّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ الثَّلْجِيِّ.
سَمِعَ مِنِ: ابْنِ عُلَيَّةَ، وَوَكِيْعٍ، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَطَبَقَتِهِم.
وَتَلاَ عَلَى: اليَزِيْديِّ (3) ، وَأَخَذَ الحُرُوْفَ عَنْ يَحْيَى بنِ آدَمَ (4) ، وَالفِقْهَ عَنِ الحَسَنِ بنِ زِيَادٍ (5) ، وَبرَعَ.
وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ.
رَوَى عَنْهُ: يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَحَفِيْدُهُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ ثَابِتٍ، وَعِدَّةٌ.
__________
(1) الكرجي، بفتح أولها والراء، وفي آخرها جيم، نسبة إلى الكرج، وهي مدينة ميلاد الجبل بين أصبهان وهمذان.
(2) " الجرح والتعديل " 2 / 318.
(*) الفهرست: 259، الأنساب، 3 / 138، اللباب 1 / 241، ميزان الاعتدال 3 / 577، 578، العبر 2 / 33، 34، الوافي بالوفيات 3 / 148، تاريخ ابن كثير 11 / 40، تهذيب التهذيب 9 / 220، النجوم الزاهرة 3 / 42، الفوائد البهية: 171، خلاصة تذهيب الكمال: 341، شذرات الذهب 2 / 151، المنتظم 5 / 57، 58.
(3) هو يحيى بن المبارك بن المغيرة أبو محمد العدوي البصري المعروف باليزيدي تقدمت ترجمته في الجزء التاسع برقم (219)
(4) تقدمت ترجمته في الجزء التاسع برقم (204)
(5) تقدمت ترجمته في الجزء التاسع برقم (212)

(12/379)


وَكَانَ صَاحِبَ تَعَبُّدٍ وَتهجُّدٍ وَتِلاَوَةٍ.
مَاتَ سَاجِداً.
لَهُ كِتَابُ (المَنَاسِكِ) فِي نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ جُزءاً، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَقِفُ فِي مَسْأَلَةِ القُرْآنِ (1) ، وَينَالُ مِنَ الكِبَارِ.
وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ بَسْطِ أَخْبَارِهِ.
عَاشَ خَمْساً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

164 - السُّوْسِيُّ أَبُو شُعَيْبٍ صَالِحُ بنُ زِيَادِ بنِ عَبْدِ اللهِ * (س)
الإِمَامُ المُقْرِئُ المُحَدِّثُ، شَيْخُ الرَّقَّةِ، أَبُو شُعَيْبٍ، صَالِحُ بنُ زِيَادِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الجَارُوْدِ بنِ مسرحٍ، الرُّستبِيُّ السُّوْسِيُّ (2) الرَّقِّيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وجَوَّدَ القُرْآنَ عَلَى يَحْيَى اليَزِيْديِّ، وَأَحكمَ عَلَيْهِ حَرْفَ أَبِي عَمْرٍو.
وَسَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَأَسْبَاطَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةً.
تَلاَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ، مِنْهُم: أَبُو عِمْرَانَ مُوْسَى بنُ جَرِيْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّحْوِيُّ، وَأَبُو الحَارِثِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الرَّقِّيُّونَ.
وَأَخَذَ عَنْهُ الحُرُوْفَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الخُرَاسَانِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.
__________
(1) أي لا يقول: مخلوق أو غير مخلوق.
(*) الجرح والتعديل 4 / 404، طبقات الحنابلة 1 / 176، 177، الأنساب 7 / 190، تهذيب الكمال: 598، تذهيب التهذيب 2 / 87 / 1، العبر 2 / 22، 23 معرفة القراء 159. غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 332، 333، تهذيب التهذيب 4 / 392، خلاصة تذهيب الكمال: 170، شذرات الذهب 2 / 143.
(2) بضم السين: نسبة إلى السوس، مدينة بخوزستان.

(12/380)


وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَالحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) .
وَقَدْ ذُكِرَ النَّسَائِيُّ أَنَّهُ رُوِي عَنْهُ (2) ، وَمَا رُوِي عَنْهُ سِوَى حُرُوْفَ القِرَاءةِ.
وَكَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ، دَعَا لَهُ الإِمَامُ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ خَتَنهُ تَكَلَّمَ فِي القُرْآنِ، فَقَامَ أَبُو شُعَيْبٍ عَلَيْهِ ليُفَارِقَ بنتَهُ.
مَاتَ: فِي أَوَّلِ سنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ قَاربَ التِّسْعِيْنَ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ الحَافِظُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ العِجْلِيُّ الحَافِظُ، وَشُعَيْبُ بنُ أَيُّوْبَ الصَّرِيفينِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ إِشكَابٍ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّدٌ، وَعَلِيُّ بنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، وَعِيْسَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَثْرودٍ، وَمُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ غَالِبٍ العَطَّارُ، وَآخَرُوْنَ.

165 - عِيْسَى بنُ أَحْمَدَ بنِ عِيْسَى بنِ وَرْدَانَ البَغْدَادِيُّ * (ق، س)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ الثِّقَةُ، أَبُو يَحْيَى، البَغْدَادِيُّ، ثُمَّ البَلْخِيُّ العَسْقَلاَنِيُّ، نسبَةً إِلَى عَسْقَلاَن بَلْخ، وَهِيَ مَحلَّةٌ كَبِيْرَةٌ.
__________
(1) " الجرح والتعديل " 4 / 404 و" تهذيب التهذيب " 4 / 392. وجاء فيه: قال النسائي: ثقة.
وذكره ابن حبان في " الثقات ".
(2) ذكر ذلك عنه أبو القاسم بن عساكر في " المعجم المشتمل 142 ": وتعقبه الحافظ المزي فيما نقله عنه المؤلف في " تذهيب التهذيب " 2 / 87 فقال: ذكره صاحب النبل ولم أقف على روايته عنه بحديث.
إنما روى عنه قراءة أبي عمرو فيما أعلم.
(*) الجرح والتعديل 6 / 272، اللباب 2 / 339، 340، تهذيب الكمال: 1078، تذهيب التهذيب 3 / 127 / 2، تاريخ ابن كثير 11 / 42، تهذيب التهذيب 8 / 205، 206، معجم البلدان 4 / 122، خلاصة تذهيب الكمال: 301.

(12/381)


وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ: بَقِيَّةَ بنَ الوَلِيْدِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ وَهْبٍ، وَضَمْرَةَ بنَ رَبِيْعَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَبِشْرَ بنَ بَكْرٍ التِّنِّيْسِيَّ، وَعِدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَحَامِدُ بنُ بِلاَلٍ البُخَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ البَلْخِيُّ، وَالهَيْثَمُ بنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، فَأَكْثَرَ عَنْهُ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ (1) .
وَرَوَى عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ أَيْضاً، وَقَالَ: صَدُوْقٌ (2) ، وَحَمَّادُ بنُ شَاكِرٍ النَّسَفِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ معقلٍ، وَآخَرُوْنَ، وَكَانَ مُسْنِدَ تِلْكَ الدِّيَارِ فِي زَمَانِهِ.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
فَاللهُ أَعْلَمُ.
مَاتَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ المَرْوَزِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ الضَّبِّيُّ، وَالفَضْلُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ الحكمِ.

166 - شَاذَانُ أَبُو بَكْرٍ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النَّهْشَلِيُّ الفَارِسِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو بَكْرٍ، إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ
__________
(1) " تهذيب الكمال ": 1078.
وقال المزي: ذكره ابن حبان في " الثقات "
(2) " الجرح والتعديل " 6 / 272، و" تهذيب الكمال ": 1078.
(*) الجرح والتعديل 2 / 211، العبر 2 / 35، الوافي بالوفيات 8 / 394، تاريخ ابن كثير 11 / 41، شذرات الذهب 2 / 152.

(12/382)


بنِ بُكَيْرٍ بنِ زَيْدٍ، النَّهْشَلِيُّ الفَارِسِيُّ، شَاذَانُ.
سَمِعَ مِنْ: جدِّهِ سَعْدِ بنِ الصَّلْتِ القَاضِي - وَجدُّهُ هَذَا كُوْفِيٌّ مِنْ طَبَقَةِ وَكِيْعٍ، وَلِيَ قَضَاءَ شيرَازٍ مُدَّةً ثُمَّ ارْتَحَلَ شَاذَانُ، فسَمِعَ مِنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَالأَسْوَدِ بنِ عَامِر شَاذَان، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، ارْتَحَلَ إِلَيْهِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الجَارُوْدِيُّ، وَنَصْرُ بنُ أَبِي نَصْرٍ الشِّيْرَازِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ الحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الجُورجيرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَمْزَةَ بنِ عُمَارَةَ.
ويَقَعُ لَنَا حَدِيْثُهُ فِي (الثَّقَفيَّاتِ).
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبَ إِلَيَّ وَإِلَى أَبِي، وَهُوَ صَدُوْقٌ (1) .
وذكرَهُ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ فِي (الثِّقَاتِ)، وَقَالَ: مَاتَ لسبعٍ بَقِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

167 - أَحْمَدُ بنُ حَفْصِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ رَاشِدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ * (خَ، د، س)
الإِمَامُ الثِّقَةُ، قَاضِي نَيْسَابُوْرَ، أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ أَبِي عَمْرٍو، وَالجَارُوْدِ بنِ يَزِيْدَ، وَالحُسَيْنِ بنِ الوَلِيْدِ، وَعَبْدَانَ، وَجَمَاعَةٍ.
__________
(1) " الجرح والتعديل " 2 / 211.
(*) الجرح والتعديل 2 / 48، تهذيب الكمال: 20، تذهيب التهذيب 1 / 10 / 1، العبر 2 / 16، الوافي بالوفيات 6 / 360، تاريخ ابن كثير 11 / 31، تهذيب التهذيب 1 / 24، 25، خلاصة تذهيب الكمال: 5، شذرات الذهب 2 / 137.

(12/383)


وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنُ الشَّرْقِيِّ، وَأَخُوْهُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ بِلاَل، وَخَلْقٌ، وَمُسْلِمٌ خَارجَ (الصَّحِيْحِ)، وَأَبُو عَوَانَةَ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: صَدُوْقٌ (1) .
تُوُفِّيَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَشَيَّعَهُ أُمَمٌ.

168 - أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ خَالِدِ بنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ * (م، د، س، ق)
الإِمَامُ، الحَافِظُ الصَّادِقُ، أَبُو الحَسَنِ، السُّلَمِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَيُلَقَّبُ بحَمْدَانَ، وَهُوَ جَدُّ الزَّاهِدِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ نُجيدٍ صَاحِبُ ذَاكَ الجُزْءِ المَشْهُوْرِ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ حَفِيْدُهُ ابْنُ نُجيدٍ: كَانَ جَدِّي أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ أَزْدِيّاً سُلَمِيَّ الأُمِّ، فغَلَبَ عَلَيْهِ السُّلَمِيُّ.
قُلْتُ: كَانَ مُحَدِّثَ خُرَاسَانَ فِي زَمَانِهِ.
سَمِعَ: الجَارُوْدَ بنَ يَزِيْدَ، وَحَفْصَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحَفْصَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَهَاشِمَ بنَ القَاسِمِ قَيْصر، وَمُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيَّ، وَمُوْسَى بنَ دَاوُدَ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَطَبَقَتَهُم.
__________
(1) " تهذيب التهذيب " 1 / 25 وفيه: وقال النسائي [ أيضا ]: لا بأس به وقال في " أسماء شيوخه ": ثقة.
قال ابن حجر: وكذا قال مسلمة.
(*) الجرح والتعديل 2 / 81، تهذيب الكمال: 47، 48، تذهيب التهذيب 1 / 30 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 565، 566، العبر 2 / 28، تهذيب التهذيب 1 / 91، 92، خلاصة تذهيب الكمال: 14، شذرات الذهب 2 / 147، تهذيب ابن عساكر 2 / 122، 123.

(12/384)


حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ بِلاَلٍ، وَمكِيُّ بنُ عَبْدَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القَطَّانُ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
ذكرَهُ الحَاكِمُ، فَقَالَ: أَحَدُ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، كَثِيْرُ الرِّحلَةِ، وَاسِعُ الفَهْمِ، مَقْبُوْلٌ عِنْدَ الأَئِمَّةِ فِي أَقطَارِ الأَرْضِ، وَهُوَ مِنْ خوَاصِّ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَمِنَ المُصَاهِرينَ لَهُ.
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَامِدٍ البَزَّازُ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مَشَايِخنَا يَحْكُوْن عَنْ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ السُّلَمِيِّ، قَالَ: أَنَا لَسْتُ بسُلَمِيٍّ، بَلْ أَزدَيٌّ، وَعيَالِي سُلَمِيَّةٌ (1) .
سَمِعَ بِخُرَاسَانَ عِدَّةً، وَبَالرَّيِّ مِنْ: عِيْسَى بنِ جَعْفَرٍ القَاضِي، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ الضُّرَيْسِ، وَسُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ القَزَّازِ، وَبِبَغْدَادَ: مِنْ أَبِي النَّضْرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ المَدَائِنِيِّ، وَمُوْسَى بنِ دَاوُدَ وَمَنْصُوْرِ بنِ سَلَمَةَ.
ثُمَّ سمَى الحَاكِمُ طَائِفَةً سَمِعَ مِنْهُم بِالْكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ وَالحِجَازِ وَاليَمَنِ وَالشَّامِ وَالجَزِيْرَةِ.
وَذَكَرَهُ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ، فَقَالَ: حَدَّثَ عَنْ: جَعْفَرِ بنِ عَوْنٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ، وَالعَقَدِيِّ، وَالفِرْيَابِيِّ، وَأَبِي مُسْهِرٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي بُكَيْر، وَسَمَّى خلقاً.
حدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ يَحْيَى شَيْخُهُ، وَالبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ (صَحِيْحِهِ).
__________
(1) " تهذيب الكمال ": 47، و" تهذيب ابن عساكر " 2 / 122.

(12/385)


قَالَ مُسْلِمٌ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ نَبِيْلٌ (1) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
قَالَ مَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ عُبِيدِ اللهِ بنِ مُوْسَى ثَلاَثِيْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ.
قَالَ أَبو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ: تُوُفِّيَ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَرَوَى أَبُو سَعِيْدٍ المُؤَذِّنُ، عَنْ أَبِيْهِ أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ.
قَالَ الحَاكِمُ: قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: سَمِعْتُ حَمْدَانَ السُّلَمِيَّ، وَقَالُوا لَهُ: أَسْمِعْنَا.
قَالَ: لاَ يُمْكِنُنِي، أَنَا ابْنُ ثَمَانِيْنَ سنَةً، وَذَلِكَ فِي نِصْفِ شَوَّالٍ سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ.
قُلْتُ: طلبُوا أَنْ يُحَدِّثَهُم مِنْ لَفْظِهِ، فَاعتذَرَ بِالعجزِ عَنْ تبَلِيْغِ جَمْعٍ كَثِيْرٍ.
أَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّيُّ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ بنَ الفَضْلِ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يُوْسُفَ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ، سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ، يَقُوْلُ: خَرَجتُ مِنْ عِنْدِ هَذَا -يَعْنِي: المَهْدِيَّ- وَلَمْ أُسَلِّمَ عَلَيْهِ بِالإِمَارَةِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ، وَتبسَّمَ، وَقَالَ: لَقَدْ طلبنَاكَ فَأَعْجَزْتنَا، وَقَدْ جَاءَ اللهُ بِكَ، ارفعْ إِلَيْنَا حَاجَتَكَ.
قُلْتُ: قَدْ ملأَتَ الأَرْضَ ظُلماً وَجَوراً، فَاتقِ اللهَ، وَليكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ عِبَرٌ.
فَنَكَّسَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ؟!!
قُلْتُ: تَهْرُبُ بدِيْنِكَ.
__________
(1) بالتصغير.

(12/386)


وَقَعَ لَنَا عِدَّةُ أَحَادِيْثَ مِنْ مُوَافقَاتِ السُّلَمِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ-.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفتوحِ نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ ظَافرٍ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا الهَيْثَمُ بنُ حُمَيْدٍ، عَنِ العَلاَءِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أُمِّ حَبِيْبَةَ، سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ) (1) .
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ: أَخْبَرَكَ أَبُو المفَاخِرِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَأْمُوْنِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
__________
(1) رجاله ثقات إلا أنه منقطع، فقد قال الترمذي في سننه 1 / 130 قال محمد - يعني البخاري - لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان، وأخرجه ابن ماجة في " سننه " رقم (481) من طريقين عن الهيثم بن حميد بهذا الإسناد.
قال البوصيري في " الزوائد " ورقة 36: هذا إسناد فيه مقال مكحول الدمشقي مدلس، وقد رواه بالعنعنة، فوجب ترك حديثه لا سيما وقد قال البخاري وأبو زرعة، وهشام بن عمار، وأبو مسهر وغيرهم: أنه لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان، فالاسناد منقطع، ورواه البيهقي في الكبرى 1 / 130 من طريق الهيثم من حميد به، ورواه أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو بكر بن زنجويه، حدثنا أبو مسهر، حدثني الهيثم بن حميد، فذكره بإسناده ومتنه، وزاد في آخره: قال العلاء: قال مكحول: من مس متعمدا.
قلت: لكن الحديث ثبت من طريق آخر عن بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا مس أحدكم ذكره، فليتوضأ " أخرجه مالك 1 / 42، والشافعي في " الام " 1 / 15، وأحمد 6 / 406، وأبو داود (181) والترمذي (82) والنسائي 1 / 100، وابن ماجة (479) وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان (212) و(213) والحاكم 1 / 136، وأقره الذهبي، وقد ارتفع وجوب الوضوء المستفاد من قوله " فليتوضأ " وبقي الندب بحديث طلق بن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مس الرجل ذكره، فقال: " هل هو إلا مضغة أو بضعة منك " وهو حديث صحيح أخرجه أحمد 4 / 22، 23، وأبو داود (182) والترمذي (85) والنسائي 1 / 38، وابن ماجة (483) وصححه عمرو بن علي الفلاس، وابن المديني، والطحاوي، وابن حبان (207) والطبراني وابن حزم.

(12/387)


الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الجُرْجَانِيُّ سَنَة خَمْسٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ إِمْلاَءً، قَالَ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُعَاذٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا قَبِيْصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: اسْتَأْذَنَهُ نِسَاؤُهُ فِي جِهَادٍ.
فَقَالَ: (بِحَسْبِكُنَّ الجِهَادُ، أَوْ جِهَادُكُنَّ الحَجُّ (1)).
وَفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، وَأَبُو إِبْرَاهِيْمَ المُزَنِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى.

169 - زَاج أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ رَاشِدٍ المَرْوَزِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو صَالِحٍ، أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ رَاشِدٍ، المَرْوَزِيُّ، زَاج.
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 6 / 57 في الجهاد: باب جهاد النساء، من طريق قبيصة ومحمد بن كثير، كلاهما عن سفيان بهذا الإسناد، وأخرجه البيهقي في " سننه " 4 / 326 من طريق قبيصة، عن سفيان.
وأخرجه البخاري 6 / 57 من طريق قبيصة، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين.
وأخرجه أحمد 6 / 165، وابن ماجة (2901) من طريق محمد بن فضيل، حدثنا حبيب بن أبي عمرة، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله: هل على النساء جهاد ؟ قال: " نعم عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة " وإسناده صحيح، وأخرجه البخاري 4 / 63 في الحج: باب حج النساء، وأحمد 6 / 79 من طريق عبد الواحد بن زياد، حدثنا حبيب بن أبي عمرة، حدثتنا عائشة بنت طلحة، عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، ألا نغزو أو نجاهد معكم ؟ فقال: " لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج حج مبرور " فقالت عائشة: لا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو في البخاري 3 / 302 في الحج: باب فضل الحج المبرور، و" المسند " 6 / 67 و68 و71 و75 و79 و120 و166 من طرق عن حبيب بن أبي عمرة به بنحوه.
(*) الجرح والتعديل 2 / 78، تاريخ بغداد 5 / 150، 151، تهذيب الكمال: 43، تذهيب التهذيب 1 / 27 / 2، تهذيب التهذيب 1 / 82، 83، خلاصة تذهيب الكمال: 13.

(12/388)


عَنِ: النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، وَعُمَرَ بنِ يُوْنُسَ، وَحُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ، وَرَوْحٍ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَمُسْلِمٌ فِي غَيْرِ (الصَّحِيْحِ).
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
170 - الرَّمَادِيُّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرِ البَغْدَادِيُّ * (ق)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الضَّابطُ، أَبُو بَكْرٍ، أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ سَيَّارِ بنِ مُعَارِكٍ، الرَّمَادِيُّ البَغْدَادِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ الرَّزَّاقِ بكُتُبِهِ، وَعَنْ زَيْدِ بنِ الحُبَابِ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَهَاشِمِ بنِ القَاسِمِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَالأَسْوَدِ بنِ عَامِرٍ، وَعَفَّانَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي بُكَيْرٍ، وَعُثْمَانَ بنِ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَأَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَمُحَمَّدِ بنِ وَهْبٍ الدِّمَشْقِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ بِالحِجَازِ وَاليَمَنِ، وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو
__________
(1) " الجرح والتعديل " 2 / 78
(*) الجرح والتعديل 2 / 78، تاريخ بغداد 5 / 151، 153، الأنساب 6 / 163، اللباب 2 / 36، تهذيب الكمال: 43، 44، تذهيب التهذيب 1 / 27 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 564، 565، ميزان الاعتدال 1 / 158، العبر 2 / 30، الوافي بالوفيات 8 / 192، تاريخ ابن كثير 11 / 38، تهذيب التهذيب 1 / 83، 84، طبقات الحفاظ: 251، خلاصة تذهيب الكمال: 13.

(12/389)


العَبَّاسِ بنُ سُرَيْجٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَابْنُ مَخْلَدْ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ البَلْخِيُّ، وَأَبُو (1) بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَالحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى بنِ عَيَّاشٍ القَطَّانُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَقَالَ فِي (تَارِيْخِهِ): سَمِعْتُ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ.
وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ الكَبِيْرَ).
وَكَانَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ يَقُوْلُ: أَنَا أَسْكُتُ مِنْ أَمرِ الرَّمَادِيِّ عَلَى شَيْءٍ أَخَافُ أَنْ لاَ يَسَعنِي، كُنْتُ رُبَّمَا سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّمَادِيُّ (2) ، يَعْنِي: يَذْكُرُهُ بِكُنْيَتِهِ، وَقَدْ كَانَ رفيقاً وَصَاحِباً ليَحْيَى فِي رحلتِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أُورْمَةَ، قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَالَ الآخرُ: حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، كَانَا سوَاءً (3) .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ (4) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:كَانَ أَبِي يُوَثِّقَهُ (5) .
قَالَ ابْنُ مَخْلَدٍ: كَانَ الرَّمَادِيُّ إِذَا مرض يَسْتَشفِي بِأَنْ يَسمعُوا عَلَيْهِ الحَدِيْثَ.
__________
(1) في الأصل: " أبي " وهو خطأ.
(2) " تاريخ بغداد " 5 / 152، و" تهذيب الكمال ": 43.
(3) " تاريخ بغداد " 5 / 152، 153، و" تهذيب الكمال ": 43، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 285.
(4) " تاريخ بغداد " 5 / 153، و" تهذيب الكمال ": 43.
(5) " الجرح والتعديل " 2 / 78، و" تاريخ بغداد " 5 / 151، و" تهذيب الكمال " 43، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 285.

(12/390)


قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: مَاتَ الرَّمَادِيُّ لأَرْبَعٍ بَقِيْنَ مِنْ رَبِيْع الآخرِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدِ اسْتكملَ ثَلاَثاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: سَمِعْنَا مِنْ طَرِيْقِهِ جَمَاعَةَ أَجزَاءٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
وَفِيْهَا مَاتَ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَارِثِ البَغْدَادِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ هَانِئٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَسَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ المُخَرِّمِيُّ، وَصَالِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ المُخَرِّمِيُّ، وَالقُدْوَةُ أَبوَ حَفْصٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَالمنتظَرُ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ، وَالرَّافِضَةُ تَقُوْلُ: لَمْ يمُتْ، بَلِ اخْتَفَى فِي السّردَابِ.

171 - أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ * (ت، س)
ابْنِ المُغِيْرَةِ بنِ بَرْدِزْبَه، وَقِيْلَ: بَذْدُزْبَه (1)، وَهِيَ لَفْظَةٌ بخَارِيَّةٌ، معنَاهَا الزرَّاعُ.
__________
(*) مقدمة كتابه: التاريخ الصغير، الجرح والتعديل 7 / 191، طبقات الحنابلة 1 / 271، 279، تاريخ بغداد 2 / 4، 33، الأنساب، ورقة: 68 / أ، تقييد المهمل للغساني، لوحة: 5، 52، اللباب 1 / 125، تهذيب الأسماء واللغات: الجزء الأول من القسم الأول، ص: 67، 76، وفيات الأعيان 4 / 188، 191، تهذيب الكمال: 1168، 1172، تذهيب التهذيب 3 / 185 / 2، 189 / 1، جامع الأصول 1 / 186، العبر 2 / 12، 13، تذكرة الحفاظ 2 / 555، 557، الوافي بالوفيات 2 / 206، 209، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 212، 241، تاريخ ابن كثير 11 / 24، 26، تهذيب التهذيب 9 / 47، 55، مقدمة فتح الباري، النجوم الزاهرة 3 / 25، 26، طبقات الحفاظ: 248، 249، خلاصة تذهيب الكمال: 327، طبقات المفسرين 2 / 100، مرآة الجنان 2 / 167، مفتاح السعادة 2 / 130، شذرات الذهب 2 / 134، 136.
(1) جاء في " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 67 / 1: بردزبه، بباء موحدة مفتوحة، ثم راء ساكنة، ثم دال مهملة مكسورة.
ثم زاي ساكنة، ثم باء موحدة، ثم هاء. هكذا قيده الأمير أبو نصر بن ماكولا. وقال: هو بالبخارية، ومعناه بالعربية: الزراع.
وفي " وفيات الأعيان " 4 / 190 قال ابن خلكان: وقد اختلف في اسم جده، فقيل: إنه يزذبة، بفتح الياء المثناة من تحتها، وسكون الزاي، وكسر الذال المعجمة، وبعدها باء موحدة، ثم هاء ساكنة.
ثم نقل قول ابن ماكولا.

(12/391)


أَسلَمَ المُغِيْرَةُ عَلَى يَدِي اليَمَان الجُعْفِيِّ (1) وَالِي بُخَارَى، وَكَانَ مَجُوْسِيّاً، وَطَلَبَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العِلْمَ.
فَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ بنِ سِلَفَةَ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ البَرْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعَ أَبِي مِنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَرَأَى حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَصَافحَ ابْنَ المُبَارَكِ بكلتَا يَدَيْهِ.
قُلْتُ: وَوُلِدَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَاله أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ البُخَارِيُّ، وَرَّاقُ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي كِتَابِ (شمَائِلِ البُخَارِيِّ)، جَمْعَهُ، وَهُوَ جزءٌ ضخمٌ.
أَنْبَأَنِي بِهِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوْسِيِّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ طَاهِرٍ الحَافِظ أَجَازَ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مِهْرَوَيْهِ الفَارِسِيُّ المُؤَدِّبُ، قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ مَرْو لزيَارَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بنِ مَطَرٍ الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي حَاتِمٍ، فَذَكَرَ الكِتَابَ فَمَا أَنْقُلُهُ عَنْهُ، فَبهَذَا السّندِ.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِيْمَا أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا
__________
(1) قال الخطيب في " تاريخه " 2 / 6: ريحان هذا هو أبو جد عبد الله بن محمد المسندي [ وزاد النووي رحمه الله: بفتح النون ]، وعبد الله بن محمد هو ابن جعفر بن يمان البخاري الجعفي.
والبخاري قيل له: جعفي، لان أبا جده أسلم على يدي أبي جد عبد الله المسندي ويمان جعفي، فنسب إليه لأنه مولاه من فوق.

(12/392)


أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الفَضْلِ البَلْخِيُّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: ذهبَتْ عينَا مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي صِغَرِهِ فرأَتْ وَالِدتُهُ فِي المَنَامِ إِبْرَاهِيْمَ الخَلِيْلَ - عَلَيْهِ السَّلاَم - فَقَالَ لَهَا: يَا هَذِهِ، قَدْ رَدَّ اللهُ عَلَى ابْنِكِ بصرَهُ لكَثْرَةِ بُكَائِكِ، أَوْ كَثْرَةِ دُعَائِكِ - شكَّ البَلْخِيُّ - فَأَصْبحْنَا وَقَدْ رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ بصرَهُ (1) .
وبَالسَّندِ المَاضِي إِلَى مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ أَمرِكَ؟
قَالَ: أُلْهِمْتُ حِفْظَ الحَدِيْثِ وَأَنَا فِي الكُتَّابِ.
فَقُلْتُ: كم كَانَ سِنُّكَ؟
فَقَالَ: عشرُ سِنِيْنَ، أَوْ أَقَلّ، ثُمَّ خرجْتُ مِنَ الكُتَّابِ بَعْد العشرِ، فَجَعَلْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى الدَّاخلِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ يَوْماً فِيْمَا كَانَ يَقْرَأُ لِلنَّاسِ: سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَرْوِ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ.
فَانْتَهَرنِي، فَقُلْتُ لَهُ: ارْجِعْ إِلَى الأَصْلِ فَدَخَلَ فنظَرَ فِيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ هُوَ يَا غُلاَمُ؟
قُلْتُ: هُوَ الزُّبَيْرُ بنُ عَدِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَأَخَذَ القلمَ مِنِّي، وَأَحْكَمَ كِتَابَهُ، وَقَالَ: صدقْتَ.
فَقِيْلَ لِلْبُخَارِيِّ: ابْنُ كَمْ كُنْتَ حِيْنَ رددتَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمَّا طَعَنْتُ فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، كُنْتُ قَدْ حفظتُ كتبَ ابْنِ المُبَارَكِ وَوَكِيْعٍ، وَعرفتُ كَلاَمَ هَؤُلاَءِ (2) ، ثُمَّ خرجْتُ مَعَ أُمِّي وَأَخِي أَحْمَدَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا حَجَجْتُ رَجَعَ أَخِي بِهَا! وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ (3) .
__________
(1) " طبقات الحنابلة " 1 / 274، و" تهذيب الكمال ": 1170، و" طبقات السبكي " 2 / 216، و" مقدمة فتح الباري ": 478.
(2) قال ابن حجر في " مقدمة الفتح ": 479: يعني أصحاب الرأي.
(3) " تاريخ بغداد " 2 / 7، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 216، و" مقدمة الفتح ": 478، 479.

(12/393)


ذِكْرُ تسمِيَة شُيوخِهِ وَأَصْحَابِهِ
سَمِعَ بِبُخَارَى قَبْلَ أَنْ يرتحلَ مِنْ: مَوْلاَه مِنْ فَوْقِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ اليَمَانِ الجُعْفِيِّ المُسْنديِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ (1) البِيْكَنْدِيِّ، وَجَمَاعَةٍ، ليسُوا مِنْ كِبَارِ شُيُوْخِهِ.
ثُمَّ سَمِعَ ببلخٍ مِنْ: مكِّيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَهُوَ مِنْ عَوَالِي شُيوخِهِ.
وَسَمِعَ بِمَرْوَ مِنْ: عبدَانَ بنِ عُثْمَانَ، وَعَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، وَصَدَقَةَ بنِ الفَضْلِ، وَجَمَاعَةٍ.
وبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَجَمَاعَةٍ.
وبَالرَّيِّ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى.
وبِبَغْدَادَ إِذْ قَدِمَ العِرَاقَ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، وَسُرَيْجِ بنِ النُّعْمَانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَابِق، وَعَفَّانَ.
وبِالبَصْرَةِ مِنْ: أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَالأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَمَّادٍ الشُّعَيثِيّ صَاحِبِ ابْنِ عَوْنٍ، وَمِن مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ، وَحَجَّاجِ بنِ منهَالٍ، وَبدلِ بنِ المُحَبِّرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءَ، وَعِدَّةٍ.
وبِالْكُوْفَةِ مِنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَخَالِدِ بنِ مَخْلَدٍ، وَطَلْقِ بنِ غَنَّامٍ، وَخَالِدِ بنِ يَزِيْدَ المُقْرِئِ مِمَّنْ قَرَأَ عَلَى حَمْزَةَ.
__________
(1) قال الذهبي في " المشتبه " 1 / 378: محمد بن سلام البيكندي الحافظ شيخ البخاري ما ذكر الخطيب ولا ابن ماكولا فيه سوى التخفيف.
وقال صاحب " المطالع " ثقله الأكثر، كذا قال، ولم يتابع.
وقد ذكره غنجار في " تاريخ بخارى " - وإليه المفزع والمرجع - بالتخفيف.
وقال الامام النووي في " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 70 / 1: محمد بن سلام،
بتخفيف اللام، على الاصح، وقيل: بتشديدها.

(12/394)


وَبِمَكَّةَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ، وَخَلاَّدِ بنِ يَحْيَى، وَحَسَّانِ بنِ حَسَّانٍ البَصْرِيِّ، وَأَبِي الوَلِيْدِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيِّ، وَالحُمَيْدِيِّ.
وبَالمَدِيْنَةِ مِنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ الأُوَيسِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ.
وبمصرَ: سَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَحْمَدَ بنَ إِشكَابٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ يُوْسُفَ، وَأَصْبَغَ، وَعِدَّةً.
وبَالشَّامِ: أَبَا اليَمَانِ، وَآدَمَ بنَ أَبِي إِيَاسٍ، وَعَلِيَّ بنَ عَيَّاشٍ، وَبِشْرَ بنَ شُعَيْبٍ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْ: أَبِي المُغِيْرَةِ عَبْدِ القُدّوس، وَأَحْمَدَ بنِ خَالِدٍ الوهبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَأَبِي مُسْهِرٍ، وَأُمَمٍ سِوَاهُم.
وَقَدْ قَالَ وَرَّاقُهُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بلخَ، فَسَأَلونِي أَنْ أُمْلِيَ عَلَيْهِم لِكُلِّ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً، فَأَمليتُ أَلفَ حَدِيْثٍ لأَلفِ رَجُلٍ ممَّن كَتَبْتُ عَنْهُم.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ قَبْلَ مَوْته بشهرٍ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفٍ وَثَمَانِيْنَ رَجُلاً، لَيْسَ فِيْهِم إِلاَّ صَاحِب حَدِيْثٍ، كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعملٌ، يَزِيْدُ وَينقصُ (1) .
قُلْتُ: فَأَعْلَى شُيُوْخهِ الَّذِيْنَ حَدَّثوهُ عَنِ التَّابِعِيْنَ، وَهُم: أَبُو عَاصِمٍ،
__________
(1) ذكره الحافظ في " الفتح " 1 / 44، وقال: نقله اللالكائي في كتاب السنة بسند صحيح، عن البخاري، قال الحافظ: الايمان عند السلف هو اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالاركان، وأرادوا بذلك أن الاعمال شرط في كماله، ومن هنا نشأ لهم القول بالزيادة، والنقص، والمرجئة قالوا: هو اعتقاد ونطق فقط، والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق
والاعتقاد، والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الاعمال شرطا في صحته، والسلف جعلوها شرطا في كماله.
وانظر تمام كلامه.

(12/395)


وَالأَنْصَارِيُّ، وَمكِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو المُغِيْرَةِ، وَنحوُهُم.
وَأَوْسَاطُ شُيُوْخهِ الَّذِيْنَ رَوَوْا لَهُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَشُعْبَةَ، وَشُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَالثَّوْرِيِّ.
ثُمَّ طَبَقَةٌ أُخْرَى دونَهُم كَأَصْحَابِ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ.
وَالطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ شُيُوْخِهِ (1) مِثْلُ أَصْحَابِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ.
ثُمَّ الطَّبَقَةُ الخَامِسَةُ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ الَّذِي روَى عَنْهُ الكَثِيْرَ وَيُدَلِّسُهُ (2) ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَة، وَهَؤُلاَءِ هُم مِنْ أَقْرَانِهِ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي مُسْهِرٍ، وَشَكَّ فِي سَمَاعِهِ، فَقَالَ: فِي غَيْر (الصَّحِيْحِ): حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، أَوْ حَدَّثَنَا رَجُلٌ عَنْهُ.
وَروَى عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ وَاقِدٍ الحَرَّانِيِّ، لَقِيَهُ بِالعِرَاقِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الجَزِيْرَةَ (3) .
وَقَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَلَّى بنِ مَنْصُوْرٍ الرَّازِيِّ بِبَغْدَادَ سنَةَ عشر.
__________
(1) اتبع ابن حجر في " مقدمة الفتح " مراتب شيخه على الطبقات أيضا: 479، 480
(2) أي يصفه بأوصاف لا تعرف عند كثير من الناس.
(3) في هامش الأصل ما نصه: بل دخل الجزيرة. بينه ابن عساكر في التاريخ.
وجاء في " طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 214: وفي " تاريخ نيسابور " للحاكم أنه سمع بالجزيرة من أحمد بن الوليد بن الورتنيس الحراني، وإسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي، وعمرو بن
خالد، وأحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني.
وهذا وهم، فإنه لم يدخل الجزيرة، ولم يسمع عن أحمد بن الوليد، إنما روى عن رجل عنه، ولا من ابن زرارة، إنما اسماعيل بن عبد الله الذي يروي عنه هو إسماعيل بن أبي أويس.
وأما ابن واقد، فإنه سمع منه ببغداد، وعمرو بن خالد سمع منه بمصر.
نبه على هذا شيخنا الحافظ المزي فيما رأيته بخطه.

(12/396)


رَوَى عَنْهُ خلقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَمْرِو بنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَة، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيُّ مُطَيَّن، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَعْقِلٍ النَّسَفيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ، وَأَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جُمْعَةَ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ رَاوِي (الصَّحِيْحِ)، وَمَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدٍ مِزْبَزْدَة، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَالحُسَيْنُ وَالقَاسِمُ ابْنَا المَحَامِلِيِّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْقَرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ فَارِسٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ عَنْبَرٍ النَّسَفيُّ، وَأَممٌ لاَ يُحصَونَ.
وَرَوَى عَنْهُ: مُسْلِمٌ فِي غَيْر (صَحِيْحهِ).
وَقِيْلَ: إِنَّ النَّسَائِيَّ رَوَى عَنْهُ فِي الصِّيَامِ مِنْ (سُنَنِهِ)، وَلَمْ يَصِحَّ (1) ، لَكِن قَدْ حَكَى النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ (الكُنَى) لهُ أَشْيَاءَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الخَفَّافِ، عَنِ البُخَارِيِّ.
وَقَدْ رَتَّبَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ المِزِّيِّ شُيُوْخَ البُخَارِيِّ وَأَصْحَابَهُ عَلَى المُعْجَمِ كعَادَتِهِ وَذَكَرَ خَلْقاً سِوَى مَنْ ذَكَرْتُ.
__________
(1) في هامش الأصل ما نصه: بل روى عنه النسائي، وقع له ذلك في كتاب " الايمان " لابن مندة، قال: حدثنا حمزة، حدثنا النسائي، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، فذكر فائدة: قال النسائي في الصيام: حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا حفص بن عمر بن
الحارث، عن حماد حديث: ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هكذا رواه حمزة الكناني، والحسن بن الخضر الاسيوطي، وابن حيويه النيسابوري، عن النسائي.
وفي أصل الصوري بخطه عن ابن النحاس، عن حمزة الكناني، عن النسائي، حدثنا محمد بن إسماعيل وهو أبو بكر الطبراني.
وقال ابن السني وحده عن النسائي، حدثنا محمد بن اسماعيل البخاري.
قال المزني: ولم نجد للنسائي غير ذا إن كان ابن السني حفظه وما نسبه من عنده معتقدا أنه البخاري.
وقد روى النسائي الكثير عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، وهو ابن علية، روى في كتاب " الكنى " له، عن عبد الله بن أحمد الخفاف، عن البخاري عدة أحاديث.
فهذه قرينة في أنه لم يلق البخاري، والله أعلم.

(12/397)


وَقَدْ أَنْبَأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَبَا اليُمْنِ اللُّغَوِيَّ أَخبرَهُم، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي الحَرَشِيُّ بِنَيْسَابُوْرَ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَحْمَدَ البَلْخِيَّ، يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: سَمِعَ كِتَابَ (الصَّحِيْحِ) لِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ تِسْعُوْنَ (1) أَلفَ رَجُلٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي (2) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيُّ: رَوَى (صَحِيْحَ) البُخَارِيِّ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: الفِرَبْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ شَاكِرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنَ مَعْقِلٍ، وَطَاهرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ النَّسَفِيَان.
وَقَالَ الأَمِيْرُ الحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا: آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ البُخَارِيِّ بـ (الصَّحِيْحِ) أَبُو طَلْحَةَ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَزْدِيُّ مِنْ أَهْلِ بَزْدَةَ.
وَكَانَ ثِقَةً، تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوْهِيُّ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ زَيْدُ بنُ هِبَةِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ قَفَرْجَلٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ سَنَة تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ -يَعْنِي: الثَّوْرِيَّ- عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ أَبِي
__________
(1) في " تهذيب الأسماء واللغات ": سبعون.
(2) " طبقات الحنابلة " 1 / 274، و" تاريخ بغداد " 2 / 9، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 73 / 1، و" وفيات الأعيان " 4 / 190، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" مقدمة الفتح ": 492.

(12/398)


مُوْسَى قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً).
وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَكَانَ جَالِساً، فَجَاءهُ رَجُلٌ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: (اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلِيَقْضِ (1) اللهُ عَلَى لِسَانِ رَسُوْلِهِ مَا شَاءَ).
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُجَلِّدُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يُوْنُسَ وَحَبِيْبٍ، وَيَحْيَى بن عَتِيْق، وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أُمِّ عطيَّةَ، قَالَتْ: أَمَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تَخْرُجَ ذَوَاتُ الخُدُورِ يَوْمَ العِيْدِ.
قِيْلَ: فَالحُيَّضُ؟
قَالَ: (يَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُسْلِمِيْنَ (2)).
هذَان حَدِيْثَانِ صَحِيْحَانِ مِنْ عَالِي مَا وَقَعَ لَنَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ سِوَى (الصَّحِيْحِ).
__________
(1) في الأصل، و" تاريخ بغداد " 2 / 5: وليقضي، بإثبات الياء، والمثبت من " الصحيح " 10 / 377 في الأدب: باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا، قال الحافظ: كذا ثبت في هذه الرواية " وليقض " باللام، وكذا في رواية أبي أسامة للكشميهني فقط، وللباقين: " ويقضي " بغير لام، وفي رواية مسلم (2627) من طريق علي بن مسهر، وحفص بن غياث " فليقض " أيضا، قال القرطبي: لا يصح أن تكون هذه اللام لام الامر، لان الله لا يؤمر، ولا لام كي، لأنه ثبت في الرواية " وليقض " بغير ياء مد، ثم قال: يحتمل أن تكون بمعنى الدعاء، أي: اللهم اقض، أو الامر هنا بمعنى الخبر.
وانظر البخاري 5 / 71، ومسلم (2585) والترمذي (1929) و(2674) وسنن أبي داود (5131) والنسائي 5 / 78.
(2) هو من طريق محمد بن سيرين، عن أم عطية عند البخاري 1 / 395 في أول ستر العورة و2 / 386 في اليدين: باب خروج النساء والحيض إلى المصلى و390، 391: باب اعتزال الحيض المصلى. ومسلم (890) في صلاة العيدين: باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة، والترمذي (539) وأبى داود (1136) والنسائي 3 / 180، 181.

(12/399)


وَأَمَّا الصَّحِيْحُ فَهُوَ أَعْلَى مَا وَقَعَ لَنَا مِنَ الكُتُبِ السِّتَّةِ فِي أَوَّلِ مَا سَمِعْتُ الحَدِيْثَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ (1) .
فَمَا ظَنُّكَ بعلُوِّهِ اليَوْمَ وَهُوَ سنَة خَمْسَ عَشْرَةَ وَسَبْعَ مائَةٍ (2) !! لَوْ رحلَ الرَّجُلُ مِنْ مسيرَةِ سَنَةٍ لسَمَاعِهِ لمَا فَرَّطَ.
كَيْفَ وَقَدْ دَامَ عُلُوُّهُ إِلَى عَامِ ثَلاَثِيْنَ، وَهُوَ أَعْلَى الكُتُبِ السِّتَّةِ سَنَداً إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَيْءٍ كَثِيْرٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ، وَذَلِكَ لأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَسنُّ الجَمَاعَةِ، وَأَقْدَمُهُم لُقِيّاً لِلْكبارِ، أَخَذَ عَنْ جَمَاعَةٍ يَرْوِي الأَئِمَّةُ الخمسَةُ (3) ، عَنْ رجلٍ عَنْهُم.
ذِكْرُ رِحلتِهِ وَطَلَبِهِ وَتَصَانِيْفِهِ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: حَجَجْتُ، وَرَجَعَ أَخِي بِأُمِّي، وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْث فَلَمَّا طَعنْتُ فِي ثَمَانِ عَشْرَةَ، جَعَلتُ أُصَنِّفُ قضَايَا الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ وَأَقَاويلَهُم، وَذَلِكَ أَيَّامَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى (4) .
وصنَّفْتُ كِتَابَ (التَّارِيْخِ) إِذْ ذَاكَ عِنْدَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اللَّيَالِي المُقْمِرَةِ، وَقَلَّ اسْمٌ فِي التَّارِيْخِ إِلاَّ وَلَهُ قِصَّةٌ، إِلاَّ أَنِّي كَرِهْتُ تطويلَ الكِتَابِ (5).
__________
(1) فالذهبي كان عمره في أول سماع الحديث تسع عشر سنة، لأنه ولد سنة 673 ه في كفر بطنا.
(2) هذا التحديد يبين لنا أن الذهبي قد ألف " سير أعلام النبلاء " قبل سنة 715 ه هذا إذا لم يكن هذا النص في " تاريخ الإسلام " له.
(3) أي: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة.
(4) " تاريخ بغداد " 2 / 7.
(5) " تاريخ بغداد " 2 / 7، و" تهذيب الكمال ": 169، و" طبقات السبكي " 2 / 216 و" مقدمة الفتح ": 479.

(12/400)


وكُنْتُ أَختلِفُ إِلَى الفُقَهَاءِ بِمَرْوَ وَأَنَا صَبِيٌّ، فَإِذَا جِئْتُ أَستحِي أَنْ أُسَلِّمَ عَلَيْهِم، فَقَالَ لِي مُؤَدِّبٌ مِنْ أَهلِهَا: كم كتبتَ اليَوْمَ؟
فَقلتُ: اثْنَيْنِ، وَأَرَدْتُ بِذَلِكَ حَدِيْثَيْنِ، فَضَحِكَ مَنْ حَضَرَ المَجْلِسَ.
فَقَالَ شَيْخٌ مِنْهُم: لاَ تضحكُوا، فَلَعَلَّهُ يَضْحَكُ مِنْكُم يَوْماً!!
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى الحُمَيْدِيِّ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ اخْتِلاَفٌ فِي حَدِيْثٍ، فَلَمَّا بَصُرَ بِي الحُمَيْدِيُّ قَالَ: قَدْ جَاءَ مَنْ يفصِلُ بَيْنَنَا، فَعَرضَا عَلَيَّ، فَقضيتُ لِلْحُمِيديِّ عَلَى مَنْ يُخَالِفُهُ، وَلَوْ أَنَّ مُخَالِفَهُ أَصَرَّ عَلَى خِلاَفِهِ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى دعوَاهُ، لَمَاتَ كَافِراً.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الخلاَّل، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلَيٍّ البَردَانِيُّ، وَابْنُ الطُّيوُرِيِّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ غُنجَار، أَخْبَرَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَيَّامُ، سَمِعْتُ الفَضْلَ بنَ إِسْحَاقَ البَزَّازَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ منهَال العَابِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ قَالَ: كتبنَا عَنِ البُخَارِيِّ عَلَى بَابِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَمَا فِي وَجْهِهِ شَعْرَةٌ.
فقُلْنَا: ابْنُ كَمْ أَنْتَ؟
قَالَ: ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً (1) .
وَقَالَ خَلَفٌ الخيَّامُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَعْقِلٍ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنْتُ عندَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَوْ جمعتُم كِتَاباً مختصِراً لسُنَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قَلبِي، فَأَخذتُ فِي جمعِ هَذَا الكِتَابِ (2) .
__________
(1) " طبقات السبكي " 2 / 217.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 9، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" طبقات السبكي " 2 / 221.

(12/401)


وَعَنْ (1) .... أَنَّ البُخَارِيَّ قَالَ: أَخرجتُ هَذَا الكِتَابَ مِنْ زُهَاءِ سِتِّ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ.
أَنبأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ بِالرَّيِّ، سَمِعْتُ أَبَا الهَيْثَمِ الكُشْمِيهَنِيَّ، سَمِعْتُ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: مَا وضعتُ فِي كِتَابِي (الصَّحِيْحِ) حَدِيْثاً إِلاَّ اغتسلتُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ (2) .
أَخْبَرْنَا ابْنُ الخلاَّلِ، أَخْبَرَنَا الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الوَلِيْدِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ بُنْدَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازَ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَعْقِلٍ، سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا أَدخلتُ فِي هَذَا الكِتَابِ إِلاَّ مَا صَحَّ، وَتركتُ مِنَ الصِّحَاحِ كِي لاَ يطولَ الكِتَابُ (3) .
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: تَحْفَظُ
__________
(1) بياض في الأصل. وكذا في نسخة أحمد الثالث.
وجاء في " طبقات الحنابلة " 1 / 274، 275: أخبرنا أبو بكر أحمد بن ثابت المحدث، قال: كتب إلي علي بن أبي حامد محمد الاصفهاني يذكر أن أبا أحمد محمد بن أحمد بن مكي الجرجاني حدثهم، قال: سمعت السعداني يقول: سمعت بعض أصحابنا يقول: قال محمد بن إسماعيل: أخرجت هذا الكتاب - يعني: " الصحيح " - من زهاء ست مئة ألف حديث.
وكذا هو في " تاريخ بغداد " 2 / 8، و" تهذيب الكمال ": 1169.
(2) " طبقات الحنابلة " 1 / 274، و" تاريخ بغداد " 2 / 9، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 74 / 1، و" وفيات الأعيان " 4 / 190، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" طبقات السبكي " 2 / 220، و" مقدمة الفتح ": 490.
(3) " طبقات الحنابلة " 1 / 275، و" تاريخ بغداد " 2 / 9، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 74 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" طبقات السبكي " 2 / 221.

(12/402)


جَمِيْعَ مَا أَدْخَلْتَ فِي المُصَنَّفِ؟ فَقَالَ: لاَ يخفَى عليَّ جَمِيْعُ مَا فِيْهِ (1) .
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صنفتُ جَمِيْعَ كُتُبِي ثَلاَث مَرَّاتٍ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَوْ نُشِرَ بَعْضُ أُسْتَاذِي (2) هَؤُلاَءِ لَمْ يفهمُوا كَيْفَ صنَّفْتُ (التَّارِيْخَ)، وَلاَ عرفُوهُ، ثُمَّ قَالَ: صنَّفْتُهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ (3) .
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَخذ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه كِتَابَ (التَّارِيْخِ) الَّذِي صنَّفْتُ، فَأَدخلَهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ، أَلاَ أُرِيكَ سِحْراً؟ قَالَ: فَنَظَرَ فِيْهِ عَبْدُ اللهِ، فَتَعَجَّبَ مِنْهُ، وَقَالَ: لَسْتُ أَفهُمُ تَصْنِيْفَهُ (4) .
وَقَالَ خَلَفٌ الخيَّامُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ يَقُوْلُ: دَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى العِرَاقِ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بَغْدَادَ آخِرَ ثَمَانِ مَرَّاتٍ، فِي كُلِّ ذَلِكَ أُجَالِسُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ لِي فِي آخِرِ مَا وَدَّعْتُهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تدعُ العِلْمَ وَالنَّاسَ، وَتصِيرُ إِلَى خُرَاسَانَ؟! قَالَ: فَأَنَا الآنَ أَذْكُرُ قَوْلَهُ (5) .
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 9، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" طبقات السبكي " 2 / 221.
(2) تصحفت في " تاريخ بغداد " 2 / 7، و" طبقات السبكي " 2 / 221 إلى: " إسنادي ".
كما تصحفت في " مقدمة الفتح ": 488 إلى: " استاري ".
(3) " تاريخ بغداد " 2 / 7، و" طبقات السبكي " 2 / 221، و" مقدمة الفتح ": 488.
(4) " تاريخ بغداد " 2 / 7، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" طبقات السبكي " 2 / 221، و" مقدمة الفتح ": 484.
(5) " طبقات الحنابلة " 1 / 277، و" تاريخ بغداد " 2 / 22، 23، و" طبقات السبكي " 2 / 217.

(12/403)


وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الحَاكِمِ: أَوَّل مَا وَردَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ، وَوَرَدَهَا فِي الأَخِيْرِ سنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَأَقَامَ بِهَا خَمْسَ سِنِيْنَ يُحَدِّثُ عَلَى الدّوامِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ بنُ القوَّاسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ قِرَاءةً عَلَيْهِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ وَأَنَا حَاضِرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ المُسْلَّم الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ آدَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البُخَارِيُّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بِمَنْزِلِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَأَحصيتُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَامَ وَأَسْرَجَ يَسْتَذكرُ أَشْيَاءَ يُعَلِّقُهَا فِي لَيْلَةٍ ثَمَانِ عَشْرَةَ مرَّة (1) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، إِذَا كُنْتُ مَعَهُ فِي سفرٍ، يَجْمَعُنَا بَيْتٌ وَاحِدٌ إِلاَّ فِي القيظِ أَحْيَاناً، فَكُنْتُ أَرَاهُ يقومُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ مرَّة إِلَى عِشْرِيْنَ مرَّة، فِي كُلِّ ذَلِكَ يَأْخُذُ القَدَّاحَةَ، فيُورِي نَاراً، وَيُسْرِجُ، ثُمَّ يُخرجُ أَحَادِيْثَ، فيُعلِّمُ عَلَيْهَا (2) .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القُدّوسِ بنَ هَمَّامٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عِدَّةً مِنَ المَشَايِخِ، يَقُوْلُوْنَ: حَوَّلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ ترَاجِمَ جَامِعِهِ بَيْنَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْبَرِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكُلِّ تَرْجَمَةٍ رَكْعَتَيْنِ (3) .
__________
(1) " تهذيب الكمال ": 1170، و" طبقات السبكي " 2 / 220.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 13، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 75 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1170، و" طبقات السبكي " 2 / 220، و" مقدمة الفتح ": 482.
(3) " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 74 / 1، وقال النووي: وقال آخرون منهم أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي صنفه ببخارى، وقيل: بمكة، وقيل بالبصرة.
وكل هذا صحيح، ومعناه أنه كان يصنف فيه في كل بلدة من هذه البلدان، فإنه بقي في تصنيفه ست عشرة سنة.
والخبر في " تهذيب الكمال ": 1169، و" مقدمة الفتح ": 490 وقال ابن =

(12/404)


وَقَالَ (1) : .... سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: صنّفْتُ (الصَّحِيْحَ) فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَجَعَلتُهُ حُجَّةً فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ الله تَعَالَى.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ هَانِئَ بنَ النَّضْر يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ -يَعْنِي: الفِرْيَابِيَّ- بِالشَّامِ وَكُنَّا نَتَنَزَّهُ فِعْلَ الشَّبَابِ فِي أَكلِ الفِرْصَادِ (2) وَنَحْوِهِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مَعَنَا، وَكَانَ لاَ يُزَاحمنَا فِي شَيْءٍ مِمَّا نَحْنُ فِيْهِ، وَيُكِبُّ عَلَى العِلْمِ.
وَقَالَ مُحَمَّد: سَمِعْتُ النَّجْمَ بنَ الفُضَيْل يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، كَأَنَّهُ يَمْشِي، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَمْشِي خَلْفَهُ، فَكُلَّمَا رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدَمَهُ، وضعَ مُحَمَّدُ بنُ إِسمَاعيلَ قدَمَهُ فِي المكَانِ الَّذِي رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدَمَهُ (3) .
__________
= حجر: ولا ينافي هذا ما تقدم، لأنه يحمل على أنه في الأول كتبه في المسودة، وهنا حوله من المسودة إلى المبيضة.
(1) بياض في الأصل. وكذا في نسخة أحمد الثالث.
وجاء في " طبقات الحنابلة " 1 / 276: أخبرنا أحمد المؤرخ، حدثنا أبو الوليد الدربندي، سمعت محمد بن الفضل، سمعت أبا إسحاق الزنجاني، سمعت عبد الرحمن بن رساس البخاري يقول: سمعت محمد ابن إسماعيل البخاري يقول: صنفت كتابي " الصحيح " لست عشرة سنة، خرجته من ست مئة ألف حديثه، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى.
وفي " تاريخ بغداد " 2 / 14 بالسند نفسه ولكن فيه " الريحاني " و" رساين " بدل: " الزنجاني " و" رساس ".
وفي " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 74 / 1: وروينا من جهات عن البخاري رحمه الله قال: صنفت...والخبر في " وفيات الأعيان " 4 / 190.
و" تهذيب لكمال ": 1170.
وقال السبكي في " طبقات الشافعية " 2 / 221: " قال شيخنا أبو عبد الله الحافظ: روي من وجهين ثابتين عن البخاري أنه قال: أخرجت هذا الكتاب من نحو ست مئة ألف حديث، وصنفته في ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله.
وانظر " مقدمة الفتح ": 490.
(2) أي عجم الزبيب والعنب.
والفرصاد: التوت، وقيل حمله، وهو الاحمر منه.
(3) " تاريخ بغداد " 2 / 10، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1170، و" طبقات السبكي " 2 / 221، و" مقدمة الفتح ": 490.

(12/405)


وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخٌ يَمُرُّ بِنَا فِي مَجْلِسِ الدَّاخلِيِّ، فَأُخْبِرُهُ بِالأَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ مِمَّا يُعرِضُ عَلَيَّ، وَأُخْبِرُهُ بِقَولِهِم، فَإِذَا هُوَ يَقُوْلُ لِي يَوْماً: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، رئِيسُنَا فِي أَبو جَاد، وَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ شربَ دوَاءَ الحِفْظِ يُقَالُ لَهُ: بَلاَذُر، فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً خلوَةً: هَلْ مِنْ دوَاءٍ يشربُهُ الرَّجُلُ، فينتفعُ بِهِ لِلْحفظِ؟
فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ، ثُمَّ أَقبلَ عليَّ، وَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً أَنْفَعَ لِلْحفظِ مِنْ نَهْمَةِ الرَّجُلِ، وَمُدَاومَةِ النَّظَرِ (1) .
قَالَ: وَذَاكَ أَنِّي كُنْتُ بِنَيْسَابُوْرَ مُقيماً، فَكَانَ تَرِدُ إِلَيَّ مِنْ بُخَارَى كُتُبٌ، وَكُنَّ قَرَابَاتٌ لِي يُقرِئنَ سَلاَمهنَّ فِي الكُتُبِ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ كِتَاباً إِلَى بُخَارَى، وَأَرَدْتُ أَنْ أُقرِئَهنَّ سَلاَمِي، فَذَهَبَ عليَّ أَسَامِيهنَّ حِيْنَ كَتَبْتُ كِتَابِي، وَلَمْ أُقرِئهنَّ سَلاَمِي، وَمَا أَقَلَّ مَا يَذْهَبُ عَنِّي مِنَ العِلْمِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ تكن كِتَابتِي لِلْحَدِيْثِ كَمَا كَتَبَ هَؤُلاَءِ.
كُنْتُ إِذَا كَتَبْتُ عَنْ رجلٍ سَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ وَنِسْبَتِهِ وَحَمْلِهِ الحَدِيْثَ، إِنْ كَانَ الرَّجُلُ فَهماً.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَأَلْتُهُ أَنْ يُخْرِجَ إِلَيَّ أَصْلَهُ وَنُسخَتَهُ.
فَأَمَّا الآخرُونَ لاَ يُبالُونَ مَا يَكْتُبُونَ، وَكَيْفَ يَكْتُبُونَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ الدُّوْرِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُحْسِنُ طلبَ الحَدِيْثِ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ لاَ يدعُ أَصْلاً وَلاَ فرعاً إِلاَّ قَلَعَهُ.
ثُمَّ قَالَ لَنَا: لاَ تَدَعُوا مِنْ كَلاَمِهِ شَيْئاً إِلاَّ كَتَبْتُمُوهُ.
وَقَالَ: كَتَبَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بَعْضُ السَّلاَطينِ فِي حَاجَةٍ لَهُ، وَدَعَا لَهُ دعَاءً كَثِيْراً.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: وَصَلَ إِلَيَّ كِتَابُكَ وَفَهِمْتُهُ، وَفِي بيتِهِ يُؤْتَى
__________
(1) " مقدمة الفتح ": 488.

(12/406)


الحَكَمُ وَالسَّلاَمُ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الخَوَّاصَ، مُستملِي صَدَقَةَ، يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ كَالصَّبيِّ جَالِساً بَيْنَ يَدِي مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، يَسْأَلُهُ عَنْ عِلَلِ الحَدِيْثِ (1) .
ذِكْرُ حِفْظِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ وَذَكَائِهِ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ غُنْجَار فِي (تَارِيْخِ بُخَارَى): سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ مَهِيبَ بنَ سُلَيْمٍ، سَمِعْتُ جَعْفَر بنَ مُحَمَّدٍ القَطَّانَ إِمَامَ كرمِيْنيَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ وَأَكْثَر، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم عَشْرَةُ آلاَفٍ وَأَكْثَر (2) ، مَا عِنْدِي حَدِيْثٌ إِلاَّ أَذكُرُ إِسْنَادَهُ (3) .
قَالَ غُنْجَارٌ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ الجُرْجَانِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدٍ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَقِيْتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلفِ رَجُلٍ أَهْلِ الحِجَازِ وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ، لَقِيتُهُم كَرَّاتٍ، أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالجَزِيْرَةِ مرَّتينِ، وَأَهْلِ البَصْرَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَبَالحِجَازِ سِتَّة أَعْوَامٍ، وَلاَ أُحْصِي كم دَخَلْتُ الكُوْفَةَ وَبَغْدَادَ مَعَ مُحَدِّثِي خُرَاسَانَ، مِنْهُمُ: المَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَابْنُ شَقِيقٍ، وَقُتَيْبَةُ، وَشِهَابُ بنُ معمرٍ، وَبَالشَّامِ: الفِرْيَابِيُّ، وَأَبَا مُسْهِرٍ، وَأَبَا المُغِيْرَةِ، وَأَبَا اليَمَانِ، وَسَمَّى خلقاً.
ثُمَّ قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ وَاحِداً مِنْهُم يَخْتلِف فِي هَذِهِ
__________
(1) " طبقات السبكي " 2 / 222.
(2) " طبقات السبكي " 2 / 222.
(3) " طبقات الحنابلة " 1 / 275، و" تاريخ بغداد " 2 / 10، و" تهذيب الكمال ": 1170.

(12/407)


الأَشْيَاءِ أَنَّ الدِّيْنَ قَوْلٌ وَعملٌ، وَأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ وَآخَرَ يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ يَخْتلِفُ مَعَنَا إِلَى مَشَايِخِ البَصْرَةِ وَهُوَ غُلاَمٌ، فَلاَ يَكْتُبُ، حَتَّى أَتَى عَلَى ذَلِكَ أَيَّامٍ، فكنَّا نَقُوْل لَهُ: إِنَّك تختلفُ معنَا ولاَ تَكْتُبُ، فَمَا تصنَعُ؟
فَقَالَ لَنَا يَوْماً بَعْد ستَّةَ عشرَ يَوْماً: إِنَّكمَا قَدْ أَكْثَرْتُمَا عَلَيَّ وَأَلْححتُمَا، فَاعْرِضَا عَلَيَّ مَا كَتَبْتُمَا.
فَأَخْرجْنَا إِلَيْهِ مَا كَانَ عِنْدنَا، فَزَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ أَلفِ حَدِيْثٍ، فَقرأَهَا كُلَّهَا عَنْ ظَهرِ القَلْبِ، حَتَّى جَعَلنَا نُحْكِمُ (1) كُتُبَنَا مِنْ حِفْظِهِ.
ثُمَّ قَالَ: أَتَرَوْنَ أَنِّي أَختلِفُ هَدْراً (2) ، وَأُضَيِّعُ أَيَّامِي؟! فَعَرفْنَا أَنَّهُ لاَ يتقدَّمُهُ أَحَدٌ (3) .
قَالَ: وَسَمِعْتُهُمَا يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ مِنَ البَصْرِيِّيْنَ يَعْدُوْنَ خَلْفَهُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ وَهُوَ شَابٌّ حَتَّى يغلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجلسوهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فيجتمعُ عَلَيْهِ أَلوفٌ، أَكْثَرهُم مِمَّنْ يَكْتُبُ عَنْهُ.
وَكَانَ شَابّاً لَمْ يَخْرُجْ وَجْهُهُ (4) .
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ عِدَّةَ مَشَايِخٍ يحكُوْن أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ قَدِمَ بَغْدَادَ، فسَمِعَ بِهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَاجْتَمَعُوا وَعَمَدُوا إِلَى مائَةِ حَدِيْثٍ، فَقلبُوا مُتونهَا وَأَسَانِيْدَهَا، وَجَعَلُوا مَتْنَ هَذَا الإِسْنَادِ هَذَا، وَإِسْنَادَ هَذَا المَتْنِ هَذَا، وَدفعُوا إِلَى كُلِّ
__________
(1) يقال حكم الشئ وأحكمه: استثبته ومنعه من الفساد والخطأ.
(2) هدر يهدر، بالكسر، ويهدر، بالضم، هدرا وهدرا، أي بطل.
(3) " طبقات الحنابلة " 1 / 276، 277، و" تاريخ بغداد " 2 / 14، 15، و" طبقات السبكي " 2 / 217، و" مقدمة الفتح ": 479.
(4) أي لم ينبت شعر وجهه.
والخبر في " طبقات الحنابلة " 1 / 277، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 70 / 1، و" طبقات السبكي " 2 / 217.

(12/408)


وَاحِدٍ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ ليُلْقُوهَا عَلَى البُخَارِيِّ فِي المَجْلِسِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، وَانتَدبَ أَحَدُهُم، فَسَأَلَ البُخَارِيَّ عَنْ حَدِيْثٍ مِنْ عَشَرتِهِ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ.
وَسَأَلَهُ عَنْ آخر، فَقَالَ: لاَ أَعرِفُهُ.
وَكَذَلِكَ حَتَّى فرغَ مِنْ عشرتِهِ.
فَكَانَ الفقهَاءُ يَلْتَفِتُ بَعْضهُم إِلَى بَعْضٍ، وَيَقُوْلُوْنَ: الرَّجُلَ فَهِمَ.
وَمَنْ كَانَ لاَ يَدْرِي قضَى عَلَى البُخَارِيِّ بِالعجزِ، ثُمَّ انتدبَ آخرُ، فَفَعَلَ كَمَا فعلَ الأَوَّلُ.
وَالبُخَارِيُّ يَقُوْلُ: لاَ أَعرِفُهُ.
ثُمَّ الثَّالِثَ وَإِلَى تمَام العشرَةِ أَنفسٍ، وَهُوَ لاَ يزيدُهُم عَلَى: لاَ أَعرِفُهُ.
فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُم قَدْ فرغُوا، التفتَ إِلَى الأَوَّلِ مِنْهُم، فَقَالَ: أَمَّا حَدِيْثُكَ الأَوَّلُ فكذَا، وَالثَّانِي كَذَا، وَالثَّالِثُ كَذَا إِلَى العشرَةِ، فردَّ كُلَّ متنٍ إِلَى إِسْنَادِهِ.
وَفعلَ بِالآخرينَ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَأَقَرَّ لَهُ النَّاسُ بِالحِفْظِ.
فَكَانَ ابْنُ صَاعِدٍ إِذَا ذكرَهُ يَقُوْلُ: الكبشُ النَّطَّاحُ (1) .
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا مَنْصُوْرُ بنُ إِسْحَاقَ الأَسَدِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الزَّاغُوْنِيَّ، سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ مُوْسَى المَرْوَرُّوْذِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ فِي جَامِعِهَا، إِذْ سَمِعْتُ مُنَادِيّاً يُنَادِي: يَا أَهْلَ العِلْمِ، قَدْ قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، فَقَامُوا فِي طلبِهِ، وَكُنْتُ مَعَهُم، فرأَينَا رَجُلاً شَابّاً، يُصَلِّي خَلْفَ الأُسْطُوَانَةِ.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ، أَحَدقُوا بِهِ، وَسأَلُوهُ أَنْ يَعْقِدَ لَهُم مَجْلِسَ الإِملاَءِ، فَأَجَابهُم.
فَلَمَّا كَانَ الغدُ اجْتَمَعَ قَرِيْبٌ مِنْ كَذَا كَذَا أَلفٍ فَجَلَسَ لِلإِملاَءِ وَقَالَ: يَا أَهْلَ البَصْرَةِ، أَنَا شَابٌّ وَقَدْ سَأَلْتُمونِي أَنْ أُحدِّثَكُم، وَسأُحدِّثكُم بأَحَادِيْثَ عَنْ أَهْلِ بلدِكُم تَسْتفيدُوْنَ الكُلَّ (2) .
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ جَبَلَةَ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 20، 21، و" وفيات الأعيان " 4 / 190، و" تهذيب الكمال ": 1171، و" طبقات السبكي " 2 / 218، 219، و" مقدمة الفتح ": 486 و487.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 15، 16، و" طبقات السبكي " 2 / 219. وفي " مقدمة الفتح ": 487: تستفيدونها. [ وقال ابن حجر ]: يعني ليست عندكم.

(12/409)


بنِ أَبِي رَوَّاد بلدِيُّكُم، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَعْرَابِيّاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، الرَّجُلُ يُحِبُّ القَوْمَ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1) .
ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ هَذَا عِنْدكُم، إِنَّ مَا عِنْدكُم عَنْ غَيْرِ مَنْصُوْرٍ، عَنْ سَالِمٍ.
وَأَملَى مَجْلِساً عَلَى هَذَا النَّسَقِ يَقُوْلُ فِي كُلِّ حَدِيْثٍ: رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الحَدِيْثِ عندَكُم كَذَا، فَأَمَّا مِنْ رِوَايَةِ فُلاَنٍ، فَلَيْسَ عندَكُم، أَوْ كَلاَماً هَذَا مَعْنَاهُ (2) .
قَالَ يُوْسُفُ: وَكَانَ دُخولِي البَصْرَةَ أَيَّامَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي الشّوَاربِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: قَرَأَ عَلَيْنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ كِتَابَ (الهِبَةِ)، فَقَالَ: لَيْسَ فِي هِبَةِ وَكِيْعٍ إِلاَّ حَدِيْثَانِ مُسْنَدَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ.
وَفِي كِتَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ خَمْسَةٌ أَوْ نحوهُ. وَفِي كِتَابِي هَذَا خَمْسُ مائَةِ
__________
(1) أخرجه البخاري 13 / 116 في الاحكام: باب القضاء والفتيا في الطريق، من طريق عثمان بن أبي شيبة، عن جرير، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما أنا والنبي صلى الله عليه وسلم خارجان من المسجد، فلقينا رجل عند سدة المسجد، فقال: يا رسول الله متى الساعة ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أعددت لها ؟ فكأن الرجل استكان، ثم قال: يا رسول الله ما أعددت لها كبير صيام ولا صلاة ولا صدقة، ولكن أحب الله ورسوله، قال: " أنت مع من أحببت " وحديث أنس هذا له طرق عنه انظر البخاري 7 / 40 في الفضائل و10 / 458 و462 في الأدب، ومسلم (2639) في البر والصلة: باب المرء مع من أحب (161) و(162) و(163) و(164) والترمذي (2385) وأبي داود (5127) ولفظ أبي داود " قال رجل: يا رسول الله الرجل يحب الرجل على العمل من الخير يعمل به ولا يعمل بمثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " " المرء مع من أحب ".
وفي الباب عن ابن مسعود عند البخاري 10 / 461، 462، ومسلم (2640) وعن أبي موسى الأشعري عند البخاري 10 / 462، ومسلم (2641) وعن صفوان بن عسال المرادي عند الترمذي (2387) وعن أبي ذر عند أبي داود (5126).
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 16.

(12/410)


حَدِيْثٍ أَوْ أَكْثَرُ (1) .
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: تَفَكَّرْتُ أَصْحَابَ أَنَسٍ، فَحضرنِي فِي سَاعَةٍ ثَلاَثُ مَائةٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا قَدِمْتُ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ كَانَ انتفَاعُهُ بِي أَكْثَر مِنِ انتفَاعِي بِهِ (2) .
قَالَ: وَسَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ، سَمِعْتُ أَبَا الأَزْهَرِ يَقُوْلُ: كَانَ بِسَمَرْقَنْدَ أَرْبَعُ مائَةٍ مِمَّنْ يطلُبُونَ الحَدِيْثَ، فَاجْتَمَعُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَأَحَبُّوا مُغَالطَةَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَأَدخلُوا إِسْنَادَ الشَّامِ فِي إِسْنَادِ العِرَاقِ، وَإِسْنَادَ اليَمَنِ فِي إِسْنَادِ الحَرَمَيْنِ، فَمَا تَعَلَّقُوا مِنْهُ بِسَقْطَةٍ لاَ فِي الإِسْنَادِ، وَلاَ فِي المَتْنِ (3) .
وَقَالَ الفِرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي عِنْدَ أَحَدٍ إِلاَّ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَرُبَّمَا كُنْتُ أُغْرِبُ عَلَيْهِ (4) .
وَقَالَ أَحْيَدُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ وَالِي بُخَارَى: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَوْماً: رُبَّ حَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ بِالبَصْرَةِ كَتَبْتُهُ بِالشَّامِ، وَرُبَّ حَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ بِالشَّامِ كَتَبْتُهُ بِمِصْرَ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ بكَمَالِهِ؟ قَالَ: فَسَكَتَ (5) .
__________
(1) الخبر في " مقدمة الفتح ": 489. وهو يدلل في هذا على سعة حفظه.
(2) " مقدمة الفتح ": 489.
(3) " مقدمة الفتح ": 487.
(4) " تاريخ بغداد " 2 / 17، 18، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 69 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1170 و" مقدمة الفتح ": 484.
(5) ويعني هذا ان البخاري يرى جواز الرواية بالمعنى، وجواز تقطيع الحديث من غير تنصيص على اختصاره بخلاف مسلم.
وسبب ذلك أن البخاري صنف كتابه في طول رحلته، فكان لاجل هذا ربما كتب الحديث من حفظه، فلا يسوق ألفاظه برمتها، بل يتصرف فيه، =

(12/411)


وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا نمتُ البَارِحَةَ حَتَّى عَدَدْتُ كم أَدْخَلْتُ مُصَنَّفَاتِي مِنَ الحَدِيْثِ، فَإِذَا نَحْوُ مئَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ مُسْنَدَةٍ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا كَتَبْتُ حِكَايَةً قَطُّ، كُنْتُ أَتَحَفَّظُهَا.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صنَّفْتُ كِتَابَ (الاعتصَامِ) فِي لَيْلَةٍ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً يُحتَاجُ إِلَيْهِ إِلاَّ وَهُوَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
فَقُلْتُ لَهُ: يُمكنُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ كُلِّهُ.
قَالَ: نَعَمْ (1) .
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِنَيْسَابُوْرَ أَجلسُ فِي الجَامِعِ، فَذَهَبَ عَمْرُو بنُ زُرَارَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَالِي نَيْسَابُوْرَ، فَأَخبروهُ بِمكَانِي، فَاعتذرَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: مذهَبُنَا إِذَا رُفِعَ إِلَيْنَا غَرِيْبٌ لَمْ نَعْرِفْهُ حبسنَاهُ حَتَّى يَظْهَرَ لَنَا أَمرُهُ.
فَقَالَ لَهُ بَعْضهُم: بَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ لَكَ: لاَ تُحْسِنُ تصلِي، فَكَيْفَ تَجْلِسُ؟
فَقَالَ: لَو قِيْلَ لِي شَيْءٌ مِنْ هذَا مَاكُنْت أَقومُ مِنْ ذَلِكَ المَجْلِسِ حَتَّى أَروِي عَشْرَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، فِي الصَّلاَةِ خَاصَّةً.
__________
= ويسوقه بمعناه.
أما مسلم فقد صنف كتابه في بلده بحضور أصوله في حياة شيوخه، وكان يتحرز في الألفاظ، ويتحرى في السياق.
والبخاري استنبط فقه كتابه من أحاديثه، فاحتاج أن يقطع الحديث الواحد إذا اشتمل على عدة أحكام ليورد كل قطعة منه في الباب الذي يستدل به على ذلك الحكم الذي استنبط منه، أما مسلم فلم يعتمد ذلك بل يسوق أحاديث الباب كلها سردا، عاطفا بعضها على بعض في موضع واحد.
والخبر في " تاريخ بغداد " 2 / 11، و" تهذيب الكمال ": ؟ 117، و" مقدمة الفتح ": 489.
(1) ومحاولة ابن حزم في " المحلى "، تؤيد مقالة محمد بن إسماعيل هذه، فإنه على ما به من هنات قد استطاع باعتماده على الكتاب والسنة أن يؤلف كتابا في الفقه يشتمل على جميع أبواب الفقه.

(12/412)


وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ الفِرْيَابِيِّ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَطُوْفُ عَلَى نسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ (1) .
فَلَمْ يعرِفْ أَحَدٌ فِي المَجْلِسِ أَبَا عُرْوَةَ، وَلاَ أَبَا الخَطَّابِ.
فَقُلْتُ: أَمَا أَبُو عُرْوَةَ فَمَعْمَرٌ، وَأَبُو الخَطَّابِ قَتَادَةُ.
قَالَ: وَكَانَ الثَّوْرِيُّ فَعُولاً لِهَذَا، يُكَنِّي المَشْهُوْرينَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَدِمَ رَجَاءُ الحَافِظُ، فَصَارَ إِلَى أَبِي عَبْدِ الله، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَا أَعددتَ لِقُدُومِي حِيْنَ بَلَغَكَ؟ وَفِي أَيِّ شَيْءٍ نظرتَ؟
فَقَالَ: مَا أَحَدثْتُ نَظَراً، وَلَمْ أَستعِدَّ لِذَلِكَ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تسأَلَ عَنْ شَيْءٍ، فَافعلْ.
فَجَعَلَ ينَاظرُهُ فِي أَشْيَاءَ، فَبقيَ رَجَاءُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ هُوَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هَلْ لَكَ فِي الزِّيَادَةِ؟ فَقَالَ اسْتحيَاءً مِنْهُ وَخجلاً: نَعَمْ.
قَالَ: سَلْ إِنْ شِئْتَ؟
فَأَخَذَ فِي أَسَامِي أَيُّوْبَ، فَعدَّ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ سَاكتٌ.
فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَقَدْ جمعتَ، فَظنَّ رَجَاءُ أَنَّهُ قَدْ صنعَ شَيْئاً، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَاتَكَ خَيرٌ كَثِيْرٌ.
فزيَّفَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي أُوْلَئِكَ سَبْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً، وَأَغربَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّيْنَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجَاءُ: كم رويتَ فِي العِمَامَةِ السَّوْدَاءِ؟
قَالَ: هَاتِ كم رويتَ أَنْتَ؟
ثُمَّ قَالَ: نروِي نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ
__________
(1) إسناده صحيح، وهو في " مصنف عبد الرزاق " برقم (1061) من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد، وأخرجه ابن خزيمة (230) من طريق عبد الرزاق، وأخرجه البخاري في " صحيحه " 1 / 324 في الغسل: باب إذا جامع ثم عاد، ومن دار على نسائه في غسل واحد، وابن خزيمة (231) من طريق معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن أنس، وأخرجه مسلم (309) من طريق شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس، وأخرجه البخاري 1 / 334 و9 / 98 في النكاح: باب كثرة النساء و277 من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، وأخرجه الترمذي (140) من طريق سفيان، عن معمر، عن قتادة، عن أنس،
وأخرجه أبو داود (218) والنسائي 1 / 143 من طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك.

(12/413)


حَدِيْثاً.
فَخَجِلَ رَجَاءُ مِنْ ذَاكَ، وَيبِسَ رِيقُهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بَلْخَ، فَسَأَلنِي أَصْحَابُ الحَدِيْثِ أَنْ أُمْلِي عَلَيْهِم لِكُلِّ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً.
فَأَمليتُ أَلفَ حَدِيْثٍ لأَلفِ رَجُلٍ مِمَّن كَتَبْتُ عَنْهُم.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سُئِلَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ عَمَّنْ طلَّقَ نَاسياً.
فَسَكَتَ سَاعَةً طَوِيْلَةً مُتفكِّراً، وَالتبسَ عَلَيْهِ الأَمْرُ.
فَقُلْتُ أَنَا: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّم (1)).
وَإِنَّمَا يُرَادُ مبَاشرَةُ هَذِهِ الثَّلاَث العَمَلِ وَالقَلْبِ أَوِ الكَلاَمِ وَالقَلْبِ وَهَذَا لَمْ يعتقدْ بِقَلْبِهِ.
فَقَالَ إِسْحَاقُ: قَوَّيْتَنِي، وَأَفْتَى بِهِ (2) .
وَقَالَ مُحَمَّد: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ إِذَا انتخبْتُ مِنْ كِتَابِهِ، نَسَخَ تِلْكَ الأَحَادِيْثِ، وَقَالَ: هَذِهِ الأَحَادِيْثُ انْتَخَبَهَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ حَدِيْثِي (3) .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُنِيْرٍ يَكْتُبُ عَنِ البُخَارِيِّ (4) .
__________
(1) أخرجه من حديث أبي هريرة البخاري 9 / 345 في الطلاق: باب الطلاق في الاغلاق والكره والسكران والمجنون، و11 / 478 في الايمان والنذور: باب إذا حنث ناسيا في الايمان، ومسلم (127) في الايمان: باب تجاوز الله عن حديث النفس أو الخواطر، وأبو داود (2209) والترمذي (1183) والنسائي 6 / 156، 157، وابن ماجة (2540).
(2) " مقدمة الفتح ": 484.
(3) " مقدمة الفتح ": 302.
(4) " تاريخ بغداد " 2 / 19، و" تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح ": 482.

(12/414)


وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ تلاَمِيذِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ مُعَلِّمٌ (1) .
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ أَحَادِيْثَ فِي (صَحِيْحِهِ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنير، عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَكَانَ زَاهِداً عَابِداً حَتَّى قَالَ البُخَارِيُّ: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
قُلْتُ: وَتُوُفِّيَ هُوَ وَالإِمَامُ أَحْمَدُ فِي سَنَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ المَدِيْنِيَّ بِالشَّاشِ زَمَنَ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عَرَابَةَ يَقُوْلُ: كُنَّا بِنَيْسَابُوْرَ عِنْدَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ فِي المَجْلِسِ، فَمَرَّ إِسْحَاقُ بِحَدِيْثٍ كَانَ دُوْنَ الصَّحَابِيِّ عَطَاءَ الكَيْخَارَانِيِّ (2) .
فَقَالَ إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَيش كَيْخَارَان؟ فَقَالَ: قَرْيَةٌ بِاليَمَنِ، كَانَ مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ بعثَ هَذَا الرَّجُلَ، وَكَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو بَكْرٍ، فَأُنْسِيتُهُ إِلَى اليَمَنِ، فَمَرَّ بكَيْخَارَان، فسَمِعَ مِنْهُ عَطَاءُ حَدِيْثَيْنِ.
فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَأَنَّكَ شَهِدْتَ القَوْمَ (3) .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُومسِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خميرويه، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَحفَظُ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ، وَأَحفَظُ مَائَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ غَيْرِ صَحِيْحٍ (4) .
__________
(1) " مقدمة الفتح ": 485، وسيرد الخبر في الصفحة: 424.
(2) بفتح الكاف، وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين، وفتح الخاء المنقوطة،
والراء بين الالفين، وفي آخرها النون: هذه النسبة إلى كيخاران، وهي قرية من قرى اليمن، وقد تصحفت في " مقدمة الفتح " إلى: الكنجاراني.
(3) " تاريخ بغداد " 2 / 8، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" مقدمة الفتح ": 484.
(4) " طبقات الحنابلة " 1 / 275، و" تاريخ بغداد " 2 / 25، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1172، و" طبقات السبكي " 2 / 218، و" مقدمة الفتح ": 488.

(12/415)


قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الكَلْواذَانِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يَأْخُذُ الكِتَابَ مِنَ العُلَمَاءِ، فيطَّلِعُ عَلَيْهِ اطِّلاعَةً، فيحْفَظُ عَامَّةَ أَطرَافِ الأَحَادِيْثِ بِمَرَّةٍ (1) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقَ يَقُوْلُ فِي الزِّيَادَاتِ المذيَّلَةِ عَلَى شمَائِلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ - قُلْتُ: وَلَيْسَتْ هِيَ دَاخلَةً فِي رِوَايَةِ ابْنِ خَلَفٍ الشِّيرَازيِّ - قَالَ:
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا جلَسْتُ لِلْحَدِيْثِ حَتَّى عرفْتُ الصَّحِيْحَ مِنَ السَّقيمِ، وَحَتَّى نظرتُ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الرَّأْي، وَحَتَّى دَخَلْتُ البَصْرَةَ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَوْ نحوهَا، فَمَا تركتُ بِهَا حَدِيْثاً صَحِيْحاً إِلاَّ كَتَبْتُهُ، إِلاَّ مَا لَمْ يَظهر لِي.
وَقَالَ غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ): حَدَّثَنَا أَبُو عمْروٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ يُوْسُفَ البِيْكَنْدِيُّ، سَمِعْتُ عَليَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ عَاصِمٍ البِيْكَنْدِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: فَاجْتَمَعنَا عِنْدَهُ.
فَقَالَ بَعْضنَا: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سَبْعِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ مِنْ كِتَابِي.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: أَو تَعْجَبُ مِنْ هَذَا؟! لَعَلَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى مئتَي أَلفِ حَدِيْثٍ مِنْ كِتَابِهِ.
وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ نَفْسَهُ (2) .
ذِكْرُ ثَنَاءِ الأَئِمَّةِ عَلَيْهِ
قَالَ أَبوجعفرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِي يَقُوْلُ:
__________
(1) " مقدمة الفتح ": 487.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 25، و" تهذيب الكمال ": 1172، و" طبقات السبكي " 2 / 218 و" مقدمة الفتح ": 488.

(12/416)


كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ: كُلَّمَا دَخَلَ عليَّ هَذَا الصَّبِيُّ تحيَّرْتُ، وَألبسَ عليَّ أَمر الحَدِيْثِ وَغَيْرِهِ، وَلاَ أَزَالُ خَائِفاً مَا لَمْ يَخْرُجْ (1) .
قَالَ أَبُو جعفرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عُمُرَ سُلَيمُ بنُ مُجَاهِدٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيِّ، فَقَالَ: لَوْ جِئْتَ قَبْلُ لرَأَيْتَ صَبِيّاً يَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ.
قَالَ: فَخَرَجتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى لَحِقْتُهُ.
قَالَ: أَنْتَ الَّذِي يَقُوْلُ: إِنِّي أَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأَكْثَر، وَلاَ أَجيئُكَ بِحَدِيْثٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ إِلاَّ عَرَّفْتُكَ مولِدَ أَكْثَرِهِم وَوَفَاتَهُم وَمسَاكنِهِم، وَلَسْتُ أَروِي حَدِيْثاً مِنْ حَدِيْثِ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِيْنَ إِلاَّ وَلِي مِنْ ذَلِكَ أَصْلٌ أَحْفَظُهُ حِفْظاً عَنْ كِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (2) .
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ صَارَ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيِّ (3) عَائِداً، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى فَقِيْهٍ بحقِّهِ وَصدقِهِ، فلينظُرْ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ وَأَجْلَسَهُ عَلَى حِجْرِهِ (4) .
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِي: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) " طبقات السبكي " 2 / 222، و" مقدمة الفتح ": 484.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 24، 25 و" تهذيب الكمال ": 1172، و" طبقات السبكي " 2 / 218 و222، و" مقدمة الفتح ": 484.
(3) بضم السين المهملة، والميم المفتوحة، والالف بين الراءين: هذه النسبة إلى قرية من بخارى يقال لها: سرمارى.
وأبو إسحاق هو الامام الشجاع البطل أحمد بن إسحاق بن الحسن المطوعي الزاهد الذي فاق أهل زمانه في الشجاعة وقتل الكفار، حتى قيل: لم يكن في الإسلام له نظير في هذا المعنى. وسترد ترجمته.
(4) " مقدمة الفتح ": 485.

(12/417)


سَلاَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ حِيْنَ قَدِمَ مِنَ العِرَاقِ، فَأَخبرَهُ بِمِحْنَةِ النَّاسِ، وَمَا صنعَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الأُمُورِ.
فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَم لِمَنْ حضَرَهُ: أَترُوْنَ البِكْرَ أَشَدَّ حيَاءً مِنْ هَذَا؟
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَوْ قَدرْتُ أَنْ أَزيدَ فِي عُمُرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ عُمُرِي لفعلْتُ، فَإِنَّ مَوْتِي يَكُوْنُ مَوْتَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَموتُهُ ذهَابُ العِلْمِ (1) .
قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ - وَهُوَ البِيْكَنْدِيُّ - يَقُوْلُ لمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ: لَوْلاَ أَنْتَ مَا اسْتطبتُ العيشَ بِبُخَارَى.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي رَجَاء، هُوَ قُتَيْبَةُ، فسُئِلَ عَنْ طلاَقِ السَّكرَانِ، فَقَالَ: هَذَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ المَدِيْنِيِّ وَابْنُ رَاهْوَيْه قَدْ سَاقهُمُ اللهُ إِلَيْكَ، وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَكَانَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَغْلُوْبَ العقلِ حَتَّى لاَ يَذْكُرُ مَا يُحدثُ فِي سُكْرِهِ، أَنَّهُ لاَ يجوزُ عليهِ مِنْ أَمرِهِ شَيْءٌ (2) .
قَالَ مُحَمَّدُ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَمَّا مَاتَ أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ ركبَ مُحَمَّدٌ وَإِسْحَاقُ يُشَيِّعَانِ جِنَازَتَهُ.
فكُنْتُ أَسْمَعُ أَهْلَ المَعْرِفَةِ بِنَيْسَابُوْرَ يَنْظُرُونَ، وَيَقُوْلُوْنَ: مُحَمَّدٌ أَفْقَهُ مِنْ إِسْحَاقَ.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 24، و" تهذيب الكمال ": 1172، و" مقدمة الفتح ": 485.
(2) انظر المسألة بالتفصيل ورأي أهل العلم فيها في البخاري 9 / 340، 343 بشرح الفتح في الطلاق، باب الطلاق في الاغلاق والكره والسكران...(3) " طبقات السبكي " 2 / 223، و" مقدمة الفتح ": 485.

(12/418)


وَقَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ حَفْصٍ الأَشْقَرَ، سَمِعْتُ عبدَانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بعينِي شَابّاً أَبصرَ مِنْ هَذَا، وَأَشَار بِيَدِهِ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (1) .
وَقَالَ: سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مِسْمَارٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فَقِيْهُ هَذِهِ الأُمَّةِ (2) .
وَقَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَالِدٍ المَرْوَزِيَّ، يَقُوْلُ: قَالَ مُسَدَّدٌ: لاَ تختَارُوا عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، يَا أَهْلَ خُرَاسَان.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُوْسَى بنَ قُرَيْش يَقُوْلُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ لِلْبُخَارِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، انظُرْ فِي كُتُبِي، وَأَخْبِرْنِي بِمَا فِيْهِ مِنَ السَّقْطِ.
قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ يَقُوْلُ: بَيِّنْ لَنَا غَلَطَ شُعْبَةَ (3) .
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: اجْتَمَعَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَسَأَلونِي أَنْ أُكلِّمَ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ ليزيدَهُم فِي القِرَاءةِ، فَفَعَلْتُ، فَدَعَا إِسْمَاعِيْلُ الجَارِيَةَ، وَأَمرَهَا أَنْ تُخْرجَ صرَّةَ دَنَانِيْرٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فرِّقْهَا عَلَيْهِم (4) .
قُلْتُ: إِنَّمَا أَرَادُوا الحَدِيْثَ.
قَالَ: قَدْ أَجَبْتُكَ إِلَى مَا طلبْتَ مِنَ الزِّيَادَةِ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يُضَمَّ هَذَا إِلَى ذَاكَ ليَظْهَرَ أَثركَ فِيْهِم.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 24، و" تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح ": 483.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 22، و" تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح ": 483.
وسيرد في الصفحة: 424 منسوبا ليعقوب بن إبراهيم الدورقي.
(3) " مقدمة الفتح ": 482.
(4) " مقدمة الفتح ": 483.

(12/419)


وَقَالَ: حَدَّثَنِي حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ نظرَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ، فَقَالَ: هَذَا يَكُوْنُ لَهُ يَوْماً صوتٌ (1) .
وَقَالَ خَلَفٌ الخَيَّامُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ السَّلاَمِ: قَالَ: ذَكَرْنَا قَوْلَ البُخَارِيِّ لِعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ -يَعْنِي: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي إِلاَّ بَيْنَ يَدِي عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ- فَقَالَ عَلِيٌّ: دعُوا هَذَا، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمْ يَرَ مِثْلَ نَفْسِهِ (2) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: ذَاكرنِي أَصْحَابُ عَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ بِحَدِيْثٍ، فَقُلْتُ: لاَ أَعْرِفُهُ، فَسُرُّوا بِذَلِكَ، وَصَارُوا إِلَى عَمْرٍو، فَأَخبروهُ.
فَقَالَ: حَدِيْثٌ لاَ يَعْرِفُهُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ لَيْسَ بِحَدِيْثٍ (3) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي أَبُو مُصْعَبِ الزُّهْرِيُّ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَفقَهُ عِنْدنَا وَأَبصرُ بِالحَدِيْثِ (4) مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
فَقِيْلَ لَهُ: جَاوزتَ الحدَّ.
فَقَالَ لِلرَّجُلِ: لَوْ أَدْرَكْتَ مَالِكاً، وَنظرتَ إِلَى وَجْهِهِ وَوجهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، لقُلْتَ: كِلاَهُمَا وَاحِدٌ فِي الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ (5) .
__________
(1) " مقدمة الفتح " 482 بلفظ: " صيت ".
(2) " تهذيب الكمال ": 1170، و" مقدمة الفتح ": 484، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 69 / 1.
(3) " تاريخ بغداد " 2 / 18، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 69 / 1، و" تهذيب الكمال " 1171.
(4) ما بين حاصرتين من " مقدمة الفتح ".
(5) يغلب على ظني أن أبا مصعب الزهري لم يقف على كلام أحمد في الفقه حتى جعل =

(12/420)


قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: اكتُبُوا عَنْ هَذَا الشَّابِّ -يَعْنِي: البُخَارِيّ- فَلَو كَانَ فِي زَمَنِ الحَسَنِ لاحْتَاجَ إِلَيْهِ النَّاسُ لمَعْرِفَتِهِ بِالحَدِيْثِ وَفقهِهِ (1) .
قَالَ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ حُجْرٍ يَقُوْلُ: أَخرجَتْ خُرَاسَانُ ثَلاَثَةً: أَبُو زُرْعَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيَّ، وَمُحَمَّدُ عِنْدِي أَبصرُهُم وَأَعْلَمُهُم وَأَفْقَهُهُم (2)
قَالَ: وَأَوردتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ كِتَابَ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ: كَيْفَ خَلَّفْتَ ذَلِكَ الكبْش؟
فَقُلْتُ: بِخَيْرٍ.
فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ الضَّوْءِ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ يَقُوْلاَنِ: مَا رأَينَا مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (3) .
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حنيلٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا أَخرجتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (4) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: سَمِعْتُ بُنْدَاراً مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ يَقُوْلُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (5) .
__________
= البخاري أفقه منه، ولو وقف على كلامه، لم يتفوه بذلك، وانظر الخبر في " تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح ": 483.
(1) " مقدمة الفتح ": 307.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 28.
(3) " تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح ": 484.
(4) " تاريخ بغداد " 2 / 21، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1171.
(5) " تاريخ بغداد " 2 / 17، و" تهذيب الكمال ": 1170، و" مقدمة الفتح ": 483.

(12/421)


وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ، فَسَمِعْتُ قُدُومَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ بُنْدَارٌ: اليَوْمَ دَخَلَ سَيِّدُ الفُقَهَاءِ (1) .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ: إِنَّ ثوبِي لاَ يَمَسُّ جلدِي مَثَلاً، مَا لَمْ ترجعْ إِلَيَّ، أَخَافُ أَنْ تجدَ فِي حَدِيْثِي شَيْئاً يُسَقِّمُنِي.
فَإِذَا رجعت فَنَظَرت فِي حَدِيْثِي طَابتْ نَفْسِي، وَأَمِنْتُ مِمَّا أَخَافُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَالِدٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا عَمَّارٍ الحُسَيْنَ بنَ حُرَيْثٍ يُثْنِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ، وَيَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ مِثْلَهُ، كَأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ إِلاَّ لِلْحَدِيْثِ (2) .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ مَحْمُوْدَ بنَ النَّضْرِ أَبَا سهلٍ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ البَصْرَةَ وَالشَّامَ وَالحِجَازَ وَالكُوْفَةَ، وَرأَيتُ علمَاءهَا، كُلَّمَا جرَى ذكرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فَضَّلُوهُ عَلَى أَنفُسِهِم (3) .
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْتُ البَصْرَةَ صِرتُ إِلَى بُنْدَارٍ، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ خُرَاسَانَ.
قَالَ: مِنْ أَيُّهَا؟
قُلْتُ: مِنْ بُخَارَى.
قَالَ: تَعْرِفُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ؟
قُلْتُ: أَنَا مِنْ قَرَابَتِهِ.
فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْفَعُنِي فَوْقَ النَّاسِ (4) .
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 16، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1170 و" مقدمة الفتح ": 483.
(2) " مقدمة الفتح ": 484.
(3) " تاريخ بغداد " 2 / 19، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 69 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح ": 485.
(4) " تاريخ بغداد " 2 / 18، و" تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح ": 483.

(12/422)


قَالَ مُحَمَّدُ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْتُ البَصْرَةَ صِرتُ إِلَى مَجْلِسِ بُنْدَارٍ، فَلَمَّا وَقَعَ بصرُهُ عليَّ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ الفَتَى؟
قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ بُخَارَى.
فَقَالَ لِي: كَيْفَ تركتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
فَأَمسكتُ، فَقَالُوا لَهُ: يرحمُكَ اللهُ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَقَامَ، وَأَخَذَ بِيَدِي، وَعَانقَنِي، وَقَالَ: مَرْحَباً بِمَنْ أَفتخِرُ بِهِ مُنْذُ سِنِيْنَ (1) .
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَدْخُلْ البَصْرَةَ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ أَخينَا أَبِي عَبْدِ اللهِ.
قَالَ: فَلَمَّا أَرَادَ الخُرُوجَ وَدَّعَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ موعِدُنَا الحَشْرُ أَنْ لاَ نلتقِي بَعْدُ.
وَقَالَ أَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جمعَةَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: حفَاظُ الدُّنْيَا أَرْبَعَةٌ: أَبُو زُرْعَةَ بِالرَّيِّ، وَالدَّارِمِيُّ بِسَمَرْقَنْدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِبُخَارَى، وَمُسْلِمٌ بِنَيْسَابُوْرَ (2) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الأَشْعَثِ البِيْكَنْدِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: انْتَهَى الحِفْظُ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَان: أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديِّ، وَالحَسَنِ بنِ شُجَاعٍ البَلْخِيِّ (3) .
قَالَ ابْنُ الأَشْعَثِ: فحكيتُ هَذَا لِمُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ البَلْخِيِّ، فَأَطرَى ذكرَ ابْنِ شُجَاعٍ.
فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ لَمْ يَشْتَهرْ؟
قَالَ: لأَنَّهُ لَمْ يُمَتَّعْ بِالعُمُرِ.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 17، و" تهذيب الكمال " 1170.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 16، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1170، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 589، و" تهذيب التهذيب " 10 / 128.
(3) " تهذيب الكمال ": 1171.

(12/423)


قُلْتُ: هَذَا ابْنُ شُجَاعٍ رحلَ وَسَمِعَ: مَكِّيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَأَبَا مُسْهِرٍ.
وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ نَصْرُ بنُ زَكَرِيَّا المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: شَبَابُ خُرَاسَان أَرْبَعَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: الدَّارِمِيّ- وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى اللُّؤْلُؤِيُّ (1) ، وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ (2) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ جَعْفَراً الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُنيرٍ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ تلاَمِيذِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ مُعَلِّمِي وَرَأَيْتُهُ يَكْتُبُ عَنْ مُحَمَّدٍ (3) .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا حَاشِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، سَمِعْتُ يَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فَقِيْهُ هَذِهِ الأُمَّةِ (4) .
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ المُسْنِديِّ قَالَ: حُفَّاظُ زَمَانِنَا ثَلاَثَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَحَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَيَحْيَى بنُ سَهْلٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرَبْرِيُّ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْر -رَحِمَهُ اللهُ- إِلَى بُخَارَى فِي حَاجَةٍ لَهُ.
فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لَهُ ابْنُ مُنِيْرٍ: لقيتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
قَالَ: لاَ.
فطردَهُ، وَقَالَ: مَا فيكَ بَعْدَ هَذَا خَيْرٌ، إِذْ قدِمْتَ بُخَارَى وَلَمْ تَصِرْ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
__________
(1) في هامش الأصل ما نصه: هذا اللؤلؤي من شيوخ البخاري.
ويروي عن عبد الله ابن نمير وأبي أسامة.
توفي كهلا سنة ثلاثين ومئتين وقد تقدمت ترجمته في الجزء الحادي عشر من " سير أعلام النبلاء "، ترجمة رقم 104.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 26.
(3) سبق الخبر في الصفحة: 415، التعليق الأول.
(4) " طبقات السبكي " 2 / 223، و" مقدمة الفتح ": 483.

(12/424)


وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: حضَرتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً يَقُوْلُ فِي مَجْلِسِهِ: نَاظرَ أَبُو بَكْرٍ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِي أَحَادِيْثِ سُفْيَانَ، فَعَرفَ كُلَّهَا، ثُمَّ أَقبلَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ، فَأَغربَ عَلَيْهِ مَائَتَي حَدِيْثٍ.
فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُوْلُ: ذَاكَ الفَتَى البَازِلُ (1) - وَالبَازلُ الجملُ المُسِنُّ (2) - إِلاَّ أَنَّهُ يُرِيْدُ هَا هُنَا البصيرُ بِالعِلْمِ، الشجَاعُ.
وَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: إِنَّ الرُّتُوتَ (3) مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ مِثْلَ: سَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَالحُمَيْدِيِّ، وَحَجَّاجِ بنِ مِنْهَالٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَالعَدَنِيِّ (4) ، وَالحَسَنِ الخلاَلِ (5) بِمَكَّةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَيْمُوْنٍ صَاحِبِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ العَلاَءِ، وَالأَشَجِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ الحِزَامِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى الفَرَّاءِ، كَانُوا يهَابُوْنَ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَيَقْضُونَ لَهُ عَلَى أَنفُسِهِم فِي المَعْرِفَةِ وَالنَّظَرِ (6) .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي حَاتِمُ بنُ مَالِكٍ الوَرَّاقُ؟ قَالَ: سَمِعْتُ عُلَمَاءَ مَكَّةَ يَقُوْلُوْنَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِمَامُنَا وَفَقِيْهُنَا وَفَقِيْهُ خُرَاسَانَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبِي -رَحِمَهُ اللهُ- يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَخْتَلِفُ إِلَى أَبِي حَفْصٍ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ البُخَارِيِّ وَهُوَ صَغِيْرٌ، فَسَمِعْتُ أَبَا
__________
(1) " مقدمة الفتح ": 484.
(2) أي: الكامل.
قال جرير: وابن اللبون إذا ما لز في قرن * لم يستطع صولة البزل القنا عيس
(3) أي: الرؤساء.
(4) يعني محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني.
" مقدمة الفتح ": 483.
(5) في " مقدمة الفتح ": 483: والخلال، يعني الحسين بن علي الحلواني.
(6) " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 70، 71 / 1، و" مقدمة الفتح ": 483.

