سير أعلام
النبلاء، ط الرسالة الطَّبَقَةُ الخَامِسَةَ عَشَرَةَ
53 - أَحْمَدُ بنُ طُولُوْنَ التُّركِيُّ أَبُو العَبَّاسِ
*
صَاحِبُ مِصْرَ، أَبُو العَبَّاسِ.
وُلِدَ بِسَامَرَّاءَ، وَقِيْلَ: بَلْ تَبَنَّاهُ
الأَمِيْرُ طُولُوْنَ.
وَطُولُوْنَ قَدَّمَهُ صَاحِبُ مَا وَرَاء النَّهْرِ (1)
إِلَى المَأْمُوْنِ، فِي عِدَّةِ مَمَالِيْكٍ، سَنَةَ
مائَتَيْنِ، فَعَاشَ طُولُوْنَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
فَأَجَادَ ابْنُهُ؛ أَحْمَدُ حِفْظَ القُرْآنِ، وَطَلَبَ
العِلْمَ، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَحْوَالُ، وَتَأَمَّرَ،
وَوَلِي ثُغُوْرَ الشَّامِ، ثُمَّ إِمْرَةَ دِمَشْقَ،
ثُمَّ وَلِيَ الدِّيَارَ المِصْرِيَّةَ فِي سَنَةِ
أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ، وَلَهُ إذْ ذَاكَ أَرْبعُوْنَ
سَنَةً.
وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً، مِقْدَاماً مَهِيْباً،
سَائِساً، جَوَاداً، مُمَدَّحاً، مِنْ دُهَاةِ المُلُوكِ.
قِيْلَ: كَانَتْ مُؤْنَتَهُ فِي اليَوْمِ أَلْفَ
دِيْنَارٍ، وَكَانَ يَرْجِع إِلَى عَدْلٍ
__________
(*) تاريخ الطبري: 9 / 363، 381، 543، 545، 627، 666،
المنتظم، 5 / 71 - 74، الكامل لابن الأثير: 7 / 408 - 409،
وفيات الأعيان: 1 / 173 - 174، عبر المؤلف: 2 / 43 - 44،
الوافي بالوفيات: 6 / 430 - 432، البداية والنهاية: 11 /
45 - 47، النجوم الزاهرة: 3 / 1 - 21، شذرات الذهب: 2 /
157 - 158.
(1) وهو: نوح بن أسد. انظر: المنتظم: 5 / 71.
(13/94)
وَبَذْلٍ، لَكِنَّهُ جَبَّارٌ، سَفَّاكٌ
لِلْدِّمَاءِ.
قَالَ القُضَاعِيُّ: أُحْصِيَ مَنْ قَتَلَهُ صَبْراً، أَوْ
مَاتَ فِي سِجْنِهِ، فَبَلَغُوا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ
أَلْفاً (1) .
وَأَنْشَأَ بِظَاهِر مِصْرَ جَامِعاً، غَرِمَ عَلَيْهِ
مائَةَ أَلْفِ دِيْنَارٍ (2) ، وَكَانَ جَيِّدَ
الإِسْلاَمِ، مُعَظِّماً للشَّعَائِرِ.
خَلَّفَ مِنَ العَيْنِ عَشْرَةَ آلاَفِ أَلْفِ دِيْنَارٍ،
وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِيْنَ (3) أَلْفَ مَمْلُوْكٍ،
وَجَمَاعَةَ بَنِيْن، وَسِتَّ مائَةِ بَغْلٍ لِلْثِقَلِ
(4).
وَيُقَالُ: بَلَغَ ارتِفَاعُ خَرَاجِ مِصْرَ فِي
أَيَّامِهِ أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعَةِ آلاَفِ أَلفِ
دِيْنَارٍ (5) ، وَكَانَ الخَلِيْفَةُ مَشْغُوْلاً عَنِ
ابْنِ طُولُوْنَ بِحُرُوْبِ الزنجِ، وَكَانَ يَزْرِي عَلَى
أُمَرَاءِ التُّرْكِ فِيمَا يَرْتَكِبُوْنَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الهَرَوِيُّ: كُنَّا عِنْدَ
الرَّبِيْعِ المُرَادِيِّ، فَجَاءهُ رَسُوْلُ ابْنِ
طُولُوْنَ بِأَلفِ دِيْنَارٍ، فَقَبِلَهَا.
قِيْلَ: إِنَّ ابْنَ طُولُوْنَ نَزَلَ يَأْكُلُ، فَوَقَفَ
سَائِلٌ، فَأَمَرَ لَهُ بِدَجَاجَةٍ وَحَلْوَاءٍ، فَجَاءَ
الغُلاَمُ، فَقَالَ: نَاوَلْتُهُ فَمَا هَشَّ لَهَا.
فَقَالَ: عَلِيَّ بِهِ.
فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، لَمْ يَضْطَرِبْ مِنَ
الهَيْبَةِ، فَقَالَ: أَحْضِرِ الكُتُبَ الَّتِي مَعَكَ
وَاصدُقْنِي، فَأَنْتَ صَاحِبُ خَبَرٍ، هَاتُوا
السِّيَاطَ، فَأَقَرَّ، فَقَالَ
__________
(1) عبر المؤلف: 2 / 43.
(2) انظر: وفيات الأعيان: 1 / 173. وفيه: " وأنفق على
عمارته مئة ألف وعشرين ألف دينار..."
(3) في " العبر ": 2 / 43: أربعة عشر ألفا.
(4) انظر: المنتظم: 5 / 73.
(5) انظر: المصدر السابق ففيه " درهم " بدلا من " دينار ".
(13/95)
بَعْضُ الأُمَرَاء: هَذَا السِّحْرُ؟
فَقَالَ: لاَ، وَلَكِنْ قِيَاسٌ صَحِيْحٌ (1) .
قَالَ ابْنُ أَبِي العَجَائِزِ، وَغَيْرُهُ: وَقَعَ
حَرِيْقٌ بِدِمَشْقَ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ ابْنُ طُولُوْنَ،
وَمَعَهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ
الوَاسِطِيُّ؛ كَاتِبُهُ، فَقَالَ أَحْمَدُ لأَبِي
زُرْعَةَ: مَا اسْمُ هَذَا المَكَان؟
قَالَ: خُطُّ كَنِيْسَةِ مَرْيَمَ.
فَقَالَ الوَاسِطِيُّ: وَلمَرْيَمَ كَنِيْسَة؟
قَالَ: بَنَوْهَا بِاسْمِهَا.
فَقَالَ ابْنُ طُولُوْنَ: مَالَكَ وَللاعتِرَاضِ عَلَى
الشَّيْخِ؟
ثُمَّ أَمَرَ بِسَبْعِيْنَ أَلفِ دِيْنَارٍ مِنْ مَالِهِ
لأَهْلِ الحَرِيْقِ، فَأُعْطُوا، وَفَضَلَ مِنَ الذَّهَبِ!
وَأَمَرَ بِمَالٍ عَظِيْمٍ، فَفُرِّقَ فِي فُقَرَاءِ
الغُوْطَةِ، وَالبَلَدِ، فَأَقَلُّ مَن أُعْطِيَ دِيْنَارٌ
(2) .
عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ المَادَرَائِي، قَالَ: كُنْتُ
أَجْتَازُ بِقَبْرِ ابْنِ طُولُوْنَ، فَأَرَى شَيْخاً
مُلاَزِماً لَهُ، ثُمَّ لَمْ أَرَهُ مُدَّةً، ثُمَّ
رَأَيتُهُ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كَانَ لَهُ عَلَيَّ
أَيَادٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَصِلَهُ بِالتِّلاَوَةِ.
قَالَ: فَرَأَيتُهُ فِي النَّوْمِ يَقُوْلُ: أُحِبُّ أَنْ
لاَ تَقْرَأَ عِنْدِي، فَمَا تَمُرُّ بِي آيَةٌ إِلاَّ
قُرِّعْتُ بِهَا، وَيُقَالُ لِي: أَمَا سَمِعْتَ هَذِهِ؟
تُوُفِّيَ أَحْمَدُ بِمِصْرَ: فِي شَهْرِ ذِي القَعْدَةِ،
سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُهُ؛ خُمَارَوَيْه، ثُمَّ جَيْشُ بنُ
خُمَارَوَيْه، ثُمَّ أَخُوْهُ؛ هَارُوْنَ.
54 - أَحْمَدُ الخُجُسْتَانِيُّ *
جَبَّارٌ، عَنِيْدٌ، ظَالِمٌ، مُتَمَرِّدٌ، خَرَجَ عَنْ
طَاعَةِ صَاحِبِ خُرَاسَانَ؛ يَعْقُوْبَ
__________
(1) النجوم الزاهرة: 3 / 13، والزيادة منه، وأضاف: " رأيت
سوء حاله، فسيرت له طعاما يشره له الشبعان، فما هش له،
فأحضرته، فتلقاني بقوة جأش، فعلمت أنه صاحب خبر لا فقير،
فكان كذلك ".
(2) انظر: النجوم الزاهرة: 3 / 13 - 14.
(*) تاريخ الطبري: 9 / 544، 552، 557، 589، 599، 660، 612،
معجم البلدان: " خجستان " وفيه وفاته (264)، الكامل لابن
الأثير: 7 / 296 - 304، اللباب: =
(13/96)
الصَّفَّارِ، وَتَمَلَّكَ نَيْسَابُوْرَ
وَغَيْرَهَا، وَأَظْهَرَ الاَنْتِمَاءَ إِلَى
الطَّاهِرِيَّةِ، وَجَعَلَ رَافِعَ بنَ هَرْثمَةَ (1)
أَتَابِكَهُ (2) ، وَجَرَتْ لَهُ مَلاَحِمُ، وَظَفِرَ
بيَحْيَى بنِ الذُّهْلِيِّ شَيْخِ نَيْسَابُوْرَ،
فَقَتَلَهُ وَعَتَا، ثُمَّ ذَبَحَهُ مَمْلُوَكَانِ لَهُ
فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ (3) .
تَمَلَّكَ سَبْعَ سِنِيْنَ.
وَمِنْ جَوْرِهِ: أَنَّهُ لَمَّا غَلَبَ عَلَى
نَيْسَابُوْرَ، نَصَبَ رُمْحاً وَأَلزَمَهُم أَنْ يَزِنُوا
مِنَ الدَّرَاهِمِ مَا يُغَطِي رَأْسَ الرُّمْحِ،
فَأَفْقَرَ الخَلْقَ، وَعَذَّبَهُم (4) .
55 - دَاوُدُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ البَغْدَادِيُّ
الظَّاهِرِيُّ *
الإِمَامُ، البَحْرُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، عَالِمُ
الوَقْتِ، أَبُو سُلَيْمَانَ البَغْدَادِيُّ، المَعْرُوْفُ
بِالأَصْبَهَانِيِّ، مَوْلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ
المَهْدِيِّ، رَئِيْسُ أَهْلِ الظَّاهِرِ.
__________
= 1 / 424، عبر المؤلف 2 / 33، 36، 38، الوافي بالوفيات: 7
/ 80 - 81.
والخجستاني، بضم الخاء والجيم، وسكون السين: نسبة إلى
خجستان من جبال هراة. (اللباب)
(1) ستأتي ترجمته في الصفحة. (406)، برقم: (196).
(2) الاتابك: لقب تركي معناه: الاب الوصي وقد أطلقه
السلجوقيون على بعض كبار رجال البلاط، وأراد هنا أنه صيره
قائدا.