(12/425)


حَفْصٍ يَقُوْلُ:
هَذَا شَابٌّ كَيِّسٌ، أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ لَهُ صِيتٌ وَذِكْرٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا سهلٍ محموداً الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ عَالِماً مِنْ عُلَمَاءِ مِصْرَ، يَقُوْلُوْنَ: حَاجَتُنَا مِنَ الدُّنْيَا النَّظَرُ فِي (تَارِيْخِ) مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بنُ يُوْنُسَ، قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: الدَّارِمِيّ- عَنْ حَدِيْثِ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ (1) ، فَقَالَ: كتبنَاهُ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدٌ يَقُوْلُ: سَالِمٌ ضَعِيْفٌ.
فَقِيْلَ لَهُ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ أَبْصَرُ مِنِّي.
قَالَ: وَسُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَدِيْثِ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ: (لاَ يَكْذِبُ الكَاذِبُ إِلاَّ مِنْ مَهَانَةِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ (2)).
وَقِيْلَ لَهُ: مُحَمَّدٌ يزعُمُ أَنَّ هَذَا صَحِيْحٌ، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ أَبصرُ مِنِّي، لأَنَّ همَّهُ النَّظَرُ فِي الحَدِيْثِ، وَأَنَا مَشْغُوْلٌ مريضٌ، ثُمَّ قَالَ: مُحَمَّدٌ أَكْيَسُ خلقِ اللهِ، إِنَّهُ عَقَلَ عَنِ اللهِ مَا أَمرَهُ بِهِ، وَنَهَى عَنْهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، إِذَا قَرَأَ مُحَمِّدٌ القُرْآنَ، شَغَلَ قَلْبَهُ وَبصرَهُ وَسَمْعَهُ، وَتَفَكَّرَ فِي أَمْثَالِهِ، وَعرفَ حلاَلَهُ وَحرَامَهُ (3) .
وَقَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ سُلَيْمَانُ بنُ مُجَالدٍ: إِنِّي سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديًّ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُنَا وَأَفْقَهُنَا
__________
(1) في " التقريب ": سالم بن أبي حفصة العجلي أبو يونس الكوفي صدوق في الحديث إلا أنه شيعي غال، مات في حدود 140 ه وقد أخرج حديثه البخاري في " الأدب المفرد " والترمذي في " سننه " وانظر ترجمته في ميزان المؤلف 2 / 110.
(2) أورده السخاوي في " المقاصد الحسنة " 472، وقال: رواه الديلمي عن أبي هريرة
به مرفوعا، قلت: انفراد الديلمي بروايته مؤذن بضعفه، كما نبه عليه السيوطي في مقدمة الجامع الكبير ".
(3) " مقدمة الفتح ": 485.

(12/426)


وَأَغْوَصُنَا، وَأَكْثَرُنَا طلباً.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ المُؤَدِّبَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ يُشْبِهُ طلبُ مُحَمَّدٍ لِلْحَدِيْثِ طلبَنَا، كَانَ إِذَا نظَرَ فِي حَدِيْثِ رَجُلٍ أَنْزَفَهُ.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ وَرَّاقُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَأَلَنِي عَبْدُ اللهِ عَنْ كِتَابِ (الأَدبِ) مِنْ تَصْنِيْفِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ: احمِلْهُ لأَنْظُرَ فِيْهِ، فَأَخَذَ الكِتَابَ مِنِّي، وَحَبَسَهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا أَخذتُ مِنْهُ، قُلْتُ: هَلْ رَأَيْتَ فِيْهِ حَشْواً، أَوْ حَدِيْثاً ضَعِيْفاً؟
فَقَالَ ابْنُ إِسْمَاعِيْلَ: لاَ يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ إِلاَّ الحَدِيْثَ الصَّحِيْحَ (1) ، وَهَلْ يُنْكَرُ عَلَى مُحَمَّدٍ؟!
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ حَاتِمَ بنَ مَنْصُوْرٍ الكِسِّيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ فِي بصرِهِ وَنفَاذِهِ مِنَ العِلْمِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو المستنيرَ بنَ عَتِيْقٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَجَاءَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: فَضْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ عَلَى العُلَمَاءِ كفضلِ الرِّجَالِ عَل?ى النِّسَاءِ.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، كُلُّ ذَلِكَ بِمَرَّةٍ؟!
فَقَالَ: هُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ يَمْشِي عَلَى ظَهرِ الأَرْضِ (2) .
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: سَأَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَبَا رَجَاءَ
__________
(1) كتاب الأدب المفرد كتاب جيد في بابه، ضمنه المؤلف رحمه الله الأحاديث النبوية
التي تعنى بتهذيب الخلق، وتصحيح النية، وتقويم السلوك، والآداب العامة ولم يتحر فيه الصحة كما فعل في كتابه " الجامع الصحيح " بل فيه الصحيح والحسن وهو الغالب والضعيف وهو قليل كما هو معلوم لكل من درس أسانيده، وبحث فيها.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 25، و" مقدمة الفتح ": 484.

(12/427)


البَغْلاَنِيَّ -يَعْنِي: قُتَيْبَة- إِخْرَاجَ أَحَادِيْثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ،
فَقَالَ: مُنْذُ كَتَبْتُهَا مَا عرضتُهَا عَلَى أَحَدٍ، فَإِنِ احتسبتَ وَنظرتَ فِيْهَا، وَعلَّمتَ عَلَى الخطأِ مِنْهَا فعلتُ، وَإِلاَّ لَمْ أُحَدِّثْ بِهَا، لأَنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهَا بَعْضُ الخطأِ، وَذَلِكَ أَنَّ الزِّحَامَ كَانَ كَثِيْراً، وَكَانَ النَّاسُ يُعَارِضونَ كُتُبَهُم، فيُصحِّحُ بَعْضُهُم مِنْ بَعْضٍ، وَتركتُ كِتَابِي كَمَا هُوَ، فَسُرَّ البُخَارِيُّ بِذَلِكَ، وَقَالَ: وُفِّقْتَ.
ثُمَّ أَخذَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ صَلاَةَ الغدَاةِ، فينظُرُ فِيْهِ إِلَى وَقْتِ خُرُوْجِهِ إِلَى المَجْلِسِ، وَيُعَلِّم عَلَى الخطأِ مِنْهُ.
فَسَمِعْتُ البُخَارِيَّ رَدَّ عَلَى أَبِي رَجَاء يَوْماً حَدِيْثاً.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا مِمَّا كَتَبَ عَنِّي أَهْلُ بَغْدَادَ، وَعَلَيْهِ علاَمَةُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَلاَ أَقدِرُ أُغَيِّرُهُ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِنَّمَا كتبَ أُوْلَئِكَ عَنْكَ لأَنَّكَ كُنْتَ مُجْتَازاً، وَأَنَا قَدْ كَتَبْتُ هَذَا عَنْ عِدَّةٍ عَلَى مَا أَقُوْلُ لَكَ، كَتَبْتُهُ عَنْ يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، وَابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَكَاتِبِ اللَّيْثِ عَنِ اللَّيْثِ، فَرَجَعَ أَبُو رَجَاءَ، وَفَهِمَ قَوْلَهُ، وَخضَعَ لَهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كَانَ زَكَرِيَّا اللُّؤْلُؤِيُّ وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ ببلخَ يمشيَانِ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ إِلَى المَشَايِخِ إِجْلاَلاً لَهُ وَإِكرَاماً.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه جَالِساً عَلَى السَّرِيْرِ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ مَعَهُ وَإِسْحَاقُ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَتَّى مرَّ عَلَى حَدِيْثٍ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ (1) .
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 27، و" تهذيب الأسماء واللغات ": 1 / 69 و" مقدمة الفتح ": 484

(12/428)


ثُمَّ رَأَيْتُ عَمْرَو بنَ زُرَارَةَ وَمُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ يَسْأَلاَنِهِ عَنْ عِلَلِ الحَدِيْثِ، فَلَمَّا قَامَا قَالاَ لِمَنْ حَضَرَ: لاَ تُخْدَعُوا (1) عَن أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَإِنَّهُ أَفْقَهُ مِنَّا وَأَعْلَمُ وَأَبصرُ (2) .
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ إِسْحَاقَ وَعَمْرُو بنُ زُرَارَةَ ثَمَّ، وَهُوَ يَسْتَملِي عَلَى البُخَارِيِّ، وَأَصْحَابُ الحَدِيْثِ يَكْتُبُوْنَ عَنْهُ، وَإِسْحَاقُ يَقُوْلُ: هُوَ أَبصرُ مِنِّي.
وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَوْمَئِذٍ شَابّاً (3) .
وَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ، فَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ عَنْ حَدِيْثٍ، فَأَجَابَهُ، فَقَالَ: هَذَا أَفقَهُ خلقِ اللهِ فِي زَمَانِنَا.
وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ وَكِيْعاً وَابْنَ عُيَيْنَةَ وَابْنَ المُبَارَكِ كَانُوا فِي الأَحيَاءِ لاحْتَاجُوا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: انْظُرْ فِي كُتُبِي وَمَا أَملِكُهُ لَكَ، وَأَنَا شَاكرٌ لَكَ مَا دمتُ حيّاً.
وَقَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَمْرٍو الكَرْمَانِيُّ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيَّ يَقُوْلُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ صَدِيْقِي، ليسَ بِخُرَاسَانَ مِثْلَهُ.
فحكيتُ لمهيَارٍ بِالبَصْرَةِ عَنْ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: رُحِلَ إِلَيَّ مِنْ شرقِ الأَرْضِ وَغربِهَا، فَمَا رحلَ إِلَيَّ مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ مهيَارٌ: صَدَقَ.
أَنَا رَأَيْتُهُ مَعَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ جَمِيْعاً إِلَى
__________
(1) أي لا تتركوه يفوتكم.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 27، و" مقدمة الفتح ": 485.
(3) " مقدمة الفتح ": 454

(12/429)


مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَرَأَيْتُ يَحْيَى ينقَادُ لَهُ فِي المَعْرِفَةِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الأَشَجَّ، وَخَرَجَ إِلَيْنَا فِي غدَاةٍ بَارِدَةٍ، وَهُوَ يرتعدُ مِنَ البَرْدِ، فَقَالَ: أَيَكُوْنُ عندَكُم مِثْلُ ذَا البَرْدِ؟
فَقُلْتُ: مِثْلُ ذَا يَكُوْنُ فِي الخريفِ وَالرَّبِيْعِ، وَرُبَّمَا نُمسِي وَالنَّهْرُ جَارٍ، فنصبحُ وَنَحتَاجُ إِلَى الفَأَسِ فِي نَقْبِ الجَمَدِ.
فَقَالَ لِي: مِنْ أَيِّ خُرَاسَان أَنْتَ؟
قُلْتُ: مِنْ بُخَارَى.
فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: هُوَ مِنْ وَطَنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ لَهُ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْك مَنْ يُتوسَّلُ بِهِ فَاعرفْ لَهُ حقَّهُ، فَإِنَّهُ إِمَامٌ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ ثَابِتٍ الشَّاشِيَّ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ يَقُوْلُ: مَا أَخذَ عَنِّي أَحَدٌ مَا أَخذَ عَنِّي مُحَمَّدٌ، نظرَ إِلَى كُتُبِي، فرآهَا دَارسَةً، فَقَالَ لِي: أَتَأْذنُ لِي أَنْ أُجدِّدَهَا؟
فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَاسْتَخرجَ عَامَّةَ حَدِيْثِي بِهَذِهِ العِلَّةِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ سَاعَةَ وَدَّعَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: قُلْ فِي أَدبِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا شِئْتَ، وَقُلْ فِي علمِ مُحَمَّدٍ مَا شِئْتَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ اللَّيْثِ يَقُوْلُ: وذُكِرَ عِنْدَه عَبْدُ اللهِ وَمُحَمَّدٌ، فسَمِعَ بَعْضَ الجَمَاعَةِ يُفضِّلُ عَبْدَ اللهِ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: إِذَا قَدمتوهُ فَقَدِّمُوهُ فِي الشِّعْرِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَلاَ تقدّمُوهُ عَلَيْهِ فِي العِلْمِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَدُسُّ إِلَيَّ أَحَادِيْثَ مِنْ أَحَادِيْثِهِ المُشْكِلَةِ عَلَيْهِ، يَسْأَلُنِي أَنْ أَعرِضَهَا عَلَى مُحَمَّدٍ، وَكَانَ يَشتهِي أَنْ لاَ يَعْلَمَ مُحَمَّدٌ، فَكُنْتُ إِذَا عَرضْتُ عَلَيْهِ شَيْئاً يَقُوْلُ: مِنْ ثَمَّ جَاءتْ؟

(12/430)


وَعَنْ قُتَيْبَةَ قَالَ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِي الصَّحَابَةِ لكَانَ آيَةً (1) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الهَمَذَانِيُّ: كُنَّا عِنْدَ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ شَعْرَانِيٌّ يُقَالُ لَهُ: أَبُو يَعْقُوْبَ، فَسَأَلَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فنكسَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رفعَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: يَا هَؤُلاَءِ، نظرْتُ فِي الحَدِيْثِ، وَنظرتُ فِي الرَّأْيِ، وَجَالَسْتُ الفُقَهَاءَ وَالزُّهَادَ وَالعُبَّادَ، مَا رَأَيْتُ مُنْذُ عقلْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسمَاعيلَ (2) .
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: مَثَلُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عِنْدَ الصَّحَابَةِ فِي صدقِهِ وَوَرَعِهِ كَمَا كَانَ عُمَرُ فِي الصَّحَابَةِ (3) .
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: لَمْ يجئْنَا مِنْ خُرَاسَانَ مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وروينَا عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُ مَنْ دَخَلَ العِرَاقَ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ، سَمِعَ بِبُخَارَى هَارُوْنَ بنَ الأَشْعَثِ، وَمُحَمَّدَ بنَ سَلاَمٍ، وَسَمَّى خَلْقاً مِنْ شُيُوْخِهِ.
ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ المُذَكِّرَ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ تَحْتَ أَديمِ السَّمَاءِ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَحْفَظَ لَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
__________
(1) " مقدمة الفتح ": 483
(2) " مقدمة الفتح ": 483.
(3) " مقدمة الفتح ": 483 (4) " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 70 / 1، و" طبقات السبكي " 2 / 218، و" مقدمة الفتح ": 486

(12/431)


ثُمَّ قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ بَيْنَ يَدِي البُخَارِيِّ يَسْأَلُهُ سُؤَالَ الصَّبِيِّ (1) .
ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيَّ المُعَدَّلَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حمدُوْنَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي جِنَازَةِ سَعِيْدِ بنِ مَرْوَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ يَسْأَلُهُ عَنِ الأَسَامِي وَالكُنَى وَالعِلَلِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَمُرُّ فِيْهِ مِثْلَ السَّهمِ (2) ، كَأَنَّهُ يَقْرَأُ : {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإِخلاَص :1].
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطوّعِيّ بِبُخَارَى، حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ سَعِيْدٍ البُخَارِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: قَدْ رَأَيْتُ العُلَمَاءَ بِالحِجَازِ وَالعِرَاقَينِ، فَمَا رَأَيْتُ فِيْهِم أَجمعَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (3) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حمدُوْن بنِ رُسْتُمَ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ فَقَالَ: دَعْنِي أُقَبِّلْ رجليكَ يَا أُسْتَاذَ الأُسْتَاذِين، وَسَيِّدَ المُحَدِّثِيْنَ، وَطبيبَ الحَدِيْثِ فِي عِلَلِهِ (4) .
وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: لَمْ أَرَ بِالعِرَاقِ وَلاَ بِخُرَاسَانَ فِي مَعْنَى العِلَلِ وَالتَّارِيْخِ وَمَعْرِفَةِ الأَسَانِيْدِ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (5) .
__________
(1) " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 70 / 1، و" تاريخ بغداد " 2 / 29.
(2) سيرد في الصفحة: 455 وهو في " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 69 / 1 /، و" تاريخ بغداد " 2 / 31.
(3) " تاريخ بغداد " 2 / 28، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 69 / 1، و" مقدمة الفتح ": 485.
(4) " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 70 / 1، و" طبقات السبكي " 2 / 223، و" مقدمة الفتح ": 489.
(5) " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 70 / 1، و" طبقات السبكي " 2 / 220.

(12/432)


وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ:كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْرٍ، فَلَمَّا قَامَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، جَعَلَكَ اللهُ زَيْنَ هَذِهِ الأُمَّةِ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: اسْتُجِيْبَ لَهُ فِيْهِ (1) .
قُلْتُ: ابْنُ مُنِيْرٍ مِنْ كِبَارِ الزُّهَّادِ، قَالَ (2) .... قِيْلَ: إِنَّ البُخَارِيَّ لَمَّا قَدِمَ مِنَ العِرَاقِ، قَدْمَتَهُ الآخِرَة، وَتلقَّاهُ النَّاسُ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، وَبَالغُوا فِي بِرِّهِ.
قِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: كَيْفَ لَوْ رَأَيْتُم يَوْمَ دُخُوْلِنَا البَصْرَةَ (3) ؟
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَة: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَجْلِسُ بِبَغْدَادَ، وَكُنْتُ أَستملِي لَهُ، وَيجتمعُ فِي مَجْلِسِهِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِيْنَ أَلْفاً.
وَقَالَ عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ النَّسَفِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَلِيٍّ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الدَّارِمِيِّ وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ وَأَبِي زُرْعَةَ، فقَالَ: أَعْلَمُهُم بالحَدِيْثِ مُحَمِّدٌ، وأَحْفَظُهُم أَبُو زُرْعَةَ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ زبركٍ (4) : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيْسَ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ: يقدَمُ عَلَيْكُم رَجُلٌ مِنْ خُرَاسَانَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا أَحْفَظُ مِنْهُ، وَلاَ قَدِمَ العِرَاقَ أَعْلَمُ مِنْهُ.
فَقَدمَ عَلَيْنَا البُخَارِيَّ (5) .
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 26، و" طبقات السبكي " 2 / 221، و" مقدمة الفتح ": 484.
(2) بياض في كلا الاصلين قدر ثلث سطر، وجاء في " مقدمة الفتح ": وقال حمدويه بن الخطاب: لما قدم البخاري قدمته الأخيرة...
(3) " تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح ": 488، وانظر ما قاله ابن حجر في ذلك.
(4) في " تاريخ بغداد " 2 / 23 زيرك وهو تصحيف.
(5) " تاريخ بغداد " 2 / 23 وتتمته فيه: " بعد ذلك بأشهر ". وهو في " تهذيب الكمال ": 1171.

(12/433)


وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الحَافِظُ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ الإِسْلاَمِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُنَصِّبُوا آخَرَ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَقِيْهُ الدَّغُوْلِيُّ: كتبَ أَهْلُ بَغْدَادَ إِلَى البُخَارِيِّ:
المُسْلِمُوْنَ بِخَيْرٍ مَا بَقِيْتَ لَهُم ... وَلَيْسَ بَعْدَكَ خَيْرٌ حِيْنَ تُفْتَقَدُ (1)
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَقَالَ: تَرَكَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ.
وَسُئِلَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ، فَقَالَ: تركَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ.
فَذُكِرَ ذَلِكَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: بِرُّهُ لَنَا قَدِيْمٌ (2) .
قَالَ الخَطِيْبُ: وَسُئِلَ العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الرَّازِيُّ الصَّائِغُ: أيُّهُمَا أَفْضَلُ، أَبُو زُرْعَةَ أَوْ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ؟
فَقَالَ: التقيتُ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بَيْنَ حُلْوَانَ وَبَغْدَادَ، فَرَجَعتُ مَعَهُ مَرحلَةً، وَجَهِدْتُ أَنْ أَجِيءَ بِحَدِيْثٍ لاَ يَعْرِفُهُ، فَمَا أَمكنَنِي، وَأَنَا أُغْرِبُ عَلَى أَبِي زُرْعَةَ عَدَدَ شَعْرِهِ (3) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِي (تَارِيْخِهِ): مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الجُعْفِيُّ طَلَبَ العِلْمَ، وَجَالَسَ النَّاسَ، وَرَحَلَ فِي الحَدِيْثِ، وَمَهَرَ فِيهِ وَأَبْصَرَ،
__________
(1) هذا من المبالغات الشعرية المنبعثة من العواطف فإن الخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم مستمر وباق إلى يوم القيامة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الخير في أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره ".
وقال:: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ".
والبيت في " تاريخ بغداد " 2 / 22، و" تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح ": 486.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 23، و" تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح " 485.
(3) " تاريخ بغداد " 2 / 23، و" تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح " 486.

(12/434)


وَكَانَ حَسَنَ المَعْرِفَةِ، وَالحِفْظِ، وَكَانَ يتفقَّهُ (1) .
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: رَأَيْتُ أَبِي يُطْنِبُ فِي مدحِ أَحمدَ بنِ سَيَّارٍ، وَيذكرُه بِالعِلْمِ وَالفِقْه.
وَذكر عَمَرُ بنُ حَفْصٍ الأَشْقَرُ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَجَاءُ بنُ مُرَجَّى بُخَارَى يُرِيْد الخُرُوجَ إِلَى الشَّاشِ، نَزَلَ الرّباطَ، وَسَارَ إِلَيْهِ مَشَايِخنَا، وَسِرْتُ فِيْمَنْ سَارَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَأَخبرتُهُ بسَلاَمَتِهِ، وَقُلْتُ: لَعَلَّهُ يَجِيْئُكَ السَّاعَةَ، فَأَملَى عَلَيْنَا، وَانقضَى المَجْلِسُ، وَلَمْ يَجِئْ.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي لَمْ يَجِئْهُ.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْم الثَّالِث قَالَ رَجَاءُ: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ لَمْ يَرَنَا أَهْلاً لِلزِّيَارَةِ، فمُرُّوا بِنَا إِلَيْهِ نقضِ حقَّهُ، فَإِنِّي عَلَى الخُرُوجِ - وَكَانَ كَالمُتَرَغّمِ عَلَيْهِ - فَجِئْنَا بجمَاعتِنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَجَاءُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كُنْتُ بِالأَشواقِ إِلَيْكَ، وَأَشْتَهِي أَنْ تذكرَ شَيْئاً مِنَ الحَدِيْث، فَإِنِّي عَلَى الخُرُوج.
قَالَ: مَا شِئْتَ.
فَأَلقَى عَلَيْهِ رَجَاءُ شَيْئاً مِنْ حَدِيْثِ أَيُّوْبَ، وَأَبو عَبْدِ اللهِ يُجِيْبُ إِلَى أَنْ سكتَ رَجَاءُ عَنِ الإِلقَاءِ.
فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: ترَى بَقِيَ شَيْءٌ لَمْ نذكرْهُ، فَأَخَذَ مُحَمَّدٌ يُلْقِي، وَيَقُوْلُ رَجَاءُ: مَنْ رَوَى هَذَا؟ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ يَجِيْءُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَنْ أَلقَى قَرِيْباً مِنْ بِضْعَة عشر حَدِيْثاً.
وَتَغَيَّرَ رَجَاءُ تغيُّراً شَدِيْداً، وَحَانَتْ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ نظرَةٌ إِلَى وَجْهِهِ، فَعَرفَ التَّغَيُّرَ فِيْهِ، فَقطَعَ الحَدِيْثَ.
فَلَمَّا خَرَجَ رَجَاءُ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَرَدْتُ أَنْ أَبلغَ بِهِ ضِعْفَ مَا أَلقَيْتُهُ، إِلاَّ أَنِّي خشيتُ أَنْ يدخُلَهُ شَيْءٌ، فَأَمسكتُ (2) .
وَقَالَ خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ الخَفَّافَ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه وَأَحْمَدَ بنِ
__________
(1) " مقدمة الفتح ": 486.
(2) " تاريخ بغداد ": 2 / 26.

(12/435)


حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا بِعِشْرِيْنَ دَرَجَةٍ؛ وَمَنْ قَالَ فِيْهِ شَيْئاً، فمنِّي عَلَيْهِ أَلفُ لعنَةٍ (1) .
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّقيُّ النَّقيُّ العَالِمُ الَّذِي لَمْ أَرَ مِثْلَهُ (2) .
وَرُوِيَ عَنِ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ المَعْرُوْفِ بعُبَيْدِ العِجْلِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَلَمْ يَكُنْ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ يبلغُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ.
وَرَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَأَبَا حَاتِمٍ يَسْتَمَعَانِ إِلَى مُحَمَّدٍ أَيَّ شَيْءٍ يَقُوْلُ، يجلسُونَ إِلَى جَنْبِهِ، فَذُكِرَ لعُبَيْدِ العِجْلِ قِصَّةُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَقَالَ: مَا لَهُ وَلِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ؟ كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ، وَكَانَ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بكذَا وَكَذَا، وَكَانَ دَيِّناً فَاضِلاً يُحْسِنُ كُلَّ شَيْءٍ (3) .
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ حمدُوْن القصَّارُ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ، فَقَبَّلَ بَيْنَ عينيهِ، وَقَالَ: دعنِي أُقَبِّلُ رِجْليكَ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثكَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بنُ يَزِيْدَ الحَرَّانِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنِ أَبيه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كَفَّارَةِ المَجْلِسِ (4) ، فَمَا عِلَّتُهُ؟
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ
__________
(1) " طبقات السبكي " 2 / 221 و225، و" مقدمة الفتح " 486.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 28، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 69 / 1، و" طبقات السبكي " 2 / 225، و" مقدمة الفتح " 486. وسيذكره المصنف في الصفحة 442 أيضا.
(3) " تاريخ بغداد " 2 / 30.
(4) وتمامه: إذا قام العبد أن يقول: " سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك " أخرجه الترمذي (3433)، وأحمد 2 / 494. كلاهما من طريق حجاج بن محمد، عن ابن جريج، أخبرني موسى بن عقبة.
وقال الترمذي: حسن غريب صحيح، وصححه ابن حبان (2366) والحاكم 1 / 536، 537، ووافقه الذهبي، وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود (4857)، وصححه ابن حبان (2337)، وعن جبير بن مطعم عند الحاكم 1 / 537، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، =

(12/436)


إِسْمَاعِيْلَ: هَذَا حَدِيْثٌ مَلِيْحٌ، وَلاَ أَعْلَمُ بِهَذَا الإِسْنَادِ فِي الدُّنْيَا حَدِيْثاً غَيْرَ هَذَا الحَدِيْثِ الوَاحِدِ فِي هَذَا البَابِ، إِلاَّ أَنَّهُ معلولٌ حَدَّثَنَا بِهِ مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ قَوْلَهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا أَوْلَى، فَإِنَّهُ لاَ يُذكَرُ لمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ سَمَاعٌ مِنْ سُهَيْلٍ.
فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ: لاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ حَاسِدٌ، وَأَشهدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ (1) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَدِمَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ اسْتَقبَلَهُ أَرْبَعَةُ آلاَفِ رَجُلٍ رُكْبَاناً عَلَى الخيلِ، سِوَى مِنْ ركبَ بغلاً أَوْ حِمَاراً وَسوَى الرَّجَّالَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ: وَددْت أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ وَآخَرَ يَقُوْلاَنِ:كَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ بِالبَصْرَةِ يَعْدُونَ خَلْفَ البُخَارِيِّ فِي طلبِ الحَدِيْثِ، وَهُوَ شَابٌّ حَتَّى يغلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجْلِسُوهُ (2) فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فيجتمعُ عَلَيْهِ أَلوفٌ أَكْثَرُهُم مِمَّنْ يَكْتُبُ عَنْهُ.
قَالاَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عِنْدَ ذَلِكَ شَابّاً لَمْ يخرجْ وَجْهُهُ (3) .
__________
= وهو كما قالا.
وعن رافع بن خديج عند النسائي في " عمل اليوم والليلة "، والحاكم 1 / 537، وحسنه العراقي، وقال: الهيثمي في " المجمع " 10 / 141 بعد أن نسبه للطبراني في " معاجمه " الثلاث: ورجاله ثقات.
وعن ابن مسعود عند الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " كما في " المجمع " 10 / 141.
(1) أورد القصة الحافظ في " المقدمة " عن البيهقي في " المدخل " عن شيخه الحاكم أبي عبد الله، عن أبي نصر أحمد بن محمد الوراق، سمعت أحمد بن حمدون القصار..
(2) في الأصل: ويجلسونه.
(3) تقدم الخبر في الصفحة: 408.

(12/437)


أَخبرنَي الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ المهدوِيُّ، سَمِعْتُ خَالِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا سهلٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا زيدٍ المَرْوَزِيَّ الفَقِيْهَ يَقُوْلُ: كُنْتُ نَائِماً بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمقَامِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِي: يَا أَبَا زيدٍ، إِلَى مَتَى تدرسُ كِتَابَ الشَّافِعِيِّ، وَلاَ تدرُسُ كِتَابِي؟
فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ وَمَا كِتَابُكَ؟
قَالَ: (جَامِعُ) مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (1) .
وجدْتُ فَائِدَةً مَنْقُوْلَةً عَنْ أَبِي الخَطَّابِ بنِ دِحْيَةَ (2) ، أَنَّ الرَّمْلِيَّ الكَذَّابَةَ قَالَ: البُخَارِيُّ مَجْهُوْلٌ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى الفِرَبْرِيُّ.
قَالَ أَبُو الخَطَّابِ: وَاللهِ كذبَ فِي هَذَا وَفَجَرَ، وَالتقمَ الحَجَرَ، بَلِ البُخَارِيُّ مَشْهُوْرٌ بِالعِلْمِ وَحَمْلِهِ؛ مجمعٌ عَلَى حِفْظِهِ وَنُبْلِهِ، جَابَ البِلاَدَ، وَطَلَبَ الرِّوَايَةَ وَالإِسْنَادِ.
رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ العُلَمَاءِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَمَّا كِتَابُهُ فَقَدْ عرضَهُ عَلَى حَافِظِ زَمَانِهِ أَبِي زُرْعَةَ، فَقَالَ: كِتَابُكَ كُلُّهُ صَحِيْحٌ إِلاَّ ثَلاَثَةُ أَحَادِيْث (3) .
ذِكْرُ عِبَادَتِهِ وَفَضْلِهِ وَوَرَعِهِ وَصَلاَحِهِ
قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطَّوِّعِيُّ، حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ سَعِيْدٍ
__________
(1) " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 75 / 1، و" مقدمة الفتح ": 290.
(2) هو عمر بن الحسن بن علي الكلبي الأندلسي المتوفى سنة 633 ه، وسترد ترجمته عند المؤلف في الجزء الثاني والعشرين.
(3) جاء في الأصل حاشية بخط مغاير ما نصه: هذه من غلطات ابن دحية ووهمه، فإن الذي عرض كتابه على أبي زرعة مسلم لا البخاري، ثم إن البخاري أحفظ من أبي زرعة بكثير وأعلم، فهو أولى منه بأن يكون حافظ زمانه.
قلت: وما في هذه الحاشية هو الصواب كما سيذكره المؤلف في ترجمة مسلم في الصفحة 423، وعجب من المصنف رحمه الله كيف فاته التنبيه هنا على هذا الوهم.

(12/438)


قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يختمُ فِي رَمَضَانَ فِي النَّهَارِ كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةً، وَيقومُ بَعْدَ التّروَايحِ كُلَّ ثَلاَثِ لَيَالٍ بخَتْمَةٍ (1) .
وَقَالَ بَكْرُ بنُ مُنِيْرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: أَرْجُو أَنْ أَلقَى اللهَ وَلاَ يحَاسبنِي أَنِّي اغتبتُ أَحَداً (2) .
قُلْتُ: صَدَقَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَمَن نظَرَ فَى كَلاَمِهِ فِي الجرحِ وَالتعديلِ عَلِمَ وَرعَهُ فِي الكَلاَمِ فِي النَّاسِ، وَإِنصَافَهُ فِيْمَنْ يُضَعِّفُهُ، فَإِنَّهُ أَكْثَر مَا يَقُوْلُ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، سَكَتُوا عَنْهُ، فِيْهِ نظرٌ (3) ، وَنَحْو هَذَا. وَقَلَّ أَنْ يَقُوْلَ: فُلاَنٌ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 12، و" تهذيب الكمال " 1170، و" طبقات السبكي " 2 / 223، 224، و" مقدمة الفتح ": 482.
(2) " طبقات الحنابلة " 1 / 276، و" تاريخ بغداد " 2 / 13، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" تهذيب الكمال " لوحة 1170، و" طبقات السبكي " 2 / 223 و224، و" مقدمة الفتح " 481.
(3) قال العراقي في " شرح الالفية " 2 / 11: فلان فيه نظر، وفلان سكتوا عنه: يقولهما البخاري فيمن تركوا حديثه.
وقال الذهبي في مقدمة " ميزان الاعتدال " 1 / 3، 4: قوله: فيه نظر، وفي حديثه نظر، لا يقوله البخاري إلا فيمن يتهمه غالبا.
قال الشيخ المحدث حبيب الرحمن الاعظمي تعليقا على قول العراقي والذهبي: لا ينقضي عجبي حين أقرأ كلام العراقي والذهبي هذا، ثم أرى أئمة هذا الشأن لا يعبأون بهذا، فيوثقون من قال فيه البخاري: فيه نظر، أو يدخلونه في الصحيح، وإليك أمثلته:
1 - تمام بن نجيح، قال فيه البخاري: فيه نظر.
ووثقه ابن معين.
وقال البزار في موضع: هو صالح الحديث.
وروى له البخاري نفسه أثرا موقوفا معلقا في رفع عمر بن عبد العزيز يديه حين يركع - أعني فلم يتركه البخاري نفسه - ولم يتركه أبو داود ولا الترمذي.
2 - راشد بن داود الصنعاني، قال فيه البخاري: فيه نظر.
لكن وثقه إمام هذا الشأن يحيى بن معين وقال: ليس به بأس ثقة.
وقال دحيم: هو ثقة عندي.
وذكره ابن حبان في
" الثقات ".
وروى له النسائي.
وقال فيه الحافظ ابن حجر: صدوق له أوهام.
3 - ثعلبة بن يزيد الحماني، قال فيه البخاري: في حديثه نظر، لا يتابع في حديثه.
وقال النسائي: ثقة.
وقال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا في مقدار ما يرويه.
وقال الحافظ ابن حجر: صدوق شيعي.
4 - جعدة المخزومي: قال البخاري: لا أعرف له إلا هذا الحديث وفيه نظر. وروى له

(12/439)


......................................................
__________
= الترمذي.
وقال فيه الحافظ ابن حجر: مقبول.
ومعلوم أن الحافظ ابن حجر يقول هذا فيمن ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك به حديثه.
5 - جميع بن عمير التيمي، قال البخاري: في أحاديثه نظر.
وقال أبو حاتم: محله الصدق صالح الحديث.
وقال الساجي: صدوق.
وقال العجلي: تابعي ثقة.
وقال ابن حجر: صدوق يخطئ ويتشيع.
وروى له الأربعة.
وحسن الترمذي حديثه في " سننه " في مناقب أبي بكر الصديق في الباب الرابع.
6 - حبيب بن سالم، قال البخاري: فيه نظر.
وقال ابن عدي: ليس في متون أحاديثه حديث منكر، بل قد اضطرب في أسانيد ما يروى عنه.
وقال الآجري عن أبي داود: ثقة.
وذكره ابن حبان في " الثقات ".
وروى له مسلم والاربعة.
وقال ابن حجر: لا بأس به.
7 - حريش بن خريت، قال البخاري: فيه نظر.
وقال أيضا: أرجو.
قال اليماني المعلمي في تعليقه عليه في " التاريخ الكبير ": كأنه يريد: أرجو أنه لا بأس به.
وفي " تهذيب التهذيب ": قال البخاري في " تاريخه ": أرجو أن يكون صالحا.
وقال أبو حاتم: لا بأس به.
8 - سليمان بن داود الخولاني، قال البخاري: فيه نظر.
وقد أثنى عليه أبو زرعة، وأبو حاتم، وعثمان بن سعيد، وجماعة من الحفاظ.
قال ابن حجر: لا ريب في أنه صدوق.
9 - طالب بن حبيب المدني الأنصاري، قال البخاري: فيه نظر.
وروى له أبو داود،
وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.
وذكره ابن حبان في " الثقات ".
ووثقه الهيثمي في " مجمع الزوائد " 5 / 106.
10 - صعصعة بن ناجية، قال البخاري: فيه نظر.
وهو صحابي ذكره ابن حجر في " تهذيب التهذيب "، و" الإصابة ".
11 - عبد الرحمن بن سلمان الرعيني، قال البخاري: فيه نظر.
وقد وثقه ابن يونس.
وقال أبو حاتم: ما رأيت من حديثه منكرا، وهو صالح الحديث.
وله عند مسلم في مبيت ابن عباس عند ميمونة.
وقال النسائي: ليس به بأس، كما في " تهذيب التهذيب " 6 / 188.
وقال ابن حجر: لا بأس به.
وأدخله البخاري في " الضعفاء ".
فقال أبو حاتم: يحول من هناك.
والصواب عندي: أن ما قاله العراقي ليس بمطرد ولا صحيح على إطلاقه، بل كثيرا ما يقوله البخاري ولا يوافقه عليه الجهابذة، وكثيرا ما يقوله ويريد به إسنادا خاصا كما قال في " التاريخ الكبير " 3 / 1 / 183 في ترجمة عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد رائي الاذان: فيه نظر، لأنه لم يذكر سماع بعضهم من بعض.
وكما في ترجمته في " تهذيب التهذيب " 6 / 10.
وكثيرا ما يقوله ولا يعني الراوي، بل حديث الراوي، فعليك بالتثبت والتأني.
انظر " قواعد في علوم الحديث " ص 254 - 257.

(12/440)


كَذَّابٌ، أَوْ كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ.
حَتَّى إِنَّهُ قَالَ: إِذَا قُلْتُ: فُلاَنٌ فِي حَدِيْثِهِ نَظَرٌ، فَهُوَ مُتَّهَمٌ وَاهٍ.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: لاَ يُحَاسبُنِي اللهُ أَنِّي اغتبْتُ أَحَداً، وَهَذَا هُوَ وَاللهِ غَايَةُ الوَرَعِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُهُ -يَعْنِي: البُخَارِيَّ- يَقُوْلُ: لاَ يَكُوْنُ لِي خصمٌ فِي الآخِرَةِ، فَقُلْتُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَنْقِمُونَ عَلَيْكَ فِي كِتَابِ (التَّارِيْخ) وَيَقُوْلُوْنَ: فِيْهِ اغتيَابُ النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّمَا روينَا ذَلِكَ رِوَايَةً لَمْ نَقُلْهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِنَا، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بِئْسَ مَوْلَى العَشِيْرَةِ) يَعْنِي: حَدِيْث عَائِشَةَ (1) .
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا اغتبْتُ أَحَداً قَطُّ مُنْذُ عَلِمتُ أَنَّ الغِيبَةَ تَضُرُّ أَهْلَهَا.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يُصَلِّي فِي وَقْتِ السَّحَرِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَكَانَ لاَ يُوقظنِي فِي كُلِّ مَا يقوم.
فَقُلْتُ: أَرَاكَ تحمِلُ عَلَى نَفْسِكَ، وَلَمْ توقظْنِي.
قَالَ: أَنْتَ شَابٌّ، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ أُفْسِدَ عَلَيْكَ نَومَكَ (2) .
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ المُقْرِئِ، سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ مُنِيْرٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يُصَلِّي ذَاتَ لَيْلَةٍ، فلسعَهُ الزُّنْبُورُ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً.
فَلَمَّا قضَى الصَّلاَةَ، قَالَ: انْظُرُوا أَيش آذَانِي (3) .
__________
(1) أخرجه مالك 2 / 903، 904 في حسن الخلق، والبخاري 10 / 378، 379 في الأدب: باب لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا، ومسلم (2591) في البر والصلة: باب مداراة من يتقى فحشه، وأبو داود (4791) والترمذي (1996) وأحمد 6 / 38 عن عائشة أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ائذنوا له بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة، فلما دخل عليه، ألان له القول، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله قلت له الذي قلت، ثم ألنت له القول ؟ قال: يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره ".
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 13، 14، " طبقات السبكي " 2 / 220، و" مقدمة الفتح ": 482.
(3) " طبقات الحنابلة " 1 / 276، و" تاريخ بغداد " 2 / 12، و" تهذيب الكمال ": 1170، و" مقدمة الفتح ": 481.

(12/441)


وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: دُعِيَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى بُسْتَانِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا صَلَّى بِالقَوْمِ الظُّهْرَ، قَامَ يتطوَّعُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ، رفعَ ذيلَ قمِيصِهِ، فَقَالَ لبَعْضِ مَنْ مَعَهُ: انظُرْ هَلْ تَرَى تَحْتَ قمِيصِي شَيْئاً؟ فَإِذَا زنبورٌ قَدْ أَبَرَهُ فِي ستِّةِ عشرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعاً، وَقَدْ تورمَ مِنْ ذَلِكَ جَسَدُهُ.
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ القَوْمِ:كَيْفَ لَمْ تخرجْ مِنَ الصَّلاَةِ أَوَّلَ مَا أَبَرَكَ؟
قَالَ: كُنْتُ فِي سُوْرَةٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُتِمَّهَا (1) !!
وَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ العُلَمَاءَ بِالبَصْرَةِ يَقُوْلُوْنَ: مَا فِي الدُّنْيَا مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي المَعْرِفَةِ وَالصَّلاَحِ (2) .
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الوَرَّاقُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (3) .
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخَفَّافُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّقيُّ النَّقيُّ العَالِمُ الَّذِي لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
أَعدْتُ هَذَا لِلتَّبويبِ (4) .
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَامِدٍ البَزَّازُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ لَمَّا وَردَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ يَقُوْلُ: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ، فَاسْمَعُوا مِنْهُ.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 12، 13 و" تهذيب الكمال ": 1170.
وانظر " طبقات السبكي " 2 / 223، و" مقدمة الفتح ": 481.
(2) " مقدمة الفتح ": 486.
(3) " تاريخ بغداد " 2 / 28، و" مقدمة الفتح ": 486.
(4) سبق الخبر في الصفحة: 436.

(12/442)


وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عبدَ القُدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجَبَّارِ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَقربَائِهِ بخَرْتَنْك، فسَمِعْتُهُ يدعُو لَيْلَةً إِذْ فرغَ مِنْ وِرْدِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ.
فَمَا تمَّ الشَّهر حَتَّى مَاتَ.
وَقَدْ ذكرنَا أَنَّهُ لَمَّا أَلَّفَ (الصَّحِيْحَ) كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ كُلِّ تَرْجَمَةٍ.
وَرَوَى الخَطِيْبُ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الفِرَبْرِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لِي: أَيْنَ تُرِيْدُ؟
فَقُلْتُ: أُرِيْدُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، فَقَالَ: أَقْرئْهُ مِنِّيَ السَّلاَمُ (1) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: ركبنَا يَوْماً إِلَى الرَّمْيِ، وَنَحْنُ بِفِرَبْر، فَخَرَجْنَا إِلَى الدَّربِ الَّذِي يُؤدِّي إِلَى الفُرْضَةِ (2) .
فجعلنَا نَرمِي، وَأَصَابَ سَهْمُ أَبِي عَبْدِ اللهِ وتِدَ القنطرَةِ الَّذِي عَلَى نهرِ وَرَّادَةَ، فَانْشَقَّ الوَتِدُ.
فَلَمَّا رَآهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، فَأَخْرَجَ السَّهمَ مِنَ الوَتِدِ، وَتركَ الرَّمْيَ.
وَقَالَ لَنَا: ارجِعُوا.
وَرجَعْنَا مَعَهُ إِلَى المَنْزِلِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، لِي إِلَيْك حَاجَةٌ تقضيهَا؟
قلتُ: أَمْرُكَ طَاعَةٌ.
قَالَ: حَاجَةٌ مُهِمَّةٌ، وَهُوَ يتنفَّسُ الصُّعَدَاءَ.
فَقَالَ لِمَنْ مَعَنَا: اذهبُوا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ حَتَّى تُعِينوهُ عَلَى مَا سَأَلْتُهُ.
فَقُلْتُ: أَيَّةُ حَاجَةٍ هِيَ؟
قَالَ لِي: تضمنُ قَضَاءهَا؟
قُلْتُ: نَعَمْ، عَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْنِ.
قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تَصِيرَ إِلَى صَاحِبِ القنطرَةِ، فَتَقُوْلَ لَهُ: إِنَّا قَدْ أَخللنَا بِالوَتِدِ، فَنُحِبُّ أَنْ تَأَذَنَ لَنَا فِي إِقَامَةِ بَدَلِهِ، أَوْ تَأَخُذَ ثَمَنَهُ،
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 10، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1170 و" طبقات السبكي " 2 / 223، و" مقدمة الفتح ": 490.
(2) فرضة النهر: مشرب الماء منه أو المشرعة. والفرضة: الثلمة التي تكون في النهر.

(12/443)


وَتجعلنَا فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ منَّا، وَكَانَ صَاحِبَ القنطرَةِ حُمَيْدُ بنُ الأَخضرِ الفِرَبْرِيُّ.
فَقَالَ لَي: أَبلغْ أَبَا عَبْدِ اللهِ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ مِنْكَ، وَقَالَ جَمِيْعُ مُلْكِي لَكَ الفدَاءُ، وَإِنْ قُلْتُ: نَفْسِي، أَكُوْنُ قَدْ كذبْتُ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أُحِبُّ أَنْ تحتَشِمنِي فِي وَتِدٍ أَوْ فِي مُلكِي.
فَأَبلغتُهُ رسَالَتَهُ، فَتهلَّلَ وَجْهُهُ، وَاسْتنَارَ، وَأَظْهَرَ سُرُوْراً، وَقَرَأَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ عَلَى الغُربَاءِ نَحْواً مِنْ خَمْسِ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَتصدَّقَ بِثَلاَثِ مائَةِ دِرْهَمٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ لأَبِي مَعْشَرٍ الضَّرِيْرِ: اجعلنِي فِي حلٍّ يَا أَبَا مَعْشَرٍ.
فَقَالَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟
قَالَ: رويتُ يَوْماً حَدِيْثاً، فَنَظَرْتُ إِلَيْكَ، وَقَدْ أُعْجِبتَ بِهِ، وَأَنْتَ تُحرِّكُ رأْسَكَ وَيَدَكَ، فَتبسَّمْتُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ، رَحِمَكَ اللهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
قَالَ: وَرَأَيْتُهُ اسْتلقَى عَلَى قَفَاهُ يَوْماً، وَنَحْنُ بِفِرَبْر فِي تَصْنِيْفِهِ كِتَابِ (التَّفْسِيْرِ).
وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ ذَلِكَ اليَوْمِ فِي كَثْرَةِ إِخْرَاجِ الحَدِيْثِ.
فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تَقُوْلُ: إِنِّي مَا أَثْبَتُّ (1) شَيْئاً، بِغَيْرِ علمٍ قَطُّ مُنْذُ عَقَلْتُ، فَمَا الفَائِدَةُ فِي الاسْتلقَاءِ؟
قَالَ: أَتعبْنَا أَنفُسَنَا اليَوْمَ، وَهَذَا ثغرٌ مِنَ الثُّغُوْرِ، خَشِيْتُ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ مِنْ أَمرِ العدوِّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْتريحَ، وَآخُذَ أُهبَةً، فَإِن غَافَصَنَا (2) العَدُوُّ كَانَ بِنَا حَرَاكٌ (3) .
قَالَ: وَكَانَ يَرْكَبُ إِلَى الرَّمْي كَثِيْراً، فَمَا أَعْلَمُنِي رَأَيْتُهُ فِي طولِ مَا صحِبْتُهُ أَخْطَأَ سهمُهُ الهَدَفَ إِلاَّ مرَّتينِ، فَكَانَ يُصِيْبُ الهدفَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَكَانَ لاَ يُسْبَقُ.
__________
(1) في " تاريخ بغداد ": ما أتيت.
(2) أي: فاجأنا، وأخذنا على غرة منا.
(3) " تاريخ بغداد " 2 / 14، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 76 / 1، و" تهذيب الكمال ": 170، و" طبقات السبكي ": 2 / 226، و" مقدمة الفتح ": 481.

(12/444)


قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَكلْتُ كُرَّاثاً قَطُّ، وَلاَ القَنَابَرَى (1) .
قُلْتُ: ولِمَ ذَاكَ؟
قَالَ: كرِهْتُ أَنْ أُوذِيَ مَنْ مَعِي مِنْ نَتَنِهِمَا.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ البصلُ النِّيءُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ الفِرَبْرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ بِفِرَبْر فِي المَسْجَدِ، فَدَفَعْتُ مِنْ لِحْيَتِهِ قَذَاةً مِثْلَ الذَّرَّةِ أَذْكُرُهَا، فَأَردْتُ أَنْ أُلقِيهَا فِي المَسْجَدِ، فَقَالَ: أَلقِهَا خَارجاً مِنَ المَسْجَدِ (2) .
قَالَ: وَأَملَى يَوْماً عليَّ حَدِيْثاً كَثِيْراً، فَخَافَ مَلاَلِي، فَقَالَ: طِبْ نَفْساً، فإِن أَهْلَ الملاَهِي فِي ملاَهِيهِم، وَأَهْلَ الصّنَاعَاتِ فِي صنَاعَاتِهِم، وَالتُّجَّارَ فِي تجَارَاتِهِم، وَأَنْتَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ.
فَقُلْتُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، يرحمُكَ اللهُ إِلاَّ وَأَنَا أَرَى الحظَّ لنفسِي فِيْهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَردْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بكَلاَمٍ فِيْهِ ذكرُ الدُّنْيَا إِلاَّ بدأَتُ بحمدِ اللهِ وَالثنَاءِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ تَنَاولْتَ فُلاَناً.
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، مَا ذكرْتُ أَحَداً بسوءٍ إِلاَّ أَنْ أَقُوْلَ سَاهِياً، وَمَا يَخْرُجُ اسْمُ فُلاَنٍ مِنْ صحيفَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ.
قَالَ: وضيَّفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي بستَانٍ لَهُ، وضيَّفَنَا مَعَهُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا أَعجبَ صَاحِبَ البُسْتَانِ بُستَانُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَمِلَ مَجَالِسَ فِيْهِ، وَأَجرَى
__________
(1) والقنابرى - بفتح الراء -: بقلة الغملول، كما في القاموس: وانظر " القانون في الطب " 1 / 422 لمعرفة فوائده.
(2) تاريخ بغداد : 2 / 13 ، ومقدمة الفتح : 482

(12/445)


المَاءَ فِي أَنْهَارِهِ.
فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَيْفَ تَرَى؟
فَقَالَ: هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا.
قَالَ: وَكَانَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ غَرِيمٌ قَطَعَ عَلَيْهِ مَالاً كَثِيْراً، فَبلغَهُ أَنَّهُ قَدِمَ آمُل، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِفِرَبْر، فَقُلْنَا لَهُ: يَنْبَغِي أَنْ تعبُرَ وَتَأْخُذَهُ بِمَالِكَ.
فَقَالَ: لَيْسَ لَنَا أَنْ نُرَوِّعَهُ.
ثُمَّ بَلَغَ غريْمُهُ مَكَانَهُ بِفِرَبْر، فَخَرَجَ إِلَى خُوَارزمَ، فَقُلْنَا: يَنْبَغِي أَنْ تَقُوْلَ لأَبِي سَلَمَةَ الكُشَانِيِّ عَاملِ آمُل ليكَتَبَ إِلَى خُوَارزمَ فِي أَخذِهِ، وَاسْتخرَاجِ حقِّكَ مِنْهُ.
فَقَالَ: إِنْ أَخَذْتُ مِنْهُم كِتَاباً طمِعُوا مِنِّي فِي كِتَابٍ، وَلَسْتُ أَبيعُ دينِي بدُنيَاي.
فَجَهِدْنَا، فَلَمْ يَأْخُذْ حَتَّى كلَّمْنَا السُّلْطَانُ عَنْ غَيْرِ أَمرِهِ.
فَكَتَبَ إِلَى وَالِي خُوَارزمَ.
فَلَمَّا أُبلِغَ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَلِكَ، وَجَدَ وَجْداً شَدِيْداً.
وَقَالَ: لاَ تكونُوا أَشفقَ عليَّ مِنْ نَفْسِي.
وَكَتَبَ كِتَاباً، وَأَرْدَفَ تِلْكَ الكُتُبَ بكُتُبٍ، وَكَتَبَ إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ بخُوَارِزْمَ أَنْ لاَ يُتَعرَّضَ لغريمِهِ إِلاَّ بِخَيْرٍ.
فَرَجَعَ غريمُهُ إِلَى آمُل، وَقصَدَ إِلَى نَاحِيَةِ مَرْو.
فَاجْتَمَعَ التُّجَّارُ، وَأُخْبِرَ السُّلْطَانُ بِأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ خَرَجَ فِي طَلَبِ غريمٍ لَهُ.
فَأَرَادَ السُّلْطَانُ التَّشديدَ عَلَى غريمِهِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَصَالَحَ غريمَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كُلَّ سَنَةٍ عَشْرَةُ دَرَاهِم شَيْئاً يَسِيْراً.
وَكَانَ المَالُ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
وَلَمْ يصِلْ مِنْ ذَلِكَ المَالِ إِلَى دِرْهَمٍ، وَلاَ إِلَى أَكْثَرِ مِنْهُ (1) .
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، يَقُوْلُ: مَا تولَّيْتُ شِرَاءَ شَيْءٍ وَلاَ بَيْعَهُ قَطُّ.
فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ وَقَدْ أَحلَّ اللهُ البيعَ؟
قَالَ: لِمَا فِيْهِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقصَانِ وَالتخليطِ، فَخشيتُ إِنْ تولّيتُ أَنْ أَستوِي بغَيرِي.
قُلْتُ: فَمَنْ كَانَ يَتَوَلَّى أَمرُكَ فِي أَسفَارِكَ وَمُبَايَعَتِكَ؟
قَالَ: كُنْتُ أُكْفَى ذَلِكَ (2) .
__________
(1) الخبر بطوله في " طبقات السبكي " 2 / 227. وهو في " مقدمة الفتح ": 480.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 11 بلفظ مختلف، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" طبقات السبكي " 2 / 227.

(12/446)


قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خِدَاشٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَفْصٍ، يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ -يَعْنِي: إِسْمَاعِيْل- وَالِدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ مِنْ مَالِي دِرْهَماً مِنْ حرَامٍ، وَلاَ دِرْهَماً مِنْ شُبْهَةٍ.
قَالَ أَحْمَدُ: فَتصَاغَرَتْ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَصْدَقُ مَا يَكُوْنُ الرَّجُلُ عِنْدَ المَوْتِ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ اكترَى مَنْزِلاً، فلبِثَ فِيْهِ طَوِيْلاً، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ أَمسحْ ذَكَرِي بِالحَائِطِ، وَلاَ بِالأَرْضِ فِي ذَلِكَ المَنْزِلِ.
فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّ المَنْزِلَ لغَيرِي.
قَالَ: وَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ يَوْماً بِفِرَبْر: بَلَغَنِي أَنَّ نَخَّاساً قَدِمَ بجَوَارِي، فَتصيرَ مَعِي؟
قُلْتُ: نَعَمْ، فصِرنَا إِلَيْهِ فَأَخْرَجَ جَوَارِيَ حِسَاناً صِبَاحاً.
ثُمَّ خَرَجَ مِنْ خِلاَلِهنَّ جَارِيَةٌ خَزَرِيَّةٌ دمِيمَةٌ عَلَيْهَا شحمٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فمسَّ ذَقْنَهَا فَقَالَ: اشترِ هَذِهِ لَنَا مِنْهُ.
فَقُلْتُ: هَذِهِ دمِيمَةٌ قبيحَةٌ لاَ تَصْلُحُ، وَاللاَتِي نظرْنَا إِليهنَّ يُمْكِنُ شِرَاءهُنَّ بثمنِ هَذِهِ.
فَقَالَ: اشترِ هَذِهِ، فَإِنِّي قَدْ مَسِسْتُ ذَقْنَهَا، وَلاَ أُحبُّ أَنْ أَمسَّ جَارِيَةً، ثُمَّ لاَ أَشْتَرِيهَا.
فَاشْترَاهَا بغلاَءِ خَمْسِ مائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ.
ثُمَّ لَمْ تزلْ عِنْدَهُ حَتَّى أَخرَجَهَا مَعَهُ إِلَى نَيْسَابُوْرَ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ: سَمِعْتُ بكرَ بنَ مُنِيْرٍ - وَقَدْ ذكرَ معنَاهَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَاللَّفْظُ لبَكْرٍ - قَالَ: كَانَ حُمِلَ إِلَى البُخَارِيِّ بِضَاعَةٌ أَنفذَهَا إِلَيْهِ ابْنُهُ أَحْمَدُ، فَاجْتَمَعَ بَعْضُ التُّجَّارِ إِلَيْهِ.
فَطَلَبُوهَا بربحِ خَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
فَقَالَ: انْصَرَفُوا اللَّيْلَةَ.
فَجَاءهُ مِنَ الغَدِ تُجَّارٌ آخرُوْنَ، فَطَلَبُوا مِنْهُ البِضَاعَةَ بربحِ عَشْرَةِ آلاَفٍ. فَقَالَ: إِنِّي

(12/447)


نَوَيْتُ بيعَهَا للَّذين أَتَوا البَارِحَةَ (1) .
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ حمدٍ المُلاَحِمِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَابرِ بنِ كَاتِبٍ، سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ حَفْصٍ الأَشْقَرُ قَالَ: كُنَّا مَعَ البُخَارِيِّ بِالبَصْرَةِ نكتبُ، فَفَقدنَاهُ أَيَّاماً، ثُمَّ وَجدنَاهُ فِي بَيْتٍ وَهُوَ عُريَانٌ، وَقَدْ نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَجَمَعنَا لَهُ الدَّرَاهِمَ، وَكسونَاهُ (2) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَكُوْنَ بحَالَةٍ إِذَا دَعَا لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ.
فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةُ أَخِيْهِ بحضرتِي: فَهَلْ تبيَّنْتَ ذَلِكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ مِنْ نَفْسِكَ؛ أَوْ جرَّبْتَ؟
قَالَ: نَعَمْ، دعوتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مرَّتينِ، فَاسْتجَابَ لِي، فَلَنْ أُحِبَّ أَنْ أَدْعُوَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَعَلَّهُ يَنْقُصُ مِنْ حسنَاتِي، أَو يُعَجِّلَ لِي فِي الدُّنْيَا.
ثُمَّ قَالَ: مَا حَاجَةُ المُسْلِمُ إِلَى الكذِبِ وَالبُخْلِ؟!!
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: خَرَجتُ إِلَى آدَمَ بنِ أَبِي إِيَاسٍ، فَتخلَّفَتْ عَنِّي نَفَقَتِي، حَتَّى جَعَلتُ أَتنَاولُ الحشيشَ، وَلاَ أُخْبِرْ بِذَلِكَ أَحَداً.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّالِثُ أَتَانِي آتٍ لَمْ أَعرِفْهُ، فَنَاولَنِي صُرَّةَ دَنَانِيْر، وَقَالَ: أَنْفِقْ عَلَى نَفْسِكَ (3) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مخصوصاً بِثَلاَثِ خِصَالٍ مَعَ مَا كَانَ فِيْهِ مِنَ الخِصَالِ المحمودَةِ: كَانَ قَلِيْلَ الكَلاَمِ، وَكَانَ لاَ يطمعُ فِيْمَا عِنْدَ النَّاسِ،
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 11، 12، و" طبقات السبكي " 2 / 227، و" مقدمة الفتح ": 480.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 13، و" طبقات السبكي " 2 / 217.
(3) " طبقات السبكي " 2 / 227، و" مقدمة الفتح ": 480.

(12/448)


وَكَانَ لاَ يشتغِلُ بِأُمُورِ النَّاسِ، كُلُّ شُغْلِهِ كَانَ فِي العِلْمِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ النَّاسَ الحَدِيْثَ حِسْبَةً غَيْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَرَأَيْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَنْ يُحَدِّثَهُ كُلَّ يَوْمٍ بِثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ، وَيُبَيِّنَ لَهُ مَعَانِيهَا وَتفَاسِيرِهَا وَعِلَلِهَا.
فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ قدرَ مُقَامِهِ.
وَكَانَ أَقَامَ فِي تِلْكَ الدفعَةِ جُمْعَةً.
وَسَمِعْتُ سليماً يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بعينِي مُنْذُ سِتِّيْنَ سَنَةً أَفْقَهَ، وَلاَ أَوْرَعَ، وَلاَ أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (1) .
قَالَ عَبْدُ المَجِيْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ القَوِيِّ وَالضَّعيفِ.
ذِكْرُ كَرَمِهِ وَسَمَاحَتِهِ وَصِفَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ:كَانَتْ لَهُ قِطْعَةُ أَرْضٍ يَكْرِيهَا كُلَّ سَنَةٍ بِسَبْعِ مائَةِ دِرْهَمٍ.
فَكَانَ ذَلِكَ المُكْتَرِي رُبَّمَا حملَ مِنْهَا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ قِثَّاةً أَوْ قِثَّاتَينِ، لأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ كَانَ مُعْجَباً بِالقِثَّاءِ النَّضيجِ، وَكَانَ يُؤْثِرُهُ عَلَى البطيخِ أَحْيَاناً، فَكَانَ يَهَبُ لِلرَّجُلِ مائَةَ دِرْهَمٍ كُلَّ سَنَةٍ لحملِهِ القِثَّاءَ إِلَيْهِ أَحْيَاناً.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَستَغِلُّ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَنفقْتُ كُلَّ ذَلِكَ فِي طَلَبِ العِلْمِ.
فَقُلْتُ: كم بَيْنَ مَنْ ينفقُ عَلَى هَذَا الوَجْهِ، وَبَيْنَ مَنْ كَانَ خِلْواً مِنَ المَالِ، فَجَمَعَ وَكسبَ بِالعِلْمِ، حَتَّى اجْتَمَعَ لَهُ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ : {مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى } [الشُّوْرَى: 36]
__________
(1) " طبقات السبكي " 2 / 227 من كلام سليم بن مجاهد، وكذا في " مقدمة الفتح ": 486.

(12/449)


قَالَ: وَكُنَّا بِفِرَبْر، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يبنِي رِباطاً مِمَّا يلِي بُخَارَى، فَاجْتَمَعَ بَشَرٌ كَثِيْرٌ يُعينونَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ ينقُلُ اللَّبِنَ، فَكُنْتُ أَقُوْلُ لَهُ: إِنَّكَ تُكْفَى يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَيَقُوْلُ: هَذَا الَّذِي يَنْفَعُنَا.
ثُمَّ أَخذَ ينقلُ الزَّنْبَرَاتِ (1) مَعَهُ، وَكَانَ ذَبَحَ لَهُم بَقَرَةً، فَلَمَّا أَدْرَكَتِ القدورُ، دَعَا النَّاسَ إِلَى الطَّعَامِ، وَكَانَ بِهَا مائَةُ نَفْسٍ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ أَنَّهُ يجتمعُ مَا اجْتَمَعَ، وَكُنَّا أَخرجْنَا مَعَهُ مِنْ فِرَبْر خُبزاً بِثَلاَثَةِ درَاهمَ أَوْ أَقَلَّ، فَأَلقينَا بَيْنَ أَيديهِم، فَأَكَلَ جَمِيْعُ مَنْ حضَرَ، وَفضلتْ أَرغفَةٌ صَالِحَةٌ.
وَكَانَ الخبزُ إِذْ ذَاكَ خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ (2) بِدِرْهَمٍ (3) .
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ رُبَّمَا يَأْتِي عَلَيْهِ النَّهَارُ، فَلاَ يَأْكُلُ فِيْهِ رُقَاقَةً، إِنَّمَا كَانَ يَأْكُلُ أَحْيَاناً لوزتين أَوْ ثَلاَثاً.
وَكَانَ يجتنِبُ توَابِلَ القُدورِ مِثْلَ الحِمّصِ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ لِي يَوْماً شبهَ المُتفرِّجِ بصَاحِبِهِ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، نَحْتَاجُ فِي السَّنَةِ إِلَى شَيْءٍ كَثِيْرٍ.
قُلْتُ لَهُ: قَدْرُ كَمْ؟
قَالَ: أَحتَاجُ فِي السَّنَةِ إِلَى أَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، أَوْ خَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
قَالَ: وَكَانَ يتصدَّقُ بِالكَثِيْرِ، يَأْخُذُ بِيَدِهِ صَاحِبَ الحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ، فيُنَاوِلُهُ مَا بَيْنَ العِشْرِيْنَ إِلَى الثَّلاَثِيْنَ، وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، مِنْ غَيْرِ أَن يَشْعُرَ بِذَلِكَ أَحَدٌ.
وَكَانَ لاَ يُفَارِقُهُ كِيْسُهُ.
وَرَأَيْتُهُ نَاولَ رَجُلاً مِرَاراً صُرَّةً فِيْهَا ثَلاَثُ مائَةِ دِرْهَمٍ - وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ أَخْبَرَنِي بعَدَدِ مَا كَانَ فِيْهَا مِنْ بَعْدُ - فَأَرَادَ أَنْ يدعُوَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: ارفُقْ، وَاشتغلْ بِحَدِيْثٍ آخرَ كيلاَ يعلمَ بِذَلِكَ أَحَدٌ.
قَالَ: وَكُنْتُ اشْتَرَيْتُ مَنْزِلاً بتسعِ مائَةٍ وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً، فَقَالَ: لِي
__________
(1) جمع زنبر، وهو الزنبيل. فارسية معربة.
(2) في " مقدمة الفتح ": أمنان، بالنون. وكلاهما جمع (من)، وهو وزن أو مكيال يسع مئتي وسبعة وخمسين درهما.
(3) " مقدمة الفتح ": 481.

(12/450)


إِلَيْكَ حَاجَةٌ تَقْضِيهَا؟
قُلْتُ: نَعَمْ، وَنُعْمَى عينٍ.
قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تصيرَ إِلَى نُوْحِ بنِ أَبِي شدَّادٍ الصَّيْرَفِيِّ، وَتَأْخُذَ مِنْهُ أَلفَ دِرْهَمٍ، وَتَحْمِلَهُ إِلَيَّ، فَفَعَلتُ.
فَقَالَ لِي: خُذْهُ إِلَيْكَ، فَاصرِفْهُ فِي ثمنِ المَنْزِلِ.
فَقُلْتُ: قَدْ قَبِلْتُهُ مِنْكَ وَشكرتُهُ.
وَأَقبلنَا عَلَى الكِتَابَةِ، وَكُنَّا فِي تَصْنِيْفِ (الجَامِعِ).
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ، قُلْتُ: عَرَضَتْ لِي حَاجَةٌ لاَ أَجْتَرِئُ رفعَهَا إِلَيْكَ، فَظنَّ أَنِّي طَمِعْتُ فِي الزِّيَادَةِ.
فَقَالَ: لاَ تحتشمْنِي، وَأَخْبِرْنِي بِمَا تَحْتَاجُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُوْنَ مأَخوذاً بِسببِكَ.
قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ؟
قَالَ: لأَنْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ.
فذكرَ حَدِيْثَ سَعْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ.
فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ جَعَلتُكَ فِي حِلٍّ مِنْ جَمِيْعِ مَا تَقُوْلُ، وَوهبْتُ لَكَ المَالَ الَّذِي عرضتَهُ عليَّ، عَنَيْتُ المُنَاصفَةَ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: لِي جَوَارٍ وَامْرَأَةٌ، وَأَنْتَ عَزَبٌ، فَالَّذِي يَجِبُ عليَّ أَنْ أُنَاصِفَكَ لنستوِي فِي المَالِ وَغَيْرِهِ، وَأَربحُ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ.
فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ فعلْتَ - رَحِمَكَ اللهُ - أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِذْ أَنْزَلْتَنِي مِنْ نَفْسِكَ مَا لَمْ تُنْزِلْ أَحَداً، وَحللتُ مِنْكَ محلَّ الوَلَدِ، ثُمَّ حَفِظَ عليَّ حَدِيْثِي الأَوَّل، وَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟
قُلْتُ: تَقْضِيهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأُسَرُّ بِذَلِكَ.
قُلْتُ: هَذِهِ الأَلفُ، تَأْمُرُ بِقَبُولِهِ، وَاصْرِفْهُ فِي بَعْضِ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَقَبِلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ضَمِنَ لِي قَضَاءَ حَاجَتِي.
ثُمَّ جلسْنَا بَعْدَ ذَلِكَ بيومِيْنِ لتَصْنِيْفِ (الجَامِعِ)، وَكَتَبْنَا مِنْهُ ذَلِكَ اليَوْمَ شَيْئاً كَثِيْراً إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ صَلَّينَا الظُّهرَ، وَأَقبلْنَا عَلَى الكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نكُوْنَ أَكلْنَا شَيْئاً، فرآنِي لَمَّا كَانَ قُرْبَ العصرِ شِبْهَ القَلِقِ المستوحشِ، فَتوهَّمَ فِيَّ ملاَلاً.
وَإِنَّمَا كَانَ بِيَ الحصرُ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكنْ أَقدرُ عَلَى القِيَامِ، وَكُنْتُ أَتَلَوَّى اهتمَاماً بِالحصرِ.
فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَنْزِلَ، وَأَخْرَجَ إِلَيَّ كَاغدَةً فِيْهَا ثَلاَثُ مائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: أَمَا إِذْ لَمْ تقبلْ ثمنَ المَنْزِلِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تصرِفَ هَذَا فِي بَعْضِ حَوَائِجِكَ.
فجهَدَنِي، فَلَمْ أَقبلْ.
ثُمَّ كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ، كتبنَا إِلَى الظُّهرِ أَيْضاً، فَنَاوَلَنِي

(12/451)


عِشْرِيْنَ دِرْهَماً.
فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تصرِفَ هَذِهِ فِي شرَاءِ الخُضرِ وَنحوِ ذَلِكَ.
فَاشْتَرَيْتُ بِهَا مَا كُنْتُ أَعلَمُ أَنَّهُ يلاَئِمُهُ، وَبعثْتُ بِهِ إِلَيْهِ، وَأَتيتُ.
فَقَالَ لِي: بَيَّضَ اللهُ وَجْهَكَ، لَيْسَ فيكَ حِيْلَةٌ، فَلاَ يَنْبَغِي لَنَا أَن نُعَنِّي أَنْفُسَنَا.
فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ قَدْ جمعتَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَأَيُّ رَجُلٍ يَبَرُّ خَادِمَهُ بِمثلِ مَا تَبَرُّنِي، إِنْ كُنْتُ لاَ أَعرِفُ هَذَا؛ فلَسْتُ أَعرِفُ أَكْثَرَ مِنْهُ.
سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ الصَّارفيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ فَى مَنْزِلِهِ، فَجَاءتْهُ جَارِيَةٌ، وَأَرَادَتْ دُخُوْلَ المَنْزِلِ، فعثرَتْ عَلَى محبرَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: كَيْفَ تمشينَ؟
قَالَتْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيْقٌ، كَيْفَ أَمْشِي؟
فَبسط يَدَيْهِ، وَقَالَ لَهَا: اذهبِي فَقَدْ أَعتقْتُكِ.
قَالَ: فَقِيْلَ لَهُ فِيْمَا بَعْدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَغضبتْكَ الجَارِيَةُ؟
قَالَ: إِنْ كَانَتْ أَغضبتْنِي فَإِنِّي أَرضيْتُ نَفْسِي بِمَا فعلْتُ (1) .
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازُ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ شَيْخاً نحيفَ الجسمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ وَلاَ بِالقَصِيْرِ (2) .
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى التَّمِيْمِيُّ، سَمِعْتُ جِبْرِيْلَ بنَ مِيكَائِيلَ بِمِصْرَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا بَلَغْتُ خُرَاسَانَ أُصِبْتُ ببَعْضِ بَصْرِي، فعَلَّمَنِي رَجُلٌ أَنْ أَحْلِقَ رَأْسِي، وَأُغَلِّفَهُ بِالخِطْمِيِّ.
فَفَعَلْتُ، فردَّ اللهُ عليَّ بَصْرِي (3) .
__________
(1) " مقدمة الفتح " 480.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 6، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" وفيات الأعيان " 4 / 190، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" طبقات السبكي " 2 / 216.
(3) " طبقات السبكي " 2 / 216.

(12/452)


وَقَالَ مُحَمَّدٌ الوَرَّاقُ: دَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بِفِرَبْر الحَمَّامَ، وَكُنْتُ أَنَا فِي مَشْلَحِ الحَمَّامِ، أَتعَاهَدُ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ نَاوَلْتُهُ ثِيَابَهُ، فلبِسَهَا، ثُمَّ نَاوَلْتُهُ الخُفَّ، فَقَالَ: مَسِسْتَ شَيْئاً فِيْهِ شعرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقُلْتُ: فِي أَيِّ مَوْضِعٍ هُوَ مِنَ الخُفِّ؟
فَلَمْ يُخْبِرْنِي.
فتوهَّمْتُ أَنَّهُ فِي سَاقِهِ بَيْنَ الظِّهَارَةِ وَالبِطَانَةِ.
ذِكْرُ قِصَّتِهِ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ - رحِمَهُمَا اللهُ -
قَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَامِدٍ البَزَّازَ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى قَالَ لَنَا لَمَّا وَرَدَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ فَاسْمَعُوا مِنْهُ.
فَذَهَبَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَأَقبلُوا عَلَى السَّمَاعِ مِنْهُ، حَتَّى ظَهرَ الخَلَلُ فِي مَجْلِسِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَحَسَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَكَلَّمَ فِيْهِ (1) .
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: ذَكَرَ لِي جَمَاعَةٌ مِنَ المَشَايِخِ أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمَّا وَردَ نَيْسَابُوْرَ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، حَسَدَهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ مِنْ مَشَايِخِ نَيْسَابُوْرَ لَمَّا رَأَوا إِقبالَ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَاجْتِمَاعَهُم عَلَيْهِ، فَقَالَ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ: إِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: اللَّفْظُ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَامتحنُوهُ فِي المَجْلِسِ.
فَلَمَّا حضَرَ النَّاسُ مَجْلِسَ البُخَارِيِّ، قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا تَقُوْلُ فِي اللَّفْظِ بِالقُرْآنِ، مَخْلُوْقٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟
فَأَعرَضَ عَنْهُ البُخَارِيُّ وَلَمْ يُجِبْهُ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ القَوْلَ، فَأَعرضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ، فَالتفَتَ إِلَيْهِ البُخَارِيُّ، وَقَالَ:
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 30، و" طبقات السبكي " 2 / 330، و" مقدمة الفتح ": 491.

(12/453)


القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَأَفْعَالُ العبَادِ مَخْلُوْقَةٌ وَالامْتِحَانُ بِدْعَةٌ.
فشَغَبَ الرَّجُلُ، وَشَغَبَ النَّاسُ، وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ.
وَقَعَدَ البُخَارِيُّ فِي مَنْزِلِهِ (1) .
أَنْبَأَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا: أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سيَّارٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ خشنَام قَالَ: سُئِلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِنَيْسَابُوْرَ عَنِ اللَّفْظِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ -يَعْنِي: أَبَا قُدَامَةَ- عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ هُوَ القَطَّانُ قَالَ: أَعْمَالُ العبَادِ كُلُّهَا مَخْلُوْقَةٌ.
فمَرَقُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ترجِعُ عَنْ هَذَا القَوْلِ، حَتَّى نعُودَ إِلَيْكَ؟
قَالَ: لاَ أَفعلْ إِلاَّ أَنْ تَجِيئُوا بحجَّةٍ فِيْمَا تقولُونَ أَقْوَى مِنْ حُجَّتِي.
وَأَعجبَنِي مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ ثَبَاتُهُ (2) .
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ المُطَّوِّعِيُّ بِبُخَارَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَمَّا أَفْعَالُ العِبَادِ فمَخْلُوْقَةٌ.
فَقَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ (3)).
وَبِهِ قَالَ: وَسَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ
__________
(1) " مقدمة الفتح ": 494.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 30.
(3) إسناده صحيح، وهو في " خلق أفعال العباد ": 137، و" الأسماء والصفات " للبيهقي 388، وصححه الحاكم 1 / 31، 32 وواقفه الذهبي. وقد تقدم في الصفحة 128.

(12/454)


يَقُوْلُ: مَا زِلْتُ أَسمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: إِن أَفْعَالَ العِبَادِ مَخْلُوْقَةٌ (1) .
قَالَ البُخَارِيُّ: حَرَكَاتُهُم وَأَصْوَاتُهُم وَاكتِسَابُهُم وَكِتَابَتُهُم مَخْلُوْقَةٌ.
فَأَمَّا القُرْآنُ المَتْلُوُّ المُبَيَّنُ المُثْبَتُ فِي المَصَاحِفِ، المسطورُ المَكْتُوْبُ المُوعَى فِي القُلُوْبِ، فَهُوَ كَلاَمُ اللهِ لَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ (2) .
قَالَ اللهُ تَعَالَى : {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُوْرِ الَّذِيْنَ أُوْتُوا العِلْمَ } [الْعَنْكَبُوت:49]
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الأَعمَشِيُّ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي جنَازَةِ أَبِي عُثْمَانَ سَعِيْدِ بنِ مَرْوَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى يَسْأَلُهُ عَنِ الأَسَامِي وَالكُنَى وَعِلَلِ الحَدِيْثِ، وَيمرُّ فِيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مِثْلَ السَّهْمِ.
فَمَا أَتَى عَلَى هَذَا شَهْرٌ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: أَلاَ مَنْ يَخْتلِفُ إِلَى مَجْلِسِهِ فَلاَ يَخْتَلِفْ إِلَيْنَا، فَإِنَّهُم كَتَبُوا إِلَيْنَا مِنْ بَغْدَادَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي اللَّفْظِ، وَنهينَاهُ، فَلَمْ يَنْتَهِ، فَلاَ تقربوهُ، وَمَنْ يقربْهُ فَلاَ يقربْنَا، فَأَقَامَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ هَا هُنَا مُدَّةً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى بُخَارَى (3) .
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَقُوْلُ:
__________
(1) " طبقات السبكي " 2 / 228، و" مقدمة الفتح ": 491، 492.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 31، و" طبقات السبكي " 2 / 228، و" مقدمة الفتح ": 492، و" خلق أفعال العباد ": 138 وجاء فيه أيضا في الصفحة: 146: قال أبو عبد الله: ومن الدليل على أن الله يتكلم كيف يشاء، وأن أصوات العباد مؤلفة حرفا حرفا، فيها التطريب والغمز واللحن والترجيع، حديث أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: حدثنا عبد الله بن صالح، ويحيى بن بكير، قالا: حدثنا الليث، عن ابن أبي ملكية، عن يعلى بن مملك أنه سأل أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته، فقالت: كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى، حتى الصبح. ونعتت قراءته، فإذا قراءته حرفا حرفا.
(3) سبق الخبر في الصفحة: 432، وهو في " تاريخ بغداد " 2 / 31، و" طبقات السبكي " 2 / 229.

(12/455)


القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ مِنْ جَمِيْعِ جهَاتِهِ، وَحَيْثُ تُصُرِّفَ، فَمَنْ لزمَ هَذَا اسْتغنَى عَنِ اللَّفْظِ وَعمَّا سِوَاهُ مِنَ الكَلاَمِ فِي القُرْآنِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ فَقَدْ كَفَرَ، وَخَرَجَ عَنِ الإِيْمَانِ، وَبَانتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ، يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَجُعِلَ مَالُهُ فَيْئاً بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ وَلَمْ يُدْفَنْ فِي مَقَابِرِهِم، وَمَنْ وَقَفَ، فَقَالَ: لاَ أَقُوْلُ مَخْلُوْق وَلاَ غَيْر مَخْلُوْق، فَقَدْ ضَاهَى الكُفْرَ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَهَذَا مُبْتَدِعٌ، لاَ يُجَالَسْ وَلاَ يُكَلَّمْ.
وَمِنْ ذهبَ بَعْدَ هَذَا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ فَاتَّهِمُوهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ إِلاَّ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مذهَبِهِ (1) .
وَقَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ بِبُخَارَى، أَخْبَرَنَا الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا البُخَارِيُّ، قَالَ: نظرتُ فِي كَلاَمِ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى وَالمَجُوْسِ فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَضَلَّ فِي كُفْرِهِم مِنَ الجَهْمِيَّةِ، وَإِنِّي لأَستجهلُ مَنْ لاَ يُكَفِّرُهُم (2) .
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَاضِرٍ العَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا الفِرَبْرِيُّ، سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ قَالَ: مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَافِرٌ (3) .
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ شَاذِلٍ يَقُوْلُ: لَمَّا وَقَعَ بَيْنَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى وَالبُخَارِيِّ، دَخَلْتُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَيْشٍ الحِيلَةُ لَنَا فِيْمَا بينكَ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 31، 32.
(2) ذكره في " خلق أفعال العباد " ص 71، وهو من الغلو والافراط الذي لا يوافقه عليه جمهور العلماء سلفا وخلفا، وكيف يحكم بكفرهم، ثم يروي عنهم، ويخرج أحاديثهم في صحيحه الذي انتقاه وشرط فيه الصحة ؟ !
(3) " تاريخ بغداد " 2 / 32، و" مقدمة الفتح ": 492.

(12/456)


يَحْيَى، كُلُّ مَنْ يَخْتلِفُ إِلَيْكَ يُطْرَدُ؟
فَقَالَ: كم يَعْتَرِي مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الحسدُ فِي العِلْمِ، وَالعِلْمُ رِزْقُ اللهِ يُعْطِيهِ مَنْ يَشَاءُ.
فَقُلْتُ: هَذِهِ المَسْأَلَةُ الَّتِي تُحْكَى عَنْكَ؟
قَالَ: يَا بنِي، هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَشْؤُوْمَةٌ، رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَمَا نَالَهُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ، وَجَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لاَ أَتَكَلَّمَ فِيْهَا.
قُلْتُ: المَسْأَلَةُ هِيَ أَنَّ اللَّفْظَ مَخْلُوْقٌ، سُئِلَ عَنْهَا البُخَارِيُّ، فَوَقَفَ فِيْهَا، فَلَمَّا وَقَفَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَفْعَالَنَا مَخْلُوْقَةٌ، وَاسْتدلَّ لِذَلِكَ، فَهِمَ مِنْهُ الذُّهْلِيُّ أَنَّهُ يُوَجِّهُ مَسْأَلَةَ اللَّفْظِ، فَتَكَلَّمَ فِيْهِ، وَأَخَذَهُ بلاَزِمِ قَوْلِهِ هُوَ وَغَيْرهُ (1) .
وَقَدْ قَالَ البُخَارِيُّ فِي الحِكَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ الخَفَّافَ بِبُخَارَى يَقُوْلُ: كُنَّا يَوْماً عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ القَيْسِيِّ، وَمَعَنَا مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ، فجَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ نصرٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالقُرْآن مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَذَّابٌ، فَإِنِّي لَمْ أَقُلْهُ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ قَدْ خَاضَ النَّاسُ فِي هَذَا وَأَكْثَرُوا فِيْهِ.
فَقَالَ: لَيْسَ إِلاَّ مَا أَقُوْلُ (2) .
قَالَ أَبُو عَمْرٍو الخَفَّافُ: فَأَتَيْتُ البُخَارِيَّ، فَنَاظرتُهُ فِي شِيءٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ حَتَّى طَابَتْ نَفْسُهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَا هُنَا أَحَدٌ يحكِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ هَذِهِ المَقَالَة.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، احْفَظ مَا أَقُوْلُ لَكَ: مَنْ زَعَمَ مِنْ أَهْلِ
__________
(1) ولازم المذهب ليس بلازم كما هو مذهب جمهور المحققين من العلماء، ونقل ابن ناصر الدين في مقدمة كتابه " الرد الوافر " 20 عن الامام الذهبي - ووصفه بإمام التعديل والجرح، والمعتمد عليه في المدح والقدح - كلمة جاء فيها: ونعوذ بالله من الهوى والمراء في الدين، وأن نكفر مسلما موحدا بلازم قوله، وهو يفر من ذلك اللازم، وينزه ويعظم الرب.
(2) " طبقات الحنابلة " 1 / 277.

(12/457)


نَيْسَابُوْرَ وَقُومس وَالرَّيِّ وَهَمَذَان وَحلوَانَ وَبَغْدَادَ وَالكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ وَمَكَّةَ وَالمَدِيْنَةِ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَذَّابٌ، فَإِنِّي لَمْ أَقُلْهُ إِلاَّ أَنِّي قُلْتُ: أَفْعَالُ العِبَادِ مَخْلُوْقَةٌ (1) .
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ أَحْمَدَ الكِنْدِيُّ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ نَيْسَابُوْرَ مَا رَأَيْتُ وَالِياً وَلاَ عَالِماً فَعَلَ بِهِ أَهْلُ نَيْسَابُوْرَ مَا فعلُوا بِهِ، اسْتَقبلُوهُ مرحلَتَيْنِ وَثَلاَثَة.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى فِي مَجْلِسِهِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَقبلَ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ غَداً فليستقبِلْهُ.
فَاسْتقبلَهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى وَعَامَّةُ العُلَمَاءِ، فَنَزَلَ دَارَ البُخَاريّينَ، فَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: لاَ تسأَلُوهُ عَنْ شِيءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَإِنَّهُ إِنْ أَجَابَ بِخِلاَفِ مَا نَحْنُ فِيْهِ، وَقَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، ثُمَّ شَمِتَ بِنَا كُلُّ حَرُورِيٍّ، وَكُلُّ رَافضيٍّ، وَكُلُّ جَهْمِيٍّ، وَكُلُّ مُرْجِئٍ بِخُرَاسَانَ.
قَالَ: فَازدحمَ النَّاسُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، حَتَّى امتلأَ السّطحُ وَالدَّارُ، فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ، قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَسَأَلَهُ عَنِ اللَّفْظِ بِالقُرْآنِ.
فَقَالَ: أَفْعَالُنَا مَخْلُوْقَةٌ، وَأَلفَاظُنَا مِنْ أَفْعَالِنَا.
فَوَقَعَ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفٌ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَقُلْ، حَتَّى توَاثَبُوا، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الدَّارِ وَأَخرجُوهُم (2) .
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 32، و" طبقات السبكي " 2 / 230، و" مقدمة الفتح ": 492.
(2) إن البخاري والكرابيسي وأحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى الذهلي متفقون كلهم على أن القرآن كلام الله لفظه ومعناه، لا يختلفون في ذلك، كما هو واضح من أقوالهم المأثورة عنهم.
لكنهم اختلفوا في قول الإنسان: لفظي بالقرآن مخلوق، أو غير مخلوق.
فأنكر ذلك الامام أحمد والذهلي.
لان اللفظ يراد به أمران: أحدهما الملفوظ نفسه، وهو غير مقدور للعبد، ولا فعل له فيه، والثاني التلفظ به والاداء له، وهو فعل العبد.
فإطلاق الخلق على اللفظ قد يوهم المعنى الأول وهو خطأ، وإطلاق نفي الخلق عليه قد يوهم المعنى الثاني وهو =

(12/458)


وَقَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ، سَمِعْتُ ابْنَ عَلِيٍّ المَخْلَديَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَدْ أَظهرَ هَذَا البُخَارِيُّ قَوْلَ اللفظيَّةِ، وَاللفظيَّةُ عِنْدِي شرُّ مِنَ الجَهْمِيَّةِ (1) .
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا رَجُلٌ مَقْبُوْلٌ بِخُرَاسَانَ خصوصاً فِي هَذِهِ المَدِيْنَةِ، وَقَدْ لَجَّ فِي هَذَا الحَدِيْثِ حَتَّى لاَ يَقْدِرَ أَحَدٌ منَّا أَنْ يُكَلِّمَهُ فِيْهِ، فَمَا تَرَى؟
فَقبضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ قَالَ : {وَأَفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيْرٌ بِالعِبَادِ } [غَافر: 44] اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أُرِدِ المقَامَ بِنَيْسَابُوْرَ أَشَراً وَلاَ بَطراً، وَلاَ طَلباً للرِّئاسَةِ، وَإِنَّمَا أَبَتْ عليَّ نَفْسِي فِي الرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِي لِغَلَبَةِ المُخَالِفينَ، وَقَدْ قَصَدَنِي هَذَا الرَّجُلُ حَسَداً لَمَّا آتَانِي اللهُ لاَ غَيْر.
ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَحْمَدُ، إِنِّي خَارجٌ غَداً لتتخلَّصُوا (2) مِنْ حَدِيْثِهِ لأَجلِي (3) .
قَالَ: فَأَخبرْتُ جَمَاعَةَ أَصْحَابِنَا، فَوَاللهِ مَا شَيَّعَهُ غَيْرِي.
كُنْتُ مَعَهُ حِيْنَ خَرَجَ مِنَ البلدِ، وَأَقَامَ عَلَى بَابِ البلدِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لإِصْلاَحِ أَمرِهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: لَمَّا اسْتوطَنَ
__________
= خطأ، فمنعا الاطلاقين.
فيقولون: التلاوة هي قراءتنا وتلفظنا بالقرآن، والمتلو هو القرآن المسموع بالآذان بالاداء من فم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي حروف وكلمات وسور وآيات تلاه جبريل وبلغه جبريل عن الله تعالى كما سمعه.
فهم يميزون بين ما قام بالعبد، وما قام بالرب فالقرآن عندهم جميعه كلام الله حروفه ومعانيه، وأصوات العباد وحركاتهم وأداؤهم وتلفظهم كل ذلك مخلوق بائن عن الله ولذلك سوغوا أن يقال: القرآن غير مخلوق، ولفظي بالقرآن مخلوق.
(1) " مقدمة الفتح ": 494.
(2) في " مقدمة الفتح ": لتخلصوا.
(3) " مقدمة الفتح ": 492.

(12/459)


البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ أَكْثَرَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ الاخْتِلاَفَ إِلَيْهِ.
فَلَمَّا وَقَعَ بَيْنَ الذُّهْلِيِّ وَبَيْنَ البُخَارِيِّ مَا وَقَعَ فِي مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ، وَنَادَى عَلَيْهِ، وَمنعَ النَّاسَ عَنْهُ، انْقَطَعَ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ غَيْرَ مُسْلِمٍ.
فَقَالَ الذُّهْلِيُّ يَوْماً: أَلاَ مَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَنَا.
فَأَخَذَ مُسْلِمٌ رِدَاءً (1) فَوْقَ عِمَامَتِهِ، وَقَامَ عَلَى رُؤُوْسِ النَّاسِ، وَبَعَثَ إِلَى الذُّهْلِيِّ مَا كتبَ عَنْهُ عَلَى ظَهرِ جَمَّالٍ (2) .
وَكَانَ مُسْلِمٌ يُظْهِرُ القَوْلَ بِاللَّفْظِ وَلاَ يَكْتُمُهُ (3) .
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ المُؤَذِّنَ، سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ بنَ الشَّرْقِيِّ يَقُوْلُ: حضَرْتُ مَجْلِسَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، فَقَالَ: أَلاَ مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ فَلاَ يَحْضُرْ مَجْلِسَنَا، فَقَامَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ مِنَ المَجْلِسِ.
رَوَاهَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ، فَزَادَ: وَتَبِعَهُ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيرَازيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الأَخْرَمَ، سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَامَ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ مِنْ مَجْلِسِ الذُّهْلِيِّ، قَالَ الذُّهْلِيُّ: لاَ يُسَاكِننِي هَذَا الرَّجُلُ فِي البلدِ.
فَخَشِيَ البُخَارِيُّ وَسَافَرَ (4) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَتَى رَجُلٌ عَبْدَ اللهِ البُخَارِيَّ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ فُلاَناً يُكَفِّرُكَ!
فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ
__________
(1) في " مقدمة الفتح ": رداءه.
(2) " مقدمة الفتح ": 492 وقال ابن حجر معقبا: وقد أنصف مسلم، فلم يحدث في كتابه عن هذا ولا عن هذا.
(3) سيرد هذا الخبر في الصفحة: 572 بترجمة مسلم رحمه الله.
(4) " مقدمة الفتح ": 492.

(12/460)


لأَخِيْهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا (1)).
وَكَانَ كَثِيْرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُوْلُوْنَ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقَعُ فيكَ.
فَيَقُوْلُ : {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيْفاً } [النِّسَاء 76] وَيتلو أَيْضاً: {وَلاَ يَحيقُ المَكْرُ السَّيِّءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [فَاطِر: 43].
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: كَيْفَ لاَ تدعُو اللهَ عَلَى هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ يظلِمُونَكَ وَيتنَاولونَكَ وَيَبْهَتُونَكَ؟
فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ (2))، وَقَالَ: - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ -: (مَنْ دَعَا عَلَى ظَالِمِهِ، فَقَدِ انْتَصَرَ (3)).
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ يَتَعرَّضُ لَنَا قَطُّ أَحَدٌ مِنْ أَفنَاءِ النَّاسِ إِلاَّ رُمِيَ بِقَارعَةٍ، وَلَمْ يَسْلَمْ، وَكُلَّمَا حَدَّثَ الجُهَالُ أَنفسَهُم أَنْ يَمْكُرُوا بِنَا رَأَيْتُ مِنْ ليلتِي فِي المَنَامِ نَاراً تُوَقَدُ ثُمَّ تُطفَأُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتفَعَ بِهَا، فَأَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ تَعَالَى :{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ}
__________
(1) أخرجه مالك 3 / 148 بشرح السيوطي في الكلام: باب ما يكره من الكلام، ومن طريقه أحمد 2 / 113 والبخاري 10 / 428 والترمذي (2637)، عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر، وأخرجه مسلم (60) من طريق إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار وأخرجه أيضا من طريق عبيد الله بن عمر، وأبو داود (4687) وأحمد 2 / 60 من طريق فضيل بن غزوان.
كلاهما عن نافع عن ابن عمر، وأخرجه أحمد 2 / 18 و44 و47 و112 من طرق عن عبد الله ابن دينار عن ابن عمر.
(2) أخرجه من حديث أسيد بن حضير البخاري 7 / 89، 90 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب فضل الانصار و(7057) في الفتن: باب قول النبي سترون بعدي أمورا تنكرونها، ومسلم (1845) في الامارة: باب الامر بالصبر عند ظلم الولاة، والترمذي (2190) والنسائي 8 / 224، 225، وأخرجه من حديث أنس البخاري 7 / 192، وأخرجه
من حديث عبد الله بن زيد البخاري 8 / 37 - 42 ومسلم (1061).
(3) أخرجه الترمذي برقم (3552) في الدعوات من حديث عائشة وفي سنده أبو حمزة ميمون الاعور وهو ضعيف، ونقل المناوي في " فيض القدير " قول الترمذي في " العلل ": سئل عنه البخاري فقال: لا أعلم أحدا رواه غير أبي الاحوص، لكن هو من حديث أبي حمزة، وضعف أبا حمزة جدا.

(12/461)


[المَائِدَة: 64].
وَكَانَ هِجِّيرَاهُ (1) مِنَ اللَّيْلِ إِذَا أَتيتهُ فِي آخِرِ مَقْدَمِهِ مِنَ العِرَاقِ : إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُم وَإِنْ يَخْذُلْكُم فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُم مِنْ بَعْدِهِ } [آل عِمْرَان:160] الآيَة.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ: سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ القَاسِمِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ وَرَّاقَ أَحْمَدَ بنِ سَيَّارٍ يَقُوْلُ لَمَّا قَدِمَ البُخَارِيُّ مَرْوَ اسْتَقبلَهُ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِيْمَنْ اسْتَقبَلَهُ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، نَحْنُ لاَ نُخَالِفُكَ فِيْمَا تَقُوْلُ، وَلَكِنَّ العَامَّةَ لاَ تحملُ ذَا مِنْكَ.
فَقَالَ البُخَارِيُّ: إِنِّي أَخشَى النَّارَ، أُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ أَعْلَمُهُ حقاً أَنْ أَقُوْلَ غَيْرَهُ.
فَانْصَرَفَ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي (الجرحِ وَالتعديلِ (2)): قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الرَّيَّ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَسَمِعَ مِنْهُ أَبِي وَأَبُو زُرْعَةَ، وَتركَا حَدِيْثَهُ عِنْدَمَا كَتَبَ إِليهِمَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى أَنَّهُ أَظهرَ عِنْدَهُم بِنَيْسَابُوْرَ أَنَّ لَفْظَهُ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ (3) .
__________
(1) أي: كلامه ودأبه وشأنه.
وفي حديث عمر رضي الله عنه: ماله هجيرى غيرها، أي: الدأب والعادة والديدن.
(2) " الجرح والتعديل " 7 / 191.
(3) هذا عجيب من أبي زرعة وأبي حاتم، فإنهما قد وثقا مسلما، وأثنيا عليه، مع أنه يقول بمقالة شيخه البخاري في مسألة اللفظ، ولا يمكن أن يسوغ صنيعهما هذا إلا بحمله على العصبية والهوى والحسد.
وقد قال الامام الذهبي في " ميزان الاعتدال " 1 / 111 في ترجمة أبي نعيم صاحب " الحلية ": كلام الاقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لاسيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، وما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن عصرا من الاعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين.
ولو شئت لسردت من ذلك كراريس.
وقال السبكي في " طبقات الشافعية " 2 / 230: إن موقف الذهلي من البخاري آت من حسده له.
وقال السبكي في " قاعدة الجرح والتعديل ": 12: ومما ينبغي أن يتفقد حال العقائد واختلافها بالنسبة إلى الجارح والمجروح.
فربما خالف الجارح المجروح في العقيدة، فجرحه لذلك. =

(12/462)


قُلْتُ: إِنْ تركَا حَدِيْثَهُ، أَوْ لَمْ يَتْرُكَاهُ، البُخَارِيُّ ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ مُحتجٌّ بِهِ فِي العَالَمِ.
ذِكْرُ مِحْنَتِهِ مَعَ أَمِيْرِ بُخَارَى
رَوَى أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيرَازيُّ قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بُخَارَى نُصِبَ لَهُ القبَابُ عَلَى فرسخٍ مِنَ البلدِ، وَاسْتقبلَهُ عَامَّةُ أَهْلِ البلدِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَذْكُوْرٌ إِلاَّ اسْتَقبَلَهُ، وَنُثِرَ عَلَيْهِ الدَّنَانِيْرُ وَالِدَرَاهِمُ وَالسُّكَّرُ الكَثِيْرُ، فَبقيَ أَيَّاماً.
قَالَ: فَكَتَبَ بَعْدَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ إِلَى خَالِدِ بنِ أَحْمَدَ أَمِيْرِ بُخَارَى: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَظهرَ خِلاَفَ السُّنَّةِ.
فَقَرَأَ كِتَابَهُ عَلَى أَهْلِ بُخَارَى، فَقَالُوا: لاَ نُفَارِقُهُ، فَأَمرَهُ الأَمِيْرُ بِالخُرُوجِ مِنَ البلدِ، فَخَرَجَ (1) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: فحَكَى لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَعْقِلٍ النَّسفيِّ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي اليَوْمِ الَّذِي أُخرِجَ فِيْهِ مِنْ بُخَارَى، فَتقدَّمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَيْفَ تَرَى هَذَا اليَوْمَ مِنَ اليَوْمِ الَّذِي نُثِرَ عَلَيْكَ (2) فِيْهِ مَا نُثِرَ؟
فَقَالَ: لاَ أُبَالِي إِذَا سَلِمَ دينِي.
قَالَ: فَخَرَجَ إِلَى بِيْكَنْد، فَسَارَ النَّاسُ مَعَهُ حزبينِ: حزبٌ مَعَهُ، وَحزبٌ عَلَيْهِ،
__________
= ومن أمثلة ذلك قول ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل في البخاري: تركه أبو زرعة وأبو حاتم من أجل مسألة اللفظ، فيا لله والمسلمين، أيجوز لأحد أن يقول: البخاري متروك ؟ ؟ ! وهو حامل لواء الصناعة، ومقدم أهل السنة والجماعة.
ثم يا لله والمسلمين ! أتجعل ممادحه مذام ؟ ! فإن الحق في مسألة اللفظ معه، إذ لا يستريب عاقل من المخلوقين في أن تلفظه من أفعاله الحادثة التي هي مخلوقة لله تعالى، وإنما أنكرها الامام أحمد رضي الله عنه لبشاعة لفظها.
(1) الخبر في " مقدمة الفتح ": 494.
(2) تكررت كلمة " عليك " في الأصل.

(12/463)


إِلَى أَنْ كتبَ إِلَيْهِ أَهْلُ سَمَرْقَنْدَ، فَسَأَلُوْهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِم، فَقَدِمَ إِلَى أَنْ وَصلَ بَعْضَ قُرَى سَمَرْقَنْدَ، فَوَقَعَ بَيْنَ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ فِتْنَةٌ مِنْ سَبَبِهِ، قَوْمٌ يُرِيْدُوْنَ إِدخَالَهُ البلَدَ، وَقَوْمٌ لاَ يُرِيْدُوْنَ ذَلِكَ، إِلَى أَنِ اتَّفقُوا عَلَى أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِم، فَاتَّصلَ بِهِ الخَبَرُ وَمَا وَقَعَ بَيْنَهُم بِسَبِبِهِ، فَخَرَجَ يُرِيْدُ أَنْ يَرْكَبَ.
فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى دَابَّتِهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ خِرْ لِي، ثَلاَثاً، فَسقَطَ مَيْتاً، فَاتَّصل بِأَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، فَحضروهُ بِأَجمعهِم.
هَذِهِ حِكَايَةٌ شَاذَّةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَالصَّحِيْحُ مَا يَأْتِي خِلاَفهَا.
قَالَ غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ): سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ مُنِيْرِ بنِ خُليدِ بنِ عَسْكَرٍ يَقُوْلُ: بعثَ الأَمِيْرُ خَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الذُّهْلِيُّ وَالِي بُخَارَى إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ أَنِ احملْ إِلَيَّ كِتَابَ (الجَامِعِ) وَ(التَّارِيْخِ) وَغَيْرِهِمَا لأَسْمَعَ مِنْكَ.
فَقَالَ لِرَسُوْلِهِ: أَنَا لاَ أُذِلُّ العِلْمَ، وَلاَ أَحْمِلُهُ إِلَى أَبْوَابِ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ حَاجَةٌ، فَاحضُرْ فِي مَسْجِدِي، أَوْ فِي دَارِي، وَإِنْ لَمْ يُعجبْكَ هَذَا فَإِنَّكَ سُلْطَانٌ، فَامنعنِي مِنَ المَجْلِسِ، ليَكُوْنَ لِي عذرٌ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، لأَنِّي لاَ أَكتُمُ العِلْمَ لقولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ (1)) فَكَانَ سَبَبُ الوحشَةِ بَيْنَهُمَا هَذَا.
(2) وَقَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ العَبَّاسِ الضَّبِّيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا
__________
(1) حديث صحيح أخرجه من حديث أبي هريرة أحمد 2 / 263 و305 و344 و353 و495، وأبو داود (3658) والترمذي (2651) وابن ماجة (261) و(266) وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان (75) وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو صححه ابن حبان (96) والحاكم 1 / 102 ووافقه الذهبي.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 33، و" تهذيب الكمال ": 338، و" طبقات السبكي " 2 / 232، 233 و" مقدمة الفتح ": 494.

(12/464)


بَكْرٍ بنَ أَبِي عَمْرٍو الحَافِظَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ سَبَبُ مُنَافرَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَنَّ خَالِدَ بنَ أَحْمَدَ الذُّهْلِيَّ الأَمِيْرَ خَلِيْفَةَ الطَّاهريَّةِ بِبُخَارَى سَأَلَ أَنْ يَحْضُرَ مَنْزِلَهُ، فيقرأَ (الجَامِعَ) وَ(التَّارِيْخَ) عَلَى أَوْلاَدِهِ، فَامْتَنَعَ عَنِ الحُضُوْرِ عِنْدَهُ، فرَاسلَهُ بِأَنْ يعقِدَ مَجْلِساً لأَوْلاَدِهِ، لاَ يَحْضُرُهُ غَيْرهُم، فَامْتَنَعَ، وَقَالَ: لاَ أَخُصُّ أَحَداً.
فَاسْتعَانَ الأَمِيْرُ بحريثِ بنِ أَبِي الوَرْقَاءِ وَغَيْرِهِ، حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي مَذْهَبِهِ، وَنَفَاهُ عَنِ البلدِ، فَدَعَا عَلَيْهِم، فَلَمْ يَأْتِ إِلاَّ شَهْرٌ حَتَّى وَرَدَ أَمْرُ الطَّاهريَّةِ، بِأَنْ يُنَادَى عَلَى خَالِدٍ فِي البلدِ، فَنُوْدِيَ عَلَيْهِ عَلَى أَتَانٍ.
وَأَمَّا حُريثٌ، فَإِنَّهُ ابْتُلِيَ بِأَهْلِهِ، فَرَأَى فِيْهَا مَا يَجِلُّ عَنِ الوَصْفِ.
وَأَمَّا فُلاَن، فَابْتُلِيَ بِأَوْلاَدِهِ، وَأَرَاهُ اللهُ فِيْهِمُ البلاَيَا (1) .
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا خَلَفٌ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ شَاذَوْيه قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَسْكُنُ سِكَّةَ الدَّهْقَانِ، وَكَانَ جَمَاعَةٌ يَخْتَلِفونَ إِلَيْهِ، يُظْهِرُونَ شِعَارَ أَهْلِ الحَدِيْثِ مِنْ إِفرَادِ الإِقَامَةِ، وَرَفْعِ الأَيدِي فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَقَالَ حُريثُ بنُ أَبِي الوَرْقَاءِ وَغَيْرُهُ: هَذَا رَجُلٌ مُشغِبٌ، وَهُوَ يُفْسِدُ عَلَيْنَا هَذِهِ المَدِيْنَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى مِنْ نَيْسَابُوْرَ، وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ، فَاحتَّجُوا عَلَيْهِ بِابْنِ يَحْيَى، وَاسْتعَانُوا عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ فِي نَفْيِهِ مِنَ البلدِ، فَأُخْرَجَ.
وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ وَرِعاً، يتجنَّبُ السُّلْطَانَ وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهِم.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ وَاصلٍ البِيْكَنْدِيَّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بخُرُوْجِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَمقَامُهُ عِنْدنَا، حَتَّى سَمِعْنَا مِنْهُ هَذِهِ الكُتُبَ، وَإِلاَّ مَنْ كَانَ يصلُ إِلَيْهِ وَبمقَامِهِ فِي هَذِهِ النَّوَاحِي: فِرَبْر
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 33، 34، و" تهذيب الكمال ": 1172، و" طبقات السبكي " 2 / 233 و" مقدمة الفتح ": 494.