(3) انظر الخبر مفصلا في: " الكامل ": 7 / 303.
(4) المصدر السابق: 7 / 304، وفيه: " نصب رمحا طويلا في
صحن داره، وقال: يحتاج أهل نيسابور أن يضعوا الدر حتى
يغمروا الرمح. فخافوا منه ".
(*) الفهرست: المقالة السادسة: الفن الرابع، تاريخ بغداد:
8 / 369 - 375، طبقات الفقهاء: 92، المنتظم: 5 / 75 - 77،
وفيات الأعيان: 2 / 255 - 257، ميزان الاعتدال: 2 / 14 -
16، عبر المؤلف: 2 / 45، طبقات السبكي: 2 / 284 - 293،
البداية والنهاية: 11 / 47 - 48، لسان المزان: 2 / 422 -
424، النجوم الزاهرة: 3 / 47 - 48، طبقات الحفاظ: 253 -
254، طبقات المفسرين للماوردي: 1 / 166 - 169، شذرات
الذهب: 2 / 158 - 159 تاريخ أصبهان 1 / 312.
(13/97)
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ مائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ: سُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ، وَعَمْرَو بنَ
مَرْزُوْقٍ، وَالقَعْنَبِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ كَثِيْرٍ
العَبْدِيَّ، وَمُسَدَّدَ بنَ مُسَرْهَدٍ، وَإِسْحَاقَ بنَ
رَاهْوَيْه، وَأَبَا ثَوْرٍ الكَلْبِيَّ،
وَالقَوَارِيْرِيَّ، وَطَبَقَتَهُم.
وَارْتَحَلَ إِلَى إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه (1) ،
وَسَمِعَ مِنْهُ (المُسْنَدَ) وَ(التَّفْسِيْرَ)،
وَنَاظَرَ عِنْدَهُ؛ وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَتَصَدَّرَ،
وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَابُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: صَنَّفَ الكُتُبَ، وَكَانَ
إِمَاماً وَرِعاً نَاسِكاً زَاهِداً، وَفِي كُتُبِهِ
حَدِيْثٌ كَثِيْرٌ، لَكِنَّ الرِّوَايَة عَنْهُ عَزِيْزَةٌ
جِدّاً (2) .
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
دَاوُدَ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ
يَعْقُوْبَ الدَّاوُودِيُّ، وَعَبَّاسُ بنُ أَحْمَدَ
المُذَكِّرُ، وَغَيْرُهُم.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ: إِنَّمَا عُرِفَ
بِالأَصْبَهَانِيِّ، لأَنَّ أُمَّهُ أَصْبَهَانِيَّةٌ،
وَكَانَ أَبُوْهُ حَنَفِيُّ المَذْهَبِ (3) .
قَالَ أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: رَأَيْتُ دَاوُدَ بنَ
عَلِيٍّ يَرُدُّ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَمَا
رَأَيْتُ أَحَداً قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ يَرُدُّ
عَلَيْهِ، هَيْبَةً لَهُ (4) .
قَالَ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ الحَافِظُ:
سَمِعْتُ دَاوُدَ بنَ عَلِيٍّ، يَقُوْلُ:
دَخَلْتُ عَلَى إِسْحَاقَ وَهُوَ يَحْتَجِمُ، فَجَلَسْتُ،
فَرَأَيْتُ كُتُبَ الشَّافِعِيِّ،
__________
(1) زيادة من: تاريخ بغداد: 8 / 369.
(2) انظر: تاريخ بغداد: 8 / 369 - 370.
(3) انظر: ميزان الاعتدال: 2 / 15، ولسان الميزان: 2 /
422.
(4) تاريخ بغداد: 8 / 370 - 371.
(13/98)
فَأَخَذْتُ أَنْظُرُ، فَصَاحَ بِي
إِسْحَاقُ: أَيْش تَنْظُرُ؟
فَقُلْتُ : {مَعَاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ
وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ } [يُوْسُفُ:75]، قَالَ:
فَجَعَلَ يَضْحَكُ، أَوْ يَبْتَسِمُ (1) .
سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو البَرْذَعِيُّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ
أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، فَاخْتَلَفَ رَجُلاَنِ مِنْ
أَصْحَابِنَا فِي أَمْرِ دَاوُد الأَصْبهَانِي،
وَالمُزَنِيّ، وَالرَّجُلاَنِ: فَضْلَكُ الرَّازِيُّ،
وَابْنُ خِرَاشٍ، فَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: دَاوُدُ كَافِرٌ.
وَقَالَ فَضْلَكُ: المُزَنِيُّ جَاهِلٌ.
فَأَقْبَلَ أَبُو زُرْعَةَ يُوَبِّخُهُمَا، وَقَالَ
لَهُمَا: مَا وَاحِدٌ مِنْكُمَا لَهُمَا بِصَاحِبٍ.
ثُمَّ قَالَ: تَرَى دَاوُدَ هَذَا، لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى
مَا يِقْتَصِرُ عَلَيْهِ أَهْلُ العِلْمِ لَظَنَنْتُ
أَنَّهُ يُكْمِدُ أَهْلَ البِدَعِ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ
البَيَانِ وَالآلَةِ (2) ، وَلَكِنَّهُ تَعَدَّى، لَقَدْ
قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ نَيْسَابُوْرَ، فَكَتَبَ إِلَيَّ
مُحَمَّدِ بنِ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى،
وَعَمْرِو بنِ زُرَارَةَ، وَحُسَيْنِ بنِ مَنْصُوْرٍ،
وَمَشْيَخَةِ نَيْسَابُورَ بِمَا أَحْدَثَ هُنَاكَ،
فَكَتَمْتُ ذَلِكَ لِمَا خِفْتُ مِنْ عَوَاقِبِهِ، وَلَمْ
أُبْدِ لَهُ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، فَقَدِمَ بَغْدَادَ،
وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَالِحِ بنِ أَحْمَدَ بنِ
حَنْبَلٍ حُسْنٌ، فَكَلَّمَ صَالِحاً أَنْ يَتَلَطَّفَ
لَهُ فِي الاسْتِئذَانِ عَلَى أَبِيْهِ، فَأَتَى صَالِحٌ
أَبَاهُ، فَقَالَ: رَجُلٌ سَأَلَنِي أَنْ يَأْتِيْكَ،
فَقَالَ: مَا اسْمُهُ؟
قَالَ: دَاوُدُ.
قَالَ: مِنْ أَيْنَ هُوَ؟
قَالَ: مِنْ أَصْبَهَانَ.
فَكَانَ صَالِحٌ يَرُوْغُ عَنْ تَعْرِيْفِهِ، فَمَا زَالَ
الإِمَامُ أَحْمَدُ يَفْحَصُ، حَتَّى فَطِنَ بِهِ،
فَقَالَ: هَذَا قَدْ كَتَبَ إِلَيَّ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى
فِي أَمْرِهِ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ القُرَآنَ مُحْدَثٌ،
فَلاَ يَقْرَبَنِّي.
فَقَالَ: يَا أَبَهْ! إِنَّهُ يَنْتَفِي مِنْ هَذَا
وَيُنْكِرَهُ.
فَقَالَ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى أَصَدَقُ مِنْهُ، لاَ
تَأْذَنْ لَهُ (3) .
__________
(1) طبقات السبكي: 2 / 285.
وقد قال هذا لان داود كان في أول أمره من المتعصبين
للشافعي، الآخذين بأقواله.
(2) في طبقات السبكي: " الأدلة ".
(3) تاريخ بغداد: 8 / 373 - 374، و: طبقات السبكي: 2 / 285
- 286.
(13/99)
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ:
رَأَيْتُ دَاوُدَ بنَ عَلِيٍّ يُصَلِّي، فَمَا رَأَيْتُ
مُسْلِماً يُشْبِهُهُ فِي حُسْنِ تَوَاضُعِهِ (1) .
وَقَدْ كَانَ مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ
يَخْتَلِفُ إِلَى دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ مُدَّةً، ثُمَّ
تَخَلَّفَ عَنْهُ، وَعَقَدَ لِنَفْسِهِ مَجْلِساً،
فَأَنْشَأَ دَاوُدُ يَتَمَثَّل:
فَلَوْ أَنِّي بُلِيْتُ بِهَاشِمِيٍّ ... خُؤُوْلَتُهُ
بَنُوَة عَبْدِ المَدَانْ
صَبَرْتُ عَلَى أَذَاهُ لِي وَلَكِنْ ... تَعَالَيْ
فَانْظُرِيْ بِمَنِ ابْتَلاَنِي (2)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي: أَخْبَرَنِي أَبُو
عَبْدِ اللهِ الوَرَّاقُ:
أَنَّهُ كَانَ يُورق عَلَى دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ، وَأَنَّهُ
سَمِعَهُ يُسْأَلُ عَنِ القُرَآنِ، فَقَالَ: أَمَّا
الَّذِي فِي اللَّوْحِ المَحْفُوْظِ: فَغَيْرُ مَخْلُوْقٍ،
وَأَمَّا الَّذِي هُوَ بَيْنَ النَّاسِ: فَمَخْلُوْقٌ (3)
.
قُلْتُ: هَذِهِ التَّفرِقَةُ وَالتَّفْصِيلُ مَا قَالَهَا
أَحَدٌ قَبْلَهُ، فِيمَا عَلِمْتُ، وَمَا زَالَ
المُسْلِمُوْنَ عَلَى أَنَّ القُرَآنَ العَظِيْمَ كَلاَمُ
اللهِ، وَوَحْيُهُ وَتَنْزِيْلُهُ، حَتَّى أَظْهَرَ
المَأْمُوْنَ القَوْلَ: بِأَنَّهُ مَخْلُوْقٌ، وَظَهَرَتْ
مَقَالَةُ المُعْتَزِلَةِ، فَثَبَتَ الإِمَامُ أَحْمَدُ
بنُ حَنْبَلٍ، وَأَئِمَةُ السُّنَّةِ عَلَى القَوْلِ:
بِأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، إِلَى أَنْ ظَهَرَتْ
مَقَالَةُ حُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ الكَرَابِيْسِي (4) ،
وَهِيَ: أَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ،
وَأَنَّ أَلْفَاظَنَا بِهِ مَخْلُوْقَةٌ، فَأَنْكَرَ
الإِمَامُ أَحْمَدُ ذَلِكَ، وَعَدَّهُ بِدْعَةً، وَقَالَ:
مَنْ قَالَ لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، يُرِيْدُ بِهِ
القُرْآنَ فَهُوَ جَهْمِيٌّ (5) . وَقَالَ أَيْضاً: مَنْ
__________
(1) تاريخ بغداد: 8 / 371.
(2) تاريخ بغداد: 8 / 373، وفيه : " فلما أخبر بذلك داود،
أنشأ يقول..."، والشطر الأول من البيت الثاني: " صبرت على
أذيته ولكن ".
(3) تاريخ بغداد: 8 / 374.
(4) عبر المؤلف: 1 / 450 - 451، والكرابيسي: نسبة إلى
الثياب الغلاظ. (اللباب).
(5) الجهمية: نسبة إلى جهم بن صفوان، يكنى أبا محرز، وقد
نشأ في سمرقند =
(13/100)
قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ غَيْرُ
مَخْلُوْقٍ، فَهُوَ مُبْتَدِعٌ.
فَزَجَرَ عَنِ الخَوْضِ فِي ذَلِكَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ.
وَأَمَّا دَاوُدُ فَقَالَ: القُرْآنُ مُحْدَثٌ.
فَقَامَ عَلَى دَاوُدَ خَلْقٌ مِن أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ،
وَأَنْكَرُوا قَولَهُ وَبَدَّعُوْهُ، وَجَاءَ مِنْ
بَعْدِهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ، فَقَالُوا:
كَلاَمُ اللهِ مَعْنَىً قَائِمٌ بِالنَّفْسِ، وَهَذِهِ
الكُتُبُ المُنْزَلَةُ دَالَّةٌ عَلَيْهِ، وَدَقَّقُوا
وَعَمَّقُوا، فَنَسْأَلُ اللهَ الهُدَى وَاتِّبَاعَ
الحَقِّ، فَالقُرْآنُ العَظِيْمُ، حُرُوْفُهُ وَمَعَانِيهُ
وَأَلفَاظُهُ كَلاَمُ رَبِّ العَالِمِيْنَ، غَيْرُ
مَخْلُوْقٍ، وَتَلَفُّظُنَا بِهِ وَأَصْوَاتُنَا بِهِ مِنْ
أَعْمَالنَا المَخْلُوْقَةِ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (زَيِّنُوا القُرْآنَ
بِأَصْوَاتِكُم) (1) .
وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ المَلْفُوْظُ لاَ يَسْتَقِلُّ
إِلاَّ بِتَلَفُّظِنَا، وَالمَكْتُوْبُ لاَ يَنْفَكُّ عَنْ
كِتَابةٍ، وَالمَتْلُو لاَ يُسْمَعُ إِلاَّ بِتِلاَوَةِ
تَالٍ، صَعُبُ فَهْمُ المَسْأَلَةِ، وَعَسُرَ إِفْرَازُ
اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ المَلْفُوْظُ مِنَ اللَّفْظِ
الَّذِي يُعْنَى بِهِ التَّلَفُّظُ، فَالذِّهِنُ يَعْلَمُ
الفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ هَذَا، وَالخَوْضُ فِي
هَذَا خَطِرٌ - نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ فِي الدِّيْنِ
-.
وَفِي المَسْأَلَةِ بُحُوْثٌ طَوِيْلَةٌ، الكَفُّ عَنْهَا
أَوْلَى، وَلاَ سِيَّمَا فِي هَذِهِ الأَزْمِنَةِ
المُزْمِنَةِ.
__________
= بخراسان ثم قضى فترة من حياته الأولى في ترمذ وكان مولى
لبني راسب من الازد وقد أطبق السلف على ذمه بسبب تغاليه في
التنزيه وإنكار صفات الله، وتأويلها المفضي إلى تعطيلها.
وأول من حفظ عنه مقالة التعطيل في الإسلام هو الجعد بن
درهم وأخذها عنه الجهم بن صفوان وأظهرها فنسبت إليه، قد
قتل سنة (128 ه)، مع الحارث بن سريج في حربه ضد بني أمية.
(انظر: الطبري: 7 / 210، 221، 236، 237، وتاريخ الجهمية
والمعتزلة: 10، وما بعدها، للقاسمي).
والسلف كانوا يسمون كل من نفى الصفات وقال: إن القرآن
مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة جهميا.
والامام أحمد يرى فيما يحكيه ابن جرير عنه - ان من قال:
لفظي بالقرآن مخلوق.
فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع.
(1) أخرجه من حديث البراء بن عازب أحمد: 4 / 283، و285،
و296، و304، والدارمي: 2 / 474، وأبو داود: (1468)،
والنسائي: 2 / 179 - 180، وابن ماجة (1342) وإسناده صحيح،
وصححه ابن حبان: (660)، والحاكم.
(13/101)
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ ثَعْلَبٌ: كَانَ
دَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ عَقْلُهُ أَكْبَرُ مِنْ عِلْمِهِ (1)
.
وَقَالَ قَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ الحَافِظُ: ذَاكَرْتُ ابْنَ
جَرِيْرٍ الطَّبرِيَّ وَابْنَ سُرَيْجٍ فِي كِتَابِ ابْنِ
قُتَيْبَةَ فِي الفِقْهِ، فَقَالاَ:
لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِذَا أَرَدْتَ الفِقْهَ، فَكُتُبُ
أَصْحَابِ الفِقْهِ، كَالشَّافِعِيِّ، وَدَاوُدَ،
وَنُظَرَائِهِمَا.
ثُمَّ قَالا: وَلاَ كُتُبُ أَبِي عُبَيْدٍ (2) فِي
الفِقْهِ، أَمَا تَرَى كِتَابَهُ فِي (الأَمْوَالِ) مَعَ
أَنَّهُ أَحْسَنُ كُتُبِهِ (3) ؟
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: كَانَ دَاوُدُ عِرَاقِيّاً، كَتَبَ
ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ وَرَقَةٍ، وَمِنْ أَصْحَابِهِ:
أَبُو الحَسَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ رُوَيْم،
وَأَبُو بَكْرٍ بنُ النَّجَّارِ، وَأَبُو الطَّيِّبِ
مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الدِّيْبَاجِي، وَأَحْمَدُ بنُ
مَخْلَدٍ الإِيَادِي، وَأَبُو سَعِيْدٍ الحَسَنُ بنُ
عُبَيْدِ اللهِ صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، وَأَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الدَّجَاجِي، وَأَبُو نَصْرٍ
السِّجِسْتَانِيُّ...، ثُمَّ سَرَدَ أَسْمَاءَ عِدَّةٍ
مِنْ تَلاَمِذَتِهِ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ (4) ، عَنْ
أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ
عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
الفَقِيْهُ فِي (طَبَقَاتِ الفُقَهَاءِ) لَهُ، قَالَ:
ذِكْرُ فُقَهَاءِ بَغْدَادَ: وَمِنْهُم: أَبُو سُلَيْمَانَ
دَاودُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ الأَصْبَهَانِيُّ، وُلِدَ
فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ، وَمَاتَ سَنَةَ
سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، أَخَذَ العِلْمَ عَنْ: إِسْحَاقَ
بنِ رَاهْوَيْه، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَكَانَ زَاهِداً
مُتَقَلِّلاً (5) ، وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ فِي
مَجْلِسِهِ أَرْبَعُ مائَةِ صَاحِبِ طَيْلَسَانَ أَخْضَرَ،
وَكَانَ مِنَ المُتَعَصِّبِيْنَ لِلشَّافِعِي،
__________
(1) تاريخ بغداد: 8 / 371.
(2) هو: القاسم بن سلام الهروي، أبو عبيد، صاحب التآليف
النافعة، وشيخ الامام الشافعي.
من كبار العلماء بالحديث والأدب والفقه. توفي سنة: (224
ه).
(3) سيكرر المؤلف الخبر في ترجمة ابن قتيبة، في الصفحة:
301.
(4) ترجمه المؤلف في " مشيخته ": خ: ق: 107.
(5) زاد أبو إسحاق هنا: " قال أبو العباس أحمد بن يحيى
ثعلب: كان داود عقله أكثر من علمه ".
(13/102)
وَصَنَّفَ كِتَابَيْنِ فِي فَضَائِلِهِ
وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ رِئَاسَةُ
العِلْمِ بِبَغْدَادَ، وَأَصْلُهُ مِنْ أَصْفَهَانَ،
وَمَوْلِدُهُ بِالكُوْفَةِ، وَمنْشَؤُهُ بِبَغْدَادَ،
وَقَبْرُهُ بِهَا فِي الشُّونِيْزِيَّة (1) .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ
بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
سَأَلْتُ المَرُّوْذِيَّ عَنْ قِصَّةِ دَاوُدَ
الأَصْبَهَانِيِّ، وَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ
اللهِ، فَقَالَ:
كَانَ دَاوُدُ خَرَجَ إِلَى خُرَاسَانَ إِلَى ابْنِ
رَاهْوَيْه، فَتَكَلَّمَ بِكَلاَمٍ شَهِدَ عَلَيْهِ أَبُو
نَصْرٍ بنُ عَبْدِ المَجِيْدِ، وَآخَرُ، شَهِدَا عَلَيْهِ
أَنَّهُ قَالَ: القُرْآنُ مُحْدَثٌ.
فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَنْ دَاوُدُ بنُ
عَلِيٍّ؟ لاَ فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ.
قُلْتُ: هَذَا مِنْ غِلْمَانِ أَبِي ثَوْرٍ.
قَالَ: جَاءنِي كِتَابُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى
النَّيْسَابُورِيِّ: أَنَّ دَاوُدَ الأَصْبَهَانِيَّ قَالَ
بِبَلَدِنَا: إِنَّ القُرْآنَ مُحْدَثٌ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ النَّيْسَابُورِيُّ:
أَنَّ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه لَمَّا سَمِعَ كَلاَمَ
دَاوُدَ فِي بَيْتِهِ، وَثَبَ عَلَى دَاوُدَ وَضَرَبَهُ،
وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ (2) .
الخَلاَّلُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ
صَدَقَةَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ الحُسَيْنِ بنِ
صَبِيْحٍ، سَمِعْتُ دَاوُدَ الأَصْبَهَانِيَّ يَقُوْلُ:
القُرْآنُ مُحْدَثٌ، وَلَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ (3)
.
وَأَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ: سَمِعْتُ
مُحَمَّدَ بنَ عَبْدَةَ يَقُوْلُ:
دَخَلْتُ إِلَى دَاوُدَ، فَغَضِبَ عَلَيَّ أَحْمَدُ بنُ
حَنْبَلٍ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُكَلِّمْنِي،
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! إِنَّهُ
رَدَّ عَلَيْهِ مَسْأَلَةً.
قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ:
__________
(1) طبقات الفقهاء:: 92. والشونيزية: مقبرة ببغداد،
بالجانب الغربي، دفن فيها جماعة كثيرة من الصالحين.
(2) طبقات الشافعية: 2 / 286.
(3) طبقات السبكي: 2 / 286.
(13/103)
قَالَ: الخُنْثَى إِذَا مَاتَ مَنْ
يُغَسِّلُهُ؟
قَالَ دَاوُدُ: يُغَسِّلُهُ الخَدَمُ.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدَةَ: الخَدَمُ رِجَالٌ،
وَلَكِنْ يُيَمَّمُ، فَتَبَسَّمَ أَحْمَدُ وَقَالَ:
أَصَابَ، أَصَابَ، مَا أَجْوَدَ مَا أَجَابَهُ (1) !
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ النَّدِيْمُ: لِدَاوُدَ
مِنَ الكُتُبِ: كِتَابُ (الإِيْضَاحِ)، كِتَابُ
(الإِفْصَاحِ)، كِتَابُ (الأُصُوْلِ)، كِتَابُ
(الدَّعَاوى)، كِتَابٌ كَبِيْرٌ فِي الفِقْهِ، كِتَابُ
(الذَّبِّ عَنِ السُّنَّةِ وَالأَخْبَارِ (2)) أَرْبَعُ
مُجَلَّدَاتٍ، كِتَابُ (الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الإِفْكِ)،
(صِفَة أَخْلاَقِ النَّبِيِّ)، كِتَابُ (الإِجْمَاعِ)،
كِتَابُ (إبْطَالِ القِيَاسِ)، كِتَابُ (خَبَرِ الوَاحِدِ
وَبَعْضُهُ مُوْجِبٌ لِلْعِلْمِ)، كِتَاب (الإِيضَاحِ)
خَمْسَةَ عَشَرَ مُجَلَّداً، كِتَابُ (المُتْعَةِ)،
كِتَابُ (إِبْطَالِ التَّقْلِيْدِ)، كِتَابُ
(المَعْرِفَةِ)، كِتَابُ (العُمُوْمِ وَالخُصُوْصِ)...