(12/465)


وَبِيْكَنْد بقيَتْ هَذِهِ الآثَارُ فِيْهَا، وَتخرَّجَ النَّاسُ بِهِ.
قُلْتُ: خَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الأَمِيْرُ (1) ، قَالَ الحَاكِمُ: لَهُ بِبُخَارَى آثَارٌ محمودَةٌ كُلُّهَا، إِلاَّ مَوْجِدَتَهُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَإِنَّهَا زَلَّةٌ، وَسببٌ لزوَالِ مُلْكِهِ.
سَمِعَ: إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ القَوَارِيْرِيَّ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَنَا عَنْهُ بهمذَانَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ الجَلاَّبُ، وَبمروَ: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقُ، وَكَانَ قَدْ مَالَ إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ اللَّيْثِ، فَلَمَّا حَجَّ حبسوهُ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَاتَ لسنتِهِ، وَهِيَ سَنَةُ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
ذِكْرُ وَفَاتِهِ:
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجبَّارِ السَّمَرْقنديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى خَرْتَنْك - قَرْيَةٌ عَلَى فَرْسَخيْنِ مِنْ سَمَرْقَنْد - وَكَانَ لَهُ بِهَا أَقربَاء، فَنَزَلَ عِنْدَهُم، فسَمِعْتُهُ لَيْلَةً يدعُو وَقَدْ فرغَ مِنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقبضنِي إِلَيْكَ، فَمَا تمَّ الشَّهْرُ حَتَّى مَاتَ، وَقبرُهُ بِخَرْتَنْك (2) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ أَبَا مَنْصُوْرٍ غَالِبَ بنَ جِبْرِيْلَ، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
إِنَّهُ أَقَامَ عِنْدنَا أَيَّاماً، فمَرِضَ، وَاشتدَّ بِهِ المَرَضُ، حَتَّى وَجَّهَ رَسُوْلاً إِلَى مَدِيْنَةِ سَمَرْقَنْدَ فِي إِخْرَاجِ مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا وَافَى
__________
(1) انظر ترجمته في " الكامل " لابن الأثير 7 / 412.
(2) خرتنك، بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وفتح التاء المثناة من فوقها وسكون النون وبعدها كاف: وهي قرية من قرى سمرقند. كذا قال ابن خلكان في " وفيات الأعيان " 4 / 191. والخبر في " تاريخ بغداد " 2 / 34، و" تهذيب الكمال ": 1172، و" طبقات السبكي " 2 / 232، و" مقدمة الفتح ": 494.

(12/466)


تَهَيَّأَ للرُّكُوبِ، فلبسَ خُفَّيْهِ، وَتعمَّمَ، فَلَمَّا مَشَى قدرَ عِشْرِيْنَ خطوَةً أَوْ نحوَهَا وَأَنَا آخِذٌ بَعْضُدِهِ وَرَجُلٌ أَخذَ مَعِي يقودُهُ إِلَى الدَّابَّةِ ليركبَهَا، فَقَالَ -رَحِمَهُ اللهُ-: أَرسلونِي، فَقَدْ ضَعُفْتُ، فَدَعَا بدعَوَاتٍ، ثُمَّ اضطجعَ، فَقَضَى -رَحِمَهُ اللهُ- فسَالَ مِنْهُ (1) العرَقُ شَيْءٌ لاَ يُوْصَفُ، فَمَا سَكَنَ مِنْهُ العرَقُ إِلَى أَنْ أَدرجنَاهُ فِي ثِيَابِهِ.
وَكَانَ فِيْمَا قَالَ لَنَا وَأَوْصَى إِلَيْنَا: أَنْ كَفِّنُونِي فِي ثَلاَثَةِ أَثوَابٍ بِيْضٍ، لَيْسَ فِيْهَا قَمِيْصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ، فَفَعَلْنَا ذَلِكَ.
فَلَمَّا دَفَنَّاهُ فَاحَ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ رَائِحَةٌ غَاليَةٌ أَطيبُ مِنَ المِسْكِ، فَدَام ذَلِكَ أَيَّاماً، ثُمَّ علَتْ سوَارِيُّ بِيْضٌ فِي السَّمَاءِ مستطيلَةٌ بحِذَاءِ قَبْرِهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَخْتَلِفونَ وَيتعجَّبُوْنَ، وَأَمَّا التُّرَابُ فَإِنَّهُم كَانُوا يَرْفَعُوْنَ عَنِ القَبْرِ حَتَّى ظَهرَ القَبْرُ، وَلَمْ نكنْ نقدِرُ (2) عَلَى حفظِ القَبْرِ بِالحُرَّاسِ، وَغُلِبْنَا عَلَى أَنفُسِنَا، فنصبنَا عَلَى القَبْرِ خَشَباً مُشَبَّكاً، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ عَلَى الوُصُوْلِ إِلَى القَبْرِ، فَكَانُوا يَرْفَعُوْنَ مَا حولَ القَبْرِ مِنَ التُّرَابِ، وَلَمْ يَكُوْنُوا يخلصُوْنَ إِلَى القَبْرِ، وَأَمَّا رِيْحُ الطِّيبِ فَإِنَّهُ تدَاومَ أَيَّاماً كَثِيْرَةً حَتَّى تَحَدَّثَ أَهْلُ البَلْدَة، وَتعجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ، وَظهرَ عِنْدَ مُخَالِفِيهِ أَمرُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَخَرَجَ بَعْضُ مُخَالِفِيهِ إِلَى قَبْرِهِ، وَأَظهرُوا التَّوبَةَ وَالنَّدَامَةَ مِمَّا كَانُوا شرعُوا فِيْهِ مِنْ مذمومِ المَذْهَبِ (3) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَلَمْ يعِشْ أَبُو مَنْصُوْرٍ غَالِبُ بنُ جِبْرِيْلَ بَعْدَهُ إِلاَّ القَلِيْلَ، وَأَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ إِلَى جَنْبِهِ.
__________
(1) في " طبقات السبكي " 2 / 233: فسال منه من العرق شيء لا يوصف وفي " مقدمة الفتح ": ثم سال منه عرق كثير.
(2) في " طبقات السبكي " 2 / 233: ولم يكن يقدر.
(3) خبر مرضه ووفاته بطوله في " طبقات السبكي " 2 / 233، 234، و" مقدمة الفتح ": 494.

(12/467)


وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مكِّي الجُرْجَانِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ آدَمَ الطَّواويسِيَّ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ وَاقفٌ فِي مَوْضِعٍ، فسلَّمْتُ عَلَيْهِ، فردَّ عليَّ السَّلاَمَ.
فَقُلْتُ: مَا وُقُوفُكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: أَنتَظِرُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ بَلَغَنِي مَوْتَهُ، فَنَظَرتُ، فَإِذَا قَدْ مَاتَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهَا (1) .
وَقَالَ خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَيَّامُ: سَمِعْتُ مَهِيبَ بنَ سُلَيْمٍ الكرْمِيْنِيَّ يَقُوْلُ:
مَاتَ عِنْدنَا البُخَارِيُّ لَيْلَةَ عيدِ الفِطرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، وَقَدْ بَلَغَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَكَانَ فِي بَيْتٍ وَحدَهُ، فَوَجَدنَاهُ لَمَّا أَصْبَحَ وَهُوَ مَيِّتٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ:
تُوُفِّيَ البُخَارِيُّ لَيْلَةَ السَّبْتِ، لَيْلَةَ الفِطْرِ، عِنْدَ صَلاَةِ العشَاءِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الفِطْرِ بَعْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً إِلاَّ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً (2) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَاتِمٍ الخَلْقَانِيَّ فِي المَنَامِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، فَسَأَلْتُهُ وَأَنَا أَعْرِفُ أَنَّهُ مَيِّتٌ عَنْ شَيْخِي -رَحِمَهُ اللهُ- هَلْ رَأَيْتَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُهُ، وَهُوَ ذَاكَ، يشيرُ إِلَى نَاحِيَةِ سطحٍ مِنْ سطوحِ المَنْزِلِ.
ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
فَقَالَ: رَأَيْتُهُ، وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ إِشَارَةً كَادَ أَنْ يَسْقُطَ مِنْهَا لعلوِّ مَا يُشيرُ.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 2 / 34، و" تهذيب الكمال ": 1172، و" طبقات السبكي " 2 / 232، و" مقدمة الفتح ": 494.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 6 و34، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" وفيات الأعيان " 4 / 190، و" تهذيب الكمال ": 1169 و1172، و" مقدمة الفتح ": 495.

(12/468)


وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ الحَسَنِ السَّكتِيُّ (1) السَّمرقندِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا بَلَنْسِيَةَ عَامَ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، قَالَ: قَحطَ المَطَرُ عِنْدنَا بِسَمَرْقَنْدَ فِي بَعْضِ الأَعْوَامِ، فَاسْتسقَى النَّاسُ مِرَاراً، فَلَمْ يُسْقَوا، فَأَتَى رَجُلٌ صَالِحٌ مَعْرُوْفٌ بِالصَّلاَحِ إِلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي رَأَيْتُ رأْياً أَعرضُهُ عَلَيْكَ.
قَالَ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ تخرجَ وَيخرجَ النَّاسُ مَعَكَ إِلَى قَبْرِ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَقبرُهُ بخَرْتَنْك، وَنستسقِي عِنْدَهُ، فعسَى اللهُ أَنْ يَسْقِينَا.
قَالَ: فَقَالَ القَاضِي: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ.
فَخَرَجَ القَاضِي وَالنَّاسُ مَعَهُ، وَاسْتسقَى القَاضِي بِالنَّاسِ، وَبَكَى النَّاسُ عِنْدَ القَبْرِ، وَتشفَّعُوا بصَاحِبِهِ، فَأَرسلَ اللهُ -تَعَالَى- السَّمَاءَ بِمَاءٍ عَظِيْمٍ غَزِيْرٍ أَقَامَ النَّاسُ مِنْ أَجلِهِ بِخَرْتَنْك سَبْعَةَ أَيَّامٍ أَوْ نحوَهَا، لاَ يَسْتَطيعُ أَحَدٌ الوُصُوْلَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ مِنْ كَثْرَةِ المَطَرِ وَغزَارتِهِ، وَبَيْنَ خرتنك وَسَمَرْقَنْد نَحْوَ ثَلاَثَةَ أَمِيَالٍ (2) .
وَقَالَ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ): أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي الحرشِيُّ بِنَيْسَابُوْرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَحْمَدَ الفَقِيْهَ البَلْخِيَّ (ح)، قَالَ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارَ البَلْخِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المُسْتَمْلِي يَرْوِي عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: سَمِعَ كِتَابَ (الصَّحِيْحِ) لِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ تِسْعُوْنَ أَلفَ رَجُلٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي (3) .
__________
(1) في " تقييد المهمل " لوحة: 34: التنكي المقيم بسمرقند.
وفي " طبقات الشافعية " 2 / 234: السكني.
(2) " طبقات السبكي " 2 / 234.
(3) سبق تخريجه في الصفحة: 398.

(12/469)


ذِكْرُ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ أَخْرَجَ لَهُم البُخَارِيُّ وَلَمْ يروِ عَنْهُم سِوَى وَاحِدٍ:
مِرْدَاسٌ الأَسْلَمِيُّ؛ عَنْهُ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، حَزْنٌ المَخْزُوْمِيُّ؛ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو سَعِيْدٍ المُسَيَّبُ بنُ حَزْنٍ، زَاهِرُ بنُ الأَسْوَدِ؛ عَنْهُ ابْنُهُ مَجْزَأَةُ، عَبْدُ اللهِ بنُ هِشَامِ بنِ زُهْرَةَ القُرَشِيُّ؛ عَنْهُ حَفِيْدَهُ زُهْرَةُ بنُ مَعْبَدٍ، عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ؛ عَنْهُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ، عَبْدُ اللهِ بنُ ثَعْلَبَةَ بنُ صُعَيْرٍ؛ رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ قَوْلَهُ، سُنَيْنٌ أَبُو جَمِيْلَةَ السُّلَمِيُّ؛ عَنْهُ الزُّهْرِيُّ، أَبُو سَعِيْدٍ بنُ المُعَلَّى؛ تَفَرَّدَ عَنْهُ حَفْصُ بنُ عَاصِمٍ، سُوَيْدُ بنُ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيُّ شَجَرِيٌّ؛ تَفَرَّدَ بِالحَدِيْثِ عَنْهُ بُشَيْرُ بنُ يَسَارٍ، خولَةُ بِنْتُ ثَامرٍ؛ عَنْهَا النُّعْمَانُ بنُ أَبِي عَيَّاشٍ، فَجملتُهُم عَشْرَةٌ.
فصل:
(تَارِيْخُ) البُخَارِيِّ، يَشْتَمِلُ عَلَى نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِيْنَ أَلفاً وَزيَادَةً، وَكِتَابُهُ فِي (الضُّعَفَاءِ) دُوْنَ السَّبْعِ مائَةِ نَفْسٍ، وَمَنْ خَرَّجَ لَهُم فِي (صَحِيْحِهِ) دُوْنَ الأَلفينِ (1) .
قَالَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الحَازمِيُّ، فـ (صَحِيْحُهُ) مُخْتَصرٌ جِدّاً (2) . وَقَدْ
__________
(1) جاء في " مقدمة صحيح مسلم " بشرح النووي: 16: قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري في كتابه " المدخل إلى معرفة المستدرك ": عدد من خرج لهم البخاري في " الجامع الصحيح " ولم يخرج لهم مسلم أربع مئة وأربعة وثلاثون شيخا، وعدد من احتج بهم مسلم في المسند الصحيح، ولم يحتج بهم البخاري في " الجامع الصحيح " ست مئة وخمسة وعشرون شيخا، والله أعلم.
(2) قال النووي رحمه الله في " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 75 / 1: جملة ما في " صحيح البخاري " من الأحاديث المسندة سبعة آلاف وخمس مئة وثلاثة وسبعون حديثا بالاحاديث المكررة 7573.
أما اسمه فسماه مؤلفه البخاري رحمه الله " الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه ".
وأما محله فقال العلماء: هو أول مصنف صنف في الصحيح المجرد، واتفق العلماء على أن أصح الكتب المصنفة صحيحا
البخاري ومسلم، واتفق الجمهور على أن " صحيح البخاري " أصحهما صحيحا وأكثرهما فوائد.
وقال الحافظ أبو علي النيسابوري وبعض علماء المغرب: " صحيح مسلم " أصح، وأنكر العلماء ذلك عليهم، والصواب ترجيح " صحيح البخاري "...وقال النسائي: أجود =

(12/470)


نقل الإِسْمَاعِيْلِيُّ عَمَّنْ حَكَى عَنِ البُخَارِيِّ، قَالَ: لَمْ أَخرِّجْ فِي الكِتَابِ إِلاَّ صَحِيْحاً.
قَالَ: وَمَا تركتُ مِنَ الصَّحِيْحِ أَكْثَرُ.
لِبَعْضِهِم:
(صَحِيْحُ البُخَارِيِّ) لَوْ أَنْصَفُوهُ ... لَمَا خُطَّ إِلاَّ بمَاءِ الذَّهَبْ
هُوَ الفَرْقُ بَيْنَ الهُدَى وَالعمَى ... هُوَ السَّدُّ بَيْنَ الفَتَى وَالعَطَبْ
أَسَانِيْدُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ ... أَمَامَ مُتُوْنٍ كَمِثْلِ الشُّهُبْ (1)
بِهِ قَامَ مِيْزَانُ دِيْنِ الرَّسُوْلِ ... وَدَانَ بِهِ العُجْمُ بَعْدَ العَرَبْ
حِجَابٌ مِنَ النَّارِ لاَ شَكَّ فِيْهِ ... تَمَيَّزَ بَيْنَ الرِّضَى وَالغَضَبْ
وَسِتْرٌ رَقِيْقٌ إِلَى المُصْطَفَى ... وَنصٌّ مُبِيْنٌ لِكَشْفِ الرِّيَبْ
فَيَا عَالِماً أَجْمَعَ العَالِمُوْنَ ... عَلَى فَضْلِ رُتْبَتِهِ فِي الرُّتَبْ
سَبَقْتَ الأَئِمَّةَ فِيْمَا جَمَعْتَ ... وَفُزْتَ عَلَى رَغْمِهِمْ (2) بِالقَصَبْ
نَفَيْتَ الضَّعِيْفَ مِنَ النَّاقِلِيْنَ ... وَمَنْ كَانَ مُتَّهَماً بِالكَذِبْ
وَأَبْرَزْتَ فِي حُسْنِ تَرْتِيْبِهِ ... وَتَبْوِيْبِهِ عَجَباً لِلْعَجَبْ
فَأَعطَاكَ مَولاَكَ مَا تَشْتَهِيْهِ ... وَأَجْزَلَ حَظَّكَ فِيْمَا وَهَبْ (3)

172 - البَيْرُوْتِيُّ أَبُو الفَضْلِ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ * (د، س)
الإِمَامُ، الحُجَّةُ، المُقْرِئُ، الحَافِظُ، أَبُو الفَضْلِ، العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ
__________
= هذه الكتب كتاب البخاري، وأجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين ووجوب العمل بأحاديثهما.
(1) في " تاريخ ابن كثير ": لها كالشهب.
(2) في " تاريخ ابن كثير:: زعمهم، وهو تصحيف.
(3) الابيات في " تاريخ ابن كثير " 11 / 27، 28.
(*) الجرح والتعديل 6 / 214، 215، الأنساب، ورقة: 98 / أ، اللباب 1 / 196، تهذيب =

(12/471)


مَزيدٍ، العُذْرِيُّ، البَيْرُوْتِيُّ.
وبَيْرُوْتُ: مَدِيْنَةٌ عَلَى البَحْرِ مِنْ سَاحلِ دِمَشْقَ، مَا زَالَتْ بلاَدَ إِسْلاَمٍ مُنْذُ الفتوحِ إِلَى أَنْ اسْتولَى عَلَيْهَا الفِرَنْجُ، فَدَامَتْ دَاراً لَهُم، إِلَى أَنْ افتتَحَهَا السُّلْطَانُ الملكُ الأَشرفُ خَلِيْلٌ، فِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ عِنْدَ أَخْذِ عَكَّا، وَبِهَا تُوُفِّيَ الأَوْزَاعِيُّ، وَتلمِيذُهُ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ، وَابْنُهُ هَذَا.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، فَكَانَ مِمَّنْ عُمِّرَ أَكْثَرَ مِنْ مائَةِ عَامٍ بِيَقِيْنٍ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَتَفَقَّهَ بِهِ، وَمُحَمَّدَ بنَ شُعَيْبِ بنِ شَابُوْرَ، وَعُقْبَةَ بنَ عَلْقَمَةَ البَيْرُوْتِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيَّ، وَأَبَا مُسْهِرٍ الدِّمَشْقِيَّ، وَعَبْدَ الحَمِيْدِ بنَ بَكَّارٍ، وَطَائِفَةً.
وَكَانَ مُقرِئاً، حَاذِقاً بحرفِ ابْنِ عَامِرٍ، تَلاَ عَلَى أَبِيْهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَأَبَوَا زُرْعَةَ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنُ جَوْصَا، وَمَكْحُوْلٌ البَيْرُوْتِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحصَائِرِيُّ، وَخَيْثَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
سَمَّى الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْهُم أَرْبَعِيْنَ نَفْساً.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (2) .
__________
= الكمال: 661، تذهيب التهذيب 2 / 128 / 1، العبر 2 / 46، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 355، تهذيب التهذيب 5 / 131، 133، خلاصة تذهيب الكمال: 190، شذرات الذهب 2 / 160.
(1) " الجرح والتعديل " 6 / 215، و" تهذيب الكمال ": 661، و" تذهيب التهذيب " 2 / 128 / 1.
(2) " تهذيب الكمال ": 661، و" تذهيب التهذيب " 2 / 128 / 1.

(12/472)


وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ سَيَّارٍ: مَا رَأَيْتُ أَحسنَ سَمْتاً مِنْهُ (1) .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ، ثُمَّ عرضَ عَلَيْهِ، وَكَانَ صَاحِبَ لَيلٍ (2) .
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ أَبِي الحُسَيْنِ بنِ أَبِي كَامِلٍ: سَمِعْتُ خَيْثَمَةَ يَقُوْلُ: أَتيتُ أَبَا دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيَّ فَأَملَى عليَّ حَدِيْثاً عَنِ العَبَّاسِ بنِ الوَلِيْدِ.
فَقُلْتُ: وَإِيَّايَ حَدَّثَ العَبَّاسُ.
فَقَالَ لِي: رَأَيْتَهُ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: مَتَى مَاتَ؟
قُلْتُ: سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، كَذَا قَالَ خَيْثَمَةُ، وَأَمَّا عَمْرُو بنُ دُحَيْمٍ فَقَالَ: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، وَعَيَّنَ اليَوْمَ، وَقَالَ: سنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَتحرَّرَ لِي أَنَّ مَجموعَ عُمُرِهِ مائَةُ سَنَةٍ وثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ وَاثْنَانِ وَعِشْرُوْنَ يَوْماً، وَكَانَ مُمَتَّعاً بِقُوَاهُ.
قَالَ خَيْثَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ: مَازحَ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ يَوْماً جَارِيَةً لَهُ، فَدَفَعَتْهُ، فَوَقَعَ، فَانكسَرَتْ رِجْلُهُ، فَلَمْ يُحَدِّثنَا عِشْرِيْنَ يَوْماً، فَكُنَّا نَلْقَى الجَارِيَةَ، وَنَقُوْلُ: حسبُكِ اللهُ كَمَا كَسَرْتِ رِجْلَ الشَّيْخِ، وَحَبَسْتِنَا عَنِ الحَدِيْثِ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، وَالحُسَيْنُ بنُ صَصْرَى، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُسَيْنِيُّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ غَسَّانٍ قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ المُؤمَّلِ
__________
(1) " تهذيب الكمال ": 661، و" تذهيب التهذيب " 2 / 128 / 1.
(2) " تهذيب الكمال ": 661 وجاء فيه: وذكره ابن حبان في كتاب " الثقات " و" تذهيب التهذيب " 2 / 128 / 1.
ومعنى صاحب ليل، أي: يقوم بالليل.

(12/473)


الكَفَرْطَابِيُّ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُثْمَانَ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا خَيْثَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ حيدرَةَ، أَخْبَرَنَا العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ ببَيْرُوْتَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنِي دَاوُدُ بنُ الزِّبْرِقَانِ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنْ خَالِدِ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيِّ، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (قَدْ عَفَوْتُ لَكُم عَنْ صَدَقَةِ الخَيْلِ وَالرَّقِيْقِ (1)).
قَرَأْتُ عَلَى تَاجِ الدِّيْنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ العَلَوِيِّ، أَخبرَكُم مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ القَطِيْعِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّينَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ العُذْرِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبِي، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بنُ أَبِي لُبَابَةَ، حَدَّثَنَا زِرُّ بنُ حُبَيْشٍ، سَمِعْتُ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ، وَبَلَغَهُ أَنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ يَقُوْلُ: مَنْ قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيْلَةَ القَدْرِ.
فَقَالَ: وَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ، يَحْلِفُ بِذَلِكَ ثَلاَثاً، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنِّي لأَعْلَمُ أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ، هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَقُومَهَا، لَيْلَةَ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ لاَ شعَاعَ لَهَا (2) .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ وُجُوْهٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ
__________
(1) وهو من طريق الحارث عن علي عند ابن ماجة (1790) والدارقطني 2 / 92، والبيهقي 4 / 118، والطحاوي 2 / 28 و29، والحارث - وهو ابن عبد الله الهمداني - ضعيف، لكنه متابع، فقد أخرجه أحمد 2 / 92 وأبو داود (1574) والترمذي (620) والنسائي 5 / 37، والطحاوي 2 / 28 والبيهقي 4 / 117 - 118 من طريق أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي، وهذا سند حسن كما قال الحافظ في " الفتح ".
(2) أخرجه مسلم برقم (763) في صلاة المسافرين: باب الترغيب في قيام رمضان، وأبو داود (1378) في الصلاة: باب في ليلة القدر، والترمذي (793) في الصوم: باب ما جاء في ليلة القدر.

(12/474)


حَدِيْثِ الأَوْزَاعِيِّ، وَشُعْبَةَ جَمِيْعاً، عَنْ عَبْدَةَ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي تَفْسِيْرِهِ (1) .
حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بنِ يَزِيْدَ العِجْلِيِّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ زِرٍّ، أَنَّ أُبَيّاً حَدَّثَهُ، وَلَمْ يُسَمِّهِ، بَلْ قَالَ: نَبَّأَ مَنْ لَمْ يَكْذِبْنِي.

173 - الرُّهَاوِيُّ أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ * (س)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، أَبُو الحُسَيْنِ، أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، الرُّهَاوِيُّ، مُحَدِّثُ الجَزِيْرَةِ.
سَمِعَ: زَيْدَ بنَ الحُبَابِ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ، وَيَحْيَى بنَ آدَمَ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَأَبَا دَاوُدَ الحَفَرِيَّ، وَعُثْمَانَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَرَّانِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ، وَحُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ الجُعْفِيَّ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَيَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَعَبْدَ بنَ جَعْفَرٍ الرَّقِّيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ فَأَكْثَرَ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَكْحُوْلٌ البَيْرُوْتِيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَأَجَازَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ.
ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ فَقَالَ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ صَاحِبُ حَدِيْثٍ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمِنْ قُدمَاءِ مَشيَخَتِهِ مِسْكِيْنُ بنُ بَكْرٍ.
__________
(1) وليس في المطبوع لان ابن السني قد أسقط في اختصاره قسم التفسير برمته.
(*) الجرح والتعديل 2 / 52، 53، الأنساب 6 / 205، تهذيب الكمال: 23، تذهيب التهذيب 1 / 11 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 559، العبر 2 / 21، الوافي بالوفيات 6 / 401، تاريخ ابن كثير 11 / 33، تهذيب التهذيب 1 / 33، 34، طبقات الحفاظ: 250، خلاصة تذهيب الكمال: 6، شذرات الذهب 2 / 141.

(12/475)


أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَمِّي أَبُو القَاسِمِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عليُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَاقفُ السُّمَيْسَاطيَّةِ (1) ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الكِلاَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مَكْحُوْلٌ البَيروتَيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَخْبَرَنَا الجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي العَلاَءِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: (هَلْ صُمْتَ مِنْ سَرَرِ هَذَا الشَّهْرِ شَيْئاً؟).
قَالَ: لاَ
قَالَ: (فَإِذَا أَفطَرْتَ مِنْ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ).
مُسْلِمٌ (2) : عَنْ أَبِي بكرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَزِيْدَ.

174 - يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ بنِ الصَّلْتِ بنِ عُصْفُورٍ البَصْرِيُّ *
الحَافِظُ، الكَبِيْرُ، العَلاَّمَةُ، الثِّقَةُ، أَبُو يُوْسُفَ، السَّدُوْسِيُّ، البَصْرِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، صَاحِبُ (المُسْنَدِ الكَبِيْرِ)، العديمُ النَّظيرِ المعلّل، الَّذِي تمَّ مِنْ مسَانيدِهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِيْنَ مجلَّداً، وَلَوْ كَمُلَ لَجَاءَ فِي مائَةِ مُجَلَّدٍ.
مَوْلِدُهُ: فِي حُدُوْدِ الثَّمَانِيْنَ وَمائَةٍ،
__________
(1) هي خانقاه السميساطية نسبة للسميساطي أبي القاسم علي بن محمد بن يحيى السلمي الحبشي، من أكابر الرؤساء بدمشق.
مات سنة 423 ه. وهو الذي اشتراها حين قدم دمشق.
(2) رقم (1161) (200) في الصيام: باب صوم سرر شعبان، وأخرجه البخاري 4 / 200 من طريق غيلان بن جرير، عن مطرف، عن عمران، وأخرجه مسلم (1161) وأبو داود (2228) من طريق حماد، عن ثابت، عن مطرف، عن عمران، وأخرجه مسلم من طريق شعبة عن عبد الله بن هانئ ابن أخي مطرف، عن مطرف، عن عمران.
وسرر الشهر آخره، أي آخر شعبان، وانظر المسألة مفصلة في " الفتح " 4 / 200 - 201.
(*) تاريخ بغداد 14 / 281، 283، تذكرة الحفاظ 2 / 577، 578، العبر 2 / 25، تاريخ ابن كثير 11 / 35، النجوم الزاهرة 3 / 37، طبقات الحفاظ: 254، شذرات الذهب 2 / 146، المنتظم 5 / 43.

(12/476)


وَسَمَاعَاتُهُ عَلَى رَأْسِ المائَتَيْنِ.
سَمِعَ: عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَرَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَأَزْهَرَ بنَ سَعْدٍ السَّمَّانَ، وَبِشْرَ بنَ عُمَرَ الزَّهْرَانِيَّ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ، وَأَبَا عَامِرٍ العَقَدِيَّ، وَشجَاعَ بنَ الوَلِيْدِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ بَكْرٍ السَّهْمِيَّ، وَمَحَاضِرَ بنَ المُوَرِّعِ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ بنَ عَطَاءٍ، وَأَبَا النَّضْرِ، وَيَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَوهبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَحَجَّاجَ بنَ مِنْهَالٍ.
وَيَنْزِلُ إِلَى: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ.
ثُمَّ إِلَى: الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الحَلْوَانِيِّ، وَهَارُوْنَ الحَمَّالِ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الأَعْيَنِ.
ثُمَّ يَنْزِلُ إِلَى أَصْحَابِ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَابْنِ المَدِيْنِيِّ.
وَيُخَرِّجُ العَالِي وَالنَّازلَ، وَيذكرُ أَوَّلاً سِيْرَةَ الصَّحَابِيِّ مُستوَفَاةً، ثُمَّ يَذْكُرُ مَا رَوَاهُ، وَيوضِّحُ عِلَلَ الأَحَادِيْثِ، وَيَتَكَلَّمُ عَلَى الرِّجَالِ، وَيُجَرِّحُ وَيعدِّلُ بكَلاَمٍ مُفِيْدٍ عَذْبٍ شَافٍ، بِحَيْثُ إِنَّ النَّاظرَ فِي (مُسْنَدِهِ) لاَ يَمَلُّ مِنْهُ، وَلَكِنْ قَلَّ مَنْ رَوَى عَنْهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: حَفِيْدُهُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ، وَيُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الأَزرقُ، وَطَائِفَةٌ.
وَثَّقَهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَغَيْرُهُ (1) .
قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَوْ كَانَ كِتَابُ يَعْقُوْبَ بنِ شَيْبَةَ مَسطوراً عَلَى حَمَّامٍ لَوَجَبَ أَنْ يُكْتَبَ (2) ، يَعْنِي: لاَ يفتقرُ الشَّخْصُ فِيْهِ إِلَى سَمَاعٍ.
قَالَ الخَطِيْبُ: حَدَّثَنِي الأَزْهَرِيُّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ فِي مَنزِلِ يَعْقُوْبَ بنِ شَيْبَةَ أَرْبَعُوْنَ لِحَافاً أَعدَّهَا لِمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الوَرَّاقينَ الَّذِيْنَ يُبَيِّضُونَ لَهُ (المُسْنَدَ).
قَالَ: وَلزمَهُ عَلَى مَا خَرَّجَ مِنْهُ عَشْرَةَ آلاَفِ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 14 / 281، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 577.
(2) " تاريخ بغداد " 14 / 281.

(12/477)


دِيْنَارٍ.
ثُمَّ قَالَ: وَقِيْلَ: إِنَّ نُسَخَهُ بِمسندِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْهُ شُوْهِدَتْ بِمِصْرَ، فَكَانَتْ فِي مئتَي جُزْءٍ.
قَالَ: وَالَّذِي ظَهرَ لَهُ مُسْندُ العشرَةِ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَمَّارٍ، وَالعَبَّاسِ، وَعتبَةَ بنِ غَزْوَانَ، وَبَعْضِ الموَالِي (1) .
قُلْتُ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ شُوْهِدَ لَهُ مُسْنَدُ عليٍّ فِي خَمْسَةِ أَسفَارٍ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي: كَانَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ بنِ المُعَدَّلِ، وَالحَارِثِ بنِ مِسْكِيْنَ، فَقِيْهاً، سَرِيّاً، وَكَانَ يَقِفُ فِي القُرْآنِ (2) .
قُلْتُ: أَخذَ الوَقْفَ عَنْ شَيْخِهِ أَحْمَدَ المَذْكُوْرِ، وَقَدْ وَقَفَ عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَجَمَاعَةٌ.
وخَالفَهُم نَحْوٌ مِنْ أَلفِ إِمَامٍ، بَلْ سَائِرُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَالخَلَفِ عَلَى نَفْي الخليقَةِ عَنِ القُرْآنِ، وَتَكْفِيْرِ الجَهْمِيَّةِ، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ فِي الدِّيْنِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ: أَظهرَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ الوَقْفَ فِي ذَلِكَ الجَانبِ مِنْ بَغْدَادَ، فحذَّرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مِنْهُ، وَقَدْ كَانَ المُتَوَكِّلُ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ أَنْ يَسْأَلَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَمَّنْ يُقَلِّدُ القَضَاءَ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ شَيْبَةَ.
فَقَالَ: مُتَبَدِّعٌ، صَاحِبُ هوَى (3) .
قَالَ الخَطِيْبُ: وَصفَهُ أَحْمَدُ بِذَلِكَ لأَجلِ الوَقْفِ (4) .
قُلْتُ: قَدْ كَانَ يَعْقُوْبُ صَاحِبُ أَمْوَالٍ عَظِيْمَةٍ، وَحِشْمَةٍ، وَحُرْمَةٍ وَافرَةٍ، بِحَيْثُ إِنَّ حَفِيْدَهُ حَكَى، قَالَ: لَمَّا وُلِدْتُ عَمدَ أَبواي فَمَلآ لِي ثَلاَثَةَ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 14 / 281، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 577.
(2) " تذكرة الحفاظ " 2 / 577، 578.
(3) " تاريخ بغداد " 14 / 350.
(4) " تاريخ بغداد " 14 / 350.

(12/478)


خوَابِي ذَهباً، وَخبَّآهَا لِي، فذكَرَ أَنَّهُ طَالَ عُمُرُهُ، وَأَنفقهَا، وَفَنِيَتْ، وَاحْتَاجَ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ قَبْلَ مَوْتِ جدِّهِ بنيِّف عَشْرَةَ سَنَةً.
مَاتَ يَعْقُوْبُ الحَافِظُ: فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَعَ لِي جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ مُسنَدِ عَمَّارٍ لَهُ.
قَرَأْتُ عَلَى الحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ خَلَفٍ: أَخبرَكُم يَحْيَى بنُ أَبِي السُّعُوْدِ، أَخْبَرَتْنَا فَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ النِّعَالِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ بنِ شَيْبَةَ سنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا جَدِّي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ، قَالَ: قَاوَلَ عَمَّارٌ رَجُلاً، فَاسْتطَالَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَمَّارٌ: أَنَا إِذاً كَمَنْ لاَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ.
فَعَاد الرَّجُلُ فَاسْتطَالَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَأَكْثَرَ اللهُ مَالَكَ وَولدَكَ، وَجَعَلَكَ يُوطأُ عَقِبُكَ (1) .
وَبِهِ: قَالَ يَعْقُوْبُ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ (2) : مَا نَسِيْنَا الغبارَ عَلَى شَعْرِ صَدْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ إِنَّ الخَيْرَ خَيْرُ الآخِرَةِ، فَاغْفِرْ لِلأَنصَارِ وَالمُهَاجِرَةِ) إِذْ جَاءَ عَمَّارٌ فَقَالَ: (وَيْحَكَ، أَوْ وَيْلَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ، تقتلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ) (3) .
__________
(1) أي: كثير الاتباع، دعا عليه بأن يكون سلطانا، ومقدما، أو ذا مال، فيتبعه الناس ويمشون وراءه.
(2) في الأصل: قال.
(3) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (2916) (73) في الفتن، من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن إسماعيل بن إبراهيم عن ابن عون بهذا الإسناد، وهذا الحديث رواه غير واحد من الصحابة منهم: قتادة بن النعمان عند مسلم (2915) وأبو هريرة عند الترمذي (3802) وعبد =

(12/479)


175 - ابْنُ مَيْمُوْنَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ * (د، س)
المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، المُعَمَّرُ، أَبُو بَكْرٍ، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَيْمُوْنٍ، البَغْدَادِيُّ، ثُمَّ الإِسكندرَانِيُّ.
حدَّث عَنِ: الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَسَلْمِ بنِ مَيْمُوْنٍ الخَوَّاصِ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، فِي سُنَنِهِمَا، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنُ جَوْصَا، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَإِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَآخَرُوْنَ، خَاتِمَتُهُم عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي مَطرٍ الإِسكندرَانِيُّ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبْتُ عَنْهُ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَهُوَ صَدُوْقٌ، ثِقَةٌ (1) .
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ فِي حَادِي عشرَ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

176 - أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ بنِ خَالِدٍ أَبُو مَسْعُوْدٍ الرَّازِيُّ ** (د)
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، الحُجَّةُ، مُحَدِّثُ أَصْبَهَانَ،
__________
= الله بن عمرو بن العاص عند النسائي وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر، قال الحافظ في الفتح 1 / 452، وكلها عند الطبراني وغيره وغالب طرقها صحيحة أو حسنة، وفيه عن جماعة آخرين يطول عددهم.
* الجرح والتعديل 7 / 304، تهذيب الكمال: 1226، تذهيب التهذيب 3 / 222 / 1، الوافي بالوفيات 3 / 307، تهذيب التهذيب 9 / 281، 282، خلاصة تذهيب الكمال: 346.
(1) " الجرح والتعديل " 7 / 304.
(* *) الجرح والتعديل 2 / 67، طبقات الحنابلة 1 / 53، 55، تاريخ بغداد 4 / 343، ذكر أخبار أصبهان: 82، تهذيب الكمال: 34، 35، تذهيب التهذيب 1 / 20 / 2، تذكرة الحفاظ =

(12/480)


أَبُو مَسْعُوْدٍ، الضَّبِّيُّ، الرَّازِيُّ، نَزِيْلُ أَصْبَهَانَ.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، فِي خِلاَفَةِ هَارُوْنَ الرَّشِيْدِ، وَطَلَبَ العِلْمَ فِي الصِّغَرِ، وَعُدَّ مِنَ الحُفَّاظِ (1) وَهُوَ شَابٌّ أَمردُ، وَارْتَحَلَ إِلَى العِرَاقِ، وَالشَّامِ، وَالحِجَازِ، وَاليَمَنِ، وَلَحِقَ الكِبَارَ.
سَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَحُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ الجُعْفِيَّ، وَأَبَا دَاوُدَ الحَفَرِيَّ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَأَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ، وَيَحْيَى بنَ آدَمَ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ، وَيَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَأَخَاهُ مُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ، وَأَزْهَرَ بنَ سَعْدٍ السَّمَّانَ، وَأَبَا عَامِرٍ العَقَدِيَّ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ بنَ هَمَّامٍ، وَشَبَابَةَ بنَ سَوَّارٍ، وَابْنَ أَبِي فُدَيْكٍ، وَأَبَا أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ الحَنَفِيَّ، وَوَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيَّ، وَمُؤَمَّلَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَعَفَّانَ، وَأَبَا صَالِحٍ الكَاتِبَ، وَمُحَمَّدَ بنَ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعٍ، وَأَبَا جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيَّ، وَأَبَا اليَمَانِ، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئَ، وَالهَيْثَمَ بنَ جَمِيْلٍ، وَأَبَا الوَلِيْدِ، وَمُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
إِلَى أَنْ يَنْزِلَ إِلَى: أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ، وَبَكْرِ بنِ خَلَفٍ، وَللطَّلبَةِ اليَوْمَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيْثِهِ، مِنْ أَعْلَى شَيْءٍ يَكُوْنُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ)، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ المُهَلَّبِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ أَخُو مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ صَبِيْحٍ.
__________
= 2 / 544، 545، ميزان الاعتدال 1 / 127، 128، العبر 2 / 16، الوافي بالوفيات 7 / 280، النجوم الزاهرة 3 / 29، طبقات الحفاظ: 239، خلاصة تذهيب الكمال: 11، شذرات الذهب 2 / 138، تهذيب ابن عساكر 1 / 435، 436.
(1) رسمت في الأصل: وعدم الحفاظ.

(12/481)


وَخَلْقٌ مِنَ الأَصْبَهَانِيِّينَ، آخِرُهُم مَوْتاً المُعَمَّرُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ فَارِسٍ، شَيْخُ أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ قَايمَاز الدَّقِيْقِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ نصرٍ الرُّصَافيُّ، أَخْبَرَنَا خَلِيْلُ بنُ بَدْرٍ (ح).
وَأَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا خَلِيْلٌ الرَّارَانِيُّ (1) ، وَيَحْيَى الثَّقَفِيُّ (ح).
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ فرجٍ الفَقِيْهُ، وَعِدَّةٌ، قَالُوا:
أَخْبَرْنَا ابْنُ عَبْدِ الدَّائِم، أَخْبَرَنَا يَحْيَى الثَّقَفِيُّ (ح).
وَأَنبَانَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنِ الرَّارَانِيِّ، قَالاَ:
أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، وَيَحْيَى مُحْضَرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ فَارِسٍ قِرَاءةً عَلَيْهِ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ الحَافِظُ، سَنَةَ سَبْعٍ (2) وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِالطِّبِّ مِنْ عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: يَا خَالَةُ، مِمَّنْ تَعَلَّمْتِ الطِّبَّ؟
قَالَتْ: كُنْتُ أَسمَعُ النَّاسَ يَنْعَتُ بَعْضُهُم لبَعْضٍ، فَأَحْفَظُهُ (3) .
وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعْدِ بنِ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيَّبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُثْمَانَ: أَنَّ طبيباً سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ضِفدِعٍ يَجْعَلُهَا فِي دوَاءٍ، فَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ قَتْلِهَا (4) .
__________
(1) الراراني: نسبة إلى راران، وهو خليل بن أبي الرجاء بدر بن ثابت الأصبهاني الصوفي. توفي سنة 596 ه. وهو مترجم في " العبر " 4 / 291، 292، و" المشتبه " 1 / 296.
(2) في هامش الأصل: أربع. خ.
(3) رجاله ثقات، وأبو أسامة: هو حماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي أخرج حديثه الستة، وقد تقدم الخبر في الجزء الثاني ص 182، 183 في ترجمة الصديقة بنت الصديق.
(4) إسناده صحيح وأبو عامر هو عبد الملك بن عمرو العقدي، ثقة من رجال الستة، =

(12/482)


وَبِهِ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينَامُ جُنُباً (1) ، مَا يَمَسُّ مَاءً.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّيَّانُ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُوْدٍ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفٍ وَسَبْعِ مائَةِ شَيْخٍ، أَدخلْتُ فِي تَصَانيفِي ثَلاَثَ مائَةٍ وَعشرَةً، وَعطَّلْتُ سَائِرَ ذَلِكَ، وَكَتَبْتُ أَلفَ أَلفِ حَدِيْثٍ وَخَمْسِ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ، فَأَخذتُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ فِي التَّفَاسيرِ وَالأَحْكَامِ وَالفَوَائِدِ وَغَيْرِهِ (2) .
قَالَ حُمَيْدُ بنُ الرَّبِيْعِ: قَدِمَ أَبُو مَسْعُوْدٍ الأَصْبَهَانِيُّ مِصْرَ، فَاسْتلقَى عَلَى قَفَاهُ وَقَالَ لَنَا: خُذُوا حَدِيْثَ أَهْلِ مِصْرَ.
قَالَ: فَجَعَلَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا شَيْخاً شَيْخاً مِنْ قَبْلِ أَنْ يلقَاهُم، يَعْنِي: كَانَ قَدْ نَظَرَ فِي حَدِيْثِ مَشَايِخِ مِصْرَ مِنْ كُتُبِ الرَّحَّالِينَ وَوعَاهُ (3) .
وَعَنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ قَالَ: كُنَّا نَتَذَاكَرُ الأَبْوَابَ، فَخَاضُوا فِي بَابٍ، فجَاؤُوا فِيْهِ بِخَمْسَةِ أَحَادِيْثَ، فجئتُ بِسَادسٍ، فنخَسَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي صَدْرِي لإِعجَابِهِ بِي (4) .
وَرَوَى يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ دَلَّوَيه قَالَ:
__________
= وأخرجه أحمد 3 / 453 وأبو داود (3871) و(5269) والدارمي 2 / 88 والنسائي 7 / 210 وصححه الحاكم 4 / 410، 411، ووافقه الذهبي.
(1) في الأصل " حينا " وهو تصحيف، والحديث أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (1082) ورجاله ثقات، وسنده قوي، وصححه الدارقطني والبيهقي وهو في " المسند " 6 / 146 و171، وسنن أبي داود (228) والترمذي (118) وابن ماجة (581) والطيالسي (1397) والبيهقي 1 / 201، ولابن خزيمة (211) وابن حبان (232) من حديث ابن عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب ؟ قال: " نعم ويتوضأ إن شاء ".
(2) " تهذيب الكمال ": 35 و" تذكرة الحفاظ " 2 / 544.
(3) " تاريخ بغداد " 4 / 344.
(4) " تاريخ بغداد " 4 / 343.

(12/483)


دخلْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فَقَالَ: مَن فِيْكُم؟
قَالَ: قُلْتُ: مُحَمَّدُ بنُ النُّعْمَانِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ.
فَلَمْ يعرِفْهُ، فَذَكَرْتُ لَهُ أَقواماً، فَلَمْ يعرِفْهُم.
فَقَالَ: أَفيكُم أَبُو مَسْعُوْدٍ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: مَا أَعْرِفُ اليَوْمَ - أَظنُّهُ قَالَ - أَسودَ الرَّأْس أَعرَفَ بِمسندَاتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ (1) .
قَالَ أَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ: أَبُو مَسْعُوْدٍ الأَصْبَهَانِيُّ فِي عِدَادِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي الحِفْظِ، وَأَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيِّ فِي الثَّبْتِ (2) .
قِيْلَ: إِنَّ أَحْمَدَ بنَ الفُرَاتِ قَدِمَ أَصْبَهَانَ أَوَّلاً، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ كِتَابٌ، فَأَملَى كَذَا كَذَا أَلفَ حَدِيْثٍ مِنْ حِفْظِهِ، فَلَمَّا وَصلَتْ كُتُبُهُ قُوْبِلَتْ بِمَا أَملَى، فَلَمْ يَخْتلِفْ إِلاَّ فِي مَوَاضِعَ يَسِيْرَةٍ.
عَنْ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوْدِ بنِ صَبِيْحٍ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُوْدٍ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي حُبِّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ أَبُو مَسْعُوْدٍ أَحَدَ الحُفَّاظِ، سَافرَ الكَثِيْرَ، وجمعَ فِي الرِّحْلَةِ بَيْنَ البَصْرَةِ، وَالكُوْفَةِ، وَالحِجَازِ، وَاليَمَنِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالجَزِيْرَةِ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ، وَذَاكرَ حُفَّاظَهَا بِحضرَةِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَكَانَ أَحْمَدُ يُقَدِّمُهُ (3) .
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: لاَ أَعْلَمُ لأَبِي مَسْعُوْدٍ الرَّازِيِّ رِوَايَةً مُنكرَةً، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالحِفْظِ (4) .
__________
(1) " تاريخ بغداد " 4 / 343، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 545.
(2) " طبقات الحنابلة " 1 / 53، و" تاريخ بغداد " 4 / 344، و" تهذيب الكمال ": 34 و" تذكرة الحفاظ " 2 / 545.
(3) " تاريخ بغداد " 4 / 343.
(4) " تذكرة الحفاظ " 2 / 545.

(12/484)


قَالَ أَبُو عِمْرَانَ الطَّرَسُوْسِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الأَثْرَمَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: مَا تَحْتَ أَديمِ السَّمَاءِ أَحْفَظَ لأَخْبَارِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ الرَّازِيِّ.
قَالَ أَبُو الشَّيْخِ: سَمِعْتُ ابْنَ الأَصْفَرِ يَقُوْلُ: جَالَسْتُ أَحْمَدَ، وَأَثْنَى عَلَى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَذَكَرَ عِدَّةً.
قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَحْفَظَ لِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ (1) .
وَنقلَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الفَرَّاءِ فِي (طَبَقَاتِ أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَدَ) فِي تَرْجَمَةِ أَبِي مَسْعُوْدٍ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ دَلَّ عَلَى صَاحِبِ رَأْي لِنَفْسِهِ فَقَدْ أَعَانَ عَلَى هدْمِ الإِسْلاَمِ (2) .
وَعَنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ الرَّازِيِّ قَالَ: كَتَبْتُ الحَدِيْثَ وَأَنَا ابْنُ اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَةً.
قُلْتُ: بَكَّرَ بطلَبِ العِلْمِ، لأَنَّ أَبَاهُ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ أَيْضاً.
وَقِيْلَ: لَمْ يَلْحَقِ الأَخذَ عَنْ أَبِيْهِ.
وَعَنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ قَالَ: ذُكِرْتُ بِالحِفْظِ وَلِي ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَسُمِّيتُ الرُّوَيْزِيُّ (3) الحَافِظُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الجَارُوْدِ الحَافِظُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أُورمَةَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِثْلُ أَبِي مَسْعُوْدٍ الرَّازِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيِّ.
__________
(1) " طبقات الحنابلة " 1 / 54.
(2) " طبقات الحنابلة " 1 / 54.
(3) تصغير الرازي.

(12/485)


وَقَدْ سُئِلَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ: أَيُّمَا أَحْفَظُ: أَبُو مَسْعُوْدٍ الرَّازِيُّ، أَوْ سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ؟
فَقَالَ: أَمَا المُسْنَدُ فَأَبُو مَسْعُوْدٍ، وَأَمَّا المُنْقَطِعُ فَالشَّاذَكُوْنِيُّ.
وَمِمَّا أَلَّفَ أَبُو مَسْعُوْدٍ كِتَابَ (الأَحَادِيْث الأَفرَادِ)، روتْهُ كَرِيْمَةُ القُرَشِيَّةُ (2) بِالإِجَازَةِ.
وَقَدْ تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ قَاربَ الثَّمَانِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ: الحَافِظُ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، مُحَدِّثُ وَاسِطَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَنْجَرٍ الجُرْجَانِيُّ صَاحِبُ (المُسْنَدِ) ببلاَدِ مِصْرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ الحَافِظُ عَالِمُ خُرَاسَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ زَنْجُوْيَةَ الحَافِظُ بِبَغْدَادَ، وَالمُحَدِّثُ أَحْمَدُ بنُ بُدَيْلٍ الكُوْفِيُّ قَاضِي هَمَذَانَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ السُّلَمِيُّ مُحَدِّثُ نَيْسَابُوْرَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَالمُحَدِّثُ هَارُوْنُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ الكُوْفِيُّ، وَالثِّقَةُ عَبْدَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحَسَّانِيُّ، وَالمُحَدِّثُ حَفْصُ بنُ عَمْرٍو الرَّبَالِيُّ (3) ، وَالعَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ البحرَانِيُّ المُحَدِّثُ، وَيَحْيَى بنُ مُعَاذٍ الرَّازِيُّ شَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ أَبِي مَذْعُورٍ المُحَدِّثُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ أَبِي السَّفَرِ الكُوْفِيُّ، وَالقَاضِي الكَبِيْرُ جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الهَاشِمِيُّ،
__________
(1) في هامش الأصل: وهو المقطوع.
والخبر في " تذكرة الحفاظ " 2 / 545.
(2) هي كريمة بنت عبد الوهاب بن علي القرشية الزبيرية، محدثة فاضلة. توفيت بدمشق في جمادى الآخرة سنة 641 ه.
(3) الربالي، بفتح الراء والباء وبعد الالف لام: هذه النسبة إلى ربال، وهو جد أبي عمر حفص بن عمرو بن ربال...وهو مترجم في " اللباب " 2 / 14 وقد تحرفت فيه إلى عمر، و" التبصير " 2 / 621.

(12/486)


وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ الجُنْدَيْسَابورِيُّ، وَالفَضْلُ بنُ يَعْقُوْبَ الرُّخَامِيُّ الحَافِظُ، وَالمُحَدِّثُ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الخَصِيبِ، وَالمُحَدِّثُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي الحَارِثِ، وَأَحْمَدُ بنُ عُمَرَ حَمْدَانُ البَزَّازُ، وَآخَرُوْنَ.
نَعَمْ، وَغَسَّلَ ابْنَ الفُرَاتِ رَفِيْقُهُ مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ العَابِدُ، صَاحِبُ ذَلِكَ الجُزْءِ العَالِي.
وفِي آخرِ نُسْخَةِ ابْنِ الفُرَاتِ مِمَّا وَقَعَ زَائِداً عِنْدَ يَحْيَى الثَّقَفِيِّ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ فَارِسٍ: سَمِعْتُ مِنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ: وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ.
كَذَا قَالَ: وَسنَةُ ثَمَانٍ أَصحُّ، وَمَا ذَكَرَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ سِوَاهُ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: أَبُو مَسْعُوْدٍ أَحَدُ الأَئِمَّةِ وَالحُفَّاظِ، صَنَّفَ (المُسْنَدَ) وَالكُتُبَ، وَحدَّثَ بِأَصْبَهَانَ خَمْساً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ قَدِمَ أَصْبَهَانَ قَبْلَ أَنْ يرتحلَ إِلَى العِرَاقِ، فِي أَيَّامِ الحُسَيْنِ بنِ حَفْصٍ.
قُلْتُ: إِنَّمَا ارْتَحَلَ أَوَّلاً إِلَى العِرَاقِ قَبْلَ المائَتَيْنِ، وَلَحِقَ عَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَطبقتَهُ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي (الكَامِلِ): سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ، سَمِعْتُ ابْنَ خِرَاشٍ يَحْلِفُ بِاللهِ إِنَّ أَحْمَدَ بنَ الفُرَاتِ يَكْذبُ مُتَعَمِّداً.
فَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا تحَامُلٌ، وَلاَ أَعْلَمُ لَهُ رِوَايَةً مُنْكرَةً.
قُلْتُ: مَنِ الَّذِي يُصَدِّقُ ابْنَ خِرَاشٍ ذَاكَ الرَّافِضِيُّ فِي قَوْلِهِ (1)؟!
__________
(1) في " ميزان المؤلف " 1 / 128: ذكره ابن عدي فأساء، فإنه ما أبدى شيئا غير أن ابن عقدة روى عن ابن خراش - وفيهما رفض وبدعة - قال: إن ابن الفرات يكذب عمدا، وقال ابن عدي: لا أعرف له رواية منكرة. قلت: فبطل قول ابن خراش.

(12/487)


قَالَ أَبُو صَالِحٍ الجَلاَّبُ: بَلَغَنِي أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ كتبَ عَنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ حَدِيْثَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، (حَدِيْث العَتِيرَةِ (1)).
قَالَ أَبُو نُعَيمٍ: تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ 258، وَغسَّلَهُ مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ.
قُلْتُ:
أَبُوْهُ:

177 - الفُرَاتُ بنُ خَالِدٍ * (بَخ)
يَرْوِي عَنْ: مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَمِسْعَرٍ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ.
رَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَمُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ.
__________
(1) العتيرة: قال أبو عبيد: هي الرجبية ذبيحة كانوا يذبحونها في الجاهلية في رجب يتقربون بها لاصنامهم، وقال غيره: العتيرة نذر كانوا ينذرونه من بلغ ماله كذا أن يذبح من كل عشرة منها رأسا في رجب، وذكر ابن سيده أن العتيرة أن الرجل كان يقول في الجاهلية: إن بلغ إبلي مائة عترت منها عتيرة زاد في " الصحاح ": في رجب، ونقل أبو داود في سننه 3 / 252: تقييدها بالعشر الأول من رجب.
والخبر أورده المؤلف في " الميزان " 2 / 583 من طريق أحمد بن الفرات، حدثنا عبد الرحمن بن قيس، حدثنا حماد بن سلمة عن أبي العشراء الدارمي، عن أبيه: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العتيرة فحسنها.
ثم قال: ورواه أبو داود في غير سننه عن زبنج، عن عبد الرحمن بن قيس.
قال أبو بكر ابن أبي داود: قال أبي: ذكرته لأحمد بن حنبل فاستحسنه، وقال: هذا من حديث الاعراب، أمله علي، قال: فكتبه عني.
قلت: وعبد الرحمن بن قيس هو الضبي الزعفراني كذبه ابن مهدي، وأبو زرعة، وقال البخاري: ذهب حديثه، وقال أحمد: لم يكن بشيء، وصفه الحافظ في " التقريب " بقوله: متروك.
وأبو العشراء مجهول.
وانظر ما ورد في شأن العتيرة وفي مشروعيتها " فتح الباري " 9 / 515، 517 في العقيقة: باب العتيرة.
(*) الجرح والتعديل 7 / 10، تهذيب الكمال: 1093، تذهيب التهذيب 3 / 135 / ب، تهذيب التهذيب 8 / 258، خلاصة تذهيب الكمال: 308.

(12/488)


وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ (1) .
مَاتَ: قَبْلَ المائَتَيْنِ.
رَوَى لَهُ البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ (الأَدبِ).

178 - إِسْحَاقُ بنُ بُهْلُوْلِ بنِ حَسَّان أَبُو يَعْقُوْبَ الأَنْبَارِيُّ *
الحَافِظُ، الثِّقَةُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو يَعْقُوْبَ، التَّنوخِيُّ، الأَنْبَارِيُّ.
مَوْلِدُهُ: بِالأَنْبَارِ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَأَبَا مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرَ، وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ القَطَّانَ، وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ، وَوَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ، وَشُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقَ، وَأَبَا ضَمْرَةَ أَنَسَ بنَ عِيَاضٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بنَ آدَمَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً، وَكَانَ أَحَدَ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ إِسْحَاقَ الأَزْرَقُ حَفِيْدُهُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: صَنَّفَ كِتَاباً فِي القرَاءاتِ، وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ)، وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي الفِقْهِ، وَلَهُ مَذَاهِبٌ اخْتَارهَا، يَعْنِي: أَنَّهُ يَجتهدُ وَلاَ يُقلِّدُ أَحَداً.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً (2) .
__________
(1) " الجرح والتعديل " 7 / 10.
(*) الجرح والتعديل 2 / 214، 215، تاريخ بغداد 6 / 366، 369، الأنساب، ورقة: 49 / ب، تذكرة الحافظ 2 / 518، 519، العبر 2 / 3، الوافي بالوفيات 8 / 408، تاريخ ابن كثير 11 / 11، طبقات الحافظ: 226، شذرات الذهب 2 / 126.
(2) " تاريخ بغداد " 6 / 366 و367، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 518.

(12/489)


قَالَ وَلدُهُ بُهْلُوْلُ بنُ إِسْحَاقَ: اسْتدعَى المُتَوَكِّلُ أَبِي إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى، حَتَّى سَمِعَ مِنْهُ، ثُمَّ أَمَرَ فنُصِبَ لَهُ مِنْبَرٌ، وَحَدَّث فِي الجَامِعِ، وَأَقطعَهُ إِقطَاعاً مَغَلُّهُ (1) فِي العَامِ اثْنَا عَشرَ أَلْفاً، وَوَصَلَهُ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ فِي السَّنَةِ، فَكَانَ يَأْخُذُهَا، وَأَقَامَ إِلَى أَنْ قَدِمَ المستعينُ بَغْدَادَ، فَخَافَ أَبِي مِنَ الأَترَاكِ أَنْ يَكْبِسُوا الأَنْبَارَ، فَانحدرَ إِلَى بَغْدَادَ، وَلَمْ يحمِلْ مَعَهُ كُتُبَهُ، فطَالبَهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ أَنْ يُحَدِّثَ، فَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ مِنْ حِفْظِهِ بِخَمْسِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ، لَمْ يُخْطِئْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا (2) .
رَوَى هَذِهِ القِصَّةَ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ الأَزْرَقُ، عَنْ عَمِّهِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ يَعْقُوْبَ، عَنْ عَمِّهِ بُهْلُوْلٍ.
وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بنِ البُهْلُوْلِ: تذَاكَرْتُ أَنَا وَابْنِ صَاعِدٍ مَا حَدَّثَ بِهِ جَدِّي بِبَغْدَادَ.
فَقُلْتُ لَهُ: قَالَ لي أُنَيْسٌ المُسْتَمْلِي: إِنَّهُ حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفِ حَدِيْثٍ.
فَقَالَ ابْنُ صَاعِدٍ: لاَ يَدْرِي أُنَيْسٌ مَا قَالَ، حَدَّثَ إِسْحَاقُ بنُ البُهْلُوْلِ مِنْ حِفْظِهِ بِبَغْدَادَ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ (3) .
قُلْتُ: كَذَا فَلْيَكُنِ الحِفْظُ، وَإِلاَّ فَلاَ، قَنِعْنَا اليَوْمَ بِالاسْمِ بِلاَ جِسْمٍ، فَلَو رَأَى النَّاسُ فِي وَقْتنَا مَنْ يَرْوِي أَلفَ حَدِيْثٍ بِأَسَانِيْدِهَا حِفْظاً لانْبَهرُوا لَهُ.
مَاتَ إِسْحَاقُ بنُ بُهْلُوْلٍ الحَافِظُ: بِالأَنْبَارِ، فِي ذِي الحِجَّةِ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ قَاربَ التِّسْعِيْنَ.
قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الحَافِظِ بِنَابُلسَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ
__________
(1) في " تاريخ بغداد ": مبلغه، وفي " التذكرة ": ما يغل.
(2) " تاريخ بغداد " 6 / 3368، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 518.
(3) " تاريخ بغداد " 6 / 368، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 518.

(12/490)


البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الفَرَضِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا جَدِّي، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ حَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ قَالَ: نَهَانِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَبِيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدِي (1) .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ، وَيُوْسُفُ الغَسُّوْلِيُّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ بُهْلُوْلٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُوْلِ - صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ - فَلَمْ يَصُمْ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَصُمْهُ، وَمَعَ عُمَر فَلَمْ يَصُمْهُ (2) .
__________
(1) صحيح، وأخرجه أبو داود (3503) والترمذي (1232) والنسائي 7 / 289، وابن ماجة (2187) وابن الجارود في " المنتقى " (602)، وأحمد 3 / 402 و403، والبيهقي 5 / 267 و317 و339، والدارقطني 3 / 9، والطبراني في " الكبير " (3097) و(3098) و(3099) و(3100) و(3101) و(3102) و(3103) و(3104) و(3105). وفي الباب عن عبد الله بن عمرو عند أحمد (6628) و(6671) وأبي داود (3504)، والنسائي 7 / 288، والطيالسي (2257)، وابن ماجة (2188) وسنده حسن.
(2) وأخرجه الترمذي (751) من طريقين عن سفيان بن عيينة، وإسماعيل بن إبراهيم، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه قال: سئل ابن عمر عن صوم يوم عرفة بعرفة، فقال: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم...ورجاله ثقات، وقال الترمذي: حديث حسن.
وأخرجه أحمد 2 / 47 و50 من طريق إسماعيل بن إبراهيم وسفيان بن عيينة، كلاهما عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن ابن عمر.
وأخرجه عبد الرزاق (7829) عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن رجل، عن ابن عمر.
وهو في " المسند " 2 / 73 من طريق عفان، عن شيبة، عن ابن أبي نجيح بهذا الإسناد.

(12/491)


179

- حُنَيْنُ بنُ إِسْحَاقَ * العِبَادِيُّ (1) النَّصْرَانِيُّ
عَلاَّمَةُ وَقْتِهِ فِي الطِّبِّ، وَكَانَ بَارِعاً فِي لُغَةِ اليُونَانِ.
عَرَّبَ كِتَابَ إِقليدسَ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ عِدَّةٌ (2) .
مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَكَانَ ابْنُهُ إِسْحَاقُ بنُ حُنَيْنٍ مِنْ كِبَارِ الأَطبَاءِ أَيْضاً.

180 - المُزَنِيُّ أَبُو إِبْرَاهِيْمَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ يَحْيَى بنِ إِسْمَاعِيْلَ **
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، فَقِيْهُ المِلَّةِ، عَلَمُ الزُّهَّادِ، أَبُو إِبْرَاهِيْمَ، إِسْمَاعِيْلُ بنُ يَحْيَى بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَمْرِو بنِ مُسْلِمٍ، المُزَنِيُّ (3) ، المِصْرِيُّ، تِلْمِيْذُ الشَّافِعِيِّ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ مَوْتِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
(*) الفهرست: 352، طبقات الاطباء لابن أبي أصيبعة 1 / 184، وفيات الأعيان 2 / 217، 218، العبر 2 / 20، أخبار الحكماء: 117، تاريخ حكماء الإسلام: 16، تاريخ ابن كثير 11 / 32، المنتظم 5 / 24.
(1) قال الفيروز أبادي (عبد): والعباد، بالكسر، والفتح غلط، ووهم الجوهري: قبائل شتى اجتمعوا على النصرانية بالحيرة.
(2) منها: " تاريخ العالم والمبدء والانبياء والملوك والامم " إلى زمنه، و" الفصول الابقراطية ".
(* *) الجرح والتعديل 2 / 204، طبقات الفقهاء للشيرازي: 79، طبقات فقهاء الشافعيين للعبادي: 9، وفيات الأعيان 1 / 217، الأنساب، ورقة: 527 / أ، العبر 2 / 28، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 93، 109، اللباب 2 / 205، تاريخ ابن كثير 11 / 36، النجوم الزاهرة 3 / 39، مرآة الجنان 2 / 177، 179، شذرات الذهب 2 / 148، طبقات الشافعية لابن هداية الله: 20، مفتاح السعادة 2 / 158، 159.
(3) المزني، بضم الميم وفتح الزاي وبعدها نون: نسبة إلى مزينة بنت كلب، وهي قبيلة كبيرة مشهورة.

(12/492)


حَدَّثَ عَنْ: الشَّافِعِيِّ، وَعَنْ عَلِيِّ بنِ مَعْبَدِ بنِ شَدَّادٍ، وَنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَغَيْرِهِم.
وَهُوَ قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ رَأْساً فِي الفِقْهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِمَامُ الأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ جَوْصَا، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الفَوَارِسِ بنُ الصَّابُوْنِيِّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ المشَارقَةِ وَالمغَاربَةِ.
وامتلأَتِ البِلاَدُ بـ (مختصَرِهِ) فِي الفِقْهِ، وَشرحَهُ عِدَّةٌ مِنَ الكِبَارِ، بِحَيْثُ يُقَالُ: كَانَتِ البِكْرُ يَكُوْنُ فِي جهَازِهَا نُسْخَةٌ بـ (مُخْتَصرِ) المُزَنِيِّ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ القَوَّاسِ، أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ كِتَابَةً، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، حَدَّثَنَا الفَقِيْهُ أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فَقَدْ انْتَقَلَ فِقْهُهُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فمنهُم: أَبُو إِبْرَاهِيْمَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ يَحْيَى بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَمْرِو بنِ إِسْحَاقَ المُزَنِيُّ، مَاتَ بِمِصْرَ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ: وَكَانَ زَاهَداً، عَالِماً، منَاظراً، مِحْجَاجاً، غَوَّاصاً عَلَى المَعَانِي الدَّقِيقَةِ، صَنَّفَ كُتُباً كَثِيْرَةً: (الجَامِعُ الكَبِيْرُ)، وَ(الجَامِعُ الصَّغِيْرُ)، وَ(المنثَوْرُ) وَ(المَسَائِلُ المعتبرَةِ) وَ(التَّرغيبُ فِي العِلْمِ)، وَكِتَابُ (الوثَائِقِ (1)).
قَالَ الشَّافِعِيُّ: المُزَنِيُّ نَاصرُ مَذْهبِي (2) .
قُلْتُ: بَلَغنَا أَنَّ المُزَنِيَّ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ تبييضِ مَسْأَلَةٍ وَأَودعَهَا
__________
(1) " وفيات الأعيان " 1 / 217، و" طبقات السبكي " 2 / 94.
(2) " وفيات الأعيان " 1 / 217، و" طبقات السبكي " 2 / 94.

(12/493)


مُخْتَصرَهُ صَلَّى للهِ رَكْعَتَيْنِ (1) .
وَرُوِيَ أَنَّ القَاضِي بَكَّارَ بنَ قُتَيْبَةَ قَدِمَ عَلَى قَضَاءِ مِصْرَ، وَكَانَ حَنَفِيّاً، فَاجْتَمَعَ بِالمُزَنِيِّ مَرَّةً، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ منْ أَصْحَابِ بَكَّارٍ، فَقَالَ: قَدْ جَاءَ فِي الأَحَادِيْثِ تَحْرِيْمَ النَّبِيذِ، وَجَاءَ تحليلُهُ، فلِمَ قَدَّمْتُمُ التَّحرِيمَ؟
فَقَالَ المُزَنِيُّ: لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إِلَى تَحْرِيْمِ النَّبِيذِ فِي الجَاهِليَّةِ، ثُمَّ حُلِّلَ لَنَا، وَوقعَ الاَتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حَلاَلاً فحُرِّمَ، فَهَذَا يعضدُ أَحَادِيْثَ التَّحْرِيمِ، فَاسْتحسنَ بَكَّارٌ ذَلِكَ مِنْهُ (2) .
قُلْتُ: وَأَيْضاً فَأَحَادِيْثُ التَّحريمِ كَثِيْرَةٌ صِحَاحٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَحَادِيْثُ الإِباحَةِ.
قَالَ عَمْرُو بنُ تَمِيْمٍ المَكِّيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ التِّرمذيَّ قَالَ: سَمِعْتُ المُزَنِيَّ يَقُوْلُ: لاَ يصحُّ لأَحَدٍ توحيدٌ حَتَّى يعلمَ أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- عَلَى العَرْشِ بصِفَاتِهِ.
قُلْتُ لَهُ: مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ؟
قَالَ: سمِيعٌ، بصيرٌ، عَلِيْمٌ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ شَاذَانَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الكتَانِيَّ، وَسَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عُثْمَانَ المَكِّيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنَ المُتَعَبِّدينَ فِي كَثْرَةِ مَنْ لَقِيْتُ مِنْهُم أَشَدَّ اجْتِهَاداً مِنَ المُزَنِيِّ، وَلاَ أَدومَ عَلَى العِبَادَةِ مِنْهُ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشَدَّ تعَظِيْماً لِلْعلمِ وَأَهلِهِ مِنْهُ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَضْييقاً عَلَى نَفْسِهِ فِي الوَرَعِ، وَأَوْسَعِهُ فِي ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَنَا خُلُقٌ مِنْ أَخْلاَقِ الشَّافِعِيِّ (3) .
قُلْتُ: وَبَلَغَنَا أَنَّ المُزَنِيَّ -رَحِمَهُ اللهُ- كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، ذَا زُهْدٍ
__________
(1) " وفيات الأعيان " 1 / 217، و" طبقات السبكي " 2 / 94.
(2) " وفيات الأعيان " 1 / 218، و" طبقات السبكي " 2 / 95.
(3) " طبقات السبكي " 2 / 94.

(12/494)


وَتَأَلُّهٍ، أَخَذَ عَنْهُ خَلْقٌ مِنَ العُلَمَاءِ، وَبِهِ انتشَرَ مَذْهَبُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الآفَاقِ.
يُقَالُ: كَانَ إِذَا فَاتتْهُ صَلاَةُ الجَمَاعَةِ صَلَّى تِلْكَ الصَّلاَةَ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ مَرَّةً (1) ، وَكَانَ يُغَسِّلُ المَوْتَى تَعَبُّداً وَاحتسَاباً، وَهُوَ القَائِلُ: تعَانَيْتُ غَسْلَ المَوْتَى لِيَرِقَّ قَلْبِي، فَصَارَ لِي عَادَةً (2) ، وَهُوَ الَّذِي غَسَّلَ الشَّافِعِيَّ -رَحِمَهُ اللهُ-.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ مِنَ المُزَنِيِّ وَهُوَ صَدُوْقٌ (3) .
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: ثِقَةٌ، كَانَ يلزمُ الرِّبَاطَ.
تُوُفِّيَ: فِي رَمَضَانَ، لِسِتٍّ بَقِيْنَ مِنْهُ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ تِسْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: وَمِنْ جِلَّةِ تَلاَمِذَتِهِ: العَلاَّمَةُ أَبُو القَاسِمِ عُثْمَانُ بنُ بَشَّارٍ الأَنْمَاطيُّ (4) ، شَيْخُ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَشَيْخُ البَصْرَةِ زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ، وَلَمْ يلِ قَضَاءً، وَكَانَ قَانعاً، شَرِيْفَ النَّفْسِ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَنْبَلِيُّ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ الحَسَنِ بنِ البُنِّ الأَسَدِيُّ سَنَةَ ثَلاَثٍ
__________
(1) " وفيات الأعيان " 1 / 218، و" طبقات السبكي " 2 / 94.
(2) " طبقات السبكي " 2 / 94.
(3) " الجرح والتعديل " 2 / 204.
(4) راجع ترجمته في " تاريخ بغداد " 11 / 292، 293، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 301، 302، و" شذرات الذهب " 2 / 198، و" العبر " 2 / 81، و" مرآة الجنان " 2 / 215، و" وفيات الأعيان " 3 / 241.

(12/495)


وَعِشْرِيْنَ، أَخْبَرَنَا جَدِّي الحُسَيْنُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الشَّافِعِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الفَرَّاءُ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا أَبُو الفَوَارِسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّابُوْنِيُّ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا المُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الوِصَالِ.
فَقِيْلَ: إِنَّكَ تُوَاصلُ.
فَقَالَ: (لَسْتُ مِثْلَكُم، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى (1)).
وبَالإِسْنَادِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَقَالَ: (لاَ تصومُوا حَتَّى تَرَوا الهِلاَلَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُم فَاقدُرُوا لَهُ (2)).
وَبِهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَضَ زَكَاةَ الفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ، صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ شعيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعبدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ المُسْلِمِيْنَ (3) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا.
أَخْبَرْنَا ابْنُ الفَرَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البُنِّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ نَظِيفٍ قَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو الفَوَارِسِ السِّنْدِيُّ: وُلِدَتْ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَأَوَّلُ مَا سَمِعْتُ الحَدِيْثَ وَلِي عشرُ سِنِيْنَ.
قَالَ: وَمَاتَ المُزَنِيُّ سَنَةَ 264، وَتُوُفِّيَ الرَّبِيْعُ سنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ: وَكَانَا رَضِيعينِ، بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ، يَعْنِي: فِي المَوْلِدِ.
__________
(1) إسناده صحيح، وهو في " الموطأ " 1 / 300، والبخاري 4 / 119، ومسلم (1102)، وأبو داود (2360).
(2) هو في " الموطأ " 1 / 286، والبخاري 4 / 102، 104، ومسلم (1080) وأبي داود (2320) والنسائي 4 / 134.
(3) هو في " الموطأ " 1 / 283، والبخاري 3 / 291، ومسلم (984) والترمذي (676) وأبي داود (1611) والنسائي 5 / 48.

(12/496)


قَالَ: وَمَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ أَيْضاً: أَحْمَدُ بنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَيَزِيْدُ بنُ سِنَانٍ.

181 - مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَم أَبُو عَبْدِ اللهِ المِصْرِيُّ * (س)
ابْنِ أَعْيَنَ بنِ لَيْثٍ، الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، المِصْرِيُّ، الفَقِيْهُ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ اللهِ وَهبٍ بعنَايَةِ أَبِيْهِ بِهِ، وَمِنْ أَبِي ضَمْرَةَ اللَّيْثِيِّ، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَأَيُّوْبَ بنِ سُوَيْدٍ، وَبِشْرِ بنِ بَكْرٍ، وَأَشْهَبِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَوَالِدِهِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَشُعَيْبِ بنِ اللَّيْثِ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ بنِ الفُرَاتِ، وَحَرْمَلَةَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَيَحْيَى بنِ سَلاَّمٍ، وَسَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ القُرَشِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ، وَحَجَّاجِ بنِ رِشْدِيْنَ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: النَّسَائِيُّ فِي (سُنَنِهِ)، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ المَكِّيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ علاَّنُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ دَاوُدَ بنِ وَرْدَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ،
__________
(*) الجرح والتعديل 7 / 300، 301، الانتقاء: 113، طبقات الفقهاء للشيرازي: 99، وفيات الأعيان 4 / 193، 195، تهذيب الكمال: 1220، تذهيب التهذيب 3 / 218 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 546، 548، ميزان الاعتدال 3 / 611، 612، العبر 2 / 38، 39، الوافي بالوفيات 3 / 338، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 67، 71، تاريخ ابن كثير 11 / 42، الديباج المذهب: 231، تهذيب التهذيب 9 / 260، 262، النجوم الزاهرة 3 / 44، طبقات الحفاظ: 241، حسن المحاضرة 1 / 124، خلاصة تذهيب الكمال: 345، طبقات المفسرين 2 / 174، 177، مرآة الجنان 2 / 181، شذرات الذهب 2 / 154، مفتاح السعادة 2 / 295، المنتظم 5 / 65.

(12/497)


وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَكَانَ عَالِمَ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ فِي عَصْرِهِ مَعَ المُزَنِيِّ.
وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ، وَقَالَ مَرَّةً: لاَ بَأْسَ بِهِ (1) .
وَقَالَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ: مَا رَأَيْتُ فِي فُقَهَاءِ الإِسْلاَمِ أَعْرَفَ بِأَقَاويلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ (2) .
وَقَالَ: كَانَ أَعْلَمَ مَنْ رَأَيْتُ عَلَى أَديمِ الأَرْضِ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَأَحْفَظَهُم لَهُ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَتعجَّبُ مِمَّنْ يَقُوْلُ فِي المَسَائِلِ: لاَ أَدرِي (3) .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: وَأَمَّا الإِسْنَادُ فَلَمْ يَكُنْ يَحْفَظُهُ (4) ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَكَانَ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ فِيْهِ، فوقعَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البُوَيْطِيِّ وَحشَةٌ فِي مَرَضِ الشَّافِعِيِّ، فَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ السُّكَّرِيُّ صَدِيْقُ الرَّبِيْعِ قَالَ: لَمَّا مَرِضَ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- جَاءَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ ينَازعُ البُوَيْطِيَّ فِي مَجْلِسِ الشَّافِعِيِّ.
فَقَالَ البُوَيْطِيُّ: أَنَا أَحقُّ بِهِ مِنْكَ.
فَجَاءَ الحُمَيْدِيُّ وَكَانَ بِمِصْرَ فَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ أَحَدٌ أَحقَّ بِمَجْلِسِي مِنَ البُوَيْطِيِّ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي أَعْلَمَ مِنْهُ.
فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: كَذَبْتَ.
فَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: كذبتَ أَنْتَ وَأَبُوْكَ وَأَمُّكَ، وَغَضِبَ ابْنُ عَبْدِ
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 2 / 547، و" ميزان الاعتدال " 3 / 611، و" طبقات السبكي " 2 / 68، و" الوافي بالوفيات " 3 / 338.
(2) " تذكرة الحفاظ " 2 / 547، " ميزان الاعتدال " 3 / 611.
(3) " طبقات السبكي " 2 / 68.
(4) " تذكرة الحفاظ " 2 / 547، و" ميزان الاعتدال " 3 / 611، و" طبقات السبكي " 2 / 68.

(12/498)


الحَكَمِ، فَتركَ مَجْلِسَ الشَّافِعِيِّ (1) .
قَالَ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ قَالَ: كَانَ الحُمَيْدِيُّ مَعِي فِي الدَّارِ نَحْواً مِنْ سَنَةٍ، وَأَعْطَانِي كِتَابَ ابْنِ عُيَيْنَةَ، ثُمَّ أَبَوا إِلاَّ أَنْ يُوقِعُوا بَيْنَنَا مَا وَقَعَ (2) .
هذِهِ الحِكَايَةُ رَوَاهَا الحَاكِمُ عَنْ حُسَيْنَكٍ (3) ، عَنِ ابْنِ خُزَيْمَةَ.
وَعَنْ أَبِي إِبْرَاهِيْمَ المُزَنِيِّ قَالَ: نظرَ الشَّافِعِيُّ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَقَدْ رَكِبَ دَابَّتَهُ، فَأَتبعَهُ بصرَهُ وَقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ لِي وَلداً مِثْلَهُ وَعَلَيَّ أَلْفَ دِيْنَارٍ لاَ أَجِدُ قَضَاءهَا (4) .
قَالَ أَبُو الشَّيْخِ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ المَكِّيُّ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ يُصَلِّي الضُّحَى، فَكَانَ كُلَّمَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ سَجَدَ سجدتَينِ، فَسَأَلَهُ مَنْ يَأْنَسُ بِهِ.
فَقَالَ: أَسجدُ شُكْراً للهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيَّ مِنْ صَلاَةِ الرَّكْعَتينِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ ثِقَةٌ صَدُوْقٌ، أَحَدُ فُقَهَاءِ مِصْرَ، مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ (5) .
قُلْتُ: قَدْ تَفَقَّهَ بِمَالِكٍ، وَلزِمَهُ مُدَّةً، وَهُوَ أَيْضاً فِي عِدَادِ أَصْحَابِهِ الكِبَارِ.
__________
(1) " طبقات السبكي " 2 / 68، 69، وسبق الخير في الصفحة: 60 بترجمة يعقوب ابن السكيت.
(2) " طبقات السبكي " 2 / 69.
(3) هو الامام الحافظ أبو أحمد الحسين بن علي بن محمد التميمي النيسابوري، ويعرف بحسينك. وثقه الخطيب، وقال: مات في ربيع الآخر سنة 375 ه. مترجم في " تذكرة الحفاظ " 3 / 968، 969.
(4) " وفيات الأعيان " 4 / 194، و" الوافي بالوفيات " 3 / 339.
(5) " الجرح والتعديل " 7 / 300، 301، و" ميزان الاعتدال " 3 / 611.

(12/499)


أَخبرَنِي عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازيُّ قَالَ: حُمِلَ مُحَمَّدٌ فِي مِحْنَةِ القُرْآنِ إِلَى ابْنِ أَبِي دَاوُدَ، وَلَمْ يُجِبْ إِلَى مَا طُلِبَ مِنْهُ، وَرُدَّ إِلَى مِصْرَ، وَانتهَتْ إِلَيْهِ الرِّئاسَةُ بِمِصْرَ، يَعْنِي: فِي العِلْمِ.
وَذَكَر غَيْرُهُ: أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الحَكَمِ ضُرِبَ، فَهَرَبَ وَاخْتَفَى.
وَقَدْ نَالَتْهُ مِحنَةٌ أُخْرَى صعبَةٌ مَرَّتْ فِي (تَارِيْخنَا الكَبِيْرِ) فِي تَرْجَمَةِ أَخِيْهِ عَبْدِ الحَكَمِ، الرَّجُل الصَّالِح.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: عُذِّبَ عَبْدُ الحَكَمِ فِي السِّجْنِ، وَدُخِّنَ عَلَيْهِ، فَمَاتَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، لِكَوْنِهِ اتُّهِمَ بودَائِعَ لَعَلِيِّ بنِ الجَرَوِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي دُلَيمٍ: لَمْ يَكُنْ فِي الإِخْوَةِ أَفْقَهُ مِنْ عَبْدِ الحَكَمِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ بنِي عَبْدِ الحَكَمِ غَرِمُوا فِي نَوْبَةِ ابْنِ الجَرَوِيِّ أَكْثَرَ مِنْ أَلفِ أَلفِ دِيْنَارٍ، اسْتُصْفِيَتْ أَمْوَالُهُم، وَنُهِبَتْ مَنَازِلُهُم، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ أَطلقهُمُ المُتَوَكِّلُ، وَردَّ إِلَيْهِمُ البَعْضَ، وَسجنَ القَاضِي الأَصَمَّ الَّذِي ظَلَمَهُم، وَحُلِقَتْ لِحْيتُهُ، وضُرِبَ، وَطِيْفَ بِهِ عَلَى حمَارٍ.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ فِي (تَارِيْخِهِ): كَانَ مُحَمَّدٌ هُوَ المُفْتِي بِمِصْرَ فِي أَيَّامِهِ.
قُلْتُ: لَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَةٌ، مِنْهَا: كِتَابٌ فِي (الرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ)، وَكِتَابُ (أَحْكَامِ القُرْآنِ)، وَكِتَابُ (الرَّدِّ عَلَى فُقَهَاءِ العِرَاقِ)، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
وَمَا زَالَ العُلَمَاءُ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً يَرُدُّ بَعْضُهُم عَلَى بَعْضٍ فِي البَحْثِ، وَفِي التَّوَالِيفِ، وَبمثلِ ذَلِكَ يتفَقَّهُ العَالِمُ، وَتتبرهَنُ لَهُ المشكلاَتُ، وَلَكِن فِي زَمَانِنَا قَدْ يُعَاقَبُ الفَقِيْهُ إِذَا اعتنَى بِذَلِكَ لِسُوءِ نِيَّتِهِ، وَلطلبِهِ للظُّهورِ، وَالتَّكَثُّرِ،

(12/500)


فَيَقُوْمُ عَلَيْهِ قضَاةٌ وَأَضدَادٌ، نَسْأَلُ اللهَ حُسْنَ الخَاتمَةِ، وَإِخْلاَصَ العَمَلِ.
وَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ مَعَ عَظَمَتِهِ بِمِصْرَ يَرْكَبُ حُمَيْراً ضَعِيْفاً، وَيتوَاضعُ فِي أَمورِهِ، وَكَانَ أَبُوْهُ كَمَا قُلْنَا مِنْ كِبَارِ الفُقَهَاءِ مِنْ تَلاَمِذَةِ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ مُحَمَّدٌ فِي يَوْمِ الأَرْبعَاءِ، نِصْفَ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ القَاضِي بَكَّارُ بنُ قُتَيْبَةَ.
قُلْتُ: وَلَهُ مُصَنَّفٌ فِي أَدبِ القُضَاةِ مُفِيْدٌ.
أَخْبَرَتْنَا خَدِيْجَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ (1) ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ الفُرَاوِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ الشِّيرَوِيُّ (2) ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، أَخْبَرَنَا أَنَسُ بنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ أَمسَكَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ مِنَ الجُوعِ، فلَمْ تَكُنْ تُطْعِمُهَا، وَلاَ تُرْسِلُهَا، فَتَأَكلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ) (3) .
__________
(1) للذهبي رحمه الله شيخات يزدن على مئتي شيخة.
فممن اسمها خديجة له إحدى عشرة شيخة.
انظر " مشيخته " ورقة: 45 - 47.
(2) بكسر الشين المشددة وسكون الياء وفتح الراء المهملة بعدها واو، نسبة إلى جده شيرويه.
وعبد الغفار هو أبو بكر بن محمد بن الحسين بن علي بن شيرويه.
مترجم في " التبصير " 2 / 822.
(3) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (2243) من طرق عن هشام بهذا الإسناد، وأخرجه عبد الرزاق، ومن طريقه مسلم (2619) وأحمد 2 / 317 عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة. وخشاش الأرض: هوامها وما فيها من الحشرات.
وهو في " المسند " 2 / 261 و269 و457 و467 و479 و501، وابن ماجة (4256) وفي الباب عن ابن عمر عند البخاري 6 / 254 في بدء الخلق، ومسلم (2242) والدارمي 2 / 330، 331.

(12/501)


182 - بَحْر بنُ نَصْرِ بنِ سَابِقٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الخَوْلاَنِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الخَوْلاَنِيّ مَوْلاَهُمُ، المِصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، وَضَمْرَةَ بنِ رَبِيْعَةَ، وَأَيُّوْبَ بنِ سُوَيْدٍ، وَبِشْرِ بنِ بَكْرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيْسَ الشَّافِعِيِّ، وَأَشْهَبَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَابْنُ جَوْصَا، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَسْعُوْد الزَّنْبَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ الزُّبَيْرِيُّ العَكَرِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَهْنَسِيُّ العَطَّارُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ شُعَيْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَسِيْدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ فَضَالَةَ الحِمْصِيُّ الصَّفَّارُ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاهِيْنٍ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ بِلاَلٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو الفَوَارِسِ بنُ السِّنْدِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
وَرَوَى عَنْهُ: النَّسَائِيُّ فِي تَأْلِيْفِهِ لأَحَادِيْثِ مَالِكٍ بِوَاسِطَةٍ، فَرَوَى عَنْ: خَيَّاطِ السُّنَّةِ زَكَرِيَّا، عَنْهُ.
وَثَّقَهُ: ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَغَيرُه (1) .
مَاتَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: مَوْلِدُه
__________
(*) الجرح والتعديل 2 / 419، تهذيب الكمال: 141، تذهيب التهذيب 1 / 80 / 1، العبر 2 / 35، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 110، 112، تهذيب التهذيب 1 / 420، 421، خلاصة تذهيب الكمال: 46، شذرات الذهب 2 / 152.
(1) " الجرح والتعديل " 2 / 419، وممن وثقه أيضا يونس بن عبد الأعلى، وابن خزيمة. انظر " تهذيب التهذيب " 1 / 420، 421.

(12/502)


هُوَ وَالمُزَنِيُّ وَالرَّبِيْعُ المُرَادِيُّ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَمِيْرَةَ (1) ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ البُنِّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو القَاسِمِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ نَظِيْفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الفَوَارِسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّابُوْنِيُّ، حَدَّثَنَا بَحْرُ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلوزغِ: (الفُوَيْسِق) (2) .

183 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُنْقِذِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عِيْسَى الخَوْلاَنِيُّ *
الإِمَامُ، الحُجَّةُ، الخَوْلاَنِيّ، أَبُو إِسْحَاقَ مَوْلاَهُمُ، المِصْرِيّ، العُصْفُرِيُّ.
سَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بنَ وَهْبٍ، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئَ، وَإِدْرِيْسَ بنَ يَحْيَى الزَّاهِدَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَأَبُو الفَوَارِسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّنْدِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: هُوَ ثِقَةٌ، رِضَىً.
__________
(1) هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمرو بن موسى بن عميرة المعمر عز الدين أبو الفداء، وهو شيخ صالح كثير التلاوة، حسن التواضع.
مات في جمادى الآخرة سنة سبع مئة بقاسيون.
(2) صحيح، وأخرجه ابن ماجة (3220) من طريق احمد بن عمرو بن السرح، عن ابن وهب، عن يونس بن يزيد بهذا الإسناد، وأخرجه من طرق عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أحمد 6 / 155 و271 و279، والبخاري 6 / 252 في بدء الخلق: باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومسلم (2239) في السلام: باب استحباب قتل الوزغ.
(*) الأنساب 8 / 468، العبر 2 / 40، تاريخ ابن كثير 11 / 43.

(12/503)


مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا العِمَادُ عَبْدُ الحَافِظِ، وَيُوْسُفُ بنُ غَالِيَةَ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُنْقِذٍ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ يُوْسُفَ، عَنِ ابْنِ المُسَيَّبِ، قَالَ:
قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ أَنْ يَعْتِقَ اللهُ فِيْهِ عَبِيْداً مِنَ النَّارِ مَنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو -عَزَّ وَجَلَّ- ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ المَلاَئِكَةَ (1)).
إِسْنَادُه حَسَنٌ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَجِيْدِ الحَارِثِيُّ، وَحُذَيْفَةُ بنُ غِيَاثٍ الأَصْبَهَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ، وَأَبُو فَرْوَةَ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرُّهَاوِيُّ، وَأَبُو حَمْزَةَ البَغْدَادِيُّ الزَّاهِدُ.

184 - سَعِيْدُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْوَزِيُّ *
المُحَدِّثُ، المُسْنِدُ، أَبُو عُثْمَانَ المَرْوَزِيّ، أَحَدُ الثِّقَاتِ.
حَدَّثَ عَنْ: النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَيَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَشَبَابَةَ، وَرَوْحِ بنِ عُبَادَةَ، وَأَزْهَرَ بنِ سَعْدٍ السَّمَّانِ.
وَعَنْهُ: عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلَّكْ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ الفَقِيْهُ، وَمُحَمَّدُ
__________
(1) وأخرجه مسلم (1348) في الحج: باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، والنسائي 5 / 251، 252 في الحج: باب ما ذكر في يوم عرفة، وابن ماجة (3014) من طرق عن ابن وهب بهذا الإسناد.
(*) لم نقف له على ترجمة في المصادر المتيسرة لنا.

(12/504)


بنُ أَحْمَدَ المَحْبُوْبِيّ (1) ، وَأَهْلُ مَرْوَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ.

185 - العِجْلِيُّ أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الأَوحدُ، الزَّاهِدُ، أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحِ بنِ مُسْلِمٍ العِجْلِيُّ، الكُوْفِيُّ، نَزيلُ مَدينَةِ أَطرَابلسَ المَغْرِبِ، وَهِيَ أَوّلُ مَدَائِنِ المَغْرِبِ، بَينَهَا وَبَيْنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ مَسِيْرَةُ شَهرٍ، ثُمَّ مِنْهَا يَسِيرُ غَرباً إِلَى مَدِيْنَةِ تُونُسَ الَّتِي هِيَ اليَوْمَ قَاعِدَةُ إِقْلِيمِ إِفْرِيْقِيَةَ.
مَوْلِدُهُ: بِالْكُوْفَةِ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ: حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ، وَشَبَابَةَ بنِ سَوَّارٍ، وَأَبِي دَاوُدَ الحَفَرِيِّ، وَيَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، وَأَخِيْهِ؛ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَوَالِدِهِ؛ الإِمَامِ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ المُقْرِئِ، وَعَفَّانَ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، وَسَعِيْدُ بنُ عُثْمَانَ الأَعْنَاقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُطَيْسٍ، وَعُثْمَانُ بنُ حَدِيْدٍ الإِلْبِيْرِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ إِسْحَاقَ.
وَلَمْ أَظفَرْ بِحَدِيْثٍ مِنْ رِوَايَتِه.
__________
(1) قال ابن الأثير في " اللباب " 3 / 173: المحبوبي، بفتح الميم، وسكون الحاء، وضم الباء، الموحدة، وسكون الواو، وفي آخرها باء ثانية: نسبة إلى محبوب، هو جد أبي العباس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي التاجر المروزي راوية كتاب " الجامع " للترمذي.
(*) تاريخ بغداد 4 / 214، 215، تذكرة الحفاظ 2 / 560، 561، العبر 2 / 21، الوافي بالوفيات 7 / 79، تاريخ ابن كثير 11 / 33، طبقات الحفاظ: 242، شذرات الذهب 2 / 141.

(12/505)


وَلَهُ مُصَنَّفٌ مُفِيدٌ فِي (الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ)، طَالَعْتُهُ، وَعلَّقتُ مِنْهُ فَوائِدَ تَدُلُّ عَلَى تَبحُّرِهِ بِالصَّنعَةِ وَسَعَةِ حِفْظِهِ.
وَقَدْ ذُكِرَ لِعَبَّاسِ بنِ مُحَمَّدٍ الدُّوْرِيِّ، فَقَالَ: ذَلِكَ كُنَّا نَعُدُّه مِثْلَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ.
وَمِنْ كَلاَمِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: مَنْ آمَنَ بِرَجْعَةِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ فَرَّ إِلَى المَغْرِبِ لَمَّا ظَهرَ الامْتِحَانُ بِخَلْقِ القُرْآنِ، فَاسْتَوطَنَهَا، وَوُلِدَ لَهُ بِهَا.
وَقَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: لَمْ يَكُنْ لأَبِي الحَسَنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ عِنْدَنَا بِالمَغْرِبِ شَبِيهٌ وَلاَ نَظِيرٌ فِي زَمَانِهِ فِي مَعْرِفَةِ الغَرِيْبِ وَإِتقَانِه، وَفِي زُهْدِه وَوَرَعِه (1) .
وَقَالَ المُؤَرِّخُ العَالِمُ أَبُو العَرَبِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ تَمِيْمٍ القَيْرَوَانِيُّ: سَأَلْتُ مَالِكَ بنَ عِيْسَى العفصيَّ (2) الحَافِظَ: مَنْ أَعلَمُ مَنْ رَأَيْتَ بِالحَدِيْثِ؟
قَالَ: أَمَّا فِي الشُّيُوْخِ فَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ غَانِمٍ الحَافِظُ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُعتبٍ (3) - مَغربِيٌّ ثِقَةٌ - يَقُوْلُ:
سُئِلَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ، فَقَالَ: هُوَ ثِقَةٌ ابْنُ ثِقَةٍ (4) .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا سَكَنَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِأَطرَابلسَ لِلتَفَرُّدِ
__________
(1) تاريخ بغداد 2 / 214.
(2) الخبر في " تاريخ بغداد " 4 / 214.
(3) الخبر في " تاريخ بغداد " 4 / 215، وفيه: احمد بن مغيث.
(4) في " تاريخ بغداد " 4 / 215 زيادة: ابن ثقة.

(12/506)


وَالعِبَادَةِ، وَقَبرُهُ هُنَاكَ عَلَى السَّاحِلِ، وَقَبرُ وَلدِه صَالِحٍ إِلَى جَنْبِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: رحلتُ إِلَى أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، فَمَاتَ قَبْلَ قُدُوْمِي البَصْرَةَ بِيَوْمٍ.
مَاتَ أَحْمَدُ: سنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمَاتَ ابْنُه صَالِحٌ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا الوَلِيْدُ بنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَقَالَ لَهُ: اكتُبْ لِي إِلَى الأَوْزَاعِيِّ يُحَدِّثُنِي.
فَقَالَ: أَمَا إِنِّي أَكْتُبُ لَكَ، وَلاَ أُرَاك تجدُه إِلاَّ مَيِّتاً؛ لأَنِّي رَأَيْتُ رَيْحَانَةً رُفعتْ مِنْ قِبَلِ المَغْرِبِ، وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ مَوتَ الأَوْزَاعِيَّ.
فَأَتَاهُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ.

186 - الوَزْدُوْلِيُّ أَبُو يَعْقُوْبَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى*
الإِمَامُ الكَبِيْرُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو يَعْقُوْبَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى الجُرْجَانِيُّ، العَصَّارُ، الوَزْدُوْلِيُّ، صَاحِبُ (المُسْنَدِ).
سَمِعَ مِنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَآدَمَ بنِ أَبِي إِيَاسٍ، وَمُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الجُرْجَانِيَّانِ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ البَصْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(*) الأنساب، ورقة: 582 / ب، تذكرة الحفاظ 2 / 562، طبقات الحفاظ: 243، شذرات الذهب 2 / 140.

(12/507)


وَكَانَ أَحَدَ الثِّقَاتِ (1) .
مَاتَ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
يَقَعُ حَدِيْثُه فِي (صَحِيْحِ الإِسْمَاعِيْلِيِّ).

187 - قُبَّيْطَةُ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ سُلَيْمَانَ البَصْرِيُّ *
الحَافِظُ، المُتْقِنُ، الإِمَامُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ سُلَيْمَانَ البَصْرِيُّ، نَزيلُ مِصْرَ.
سَمِعَ: أَبَا نُعَيْمٍ، وَأَبَا غَسَّانَ النَّهْدِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ يُوْسُفَ التِّنِّيْسِيَّ، وَأَبَا صَالِحٍ، وَأَقْرَانَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَعِدَّةٌ.
وَوَصَفَه أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ بِالحِفْظِ.
وَقَالَ: مَاتَ بِمِصْرَ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

188 - الحَارِثِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ خَالِدٍ **
المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ خَالِدٍ الحَارِثِيُّ، الكُوْفِيُّ.
سَمِعَ: عَبْدَ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيَّ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَحُسَيْناً الجُعْفِيَّ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ.
__________
(1) " شذرات الذهب " 2 / 140. وقال ابن العماد: قال أبو حاتم: ما رأيت بدمشق أكيس منه.
(*) تذكرة الحفاظ 2 / 572، لسان الميزان 2 / 214، طبقات الحفاظ: 253.
(* *) لم نجد له ترجمة فيما وقفنا عليه من مصادر.

(12/508)


وَعَنْهُ: أَبُو عَوَانَةَ، وَابْنُ عُقْدَةَ، وَابْنُ الأَعْرَابِيِّ، وَالأَصَمُّ، وَعِدَّةٌ.
تُوُفِّيَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

189 - يَحْيَى بنُ عَبْدَكَ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الأَعْظَمِ القَزْوِيْنِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، مُحَدِّثُ قَزْوِيْنَ، أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الأَعْظَمِ القَزْوِيْنِيُّ، عَالِمٌ، مُصَنّفٌ، كَبِيْرُ القَدْرِ، مِنْ نُظَرَاءِ ابْنِ مَاجَهْ، لَكِنَّه أَسنَدُ وَأَسَنُّ.
سَمِعَ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئَ، وَعَفَّانَ، وَالقَعْنَبِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ رَجَاءٍ، وَالحُمَيْدِيَّ، وَحَسَّانَ بنَ حَسَّانٍ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَجَعْفَرُ بنُ إِدْرِيْسَ إِمَامُ الحَرَمِ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَلَمَةَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ: ثِقَةٌ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ القَاضِي وَأَنَا فِي الرَّابِعَةِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ إِدْرِيْسَ القَزْوِيْنِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدَكَ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بنُ حَسَّانٍ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسْمَةَ، إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ إِلَيَّ، أَنَّهُ لاَ يُحِبُّنِي إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُنِي إِلاَّ مُنَافِقٌ.
__________
(*) الجرح والتعديل 9 / 173، العبر 2 / 49، طبقات الحفاظ: 255، شذرات الذهب 2 / 162.

(12/509)


غَرِيْبٌ عَنْ شُعْبَةَ، وَالمَشْهُوْرُ حَدِيْثُ الأَعْمَشِ عَنْ عَدِيٍّ (1) .
فَمَعْنَاهُ: أَنَّ حُبَّ عَلِيٍّ مِنَ الإِيْمَانِ، وَبُغْضَه مِنَ النِّفَاقِ، فَالإِيْمَانُ ذُو شُعَبٍ، وَكَذَلِكَ النِّفَاقُ يَتَشَعَّبُ، فَلاَ يَقُوْلُ عَاقل: إِنَّ مُجَرَّدَ حُبِّهِ يَصيرُ الرَّجُلُ بِهِ مُؤْمِناً مُطلَقاً، وَلاَ بِمُجَرَّدِ بُغضه يصيرُ بِهِ الموحِّد مُنَافِقاً خَالصاً.
فَمَنْ أَحَبّه وَأَبغض أَبَا بَكْرٍ، كَانَ فِي مَنْزِلَة مَنْ أَبغضه، وَأَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ، فَبُغضهُمَا ضَلاَلٌ وَنفَاق، وَحبُّهُمَا هُدَىً وَإِيْمَان، وَالحَدِيْث فَفِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ).

190 - أَبُو حَفْصٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ عَمْرُو بنُ سَلْمٍ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، شَيْخُ خُرَاسَان، أَبُو حَفْصٍ، عَمْرُو بنُ سَلْمٍ، وَقِيْلَ: عُمُر، وَقِيْلَ: عَمْرو بن سَلَمَةَ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، الزَّاهِدُ.
رَوَى عَنْ: حَفْصِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَقِيْهِ.
أَخَذَ عَنْهُ: تِلمِيذُهُ؛ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحِيْرِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ حَمْدَانَ الحَافِظُ، وَحَمْدُوْنُ القَصَّارُ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ:
قَالَ الأُسْتَاذُ أَبُو حَفْصٍ: المَعَاصِي بَرِيدُ الكُفْرِ، كَمَا أَنَّ الحُمَّى بَرِيدُ المَوْتِ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، قَالَ: كَانَ أَبُو حَفْصٍ حَدَّاداً، فَكَانَ غُلاَمُه يَنفخُ عَلَيْهِ الكِيرَ مَرَّةً، فَأَدخَلَ أَبُو حَفْصٍ يَدَهُ، فَأَخْرَجَ الحَدِيدَ مِنَ النَّارِ،
__________
(1) أخرجه مسلم (78) في الايمان، والنسائي 8 / 117 في الايمان: باب علامة المنافق، وابن ماجة (114).
(*) الجرح والتعديل 6 / 235، 236، العبر 2 / 31، طبقات الصوفية: 115، 122، حلية الأولياء 10 / 229، 230، تاريخ ابن كثير 11 / 38، النجوم الزاهرة 3 / 41 و66، مرآة الجنان 2 / 179، صفوة الصفوة 4 / 98، شرح الرسالة القشيرية: 127، شذرات الذهب 2 / 150، المنتظم 5 / 53.