، وَسَرَدَ أَشْيَاءً كَثِيْرَةً (3) .
قُلْتُ: لِلعُلَمَاءِ قَوْلاَن فِي الاعتِدَاد، بِخِلاَفِ
دَاوُدَ وَأَتْبَاعِهِ: فَمَنْ اعتَدَّ بِخِلاَفِهِم،
قَالَ: مَا اعْتِدَادُنَا بِخِلاَفِهِم لأَنَّ
مُفْرَدَاتِهِم حُجَّةٌ، بَلْ لِتُحكَى فِي الجُمْلَةِ،
وَبَعْضُهَا سَائِغٌ، وَبَعْضُهَا قَوِيٌّ، وَبَعْضُهَا
سَاقِطٌ، ثُمَّ مَا تَفَرَّدُوا بِهِ هُوَ شَيْءٌ مِنْ
قَبِيْلِ مُخَالَفَةِ الإِجْمَاعِ الظَّنِّي، وَتَنْدُرُ
مُخَالَفَتُهُم لإِجْمَاعٍ قَطْعِي.
وَمَنْ أَهْدَرَهُم، وَلَمْ يَعْتَدَّ بِهِم، لَمْ
يَعُدَّهُم فِي مَسَائِلِهِم المُفْرِدَةِ خَارِجِيْنَ
بِهَا مِنَ الدِّيْنِ، وَلاَ كَفَّرَهُم بِهَا، بَلْ
يَقُوْلُ: هَؤُلاَءِ فِي حَيِّزِ العَوَامِّ، أَوْ هُم
كَالشِّيْعَةِ فِي الفُرُوْعِ، وَلاَ نَلْتَفِتُ إِلَى
أَقْوَالِهِم، وَلاَ نَنْصِبُ مَعَهُم الخِلاَفَ، وَلاَ
يُعْتَنَى بِتَحْصِيْلِ كُتُبِهِم، وَلاَ نَدُلُّ
مُسْتَفْتِياً مِنَ العَامَّةِ عَلَيْهِم. وَإِذَا
تَظَاهِرُوا
__________
(1) المصدر السابق: 2 / 286 - 287.
(2) في الفهرست: " كتاب الذب عن السنن والاحكام والاخبار،
ألف ورقة ".
(3) انظر: الفهرست: المقالة السادسة: الفن الرابع.
(13/104)
بِمَسْأَلَةٍ مَعْلُوْمَةِ البُطْلاَنِ،
كَمَسْحِ الرِّجِلَيْنِ، أَدَّبْنَاهُم، وَعَزَّرْنَاهُم،
وَأَلزَمْنَاهُم بِالغَسْلِ جَزْماً.
قَالَ الأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ:
قَالَ الجُمْهُوْرُ:
إِنَّهُم -يَعْنِي: نُفَاةَ القِيَاسِ- لاَ يَبْلُغُونَ
رُتْبَةَ الاجتِهَادِ، وَلاَ يَجُوْزُ تَقْلِيْدُهُم
القَضَاءَ (1) .
وَنَقَلَ الأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُوْرٍ البَغْدَادِيُّ،
عَنْ أَبِي عَلِيٍّ بنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَطَائِفَةٍ
مِنَ الشَّافِعِيَّةِ:
أَنَّهُ لاَ اعتِبَارَ بِخِلاَفِ دَاوُدَ، وَسَائِرِ
نُفَاةِ القِيَاسِ، فِي الفُرُوْعِ دُوْنَ الأُصُوْلِ.
وَقَالَ إِمَامُ الحَرَمَيْنِ أَبُو المَعَالِي: الَّذِي
ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ التَّحْقِيْقِ:
أَنَّ مُنْكِرِي القِيَاس لاَ يُعَدُّوْنَ مِنْ عُلَمَاءِ
الأُمَّةِ، وَلاَ مِنْ حَمَلَةِ الشَّرِيْعَةِ؛ لأَنَّهُم
مُعَانِدُوْنَ مُبَاهِتُوْنَ فِيمَا ثَبَتَ اسْتفَاضَةً
وَتَوَاتُراً، لأَنَّ مُعْظَمَ الشَّرِيْعَةِ صَادِرٌ عَنِ
الاجتِهَادِ، وَلاَ تَفِي النُّصُوْصُ بعُشْرِ
مِعْشَارِهَا، وَهَؤُلاَءِ مُلتَحِقُوْنَ بِالعَوَامِّ.
قُلْتُ: هَذَا القَوْلُ مِنْ أَبِي المعَالِي أَدَّاهُ
إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَهُم فَأَدَّاهُم اجتِهَادُهُم
إِلَى نَفِي القَوْلِ بِالقِيَاسِ، فَكَيْفَ يُرَدُّ
الاجتِهَادُ بِمِثْلِهِ، وَنَدْرِي بِالضَّرُوْرَةِ أَنَّ
دَاوُدَ كَانَ يُقْرِئُ مَذْهَبَهُ، وَيُنَاظِرُ عَلَيْهِ،
وَيُفْتِي بِهِ فِي مِثْلِ بَغْدَادَ، وَكَثْرَةِ
الأَئِمَّةِ بِهَا وَبِغَيْرِهَا، فَلَم نَرَهُم قَامُوا
عَلَيْهِ، وَلاَ أَنْكَرُوا فَتَاويه وَلاَ تَدْرِيسَهُ،
وَلاَ سَعَوا فِي مَنْعِهِ مِنْ بَثِّهِ، وَبَالحَضْرَةِ
مِثْلُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي شَيْخِ المَالِكِيَّةِ،
وَعُثْمَانَ بنِ بَشَّارٍ الأَنْمَاطِيِّ شَيْخِ
الشَّافِعِيَّة، وَالمَرُّوْذِيِّ شَيْخِ الحَنْبَلِيَّةِ،
وَابْنَي الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ
بنِ مُحَمَّدٍ البِرْتِيِّ (2) شَيْخِ الحَنَفِيَّةِ،
وَأَحْمَدَ بنِ أَبِي عِمْرَانَ القَاضِي، وَمِثْلُ
عَالِمِ
__________
(1) طبقات السبكي: 2 / 289: وتتمة الخبر فيه: " وإن ابن
أبي هريرة وغيره من الشافعيين لا يعتدون بخلافهم في الفروع
".
(2) البرتي، بكسر الباء وسكون الراء: نسبة إلى برت: قرية
بنواحي بغداد. (اللباب)
(13/105)
بَغْدَادَ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيِّ.
بَلْ سَكَتُوا لَهُ، حَتَّى لَقَدْ قَالَ قَاسِمُ بنُ
أَصْبَغَ: ذَاكَرْتُ الطَّبرِيَّ -يَعْنِي: ابْنَ
جَرِيْرٍ- وَابْنَ سُرَيْجٍ، فَقُلْتُ لَهُمَا: كِتَابُ
ابْنِ قُتَيْبَةَ فِي الفِقَهِ، أَيْنَ هُوَ عِنْدَكُمَا؟
قَالاَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلاَ كِتَابُ أَبِي عُبَيْدٍ،
فَإِذَا أَرَدْتَ الفِقْهَ فَكُتُبُ الشَّافِعِيِّ،
وَدَاوُدَ، وَنُظَرَائِهِمَا (1) .
ثمَّ كَانَ بَعْدَهُ ابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ
المُغَلِّسِ، وَعِدَّةٌ مِنْ تَلاَمِذَةِ دَاوُدَ، وَعَلَى
أَكْتَافِهِم مِثْلُ: ابْنِ سُرَيْجٍ شَيْخِ
الشَّافِعِيَّةِ، وَأَبِي بَكْرٍ الخَلاَّلِ شَيْخِ
الحَنْبَلِيَّةِ، وَأَبِي الحَسَنِ الكَرْخِيِّ شَيْخِ
الحَنَفِيَّةِ، وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ
بِمِصْرَ.
بَلْ كَانُوا يَتَجَالَسُوْنَ وَيَتَنَاظَرُوْنَ،
وَيَبْرُزُ كُلٌّ مِنْهُم بِحُجَجِهِ، وَلاَ يَسْعَوْنَ
بِالدَّاودِيَّةِ إِلَى السُّلْطَانِ.
بَلْ أَبلغُ مِنْ ذَلِكَ، يَنْصِبُوْنَ مَعَهُم الخِلاَفَ
فِي تَصَانِيفِهِم قَدِيْماً وَحَدِيْثاً، وَبِكُلِّ حَالٍ
فَلَهُم أَشْيَاءُ أَحْسَنُوا فِيْهَا، وَلَهُم مَسَائِلُ
مُسْتَهْجَنَةٌ، يُشْغَبُ عَلَيْهِم بِهَا، وَإِلَى ذَلِكَ
يُشِيْرُ الإِمَامُ أَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَحِ، حَيْثُ
يَقُوْلُ: الَّذِي اختَارَهُ الأُسْتَاذُ أَبُو
مَنْصُوْرٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ الصَّحِيْحُ مِنَ
المَذْهَبِ، أَنَّهُ يُعْتَبَرُ خِلاَفُ دَاوُدَ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: وَهَذَا الَّذِي اسْتَقَرَّ
عَلَيْهِ الأَمْرُ آخِراً، كَمَا هُوَ الأَغْلَبُ
الأَعْرَفُ مِنْ صَفْوِ الأَئِمَّةِ المُتَأَخِّرِينَ،
الَّذِيْنَ أَوْرَدُوا مَذْهَبَ دَاوُدَ فِي
مُصَنَّفَاتِهِمُ المَشْهُوْرَةِ، كَالشَّيْخِ أَبِي
حَامِدٍ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ، وَالمَاوَرْدِيِّ،
وَالقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، فلَوْلاَ اعتِدَادُهُم بِهِ
لَمَا ذَكَرُوا مَذْهَبَهُ فِي مُصَنَّفَاتِهِمُ
المَشْهُوْرَةِ.
قَالَ: وَأَرَى أَنْ يُعْتَبَرَ قَوْلُهُ، إِلاَّ فِيمَا
خَالَفَ فِيْهِ القيَاسَ الجَلِيَّ، وَمَا أَجْمَعَ
عَلَيْهِ القِيَاسِيُّونَ مِنْ أَنْواعِهِ، أَوْ بَنَاهُ
عَلَى أُصُولِهِ الَّتِي قَامَ الدَّلِيْلُ القَاطعُ عَلَى
بُطلاَنِهَا، فَاتِّفَاقُ مَنْ سِوَاهُ إِجمَاعٌ
مُنْعَقِدٌ، كَقَوْلِهِ فِي التَّغَوُّطِ فِي المَاءِ
__________
(1) تقدم الخبر قبل صفحات.
(13/106)
الرَّاكِدِ (1) ، وَتِلْكَ المَسَائِلِ
الشَّنِيعَةِ، وَقُولِهُ: لاَ رِبَا إِلاَّ فِي السِّتَّةِ
المَنْصُوْصِ عَلَيْهَا (2) ، فَخِلاَفُهُ فِي هَذَا أَوْ
نَحْوِهِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، لأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى
مَا يُقْطَعُ بِبُطْلاَنِهِ.
قُلْتُ: لاَ رَيْبَ أَنَّ كُلَّ مسَأَلَةٍ انْفَرَدَ
بِهَا، وَقُطِعَ بِبُطْلاَنِ قَوْلِهِ فِيْهَا، فَإِنَّهَا
هَدْرٌ، وَإِنَّمَا نَحْكِيهَا للتَّعَجُّبِ، وَكُلَّ
مسَأَلَةٍ لَهُ عَضَدَهَا نَصٌّ، وَسَبَقَهُ إِلَيْهَا
صَاحِبٌ أَوْ تَابِعٌ، فَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الخِلاَفِ،
فَلاَ تُهْدَرُ.
وَفِي الجُمْلَةِ، فَدَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ بَصِيرٌ
بِالفِقْهِ، عَالِمٌ بِالقُرْآنِ، حَافظٌ للأَثَرِ، رَأْسٌ
فِي مَعْرِفَةِ الخِلاَفِ، مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، لَهُ
ذكَاءٌ خَارِقٌ، وَفِيْهِ
__________
(1) وهو قول ابن حزم، ونص كلامه في " المحلى ": 1 / 135: "
إلا أن البائل في الماء الراكد الذي لا يجري حرام عليه
الوضوء بذلك الماء والاغتسال به لغرض أو لغيره، وحكمه
التيمم إن لم يجد غيره...فلو أحدث في الماء أو بال خارجا
منه ثم جرى البول فيه فهو طاهر يجوز الوضوء منه والغسل له
ولغيره إلا أن يغير ذلك البول أو الحدث شيئا من أوصاف
الماء فلا يجزئ حينئذ استعماله أصلا لا له ولا لغيره ".
وقد رد على داود بن علي الامام النووي - رحمه الله - في "
المجموع ": 1 / 118 - 119 فقال: " وهذا مذهب عجيب وفي غاية
الفساد، فهو أشنع ما نقل عنه، إن صح عنه - رحمه الله -
وفساده مغن عن الاحتجاج عليه، ولهذا أعرض جماعة من أصحابنا
المعتنين بذكر الخلاف عن الرد عليه بعد حكايتهم مذهبه،
وقالوا: فساده مغن عن إفساده.
وقد خرق الاجماع في قوله في الغائط إذ لم يفرق أحد بينه
وبين البول، ثم فرقه بين البول في نفس الماء والبول في
إناء يصب في الماء من أعجب الاشياء.
من أخصر ما يرد به عليه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نبه
بالبول على ما في معناه من التغوط وبول غيره، كما ثبت أنه
صلى الله عليه وسلم قال في الفأرة تموت
في السمن " إن كان جامدا فألقوها وما حولها " وأجمعوا أن
السنور كالفأرة في ذلك، وغير السمن من الدهن كالسمن، وفي "
الصحيح ": " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله "، فلو
أمر غيره فغسله، إن قال داود: لا يطهر لكونه ما غسله هو،
خرق الاجماع، وإن قال: يطهر، فقد نظر إلى المعنى وناقض
قوله. والله أعلم ".
(2) الستة المنصوص عليها في حديث عبادة بن الصامت الذي
أخرجه مسلم: (1587)، والترمذي: (1240، وأبو داود: (3349)،
والنسائي: 7 / 274، وابن ماجه: (2254) أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: " الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر
بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح
مثلا بمثل سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الاصناف
فبيعوا كيف شئتم إذا كانت يدا بيد ".
(13/107)
دِيْنٌ مَتِينٌ.
وَكَذَلِكَ فِي فُقَهَاءِ الظَّاهِرِيَّةِ جَمَاعَةٌ لَهُم
عِلْمٌ بَاهِرٌ، وَذكَاءٌ قَوِيٌّ، فَالكَمَالُ عَزِيزٌ،
وَاللهُ المُوَفِّقُ.
وَنَحْنُ: فَنَحْكِي قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي المُتعَةِ
(1) ، وَفِي الصَّرْفِ (2) ، وَفِي إِنكَارِ العَوْلِ (3)
، وَقولَ طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي تَرْكِ الغُسْلِ
مِنَ الإِيْلاجِ (4) ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَلاَ
نُجَوِّزُ لأَحَدٍ تَقْلِيْدَهُم فِي ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ كَامِلٍ: مَاتَ دَاوُدُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ،
سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
فَأَمَّا ابْنُهُ:
__________
(1) انظر البخاري بشرح الفتح: 12 / 296، في الحيل: باب
الحيلة في النكاح، و9 / 143 في النكاح: باب نهي النبي صلى
الله عليه وسلم عن نكاح المتعة أخيرا، ومسند أحمد: 1 /
142، ومسلم: (27) في النكاح: باب نكاح المتعة، و(1407) (29
و31).
وانظر " تلخيص الحبير ": 3 / 154.
وروى البخاري: 9 / 148 عن أبي جمرة قال سمعت ابن عباس يسأل
عن متعة النساء فرخص، فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال
الشديد وفي النساء قلة أو نحوه، فقال ابن عباس نعم. وفي
رواية الاسماعيلي: إنما كان ذلك في الجهاد والنساء قليل،
فقال ابن عباس: صدق.
(2) انظر: صحيح مسلم: رقم (596) (102)، وشرح السنة: 8 / 60
- 61.
(3) أخرج الحاكم في " المستدرك ": 4 / 340 من طريق ابن
إسحاق، حدثنا محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب، عن عبيد
الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
أول من أعال الفرائض عمر رضي الله عنه، وايم الله لو قدم
من قدم الله.
وأخر من أخر الله ما عالت فريضة، فقيل له: وأيها قدم الله
وأيها أخر ؟ فقال: كل فريضة لم يهبطها الله عزوجل عن فريضة
إلا إلى فريضة، فهذا ما قدم الله عزوجل، وكل فريضة إذا زات
عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقي، فتلك التي أخر الله عز
وجل كالزوج والزوجة والام، والذي أخر كالاخوات والبنات،
فإذا اجتمع من قدم الله عزوجل ومن أخر بدئ بمن قدم فأعطي
حقه كاملا، فإن بقي شيء كان لمن أخر، وإن لم يبق شيء فلا
شيء له.
وهذا سند قوي، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وأخرجه
البيهقي بأطول منه: 6 / 253، من طريق ابن إسحاق بهذا
الإسناد.
(4) انظر شرح السنة: 2 / 5 - 7.
(13/108)
56 - مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ
الظَّاهِرِيُّ *
العَلاَّمَةُ، البَارِعُ، ذُو الفنُوْنِ، أَبُو بَكْرٍ:
فَكَانَ أَحَدَ مَنْ يُضْرَبُ المَثَلُ بِذَكَائِهِ،
وَهُوَ مُصَنِّفُ كِتَابِ (الزّهرَةِ) فِي الآدَابِ
وَالشِّعْرِ.
وَلَهُ كِتَابٌ فِي الفَرَائِضِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَبَّاسٍ الدُّوْرِيِّ، وَأَبِي
قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ أَبِي
خَيْثَمَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى المَدَائِنِيِّ،
وَطَبَقَتِهِم.
وَلَهُ بَصَرٌ تَامٌّ بِالحَدِيْثِ، وَبِأَقوَالِ
الصَّحَابَةِ، وَكَانَ يَجْتَهِدُ وَلاَ يُقَلِّدُ
أَحَداً.
حَدَّثَ عَنْهُ: نِفْطَوَيْه، وَالقَاضِي أَبُو عُمَرَ
مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، وَجَمَاعَةٌ.
وَمَاتَ قَبْلَ الكُهُوْلَةِ، وَقَلَّ مَا رَوَى.
تَصَدَّرَ لِلْفُتْيَا بَعْدَ وَالِدِهِ، وَكَانَ
يُنَاظِرُ أَبَا العَبَّاسِ بنَ سُرَيْجٍ، وَلاَ يَكَادُ
يَنْقَطِعُ مَعَهُ.
قَالَ القَاضِي أَبُو الحَسَنِ الدَّاوودِيُّ: لَمَّا
جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ بنُ دَاوُدَ لِلْفَتوَى بَعْدَ
وَالِدِهِ اسْتَصْغَرُوهُ، فَدَسُّوا عَلَيْهِ مَنْ
سَأَلَهُ عَنْ حَدِّ السُّكْرِ، وَمتَى يُعَدُّ
الإِنْسَانُ سَكرَانَ؟
فَقَالَ: إِذَا عَزَبَتْ (1) عَنْهُ الهُمُوْمُ، وَبَاحَ
بِسِرِّهِ المَكْتُومِ.
__________
(*) الفهرست: المقالة السادسة: الفن الرابع، تاريخ بغداد:
5 / 256 - 263، طبقات الفقهاء: 175 - 176، المنتظم: 6 / 93
- 95، وفيات الأعيان: 4 / 259 - 261، عبر المؤلف: 2 / 108،
الوافي بالوفيات: 3 / 58 - 61، البداية والنهاية: 11 / 110
- 111، شذرات الذهب: 2 / 226.
(1) عزب: بعد وغاب.
(13/109)
فَاسْتُحْسِنَ ذَلِكَ مِنْهُ (1) .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ: كَانَ ابْنُ دَاوُدَ
مِنْ أَجْملِ النَّاسِ، وَأَكْرَمِهِم خُلُقاً،
وَأَبْلَغِهِم لِسَاناً، وَأَنْظَفِهِم هَيْئَةً، مَعَ
الدِّيْنِ وَالوَرَعِ، وَكُلِّ خُلَّةٍ مَحْمُودَةٍ،
مُحَبَّباً إِلَى النَّاسِ، حَفِظَ القُرْآنَ وَلَهُ سَبعُ
سِنِيْنَ، وَذَاكَرَ الرِّجَالَ بِالآدَابِ وَالشِّعْرِ
وَلَهُ عَشْرُ سِنِيْنَ، وَكَانَ يُشَاهَدُ فِي مَجْلِسِهِ
أَرْبَعُ مائَةِ صَاحِبِ مِحْبَرَةٍ، وَلَهُ مِنَ
التَّآلِيفِ: كِتَابُ (الإِنذَارِ وَالإِعذَارِ)،
وَكِتَابُ (التَّقصِّي) فِي الفِقْهِ، وَكِتَابُ
(الإِيْجَازِ) وَلَمْ يَتِمَّ، وَكِتَابُ (الانْتِصَارِ
مِنْ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ)، وَكِتَابُ
(الوُصُولِ إِلَى مَعْرِفَةِ الأُصُولِ)، وَكِتَابُ
(اختِلاَفِ مَصَاحِفِ الصَّحَابَةِ)، وَكِتَابُ
(الفَرَائِضِ) وَكِتَابُ (المَنَاسِكِ).
عَاشَ ثَلاَثاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ: وَمَاتَ فِي عَاشِرِ رَمَضَانَ، سنَةَ سبعٍ
وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوخِيُّ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَخْتَرِيِّ الدَّاوُودِيُّ،
حَدَّثَنِي أَبُو الحَسَنِ بنُ المُغَلِّسِ
الدَّاوُودِيُّ، قَالَ:
كَانَ مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ، وَابْنُ سُرَيْجٍ إِذَا
حَضَرَا مَجْلِسَ أَبِي عُمَرَ القَاضِي، لَمْ يَجْرِ
بَيْنَ اثْنَيْنِ فِيْمَا يَتَفَاوَضَانِهِ أَحْسَنُ
وَمَنْ مَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا (2) ، فَسَأَلَ أَبَا
بَكْرٍ عَنِ العَوْدِ المُوجِبِ لِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ،
فَقَالَ: إِعَادَةُ القَوْلِ ثَانِياً، وَهُوَ مَذْهَبُهُ،
وَمَذْهَبُ أَبِيْهِ، فَطَالَبَهُ بِالدَّلِيْلِ، فَشَرَعَ
فِيْهِ (3) ، فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ
هَذَا قَوْلُ
__________
(1) وفيات الأعيان: 4 / 259 - 260. وزاد الخطيب في " تاريخ
بغداد ": 5 / 256: " وعلم موضعه من العلم ".