(12/510)


فَغُشِيَ عَلَى الغُلاَمِ، فَتَرَكَ أَبُو حَفْصٍ الحَانُوتَ، وَأَقبَلَ عَلَى أَمرِهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا حَفْصٍ دَخَلَ عَلَى مَريضٍ، فَقَالَ المَرِيضُ: آهِ.
فَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: مِمَّنْ؟
فَسَكَتَ، فَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: مَعَ مَنْ؟
قَالَ: فَكَيْفَ أَقُوْلُ؟
قَالَ: لاَ يَكُنْ أَنِينُك شَكوَىً، وَلاَ سُكُوتُك تَجَلُّداً، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ.
وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ، قَالَ: حَرَسْتُ قَلْبِي عِشْرِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ حَرَسنِي عِشْرِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ وَرَدتْ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ حَالَةٌ صرنَا محروسَيْن جَمِيْعاً.
قيل لأَبِي حَفْصٍ: مَنَ الوَلِيُّ؟
قَالَ: مَنْ أُيِّدَ بِالكَرَامَاتِ، وَغُيِّبَ عَنْهَا.
قَالَ الخُلْدِيُّ (1) : سَمِعْتُ الجُنَيْدَ ذَكرَ أَبَا حَفْصٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ، فَقَالَ صَاحِبٌ لِلْحَلاَّجِ: نَعَمْ يَا أَبَا القَاسِم، كَانَتْ لَهُ حَالٌ إِذَا لبِسَتْه مَكَثَ اليَومَين وَالثَّلاَثَةَ، لاَ يُمْكِنُ أَحَدٌ أَنْ يَنْظُر إِلَيْهِ، فَكَانُوا يَدَعُوْنه حَتَّى يزولَ ذَلِكَ عَنْهُ.
وبلغنِي: أَنَّهُ أَنْفَد فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ بَضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِيْنَارٍ يَفْتَكُّ بِهَا أَسرَى، فَلَمَّا أَمسَى لَمْ يَكُنْ لَهُ عشَاء.
قَالَ المُرتَعِشُ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي حَفْصٍ عَلَى مَرِيْضٍ، فَقَالَ: مَا تَشْتَهِي؟
قَالَ: أَنْ أَبْرَأَ.
فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: احْمِلُوا عَنْهُ.
فَقَامَ مَعَنَا، وَأَصبحنَا نُعَادُ فِي الفُرُشِ.
قَالَ السُّلَمِيُّ: أَبُو حَفْصٍ كَانَ حَدَّاداً، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَظهر طَرِيْقَةَ التصوُّف بِنَيْسَابُوْرَ.
__________
(1) الخلدي، بضم الخاء المعجمة، وسكون اللام، وفي آخرها الدال المهملة: هذه النسبة إلى الخلد، وهي محلة ببغداد.
والخلدي هذا هو جعفر بن محمد بن نصير بن القاسم الخواص الخلدي، أبو محمد، أحد المشايخ الصوفية، صحب الجنيد بن محمد، وانظر سبب تسميته بالخلدي في " الأنساب " 5 / 161.

(12/511)


سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَلِيٍّ، سَمِعْتُ أَبَا عُمْرٍو بنَ عُلْوَانَ، وَسَأَلْتُهُ: هَلْ رَأَيْتَ أَبَا حَفْصٍ عِنْد الجُنَيْد؟
فَقَالَ: كُنْتُ غَائِباً، لَكِنْ سَمِعْتُ الجُنَيْد يَقُوْلُ:
أَقَامَ أَبُو حَفْصٍ عِنْدِي سنَةً مَعَ ثَمَانِيَةٍ، فَكُنْت أُطْعِمُهُم طعَاماً طيباً - وَذكر أَشْيَاءَ مِنَ الثِّيَابِ - فَلَمَّا أَرَادُوا السَّفَر، كَسَوْتُهُم، فَقَالَ لِي: لَوْ جِئْتَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ عَلَّمنَاك السخَاء وَالفُتُوَّةَ.
ثُمَّ قَالَ: عَمَلُك كَانَ فِيْهِ تكلُّفٌ، إِذَا جَاءَ الفُقَرَاء فَكُن مَعَهُم بِلاَ تكلُّف، إِن جُعت جَاعُوا، وَإِن شبِعْت شَبِعُوا.
قَالَ الخُلْدِيُّ: لَمَّا قَالَ أَبُو حَفْصٍ لِلْجنيد: لَو دخلتَ نَيْسَابُوْر علَّمنَاك كَيْفَ الفتوَّة، قِيْلَ لَهُ: مَا الَّذِي رَأَيْتَ مِنْهُ؟
قَالَ: صَيَّرَ أَصْحَابِي مُخَنّثين، كَانَ يتكلَّف لَهُم الأَلوَان، وَإِنَّمَا الفتوَةُ تَرْكُ التَّكلفِ.
وَقِيْلَ: كَانَ فِي خدمَةِ أَبِي حَفْصٍ شَابٌّ يلْزم السُّكُوت، فَسَأَلَهُ الجُنَيْد عَنْهُ، فَقَالَ: هَذَا أَنفقَ عَلَيْنَا مائَة أَلْف، وَاسْتدَان مائَة أَلْف مَا سَأَلَنِي مَسْأَلَةً إجلاَلاً لِي.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الثَّقَفِيُّ: كَانَ أَبُو حَفْصٍ يَقُوْلُ:
من لَمْ يزن أَحْوَاله كُلَّ وَقْتٍ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَمْ يَتَّهِم خواطِره، فَلاَ تَعُدَّه.
وفِي (مُعْجَمِ بَغْدَادَ) لِلسِّلَفِيِّ، قِيْلَ: قَدِمَ وَلدَان لأَبِي حَفْصٍ النَّيْسَابُوْرِيّ، فَحضرَا عِنْد الجُنَيْد، فَسَمِعَا قَوَّالَيْنِ، فَمَاتَا.
فَجَاءَ أَبُوْهُمَا، وَحضر عِنْد القَوَّالَيْنِ، فَسقطَا مَيِّتَيْن.
ابْنُ نُجيد: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الزَّجَّاجِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو حَفْصٍ نورَ الإِسْلاَم فِي وَقْتِه.
وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ: مَا اسْتحقَّ اسْمَ السخَاءِ مَنْ ذَكَرَ العَطَاءَ، وَلاَ لَمَحَهُ بِقَلْبِهِ.

(12/512)


وَعَنْهُ: الكرمُ طَرْحُ الدُّنْيَا لمَنْ (1) يَحْتَاجُ إِلَيْهَا، وَالإِقبالُ عَلَى اللهِ بحَاجتك إِلَيْهِ (2) .
أَحسنُ مَا يتوسَّلُ بِهِ العَبْدُ إِلَى مَوْلاَهُ الافتقَارُ إِلَيْهِ، وَملاَزمَةُ السُّنَّةِ، وَطلبُ القُوْت مِنْ حِلِّهِ.
تُوُفِّيَ الأُسْتَاذُ أَبُو حَفْصٍ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسٍ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -.

191 - الصَّفَّارُ أَبُو يُوْسُفَ يَعْقُوْبُ بنُ اللَّيْثِ السِّجِسْتَانِيُّ *
المَلِكُ، أَبُو يُوْسُفَ، يَعْقُوْبُ بنُ اللَّيْثِ السِّجِسْتَانِيُّ، المُسْتَوْلِي عَلَى خُرَاسَانَ.
قِيْلَ: كَانَ هُوَ وَأَخُوْهُ عَمْرو بن اللَّيْثِ يَعْمَلاَن فِي النُّحَاسِ، فَتَزَهَّدَا، وَجَاهدَا مَعَ صَالِحٍ المُطَّوِّعِيِّ المُحَارِب لِلْخوَارج (3) .
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ (4) : غَلَب صَالِحٌ عَلَى سِجِسْتَانَ، ثُمَّ اسْتنقذهَا مِنْهُ طَاهِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، فَظَهَرَ بِهَا دِرْهَمُ بنُ حُسَيْنٍ المُطَّوِّعِيُّ، فَاسْتولَى أَيْضاً عَلَيْهَا، وَجَعَلَ يَعْقُوْبَ بنَ اللَّيْثِ قَائِدَ عَسكرِهِ، ثُمَّ رَأَى أَصْحَابُ دِرْهَم عَجْزَه، فملَّكُوا يَعْقُوْبَ لحُسنِ سيَاسته، فَأَذعن لَهُم دِرْهَم، وَاشتهرتْ صولَةُ
__________
(1) في الأصل: لن.
والمثبت من " طبقات الصوفية ": 119، و" حلية الأولياء " 10 / 230 و" شرح الرسالة القشيرية " 1 / 127.
(2) في الأصل: التي.
والمثبت من " طبقات الصوفية ": 119.
(*) تاريخ الطبري: الجزء التاسع، الكامل لابن الأثير 7 / 184، 185 و191، 195...، وفيات الأعيان 6 / 402، 432، العبر 2 / 19 و24 و32، تاريخ ابن كثير 11 / 39، النجوم الزاهرة 3 / 35 وما بعدها، مرآة الجنان 2 / 180، شذرات الذهب 2 / 150، 151، المنتظم 5 / 56.
(3) انظر " الكامل " لابن الأثير 7 / 184، و" وفيات الأعيان " 6 / 402.
(4) انظر " الكامل " لابن الأثير 7 / 184، 185.

(12/513)


يَعْقُوْب، وَغَلَبه عَلَى هَرَاة وَبُوْشَنْج، وَحَارَبَ التُّرْكَ، وَظفر برُتْبِيْلَ، فَقَتَلَهُ، وَقُتِلَ ثَلاَثَة مُلُوْك، وَرَجَعَ مَعَهُ أُلوف مِنَ الرُّؤُوس، فَهَابته المُلُوْكُ.
وَكَانَ بِوَجْهِهِ ضربَةُ سَيْف مُخَيَّطَة.
بعثَ هديَةً إِلَى المُعْتَزّ، مِنْهَا مَسْجِد فِضَّة يسعُ خَمْسَةَ عَشَرَ نَفْساً، يُحمل عل قِطَارِ جمَالٍ، ثُمَّ إِنَّهُ حَارب مُتَوَلِّي فَارِس، وَنُصِر عَلَيْهِ، وَقَتَلَ رِجَالَه.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ الصُّلَحَاءُ يُنْكِرُوْنَ عَلَيْهِ تسرُّعَه فِي الدِّمَاء، وَحَاصَرَهُم، وَأَخَذَ شِيرَاز، فَأَمَّنهُم، وَأَخَذَ مِنْ مُتَوَلِّيهَا أَرْبَع مائَة بَدْرَة، وَعَذَّبَه، وَرُدَّ إِلَى سِجِسْتَانَ، فَجَبَى الأَمْوَالَ.
وَكَانَ يَحْمِلَ إِلَى المُعْتَمِد فِي العَام خَمْسَةَ آلاَفِ أَلفِ دِرْهَمٍ.
وَقنِع المُعْتَمِد بِمدَارَاته.
ثُمَّ أَخذ بَلخ وَنَيْسَابُوْر، وَأَسَرَ مُتَوَلِّيهَا ابْنَ طَاهِرٍ فِي سِتِّيْنَ نَفْساً مِنْ آله، وَقصد جُرْجَان، فَهَزم المُتَغَلِّب عَلَيْهَا الحَسَنَ بنَ زَيْدٍ العَلَوِيَّ، وَغنِم مِنْهُ ثَلاَث مائَة حَمْلِ مَالٍ، وَأَخَذَ آمُلَ، ثُمَّ التقَاهُ العَلَوِيُّ، فَهَزم يَعْقُوْبَ، ثُمَّ دَخَلَ جُرْجَان، فَظلم وَعَسَف، فَجَاءت زلزلَةٌ قتلت مِنْ جُنْده أَلفين.
وَاستغَاث جَمَاعَةٌ جُرجَانيون بِبَغْدَادَ مَنْ يَعْقُوْب، فعزَم المُعتمدُ عَلَى حَرْبِهِ، وَنَفَّذَ كُتباً إِلَى أَعْيَانِ خُرَاسَانَ بذمِّ يَعْقُوْب، وَبأَن يهتمُّوا لاستِئصَاله، فَكَاتَبَ المعتمدَ يخضَعُ وَيُرَاوِغُ، وَيطلبُ التقليدَ بتولِّيه المَشْرِق، فَفَعَل المعتمدُ ذَاكَ وَأَخُوْهُ الموفّق لاشْتِغَالهُم بِحَرب الزَّنْجِ.
وَأَقبلَ يَعْقُوْبُ ليملِكَ العِرَاقَ، وَبرز المعتمدُ، فَالتَقَى الجمعَان بدير العَاقول (1) ، وَكشف الموفقُ الخوذَة، وَحملَ، وَقَالَ: أَنَا الغُلاَمُ الهَاشِمِيُّ.
__________
(1) وهو بين مدائن كسرى والنعمانية، على شاطئ دجلة.

(12/514)


وَكَثُرت القَتْلَى، فَانهزم يَعْقُوْبُ، وَجُرح أُمَرَاؤُهُ، وَذَهبتْ خزَائِنُه، وَغرِق مِنْهُم خلقٌ فِي نهرٍ (1) .
وَقَالَ أَبُو السَّاجِ (2) لِيَعْقُوْبَ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ (3) شَيْئاً مِنْ تَدبِير الحَرْبِ، فَكَيْفَ غَلبتَ النَّاسَ؟ فَإِنَّك تركتَ ثِقَلَكَ وَأُسرَاءك أَمَامك، وَقصدتَ بَلَداً عَلَى جهلٍ مِنْكَ بِأَنهَاره وَمخَائِضه (4) ، وَأَسرعتَ، وَأَحْوَالُ جُنْدك مختلَّةٌ؟
قَالَ: لَمْ أَظن أَنِّي مُحَارِبٍ، وَلَمْ أَشكَّ فِي الظفر.
قَالَ أَبُو الفَرَجِ الأَصْبَهَانِيُّ: لَمْ تزل كتبُ يَعْقُوْب تصل إِلَى المُعتمد بِالمرَاوَغَة، وَيَقُوْلُ: عرفتُ أَنَّ نهوضَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ ليشرفنِي وَيتلقَّانِي.
وَالمعتمدُ يَبْعَثُ يحثُّه عَلَى الانْصِرَاف. فَمَا نَفَعَ. ثُمَّ عبَّأَ المعتمدُ جُيُوْشَه، وَشقُّوا المِيَاهَ عَلَى الطّرق، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَب كسرتهم، وَتَوَهَّمَ النَّاسُ أَنَّ انهزَامه مكيدَةٌ فَمَا تَبِعُوهُ، وَخَلُص ابْنُ طَاهِرٍ، فَجَاءَ فِي قيدهِ إِلَى بَيْنَ يَدِي المُعْتَمِد، وَكَانَ بَعْضُ جُيُوْش يَعْقُوْب نصَارَى، وَكَانَ المَصَافُّ فِي رَجَبٍ، سنَة 262، فَذَهَبَ يَعْقُوْبُ إِلَى وَاسِطَ، ثُمَّ إِلَى تُسْتَرَ، فَأَخَذَهَا، وَترَاجع جَيْشُه، وَعظُمت وَطأَته، وَكَادَ أَنْ يملكَ الدُّنْيَا، ثُمَّ كَانَ مَوْتهُ بِالقُوْلَنْجِ، وَوُصفت لَهُ حُقْنَةٌ، فَأَبَى، وَتَلِفَ بَعْدَ أُسْبُوْعَيْنِ، وَكَانَ المُعْتَمِد قَدْ بعثَ إِلَيْهِ رَسُوْلاً يترضَّاهُ، وَيتَأَلَّفه، وَكَانَ العَلَوِيُّ صَاحِبُ جُرْجَان يُسَمِّيه: يَعْقُوْب السندَان مِنْ ثبَاته.
وَقَلَّ أَنْ رُئِيَ مُتَبَسِّماً.
مَاتَ: بِجُنْديسَابُوْرَ، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
أَخُوْهُ:
صَاحِبُ خُرَسَانَ:
__________
(1) راجع خبر الحرب بين الموفق والصفار في " الكامل " لابن الأثير 7 / 290.
(2) " وفيات الأعيان " 6 / 415.
وفيه: وأبو الساج هو داود بن دوست الذي تنسب إليه الاجناد الساجية ببغداد.
(3) في " الوفيات ": معك.
(4) في " وفيات لااعيان " وقصدت بلدا على قلة المعرفة منك به وبمغايصه وأنهاره.

(12/515)


192 - عَمْرُو بنُ اللَّيْثِ الصَّفَّارُ *
قِيْلَ: كَانَ ضرَّاباً فِي الصُّفْر.
وَقِيْلَ: بَلْ مكَارِي حمير، فَآل بِهِ الحَال إِلَى السّلطنَة.
تَمَلَّكَ بَعْد أَخِيْهِ، وَأَحسن السيَاسَة، وَعدلَ، وَعظُمَتْ دُوله، وَأَطَاع الخَلِيْفَةَ.
كَانَ يُنْفِقُ كُلّ ثَلاَثَة أَشْهُر فِي جَيْشِهِ، فَيحضر بِنَفْسِهِ عِنْد عَارض الجَيْش، وَالأَمْوَال كُدوس، فَأَوّلُ مَا يُنَادِي النَّقيب عَمْرو بن اللَّيْثِ، فيُقَدِّم فرسَه إِلَى العَارض بعدَّتهَا، فيتفقدهَا، ثُمَّ يزنُ لَهُ ثَلاَث مائَة دِرْهَمٍ، وَيضعُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فيضعهَا فِي خُفِّه، وَيَقُوْلُ: الْحَمد الله الَّذِي وَفَّقنِي لطَاعَةِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، حَتَّى اسْتوجَبْتُ العَطَاء.
فَيَكُوْن لمَنْ يقلِّعه خفّه.
ثُمَّ يُدعَى بَعْدَهُ بِالأُمَرَاء وَبِخُيُولِهِم وَعُددهم، فَمَنْ أَخلَّ بِشَيْءٍ، مُنع رِزْقُهُ (1) .
وَقِيْلَ: كَانَ فِي خدمَة زَوجته أَلف وَسَبْع مائَة جَارِيَة.
ثُمَّ بَغَى عَمْرٌو عَلَى وَالِي سَمَرْقَنْد إِسْمَاعِيْل بن أَحْمَدَ بنِ أَسَد، وَقصدهُ، فَخضع لَهُ، وَقَالَ: أَنَا فِي ثغرٍ قَدْ قَنعت بِهِ، وَأَنْت مَعَكَ الدُّنْيَا، فدعْنِي، فَمَا تَركه، فَبَادر إِسْمَاعِيْل فِي الشِّتَاء، وَدَهَمَ عَمْراً، فَخَارت قوَاهُ، وَشرع فِي الهَزِيْمَة، فَأَسروهُ.
قَالَ نِفْطَوَيْه: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ: أَنَّ السَّبَب فِي انهزَام عَمْرٍو مِنْ بلْخ أَنَّ أَهلهَا مَلُّوا مِنْ جُنْده وَمِن ظلمهِم، وَأَقبلَ إِسْمَاعِيْلُ، فَأَخَذَ أَصْحَابُ عَمْروِ بن اللَّيْثِ فِي الهَزِيْمَة، فَرَكبَتْ عَسَاكِرُ إِسْمَاعِيْل ظهورَهُم، وَتَوَحَّلَتْ بِعَمْروٍ
__________
(*) تاريخ الطبري: الجزء التاسع، الكامل لابن الأثير: الجزء السابع، وفيات الأعيان 6 / 415، النجوم الزاهرة 3 / 40 وما بعدها.
(1) الخبر مطولا في " وفيات الأعيان " 6 / 421.

(12/516)


دَابَّتُه، فَأُسِرَ، فَأُتِي بِهِ إِسْمَاعِيْلُ، فَاعْتَنَقَهُ، وَخَدَمَهُ، وَقَالَ: مَا أَحْبَبْتُ أَنْ يَجرِي هَذَا، ثُمَّ بَالغ فِي احترَامِه، فَقَالَ: احلفْ لِي وَلاَ تُسلمنِي.
فحلفَ لَهُ، لَكِن جَاءَ رَسُوْلُ الْمُعْتَضد بِالخَلْع وَالتقليد لإِسْمَاعِيْل، وَيطلب عَمْراً، فَقَالَ: أَخَاف أَنْ يخرج عَلَيْكُم عَسْكَرٌ يُخلِّصونه، فجَمِيْع عَسَاكِرِ البِلاَدِ فِي طَاعَتِهِ.
لَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ وَمَا كَنَّانِي، بَلْ قَالَ: يَا ابْنَ أَحْمَد، وَاللهِ لَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَعملَ جِسْراً عَلَى نهر بلْخ مِنْ ذَهَبٍ لفعلتُ، وَصِرتُ إِلَيْك حَتَّى آخُذَك.
فكَتَبْتُ إِلَيْهِ: الله بَيْنِي وَبَيْنك، وَأَنَا رَجُل ثَغْرِيٌّ مُصَافٌّ لِلتُّرْكِ، لباسِي الكُردوائِي الْغَلِيظ، وَرِجَالِي خُشْر (1) بِغَيْر رِزْق، وَقَدْ بغيتَ عليَّ، ثُمَّ سَلَّمَهُ إِلَى الرَّسُوْلِ، وَقَالَ: إِنْ حَاربكُم أَحَدٌ لأَجله، فَاذبحوهُ.
فَبقِي يَصُوْمُ وَيَبْكِي، وَيخرج رَأْسه مِنَ العَمَارِيَّةِ، وَيَقُوْلُ لِلنَّاسِ: يَا سَادتِي، ادعُوا لِي بِالفَرَجِ.
فَأُدخل بَغْدَاد عَلَى بُختِيٍّ عَلَيْهِ جُبَّةُ دِيبَاج، وَبُرنُس السُّخطِ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ الْمُعْتَضد: هَذَا بَيْعَتُك يَا عَمْرٍو!
ثُمَّ اعتَقَلَه، فَقَتَلَهُ القَاسِمُ بنُ عبيد الله الوَزِيْرُ يَوْم مَوْتِ الْمُعْتَضد سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) .
وَكَانَ دولتُه نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
حَكَى القُشَيْرِيُّ: أَن عَمْرو بن اللَّيْثِ رُئِيَ، فَقِيْلَ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: أَشرفْتُ يَوْماً مِنْ جبل عَلَى جُيُوْشِي، فَأَعجبنِي كثرتُهُم، فَتمنيتُ أَننِي كُنْتُ حضَرتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنصرتُه وَأَعنته، فَشكر اللهُ لِي، وَغَفَر لِي.
__________
(1) أي: دون ورذالة وسفلة لا غناء فيهم.
(2) وانظر " الكامل " لابن الأثير 7 / 500 - 502 و516.

(12/517)


193 - ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الأُمَوِيُّ *
قَاضِي القُضَاة، أَبُو مُحَمَّدٍ، الحَسَنُ بنُ المُحَدِّثِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي الشَّوَارِبِ الأُمَوِيُّ، أَحَد العُلَمَاء الأَجْوَاد الممدَّحين.
وَلِيَ قَضَاءَ المعتمدِ، وَقَدْ نَاب فِي قَضَاء سَامَرَّاء سنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَكَانَ يُضْرَبُ بسخَائِه المَثَلُ، وَهُوَ مِنْ بَيْت رِئاسَةٍ وَإِمْرَة وَعلم، فَجَدُّهُم عَتَّابُ بنُ أَسِيْدٍ مُتَوَلِّي مَكَّةَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَعَنْ صَالِحِ بن دَرَّاجٍ الكَاتِبِ، قَالَ: كَانَ المُعْتَزّ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْضَلَ مِنَ الحَسَن بن أَبِي الشَّوَارِبِ، وَلاَ أَحسنَ وَفَاءً، مَا حَدَّثَنِي قَطُّ فَكَذَبَنِي، وَلاَ ائْتمَنْتُهُ عَلَى سرٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَخَانَنِي.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ (1) : مَاتَ بِمَكَّةَ، بَعْد قَضَاءِ حَجِّه، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: عَاشَ أَرْبَعاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
يَرْوِي عَنْ نَحْوِ: سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، وَأَبِي الوَلِيْدِ.
لَمْ يَقَعْ لَنَا مِنْ رِوَايَتِه.
فَأَمَّا أَخُوْهُ قَاضِي القُضَاةِ؛ أَبُو الحَسَنِ، عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ (2) ، فَبَقِيَ إِلَى سَنَةِ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
__________
(*) الأنساب 7 / 401، اللباب 2 / 213، العبر 2 / 22، تاريخ ابن كثير 11 / 33، النجوم الزاهرة 3 / 34، شذرات الذهب 2 / 142، 143، المنتظم 5 / 27.
(1) " تاريخ الطبري " 9 / 515.
(2) مترجم في " العبر " للمؤلف 2 / 71.

(12/518)


194 - جَِلْوَانُ بنُ سَمُرَةَ بنِ مَاهَانَ بنِ خَاقَانَ أَبُو الطَّيِّبِ الأُمَوِيُّ *
ابْنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو الطَّيِّبِ الأُمَوِيُّ، البُخَارِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئَ، وَالقَعْنَبِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ حَفْصٍ الفَقِيْهَ، وَسَعِيْدَ بنَ مَنْصُوْرٍ، وَأَبَا مُقَاتِلٍ النَّحْوِيَّ، وَعِدَّةً.
رَوَى عَنْهُ: سَهْلُ بنُ شَاذَوَيْه، وَحُسَيْن بن مُحَمَّدِ بنِ قُرَيْش، وَغَيْرهُمَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: جِلْوَانُ بِكَسْرِ الجِيْمِ.
وَقَالَ ابْنُ مَاكُوْلاَ (1) : بَلْ بِفَتْحِهَا.
وَكَذَلِكَ فَتحه جَعْفَرٌ المُسْتَغْفِرِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ غُنْجَارُ (2) .
وَمِنْ ذُرِّيَتِه أَحْمَدُ بنُ حُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ جُنَيْدِ بنِ جِلْوَانَ الأُمَوِيُّ (3) .

195 - حَاتِمُ بنُ اللَّيْثِ أَبُو الفَضْلِ البَغْدَادِيُّ الجَوْهَرِيُّ **
الحَافِظُ، المُكْثِرُ، الثِّقَةُ (4) ، أَبُو الفَضْلِ البَغْدَادِيُّ، الجَوْهَرِيُّ.
سَمِعَ: عُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَحُسَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ المَرُّوْذِيَّ، وَطَبَقَتَهُمَا.
__________
(*) الإكمال 2 / 117، المشتبه 1 / 245، التبصير 1 / 451.
(1) " الإكمال " 2 / 117.
(2) والذهبي في " المشتبة " 1 / 245، وابن حجر في " التبصير " 1 / 451.
(3) راجع " الإكمال " 2 / 117.
(* *) تاريخ بغداد 8 / 245، 246.
(4) قال الخطيب البغدادي في " تاريخه " 58 / 245: كان ثقة ثبتا متقنا حافظا.

(12/519)


وَعَنْهُ: أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغَنْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

196 - حَاجِبُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ بَسَّامٍ أَبُو سَعِيْدٍ المَنْبِجِيُّ * (س)
الحَافِظُ، الرَّحَّالُ، أَبُو سَعِيْدٍ المَنْبِجِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: وَكِيْعٍ، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: النَّسَائِيُّ - وَوَثَّقَهُ (1) - وَأَبُو عَرُوْبَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ أَخِي الإِمَامِ، وَعِدَّةٌ.
مَاتَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

197 - الفَارِسِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ سَعِيْدٍ **
الشَّيْخُ، العَالِمُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ سَعِيْدٍ الفَارِسِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، البَزَّازُ، شَيْخٌ، صَدُوْقٌ، مُعَمَّرٌ، مِنْ أَقَارِبِ سَعْدَانَ بنِ نَصْرٍ.
سَمِعَ مِنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَمُعَمَّرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَدَمِيُّ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(*) الجرح والتعديل 3 / 285، الأنساب، ورقة: 542 / ب، تهذيب الكمال: 214، تذهيب التهذيب 1 / 113 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 429، تهذيب التهذيب 2 / 132، 133، خلاصة تذهيب الكمال: 66.
(1) " تهذيب التهذيب " 2 / 132 وفيه: وقال النسائي في موضع آخر: لا بأس به. وذكره ابن حبان في " الثقات ".
وقال مسلمة بن قاسم: صالح يكتب حديثه.
(* *) الجرح والتعديل 3 / 16.

(12/520)


قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: هُوَ صَدُوْقٌ، أَتَينَاهُ فَلَمْ نُصَادِفْهُ (1) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ: كَانَ يُعرفُ بِابْنِ البُسْتَنْبَانِ.
مَاتَ: فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَمِنْهُم مَن سَمَّاهُ الحُسَيْنَ.
وَيَرْوِي أَيْضاً عَنْهُ: أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَعِنْدَهُ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَأَبِي بَدْرٍ السَّكُوْنِيِّ.

198 - عَطِيَّةُ بنُ الإِمَامِ بَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ الحِمْصِيُّ *
مُكثرٌ عَنْ وَالِدِه، وَمَا عَلمتُ لَهُ شَيْئاً عَنْ غَيْرِه.
وَكَانَ شَيْخاً، مُحَدِّثاً، لَيْسَ بِالمَاهرِ، بَلْ طَالَ عُمُرُهُ، وَتَفَرَّدَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عِمْرَانَ الأَصْبَهَانِيُّ، وَعُبَيْدُ بنُ أَحْمَدَ الصَّفَّارُ الحِمْصِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ هَارُوْنَ البُخَارِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَتْ فِيْهِ غَفلَةٌ، وَمَحَلُّهُ الصِّدْقُ (2) .
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعتُه يَقُوْلُ: أَنَا عَطِيَّةُ بنُ بَقِيَّة، وَأَحَادِيْثِي نَقِيَّة، فَإِذَا مَاتَ عَطِيَّةُ، ذَهَبَ حَدِيْثُ بَقِيَّةَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
__________
(1) " الجرح والتعديل " 2 / 16.
(*) الجرح والتعديل 6 / 381، لسان الميزان 4 / 175.
(2) " الجرح والتعديل " 6 / 381.

(12/521)


أَخْبَرْنَا ابْنُ اليُوْنِيْنِيِّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ صَبَّاحٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا الخِلَعِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ النَّحَّاسِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ دُرَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بِمَكَّةَ، سَمِعْتُ عَطِيَّةَ يَقُوْلُ:
يَا عَطِيَّةَ بنَ بَقِيَّه ... كَأنْ قَدْ أتَتْكَ المَنِيَّه
بُكْرَةً أَوْ عَشِيَّه ...
فَتَفَكَّرْ وَتَذَكَّرْ ... وَتَجَنَّبِ الخَطِيَّه
وَاذْكُرِ اللهَ بِتَقْوَىً ... وَاتْبِعِ القَوْلَ بِنِيَّه
وَأَبِي شَيْخُ البَرِيَّة ... فَاكْتُبُوا عَنِّي بَنِيَّه
فِي قَرَاطِيْسَ نَقِيَّه ...

199 - الدُّوْرِيُّ أَبُو الفَضْلِ عَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَاتِمٍ * (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، النَّاقِدُ، أَبُو الفَضْلِ، عَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَاتِمِ بنِ وَاقِدٍ، الدُّوْرِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، أَحَدُ الأَثبَاتِ المُصنِّفِينَ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ: حُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ الجُعْفِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ بِشْرٍ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ، وَأَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ بنَ عَطَاءٍ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي بُكَيْرٍ، وَشَبَابَةَ بنَ سَوَّارٍ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَهَاشِمَ بنَ القَاسِمِ، وَيَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَعَفَّانَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
__________
(*) الجرح والتعديل 6 / 216، تاريخ بغداد 1 / 144، 146، طبقات الحنابلة 1 / 236، 239، الأنساب 5 / 400، تهذيب الكمال: 660، تذهيب التهذيب 2 / 127 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 579، 580، تهذيب التهذيب 5 / 129، 130، طبقات الحفاظ: 257، خلاصة تذهيب الكمال: 189، 190، شذرات الذهب 2 / 161.

(12/522)


وَلاَزمَ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَتَخرَّجَ بِهِ، وَسَأَلَهُ عَنِ (الرِّجَالِ)، وَهُوَ فِي مُجَلَّدٍ كَبِيْرٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَرْبَابُ السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ.
وَوَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ.
وَمِنَ الرُّوَاةِ عَنْهُ: ابْنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ البَخْتَرِيِّ (1) ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَحَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الدِّهْقَانِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَخَلْقٌ.
قَالَ الأَصَمُّ: لَمْ أَرَ فِي مَشَايِخِي أَحسنَ حَدِيْثاً مِنْهُ.
قُلْتُ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بحُسْنِ الحَدِيْث الإِتْقَان، أَوْ أَنَّهُ يَتَّبعُ المُتُوْنَ المَلِيْحَةَ، فَيَرويهَا، أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ عُلُوَّ الإِسْنَاد، أَوْ نظَافَةَ الإِسْنَاد، وَتَرْكَهُ رِوَايَةَ الشَّاذِّ وَالمُنْكَرِ، وَالمَنْسُوْخِ وَنَحْو ذَلِكَ.
فَهَذِهِ أُمُورٌ تَقْضِي لِلْمُحَدِّث إِذَا لاَزمهَا أَنْ يُقَالَ: مَا أَحسنَ حَدِيْثه!
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ: سَمِعْتُ عَبَّاساً الدُّوْرِيَّ، يَقُوْلُ:
كَتَبَ لِي يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ إِلَى أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ كِتَاباً، فَقَالاَ فِيْهِ: إِنَّ هَذَا فَتَىً يَطْلُبُ الحَدِيْثَ، وَمَا قَالاَ: مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ.
قُلْتُ: كَانَ مُبْتَدِئاً، لَهُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ إِنَّهُ صَارَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ، ثُمَّ صَارَ مِنْ حُفَّاظِ وَقْتِه.
وَقَدْ عَاشَ الدُّوْرِيُّ بَعْد رَفِيقه وَنَظِيْره أَبِي بَكْرٍ الصَّاغَانِي سنَةً وَاحِدَة.
__________
(1) البختري، بالباء المنقوطة من تحتها بنقطة، والخاء المنقوطة الساكنة، وبعدها التاء المفتوحة المنقوطة بنقطتين، بعدها راء مهملة. وقال السمعاني وهذا اسم يشبه النسبة.
وأبو جعفر البختري هو محمد بن عمرو: محدث بغدادي. وثقه الخطيب البغدادي. توفي سنة 339 ه.
مترجم في " الأنساب " للسمعاني 2 / 101، 102، و" تاريخ بغداد " 3 / 132.

(12/523)


تُوُفِّيَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَفِيْهَا مَاتَ: مُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ القَزَّازُ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَمَّادٍ الطِّهْرَانِيُّ، وَكُرْبَزَانُ الحَارِثِيُّ (1) ، وَيُوْسُفُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ الدُّوْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا).
قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟
قَالَ: (هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالفِتَنُ، وَبِهَا -أَوْ قَالَ: مِنْهَا- يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ) (2) .

200 - كَيْلَجَةُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ البَغْدَادِيُّ، الأَنْمَاطِيُّ، كَيْلَجَةُ، مُحَدِّثٌ، جَوَّالٌ.
سَمِعَ: عَفَّانَ بنَ مُسْلِمٍ، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَمُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبَا الوَلِيْدِ، وَطَبَقَتَهُم.
__________
(1) هو عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي الكربزاني.
" التبصير " 3 / 1215.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 2 / 432 في الاستسقاء: باب ما قيل في الزلازل والآيات، من طريق محمد بن المثنى، عن حسين بن الحسن، و13 / 39 في الفتن: باب الفتنة من قبل المشرق من طريق علي بن عبد الله، عن أزهر بن سعد السمان، كلاهما عن ابن عون بهذا الإسناد.
(*) تاريخ بغداد 4 / 203، 204، تهذيب الكمال: 1210، تذهيب التهذيب 3 / 213 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 607، 608، العقد الثمين 2 / 27، 28، تهذيب التهذيب 9 / 226، 227، طبقات الحفاظ: 264، خلاصة تذهيب الكمال: 341، شذرات الذهب 2 / 161.

(12/524)


رَوَى عَنْهُ: القَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ الخَطِيْبُ (1) : كَانَ حَافِظاً، مُتْقِناً، ثِقَةً.
وَذَكَرَهُ: أَبُو دَاوُدَ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ.
وَقَدْ سَمَّاهُ مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ مَرَّةً: أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: بَغْدَادِيٌّ، ثِقَةٌ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَذَلِكَ، وَزَادَ، فَقَالَ: وَيُقَالُ: اسْمُهُ مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: بَلْ هُوَ مُحَمَّدٌ بِلاَ شَكٍّ.
قَالَ أَبُو الحَجَّاجِ القُضَاعِيُّ: رَوَى النَّسَائِيُّ حَدِيْثاً عَنْ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، فَإِنْ كَانَ كَيْلَجَةَ، فَقَدْ سَقَطَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي زُكَيْرٍ يَحْيَى بنِ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ يَحْيَى هُوَ الحَارِثِيُّ، فَقَدْ سَقَطَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ عَجْلاَنَ.
قُلْتُ: لاَ يَبْعُدُ أَنْ يَكُوْنَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ هُوَ الطَّبَرِيَّ الحَافِظَ، عَنْ أَبِي زُكَيْرٍ، فَالنَّسَائِيُّ قَدْ سَمِعَ أَوَّلاً مِنْهُ.
نعم، وَتُوُفِّيَ كَيْلَجَةُ بِمَكَّةَ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا زَيْدٌ البَيِّعُ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قَفَرْجَلَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا
__________
(1) أورد الخطيب البغدادي ترجمة كيلجة في " تاريخه " 4 / 203 بين من اسمه أحمد. وقال: وقد ذكرناه في المحمدين.
وبحثنا عنه في المطبوع فلم نجده.

(12/525)


أَبُو صَالِحٍ، عَنِ الأَسَدِيِّ، رَجُلٌ حَدَّثَهُ، قَالَ:
مَرَرْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، فَحَدَّثَنِي:
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي حُبّاً لِي نَاسٌ يَكُوْنُوْنَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُم لَوْ يُعْطِيَ أَهْلَهَ وَمَالَه بِأَنْ يَرَانِي) (1) . غَرِيْبٌ.

201 - الدَّرَابْجِرْدِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ مُوْسَى * (د)
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، المُحَدِّثُ، المَأْمُوْنُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ أَبِي عِيْسَى مُوْسَى بنِ مَيْسَرَةَ الهِلاَلِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ، الدَّرَابْجِرْدِيُّ (2) .
حجَّ، وَرَأَى سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَمَا سَمِعَ مِنْهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ.
هَكَذَا قَالَ الحَاكِمُ فِي (تَارِيْخِهِ) بِالإِسْنَاد، وَلَمْ يَمُتْ سُفْيَانُ فِي أَيَّامِ الحَجِّ، بَلْ فِي وَسطِ العَامِ.
سَمِعَ: حَرَمِيَّ بنَ عُمَارَةَ، وَيَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَأَبَا جَابِرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ، وَأَبَا عَاصِمٍ النَّبِيْلَ، وَعَبْدَ المَجِيْدِ بنَ أَبِي رَوَّاد، وَعَبْدَ المَلِكِ بنَ إِبْرَاهِي?مَ الجُدِّي (3) ، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ الوَلِيْدِ
__________
(1) رجاله ثقات خلا الأسدي راويه عن أبي ذر، فإنه لا يعرف، وأخرجه مسلم في " صحيحه " (2832) في الجنة: باب فيمن يود رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بأهله وماله من طريق قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أشد أمتي لي حبا ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله ".
(*) الجرح والتعديل 6 / 181، حلية الأولياء 10 / 143، 144، الأنساب 5 / 292، تهذيب الكمال: 963، تذهيب التهذيب 3 / 56 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 529، تهذيب التهذيب 7 / 299، 300، النجوم الزاهرة 3 / 43، خلاصة تذهيب الكمال: 272، المنتظم 5 / 60.
(2) الدرابجردي،، بفتح الدال والراء، وبعدهما الالف والباء الموحدة المفتوحة أو الساكنة، والجيم المكسورة وراء اخرى ساكنة في آخره ودال أخرى، هذه النسبة إلى درابجرد، وهي محلة بنيسابور، وقد يقال لها: دار ابجرد، بإثبات الالف بعد الدال.
(3) الجدي، بضم الجيم وتشديد الدال المكسورة المهملة، هذه النسبة إلى جدة وهي مدينة بساحل مكة.

(12/526)


العَدَنِيَّ، وَيَزِيْدَ بنَ أَبِي حَكِيْمٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ جَهْضَمَ، وَحِبَّانَ بنَ هِلاَلٍ، وَأَبَا الوَلِيْدِ، وَهَوْذَةَ بنَ خَلِيْفَةَ، وَمَكِّيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَعَبْدَانَ بنَ عُثْمَانَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَمُسْلِمٌ وَالبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ (صَحِيْحَيْهِمَا)، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الشَّيْبَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الوَهَّابِ يَقُوْلُ: عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الهِلاَلِيُّ عِنْدِي ثِقَةٌ صَدُوْقٌ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ السُّكَّرِيّ يَذْكُرُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الرَّاوَسَانِيِّ (1) ، قَالَ:
وُجِدَ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الهِلاَلِيّ مَيْتاً بَعْد أُسْبُوْعٍ فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ القَرْيَةِ، سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُوْلُ:
استُشْهِدَ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بِرُسْتَاقَ أَرْغِيَانَ (2) ، فِي ضَيْعَتِهِ.
قَالَ: وَكَانَ السَّبَبُ أَنَّهُ زَبَرَ العَامل بِهَا، فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ، أَمر بِهِ، فَأُدْخِل متْبَنَه، وَأَوَقَدَ النَّارَ فِي تبْن، فَمَاتَ فِي الدُّخَان، ثُمَّ وُجد مَيِّتاً وَقَدْ أَكَلت النملُ عينَيْه (3) .
__________
(1) الراوساني، بفتح الراء والواو بعد الالف، ثم السين المهملة المفتوحة، وفي آخرها النون: نسبة إلى راوسان.
وقال السمعاني: وظني أنها من قرى نيسابور ونواحيها. وأبو عبد الله هو محمد بن عبد الله بن شاذان بن عبد الله الرواساني النيسابوري. مترجم في " الأنساب " 6 / 55.
(2) أرغيان، بالفتح، ثم السكون، وكسر الغين المعجمة، وياء وألف ونون: كورة من نواحي نيسابور، قيل: إنها تشتمل على إحدى وسبعين قرية " معجم البلدان ".
(3) وجاء في " تهذيب التهذيب " 7 / 300: قال أبو أحمد الحافظ: سمعت مشايخنا يذكرون أنه أكله الذئب في قرية برستاق أرغيان.

(12/527)


قَالَ الحَاكِمُ: كَانَ مِنْ أَكَابر عُلَمَاءِ المُسْلِمِيْنَ، وَابْن عَالِمِهِم، طَلَبَ الحَدِيْثَ بِالحِجَازِ وَاليَمَنِ وَالعِرَاقِ وَخُرَاسَان.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ مَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَأَكَلَهُ الذِّئبُ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الأَخْرَمِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الهِلاَلِيُّ، وَمَا رَأَيْتُ أَفضَلَ مِنْهُ.
وَعَنْ مُسْلِمِ بنِ الحَجَّاجِ: أَنَّهُ ذُكر عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ، فَقَالَ: ذَاكَ الطَّيِّبُ ابْنُ الطَّيِّبِ (1) .

202 - مُحَمَّدُ بنُ عَمِيْرَةَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الجُرْجَانِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، البَارعُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الجُرْجَانِيُّ، نَزِيلُ هَرَاةَ.
حَدَّثَ عَنْ: إِسْحَاقَ الأَزْرَقِ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَطَبَقَتِهِم.
وَكَانَ كَبِيْرَ الشَّأْنِ، وَاسِعَ الرِّحْلَة.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّامِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ شَاذَانَ، وَأَبُو يَحْيَى البَزَّازُ، وَآخَرُوْنَ.
بلغنَا أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظ سَبْعِيْنَ أَلف حَدِيْث.
__________
(1) " تهذيب التهذيب " 7 / 300 وفيه أيضا: ذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال أبو حامد بن الشرقي: ثقة مأمون، وقال محمد بن عبد الوهاب الفراء: هو عندي ثقة صدوق.
(*) تذكرة الحفاظ 2 / 539، 540، طبقات الحفاظ: 242.

(12/528)


203 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ أَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ *
المُحَدِّثُ، أَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، الهَمَذَانِيُّ، ابْنُ أَخِي (1) سَنْدُوْلَ.
سَمِعَ: ابْنَ نُمَيْرٍ، وَأَسْبَاطَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَيُوْنُسَ بنَ بُكَيْرٍ، وَالقَاسِمَ بنَ الحَكَمِ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الدَّشْتَكِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَابْنُ حَاتِمٍ - وَقَالَ: صَدُوْقٌ (2) - وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَوْسٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَنْبُلَ، وَآخَرُوْنَ.

204 - صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ أَبُو الفَضْلِ الشَّيْبَانِيُّ **
ابْنِ هِلاَلِ بنِ أَسَدٍ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الفَقِيْهُ، القَاضِي، أَبُو الفَضْلِ الشَّيْبَانِيُّ، البَغْدَادِيُّ، قَاضِي أَصْبَهَانَ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ.
وَسَمِعَ: عَفَّانَ، وَأَبَا الوَلِيْدِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي سُوَيْدٍ، وَعَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ زُهَيْرٌ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَالبَغَوِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَصَائِرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الخَرَائِطِيّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى
__________
(*) الجرح والتعديل 2 / 140.
(1) في " الجرح والتعديل " 2 / 140: ابن أبي سندول.
(2) " الجرح والتعديل " 2 / 140.
(* *) الجرح والتعديل 4 / 394، طبقات الحنابلة 1 / 173، 176، العبر 2 / 30، تاريخ ابن كثير 11 / 40، شذرات الذهب 2 / 149، 150، تهذيب ابن عساكر 6 / 364، 365، المنتظم 5 / 51.

(12/529)


القَصَّارُ - شَيْخٌ لأَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظِ -.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبْتُ عَنْهُ بِأَصْبَهَانَ، وَهُوَ صَدُوْقٌ، ثِقَةٌ (1) .
قُلْتُ: وُلِدَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ أَكبرُ إِخوَتِهِ.
قَالَ الخَلاَّلُ فِي (أَدَبِ القَضَاءِ): أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، قَالَ:
لَمَّا صَارَ صَالِحٌ إِلَى أَصْبَهَانَ، قُرِئَ عَهْدُهُ بِالجَامِعِ، فَبَكَى كَثِيْراً، وَبَكَى بَعْضُ الشُّيُوْخِ، فَلَمَّا فَرَغَ جَعَلُوا يَدْعُونَ لَهُ، وَيَقُوْلُوْنَ: مَا بِبَلَدِنَا إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ أَبَاكَ.
قَالَ: أَبْكَانِي أَنِّي ذَكَرْتُهُ، وَيَرَانِي فِي هَذِهِ الحَالَةِ، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّوَادُ.
ثُمَّ قَالَ: كَانَ أَبِي يَبْعَثُ خَلْفِي إِذَا جَاءهُ رَجُلٌ زَاهدٌ أَوْ مُتَقَشِّفٌ لأَنْظُرَ إِلَيْهِ، يُحِبُّ أَنْ أَكُوْنَ مِثْلَهُ.
وَلَكِنَّ اللهَ يَعلَمُ، مَا دَخَلْتُ فِي هَذَا الأَمْرِ إِلاَّ لِدَيْنٍ غَلَبَنِي، وَكَثْرَةِ عِيَالٍ (2) .
قَالَ الخَلاَّلُ: كَانَ صَالِحٌ سَخِيّاً جِدّاً.
قَالَ ابْنُ المُنَادِي: تُوُفِّيَ بِأَصْبَهَانَ، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ.

205 - أَبُو عَوْفٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَرْزُوقِ بنِ عَطِيَّةَ البَغْدَادِيُّ البُزُورِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، أَبُو عَوْفٍ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَرْزُوقِ بنِ عَطِيَّةَ، البَغْدَادِيُّ البُزُوْرِيُّ.
__________
(1) " الجرح والتعديل " 4 / 394، و" طبقات الحنابلة " 1 / 173.
(2) راجع الخبر في " طبقات الحنابلة " 1 / 174.
(*) تاريخ بغداد 10 / 274، 275، الأنساب 2 / 198، ميزان الاعتدال 2 / 589، لسان الميزان 2 / 435.

(12/530)


سَمِعَ: عَبْدَ الوَهَّابِ بنَ عَطَاءٍ، وَرَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَشَبَابَةَ بنَ سَوَّارٍ، وَأَبَا نوحٍ قُرَاد (1) ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي بُكَيْرٍ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو جَعْفَرٍ بنُ البَخْتَرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَأَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَلَدُهُ: الصَّدْرُ النَّبِيْلُ الثِّقَةُ أَبُو عَبْدِ اللهِ

206 - أَحْمَدُ بنُ أَبِي عَوْفٍ *
سَمِعَ: سُوَيْدَ بنَ سَعِيْدٍ، وَلُوَيْناً، وَعُثْمَانَ بنَ أَبِي شَيْبَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ بنُ الصَّوَّافِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الزَّبِيبِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
وَثَّقَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ (2) .
تُوُفِّيَ: قَبْلَ الثَّلاَثِ مائَةٍ.
فَأَمَّا سَمِيُّهُ: أَبُو عَوْفٍ
__________
(1) قراد، بضم القاف، وتخفيف الراء. واسمه عبد الرحمن بن غزوان. حافظ بغدادي ثقة. تقدمت ترجمته في الجزء التاسع برقم (201).
(*) تاريخ بغداد 4 / 245، 249، طبقات الحنابلة 1 / 51 الأنساب 2 / 198.
(2) " تاريخ بغداد " 4 / 246. وقال الخطيب: وكان ثقة نبيلا رفيعا جليلا.
وعن أبي بكر أحمد بن إبراهيم الاسماعيلي، قال: أحمد بن عبد الرحمن بن أبي عوف جليل نبيل.

(12/531)


207 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَرْزُوقٍ الطَّرَسُوْسِيُّ *
فَهَالِكٌ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ (1) : كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ.
رَوَى عَنْ: عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ عَطَاءٍ، حَدَّثَنَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بنُ المُسَيَّبِ الأَرْغِيَانِيُّ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً رفعَهُ: لَنْ تَخْلُوَ الأَرْضُ مِنْ ثَلاَثِيْنَ مِثْلِ إِبْرَاهِيْمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- بِهِم يُرزقُوْنَ (2) .
فَهَذَا كَذِبٌ.
وَفِيْهَا (3) مَاتَ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أُورمَةَ الحَافِظُ، وَصَالِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الشُّجَاعِ بنِ الثَّلجِيِّ، وَأَبُو السَّاجِ الأَمِيْرُ، وَآخَرُوْنَ.

208 - الخَلِيْفَةُ المُعْتَزُّ بِاللهِ بنُ المُتَوَكِّلِ بنُ المُعْتَصِمِ أَبُو عَبْدِ اللهِ العَبَّاسِيُّ **
الخَلِيْفَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدٌ.
وَقِيْلَ: الزُّبَيْرُ بنُ المُتَوَكِّلِ، جَعْفَرُ بنُ المُعْتَصِمِ مُحَمَّدِ بنِ الرَّشِيْدِ هَارُوْنَ بنِ المَهْدِيِّ، العَبَّاسِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَاستُخْلِفَ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً، أَوْ دونَهَا، وَكَانَ أَبْيَضَ، جَمِيْلاً، وَسِيماً، مِنْ مُلاَّحِ زَمَانِهِ.
__________
(*) الجرح والتعديل 5 / 287، كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 61، ميزان الاعتدال 2 / 588، 589، لسان الميزان 3 / 435.
(1) " كتاب المجروحين والضعفاء " 2 / 61، ونقله عنه المؤلف في " الميزان " 2 / 588.
(2) " ميزان الاعتدال " 2 / 589 وتتمته فيه: ويمطرون.
(3) أي في عام 266 ه. انظر " العبر " للمصنف 2 / 32، 33.
(* *) المعارف: 394، تاريخ الطبري: الجزء التاسع، معجم الشعراء: 400، تاريخ بغداد 2 / 121، 126، الكامل لابن الأثير: الجزء السابع، العبر 2 / 9، 10، فوات الوفيات 3 / 319، 321، الوافي بالوفيات 2 / 291، 294، تاريخ ابن كثير 11 / 10 وما بعدها، النجوم الزاهرة 3 / 23، 24، تاريخ الخلفاء: 359، 360، شذرات الذهب 2 / 130.

(12/532)


قَالَ عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ: أُدخِلْتُ عَلَى المُعْتَزِّ بِاللهِ ليسمَعَ مِنِّي الحَدِيْثَ، فَمَا رَأَيْتُ خَلِيْفَةً أَحسنَ مِنْهُ، وَأُمُّهُ رُوْمِيَّةٌ.
بُوْيِعَ وَقْتَ خَلْعِ المستعينِ (1) ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَشهُرٍ مِنْ وَلاَيتِهِ خَلَعَ أَخَاهُ المُؤَيَّدَ بِاللهِ إِبْرَاهِيْمَ مِنَ العهدِ، فَمَا بَقِيَ إِبْرَاهِيْمُ حَتَّى مَاتَ، وَخَافَ المُعْتَزُّ مِنْ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّهُ سَمَّهُ، فَأَحضرَ القُضَاةَ حَتَّى شَاهدُوهُ وَمَا بِهِ أَثَرٌ، فَاللهُ أَعلَمُ.
وكَانَتْ دَوْلَةُ المُعْتَزِّ مستضعفَةً مَعَ الأَترَاكِ، فَاتَّفَقَ القُوَّادُ وَقَالُوا: أَعطنَا أَرزَاقَنَا، وَيُقبل (2) صَالِحُ بنُ وَصيفٍ، وَكَانَ المُعْتَزُّ يخَافُهُ، فَطَلَبَ مِنْ أُمِّهِ مَالاً لينفقَهُ فِيْهِم، فشحَّتْ عَلَيْهِ، فَتَجمَّعَ الأَترَاكُ لِخَلْعِهِ، وَاتَّفَقَ مَعَهُم صَالِحٌ وَبَابيَاكُ وَمُحَمَّدُ بنُ بُغَا، فَتسلَّحُوا وَأَتَوُا الدَّارَ، وَبعثَوا إِلَى المُعْتَزِّ ليخرجَ إِلَيْهِم، فَقَالَ: قَدْ شربْتُ دوَاءً، وَأَنَا ضَعِيْفٌ.
فَهجمَ جَمَاعَةٌ جرُّوهُ وضربُوهُ، وَأَقَامُوهُ فِي الحرِّ، فَبقيَ المِسْكِيْنُ يتضوَّرُ وَهُم يلطمونَهُ، وَيَقُوْلُوْنَ: اخلَعْ نَفْسَكَ.
ثُمَّ أَحضرُوا القَاضِي (3) وَالعدولَ وَخَلَعُوهُ، وَأَقْدَمُوا مِنْ بَغْدَادَ مُحَمَّدَ بنَ الوَاثِقِ، وَكَانَ المُعْتَزُّ قَدْ أَبعدَهُ، فَسَلَّمَ المُعْتَزُّ إِلَيْهِ الخِلاَفَةَ، وَبَايعُوهُ، وَلُقِّبَ بِالمُهْتَدِي بِاللهِ.
ثُمَّ إِنَّ رُؤُوْسَ الأَترَاكِ أَخذُوا المُعْتَزَّ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ، فَأَدخلُوهُ حَمَّاماً، وَأَكربُوهُ حَتَّى عطِشَ، وَمنعُوهُ المَاءَ حَتَّى كَادَ، ثُمَّ سَقُوهُ مَاءَ ثلجٍ، فَسقطَ مَيتاً -رَحِمَهُ اللهُ- وَذَلِكَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ
__________
(1) راجع خبر خلع المستعين وبيعة المعتز في " تاريخ الطبري " 9 / 348.
(2) في " تاريخ الطبري " 9 / 389: أعطنا أرزاقنا حتى نقتل لك صالح بن وصيف.
وفي " تاريخ الخلفاء ": 361: أعطنا أرزاقنا لنقتل صالح بن وصيف. والخبر فيهما بتوسع.
(3) هو ابن أبي الشوارب. والخبر في " تاريخ الخلفاء ": 360.

(12/533)


وَمائَتَيْنِ، وَعَاشَ ثَلاَثاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً (1) .
وَلَمَّا تَولَّى خَلَعَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ خِلْعَةَ المُلْكِ، وَقلَّدَهُ سَيفينِ، فَأَقَامَ وَصيفٌ وَبُغَا عَلَى وَجَلٍ مِنِ ابْنِ طَاهِرٍ، ثُمَّ رَضيَ المُعْتَزُّ عَنْهُمَا وَأَعَادَهُمَا إِلَى مرتبتِهِمَا، وَخلعَ عَلَى أَخِيْهِ أَبِي أَحْمَدَ خِلْعَةَ المُلْكِ أَيضاً، وَتوَّجَهُ، وَرشَّحَهُ، وَقلَّدَهُ سَيْفَينِ، وَولَّى القَضَاءَ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الشَّوَارِبِ الأُمَوِيَّ، وَحُسِبَتْ أَرزَاقُ جُنْدِ الإِسْلاَمِ، فَكَانَتْ فِي السَّنَةِ مئتَي أَلفِ أَلفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قبضَ المُعْتَزُّ عَلَى أَخِيْهِ أَبِي أَحْمَدَ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ مضطهداً.
وَغلبَ عَلَى خُرَاسَانَ يَعْقُوْبُ بنُ اللَّيْثِ الصَّفَّارُ، وَأَخَذَ هَرَاةَ وَغَيْرَهَا.
وَخَرَجَ بِالكُرْجِ الأَمِيْرُ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي دُلَفٍ، فَالتقَاهُ مُوْسَى بنُ بُغَا، وَجرَتْ ملحمَةٌ كُبرَى، وَقُتِلَ وَصيفٌ مِنْ كِبَارِ الأُمَرَاءِ.
وَمَاتَ بِمِصْرَ نَائِبُهَا مُزَاحمُ بنُ خَاقَانَ.
وَفِيْهَا: أَوَّلُ ظهورِ الخَبِيْثِ قَائِدِ الزَّنْجِ، وَاسْتبَاحَ البَصْرَةَ، وَافترَى أَنَّهُ عَلَوِيٌّ.
وَفِيْهَا: التَقَى يَعْقُوْبُ الصَّفَّارُ وَطوقُ بنُ المغلّسِ مُتَوَلِّي كِرْمَانَ، فَأَسرَ طوقاً.
وَنزعَ الطَّاعَةَ عَلِيُّ بنُ قُرَيْشٍ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى المُعْتَزِّ لِيُوَلِّيَهُ خُرَاسَانَ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ آلَ طَاهِرٍ قَدْ ضَعُفُوا عَنْ محَاربَةِ الصَّفَّارِ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِإِمرَةِ خُرَاسَانَ، وَكَتَبَ بِمثلِ ذَلِكَ إِلَى الصَّفَّارِ، لِيُغرِيَ بَيْنَهُمَا، وَيشتغلاَ عَنْهُ، فَأَسرَ الصَّفَّارُ ثَابِتَ بنَ قُرَيْشٍ وَهُوَ طوقٌ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى شيرَازَ، ثُمَّ التَقَى ابْنَ قُرَيْشٍ، فَانتصَرَ الصَّفَّارُ، وَدَانَتْ لَهُ الأُمَمُ، وَأَسرَ ابْنَ قُرَيْشٍ، وَبَعَثَ
__________
(1) راجع خبر خلع المعتز وموته بتوسع في " تاريخ الطبري " 9 / 389، 390.

(12/534)


إِلَى المُعْتَزِّ بِهدَايَا وَتُحَفٍ، وَوَثَبَ صَالِحُ بنُ وَصيفٍ غَضَباً لِمَقْتَلِ أَبِيْهِ، فَقيَّدَ كُتَّابَ المُعْتَزِّ أَحْمَدَ بنَ إِسْرَائِيْلَ، وَالحَسَنَ بنَ مَخْلَدٍ، وَأَبَا نوحٍ، وَصَادَرَهُم، وَقلَّ مَا فِي بُيوتِ الأَمْوَالِ جِدّاً.
ثُمَّ خُلِعَ المُعْتَزُّ، وَاختفَتْ أُمُّهُ قبيحَة، ثُمَّ بَذَلَتْ لصَالِحٍ أَمْوَالاً، فَقُتِّرَ عنهَا، وَظهرَ لَهَا نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثَةِ آلاَفِ أَلفِ دِيْنَارٍ.
فَقَالَ ابْنُ وَصيفٍ: قبَّحَهَا اللهُ، عرَّضَتِ ابْنَهَا لِلْقتْلِ لأَجلِ خَمْسِيْنَ أَلفِ دِيْنَارٍ، يُرضِي بِهَا الأَترَاك (1) ، ثُمَّ قتلَ ابْنُ وَصيفٍ أَبَا نوحٍ، وَأَحْمَدَ بنَ إِسْرَائِيْلَ، وَوهَى منصبُ الخِلاَفَةِ، فللَّهِ الأَمْرُ.
وَخلَّفَ مِنَ الوَلَدِ عَبْدَ اللهِ بنَ المُعْتَزِّ، وَحَمْزَةَ.

209 - المُهْتَدِي بِاللهِ بنُ الوَاثِقِ بنِ المُعْتَصِمِ العَبَّاسِيُّ *
أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، المُهْتَدِي بِاللهِ، أَبُو إِسْحَاقَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدُ بنُ الوَاثِقِ هَارُوْنَ بنِ المُعْتَصِمِ مُحَمَّدِ بنِ الرَّشِيْدِ، العَبَّاسِيُّ.
مَوْلِدُهُ: فِي دَوْلَةِ جَدِّهِ.
وبُوْيِعَ ابْنُ بِضْعٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، لِليلَةٍ بقيَتْ مِنْ رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ (2) ، وَمَا قَبِلَ مُبَايعَةَ أَحَدٍ حَتَّى أَحْضَرَ المُعْتَزَّ بِاللهِ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ لَهُ،
__________
(1) الخبر في " تاريخ الخلفاء ": 360 بلفظ: واختفت أمه قبيحة، ثم ظهرت في رمضان، وأعطت صالح بن وصيف مالا عظيما، من ذلك ألف ألف دينار وثلاث مئة ألف دينار، وسفط فيه مكوك زمرد، وسفط فيه لؤلؤ حب كبار، وكيلجة ياقوت أحمر وغير ذلك.
فقومت السفاط بألفي ألف دينار.
فلما رأى ابن وصيف ذلك قال: قبحها الله ! عرضت ابنها للقتل لاجل خمسين ألف دينار وعندها هذا...وهو في " الكامل " 7 / 200.
(*) تاريخ الطبري 9 / 391، 469، معجم الشعراء: 401، الكامل لابن الأثير: الجزء السابع، فوات الوفيات 4 / 50، 52، الوافي بالوفيات 5 / 144، تاريخ ابن كثير 11 / 17، 18، النجوم الزاهرة 3 / 26، 27، تاريخ الخلفاء: 361، 363، شذرات الذهب 2 / 132، 133.
(2) راجع خبر خلافة المهتدي في " تاريخ الطبري " 9 / 391، و" تاريخ الخلفاء ": 361.

(12/535)


وَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجِيْءَ بشُهُوْدٍ فَشَهِدُوا عَلَى المُعْتَزِّ أَنَّهُ عَاجزٌ عَنْ أَعبَاءِ الإِمَامَةِ، وَأَقرَّ بِذَلِكَ، وَمدَّ يدَهُ، فَبايَعَ ابْنَ عَمِّهِ المُهْتَدِي بِاللهِ.
فَارْتَفَعَ حِيْنَئِذٍ المُهْتَدِي إِلَى صَدْرِ المَجْلِسِ، وَقَالَ: لاَ يجتمعُ سيفَانِ فِي غِمْدٍ، وَأَنشدَ قَوْلَ ابْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
تُريدِيْنَ كيمَا تَجْمَعِينِي وَخَالِداً ... وَهلْ يُجْمَعُ السَّيفَانِ - وَيْحَكِ - فِي غِمْدِ؟!
وَكَانَ المُهْتَدِي أَسْمَرَ، رَقِيْقاً، مَلِيْحَ الوَجْهِ، وَرِعاً، عَادلاً، صَالِحاً، مُتعبِّداً، بَطَلاً، شُجَاعاً، قَوِيّاً فِي أَمرِ اللهِ، خليقاً لِلإِمَارَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ مُعِيناً، وَلاَ نَاصراً، وَالوَقْتُ قَابلٌ لِلإِدبارِ.
نقلَ الخَطِيْبُ عَنْ أَبِي مُوْسَى العَبَّاسِيِّ أَنَّهُ مَازَالَ صَائِماً مُنْذُ اسْتُخْلِفَ إِلَى أَنْ قُتِلَ (1) .
وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ: كُنْتُ عِنْدَ المُهْتَدِي عَشِيَّةً فِي رَمَضَانَ، فَقُمْتُ لأَنصرفَ، فَقَالَ: اجلِسْ.
فَجَلَسْتُ، فصلَّى بِنَا، وَدَعَا بِالطَّعَامِ، فَأُحضِرَ طبقُ خِلاَفٍ (2) عَلَيْهِ أَرغفَةٌ، وَآنيَةٌ فِيْهَا ملحٌ وَزيتٌ وَخَلٌّ، فدعَانِي إِلَى الأَكلِ، فَأَكَلتُ أَكلَ مَنْ يَنْتظرَ الطَّبِيخِ.
فَقَالَ: أَلم تكُنْ صَائِماً.
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: فُكُلْ، وَاسْتوفِ، فَلَيْسَ هُنَا غَيْرَ مَا تَرَى.
فعجِبْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: وَلِمَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! وَقَدْ أَنعَمَ اللهُ عَلَيْكَ؟
قَالَ: إِنِّي فَكَّرْتُ أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي أُمَيَّةَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، فغِرْتُ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَأَخذتُ نَفْسِي بِمَا رَأَيْتَ (3) .
__________
(1) " تاريخ بغداد " 3 / 349، و" تاريخ الخلفاء ": 361.
(2) ضبطت اللام في الأصل بالتشديد.
وجاء في القاموس: والخلاف، ككتاب، وشده لحن: صنف من الصفصاف. ومن عيدانه تصنع الاطباق.
(3) الخبر مطولا في " تاريخ بغداد " 3 / 350، و" تاريخ الخلفاء ": 311.

(12/536)


قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا:، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ المَرْوَزِيُّ، قَالَ لِي جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: ذَاكرتُ المُهْتَدِي بِشَيْءٍ فَقُلْتُ لَهُ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ بِهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُخَالَفُ، كَأَنِّي أَشرْتُ إِلَى آبَائِهِ.
فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، لَوْ جَازَ لِي لَتَبَرَّأْتُ مِنْ أَبِي، تَكَلَّمْ بِالْحَقِّ، وَقُلْ بِهِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ ليَتَكَلَّمُ بِالْحَقِّ فينبلُ فِي عَيْنِي (1) .
قَالَ نِفْطَوَيْه (2) : أَخْبَرَنَا بَعْضُ الهَاشِمِيِّينَ أَنَّهُ وُجِدَ لِلْمُهْتَدِي صَفَطٌ فِيْهِ جُبَّةُ صوفٍ، وَكسَاءٌ كَانَ يلبَسُهُ فِي اللَّيْلِ، وَيُصَلِّي فِيْهِ، وَكَانَ قَدِ اطَّرَحَ الملاَهِي، وَحرَّمَ الغِنَاءَ، وَحسمَ أَصْحَابَ السُّلْطَانِ عَنِ الظُّلْمِ، وَكَانَ شَدِيْدَ الإِشرَافِ عَلَى أَمرِ الدَّواوينِ، يَجْلِسُ بِنَفْسِهِ، وَيُجْلِسُ بَيْنَ يَدَيْهِ الكُتَّابُ، يَعْمَلُوْنَ الحسَابَ، وَيَلْزَمُ الجُلُوسَ يَوْمَي الخَمِيْسِ وَالاثْنَيْنِ، وَقَدْ ضربَ جَمَاعَةً مِنَ الكِبَارِ، وَنفَى جَعْفَرَ بنَ مَحْمُوْدٍ إِلَى بَغْدَادَ لِرَفْضٍ فِيْهِ، وَقَدِمَ مُوْسَى بنُ بُغَا مِنَ الرَّيِّ فكرهَهُ، وَبَعَثَ بِعَبْدِ الصَّمَدِ بنِ مُوْسَى الهَاشِمِيِّ يَأْمرُهُ بِالرُّجُوعِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَعزلَ مِنَ القَضَاءِ ابْنَ أَبِي الشَّوَارِبِ، وَحَبَسَهُ، وَولَّى مَكَانَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ نَائِلٍ البَصْرِيَّ.
وفِي أَوَائِلِ خِلاَفَتِهِ عَبَّأَ مُوْسَى بنُ بُغَا جَيْشَهُ، وَشهَرَ السِّلاَحَ بِسَامَرَّاءَ لقتلِ صَالِحِ بنِ وَصيفٍ بدمِ المُعْتَزِّ، وَلأَخذِهِ أَمْوَالَ أُمِّهِ قبيحَةَ، وَأَمْوَالَ الدَّواوينِ، وَصَاحَتِ الغوَغَاءُ عَلَى صَالِحٍ: يَا فِرْعَوْنُ جَاءكَ مُوْسَى، فَطَلَبَ مُوْسَى الإِذنَ عَلَى المُهْتَدِي بِاللهِ، فَلَمْ يَأْذنْ لَهُ، فَهجمَ بِمَنْ مَعَهُ وَالمُهْتَدِي جَالِسٌ فِي دَارِ العَدْلِ، فَأَقَامُوهُ وَحملُوهُ عَلَى أَكدُشٍ (3) ، وَانتهبُوا
__________
(1) " تاريخ الخلفاء ": 361، 362.
(2) الخبر في " تاريخ بغداد " 3 / 350، و" تاريخ الخلفاء ": 362.
(3) الخبر مطولا في " تاريخ الطبري " 9 / 384، و" الكامل " لابن الأثير 7 / 218، =

(12/537)


القصرَ. وَلَمَّا دَخَلُوا دَارَ نَاجُور أَدخلُوا المُهْتَدِي إِلَيْهَا، وَهُوَ يَقُوْلُ: يَا مُوْسَى اتَّقِ اللهَ وَيْحَكَ مَا تُرِيْدُ؟
قَالَ: وَاللهِ مَا نُريدُ إِلاَّ خَيْراً، وَحلفَ لَهُ: لاَ نَالكَ سوءٌ، ثُمَّ حلَّفُوهُ أَنْ لاَ يُمَالِئ صَالِحَ بنَ وَصيفٍ، فحلَفَ لَهُم، فَبَايعُوهُ حِيْنَئِذٍ، ثُمَّ طلبُوا صَالِحاً ليحَاقِقُوهُ، فَاخْتَفَى، وَرُدَّ المُهْتَدِي بِاللهِ إِلَى دَارِهِ، ثُمَّ قُتِلَ صَالِحٌ شَرَّ قِتلَةٍ فِيْمَا بَعْد.
وفِي المُحَرَّمِ مِنْ سنَةِ سِتٍّ ذُكِرَ أَنَّ سِيَمَا الشَّرَابِيَّ زَعَمَ أَنَّ امْرَأَةً جَاءت بِكِتَابٍ فِيْهِ نصيحَةٌ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَإِنْ طلبتمونِي فَأَنَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا.
قَالَ: فَطُلِبَتْ، فلَمْ تَقَعْ.
فجمعَ الأُمَرَاءَ وَقَالَ: هَذَا كِتَابٌ تَعْرِفونَهُ؟
فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ، هُوَ خطُّ صَالِحٍ، وَفِيْهِ يَذْكُرُ أَنَّهُ مُسْتَخْفٍ بِسَامَرَّاءَ، وَأَنَّ الأَمْوَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ الحَسَنِ بنِ مَخْلَدٍ، وَكَانَ كِتَابُهُ دَالاًّ عَلَى قُوَّةِ نَفْسِهِ.
فَأَشَارَ المُهْتَدِي بِالصُّلْحِ، فَاتَّهَمَهُ ابْنُ بُغَا وَذَوُوهُ، وَنَافسُوهُ، ثُمَّ مِنَ الغَدِ تَكلَّمُوا فِي خَلْعِهِ.
فَقَالَ بَاكيَال: وَيْحَكُم، قتلتُمُ ابْنَ المُتَوَكِّلِ، وَتُريدُوْنَ قتْلَ هَذَا الصَّوَّام الدَّيِّن! لَئِنْ فعلتُم لأَصيرَنَّ إِلَى خُرَاسَانَ، وَلأُشنِّعَنَّ عَلَيْكُم.
ثُمَّ خَرَجَ المُهْتَدِي وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بيضٌ، وَتقلَّدَ سيفاً، وَأَمرَ بِإِدخَالِهِم إِلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ بَلَغَنِي شأَنُكُم، وَلَسْتُ كَالمستعينِ وَالمُعْتَزِّ، وَاللهِ مَا خرجْتُ إِلاَّ وَأَنَا مُتَحَنِّطٌ، وَقَدْ أَوصَيْتُ، وَهَذَا سيفِي، فلأَضرِبَنَّ بِهِ مَا اسْتمسَكَ بِيَدِي، أَمَا دِيْنٌ، أَمَا حيَاءٌ، أَمَا رِعَةٌ (1) ؟ كم يَكُوْن الخلاَفُ عَلَى الخُلَفَاءِ، وَالجرأَةُ عَلَى اللهِ؟
ثُمَّ قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَيْنَ هُوَ صَالِحٌ.
قَالُوا: فَاحلِفْ لَنَا.
قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، وَصَلَّيْتُ، حلفْتُ. فرضُوا
__________
= و" تاريخ الخلفاء " للسيوطي: 362: واللفظ في " تاريخ الطبري " و" الكامل ": حملوه على دابة من دواب الشاكرية.
وفي " تاريخ الخلفاء ": على فرس ضعيفة.
(1) تصحفت في " تاريخ الخلفاء ": 362 إلى " دعة ". والخبر في " تاريخ الطبري " 9 / 442.

(12/538)


وَانفصلُوا عَلَى هَذَا.
ثُمَّ وَرَدَ مِنْ فَارِسَ مَالٌ نَحْوَ عَشْرَةِ آلاَفِ أَلفِ دِرْهَمٍ، فَانتشرَ فِي العَامَّةِ أَنَّ الأَترَاكَ عَلَى خَلْعِ المُهْتَدِي، فثَارَ العَوَامُّ وَالقُوَّادُ، وَكتبُوا رِقَاعاً أَلقَوهَا فِي المَسَاجِدِ، معَاشرَ المُسْلِمِيْنَ ادعُو لِخَلِيفَتِكُم العَدْلِ الرِّضَى، المضَاهِي عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ أَنْ يَنْصرَهُ اللهُ عَلَى عَدُوِّهِ.
ورَاسَلَ أَهْلُ الكَرْخِ وَالدُّورِ المُهْتَدِي بِاللهِ فِي الوُثُوبِ عَلَى مُوْسَى بنِ بُغَا، فجزَاهُم خَيْراً، وَوعدَهُم بِالجَمِيْلِ، وَعَاثَتِ الزَّنْجُ بِالبَصْرَةِ، وَيَعْقُوْبُ الصَّفَّارُ بِخُرَاسَانَ، وَقَتَلَ المُهْتَدِي الأَمِيْرَ بَاكيَال، فثَارَ أَصْحَابُهُ، وَأَحَاطُوا بِدَارِ الجوسَقِ، فَأُلْقِيَ الرَّأْسُ إِلَيْهِم، وَركِبَ أَعوَانُ الخَلِيْفَةِ، فَتمَّتْ ملحمَةٌ كُبرَى، قُتِلَ فِيْهَا مِنَ الأترَاكِ أَلوفٌ.
وَقِيْلَ: بَلْ أَلفٌ، فِي رَجَبٍ، سنَةَ سِتٍّ، ثُمَّ أَصبحُوا عَلَى الحَرْبِ، فَرَكِبَ المُهْتَدِي وَصَالِحُ بنُ عَلِيٍّ فِي عُنُقِهِ المُصْحَفُ، يصيحُ: أَيُّهَا النَّاسُ انصرُوا إِمَامَكُم، فَحْمَلَ عَلَيْهِ أَخُو بَاكيَال فِي خَمْسِ مائَةٍ، وَخَامرَ الأَترَاكَ الَّذِيْنَ مَعَ الخَلِيْفَةِ إِلَيْهِ، وَحمِيَ الوطيسُ، وَتفلَّلَ جمعُ المُهْتَدِي، وَاسْتَحَرَّ بِهِمُ القتلُ، فولَّى وَالسَّيْفُ فِي يدِهِ يَقُوْلُ:
أَيُّهَا النَّاسُ، قَاتلُوا عَنْ خلِيفتِكُم، ثُمَّ دَخَلَ دَارَ صَالِحِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَزْدَادَ، وَرَمَى السِّلاَحَ، وَلبسَ البيَاضَ لِيهرُبَ مِنَ السَّطْحِ، وَجَاءَ حَاجِبُ بَاكيَال، فَأُعْلِمَ بِهِ، فَهَرَبَ، فرمَاهُ وَاحِدٌ بِسَهْمٍ، وَنفحَهُ بِالسَّيْفِ، ثُمَّ حُمِلَ إِلَى الحَاجِبِ، فَأَركَبُوهُ بغلاً، وَخلْفَهُ سَائِسٌ، وضربُوهُ، وَهُم يَقُوْلُوْنَ: أَيْنَ الذَّهبُ.
فَأَقرَّ لَهُم بِسِتِّ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ مُودعَةٍ بِبَغْدَادَ، فَأَخذُوا خَطَّهُ بِهَا، وَعصرَ تُركِيٌّ عَلَى أُنْثَيَيهِ، فَمَاتَ.
وَقِيْلَ: أَرَادُوا مِنْهُ أَنْ يَخلعَ نَفْسَهُ، فَأَبَى، فَقتلُوهُ -رَحِمَهُ اللهُ- وَبَايعُوا المعتمدَ عَلَى اللهِ (1) .
__________
(1) راجع خبر خلع المهتدي وموته في " تاريخ الطبري " 9 / 456 وما بعدها.

(12/539)


بَنو المُهْتَدِي بِاللهِ: أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ، وَأَبُو الحَسَنِ عَبْدُ الصَّمَدِ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ، وَأَبُو الفَضْلِ هِبَةُ اللهِ، وَفِي ذُرِّيَّتِهِ عُلَمَاءُ وَخُطَبَاءُ.

210 - المُعْتَمِدُ عَلَى اللهِ الخَلِيْفَةُ أَحْمَدُ بنُ المُتَوَكِّلِ عَلَى اللهِ جَعْفَرٍ العَبَّاسِيُّ *
أَبُو العَبَّاسِ، وَقِيْلَ: أَبُو جَعْفَرٍ، أَحْمَدُ بنُ المُتوَكِّل عَلَى اللهِ جَعْفَر بن المُعْتَصِم أَبِي إِسْحَاقَ بن الرَّشِيْد، الهَاشِمِيّ العَبَّاسِيّ السَّامَرِّيّ.
وَأُمُّه رُومِيَّة اسْمهَا فِتيَان.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: كَانَ أَسْمَر، رَقِيْق اللُوْنَ، أَعْيَن جَمِيْلاً، خَفِيْف اللِّحْيَة.
قُلْتُ: اسْتُخلِف بَعْد قتل المُهْتَدِي بِاللهِ فِي سَادس عشر رَجَب سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَدِمَ مُوْسَى بن بغَا بَعْد أَرْبَعَة أَيَّام إِلَى سَامَرَّاء، وَخمدت الفِتْنَة، وَكَانَ فِي حبس المُهْتَدِي بِالجوسق، فَأَخرجُوهُ وَبَايعُوهُ، فَضيق المُعْتَمِد عَلَى عيَال المُهْتَدِي، وَاسْتعمل أَخَاهُ أَبَا أَحْمَدَ الموفّق عَلَى سَائِر المَشْرِق، وَعقد بولاَيَة الْعَهْد لاِبْنِهِ جَعْفَر، وَلقبَّه المفوّض إِلَى اللهِ، وَاسْتعمله عَلَى مِصْرَ وَالمَغْرِب، وَانهمك فِي اللَّهو وَاللَّعبِ، وَاشتغل عَنِ الرَّعِيَة، فكرهوهُ،
__________
(*) المعارف: 394، تاريخ الطبري 9 / 474، تاريخ بغداد 4 / 60، 62، الكامل لابن الأثير: الجزء السابع، فوات الوفيات 1 / 64، 66، الوافي بالوفيات 6 / 292، تاريخ ابن كثير 11 / 23، 24، تاريخ الخلفاء: 363، 368، شذرات الذهب 2 / 173، 174.

(12/540)


وَأَحَبّوا أَخَاهُ الموفّق (1) .
وفِي رَجَبٍ أَيْضاً اسْتولَتِ الزَّنج عَلَى البَصْرَةِ وَالأُبُلَّة وَالأَهْوَاز، وَقْتلُوا وَسَبَوا، وَهُم عبيدُ العوامِّ، وَغوَغَاء الأَنذَال المُلْتفِّين عَلَى الخَبِيْث (2) .
وَقَامَ بِالْكُوْفَةِ عَلِيُّ بن زَيْدٍ العَلَوِيّ، وَاسْتفحل أَمره وَهزم جَيْش الخَلِيْفَة.
وَظهر أَخُوْهُ حَسَن بن زَيْد بِالرَّيّ، فَسَارَ لِحَرْبِهِ مُوْسَى بن بغَا.
وَحَجّ بِالنَّاسِ مُحَمَّدُ بن أَحْمَدَ بنِ عِيْسَى بنِ المَنْصُوْر العَبَّاسِيّ.
وَنُودِي عَلَى صَالِح بن وَصيف المختفِي: مَنْ جَاءَ بِهِ فَلَهُ عَشْرَة آلاَف دِيْنَار.
فَاتَّفَقَ أَن غُلاَماً دَخَلَ درباً، فَرَأَى بَاباً مَفْتُوْحاً، فمشَى فِي الدِهْلِيْز، فَرَأَى صَالِحاً نَائِماً، فَعَرفه، فَأَسرع إِلَى مُوْسَى بن بغَا، فَأَخْبَرَهُ، فَبَعَثَ جَمَاعَة أَحضروهُ، وَذَهَبُوا بِهِ مَكْشُوف الرَّأْس إِلَى الْجَوْسَقِ، فَبدره تركِيٌّ مِنْ وَرَائِه فَأَثْبَته، وَاحتزُّوا رَأْسه قَبْل مَقْتَل المُهْتَدِي، بِيَسِيْرٍ.
فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ صَالِحاً، فَلَقَدْ كَانَ نَاصحاً (3) .
وَأَمَّا الصُّوْلِيّ: فَقَالَ: بَلْ عذَّبوهُ فِي حَمَّام، كَمَا هُوَ فعل بِالمُعْتَزّ، حَتَّى أَقرَّ بِالأَمْوَالِ، ثُمَّ خُنِقَ.
وقتلتِ الزَّنجُ بِالأُبُلَّةِ نَحْو ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً فَحَاربهُم سَعِيْد الحَاجِب، ثُمَّ قَووا عَلَيْهِ، وَقْتلُوا خلقاً مِنْ جُنْده، وَتمت بَيْنَهُم وَبَيْنَ العَسْكَر وَقعَات.
وَفِيْهَا قتل مِيخَائِيل بن توفيل طَاغيَة الرُّوْم، قَتله بَسِيْل الصَّقلبِيّ (4) ، فَكَانَ دَوْلَة مِيخَائِيل أَرْبَعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً (5) .
__________
(1) " تاريخ الخلفاء ": 363.
(2) خبر استيلاء الزنج على الابلة والاهواز في " تاريخ الطبري " 9 / 471 وما بعدها.
(3) " تاريخ الخلفاء " للسيوطي: 362.
(4) قال الطبري: وقيل له: الصقلبي، وهو من أهل بيت المملكة لان أمه صقلبية.
(5) " تاريخ الطبري " 9 / 489.

(12/541)


وَفِي سَنَةِ 258 جرت وَقعَة بَيْنَ الزَّنجِ، وَبَيْنَ العَسْكَر، فَانهزم العَسْكَر، وَقُتِلَ قَائِدهُم مَنْصُوْر، ثُمَّ نَهَضَ أَبُو أَحْمَدَ الموفّق وَمفلح فِي عَسْكَر عَظِيْم إِلَى الغَايَة لِحَرْب الخَبِيْث، فَانهزم جَيْشه، ثُمَّ تَهَيَّأَ وَجَمَع الجُيُوش، وَأَقبلَ فَتمّت ملحمَة لَمْ يُسْمَعْ بِمثلهَا.
وَظهر المُسْلِمُوْنَ، ثُمَّ قُتل مقدَّمُهُم مُفْلِح (1) ، فَانهزم النَّاس، وَاسْتبَاحهُم الزَّنج، وَفَرَّ الموفّق إِلَى الأُبُلَّةِ، وَترَاجعت إِلَيْهِ العَسَاكِر.
ثُمَّ الْتَقَى الزَّنجَ فَانتصر، وَأَسرَ طَاغيتهُم يَحْيَى، وَبَعَثَ بِهِ إِلَى سَامَرَّاء فَذبح، وَوَقَعَ الوبَاء، فَمَاتَ خَلاَئِق.
ثُمَّ الْتَقَى الموفَّقُ الزَّنجَ فَانكسر، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنْ جَيْشه، وَتحيَّز هُوَ فِي طَائِفَة، وَعظُم البلاَء.
وَكَادَ الخَبِيْث أَنْ يملك الدُّنْيَا، وَكَانَ كذَّاباًَ مُمَخرِقاً مَاكراً شُجَاعاً دَاهِيَةً، ادَّعَى أَنَّهُ بُعِثَ إِلَى الخَلْق، فردَّ الرِّسَالَة، وَكَانَ يدّعِي عِلمَ الْغَيْب - لَعنه الله -.
وَدخلت سنَة تِسْع، فَعَرض الموفّق جَيْشه بِوَاسِطَ، وَأَمَّا الخَبِيْث فَدَخَلَ البطَائِح، وَبثق حَوْلَهُ الأَنهَار وَتحصَّن، فَهجم عَلَيْهِ الموفّق، وَأَحرق وَقَتَلَ فِيْهِم، وَاسْتنقذ مِنَ السّبايَا، وَردّ إِلَى بَغْدَادَ، فَسَارَ خَبِيْث الزَّنج إِلَى الأَهْوَاز، فَوَضَع السَّيْف، وَقَتَلَ نَحْواً مِنْ خَمْسِيْنَ أَلْفاً، وَسبَى أَرْبَعِيْنَ أَلفاً، فَسَارَ لِحَرْبِهِ مُوْسَى بن بغَا، فَتحَاربا بَضْعَة عشر شَهْراً، وَذَهَبَ تَحْتَ السَّيْف خَلاَئِق مِنَ الفَرِيْقَيْنِ - فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون -.
وَفِيْهَا عصَى كَنْجُور (2) ، فَسَارَ لِحَرْبِهِ عِدَّة أُمرَاء، فَأَسر وَذبح (3) .
وَأَقبلت الرُّوْم، فَنَازلُوا ملطيَة وَسُمَيسَاط، فَبرز القَابوس بِأَهْل ملطيَة، فَهُزم الرُّوْمُ، وَقُتِلَ مُقدَّمهُم (4) .
__________
(1) راجع خبر مقتله في " تاريخ الطبري " 9 / 492.
(2) في " الكامل " لابن الأثير: كيجور.
(3) انظر " تاريخ الطبري " 9 / 502.
(4) وهو نصر الاقريطشي بطريق البطارقة، قتله أحمد بن محمد القابوس راجع " تاريخ الطبري " 9 / 506.

(12/542)


وَفِيْهَا تملَّك يَعْقُوْب الصَّفَّار نَيْسَابُوْر، وَركب إِلَى خدمته نَائِبهَا مُحَمَّد بن طَاهِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، فعنَّفه وَسَبَّهُ، وَاعتقله، فَبَعَثَ المُعْتَمِد يَلُوْم الصَّفَّار، وَيَأْمره بِالانْصِرَاف إِلَى وَلاَيته، فَأَبَى، وَاسْتَوْلَى عَلَى الإقلِيم، وَدَانت لَهُ البِلاَد (1) .
وَفِي سَنَةِ سِتِّيْنَ الْتَقَى الصَّفَّارُ الحَسَنَ بن زَيْدٍ العَلَوِيّ (2) ، فَانهزم العَلَوِيّ، وَدَخَلَ الصَّفَّار طَبَرِسْتَان وَالدَّيْلَم، وَاحتمَى العَلَوِيّ بِالجِبَال، فَتبعه الصَّفَّار، فَهلك خلق مِنْ جَيْشه بِالثلج، وَوَقَعَ الغلاَء، وَأُبيع بِبَغْدَادَ الكُرُّ (3) بِمائَة وَخَمْسِيْنَ دِيْنَاراً.
وَأَخذت الرُّوْمُ مَدِيْنَة لُؤْلُؤة (4) .
وَفِي سَنَةِ 261 مَالت الدَّيْلَم إِلَى الصَّفَّار وَنَابذُوا العلويَّ، فَصَارَ إِلَى كِرْمَان.
وَأَمَّا الزَّنج فَحُرُوبهُم متتَاليَة، وَسَارَ يَعْقُوْب الصَّفَّار إِلَى فَارِس، فَالتَقَى هُوَ وَابْن وَاصل، فَهَزمه الصَّفَّار، وَأَخَذَ لَهُ مِنْ قَلعته أَرْبَعِيْنَ أَلف أَلف دِرْهَم.
وَأَعيَا المُعْتَمِدَ شَأنُ الصَّفَّار، وَحَار، فَلاَن لَهُ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِالخلع وَبولاَيَة خُرَاسَان وَجُرْجَان، فَلَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ، حَتَّى يَجِيْء إِلَى سَامَرَّاء، وَأَضمرَ الشَّرّ، فَتَحَوَّل المُعْتَمِد إِلَى بَغْدَادَ، وَأَقبلَ الصَّفَّار بِكتَائِبَ كَالجِبَال.
فَقِيْلَ: كَانُوا سَبْعِيْنَ أَلف فَارِس، وَثقله عَلَى عَشْرَة آلاَف جمل، فَأَنَاخ بِوَاسِطَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ
__________
(1) خبر دخول يعقوب بن الليث نيسابور في " تاريخ الطبري " 9 / 507 بتوسع.
(2) " تاريخ الطبري " 9 / 508.
(3) الكر: مكيال لاهل العراق، وهو عندهم ستون قفيزا، والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف.
قال الازهري: والكر من هذا الحساب اثنا عشر وسقا، كل وسق ستون صاعا.
(4) وهي قلعة قرب طرسوس، غزاها المأمون وفتحها. والخبر في " تاريخ السيوطي ": 364.

(12/543)


وَسِتِّيْنَ، وَانضمت العَسَاكِر المعتمديَّة، ثُمَّ زَحف الصَّفَّار إِلَى دير عَاقول، فَجَهَّزَ المُعْتَمِد الملتقَى أَخَاهُ الموفّق، وَمُوْسَى بن بغَا وَمسُرُوْراً، فَالتَقَى الجمعَان فِي رَجَبٍ وَاشتدَّ القِتَال، فَكَانَتِ الهَزِيْمَة أَوَّلاً عَلَى الموفّق، ثُمَّ صَارت عَلَى الصَّفَّار، وَانهزم جَيْشه.
فَقِيْلَ: نهب مِنْهُم عَشْرَة آلاَف فَرَس، وَمِنَ الْعين أَلفَا أَلف دِيْنَار، وَمِنَ الأَمتعَة مَا لاَ يحصَى، وَخُلِّصَ ابْنُ طَاهِر مِنَ الأَسر، وَرَجَعَ الصَّفَّار إِلَى فَارِس، وَردَّ المُعْتَمِدُ ابْنَ طَاهِر إِلَى وَلاَيته، وَأَعطَاهُ خَمْس مائَة أَلْف دِرْهَم.
وَأَمَّا الخَبِيْث فَاغتنم اشْتِغَال الجَيْش، فَعمل كُلّ قَبِيح مِنَ الْقَتْل وَالأَسر.
وَفِيْهَا وَلِيَ قَضَاءَ القُضَاةِ بِسَامَرَّاء عَلِيّ بن مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، وَكَانَ أَخُوْهُ الحَسَن قَدْ تُوُفِّيَ حَاجّاً، وَوَلِيَ قَضَاءَ بَغْدَاد إِسْمَاعِيْل القَاضِي.
وَفِيْهَا وَاقع المُسْلِمُوْنَ الزَّنج وَهزموهُم، وَقْتلُوا قَائِدهُم الصُّعْلُوك.
وفِي سَنَةِ ثَلاَثٍ أَقبل الصَّفَّار، فَاسْتولَى عَلَى الأَهْوَاز (1) .
وفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ سَارَ الموفَّقُ وَابْنُ بغَا لِحَرْب الزَّنج، فَمَاتَ ابْنُ بغَا، وَغزَا المُسْلِمُوْنَ الرُّوْم، وَغنمُوا.
ثُمَّ بيتَّتِ الرُّوْم مقدَّم المُسْلِمِيْنَ ابْنَ كَاوس (2) ، فَأَسروهُ جريحاً.
وَغلبت الزَّنج عَلَى وَاسِطَ، وَنهبُوهَا وَأَحرقوهَا.
وَغَضِبَ المُعْتَمِدُ عَلَى وَزيره سُلَيْمَان بن وَهْبٍ، وَأَخَذَ أَمْوَاله، وَاسْتَوْزَرَ الحَسَن بن مَخْلَدٍ، وَتَمَكَّنَ الموفّق، وَبَقِيَ لاَ يَلْتَفِت عَلَى أَحَد،
__________
(1) " تاريخ الطبري " 9 / 263.
(2) هو عبد الله بن رشيد بن كاوس.
وانظر خبر أسره في " تاريخ الطبري " 2 / 533، 534.

(12/544)


وَأَظهر المنَابذَة، وَقصد سَامَرَّاء فَتَأَخر المُعْتَمِد أَخُوْهُ، ثُمَّ ترَاسلاَ، وَوَقَعَ الصُّلح وَأَطلق سُلَيْمَان بن وَهْبٍ، وَهَرَبَ الحَسَن بن مَخْلَدٍ.
وَفِي سَنَةِ 65 مَاتَ يَعْقُوْب بن اللَّيْثِ الصَّفَّار المتغلّب عَلَى خُرَاسَان وَفَارِس بِالأَهْوَاز، فَقَامَ بَعْدَهُ أَخُوْهُ عَمْرو، وَدَخَلَ فِي الطَّاعَة، وَاسْتنَابه الموفّق عَلَى المَشْرِق، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِالخلع.
وَقِيْلَ: بَلَغت تَرِكَةُ الصَّفَّار ثَلاَثَة آلاَف أَلف دِيْنَار، وَدُفِنَ بجندسَابور، وَكُتِبَ عَلَى قَبْره: هَذَا قَبْر المِسْكِيْن يَعْقُوْب، وَكَانَ فِي صباهُ يَعْمَل فِي ضرب النَّحَاس بدِرْهَمَيْنِ.
وَفِي سَنَةِ 66 أَقبلت الرُّوْم إِلَى ديَار رَبِيْعَة، وَقْتلُوا وَسبَوا، وَهَرَبَ أَهْل الجَزِيْرَة.
وَتمّت وَقعَة مَعَ خَبِيْث الزَّنج، وَظهرُوا فِيْهَا، وَسَارَ أَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ الخُجُستَانِيّ، فَهَزم الحَسَنَ بن زَيْدٍ العَلَوِيّ، وَظفر بِهِ فَقَتَلَهُ، وَحَارَبَ عَمْرو بن اللَّيْثِ الصَّفَّار، وَظهر عَلَى عَمْرو، وَدَخَلَ نَيْسَابُوْر، وَقتل وَصَادر، وَاسْتبَاحت الزَّنج رَامَهُرْمُز (1).
وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ كَرُّوا عَلَى وَاسِطَ، وَعَثّرُوا أَهلهَا، فَجَهَّزَ الموفَّق وَلده أَبَا العَبَّاسِ الَّذِي صَارَ خَلِيْفَة، فَقتل وَأَسر، وَغَرَّق سفنَهُم.
ثُمَّ تجمَّع جَيْش الخَبِيْث، وَالتَقَوا بِالعَبَّاس فَهَزمهُم، ثُمَّ التَقَوا ثَالِثاً فَهَزمهُم، وَدَام القِتَال شَهْرَيْنِ، وَرغبُوا فِي أَبِي العَبَّاسِ، وَاسْتَأَمن إِلَيْهِ خلق مِنْهُم، ثُمَّ حَاربهُم حَتَّى دوّخ فِيْهِم، وَرُدَّ سَالماً غَانماً، وَبَقِيَ لَهُ وَقْعَ فِي النُّفُوْس، وَسَارَ إِلَيْهِم الموفَّق فِي جَيْش كَثِيف فِي المَاء وَالبرِّ، وَلَقِيَهُ وَلده، وَالتَقَوا الزَّنج، فَهَزموهُم أَيْضاً.
وَخَارت قوَى الخَبِيْث، وَأَلحّ الْمُوفق فِي حربِهِم، وَنَازل طِهْثِيّاً (2) ، وَكَانَ عَلَيْهَا خَمْسَة أَسوَار، فَأَخَذَهَا، وَاسْتخلص مِنْ أَسر الخبثَاء
__________
(1) " تاريخ الطبري " 9 / 554.
(2) في " تاريخ الطبري " 9 / 571: طهيثا. والخبر فيه مطول.

(12/545)


عَشْرَة آلاَف مسلمَة، وَهدمهَا.
وَكَانَ المُهَلَّبِيّ القَائِد مقيماً بِالأَهْوَاز فِي ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً مِنَ الزَّنج، فَسَارَ الموفَّق لِحَرْبِهِ، فَانهزم، وَتفرَّق عَسْكَره، وَطلب خلق مِنْهُم الأَمَان، فَأَمَّنهُم، وَرفق بِهِم، وَخلعَ عَلَيْهِم، وَنَزَلَ الموفّق بتُستَر، وَأَنفق فِي الجَيْش، وَمهَّدَ البِلاَد، وَجَهَّزَ ابْنه الْمُعْتَضد أَبَا العَبَّاسِ لِحَرْب الخَبِيْث، فَجَهَّزَ لَهُ سفناً فَاقْتَتَلُوا، وَانتصر أَبُو العَبَّاسِ، وَكَتَبَ كِتَاباً إِلَى الخَبِيْث يُهدِّده، وَيَدْعُوهُ إِلَى التَّوبَة مِمَّا فعل، فعتَا وَتمرّد، وَقَتَلَ الرَّسُوْلَ، فَسَارَ الموفّق إِلَى مَدِيْنَة الخَبِيْث بِنَهر أَبِي الْخَصِيب، وَنصب السَّلاَلِم وَدخلوهَا، وَملكُوا السُّوْر، فَانهزمت الزَّنج، وَلَمَّا رَأَى الموفّق حصَانتهَا انْدَهَشَ، وَاسمهَا المختَارَة، وَهَاله كَثْرَة المُقَاتِلَة بِهَا، لَكِن اسْتَأَمن إِلَيْهِ عِدَّة، فَأَكرمهُم.
وَنَقَلْتُ تفَاصيل حُرُوب الزَّنج فِي (تَارِيْخ الإِسْلاَم) فَمِنْ ذَلِكَ: لَمَّا كَانَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعٍ برز الخَبِيْث وَعَسْكَره - فِيْمَا قِيْلَ - فِي ثَلاَث مائَة أَلْفٍ مَا بَيْنَ فَارِس وَرَاجل، فَرَكِبَ الْمُوفق فِي خَمْسِيْنَ أَلْفاً، وَحجز بَيْنَهُم النَّهْر، وَنَادَى الْمُوفق بِالأَمَان، فَاسْتَأَمن إِلَيْهِ خلق، ثُمَّ إِنَّ الْمُوفق بَنَى بِإِزَاء المختَارَة مَدِيْنَة عَلَى دجلَة سَمَّاهَا الموفقيَّة، وَبنَى بِهَا الجَامِع وَالأَسواق، وَسَكَنهَا الْخلق، وَاسْتَأَمن إِلَيْهِ فِي شَهْر خَمْسَة آلاَف.
وَتمت ملحمَة فِي شَوَّالٍ، وَنُصِرَ الموفّق.
وفِي ذِي الحِجَّةِ عبر الْمُوفق بِجَيْشِهِ إِلَى نَاحِيَة المختَارَة، وَهَرَبَ الخَبِيْث (1) ، لَكِنَّه رَجَعَ، وَأَزَال الْمُوفق عَنْهَا.
وَاسْتَوْلَى أَحْمَد الخُجُستَانِي عَلَى خُرَاسَان وَكرمَان وَسِجِسْتَان، وَعزم عَلَى قصد العِرَاق.
__________
(1) " تاريخ الطبري " 9 / 594.

(12/546)


وفِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ تتَابع أَجنَاد الخَبِيْث فِي الخُرُوْجِ إِلَى الْمُوفق، وَهُوَ يحسن إِلَيْهِم.
وَأَتَاهُ جَعْفَر السَّجَّان صَاحِب سرّ الخَبِيْث، فَأَعطَاهُ ذهباً كَثِيْراً، فَرَكِبَ فِي سَفِيْنَة حَتَّى حَاذَى قصر الخَبِيْث، فصَاح: إِلَى مَتَى تصبرُوْنَ عَلَى الخَبِيْث الكَذَّاب؟
وَحدَّثهُم بِمَا اطَّلع عَلَيْهِ مِنْ كذبه وَكفره، فَاسْتَأَمن خلق.
ثُمَّ زَحف الْمُوفق عَلَى الْبَلَد، وَهدّ مِنَ السُّور أَمَاكن، وَدَخَلَ العَسْكَر مِنْ أَقطَارهَا، وَاغترُّوا، فكرَّ عَلَيْهِم الزَّنجُ، فَأَصَابُوا مِنْهُم، وَغَرِق خلق.
وَردَّ الْمُوفق إِلَى بَلَده حَتَّى رمَّ شعثه، وَقطع الْجلب عَنِ الخَبِيْث، حَتَّى أَكل أَصْحَابه الكِلاَب وَالمَيْتَة، وَهَرَبَ خلق، فَسَأَلهُم الْمُوفق، فَقَالُوا: لَنَا سنَة لَمْ نَرَ الْخبز، وَقُتِلَ بهبُودُ أَكْبَرُ أُمرَاء الخَبِيْث، وَقَتَلَ الخَبِيْثُ وَلدَه لِكَوْنِهِ هَمَّ أَنْ يخرج إِلَى الْمُوفق، وَشدَّ عَلَى أَحْمَد الخُجُستَانِي غلمَانُه فَقتلُوهُ، وَغزَا النَّاس مَعَ خَلْف التركِي، فَقتلُوا مِنَ الرُّوْم بَضْعَة عشر أَلْفاً.
وَفِي سَنَةِ تِسْع دَخَلَ الْمُوفق المختَارَة عَنْوَة، وَنَادَى الأَمَان، وَقَاتَلَ حَاشيَةُ الخَبِيْث دُوْنَهُ أَشَدّ قتَال، وَحَاز الموفقُ خزَائِنَ الخَبِيْث، وَأَلقَى النَّار فِي جَوَانب المَدِيْنَة، وَجُرح الموفقُ بِسهْم، فَأَصبح عَلَى الحَرْب، وَآلمه جرحه، وَخَافُوا، فَخرجُوا حَتَّى عوفِي (1) ، وَرمَّ الخَبِيْثُ بَلَده.
وفِي السّنَة خَرَجَ المُعْتَمِد مِنْ سَامَرَّاء ليلْحق لصَاحِب مصر أَحْمَد بن طولُوْنَ، وَكَانَ بِدِمَشْقَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمُوفق، فَأَغرَى بِأَخِيْهِ إِسْحَاق بن كندَاج، فلقِي المُعْتَمِد بَيْنَ المَوْصِل وَالحَدِيْثَة، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا هَذَا؟ فَأَخوك فِي وَجْه العَدُوّ وَأَنْت تخرج مِنْ مقرّ عِزِّك! وَمتَى علم بِهَذَا ترك مقَاومَة عَدوك، وَتغلب الخَارِجِيّ عَلَى ديَار آبَائِك.
وَهَذَا كِتَاب أَخِيك
__________
(1) " تاريخ الطبري " 9 / 614 وما بعدها.

(12/547)


يَأْمرنِي بردِّك.
فَقَالَ: أَنْتَ غُلاَمِي أَوْ غُلاَمه؟
قَالَ: كلّنَا غلمَانك مَا أَطعت الله، وَقَدْ عصيتَ بخُرُوْجك وَتسليطك عَدوك عَلَى المُسْلِمِيْنَ.
ثُمَّ قَامَ، وَوَكَّل بِهِ جَمَاعَة، ثُمَّ إنَّهُ بعثَ إِلَيْهِ يَطْلُب مِنْهُ ابْن خَاقَان وَجَمَاعَة لينَاظرهُم، فَبَعَثَ بِهِم، فَقَالَ لَهُم: مَا جنَى أَحَد عَلَى الإِمَامِ وَالإِسْلاَم جنَايتكُم، أَخرجتُمُوهُ مِنْ دَار ملكه فِي عِدَّة يَسِيْرَة، وَهَذَا هَارُوْنَ الشَّارِي بِإِزَائِكم فِي جمع كَثِيْر، فَلَو ظفر بِالخَلِيْفَة، لكَانَ عَاراً عَلَى الإِسْلاَم، ثُمَّ رسم أَيْضاً عَلَيْهِم، وَأَمر المُعْتَمِد بِالرُّجُوع، فَقَالَ: فَاحلف لِي أَنَّك تَنحدر معِي وَلاَ تُسلِمنِي، فَحلف، وَانحدر إِلَى سَامَرَّاء.
فتلقَّاهُ كَاتِب الْمُوفق صَاعِد، فَأَنزله فِي دَار أَحْمَد بن الْخَصِيب، وَمنعه مِنْ نزُول دَار الخِلاَفَة، وَوَكَّل بِهِ خَمْس مائَة نَفْس، وَمنع مِنْ أَنْ يجْتَمع بِهِ أَحَد.
وَبَعَثَ الْمُوفق إِلَى ابْنِ كندَاج بِخِلَعٍ وَذَهَبٍ عَظِيْم.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: تحيَّل المُعْتَمِد مِنْ أَخِيْهِ، فَكَاتَبَ ابْن طولُوْنَ.
وَمِمَّا قَالَ:
أَلَيْسَ مِنَ العَجَائِب أَن مِثْلِي ... يرَى مَا قلَّ ممتنعاً عَلَيْهِ
وَتُؤكل بِاسْمه الدُّنْيَا جَمِيْعاً ... وَمَا مِنْ ذَاكَ شَيْء فِي يَدَيْهِ (1) ؟!
وَلقَّب الموفقُ صَاعِدَ بن مَخْلَدٍ ذَا الوزرَاتين، وَلقب ابْن كندَاج ذَا السّيفين.
فَلَمَّا علم ابْن طولُوْنَ جمع الأَعْيَان، وَقَالَ: قدْ تَلاَ نكث الْمُوفق بِأَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، فَاخلعُوهُ مِنَ الْعَهْد، فَخَلَعُوهُ سِوَى القَاضِي بَكَّار بن قُتَيْبَةَ. فَقَالَ
__________
(1) البيتان في " فوات الوفيات " 1 / 66، و" الوافي بالوفيات " 6 / 293، و" تاريخ السيوطي ": 365 وبعدهما:
إليه تحمل الاموال طرا * ويمنع بعض ما يجبى إليه
وسيوردهما المصنف أيضا في ص: 602 من هذا الجزء.

(12/548)


لاِبْنِ طولُوْنَ: أَنْتَ أَريتَنِي كِتَاب أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ بِتَوْلِيَتِهِ الْعَهْد، فَأَرنِي كِتَابهُ بِخلْعِهِ.
قَالَ: إِنَّهُ مَحْجُوز عَلَيْهِ، قَالَ: لاَ أَدْرِي.
قَالَ: أَنْتَ قَدْ خَرفت وَحَبَسَهُ، وَأَخَذَ مِنْهُ عَطَاءهُ عَلَى القَضَاء عَشْرَة آلاَف دِيْنَار، وَأَمر الْمُوفق بلعنَة أَحْمَد بن طولُوْنَ عَلَى المنَابر (1) .
وَسَارَ ابْن طولُوْنَ، فَحَاصر المِصِّيْصَة، وَبِهَا خَادم، فسلَّط الخَادِم عَلَى جَيْش أَحْمَد بُثُوق النَّهْر، فَهلك مِنْهُم خلق، وَترحّلُوا، وَتخطَّفَهُم أَهْلُ المَدِيْنَة، وَمَرِضَ أَحْمَد، وَمَاتَ مغبوناً.
وفِي شَوَّالٍ كَانَتِ المَلْحَمَة الكُبْرَى بَيْنَ الخَبِيْث وَالموفق (2) .
ثُمَّ وَقعت الهَزِيْمَة عَلَى الزَّنج، وَكَانُوا فِي جوع شَدِيد وَبلاَء - لاَ خفَّف الله عَنْهُم - وَخَامر عِدَّةٌ مِنْ قُوَّاد الخَبِيْث وَخوَاصّه، وَأُدخِلَ المُعْتَمِدُ فِي ذِي القَعْدَةِ إِلَى وَاسِطَ، ثُمَّ الْتَقَى الخَبِيْث وَالموفق، فَانهزمت الزَّنج أَيْضاً، وَأَحَاط الجَيْش، فحصرُوا الخَبِيْث فِي دَارِ الإِمَارَة، فَانملس مِنْهَا إِلَى دَار المُهَلَّبِيّ أَحَد قُوَّاده، وَأُسِرَت حُرَمُه، فَكَانَ النِّسَاء نَحْو مائَة، فَأَحسن إِليهنّ الْمُوفق، وَأُحرِقَت الدَّار.
ثُمَّ جرت ملحمَة بَيْنَ الْمُوفق وَالخَبِيْث فِي أَوّل سنَة سَبْعِيْنَ، ثُمَّ وَقعَة أُخْرَى قُتِلَ فِيْهَا الخَبِيْث - لاَ رَحِمَهُ اللهُ -.
وَكَانَ قَدِ اجْتَمَع مِنَ الجُنْد، وَمِنَ المطوّعَة مَعَ الْمُوفق نَحْو ثَلاَث مائَة أَلْف.
وَفِي آخِر الأَمْر شدَّ الخَبِيْث وَفُرْسَانه، فَأَزَالوا النَّاس عَنْ موَاقفهم، فَحْمل الْمُوفق، فَهَزمهُم، وَسَاقَ وَرَاءهُم إِلَى آخِر النَّهْر، فَبينَا الحَرْب تَسْتعر إِذْ أَتَى فَارِس إِلَى الْمُوفق وَبِيَدِهِ رَأْس الخَبِيْث، فَمَا صدَّق، وَعرضه عَلَى جَمَاعَة، فَقَالُوا: هُوَ هُوَ، فَترجّل الْمُوفق وَالأُمَرَاء، وَخرُّوا سَاجدين للهِ، وضجُوا بِالتّكبِير، وَبَادر أَبُو العَبَّاسِ بن الْمُوفق فِي خوَّاصه، وَمَعَهُ رَأْس الخَبِيْث
__________
(1) " تاريخ السيوطي ": 365، 366.
(2) " تاريخ الطبري " 9 / 628 وما بعدها.

(12/549)


عَلَى قَنَاة إِلَى بَغْدَادَ، وَعُمِلَت قبَاب الزينَة، وَكَانَ يَوْماً مشهوداً، وَشرع النَّاس يترَاجِعُون إِلَى المَدَائِن الَّتِي أَخذهَا الخَبِيْث، وَكَانَتْ أَيَّامه خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً (1) .
قَالَ الصُّوْلِيُّ: قَدْ قتل مِنَ المُسْلِمِيْنَ أَلف أَلف وَخَمْس مائَة.
قُلْتُ: وَكَذَا عَدَد قَتْلَى بَابك.
قَالَ: وَكَانَ يصعد عَلَى مِنْبَره بِمدينته، وَيَسُبّ عُثْمَان وَعَلِيّاً وَطَلْحَة وَعَائِشَة كمَذْهَب الأَزَارقَة، وَكَانَ يُنَادِي عَلَى المَسَبِّيَّةِ العَلَوِيَّة فِي عَسْكَره بدِرْهَمَيْنِ.
وَكَانَ عِنْد الزَّنْجِيّ الوَاحِد نَحْو عشر علويَّات، يَفترشهنّ وَيَخدُمن امْرَأَته.
وَفِي شَعْبَانَ أَعَادُوا المُعْتَمِد إِلَى سَامَرَّاء فِي أُبَّهَة تَامَّة.
وَظهر بِالصعيد أَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ الحسنِي، فَحَارَبَهُ عَسْكَر مِصْر غَيْرَ مَرَّةٍ، ثُمَّ أُسر وَقُتِلَ.
وَفِيْهَا أَوّل ظُهُور دَعْوَة العُبَيْدِيَّة، وَذَلِكَ بِاليَمَنِ.
وَفِيْهَا نَازلت الرُّوْم فِي مائَةِ أَلْفٍ طَرَسُوْس، فَبيَّتهُم يَازمَان الخَادِم، فَقِيْلَ: قتل مِنْهُم سَبْعُوْنَ أَلْفاً، وَقُتِلَ ملكهُم، وَأُخِذَ مِنْهُم صَلِيبُ الصَّلبُوت.
فَالحَمْدُ للهِ عَلَى هَذَا النَّصْر العَزِيْز الَّذِي لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، مَعَ تمَام المنَّة عَلَى الإِسْلاَم بِمصرع الخَبِيْث.
قَالَتْ أُمّه: أَخذه أَبُوْهُ مِنِّي، وَغَاب سِنِيْنَ، وَتزوجت أَنَا، وَجَاءنِي وَلد، ثُمَّ جَاءنِي الغُلاَم وَقَدْ مَاتَ أَبُوْهُ بِاليَمَنِ، فَأَقَامَ عِنْدِي مُدَّة لاَ يدع بِالرَّيّ
__________
(1) " تاريخ الخلفاء " للسيوطي: 464.

(12/550)


أَحَداً (1) عِنْدَهُ أَدب أَوْ حَدِيْث إِلاَّ خَالطهُم وَعَاشرهُم.
وَفِي سَنَةِ 271 كَانَتِ المَلْحَمَة بَيْنَ أَبِي العَبَّاسِ بن الْمُوفق، وَبَيْنَ صَاحِب مِصْر خُمَارويه بفِلَسْطِيْن، وَجرت السُّيُول مِنَ الدمَاء، ثُمَّ انْهَزَم خمَارويه، وَذَهَبت خزَائِنه.
وَنَزَلَ أَبُو العَبَّاسِ فِي مَضْرِبه.
وَلَكِنْ كَانَ سَعْد (2) الأَعسر كمِيْناً، فَخَرَجَ عَلَى أَبِي العَبَّاسِ بغتَة، فَهَزم جَيْشه، وَنجَا هُوَ فِي نَفَر يَسِيْر، وَنهب سَعْدٌ وَأَصْحَابٌه مَا لاَ يُوصف.
وَفِي سَنَةِ 72 نَزَل أَبُو العَبَّاسِ بطَرَسُوْس، وَترَاجع عَسْكَره، وَآذُوا أَهْل الْبَلَد، فَتَنَاخوا وَطردوهُم، وَاسْتَوْلَى هَارُوْنَ الشَّارِي الخَارِجِيّ وَحَمْدَان بن حمدُوْنَ التَّغْلِبِيّ عَلَى المَوْصِل، وَقبض الْمُوفق عَلَى ذِي الوزَارتين صَاعِد، وَأَخَذَ أَمْوَاله، وَاسْتَكْتَب إِسْمَاعِيْل بن بلْبل، وَهَاجت بقَايَا الزَّنج بِوَاسِطَ، وَصَاحُوا: أَنكلاَي يَا مَنْصُوْر، وَهُوَ وَلد الخَبِيْث، وَكَانَ فِي سجن بَغْدَاد هُوَ وَالقوَّاد: ابْن جَامع وَالمُهَلَّبِيّ وَالشّعرَانِيّ، فَأخرجُوا وَصلبُوا.
وَسَارَ الْمُوفق إِلَى كِرْمَان لِحَرْب عَمْرو بن اللَّيْثِ الصَّفَّار.
وَسَارَ يَازمَان الخَادِم أَمِيْر الثُّغُور، فَوَغل فِي أَرْض الرُّوْم، فَقتل وَسبَى، وَرَجَعَ مُؤيّداً، وَأَخَذَ عِدَّة مرَاكب.
وَفِي سَنَةِ 76 وَقَعَ الرِّضَى عَنِ الصَّفَّار، وَكَتَبَ اسْمه عَلَى الأَعْلاَم وَالأَترسَة.
وَتمت بَيْنَ مُحَمَّد بن أَبِي السَّاج وَخمَارويه وَقعَات، ثُمَّ انْكَسَرَ مُحَمَّد.
وَاتَّفَقَ يَازمَان مَعَ صَاحِب مِصْر، وَخطب لَهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ خمَارويه بِخِلَعٍ وَذَهَبٍ عَظِيْم.
وَاسْتَوْلَى رَافع بن هَرْثَمَة عَلَى طَبَرِسْتَان. وَعَاد
__________
(1) في الأصل: أحد، بالرفع، وهو خطأ.
(2) في الأصل: سعدا، بالنصب، وهو خطأ.

(12/551)


الْمُوفق إِلَى بَغْدَادَ مَرِيْضاً مِنْ نقرس، ثُمَّ صَارَ دَاء الْفِيل، وَقَاسَى بلاَء، فَكَانَ يَقُوْلُ: فِي دِيْوَانِي مائَة أَلْف مُرْتَزق، مَا أَصْبَحَ فِيْهِم أَسوَأَ حَالاً منِي، ثُمَّ مَاتَ.
وَفِي سَنَةِ 78 ظُهُور القرَامطَة بِأَعْمَال الكُوْفَة.
وَحَاصَرَ يَازمَان الخَادِم حصناً لِلْعدو، فَجَاءَ حجر، فَقَتَلَهُ، وَكَانَ مَهِيْباً، مُفْرِط الشَّجَاعَة.
وَفِي سَنَةِ 79 خلع الْمُفَوض بن المُعْتَمِد مِنْ وَلاَيَة الْعَهْد، وَقَدِمَ عَلَيْهِ أَبُو العَبَّاسِ الْمُعْتَضد بن الْمُوفق.
نَهَضَ بِذَلِكَ الأُمَرَاء.
وَفِيْهَا منع أَبُو العَبَّاسِ القُصَّاص وَالمنجِّمِيْن، وَأَلزم الكتبيين أَنْ لاَ يَبِيْعُوا كُتُب الفلسفَة وَالجَدَل، وَضعف أَمر عَمّه المُعْتَمِد مَعَهُ، ثُمَّ مَاتَ فَجْأَةً لإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَة بقيت مِنْ رَجَب، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، بِبَغْدَادَ، وَنقل فَدُفِنَ بِسَامَرَّاء.
فَكَانَتْ خِلاَفَته ثَلاَثاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً وَثَلاَثَة أَيَّام.
وَقِيْلَ: كَانَ نَحِيْفاً ثُمَّ سَمِن، وَأَسرع إِلَيْهِ الشّيب.
مَاتَ بِالقصر الحسنِي مَعَ النّدَمَاء وَالمَطَربين، أَكل فِي ذَلِكَ اليَوْم رُؤُوْس الجدَاء، فَيُقَالُ: سُمَّ، وَمَاتَ مَعَهُ مِنْ أَكل مِنْهَا.
وَقِيْلَ: نَام، فغمُوهُ (1) ببسَاط.
وَقِيْلَ: سُمّ فِي كَأَس، وَأَدخلُوا إِلَيْهِ إِسْمَاعِيْل القَاضِي وَالشُّهُود، فَلَمْ يرُوا بِهِ أَثراً.
وَاسْتُخْلف أَبُو العَبَّاسِ الْمُعْتَضد.
وَكَانَتْ عريب جَارِيَة المُعْتَمِد ذَات أَمْوَال جَزِيْلَة، وَلَهَا فِي المُعْتَمِد مدَائِح.
وَكَانَ يَسْكَرُ وَيعربد عَلَى النّدَمَاء - سَامحه الله -.
وَكَانَتْ دولتُه بهمَّة أَخِيْهِ الْمُوفق لاَ بَأْسَ بِهَا.
وَللمعتمد مِنَ الْبَنِينَ: المفوّض جَعْفَر، وَمُحَمَّد، وَعَبْد العَزِيْزِ،
__________
(1) أي: غطوه.

(12/552)


وَإِسْحَاق، وَعُبَيْد اللهِ، وَعَبَّاس، وَإِبْرَاهِيْم، وَعِيْسَى، وَعِدَّةُ بنَات.
وَكَتَبَ لَهُ سُلَيْمَان بن وَهْب، ثُمَّ عبيد الله بن يَحْيَى بنِ خَاقَان، وَغَيْرهُمَا.

211 - أَحْمَدُ بنُ الخَصِيْبِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ الجَرْجَرَائِيُّ أَبُو العَبَّاسِ *
الوَزِيْر الكَبِيْر، أَبُو العَبَّاسِ ابْن أَمِيْر مِصْرَ.
اسْتَوْزَرَهُ المُنْتَصِر، ثُمَّ الْمُسْتَعِين.
وَارْتَفَعَ شَأْنه، ثُمَّ نُكب، وَنَفَاهُ الْمُسْتَعِين إِلَى الْغرب فِي سَنَةِ 248.
الصُّوْلِيّ: عَنِ الحُسَيْن بن يَحْيَى: أَن ابْن الْخَصِيب كَانَ يتَصَدَّق كُلّ يَوْم بِخَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، فَلَمَّا نُكب بَقِيَ يتصدَّق بِخَمْسِيْنَ دِرْهَماً، وَيُقَلِّل نفقَة نَفْسه.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي طَاهِر: كَانَ يحتَدّ وَيُخرج رجلَه مِنَ الرِّكَاب، فيرفس مَنْ يرَاجعه.
فَقُلْتُ:
قُلْ لِلْخَلِيْفَةِ يَا ابْنَ عَمِّ مُحَمَّدٍ ... شَكِّلْ وَزِيْرَكَ إِنَّهُ مَحْلُوْلُ
فَلِسَانُهُ قَدْ جَالَ فِي أَعْرَاضِنَا ... وَالرِّجْلُ مِنْهُ فِي الصُّدُوْرِ تَجُوْلُ (1)
تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَلَمَّا عُزل صُودِرَ، وَأُركب حِمَاراً، وَهُوَ فِي سلسلَة.
__________
(*) تاريخ الطبري: الجزء التاسع، الكامل لابن الأثير: الجزء السابع، العبر 2 / 29، 30، الوافي بالوفيات 6 / 372، شذرات الذهب 2 / 149.
(1) البيتان في " الوافي بالوفيات ": 6 / 373.

(12/553)


212 - يَزِيْدُ بنُ سِنَانِ بنِ يَزِيْدَ بنِ ذَيَّالٍ أَبُو خَالِدٍ البَصْرِيُّ * (س)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو خَالِدٍ البَصْرِيُّ، القَزَّازُ، مَوْلَى قُرَيْش، نَزَل مِصْر.
وَهُوَ أَخُو مُحَمَّد بن سِنَانٍ القَزَّاز، صَاحِب ذَاكَ الجُزْء المَشْهُوْر.
حدَّث يَزِيْد عَنْ: يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّان، وَمُعَاذ بن هِشَامٍ، وَالعَقَدِيّ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ، وَطَبَقَتهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيّ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِي، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيّ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبِي حَاتِمٍ، وَأَهْل مِصْر.
وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ ثِقَةً، إِمَاماً، نَبِيلاً (1) .
صَنَّفَ (المُسْنَد)، وَمَاتَ وَهُوَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ بِمِصْرَ.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَأَخُوْهُ:

213 - أَبُو الحَسَنِ القَزَّازُ (2) **
سَمِعَ: رَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَعُمَر بن يُوْنُسَ، وَمُحَمَّد بن بَكْرٍ البُرْسَانِيّ، وَعِدَّة.
__________
(*) الجرح والتعديل 9 / 267، تهذيب الكمال: 1534، تذهيب التهذيب 4 / 176 / 2، ميزان الاعتدال 4 / 428، تهذيب التهذيب 11 / 335، خلاصة تذهيب الكمال: 432، المنتظم 5 / 49.
(1) " الجرح والتعديل " 9 / 267، و" ميزان الاعتدال " 4 / 428، كما وثقه النسائي.
(2) هو محمد بن سنان.
(* *) تذهيب التهذيب 3 / 209 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 575، العبر 2 / 48، الوافي بالوفيات 3 / 140، تهذيب التهذيب 9 / 206، 207، خلاصة تذهيب الكمال: 339، شذرات الذهب 2 / 161.

(12/554)


رَوَى عَنْهُ: المَحَامِلِيُّ، وَابْن صَاعِدٍ، وَإِسْمَاعِيْل الصَّفَار.
اتَّهمه أَبُو دَاوُدَ، وَكذَّبه.
وَأَمَّا الدَّارَقُطْنِيّ، فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
مَاتَ: بِبَغْدَادَ، فِي رَجَبٍ، سَنَة إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
فَأَمَّا:

214 - يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ سِنَانٍ أَبُو فَرْوَةَ الرُّهَاوِيُّ *
المُحَدِّثُ، أَبُو فَرْوَة الرُّهَاوِيُّ.
فسَمِعَ أَبَاهُ، وَالحَسَن بن مُوْسَى الأَشْيَب، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَجَمَاعَة.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، فِي رَمَضَانَ، بِالرُّهَا.

215 - ابْنُ المُنَادِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ ** (خَ)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، شَيْخُ وَقْتِهِ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّد بن أَبِي دَاوُدَ عُبَيْد اللهِ بن يَزِيْدَ البَغْدَادِيّ، المُنَادِي.
__________
(*) الجرح والتعديل 9 / 266، الأنساب 6 / 195، تاريخ ابن كثير 11 / 42.
(1) قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 9 / 266، 267: سألت أبي عن يزيد ابن سنان، فقال: محله الصدق، والغالب عليه الغفلة، يكتب حديثه، ولا يحتج به.
وعن يحيى بن معين، قال: يزيد بن سنان أبو فروة ليس بشيء.
وسئل علي بن المديني عن يزيد بن سنان، فقال: ضعيف الحديث.
(* *) الجرح والتعديل 8 / 3، تاريخ بغداد 2 / 326، 329، الأنساب، ورقة: 542 / ب، اللباب 3 / 258، تهذيب الكمال: 1237، تذهيب التهذيب 3 / 229 / 1، العبر 2 / 50، تهذيب التهذيب 9 / 325، 327، النجوم الزاهرة 3 / 68، 69، خلاصة تذهيب الكمال: 350، شذرات الذهب 2 / 163، المنتظم 5 / 87.

(12/555)


مَوْلِدُهُ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ: حَفْصَ بنَ غِيَاثٍ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقَ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَأَبَا بَدْرٍ شُجَاعَ بنَ الوَلِيْدِ، وَرَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، لَكِنْ وَهِمَ فَسَمَّاهُ أَحْمَد (1) ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَحَفِيْده أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ المُنَادِي، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَإِسْمَاعِيْل الصَّفَّار، وَعُثْمَان بن أَحْمَدَ الدَّقَّاق، وَأَبُو سَهْلٍ القَطَّان، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (2) .
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: كتب عَنِّي يَحْيَى بن مَعِيْنٍ حَدِيْثاً رويته عَنْ أَبِي النَّضْرِ.
وَقَالَ حَفِيْده أَبُو الحُسَيْنِ: مَاتَ جَدِّي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ مائَة سَنَةٍ وَسنَة وَأَرْبَعَة أَشْهُر، وَاثْنَا عشرَ يَوْماً.
قُلْتُ: وَقَعَ لَنَا مِنْ مُوَافقَاته ذَاكَ الحَدِيْث الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْهُ.
__________
(1) الحديث الذي وهم فيه البخاري بابن المنادى هو ما أخرجه الخطيب البغدادي في " تاريخه " 2 / 328 بإسناده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب: " إن الله أمرني أن أقرئك القرآن، وأقرأ عليك القرآن ".
قال أبي: وسماني لك ؟ قال: " نعم ".
قال: وقد ذكرت عند رب العالمين ؟ قال: " نعم ". فذرفت عيناه.
ثم قال الخطيب: أخبرنا البرقاني، أخبرنا أبو بكر الاسماعيلي، أخبرني محمد بن أحمد بن القاسم، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أبو جعفر بن المنادي، حدثنا روح بنحوه، روى البخاري هذا الحديث في " صحيحه " عن ابن المنادي إلا أنه سماه أحمد.
قال الحافظ في الفتح 8 / 558، تعليقا على قول البخاري، حدثنا أحمد بن أبي داود أبو جعفر المنادي كذا وقع عند الفربري عن البخاري، والذي وقع عند النسفي: حدثني أبو جعفر المنادي حسب، فكأن تسميته من قبل الفربري، فعلى هذا لم يصب من وهم البخاري فيه.
(2) " الجرح والتعديل " 8 / 3.

(12/556)


216 - ابْنُ البُسْتَنْبَانِ الحَسَنُ بنُ سَعِيْدٍ الفَارِسِيُّ (1) *
وَيُقَالُ: الحُسَيْنُ الفَارِسِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، البَزَّازُ، قرَابَة سَعْدَان بن نَصْرٍ.
سَمِعَ: سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ، وَمُعَمَّر بن سُلَيْمَانَ، وَأَبَا بَدْرٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: القَاضِي المَحَامِلِيّ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَابْن مَخْلَدٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الأَدَمِيّ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، أَتينَاهُ فَلَمْ نصَادفه (2) .
وَقَالَ ابْنُ مَخْلَد: تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، يُكْنَى أَبَا عَلِيٍّ.

217 - مُسْلِمٌ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الحَجَّاجِ بنِ مُسْلِمٍ القُشَيْرِيُّ ** (ت)
هُوَ الإِمَامُ الكَبِيْرُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، الحُجَّةُ، الصَّادِقُ، أَبُو الحُسَيْنِ مُسْلِمُ
__________
(1) مترجم في " توضيح المشتبه " لابن ناصر الدين الدمشقي، ورقة 2 / 65 / 2، وقد ضبطها فقال: بموحدة مضمومة، ثم سين مهملة ساكنة، ثم مثناة فوق مفتوحة، ثم نون ساكنة، ثم موحدة مفتوحة، ثم الالف تليها النون.
والكلمة فارسية تقال للذي يحفظ البستان والكرم.
وانظر " الأنساب " للسمعاني 2 / 206، و" اللباب " 1 / 150، 151.
* الجرح والتعديل 3 / 16، تاريخ بغداد 7 / 324، توضيح المشتبه 2 / 65 / 2.
(2) " الجرح والتعديل " 3 / 16، و" تاريخ بغداد " 7 / 324.
(* *) الجرح والتعديل 8 / 182، 183، الفهرست: 286، تاريخ بغداد 13 / 100، 104، طبقات الحنابلة 1 / 337، 339، الأنساب، ورقة: 453 / ب، اللباب 3 / 38، جامع الأصول 1 / 187، تهذيب الأسماء واللغات: الجزء الثاني من القسم الأول، ص: 89، 92، وفيات الأعيان 5 / 194، 196، تهذيب الكمال: 1323، 1324، تذهيب التهذيب 4 / 37 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 588، 590، العبر 2 / 23، تاريخ ابن كثير 11 / 33، 35، المنتظم 5 / 32، تهذيب التهذيب 10 / 126، 128، النجوم الزاهرة 3 / 33، طبقات الحفاظ: 260، خلاصة تذهيب الكمال: 375، شذرات الذهب 2 / 144، 145.

(12/557)


بنُ الحَجَّاجِ بنِ مُسْلِمِ بنِ وَرْدِ بنِ كوشَاذَ القُشَيْرِيُّ (1) ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، صَاحِبُ (الصَّحِيْحِ)، فَلَعَلَّهُ مِنْ مَوَالِي قُشَيْرٍ.
قِيْلَ: إِنَّهُ وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ.
وَأَوَّلُ سَمَاعِه فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ مِنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى التَّمِيْمِيِّ، وَحَجَّ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَهُوَ أَمردُ، فسَمِعَ بِمَكَّةَ مِنَ: القَعْنَبِيِّ - فَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ - وَسَمِعَ بِالْكُوْفَةِ مِنْ: أَحْمَدَ بنِ يُوْنُسَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَأَسرَعَ إِلَى وَطَنِهِ، ثُمَّ ارْتَحَلَ بَعْدَ أَعْوَامٍ قَبْلَ الثَّلاَثِيْنَ.
وَأَكْثَرَ عَنْ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، لَكِنَّهُ مَا رَوَى عَنْهُ فِي (الصَّحِيْحِ) شَيْئاً.
وَسَمِعَ: بِالعِرَاقِ، وَالحَرَمَيْنِ، وَمِصْرَ.
ذِكْرُ شُيُوْخِهِ عَلَى المُعْجَمِ
رَوَى عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ خَالِدٍ اليَشْكُرِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ دِيْنَارٍ التَّمَّارِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ زِيَادٍ سَبَلاَنَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ عَرْعَرَةَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى، وَأَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ، وَأَحْمَدَ بنِ جَنَابٍ، وَأَحْمَدَ بنِ جَوَّاسٍ، وَأَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ خِرَاشٍ، وَأَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ سِنَانٍ، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ الكُرْدِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَهْبٍ، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ الأَوْدِيِّ، وَأَبِي الجَوْزَاءِ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ عُمَرَ الوَكِيْعِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ عِيْسَى التُّسْتَرِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَأَحْمَدَ بنِ المُنْذِرِ القَزَّازِ، وَأَحْمَدَ بنِ مَنِيْعٍ، وَأَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ السُّلَمِيِّ، وَإِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَإِسْحَاقَ بنِ عُمَرَ

(12/558)


بنِ سَلِيْطٍ، وَإِسْحَاقَ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَإِسْحَاقَ بنِ مُوْسَى، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ - لَقِيَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ - وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ الخَلِيْلِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ سَالِمٍ الصَّائِغِ، وَأُمَيَّةَ بنِ بِسْطَامَ.
وَبِشْرِ بنِ الحَكَمِ، وَبِشْرِ بنِ خَالِدٍ، وَبِشْرِ بنِ هِلاَلٍ.
وَجَعْفَرِ بنِ حُمَيْدٍ.
وَحَاجِبِ بنِ الوَلِيْدِ، وَحَامِدِ بنِ عُمَرَ البَكْرَاوِيِّ، وَحِبَّانَ بنِ مُوْسَى، وَحَجَّاجِ بنِ الشَّاعِرِ، وَحَرْمَلَةَ بنِ يَحْيَى، وَالحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ الحَرَّانِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ الرَّبِيْعِ البُوْرَانِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الخَلاَّلِ، وَالحَسَنِ بنِ عِيْسَى بنِ مَاسِرْجِسَ، وَالحُسَيْنِ بنِ حُرَيْثٍ، وَالحُسَيْنِ بنِ عِيْسَى البِسْطَامِيِّ، وَالحَكَمِ بنِ مُوْسَى، وَحَمَّادِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُلَيَّةَ، وَحُمَيْدِ بنِ مَسْعَدَةَ.
وَخَالِدِ بنِ خِدَاشٍ، وَخَلَفِ بنِ هِشَامٍ.
وَدَاوُدَ بنِ رُشَيْدٍ، وَدَاوُدَ بنِ عَمْرٍو.
وَرِفَاعَةَ بنِ الهَيْثَمِ الوَاسِطِيِّ.
وَزَكَرِيَّا بنِ يَحْيَى كَاتِبِ العُمَرِيِّ، وَزُهَيْرِ بنِ حَرْبٍ، وَزِيَادِ بنِ يَحْيَى الحَسَّانِيِّ.
وَسُرَيْجِ بنِ يُوْنُسَ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الكَرَابِيْسِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ عَمْرٍو الأَشْعَثِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ مُحَمَّدٍ الجَرْمِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ يَحْيَى بنِ الأَزْهَرِ، وَسَعِيْدِ بنِ يَحْيَى الأُمَوِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ الخُتَّلِيِّ، وَسَهْلِ بنِ عُثْمَانَ، وَسُوَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ.
وَشُجَاعِ بنِ مَخْلَدٍ، وَشِهَابِ بنِ عَبَّادٍ، وَشَيْبَانَ بنِ فَرُّوْخٍ.
وَصَالِحِ بنِ حَاتِمٍ، وَصَالِحِ بنِ مِسْمَارٍ، وَالصَّلْتِ بنِ مَسْعُوْدٍ.
وَعَاصِمِ بنِ النَّضْرِ، وَعَبَّادِ بنِ مُوْسَى، وَعَبَّاسِ بنِ عَبْدِ العَظِيْمِ، وَعَبَّاسِ بنِ الوَلِيْدِ النَّرْسِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَرَّادٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ البَرْمَكِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الصَّبَّاحِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ زُرَارَةَ، وَعَبْدِ اللهِ الدَّارِمِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ أَبَانٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ الرُّوْمِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ الخَرَّازِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَسْمَاءَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُطِيْعٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ هَاشِمٍ، وَعَبْدِ الجَبَّارِ بنِ العَلاَءِ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ بَيَانٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ بِشْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ بَكْرِ بنِ الرَّبِيْعِ بنِ

(12/559)


مُسْلِمٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَلاَّمٍ الجُمَحِيِّ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ شُعَيْبٍ، وَعَبْدِ الوَارِثِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَعَبْدِ بنِ حُمَيْدٍ.
وَعُبَيْدِ اللهِ القَوَارِيْرِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ خُنَيْسٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُعَاذٍ، وَعُبَيْدِ بنِ يَعِيْشَ، وَعُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَعُقْبَةَ بن مُكْرَمٍ العَمِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ حُجْرٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ، وَعَلِيِّ بنِ حَكِيْمٍ الأَوْدِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ خَشْرَمٍ، وَعَلِيِّ بنِ نَصْرٍ، وَعُمَرَ بنِ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَعَمْرِو بنِ حَمَّادٍ، وَعَمْرِو بنِ زُرَارَةَ، وَعَمْرِو بنِ سَوَادٍ، وَعَمْرِو بنِ عَلِيٍّ، وَعَمْرٍو النَّاقِدِ، وَعَوْنِ بنِ سَلاَّمٍ، وَعِيْسَى بنِ حَمَّادٍ.
وَالفَضْلِ بنِ سَهْلٍ.
وَالقَاسِمِ بنِ زَكَرِيَّا، وَقُتَيْبَةَ، وَقَطَنِ بنِ نُسَيْرٍ.
وَمُجَاهِدِ بنِ مُوْسَى، وَمُحْرِزِ بنِ عَوْنٍ.
وَمُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي خَلَفٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ المُسَيَّبِيِّ، وَبُنْدَارٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ بَكْرِ بنِ الرَّيَّانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ بَكَّارٍ العَيْشِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الوَرْكَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَاتِمٍ السَّمِيْنِ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَرْبٍ النَّشَائِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ رُمْحٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلَمَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَاذَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ الحَافِظِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبَّادٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ طَرِيْفٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الرُّزِّيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَهْمٍ، وَابْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ بنِ حسَابٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو زُنَيْجِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ أَبِي رَوَّادٍ، وَأَبِي كُرَيْبٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ الفَرَجِ الهَاشِمِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ قُدَامَةَ البُخَارِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُثَنَّى، وَمُحَمَّدِ بنِ مَرْزُوقٍ البَاهِلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مِسْكِيْنٍ اليَمَامِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَعْمَرٍ القَيْسِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مِنْهَالٍ الضَّرِيْرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مِهْرَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ النَّضْرِ بنِ مُسَاوِرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ الوَلِيْدِ البُسْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى القُطَعِيِّ، وَمُحَمَّدِ بن يَحْيَى المَرْوَزِيِّ الصَّائِغِ،

(12/560)


وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى العَدَنِيِّ.
وَمَحْمُوْدِ بنِ غَيْلاَنَ، وَمَخْلَدِ بنِ خَالِدٍ الشَّعِيْرِيِّ، وَمِنْجَابِ بنِ الحَارِثِ، وَمَنْصُوْرِ بنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، وَمُوْسَى بنِ قُرَيْشٍ البُخَارِيِّ.
وَنَصْرِ بنِ عَلِيٍّ.
وَهَارُوْنَ بنِ سَعِيْدٍ، وَهَارُوْنَ الحَمَّالِ، وَهَارُوْنَ بنِ مَعْرُوْفٍ، وَهُدْبَةَ، وَهُرَيْمِ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَهَنَّادٍ، وَالهَيْثَمِ بنِ خَارِجَةَ.
وَوَاصِلِ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَالوَلِيْدِ بنِ شُجَاعٍ، وَوَهْبِ بنِ بَقِيَّة.
وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، وَيَحْيَى بنِ بِشْرٍ، وَيَحْيَى بنِ حَبِيْبٍ، وَيَحْيَى بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُعَاوِيَةَ اللُؤْلُؤِيِّ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَيَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَيَعْقُوْبَ الدَّوْرَقِيِّ، وَيُوْسُفَ بنِ حَمَّادٍ المَعْنِيِّ، وَيُوْسُفَ بنِ عِيْسَى المَرْوَزِيِّ، وَيُوْسُفَ بنِ يَعْقُوْبَ الصَّفَّارِ، وَيُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى.
وَأَبِي الأَحْوَصِ البَغَوِيِّ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي أَيُّوْبَ الغَيْلاَنِيِّ سُلَيْمَانَ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ خَلاَّدٍ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ عَبْدِ اللهِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ نَافِعٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي النَّضْرِ، وَأَبِي بَكْرٍ الأَعْيَنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي دَاوُدَ السِّنْجِيِّ سُلَيْمَانَ، وَأَبِي دَاوُدَ المُبَارَكِيِّ سُلَيْمَانَ، وَأَبِي الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيِ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجِّ، وَأَبِي الطَّاهِرِ بنِ السَّرْحِ، وَأَبِي غَسَّانَ المِسْمَعِيِّ مَالِكٍ، وَأَبِي قُدَامَةَ السَّرَخْسِيِّ، وَأَبِي كَامِلٍ الجَحْدَرِيِّ، وَأَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي مَعْمَرٍ الهُذَلِيِّ، وَأَبِي مَعْنٍ الرَّقَاشِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ، وَأَبِي هِشَامٍ الرِّفَاعِيِّ.
وَعِدَّتُهُم: مائَتَانِ وَعِشْرُوْنَ رَجُلاً، أَخرَجَ عَنْهُم فِي (الصَّحِيْحِ).
وَلهُ شُيُوْخٌ سِوَى هَؤُلاَءِ لَمْ يُخرجْ عَنْهُم فِي (صَحِيْحِهِ)، كَعَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، وَعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ.
وَقَدْ ذَكرَ الحَاكِمُ فِي شُيُوْخِ مُسْلِمٍ أَبَا غَسَّانَ مَالِكاً النَّهْدِيَّ، وَإِنَّمَا يَرْوِي عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وَلاَ أَدْرَكَه، فَإِنَّهُ - مَعَ أَبِي نُعَيْمٍ - مَاتَ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.

(12/561)


وَقَدْ ذَكرَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ بنُ عَسَاكِرَ فِي (تَارِيْخِهِ) مُسْلِماً بِنَاءً عَلَى سَمَاعِه مِنْ مُحَمَّدِ بنِ خَالِدٍ السَّكْسَكِيِّ فَقَطْ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَقِيَه فِي المَوْسِمِ، فَلَمْ يَكُنْ مُسْلِمٌ لِيَدخُلَ دِمَشْقَ فَلاَ يَسمَعَ إِلاَّ مِنْ شَيْخٍ وَاحِدٍ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
الرَّاوُونَ عَنْهُ
عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ أَبِي عِيْسَى الهِلاَلِيّ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاء - شَيْخه، وَلَكِن مَا أَخرج عَنْهُ فِي (صَحِيْحِهِ)- وَالحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ القَبَّانِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ النَّضْر بن سَلَمَةَ الجَارُوْدِيّ، وَعَلِيّ بن الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ الرَّازِيّ، وَصَالِح بن مُحَمَّدٍ جَزَرَة، وَأَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ فِي (جَامعه)، وَأَحْمَد بن المُبَارَكِ المُسْتَمْلِي، وَعَبْد اللهِ بن يَحْيَى السَّرَخْسِيّ القَاضِي، وَأَبُو سَعِيْدٍ حَاتِم بن أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوْد الكِنْدِيّ البُخَارِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن إِسْحَاقَ الصَّيْرَفِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن أَبِي طَالِبٍ - رَفِيقه - وَإِبْرَاهِيْم بن مُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ، وَإِبْرَاهِيْم بن مُحَمَّدِ بنِ سُفْيَان الفَقِيْه (1) - رَاوِي (الصَّحِيْح)- وَأَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخَفَّاف، وَزَكَرِيَّا بن دَاوُدَ الخَفَّاف، وَعَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الخَفَّاف، وَأَبُو عَلِيٍّ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَلْخِيّ الحَافِظ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبِي حَاتِمٍ، وَعَلِيّ بن إِسْمَاعِيْلَ الصَّفَّار، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَد بن حمدُوْنَ الأَعمشِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ الشَّرْقِيّ، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ حَسْنَوَيْهِ المُقْرِئ - أَحَد الضُّعَفَاء - وَأَحْمَد بن سَلَمَةَ الحَافِظ، وَسَعِيْد بن عَمْرٍو البَرْذَعِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الشَّرْقِيّ، وَالفَضْل بن مُحَمَّدٍ البَلْخِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَة، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ بن
__________
(1) سترد ترجمته في الجزء الرابع عشر برقم (203).

(12/562)


حُمَيْد، وَمُحَمَّد بن مَخْلَدٍ العَطَّار، وَمكِي بن عَبْدَان، وَيَحْيَى بن مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، وَالحَافِظ
أَبُو عَوَانَةَ، وَنَصْر بن أَحْمَدَ بنِ نَصْرٍ الحَافِظ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: أَملَى عَلَيْنَا إِسْحَاقُ الكَوْسَج سَنَة إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، وَمُسْلِم يَنْتخب عَلَيْهِ، وَأَنَا أَستملِي، فَنَظَر إِلَيْهِ إِسْحَاق، وَقَالَ: لَنْ نعْدم الخَيْر مَا أَبقَاك الله لِلْمُسْلِمِيْنَ.
لَمْ يَرْوِ التِّرْمِذِيّ فِي (جَامعه) عَنْ مُسْلِم سِوَى حَدِيْث وَاحِد (1) .
وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ عَسَاكِرَ: حَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ اليَونَارتِي (2) ، قَالَ:
دفع إِلَيّ صَالِح بن أَبِي صَالِحٍ وَرَقَة مِنْ لحَاء شَجَرَة بِخَطّ مُسْلِم، قَدْ كتبهَا بِدِمَشْقَ مِنْ حَدِيْثِ الوَلِيْد بن مُسْلِم.
قُلْتُ: هَذَا إِسْنَاد مُنْقَطِع لاَ يثبت.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَأَبَا حَاتِم يقدِّمَان مسلماً فِي مَعْرِفَةِ الصَّحِيْح عَلَى مَشَايِخ عَصْرهمَا (3) .
وَسَمِعْتُ الحُسَيْن بن مَنْصُوْرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه ذكر مسلماً، فَقَالَ بِالفَارِسيَّة كَلاَماً
__________
(1) وهو قوله صلى الله عليه وسلم " أحصوا هلال شعبان لرمضان " أخرجه في " جامعه " (687) في الصوم: باب ما جاء في إحصاء هلال شعبان لرمضان عن مسلم، حدثنا يحيى بن يحيى، حدثنا أبو معاوية، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
(2) اليونارتي، بضم الياء، وسكون الواو، وفتح النون، وسكون الالف والراء، وفي آخرها تاء: نسبة إلى يونارت، وهي قرية على باب أصبهان، ينسب إليها الحافظ أبو نصر الحسن بن محمد بن إبراهيم. وقد توفي بأصبهان في حدود 530 ه.
وهو مترجم في " اللباب " 3 / 421.
(3) " تاريخ بغداد " 13 / 101، و" طبقات الحنابلة " 1 / 338، و" تهذيب الأسماء واللغات " الجزء الثاني من القسم الأول: 91، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 589، و" جامع الأصول " 1 / 187، و" البداية والنهاية " 11 / 33.

(12/563)


مَعْنَاهُ: أَي رَجُل يَكُوْن هَذَا (1) ؟!
ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: وَعُقِد لمُسْلِم مَجْلِسُ الذَّاكرَة، فَذُكِرَ لَهُ حَدِيْثٌ لَمْ يَعْرِفه، فَانْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَأَوْقَدَ السَّرَّاجَ، وَقَالَ لِمَنْ فِي الدَّار: لاَ يَدْخُل أَحَد مِنْكُم.
فَقِيْلَ لَهُ: أُهدِيَت لَنَا سَلَّةُ تمر.
فَقَالَ: قَدِّموهَا.
فَقَدَّموهَا إِلَيْهِ، فَكَانَ يَطَّلِب (2) الحَدِيْث، وَيَأخذ تمرَة تمرَة، فَأصبح وَقَدْ فنِي التَّمْر، وَوجد الحَدِيْث.
رَوَاهَا: أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِم.
ثُمَّ قَالَ: زَادنِي الثِّقَة مِنْ أَصْحَابنَا أَنَّهُ مِنْهَا مَاتَ (3) .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَ مُسْلِم ثِقَة مِنَ الحُفَّاظِ، كَتَبْتُ عَنْهُ بِالرَّيّ، وَسُئِلَ أَبِي عَنهُ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ (4) .
قَالَ أَبُو قُرَيْش الحَافِظ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّار يَقُوْلُ:
حُفَّاظ الدُّنْيَا أَرْبَعَة: أَبُو زُرْعَةَ بِالرَّيّ، وَمُسْلِم بِنَيْسَابُوْرَ، وَعَبْد اللهِ الدَّارِمِيّ بِسَمَرْقَنْدَ، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ بِبُخَارَى.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 102 وفيه: قال: مردا كابن بوذ...الخبر.
والخبر في " تذكرة الحفاظ " 2 / 589 و" تهذيب الكمال ": 1324 و" تذهيب التهذيب " 4 / 37 / 1.
(2) في " تاريخ بغداد ": يطلب.
(3) الخبر مع قول أبي عبد الله في " تاريخ بغداد " 13 / 103، و" تهذيب الكمال ": 1324، و" تذهيب التهذيب " 4 / 37 / 1، و" البداية والنهاية " 11 / 34، و" تهذيب التهذيب " 10 / 127.
(4) " الجرح والتعديل " 8 / 83 وتوثيق أبي حاتم مسلما مع أنه تلميذ للبخاري، والبخاري أوثق منه وأحفظ، دليل على أن مقالة أبي حاتم وأبي زرعة في حق البخاري صادرة عن تعصب وهوى، فإن مسلما يقول أيضا بمقالة البخاري في مسألة اللفظ.
والخبر في " تذكرة الحفاظ " 2 / 589، و" تهذيب التهذيب " 10 / 128.
(5) سبق هذا الخبر في الصفحة: 423، وخرج ثمة.

(12/564)


قَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ: سَأَلْت الحَافِظ ابْن عقدَة عَنِ البُخَارِيّ وَمُسْلِم: أَيهُمَا أَعْلَم؟
فَقَالَ: كَانَ مُحَمَّد عَالِماً، وَمُسْلِم عَالِم.
فكرّرت عَلَيْهِ مرَاراً، فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، قَدْ يَقَع لمُحَمَّد الْغَلَط فِي أَهْل الشَّام، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَخذ كتبهُم، فَنَظَر فِيْهَا، فَرُبَّمَا ذكر الوَاحِد مِنْهُم بِكُنْيَتِهِ، وَيذكره فِي مَوْضِع آخر بِاسْمه، يتوهُم أَنَّهُمَا اثْنَانِ، وَأَمَّا مُسْلِم فَقَلَّمَا يَقَع لَهُ مِنَ الْغَلَط فِي العِلَل، لأَنَّه كتب المسَانيد، وَلَمْ يَكْتُب المقَاطيع وَلاَ المرَاسيل (1) .
قُلْتُ: عَنَى بِالمقَاطيع أَقْوَال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِيْنَ فِي الفِقْهِ وَالتَّفْسِيْر.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَم الحَافِظ: إِنَّمَا أَخْرَجَتْ نَيْسَابُوْرُ ثَلاَثَةَ رِجَال: مُحَمَّد بن يَحْيَى، وَمُسْلِم بن الحَجَّاجِ، وَإِبْرَاهِيْم بن أَبِي طَالِبٍ.
وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ المَاسَرْجِسِي: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ مسلماً يَقُوْلُ: صنَّفْتُ هَذَا (المُسْنَد الصَّحِيْح) مِنْ ثَلاَث مائَة أَلْف حَدِيْث مَسْمُوْعَة (2) .
قَالَ ابْنُ مَنْدَة: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الأَخْرَم يَقُوْلُ مَا مَعْنَاهُ: قلَّ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 102 و" جامع الأصول " 1 / 188، وفيهما: لأنه كتب المقاطيع والمراسيل.
وهو خطأ. والخبر بلفظه في " البداية والنهاية " 11 / 34 و" تذكرة الحفاظ ": 2 / 589.
وفي " تهذيب التهذيب " 10 / 128 بلفظ: لأنه كتب الحديث على وجهه.
(2) " تاريخ بغداد " 13 / 101، و" طبقات الحنابلة " 1 / 338، و" وفيات الأعيان " 5 / 194 و" تذكرة الحفاظ " 2 / 589، و" مقدمة صحيح مسلم " بشرح النووي: 15، و" جامع الأصول " 1 / 187، 188 و" البداية والنهاية " 11 / 33.

(12/565)


مَا يَفُوْت البُخَارِيّ وَمسلماً (1) مِمَّا ثَبَتَ (2) مِنَ الحَدِيْثِ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ شَيْخاً حسن الوَجْه وَالثِّيَاب، عَلَيْهِ رِدَاء حسن، وَعِمَامَة قَدْ أَرخَاهَا بَيْنَ كَتفيهِ.
فَقِيْلَ: هَذَا مُسْلِم.
فَتَقَدَّم أَصْحَاب السُّلْطَان، فَقَالُوا: قَدْ أَمر أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ أَنْ يَكُوْنَ مُسْلِم بن الحَجَّاجِ إِمَام المُسْلِمِيْنَ، فَقَدَّمُوهُ فِي الجَامِع، فكبَّر، وَصَلَّى بِالنَّاسِ.
قَالَ أَحْمَد بن سَلَمَةَ: كُنْت مَعَ مُسْلِم فِي تَأَلِيف (صَحِيْحه) خَمْسَ عَشْرَةَ سنَة (3) .
قَالَ: وَهُوَ اثْنَا عَشرَ أَلف حَدِيْث (4) .
قُلْتُ: يَعْنِي بِالمُكَرَّر، بِحَيْث إِنَّهُ إِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، وَأَخْبَرْنَا ابْنُ رمح يُعدَّان حَدِيْثَيْنِ، اتَّفَقَ لَفْظهُمَا أَوِ اخْتَلَف فِي كَلِمَة.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ مَنْدَة: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيّ الحَافِظ يَقُوْلُ:
مَا تَحْتَ أَديم السَّمَاء كِتَاب أَصحّ مِنْ كِتَابِ مُسْلِم.
__________
(1) في الأصل: ومسلم، بالرفع، وهو خطأ.
(2) الخبر في " جامع الأصول " 1 / 188 بلفظ: يثبت.
وإن كان يراد من هذا الخبر ما دوناه في " صحيحيهما " ففيه نظر، لأنه قد فاتهما كثير من الأحاديث الصحيحة استدركها عليهما من ألف في الصحيح كابن خزيمة وابن حبان وغيرهما.
(3) في " مقدمة صحيح مسلم " بشرح النووي: 14: ست عشرة سنة.
(4) مجموع ما في " صحيح مسلم " من الأحاديث غير المكررة (3033) حديثا.
والخبر في " تذكرة الحفاظ " 2 / 589.
(5) " تاريخ بغداد " 3 / 101، و" وفيات الأعيان " 5 / 194، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 589، و" جامع الأصول " 1 / 188، و" البداية والنهاية " 11 / 33 وقد قال ابن كثير في " البداية والنهاية " 11 / 33 في ترجمة مسلم: صاحب " الصحيح " الذي هو تلو صحيح البخاري عند أكثر العلماء.
وذهبت المغاربة وأبو علي النيسابوري من المشارقة إلى تفضيل صحيح مسلم على صحيح البخاري، فإن أرادوا تقديمه عليه في كونه ليس فيه شيء من التعليقات إلا القليل، وأنه يسوق الأحاديث بتمامها في موضع واحد، ولا يقطعها كتقطيع =

(12/566)


........................................................
__________
= البخاري لها في الابواب، فهذا القدر لا يوازي قوة أسانيد البخاري واختياره في " الصحيح " لها ما أورده في " جامع " معاصرة الراوي لشيخه وسماعه منه.
وقال ابن حجر في " تهذيب التهذيب " 10 / 127: حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله، بحيث إن بعض الناس كان يفضله على " صحيح " محمد بن إسماعيل، وذلك لما اختص به من جمع الطرق، وجودة السياق والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع ولا رواية بمعنى.
وقال الامام النووي رحمه الله في " شرحه لصحيح مسلم ": 14: اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز: " الصحيحان " البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول.
وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة.
وقد صح أن مسلما
كان ممن يستفيد من البخاري، ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث.
وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار الذي قاله الجماهير وأهل الاتقان والحذق والغوص على أسرار الحديث.
وقال أبو علي الحسين بن علي النيسابوري الحافظ شيخ الحاكم أبي عبد الله بن البيع: كتاب مسلم أصح، ووافقه بعض شيوخ المغرب، والصحيح الأول.
وقد قرر الامام الحافظ الفقيه النظار أبو بكر الاسماعيلي رحمه الله في كتابه " المدخل " ترجيح كتاب البخاري، وروينا عن الامام أبي عبد الرحمن النسائي رحمه الله أنه قال: ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب البخاري.
قلت: (القائل النووي) ومن أخصر ما ترجح به اتفاق العلماء على أن البخاري أجل من مسلم وأعلم بصناعة الحديث منه، وقد انتخب علمه عليه ولخص ما ارتضاه في هذا الكتاب، وبقي في تهذيبه وانتقائه ست عشرة سنة، وجمعه من ألوف مؤلفة من الأحاديث الصحيحة...ومما ترجح به كتاب البخاري أن مسلما رحمه الله كان مذهبه، بل نقل الاجماع في أول " صحيحه " أن الإسناد المعنعن له حكم الموصول ب: سمعت بمجرد كون المعنعن والمعنعن عنه كانا في عصر واحد، وإن لم يثبت اجتماعهما، والبخاري لا يحمله على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما، وهذا المذهب.
يرجح كتاب البخاري...وقد انفرد مسلم بفائدة حسنة، وهي كونه أسهل متناولا من حيث انه جعل لكل حديث موضعا واحدا يليق به، جمع فيه طرقه التي ارتضاها واختار ذكرها، وأورد فيه أسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة فيسهل على الطالب النظر في وجوهه واستثمارها، ويحصل له الثقة بجميع ما أورده مسلم من طرقه بخلاف البخاري، فإنه يذكر تلك الوجوه المختلفة في أبواب متفرقة متباعدة، وكثير منها يذكره في غير بابه الذي يسبق إلى الفهم أنه أولى به، وذلك لدقيقة يفهمهما البخاري منه، فيصعب على الطالب جمع طرقه وحصول الثقة بجميع ما ذكره البخاري من طرق هذا الحديث.

(12/567)


وَقَالَ مَكِّيّ بن عبدَان: سَمِعْتُ مسلماً يَقُوْلُ:
عرضت كِتَابِي هَذَا (المُسْنَد) عَلَى أَبِي زُرْعَةَ، فُكُلُّ مَا أَشَار عليّ فِي هَذَا الكِتَاب أَن لَهُ عِلَّة وَسبباً تركته، وَكُلّ مَا قَالَ: إِنَّهُ صَحِيْح لَيْسَ لَهُ علَّة، فَهُوَ الَّذِي أَخرجت.
وَلَوْ أَنَّ أَهْل الحَدِيْث يَكْتُبُوْنَ الحَدِيْث مَائَتَي سنَة، فمدَارهُم عَلَى هَذَا (المُسْنَد (1)).
فسَألتُ مسلماً عَنْ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ (2) ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، وَلَكِنَّهُ كَانَ جَهْمِيّاً.
فسَأَلته عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ، فَقَالَ: لاَ يُكْتُب عَنْهُ.
وَسَأَلته عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن بِشْرٍ، فَوثّقهُمَا.
وَسَأَلته عَنْ قَطَن بن إِبْرَاهِيْمَ، فَقَالَ: لاَ يُكْتُب حَدِيْثه.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِم: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ النَّجَّار، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُوْلُ:
قُلْتُ لمُسْلِم: قَدْ أَكْثَرت فِي (الصَّحِيْحِ) عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوهبِي، وَحَاله قد ظَهر، فَقَالَ: إِنَّمَا نقمُوا عَلَيْهِ بعد خُرُوْجِي مِنْ مِصْرَ.
قُلْتُ: لَيْسَ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) مِنَ العوَالِي إِلاَّ مَا قلَّ، كَالقَعْنَبِيّ عَنْ أَفلح بن حُمَيْد، ثُمَّ حَدِيْث حَمَّاد بن سَلَمَةَ، وَهَمَّام وَمَالِك وَاللَّيْث، وَلَيْسَ فِي الكِتَاب حَدِيْث عَال لشُعْبَة، وَلاَ للثَّوْرِي، وَلاَ لإِسْرَائِيْل، وَهُوَ
__________
(1) " مقدمة صحيح مسلم " بشرح النووي: 15.
(2) هو علي بن الجعد بن عبيد الجوهري أبو الحسن البغدادي تقدمت ترجمته في الجزء العاشر برقم (154).

(12/568)


كِتَاب نَفِيس كَامِل فِي مَعْنَاهُ، فَلَمَّا رَآهُ الحُفَّاظ أُعجبُوا بِهِ، وَلَمْ يَسْمَعُوهُ لِنُزُولِهِ، فعمدُوا إِلَى أَحَادِيْث الكِتَاب، فسَاقوهَا مِنْ مرويَّاتِهم عَالِيَة بدرجَة وَبِدَرَجَتَيْنِ، وَنَحْو ذَلِكَ، حَتَّى أَتَوا عَلَى الجَمِيْع هَكَذَا، وَسَمَّوهُ: (الْمُسْتَخْرج (1) عَلَى صَحِيْح مُسْلِم).
فعلَ ذَلِكَ عِدَّة مِنْ فُرْسَان الحَدِيْث، مِنْهُم: أَبُو بكر مُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ رَجَاءَ (2) ، وَأَبو عَوَانَة يَعْقُوْب
__________
(1) المستخرج: أن يأتي - من يريد تصنيف المستخرج - إلى كتاب البخاري ومسلم، فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه عن غير طريق البخاري أو مسلم فيجتمع إسناد المصنف المستخرج مع إسناد البخاري ومسلم في شيخه أو من فوقه بدرجة أو أكثر.
والمستخرج لا يلتزم في متن الحديث لفظ الكتاب الذي استخرج عليه، بل يروي الألفاظ التي وقعت له عن شيوخه مع الاتفاق في المعنى.
وربما وقعت المخالفة أيضا في المعنى، فلا يجوز أن تعزى متون ألفاظ المستخرجات إلى الكتاب الذي استخرج عليه إلا أن يعرف اتفاقهما في اللفظ، ولذا نرى الحذاق من المحدثين يقولون بعد عزو الحديث لمن أخرجه: وأصله في " الصحيحين ".
فشرط المستخرج ألا يروى حديث البخاري ومسلم عنهما.
بل يروي حديثهما عن غيرهما، وقد يرويه عن شيوخهما، أو أرفع من ذلك ولا بد أن يكون بسند صحيح.
وللمستخرجات فوائد جليلة.
أحدها: أن ما كان فيها من زيادة لفظ أو تتمة لمحذوف أو زيادة شرح في حديث أو نحو ذلك حكم بصحته، لأنها خارجة من مخرج الصحيح.
ثانيها: أنها قد تكون أعلى إسنادا.
ثالثها: قوة الحديث بكثرة طرقه للترجيح عند التعارض.
رابعها: ما يقع فيها من حديث المدلسين بتصريح السماع، وهو في الصحيح بالعنعنة.
خامسها: ما يقع فيها من التصريح بالاسماء المبهمة والمهملة في الصحيح في الإسناد
أو المتن.
سادسها: ما يقع فيها من الفصل للكلام المدرج في الحديث مما ليس من الحديث.
ويكون في الصحيح غير مفصل.
سابعها: ما يقع فيها من الأحاديث المصرح برفعها، وتكون في أصل الصحيح موقوفة أو كصورة الموقوفة.
ثامنها: ما يقع فيها من حديث المختلطين عمن سمع منهم قبل الاختلاط، وهو في الصحيح من حديث من اختلط ولم يبين هل سماع ذلك الحديث فيه في هذه الراوية قبل الاختلاط أو بعدها.
(2) متوفى سنة 286 ه، مترجم في " تذكرة الحفاظ " ص 686.

(12/569)


بن إِسْحَاقَ (1) الإِسْفَرَايِيْنِي - وَزَاد فِي كِتَابِهِ متوناً مَعْرُوْفَة بَعْضهَا لَيِّنٌ - وَالزَّاهِدُ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ حَمْدَانَ (2) الحِيْرِيّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ حَسَّان بن مُحَمَّدٍ (3) الفَقِيْه، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الشَّاركِي الهَرَوِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن زَكَرِيَّا الجوزقِي (4) ، وَالإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ المَاسَرْجِسِي (5) ، وَأَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الأَصْبَهَانِيّ (6) ، وَآخَرُوْنَ لاَ يحضرنِي ذكرهُم الآنَ (7) .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَوْلاَ البُخَارِيّ مَا رَاح مُسْلِم وَلاَ جَاءَ (8) .
وَقَالَ الحَاكِمُ: كَانَ مَتْجَر مُسْلِم خَان مَحْمِش، وَمعَاشه مِنْ ضيَاعه بِأُستُوَا (9) .
رَأَيْت مِنْ أَعقَابه مِنْ جِهَة البنَات فِي دَاره، وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ مُسْلِم بن الحَجَّاجِ يُحَدِّث فِي خَان مَحمِش، فَكَانَ تَامّ القَامَة، أَبْيَض الرَّأْس وَاللِّحْيَة، يُرْخِي طرف عِمَامَته بَيْنَ كَتفيهِ.
قَالَ أَبُو قُرَيْش الحَافِظ: كُنَّا عِنْد أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيّ، فَجَاءَ مُسْلِم
__________
(1) متوفى سنة 316 ه، مترجم في " تذكرة الحفاظ " ص 779.
(2) متوفى سنة 311 ه، مترجم في " تذكرة الحفاظ " ص 762.
(3) متوفى سنة 344 ه، مترجم في " تذكرة الحفاظ " ص 895.
(4) متوفى سنة 388 ه، مترجم في " تذكرة الحفاظ " ص 1014.
(5) في الأصل، أبو الحسن الماسرجسي، وهو خطأ، واسمه الحسين بن محمد، توفي سنة 365 ه، انظر " تذكرة الحفاظ " ص 955، 956.
(6) المتوفى سنة 430 ه، مترجم في " تذكرة الحفاظ " ص 1092 - 1097.
(7) منهم أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد الخوارزمي البرقاني المتوفى سنة 425، عمل مستخرجا على " الصحيحين ".
(8) " تاريخ بغداد " 13 / 102. و" جامع الأصول " 1 / 188، و" البداية والنهاية " 11 / 34.
(9) أستوا، بالضم ثم السكون وضم التاء المثناة وواو وألف: كورة من نواحي نيسابور، تشتمل على ثلاث وتسعين قرية.

(12/570)


بن الحَجَّاجِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَجَلَسَ سَاعَة، وَتذَاكرَا.
فَلَمَّا ذهب، قُلْتُ لأَبِي زُرْعَةَ: هَذَا جَمَعَ أَرْبَعَة آلاَف حَدِيْث فِي (الصَّحِيْحِ)!
فَقَالَ: وَلِمَ تَرَكَ البَاقِي؟ لَيْسَ لِهَذَا عقل، لَوْ دَارَى مُحَمَّدَ بن يَحْيَى، لصَار رَجُلاً.
قَالَ سَعِيْد البَرْذَعِيّ: شهِدت أَبَا زُرْعَةَ ذكر (صَحِيْح مُسْلِم)، وَأَنَّ الفَضْل الصَّائِغ أَلّف عَلَى مثَاله، فَقَالَ: هَؤُلاَءِ أَرَادُوا التَّقَدُّم قَبْل أَوَانه، فعملُوا شَيْئاً يتسوقُوْنَ بِهِ.
وَأَتَاه يَوْماً رَجُل بِكِتَابِ مُسْلِم، فَجَعَلَ يَنْظُر فِيْهِ، فَإِذَا حَدِيْث لأَسْبَاط بن نَصْرٍ، فَقَالَ: مَا أَبعد هَذَا مِنَ (الصَّحِيْح).
ثُمَّ رَأَى قَطَنَ بنَ نُسَيْر، فَقَالَ لِي: وَهَذَا أَطَم.
ثُمَّ نظر، فَقَالَ: وَيَرْوِي عَنْ أَحْمَدَ بن عِيْسَى، وَأَشَار إِلَى لِسَانه، كَأَنَّهُ يَقُوْلُ الْكَذِب.
ثُمَّ قَالَ: يُحَدِّث عَنْ أَمْثَال هَؤُلاَءِ، وَيترك ابْن عَجْلاَن، وَنظرَاءهُ، وَيُطَرِّق لأَهْلِ البِدَع عَلَيْنَا، فيَقُوْلُوا: لَيْسَ حَدِيْثهُم مِنَ الصَّحِيْح؟
فَلَمَّا ذَهَبتُ إِلَى نَيْسَابُوْرَ ذَكَرْتُ لمُسْلِمٍ إِنْكَار أَبِي زُرْعَةَ.
فَقَالَ: إِنَّمَا أَدخلت مِنْ حَدِيْثِ أَسْبَاط وَقَطَن وَأَحْمَد مَا رَوَاهُ ثِقَات، وَقَعَ لِي بِنُزُول، وَوَقَعَ لِي عَنْ هَؤُلاَءِ بارتفَاع، فَاقتصرت عَلَيْهِم.
وَأَصْل الحَدِيْث مَعْرُوْف.
وَقَدْ قَدِمَ مُسْلِم بَعْدُ إِلَى الرَّيِّ، فَاجْتَمَع بِابْنِ وَارَةَ، فَبلغنِي أَنَّهُ عَاتبه عَلَى (الصَّحِيْحِ)، وَجفَاهُ، وَقَالَ لَهُ نَحْواً مِنْ قَوْل أَبِي زُرْعَةَ: إِنَّ هَذَا يُطَرِّق لأَهْلِ البِدَع عَلَيْنَا، فَاعتذرَ، وَقَالَ: إِنَّمَا قُلْتُ: صِحَاح، وَلَمْ أَقُلْ: مَا لَمْ أُخَرِّجْه ضَعِيْف، وَإِنَّمَا أَخرجت هَذَا مِنَ الصَّحِيْح ليَكُوْن مجموعاً لمَنْ يَكْتُبه.
فَقبل عذره، وَحدثه.
وَقَالَ مَكِّيّ بن عَبْدَان: وَافَى دَاوُد بن عَلِيٍّ الأَصْبَهَانِيّ نَيْسَابُوْر أَيَّام إِسْحَاق بن رَاهْوَيْه، فعقدُوا لَهُ مَجْلِس النَّظَر، وَحضر مَجْلِسه يَحْيَى بن الذُّهْلِيّ، وَمُسْلِم بن الحَجَّاجِ، فجرت مسَألَة تَكَلَّمَ فِيْهَا يَحْيَى، فَزَبَرَهُ دَاوُد.

(12/571)


قَالَ: اسْكُتْ يَا صَبِيّ، وَلَمْ يَنْصره مُسْلِم.
فَرَجَعَ إِلَى أَبِيْهِ، وَشكَا إِلَيْهِ دَاوُد، فَقَالَ أَبُوْهُ: وَمَنْ كَانَ ثَمَّ؟
قَالَ: مُسْلِم، وَلَمْ يَنْصرنِي.
قَالَ: قَدْ رَجَعت عَنْ كُلّ مَا حدثته بِهِ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ مسلماً، فَجَمَعَ مَا كتب عَنْهُ فِي زِنْبِيْل، وَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ، وَقَالَ: لاَ أَرُوِي عَنْكَ أَبَداً.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: علقت هَذِهِ الحِكَايَة، عَنْ طَاهِر بن أَحْمَدَ، عَنْ مكِي، وَقَدْ كَانَ مُسْلِم يَخْتَلِف بَعْد هَذِهِ الوَاقعَة إِلَى مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، وَإِنَّمَا انْقَطَع عَنْهُ مِنْ أَجل قِصَّة البُخَارِيّ (1) .
وَكَانَ الحَافِظ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الأَخْرَمِ أَعْرَف بِذَلِكَ، فَأَخبر عَنِ الوحشَة الأَخيرَة.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كَانَ مُسْلِم بن الحَجَّاجِ يُظْهِر القَوْل بِاللَّفْظ، وَلاَ يَكْتُمهُ، فَلَمَّا اسْتوطن البُخَارِيّ نَيْسَابُوْر أَكْثَر مُسْلِم الاخْتِلاَف إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَقَعَ بَيْنَ البُخَارِيّ وَالذُّهْلِيّ مَا وَقَعَ فِي مَسْأَلَة اللَّفْظ، وَنَادَى عَلَيْهِ، وَمنع النَّاس مِنَ الاخْتِلاَف إِلَيْهِ، حَتَّى هُجِر، وَسَافَرَ مِنْ نَيْسَابُوْر، قَالَ: فَقطعه أَكْثَر النَّاس غَيْر مُسْلِم.
فَبلغ مُحَمَّد بن يَحْيَى، فَقَالَ يَوْماً: أَلاَ مَنْ قَالَ بِاللَّفْظ فَلاَ يحلّ لَهُ أَنْ يحضر مَجْلِسنَا.
فَأَخَذَ مُسْلِم رِدَاءهُ فَوْقَ عِمَامَته، وَقَامَ عَلَى رُؤُوْس النَّاس.
ثُمَّ بعثَ إِلَيْهِ بِمَا كتب عَنْهُ عَلَى ظَهر جمَّال.
قَالَ: وَكَانَ مُسْلِم يُظْهِر القَوْل بِاللَّفْظ وَلاَ يَكْتُمهُ (2) .
قَالَ أَبُو حَامِدٍ بن الشَّرْقِيّ: حضَرت مَجْلِس مُحَمَّد بن يَحْيَى، فَقَالَ: أَلاَ مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآن مَخْلُوْق، فَلاَ يحضر مَجْلِسنَا. فَقَامَ مُسْلِم مِنَ المَجْلِس (3) .
__________
(1) انظر قصة البخاري مع محمد بن يحيى في الصفحة 453 وما بعدها من هذا الجزء.
(2) سبق الخبر في الصفحة 460 من هذا الجزء.
(3) سبق الخبر في الصفحة 460، وهو في " تاريخ بغداد " 13 / 103، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 589.

(12/572)


قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ مُسْلِم ينَاضل عَنِ البُخَارِيّ، حَتَّى أَوحش مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّد بن يَحْيَى بِسَبِبِهِ (1) .
قُلْتُ: ثُمَّ إِن مسلماً - لحدَة فِي خلقه - انْحَرَفَ أَيْضاً عَنِ البُخَارِيّ، وَلَمْ يَذْكُر لَهُ حَدِيْثاً، وَلاَ سَمَّاهُ فِي (صَحِيْحِهِ)، بَلِ افتَتَح الكِتَاب بِالحط عَلَى مَنْ اشْترط اللُّقِي لِمَنْ رَوَى عَنْهُ بصيغَة: عَنْ، وَادَّعَى الإِجْمَاع فِي أَنَّ المعَاصرَة كَافيَةٌ، وَلاَ يتَوَقَّف فِي ذَلِكَ عَلَى العِلْم بِالتقَائِهِمَا، وَوبخ مِنِ اشْترط ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا يَقُوْلُ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيّ، وَشَيْخه عَلِيّ بن المَدِيْنِيِّ، وَهُوَ الأَصوب الأَقْوَى.
وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِع بسط هَذِهِ المسَألَة (2) .
قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ بنُ عَسَاكِرَ فِي أَوِّلِ (الأَطرَاف (3)) لَهُ بَعْدَ أَنْ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 13 / 103، و" وفيات الأعيان " 5 / 194 و" تذكرة الحفاظ " 2 / 589، 590 و" البداية والنهاية " 11 / 34.
(2) من مرجحات " صحيح البخاري " على " صحيح مسلم " أن مسلما صرح في مقدمة " صحيحه " أن الحديث المروي بلفظ " عن " له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعن والمعنعن عنه، وإن لم يثبت اجتماعهما.
والبخاري لا يحمله على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة واحدة.
وقد تكلم مسلم في مقدمة كتابه في الرواية بالعنعنة، وأنه شرط فيها البخاري ملاقاة الراوي لمن عنعن عنه، وأطال في رد كلام البخاري والتهجين عليه، ولم يصرح أنه البخاري، وإنما اتفق أهل العلم أنه أراده، ورد مقالته، ثم قال: إن كل حديث فيه: فلان عن فلان وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد، وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي قد سمعه منه، وشافهه به، غير أنا لا نعلم له منه سماعا، ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط، أو تشافها بحديث، فالرواية ثابتة، والحجة بها لازمة.
وقال: إن هذا هو القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالاخبار والروايات قديما وحديثا.
والخلاف بين البخاري ومسلم في الحديث المروي بلفظ " عن " فقط، وأما ما كان بلفظ " أخبرنا " و" حدثنا " و" أنبأنا " فهو ومسلم فيه سواء، فإنه لا يكون إلا بالمشافهة.
(3) أطراف الحافظ ابن عساكر جمع فيه أطراف الكتب الأربعة، وهي: سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة.
وقد جمع أطراف " الصحيحين " من قبله الحافظان: أبو محمد خلف بن محمد الواسطي، وأبو مسعود إبراهيم بن محمد الدمشقي. ثم عمد الحافظ =

(12/573)


ذكر (صَحِيْح البُخَارِيِّ): ثُمَّ سلك سَبِيلهُ مُسْلِم بن الحَجَّاجِ، فَأَخَذَ فِي تَخْرِيج كِتَابِه وَتَأَلِيفه، وَتَرْتِيْبه عَلَى قسمِيْن، وَتَصْنِيْفه.
وَقصد أَنْ يَذْكُرفِي الْقسم الأَوّل أَحَادِيْث أَهْل الإِتْقَان، وَفِي الْقسم الثَّانِي أَحَادِيْثَ أَهْل السّتْر وَالصِّدْق الَّذِيْنَ لَمْ يبلّغُوا دَرَجَة الْمُتَثَبِّتِينَ، فَحَالت المنيَة بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الأُمنيَة، فَمَاتَ قَبْلَ اسْتِتَام كِتَابه.
غَيْر أَنَّ كِتَابهُ مَعَ إِعوازه اشْتَهَرَ وَانتشر.
وَقَالَ الحَاكِمُ: أَرَادَ مُسْلِم أَنْ يخرج (الصَّحِيْح) عَلَى ثَلاَثَة أَقسَام، وَعَلَى ثَلاَث طَبَقَات مِنَ الرُّوَاة، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا فِي صَدْر خطبَته، فَلَمْ يقدّر لَهُ إِلاَّ الفرَاغ مِنَ الطَّبَقَة الأُوْلَى، وَمَاتَ.
ثُمَّ ذكر الحَاكِم مَقَالَة هِيَ مُجَرّد دعوَى، فَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يَذْكُر مِنَ الأَحَادِيْث إِلاَّ مَا رَوَاهُ صحَابِي مَشْهُوْر لَهُ رَاويَان ثِقَتَانِ فَأَكْثَر، ثُمَّ يَرْوِيْهِ عَنْهُ أَيْضاً رَاويَان ثِقَتَانِ فَأَكْثَر، ثُمَّ كَذَلِكَ مِنْ بَعْدهُم.
فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الجَيَّانِي: المرَاد بِهَذَا أَنَّ هَذَا الصَّحَابِيّ أَوْ هَذَا التَّابِعِيّ قَدْ رَوَى عَنْهُ رَجُلاَنِ، خَرَجَ بِهِمَا عَنْ حدّ الجهَالَة.
قَالَ القَاضِي عِيَاض: وَالَّذِي تَأَوّله الحَاكِم عَلَى مُسْلِم مِنِ اخترَام
__________
= المزي صاحب " تهذيب الكمال " إلى جمع أطراف الكتب الستة في كتاب واحد وهو غاية في الجودة وقد طبع بتمامه في الهند واسمه " تحفة الاشراف لمعرفة الاطراف ".
قال فيه صاحب القاموس: إنه كتاب معدوم النظير، مفعم الغدير، يشهد لمؤلفه على اطلاع كثير، وحفظ كبير.
اختصره الشيخ عبد الغني النابلسي في كتابه " ذخائر المواريث ". وهو مطبوع.
وموضوع كتب الاطراف أنهم يذكرون فيها حديث الصحابي مفردا كما يصنع أصحاب المسانيد إلا أنهم لا يذكرون من الحديث إلا طرفا يعرف به، ثم يذكرون جميع طرق الشيخين وأهل السنن الأربع وما اشتركوا فيه من الطرق، وما اختص به كل واحد منهم، وإذا اشترك أهل الكتب الستة في رواية حديث أو بعضهم، أو انفرد به بعضهم ذكروا أين ذكر كل واحد منهم ذلك الحديث في كتابه، وإن ذكره أحدهم مفرقا في موضعين أو أكثر ذكروا كل واحد من الموضعين، فيسهل بذلك معرفة طرق الحديث والبحث عن أسانيده يكتفي الباحث بمطالعة كتاب منها عن مطالعة جميع هذه الكتب الستة، ويتمكن بالنظر فيها من معرفة موضع الحديث منها.

(12/574)


المنيَة لَهُ قَبْل اسْتيفَاء غَرَضه إِلاَّ مِنَ الطَّبَقَة الأُوْلَى (1) ، فَأَنَا أَقُوْل: إِنَّك إِذَا نظرت فِي تَقْسِيم مُسْلِم فِي كِتَابِهِ الحَدِيْث عَلَى ثَلاَث طَبَقَات مِنَ النَّاس عَلَى غَيْر تكرَار، فَذَكَرَ أَنَّ الْقسم الأَوّل حَدِيْث الحُفَّاظ.
ثُمَّ قَالَ: إِذَا انقضَى هَذَا، أَتبعته بأَحَادِيْث مَنْ لَمْ يُوصف بِالحذق وَالإِتْقَان.
وَذكر أَنَّهُم لاَحقُوْنَ بِالطَّبَقَة الأُوْلَى، فَهَؤُلاَءِ مَذْكُوْرُوْنَ فِي كِتَابِهِ لِمَنْ تدبر الأَبْوَاب.
وَالطَّبَقَة الثَّانِيَة قَوْم تَكَلَّمَ فِيْهِم قَوْم، وَزكَّاهُم آخرُوْنَ، فَخَرَجَ حَدِيْثهُم عَمَّنْ ضعّف أَوِ اتهُم بِبدعَة، وَكَذَلِكَ فعل البُخَارِيّ.
ثُمَّ قَالَ القَاضِي عِيَاض: فعِنْدِي أَنَّهُ أَتَى بطَبَقَاتِهِ الثَّلاَث فِي كِتَابِهِ، وَطرح الطَّبَقَة الرَّابِعَة (2) .
قُلْتُ: بَلْ خَرَّجَ حَدِيْث الطَّبَقَة الأُوْلَى، وَحَدِيْث الثَّانِيَة إِلاَّ النَّزْر القَلِيْل مِمَّا يَسْتَنكره لأَهْلِ الطَّبَقَة الثَّانِيَة.
ثُمَّ خَرَجَ لأَهْلِ الطَّبَقَة الثَّالِثَة أَحَادِيْث لَيْسَتْ بِالكَثِيْرَة فِي الشوَاهد وَالاعتبَارَات وَالمتَابعَات، وَقلَّ أَن خَرَّجَ لَهُم فِي الأُصُوْل شَيْئاً، وَلَوِ اسْتوعبت أَحَادِيْث أَهْل هَذِهِ الطَّبَقَة فِي (الصَّحِيْحِ)، لجَاءَ الكِتَاب فِي حجم مَا هُوَ مَرَّةً أُخْرَى، وَلنزل كِتَابهُ بِذَلِكَ الاسْتيعَاب عَنْ رُتْبَة الصّحَّة، وَهُم كعَطَاء بن السَّائِبِ، وَلَيْث، وَيَزِيْد بن أَبِي زِيَادٍ، وَأَبَان بن صمعَة، وَمُحَمَّد بن إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّد بن عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَطَائِفَة أَمْثَالهم، فَلَمْ يخرج لَهُم إِلاَّ الحَدِيْث بَعْد الحَدِيْث إِذَا كَانَ لَهُ أَصْل، وَإِنَّمَا يَسُوق أَحَادِيْث هَؤُلاَءِ، وَيُكثر مِنْهَا أَحْمَد فِي (مُسْنِدِهِ)،
__________
(1) وإلى هذا ذهب صاحب الحاكم أبو بكر البيهقي رحمه الله. انظر " مقدمة صحيح مسلم " بشرح النووي: 23.
(2) انظر ما قاله القاضي عياض رحمه الله في " مقدمة صحيح مسلم " بشرح النووي: 23.

(12/575)


وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيّ، وَغَيْرهُم.
فَإِذَا انحطُوا إِلَى إِخْرَاج أَحَادِيْث الضُّعَفَاء الَّذِيْنَ هُم أَهْل الطَّبَقَة الرَّابِعَة، اخْتَارُوا مِنْهَا، وَلَمْ يَسْتَوعبُوهَا عَلَى حسب آرَائِهِم وَاجْتِهَادَاتهم فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا أَهْل الطَّبَقَة الخَامِسَة، كمن أُجمع عَلَى اطرَاحه وَتركه لعدم فَهمه وَضَبطه، أَوْ لِكَوْنِهِ مُتهماً، فَينْدر أَنْ يخرّج لَهُم أَحْمَد وَالنَّسَائِيّ.
وَيورد لَهُم أَبُو عِيْسَى فَيُبَيِّنهُ بِحَسب اجْتِهَاده، لَكِنَّه قَلِيْل.
وَيورد لَهُم ابْن مَاجَهْ أَحَادِيْث قَلِيْلَة وَلاَ يبين - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
وَقلّ مَا يُورد مِنْهَا أَبُو دَاوُدَ، فَإِنْ أَورد بَيْنَهُ فِي غَالِب الأَوقَات (1) .
وَأَمَّا أَهْل الطَّبَقَة السَّادِسَة كغلاَة الرَّافِضَة وَالجَهْمِيَّة الدعَاة، وَكَالكَذَّابين وَالوضَّاعِين، وَكَالمَتْرُوْكِيْنَ المهتوكين، كَعمر بن الصُّبْح، وَمُحَمَّد المَصْلُوب، وَنُوْح بن أَبِي مَرْيَمَ، وَأَحْمَد الجُويبارِي، وَأَبِي حُذَيْفَةَ البُخَارِيّ، فَمَا لَهُم فِي الكُتُب حَرْف، مَا عدَا عُمَر، فَإِنَّ ابْنَ مَاجَهْ خَرَّجَ لَهُ حَدِيْثاً وَاحِداً (2) فَلَمْ يُصب.
وَكَذَا خَرَجَ ابْن مَاجَهْ لِلْوَاقِدِيّ حَدِيْثاً وَاحِداً،
__________
(1) نقل الحافظ ابن حجر عن النووي قوله: في سنن أبي داود أحاديث ظاهرة الضعف لم يبينها مع أنه متفق على ضعفها، فلا بد من تأويل كلامه. ثم قال: والحق أن ما وجدناه في " سننه " مما لم يبينه ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد، أو رأى العارف في سنده ما يقتضي الضعف، ولا جابر له، حكم بضعفه، ولا يلتفت إلى سكوت أبي داود.
قلت: وهذا هو التحقيق، ولكنه خالف ذلك في مواضع كثيرة في " شرح المهذب " وفي غيره من تصانيفه فاحتج بأحاديث كثيرة من أجل سكوت أبي داود عليها، فلا تغتر بذلك.
نقله عنه الصنعاني في " توضيح الافكار " 1 / 199.
وانظر ما قاله محمود محمد خطاب في " المنهل العذب المورود فيما سكت عليه أبو داود " 1 / 18.
(2) هو في سننه برقم " 2768 " في الجهاد: باب فضل الرباط في سبيل الله من طريق محمد بن إسماعيل بن سمرة، حدثنا محمد بن يعلى السلمي، حدثنا عمر بن صبح، عن عبد الرحمن بن عمرو، عن مكحول، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لرباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من غير شهر رمضان أعظم أجرا من عبادة مئة سنة =

(12/576)


فَدَلَّسَ اسْمه وَأَبهمه (1) .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفضل أَحْمَد بن هِبَةِ اللهِ، عَنِ المُؤَيَّد بن مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيّ، وَأَجَاز لنَا القَاسِم ابْن غَنِيْمَة، قَالَ:
أَخْبَرَنَا المُؤَيَّدُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الفرَّاوِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَافِرِ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الجُلُودِي سَنَة خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سُفْيَان، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا شَيْبَان، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ معقل بن يَسَار، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيْهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوْتُ يَوْمَ يَمُوْتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ) (2) .
__________
= صيامها وقيامها، ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرا من عبادة ألف سنة صيامها وقيامها، فإن رده الله إلى أهله سالما لم تكتب عليه سيئة ألف سنة، وتكتب له الحسنات، ويجرى له أجر الرباط ".
قال البوصيري في " الزوائد " ورقة 177: هذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن يعلى
وشيخه عمر بن صبح، ومكحول لم يدرك أبي بن كعب ومع ذلك فهو مدلس وقد عنعنه، وقال عبد العظيم المنذري في كتاب " الترغيب والترهيب " 2 / 245 في باب الرباط: وآثار الموضع ظاهرة عليه، ولا عجب، فراويه عمر بن صبح الخراساني، ولولا أنه في الأصول ما ذكرته، وقال الحافظ ابن كثير في " جامع المسانيد ": أخلق بهذا الحديث أن يكون موضوعا لما فيه من المجازفة، ولأنه من رواية عمر بن صبح أحد الكذابين المعروفين بوضع الحديث.
(1) اورده في " سننه " برقم (1095) في إقامة الصلاة: باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة، فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا شيخ لنا، عن عبد الحميد، عن محمد ابن يحيى بن حبان، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن ابيه، قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته " قال المزي في ورقة 625 ورواه، عبد بن حميد، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن الواقدي، عن عبد الحميد بن جعفر، قلت: لكن متن الحديث صحيح من غير طريق الواقدي، فقد رواه، أبو داود (1078) وابن ماجة (1095) باسناد صحيح كما قال البوصيري في " الزوائد " ورقه 72.
(2) هو في صحيح مسلم (142) في الايمان: باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار، وفي الامارة: باب فضيلة الامام العادل، وأخرجه البخاري 13 / 112، 113 من طريق أبي نعيم، عن أبي الاشهب بهذا الإسناد، وهو في " المسند " 5 / 25 و27.

(12/577)


وَبِهِ: حَدَّثَنَا مُسْلِم، حَدَّثَنَا أَحمد بن عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُس، حَدَّثَنَا عَاصِم بن مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ عَبْدُ اللهِ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ اثْنَانِ (1)).
قَرَأْتُ عَلَى زَيْنَب بِنْت عُمَر بن كندِي، عَنِ المُؤَيَّد، وَأَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ أَبِي بَكْرٍ الإِرْبِلِيّ (2) ، أَخْبَرَنَا المُؤَيَّدُ، أَخْبَرَنَا الفرَاوِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَافِرِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ عَمْرَوَيْه، حَدَّثَنَا ابْنُ سُفْيَانَ، سَمِعْتُ مسلماً، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مسلمَة (3) ، حَدَّثَنَا أَفلح بن حُمَيْدٍ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
كُنْتُ أَغتسل أَنَا وَرَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاء وَاحِد، تخْتَلف أَيدينَا فِيْهِ مِنَ الجنَابَة (4) .
فَصْلٌ : عَدِيّ بن عميرَة الكِنْدِيّ خَرَّجَ لَهُ مُسْلِم، مَا رَوَى عَنْهُ غَيْر قيس بن أَبِي حَازِمٍ.
وَخَرجَ مُسْلِم لقطبَة بن مَالِك، وَمَا حَدَّثَ عَنْهُ سِوَى زِيَاد بن عِلاَقَةَ.
وَخَرَجَ مُسْلِم لطَارِق بن أَشيم، وَمَا رَوَى عَنْهُ سِوَى وَلده أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ.
وَخَرَّجَ لنبيشَة الخَيْر، وَمَا رَوَى عَنْهُ إِلاَّ أَبُو المَلِيْحِ الهُذَلِيّ.
ذكرنَا هَؤُلاَءِ نقضاً عَلَى مَا ادَعَاهُ الحَاكِم مِنْ أَنَّ الشَيْخين مَا خرجَا إِلاَّ لِمَنْ رَوَى عَنْهُ اثْنَانِ فصَاعِدَا.
__________
(1) هو في مسلم (1820) في أول الامارة، وأخرجه البخاري 6 / 389 من طريق أبي الوليد، عن عاصم بن محمد بهذا الإسناد.
(2) بكسر الهمزة.
وسكون الراء وفتح الباء الموحدة، وفي آخرها اللام: هذه النسبة إلى إربل، وهي قلعة على مرحلتين من الموصل.
(3) في الأصل: مسلم وهو خطأ، وعبد الله بن مسلمة هو القعنبي.
(4) هو في صحيح مسلم (321) (45) في الحيض: باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة، وأخرجه البخاري 1 / 320، 321 في الغسل: باب هل يدخل الجنب يده في الاناء..من طريق عبد الله بن مسلمة بهذا الإسناد.

(12/578)


نَقَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِم: أَن مُحَمَّد بن عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاء قَالَ:
كَانَ مُسْلِم بن الحَجَّاجِ مِنْ عُلَمَاءِ النَّاس، وَمِن أَوْعِيَة العِلْم.
الحَاكِم: سَمِعْتُ أَبَا الفَضْل مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَأَبَا حَاتِم يقدمَان مُسْلِم بن الحَجَّاجِ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحِيْح عَلَى مَشَايِخ عَصْرهِمَا.
ثُمَّ ذكر مصنفَات إِمَام أَهْل الحَدِيْث مُسْلِم -رَحِمَهُ اللهُ- كِتَاب (المُسْنَد الكَبِيْر) عَلَى الرِّجَال، وَمَا أُرَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ أَحَد، كِتَاب (الجَامِع عَلَى الأَبْوَاب)، رَأَيْت بَعْضه بِخَطِّهِ، كِتَاب (الأَسَامِي (1) وَالكنَى)، كِتَاب (المُسْنَد الصَّحِيْح)، كِتَاب (التمِييز)، كِتَاب (العِلَل)، كِتَاب (الوُحْدَان)، كِتَاب (الأَفرَاد)، كِتَاب (الأَقْرَان)، كِتَاب (سُؤَالاَته أَحْمَد بن حَنْبَلٍ)، كِتَاب (عَمْرو بن شُعَيْبٍ)، كِتَاب (الاَنتفَاع بِأُهُب السِّبَاع)، كِتَاب (مَشَايِخ مَالِك)، كِتَاب (مَشَايِخ الثَّوْرِيّ)، كِتَاب (مَشَايِخ شُعْبَة)، كِتَاب (مِنْ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ رَاو وَاحِد)، كِتَاب (المخضرمِيْن)، كِتَاب (أَوْلاَد الصَّحَابَة)، كِتَاب (أَوهَام المُحَدِّثِيْنَ)، كِتَاب (الطَّبَقَات)، كِتَاب (أَفرَاد الشَّامِيّين).
ثُمَّ سرد الحَاكِم تَصَانِيْف لَهُ لَمْ أَذْكُرهَا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ مسلماً يَقُوْلُ:
إِذَا قَالَ ابْنُ جُرَيْج: حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَسَمِعْتُ، فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا شَيْء أَثْبَت مِنْ هَذَا (2) .
قَالَ مَكِّيّ بن عبدَان: سَمِعْتُ مسلماً يَقُوْلُ:
لَوْ أَنَّ أَهْل الحَدِيْث يَكْتُبُوْنَ الحَدِيْث مَائَتَي سَنَةٍ، فمدَارُهُم عَلَى هَذَا (المُسْنَد) (3) .
__________
(1) في " تذكرة الحفاظ " 2 / 590: الأسماء.
(2) وذلك لان ابن جريج على جلالة قدره واتساع دائرته في الحفظ، كان مشهورا بالتدليس، فإذا صرح بالتحديث فقد انتفت شبهة تدليسه.
(3) سبق الخبر في الصفحة: 568.

(12/579)


قُلْتُ: عَنَى بِهِ (مُسْنده الكَبِيْر (1)).
وَعَنِ ابْنِ الشَّرْقِيّ، عَنْ مُسْلِم، قَالَ:
مَا وضعت فِي هَذَا (المُسْنَد) شَيْئاً إِلاَّ بحجّة، وَلاَ أَسقطت شيئاً مِنْهُ إِلاَّ بحجّة (2) .
تُوُفِّيَ مُسْلِم: فِي شَهْر رَجَب، سَنَة إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، بِنَيْسَابُوْرَ، عَنْ بِضْع وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، وَقَبْره يزَار.

218 - المُسُوْحِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ *
شَيْخُ الزُّهَّادِ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ، المُسُوْحِيُّ (3) .
حَكَى عَنْ: بِشْرِ بنِ الحَارِثِ، وَصَحِبَ سَرِيّاً السَّقَطِيَّ.
وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ عُقدتْ لَهُ حَلْقَةٌ بِبَغْدَادَ لِلْكَلاَمِ فِي الحَقَائِقِ.
حَكَى عَنْهُ: الجُنَيْدُ، وَابْنُ مَسْرُوْقٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الجَرِيْرِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ.
وَقِيْلَ: صَحِبَه أَبُو حَمْزَةَ البَغْدَادِيُّ.
قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ، سَمِعُوا أَبَا حَمْزَةَ يَقُوْلُ كَثِيْراً: حَسَنٌ أُسْتَاذُنَا، رَحِمَ اللهُ حَسَناً.
__________
(1) في قوله: عنى به " مسنده الكبير " وقفة، فإن الخبر قد تقدم في ص: 568 بسياق أتم، وهذا يدل على أنه يريد بذلك " صحيحه " هذا لا " المسند " الذي لم يسمعه أحد.
(2) " تذكرة الحفاظ " 2 / 590.
(*) تاريخ بغداد 7 / 366، 367، الأنساب، ورقة: 530 / ب، اللباب 3 / 213، النجوم الزاهرة 3 / 24، 25.
(3) المسوحي، بضم الميم والسين، وسكون الواو وفي آخرها حاء مهملة: هذه النسبة إلى المسوح، وهو جمع مسح.
قال ابن الأثير في اللباب: ولعله لقب به على الضد لأنه كان يدخل البادية بإزار ورداء.

(12/580)


قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: كَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ فِي جَامعِ بَغْدَادَ، ثُمَّ بَعْدَهُ حَلْقَةُ أَبِي حَمْزَةَ البَغْدَادِيِّ.
وَكَانَ المُسُوْحِيُّ لاَ يُجَاوِزُ عِلمَ الوُصُوْلِ وَالعِبَادَاتِ وَالإِرَادَاتِ وَالأَحْوَالِ دُوْنَ المَعَارِفِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ عَذبَ العِبَارَةِ، قَانِعاً، زَاهِداً، يَأْوِي إِلَى مَسْجِدٍ.
وَقَالَ السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ البَغْدَادِيَّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الخُلْدِيُّ، سَمِعْتُ الجُنَيْدَ يَقُوْلُ:
كَلَّمتُ حَسَناً المُسُوْحِيَّ فِي شَيْءٍ مِنَ الأُنُسِ، فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ! الأُنُس (1) ! لوْ مَاتَ مَنْ تَحْتَ السَّمَاءِ مَا اسْتَوحَشتُ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ المُسُوْحِيُّ بَعْدَ سَنَةِ سِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

219 - عِيْسَى بنُ شَاذَانَ البَصْرِيُّ القَطَّانُ * (د)
الحَافِظُ، أَحَدُ مَنْ يُضْرَبُ بِحفظِهِ المَثَلُ.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءَ، وَمُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبِي عُمَرَ الحَوْضِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي سُوَيْدٍ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَأَبو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُبَشِّرٍ الوَاسِطِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَآخَرُوْنَ، وَهُوَ قَدِيْمُ المَوْتِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيِّ.
فَقُلْتُ: وَلاَ عِيْسَى بنُ شَاذَانَ؟
قَالَ: وَلاَ عِيْسَى بنُ شَاذَانَ.
__________
(*) تهذيب الكمال: 1080، تذهيب التهذيب 3 / 128 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 561، تهذيب التهذيب 8 / 212، 213، طبقات الحفاظ: 251، خلاصة تذهيب الكمال: 302.
(1) الخبر في " تاريخ بغداد " 7 / 367 وفيه: ما الانس ؟ (2) " تذكرة الحفاظ " 2 / 561، وقال الذهبي في " تذهيب التهذيب " 3 / 28 / 2: قال أبو داود: ما رأيت أحمد مدح إنسانا قط إلا عيسى بن شاذان، وجاء في " التهذيب ": ذكره ابن حبان في " الثقات ".

(12/581)


قُلْتُ: بَقِيَ إِلَى حُدُوْدِ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَرُوْبَةَ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ شَاذَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي سُوَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا يُوْنُسُ وَحَبِيْبٌ وَهِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الإِيْمَانُ يَمَانٌ، وَالفِقْهُ يَمَانٌ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ) (1) .

220 - الدَّقِيْقِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ * (د، ق)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحُجَّةُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ (2) بنِ الحَكَمِ الوَاسِطِيُّ، الدَّقِيْقِيُّ (3) .
وُلِدَ: بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (52) في الايمان: باب تفاضل أهل الايمان فيه من طريق أبي الربيع الزهراني، عن حماد، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، وأخرجه البخاري 6 / 387 من طريق أبي اليمان عن شعيب عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، وأخرجه أيضا 8 / 76، 77 من طريق محمد بن بشار، عن ابن أبي عدي، عن شعبة عن سليمان الأعمش، عن ذكوان عن أبي هريرة وأخرجه من طريق أبي اليمان عن شعيب، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة.
(*) الجرح والتعديل 8 / 5، تاريخ بغداد 2 / 346، 347، طبقات الحنابلة 1 / 306، الأنساب 5 / 326، اللباب 1 / 505، تهذيب الكمال: 1235، تذهيب التهذيب 3 / 227 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 632، العبر 2 / 34، الوافي بالوفيات 4 / 31، تاريخ ابن كثير 11 / 40، تهذيب التهذيب 9 / 317، 318، النجوم الزاهرة 3 / 42، خلاصة تذهيب الكمال: 349، شذرات الذهب 2 / 151.
(2) تحرفت في " اللباب " 1 / 505 إلى " ثوبان ".
(3) الدقيقي، بفتح الدال المهملة، والياء الساكنة آخر الحروف بين القافين: هذه النسبة إلى الدقيق وبيعه وطحنه.

(12/582)


وَسَمِعَ مِنْ: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَيَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، وَأَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ، وَعَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَبْدِ الوَارِثِ التَّنُّورِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ الحَنَفِيِّ، وَسَلْمِ بنِ سَلاَّمٍ الوَاسِطِيِّ، وَمُعَلَّى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَسَعِيْدِ بنِ سَلاَّمٍ العَطَّارِ، وَمُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَمْرِو بنِ عَاصِمٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، وَخَلْقٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَرَفَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ البَخْتَرِيِّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ العَبَّادَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ (2) .
قُلْتُ: وَقَعَ لِي جزءانِ مِنْ حَدِيْثِهِ.
تُوُفِّيَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ عَبْدِ الهَادِي المَقْدِسِيُّ، أَخْبَرَنَا الفَقِيْهَانِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالاَ:
أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ
__________
(1) " الجرح والتعديل " 8 / 5، و" تاريخ بغداد " 2 / 347، و" الأنساب " 5 / 326
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 347 كما وثقه محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي وقال ابن حجر في " التهذيب ": ذكره ابن حبان في الثقات ".

(12/583)


أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ سَيْفٍ، عَنْ عيَاضِ بنِ عُقْبَةَ الفِهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنْ مَاتَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَقَاهُ اللهُ فِتْنَةَ القَبْرِ) (1) .
غَرِيْبٌ.

221 - الحجَازيُّ أَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ بنِ سُلَيْمَانَ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ بنِ سُلَيْمَانَ الكِنْدِيُّ، الحِمْصِيُّ، المُلَقَّبُ: بِالحِجَازِيِّ المُؤَذِّنِ.
حَدَّثَ عَنْ: بَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَضَمْرَةَ بنِ رَبِيْعَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَرْبٍ، وَأَيُّوْبَ بنِ سُوَيْدٍ الرَّمْلِيِّ، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الدِّمَشْقِيِّ، وَعُقْبَةَ بنِ عَلْقَمَةَ البَيْرُوْتِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَأَبِي المُغِيْرَةِ
__________
(1) ربيعة بين سيف، قال البخاري: عنده مناكير، وقال ابن حبان في " الثقات ": يخطئ كثيرا، وقال عبد الحق الأزدي: ضعيف الحديث عنده مناكير، وشيخه عياض بن عقبة الفهري لم أجد من ترجمه واخرجه أحمد 2 / 169، والترمذي (1074) في الجنائز: باب ما جاء في من مات يوم الجمعة من طريق أبي عامر العقدي، عن هشام بن سعد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف، عن عبد الله بن عمرو...وهذا منقطع، فإن ربيعة بن سيف لا يعرف له سماع من عبد الله بن عمرو، وأخرجه أحمد 2 / 176 و220 من طريقين عن بقية حدثني معاوية بن سعيد التجيبي، سمعت أبا قبيل المصري يقول: سمعت عبد الله بن عمرو ابن العاص..وهذا سند حسن بقية - وهو ابن الوليد - صرح بالتحديث.
ومعاوية بن سعيد وثقه ابن حبان، وروى عنه أكثر من اثنين، وللحديث شاهد من حديث أنس بن مالك عند أبي يعلى
كما في " المجمع " 2 / 319 وفي سنده يزيد الرقاشي، وآخر من حديث جابر عند أبي نعيم في " الحلية " 3 / 155، 156 وسنده ضعيف.
(*) الجرح والتعديل 2 / 67، تاريخ بغداد 4 / 339، 341، الأنساب 4 / 62، اللباب 1 / 342، ميزان الاعتدال 1 / 128، العبر 2 / 49، الوافي بالوفيات 7 / 287، تهذيب التهذيب 1 / 67، 69، لسان الميزان 1 / 245، 246، شذرات الذهب 2 / 162، تهذيب ابن عساكر 1 / 436، 438.

(12/584)


الخَوْلاَنِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ حِمْيَرٍ، وَعُثْمَانَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّرَائِفِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
وَكَانَتْ لَهُ رِحلَةٌ وَعنَايَةٌ بِالحَدِيْثِ، وَعُمِّرَ دَهْراً، وَاحتيجَ إِلَيْهِ.
وَتفَرَّدَ عنْهُ: النَّسَائِيُّ فِي غَيْرِ (السُّنَنِ)، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَابْنُ جَوْصَا، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَأَبُو البُرَيْكِ مُحَمَّدُ بنُ حُسَيْنٍ الأُطْرَابُلُسِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الأَزْرَقُ، وَخَيْثَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ مَلاَّسٍ، وَأَبُو الدَّحْدَاحِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ عِنْدنَا الصِّدْقُ (1) .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ يُضَعِّفُهُ، وَيَتَكَلَّمُ فِيْهِ، وَكَانَ ابْنُ جَوْصَا يُضَعِّفُهُ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَدِ احتملَهُ النَّاسُ، وَلَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ الغَافرِ بنُ سَلاَمَةَ: كَانَ جَارَنَا، وَكَانَ مُؤَذِّنَ الجَامِعِ، وَكَانَ يَخْضِبُ بِالحُمرَةِ، وَكَانَ ابْنُ عَوْفٍ وَعَمِّي وَأَصْحَابُنَا يَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ كَذَّابٌ، فَلَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئاً (2) .
قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: هُوَ كَذَّابٌ، رَأَيْتُهُ فِي سُوقِ الرَّسْتَنِ وَهُوَ يشربُ مَعَ مُردَانٍ، وَهو يتقيَّأُ، وَأَنَا مشرِفٌ عَلَيْهِ مِنْ كُوَّةِ بَيْتٍ كَانَتْ لِي فِيْهِ تجَارَةٌ، سنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ فِي أَيَّامِ أَبِي الهِرْمَاسِ (3) يُسمُّونَهُ الغُدَافَ (4)،
__________
(1) الجرح والتعديل 2 / 67 تاريخ بغداد 4 / 339، وتهذيب بن عساكر 1 / 437.
(2) " تاريخ بغداد " 4 / 341.
(3) في " تاريخ بغداد " 4 / 340: الهرناس، بالنون.
(4) الغداف: غراب كبير، ضخم الجناحين.

(12/585)


كَانَ لَهُ تُرْسٌ فِيْهِ أَرْبَعَةُ (1) مسَامِيرَ كِبَارٍ، إِذَا أَخذُوا مَنْ يُرِيْدُوْنَ قتلَهُ صَاحُوا: أَيْنَ الغُدَافُ؟ فيَجِيْءُ فيقتلُه، قتلَ غَيْرَ وَاحِدٍ بِتُرْسِهِ (2) .
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: رَأَيْتُ أَبَا الحَسَنِ بنَ جَوْصَا يُضَعِّفُ أَمرَهُ (3) .
قُلْتُ: زَلَقَ ابْنُ مَاكُوْلاَ زلْقَةً فَقَالَ: إِنَّهُ وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ تُوُفِّيَ بِحِمْصَ، سنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (4) .
وَقَالَ عَبْدُ الغَافرِ بنُ سَلاَمَةَ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: أَبُو عُتبَةَ الحِجَازِيُّ كَذَّابٌ، كُتُبُهُ الَّتِي عِنْدَهُ لضَمْرَةَ وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ مِنْ كُتُبِ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ، وَقعَتْ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ فِي حَدِيْثِ بَقِيَّةَ أَصْلٌ، هُوَ أَكذَبُ خَلْقِ اللهِ.
قُلْتُ: غَالِبُ رِوَايَاتِهِ مُسْتَقِيْمَةٌ، وَالقَوْلُ فِيْهِ مَا قَالَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، فيُرْوَى لَهُ مَعَ ضَعْفِهِ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ قُدَامَةَ الفَقِيْهُ، وَالحُسَيْنُ بنُ هِبَةِ اللهِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ المُوَمَّلِ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا خَيْثَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ السَّرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
__________
(1) في " تاريخ بغداد " و" تهذيب ابن عساكر " أربع وهو خطأ.
(2) الخبر في " تاريخ بغداد " 4 / 340، و" تهذيب ابن عساكر " 1 / 437.
(3) " تاريخ بغداد " 4 / 340، و" الأنساب " 5 / 63.
(4) " تاريخ بغداد " 4 / 341.