(2) زاد الخطيب البغدادي هنا: " وكان ابن سريج كثيرا ما
يتقدم أبا بكر في الحضور إلى المجلس، فتقدمه في الحضور أبو
بكر يوما، فسأله حدث من الشافعيين عن العود..." ويلاحظ أن
الذهبي قد أساء اختصار الخبر هنا فقد جعل السائل ابن سريج.
(3) وزاد هنا: " ودخل ابن سريج، فاستشرحهم ما جرى، فشرحوه
".
(13/110)
مَنْ مِنَ المُسْلِمِيْنَ تَقَدَّمَكُم
فِيْهِ؟
فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: أَتَظُنُّ أَنَّ مَنِ
اعْتَقَدْتَ قَوْلَهُم إِجْمَاعاً (1) فِي هَذِهِ
المَسْأَلَةِ عِنْدِي إِجمَاعٌ؟ أَحْسَنُ أَحْوَالِهِم
أَنْ أَعُدُّهُم خِلاَفاً، وَهَيْهَاتَ أَنْ يَكُونُوا
كَذَلِكَ.
فَغَضِبَ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَقَالَ: أَنْتَ بِكِتَابِ
(الزّهْرَةِ) أَمْهَرُ مِنْكَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ.
قَالَ: وَبِكِتَابِ (الزّهرَةِ) تُعَيِّرُنِي؟ وَاللهِ مَا
تُحْسِنُ تَسْتَتِمُّ قِرَاءتَهُ قِرَاءةَ مَنْ يَفْهَمُ،
وَإِنَّهُ لِمَنْ أَحَدِ المنَاقِبِ لِي إِذْ أَقُولُ
فِيْهِ:
أُكَرِّرُ فِي رَوْضِ المَحَاسِنِ مُقْلَتِي ...
وَأَمْنَعُ نَفْسِي أَنْ تَنَالَ مُحَرَّمَا
وَيَنْطِقُ سِرِّي عَنْ مُتَرْجَمِ خَاطِرِي ... فلَوْلا
اخْتِلاسِي رَدَّهُ لَتَكَلَّمَا
رَأَيْتُ الهَوَى دَعْوَى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِم ...
فَمَا إِنْ أَرَى حُبّاً صَحِيْحاً مُسَلَّما
فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ (2) : فَأَنَا الَّذِي أَقُولُ:
وَمُشَاهَدٍ بِالغُنْجِ مِنْ لَحَظَاتِهِ ... قَدْ بِتُّ
أَمْنَعُهُ لَذِيْذَ سُبَاتِهِ
ضِنّاً بِحُسْنِ حَدِيْثِهِ وَعِتَابِهِ ... وَأُكَرِّرُ
اللَّحَظَاتِ فِي وَجَنَاتِهِ
حَتَّى إِذَا مَا الصُّبْحُ لاحَ عَمُوْدُهُ ... وَلَّى
بِخَاتَمِ رَبِّهِ وَبَرَاتِهِ
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَيَّدَ اللهُ القَاضِي، قَدْ
أَخْبَرَ بِحَالَةٍ، ثُمَّ ادَّعَى البَرَاءةَ مِمَّا
تُوْجِبُهُ، فَعَلَيْهِ البَيِّنَةُ.
فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: مِنْ مَذْهَبِي أَنَّ المُقِرَّ
إِذَا أَقَرَّ إِقرَاراً نَاطَهُ بِصِفَةٍ، كَانَ
إِقرَارُهُ مَوْكُولاً إِلَى صِفَتِهِ تِلْكَ (3) .
__________
(1) في الأصل: " إجماع ". وكذا في " تاريخ بغداد ". والوجه
ما أثبتناه.
(2) زاد هنا الخطيب: " أو علي تفخر بهذا القول ؟ !
وأنا..".
(3) الخبر مفصل في: تاريخ بغداد: 5 / 260 - 263، والزيادة
منه. كما ورد الخبر مختصرا في: المنتظم: 6 / 594 - 595.
وورد في: وفيات الأعيان: 4 / 260، والوافي بالوفيات: 3 /
60 - 61 على أن الخلاف كان في مجلس الوزير ابن الجراح،
والمناظرة كانت حول " الايلاء " فلينظر هناك.
(13/111)
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ القَاضِي:
كُنْتُ أُسَايِرُ مُحَمَّدَ بنَ دَاوُدَ، فَإِذَا
بِجَارِيَةٍ تُغَنِّي بِشَيْءٍ مِنْ شِعْرِهِ، وَهُوَ:
أَشْكُو غَلِيْلَ فُؤَادٍ أَنْتَ مُتْلِفُهُ ... شَكْوَى
عَلِيْلٍ إِلَى إِلْفٍ يُعَلِّلُهُ
سُقْمِي تَزِيْدُ مَعَ الأَيَّامِ كَثْرَتُهُ ... وَأَنْتَ
فِي عُظْمِ مَا أَلْقَى تُقَلِّلُهُ (1)
اللهُ حَرَّمَ قَتْلِي فِي الهَوَى سَفَهاً ... وَأَنْتَ
يَا قَاتِلِي ظُلْماً تُحَلِّلُهُ (2)
وَقِيْلَ: كَانَ ابْنُ دَاوُدَ خَصْماً لابْنِ سُرَيْجٍ
فِي المُنَاظَرَةِ، كَانَا يَتَرَادَّانِ فِي الكُتُبِ،
فَلَمَّا بَلَغَ ابْنَ سُرَيْجٍ مَوْتَ مُحَمَّدِ بنِ
دَاوُدَ، حَزِنَ لَهُ، وَنَحَّى مَخَادَّهُ، وَجَلَسَ
لِلتَّعْزِيَةِ، وَقَالَ: مَا آسَى إِلاَّ عَلَى تُرَابٍ
يَأْكُلُ لِسَانَ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ (3) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سُكَّرَةَ
القَاضِي: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ جَامعٍ الصَّيْدَلاَنِيُّ
مَحْبُوبَ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى
ابْنِ دَاوُدَ، وَمَا عُرِفَ مَعْشُوقٌ يُنْفِقُ عَلَى
عَاشِقِهِ سِوَاهُ، وَمِنْ شِعْرِهِ:
حَمَلْتُ جِبَالَ الحُبِّ فِيْكَ وَإِنَّنِي ... لأَعْجَزُ
عَنْ حَمْلِ القَمِيْصِ وَأَضْعُفُ
وَمَا الحُبُّ مِنْ حُسْنٍ وَلاَ مِنْ سَمَاحَةٍ ...
وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ بِهِ الرُّوْحُ تَكْلَفُ (4)
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَرَفَةَ نِفْطَوَيْه: دَخَلْتُ
عَلَى مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ فِي مَرَضِهِ، فَقُلْتُ:
كَيْفَ تَجِدُكَ؟
قَالَ: حُبُّ مَنْ تَعْلَمُ أَوْرَثَنِي مَا تَرَى.
__________
(1) في " المنتظم "، و" البداية والنهاية ": " على الايام
".
(2) في " البداية والنهاية ": " أسفا " بدلا من " سفها ".
وتتمة الخبر في " تاريخ بغداد ": 5 / 258: " فقال محمد بن
داود: كيف السبيل إلى استرجاع هذا ؟ فقال القاضي أبو عمر:
هيهات: سارت به الركبان ".
وانظر الابيات في: " المنتظم ": 6 / 94، و" الوافي
بالوفيات ": 3 / 58 - 59، و" البداية والنهاية ": 11 /
111.
(3) تاريخ بغداد: 5 / 259.
(4) المصدر السابق: 5 / 260.
(13/112)
فَقُلْتُ: مَا مَنَعَكَ مِنَ
الاسْتِمْتَاعِ بِهِ، مَعَ القُدْرَةِ عَلَيْهِ؟
قَالَ: الاسْتِمْتَاعُ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا:
النَّظَرُ، وَهُوَ أَوْرَثَنِي مَا تَرَى، وَالثَّانِي:
اللَّذَّةُ المَحْظُورَةُ، وَمَنَعَنِي مِنْهَا مَا
حَدَّثَنِي بِهِ أَبِي، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ،
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى،
عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَفَعَهُ، قَالَ:
(مَنْ عَشِقَ، وَعَفَّ، وَكَتَمَ، وَصَبَرَ، غَفَرَ الله
لَهُ، وَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ) (1) .
ثُمَّ أَنْشَدَ لِنَفْسِهِ:
انْظُرْ إِلَى السِّحْرِ يَجْرِي فِي لَوَاحِظِهِ ...
وَانْظُرْ إِلَى دَعَجٍ فِي طَرْفِهِ السَّاجِي (2)
وَانْظُرْ إِلَى شَعَرَاتٍ فَوْقَ عَارِضِهِ ...
كَأَنَّهُنَّ نِمَالٌ دَبَّ فِي عَاجِ (3)
قَالَ نِفْطَوَيْه: وَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، أَوْ فِي
اليَوْمِ الثَّانِي.
رَوَاهَا: جَمَاعَةٌ، عَنْ نِفْطَوَيْه.
قَالَ أَبُو زَيْدٍ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ: كُنْتُ عِنْدَ
يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَذَكَرْتُ لَهُ حَدِيْثاً
سَمِعْتُهُ مِنْ سُوَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ...، فَذَكَرَ
الحَدِيْثَ المَذْكُوْرَ.
فَقَالَ: وَاللهِ لَوْ كَانَ عِنْدِي فَرَسٌ وَرُمْحٌ
لَغَزَوْتُ سُويداً فِي هَذَا الحَدِيْثِ (4) .
قُلْتُ: هُوَ مِمَّا نَقَمُوا عَلَى سُوَيْدٍ.
__________
(1) هذا حديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
اتفق جهابذة المحدثين على ضعفه، وأعلوه بسويد بن عبد
العزيز، قال ابن معين عن سويد هذا: هو ساقط كذاب، لو كان
لي فرس ورمح كنت أغزوه. وقال أحمد: متروك الحديث. وقال
النسائي: ليس بثقة.
وقال البخاري: كان قد عمي فيلقن ما ليس من حديثه. وقال ابن
حبان: يأتي بالمعضلات عن الثقات يجب مجانبة ما
روى..والحديث في تاريخ بغداد: 5 / 156، 262، و: 6 / 50 -
51، و: 13 / 184.
وقد بسط الكلام عليه العلامة ابن القيم في " زاد المعاد ":
4 / 275 - 278، وفي روضة المحبين: 182.
(2) الدعج: بفتح الدال والعين: شدة سواد العين مع سعتها.
وطرف ساج: ساكن.
(3) تاريخ بغداد: 5 / 262.
(4) انظر: الوافي بالوفيات: 3 / 60.
(13/113)
قَالَ [ ..... ] (1) : تُوُفِّيَ أَبُو
بَكْرٍ فِي عَاشِرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ (2) ، عَنِ
الكِنْدِيِّ، وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ
المُوَفَّقِ الشَّافِعِيِّ: أَخْبَرَكُم مُحَمَّدُ بنُ
عَلِيِّ بنِ النَّشبِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ الكَاتِبُ، سَمِعْتُ أَبَا
إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيَّ يَقُوْلُ:
ثُمَّ انْتَهَى الفِقْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ
البِلاَدِ الَّتِي انْتَهَى إِلَيْهَا الإِسْلاَمُ إِلَى
أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَمَالِكٍ،
وَأَحْمَدَ، وَدَاوُدَ، وَانْتَشَرَ عَنْهُمُ الفِقْهُ فِي
الآفَاقِ، وَقَامَ بِنُصْرَةِ مَذَاهِبِهِم أَئِمَّةٌ
يَنْتَسِبُوْنَ إِلَيْهِم، وَيَنْصُرُوْنَ أَقْوَالَهُم.
وَبِهِ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ -رَحِمَهُ اللهُ-: وَأَمَّا
دَاوُدُ فَقَامَ بِنَقْلِ فِقْهِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ
أَصْحَابِهِ، مِنْهُم ابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ،
وَكَانَ فَقِيْهاً أَدِيْباً شَاعِراً ظَرِيْفاً، وَكَانَ
يُنَاظِرُ إِمَامَ أَصْحَابِنَا أَبَا العَبَّاسِ بنَ
سُرَيْجٍ، وَخَلَفَ أَبَاهُ فِي حَلْقَتِهِ....،
وَسَمِعْتُ شَيْخَنَا القَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ
الطَّبَرِيِّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ
الخُضَرِيَّ (3) قَالَ:
كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ
دَاوُدَ، فَجَاءتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: مَا تَقُوْلُ
فِي رَجُلٍ لَهُ زَوْجَةٌ، لاَ هُوَ يُمْسِكُهَا، وَلاَ
هُوَ يُطَلِّقُهَا؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ
العِلْمِ، فَقَالَ قَائِلُوْنَ: تُؤْمَرُ بِالصَّبْرِ
وَالاحْتِسَابِ، وَتَبْعَثُ عَلَى الطَّلَبِ
وَالاكْتِسَابِ.
وَقَالَ قَائِلُوْنَ: يُؤْمَرُ بِالإِنْفَاقِ، وَإِلاَّ
حُمِلَ عَلَى الطَّلاَقِ. فَلَمْ تَفْهَمِ المرْأَةُ
قَوْلَهُ، فَأَعَادَتْ سُؤَالَهَا
__________
(1) ما بين معقوفين بياض لم نتبينه.
(2) ترجمته في " مشيخة " الذهبي: خ: ق: 107.
(3) الخضري، بضم الخاء وفتح الضاد: نسبة إلى بيع البقل،
وفي الأصل: " الحضري " وهو تحريف.
انظر: " الإكمال " 3 / 256، والمشتبه للمؤلف 1 / 238،
وتبصير المنتبه: 505، وتوضيح المشتبه 1 / 205 / 2.
(13/114)
عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا هَذِهِ قَدْ
أَجَبْتُكِ ... وَلَسْتُ بِسُلْطَانٍ فَأَمْضِي، وَلاَ
قَاضٍ فَأَقْضِي، وَلاَ زَوْجٍ فَأُرْضِي، فَانْصَرِفِي
(1) .
قَالَ لَنَا أَبُو العَبَّاسِ بنُ الظَّاهِرِيُّ، عَنِ
ابْنِ النَّجَّارِ، قَالَ:
وَهْبُ بنُ جَامِعِ بنِ وَهْبٍ العَطَّارُ
الصَّيْدَلاَنِيُّ صَاحِبُ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ، كَانَ
قَدْ أَحَبَّهُ، وَشُغِفَ بِهِ، حَتَّى مَاتَ مِنْ
حُبِّهِ، وَمِنْ أَجْلِهِ صَنَّفَ كِتَابَ (الزَّهرَةِ).
حَدَّثَ عَنْ ابْنِ دَاوُدَ: مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى
البَرْبَرِيُّ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ قَاسِمٌ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ (2) ، عَنْ أَحْمَدَ
بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ
الغَفَّارِ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ
الشِّيرَازِيُّ الحَافِظُ، سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ بِالدَّامَغَانِ (3) ، حَدَّثَنَا
الجَدُّ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الظَّاهِرِيُّ، حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَالِحٍ المَنْصُوْرِيُّ
القَاضِي، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ وَهْبٍ
الدَّاوُودِيُّ، حَدَّثَنِي وَهْبُ بنُ جَامِعٍ
العَطَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ
البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا
أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَرْبٍ بنِ أَبِي
الأَسْوَدِ، عَنْ عَلِيٍّ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ فِي الرَّضِيْعِ: (يُنْضَحُ بَوْلُ الغُلاَمِ،
وَيُغْسَلُ بَوْلُ الجَارِيَةِ) (4) .
__________
(1) طبقات الفقهاء: 175 - 176، والزيادة منه. وتتمة الخبر
فيه: " قال: فانصرفت المرأة ولم تفهم جوابه ".
(2) ترجمه المؤلف في: " مشيخته ": خ: ق: 6.
(3) دامغان: بلد كبير بين الري ونيسابور. (انظر معجم
ياقوت).
(4) صحيح. وأخرجه الترمذي: (610)، وابن خزيمة: (284)، وابن
حبان: (247)، ثلاثتهم من طريق بندار محمد بن بشار عن معاذ
بن هشام بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد: 1 / 97، من طريق معاذ بن هشام، به، وأخرجه
أيضا: 1 / 76 و137، من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، عن
هشام، عن قتادة، به. وأخرجه أبو داود: (377)، من طريق =
(13/115)
وَقَالَ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ
الحَافِظُ (1) : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
الحُسَيْنِ الفَارِسِيُّ الوَاعِظُ إِملاَءً بِالرَّيِّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ العَلَوِيُّ،
حَدَّثَنِي جَدِّي، سَمِعْتُ وَهْبَ بنَ جَامِعٍ
العَطَّارَ صَدِيْقَ ابْنِ دَاوُدَ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى المُتَّقِي للهِ، فَسَأَلَنِي عَنْ أَبِي
بَكْرٍ بنِ دَاوُدَ: هَلْ رَأَيْتَ مِنْهُ مَا تَكْرَهُ؟
قُلْتُ: لاَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِلاَّ أَنِّي
بِتُّ عِنْدَهُ لَيْلَةً، فَكَانَ يَكْشِفُ عَنْ وَجْهِي،
ثُمَّ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ! إِنَّكَ تَعْلَمُ إِنِّي
لأُحِبُّهُ، وَإِنِّي لأُرَاقِبُكَ فِيْهِ.
قَالَ: فَمَا بَلَغَ مِنْ رِعَايَتِكَ مِنْ حَقِّهِ؟
قُلْتُ: دَخَلْتُ الحَمَّامَ، فَلَمَّا خَرَجْتُ، نَظَرْتُ
فِي المِرَآةِ، فَاسْتَحْسَنْتُ صُورَتِي فَوْقَ مَا
أَعْهَدُ، فغَطَّيْتُ وَجْهِي، وَآلَيْتُ أَنْ لاَ
يَنْظُرَ إِلَى وَجْهِي أَحَدٌ قَبْلَهُ، وَبَادَرْتُ
إِلَيْهِ، فَكَشَفَ وَجْهِي، فَفَرِحَ وَسُرَّ، وَقَالَ:
سُبْحَانَ خَالِقِهِ وَمُصَوِّرِهِ، وَتَلا : {هُوَ
الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ
}... الآيَةَ (2) .
__________
= مسدد عن يحيى عن ابن أبي عروبة، عن قتادة.
وأخرجه ابن ماجة: (525)، من طريقين عن معاذ بن هشام، عن
أبيه.
وفي الباب عن أم قيس بنت محصن عند مالك: 1 / 64، والبخاري:
1 / 281، ومسلم: (287)، وعن أبي السمح عن أبي داود: (376)،
والنسائي: 1 / 158، وابن
ماجه: (526)، وصححه ابن خزيمة: (283)، والحاكم: 1 / 166،
ووافقه الذهبي.
وعن لبابة بنت الحارث أم الفضل بن العباس بن عبد المطلب
عند أبي داود: (375)، وأحمد: 6 / 339، وابن ماجه: (522)،
وسنده حسن، وصححه الحاكم 1 / 166، ووافقه الذهبي، وابن
خزيمة: (282).
(1) ترجمته في مشيخة الذهبي خ ق: 84، 85.
(2) الآية: 6، سورة آل عمران، وتتمتها: (لا إله إلا هو
العزيز الحكيم) . وقد أوجز الصفدي الخبر في " الوافي
بالوفيات ": 3 / 59، وعقب عليه بقوله: " قلت: لو حضرتها
لانشدت ابن جامع:
لئن تلف المضنى عليك صبابة * يحق له - والله - ذاك ويعذر
(13/116)
57 - أَبُو إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيُّ
أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ *
الإِمَامُ، الرَّبَّانِيُّ، الثِّقَةُ، أَبُو
إِبْرَاهِيْمَ أَحْمَدُ بنُ سَعْدِ ابنِ الإِمَامِ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ ابْنِ صَاحِبِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ العَوْفِيُّ
البَغْدَادِيُّ، أَخُو عُبَيْدِ اللهِ بنِ سَعْدٍ،
وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَعْدٍ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَلَمْ يَلْحَقْ أَخْذَ العِلْمِ عَنْ أَبِيْهِ، وَلاَ
عَنْ عَمِّهِ يَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ.
سَمِعَ مِنْ: عَفَّانَ، وَعَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، وَيَحْيَى
بنِ بُكَيْرٍ، وَيَحْيَى بنِ سُلَيْمَانَ الجُعْفِيِّ،
وَعَلِيِّ بنِ بَحْرٍ القَطَّانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ
سَلاَّمٍ الجُمَحِيِّ، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ
المَحَامِلِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ فِي (صَحِيْحِهِ) فِي
موَاضِعَ، فَقَالَ فِي بَعْضِهَا: وَكَانَ مِنَ
الأَبْدَالِ، وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ إِسْمَاعِيْلُ
الصَّفَّارُ.
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ مَذْكُوْراً بِالعِلْمِ
وَالفَضْلِ، مَوْصُوَفاً بِالصَّلاَحِ وَالزُّهْدِ، مِنْ
أَهْلِ بَيْتٍ كُلُّهُمْ عُلَمَاءُ وَمُحَدِّثُونَ (1) .
قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
مَضَى عَمِّي أَبُو إِبْرَاهِيْمَ إِلَى أَحْمَدَ بنِ
حَنْبَلٍ، فَلَمَّا رَآهُ وَثَبَ، وَقَامَ إِلَيْهِ،
وَأَكْرَمَهُ، فَلَمَّا أَنْ مَضَى، قَالَ لَهُ ابْنُهُ
عَبْدُ اللهِ: يَا أَبَهْ! شَابٌّ تَعْمَلُ بِهِ هَذَا،
وَتَقُومُ إِلَيْهِ؟
قَالَ: لاَ
__________
(*) تاريخ بغداد: 4 / 181 - 183، طبقات الحنابلة: 1 / 46 -
47، المنتظم: 5 / 88 - 89.
والزهري، بضم الزاي، وسكون الهاء: نسبة إلى زهرة بن كلاب
بن مرة. (اللباب).
(1) تاريخ بغداد: 4 / 181.
(13/117)
تُعَارِضْنِي فِي مِثْلِ هَذَا، أَلاَ
أَقُومُ إِلَى ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ (1) ؟
قَالَ ابْنُ صَاعِدٍ: كَانَ ثِقَةً.