(12/586)


قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ليسَ فِي صَلاَةِ الخَوْفِ سهوٌ).
عَبْدُ الحَمِيْدِ: لَيْسَ بِمعتمَدٍ (1) .

222 - الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ كَامِلٍ المُرَادِيُّ * (د، ق، س، ت)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ الكَبِيْرُ، بَقِيَّةُ الأَعْلاَمِ، أَبُو مُحَمَّدٍ المُرَادِيُّ مَوْلاَهُمُ، المِصْرِيُّ، المُؤَذِّنُ، صَاحِبُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَنَاقلُ عِلْمِهِ، وَشَيْخُ المُؤذِّنِينَ بِجَامعِ الفُسْطَاطِ، وَمستملِي مَشَايِخِ وَقْتِهِ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، أَوْ قبلَهَا بعَامٍ.
سَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بنَ وَهْبٍ، وَبِشْرَ بنَ بَكْرٍ التِّنِّيْسِيَّ، وَأَيُّوْبَ بنَ سُوَيْدٍ الرَّمْلِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيْسَ المطَّلبِيَّ، وَيَحْيَى بنَ حَسَّانٍ، وَأَسدَ السُّنَّةِ، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَبَا صَالِحٍ، وَعَدَداً كَثِيْراً.
وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبَ رِحلَةٍ، فَأَمَّا مَا يُرْوَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ بعثَهُ إِلَى بَغْدَادَ
__________
(1) ترجمه المؤلف في " الميزان " 2 / 541، فقال: من المجاهيل، وقال عن خبره هذا: منكر، ثم أورده، وقال أبو حاتم الرازي: عبد الحميد مجهول روى عن ابن عمر حديثا موضوعا يشير إلى هذا، ورواه الدارقطني 2 / 58، من طريقين عن أبي عتبة أحمد بن الفرج بهذا الإسناد، وقال، تفرد به عبد الحميد بن السري وهو ضعيف، وأورده السيوطي في " الجامع الصغير " ونسبه لخيثمة في " جزئه "، وفي الباب عن ابن مسعود عند الطبراني قال الهيثمي في " المجمع " 2 / 154 فيه الوليد بن الفضل ضعفه ابن حبان والدارقطني.
(*) الجرح والتعديل 3 / 464، طبقات الفقهاء للشيرازي: 79، تهذيب الكمال: 407، 408، تذهيب التهذيب 1 / 219 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 586، 587، العبر 2 / 45، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 132، 139، تاريخ ابن كثير 11 / 48، تهذيب التهذيب 3 / 245، 246، طبقات الحفاظ: 252، خلاصة تذهيب الكمال: 115، طبقات الشافعية لابن هداية الله: 6، شذرات الذهب 2 / 159، المنتظم 5 / 77.

(12/587)


بِكِتَابِهِ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فغيرُ صَحِيْحٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو عِيْسَى بوَاسِطَةٍ فِي كُتُبِهِم، وَالوَاسِطَةُ الَّذِي فِي (الجَامِعِ) هُوَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ السُّلَمِيُّ، وَمِنْهُم: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ أَبِي دُوَادَ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرُّوْيَانِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ جَوْصَا، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ حَبِيْبٍ الحصَائِرِيُّ، وَعِيْسَى بنُ مُوْسَى البلدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ بُهزَاذَ الفَارِسِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَسْعُوْدٍ العَكَرِيُّ، وَأَبُو الفَوَارِسِ بنُ الصَّابُوْنِيِّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ المشَارقَةِ وَالمغَاربَةِ.
وَطَالَ عُمُرُهُ، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَازدحَمَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، وَنِعْمَ الشَّيْخُ كَانَ، أَفنَى عُمُرَهُ فِي العِلْمِ وَنَشْرِهِ، وَلَكِن مَا هُوَ بِمَعْدُوْدٍ فِي الحُفَّاظِ، وَإِنَّمَا كَتَبْتُهُ فِي (التَّذْكِرَةِ)، وَهنَا لإِمَامَتِهِ وَشهرتِهِ بِالفِقْهِ وَالحَدِيْثِ.
قَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لاَ بأْسَ بِهِ (1) .
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ.
ورَوَوا عَنِ الرَّبِيْعِ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مُحَدِّثٌ حَدَّثَ بِمِصْرَ بَعْدَ ابْنِ وَهْبٍ كُنْتُ مُسْتَمْلِيَهُ (2) .
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ قُدَيْدٍ المِصْرِيُّ: كَانَ الرَّبِيْعُ يَقْرَأُ بِالأَلحَانِ (3) .
__________
(1) " تهذيب الكمال ": 408، وصدقه أبو حاتم، ووثقه وصدقه ابنه في " الجرح والتعديل " 3 / 464.
(2) " تهذيب الكمال ": 408، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 587.
(3) " طبقات الشافعية " 2 / 134.

(12/588)


وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ للرَّبيعِ: لَوْ أَمكَنَنِي أَنْ أُطْعِمُكَ العِلْمَ لأَطعمتُكَ (1) .
وَقَالَ أَيْضاً: الرَّبِيْعُ رَاوِيَةُ كُتُبِي (2) .
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: ذكَرَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ أَسْمَاءَ مَنْ أَخَذَ عَنِ الرَّبِيْعِ كُتُبَ الشَّافِعِيِّ، وَرَحَلَ إِلَيْهِ فِيْهَا مِنَ الآفَاقِ، فسَمَّى نحوَ مئتَي رَجُلٍ (3) .
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَكَانَ الرَّبِيْعُ لاَ يُؤَذِّنُ فِي منَارَةِ جَامعِ مِصْرَ أَحَدٌ قبلَهُ، وَكَانَتِ الرِّحلَةُ إِلَيْهِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ، وَكَانَتْ فِيْهِ سَلاَمَةٌ وَغفلَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ قَائِماً بِالفِقْهِ.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ، وَلَكِنْ مَا يبلغُ رُتْبَةَ المُزَنِيِّ، كَمَا أَنَّ المُزَنِيَّ لاَ يبلغُ رُتْبَةَ الرَّبِيْعِ فِي الحَدِيْثِ (4) ، وَقَدْ رَوَى أَبُو عِيْسَى فِي (جَامعِهِ) عَنِ الرَّبِيْعِ بِالإِجَازَةِ، وَقَدْ سَمِعْنَا مِنْ طَرِيْقِهِ المُسْنَدَ للشَّافعِيِّ، انتقَاهُ أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ مِنْ كِتَابِ (الأُمِّ) ليَنْشَطَ لِرِوَايَتِهِ للرَّحَّالَةِ، وَإِلاَّ فَالشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- لَمْ يُؤلِّفْ مُسنَداً.
وَقِيْلَ: إِنَّ هَذَا الشِّعْرَ للرَّبيعِ:
صبراً جَمِيْلاً مَا أَسرعَ الفَرَجَا ... مَنْ صَدَقَ اللهَ فِي الأُمُورِ نَجَا
مَنْ خَشِيَ اللهَ لَمْ يَنَلْهُ أَذَىً ... وَمَنْ رَجَا اللهَ كَانَ حَيْثُ رَجَا (5)
__________
(1) " طبقات الشافعية " 2 / 134.
(2) " طبقات الشافعية " 2 / 134.
(3) الخبر في " طبقات الشافعية " 2 / 134 بلفظ: وكانت الرحلة في كتب الشافعي إليه من الآفاق نحو مئتي رجل.
(4) في " طبقات الشافعية " 2 / 132: لقد تعارض هو وأبو إبراهيم المزني في رواية، فقدم الأصحاب بروايته مع علو قدر أبي إبراهيم علما ودينا وجلالة وموافقة ما رواه للقواعد.
(5) البيتان في " طبقات الشافعية " 2 / 134.

(12/589)


قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ: مَاتَ الرَّبِيْعُ مُؤَذِّنُ جَامعِ الفُسْطَاطِ فِي يَوْمِ الاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ لإِحْدَى وَعِشْرِيْنَ لَيْلَةً خَلتْ مِنْ شَوَّالٍ، سنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ الأَمِيْرُ خُمَارويه -يَعْنِي: صَاحِبَ مِصْرَ- وَابْنُ صَاحِبِهَا أَحْمَدُ بنُ طولُوْنَ.
قَرَأْتُ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ مُحَمَّدٍ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا جمَالُ الإِسْلاَمِ عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ بِصَيْدَا، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ مُوْسَى إِمَامُ المَسْجَدِ بِبَلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُرُّ عَلَى قَبْرِ رَجُلٍ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ، إِلاَّ عَرَفَهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ).
غَرِيْبٌ وَمَعَ ضَعْفِهِ (1) فَفِيْهِ انقطَاعٌ، مَا عَلِمْنَا زَيْداً سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ القَزْوِيْنِيُّ مَرَّاتٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الصُّوْفِيُّ بِبَغْدَادَ، وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي الحُسَيْنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الحَافِظِ، وَغَيْرِهِ قَالُوا:
أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَقْدِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بنُ مَنْصُوْرٍ الكَرْجِيُّ (ح).
وَقَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الصَّيْدَلاَنِيِّ إِجَازَةً عَامَّةً، عَنْ عَبْدِ الغَفَّارِ الشِّيرَوِيِّ كَذَلِكَ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا القَاضِي أَبُو بَكْرٍ الحِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
__________
(1) لان عبد الرحمن بن زيد ضعيف، وأورده السيوطي في " الجامع الكبير " ص 718، ونسبه لابن عساكر.

(12/590)


أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضَى بِاليمِيْنِ مَعَ الشَّاهدِ.
قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ: فذكَرْتُ ذَلِكَ لسُهَيْلٍ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي رَبِيْعَةُ - وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ - أَنِّي حَدَّثْتُهُ إِيَّاهُ، وَلاَ أَحْفَظُهُ.
قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ: وَكَانَ قَدْ أَصَابَتْ سُهيلاً عِلَّةً أُصِيْبَ ببَعْضِ حِفظِهِ وَنسِيَ بَعْضَ حَدِيْثِهِ، فَكَانَ سُهَيْلٌ بَعْدُ يُحَدِّثهُ عَنْ رَبِيْعَةَ عَنْهُ.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (1) ، عَنِ الرَّبِيْعِ.
وَمِنْ أَقْرَانِهِ: الإِمَامُ المُحَدِّثُ الثِّقَةُ،

223 - أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ الأَزْدِيُّ * (د، س)
مَوْلاَهُمُ، المِصْرِيُّ، الجِيْزِيُّ، الأَعْرَجُ.
سَمِعَ مِنِ: ابْنِ وَهْبٍ، وَالشَّافِعِيِّ أَيْضاً.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) رقم (3610) في الاقضية: باب القضاء باليمين والشاهد، وأخرجه الشافعي (1406) والترمذي (1343) في الاحكام: باب ما جاء في اليمين مع الشاهد، وابن ماجة (2368) والطحاوي 4 / 144 من طريق عبد العزيز بن محمد بهذا الإسناد، وهذا سند رجاله ثقات على شرط مسلم وقال الترمذي: حسن غريب: وله شاهد من حديث ابن عباس عند مسلم (1712) وأبي داود (3608) وابن الجارود (1006) وأحمد 1 / 248 و315 و323، وابن ماجه (2370) والطحاوي 4 / 144، والشافعي (1402) والبيهقي 10 / 167، ومن حديث جابر بن عبد الله عند الترمذي (1344) وابن ماجة (2369) وأحمد 3 / 305، وابن الجارود (1008) والبيهقي 10 / 170، وأخرجه مالك 2 / 721، وعند الشافعي (1407) مرسلا وهو أصح، ومن حديث سرق عند ابن ماجة (2371) والبيهقي 10 / 172، 173، وفيه رجل لم يسم وبقية رجاله ثقات.
(*) الجرح والتعديل 3 / 464، طبقات الفقهاء للشيرازي: 81، ترتيب المدارك 3 / 86، الأنساب، ورقة: 147 / ب، اللباب 1 / 323، وفيات الأعيان 2 / 292، 294، تهذيب الكمال: 407، تذهيب التهذيب 1 / 219 / 1، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 132، تهذيب التهذيب 3 / 245، لسان الميزان 2 / 445، خلاصة تذهيب الكمال: 115، طبقات الشافعية لابن هداية الله: 6، شذرات الذهب 2 / 159، 160.

(12/591)


مَاتَ: سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) .

224 - الصَّاغَانِيُّ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ جَعْفَرٍ * (م، د، ت، س)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، الحُجَّةُ، أَبُو بَكْرٍ، مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ جَعْفَرٍ.
وَقِيْلَ: اسْمُ جَدِّهِ مُحَمَّدٌ الصَّاغَانِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ (2) .
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ الثَّمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَكَانَ ذَا مَعْرِفَةٍ وَاسِعَةٍ، وَرِحلَةٍ شَاسعَةٍ.
سَمِعَ مِنْ: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بنِ عَطَاءٍ، وَأَبِي بدرٍ شُجَاعِ بنِ الوَلِيْدِ، وَمَحَاضِرِ بنِ المُوَرِّعِ، وَيَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، وَرَوْحِ بنِ عُبَادَةَ، وَأَحْوَصَ بنِ جَوَّابٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَبْدِ الأَعْلَى بنِ مُسْهِرٍ، وَالأَسْوَدِ بنِ عَامِرٍ، وَأَبِي اليَمَانِ، وَسَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ الضُّبَعِيِّ، وَجَعْفَرِ بنِ عَوْنٍ، وَأَبِي النَّضْرِ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي بُكَيْرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ التِّنِّيْسِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
__________
(1) جاء في " تهذيب التهذيب " 3 / 245: قال ابن يونس: كان ثقة، وقال الخطيب: كان ثقة.
وقال النسائي في " أسماء شيوخه ": لا بأس به. وقال مسلمة بن قاسم: كان رجلا صالحا كثير الحديث مأمونا ثقة.
(*) الجرح والتعديل 7 / 195، 196، تاريخ بغداد 1 / 240، 241 الأنساب 8 / 68، تهذيب الكمال: 1165، تذهيب التهذيب 3 / 183 / 1، العبر 2 / 46، الوافي بالوفيات 2 / 195، تهذيب التهذيب 9 / 35، 36، طبقات الحفاظ: 256، خلاصة تذهيب الكمال: 326، شذرات الذهب 2 / 160، المنتظم 5 / 78.
(2) قال السمعاني في " الأنساب " 8 / 68: الصغاني، بفتح الصاد المهملة، والغين المعجمة وفي آخرها النون: هذه النسبة إلى بلاد مجتمعة وراء نهر جيحون، يقال لها: جغانيان وتعرب فيقال لها: الصغانيان، وهي كورة عظيمة واسعة كثيرة الماء والشجر والاهل، وسوقها كبيرة، ومسجدها مسجد حسن مشهور.
والنسبة إليها: الصغاني والصاغاني أيضا ثم ذكر المترجم.

(12/592)


حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ (1) ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ الدُّوْرِيُّ - أَحَدُ شُيُوْخِهِ - وَابْنُ مَاجَهْ، وَعَبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَحْمَدُ البَرْدِيْجِيُّ (2) ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ وَالمَحَامِلِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَخَلْقٌ خَاتِمَتُهُم شُجَاعُ بنُ جَعْفَرٍ الأَنْصَارِيُّ.
قَالَ الأَصَمُّ: سأَلَهُ أَبِي: إِلَى أَيِّ قبيلَةٍ يُنْسَبُ الشَّيْخُ؟
فَقَالَ: إِنَّ جَدِّي كَانَ فِي الصَّحرَاءِ، فَاسْتقبلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ: أَسلِمْ، فَأَسْلَمَ وَقطعَ الزِّنَّارَ (3) .
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: هُوَ ثَبْتٌ صَدُوْقٌ (4) .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ (5) .
وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ، وَفَوْقَ الثِّقَةِ (6) .
وَعَنْ أَبِي مُزَاحِمٍ الخَاقَانِيِّ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصَّغَانِيُّ يُشبِهُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فِي وَقْتِهِ (7) .
__________
(1) قال ابن حجر في " تهذيب التهذيب " 9 / 36 - 37: روى عنه مسلم (32) حديثا.
(2) البرديجي، بفتح الباء، وسكون الراء، وبعدها دال مهملة، وبعدها ياء، وفي آخرها جيم: هذه النسبة إلى برديج، وهي بليدة بأقصى أذربيجان. والبرديجي هذا هو أحمد ابن هارون بن روح البردعي البرديجي، حافظ نيسابوري ثقة فاضل.
مات سنة 301 ه انظر " الأنساب " 2 / 139، 140.
(3) " تاريخ بغداد " 1 / 241.
(4) الجرح والتعديل " 7 / 196، و" تهذيب الكمال ": 1165.
(5) " تاريخ بغداد " 1 / 241، وتهذيب الكمال ": 1165.
(6) " تهذيب الكمال ": 1165.
(7) " تاريخ بغداد " 1 / 240، و" تهذيب الكمال ": 1165.

(12/593)


وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ (1) .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ الصَّغَانِيُّ أَحَدَ الأَثبَاتِ المُتْقِنِيْنَ مَعَ صلاَبَةٍ فِي الدِّيْنِ، وَاشتهَارٍ بِالسُّنَّةِ، وَاتِّسَاعٍ فِي الرِّوَايَةِ (2) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ: تُوُفِّيَ فِي سَابِعِ صفرٍ، سنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: سيَأتِي رفيقُهُ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ.

225 - مُحَمَّدُ بنُ عَامِرِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الأَشْعَرِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَشْعَرِيُّ مَوْلاَهُمُ، الأَصْبَهَانِيُّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ، وَأَبَا عُمَرَ الجَرْمِيَّ صَاحِبَ النَّحْوِ.
وَعَنْهُ: ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى المُقْرِئُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ فَارِسٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَكَانَ أَحَدَ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، وَلَهُ غَرَائِبُ، وَكَانَ أَخُوْهُ إبْرَاهِيْمُ مِنَ العُلَمَاءِ، تُوُفِّيَ قبلَهُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: مُحَمَّدُ بنُ عَامِرٍ صَدُوْقٌ (3) .
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ فِي (تَارِيْخِهِ): كَانَ يجرِي فِي مَجْلِسِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ عَامِرٍ فنُوْنُ العِلْمِ: الفِقْهُ، وَالنَّحْوُ، وَالشِّعْرُ، وَالغَرِيْبُ، وَالَحْديثُ.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 1 / 241، و" تهذيب الكمال ": 1165.
(2) " تاريخ بغداد " 1 / 240، و" تهذيب الكمال " 1165.
(*) الجرح والتعديل 8 / 44، ذكر أخبار أصبهان 2 / 191.
(3) " الجرح والتعديل " 8 / 44.

(12/594)


تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ.
وَفِيْهَا مَاتَ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ سَمُّوْيَه، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ السَّعْدِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الفَارِسِيُّ شَاذَانُ، وَبَحْرُ بنُ نَصْرٍ الخَوْلاَنِيُّ، وَعَبَّاسٌ التُّرْقُفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَزِيْزٍ الأَيْلِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ حَبِيْبٍ الأَصْبَهَانِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ الذُّهْلِيُّ حَيْكَانُ.

226 - أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ بنِ المُسَيَّبِ بنِ زُهَيْرِ بنِ عَمْرٍو الكُوْفِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، القُدْوَةُ، أَبُو العَبَّاسِ الضَّبِّيُّ، الكُوْفِيُّ، ابْنُ عَمِّ مُحَدِّثِ بَغْدَادَ دَاوُدَ بنِ عَمْرٍو الضَّبِّيِّ، شَيْخُ البَغَوِيِّ، مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ، سَكَنَ أَصْبَهَانَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: جَعْفَرِ بنِ عَوْنٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ، وَحَجَّاجٍ الأَعورِ، وَمَحَاضِرِ بنِ المُوَرِّعِ، وَيَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَيَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، وَأَسودَ بنِ عَامِرٍ، وَيُوْنُسَ بنِ مُحَمَّدٍ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَرَوْحِ بنِ عُبَادَةَ، وَكَثِيْرِ بنِ هِشَامٍ، وَأَبِي النَّضْرِ، وَمُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَعُثْمَانَ بنِ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَأَبِي مُسْهِرٍ الغَسَّانِيِّ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ فَارِسٍ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ (1) .
__________
(*) الجرح والتعديل 2 / 81، تاريخ بغداد 5 / 223، 224، ذكر أخبار أصبهان 1 / 81، تاريخ ابن كثير 11 / 42، شذرات الذهب 2 / 154.
(1) " الجرح والتعديل " 2 / 81.

(12/595)


وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفَرُّخَانِ (1) : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يُوْنُسَ يَقُوْلُ:
قَدَّمَنِي أَبِي إِلَى الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، فمسحَ رَأْسِي، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ حَسِّنْ خَلْقَهُ وَخُلُقَهُ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: تُوُفِّيَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ سَنَة ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: مَاتَ بِأَصْبَهَانَ، وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ المُسْنِدِيْنَ بِهَا.

227 - يُوْنُسُ بنُ حَبِيْبٍ أَبُو بِشْرٍ العِجْلِيُّ مَوْلاَهُم *
المُحَدِّثُ، الحُجَّة، أَبُو بِشْرٍ العِجْلِيُّ مَوْلاَهُمُ، الأَصْبَهَانِيُّ.
رَوَى عَنْ: أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ (مُسْنَداً) فِي مُجَلَّد كَبِيْر.
وَعَنْ: بَكْر بن بَكَّار، وَعَامِر بن إِبْرَاهِيْمَ، وَمُحَمَّد بن نشر - بِنُوْنٍ - الصَّنْعَانِيّ، وَجَمَاعَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعَلِيّ بن رُسْتُم، وَعَبْد اللهِ بن جَعْفَرِ بنِ فَارِس.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبْتُ عَنْهُ، وَهُوَ ثِقَةٌ (2) .
وَحَدَّثَنِي ابْن أَبِي عَاصِمٍ: أَن ابْن الفُرَاتِ أَمره بِالكِتَابَة عَنْ يُوْنُسَ بنِ حَبِيْب.
__________
(1) الفرخاني، بالفتح، وضم الراء المشددة، والخاء المعجمة: هو أبو جعفر محمد ابن إبراهيم بن الحسن بن فرخان: " التبصير " 3 / 1102.
(*) الجرح والتعديل 9 / 237، 238، العبر 2 / 37، ذكر أخبار أصبهان 2 / 345، غاية النهاية في طبقات القراء، 2 / 406، شذرات الذهب 2 / 152.
(2) " الجرح والتعديل " 9 / 237.

(12/596)


وَقَالَ بَعْضُهُم: كَانَ يُوْنُس مُحْتَشِماً، عَظِيْم الْقدر بِأَصْبَهَانَ، مَوْصُوَفاً بِالدّين وَالصيَانَة وَالصلاَح (1) .
مَاتَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
رَوَى القِرَاءة عَنْ: قُتَيْبَة بن مِهْرَانَ صَاحِب الكِسَائِيّ.

228 - أَحْمَد بنُ مَهْدِيِّ بنِ رُسْتُمَ أَبُو جَعْفَرٍ الأَصْبَهَانِيُّ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَابِد، الحَافِظ، المُتْقِن، أَبُو جَعْفَرٍ الأَصْبَهَانِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا نُعَيْمٍ، وَأَبَا اليَمَان، وَسَعِيْد بن أَبِي مَرْيَمَ، وَمُسْلِم بن إِبْرَاهِيْمَ، وَقَبِيْصَة بن عُقْبَةَ، وَعَبْد اللهِ بن صَالِحٍ، وَأَبَا سَلَمَةَ، وَطَبَقَتهُم، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظ مُحَمَّد بن يَحْيَى بن مَنْدَةَ، وَأَحْمَد بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَفرجَة، وَأَحْمَد بن جَعْفَرٍ السِّمْسَار، وَعِدَّة.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ: لَمْ يُحَدِّث بِبَلَدنَا مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً أَوْثَقُ مِنْهُ.
صَنّف (المُسْنَد)، وَلَمْ يَعْرِف لَهُ فِرَاش مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، صَاحِب عبَادَة -رَحِمَهُ اللهُ (2) -.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: كَانَ صَاحِبَ ضيَاع وثروَة، أَنفق عَلَى أَهْلِ
__________
(1) " ذكر أخبار أصبهان " 2 / 346.
(*) الجرح والتعديل 2 / 79، العبر 2 / 49، الوافي بالوفيات 8 / 198، 199، النجوم الزاهرة 3 / 67، طبقات الحفاظ: 267، ذكر أخبار أصبهان 1 / 85، 86، شذرات الذهب 1 / 85، 86.
(2) " ذكر أخبار أصبهان " 1 / 85، 86، و" الوافي بالوفيات " 8 / 199.

(12/597)


العِلْم ثَلاَث مائَة أَلْف دِرْهَم (1) .
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ مِنَ الأَئِمَّة الثِّقَات، وَذوِي الْمُرُوءَات، رَحَلَ إِلَى الشَّامِ وَمِصْر وَالعِرَاق.
أُنْبِئت عَنْ أَبِي المكَارم اللَّبَّان، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ بن حَيَّان، سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ:
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَهْدِيّ: جَاءتَنِي امْرَأَة بِبَغْدَادَ لَيْلَة، فذَكَرَتْ أَنَّهَا مِنْ بنَات النَّاس، وَأَنَّهَا امْتحنت بِمِحْنَة، وَأَسْأَلك بِاللهِ أَنْ تَسْترنِي، فَقَدْ أَكْرَهت عَلَى نَفْسِي، وَأَنَا حُبْلَى، وَقُلْتُ: إِنَّك زوجِي فَلاَ تفضحنِي.
فَنُكِبَتْ عَنْهَا، وَمضيت (2) .
فَلم أَشْعَر حَتَّى جَاءَ إِمَام المحلَة وَالجيرَان يهنئونِي بِالوَلَد المَيْمُوْنَ، فَأَظهرت التَّهْلِيل، وَوزنت فِي اليَوْمِ الثَّانِي لِلإِمَام دِيْنَارَيْنِ، وَقُلْتُ: أَعطهَا نفقَة، فَقَدْ فَارقتهَا، وَكُنْت أَعطيهَا فِي كُلِّ شَهْر دِيْنَارَيْنِ، حَتَّى أَتَى عَلَى ذَلِكَ سنتَان، فَمَاتَ الطِّفْل، وَجَاءنِي النَّاس يعزونِي، فَكُنْت أَظهر لَهُم التَسْلِيم وَالرِّضَى، فَجَاءتْنِي بَعْد أَيَّام بِالدَّنَانِيْر فردتهَا، وَدعت لِي (3) ، فَقُلْتُ: هَذَا الذّهب كَانَ صلَة لِلْولد، وَقَدْ وَرثتيه، وَهو لَك (4) .
تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
__________
(1) " ذكر أخبار أصبهان " 1 / 85 بلفظ:...صاحب الكتب والاصول الصحاح، أنفق عليها نحوا من...وهو في " الوافي بالوفيات " 8 / 199 بلفظ المتن.
(2) في " الوافي بالوفيات " 8 / 199: ومضت فلم أشعر حتى وضعت.
(3) في " الوافي بالوفيات " 8 / 199 وقالت: سترك الله كما سترتني.
(4) الخبر في " الوافي بالوفيات " 8 / 199.

(12/598)


229 - بَكَّارُ بنُ قُتَيْبَةَ بنِ أَسَدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ بَشِيْرٍ الثَّقَفِيُّ *
ابْنِ صَاحِب رَسُوْل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي بَكْرَةَ نفيع بن الحَارِثِ الثَّقَفِيّ، البَكْرَاوِيّ، البَصْرِيُّ، القَاضِي الكَبِيْرُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو بكرَة الفَقِيْه، الحَنَفِيّ، قَاضِي القُضَاة بِمِصْرَ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، بِالبَصْرَةِ.
وَسَمِعَ: أَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ، وَرَوْح بن عُبَادَةَ، وَعَبْد اللهِ بن بَكْرٍ السَّهْمِيّ، وَأَبَا عَاصِم، وَوَهْب بن جَرِيْرٍ، وَسَعِيْد بن عَامِرٍ الضُّبَعيّ، وَطَبَقَتهُم.
وعُنِي بِالحَدِيْثِ، وَكَتَبَ الكَثِيْر، وَبَرَعَ فِي الْفُرُوع، وَصَنَّفَ، وَاشتغل.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَوَانَةَ فِي (صَحِيْحِهِ)، وَابْن خُزَيْمَةَ، وَعَبْد اللهِ بن عَتَّابٍ الزِّفْتِيّ، وَيَحْيَى بن صَاعِدٍ، وَابْن جَوْصَا، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيّ، وَابْن زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَابْن أَبِي حَاتِمٍ، وَمُحَمَّد بن المُسَيَّبِ الأَرْغِيَانِيّ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ حَبِيْب الحصَائِرِي، وَأَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو الخَامِي، وَأَحْمَد بن سُلَيْمَانَ بن حَذْلَم، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حُذَيْفَةَ الدِّمَشْقِيّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَالحَسَن بن مُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ الصيدَاوِي، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ حمدُوْنَ بن خَالِدٍ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ النَّاقِد، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنْ أَهْلِ مِصْر وَدِمَشْق، وَمِنَ الرحَالَة، وَكَانَ مِنْ قضَاة العَدْل.
__________
(*) الولاة والقضاة: 505، الأنساب 2 / 274، اللباب 1 / 169، وفيات الأعيان 1 / 280، 282، العبر 2 / 44، تاريخ ابن كثير 11 / 48، طبقات الأولياء: 119، النجوم الزاهرة 3 / 18، 19 و47، 48، حسن المحاضرة 1 / 463، شذرات الذهب 2 / 158.

(12/599)


قَالَ أَبوبَكْر بن المُقْرِئ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَكْر الشّعرَانِي بِالقدس، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سَهْل الهَرَوِيّ، قَالَ:
كُنْتُ سَاكناً فِي جوَار بَكَّار بن قُتَيْبَةَ، فَانْصَرَفت بَعْد العشَاء، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأَ : {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيْفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيْلِ اللهِ} [ص: 26].
قَالَ: ثُمَّ نَزَلت فِي السّحر، فَإِذَا هُوَ يقرؤهَا، وَيَبْكِي، فعَلِمت أَنَّهُ كَانَ يتلوهَا مِنْ أَوّل اللَّيْل.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الكِنْدِيّ: قَدِمَ بكَار قَاضِياً إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، فَأَقَامت مِصْر بِلاَ قَاض بَعْدَهُ سَبْع سِنِيْنَ، ثُمَّ وَلَّى خُمَارويه مُحَمَّد بن عَبْدَةَ القَضَاء.
قَالَ: وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ طولُوْنَ أَرَادَ بَكَّاراً عَلَى لعن الْمُوفق -يَعْنِي: وَلِي الْعَهْد- فَامْتَنَعَ، فَسَجَنَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ أَحْمَدُ بنُ طولُوْنَ، فَأُطلق القَاضِي بكَّار، وَبَقِيَ يَسِيْراً وَمَاتَ، فَغسل ليلاً، وَكثرَ النَّاس، فَلَمْ يدْفن إِلَى الْعَصْر.
قُلْتُ: كَانَ عَظِيْم الحرمَة، وَافر الجَلاَلَة، مِنَ العُلَمَاءِ العَاملين، كَانَ السُّلْطَان يَنْزِل إِلَيْهِ، وَيحضر مَجْلِسه، فذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيّ أَن بكَار ابْن قُتَيْبَةَ اسْتَعظم فسخ حكم الحَارِث بن مِسْكِيْن فِي قَضِيَّة ابْن السَّائِح -يَعْنِي: لَمَّا حكم عَلَيْهِ- فَأَخْرَجَ مَنْ يَده دَار الْفِيل، وَتوجّه ابْن السَّائِح إِلَى العِرَاقِ يَغُوث عَلَى ابْنِ مِسْكِيْن.
قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَكَانَ الحَارِث إِنَّمَا حكم فِيْهَا بِمَذْهَب أَهْل المَدِيْنَة، فَلَمْ يَزَلْ يُوْنُس بن عَبْدِ الأَعْلَى يُكَلِّم القَاضِي بَكَّاراً، وَيجسّده حَتَّى جَسَد، وَرد إِلَى ابْنَي السَّائِح الدَّار.
وَلاَ أُحصِي كم كَانَ أَحْمَدُ بنُ طولُوْنَ يَجِيْء إِلَى مَجْلِس بكَار وَهُوَ يُمْلِي، وَمَجْلِسه مَمْلُوء بِالنَّاسِ، فَيَتَقَدَّم الحَاجِب، وَيَقُوْلُ: لاَ يتغيَّر أَحَد مِنْ مَكَانه.
فَمَا يشْعر بكَار إِلاَّ وَأَحْمَد إِلَى جَانبه، فَيَقُوْلُ لَهُ: أَيُّهَا الأَمِيْر، أَلاَ تركتَنِي كُنْت أَقضِي

(12/600)


حقّك وَأَقوم؟
قَالَ: ثُمَّ فسد الحَال بَيْنَهُمَا حَتَّى حَبسه، وَفعل بِهِ مَا فعل (1) .
وَقِيْلَ: إِنَّ بَكَّاراً صَنّف كِتَاباً ينْقض فِيْهِ عَلَى الشَّافِعِيّ رَدَّهُ عَلَى أَبِي حَنِيْفَةَ (2) ، وَكَانَ يَأْنَس بيُوْنُس بن عَبْدِ الأَعْلَى، وَيَسْأَله عَنْ أَهْل مِصْر وَعدولهم.
وَلَمَّا اِعْتَقَلَهُ ابْن طولُوْنَ لَمْ يُمكنهُ أَنْ يَعْزِلهُ، لأَنْ القَضَاء لَمْ يَكُنْ إِلَيْهِ أَمره.
وَقِيْلَ: إِنَّ بَكَّاراً كَانَ يشَاور فِي حكم يُوْنُس، وَالرَّجُل الصَّالِح مُوْسَى وَلد عَبْد الرَّحْمَنِ بن القَاسِمِ، فَبلغنَا أَنّ مُوْسَى سأَله: مِنْ أَيْنَ المَعِيْشَة؟
قَالَ: مِنْ وَقفَ لأَبِي أَتكفَى بِهِ.
قَالَ: أُرِيْد أَنْ أَسْأَلك يَا أَبَا بكرَة، هَلْ رَكبَك دين بِالبَصْرَةِ؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَهَلْ لَكَ وَلد أَوْ زَوْجَة؟
قَالَ: مَا نكحت قطّ، وَمَا عِنْدِي سِوَى غُلاَمِي.
قَالَ: فَأَكْرَهك السُّلْطَان عَلَى القَضَاءِ؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَضربت آبَاط الإِبل بِغَيْر حَاجَة إِلاَّ لتلِي الدمَاء وَالفروج؟ للهِ عليّ لاَ عدت إِلَيْك.
قَالَ: أَقلنِي يَا أَبَا هَارُوْنَ.
قَالَ: أَنْتَ ابتدأَت بِمَسْأَلتِي، انْصَرَف، وَلَمْ يعد إِلَيْهِ.
قُلْتُ: رَضِيَ اللهُ عَنْ مُوْسَى، فَلَقَدْ صدقه، وَصدعه بِالْحَقِّ.
وَلَمْ يَكُنْ بكَار مكَابراً، فَيَقُوْلُ: تَعَيَّنَ عَلَيَّ القَضَاءُ.
وَقَالَ الحَسَنُ بنُ زولاَق فِي تَرْجَمَة بكَار: لمَا اعْتَلَّ أَحْمَد بن طولُوْنَ، رَاسل بكَاراً، وَقَالَ: إِنَّا رَادوك إِلَى مَنْزِلك (3) ، فَأَجبنِي. فَقَالَ:
__________
(1) " النجوم الزاهرة " 3 / 19.
(2) " حسن المحاضرة " 1 / 463.
(3) في " النجوم الزاهرة " 3 / 18 بلفظ: أنا أردك إلى منزلتك وأحسن

(12/601)


قُلْ لَهُ: شَيْخ فَان وَعليل مُدْنف، وَالملتقَى قَرِيْب، وَالقَاضِي -عَزَّ وَجَلَّ-.
فَأَبلغهَا الرَّسُوْل أَحْمَد، فَأَطرق، ثُمَّ أَقبل يُكَرر ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ أَمر بِنَقْلِهِ مِنَ السجْن إِلَى دَار اكْتريت لَهُ، وَفِيْهَا كَانَ يُحَدِّث، فَلَمَّا مَاتَ الْملك قِيْلَ لأَبِي بَكْرَةَ: انْصَرَف إِلَى مَنْزِلك.
فَقَالَ: هَذِهِ الدَّار بِأُجْرَة، وَقَدْ صَلحت لِي، فَأَقَامَ بِهَا (1) .
قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَأَقَامَ بِهَا بَعْد أَحْمَد أَرْبَعِيْنَ يَوْماً، وَمَاتَ.
قُلْتُ: كَانَ وَلِي الْعَهْد الْمُوفق قَدِ اسْتبد بِالأُمُور، وَضيق عَلَى أَخِيْهِ الخَلِيْفَة المُعْتَمِد.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: تخيل المُعْتَمِد مِنْ أَخِيْهِ، فَكَاتِب أَحْمَد بن طولُوْنَ، وَاتَّفَقَا، وَقَالَ المُعْتَمِد:
أَلَيْسَ مِنَ العَجَائِب أَن مِثْلِي ... يرَى مَا قل ممتنعاً عَلَيْهِ
وَتُؤكل بِاسْمه الدُّنْيَا جَمِيْعاً ... وَمَا مِنْ ذَاكَ شَيْء فِي يَدَيْهِ (2) ؟!
فَبلغنَا أَن ابْن طولُوْنَ جمع العُلَمَاء وَالأَعْيَان، وَقَالَ: قَدْ نكث الْمُوفق أَبُو أَحْمَدَ بِأَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، فَاخلعُوهُ مِنَ الْعَهْد.
فَخَلَعُوهُ، إِلاَّ بَكَّار بن قُتَيْبَةَ.
وَقَالَ: أَنْتَ أَوردت عليّ كِتَاب المُعْتَمِد بِتَوْلِيَتِهِ الْعَهْد، فَهَاتِ كِتَاباً آخر مِنْهُ بِخلْعِهِ.
قَالَ: إِنَّهُ مَحْجُور عَلَيْهِ وَمقهور؟
قَالَ: لاَ أَدْرِي.
فَقَالَ لَهُ: غَرَّك النَّاس بِقَولهُم: مَا فِي الدُّنْيَا مِثْل بكَار، أَنْتَ قَدْ خَرفت وَقيده وَحَبَسَهُ، وَأَخَذَ مِنْهُ جَمِيْع عطَائِه مِنْ سِنِيْنَ، فَكَانَ عَشْرَة آلاَف دِيْنَار، فَقِيْلَ: إِنَّهَا وَجدت بختومهَا وَحَالهَا.
وَبَلَغَ ذَلِكَ الْمُوفق، فَأَمر بِلعن ابْنِ طولُوْنَ عَلَى المنَابر.
__________
(1) " وفيات الأعيان " 1 / 291، و" النجوم الزاهرة " 3 / 18
(2) سبق تخريج البيتين في ص: 548 من هذا الجزء.

(12/602)


وَنقل القَاضِي ابْن خلكَانَ: أَن ابْن طولُوْنَ كَانَ ينفذ إِلَى بكَار فِي العَام أَلف دِيْنَار، سِوَى الْمُقَرّر لَهُ، فيتركهَا بختمهَا، فَلَمَّا دَعَاهُ إِلَى خلع الْمُوفق، طَالبه بجملَة المَال، فَحْمله إِلَيْهِ بختومه ثَمَانِيَةَ عشرَ كيساً، فَاسْتحيَا ابْن طولُوْنَ عِنْد ذَلِكَ، ثُمَّ أَمره أَنْ يسلم القَضَاء إِلَى مُحَمَّدِ بنِ شَاذَان الجَوْهَرِيّ، فَفَعَل، وَاسْتخلفه، وَكَانَ يُحَدِّث مِنْ طَاقَة السجْن، لأَنّ أَصْحَاب الحَدِيْث طلبُوا ذَلِكَ مِنْ أَحْمَدَ، فَأَذن لَهُم عَلَى هَذِهِ الصُوْرَة (1) .
قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ: وَكَانَ بكَار تَالياً لِلْقُرْآن، بكَاء، صَالِحاً، ديناً، وَقَبْره مَشْهُوْر قَدْ عرف بِاسْتجَابَة الدُّعَاء عِنْدَهُ (2) .
قَالَ الطَّحَاوِيّ: كَانَ عَلَى نِهَايَة فِي الْحَمد عَلَى وَلاَيته، وَكَانَ ابْنُ طولُوْنَ عَلَى نِهَايَة فِي تعَظِيْمه وَإِجْلاَله إِلَى أَنْ أَرَادَ مِنْهُ خلع الْمُوفق، قَالَ: فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يلتِئم لَهُ مَا يحَاوله أَلب عَلَيْهِ (3) سُفَهَاء النَّاس، وَجَعَله لَهُم خصماً، فَكَانَ يَقَعد لَهُ مَنْ يُقيمهُ، مقَام الْخُصُوم، فَلاَ يَأْبَى، وَيقوم بِالحُجَّة لِنَفْسِهِ، ثُمَّ حَبسه فِي دَار، فَكَانَ كُلّ جمعَة يلبس ثِيَابه وَقْت الصَّلاَة، وَيمشِي إِلَى البَاب، فَيَقُوْلُوْنَ لَهُ الموكلُوْنَ (4) بِهِ: ارْجِع، فَيَقُوْلُ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ الكِنْدِيّ: قَدِمَ بكَار قَاضِياً مِنْ قَبْل المُتَوَكِّل فِي جُمَادَى
__________
(1) " وفيات الأعيان " 1 / 280 ونقلها عنه ابن تغري بردي في " النجوم الزاهرة " 3 / 19.
(2) " وفيات الأعيان " 1 / 279 و280.
(3) في الأصل: عليها.
(4) كذا الأصل، وهي لغة لطئ، وهي لغة ثابتة، خرجوا عليها قوله تعالى: (وأسروا النجوى الذين ظلموا) على أحد المذاهب، ومثله: " يتعاقبون فيكم ملائكة ". وقال سيبويه: لغة " أكلوني البراغيث " ليست في القرآن.
قال: والضمير في (وأسروا النجوى) فاعل. و" الذين ": بدل منه.

(12/603)


الآخِرَةِ، سَنَة سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَلَمْ يَزَلْ قَاضِياً إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سنَة سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: شَيَّعَهُ خلق عَظِيْم أَكْثَر مِمَّنْ يَشْهَد صَلاَة العِيْد، وَأَمَّهُم عَلَيْهِ ابْن أَخِيْهِ مُحَمَّد بن الحَسَنِ بنِ قُتَيْبَةَ الثَّقَفِيّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
قُلْتُ: عَاشَ تِسْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ طولُوْنَ صَاحِب مِصْر، وَإِبْرَاهِيْم بن مَرْزُوْقٍ، وَأَسِيْد بن عَاصِم، وَالحَسَن بن عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ، وَالرَّبِيْع المُرَادِيّ، وَزَكَرِيَّا بن يَحْيَى المَرْوَزِيّ، وَعَبَّاس بن الوَلِيْدِ بنِ مزِيد، وَمُحَمَّد بن مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ، وَمُحَمَّد بن هِشَامٍ بن ملاس، وَمُحَمَّد بن مَاهَان - رَفِيقه - وَأَحْمَد بن المِقْدَامِ الهَرَوِيّ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ اللَة البَرْقِيّ، وَدَاوُد الظَاهِرِي، وَأَبُو بَكْرٍ الضغَانِي، وَأَبُو البَخْتَرِيِّ ابْن شَاكِر.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ حُضُوْراً فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُمَيْع، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ بِصور، حَدَّثَنَا بَكَّار بن قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُطَرِّف بن أَبِي الوَزِيْر، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْر، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ شَيْبَة الحجبِي، عَنْ عَمِّهِ -يَعْنِي: عُثْمَان بن طَلْحَةَ- قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ثَلاَثٌ يُصْفِيْنَ لَكَ وُدَّ أَخِيْكَ: تُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيْتَهُ، وَتُوْسِعُ لَهُ فِي المَجْلِسِ، وَتَدْعُوْهُ بِأَحَبِّ أَسْمَائِهِ إِلَيْهِ) (1) .
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف موسى بن عبد الملك ضعفه أبو حاتم كما في " الجرح والتعديل " 8 / 151، وذكره البخاري في " الضعفاء "، وأورده المؤلف في " الميزان " 4 / 213 في ترجمة موسى، ونقل قول أبي حاتم فيه: هذا منكر.
وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 429 من طريق بكار بن قتيبة بهذا الإسناد، وقال: أبو المطرف محمد بن أبي الوزير من ثقات البصريين وقدمائهم، قال الذهبي في " المختصر " لكن موسى ضعفه أبو حاتم.

(12/604)


أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الحُسَيْنِيّ بِالإِسْكَنْدَرِيَّة، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا بَكَّار بن قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا سَلِيْم بن حَيَّان، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ مِيْنَاء، حَدَّثَنَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، أَخبرتَنِي عَائِشَة:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: (لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيْثُو عَهْدٍ بِالجَاهِلِيَّةِ، لَهَدَمْتُ الكَعْبَةَ، وَأَلْزَقْتُهَا بِالأَرْضِ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ: بَاباً شَرْقِيّاً، وَبَاباً غَرْبِيّاً، وَلَزِدْتُ سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الحِجْرِ فِي البَيْتِ، فَإِنَّ قُرَيْشاً اسْتَقْصَرَتْ لَمَّا بَنَتِ البَيْتَ) (1) .

230 - مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ كَثِيْرٍ الكَلْبِيُّ * (س)
الإِمَامُ، مُحَدِّث حَرَّان، أَبُو عَبْدِ اللهِ الكَلْبِيّ، الحَرَّانِيّ، الحَافِظ، لُؤْلُؤ.
وَقيده ابْن نقطَة: يُؤيُؤ - بيَاءين - وَالأَوّل أَصحّ.
سَمِعَ: أَبَا قَتَادَة عَبْد اللهِ بن وَاقِد، وَعُثْمَان بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّرَائِفِيّ، وَأَبَا اليَمَان البَهْرَانِيّ، وَأَحْمَد بن يُوْنُسَ، وَالنُّفَيْلِيّ، وَعِدَّة.
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (1333) (401) من طريق محمد بن حاتم، حدثني ابن مهدي، حدثنا سليم بن حيان بهذا الإسناد، وأخرجه من حديث عائشة البخاري 1 / 198، 199 في العلم: باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه، و3 / 351 في الحج: باب فضل مكة وبنيانها و6 / 392 في الأنبياء: باب قول الله تعالى (واتخذ الله إبراهيم خليلا) و8 / 129 في التفسير و13 / 196 في التمني: باب ما يجوز من اللو، وأخرجه مسلم (1333) ومالك 1 / 363، 364، والترمذي (875) والنسائي 5 / 214، 216.
(*) الجرح والتعديل 8 / 125، الأنساب، ورقة: 161 / ب، تهذيب الكمال: 1288، تهذيب التهذيب 9 / 521، 522، خلاصة تذهيب الكمال: 364، تذهيب التهذيب 4 / 11، 12.

(12/605)


وَعَنْهُ: النَّسَائِيّ فِي (سنَنه)، وَقَالَ: هُوَ ثِقَةٌ (1) ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَأَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّد بن سَعِيْدٍ الرَّقِّيّ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

231 - أَبُو أَحْمَدَ الفَرَّاءُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ حَبِيْبٍ * (س)
الإِمَامُ، العلامَة، الحَافِظ، الأَدِيْب، أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّد بن عَبْد الوَهَّابِ بن حَبِيْب بن مِهْرَانَ العَبْدِيّ، الفَرَّاء، النَّيْسَابُوْرِيّ.
وَيُعرف أَيْضاً بـ: حَمَكَ (2) .
كَانَ وَجْه مَشَايِخ نَيْسَابُوْر عقلاً وَعلماً وَجَلاَلَة وَحِشْمَة.
وُلِدَ: بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ: جَعْفَر بن عَوْنٍ، وَيَعْلَى بن عُبَيْدٍ، وَمحَاضِر بن المُوَرِّع، وَابْن كنَاسَة، وَعبيد اللهِ بن مُوْسَى، وَحَفْص بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَقِيْه، وَالحُسَيْن بن الوَلِيْدِ، وَحَفْص بن عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيّ، وَمُحَمَّد بن الحَسَنِ بنِ زبالَة، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئ، وَشَبَابَة بن سَوَّار، وَالوَاقِدِي، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
وَأَخَذَ الأَدب عَنِ: الأَصْمَعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَطَائِفَة، وَعلم الحَدِيْث
__________
(1) " تهذيب التهذيب " 9 / 522 وجاء فيه: وذكره ابن حبان في " الثقات ".
وقال أبو عوانة: كان كيسا من أهل الصناعة. وقال ابن حجر: قال مسلمة: ثقة.
(*) الجرح والتعديل 8 / 13، تهذيب الكمال: 1235، تذهيب التهذيب 3 / 228 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 599، 600، العبر 2 / 50، الوافي بالوفيات 4 / 74، تهذيب التهذيب 9 / 319، 320، طبقات الحفاظ: 262، خلاصة تذهيب الكمال: 349، شذرات الذهب 2 / 163.
(2) بالحاء المهملة والكاف " التبصير " 1 / 263.

(12/606)


عَنْ: عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَد بن حَنْبَلٍ، وَالفِقْه عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَلِيّ بن عَثَّام.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو النَّضْر - شَيْخه - وَبِشْر بن الحَكَمِ وَالذُّهْلِيّ، وَأَحْمَد بن الأَزْهَر، وَالنَّسَائِيّ فِي (سنَنه)، وَمُسْلِم فِي بَعْض تَصَانِيْفه - وَوَثَّقَهُ - وَإِبْرَاهِيْم بن أَبِي طَالِبٍ، وَالإِمَام ابْن خُزَيْمَةَ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَم، وَالحَسَن بن يَعْقُوْبَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الحَاكِمُ: كَانَ يُفْتِي فِي الفِقْهِ وَالحَدِيْث وَالعَرَبِيَّة، وَيُرجع إِلَيْهِ فِيْهَا.
جرَى ذكر السلاَطين، فَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ: اللَّهُمَّ أَنسهُم ذكرِي، وَمَنْ أَرَادَ ذكرِي عِنْدَهُم، فَاشدد عَلَى قَلْبه فَلاَ يَذْكُرنِي (1) .
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ: أَوّل مَا كتبت فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: مَاتَ عَنْ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، فِي أَوَاخِرِ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: عَاشَ خَمْساً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
انتقَى عَلَيْهِ مُسْلِم.
وَفِي (صَحِيْح البُخَارِيِّ (2)): حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ،
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 2 / 599.
(2) 4 / 239 في الشروط: باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك.
قال الحافظ تعليقا على قول البخاري: حدثنا أبو أحمد: كذا للاكثر غير مسمى ولا منسوب، ولابن السكن في روايته عن الفربري، ووافقه أبو ذر: حدثنا أبو أحمد مرار بن حمويه...وهو همذاني ثقة مشهور، وليس له في البخاري غير هذا الحديث، وقال الحاكم: أهل بخارى يزعمون أنه أبو أحمد محمد بن يوسف البيكندي، ويحتمل أن يكون المراد أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب الفراء، فإن أبا عمرو المستملي رواه عنه عن أبي غسان.
والمعتمد ما وقع في ذلك عند ابن السكن ومن وافقه، وجزم أبو نعيم أنه مرار المذكور، وقال: لم يسمه البخاري، والحديث حديثه، ثم أخرجه من طريق موسى بن هارون، عن مرار.
قلت (القائل ابن حجر): وكذلك أخرجه الدارقطني في الغرائب من طريقه، ورواه ابن وهب عن مالك بغير إسناد، وأخرجه عمر بن شبة في " أخبار المدينة " انظر المقدمة ص 236، 237.

(12/607)


حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، فَقِيْلَ: هُوَ هُوَ، وَيُقَالُ: هُوَ مرَّار بن حَمَّوَيْه، وَقِيْلَ: مُحَمَّد بن يُوْسُفَ البِيْكَنْدِيّ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الدَّرَابْجِرْدِيّ: أَبُو أَحْمَدَ عِنْدِي ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ (1) .

232 - الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَعْشَرٍ نَجِيْحٍ السِّنْدِيُّ *
المَدَنِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: وَكِيْع بن الجَرَّاحِ، وَمُحَمَّد بن رَبِيْعَةَ الكِلاَبِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَكِيْمِي، وَإِسْمَاعِيْل الصَّفَّار، وَعُثْمَان بن السَّمَّاكِ، وَجَمَاعَة.
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ المُنَادِي: حَدَّثَ عَنْ وَكِيْع، وَلَمْ يَكُنْ بِالثِّقَة، فَتركه النَّاس (2) .
مَاتَ هُوَ وَأَبُو عَوْف البُزُورِي: فِي يَوْم وَاحِد، مِنْ رَجَب، سنَة خَمْسَة وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
أَبُوْهُ:

233 - مُحَمَّد بنُ أَبِي مَعْشَرٍ المَدَنِيُّ ** (ت)
هُوَ المُحَدِّثُ، المُعَمَّر، أَبُو عَبْدِ المَلِكِ مُحَمَّد بن أَبِي مَعْشَر
__________
(1) " تهذيب التهذيب " 9 / 320.
ووثقه مسلم، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال الحاكم: كان من أعقل مشايخنا.
(*) تاريخ بغداد 8 / 91، 92، ميزان الاعتدال 1 / 547، لسان الميزان 2 / 312.
(2) " ميزان الاعتدال " 1 / 547 وقال الذهبي فيه: فيه لين. وقال ابن قانع: ضعيف.
وقال ابن حجر في " لسان الميزان " 2 / 312: ذكره ابن حبان في " الثقات ".
(* *) الجرح والتعديل 8 / 110، تاريخ بغداد 3 / 326، 327، الأنساب 7 / 171، تهذيب الكمال: 1279، ميزان الاعتدال 4 / 55، تهذيب التهذيب 9 / 488، خلاصة تذهيب الكمال: 361.

(12/608)


المَدَنِيّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَغَيْرهِ.
وَمَا عَلِمته إِلاَّ صَدُوْقاً (1) .
حَدَّثَ عَنْهُ: التِّرْمِذِيّ، ثُمَّ رَوَى عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ.
مَاتَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ مائَة سَنَةٍ إِلاَّ سنَة.
وجده: هُوَ المُحَدِّث الإِمَام صَاحِب (المَغَازِي)، أَبُو مَعْشَرٍ، نَجِيْح بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مرّ.

234 - أَحْمَدُ بنُ سَيَّارِ بنِ أَيُّوْبَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْوَزِيُّ * (س)
الإِمَامُ الكَبِيْر، الحَافِظ، الحُجَّة، أَبُو الحَسَنِ المَرْوَزِيّ، الفَقِيْه، عَالِم مَرْو.
سَمِعَ: عَفَّانَ بن مُسْلِمٍ، وَسُلَيْمَان بن حَرْبٍ، وَعَبْدَان بن عُثْمَانَ، وَيَحْيَى بن بُكَيْرٍ، وَمُحَمَّد بن كَثِيْر، وَإِسْحَاق بن رَاهْوَيْه، وَصَفْوَان بن صَالِحٍ الدِّمَشْقِيّ، وَطَبَقَتهُم بِالحِجَازِ وَالعِرَاق وَمِصْر وَالشَّام وَخُرَاسَان.
وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيّ، وَالبُخَارِيّ فِي غَيْر (الصَّحِيْح)، وَمُحَمَّد بن
__________
(1) جاء في " تهذيب التهذيب " 9 / 288: قال أبو حاتم: محله الصدق. وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال أبو يعلى الموصلي: ثقة.
(2) في الجزء السابع، ص: 435.
(*) الجرح والتعديل 2 / 53، تاريخ بغداد 4 / 187، 189، تهذيب الكمال: 23، تذهيب التهذيب 1 / 12 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 559، 560، العبر 2 / 37، 38، مرآة الجنان 2 / 181، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 183، تاريخ ابن كثير 11 / 42، تهذيب التهذيب 1 / 35، 36، النجوم الزاهرة 3 / 44، خلاصة تذهيب الكمال: 7، شذرات الذهب 2 / 154.

(12/609)


نَصْرٍ المَرْوَزِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَابْن خُزَيْمَةَ، وَمُحَمَّد بن عَقِيْل البَلْخِيّ، وَأَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ مَحْبُوْب، وَحَاجِب بن أَحْمَدَ الطُّوْسِيّ، وَآخَرُوْنَ.
صَنّف (تَارِيْخاً) لَمَرْوَ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَنْهُ عَلِيّ بن الجُنَيْد: وَرَأَيْت أَبِي يطنب فِي مَدحه، وَيذكره بِالعِلْم وَالفِقْه (1) .
قُلْتُ: قَدْ عد فِي الفُقَهَاء الشَّافعيَة، وَهُوَ صَاحِبُ وَجْه، أَوجب الأَذَان لِلْجمعَة فَقَطْ، وَأَوجب رفع اليَدين فِي تكبيرَة الإِحرَام كمَذْهَب دَاوُد.
وَقَدْ كَانَ بَعْض العُلَمَاء يُشبههُ فِي زَمَانِهِ بِابْنِ المُبَارَكِ عِلْماً وَفضلاً - رَحِمَهُمَا اللهُ -.
وَقَدْ رَوَى: البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحه (2)): حَدَّثَنَا أَحْمَد، حَدَّثَنَا المُقَدَّمِيّ.
فَقِيْلَ: إِنَّهُ هُوَ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ، حَدَّثَنَا عَنْهُ ابْن صَاعِدٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: كَانَ مِنْ حُفَّاظِ الحَدِيْثِ (3) .
__________
(1) " الجرح والتعديل " 2 / 53.
(2) 13 / 347 في التوحيد: باب (وكان عرشه على الماء) قال أبو علي الجياني: لم ينسب أبو علي بن السكن ولا غيره من رواة الجامع هذا، وقال الكلاباذي: يقال: إنه أحمد بن سيار، وقال الحاكم أبو عبد الله: هو عندي أحمد بن النضر، واعتمد الحافظ ابن حجر قول الكلاباذي.
(3) " تهذيب التهذيب " 1 / 35 وجاء فيه: قال الحربي: كنا نعرفه بالفضل والورع. وقال ابن البيع: حدثني بعض مشايخنا بمرو أنه كان يقاس بابن المبارك في عصره. وقال ابن =

(12/610)


قُلْتُ: عَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

235 - عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادِ بنِ أَيُّوْبَ الآمُلِيُّ * (خَ)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، البَارع، الثِّقَة، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الآمُلِيّ؛ آمل جَيْحُون، وَهِيَ بليدَة مِنْ أَعْمَال مَرْو.
وَيُقَالُ: لَهَا أَمَوْ، وَمِنْ ثَمَّ قِيْلَ لَهُ: الأَمَوِيّ - بِفتْحَتَيْنِ -.
سَمِعَ: القَعْنَبِيّ، وَأَبَا اليَمَان، وَسُلَيْمَان بن حَرْبٍ، وَسَعِيْد بن أَبِي مَرْيَمَ، وَيَحْيَى الوُحَاظِيّ، وَيَحْيَى بن مَعِيْنٍ، وَأَبَا الجُمَاهَر الكَفْرَسُوْسِيّ.
وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ - فِيْمَا قِيْلَ - فَقَدْ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّ عَبْدَ اللهِ هَذَا هُوَ ابْنُ أَبِي الخُوَارِزْمِي، فَإِنَّ البُخَارِيّ نَزَل عِنْدَهُ بخُوَارِزْم، وَنَظَرَ فِي كُتُبِه، وَعلق عَنْهُ أَشْيَاء.
وَحَدَّثَ عَنِ الآمُلِيّ: عُمَر بن بُجَيْر، وَإِبْرَاهِيْم بن خُزَيْم (1) ، وَالهَيْثَم بن كُلَيْبٍ، وَعَبْد اللهِ مُحَمَّد بن يَعْقُوْبَ الحَارِثِيّ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيّ.
مَاتَ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: بَلْ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ، فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ.
__________
= حبان في الثقات: كان من الجماعين للحديث والرحالين فيه مع التيقظ والإتقان والذب عن المذهب، والتضييق على أهل البدع.
وقال ابن حجر: وهو أحد من أدخل فقه الشافعي على خراسان أخذه عن الربيع وغيره.
وله كتاب " فتوح خراسان ".
(*) تاريخ بغداد 9 / 444، 445، تهذيب الكمال: 675، تذهيب التهذيب 2 / 139 / 1، تهذيب التهذيب 5 / 190، 191، خلاصة تذهيب الكمال: 195.
(1) بضم الخاء المعجمة، وفتح الزاي المعجمة أيضا، وهو الشاشي صاحب عبد بن حميد. انظر " المشتبه " 1 / 263.

(12/611)


236 - التُّبَّعِيُّ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدِ *
الإِمَامُ، الثِّقَة، مُحَدِّث هَمَذَان، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبَانٍ القُرَشِيّ مَوْلاَهُمُ، الهَمَذَانِيّ، المَعْرُوْف: بِالتُّبَّعِيّ، مِنْ مَوَالِي بَنِي أُمَيَّةَ.
حدث بِبَلَده وَبِبَغْدَادَ عَنِ: القَاسِمِ بنِ الحَكَمِ العُرَنِيّ، وَأَصرم بن حَوْشَب، وَالحَسَن بن مُوْسَى الأَشيب، وَجَمَاعَة.
رَوَى عَنْهُ: مُطَيَّن، وَالإِمَام ابْن خُزَيْمَةَ، وَيَحْيَى بن صَاعِدٍ، وَابْن أَبِي حَاتِمٍ، وَالحُسَيْن المَحَامِلِيّ، وَمُحَمَّد بن مَخْلَدٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

237 - البَرَلُّسِيُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ **
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُتْقِن، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْم بن أَبِي دَاوُدَ سُلَيْمَان بن دَاوُدَ الأَسَدِيّ، الكُوْفِيّ الأَصْل، الصُّوْرِيّ المَوْلِد، البرلسَي الدَّار - بِفَتْحِ البَاءِ وَالرَّاءِ وَضَمِّ اللاَّمِ -. قَيده ابْن نُقْطَة.
__________
(*) الجرح والتعديل 2 / 72، تاريخ بغداد 5 / 12، 13، الأنساب 2 / 167، اللباب 1 / 207.
(1) " الجرح والتعديل " 2 / 72، و" تاريخ بغداد " 5 / 13، ووثقه الخطيب أيضا في " تاريخ بغداد " 5 / 12.
(* *) الأنساب، ورقة: 76 / أ، اللباب 1 / 142، المنتظم 5 / 85، شذرات الذهب 2 / 162.
(2) وكذا ضبطها ياقوت في " معجمه " وضبطها السمعاني في " الأنساب " وتبعه ابن الأثير في " اللباب " بالضمات.
وهي نسبة إلى البرلس، بليدة من سواحل مصر.

(12/612)


سَمِعَ مِنْ: آدَم بن أَبِي إِيَاس، وَسَعِيْد بن أَبِي مَرْيَمَ، وَأَبِي مُسْهِرٍ الدِّمَشْقِيّ، وَروَّاد بن الجَرَّاحِ، وَيَحْيَى بن صَاعِدٍ، وَيَزِيْد بن عَبْدِ رَبِّهِ، وَبكَار بن عَبْدِ اللهِ السِّيْرِيْنِيّ (1) ، وَعَمْرو بن عَوْف، وَالتَّبُوْذَكِيّ، وَعِدَّة.
وَعَنْهُ: الطَّحَاوِيّ - فَأَكْثَر - وَابْن صَاعِدٍ، وَابْن جَوْصَا، وَمُحَمَّد بن يُوْسُفَ الهَرَوِيّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَأَبُو الفَوَارِسِ بن السِّنْدِيّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ ابْنَ جَوْصَا يَقُوْلُ: ذَاكرت أَبَا إِسْحَاقَ البَرَلُّسِيّ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَة الحَدِيْث.
وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: كَانَ أَحَد الحُفَّاظ الْمُجَوِّدِينَ الثِّقَات الأَثبَات.
مَوْلِدُهُ: بِصور، وَتُوُفِّيَ: بِمِصْرَ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.

238 - مُحَمَّدُ بنُ عَوْفِ بنِ سُفْيَانَ الطَّائِيُّ * (د)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، مُحدثُ حِمْصَ، أَبُو جَعْفَرٍ الطَّائِيُّ، الحِمْصِيُّ.
سَمِعَ: عُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَمُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيَّ، وَأَبَا المُغِيْرَةِ الخَوْلاَنِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ خَالِدٍ الوهبِي، وَعَبْد السَلاَّم بن عَبْدِ الحَمِيْدِ
__________
(1) بكسر السين والراء المهملتين: نسبة إلى والد محمد بن سيرين.
قال أبو حاتم بن حبان: لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد.
(*) الجرح والتعديل 8 / 52، 53، طبقات الحنابلة 1 / 310، 313، تهذيب الكمال: 1253، تذكرة الحفاظ 2 / 581، 582، العبر 2 / 50، الوافي بالوفيات 4 / 293، تهذيب التهذيب 9 / 383، 384، النجوم الزاهرة 3 / 69، طبقات الحفاظ: 258، خلاصة تذهيب الكمال: 354، شذرات الذهب 2 / 163.

(12/613)


السَّكُوْنِيّ، وَهَاشِم بن عَمْرو شقرَان، وَأَبَا مُسْهِرٍ، وَآدَم بن أَبِي إِيَاس، وَعَلِيّ بن عَيَّاش، وَخَلْقاً كَثِيْراً بِالعِرَاقِ وَالشَّام.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالنَّسَائِيّ فِي (مُسْند عَلِيّ)، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَابْن أَبِي دَاوُدَ، وَابْن صَاعِدٍ، وَابْن جَوْصَا، وَمَكْحُوْل البَيْرُوْتِيّ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ، وَأَبُو بِشْرٍ الدُّوْلاَبِيّ، وَعَبْد الغَافر بن سَلاَمَةَ، وَخَيْثَمَة الأُطْرَابُلُسِيّ، وَحَفِيْده؛ حَسَن بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَآخَرُوْنَ.
وَسَمِعَ مِنْهُ: الإِمَام أَحْمَد حَدِيْثاً - وَهُوَ مَا رَوَاهُ حمَام - وَابْن أَبِي نَصْرٍ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا خَيْثَمَة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُقَيْر مَوْلَى العَبَّاس، سَمِعْتُ الهدَّار - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ لِلْعَبَّاسِ بن وَلِيْد، وَرَأَى إِسرَافه فِي خُبْز السمِيذ وَغَيْرهُ:
لَقَدْ رَأَيْت رَسُوْل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا شبع مِنْ خُبْز بر حَتَّى فَارق الدُّنْيَا (1) .
قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بن سَعِيْدٍ القَاضِي: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَوْف يَقُوْلُ:
كُنْتُ أَلعب فِي الكَنِيْسَة بِالكرَة وَأَنَا حَدَّث، فَدَخَلتِ الكرَة، فَوَقَعت قرب المُعَافَى بن عِمْرَانَ الحِمْصِيّ، فَدَخَلت لأَخذهَا، فَقَالَ: ابْنُ مَنْ أَنْتَ؟
قُلْتُ: ابْن عَوْف بن سُفْيَان.
قَالَ: أَمَا إِنَّ أَبَاك كَانَ مِنْ إِخْوَاننَا، فَكَانَ
__________
(1) والد محمد بن عوف وشقير مولى العباس لم أجد من ترجمهما، والهدار لا يعرف إلا بهذا الحديث وبمثله لا تثبت الصحبة، ذكره الحافظ في الإصابة 3 / 600 وقال: قال أبو عمر: له صحبة، وقال ابن مندة: يعد في الحمصيين، وقال عبد الغني بن سعيد في " تاريخ حمص ": حدثنا محمد بن عوف وكتبه عنه أحمد بن حنبل، حدثنا أبي، حدثنا شقير (وقد تحرف فيه إلى سفيان) مولى العباس عن الهدار الكناني...وأخرجه ابن مندة عن خيثمة عن محمد بن عوف، وقال: غريب، وأخرجه ابن السكن من رواية محمد بن عوف...وقال: لا يروى عن هدار شيء إلا من هذا الوجه، وكذا رواه ابن قانع من رواية محمد بن عوف.
وانظر " الاستيعاب " 3 / 625، و" أسد الغابة " 5 / 389.

(12/614)


مِمَّنْ يَكْتُب مَعَنَا الحَدِيْث وَالعِلْم، وَالَّذِي كَانَ يُشْبِهُك أَنْ تتبع مَا كَانَ عَلَيْهِ وَالِدك.
فَصِرْتُ إِلَى أُمِّي، فَأَخبرتهَا، فَقَالَتْ: صدق، هُوَ صَدِيْق لأَبيك.
فَأَلبستَنِي ثوبَا وَإِزَاراً، ثُمَّ جِئْت إِلَى المعَافَى، وَمَعِي محبرَة وَورق، فَقَالَ لِي: اكْتُبْ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عبد رَبّهُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: كتبت لِي أُمّ الدَّرْدَاء فِي لَوْحِي: اطلبُوا العِلْم صِغَاراً، تَعْمَلُوا بِهِ كِبَاراً، فَإِنَّ لِكُلِّ حَاصد مَا زرع.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ صَدُوْقٌ (1) .
وَقِيْلَ لاِبْنِ مَعِيْن فِي حَدِيْث لاِبْنِ عَوْف، فَقَالَ: هُوَ أَعْرَف بِحَدِيْث أَهْل بَلَده.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ عَالِم بِحَدِيْث الشَّام صَحِيْحاً وضعيفاً.
وَكَانَ عَلَى ابْنِ عَوْف اعتمَاد ابْن جَوْصَا، وَمِنْهُ يَسْأَل، وَخَاصَّة حَدِيْث حِمْص (2) .
وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: مَا كَانَ بِالشَّامِ مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً مِثْل مُحَمَّد بن عَوْف (3) .
وَكَذَلِكَ أَثْنَى طَائِفَة مِنَ الكِبَار عَلَى ابْنِ عَوْف، وَوصفُوهُ بِالحِفْظ وَالعِلْم وَالتبحر.
قَالَ ابْنُ المُنَادِي: مَاتَ ابْنُ عَوْف فِي وَسط، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
__________
(1) " الجرح والتعديل " 8 / 53.
(2) " تهذيب التهذيب " 9 / 384 وجاء فيه: قال مسلمة في " الصلة " ثقة، وقال الخلال: هو إمام حافظ في زمانه، معروف بالتقدم في العلم والمعرفة.
(3) " الوافي بالوفيات " 4 / 294.

(12/615)


أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ السَّيِّد، أَخْبَرَنَا الخَضِر بن عبدَان، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَبِي العَلاَءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا خَيْثَمَة بن سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْب - هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ - عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الخَيْلُ مَعْقُوْدٌ فِي نَوَاصِيْهَا الخَيْرُ) (1) .

239 - مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَرَشِيُّ *
الإِمَامُ، المُفْتِي، الفَقِيْهُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَرَشِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، الحِيْرِيُّ، وَالِدُ الإِمَامِ أَبِي عَمْرٍو.
سَمِعَ: مُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَفَّانَ بنَ مُسْلِمٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ، وَعَبْدَانَ بنَ عُثْمَانَ، وَيَحْيَى بنَ يَحْيَى، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ، وَطَبَقَتَهُم.
وَبَرَعَ فِي الفِقْهِ.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ المُسْتَمْلِي، وَأَبُو عَمْرٍو الحِيْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَةَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو الحِيْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
قُلْتُ لِلْقَعْنَبِيِّ: مَا لَكَ لاَ تَروِي عَنْ شُعْبَةَ غَيْرَ حَدِيْثٍ؟
قَالَ: كَانَ يَسْتَثقِلُنِي، فَلاَ يُحَدِّثُنِي.
قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: أَوَّلُ مَنْ حَمَلَ عِلْمَ الشَّافِعِيِّ إِلَى خُرَاسَانَ مُحَمَّدُ بنُ
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه مالك 2 / 22 بشرح السيوطي، ومن طريقه البخاري 6 / 40 في الجهاد: باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، ومسلم (1871) في الامارة: باب الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، عن نافع، عن ابن عمر، وأخرجه النسائي 6 / 221، 222 من طريق قتيبة بن سعيد، عن الليث، عن نافع، عن ابن عمر.
(*) الأنساب 4 / 111، الوافي بالوفيات 2 / 30، 31.

(12/616)


أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ -يَعْنِي: كِتَابَ (الرِّسَالَةِ (1))-.
تُوُفِّيَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَيَّدَهَا: أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي.
سَمِيُّهُ:

240 - مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَفْص بن الزِّبْرِقَان البُخَارِيُّ *
مَوْلَى بَنِي عجل، عَالِم مَا وَرَاء النَّهْر، شَيْخُ الحَنَفِيَّة، أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيّ.
تَفَقَّهَ بِوَالِدِهِ العَلاَّمَةِ أَبِي حَفْصٍ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَة: كَانَ عَالِمَ أَهْلِ بُخَارَى وَشَيْخَهُم.
سَمِعْتُ ابْنَ الأَخْرَمَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ يَقُوْلُ:
سُئِلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيّ عَنِ القُرْآن، فَقَالَ:
كَلاَمُ الله.
فَقَالُوا كيفَمَا تصرّف؟
فَقَالَ: وَالقُرْآنُ يتَصَّرفُ بِالأَلسنَة؟
فَأُخبر مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، فَقَالَ:
من أَتَى مَجْلِسَه فَلاَ يَأْتِنِي.
وَأَخرج جَمَاعَةً، فَخَرَجَ إِلَى بُخَارَى.
وَكَتَبَ الذُّهْلِيُّ إِلَى خَالِدٍ أَمِيْرِ بُخَارَى وَإِلَى شُيُوْخهَا بِأَمرِهِ، فَهَمَّ خَالِد حَتَّى أَخْرَجَه مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَفْص إِلَى بَعْض رِبَاطَات بُخَارَى، فَبقِي إِلَى أَنْ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ سَمَرْقَنْد يَسْتَأَذِنُهُم فِي القُدُومِ عَلَيْهِم، فَامتنعُوا عَلَيْهِ.
وَمَاتَ فِي قَرْيَةٍ.
قَالَ ابْنُ مَنْدَة: نُسْخَة كِتَابِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بن أَبِي حَفْصٍ فِي (الرَّدِّ
__________
(1) " أنساب " السمعاني 4 / 111 وتتمته فيه: فإنه لم يدخل مصر ولم يدرك الشافعي بنفسه.
(*) لم نجد له ترجمة فيما وقفنا عليه من مصادر.

(12/617)


عَلَى اللفظيَة): الحَمْدُ للهِ الَّذِي حَمِد نَفْسه، وَأَمَرَ بِالحَمْدِ عبَادَه...، فَسَرَد كِتَاباً فِي ذَلِكَ.
وَكَانَ قَدِ ارْتَحَلَ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الوَلِيْد الطَّيَالِسِيِّ، وَالحُمَيْدِيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ عَارِم، وَيَحْيَى بن يَحْيَى، وَالتَّبُوْذَكِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بن رَجَاءَ، وَطَبَقَتِهِم.
ورَافق البُخَارِيَّ فِي الطَّلَب مُدَّةً، وَلَهُ كِتَاب (الأَهوَاء وَالاخْتِلاَف).
وَكَانَ ثِقَةً إِمَاماً وَرِعاً زَاهِداً رَبَّانِيّاً، صَاحِبَ سُنَةٍ وَاتِّبَاع، لَقِيَ أَبَا نُعَيْمٍ وَهُوَ أَكْبَر شُيُوْخه، وَكَانَ يَقُوْلُ بِتَحْرِيْمِ النَّبِيذِ الْمُسكر.
وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ كِبَارِ تَلاَمِذَة مُحَمَّد بن الحَسَنِ انْتَهَت إِلَيْهِ رِئاسَةُ الأَصْحَابِ بِبُخَارَى، وَإِلَى ابْنِهِ أَبِي عَبْدِ اللهِ هَذَا.
وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ أَئِمَّةٌ.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ مَنْدَة: تُوُفِّيَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ أَبُو عصمَة أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ اليَشْكُرِيُّ، وَعَبْدَان بن يُوْسُفَ، وَعَلِيُّ بنُ حَسَن بن عَبْدَةَ، وَطَائِفَةٌ، آخرهُم وَفَاةً أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ البُخَارِيُّ.

241 - زَغَاث أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بن عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ * (1)
الشَّيْخُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سِنَان بن
__________
(*) تاريخ بغداد 11 / 170، تذكرة الحفاظ 2 / 610، طبقات الحفاظ: 272.
(1) وقد صحفت في " تاريخ بغداد " 11 / 170 إلى رغاث، بالراء المهملة. وفي " تذكرة الحفاظ " 2 / 610: إلى رعاب، بإهمال الراء والعين، وباء بواحدة من تحت، وفي " طبقات الحفاظ " 72: إلى زغاب، باعجام الزاي والغين، وباء بواحدة من تحت.

(12/618)


دَلَّوَيْه البَغْدَادِيُّ، الطَّيَالِسِيُّ، زَغَاث.
سَمِعَ: عُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئ، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَعَفَّان، وَأَبَا بَكْرٍ الحُمَيْدِيَّ، وَأَمْثَالَهُم.
وَعَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّار، وَمُحَمَّدُ بنُ البَخْتَرِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ المُنَادِي: كَانَ يُعَدُّ فِي الحُفَّاظ.
قَالَ: وَمَاتَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) .
أَنْبَأَنَا جَمَاعَةٌ سَمِعُوا عُمَرَ بن طَبَرزَدْ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ غَيْلاَن، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَبْدِ اللهِ الطَّيَالِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنَا عُمَارَة - هُوَ ابْنُ زَاذَان - أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُعْجِبُهُ الدُّبّاءُ، وَهُوَ القَرَعُ (2) .

242 - يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزِّبْرِقَانِ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَالِمُ، أَبُو بَكْرٍ البَغْدَادِيّ، أَخُو العَبَّاس وَالفَضْل.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 11 / 170، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 610 و" طبقات الحفاظ ": 272.
(2) صحيح، وأخرجه الترمذي في " الشمائل " 1 / 252، 253 من طريق محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي، كلاهما عن شعبة، عن قتادة، عن أنس وأخرجه أحمد 3 / 177، و274 و239 من طرق عن شعبة، عن قتادة، عن أنس. وهو في سنن ابن ماجة (3302) من طريق أحمد بن منيع، عن عبيدة بن حميد، عن أنس.
(*) تاريخ بغداد 14 / 220، 221، ميزان الاعتدال 4 / 386، 387، الجرح والتعديل 9 / 134، لسان الميزان 6 / 245 و262، 263.

(12/619)


مَوْلِدُهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ: عَلِيّ بن عَاصِم، وَأَبَا بَدْرٍ شُجَاعَ بن الوَلِيْدِ، وَيَزِيْدَ بن هَارُوْنَ، وَمَعْرُوْفاً الزَّاهِد، وَعَبْدَ الوَهَّابِ بن عَطَاء، وَأَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَزَيْدَ بن الحُبَابِ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ ابْن البَخْتَرِيّ، وعُثْمَان بن السَّمَّاكِ، وَأَبُو سَهْلٍ القَطَّان، وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَاد، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ الخُرَاسَانِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّه الصِّدْق (1) .
وَقَالَ البَرْقَانِيّ: أَمرنِي الدَّارَقُطْنِيّ أَنْ أُخَرِّجَ لِيَحْيَى بنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الصَّحِيْحِ.
وَأَمَّا أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِم، فَقَالَ: لَيْسَ بِالمتين.
وَقَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: أَشهدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يكذب (2) - يُرِيْد فَى كَلاَمه لاَ فِي الرِّوَايَة - نَسْأَلُ اللهَ لِسَاناً صَادِقاً.
وَهُوَ مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ.
يَقع عوَالِيه لِي وَلأَوْلاَدِي.
تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
243 - أَخُوْهُ:
__________
(1) " الجرح والتعديل " 9 / 134.
(2) " تاريخ بغداد " 14 / 221، و" لسان الميزان " 6 / 263 وجاء فيه: قال مسلمة بن قاسم: ليس به بأس، تكلم الناس فيه.

(12/620)


243 - الفَضْلُ بنُ جَعْفَرٍ * (ت)
سَمِعَ: يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَحَجَّاج بن مُحَمَّدٍ، وَعِدَّةً.
وَعَنْهُ: الترمذَيُّ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَجَمَاعَة.
ثِقَة (1) .
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
يُكْنَى أَبَا سهل.
أَخُوْهُمَا:

244 - العَبَّاس بن أَبِي طَالِبٍ أَبُو مُحَمَّدٍ ** (ق)
ثِقَةٌ.
سَمِعَ: شَبَابَة، وَيَحْيَى بن أَبِي بُكَيْر، وَهَوْذَة.
وَعَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعُمَر بن بُجَيْر، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) .
__________
(*) الجرح والتعديل 7 / 60، تاريخ بغداد 12 / 364، تهذيب الكمال: 1096، تذهيب التهذيب 3 / 137 / 1، تهذيب التهذيب 8 / 269، خلاصة تذهيب الكمال: 308.
(1) ووثقه الخطيب البغدادي 12 / 364، وقال ابن حجر في " تهذيب التهذيب " 8 / 269: ذكره ابن حبان في " الثقات ".
(* *) الجرح والتعديل 6 / 215، تاريخ بغداد 12 / 141، 142، تهذيب الكمال: 657، تذهيب التهذيب 2 / 124 / 2، تهذيب التهذيب 5 / 115، 116، خلاصة تذهيب الكمال: 188.
(2) قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 6 / 215: سمعت منه مع أبي ببغداد وهو ثقة، وسئل عنه أبي فقال: صدوق.
وقال ابن حجر في " تهذيب التهذيب " 5 / 115: ذكره ابن حبان في " الثقات ".
وقال عبد الله بن إسحاق المدائني: حدثنا عباس بن أبي طالب، وكان ثقة: وقال مسلمة: بغدادي ثقة.

(12/621)


245 - يُوْسُف بنُ سَعِيْدِ بنِ مُسَلَّم أَبُو يَعْقُوْبَ المِصِّيْصِيُّ * (س)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، المُصَنِّفُ، أَبُو يَعْقُوْبَ المِصِّيْصِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ: حَجَّاجَ بن مُحَمَّدٍ الأَعورَ، وَمُحَمَّدَ بن مُصْعَبٍ القَرْقَسَانِيَّ (1) وَعُبَيْد اللهِ بن مُوْسَى، وَخَالِد بن يَزِيْدَ القَسْرِيَّ، وَهَوْذَة بنَ خَلِيْفَةَ، وَأَبَا مُسْهِرٍ الغَسَّانيَّ، وَالهَيْثَمَ بن جَمِيْل، وَمُحَمَّدَ بن المُبَارَكِ الصُّوْرِيّ، وَعِدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ - وَقَالَ: ثِقَةٌ حَافِظٌ - وَأَبُو عَوَانَةَ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ صفوَة، وَمُحَمَّدُ بنُ الرَّبِيْعِ الجِيْزِيَّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَمُسَلَّم - بِالتشديد -: يُوْسُفُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مُسَلَّم: حَدَّثَنَا عَنْهُ جَمَاعَة.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَ ثِقَةً صَدُوْقاً (2) .
__________
(*) الجرح والتعديل 9 / 224، اللباب 3 / 221، تهذيب الكمال: 1558، 1559، تذهيب التهذيب 4 / 190 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 583، 584، تهذيب التهذيب 11 / 414، 415، طبقات الحفاظ: 259، خلاصة تذهيب الكمال: 439، شذرات الذهب 2 / 162.
(1) بفتح القافين، بينهما الراء ساكنة: هذه النسبة إلى قرقيسيا، وهي بلدة بالجزيرة على ستة فراسخ من رحبة مالك بن طوق قريبة من الرقة. قال السمعاني: والنسبة بإثبات النون وإسقاطها، والقائل بالنون وإثباتها أكثر حتى اشتهر بذلك.
ومحمد بن مصعب هو أبو عبد الله. كان حافظا كثير الغلط، وقيل: إنه منكر الحديث. مات سنة ثمان ومئتين. انظر ترجمته في " الأنساب " 10 / 106.
(2) " الجرح والتعديل " 9 / 224، و" تهذيب التهذيب " 11 / 415 وجاء فيه أيضا: قال =

(12/622)


قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمثتين مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ.

246 - أَمِيْرُ الأَنْدَلُسِ المُنْذِرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْوَانِيُّ *
صَاحِبُ مدَائِن الأَنْدَلُس، قَامَ بَعْد أَبِيْهِ.
وَكَانَ فَارِساً شُجَاعاً، مَاضِي العزيمَة.
تملك نَحْواً مِنْ سنتَيْن (1) ، وَعَاشَ ستَا وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ وَهُوَ يحَاصِر ملكَ الْغرب عُمَر بن حفصُوْنَ الثَّائِر عَلَيْهِ (2) ، فِي شَهْر صفر، سَنَة خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ فَتملَّك بَعْدَهُ أَخُوْهُ عَبْد اللهِ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثٍ مائَة.

247 - الأَثْرَم أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَانِىء ** (س)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَانِئ
__________
= النسائي: ثقة حافظ.
ثم قال ابن حجر: وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال مسلمة بن قاسم: ثقة حافظ، وأبوه ثقة.
(*) العبر لابن خلدون 4 / 132، نفح الطيب 1 / 352، المغرب 1 / 53، 54، جذوة المقتبس: 11، 12، الحلة السيراء 1 / 138، 140.
(1) ولي سلطنة الأندلس من سنة 273 إلى سنة 275 ه وقال الحميدي: 11، اتصلت ولايته سنتين غير خمسة عشر يوما.
(2) هو من أهم الثوار في عصر محمد وابنه المنذر، وقد ارتد عن الإسلام إلى النصرانية.
وقد ظل محتفظا بقلعته ببشتر، بين رندة ومالقة، وكانت من أمنع قلاع الأندلس.
(* *) الجرح والتعديل 2 / 72، الفهرست: 285، طبقات الحنابلة 1 / 66، 74، تهذيب الكمال: 41، 42، تذهيب التهذيب 1 / 26 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 570، 572، العبر 2 / 22، تهذيب التهذيب 1 / 78، 79، طبقات الحفاظ: 256، خلاصة تذهيب الكمال: 12، شذرات الذهب 2 / 141، 142.

(12/623)


الإِسْكَافيُّ الأَثْرَم الطَّائِيُّ - وَقِيْلَ: الكَلْبِيّ - أَحَد الأَعْلاَمِ، وَمُصَنِّف (السُّنَن)، وَتلمِيذُ الإِمَام أَحْمَد.
وُلِدَ فِي دَوْلَة الرَّشِيْد.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ بَكْر السَّهْمِيِّ - إِنْ شَاءَ اللهُ - وَمِن هَوْذَة بن خَلِيْفَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ الحضرمِيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَعَفَّان، وَالقَعْنَبِيِّ، وَأَبِي الوَلِيْد الطَّيَالِسِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بن صَالِحٍ الكَاتِب اللَّيْثِيّ، وَعَبْدِ الله بن رَجَاءَ الغُدَانِي، وَحَرمِيِّ بن حَفْصٍ، وَمُسَدَّدِ بن مُسَرْهَد، وَمُوْسَى بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَمْرو بن عَوْنٍ، وَقَالُوْنَ عِيْسَى، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بن مُوْسَى المِصِّيْصِيِّ، وَمُسْلِم بن إِبْرَاهِيْمَ، وَأَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيِّ، وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَخَلْقٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ فِي (سُنَنِهِ)، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَيَحْيَى بن صَاعِدٍ، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي طَاهِر القَزْوِيْنِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى الجَوْهَرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِر الزَّنْجَانِيّ، وَغَيْرهُم.
وَلَهُ مُصَنَّف فِي عِلل الحَدِيْث.
قَالَ الأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، عَنِ التَّعريفِ فِي الأَمصَارِ، يَجْتَمِعُوْنَ فِي المَسَاجِدِ يَوْمَ عَرَفَة، فَقَالَ:
أَرْجُو أَنْ لاَ يَكُوْنَ بِهِ بَأْسٌ، فعلَه غَيْرُ وَاحِدٍ: الحَسَنُ، وَبَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَثَابِتٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَاسِع، كَانُوا يَشْهَدُوْنَ المَسْجَد يَوْمَ عَرَفَة.
وَسَأَلْتُهُ عَنِ القِرَاءةِ بِالأَلحَان، فَقَالَ:
كُلُّ شَيْءٍ مُحْدَثٍ فَإِنَّهُ لاَ يُعْجبنَي، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ صوتَ الرَّجُلِ لاَ يَتَكَلَّفُهُ (1) .
__________
(1) " طبقات الحنابلة " 1 / 67.

(12/624)


قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ: كَانَ الأَثْرَمُ جَلِيْل الْقدر، حَافِظاً، وَكَانَ عَاصِمُ بن عَلِيّ لَمَّا قَدِمَ بَغْدَاد، طلب رَجُلاً يُخَرِّج لَهُ فَوَائِدَ يُملِيهَا، فَلَمْ يَجِدْ (1) فِي ذَلِكَ الوَقْتِ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ الأَثْرَم، فَكَأَنَّهُ لَمَّا رَآهُ لَمْ يَقَع مِنْهُ موقعاً لحدَاثَة سِنِّه.
فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرِجْ كُتُبك.
فَجَعَلَ يَقُوْلُ لَهُ: هَذَا الحَدِيْثُ خطأٌ وَهَذَا غلط، وَهَذَا كَذَا.
قَالَ: فسُرَّ عَاصِمُ بنُ عَلِيّ بِهِ، وَأَملَى قَرِيْباً مِنْ خَمْسِيْنَ مَجْلِساً (2) .
وَكَانَ يَعرف الحَدِيْثَ وَيَحْفَظُ.
فَلَمَّا صحب أَحْمَد بن حَنْبَلٍ ترك ذَلِكَ، وَأَقبلَ عَلَى مَذْهَب أَحْمَد.
سَمِعْتُ أَبَا بكرٍ المَرُّوْذِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ الأَثْرَمُ:
كُنْتُ أَحْفَظُ -يَعْنِي: الفِقْه وَالاخْتِلاَف- فَلَمَّا صَحِبْت أَحْمَد بن حَنْبَلٍ تركتُ ذَلِكَ كُلَّهُ.
وَكَانَ مَعَهُ تَيَقُّظٌ عَجِيْبٌ، حَتَّى نَسَبَه يَحْيَى بن مَعِيْنٍ، وَيَحْيَى بن أَيُّوْبَ المَقَابِرِي، فَقَالَ: كَانَ أَحَدُ أَبَوَي الأَثْرَم جِنيّاً (3) .
ثُمَّ قَالَ الخَلاَّلُ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ صَدَقَة، سَمِعْتُ أَبَا القَاسِم بن الخُتَّلِيَّ (4) ، قَالَ:
قَامَ (5) رَجُلٌ فَقَالَ: أُرِيدُ مَنْ يَكْتُبُ لِي مِنْ كِتَابِ الصَّلاَةِ مَا لَيْسَ فِي كُتُب أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ.
فَقُلْنَا لَهُ: لَيْسَ لَكَ إِلاَّ أَبُو بَكْر الأَثْرَم.
قَالَ: فَوجَّهُوا إِلَيْهِ وَرَقاً، فَكَتَبَ سِتّ مائَة وَرَقَة مِنْ كِتَابِ الصَّلاَة.
قَالَ: فَنَظَرنَا، فَإِذَا لَيْسَ فِي كِتَابِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْهُ شَيْء (1) .
__________
(1) في " طبقات الحنابلة ": نجد.
(2) " طبقات الحنابلة " 1 / 72 وتتمته فيه: فعرضت على أحمد بن حنبل، فقال: هذه أحاديث صحاح، والخبر في " تذكرة الحفاظ " 2 / 571.
(3) " طبقات الحنابلة " 1 / 72، 73، وسيرد الخبر في الصفحة التالية وهو في " تذكرة الحفاظ " 2 / 571.
(4) في " طبقات الحنابلة ": الجيلي.
(5) في " طبقات الحنابلة ": قدم.
(6) " طبقات الحنابلة " 1 / 73.

(12/625)


قُلْتُ: كَانَ عَالِماً بتَوَالِيْفِ ابْن أَبِي شَيْبَةَ، لاَزَمَهُ مُدَّةً.
قَالَ الخَلاَّلُ أَبُو بَكْرٍ: وَسَمِعْتُ الحَسَنَ بن عَلِيِّ بنِ عُمَرَ الفَقِيْه يَقُوْلُ:
قَدِمَ شَيْخَان مِنْ خُرَاسَان الحَجّ (1) ، فَحَدَّثَا، فَلَمَّا خرجَا طلبَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْث أَحَدهَمَا.
قَالَ: فَخَرَجَا -يَعْنِي: إِلَى الصَّحْرَاء- فَقعَدَ هَذَا الشَّيْخ نَاحِيَةً مَعَهُ خَلْقٌ وَمُستملٍ، وَقَعَدَ الآخر نَاحِيَةً كَذَلِكَ، وَقَعَدَ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ بَيْنَهُمَا، وَكَتَبَ مَا أَملَى هَذَا وَمَا أَملَى هَذَا (2) .
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيْدَ بن عتَّاب يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كَانَ أَحَدُ أَبوِي الأَثْرَم جِنِّيّاً (3) .
وَأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ صَدَقَة، قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الأَصْبَهَانِيّ -يَعْنِي: ابْن أُورْمَة فِيْمَا أَحسبُ- يَقُوْلُ:
أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ أَحْفَظ مِنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيّ وَأَتْقَنُ.
قُلْتُ: لَمْ أَظفر بِوَفَاةِ الأَثْرَم، وَمَاتَ بِمَدِيْنَةِ إِسْكَاف فِي حُدُوْدِ السِّتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ قبلهَا أَوْ بَعْدهَا (4) .
__________
(1) في " طبقات الحنابلة ": للحج.
(2) " طبقات الحنابلة " 1 / 73 و" تذكرة الحفاظ " 2 / 571.
وجاء فيه أيضا: عن أبي بكر بن صدقة قال: سمعت إبراهيم بن الأصبهاني يقول: أبو بكر الأثرم أحفظ من أبي زرعة الرازي وأتقن.
(3) سبق الخبر في الصفحة السابقة " طبقات الحنابلة " 1 / 73، و" التذكرة " 2 / 571 و" التهذيب " 1 / 78.
(4) قال المصنف في " التذكرة " 2 / 571: أظنه مات بعد الستين ومئتين.
وقال الحافظ ابن حجر في " التهذيب " 1 / 79: توفي سنة 261 أو في حدودها.
ألفيته بخط شيخنا الحافظ أبي الفضل.
ثم وجدت في " التذهيب " للذهبي أنه مات بعد الستين ومئتين.
وكل هذا تخمين غير صحيح، والحق أنه تأخر عن ذلك، فقد أرخ ابن قانع وفاة الأثرم فيمن مات سنة 273 ه، ولكنه لم يسمعه، وليس في الطبقة من يلقب بذلك غيره.

(12/626)


أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَلِيِّ بنُ عَبْد الرَّحْمَنِ الخَطِيْب، وَعِيْسَى بن بَرَكَة المُعَلِّم فِي جَمَاعَةٍ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاء حُضُوراً، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِد، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْعَثِ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ زُرَيْع، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَن إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
صَلَّى بِنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةً زَادَ فِيْهَا أَوْ نَقصَ، فَلَمَّا فَرَغَ، قُلْنَا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَحَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَيْءٌ؟
فَثَنَى رِجْلَهُ، فَسَجَدَ سَجْدَتِيْنِ (1) .
وَبِهِ: قَالَ ابْنُ صَاعِد، وَزَادنَا أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المِنْهَال، عَنْ يَزِيْدَ فِي هَذَا الحَدِيْث، قُلْنَا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا...، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.
فَهَذَا مِنْ أَعْلَى مَا يَقَع لَنَا مِنْ حَدِيْثِ الأَثْرَم.
وَوَقَعَ لَنَا جزءٌ مِنَ البُيوعِ مِنْ (سُنَنه).
قَرَأْتُ عَلَى الشَّيْخ وَهْبَانَ بن عَلِيٍّ الجَزَرِيّ المُؤَذِّن (2) : أَخْبَرَكُم عَبْدُ
__________
(1) إسناده صحيح، وأبو الاشعث: هو أحمد بن المقدام بن سليمان العجلي من رجال البخاري، وأخرجه أحمد 1 / 379 و455، والبخاري 1 / 422 في الصلاة: باب التوجه نحو القبلة حيث كان، ومسلم (572) في المساجد: باب السهو في الصلاة والسجود له، وأبو داود (1020)، وابن أبي شيبة 2 / 25، وابن الجارود (244)، والطيالسي 1 / 110، والبيهقي 2 / 330 و335 من طرق عن منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة قال: قال عبد الله بن مسعود: صلى النبي صلى الله عليه وسلم - قال إبراهيم: لا أدري زاد أو نقص - فلما سلم، قيل له: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء ؟ قال: " وما ذاك ؟ " قالوا: صليت كذا وكذا، فثنى رجله، واستقبل القبلة، وسجد سجدتين، ثم سلم، فلما أقبل علينا بوجهه، قال: " إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت، فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته، فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين ".
(2) هو وهبان بن علي بن محفوظ المعمر المسند أبو علي وأبو الكرم الجزري =

(12/627)


العَزِيْز بن أَحْمَدَ بنِ باقَا، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَسَاكِرَ المُقْرِئ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ القَادِر بن مُحَمَّدٍ اليُوْسُفِي، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ البَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ بُخَيْت، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّائِيُّ الأَثْرَمُ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ عَقِيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
لاَ يَصْلُحُ الكِرَاءُ بِالضَّمَانِ (1) .

248 - مُحَمَّدُ بنُ حَمَّادٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ * (ق)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الرَّحَّالُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، الطِّهْرَانِيّ، وطِهرَان محلَة أَظن.
سَمِعَ: عَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَأَبَا عَاصِم النَّبِيْل، وَعُبَيْد اللهِ بن عَبْدِ المَجِيْدِ الحَنَفِيّ، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَطَبَقَتَهُم فَأَكْثَرَ وَأَطَاب.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بنُ أَبِي ثَابِت، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيّ خَطِيْبُ يَافَا، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، كَتَبْتُ عَنْهُ بِالرَّيِّ وَبَغْدَاد وَالإِسْكَنْدَرِيَّة (2) .
__________
= المؤذن، نزيل القاهرة، توفي في ربيع الأول سنة تسع وتسعين وست مئة. وكان مؤذن السلطان. مترجم في " مشيخة " المؤلف لوحة 75، وفي " تذكرته " 4 / 1489.
(1) إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة.
(*) الجرح والتعديل 7 / 240، تاريخ بغداد 2 / 271، 272، الأنساب 8 / 274، اللباب 2 / 291، تهذيب الكمال: 1188، تذهيب التهذيب 3 / 198 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 610، 611، ميزان الاعتدال 3 / 527، العبر 2 / 48، الوافي بالوفيات 3 / 24، تهذيب التهذيب 9 / 124، 126، خلاصة تذهيب الكمال: 333، شذرات الذهب 2 / 161.
(2) " الجرح والتعديل " 7 / 240، و" التهذيب " 9 / 125 وجاء فيه: وقال ابن خراش: كان عدلا ثقة، وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال مسلمة بن قاسم: كان من أصحاب عبد =

(12/628)


وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَة.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيّ: سَمِعْتُ مَنْصُوْراً الفَقِيْهَ يَقُوْلُ:
لَمْ أَرَ مِنَ الشُّيُوْخِ أَحَداً فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُوْنَ مِثْلَهُم -يَعْنِي: فِي الفَضْلِ- غَيْرَ ثَلاَثَةِ أَنفس: أَولهُم مُحَمَّدُ بنُ حَمَّادٍ الطِّهْرَانِيّ (1) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ الطِّهْرَانِيّ بعَسْقَلاَن، سَنَة إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) ، فِي شَهْر رَبِيْع الآخر، وَلَهُ نَيِّفٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
قَرَأْتُ عَلَى عُمَر بن عَبْدِ المُنْعِمِ: أَخْبَرَكُم عَبْدُ الصَّمَدِ بن مُحَمَّدٍ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُمَيْع، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيّ إِمَام الجَامِع بِيَافَا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَمَّادٍ الطِّهْرَانِيّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ:
اعْتَكَفَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَسْجَدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُوْنَ بِالقِرَاءَةِ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ، فَكَشَفَ السِّتْرَ، وَقَالَ: (إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلاَ يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ القِرَاءة)، أَوْ قَالَ: (فِي الصَّلاَةِ) (3) .
__________
= الرزاق وكان حافظا للحديث ثقة، وأكثر ما حدث فمن حفظه، وقال ابن القطان: كان محمد ابن يعقوب الفرجي يقول: من أراد ان ينظر إلى أحمد بن حنبل واسحاق وتلك الطبقة فلينظر إلى ابن الطهراني، وقال أبو بكر بن جابر الرملي: ما رأى مثل نفسه، ولا رأيت أنا مثله. (1) " الأنساب " 8 / 274 وتتمته فيه: لأنه كان قد صار إلى مصر وحدث بها، وكان بالشام يسكن عسقلان وجاء فيه أيضا: محمد بن حماد الطهراني كان من أهل الرحلة في طلب الحديث، وكان ثقة صاحب حديث يفهم.
(2) ليلة الجمعة لثلاث بقين من شهر ربيع الآخر. " الأنساب " 8 / 274.
(3) إسناده صحيح، وأخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (4216) ومن طريقه أحمد 3 / 94، وأبو داود (1332)، وصححه ابن خزيمة (1162) وله شاهد عند مالك في " الموطأ " 1 / 101 بشرح السيوطي عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث =

(12/629)


249 - فَضْلَكُ الصَّائِغ الفَضْلُ بنُ العَبَّاسِ الرَّازِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُحَقِّقُ، أَبُو بَكْرٍ الفَضْلُ بنُ العَبَّاسِ الرَّازِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
رَوَى عَنْ: عِيْسَى بن مِيْنَا قَالُوْنَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الأُوَيسِي، وَقُتَيْبَة بنِ سَعِيْدٍ، وَهُدْبَة بن خَالِد، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الخَرَائِطِيُّ، وَمُحَمَّد بن مَخْلَدٍ العَطَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ المطِيرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: وَرد عَليَّ كِتَابٌ مِنْ نَاحِيَة شيرَازَ أَنَّ فضلكَ قَالَ بنَاحِيَتهِم: إِنَّ الإِيْمَان مَخْلُوْق.
فَبلغنِي أَنَّهُم أَخرجُوهُ مِنَ البلدِ بِأَعوَان (1) .
قُلْتُ: هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْفُضُول، وَالسكوتُ أَوْلَى، وَالَّذِي صَحَّ عَنِ السَّلَفِ وَعُلَمَاءِ الأَثر أَنَّ الإِيْمَان قَوْلٌ وَعملٌ، وَبلاَ رَيْبٍ أَنَّ أَعْمَالنَا مَخْلُوْقَةٌ، لِقَوْلِهِ -تَعَالَى-: {وَاللهُِ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُوْنَ } [الصَّافَاتُ: 96].
فصحَّ أَنَّ بَعْض الإِيْمَان مَخْلُوْقٌ، وَقولُنَا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، فَمِنْ إِيْمَاننَا، فَتَلَفُّظنَا بِهَا أَيْضاً مِنْ أَعْمَالنَا.
وَأَمَّا مَاهِيَّةُ الكَلِمَةِ المَلْفُوْظَةِ، فَهِيَ غَيْرُ مَخْلُوْقَةٍ، لأَنَّهَا مِنَ القُرْآن - أَعَاذنَا اللهُ مِنَ الفِتَنِ وَالهَوَى -.
__________
= التيمي، عن أبي حازم التمار - واسمه دينار -، عن البياضي - واسمه فروة بن عمرو - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون، وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: " إن المصلي يناجي ربه، فلينظر بما يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن ".
(*) الجرح والتعديل 7 / 66، تاريخ بغداد 12 / 367، 368، تذكرة الحفاظ 2 / 600، طبقات الحفاظ: 268، شذرات الذهب 2 / 160، المنتظم 5 / 77، 78.
(1) وجاء في " تاريخ بغداد " 12 / 367، 368: كان ثقة ثبتا. وقال شعيب بن إبراهيم
البيهقي - والد أبي الحسن الفقيه الثقة المأمون -: فضلك الرازي - وهو الفضل بن العباس - إمام عصره في معرفة الحديث.

(12/630)


مَاتَ فَضْلَكُ -رَحِمَهُ اللهُ-: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ،
وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبْعِيْنَ.

250 - القُلُوْسِيُّ يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ بن زِيَادٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، الفَقِيْهُ، قَاضِي مَدِيْنَةِ نَصِيبين، أَبُو يُوْسُفَ يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ بن زِيَادٍ البَصْرِيُّ، القُلُوْسِيُّ (1) .
حَدَّثَ عَنْ: عُثْمَانَ بنِ عُمَرَ، وَأَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْل، وَالأَنْصَارِيِّ، وَخَلْقٍ.
وَعَنْهُ: المَحَامِلِيُّ، وَابْنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.

251 - الخُتَّلِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ، الخُتَّلِيُّ (3) ، ثُمَّ السُّرَّمَرَّائِي.
__________
(*) الأنساب 10 / 219، 220، اللباب 3 / 52، تاريخ بغداد 14 / 285، 286، المنتظم 5 / 84.
(1) بضم القاف واللام، بعدهما الواو، وفي آخرها السين المهملة.
قال السمعاني: هذه النسبة إلى القلوس، فيما أظن، وهو جمع قلس، وهو الحبل الذي يكون في السفينة.
وتصحفت في " المنتظم " 5 / 84 إلى " الفلوسي "، بالفاء.
(2) قال السمعاني في " الأنساب " 10 / 220: وكان حافظا ثقة ضابطا، ولي قضاء نصيبين فخرج إليها، وحدث ببغداد، ومات بنصيبين.
(* *) الجرح والتعديل 2 / 110، تاريخ بغداد 6 / 120، طبقات الحنابلة 1 / 96، تذكرة الحفاظ 2 / 586، طبقات الحفاظ: 260.
(3) قال السمعاني في " الأنساب ": اختلف مشايخنا في هذه النسبة، بعضهم كان يقول: هي إلى ختلان، بلاد مجتمعة وراء بلخ، وبعضهم يقول: هي بضم الخاء والتاء المنقوطة باثنيتن مشددة، حتى رأيت أن الختلي، بضم الخاء والتاء المشددة: قرية على =

(12/631)


سَمِعَ: أَبَا نُعَيْمٍ، وَسَعِيْدَ بن أَبِي مَرْيَمَ، وَسُلَيْمَانَ بن حَرْبٍ، وَأَبَا الوَلِيْدِ، وَأَبَا جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيَّ، وَعُمَر بن مَرْزُوْقٍ، وَيَحْيَى بن بُكَيْرٍ، وَيَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَلَهُ عَنْهُ سُؤَالاَتٌ مُفِيْدَةٌ.
وَلَهُ جُموعٌ وَتَوَالِيْفُ وَرِحْلَةٌ وَاسِعَةٌ.
وَثَّقَهُ الخَطِيْبُ، وَقَالَ: لَهُ كُتُبٌ فِي الزُّهْدِ وَالرقَائِقِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو العَبَّاسِ بنُ مَسْرُوْق، وَمُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ الكَوكَبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الخَرَائِطِيُّ السَّامَرِّيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَدَمِيّ، وَجَمَاعَةٌ.
بقِي إِلَى قُرب سنَةِ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) .

252 - ابْنُ أَبِي مَسَرَّة أَبُو يَحْيَى عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ المَكِّيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُسْنِدُ، أَبُو يَحْيَى عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي مَسَرَّة المَكِّيُّ.
سَمِعَ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئ، وَعُثْمَان بن يَمَان، وَيَحْيَى بن قَزَعَةَ، وَالحُمَيْدِيَّ، وَعِدَّةً.
وَعَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ يُوْسُفَ العَاصِمِيُّ، وَخَيْثَمَة بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ إِسْحَاقَ الفَاكهِيُّ المَكِّيُّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
= طريق خراسان إذا خرجت من بغداد بنواحي الدسكرة.
وقد جاء في " لب اللباب ": 88: الختلي، بضم أوله والفوقية، وتشديد اللام: نسبة إلى الختل، قرية بطريق خراسان، وقال السيوطي: وبالضم وتشديد ثانيه وفتحه إلى ختل. كورة خلف جيحون.
(1) قال المصنف في " تذكرة الحفاظ " 2 / 586: لم أظفر له بوفاة وكأنها في حدود الستين ومئتين.
(*) الجرح والتعديل 5 / 6، العقد الثمين 5 / 99.

(12/632)


تُوُفِّيَ: بِمَكَّةَ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) .

253 - اليَسَعُ بنُ زَيْدِ بنِ سَهْل أَبُو نَصْر الزَّيْنَبِيُّ المَكِّيُّ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، أَبُو نَصْر الزَّيْنَبِيُّ، المَكِّيُّ، خَاتِمَةُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لقِي سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ.
حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ، وَعَنْ هَوْذَةَ بنِ خَلِيْفَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى الكَعْبِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الجُرْجَانِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.
ذَكَرَه ابْنُ مَاكُوْلاَ، وَقَالَ فِيْهِ ابْنُ مَاكُوْلاَ: يَرْوِي عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَهَوْذَةَ (2) .
وَقَالَ أَبُو عبْدِ اللهِ الحَاكِم: لاَ أَعْرِفُه بِعَدَالَةٍ وَلاَ بِجَرْحٍ، حدَّث بِمَكَّةَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ المائَةِ، أَتَى عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِخَبَرٍ مَوْضُوْعٍ هُوَ فِي (الأَرْبَعِيْنَ) لأَبِي الأَسْعَدِ القُشَيْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ.
مَا تَفَوَّه بِهِ سُفْيَان.
__________
(1) وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 5 / 6: كتبت عنه بمكة، ومحله الصدق.
قال الامام الفاسي في " العقد الثمين " 5 / 99: وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال الفاكهي في الاوليات بمكة: وأول من أفتى الناس من أهل مكة، وهو ابن أربع وعشرين سنة أو نحوها أبويحيى بن أبي مسرة، وهو فقيه أهل مكة إلى يومنا هذا.
(*) الأنساب 6 / 347، العقد الثمين 7 / 469، الإكمال 4 / 202.
(2) " الإكمال " 4 / 202.

(12/633)


جَاءَ فِي آخِرِ هَذَا المُجَلَّدِ وَهُوَ الثَّامنُ مَا نَصُّهُ:
تَمَّ المُجَلَّدُ الثَّامنُ مِنْ (سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ)، للشَيْخِ الإِمَامِ العَالِمِ العَاملِ، الحُجَّة النَّاقد البَارع، جَامعِ أَشتَاتِ الفنُوْنِ، مُؤرِّخِ الإِسْلاَمِ، شَمْسِ الدِّيْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ الذّهبِيِّ، فَسَحَ الله مُدَّتَه.
وَهِيَ أَولُ نُسْخَةٍ نُسخت مِنْ خطِّ المُصَنِّفِ، وَقُوْبِلَتْ عَلَيْهِ بِحسب الإِمْكَانِ، وَللهِ الحمدُ وَالمِنَّةُ، وَبِهِ التَّوفيقُ وَالعِصْمَةُ.
وَيتلُوهُ فِي الجُزْءِ الَّذِي يَليهِ - وَهُوَ التَّاسعُ -: عَبْدُ اللهِ بنُ رَوْحٍ المَدَائِنِيُّ.
وَكَانَ الفرَاغُ مِنْ كِتَابَتِهِ لَيْلَةَ الاثْنَيْن، لِخَمْس مَضَيْنَ مِنْ شَهْر رَمَضَان المعظمِ، سنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَسَبْعِ مائَةٍ.
أَحسن الله خَاتِمَتَهَا، وَالحمدُ لله وَحدَه، وَصَلَّى الله عَلَى سيِّدنَا مُحَمَّد وَآله وَصحبِه، وَسلَّمَ تَسلِيماً كَثِيْراً.

(12/634)


الجُزْءُ الْثَّالِثَ عَشَرَ

1 - عَبْدُ اللهِ بنُ رَوْحٍ المَدَائِنِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُوْسٌ.
سَمِعَ: يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَأَبَا شُجَاعٍ بنَ الوَلِيْدِ، وَشَبَابَةَ بنَ سَوَّارٍ، وَجَمَاعَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، وَمُكْرَمُ بنُ أَحْمَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، يَوْمَ قُتِلَ جَعْفَرٌ البَرْمَكِيُّ (1) .
مَاتَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ تِسْعُوْنَ عَاماً.
__________
(*) تاريخ بغداد: 9 / 454، 455، وفيه كنيته: أبو أحمد، المنتظم: 5 / 93، لسان الميزان: 3 / 286.
(1) انظر: تاريخ بغداد: 9 / 454.

(13/5)


2 - ابْنُ المَوَّازِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، فَقِيْهُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ زِيَادٍ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، المَالِكِيُّ، ابْنُ المَوَّازِ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
أَخَذَ المَذْهَبَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ المَاجِشُوْنِ، وَأَصْبَغَ بنِ الفَرَجِ، وَيَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ.
وَقِيْلَ: إَنَّهُ لَحِقَ أَشْهَبَ، وَأَخَذَ عَنْهُ، وَلَمْ يَصِحَّ هَذَا.
انْتَهَتْ إِلَيْهِ رِئَاسَةُ المَذْهَبِ وَالمَعْرِفَةُ بِدَقِيْقِهِ وَجَلِيْلِهِ.
وَلَهُ مُصَنَّفٌ حَافِلٌ فِي الفِقْهِ، رَوَاهُ عَنْهُ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي مَطَرٍ، وَابْنُ مُبَشِّرٍ.
وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ بَكْرُ بنُ مُحَمَّدٍ.
وَقَدْ قَدِمَ دِمَشْقَ فِي صُحْبَةِ السُّلْطَانِ أَحْمَدَ بنِ طُوْلُوْنَ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ انْمَلَسَ (1) وَتَزَهَّدَ، وَانْزَوَى بِبَعْضِ الحُصُوْنِ الشَّامِيَّةِ فِي أَوَاخِرِ عُمُرِهِ، حَتَّى أَدْرَكَهُ أَجَلُهُ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
وَكَذَا، فَلْتَكُنْ ثَمَرَةُ العِلْمِ.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ.
قُلْتُ: فَهَذَا الصَّحِيْحُ مِنْ وَفَاتِهِ، وَبَعْضُهُمْ أَرَّخَ مَوْتَهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) .
__________
(*) عبر المؤلف: 2 / 66، الوافي بالوفيات: 1 / 335 - 336، وفيه وفاته 281، الديباج المذهب: 2 / 166 - 167، شذرات الذهب: 2 / 177، أخبار سنة 281.
(1) انملس: انقبض، وانملس من الامر: أفلت منه.
(2) كذا جاء تاريخ وفاته في " الوافي بالوفيات " و" شذرات الذهب " وحتى " في العبر " للمؤلف نفسه

(13/6)


3 - ابْنُ أَبِي العَوَّامِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَزِيْدَ *
المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَزِيْدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ الرِّيَاحِيُّ.
سَمِعَ: يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ بنَ عَطَاءٍ العَقَدِيَّ، وَجَمَاعَةً.
وَعَنْهُ: ابْنُ عُقْدَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الهَيْثَمِ الأَنْبَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: صَدُوْقٌ.
قُلْتُ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فِي رَمَضَانِها.

4 - الحَسَنُ بنُ مَخْلَدٍ بنِ الجَرَّاحِ أَبُو مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ **
الوَزِيْرُ الأَكْمَلُ، أَبُو مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ، الكَاتِبُ، أَحَدُ رِجَالِ العَصْرِ سُؤْدُداً، وَرَأْياً، وَشَهَامَةً، وَكِتَابَةً، وَبَلاغَةً، وَفَصَاحَةً، وَنُبْلاً.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ.
فَاتَّفَقَ أَنَّهُ وُلِدَ فِيْهَا أَرْبَعَةُ وُزَرَاءٍ: هُوَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِنِ طَاهِرٍ (2) ، وَأَحْمَدُ بنُ إِسْرَائِيْلَ (3) .
__________
(*) الأنساب: 6 / 200.
(* *) تاريخ ابن عساكر: خ: 4 / 300 ب - 301 ب، لسان الميزان: 2 / 256، تهذيب بدران: 4 / 252 - 253.
(1) انظر: الترجمة اللاحقة.
(2) هو: محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي، أبو العباس، ولي نيابة بغداد في أيام المتوكل، وتوفي بها سنة (253 ه) وكان فاضلا، أديبا، جوادا.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد: 5 / 418، وعبر الذهبي: 2 / 5، وشذرات الذهب: 2 / 128.
(3) انظر: تاريخ الطبري: 9 / 396 - 398، حول مقتله.

(13/7)


وَزَرَ الحَسَنُ لِلْمُعْتَمِدِ نَوْبَتَيْنِ فَصَادَرَهُ، ثُمَّ وَزَرَ لَهُ ثَالِثاً، فَاسْتَمَرَّ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ، فَسَخِطَ عَلَيْهِ، فَتَسَلَّلَ إِلَى مِصْرَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ابْنُ طُوْلُوْنَ، وَجَعَلَ إِلَيْهِ نَظَرَ الإِقْلِيْمِ، وَالْتَزَمَ لَهُ بِنَحْوِ أَلْفِ أَلْفِ دِيْنَارٍ فِي السَّنَةِ مَعَ العَدْلِ، فَخَافَهُ العُمَّالُ، وَتَفَرَّغُوا لَهُ، وَقَالُوا: هَذَا عَيْنٌ عَلَيْكَ - لِلْمُوَفَّقِ وَلِيِّ العَهْدِ - فَتَخَيَّلَ وَسَجَنَهُ.
فَقَالُوا: مَا الرَّأْيُ فِي حَبْسِهِ فِي جِوَارِكَ، فَرُبَّمَا حَدَثَ بِهِ مَوْتٌ، فَيُنْسَبُ إِليْكَ.
فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى نَائِبِهِ بَأَنْطَاكِيَةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَذِّبَهُ، فَتَلِفَ تَحْتَ العَذَابِ.
وَكَانَ - مَعَ ظُلْمِهِ - شَاعِراً جَوَاداً مُمَدَّحاً، امْتَدَحَهُ البُحْتَرِيُّ (1) وَغَيْرُهُ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: عَمِلَ الوِزَارَةَ مَعَ كِتَابَةِ المُوَفَّقِ، وَكَانَ آيَةً فِي حِسَابِ الدِّيْوَانِ، حَتَّى قِيْلَ: مَا لاَ يَعْرِفُهُ ابْنُ مَخْلَدٍ، فَلَيْسَ مِنَ الدُّنْيَا.
وَكَانَ تَامَّ الشَّكْلِ، مَهِيْباً، فَاخِرَ البِزَّةِ، يُرْكِبُ غِلْمَانَهُ فِي الدِّيْبَاجِ، وَنَسِيْجِ الذَّهَبِ، وَعِدَّة جنَائِبَ.
وَإِذَا جَلَسَ فِي دَارِهِ تَقَعُ العَيْنُ عَلَى الفُرُشِ وَالسُّتُوِرِ، وَالآنِيَةِ الَّتِي قِيْمِتُهَا مائَةُ أَلْفِ دِيْنَارٍ.
كَانَ فِي هَيْئَةِ سُلْطَانٍ كَبِيْرٍ.
مَاتَ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ.
__________
(1) انظر مدائح البحتري للحسن بن مخلد في " ديوانه " (ط. دار المعارف - ذخائر العرب): 1 / 33 - 35، 438 - 439، 476 - 478، 498 - 500، 601 - 606، و4 / 2158 - 2160.

(13/8)


5 - ابْنُ خَاقَانَ أَبُو الحَسَنِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى التُّرْكِيُّ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو الحَسَنِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ التُّرْكِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
وَزَرَ لِلْمُتَوَكِّلِ، وَلِلْمُعْتَمِدِ.
وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْرٌ.
وَقَدْ نَفَاهُ المُسْتَعِيْنُ إِلَى بَرْقَةَ، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ بَعْدَ خَمْسِ سِنِيْنَ، ثُمَّ وَزَرَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ.
ذَكَرَ مُحْرِزٌ الكَاتِبُ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ مَرِضَ، فَعَادَهُ عَمُّهُ الفَتْحُ، وَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَسْأَلُ عَنْ عِلَّتِكَ.
فَقَالَ:
عَلِيْلٌ مِنْ مَكَانَيْنِ ... مِنَ الأَسْقَامِ وَالدَّيْنِ
وَفِي هَذَيْنِ لِي شُغْلٌ ... وَحَسْبِيْ شُغْلُ هَذَيْنِ (1)
فَوَصَلَهُ المُتَوَكِّلُ بِأَلْفِ أَلْفٍ.
وَرَوَى الصُّوْلِيُّ: أَنَّ المُتَوَكِّلَ قَالَ: قَدْ مَلِلْتُ عَرْضَ الشُّيُوْخِ، فَابْغُوْنِي حَدَثاً.
ثُمَّ طَلَبَ عُبَيْدَ اللهِ، فَلَمَّا خَاطَبَهُ، أَعْجَبَتْهُ حَرَكَتُهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ، فَأَعْجَبَهُ خَطُّهُ.
فَقَالَ عَمُّهُ الفَتْحُ: وَالَّذِي كَتَبَ أَحْسَنُ.
قَالَ: وَمَا كَتَبَ؟
قَالَ : {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيْناً } [الفَتْحُ: 1]، وَقَدْ تَفَاءَلْتُ بِذَلِكَ.
فَوَلاَّهُ العَرْضَ، وَحَظِيَ عِنْدَ المُتَوَكِّلِ.
وَكَانَ سَمْحاً جَوَاداً.
__________
(*) تاريخ الطبري: 9 / 258، 354، 474، 532، و11 / 246، طبقات الحنابلة: 1 / 204، تاريخ ابن عساكر: خ: 10 / 377 ب - 379 أ، المنتظم: 5 / 45، الكامل لابن الأثير: 7 / 310، عبر المؤلف: 2 / 26، البداية والنهاية: 11 / 36، شذرات الذهب: 2 / 147.
(1) البصائر والذخائر: 1 / 49، وفيه من الافلاس..." وتاريخ دمشق " لابن عساكر: خ: 10 / 377 ب.

(13/9)


وَقِيْلَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ حَظٌّ مِنَ الصِّنَاعَةِ، فَأُيِّدَ بَأَعْوَانٍ وَكُفَاةٍ.
وَكَانَ وَاسِعَ الحِيْلَةِ.
وَنَفَاهُ المُعْتَزُّ، فَلَمَّا وَلِيَ المُعْتَمِدُ طَلَبَهُ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، فَأَدَّبَتْهُ النَّكْبَةُ، وَتَهَذَّبَ كَثِيْراً.
وَلَهُ أَخْبَارٌ فِي الحِلْمِ وَالسَّخَاءِ.
مَاتَ وَعَلَيْهِ سِتُّ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، مَعَ كَثْرَةِ ضِيَاعِهِ.
قِيْلِ: صَدَمَهُ خَادِمُهُ رَشِيْقٌ فِي لَعِبِ الصَّوَالِجَةِ (1) ، فَسَقَطَ، ثُمَّ مَاتَ لِيَوْمِهِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) .
وَقَدْ وَزَرَ ابْنُهُ؛ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ (3) ، وَوَزَرَ حَفِيْدُهُ؛ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ (4) لِلْمُقْتَدِرِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ.

6 - سَمُّوْيَه أَبُو بِشْرٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، الرَّحَّالُ، الفَقِيْهُ، أَبُو بِشْرٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ بنِ جُبَيْرٍ العَبْدِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، سَمُّوْيَه، صَاحِبُ تِلْكَ الأَجْزَاءِ الفَوَائِدِ، الَّتِي تُنْبِئُ بِحِفْظِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ التِّسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
(1) الصوالجة: جمع الصولجان: وهو عصا يعطف طرفها، يضر بها الكرة على الدواب.
(2) انظر: تاريخ الطبري: 9 / 532.
(3) انظر: الكامل لابن الأثير: 8 / 63 - 65، 68 - 69، حوادث سنة (300 ه).
(4) المصدر السابق: 8 / 150، 158، 159، 167 - 168.
(*) الجرح والتعديل: 2 / 182، تاريخ ابن عساكر:: خ: 2 / 424 أ - ب، الأنساب: 7 / 151، اللباب: 2 / 142، تذكرة الحفاظ: 2 / 566 - 567، عبر المولف: 2 / 35، طبقات الحفاظ: 243 - 244، تهذيب بدران: 3 / 27.

(13/10)


وَسَمِعَ بِالكُوْفَةِ مِنْ: أَبِي نُعَيْمٍ المُلاَئِيِّ، وَطَبَقَتِهِ.
وَبِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي مُسْهِرٍ الغَسَّانِيِّ، وَأَقْرَانِهِ.
وَبِحِمْصَ مِنْ: عَلِيِّ بنِ عَيَّاشَ، وَأَبِي اليَمَانِ، وَعِدَّةٍ.
وَبِمَكَّةَ مِنَ: الحُمَيْدِيِّ.
وَبِتِنِّيْسَ (1) مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ.
وَبِمِصْرَ مِنْ: سَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَمْثَالِهِ.
وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ: بَكْرِ بنِ بَكَّارَ، وَالحُسَيْنِ بنِ حَفْصٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَزِيْدَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ فَارِسٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْنَا مِنْهُ، وَهُوَ ثِقَةٌ صَدُوْقٌ (2) .
وَقَالَ أَبُو الشَّيْخِ: كَانَ حَافِظاً مُتْقِناً.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ: كَانَ مِنَ الحُفَّاظِ وَالفُقَهَاءِ.
قَالَ أَبُو الشَّيْخِ: كَانَ يُذَاكِرُ بالحَدِيْثِ (3) .
مَاتَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ الصَّفَّارِ (4) : أَخْبَرَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ بنُ
__________
(1) تنيس: بكسرتين وتشديد النون: جزيرة في مصر، قريبة من البر ما بين الفرما ودمياط. (انظر معجم ياقوت).
(2) الجرح والتعديل: 2 / 182.
(3) انظر: تذكرة الحفاظ: 2 / 566.
(4) هو: " إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله بن طارق الأسدي، أبو الفضل الحلبي الحنفي النحاس.
ولد سنة ثلاث أو أربع وثلاثين وست مئة تقريبا وقيل: سنة ثمان وعشرين تقريبا...ورتب مسمعا بدار الحديث الأشرفية بعد ابن مشرف، وكان له حانوت، ثم تركه وبقي يحضر المدارس..مات في رمضان سنة عشر وسبعمئة. ". مشيخة الذهبي ": خ: ق: 34.

(13/11)


سَعْدٍ (4) الخَيَّاطُ، وَأَنْبَأَنِي أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنِ الخَيَّاطِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (العَيْنُ حَقٌّ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ القَدَرَ، سَبَقَتْهُ العَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا (1)).
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، عَنْ حَجَّاجِ بنِ الشَّاعِرِ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَفِيْهِ: (ولَوْ كَانَ).

7 - التَّرْقُفِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبَّاسُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عِيْسَى*
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، المُحَدِّثُ، الحُجَّةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبَّاسُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عِيْسَى البَاكُسَائِيُّ (2) ، التَّرْقُفِيُّ: أَحَدُ الرَّحَّالِيْنَ فِي السُّنَنِ.
__________
(1) إسناده صحيح. وهو في " حلية الأولياء ": 4 / 17.
وأخرجه مسلم: (2188)، في السلام: باب الطب والمرض والرقى، وأخرجه الترمذي برقم: (2063)، في الطب: باب ما جاء أن العين حق. وقوله: " وإذا استغسلتم فاغسلوا "، قال ابن الأثير في " جامع الأصول ": 7 / 583: " كان من عادتهم أن الإنسان إذا أصابته العين من أحد، جاء إلى العائن، فجرد من ثيابه، وغسل جسده ومعاطفه ووجهه وأطرافه، وأخذ المعين ذلك الماء، فصبه عليه، فيبرأ بإذن الله ".
وفي الباب عن أبي هريرة عند البخاري: 10 / 173، في الطب، ومسلم: (2187)، وأبي داود: (3879).
(*) تاريخ بغداد: 12 / 143 - 144، تاريخ ابن عساكر: خ: 8 / 450 ب - 451 ب، المنتظم: 5 / 61، معجم البلدان: " ترقف "، اللباب: 1 / 113، 212، تهذيب الكمال: خ: 658، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 125، تذكرة الحفاظ: 2 / 566، في نهاية ترجمة سمويه، عبر المؤلف: 2 / 36، تهذيب التهذيب: 5 / 119 - 120، خلاصة تذهيب الكمال: 189، شذرات الذهب: 2 / 153، تهذيب بدران: 7 / 228.
والترقفي: بفتح التاء، وسكون الراء، وضم القاف، كما جاء في " معجم البلدان " و" تقريب التهذيب "، وبضم التاء، كما في " اللباب "، وهي نسبه إلى بلد في العراق.
(2) الباكسائي، بضم الكاف: نسبة إلى باكسايا من نواحي بغداد. (انظر: معجم ياقوت واللباب).

(13/12)


سَمِعَ: زَيْدَ بنَ يَحْيَى بنِ عُبَيْدٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبَا عَاصِمٍ النَّبِيْلَ، وَمَرْوَانَ بنَ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيَّ، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئَ، وَمُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيَّ، وَعَبْدَ الأَعْلَى بنَ مُسْهِرٍ، وَحَفْصَ بنَ عُمَرَ العَدَنِيَّ، وَأَبَا المُغِيْرَةِ، وَرَوَّادَ (1) بنَ الجَرَّاحِ، وَمُحَمَّدَ بنَ كَثِيْرٍ المِصِّيْصِيَّ (2) ، وَيَحْيَى بنَ يَعْلَى، وَيَسَرَةَ بنَ صَفْوَانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ سُرَيْجٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مُجَاهِدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الخرَائِطِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً، صَالِحاً، عَابِداً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ: مَا رَأَيْتُهُ ضَحِكَ وَلاَ تَبَسَّمَ (3) .
وَوَثَّقَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَلَهُ جُزْءٌ مَعْرُوْفٌ.
مَاتَ: فِي آخِرِ سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ، - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
__________
(1) في الأصل: " وأبا المغيرة وراد ". وهو خطأ.
فأبو المغيرة هو: عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي، ورواد بن الجراح كنيته: أبو عصام، كما هو مسطور في كتب الرجال. وسيذكره المؤلف بهذه الكنية في سند الحديث الآتي ذكره.
(2) المصيصي: ضبطت في " الأنساب ": بكسر الميم، وتشديد الصاد المكسورة.
وتابعه على ذلك ابن الأثير في " اللباب "، والسيوطي في " لب اللباب "، وكذا ضبطه البكري في " معجم ما استعجم ": 4 / 1235، ونقل عن الاصمعي قول: " ولا تقل مصيصة: بفتح أوله " ومع ذلك فقط ضبطه ياقوت بالفتح، وضبطه الجوهري بفتح الميم وتخفيف الصادين، كسفينة، وتابعه على ذلك صاحب " القاموس ".
(3) انظر: تاريخ بغداد: 12 / 143.

(13/13)


قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الحَافِظِ بنِ بَدْرَانَ، أَخْبَرَكَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُبَادِرٍ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّرْقُفِيُّ، حَدَّثَنَا رَوَّادُ بنُ الجَرَّاحِ أَبُو عِصَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (خَيْرُكُمْ فِي المائَتَيْنِ كُلُّ خَفِيْفِ الحَاذِّ).
قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَمَا الخَفِيْفُ الحَاذِّ؟
قَالَ: (الَّذِي لاَ أَهْلَ لَهُ وَلاَ وَلَدَ (1)).
غَرِيْبٌ جِدّاً، تَفَرَّدَ بِهِ رَوَّادٌ.
__________
(1) إسناده ضعيف جدا، بل موضوع.
رواد بن الجراح: قال الدارقطني: متروك.
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الناس وقال أبو حاتم - عن هذا الحديث -: منكر، لا يشبه حديث الثقات، وإنما كان بدء هذا الخبر فيما ذكر لي أن رجلا جاء إلى رواد، فذكر له هذا الحديث، فاستحسنه وكتبه، ثم بعد حدث به يظن أنه من سماعه.
وقد أورد المؤلف هذا الحديث في " الميزان "، في ترجمة رواد: 2 / 55، من طريقه، عن سفيان، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة.
ورواه الخطيب البغدادي في " تاريخه ": 6 / 198، و11 / 225، من طريق عباس الترقفي، عن رواد، عن سفيان، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة.
ونسبه السيوطي في " الجامع الصغير " لأبي يعلى.
ونقل ابن الجوزي عن الدار قطني قوله: تفرد به رواد، وهو ضعيف، وقد أدخله البخاري في الضعفاء، وقال: اختلط، لا يكاد
يقوم حديثه، وقال الحافظ العراقي: طرقه كلها ضعيفة.
وقال الزركشي: غير محفوظ، والحمل فيه على رواد.
قلت: ويغلب على الظن أن هذا الحديث مما وضعه المتزهدون، زهدا لا يقره الإسلام، يقصدون بذلك التنفير من الزواج، والتخفف من أعبائه، والعزلة عن الناس، وكل ذلك مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم من القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وقد أراد بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحو هذا المنحى، فيتبتل، ويرغب عن الزواج، ويصوم الدهر، ويقوم الليل، فعلم بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: " أما إني أتقاكم لله، وأخشاكم له، أما إني أصوم وأفطر، وأقوم وأرقد، وأتزوج النساء، ومن رغب عن سنتي فليس مني ".
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: " تزوجوا الودود الولود فإني مكائر بكم الأمم يوم القيامة ".

(13/14)


8 - يَحْيَى بنُ مُعَاذٍ الرَّازِيُّ الوَاعِظُ *
مِنْ كِبَارِ المَشَايِخِ، لَهُ كَلاَمٌ جَيِّدٌ، وَموَاعِظُ مَشْهُوَرَةٌ.
وَعَنْهُ قَالَ: لَسْتُ أَبْكِي عَلَى نَفْسِي إِنْ مَاتَتْ، إِنَّما أَبْكِي عَلَى حَاجَتِي إِنْ فاتَتْ (1) .
لاَ يُفْلِحُ مَنْ شَمَمْتَ رَائِحَةَ الرِّيَاسَةِ مِنْهُ.
مِسْكِيْنٌ ابْنُ آدَمَ، قَلْعُ الأَحْجَارِ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ الأَوْزَارِ (2) .
لاَ تَسْتَبْطِئ الإِجَابَةَ وَقَدْ سَدَدْتَ طَرِيْقَهَا بِالذُّنُوبِ (3) .
الدُّنْيَا لاَ تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوْضَةٍ، وَهُوَ يَسْأَلُكَ عَنْ جَنَاحِ بَعُوْضَةٍ (4) .
وَعَنْهُ قَالَ: الدَّرَجَاتُ سَبْعٌ: التَّوْبَةُ، ثُمَّ الزُّهْدُ، ثُمَّ الرِّضَى، ثُمَّ الخَوْفُ، ثُمَّ الشَّوْقُ، ثُمَّ المَحَبَّةُ، ثُمَّ المَعْرِفَةُ.
قُلْتُ: وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ: عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَغَيْرِهِ.
__________
(*) طبقات الصوفية: 107 - 114، حلية الأولياء: 10 / 51 - 70، الفهرست: المقالة الخامسة: الفن الخامس، تاريخ بغداد: 14 / 208 - 212، المنتظم: 5 / 16 - 17، الكامل لابن الأثير: 7 / 258، وفيات الأعيان: 6 / 165 - 168، عبر المؤلف: 2 / 17، البداية والنهاية: 11 / 31، طبقات الأولياء: 321 - 326. شذرات الذهب: 2 / 138 - 139. وفي معظم هذه المصادر أرخت وفاته سنة (258 ه).
(1) حلية الأولياء 10 / 51.
(2) المصدر السابق: 10 / 52، وجاء فيه: " وسمعته يقول - ورأى رجلا يوما يقلع الجبل في يوم حار وهو يغني - فقال: مسكين...".
(3) المصدر السابق: 10 / 53.
(4) المصدر السابق: 10 / 55.

(13/15)


رَوَى عَنْهُ: الحَسَنُ بنُ عَلَّوَيْه، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَذَشِيُّ (1) ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ حَمْكَوَيْه.

9 - حَمَّادُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البَغْدَادِيُّ *
ابْنِ الإِمَامِ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، القَاضِي، أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَزْدِيُّ، البَغْدَادِيُّ، المَالِكِيُّ، أَخُو إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي.
كَانَ أَكْبَرَ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ فِيْمَا أُرَى.
حَدَّثَ عَنْ: مُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَالقَعْنَبِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَعِدَّةٍ.
وَصَنَّفَ فِي المَذْهَبِ، وَتَفَقَّهَ بِأَحْمَدَ بنِ المُعَذَّلِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ إِبْرَاهِيْمُ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الخرَائِطِيُّ.
وَثَّقَهُ: الخَطِيْبُ (2) .
وَكَانَ يَصْحَبُ الخُلَفَاءَ فَغَضِبَ عَلَيْهِ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَضَرَبَهُ، وَطَوَّفَ بِهِ لأَمْرٍ، وَعَزَلَ أَخَاهُ عَنِ القَضَاءِ.
مَاتَ بِالسُّوْسِ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ وَلِيَ مَرَّةً قَضَاءَ بَغْدَادَ، وَقَارَبَ سَبْعِيْنَ سَنَةً.
__________
(1) البذشي، بفتح الباء والذال: نسبة إلى قرية من قرى قومس. (انظر معجم ياقوت واللباب).
(*) تاريخ بغداد: 8 / 159، المنتظم: 5 / 60، عبر المؤلف: 2 / 35، الديباج المذهب: 1 / 341، شذرات الذهب: 2 / 152 - 153.
(2) انظر: تاريخ بغداد: 8 / 159.

(13/16)


10 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَانِىء النَّيْسَابُوْرِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، أَبُو إِسْحَاقَ الأَرْغِيَانِيُّ، الفَقِيْهُ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
وُلِدَ: بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَارْتَحَلَ فسَمِعَ مِنْ: مُحَمَّدٍ، وَيَعْلَى؛ ابْنَي عُبَيْدٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دَاوُدَ الخُرَيْبِيِّ، وَأَبِي المُغِيْرَةِ عَبْدِ القُدُّوْسِ، وَعَلِيِّ بنِ عَيَّاشٍ، وَعَفَّانَ، وَيَسَرَةَ بنِ صَفْوَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ بَكَّارِ بنِ بِلاَلٍ، وَخَلاَّدِ بنِ يَحْيَى، وَسَعِيْدِ بنِ عُفَيْرٍ، وَأَصْبَغَ بنِ الفَرَجِ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ مَخْلَدٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُفْيَانَ بنِ بَيَانٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثِقَةٌ صَدُوْقٌ (1) .
وَقَالَ الحَاكِمُ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدُوْسٍ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ أَحَدَ الأَبْدَالِ (2) ، رَحَلَ إِلَى الشَّامِ وَالعِرَاقِ،
__________
(*) الجرح والتعديل: 2 / 144، تاريخ بغداد: 6 / 204 - 206، طبقات الحنابلة: 1 / 97 - 98، تاريخ ابن عساكر: خ: 2 / 280 ب - 281 ب، المنتظم: 5 / 50، ميزان الاعتدال: 1 / 70، عبر المؤلف: 2 / 30، الوافي بالوفيات 6 / 156، شذرات الذهب 2 / 149: تهذيب بدران: 2 / 307 - 308.
(1) الجرح والتعديل: 2 / 144.
(2) الابدال: قوم من عباد الله الصالحين، لا يحصرهم عد، يهتدون بكتاب الله وسنة رسوله الصحيحة، ويتصفون بحسن الخلق، وصدق الورع، وحسن النية، وسلامة الصدر، =

(13/17)


وَمِصْرَ، وَالحِجَازِ (1) .
قَالَ ابْنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو مُوْسَى الطَّرَسُوْسِيُّ فِي جِنَازَةِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ هَانِئ: سَمِعْتُ ابْنَ زَنْجُوْيَةَ، يَقُوْلُ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ:
إِنْ كَانَ بِبَغْدَادَ أَحَدٌ مِنَ الأَبْدَالِ، فَأَبُو إِسْحَاقَ النَّيْسَابُوْرِيُّ (2) .
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ هَارُوْنَ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ هَانِئ، قَالَ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مُخْتَفِياً عِنْدَنَا هَا هُنَا، فَقَالَ لِي: مَا أُطِيْقُ مَا يُطِيْقُ أَبُوْكَ مِنَ العِبَادَةِ (3) .
وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: أَبُو إِسْحَاقَ النَّيْسَابُوْرِيُّ ثِقَةٌ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ فَاضِلٌ.
وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَغْشَاهُ، وَيَحْتَرِمُهُ وَيُجِلُّهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ: حَضَرْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ هَانِئ عِنْدَ وَفَاتِهِ، فَقَالَ: أَنَا عَطْشَانُ فَجَاءهُ ابْنُهُ بِمَاءٍ.
فَقَالَ: أَغَابَتِ الشَّمْسُ؟
قَالَ: لاَ.
فَرَدَّهُ، وَقَالَ : {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَاملُوْنَ} [الصَّافَاتُ: 61]، ثُمَّ مَاتَ (4) .
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الآخرِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
__________
= يستجيب الله دعاءهم، ولا يخيب رجاءهم، ورد في حقهم أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أوردها السخاوي في " المقاصد الحسنة " ص 8، 10، وتكلم عليها، فراجعه إن شئت.
(1) تاريخ بغداد: 6 / 204.
(2) انظر: المصدر السابق: 6 / 205.
(3) انظر: المصدر السابق.
(4) تاريخ بغداد: 6 / 206، وزاد بعد قوله: " عند وفاته ": فجعل يقول لابنه إسحاق: يا إسحاق ! ارفع الستر.
قال: يا أبت ! الستر مرفوع. فقال...".

(13/18)


قُلْتُ: كَانَ مِنْ كِبَارِ تَلاَمِذَةِ أَحْمَدَ فِي الفِقْهِ وَالفَضْلِ.
وَابْنُهُ :

11 - إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النَّيْسَابُوْرِيُّ الفَقِيْهُ *
مِنْ أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، لَهُ عَنْهُ سُؤَالاَتٌ فِي مُجَلَّدَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي هَارُوْنَ الوَارَّقُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ الفَامِي.
وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ.
مَاتَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ بِطِّيْخٌ (1) ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ (ح).
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ (2) ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ القَاضِي، قَالاَ:
أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ الكَاتبَةُ (3) ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ النِّعَالِيُّ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ أَيْضاً، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ،
__________
(*) طبقات الحنابلة: 1 / 108 - 109، المنتظم: 5 / 96.
(1) هو: محمد بن أبي بكر بن بطيخ الدلال. ذكره المؤلف في " المشتبه ": 1 / 85.
(2) هو: أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد بن علي، شهاب الدين، أبو المعالي الهمذاني ثم المصري، المقرئ: المعروف بالابرقوهي لكونه ولد بها. وفاته سنة (701 ه). ترجمه الذهبي في " مشيخته ": خ: ق: 4 - 5.
(3) هي: شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج بن عمر الابري، الكاتبة، الدينورية الأصل، البغدادية المولد والوفاة، كانت من العلماء وكتبت الخط الجيد، وسمع عليها خلق كثير. وكانت وفاتها سنة (574 ه)، وقد نيفت على تسعين سنة.
انظر: وفيات الأعيان: 2 / 477 - 478، عبر المؤلف: 4 / 220، شذرات الذهب: 4 / 248.

(13/19)


أَخْبَرَنَا عَمِّي؛ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَانِئ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، سَمِعَهُ يَقُوْلُ:
(مَنْ لَقِيَ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، إِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ حَائِطٌ أَوْ حَجَرٌ، ثُمَّ لَقِيَهُ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ (1)).
وَبِهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ بُخْتٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِ ذَلِكَ.
مُعَاوِيَةُ: هُوَ ابْنُ صَالِحٍ، ثِقَةٌ.
__________
(1) عبد الله بن صالح: فيه ضعف.
وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " برقم (1010)، من طريق عبد الله بن صالح، بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود: (5200)، من طريق أحمد بن سعيد الهمداني، عن ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن أبي موسى، عن أبي مريم، عن أبي هريرة. وأبو موسى: مجهول.
والرواية الثانية المرفوعة: إسنادها صحيح، أخرجها أيضا أبو داود: (5200)، من طريق معاوية، عن عبد الوهاب بن بخت، عن أبي الزناد.
وأخرجه أبو يعلى، ورقة (1297)، من طريق عبد الله بن صالح، عن معاوية، عن عبد الوهاب بن بخت، بهذا الإسناد.
وأخرج البخاري في " الأدب المفرد ": (011 ؟)، من طريق موسى بن إسماعيل عن الضحاك بن نبراس، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يكونون مجتمعين، فتستقبلهم الشجرة، فتنطلق طائفة منهم عن يمينها، وطائفة عن شمالها، فإذا التقوا سلم بعضهم على بعض.
والضحاك بن نبراس: لين الحديث، لكن أخرجه ابن السني برقم (241)، من طريق أخرى عن حماد بن سلمة، عن ثابت وحميد، عن أنس، قال: كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفرق بيننا شجرة، فإذا التقينا يسلم بعضنا على بعض.
وإسناده صحيح.
وأورده الهيثمي في " المجمع ": 8 / 34. ونسبه للطبراني في " الأوسط "، وحسن إسناده.

(13/20)


12 - مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ حَيَّانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَدَائِنِيُّ *
المُحَدِّثُ، المُقْرِئُ، الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ المَدَائِنِيُّ، بَقِيَّةُ الشُّيُوْخِ.
حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ بنِ عَطِيَّةَ، وَشُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ، وَعَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مُجَاهِدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَخَيْثَمَةُ الأَطْرَابُلُسِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ، وَحَمْزَةُ العَقَبِيُّ (1) ، وَأَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ الأَدَمِيُّ، وَأَبُو سَهْلٍ القَطَّانُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ البَرْقَانِيُّ: لاَ بأْسَ بِهِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيْفٌ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، مِنْ أَبْنَاءِ المائَةِ.
يَقَعُ مِنْ عَوَالِيْهِ لِلْمُؤْتَمَنِ بنِ قميرَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُقَيَّرِ (2) ، وَأَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الشَّاهِدُ (3) ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ القَزَّازِ (4) ، وَعَلِيُّ بنُ جَعْفَرٍ
__________
(*) تاريخ بغداد: 2 / 398 - 399، تذكرة الحفاظ: 2 / 603، في نهاية ترجمة الميموني، ميزان الاعتدال: 3 / 678، عبر المؤلف: 2 / 53، الوافي بالوفيات: 4 / 294، لسان الميزان: 5 / 333، النجوم الزاهرة: 3 / 71، شذرات الذهب: 2 / 166.
(1) العقبي، بفتح العين والقاف: نسبة إلى محلة العقبة وراء نهر عيسى، قريبة من دجلة بغداد. (انظر معجم ياقوت، واللباب).
(2) ترجمه الذهبي في " مشيخته ": خ: ق: 73.
(3) هو: محمد بن علي بن محمد بن علي، العدل الكبير، العالم المسند الثقة، عماد الدين، أبو المعالي، ابن الحافظ ضياء الدين بن البالسي الدمشقي الشروطي...مات في نصف جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وسبعمئة.
" مشيخة " الذهبي: خ ق: 145.
(4) هو: محمد بن أحمد بن أبي بكر بن محمد، المقرئ الزاهد المعمر أبو عبد الله، ابن القزاز. وفاته سنة (705 ه).
ترجمة المؤلف في " مشيخته ": خ: ق: 127.

(13/21)


المُؤَذِّنُ (1) ، وَبِيْبَرْسُ المَجْدِيُّ (2) ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا مُؤْتَمَنُ بنُ أَبِي السُّعُوْدِ، وَقَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ السُّلَمِيِّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالاَ:
أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ البَاقِلاَّنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ، وَعُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ، وَأَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، أَخْبَرَنَا بُدَيْلُ بنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي الجَوْزَاءِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَكَعَ لَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُشْخِصْهُ.
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ (3) .
وَمَاتَ مَعَهُ: الحَسَنُ بنُ مُكْرَمٍ (4) ، وَعَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الوَاسِطِيُّ،
__________
(1) ترجمته في " مشيخة " الذهبي: خ: ق: 96.
(2) هو: بيبرس بن عبد الله التركي، علاء الدين أبو سعد العقيلي المجدي، قال الذهبي في " مشيخته ": خ: ق: 39: " شيخ معمر عالي الإسناد مليح الشكل والبزة...مات في تاسع ذي القعدة سنة ثلاث عشرة وسبعمئة وقد نيف على التسعين ".
(3) وأخرجه مسلم: (498) في الصلاة: باب ما يجمع صفة الصلاة ويفتتح به، وأبو داود: (783)، في الصلاة: باب من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وأحمد 6 / 31، 194، من طرق عن حسين المعلم، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما، وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالسا.
وكان يقول في كل ركعتين التحية.
وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى.
وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع.
وكان يختم الصلاة بالتسليم ".
وأخرجه ابن ماجه مختصرا: (869)، من طريق حسين المعلم، عن بديل، به.
وقوله: " لم يشخص رأسه ": أي: لم يرفعه.
وقوله: " لم يصوبه ": أي لم يخفضه خفضا بليغا، بل يعدل فيه بين الاشخاص والتصويب.
و" عقبة الشيطان ": أن يلصق ألييه بالارض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض كما يفرش الكلب وغيره من السباع.
(4) ستأتي ترجمته في الصفحة: (192)، برقم: (109).
(5) ستأتي ترجمته في الصفحة: (90)، برقم: (51).

(13/22)


وَأَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بنُ يَحْيَى بِمِصْرَ، وآخَرُوْنَ.
وَأَبُو الحَسَنِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ المَيْمُوْنِيُّ (1) ، وَخَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ كُرْدُوس، بِوَاسِطَ (2) .

13 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَارِثِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البَغْدَادِيُّ *
الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو إِسْحَاقَ البَغْدَادِيُّ، نَزِيْلُ نَيْسَابُوْرَ.
سَمِعَ: يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَحَجَّاجَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَأَبَا النَّضْرِ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي بُكَيْرٍ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ أَبَانٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القَطَّانُ، وَجَمَاعَةٌ.
يَقَعُ لَنَا حَدِيْثُهُ بِعُلُوٍّ مِنْ طَرِيْقِ السِّلَفِيِّ.
تُوُفِّيَ: فِي أَوَّلِ سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَعَلَّهُ جَاوَزَ الثَّمَانِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ-.

14 - مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ الأَشْعَرِيُّ مَوْلاَهُمْ ** (س (3))
ابْنِ الوَزِيْرِ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ مُعَاوِيَةَ بنِ يَسَارٍ الأَشْعَرِيُّ مَوْلاَهُمُ، الحَافِظُ، الإِمَامُ، المُجَوِّدُ، أَبُو عُبَيْدِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ.
__________
(1) ستأتي ترجمته في الصفحة: (89)، برقم: (50)
(2) ستأتي ترجمته في الصفحة: (199)، برقم: (114).
(*) تاريخ بغداد: 6 / 54 - 56، الوافي الوفيات: 5 / 342، تهذيب التهذيب: 1 / 112.
(* *) الجرح والتعديل: 8 / 383، طبقات الحنابلة: 1 / 289، تاريخ ابن عساكر: خ: 16 / 336 أ - ب، تهذيب الكمال: خ: 1344 - 1345، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 52، عبر المؤلف: 2 / 27، تهذيب التهذيب: 10 / 212، خلاصة تذهيب الكمال: 381، شذرات الذهب: 2 / 147.
(3) زيادة من " التقريب ".

(13/23)


رَحَلَ، وَعُنِي بِهَذَا الشَّأَنِ.
وَأَخَذَ عَنْ: أَبِي مُسْهِرٍ الغَسَّانِيِّ، وَأَبِي غَسَّانَ النَّهْدِيِّ، وَخَالِدِ بنِ مَخْلَدٍ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ الرَّقِّيِّ، وَعِدَّةٍ.
وَسَأَلَ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنِ الرِّجَالِ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: لاَ بأْسَ بِهِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَابْنُ جَوْصَا، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَرْوَانَ الدِّمَشْقِيُّ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: شَاخَ وَجَاوَزَ السَّبْعِيْنَ.

15 - ابْنُ عَفَّانَ أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الكُوْفِيُّ * (د، ق (1))
المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، المُسْنِدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ العَامِرِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَخُو مُحَمَّدٍ.
سَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَأَبَا يَحْيَى عَبْدَ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيَّ، وَأَسْبَاطَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ، وَطَائِفَةً.
وَلَمْ يَرْحَلْ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ فِي (سُنَنِهِ)، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ،
__________
(*) الجرح والتعديل: 3 / 22، تهذيب الكمال: خ: 276، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 142، عبر المؤلف: 2 / 44 - 45، تهذيب التهذيب: 2 / 301 - 302، خلاصة تذهيب الكمال: 79، شذرات الذهب: 2 / 158.
(1) زيادة من " التقريب ".

(13/24)


وَقَالَ: صَدُوْقٌ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ كَاسٍ القَاضِي، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الزُّبَيْرِ القُرَشِيُّ، وآخَرُوْنَ.
وَلَهُ بِضْعَةٌ وَعِشْرُوْنَ شَيْخاً كُوْفِيُّونَ.
سَمِعْنَا مِنْ طَرِيْقِهِ كِتَابَ (الخَرَاجِ) لِيَحْيَى بنِ آدَمَ (1) ، وَسَمِعْنَا جُزْءاً مِنْ حَدِيْثِهِ، انْفَرَدَ بِهِ ابْنُ اللَّتِّيِّ.
فَأَمَّا قَوْلُ الحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ فِي (شُيُوْخِ النَّبَلِ (2)): إِنَّ أَبَا دَاوُدَ رَوَى عَنْ هَذَا، فَوَهْمٌ قَدِيْمٌ، وَالَّذِي فِي النُّسَخِ القَدِيْمَةِ (بِالسُّنَنِ):
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَرْفَجَةَ: أَنَّهُ أُصِيْبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الكُلاَبِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ دَاسَةَ وَحْدَهُ، فَقَالَ فِيْهِ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ.
وَلاَ رَيْبَ أَنَّ الانفِصَالَ عَنْ مِثْلِ هَذَا صَعْبٌ، لَكِن أَجْزِمُ بَأَنَّ قَوْلَهُ: ابْن عَفَّانَ، زِيَادَةٌ مِنْ كِيْسِ ابْنِ دَاسَةَ.
وَقَدْ خَالَفَهُ جَمَاعَةٌ، وَحَذَفُوا ذَلِكَ، وَلاَ نَعْلَمُ لأَبِي دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ عَفَّانَ رِوَايَةً، وَلاَ عَلِمْنَا أَنَّ ابْنَ عَفَّانَ رَحَلَ إِلَى يَزِيْدَ، وَلاَ إِلَى أَبِي عَاصِمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ، الحَافِظُ الرَّحَّالُ.
__________
(1) هو: يحيى بن آدم بن سليمان القرشي، مولاهم الكوفي، أبو زكريا، مقرئ محدث، حافظ فقيه، توفي سنة (203 ه): وكتابه " الخراج " طبع بتحقيق المحدث الشيخ أحمد شاكر، رحمه الله تعالى. (2) ص (100)، بتحقيق الآنسة سكينة الشهابي، (ط. دار الفكر 1980 م).
وذكر نحوه الحافظ المزي في " تهذيب الكمال ": خ: 276.
وحديث عرفجة هو في " سنن " أبي داود: (4233) و(4232)، في كتاب الخاتم: باب ما جاء في ربط الأسنان بالذهب.
وتمامه: " فاتخذ أنفا من ورق، فأنتن عليه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفا من ذهب ". وهو حديث صحيح.
والكلاب، بضم الكاف وتخفيق اللام المفتوحة: اسم ماء، وكانت عنده وقعتا كلاب الأولى والثانية، بين ملوك كندة وبني تميم.

(13/25)


قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّدٌ: ثِقَتَانِ.
وَقَالَ ابْنُ عُقْدَةَ: تُوُفِّيَ الحَسَنُ لِلَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَيْمَازَ الدَّقِيْقِيُّ (2) ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شُنَيْفٍ سَنَةَ (551)، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ السَّرَّاجُ، وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، قَالَ:
إِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ وَلِيْدَتَهُ، فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَيَسْتَخْدِمَهَا وَيُنْكِحَهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيْعَهَا أَوْ يَهَبَهَا، وَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا (3) .
__________
(1) ترجمه المؤلف في " مشيخته ": خ ق: 42 - 43.
(2) هو: محمد بن قايماز، المقرئ الصالح، شمس الدين، أبو عبد الله، مولى بشر الطحان، مات في سنة (702 ه)، وله أربع وثمانون سنة، وحدث " بصحيح " البخاري.
انظر ترجمته في " مشيخة " المؤلف: خ ق: 150.
(3) وأخرجه مالك في " الموطأ ": 3 / 35، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، ومن طريق مالك أخرج البيهقي في " السنن ": 10 / 315، بلفظ: " إذا دبر الرجل جاريته، فإن له أن يطأها، وليس له أن يبيعها، ولا يهبها، وولدها بمنزلتها ".
وأخرج مالك في " الموطأ ": 3 / 5، في العتق والولاء: باب عتق أمهات الاولاد، عن نافع، عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب قال: أيما وليدة ولدت من سيدها فإنه لا يبيعها، ولا يهبها، ولا يورثها، وهو يستمتع بها، فإذا مات فهي حرة.
وأخرج عبد الرزاق: (13224)، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني، قال: سمعت: عليا يقول: اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الاولاد أن لا يبعن، ثم رأيت بعد أن يبعن.
قال عبيدة: فقلت له: فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة.
وهذا الإسناد معدود في أصح الأسانيد.
وأخرج عبد الرزاق أيضا: بإسناد صحيح أن عليا رجع عن ذلك، أي عن مخالفة قول عمر والجماعة.

(13/26)


أَخُوْهُ:

16 - أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الكُوْفِيُّ *
المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ العَامِرِيُّ، الكُوْفِيُّ، المُقْرِئُ.
تَلاَ عَلَى: عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى.
وَحَدَّثَ عَنِ (1) : الحَسَنِ بنِ عَطِيَّةَ، وَغَيْرِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عُقْدَةَ عَلِيُّ بنُ كَاسٍ القَاضِي، وَابْنُ الزُّبَيْرِ القُرَشِيُّ، وآخَرُوْنَ.
مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَثَّقَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ.
وبَالإِسْنَادِ المَاضِي إِلَى عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ القُرَشِيِّ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ؛ ابْنَا عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَطِيَّةَ القُرَشِيُّ، عَنِ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ دِيْنَارٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ:
(نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الوَلاَءِ، وَعَنْ هِبَتِهِ) (2) .
__________
(*) طبقات القراء لابن الجزري: 2 / 206.
(1) في الأصل: " عنه ".
(2) إسناده صحيح. وأخرجه من طرق، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، مالك: 2 / 782، في العتق والولاء: باب مصير الولاء لمن أعتق، والبخاري: 5 / 121، في العتق: باب بيع الولاء وهبته، وفي الفرائض: باب إثم من تبرأ من مواليه، ومسلم: (1506) في العتق: باب النهي عن بيع الولاء وهبته، وأبو داود:: (2919)، والنسائي: 7 / 306، والترمذي: (1236)، وابن ماجه: (2747).

(13/27)


17 - ابْنُ وَارَةَ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ * (س)
الحَافِظُ، الإِمَامُ، المُجَوِّدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ وَارَةَ الرَّازِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ.
ارْتَحَلَ إِلَى الآفَاقِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَالأَنْصَارِيِّ، وَالفِرْيَابِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ، وَهَوْذَةَ بنِ خَلِيْفَةَ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَأَبِي مُسْهِرٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَالهَيْثَمِ بنِ جَمِيْلٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ، وَحَجَّاجِ بنِ أَبِي مَنِيْعٍ، وَالأَصْمَعِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ عَيَّاشٍ، وَعَارِمٍ، وَمُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَيَنْزِلُ إِلَى أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ المِصْرِيِّ، وَنَحْوِهِ.
وَكَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي الحِفْظِ، عَلَى حُمْقٍ فِيْهِ وَتِيْهٍ.
وَلَقَدْ اجتَمَعَ بِالرَّيِّ ثَلاَثَةٌ، يَعِزُّ وُجُوْدُ مِثْلِهِم: أَبُو زُرْعَةَ (1) ، وَابْنُ وَارَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ (2) .
حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَاصِمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ، وَابْنُ نَاجِيَةَ،
__________
(*) الجرح والتعديل: 8 / 79 - 80، تاريخ بغداد: 3 / 256 - 260، طبقات الحنابلة: 1 / 324، تاريخ ابن عساكر، خ: 15 / 516 أ - 518 ب، المنتظم: 5 / 55، تهذيب الكمال: خ: 1270 - 1271، تذكرة الحفاظ: 2 / 575 - 577، عبر المؤلف: 2 / 46، الوافي بالوفيات: 5 / 27، تهذيب التهذيب: 9 / 451 - 453، طبقات الحفاظ: 257، خلاصة تذهيب الكمال: 359، شذرات الذهب: 2 / 160.
(1) هو: عبيد الله بن عبد الكريم: ستأتي ترجمته في الصفحة (65)، برقم (48).
(2) هو: محمد بن إدريس بن المنذر، ستأتي ترجمته في الصفحة (247)، برقم (125).

(13/28)


وَأَبُو عَوَانَةَ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُسَيَّبِ الأَرْغِيَانِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ القَاضِي، وَابْنُ مُجَاهِدٍ المُقْرِئُ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الدَّاركِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَامِضُ (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ شَكَّرَ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ حَكِيْمٍ المَدِيْنِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَخِي أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ: فِي حُدُوْدِ عَامِ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ، صَاحِبُ حَدِيْثٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثِقَةٌ صَدُوْقٌ، وَجَدْتُ أَبَا زُرْعَةَ يُبَجِّلُهُ وَيُكْرِمُهُ.
وَقَالَ عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبُو زُرْعَةَ لاَ يَقُوْمُ لأَحَدٍ، وَلاَ يُجْلِسُ أَحَداً فِي مَكَانِهِ، إِلاَّ ابْنَ وَارَةَ.
وَقَالَ فَضْلَكُ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ، يَقُوْلُ: أَحْفَظُ مَنْ رَأَيْتُ: أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ (2) ، وَابْنُ وَارَةَ، وَأَبُو زُرْعَةَ (3) .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ: ثَلاَثَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الزَّمَانِ بِالحَدِيْثِ، اتَّفَقُوا بِالرَّيِّ، لَمْ يَكُنْ فِي الأَرِضِ مِثْلُهُم فِي وَقْتِهِم، فَذَكَرَ ابْنَ وَارَةَ، وَأَبَا حَاتِمٍ، وَأَبَا زُرْعَةَ.
__________
(1) انظر ترجمته في " عبر " المؤلف: 2 / 217.
(2) أحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي. توفي سنة (258 ه).
انظر: تذكرة الحفاظ: 2 / 544 - 545، عبر المؤلف: 2 / 16، شذرات الذهب: 2 / 138.
(3) تذكرة الحفاظ: 2 / 575.

(13/29)


وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ خِرَاشٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ وَارَةَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ المُتْقِنِيْنَ الأُمَنَاءِ، كُنْتُ لَيْلَةً عِنْدَهُ، فذَكَرَ أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيَّ، فَذَكَرَ شُيُوْخَهُ، فَذَكَرَ (1) فِي طَلْقٍ وَاحِدٍ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ مِنْ شُيُوْخِهِ، ثُمَّ قَالَ: كَانَ غَايَةً، شَيْئاً عَجَباً.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ: سَمِعْتُ الشَّاذَكُوْنِيَّ، يَقُوْلُ: جَاءنِي مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ، فَقَعَدَ يَتَقَعَّرُ (2) فِي كَلاَمِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: مِنْ أَيِّ بَلَدٍ أَنْتَ؟
قَالَ: مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ، أَلَمْ يَأَتِكَ خَبَرِي؟ أَلَمْ تَسْمَعْ بِنَبَئِي؟ أَنَا ذُو الرِّحْلَتَيْنِ.
قُلْتُ: مَنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً)؟
فَقَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا.
قُلْتُ: مَنْ؟
قَالَ: أَبُو نُعَيْمٍ، وَقَبِيْصَةُ.
قُلْتُ: يَا غُلاَمُ! ائتِنِي بِالدِّرَّةِ، فَأَتَانِي بِهَا، فَأَمَرْتُهُ، فَضَرَبَهُ بِهَا خَمْسِيْنَ، وَقُلْتُ: أَنْتَ تَخْرُجُ مِنْ عِنْدِي، مَا آمَنُ أَنْ تَقُولَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ غِلمَانِنَا (3) .
قَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: جَاءَ ابْنُ وَارَةَ إِلَى أَبِي كُرَيْبٍ، وَكَانَ فِي ابْنِ وَارَةَ بَأْوٌ (4) ، فَقَالَ لأَبِي كُرَيْبٍ: أَلَمْ يَبْلُغْكَ خَبَرِي؟ أَلَمْ يَأْتِكَ نَبَئِي؟ أَنَا ذُو الرِّحْلَتَيْنِ، أَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ.
فَقَالَ: وَارَةُ؟ وَمَا وَارَةُ؟ وَمَا أَدْرَاكَ مَا وَارَةُ؟ قُمْ، فَوَاللهِ لاَ حَدَّثْتُكَ، وَلاَ حَدَّثْتُ قَوْماً أَنْتَ فِيهِم (5) .
__________
(1) في التذكرة: 2 / 575: " فذكر أبا إسحاق السبيعي وشيوخه ما نذكر منهم...".
(2) التقعير: أن يتكلم بأقصى قعر فمه. وانظر ما جاء في " البيان والتبيين " للجاحظ: 1 / 13
(3) الخبر في " تذكرة الحفاظ ": 2 / 576. وحديث: " إن من الشعر حكمة " أخرجه البخاري: 10 / 445، 446، باب ما يجوز من الشعر والرجز، وأبو داود: (5010)، في الأدب: باب ما جاء في الشعر، من حديث أبي بن كعب.
وأخرجه الترمذي: (2848)، وأبو داود: (5011)، من حديث بن عباس. وأخرجه الترمذي: (2847)، من حديث ابن مسعود.
(4) البأو: الكبر والتيه.
(5) تذكرة الحفاظ: 2 / 576.

(13/30)


قَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ عُقْدَةَ: دَقَّ ابْنُ وَارَةَ عَلَى ابْنِ كُرَيْبٍ، فَقَالَ: مَنْ؟
قَالَ: ابْنُ وَارَةَ، أَبُو الحَدِيْثِ، وَأُمُّهُ.
وَقَدْ زَلِقَ الحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَذَكَرَ أَنَّ ابْنَ وَارَةَ سَمِعَ مِنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى القَطَّانِ.
كَمَا أَخْطَأَ ابْنُ المُنَادِي فِي الوَفَيَاتِ، فَقَالَ: تُوُفِّيَ ابْنُ وَارَةَ سَنَةَ: خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
بَلِ الصَّوَابُ فِي وَفَاتِهِ مَا قَالَهُ ابْنُ مَخْلَدٍ، وَغَيْرُهُ: إِنَّهَا فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا بِلاَلُ بنُ عَبْدِ اللهِ الخَادِمُ (1) ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ رَوَاجٍ، وَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الخَلاَّلِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الحَافِظُ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، فَالأَوَّلُ سَمَاعاً، وَالثَّانِي إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ؛ ابْنَا عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ السُّوْذَرْجَانِيِّ (2) ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَرَضِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ الكُرَيْزِيُّ (3) ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَبِي
__________
(1) هو: " بلال بن عبد الله، الأمير الكبير، حسام الدين، أبو الخير الحبشي...ويعرف بالوالي.
ربى ملوكا وأولاد ملوك...مات بعد الهزيمة في رمل مصر في ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وستمئة، وكان من أبناء التسعين ".
" مشيخة " الذهبي: خ ق: 39.
(2) السوذرجاني، بضم السين، وفتح الذال، وسكون الراء: نسبة إلى سوذرجان من قرى أصبهان.
(3) الكريزي: بالكاف المضمومة، والراء المفتوحة، وقد تحرف في المطبوع من " ميزان الاعتدال ": 2 / 640، إلى " الكوثري ". وهو: عبد الغفار بن عبيد الله الكريزي، مترجم في " الجرح والتعديل ": 6 / 54.
ووقع في المطبوع من " الميزان " في ترجمته تحريف آخر: فقد جاء فيه: " روى عن ابن وارة وأبي حاتم ".
والصواب: روى عنه: ابن وارة وأبو حاتم.

(13/31)


الأَخْضَرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
لَمَّا مَاتَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَفَعَ أَبُو بَكْرٍ الثَّوبَ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ قَالَ:
مِتَّ - وَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ - مَوْتَةً لاَ تَمُوْتُ بَعْدَهَا أَبَداً (1)!

18 - سَهْلُ بنُ عَمَّارٍ أَبُو يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيُّ *
القَاضِي، العَلاَّمَةُ، أَبُو يَحْيَى العَتَكِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، الحَنَفِيُّ، شَيْخُ أَهْلِ الرَّأْي بِخُرَاسَانَ، وَقَاضِي هَرَاةَ.
ارْتَحَلَ فِي الحَدِيْثِ.
وَسَمِعَ مِنْ: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَشَبَابَةَ بنِ سَوَّارٍ، وَجَعْفَرِ بنِ عَوْنٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ قَيْسٍ، وَالوَاقِدِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: العَبَّاسُ بنُ حَمْزَةَ، وَأَبُو يَحْيَى البَزَّازُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سُفْيَانَ الفَقِيْهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ فَارِسٍ، وَأَحْمَدُ بنُ شُعَيْبٍ الفَقِيْهُ،
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف صالح بن أبي الاخضر.
لكن الحديث ثابت عن عائشة رضي الله عنها، أخرجه البخاري: 3 / 91، في الجنائز: باب الدخول على الميت بعد الموت، من طريقين، عن الزهري، عن أبي سلمة، ان عائشة - رضي الله عنها - أخبرته، قالت: أقبل أبو بكر - رضي الله عنه - على فرسه من مسكنه بالسنح حتى نزل.
ودخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة - رضي الله عنها - فتيمم النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرد حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه فقبله.
ثم بكى فقال: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها...".
وأخرجه النسائي: 4 / 11، في الجنائز: باب تقبيل الميت، والبيهقي: 3 / 406.
وحديث ابن جابر أشار إليه الترمذي عقب الحديث: (989) الذي أورده عن عائشة: أن
النبي صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهو ميت، فقال: " وفي الباب عن ابن عباس وجابر وعائشة، قالوا: إن أبا بكر قبل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت ".
وفي الباب عن أبي هريرة، عند ابن حبان، رقم (2155).
(*) ميزان الاعتدال: 2 / 240، لسان الميزان: 3 / 121.

(13/32)


وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ المُذَكِّرُ (1) ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الحَاكِمُ: قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بنِ صَالِحِ بنِ هَانِئ: لِمَ لَمْ تَكْتُبْ عَنْ سَهْلٍ؟
قَالَ: كَانُوا يَمْنَعُوْنَ مِنَ السَّمَاعِ مِنْهُ (2) .
وَسَمِعْتُ ابْنَ الأَخْرَمِ، يَقُوْلُ: كُنَّا نَخْتَلِفُ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ السَّعْدِيِّ، وَسَهْلُ بنُ عَمَّارٍ مَطَرُوْحٌ فِي سِكَّتِهِ، فَلاَ نَتَقَدَّمُ إِلَيْهِ (3) .
وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ السَّعْدِيِّ، أَنَّهُ اتَّهَمَ سَهْلاً.
وَقَالَ الحَاكِمُ: مُخْتَلَفٌ فِي عَدَالَتِهِ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

19 - أَبُو البَخْتَرِيِّ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ العَنْبَرِيُّ *
الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو البَخْتَرِيِّ، عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ، العَنْبَرِيُّ، البَغْدَادِيُّ، المُقْرِئُ.
سَمِعَ حُرُوْفَ عَاصِمٍ مِنْ يَحْيَى بنِ آدَمَ، وَرَوَاهَا عَنْهُ.
وَسَمِعَ: أَبَا أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ بِشْرٍ العَبْدِيَّ، وَحُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ الجُعْفِيَّ، وَعِدَّةً.
__________
(1) أبو علي النيسابوري: أحد الضعفاء، كما قاله الذهبي في " عبره ".
: 2 / 245، والمذكر، بضم الميم، وفتح الذال المعجمة، وتشديد الكاف المكسورة: يقال لمن يذكر الناس ويعظهم انظر " اللباب ".
(2) ميزان الاعتدال: 2 / 240.
(3) المصدر السابق، وفيه: " فلا نقربه ".
(*) الجرح والتعديل: 5 / 162، تاريخ بغداد: 10 / 82 - 83، طبقات الحنابلة: 1 / 189 - 190، المنتظم: 5 / 77، عبر المؤلف: 2 / 46، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 449، شذرات الذهب: 2 / 160.

(13/33)


حَدَّثَ عَنْهُ: القَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ البَخْتَرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مُجَاهِدٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ صَدُوْقٌ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (1) ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا مِنْكُم مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَاجِبٌ وَلاَ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ شَيْئاً قَدَّمَهُ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ شَيْئاً قَدَّمَهُ، فَيَنْظُرُ أَمَامَهُ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ) (2) .
__________
(1) ترجمه الذهبي في " مشيخته ": خ ق: 36.
(2) إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري: 10 / 375، في الأدب: باب طيب الكلام، و11 / 350، في الرقاق: باب من نوقش الحساب عذب، و373: باب صفة الجنة والنار، و13 / 362 في التوحيد: باب وجوه يومئذ ناضرة، و397: باب كلام الرب عزوجل، وأخرجه مسلم: (1016): (67)، في الزكاة: باب الحث على الصدقة، والترمذي: (2415، في أول صفة القيامة، كلهم من طريق الأعمش، بهذا الإسناد.
وأخرجه بأطول مما هنا البخاري: 3 / 223، في الزكاة: باب الصدقة قبل الرد، و: 6 / 450 - 451، في الأنبياء: باب علامات النبوة في الإسلام، من طريقين، عن محل بن خليفة الطائي، عن عدي بن حاتم.
وقوله: " وينظر: أشأم منه "، أي: ينظر عن شماله، واليد اليسرى تسمى: الشؤمى.

(13/34)


20 - عَمَّارُ بنُ رَجَاءَ أَبُو يَاسِرٍ التَّغْلِبِيُّ الأَسْترَابَاذِيُّ *
الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الإِمَامُ، أَبُو يَاسِرٍ التَّغْلِبِيُّ الأَسْتَرَابَاذِيُّ، صَاحِبُ (المُسْنَدِ الكَبِيْرِ)، رَحَلَ وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ.
حَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَمُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ العَبْدِيِّ، وَزَيْدِ بنِ الحُبَابِ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ، وَحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ الجُعْفِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ هِشَامٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَدِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُطَرِّفٍ الأَسْتَرَابَاذِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الأَدِيْبُ، وَطَائِفَةٌ سِوَاهُم.
تَرْجَمَهُ أَبُو سَعْدٍ الإِدْرِيْسِيُّ (1) ، وَقَالَ: كَانَ شَيْخاً فَاضِلاً دَيِّناً، كَثِيْرَ العِبَادَةِ وَالزُّهْدِ، ثِقَةً فِي الحَدِيْثِ، رَحَلَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيْحِ.
قَالَ: وَقَبْرُهُ يُزَارُ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -.

21 - ابْنُ السُّرْمَارِيِّ إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ **
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو صَفْوَانَ إِسْحَاقُ ابْنُ البَطَلِ الكَرَّارِ، فَارِسِ
__________
(*) الجرح والتعديل: 6 / 395، طبقات الحنابلة: 1 / 247، المنتظم: 5 / 61، تذكرة الحفاظ: 2 / 561 - 562.
(1) هو: الحافظ، العالم، أبو سعد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس، الاستراباذي، محدث سمرقند، ومصنف تاريخها وتاريخ أستراباذ. توفي سنة (445 ه). (انظر: تذكرة الحفاظ: 3 / 1062 - 1063).
(* *) الأنساب: 7 / 74.

(13/35)


العَصْرِ؛ أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ الحُصَيْنِ بنِ جَابِرٍ السُّلَمِيِّ، البُخَارِيِّ، السُّرْمَارِيِّ (1) .
سَمِعَ فِي حَدَاثَتِهِ بَاعْتِنَاءِ أَبِيْهِ مِنْ: أَشْهَلَ بنِ حَاتِمٍ، وَأَبِي عَاصِمٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ، وَمَكِّيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَالمُقْرِئ.
وَعَنْهُ: صَالِحٌ جَزَرَةُ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: سُئِلَ المُقْرِئ، فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ رَجُلاً بِبُخَارَى يُقَالُ لَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ، يَقُوْلُ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ.
فَقَالَ: مُرْجِئٌ.
وَكُنْتُ قُدَّامَهُ، فَقُلْتُ: وَأَنَا أَقُوْلُ ذَلِكَ، فَأَخَذَ بِرَأْسِي، وَنَطَحَنِي بِرَأْسِهِ نَطْحَهً، وَقَالَ: أَنْتَ مُرْجِئٌ (2) يَا خُرَاسَانِيُّ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
__________
(1) السرماري، بضم السين وسكون الراء: نسبة إلى سرمارى من قرى بخارى. (اللباب).
(2) قد يطلق الارجاء على أهل السنة والجماعة من مخالفيهم المعتزلة الذين يزعمون تخليد صاحب الكبيرة في النار، لانهم لا يقطعون بعقاب الفساق الدين يرتكبون الكبائر ويفوضون أمرهم إلى الله، إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم، ويطلق على من يقول بعدم دخول الاعمال في الايمان، وأن الايمان لا يزيد ولا ينقص - وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه - من جانب المحدثين القائلين بدخول الاعمال في مسمى الايمان، وانه يزيد وينقص.
ويطلق على من يقول: الايمان هو معرفة الله، ويجعل ما سوى الايمان من الطاعات وما سوى الكفر من المعاصي غير مضرة ولا نافعة.
وهذا القسم الأخير من الارجاء هو المذموم صاحبه، المتهم في دينه.
وقد قال المؤلف في " ميزانه ": 4 / 99: " مسعر بن كدام حجة إمام، ولا عبرة بقول السليماني: كان من المرجئة مسعر وحماد بن أبي سليمان والنعمان وعمرو بن مرة وعبد العزيز بن أبي رواد، وأبو معاوية وعمرو بن ذر..، وسرد جماعة.
قلت: الارجاء مذهب لعدة من جلة العلماء لا ينبغي النحامل على قائله.

(13/36)


أَبُوْهُ:

22 - أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ أَبُو إِسْحَاقَ * (خَ (1))
الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، المُجَاهِدُ، فَارِسُ الإِسْلاَمِ، أَبُو إِسْحَاقَ: مِنْ أَهْلِ سُرْمَارَى، مِنْ قُرَى بُخَارَى.
سَمِعَ: مَنْ يَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، وَعُثْمَانَ بنِ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَأَبِي عَاصِمٍ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ)، وَإِدْرِيْسُ بنُ عَبْدَكَ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ أَحَدَ الثِّقَاتِ، وَبِشَجَاعَتِهِ يُضْرَبُ المَثَلُ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَفَّانَ البَزَّازُ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ، فَجَرَى ذِكْرُ أَبِي إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيِّ، فَقَالَ: مَا نَعْلَمُ فِي الإِسْلاَمِ مِثْلَهُ، فَخَرَجْتُ فَإِذَا أَحِيْدُ رَئِيْسُ المُطَّوِّعَةِ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَغَضِبَ وَدَخَلَ عَلَى البُخَارِيِّ، وَسَأَلَهُ.
فَقَالَ: مَا كَذَا قُلْتُ: بَلْ: مَا بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ فِي الإِسْلاَمِ وَلاَ الجَاهِلِيَّةِ مِثْلُهُ.
سَمِعَهَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ مِنِ ابْنِ عَفَّانَ.
قَالَ أَبُو صَفْوَانَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي يَوْماً، وَهُوَ يَأْكُلُ وَحَدَهُ، فَرَأَيتُ فِي مَائِدتِهِ عُصْفُوراً يَأْكُلُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَآنِي طَارَ.
وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: يَنْبَغِي لِقَائِدِ الغُزَاةِ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ عَشْرُ خِصَالٍ: أَنْ يَكُوْنَ فِي قَلْبِ الأَسَدِ لاَ يَجْبُنُ، وَفِي كِبْرِ النَّمِرِ لاَ يَتَوَاضَعُ،
__________
(*) تهذيب الكمال: خ: 17، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 6 - 7، الوافي بالوفيات: 6 / 241، تهذيب التهذيب: 1 / 13 - 14، خلاصة تذهيب الكمال: 3.
(1) زيادة من " التقريب "

(13/37)


وَفِي شَجَاعَةِ الدُّبِّ يَقْتُلُ بِجَوَارِحِهِ كُلِّهَا، وَفِي حَمْلَةِ الخِنْزِيرِ لاَ يُوَلِّي دُبُرَهُ، وَفِي غَارَةِ الذِّئْبِ إِذَا أَيِسَ مِنْ وَجْهٍ أَغَارَ مِنْ وَجْهٍ، وَفِي حَمْلِ السِّلاَحِ كَالنَّمْلَةِ تَحْمِلُ أَكثَرَ مِنْ وَزْنِهَا، وَفِي الثَّبَاتِ كَالصَّخْرِ، وَفِي الصَّبْرِ كَالحِمَارِ، وَفِي الوَقَاحَةِ كَالكَلْبِ لَوْ دَخَلَ صَيْدُهُ النَّارَ لَدَخَلَ خَلْفَهُ، وَفِي التِمَاسِ الفُرْصَةِ كَالدِّيْكِ.
غُنْجَارُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ خَالِدٍ المُطَّوِّعِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيْسَ المُطَّوِّعِيَّ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ شَمَّاسٍ، يَقُوْلُ:
كُنْتُ أُكَاتِبُ أَحْمَدَ بنَ إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيَّ، فَكَتَبَ إلِيَّ: إِذَا أَرَدْتَ الخُرُوجَ إِلَى بلاَدِ الغُزَيَّةِ فِي شِرَاءِ الأَسْرَى، فَاكْتُبْ إلِيَّ.
فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ، فَقَدِمَ سَمَرْقَنْدَ، فَخَرَجْنَا، فَلَمَّا عَلِمَ جَعْبَوَيْه، اسْتَقْبَلَنَا فِي عِدَّةٍ مِنْ جُيُوْشِهِ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ، فَعَرَضَ يَوْماً جَيْشَهُ، فَمَرَّ رَجُلٌ، فَعَظَّمَهُ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، فَسَأَلنِي عَنْهُ السُّرْمَارِيُّ، فَقُلْتُ: هَذَا رَجُلٌ مُبَارِزٌ، يُعَدُّ بِأَلْفِ فَارِسٍ.
قَالَ: أَنَا أُبَارِزُهُ.
فَسَكَتُّ، فَقَالَ جَعْبَوَيْه: مَا يَقُوْلُ هَذَا؟
قُلْتُ: يَقُوْلُ كَذَا وَكَذَا.
قَالَ: لَعَلَّهُ سَكْرَانُ لاَ يَشْعُرُ، وَلَكِنْ غَداً نَرْكَبُ.
فَلَمَّا كَانَ الغَدُ رَكِبُوا، فَرَكِبَ السُّرْمَارِيُّ مَعَهُ عَمُوْدٌ فِي كُمِّهِ، فَقَامَ بإِزَاءِ المُبَارِزِ، فَقَصَدَهُ، فَهَرَبَ أَحْمَدُ حَتَّى بَاعَدَهُ مِنَ الجَيْشِ، ثُمَّ كَرَّ، وَضَرَبَهُ بِالعَمُوْدِ قَتَلَهُ، وَتَبِعَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ شَمَّاسٍ، لأَنَّهُ كَانَ سَبَقَهُ، فَلَحِقَهُ، وَعَلِمَ جَعْبَوَيه، فَجَهَّزَ فِي طَلَبِهِ خَمْسِيْنَ فَارِساً نَقَاوَةً، فأَدْرَكُوهُ، فَثَبَتَ تَحْتَ تَلٍّ مُخْتَفِياً، حَتَّى مَرُّوا كُلُّهُم، وَاحِداً (1) بَعْدَ وَاحِدٍ، وَجَعَلَ يَضْرِبُ بِعَمُودِهِ مِنْ وَرَائِهِم، إِلَى أَنْ قَتَلَ تِسْعَةً وَأَرْبَعِيْنَ، وَأَمْسَكَ وَاحِداً، قَطَعَ أَنْفَهُ وَأُذُنَيْهِ، وَأَطْلَقَهُ لِيُخْبِرَ، ثُمَّ بَعْدَ عَامَيْن تُوُفِّيَ أَحْمَدُ، وَذَهَبَ ابْنُ شَمَّاسٍ فِي الفِدَاءِ، فَقَالَ لَهُ جَعْبَوَيْه: مَنْ ذَاكَ الَّذِي قَتَلَ فُرْسَانَنَا؟
__________
(1) في الأصل " واحد ".

(13/38)


قَالَ: ذَاكَ أَحْمَدُ السُّرْمَارِيُّ.
قَالَ: فَلِمَ لَمْ تَحْمِلْهُ مَعَكَ؟
قُلْتُ: تُوُفِّيَ، فَصَكَّ فِي وَجْهِي، وَقَالَ: لَوْ أَعْلَمْتَنِي أَنَّهُ هُوَ لَكُنْتُ أُعْطِيْهِ خَمْسَ مائَةَ بِرْذَوْنٍ (1) ، وَعَشْرَةَ آلاَفِ شَاةٍ.
وَعَنْ بَكْرِ بنِ مُنِيْرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ السُّرْمَارِيَّ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، ضَخْماً، مَاتَ بِقَرْيَتِهِ، فَبَلَغَ كِرَاءُ الدَّابَّةِ إِلَيْهَا عَشْرَةَ دَرَاهِم، وَخَلَّفَ دُيُوْناً كَثِيْرَةً، فَكَانَ غُرَمَاؤُهُ، رُبَّمَا يَشْتَرُوْنَ مِنْ تَرِكَتِهِ حُزْمَةَ القَصَبِ بخَمْسِيْنَ دِرْهَماً، إِلَى مائَةٍ، حُبّاً لَهُ، فَمَا رَجَعُوا حَتَّى قُضَيَ دَيْنُهُ.
عَنْ عِمْرَانَ بنِ مُحَمَّدٍ المُطَّوِّعِيِّ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَانَ عَمُودُ المُطَّوِّعِيِّ السُّرْمَارِيِّ وَزْنَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَنّاً (2) ، فَلَمَّا شَاخَ جَعَلَهُ اثْنَيْ عَشَرَ مَنّاً، وَكَانَ بِهِ يُقَاتِلُ.
قَالَ غُنْجَارُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خَالِدٍ، وَأَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ، قَالاَ:
سَمِعْنَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ، سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ وَاصِلٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ السُّرْمَارِيَّ يَقُوْلُ، وَأَخْرَجَ سَيْفَهُ، فَقَالَ: أَعْلَمُ يَقِيْناً أَنِّي قَتَلْتُ بِهِ أَلْفَ تُرْكِيٍّ، وَإِنْ عِشْتُ قَتَلْتُ بِهِ أَلْفاً أُخرَى، وَلَوْلاَ خُوْفِي أَنْ يَكُوْنَ بِدْعَةً لأَمَرْتُ أَنْ يُدْفَنَ مَعِي (3) .
وَعَنْ مَحْمُوْدِ بنِ سَهْلٍ الكَاتِبِ، قَالَ: كَانُوا فِي بَعْضِ الحُرُوبِ يُحَاصِرُوْنَ مَكَاناً، وَرَئِيْسُ العَدُوِّ قَاعِدٌ عَلَى صُفَّةٍ (4) ، فَرَمَى السُّرْمَارِيُّ
__________
(1) البرذون: ضرب من الدواب، يخالف الخيل العراب، عظيم الخلقة، غليظ الاعضاء.
(2) المن: زنة رطلين.
(3) انظر: تهذيب التهذيب: 1 / 14.
(4) الصفة: الظلة، والبهو الواسع العالي السقف.

(13/39)


سَهْماً، فَغَرَزَهُ فِي الصُّفَّةِ، فَأَوْمَأَ الرَّئيسُ لِيَنْزِعَهُ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ آخَرَ خَاطَ يَدَهُ، فَتَطَاوَلَ الكَافِرُ لِيَنْزِعَهُ مِنْ يَدِهِ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ ثَالثٍ فِي نَحْرِهِ، فَانْهَزَمَ العَدُوُّ، وَكَانَ الفَتْحُ.
قُلْتُ: أَخْبَارُ هَذَا الغَازِي تَسُرُّ قَلْبَ المُسْلِمِ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ: تُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخرِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ كَانَ مَعَ فَرْطِ شَجَاعَتِهِ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ العُبَّادِ.
قَالَ وَلَدُهُ أَبُو صَفْوَانَ: وَهَبَ المَأْمُوْنُ لأَبِي ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، وَعَشْرَةَ أَفْرَاسٍ، وَجَارِيَةً، فَلَمْ يَقْبَلْهَا.

23 - أَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ بنِ عَبْدِ اللهِ أَبُو عَلِيٍّ الجُشَمِيُّ *
المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، أَبُو عَلِيٍّ الجُشَمِيُّ، البَغْدَادِيُّ، المُقْرِئُ.
حَدَّثَ عَنْ: عَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ المُهَلَّبِيِّ، وَسُوَيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَطَائِفَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ سُنَيْنٍ الخُتَّلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ القَمَاطِرِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ البَخْتَرِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
يَقَع لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ.
__________
(1) وذكر الصفدي وفاته في حدود سنة (250). انظر: الوافي بالوفيات: 6 / 241.
(*) تاريخ بغداد: 4 / 341، ميزان الاعتدال: 1 / 128، لسان الميزان: 1 / 244.

(13/40)


قَالَ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ بُكَيْرٍ الحَافِظُ: هُوَ ضَعِيْفٌ (1) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ قَبْلَ السَّبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.

24 - أَبُو اللَّيْثِ عَبْدُ اللهِ بنُ سُرَيْجٍ البُخَارِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ وَقتِهِ، أَبُو اللَّيْثِ، عَبْدُ اللهِ بنُ سُرَيْجِ بنِ حُجْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ، الشَّيْبَانِيُّ، البُخَارِيُّ، وَالِدُ أَبِي عُبَيْدَةَ البُخَارِيِّ.
سَمِعَ: عَبْدَانَ بنَ عُثْمَانَ، وَأَحْمَدَ بنَ حَفْصٍ الفَقِيْهَ، وَمُحَمَّدَ بنَ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيَّ (2) ، وَوَهْبَ بنَ زَمْعَةَ، وَحِبَّانَ بنَ مُوْسَى، وَهَذِهِ الطَّبَقَةَ، وَلاَ أَكَادُ أَعْرِفُ هَذَا.
قَالَ سَهْلُ بنُ بِشْرٍ: سَمِعْتُ أَبَا اللَّيْثِ يَقُوْلُ: حَفِظْتُ عَشْرَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، مِنْ غَيْرِ تَكْرِيْرٍ (3) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ ابْنُ يَزِيْدَ المَرْوَزِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا اللَّيْثِ الحَافِظَ جَالِساً مَعَ عَبْدَانَ عَلَى سَرِيْرِهِ، وَرَأَيْتُ عَبْدَانَ يُجِلُّهُ -يَعْنِي: عَبْدَانَ بنَ عُثْمَانَ- هَكَذَا تَرْجَمَهُ غُنْجَارُ (4) ، وَلَمْ يُؤَرِّخْ وَفَاتَهُ -رَحِمَهُ اللهُ-.

25 - أَحْمَدُ بنُ عِصَامٍ أَبُو يَحْيَى الأَنْصَارِيُّ مَوْلاَهُمُ **
العَالِمُ، الصَّادِقُ، المُحَدِّثُ، أَبُو يَحْيَى الأَنْصَارِيُّ، مَوْلاَهُمُ الأَصْبَهَانِيُّ،
__________
(1) انظر: تاريخ بغداد: 4 / 341.
(*) تذكرة الحفاظ: 2 / 587 - 588.
(2) البيكندي، بكسر الباء، وسكون الياء، وفتح الكاف، وسكون النون: نسبة إلى بيكند: بلدة بين بخارى وجيحون.
(انظر معجم ياقوت، واللباب).
(3) تذكرة الحفاظ: 2 / 587.
(4) قال في " تذكرة الحفاظ ": 2 / 587 - 588: " قلت: لا أعرف أبا الليث، وإنما علقت هذا من تاريخ غنجار هكذا، ولم يؤرخ موته ".
(* *) الجرح والتعديل: 2 / 66 - 67، ذكر أخبار أصبهان: 1 / 87 - 88.

(13/41)


هُوَ ابْنُ أُخْتِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الزَّاهِدِ.
وَهُوَ: أَحْمَدُ بنُ عِصَامِ بنِ عَبْدِ المَجِيْدِ بنِ كَثِيْرِ بنِ أَبِي عَمْرَةَ.
سَمِعَ: أَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ، وَمُعَاذَ بنَ هِشَامٍ، وَأَبَا أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيَّ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ السِّمْسَارُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ فَارِسٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَمَا عَلِمْتُ فِيْهِ لِيْناً.
تُوُفِّيَ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ-.

26 - أَحْمَدُ بنُ مُلاعِبٍ أَبُو الفَضْلِ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، أَبُو الفَضْلِ البَغْدَادِيُّ المُخَرِّمِيُّ.
سَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بنَ بَكْرٍ السَّهْمِيَّ، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَعَبْدَ الصَّمَدِ بنَ النُّعْمَانِ، وَعَفَّانَ، وَمُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَطَبَقَتَهُم.
وَعَنْهُ: يَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَعُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ البَخْتَرِيِّ، وَخَلْقٌ.
قَالَ ابْنُ عُقْدَةَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُلاعِبٍ، يَقُوْلُ: مَا أُحَدِّثُ إِلاَّ بِمَا أَحَفْظُهُ، كَحِفْظِي القُرْآنَ.
قَالَ: وَرَأَيتُهُ يَفصِلُ بَيْنَ الفَاءِ وَالوَاوِ (1) .
__________
(*) تاريخ بغداد: 5 / 168 - 170، طبقات الحنابلة: 1 / 79، تذكرة الحفاظ: 2 / 595، عبر المؤلف: 2 / 54، الوافي بالوفيات: 8 / 208، طبقات الحفاظ: 266 - 267، شذرات الذهب: 2 / 166.
(1) تذكرة الحفاظ: 2 / 595.

(13/42)


قَالَ ابْنُ خِرَاشٍ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ خَمسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَعَ لِي جُزْءٌ صَغِيْرٌ مِنْ حَدِيْثِهِ (1) .
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو بَكْرٍ المَرْوَزِيُّ (2) ، وَالحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَعْشَرٍ (3) ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ (4) ، وَأَبُو عَوْفٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَرْزُوقٍ البُزُوْرِيُّ (5) .

27 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ أَبِي الخَيْبَرِيِّ الكُوْفِيُّ *
المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، الصَّادِقُ، أَبُو إِسْحَاقَ العَبْسِيُّ، الكُوْفِيُّ، القَصَّارُ.
سَمِعَ: وَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ - وَهُوَ خَاتِمَةُ أَصْحَابِهِ - وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَالعَبَّاسَ بنَ الوَلِيْدِ الضَّبِّيَّ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الأَسْوَارِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَاتِي، وَقَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ الأَنْدَلُسِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ، وَخَيْثَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَآخَرُوْنَ.
وَهُوَ صَدُوْقٌ، جَائِزُ الحَدِيْثِ.
__________
(1) في " تذكرة الحفاظ ": 2 / 595: " وقع لنا جزء عال من حديثه ".
(2) هو: أحمد بن محمد بن الحجاج، من أصحاب الامام أحمد بن حنبل. انظر: عبر المؤلف: 2 / 54، شذرات الذهب: 2 / 166.
(3) ترجمته في " ميزان الاعتدال ": 1 / 547.
(4) ترجمته في: " عبر المؤلف ": 2 / 55، و" شذرات الذهب ": 2 / 168.
(5) ترجمته في: " ميزان الاعتدال ": 2 / 589. والبزوري، بضم الباء والزاي: نسبة إلى بيع البزور للبقول، وفي الأصل: " البروزي ". والصواب ما أثبتناه.
(*) تذكرة الحفاظ: 2 / 635، في نهاية ترجمة الترمذي، عبر المؤلف: 2 / 62.

(13/43)


مَاتَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ بِالكُوْفَةِ.

28 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ السَّعْدِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو إِسْحَاقَ التَّمِيْمِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، ابْنُ أُخْتِ بِشْرِ بنِ القَاسِمِ الفَقِيْهِ.
سَمِعَ: مُعَاوِيَةَ بنَ هِشَامٍ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ، وَيَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ بِالكُوْفَةِ، وَرَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَوَهْباً، وَأَبَا عَاصِمٍ، وَالأَصْمَعِيَّ بِالبَصْرَةِ، وَيَحْيَى بنَ الضُّرَيْسِ بِالرَّيِّ، وَالحُسَيْنَ بنَ الوَلِيْدِ، وَحَفْصَ بنَ عَبْدِ اللهِ بِنَيْسَابُوْرَ، وَسَلْماً الخَوَّاصَ (1) بِمَكَّةَ، فِي حَيَاةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القَطَّانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ، وَعِدَّةٌ، وَبِنْتُهُ فَاطِمَةُ السَّعْدِيَّةُ.
قَالَ الحَاكِمُ: هُوَ مُحَدِّثٌ كَبِيْرٌ (2) ، أَدِيبٌ، كَثِيْرُ الرِّحْلَةِ، وَكَانَ يُؤذِّنُ عَلَى رَأْسِ المربعَةِ، ذَكَرَ مَوْلِدَهُ تَقْرِيْباً سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
تُوُفِّي: سَنَةَ سَبعٍ وَسِتِّيْن وَمائَتَيْنِ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ.

29 - مَحْمِشٌ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ **
المُحَدِّثُ، أَبُو إِسْحَاقَ، إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، المُقْرِئُ، الزَّاهِدُ المَعْرُوْفُ مَحْمِش.
__________
(*) الوافي بالوفيات: 6 / 29.
(1) الخواص، بفتح الخاء، وتشديد الواو: يقال لمن ينسج الخوص، وهو ورق النخل، الواحدة: خوصة.
(2) في الأصل: " كثير ".

(13/44)


سَمِعَ مِنْ: حَفْصِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَجَمَاعَةٍ بِنَيْسَابُوْرَ، وَمِنْ يَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَطَائِفَةٍ بِالكُوْفَةِ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ المُسْتَمْلِي، وَالعَبَّاسُ بنُ حَمْزَةَ، وَجَمَاعَةٌ.
مَحَلُّهُ الصِّدْقُ.
مَاتَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

30 - الخُشْكُ إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
ابْنِ رَزِيْنٍ، السُّلَمِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ.
سَمِعَ: حَفْصَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَيَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَعِدَّةً.
وَعَنْهُ: ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ حَفْصٍ، وَابْنُ الأَخْرَمِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَسْنَوَيْه، وَعِدَّةٌ.
مَاتَ: سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

31 - أَخْطَلُ بنُ الحَكَمِ أَبُو القَاسِمِ القُرَشِيُّ **
المُسْنِدُ، المُعَمَّرُ، أَبُو القَاسِمِ القُرَشِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: بَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ.
وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو عَوَانَة الحَافِظُ، وَمَكْحُوْلٌ البَيْرُوْتِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، شَيْخٌ لِتَّمَامٍ الرَّازِيِّ، وَغَيْرُهُم.
__________
(*) الأنساب: 5 / 125، الخشكي: اللباب: 1 / 445، " الخشكي ".
(* *) تاريخ ابن عساكر: خ: 2 / 305 أ - ب، تهذيب بدران: 2 / 337.

(13/45)


تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ تَاجِ الأُمَنَاءِ (1) ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ السَّمْعَانِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو المَحْمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الأَزْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ الحَافِظُ، حَدَّثَنِي الأَخْطَلُ بنُ الحَكَمِ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، وَابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَجَدَ فِي وَهْمٍ بَعْدَ التَّسْلِيْمِ) (2) .

32 - ابْنُ البَرْقِيِّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّهْرِيُّ * (د، س (3))
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ سَعِيْدٍ الزُّهْرِيُّ مَوْلاَهُمُ، المِصْرِيُّ، ابْنُ البَرْقِيِّ، مُؤَلِفُ كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ).
__________
(1) هو " أحمد بن هبة الله بن أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله المعمر الرئيس شرف الدين أبو الفضل الدمشقي بن عساكر، من بيت الرواية والعدالة.
مولده سنة أربع عشرة وست مئة...وروى شيئا كبيرا وكان لا بأس به مات في الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وست مئة...".
" مشيخة " الذهبي: خ: ق: 21.
(2) رجاله ثقات.
وأخرجه مالك في " الموطأ ": 1 / 93، ومن طريقه: البخاري: 3 / 78، في السهو، والترمذي: (399)، والنسائي: 3 / 22، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة، أم نسيت يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عيله وسلم: " أصدق ذو اليدين " ؟ فقال الناس: نعم. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين أخريين، ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع ".
وأخرجه مسلم: (573) في المساجد: باب السهو في الصلاة، وأبو داود: (1008)، من طرق عن سفيان بن عيينة، عن أيوب.
وأخرجه النسائي: 3 / 20، 21، وابن ماجة: (1214)، من طريق ابن عون، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة.
(*) الجرح والتعديل: 7 / 301، تهذيب الكمال:: خ: 1220 - 1221، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 219، تذكرة الحفاظ: 2 / 569 - 570، تهذيب التهذيب: 9 / 263، طبقات الحفاظ: 255 - 256، خلاصة تذهيب الكمال: 345، شذرات الذهب: 2 / 120.
(3) زيادة من " التقريب ".

(13/46)


سَمِعَ: عَمْرَو بنَ أَبِي سَلَمَةَ التِّنِّيْسِيَّ (1) ، وَأَسَدَ بنَ مُوْسَى، وَمُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيَّ، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقرِئَ، وَعَبْدَ المَلِكِ بنَ هِشَامٍ، وَطَبَقَتَهُم.
وَأَخَذَ مَعْرِفَةَ الرِّجَالِ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُعَافَى، وَعُمَرُ بنُ بُجَيْرٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَمَاتَ قَبْلَ أَوَانِ الرِّوَايَةِ كَهْلاً.
قَالَ ابْنُ مُؤْنِسٍ: ثِقَةٌ، حَدَّثَ بِالمَغَازِي، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا عُرِفَ بِالبَرْقِيِّ، لأَنَّهُم كَانُوا يَتَّجِرُوْنَ إِلَى بَرْقَةَ.
مَاتَ مُحَمَّدٌ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
أَخُوْهُ:

33 - أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَرْقِيِّ *
المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الصَّادِقُ، أَبُو بَكْرٍ.
سَمِعَ مِنْ: عَمْرِو بنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَسَدِ السُّنَّةِ، وَابْنِ هِشَامٍ، وَأَبِي صَالِحٍ، وَعِدَّةٍ.
وَلَهُ كِتَابٌ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ وَأَنسَابِهِم، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الأَثَرِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَدَائِنِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَخَلْقٌ.
رَفَسَتْهُ دَابَّةٌ، فَمَاتَ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) ، وَكَانَ مِنْ
__________
(1) التنيسي، بكسر التاء، والنون المشددة، وسكون الياء: نسبة إلى مدينة بديار مصر. (اللباب)
(*) الجرح والتعديل: 2 / 61، المنتظم: 5 / 71، تذكرة الحفاظ، 2 / 570، الوافي بالوفيات: 7 / 80، طبقات الحفاظ: 253، شذرات الذهب: 2 / 158.
(2) انظر: المنتظم: 5 / 71، و: تذكرة الحفاظ: 2 / 570.

(13/47)


أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَمَرَّ فِيْهِ الوَهْمُ عَلَى الطَّبَرَانِيِّ، وَيَقُوْلُ كَثِيْراً فِي كُتُبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَرْقِيُّ، وَلَمْ يَلْقَهُ أَصلاً، وَإِنَّمَا وَهِمَ الطَّبَرَانِيُّ، وَلَقِيَ أَخَاهُ عَبْدَ الرَّحِيْمِ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَاعتَقَدَ أَنَّ اسْمَهُ أَحْمَدُ، فَغَلِطَ فِي اسْمِهِ.
أَخُوْهُمَا:

34 - عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ سَعِيْدِ بنِ البَرْقِيِّ *
المُحَدِّثُ، أَبُو سَعِيْدٍ، رَاوِي السِّيرَةِ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ هِشَامٍ.
حَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ التِّنِّيْسِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ بِالسِّيْرَةِ: أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ الوَرْدِ، وَحَدَّثَ عَنْهُ بِالكَثِيْرِ: أَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، لَكِنَّهُ يَغْلَطُ فِيْهِ، وَيُسَمِّيهِ أَحْمَدُ، فَقَالَ فِي (مُعْجَمِهِ): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ البَرْقِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ.
فَذَكَرَ حَدِيْثاً (1) ، وَأَيْضاً فَمَا ذَكَرَ عَبْدَ الرَّحِيْمِ فِي حَرْفِ العَيْنِ،
__________
(*) عبر المؤلف: 2 / 77، شذرات الذهب: 2 / 193.
(1) هو في " معجمه " 1 / 48، 49 وتمامه: حدثنا الهيثم بن حميد (وقد تحرف في المطبوع إلى جميل)، حدثنا زيد بن واقد، عن سليمان بن موسى، عن كثير بن مرة، عن يزيد ابن الاخنس - وكانت له صحبة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تنافس بينكم إلا في اثنتين: رجل أعطاه الله عزوجل القرآن، فهو يقوم به بالليل، والنهار، فيتتبع ما فيه، فيقول الرجل: لو أعطاني الله مثل ما أعطى فلانا، فأقوم به مثل ما يقوم فلان، ورجل أعطاه الله مالا، فهو ينفق ويتصدق، فيقول رجل مثل ذلك ".
وأخرجه أحمد 4 / 104، 105 من طريق الربيع بن نافع، عن الهيثم بن حميد بهذا الإسناد، وهذا سند حسن، وأورده في " المجمع " 3 / 108، وزاد في نسبته للطبراني في " الكبير " وفي الباب عن ابن مسعود عند البخاري 1 / 153 ومسلم (816) وعن ابن عمر عند البخاري 9 / 65، ومسلم (815) والترمذي (1937) وعن أبي هريرة عند البخاري 9 / 65.

(13/48)


وَقَدْ قَدَّمنَا أَنَّ أَحْمَدَ مَاتَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ.
وَمَاتَ عَبْدُ الرَّحِيْمِ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ صَدُوْقاً مُسِنّاً، مِنْ أَهْلِ العِلْمِ.

35 - ابْنُ قُرَيْش أَبُو عِمْرَانَ مُوْسَى البُخَارِيُّ * (م (1))
الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، الرَّحَّالُ، أَبُو عِمْرَانَ، مُوْسَى بنُ قُرَيْشِ بنِ نَافِعٍ التَّمِيْمِيُّ، البُخَارِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي نُعَيْمٍ، وَعَلِيِّ بنِ عَيَّاشٍ الحِمْصِيِّ، وَمُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَإِسْحَاقَ بنِ بَكْرِ بنِ مُضَرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ الكَاتِبِ، وَطَبَقَتِهِم.
وَعَنْهُ: مُسْلِمٌ فِي (صَحِيْحِهِ)، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ الوَضَّاحِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، وَآخَرُوْنَ.
تَعِبَ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ.
أَرَّخَ ابْنُ مَاكُوْلاَ وَفَاتَهُ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.

36 - حَمْدَانُ الوَرَّاقُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ **
الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، العَالِمُ، أَبُو جَعْفَرٍ، مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
__________
(*) تهذيب الكمال: خ: 1391، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 83، تذكرة الحفاظ: 2 / 614 - 615، تهذيب التهذيب: 10 / 366، وفيه وفاته سنة 252 ه، طبقات الحفاظ: 265، خلاصة تذهيب الكمال: 392.
(1) زيادة من " التقريب ".
(2) الإكمال: 7 / 115. وفي تهذيب التهذيب، 10 / 366، أن وفاته سنة (252).
(* *) تاريخ بغداد: 3 / 61 - 62، طبقات الحنابلة: 1 / 308 - 310، تذكرة الحفاظ: 2 / 590 - 591، طبقات الحفاظ: 265.

(13/49)


مِهْرَانَ البَغْدَادِيُّ، الوَرَّاقُ، حَمْدَانُ، العَبْدُ الصَّالِحُ.
سَمِعَ: عُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَقَبِيْصَةَ، وَمُعَاوِيَةَ بنَ عَمْرٍو، وَعَبْدَ اللهِ بنَ رَجَاءٍ، وَعَفَّانَ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ بُويَانَ المُقْرِئُ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ فَاضِلاً حَافِظاً، ثِقَةً عَارِفاً (1) .
وَرَوَى أَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْن، قَالَ: كَانَ مِنْ نُبَلاَءِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ المُنَادِي: حَمْدَانُ بنُ عَلِيٍّ مَشْهُودٌ لَهُ بِالصَّلاَحِ وَالفَضْلِ، بَلَغَنَا أَنَّهُ قَالَ فِي عِلَّةِ المَوْتِ: مَا لَصِقَ جِلْدِي بِجِلْدِ ذَكَرٍ وَلاَ أُنثَى قَطُّ (2) .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ.
قُلْتُ: هَكَذَا حَكَيْتُ لِشَيْخِنَا ابْنِ تَيْمِيَّةَ، قَوْلَ الشَّيْخِ عَلِيِّ بنِ النَّفِيْسِ؛ المُحَدِّث: عُمُرِي مَا رَأَيتُهُ فِي أُنثَى وَلاَ ذَكَرٍ، فَدَعَا لَهُ الشَّيْخُ وَعَظَّمَهُ.
وَتُوُفِّيَ حَمْدَانُ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.

37 - حَمْدُوْنُ القَصَّارُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَارَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
شَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ، أَبُو صَالِحٍ حَمدُوْنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَارَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
قُدْوَةُ المَلاَمَتِيَّةِ: وَهُوَ تَخْرِيْبُ الظَّاهِرِ، وَعِمَارَةُ البَاطِنِ، مَعَ التزَامِ الشَّرِيْعَةِ، وَكَانَ سُفيَانِيّاً.
__________
(1) تاريخ بغداد: 3 / 61.
(2) انظر: تاريخ بغداد: 3 / 62.
(*) طبقات الصوفية: 123 - 129: حلية الأولياء: 10 / 231 - 232، المنتظم: 5 / 82، طبقات الأولياء: 359 - 360.

(13/50)


سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ بَكَّارِ بنِ الرَّيَّانِ، وَابْنَ رَاهْوَيْه، وَأَبَا مَعْمَرٍ الهُذَلِيَّ.
وَصَحِبَ أَبَا تُرَابٍ (1) ، وَأَبَا حَفْصٍ النَّيْسَابُورِيَّ (2) ، وَكَانَ مِنَ الأَبْدَالِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ الحَافِظُ أَبُو حَامِدٍ الأَعْمَشِيُّ (3) ، وَمَكِيُّ بنُ عَبْدَانَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ حَمْدَانَ، وَآخَرُوْنَ.
وَمِنْ كَلاَمِهِ، قَالَ: لَا يَجْزَعُ مِنَ المُصِيْبَةِ، إِلاَّ مَنِ اتَّهَمَ رَبَّهُ (4) .
وَسُئِلَ عَنِ الملاَمَةِ، فَقَالَ: خَوْفُ القَدَرِيَّةِ، وَرَجَاءُ المُرْجِئَةِ.
وَقَدْ جَمَعَ السُّلَمِيُّ جُزءاً مِنْ حِكَايَاتِ حَمْدُوْنَ، وَأَنَّهُ مَاتَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ، وَأَنَّهُ شَيْخُ الزَّاهِدِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنَازِلٍ (5) .

38 - حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ حَنْبَلٍ بنِ هِلاَلِ بنِ أَسَدٍ الشَّيْبَانِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، المُصَنِّفُ، أَبُو عَلِيٍّ الشَّيْبَانِيُّ، ابْنُ عَمِّ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَتِلْمِيْذُهُ.
وُلِدَ: قَبْلَ المائَتَيْنِ.
__________
(1) أبو تراب، عسكر بن الحصين، وقيل: ابن محمد بن الحصيني النخشبي، أحد المتصوفة. انظر: حلية الأولياء: 10 / 219 - 222.
(2) هو: عمرو بن سلم، ويقال: ابن سلمة. انظره في: طبقات الصوفية: 115 - 123، وفيه مصادر ترجمته.
(3) الاعمشي، بفتح الالف، وسكون العين، وفتح الميم: نسبة إلى الأعمش، وإنما نسب إليه لأنه كان يحفظ حديثه. (اللباب).
(4) حلية الأولياء: 10 / 231.
(5) انظر ترجمته في: طبقات الصوفية: 366 - 369.
(*) الجرح والتعديل: 3 / 320، تاريخ بغداد: 8 / 286 - 287، طبقات الفقهاء: 170، طبقات الحنابلة: 1 / 143 - 145، المنتظم: 5 / 79، تذكرة الحفاظ: 2 / 600 - 601، عبر الذهبي: 2 / 51، النجوم الزاهرة: 3 / 70، طبقات الحفاظ: 268، شذرات الذهب: 2 / 163 - 164.

(13/51)


وَسَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ، وَسُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَعَفَّانَ بنَ مُسْلِمٍ، وَالحُمَيْدِيَّ، وَأَبَا الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيَّ، وَحَجَّاجَ بنَ مِنْهَالٍ، وَمُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَقَبِيْصَةَ بنَ عُقْبَةَ، وَأَبَا سَلَمَةَ، وَعَاصِمَ بنَ عَلِيٍّ، وَسُرَيْجَ بنَ النُّعْمَانِ، وَعَلِيَّ بنَ الجَعْدِ، وَأَبَاهُ، وَابْنَ عَمِّهِ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بْن البَخْتَرِيِّ، وَعُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً ثَبْتاً (1) .
قُلْتُ: لَهُ مَسَائِلُ كَثِيْرَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَيتَفَرَّدُ، وَيُغْرِبُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ المُنَادِي: كَانَ حَنْبَلٌ قَدْ خَرَجَ إِلَى وَاسِطَ، فَجَاءنَا نَعِيُّهُ مِنْهَا، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) .
قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ (3) .
وَمَاتَ أَبُوْهُ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ (4) ، وَلَهُ ثِنْتَانِ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَغَيْرِهِ.
وَقَعَ لِي جُزءُ حَنْبَلٍ، وَجْزءٌ فِيْهِ الرَّابِعُ مِنَ (الفِتَنِ) لِحَنْبَلٍ، وَكِتَابُ
__________
(1) تاريخ بغداد: 8 / 287.
(2) المصدر السابق.
(3) وقال في " التذكرة ": 2 / 601: " سمعنا جزءا من كتاب الفتن له، وكتاب " المحنة " جمعه، وجزءا من حديثه.
مات وقد قارب الثمانين، رحمه الله ".
(4) تاريخ بغداد: 6 / 369.

(13/52)


(المِحْنَةِ) لحَنْبَلٍ، وَلَهُ (تَارِيْخٌ) مُفِيْدٌ، رَأَيْتُهُ، وَعَلَّقْتُ مِنْهُ.

39 - ابْنُ عَطِيَّةَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ الرَّازِيُّ *
الإِمَامُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ بنُ عَطِيَّةَ الرَّازِيُّ، البَزَّازُ، أَحَدُ الحُفَّاظِ الرَّحَّالَةِ.
رَوَى عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عَمَّارٍ، وَأَبِي الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيِّ، وَابْنِ سَهْمٍ.
وَعَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ أَبَانٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَمْدَانَ الجَلاَّبُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثِقَةٌ (1) .

40 - ابْنُ أَنَسٍ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ القِرْبِيْطِيُّ **
الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَنَسٍ القِرْبِيْطِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ زِيَادٍ سَبَلاَنَ، وَوَهْبِ بنِ بَقِيَّةَ، وَطَبَقَتِهِم.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ نُوْحٍ الجُنْدَيسَابُورِيُّ (2) .
وَرَوَى عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ:
__________
(*) الجرح والتعديل: 2 / 67 - 68، تاريخ ابن عساكر: خ: 2 / 42 أ - ب، تهذيب بدران: 1 / 440.
(1) الجرح والتعديل: 2 / 67 - 68، وفيه: " وكتبنا عنه، وهو صدوق ثقة ".
(* *) الجرح والتعديل: 2 / 74، تاريخ بغداد: 4 / 397.
(2) الجنديسابوري، بضم الجيم، وسكون النون، وفتح الدال...: نسبة إلى جنديسابور من مدن خوزستان. (اللباب).

(13/53)


مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، فِي (الطَّبَقَاتِ).
ثُمَّ سَاقَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ حَدِيْثاً فِي (السَّابِقِ وَاللاَحِقِ (1))، مِنْ طَرِيْقِ ابْنِ فَهْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَنَسٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَذَكَرَهُ.
قَالَ الخَطِيْبُ: ثِقَةٌ (2) .
قَالَ ابْنُ مَخْلَدٍ: مَاتَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

41 - الجُرْجَانِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ زَيْدٍ *
الإِمَامُ، الجَوَّالُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ زَيْدٍ الجُرْجَانِيُّ، الحَافِظُ، لَيْسَ بِالمَشْهُوْرِ لِقِدَمِ (3) وَفَاتِهِ.
سَمِعَ: أَحْمَدَ بنَ يُوْنُسَ، وَيُوْسُفَ بنَ عَدِيٍّ، وَالشَّاذَكُوْنِيَّ، وَحَمَلَ كُتُبَ الشَّافِعِيِّ عَنْ حَرْمَلَةَ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ هَذَا يَكْتُبُ فِي اللَّيْلَةِ تِسْعِيْنَ (4) وَرقَةً، بِخَطٍّ دَقِيْقٍ.
قُلْتُ: هَذَا كَانَ يُمْكنُهُ أَنْ يَكْتُبَ (صَحِيْحَ) مُسْلِمٍ فِي أُسْبُوْعٍ.
__________
(1) كتاب: " السابق واللاحق في تباعد ما بين وفاة الراويين عن شيخ واحد "، أشار إليه د. أكرم ضياء العمري في " موارد الخطيب البغدادي ": 74، ونقل عن مقدمته أن الخطيب قال: " هذا كتاب ضمنته ذكر من اشترك في الرواية عنه راويان تباين وقت وفاتهما تباينا شديدا، وتأخر موت أحدهما عن الآخر تأخرا بعيدا ". وقد رتبه على حروف المعجم من أوائل أسمائهم.
(2) تاريخ بغداد: 4 / 397.
(*) تاريخ جرجان: 102 - 103.
(3) في الأصل: " لقدوم ".
(4) في تاريخ جرجان: 103 " سبعين ".

(13/54)


42 - ابْنُ سُمَيْعٍ أَبُو القَاسِمِ مَحْمُوْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدِّمَشْقِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُتْقِنُ، أَبُو القَاسِمِ مَحْمُوْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المُحَدِّثِ؛ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ سُمَيْعٍ الدِّمَشْقِيُّ، مُؤلِّفُ كِتَابِ (الطَّبَقَاتِ).
سَمِعَ: إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ، وَيَحْيَى بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ بُكَيْرٍ، وَأَبَا جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيَّ، وَصَفْوَانَ بنَ صَالِحٍ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَابْنُ جَوْصَا، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، مَا رَأَيْتُ بِدِمَشْقَ أَكْيَسَ مِنْهُ (1) .
وَقَالَ عَمْرُو بنُ دُحَيْمٍ: مَاتَ بِدِمَشْقَ فِي جُمَادَى الآخِرِ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) .
قُلْتُ: مَاتَ كَهْلاً -رَحِمَهُ اللهُ-.

43 - العُطَارِدِيُّ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ ** (د (3))
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ
__________
(*) الجرح والتعديل: 8 / 292، تاريخ ابن عساكر: خ: 16 / 143 ب - 144 أ، تذكرة الحفاظ: 2 / 614، عبر المؤلف: 2 / 19، طبقات لحفاظ: 271، شذرات الذهب: 2 / 140، وفيه كنيته: أبو الحسن.
(1) الجرح والتعديل: 8 / 292.
(2) تذكرة الحفاظ: 2 / 614.
(* *) الجرح والتعديل: 2 / 62، تاريخ بغداد: 4 / 262 - 265، الأنساب 8 / 476 اللباب: 2 / 345 - 346، تهذيب الكمال: خ: 29 - 30، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 17 - 18، تذكرة الحفاظ: 2 / 582، في نهاية ترجمة محمد بن عوف بن سفيان، ميزان الاعتدال: 1 / 112 - 113، عبر المؤلف: 2 / 49، الوافي بالوفيات: 7 / 15، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 65، تهذيب التهذيب: 1 / 51 - 52، خلاصة تذهيب الكمال: 8، شذرات الذهب: 2 / 162.
والعطاردي، بضم العين، وفتح الطاء بعدها ألف، وكسر الراء: نسبة إلى جد المترجم.
(3) زيادة من " التقريب ".

(13/55)


مُحَمَّدِ بنِ عُمَيْرِ بنِ عُطَاردٍ التَّمِيْمِيُّ، العُطَارِدِيُّ، الكُوْفِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَبَكَّرَ بِالسَّمَاعِ بَاعْتِنَاءِ وَالِدِهِ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّريْرِ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَيُوْنُسَ بنِ بُكَيْرٍ، وَوَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ، وَابْنِ فُضَيْلٍ، وَجَمَاعَةٍ.
وَحَدَّثَ بِالمَغَازِي لابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يُوْنُسَ بنِ بُكَيْرٍ، عَنْهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَرِضْوَانُ الصَّيْدَلاَنِيُّ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَأَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَعُثْمَانُ بنُ أَحْمَدَ السَّمَّاكُ، وَمَيْمُوْنُ بنُ إِسْحَاقَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنِ بُرَيْدٍ الهَاشِمِيُّ، وَحَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدٍ العَقَبِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الأَدَمِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: رَأَيتُهُم مُجْمِعِينَ عَلَى ضَعْفِهِ، وَلَمْ أَرَ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً، إِنَّمَا ضَعَّفُوهُ بَأَنَّهُ لَمْ يَلْقَ أُوْلَئِكَ (1) .
قُلْتُ: قَدْ لَقِيَهُم وَلَهُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَدْ قَالَ الأَصَمُّ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ السَّرِيَّ بنَ يَحْيَى - وَسأَلَهُ أَبِي عَنِ العُطَارِدِيِّ - فَوَثَّقَهُ (2) .
وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: قَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ، قَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ أَبُو كُرَيْبٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حُمَيْدِ بنِ الرَّبِيْعِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: ابتَدَأَ أَبُو
__________
(1) انظر رواية الخبر في: تاريخ بغداد: 4 / 263.
(2) انظر: المصدر السابق.

(13/56)


كُرَيْبٍ يَقْرَأُ عَلَيْنَا (المَغَازِي) لِيُوْنُسَ بنِ بُكَيْرٍ، فَقَرَأَ عَلَيْنَا مَجْلِساً أَوْ مَجْلِسَيْنِ، فَلَغَطَ بَعْضُ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَقَطَعَ قِرَاءتَهِ، وَحَلَفَ لاَ يَقْرَأْهُ عَلَيْنَا، فَعُدْنَا إِلَيْهِ نَسْأَلُهُ، فَأَبَى، وَقَالَ: امْضُوا إِلَى عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيِّ فَإِنَّهُ كَانَ يَحْضُرُ سَمَاعَهُ مَعَنَا مِنْ يُوْنُسَ.
قُلْنَا: قَدْ مَاتَ.
قَالَ: اسْمعُوهُ مِنْ ابْنِهِ؛ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ كَانَ يَحْضُرُ مَعَنَا.
قَالَ: فَدَلَّنَا إِلَى مَنْزِلِهِ، وَكَانَ أَحْمَدُ يَلْعَبُ بِالحَمَامِ، فَقَالَ لَنَا: مُذْ سَمِعْنَاهُ مَا نَظَرْتُ فِيْهِ، وَلَكِنْ هُوَ فِي قَمَاطِرَ فِيْهَا كُتُبٌ، فَاطلُبُوهُ.
فَقُمْتُ، فَطَلَبْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ وَعَلَيْهِ ذَرْقُ الحَمَامِ، وَإِذَا سَمَاعُهُ مَعَ أَبِيْهِ بِالخَطِّ العَتِيْقِ، فَسَأَلتُهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلِيَّ، وَيَجْعَلَ وَرَاقَتَهُ لِي، فَفَعَلَ (1) .
قُلْتُ: جَرَى هَذَا سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، ثُمَّ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ بِضْعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَتَكَاثَرَ عَلَيْهِ المُحَدِّثُونَ.
وَقَالَ مُطَيَّنٌ الحَضْرَمِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ العُطَارِدِيُّ يَكْذِبُ.
قُلْتُ: يَعْنِي فِي لَهْجَتِهِ، لاَ أَنَّهُ يَكْذِبُ فِي الحَدِيْثِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ، وَلاَ تَفَرَّدَ بِشَيْءٍ، وَمِمَّا يُقَوِّي أَنَّهُ صَدُوْقٌ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ: أَنَّهُ رَوَى أَوْرَاقاً مِنَ (المَغَازِي)، بِنُزُولٍ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ بُكَيْرٍ، وَقَدْ أَثنَى عَلَيْهِ الخَطِيْبُ (2) ، وَقَوَّاهُ، وَاحْتَجَّ بِهِ البَيْهَقِيُّ فِي تَصَانِيْفِهِ.
وَقَعَ حَدِيْثُهُ عَالِياً، لِلْمُؤْتَمَنِ بنِ قميرَةَ، وَللسِّبْطِ.
قَالَ عُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ: مَاتَ بِالكُوْفَةِ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
__________
(1) انظر: تاريخ بغداد: 4 / 264، والزيادة منه.
(2) انظر: المصدر السابق.

(13/57)


وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ عِصَامٍ بِأَصْبَهَانَ (1) ، وَأَبُو عُتْبَةَ الحِجَازِيُّ (2) ، وَأَحْمَدُ بنُ مَهْدِيِّ بنِ رُسْتُمَ (3) ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ (4) ، وَسُلَيْمَانُ بنُ سَيْفٍ الحَرَّانِيُّ (5) ، وَأَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ (6) ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بْنُ المُنَادِي (7) .
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ (8) ، أَخْبَرَنَا البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الهَاشِمِيُّ، وَحَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الدِّهْقَانُ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، وَعُثْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، قَالُوا:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قَالَ
__________
(1) تقدمت ترجمته في الصفحة: 41، برقم: (25).
(2) ترجمته في: العبر: 2 / 49، شذرات الذهب: 2 / 162.
وهو: أحمد بن الفرج، أبو عتبة الحمصي، المعروف بالحجازي.
(3) ترجمته في: عبر المؤلف: 2 / 49، شذرات الذهب: 2 / 162.
(4) ترجمته في: تذكرة الحفاظ: 2 / 581 - 582، عبر المؤلف: 2 / 50 شذرات الذهب: 2 / 163.
وهو: محمد بن عوف بن سفيان، أبو جعفر الطائي الحافظ.
(5) ستأتي ترجمته في الصفحة: (147)، برقم: (78).
(6) ترجمته في: تذكرة الحفاظ: 2 / 582، في نهاية ترجمة محمد بن عوف الطائي، و: عبر المؤلف: 2 / 50، شذرات الذهب: 2 / 163.
(7) ترجمته في: عبر المؤلف: 2 / 50، وشذرات الذهب، 2 / 163، وهو: محمد ابن عبيد الله بن يزيد أبو جعفر بن المنادي، المحدث.
(8) هو: " محمد بن علي بن حسين بن سالم، الحاج، المقرئ الصالح، شمس الدين، أبو جعفر السلمي العباسي الدمشقي...ورث نعمة طائلة، فأنفقها في الحج والبر والأوقاف، وتزهد، واقتصر من باقي ذلك على درهمين كل يوم، وانقطع عن الناس، وضعف وأصم، وساء بصره، وأقام بكفرسوسة مدة ". وكانت وفاته سنة (708 ه) كما قال الذهبي في " مشيخته ": خ: ق: 143.

(13/58)


رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَى الدِّيْنِ، عَزِيْزَةً إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ (1)).
وفِي (تَهْذِيْبِ الكَمَالِ (2))، أَنَّ أَبَا دَاوُدَ رَوَى عَنِ العُطَارِدِيِّ.
وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ، بَلْ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَاتِ أَبِي سَعِيْدٍ بنِ الأَعْرَابِيِّ عَنِ العُطَارِدِيِّ.

44 - الجَوْهَرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَابِدُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البَغْدَادِيُّ، الجَوْهَرِيُّ، صَاحِبُ بِشْرٍ الحَافِي (3) .
__________
(1) خالف جماعة من المحدثين أبا معاوية فرووه من حديث المغيرة بن شعبة لا من حديث سعد، فرواه البخاري: 13 / 249، في الاعتصام: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، وهم أهل العلم، من طريق عبيد الله بن موسى، و: 372 في التوحيد: باب قول الله - عز وجل -: (إنما أمرنا لشئ إذا أردناه) من طريق إبراهيم بن حميد، و6 / 464، في الأنبياء: باب سؤال المشركين أن يريهم النبي آية، من طريق يحيى بن سعيد القطان، ثلاثتهم عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن المغيرة بن شعبة.
وأخرجه مسلم في " صحيحه ": (1921)، في الامارة: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي، من طريق: وكيع وعبدة ومروان الفزاري وأبو أسامة، أربعتهم عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن المغيرة.
قال الهروي في " ذم الكلام " - فيما نقله الحافظ في " الفتح ": 13 / 249، بعد أن أورده من طريق أبي معاوية عن سعد بدل المغيرة: " والصواب قول الجماعة عن المغيرة ".
وحديث سعد عند مسلم: (1925)، لكن من طريق أبي عثمان عن سعد بلفظ: " لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة " قال ابن الأثير: أهل الغرب: قيل: أراد بهم أهل الشام لانهم غرب الحجاز، وقيل: أراد بالغرب الحدة والشوكة، يريد أهل الجهاد، وقال ابن المديني: الغرب ها هنا: الدلو، وأراد بهم العرب لانهم أصحابها وهم يستقون بها.
(2) خ: 1 / 29.
(*) الجرح والتعديل: 8 / 120 - 121، تاريخ بغداد: 3 / 394.
(3) هو: بشر بن الحارث بن علي بن عبد الرحمن المروزي، أبو نصر المعروف: بالحافي، تقدمت ترجمته في الجزء العاشر برقم (153).

(13/59)


رَحَلَ وَجَالَ، وَحَدَّثَ عَنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي غَسَّانَ مَالِكِ بن إِسْمَاعِيْلَ، وَمُعَلَّى بنِ أَسَدَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الأُوَيْسِيِّ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: عُمَرُ بنُ شَبَّةَ النُّمَيْرِيُّ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَابْنُ صَاعِدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثِقَةٌ (1) .
وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ مَوْصُوَفاً بِالدِّينِ وَالسِّتْرِ (2) .
قَالَ ابْنُ قَانِعٍ: تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

45 - ابْنُ سَحْنُوْنَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّنُوخِيُّ *
فَقِيْهُ المَغْرِبِ، مُحَمَّدٌ أَبُو عَبْدِ اللهِ، ابْنُ فَقِيْهِ المَغْرِبِ عَبْدِ السَّلاَمِ سَحْنُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ التَّنُوخِيُّ، القَيْرَوَانِيُّ، شَيْخُ المَالِكِيَّةِ.
تَفَقَّهَ بِأَبِيهِ.
وَرَوَى عَنْ: أَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيِّ، وَطَبَقَتِهِ.
وَكَانَ مُحَدِّثاً بَصِيْراً بِالآثَارِ، وَاسِعَ العِلْمِ، مُتَحَرِّياً مُتْقِناً، عَلاَّمَةً، كَبِيْرَ القَدْرِ، وَكَانَ يُنَاظِرُ أَبَاهُ.
وَقِيْلَ لِعِيْسَى بنِ مِسْكِيْنٍ: مَنْ خَيْرُ مَنْ رَأَيْتَ فِي الغِلْمَةِ؟
قَالَ: ابْنُ سَحْنُوْنَ.
__________
(1) ما قاله ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل ": 8 / 120 - 121: " كتبت عنه مع أبي ببغداد، وهو صدوق ".
(2) تاريخ بغداد: 3 / 394.
(*) رياض النفوس: 1 / 345 - 60 ؟، عبر المؤلف: 2 / 31، الوافي بالوفيات: 3 / 86، لسان الميزان: 5 / 259، شذرات الذهب: 2 / 150.

(13/60)


قُلْتُ: لَهُ مُصَنَّفٌ كَبِيْرٌ فِي فنُوْنٍ مِنَ العِلْمِ، وَلَهُ كِتَابُ: (السِّيَرِ)، عِشْرُوْنَ مُجَلَّداً، وَكِتَابُ: (التَّارِيْخِ (1))، وَمُصَنَّفٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَالعِرَاقِيِّيْنَ.
وَقِيْلَ: لَمَّا مَاتَ ضُرِبَتِ الخِيَامُ حَوْلَ قَبْرِهِ، فَأَقَامُوا شَهْراً، وَأُقِيْمَتْ هُنَاكَ أَسْوَاقُ الطَّعَامِ، وَرَثَتْهُ الشُّعَرَاءُ، وَتَأَسَّفُوا عَلَيْهِ (2) .
تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
ثمَّ رَأَيْتُ لَهُ تَرْجَمَةً طَوِيْلَةً، فِي (تَارِيْخِ (3)) أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ المَالِكِيِّ (4) ، قَالَ: قَالَ أَبُو العَرَبِ:
كَانَ ابْنُ سَحْنُوْنَ إِمَاماً ثِقَةً، عَالِماً بِالفِقْهِ (5) ، عَالِماً بِالآثَارِ، لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِهِ أَحَدٌ أَجْمَعَ لِفُنُوْنِ العِلْمِ مِنْهُ، أَلَّفَ فِي جَمِيْعِ ذَلِكَ كُتُباً كَثِيْرَةً، نَحْو مائَتَي كِتَابٍ، فِي العُلُوْمِ وَالمَغَازِي وَالتَّوَارِيْخِ.
وَكَانَ أَبُوْهُ يَقُوْلُ: مَا أُشَبِّهُهُ إِلاَّ بأَشْهَبَ.
وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ غَيْرُ حَلْقَةِ أَبِيْهِ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَمائَتَيْنِ.
وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَمُوْسَى بنِ مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ يَحْيَى المَدَنِيِّ.
وَارتِحَالُهُ إِلَى المَشْرِقِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ، فَلَقِيَ أَبَا المُصْعَبِ الزُّهْرِيَّ، وَيَعْقُوْبَ بنَ كَاسِبٍ.
__________
(1) قال الصفدي عنه في " الوافي ": 3 / 86: " وهو ستة أجزاء ".
(2) انظر بعض ما قيل فيه في " رياض النفوس ": 1 / 356.
(3) انظر: رياض النفوس: 1 / 345 - 360. والملاحظ أن الذهبي قد نقل هذه الترجمة مختصرة هنا، فراجع " الرياض " إن شئت.
(4) هو مؤرخ من أهل القيروان، كانت وفاته سنة 453، وتاريخه هو: " رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية وزهادهم وعبادهم ونساكهم وسير من أخبارهم وفضائلهم وأوصافهم ". وقد طبع الجزء الأول منه في مصر عام (1951 م) بتحقيق حسين مؤنس.
(5) في " الرياض ": 1 / 345: كان " عالما بالمذهب، مذهب أهل المدينة ".

(13/61)


وَقِيْلَ: إِنَّ المُزَنِيَّ - صَاحِبَ الشَّافِعِيِّ - أَتَاهُ، فَلَمَّا خَرَجَ، قِيْلَ لَهُ: كَيْفَ رَأَيْتَهُ؟
فَقَالَ: لَمْ أَرَ أَعْلَمَ مِنْهُ، وَلاَ أَحَدَّ ذِهْناً - عَلَى حَدَاثَةِ سِنِّهِ (1) -.
وَأَلَّف كِتَابَ: (الإِمَامَةِ)، فَقِيْلَ: كَتَبُوْهُ وَنفَّذُوْهُ إِلَى المُتَوَكِّلِ.
وَكَانَ ذَا تَعَبُّدٍ وَتَوَاضُعٍ وَرِبَاطٍ، وَصَدْعٍ بِالْحَقِّ.
ونَاظَرَ (2) شَيْخاً مُعْتَزِلِيّاً، فَقَالَ: يَا شَيْخُ! المَخْلُوْقُ يَذِلُّ لِخَالِقِهِ؟ فَسَكَتَ، فَقَالَ: إِنْ قُلْتَ بِالذِّلَّةِ عَلَى القُرْآنِ، فَقَدْ خَالَفْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى : {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيْزٌ }. [فُصِّلَتْ: 41]
وَسُئِلَ ابْنُ عَبْدُوْسٍ عَنِ الإِيْمَانِ: أَمَخْلُوْقٌ هُوَ، أَوْ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟ فَلَمْ
__________
(1) انظر: رياض النفوس: 1 / 346. والزيادة منه.
(2) ذكر صاحب " رياض النفوس " المناظرة 1 / 350 - 351، ونصها: " وحضر محمد ابن سحنون يوما عند علي بن حميد الوزير، وكان علي يبغيه، وكان يجل محمدا ويعظمه ويكبره، وكان في مجلسه جماعة ممن يحسنون المناظرة، وأحضر معهم شيخا قدم من المشرق، يقال له: أبو سليمان النحوي، صاحب الكسائي الصغير، وكان يقول بخلق القرآن، ويذهب إلى الاعتزال، فقال علي بن حميد الوزير لمحمد: يا أبا عبد الله ! إن هذا الشيخ وصل إلينا من المشرق، وقد تناظر معه هؤلاء، فناظره أنت.
فقال محمد: تقول أيها الشيخ أو تسمع ؟ فقال له الشيخ: قل يا بني.
فقال محمد: أرأيت كل مخلوق هل يذل لخالقه ؟ فسكت الشيخ، ولم يحر جوابا، ومضى وقت طويل، وانحصر، ولم يأت بشيء.
فقال له محمد: كم سنة اتت عليك أيها الشيخ ؟ فقال له: ثمانون سنة.
فقال ابن سحنون للوزير ابن حميد: قد اختلف أهل العلم في الصلاة على الميت بعد سنة من يوم موته، فقال بعضهم: يصلى عليه، وأجمعوا أنه إذا جاوز السنة لا يصلى عليه.
وهذا الشيخ له ثمانون سنة ميت في عداد الموتى، فقد سقطت الصلاة عليه بإجماع. ثم قام. فسر بذلك علي بن حميد وأهل المجلس.
فسئل ابن سحنون: أن يبين لهم معنى سؤاله هذا.
فقال: إن قال: إن كل مخلوق يذل لخالقه، فقد كفر، لأنه جعل القرآن ذليلا، لأنه يذهب إلى أنه مخلوق، وقد قال الله عزوجل: (وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) وإن قال: إنه لا يذل، فقد رجع إلى مذهب أهل السنة، لأنه لا يذهب في هذه الحالة إلى أنه مخلوق الذي هو صفة من صفاته ".

(13/62)


يَدْرِ، وَدُلَّ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ سَحْنُوْنَ.
فَقَالَ مُحَمَّدٌ: (الإِيْمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُوْنَ دَرَجَةً، أَعْلاَهَا شَهَادَةُ، أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) فَالإِقْرَارُ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَا سِوَاهُ مِنَ الأَعمَالِ مَخْلُوْقَةٌ - يُرِيْدُ كَلِمَةَ الإِقْرَارِ، وَأَمَّا حَقيقَةُ الإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ، فَهُوَ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللهُ فِي قَلْبِ عَبْدِهِ، وَهُوَ خَلْقٌ للهِ -.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي مَسْعُوْدٍ: فَمَضَيْتُ إِلَى العِرَاقِ، فَسَأَلْتُ عَنْهَا، فَكَانَ جَوَابُهُ كَجَوَابِ مُحَمَّدٍ (1) .
وَقِيْلَ: لَمَّا تُوُفِّيَ مُحَمَّدٌ رُثِي بِثَلاَثِ مائَةِ قَصِيْدَةٍ (2) .

46 - ابْنُ عَبْدُوْسٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ *
فَقِيْهُ المَغْرِبِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدُوْسٍ.
قَالَ أَبُو العَرَبِ: كَانَ ثِقَةً، إِمَاماً فِي الفِقْهِ، ذَا وَرَعٍ وَتَوَاضُعٍ، بَذَّ الهَيْئَةِ، كَانَ أَشْبَهَ شَيْءٍ بِأَحْوَالِ شَيْخِهِ سَحْنُوْنَ، فِي فِقْهِهِ وَزَهَادَتِهِ وَمَلْبَسِهِ وَمَطْعَمِهِ، وَكَانَ حَسَنَ الكِتَابِ، حَسَنَ التَّقْييدِ، مَاتَ ابْنَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً (3) .
قَالَ لُقْمَانُ بنُ يُوْسُفَ: أَقَامَ ابْنُ عَبْدُوْسٍ سَبْعَ سِنِيْنَ يَدْرُسُ، لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ لِجُمْعَةٍ (4) .
__________
(*) رياض النفوس: 1 / 360 - 363، طبقات الفقهاء: 158، معالم الايمان في معرفة أهل القيروان: 2 / 137 - 144 (ط.
مصر 1968)، الوافي بالوفيات: 1 / 342، الديباج المذهب: 2 / 174 - 175.
(1) انظر: رياض النفوس: 1 / 355.
(2) جاء في: " الرياض ": 1 / 357: قال أبو الحسين الكانسي: بلغني أنه لما مات رثاه جماعة منهم: أحمد بن أبي سليمان، رثاه بقصيدة ثلاث مئة بيت، منها يقول: ألا فابك للاسلام إن كنت باكيا * لحبل من الإسلام أصبح واهيا
ألا أيها الناعي الذي جلب الاسى * وأورثنا الاحزان، لا كنت ناعيا نعيت إمام العالمين محمدا * وقلت مضى من كان للدين راعيا في أبيات جيدة مؤثرة.
(3) انظر: رياض النفوس: 1 / 360.
(4) انظر: المصدر السابق.

(13/63)


وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ إِسْحَاقَ بنِ التَّبَّانِ، أَنَّ ابْنَ عَبْدُوْسٍ أَقَامَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً يُصَلِّي الصُّبْحَ بِوُضُوءِ العِشَاءِ، وَكَانَ عَلَى غَايَةٍ مِنَ التَّوَاضُعِ (1) .
وَقَدْ فَرَّقَ مائَةَ دِيْنَارٍ مِنْ غَلَّةِ ضَيْعَتِهِ فِي القَحْطِ.
وَقِيْلَ: أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي الإِيْمَانِ؟
قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ.
فَقَالَ: عِنْدَ اللهِ؟
قَالَ: أَمَّا عِنْدَ اللهِ فَلاَ أَقْطَعُ لِنفسِي بِذَلِكَ، لأَنِّي لاَ أَدْرِي بِمَ يَخْتِمُ لِي.
فَبَصَقَ الرَّجُلُ فِي وَجْهِهِ، فَعَمِيَ مِنْ وَقْتِهِ الرَّجُلُ (2) .
تُوُفِّيَ قَرِيْباً: مِنْ سَنَةِ سِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

47 - أَحْمَدُ بنُ بَكْرٍ أَبُو سَعِيْدٍ البَالِسِيُّ *
المُحَدِّثُ، المُفِيْدُ، أَبُو سَعِيْدٍ البَالِسِيُّ (3) ، وَيُقَالُ لَهُ: أَحْمَدُ بنُ بَكْرُوْيَهْ.
حَدَّثَ عَنْ: زَيْدِ بنِ الحُبَابِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُصْعَبٍ القَرْقَسَانِيِّ، وَخَالِدِ بنِ يَزِيْدَ القَسْرِيِّ، وَحَجَّاجٍ الأَعْوَرِ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: مُطَيَّنٌ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَسْفَرَايينِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بنُ أَبِي ثَابِتٍ.
لَهُ حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوْنَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا
__________
(1) المصدر السابق:: 1 / 361. وزاد بعد كلمة " العشاء " قوله: " الآخرة، مشتغلا بدراسة العلم، وأقام أربع عشرة سنة غيرها مستغلا بقيام الليل والتهجد فيه، وتلاوة القرآن ".
(2) انظر: المصدر السابق: 1 / 362 - 363. والزيادة منه.
(*) ميزان الاعتدال: 1 / 86، لسان الميزان: 1 / 140 - 141.
(3) البالسي: نسبة إلى بالس، مدينة مشهورة بين الرقة وخاب. (اللباب).

(13/64)


حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ:
عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، مَرْفُوْعاً: (مَنْ أَبْغَضَ عُمَرَ، فَقَدْ أَبْغَضَنِي، وَمَنْ أَحَبَّهُ فَقَدْ أَحَبَّنِي، عُمَرُ مَعِي حَيْثُ حَلَلْتُ، وَأَنَا مَعَ عُمَرَ حَيْثُ حَلَّ (1)).
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ: رَوَى مَنَاكِيْرَ عَنِ الثِّقَاتِ.
وَقَالَ الأَزْدِيُّ: كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ (2) .

48 - أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ * (م، ت، س، ق)
الإِمَامُ، سَيِّدُ الحُفَّاظِ، عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ يَزِيْدَ بنِ فَرُّوْخٍ: مُحَدِّثُ الرَّيِّ.
وَدُخُوْلُ (الزَّاي) فِي نِسْبَتِهِ غَيْرُ مَقِيْسٍ، كَالمَرْوَزِيِّ.
مَوْلِدُهُ: بَعْدَ نَيِّفٍ وَمائَتَيْنِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ أَبَا زُرْعَةَ سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ العِجْلِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ عَطِيَّةَ بنِ نَجِيْحٍ (3) ، وَهُمَا مِمَّن تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فِيمَا بَلَغَنِي.
فإِمَّا وَقَعَ غَلَطٌ فِي وَفَاتِهِمَا، وَإِمَّا فِي مَوْلِدِهِ، وَإِمَّا فِي لُقِيِّهِ لَهُمَا.
__________
(1) زيادة من " لسان الميزان ": 1 / 140.
(2) وقال الدارقطي: وغيره أثبت منه، وأورد له في غرائب مالك حديثا في سنده خطأ، وقال: أحمد بن بكر ضعيف، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: كان يخطئ " لسان الميزان " 1 / 141.
(*) الجرح والتعديل: 1 / 328 - 349، و5 / 324 - 326، تاريخ بغداد: 10 / 326 - 337، طبقات الحنابلة: 1 / 199 - 203، تاريخ ابن عساكر: خ: 10 / 345 أ - 352 أ، المنتظم: 5 / 47 - 48، تهذيب الكمال: خ: 883 - 885، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 18 - 19، تذكرة الحفاظ: 2 / 557 - 559، عبر المؤلف: 2 / 28 - 29، البداية والنهاية : 11 / 37، تهذيب التهذيب: 7 / 30 - 34، طبقات الحفاظ: 249 - 250، خلاصة تذهيب الكمال: 251 - 252، شذرات الذهب: 2 / 148 - 149.
(3) ذكر ذلك في " الجرح والتعديل ": 3 / 27، في ترجمة الحسن بن عطية، و: 5 / 86، في ترجمة عبد الله بن صالح.

(13/65)


وَقَدْ سَمِعَ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ سَابِقٍ، وَقُرَّةَ بنِ حَبِيْبٍ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَالقَعْنَبِيِّ، وَخَلاَّدِ بنِ يَحْيَى، وَعَمْرِو بنِ هَاشِمٍ، وَعِيْسَى بنِ مِينَاقَالُوْنَ، وَإِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدٍ الفَرْوِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأُوَيْسِيِّ، وَيَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ بَكَّارٍ، وَصَفْوَانَ بنِ صَالِحٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ، وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَطَبَقَتِهِم.
قَالَ لَنَا أَبُو الحَجَّاجِ فِي (تَهْذِيْبِهِ (1)): هُوَ مَوْلَى عَيَّاشِ بنِ مُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَيَّاشِ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ المَخْزُوْمِيِّ.... ثُمَّ سَرَدَ شُيُوْخَهُ، وَمِنْهُم:
أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ اليَرْبُوْعِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ بِشْرٍ البَجَلِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ البُوْرَانِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ الحَوْضيُّ، وَالرَّبِيْعُ بنُ يَحْيَى الأُشنَانِيُّ، وَسَهْلُ بنُ بَكَّارٍ الدَّارِمِيُّ، وَشَاذُ بنُ فَيَّاضٍ، وَقَبِيْصَةُ بنُ عُقْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الصَّلْتِ الأَسَدِيُّ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَمُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ فِيهِم: أَبَا عَاصِمٍ النَّبِيْلَ، وَهَذَا وَهْمٌ، لَمْ يُدْرِكْهُ، وَلاَ سَمِعَ مِنْهُ، وَلاَ دَخَلَ البَصْرَةَ، إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِهِ بَأَعْوَامٍ.
وَطَلَبَ هَذَا الشَّأْنَ وَهُوَ حَدَثٌ، وَارْتَحَلَ إِلَى الحِجَازِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالعِرَاقِ وَالجَزِيْرَةِ وَخُرَاسَانَ، وَكَتَبَ مَا لاَ يُوْصَفُ كَثْرَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَحَرْمَلَةُ بنُ يَحْيَى، وَإِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى الخَطْمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَالرَّبِيْعُ المُرَادِيُّ - وَهُم مِنْ شُيُوْخِهِ - وَابْنُ وَارَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ، وَخَلْقٌ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ
__________
(1) خ: 883.

(13/66)


الذَّهَبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوْنَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَعَدِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ وَالِدُ الحَافِظِ أَبِي أَحْمَدَ، وَمُوْسَى بنُ العَبَّاسِ الجُوَيْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القَطَّانُ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الدَّارَكِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَابْنُ سَابِقٍ - شَيْخُهُ - وَهُوَ: مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ سَابِقٍ.
فَذَكَرَ سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو البَرْذَعِيُّ، أَنَّ أَبَا زُرْعَةَ، قَالَ: لاَ أَعْلَمُ صَفَا لِي (1) رِبَاطُ يَوْمٍ قَطُّ، أَمَّا بَيْرُوْتُ: فَأَرَدْنَا العَبَّاسَ بنَ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ، وَأَمَّا عَسْقلاَنُ: فَأَرَدْنَا مُحَمَّدَ بنَ أَبِي السَّرِيِّ، وَأَمَّا قَزْوِيْنَ: فمُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ سَابِقٍ (2) .
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: فَرُّوْخٌ؛ جَدُّ أَبِي زُرْعَةَ هُوَ مَوْلَى عَبَّاسِ بنِ مُطَرِّفٍ القُرَشِيِّ (3) .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: سَمِعَ أَبُو زُرْعَةَ مِنْ: مُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَقَبِيْصَةَ، وَأَبِي الوَلِيْدِ، وَيَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ.
قَالَ: وَكَانَ إِمَاماً رَبَّانِيّاً، حَافِظاً مُتْقِناً مُكْثِراً... جَالَسَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَذَاكَرَهُ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ: إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَقَاسمٌ المُطَرِّزُ (4) .
قَالَ تَمَّامٌ الرَّازِيُّ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ دِمَشْقَ قَدِيْماً، مِنْهُم: أَبُو يَحْيَى فَرْخَوَيْه، فَلَمَّا انصَرَفُوا - فِيمَا أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُم: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ - رَأَوْا هَذَا الفَتَى قَدْ كَاسَ -يَعْنِي: أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ- فَقَالُوا لَهُ: نُكَنِّيْكَ بِكُنْيَةِ أَبِي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيِّ.
ثُمَّ لَقِيَنِي أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ بِدِمَشْقَ، وَكَانَ يُذَكِّرُنِي
__________
(1) في تاريخ ابن عساكر: " أنه صح لى ".
(2) انظر: تاريخ ابن عساكر: خ: 10 / 345 ب.
(3) الجرح والتعديل: 5 / 325.
(4) انظر: تاريخ بغداد: 10 / 326.

(13/67)


هَذَا الحَدِيْثَ، وَيَقُوْلُ: بِكُنْيَتِكَ اكْتَنَيْتُ (1) .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ بَطَّةَ: سَمِعْتُ النَّجَّادَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ، يَقُوْلُ: لَمَّا وَرَدَ عَلَيْنَا أَبُو زُرْعَةَ، نَزَلَ عِنْدَنَا، فَقَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَي! قَدِ اعْتَضْتُ بِنَوَافِلِي مُذَاكرَةَ هَذَا الشَّيْخِ (2) .
وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ، يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى الرَّازِيِّ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ مائَةَ أَلْفٍ.
فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَحْفَظُ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ، تَقْدِرُ أَنْ تُمْلِي عَلَيَّ أَلْفَ حَدِيْثٍ مِنْ حِفْظٍ؟
قَالَ: لاَ، وَلَكِن إِذَا أُلْقِيَ عَلَيَّ عَرَفْتُ (3) .
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قُلْتُ لأَبِي زُرْعَةَ: يَجُوْزُ مَا كَتَبْتَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى مائَةَ أَلْفٍ؟
قَالَ: مائَةُ أَلْفٍ كَثِيْرٌ.
قُلْتُ: فَخَمْسِيْنَ أَلْفاً؟
قَالَ: نَعَمْ، وَسِتِّيْنَ وَسَبْعِيْنَ أَلْفاً.
حَدَّثَنِي مَنْ عَدَّ كِتَابَ الوُضُوْءِ وَالصَّلاَةِ، فَبَلَغَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيْثٍ (4) .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ مُحَمَّدَ بنَ جَعْفَرِ بنِ حَمْكَوَيْه بِالرَّيِّ، يَقُوْلُ:
سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلاَقِ أَنَّ أَبَا زُرْعَةَ يَحْفَظُ مائَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ هَلْ حَنِثَ؟
فَقَالَ: لاَ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: أَحْفَظُ مائَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ، كَمَا يَحْفَظُ الإِنسَانُ : {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } [الإِخْلاصُ: 1] وَفِي المُذَاكَرَةِ ثَلاَثَ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ.
__________
(1) تاريخ ابن عساكر: خ: 10 / 346 أ.
(2) للخبر رواية أخرى في " تاريخ بغداد ": 10 / 327. وانظر: " تذكرة الحفاظ ": 2 / 557.
(3) انظر: تاريخ بغداد: 10 / 327، وتذكرة الحفاظ: 2 / 557.
(4) مقدمة الجرح والتعديل: 334 - 335.

(13/68)


هَذِهِ حِكَايَةٌ مُرْسَلَةٌ، وَحِكَايَةُ صَالِحٍ جَزَرَةَ أَصَحُّ.
رَوَى الخَطِيْبُ (1) هَذِهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ السُّوذَرْجَانِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ مَنْدَةَ يَقُوْلُ ذَلِكَ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كُنْتُ بِالرَّيِّ، وَأَنَا غُلاَمٌ فِي البَزَّازِيْنَ، فَحَلَفَ رَجُلٌ بِطَلاَقِ امرَأَتِهِ: أَنَّ أَبَا زُرْعَةَ يَحْفَظُ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ.
فَذَهَبَ قَوْمٌ - أَنَا فِيهِم - إِلَى أَبِي زُرْعَةَ، فَسَأَلنَاهُ.
فَقَالَ: مَا حَمَلَهُ عَلَى الحَلْفِ بِالطَّلاَقِ؟
قِيْلَ: قَدْ جَرَى الآنَ مِنْهُ ذَلِكَ.
فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لِيُمْسِكِ امْرَأَتَهُ، فَإِنَّهَا لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ، أَوْ كَمَا قَالَ (2) .
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عُثْمَانَ التُّسْتَرِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ:
كُلُّ شَيْءٍ قَالَ الحَسَنُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَدْتُ لَهُ أَصْلاً، إِلاَّ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: عَجِبْتُ مِمَّنْ يُفْتِي فِي مَسَائِلَ الطَّلاَقِ، يَحْفَظُ أَقَلَّ مِنْ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي زُرْعَةَ (3) .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ الرَّازِيَّ، يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ إِسْحَاقَ بِنَيْسَابُوْرَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ العِرَاقِ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
صَحَّ مِنَ الحَدِيْثِ سَبْعُ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ وَكَسْرٌ، وَهَذَا الفَتَى -يَعْنِي: أَبَا زُرْعَةَ- قَدْ حَفِظَ سِتَّ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ (4) .
__________
(1) تاريخ بغداد: 10 / 325.
(2) المصدر السابق: 10 / 324 - 325.
(3) تذكرة الحفاظ: 2 / 557.
(4) تاريخ بغداد: 10 / 332.

(13/69)


قُلْتُ: أَبُو جَعْفَرٍ لَيْسَ بِثِقَةٍ.
ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنِي الحَضْرَمِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ، وَقِيْلَ لَهُ: مَنْ أَحْفَظُ مَنْ رَأَيْتَ؟
قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ.
ابْنُ المُقْرِئِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ القَزْوِينِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيَّ، يَقُوْلُ:
أَبُو زُرْعَةَ يُشَبَّهُ بِأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ (1) .
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، مُسْنَدِهَا وَمُنْقَطَعِهَا مِنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَكَذَلِكَ سَائِرِ العُلُوْمِ (2) .
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبِي عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، فَقَالَ: إِمَامٌ (3) .
قَالَ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ القَطَّانُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، سَمِعْتُ أَبِي، يَقُوْلُ:
مَا جَاوَزَ الجِسْرَ أَحَدٌ أَفْقَهُ مِنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَلاَ أَحْفَظُ مِنْ أَبِي زُرْعَةَ (4) .
ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ أَبَا يَعْلَى المَوْصِلِيَّ، يَقُوْلُ:
مَا سَمِعْنَا بِذِكْرِ أَحَدٍ فِي الحِفْظِ، إِلاَّ كَانَ اسْمُهُ أَكْبَرَ مِنْ رُؤْيَتِهِ، إِلاَّ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ، فَإِنَّ مُشَاهَدَتَهُ كَانَتْ أَعْظَمَ مِنِ اسْمِهِ، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ حِفْظَ الأَبْوَابِ وَالشُّيُوْخِ وَالتَّفْسِيْرِ، كَتَبْنَا بَانتِخَابِهِ بِوَاسِطَ سِتَّةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ (5) .
__________
(1) انظر الخبر مفصلا في: تاريخ بغداد: 10 / 332 - 333.
(2) الجرح والتعديل: 5 / 326. والزيادة منه. وأضاف: " ولكن بخاصة حديث مالك "
(3) الجرح والتعديل: 5 / 326.
(4) تاريخ بغداد: 10 / 328.
(5) تاريخ بغداد 10 / 334.

(13/70)


وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، حَدَّثَنِي الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَتْنَا أُمُّ عَمْرٍو بِنْتُ شِمْرٍ، سَمِعْتُ سُوَيْدَ بنَ غَفَلَةَ، يَقُوْلُ (1) : وعِيْسٍ عِيْنٍ.
يُرِيْدُ : {حُوْرٍ عِيْنٍ } [الوَاقِعَةُ: 22].
قَالَ صَالِحٌ: فَأَلقَيْتُ هَذَا عَلَى أَبِي زُرْعَةَ، فَبَقِيَ مُتَعَجِّباً، فَقَالَ: أَنَا أَحْفَظُ فِي القِرَاءاتِ عَشْرَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ.
قُلْتُ: فَتَحْفَظُ هَذَا؟
قَالَ: لاَ (2) .
ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عُثْمَانَ، سَمِعْتُ ابْنَ وَارَةَ، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، يَقُوْلُ:
كُلُّ حَدِيْثٍ لاَ يَعْرِفُهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، فلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ (3) .
وَقَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ الفَقِيْهَ أَبَا حَامِدٍ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ الثَّقَفِيَّ، يَقُوْلُ:
لَمَّا انصَرَفَ قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ إِلَى الرَّيِّ، سَأَلُوهُ أَنْ يُحَدِّثَهُم، فَامْتَنَعَ، فَقَالَ: أُحَدِّثُكُم بَعْدَ أَنْ حَضَرَ مَجْلِسِي أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ؟
قَالُوا لَهُ: فَإِنَّ عِنْدَنَا غُلاَماً يَسْرُدُ كُلَّ مَا حَدَّثْتَ بِهِ، مَجْلِساً مَجْلِساً، قُمْ يَا أَبَا زُرْعَةَ.
قَالَ: فَقَامَ، فَسَرَدَ كُلَّ مَا حَدَّثَ بِهِ قُتَيْبَةُ، فَحَدَّثَهُم قُتَيْبَةُ (4) .
قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو الحَافِظُ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ، يَقُوْلُ:
دَخَلْتُ البَصْرَةَ، فَحَضَرْتُ سُلَيْمَانَ الشَّاذَكُوْنِيَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَرَوَى حَدِيْثاً (5)
__________
(1) في تاريخ بغداد: " يقرأ ".
(2) تاريخ بغداد: 10 / 328.
(3) تاريخ بغداد: 10 / 332.
(4) المصدر السابق. والزيادة منه.
(5) الحديث في " تاريخ بغداد ": 10 / 325، ونصه: " حدثنا يزيد بن زريع، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من رجل يموت له ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم ". فقلت =

(13/71)


فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي غنيَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ:
لاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ.
فَقُلْتُ: هَذَا وَهْمٌ، وَهِمَ فِيْهِ إِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَإِنَّمَا هُوَ سَعْدٌ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جُبَيْرٍ (1) .
قَالَ: مَنْ يَقُوْلُ هَذَا؟
قُلْتُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي غنيَةَ (2) .
فَغَضِبَ (3) ، ثُمَّ قَالَ لِي: مَا تَقُوْلُ فِيْمَنْ جَعَلَ الأَذَانَ مَكَانَ الإِقَامَةِ؟
قُلْتُ: يُعِيْدُ.
قَالَ: مَنْ قَالَ هَذَا؟
قُلْتُ: الشَّعْبِيُّ.
قَالَ: مَنْ عَنِ الشَّعْبِيِّ؟
قُلْتُ: حَدَّثَنَا قَبِيْصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ.
قَالَ: وَمَنْ غَيْرُ هَذَا؟
قُلْتُ: إِبْرَاهِيْمُ (4) ، وَحَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْهُ.
قَالَ: أَخْطَأْتَ. قُلْتُ:
__________
= للمستملي: ليس هذا من حديث عاصم بن عمر إنما هذا رواه محمد بن إبراهيم.
فقال له، فرجع إلى محمد بن إبراهيم " وفي الباب عن أبي هريرة عند مالك: 1 / 235، والبخاري: 3 / 98، ومسلم (2632)، والترمذي (1060)، وقال: " وفي الباب عن عمر، ومعاذ، وكعب بن مالك، وعتبة بن عبد، وأم سليم، وجابر، وأنس، وأبي ذر، وابن مسعود، وأبي ثعلبة الاشجعي، وابن عباس، وعقبة بن عامر، وأبي سعيد، وقرة بن إياس المزني ".
وانظر تخريجها في " عمدة القاري " للعيني 4 / 30، وما بعدها، في الجنائز: باب فضل من مات له ولد فاحتسب.
(1) وكذلك أخرجه أحمد 4 / 83، ومسلم (2530)، وأبو داود (2925) من طريق ابن نمير، وأبي أسامة، كلاهما عن زكريا، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية، لم يزده الإسلام إلا شدة " قال ابن الأثير: أصل الحلف: المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد، والاتفاق، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات، فذلك الذي ورد النهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا حلف في الإسلام " وما كان فيه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الارحام كحلف المطيبين وما جرى مجراه فذلك الذي قال صلى الله عليه وسلم: " وأيما حلف كان في الجاهلية، لم يزده الإسلام إلا شدة ".
(2) تاريخ بغداد: 10 / 330، والزيادة منه.
(3) جاء في " تاريخ بغداد " زيادة هنا: " عن أبيه، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن حبير، قال: فغضب..".
(4) وزاد هنا أيضا: " قال: من عن إبراهيم ؟ قلت: حدثنا...".

(13/72)


حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الأَحْمَرُ، حَدَّثَنَا مُغِيْرَةُ.
قَالَ: أَخْطَأْتَ.
قُلْتُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو كدينَةَ، عَنْ مُغِيْرَةَ.
قَالَ: أَصَبْتَ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: اشتَبَهَ عَلِيَّ، وَكَتَبْتُ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ الثَّلاَثَةَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، فَمَا طَالَعْتُهَا مُنْذُ كَتَبْتُهَا.
ثُمَّ قَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ غَيْرُ هَذَا؟
قُلْتُ: مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الحَسَنِ.
قَالَ: هَذَا سَرَقْتَهَ مِنِّي - وَصَدَقَ - كَانَ ذَاكَرَنِي بِهِ رَجُلٌ بِبَغْدَادَ، فَحَفِظتُهُ عَنْهُ (1) .
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ جَزَرَةُ: قَالَ لِي أَبُو زُرْعَةَ: مُرَّ بِنَا إِلَى سُلَيْمَانَ الشَّاذَكُوْنِيِّ نُذَاكِرُهُ.
قَالَ: فَذَهَبْنَا، فَمَا زَالَ يُذَاكِرُهُ حَتَّى عَجَزَ الشَّاذَكُوْنِيُّ عَنْ حِفْظِهِ، فَلَمَّا أَعيَاهُ، أَلقَى عَلَيْهِ حَدِيْثاً مِنْ حَدِيْثِ الرَّازِيِّينَ، فَلَم يَعْرِفْهُ أَبُو زُرْعَةَ.
فَقَالَ سُلَيْمَانُ: يَا سُبْحَانَ اللهِ! حَدِيْثُ بَلَدِكَ، هَذَا مَخْرَجُهُ مِنْ عِنْدِكُم!؟ وَأَبُو زُرْعَةَ سَاكِتٌ، وَالشَّاذَكُوْنِيُّ يُخْجِلُهُ، وَيُرِي مَنْ حَضَرَ أَنَّهُ قَدْ عَجَزَ.
فَلَمَّا خَرَجْنَا، رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ قَدِ اغْتَمَّ، وَيَقُوْلُ: لاَ أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءَ بِهَذَا؟
فَقُلْتُ لَهُ: وَضَعَهُ فِي الوَقْتِ كِي تَعْجِزَ وتَخْجَلَ.
قَالَ: هَكَذَا؟
قُلْتُ: نَعَم، فَسُرِّيَ عَنْهُ (2) .
ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ فَضْلَكَ الصَّائِغَ، يَقُوْلُ:
دَخَلْتُ المَدِيْنَةَ، فَصِرْتُ إِلَى بَابِ أَبِي مُصْعَبٍ، فَخَرَجَ إِليَّ شَيْخٌ مَخْضُوبٌ، وَكُنْتُ نَاعِساً، فَحَرَّكَنِي، وَقَالَ: يَا مردريك (3) ! مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ أَيُّ شَيْءٍ تَنَامُ؟
قُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، أَنَا مِنَ الرَّيِّ، مِنْ بَعْضِ شَاكردي (4) أَبِي زُرْعَةَ.
فَقَالَ: تَرَكْتَ أَبَا زُرْعَةَ وَجِئتَنِي؟ لَقِيْتُ مَالِكاً
__________
(1) الخبر في " تاريخ بغداد ": 10 / 329 - 330، والزيادة منه.
(2) تاريخ ابن عساكر: خ: 10 / 348 ب. والزيادة منه.
(3) مرد: الشاب أو الفتى.
(4) شاكردي: التابع والتلميذ.

(13/73)


وَغَيْرَهُ، فَمَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ أَبِي زُرْعَةَ.
قَالَ: وَدَخَلْتُ عَلَى الرَّبِيْعِ بِمِصْرَ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ؟
قُلْتُ: مِنَ الرَّيِّ.
قَالَ: تَرَكْتَ أَبَا زُرْعَةَ وَجِئْتَ؟ إِنَّ أَبَا زُرْعَةَ آيَةٌ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا جَعَلَ إِنسَاناً آيَةً، أَبَانَهُ مِنْ شَكْلِهِ، حَتَّى لاَ يَكُونَ لَهُ ثَانٍ (1) .
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَكْثَرَ تَوَاضُعاً مِنْ أَبِي زُرْعَةَ، هُوَ وَأَبُو حَاتِمٍ إِمَامَا خُرَاسَان (2) .
وَقَالَ يُوْسُفُ المَيَانَجِيُّ (3) : سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ القَزْوِيْنِيَّ القَاضِي، يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى يَوْماً، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو زُرْعَةَ.
فَقِيْلَ لَهُ: مَنْ هَذَا؟
فَقَالَ: إِنَّ أَبَا زُرْعَةَ أَشْهَرُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا.
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَدْعُو اللهَ لأَبِي زُرْعَةَ (4) .
وَسَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِد بنَ غِيَاثٍ، يَقُوْلُ: مَا رَأَى أَبُو زُرْعَةَ مِثْلَ نَفْسِهِ.
سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو البَرْذَعِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ:
لاَ يَزَالُ المُسْلِمُوْنَ بِخَيْرٍ مَا أَبْقَى اللهُ لَهُم مِثْلَ أَبِي زُرْعَةَ، يُعَلِّمُ النَّاسَ، وَمَا كَانَ اللهُ لِيَتْرُكَ الأَرْضَ إِلاَّ وَفِيْهَا مِثْلُ أَبِي زُرْعَةَ، يُعَلِّمُ النَّاسَ مَا جَهِلُوهُ.
عَلَّقَهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ سَعِيْدٍ (5) .
__________
(1) تاريخ بغداد: 10 / 330.
(2) مقدمة الجرح والتعديل: 334، و5 / 325.
(3) الميانجي، بفتح الميم والياء والنون: نسبة إلى ميانج، موضع بالشام. (اللباب).
(4) مقدمة الجرح والتعديل: 341، و: 5 / 325.
(5) مقدمة الجرح والتعديل: 327 - 328، و: 5 / 325.

(13/74)


ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَلْمَانَ القَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو زُرْعَةَ عُبَيْدُ اللهِ، وَمَا خَلَّفَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، عِلْماً وَفَهْماً وَصِيَانَةً وَحِذْقاً، وَهَذَا مَا لاَ يُرْتَابُ فِيْهِ، وَلاَ أَعْلَمُ مِنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ مَنْ كَانَ يَفْهَمُ هَذَا الشَّأْنَ مِثْلَهُ (1).
ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ صَفْوَانَ، سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ يَقُوْلُ:
أَزْهَدُ مَنْ رَأَيْتُ أَرْبَعَةٌ: آدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، وثَابِتُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَذَكَرَ آخَرَ (2) .
قَالَ النَّسَائِيُّ: أَبُو زُرْعَةَ رَازِيٌّ ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ ابْنَ خِرَاشٍ يَقُوْلُ:
كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي زُرْعَةَ مَوْعِدٌ أَنْ أُبَكِّرَ عَلَيْهِ، فَأُذَاكِرَهُ، فَبَكَّرتُ، فَمَرَرْتُ بِأَبِي حَاتِمٍ وَهُوَ قَاعِدٌ وَحدَهُ؛ فَأَجلَسَنِي مَعَهُ يُذَاكُرُنِي، حَتَّى أَضحَى النَّهَارُ.
فَقُلْتُ: بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي زُرْعَةَ مَوْعِدٌ، فَجِئْتُ إِلَى أَبِي زُرْعَةَ وَالنَّاسُ مُنْكَبُّوْنَ (3) عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي: تَأَخَرَّتَ عَنِ المَوْعِدِ.
قُلْتُ: بَكَّرْتُ، فَمَرَرْتُ بِهَذَا المُسْتَرْشِدِ، فَدَعَانِي، فَرَحِمْتُهُ لِوَحْدَتِهِ، وَهُوَ أَعْلَى إِسْنَاداً مِنْكَ، وَصِرْتَ أَنْتَ بِالدِّسْتِ.
أَوْ كَمَا قَالَ (4) .
أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا حَالُكَ؟ قَالَ: أَحْمَدُ اللهَ عَلَى الأَحْوَالِ
__________
(1) تاريخ بغداد: 10 / 333، والزيادة منه.
وتتمة الخبر فيه: " ولقد كان من هذا الامر بسبيل ".
(2) تهذيب الكمال: خ: 884.
(3) في الأصل: " منكبين ".
(4) انظر الخبر في: تاريخ بغداد: 10 / 333.

(13/75)


كُلِّهَا، إِنِّيْ حَضَرْتُ، فَوَقَفْت بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ لِي: يَا عُبَيْدَ اللهِ! لِمَ تَذَرَّعْتَ فِي القَوْلِ فِي عِبَادِي؟
قُلْتُ: يَا رَبِّ! إِنَّهُم حَاوَلُوا (1) دِيْنَكَ.
فَقَالَ: صَدَقْتَ.
ثُمَّ أُتِيَ بِطَاهِرٍ الخَلْقَانِي، فَاسْتَعْدَيْتُ عَلَيْهِ إِلَى رَبِّي، فَضُرِبَ الحَدَّ مائَةً، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ إِلَى الحَبْسِ، ثُمَّ قَالَ: أَلحِقُوا عُبَيْدَ اللهِ بِأَصْحَابِهِ، وَبأَبِي عَبْدِ اللهِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ: سُفْيَان، وَمَالِك، وَأَحْمَد بن حَنْبَلٍ (2) .
رَوَاهَا عَنِ ابْنِ وَارَةَ أَيْضاً ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (3) ، وَأَبُو القَاسِمِ ابْنُ أَخِي أَبِي زُرْعَةَ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَرَّاقُ أَبِي زُرْعَةَ: حَضَرْنَا أَبَا زُرْعَةَ بِمَاشهرَان، وَهُوَ فِي السَّوْقِ، وَعِنْدَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ وَارَةَ، وَالمُنْذِرُ بنُ شَاذَانَ، وَغَيْرُهُم، فَذَكَرُوا حَدِيْثَ التَّلْقِيْن: (لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله (4)) وَاسْتَحْيَوا مِنْ أَبِي زُرْعَةَ أَنْ يُلَقِّنُوهُ، فَقَالُوا: تَعَالَوا نَذْكُرِ الحَدِيْثَ.
فَقَالَ ابْنُ وَارَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ صَالِحٍ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: ابْنُ أَبِي، وَلَمْ يُجَاوزْهُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا بُنْدَار، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ، عَنْ صَالِحٍ وَلَمْ يُجَاوِزْ، وَالبَاقُوْنَ سَكَتُوا، فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَهُوَ فِي السَّوقِ:
حَدَّثَنَا بُنْدارُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ، عَنْ صَالِحِ بنِ أَبِي عَرِيْبٍ، عَنْ كَثِيْرِ بنِ مُرَّةَ، عَنْ مُعَاذِ
__________
(1) في تاريخ بغداد: " خاذلو دينك ".
(2) تاريخ بغداد: 10 / 336.
(3) مقدمة الجرح والتعديل: 346.
(4) حديث صحيح أخرجه من حديث أبي سعيد الخدري مسلم: (916)، وأبو داود: (3117)، والترمذي: (976)، والنسائي: 4 / 5. وأخرجه من حديث أبي هريرة مسلم: (917). وأخرجه من حديث عائشة النسائي: 4 / 5.

(13/76)


بنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، دَخَلَ الجَنَّةَ (1))، وَتُوُفِّيَ -رَحِمَهُ اللهُ (2) -.
رَوَاهَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الوَرَّاقِ الرَّازِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ بِهَذَا.
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ:
تُوُفِّيَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمَوْلِدُهُ كَانَ فِي سَنَةِ مائَتَيْنِ.
وأَمَّا الحَاكِمُ، فَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَهْدِيٍّ الرَّازِيِّ المُعَمَّرِ:
هَذَا الشَّيْخُ عِنْدِي صَدُوْقٌ، فَإِنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ.
فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ رَأَيتَهُ؟
فَقَالَ: أَسْوَدُ اللِّحْيَةِ، نَحِيْفٌ، أَسْمَرُ، وَهَذِهِ صِفَةُ أَبِي زُرْعَةَ، وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: أَحْسَبُ أَبَا عَبْدِ اللهِ وَهِمَ فِي مقدَار سِنِّ أَبِي زُرْعَةَ، فَإِنَّهُ قَدِ ارْتَحَلَ بِنَفْسِهِ، وَسَمِعَ مِنْ: قَبِيْصَة، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ مائَتَيْنِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
وَقَدْ ذَكَرَ الحَاكِمُ فِي كِتَابِ: (الجَامِعِ لِذِكْرِ أَئِمَّةِ الأَعصَارِ المُزَكِّيْنَ لِرُوَاةِ الأَخْبَارِ): سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ
__________
(1) إسناده حسن.
وأخرجه أحمد: 5 / 233، وأبو داود: (3116)، والحاكم: 1 / 315، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي مع ان صالح بن أبي عريب لم يوثقه غير ابن حبان، وروى عنه جماعة من الثقات، فمثله لا يرتقي حديثه إلى الصحة. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة عند ابن حبان: (719) بلفظ: " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، من كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يوما من الدهر وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه ".
(2) تاريخ بغداد: 10 / 335، والزيادة منه.

(13/77)


مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ الرَّازِيَّ الحَافِظَ يَقُوْلُ: وُلِدَ أَبُو زُرْعَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَارْتَحَلَ مِنَ الرَّيِّ، وَهُوَ ابْنُ ثلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَقَامَ بِالكُوْفَةِ عَشْرَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرَّيِّ، ثُمَّ خَرَجَ فِي رِحْلَتِهِ الثَّانِيَةِ، وَغَابَ عَنْ وَطَنِهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَجَلَسَ للتَّحْدِيْثِ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
قَالَ: وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: وَهَذَا القَوْلُ خطَأٌ فِي وَفَاتِهِ، وَالصَّحِيْحُ مَا مَرَّ.
وَذَكَرَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَرْبٍ العَسْكرِيُّ أَنَّهُ رَأَى أَبَا زُرْعةَ الرَّازِيَّ، وَهُوَ يَؤُمُّ المَلاَئِكَةَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَقُلْتُ: بِمَ نِلْتَ هَذِهِ المَنْزِلَةَ؟
قَالَ: بِرَفْعِ اليَدَيْنِ فِي الصَّلاَةِ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ (1) .
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ القُرَشِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: ذَاكَرْتُ أَبِي لَيْلَةً الحُفَّاظَ، فَقَالَ: يَا بُنَي! قَدْ كَانَ الحِفْظُ عِنْدَنَا، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى خُرَاسَانَ، إِلَى هَؤُلاَءِ الشَّبَابِ الأَرْبَعَةِ.
قُلْتُ: مَنْ هُم؟
قَالَ: أَبُو زُرْعَةَ ذَاكَ الرَّازيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ ذَاكَ البُخَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ذَاكَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ ذَاكَ البَلْخِيُّ.
قُلْتُ: يَا أَبَه فَمَنْ أَحْفَظُ هَؤُلاَءِ؟
قَالَ: أَمَّا أَبُو زُرْعَةَ؛ فَأَسْرَدُهُم، وَأَمَّا البُخَارِيُّ؛ فَأَعْرَفُهُم، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ -يَعْنِي: الدَّارِمِيَّ-؛ فَأَتقنهُم، وَأَمَّا ابْنُ شُجَاع؛ فَأَجْمَعُهُم للأَبْوَابِ (2) .
قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ بنَ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ:
بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ أُصَلِّي، وَأَنَا أَقْرَأُ* {وَذَرُوَا مَا بَقِيَ
__________
(1) للخبر رواية أخرى في " تاريخ بغداد ": 10 / 336.
(2) انظر: تاريخ بغداد: 10 / 327.

(13/78)


مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ ... } الآيَةَ (1) فَوَقَفْتُ مُتَعَجِّباً مِنْ هَذَا الوَعِيْدِ سَاعَةً، وَرَجَعْتُ إِلَى أَوَّلِ الآيَةِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا كَانَتِ المَرَّةُ الثَّالِثَةُ وَقَعَتْ هَدَّةٌ مِنَ الزَّلْزَلَةِ، فَبَلَغَنِي أَنَّهُم عَدُّوا بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ جِنَازَةٍ، حُمِلَتْ مِنَ الغَد بِالرَّيِّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ:
إِذَا مَرِضْتُ شَهْراً أَوْ شَهْرَيْنِ، تَبَيَّنَ عَليَّ فِي حِفْظِ القُرْآنِ، وَأَمَّا الحَدِيْثُ، فَإِذَا تَرَكْتَ أَيَّاماً تَبَيَّنَ عَلَيْكَ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: نَرَى قَوْماً (2) مِنْ أَصْحَابِنَا، كَتَبُوا الحَدِيْثَ، تَرَكُوا المُجَالَسَةَ مُنْذُ عِشْرِيْنَ سَنَةً، أَوِ أَقَلَّ، إِذَا جَلَسُوا اليَوْمَ مَعَ الأَحَدَاثِ كَأَنَّهُم لاَ يَعْرِفُونَ، أَوْ لاَ يُحْسِنُوْنَ الحَدِيْثَ.
ثُمَّ قَالَ: الحَدِيْثُ مِثْلُ الشَّمْسِ، إِذَا حُبِسَ عَنِ الشَّرْقِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، لاَ يَعْرِفُ السَّفَرَ، فَهَذَا الشَّانُ يَحْتَاجُ أَنْ تَتَعَاهَدَهُ أَبَداً.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ:
اخْتِيَارُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَحَبُّ إِلِيَّ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَمَا أَعْرِفُ فِي أَصْحَابِنَا أَسْودَ الرّأْسِ أَفْقَهَ مِنْ أَحْمَدَ.
وَسَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ - وَسُئِلَ عَنْ مُرْسَلاتِ الثَّوْرِيِّ، وَمُرْسَلاَتِ شُعبَةَ - فَقَالَ: الثَّوْرِيُّ تَسَاهَلَ فِي الرِّجَالِ، وَشُعْبَةُ لاَ يُدَلِّسُ وَلاَ يُرْسِلُ.
قِيْلَ لَهُ: فَمَالِكٌ مُرْسَلاَتُهُ أَثْبَتُ أَمِ الأَوْزَاعِيُّ؟
قَالَ: مَالِكٌ لاَ يكَادُ يُرْسِلُ إِلاَّ عَنْ قَوْمٍ ثِقَاتٍ، مَالِكٌ مُتَثَبِّتٌ فِي أَهْلِ بَلَدِه جِدّاً، فَإِنْ تَسَاهَلَ، فَإِنَّمَا يَتَسَاهَلُ فِي قَوْمٍ غُرَبَاءَ لاَ يَعْرِفُهُم.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ
__________
(1) 278 - 279 من سورة البقرة. وتتمتها: (من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) .
(2) في الأصل: " قوم ".

(13/79)


السَّيَّارِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ دَاوُدَ بنَ يَزِيْدَ الرَّازِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ:
ارْتَحَلْتُ إِلَى أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ المِصْرِيِّ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، مَعَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَتَذَاكَرْنَا إِلَى أَنْ ضَاقَ الوَقْتُ، ثُمَّ أَخرَجْتُ مِنْ كُمِّي أَطْرَافاً، فِيْهَا أَحَادِيْثُ سَأَلتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ لِي: تَعُودُ.
فَعُدْتُ مِنَ الغَد، وَمعِي أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَأَخْرَجْتُ الأَطرَافَ، وَسَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: تَعُودُ.
فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قُلْتَ لِي بِالأَمْسِ: تَعُودُ؟! مَا عِنْدَك مِمَّا يُكْتَبُ، أَوْرِدْ عَلَيَّ مُسْنَداً أَوْ مُرْسَلاً أَوْ حَرْفاً مِمَّا أَسْتَفِيْدُ، فَإِنْ لَمْ أَرْوِهِ لَكَ عَمَّنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْكَ، فلَسْتُ بِأَبِي زُرْعَةَ، ثُمَّ قُلْتُ (1) : مَنْ هَا هُنَا مِمَّنْ نَكْتُبُ عَنْهُ؟
قَالُوا: يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ.
ابْنُ جَوْصَا: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيَّ يَقُوْلُ:
كُنَّا عِنْدَ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَنَا أَيَّاماً، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: بَلَغَنِي وُرُوْدُ هَذَا الغُلاَمِ -يَعْنِي: أَبَا زُرْعَةَ- فَدَرَسْتُ للالْتِقَاءِ بِهِ ثَلاَثَ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ.
وَعَنْ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو زُرْعَةَ لاَ يَأْكُلُ الجُبْنَ، وَلاَ الخَلَّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ:
لاَ تَكْتُبُوا عَنِّي بِالمُذَاكَرَةِ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَحْمِلُوا خَطَأً، هَذَا ابْنُ المُبَارَكِ كَرِهَ أَنْ يُحْمَلَ عَنْهُ بِالمذَاكَرَةِ، وَقَالَ لِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى: لاَ تَحْمِلُوا عَنِّي بِالمذَاكرَةِ شَيْئاً.
وَسَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ: إِذَا انْفَرَدَ ابْنُ إِسْحَاقَ بِالحَدِيْثِ، لاَ يَكُونُ حُجَّةً.
ثُمَّ رَوَى لَهُ حَدِيْثَ القِرَاءةِ خَلْفَ الإِمَامِ (2) ، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كَانَ
__________
(1) في الأصل: " قمت ". وهو خطأ لا يستقيم الكلام به.
(2) أخرجه: أحمد: 5 / 322، وأبو داود: (328) وابن خزيمة: (1581)، وابن حبان: (460)، والبيهقي: 2 / 164، والحاكم: 1 / 238، والدارقطني: 1 / 318، كلهم من طريق محمد بن إسحاق، عن مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت قال: كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: " لعلكم تقرؤون خلف إمامكم " ؟ قلنا: نعم هذا يا رسول =

(13/80)


الحَوضيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَقَبِيْصَةُ، يَقْدِرُوْنَ عَلَى الحِفْظِ، يَجِيْؤُونَ بِالحَدِيْثِ بِتَمَامٍ.
وَذَكَرَ عَنْ قَبِيْصَةَ كَأَنَّهُ يَقْرَأُ مِنْ كِتَابٍ.
قُلْتُ: يُعْجِبُنِي كَثِيْراً كَلاَمَ أَبِي زُرْعَةَ فِي الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ، يَبِيْنُ عَلَيْهِ الوَرَعُ وَالمَخْبَرَةُ، بِخِلاَفِ رَفِيْقِهِ أَبِي حَاتِمٍ، فَإِنَّهُ جَرَّاحٌ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الفَقِيْهُ (2) ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّاهِدُ (3) ، وَسِتُّ القُضَاةِ؛ بِنْتُ يَحْيَى (4) ، قِرَاءةً، قَالُوا:
أَخْبَرَتْنَا كَرِيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الوَهَّابِ القُرَشِيَّةُ (5) ، أَخْبَرَنَا أَبُو الخَيْرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البَاغْبَان (6) فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَةَ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، حَدَّثَنَا
__________
= الله. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ".
وهذا سند رجاله ثقات، وقد صرح ابن إسحاق في بعض الروايات بالتحديث فانتفت شبهة تدليسه، إلا أن مكحولا مدلس وقد عنعن، وهو مضطرب الإسناد، فالسند ضعيف.
انظر التفصيل في " الجوهر النفي ": 1 / 164، ونصب الراية: 2 / 12.
(1) ترجمته في: " مشيخة " الذهبي: خ: ق: 42 - 43.
(2) هو: " محمد بن حسن بن يوسف بن موسى، الامام الفقيه الصالح الورع، صدر الدين أبو عبد الله الارموي الفيروزي الشافعي ولد سنة عشر وستمئة...مات في شعبان سنة سبعمئة...وكان عالما عاملا ". كذا قال الذهبي في: " مشيخته ": خ ق: 131.
(3) هو: إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن هبة الله المعدل زين الدين أبو إسحاق بن الشيرازي. توفي سنة (714 ه). ترجمه الذهبي في " مشيخته ": خ: ق: 28.
(4) ست القضاة بنت يحيى بن أحمد وفاتها سنة: (712 ه). ترجمها المؤلف في " مشيخته ": خ: ق: 59.
(5) محدثة فاضلة، كانت وفاتها بدمشق سنة (641 ه)، انظر، تذكرة الحفاظ: 4 / 1434 - 1435، في نهاية ترجمة الصريفيني، وشذرات الذهب: 5 / 212.
(6) الباغبان، بسكون الغين: هذه النسبة إلى حفاظ الباغ، وهو: البستان. (اللباب).

(13/81)


أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوْذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفَجْأَةِ نَقْمَتِكَ، وَجَمِيْعِ سَخَطِكَ).
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1) عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوِّ دَرَجَةٍ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنْبَاعِ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَوْنٍ، عَنْ عَبْدِ الغَفَّارِ بنِ دَاوُدَ، عَنْ يَعْقُوْبَ، نَحْوهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ (2) فِي كِتَابِهِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ القَادِر بنُ عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ بنُ الحَسَنِ بِأَصْبَهَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ العَبْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ عُبَيْدُ اللهِ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الجَرْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عبِيَدِةَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ وَاصِلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ ثَابِتٍ البُنَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ بنِ نَوْفَل، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لِلأَنْبِيَاءِ مَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ، يَجْلِسُوْنَ عَلَيْهَا، وَيَبْقَى مِنْبَرِيْ لَا أَجْلِسُ عَلَيْهِ).
أَوْ قَالَ: (لَا أَقْعُدُ عَلَيْهِ، فِيمَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ- مُنْتَصِباً، مَخَافَةَ أَنْ يُذْهَبَ بِي إِلَى الجَنَّةِ وَتَبْقَى أُمَّتِي، فَأَقُوْلُ: رَبِّ، أُمَّتِي، أُمَّتِي، فَيَقُوْلُ اللهُ تَعَالَى: وَمَا تُرِيْدُ أَنْ أَصْنَعَ بِأُمَّتِكَ؟ فَأَقُولُ: يَا رَبُّ!
__________
(1) رقم: (2739)، في الذكر والدعاء، أول كتاب الرقاق. وأخرجه أبو داود: (1545)، في الصلاة: باب في الاستعاذة.
(2) ترجمه المؤلف في " مشيخته ": خ: ق: 178، فقال: " يحيى بن أبي منصور ابن أبى الفتح، الامام العلامة المفتي المحدث الرحال، بقية السلف، سيد المعمرين الاخيار، علم السنة، جمال الدين، أبو زكريا...مات في صفر سنة ثمان وسبعين وستمئة ".
وكانت ولادته سنة (583 ه).

(13/82)


عَجِّلْ حِسَابَهُمْ.
فَيُدْعَى بِهِمْ، فَيُحَاسَبُوْنَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللهِ، وَمِنْهُم مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ بِشَفَاعَتِي، فَمَا أَزَالُ أَشْفَعُ، حَتَّى أُعْطَى صَكّاً بِرِجَالٍ قَدْ بُعِثَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، حَتَّى إِنَّ مَالِكاً خَازِنَ النَّارِ يَقُوْلُ:
يَا مُحَمَّدُ! مَاْ تَرَكْتَ لِلنَّارِ وَلِغَضَبِ رَبِّكَ فِي أُمَّتِكَ مِنْ نَقْمَةٍ).
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ مُنْكَرٌ، تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بنُ ثَابِتٍ (1) ؛ أَحَدُ الضُّعَفَاءِ، قَالَ البُخَارِيُّ: فِيْهِ نَظَرٌ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَرَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحْدَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحُسَيْنِ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ أَبِي سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّاعِدِيُّ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ (ح).
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ، عَنِ القَاسِمِ بنِ أَبِي سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ، وَبَالإِسْنَادِ إِلَى يَعْقُوْبَ، قَالَ:
وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَرْزُوْقٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ يُوْنُسَ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، أَخْبَرَنَا شَدَّادٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ أنْ تَبْذُلَ الفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ، وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ، وَلاَ تُلاَمُ عَلَى كَفَافٍ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُوْلُ، وَاليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى) (2) .
__________
(1) وشيخه عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل وأبوه لا يعرفان.
(2) إسناده حسن.
وأخرجه مسلم: (1036)، في الزكاة: باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، والترمذي: (2344) في الزهد، من طرق عن عمر بن يونس عن عكرمة بن عمار بهذا الإسناد.

(13/83)


أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ (1) ، عَنْ يَحْيَى بنِ نوش، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ البَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ:
سَأَلْتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أُصُوْلِ الدِّيْنِ، فَقَالاَ: أَدْرَكْنَا العُلَمَاءَ فِي جَمِيْعِ الأَمْصَارِ، فَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِم: أَنَّ اللهَ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، بِلاَ كَيْفٍ، أَحَاطَ بِكُلِّ شِيءٍ عِلْماً.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ البُنَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الهَيْثَمِ الفَسَوِيُّ، قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ حَمْدُوْنُ البَرْذَعِيُّ عَلَى أَبِي زُرْعَةَ، لِكِتَابَةِ الحَدِيْثِ، دَخَلَ، فَرَأَى فِي دَارِهِ أَوَانِيَ وَفُرُشاً كَثِيْرَةً، وَكَانَ ذَلِكَ لأَخِيْهِ، قَالَ: فَهَمَّ أَنْ يَرْجِعَ وَلاَ يَكْتب، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ، رَأَى كَأَنَّهُ عَلَى شَطِّ بِرْكَةٍ، وَرَأَى ظِلَّ شَخْصٍ فِي المَاءِ، فَقَالَ: أَنْتَ الَّذِي زَهِدْتَ فِي أَبِي زُرْعَةَ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ كَانَ مِنَ الأَبْدَالِ، فَلَمَّا مَاتَ أَبْدَلَ اللهُ مَكَانَهُ أَبَا زُرْعَةَ (2) .
أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ (3) ، وَمُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ (4) إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُعَدَّلُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ، يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ لَهُ:
__________
(1) هو في " مشيخة " المؤلف: خ: 6.
(2) تاريخ بغداد: 10 / 333.
(3) ترجمه المؤلف في " مشيخته ": خ: ق: 169 فقال: " المسلم بن محمد بن المسلم بن مكي بن علان المسند الجليل، الصادق العالم، شمس الدين، أبو الغنائم العبسي الدمشقي الكاتب، ولد سنة أربع وتسعين وخمس مئة...ومات في ذي الحجة سنة ثمانين وستمئة. أجاز لي جميع مروياته. وكان شيخا سريا دينا ولي نظر بعلبك ".
(4) مؤمل بن محمد بن علي: وفاته سنة (677 ه).
ترجمه المؤلف في " مشيخته ": خ: ق: 171.

(13/84)


مَا حَالُكَ يَا أَبَا زُرْعَةَ؟
قَالَ أَحْمُدُ اللهَ عَلَى أَحْوَالِهِ كُلِّهَا، إِنِّي حَضَرْتُ فَوَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ: يَا عُبَيْد اللهِ! لِمَ تَذَرَّعْتَ القَوْلَ فِي عِبَادِي؟
قُلْتُ: يَا رَبِّ! إِنَّهُم حَاوَلُوا دِيْنَكَ.
قَالَ: صَدَقْتَ.
ثُمَّ أُتِيَ بِطَاهِرٍ الخُلقَانِي، فَاسْتَعْدَيْتُ عَلَيْهِ إِلَى رَبِّي تَعَالَى، فَضُرِبَ الحَدَّ مائَةً، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ إِلَى الحَبْسِ، ثُمَّ قَالَ: أَلْحِقُوا عُبَيْدَ اللهِ بِأَصْحَابِهِ: أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ: سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ (1) .
قُلْتُ: إِسْنَادُهَا كَالشَّمْسِ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الخَلاَّلِ (2) ، أَخْبَرَنَا الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَالِكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الحَافِظُ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الفَرَضِي، سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ مَيْمُوْنَ، سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ الحَافِظَ، سَمِعْتُ ابْنَ وَارَةَ، يَقُوْلُ:
حَضَرْتُ أَنَا وَأَبُو حَاتِمٍ عِنْدَ وَفَاةِ أَبِي زُرْعَةَ، فَقُلْنَا: كَيْفَ تُلَقِّنُ مِثْلَ أَبِي زُرْعَةَ؟
فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا بُنْدَارُ فِي آخَرِيْنَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ، فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ:
حَدَّثَنَا بُنْدَارُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَبِي عَرِيْبٍ، عَنْ كَثِيْرِ بنِ مُرَّةَ، عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ: لاَ إلَهَ إِلاَّ الله)، وَخَرَجَ رُوْحُهُ مَعَهُ (3) .
__________
(1) تقدم هذا الخبر في سياق الترجمة.
(2) هو: " الحسن بن علي بن أبي بكر بن يونس، الثقة، بدر الدين، أبو علي الدمشقي القلانسي بن الخلال، ولد سنة تسع وعشرين وستمئة، في صفر، واعتنى به خال أمه الحافظ أبو العباس بن الجوهري، فاسمعه الكثير، واستجاز له خلائق، وتفرد في وقته، وأكثرت عنه، وكان من خيار الشيوخ، دينا وقورا سمتا طويل الروح...مات في ربيع الأول سنة اثنتين وسبعمئة ".
" مشيخة ".
الذهبي: خ: ق: 42 - 43.
(3) تقدم الخبر وتخريج الحديث في الصفحة 77 ت 1

(13/85)


49 - أَبُو يَزِيْدَ البِسْطَامِيُّ طَيْفُوْرُ بنُ عِيْسَى*
سُلْطَانُ العَارِفِيْنَ، أَبُو يَزِيْدَ طَيْفُوْرُ بنُ عِيْسَى بنِ شَرْوَسَان (1) البِسْطَامِيُّ، أَحَدُ الزُّهَادُ، أَخُو الزَّاهِدَيْنِ: آدَمَ وَعَلِيٍّ، وَكَانَ جَدُّهُم شَرْوَسَان مَجُوْسِيّاً، فَأَسلَمَ، يُقَالُ: إِنَّهُ رَوَى عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ السُّدِّيِّ، وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ - أَي: الجَدُّ - وَأَبُو يَزِيْدَ، فَبِالجهْدِ أَنْ يُدْرِكَ أَصْحَابَهُمَا.
وَقَلَّ مَا رَوَى، وَلَهُ كَلاَمٌ نَافِعٌ.
مِنْهُ، قَالَ: مَا وَجَدْتُ شَيْئاً أَشَدَّ عليَّ مِنَ العِلْمِ وَمُتَابَعَتِهِ، وَلَوْلاَ اختِلاَفُ العُلَمَاءِ لَبَقِيْتُ حَائِراً (2) .
وَعَنْهُ قَالَ: هَذَا فَرَحِي بِكَ وَأَنَا أَخَافُكَ، فَكَيْفَ فَرَحِي بِكَ إِذَا أَمِنْتُكَ؟ لَيْسَ العَجَبُ مِنْ حُبِّي لَكَ، وَأَنَا عَبْدٌ فَقِيْرٌ، إِنَّمَا العَجَبُ مِنْ حُبِّكَ لِي، وَأَنْتَ مَلِكٌ قَدِيْرٌ.
وَعَنْهُ - وَقِيْلَ لَهُ: إِنَّكَ تَمُرُّ فِي الهَوَاءِ - فَقَالَ: وَأَيُّ أُعْجُوْبَة فِي هَذَا؟ وَهَذَا طَيْرٌ يَأْكُلُ المَيْتَةَ يَمُرُّ فِي الهَوَاءِ (3) .
__________
(*) طبقات الصوفية: 67 - 74، حلية الأولياء: 10 / 33 - 42، المنتظم: 5 / 28 - 29، معجم البلدان: " بسطام "، اللباب: 1 / 152 - 153، وفيات الأعيان: 2 / 531، ميزان الاعتدال: 2 / 346 - 347، عبر المؤلف: 2 / 23، البداية والنهاية: 11 / 35، طبقات الأولياء: 245، 398 - 402، النجوم الزاهرة: 3 / 35، شذرات الذهب: 2 / 143 - 144.
والبسطامي: بكسر الباء وسكون الطاء: وهي نسبة إلى بسطام: بلدة مشهورة بقومس. (انظر: معجم البلدان، واللباب، والقاموس المحيط).
(1) في المنتظم: 5 / 28: " سروشان "، وفي اللباب: 1 / 152: " سروسان ".
(2) حلية الأولياء: 10 / 36: وأول الخبر فيه: " قال أبو يزيد: عملت في المجاهدة ثلاثين سنة، فما وجدت..." وتتمة الخبر: " واختلاف العلماء رحمة الا في تجريد التوحيد ".
(3) انظر: حلية الأولياء: 10 / 35. وتتمة الخبر فيه: " والمؤمن أشرف من الطير ".

(13/86)


وَعَنْهُ: مَا دَامَ العَبْدُ يَظُنُّ أَنَّ فِي النَّاس مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ (1) .
الجَنَّةُ لاَ خَطَرَ لَهَا عِنْدَ المُحِبِّ، لأَنَّهُ مَشْغُوْلٌ بِمَحَبَّتِهِ (2) .
وَقَالَ: مَا ذَكَرُوا مَوْلاَهُمْ إِلاَّ بِالغَفْلَةِ، وَلاَ خَدَمُوهُ إِلاَّ بِالفَتْرَةِ (3) .
وَسَمِعُوْهُ يَوْماً وَهُوَ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ! لَا تَقْطَعْنِي بِكَ عَنْكَ (4) .
العَارِفُ فَوْقَ مَا نَقُوْلُ، وَالعَالِمُ دُوْنَ مَا نَقُوْلُ (5) .
وَقِيْلَ لَهُ: عَلِّمْنَا الاسْمَ الأَعْظَمَ.
قَالَ: لَيْسَ لَهُ حَدٌّ، إِنَّمَا هُوَ فَرَاغُ قَلْبِكَ لَوْحدَانيَّتِهِ، فَإِذَا كُنْتَ كَذَلِكَ، فَارْفَعْ لَهُ أَيَّ اسْمٍ شِئْتَ مِن أَسْمَائِهِ إِلَيْهِ (6) .
__________
(1) المصدر السابق: 10 / 36.
(2) انظر: المصدر السابق.
(3) المصدر السابق: 10 / 38.
(4) المصدر السابق، والزيادة منه.
(5) حلية الأولياء: 10 / 39.
وفيه: " والعارف ما فرح بشيء قط، ولا خاف من شيء قط، والعارف يلاحظ ربه، والعالم يلاحظ نفسه بعلمه، والعابد يعبده بالحال، والعارف يعبده في الحال، وثواب العارف من ربه هو، وكمال العارف احترافه فيه له ".
(6) حلية الأولياء: 10 / 39، وقوله عن الاسم الأعظم: " ليس له حد " مردود بما أخرجه أبو داود: (1495)، والنسائي: 3 / 52، وابن ماجة: (3858)، من حديث انس بن مالك قال: كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ورجل يصلي ثم دعا: اللهم أني اسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والارض، يا ذا الجلال والاكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعاء الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى ".
وإسناده صحيح.
وبما رواه أحمد، 5 / 360، وأبو داود، (1493)، والترمذي (3475)، والنسائي 3 / 52، وابن ماجة (3857) من حديث عبد الله بن بريدة، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فقال: " لقد سأل الله عزوجل باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى " وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (2383)، والحاكم 1 / 504، وأقره الذهبي.
وبما أخرج أحمد 6 / 461، وأبو داود (1496)، والترمذي (3472)، والدارمي =

(13/87)


وَقَالَ: للهِ خَلْقٌ كَثِيْرٌ يَمْشُوْنَ عَلَى المَاءِ، لاَ قِيْمَةَ لَهُمْ عِنْدَ الله، وَلَوْ نَظَرْتُم إِلَى مَنْ أُعْطِيَ مِنَ الكَرَامَاتِ حَتَّى يَطِيْرَ، فَلاَ تَغْتَرُّوا بِهِ حَتَّى تَرَوا كَيْفَ هُوَ عِنْدَ الأَمْرِ وَالنَّهْي، وَحِفْظِ الحُدُوْدِ وَالشَّرْعِ (1) .
وَلَهُ هَكَذَا نُكَتٌ مَلِيْحَةٌ، وَجَاءَ عَنْهُ أَشْيَاء مُشْكِلَةٌ لاَ مَسَاغَ لَهَا، الشَّأْنُ فِي ثُبُوْتِهَا عَنْهُ، أَوْ أَنَّهُ قَالَهَا فِي حَالِ الدَّهْشَةِ وَالسُّكْرِ (2) ، وَالغَيْبَةِ وَالمَحْوِ، فَيُطْوَى، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهَا (3) ، إذْ ظَاهِرُهَا إلْحَادٌ، مِثْل: سُبْحَانِي، وَمَا فِي الجُبَّةِ إِلاَّ الله.
مَا النَّارُ؟ لأَسْتَنِدَنَّ إِلَيْهَا غَداً، وَأَقُوْلُ: اجعَلْنِي فَدَاءً لأَهْلِهَا، وَإلاَّ بَلَعْتُهَا (4) .
مَا الجَنَّةُ؟ لُعْبَةُ صِبْيَانٍ، وَمُرَاد أَهْلُ الدُّنْيَا.
مَا المُحَدِّثُونَ؟ إِنْ خَاطَبَهُم رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ، فَقَدْ خَاطبنَا القَلْبُ عَنِ الرَّبِّ (5) .
وَقَالَ فِي اليَهُوْدِ: مَا هَؤُلاَءِ؟ هَبْهُم لِي، أَيُّ شَيْءٍ هَؤُلاَءِ حَتَّى تُعَذِّبَهُم؟
__________
= 2 / 450، وابن ماجة (3855) من حديث أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اسم الله الأعظم في هاتين الايتين: (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) ، وفاتحة سورة آل عمران: (ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم) وفي سنده شهر بن حوشب وهو ضعيف، لكن له شاهد من حديث أبي أمامة يتقوى به عند ابن ماجه (3856)، والطحاوي في " مشكل الآثار " 1 / 63، والحاكم 1 / 506، وسنده حسن.
(1) انظر: حلية الأولياء: 10 / 40.
(2) المقصود بالسكر هنا: الشوق والوله بالله تعالى، وقد ورد في " الحلية ": 10 / 40 ما يوضح ذلك: " كتب يحيى بن معاذ إلى أبي يزيد: سكرت من كثرة ما شربت من كأس محبته.
فكتب أبو يزيد في جوابه: سكرت وما شربت من الدرر، وغيري قد شرب بحور السماوات والارض وما روي بعد، ولسانه مطروح من العطش، ويقول: هل من مزيد ؟ ".
(3) للاسف، فإن جماعة من الناس في عصرنا هذا يتعلقون بمثل هذه الهنات، ويشيعونها، فهم يسيئون بقصد أو بغير قصد.
(4) في " الميزان ": " أو لابلغنها ".
(5) ميزان الاعتدال 2 / 346.

(13/88)


قَالَ السُّلَمِيُّ فِي (تَارِيْخِ الصُّوْفِيَّةِ): تُوُفِّيَ أَبُو يَزِيْدَ عَنْ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَلَهُ كَلاَمٌ حَسَنٌ فِي المُعَامَلاَتِ.
ثُمَّ قَالَ: وَيُحْكَى عَنْهُ فِي الشَّطْحِ أَشْيَاءُ، مِنْهَا مَا لاَ يَصِحُّ، أَوْ يَكُونُ مَقُوْلاً عَلَيْهِ، وَكَانَ يَرْجِعُ إِلَى أَحْوَالٍ سَنِيَّةٍ، ثُمَّ سَاقَ بإِسْنَادٍ لَهُ، عَنْ أَبِي يَزِيْدَ، قَالَ:
مَنْ نَظَرَ إِلَى شَاهِدِي بِعَيْنِ الاضطرَابِ، وَإِلَى أَوْقَاتِي بِعَيْنِ الاغْتِرَابِ، وَإِلَى أَحْوَالِي بِعَيْنِ الاسْتِدْرَاجِ، وَإِلَى كَلاَمِي بِعَيْنِ الاَفْتِرَاءِ، وَإِلَى عِبَارَاتِي بِعَيْنِ الاجْتِرَاءِ، وَإِلَى نَفْسِي بِعَيْنِ الاَزْدِرَاءِ، فَقَدْ أَخطَأَ النَّظَرَ فِيَّ (1) .
وَعَنْهُ قَالَ: لَوْ صَفَا لِي تَهْلِيْلَةٌ مَا بَالَيْتُ بَعْدَهَا.
تُوُفِّيَ أَبُو يَزِيْدَ بِبسْطَامَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

50 - المَيْمُوْنِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ * (س (2))
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، الفَقِيْهُ، أَبُو الحَسَنِ، عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ شَيْخِ الجَزِيْرَةِ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، المَيْمُوْنِيُّ، الرَّقِّيُّ، تِلْمِيْذُ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَمِنْ كِبَارِ الأَئِمَةِ.
سَمِعَ: إِسْحَاقَ بنَ يُوْسُفَ الأَزْرَقَ، وَحَجَّاجَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيَّ، وَرَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَمَكِّيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَبْدَ اللهِ القَعْنَبِيَّ، وَعَفَّانَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
__________
(1) حلية الأولياء: 10 / 40.
(*) الجرح والتعديل: 5 / 358، طبقات الحنابلة: 1 / 212 - 216، تهذيب الكمال: خ: 857، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 250، تذكرة الحفاظ: 2 / 603 - 604، عبر المؤلف: 2 / 53، تهذيب التهذيب: 6 / 400، طبقات الحفاظ: 263، خلاصة تذهيب الكمال: 244، شذرات الذهب: 2 / 165 - 166.
(2) زيادة من " التقريب ".

(13/89)


حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ فِي (سُنَنِهِ) وَوَثَّقَهُ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الحَرَّانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ شَكَّر، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَتَّوَيه، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ عَالِمَ الرَّقَّةِ، وَمُفْتِيهَا فِي زَمَانِهِ.
مَاتَ: فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ فِي عَشْرِ المائَةِ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -.

51 - الوَاسِطِيُّ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ المَجِيْدِ *
الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ المَجِيْدِ الوَاسِطِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ صَاعِدٍ، وَعُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ، وَأَبُو سَهْلٍ العَطَّارُ، وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ.
وَثَّقَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ.
تُوُفِّيَ: فِي رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ البُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ (1) ، فَقَالَ الحَاكِمُ: هَذَا هُوَ
__________
(*) الجرح والتعديل: 6 / 175، تاريخ بغداد: 11 / 335 - 336، تهذيب الكمال: خ: 956 - 957، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 53، تهذيب التهذيب: 7 / 281 - 282، خلاصة تذهيب الكمال: 271.
(1) 9 / 65 في فضائل القرآن: باب اغتباط صاحب القرآن، وتمامه: " حدثنا شعبة عن سليمان قال: سمعت ذكوان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت =

(13/90)


الوَاسِطِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَلِيَّ بنَ إِشْكَابٍ (1) .
قُلْتُ: مَا المَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُوْنَ هُوَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ (2)؟

52 - أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُسْلِمٍ البَغْدَادِيُّ * (ت، س (3))
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، الرَّحَّالُ، أَبُو أُمَيَّةَ، مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُسْلِمٍ البَغْدَادِيُّ، ثُمَّ الطَّرَسُوْسِيُّ، نَزِيْلُ طَرَسُوْسَ (4) ، وَمُحَدِّثُهَا، وَصَاحِبُ (المُسْنَدِ) وَالتَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
= مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل ".
(1) قال الحافظ في " المقدمة " 229: اختلفوا في تعيين علي هذا، فقيل: هو علي بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الحميد الواسطي حكاه الحاكم، ورجحه اللالكائي وابن السمعاني، وقيل: هو علي بن عبد الله بن إبراهيم البغدادي، وإنما نسب إلى جده، حكاه الحاكم أيضا، وقد روى البخاري في باب إجابة الداعي عن علي بن عبد الله بن إبراهيم، عن حجاج بن محمد حديثا آخر، وقال أبو أحمد بن عدي: يشبه أن يكون علي بن إبراهيم الذي في الفضائل هو علي ابن الحسين بن إبراهيم بن إشكاب نسبه إلى جده، وقد حدث عن أخيه محمد في الجامع.
قلت (القائل الحافظ ابن حجر) الأول أصح وأصوب. وقد حدث البخاري في " التاريخ " عن علي بن إبراهيم بحديث آخر، ونقل في " الفتح " عن الدارقطني أنه علي بن عبد الله بن إبراهيم نسب إلى جده، وهو قول أبي عبد الله بن مندة.
(2) لم يتابع المؤلف على هذا، ثم إن علي بن المديني والده عبد الله وليس أحد من أجداده اسمه إبراهيم.
(*) الجرح والتعديل: 7 / 187، تاريخ بغداد: 1 / 394 - 396، طبقات الحنابلة: 1 / 265 - 266، المنتظم: 5 / 90 - 91، اللباب: 2 / 279، تهذيب الكمال: خ: 1158، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 179، تذكر الحفاظ: 2 / 581، ميزان الاعتدال: 3 / 447، عبر المؤلف: 2 / 51، تهذيب التهذيب: 9 / 15 - 16، طبقات الحفاظ: 258، خلاصة تذهيب الكمال: 324 - 325، شذرات الذهب: 2 / 164.
(3) زيادة من " تهذيب التهذيب ".
(4) طرسوس، بفتح الطاء والراء وضم السين:: مدينة بين أنطاكية وحلب وبلاد الروم.
كانت موطنا للصالحين والزهاد يقصدونها لأنها من ثغور المسلمين. " انظر: معجم البلدان).

(13/91)


وَحَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ عَطَاءٍ، وَعُمَرَ بنِ يُوْنُسَ اليَمَامِيِّ، وَرَوْحِ بنِ عُبَادَةَ، وَجَعْفَرِ بنِ عَوْنٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ، وَعُثْمَانَ بنِ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَالحَسَنِ بنِ مُوْسَى الأشْيَبِ، وَيَعْقُوْبَ الحَضْرَمِيِّ، وَشَبَابَةَ بنِ سَوَّارٍ، وَأَبِي مُسْهِرٍ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَابْنُ جَوْصَا، وَأَبُو الدَّحْدَاحِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو الطَّيِّبِ بنُ عَبَادِلَ، وَعُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَضَائِرِيُّ، وَحَفِيْدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي أُمَيَّةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: هُوَ بغدَادِيٌّ، سَكَنَ طَرَسُوْسَ.
وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: كَانَ فَهْماً، حَسَنَ الحَدِيْثِ (1) .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: أَبُو أُمَيَّةَ صَدُوْقٌ، كَثِيْرُ الوَهْمِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ الفَقِيَهُ: أَبُو أُمَيَّةَ رَفِيْعُ القَدْرِ جِدّاً، كَانَ إِمَاماً فِي الحَدِيْثِ.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ بِطَرَسُوْسَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادَي: جَاءَنَا فِي رَمَضَانَ نَعِيُّ أَبِي أُمَيَّةَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ (2) .
__________
(1) انظر: تاريخ بغداد: 1 / 396.
(2) انظر: تاريخ بغداد: 1 / 396.

(13/92)


وَقِيْلَ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ، وَهَذَا وَهْمٌ.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ: أَحْمَدُ بنُ الوَلِيْدِ الفَحَّامُ (1) ، وَإِسْحَاقُ بنُ سَيَّارٍ النَّصِيْبِيُّ (2) ، وَحَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ (3) ، وَالفَتْحُ بنُ شخرف الزَّاهِدُ (4) ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَاجَهْ.
__________
(1) ترجمته في: عبر المؤلف: 2 / 51 - 52، شذرات الذهب: 2 / 164.
(2) ستأتي ترجمته في الصفحة: (194)، برقم: (111).
(3) تقدمت ترجمته في الصفحة: (51)، برقم: (38) (4) ترجمته في: تاريخ بغداد: 12 / 384 - 388.
(5) ستأتي ترجمته في الصفحة: (277)، برقم: (133).

(13/93)