وَقَالَ ابْنُ المُنَادِي: تُوُفِّيَ فِي المُحَرَّمِ،
سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ
اللهُ-.
قُلْتُ: وَإِنَّمَا احتَرَمَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ
لِشَرَفِهِ وَنَسَبِهِ، وَلِتَقْوَاهُ وَفَضْلِهِ، فَمَنْ
جَمَعَ العَمَلَ وَالعِلْمَ، فَنَاهِيْكَ بِهِ!
58 - أَبُو يُوْنُسَ الجُمَحِيُّ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ *
مُفْتِي المَدِيْنَةِ، الإِمَامُ، أَبُو يُوْنُسَ
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
يَزِيْدَ القُرَشِيُّ، الجُمَحِيُّ، المَدَنِيُّ،
الفَقِيْهُ، المَالِكِيُّ.
تَفَقَّهَ بِأَصْحَابِ مَالِكٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدٍ الفَرْوِيِّ،
وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ
المُنْذِرِ، وَأَبِي مُصْعَبٍ، وَبِشْرِ بنِ عُبَيْسٍ
العَطَّارِ، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ: زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، وَيَحْيَى بنُ
الحَسَنِ العَلَوِيُّ النَّسَّابَةُ، وَأَبُو بِشْرٍ
الدُّوْلاَبِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ،
وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
الدَّيْبُلِيُّ (2) ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، كَانَ مُفْتِي
المَدِيْنَةِ.
__________
(1) تاريخ بغداد: 4 / 183. وفيه زيادات.
* الجرح والتعديل: 7 / 183، تهذيب الكمال: خ: 1160، تذهيب
التهذيب: خ: 3 / 180، تهذيب التهذيب: 9 / 24، خلاصة تذهيب
الكمال: 325.
(2) الديبلي، بفتح الدال، وسكون الياء، وضم الباء: نسبة
إلى ديبل: مدينة على ساحل البحر الهندي قريبة من السند.
(اللباب).
(13/118)
تُوُفِّيَ: فِي حُدُوْدِ السَّبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ (1) .
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا دَاوُدَ رَوَى عَنْهُ، عَنِ
الحُمَيْدِيِّ.
وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ، بَلْ شَيْخُ أَبِي دَاوُدَ هُوَ:
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَنَسٍ القُرَشِيُّ
النَّيْسَابُوْرِيُّ، لَقِيَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ
المُقْرِئَ، وَأَقْرَانَهُ بِمَكَّةَ.
59 - وَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حُسَيْنٍ بن
مَدُّويَةَ القُرَشِيُّ * (ت)
القُرَشِيُّ، التِّرْمِذِيُّ، يُكْنَى: أَبَا عَبْدِ
الرَّحْمَنِ.
حَدَّثَ عَنْ: القَاسِمِ بنِ الحَكَمِ العُرَنِيِّ،
وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَسْوَدَ بنِ شَاذَانَ.
رَوَى عَنْهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ
شَكَّرٌ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: ابْنُ حِبَّانَ.
ذَكَرْتُهُ لِلتَّمْيِيْزِ، وَإِلاَّ فَهُوَ أَكْبَرُ مِنَ
الجُمَحِيِّ.
60 - المُنْتَظَرُ أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ
العَسْكَرِيُّ **
الشَّرِيْفُ، أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ
العَسْكَرِيُّ ابنِ عَلِيٍّ الهَادِي بنِ مُحَمَّدٍ
الجَوَادِ بنِ عَلِيٍّ الرِّضَى بنِ مُوْسَى الكَاظِمِ بنِ
جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بنِ
__________
(1) وفي رواية " تهذيب التهذيب ": 9 / 24، أنه مات سنة
(255 ه).
(2) زيادة من " تهذيب التهذيب ".
(*) تهذيب الكمال: خ: 1160، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 180،
تهذيب التهذيب: 9 / 21 - 22، خلاصة تذهيب الكمال: 325.
(* *) الوفيات: 4 / 176، عبر المؤلف: 2 / 31، أخبار سنة
(265)، شذرات الذهب: 2 / 150.
(13/119)
مُحَمَّدٍ البَاقِرِ بنِ زَيْنِ
العَابِدِيْنَ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الشَّهِيْدِ
ابنِ الإِمَامِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ العَلَوِيُّ
الحُسَيْنِيُّ.
خَاتِمَةُ الاثْنَي عَشَرَ سَيِّداً، الَّذِيْنَ تَدَّعِي
الإِمَامِيَّةُ عِصْمَتَهُم - وَلاَ عِصْمَةَ إِلاَّ
لِنَبِيٍّ - وَمُحَمَّدٌ هَذَا هُوَ الَّذِي يَزْعُمُوْنَ
أَنَّهُ الخَلَفُ الحُجَّةُ، وَأَنَّهُ صَاحِبُ
الزَّمَانِ، وَأَنَّهُ صَاحِبُ السِّرْدَابِ
بِسَامَرَّاءَ، وَأَنَّهُ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ حَتَّى
يَخْرُجَ، فَيَمْلأَ الأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً، كَمَا
مُلِئَتْ ظُلْماً وَجُوراً.
فَوَدِدْنَا ذَلِكَ -وَاللهِ- وَهُم فِي انْتِظَارِهِ مِنْ
أَرْبَعِ مائَةٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَمَنْ أَحَالَكَ
عَلَى غَائِبٍ لَمْ يُنْصِفْكَ، فَكَيْفَ بِمَنْ أَحَالَ
عَلَى مُسْتَحِيلٍ؟! وَالإِنْصَافُ عَزِيْزٌ - فَنَعُوذُ
بِاللهِ مِنَ الجَهْلِ وَالهَوَى -.
فَمَوْلاَنَا الإِمَامُ عَلِيٌّ: مِنَ الخُلَفَاءِ
الرَّاشِدِينَ، المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ -رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ- نُحِبُّهُ أَشَدَّ الحُبِّ، وَلاَ نَدَّعِي
عِصْمَتَهُ، وَلاَ عِصْمَةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.
وَابْنَاهُ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ: فَسِبْطَا رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَيِّدَا
شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، لَوْ اسْتُخْلِفَا لَكَانَا
أَهْلاً لِذَلِكَ.
وزَيْنُ العَابِدِيْنَ: كَبِيْرُ القَدْرِ، مِنْ سَادَةِ
العُلَمَاءِ العَامِلِينَ، يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ، وَلَهُ
نُظَرَاءُ، وَغَيْرُهُ أَكْثَرُ فَتْوَىً مِنْهُ،
وَأَكْثَرُ رِوَايَةً.
وَكَذَلِكَ ابْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ: سَيِّدٌ،
إِمَامٌ، فَقِيْهٌ، يَصْلُحُ لِلْخِلاَفَةِ.
وَكَذَا وَلدُهُ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: كَبِيْرُ الشَّأْنِ،
مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ، كَانَ أَوْلَى بِالأَمْرِ مِنْ
أَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُوْرِ.
وَكَانَ وَلَدُهُ مُوْسَى: كَبِيْرَ القَدْرِ، جَيِّدَ
العِلْمِ، أَوْلَى بِالخِلاَفَةِ مِنْ هَارُوْنَ، وَلَهُ
نُظَرَاءُ فِي الشَّرَفِ وَالفَضْلِ.
(13/120)
وَابْنُهُ عَلِيُّ بنُ مُوْسَى الرِّضَا:
كَبِيْرُ الشَّأْنِ، لَهُ عِلْمٌ وَبَيَانٌ، وَوَقْعٌ فِي
النُّفُوْسِ، صَيَّرَهُ المَأْمُوْنُ وَلِيَّ عَهْدِهِ
لِجَلاَلَتِهِ، فَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ.
وَابْنُهُ مُحَمَّدٌ الجَوَادُ: مِنْ سَادَةِ قَوْمِهِ،
لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ آبَائِهِ فِي العِلْمِ وَالفِقْهِ.
وَكَذَلِكَ وَلَدُهُ المُلَقَّبُ بِالهَادِي: شَرِيْفٌ
جَلِيْلٌ.
وَكَذَلِكَ ابْنُهُ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ العَسْكَرِيُّ -
رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى -.
فَأَمَّا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ هَذَا: فَنَقَلَ أَبُو
مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ، أَنَّ الحَسَنَ مَاتَ عَنْ غَيْرِ
عَقِبٍ.
قَالَ: وَثَبَتَ جُمْهُورُ الرَّافِضَةِ عَلَى أَنَّ
لِلْحَسَنِ ابْناً أَخْفَاهُ.
وَقِيْلَ: بَلْ وُلِدَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، مِنْ أَمَةٍ
اسْمُهَا: نَرْجِسٌ، أَوْ سَوْسَنٌ، وَالأَظْهَرُ
عِنْدَهُم أَنَّهَا صَقِيْلٌ، وَادَّعَتِ الحَمْلَ بَعْدَ
سَيِّدِهَا، فَأُوْقِفَ مِيرَاثُهُ لِذَلِكَ سَبْعَ
سِنِيْنَ، وَنَازَعَهَا فِي ذَلِكَ أَخُوْهُ جَعْفَرُ بنُ
عَلِيٍّ، فَتَعَصَّبَ لَهَا جَمَاعَةٌ، وَلَهُ آخَرُوْنَ،
ثُمَّ انْفَشَّ ذَلِكَ الحَمْلُ، وَبَطَلَ، فَأَخَذَ
مِيرَاثَ الحَسَنِ أَخُوْهُ جَعْفَرٌ، وَأَخٌ لَهُ.
وَكَانَ مَوْتُ الحَسَنِ: سَنَةَ سِتِّيْنَ
وَمائَتَيْنِ....، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَزَادَتْ فِتْنَةُ الرَّافِضَةِ بِصَقِيْلٍ
وَبِدَعْوَاهَا، إِلَى أَنْ حَبَسَهَا المُعْتَضِدُ بَعْدَ
نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً مِنْ مَوْتِ سَيِّدِهَا،
وَجُعِلَتْ فِي قَصْرِهِ إِلَى أَنْ مَاتَتْ فِي دَوْلَةِ
المُقْتَدِرِ.
قُلْتُ: وَيَزْعُمُوْنَ أَنَّ مُحَمَّداً دَخَلَ
سِرْدَاباً فِي بَيْتِ أَبِيْهِ، وَأُمُّهُ تَنْظُرُ
إِلَيْهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى السَّاعَةِ مِنْهُ،
وَكَانَ ابْنَ تِسْعِ سِنِيْنَ.
وَقِيْلَ دُوْنَ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ: وَقِيْلَ: بَلْ دَخَلَ، وَلَهُ
سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: بَلْ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ، وَأَنَّهُ
حَيٌّ (1) .
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان: 4 / 176.
(13/121)
نَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ زوَالِ العَقْلِ.
فَلَو فَرَضْنَا وُقُوعَ ذَلِكَ فِي سَالِفِ الدَّهْرِ،
فَمَنِ الَّذِي رَآهُ؟ وَمَنِ الَّذِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ
فِي إِخْبَارِهِ بِحَيَاتِهِ؟ وَمَنِ الَّذِي نَصَّ لَنَا
عَلَى عِصْمَتِهِ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ؟
هَذَا هَوَسٌ بَيِّنٌ، إِنْ سَلَّطْنَاهُ عَلَى العُقُولِ
ضَلَّتْ وَتَحَيَّرَتْ، بَلْ جَوَّزَتْ كُلَّ بَاطِلٍ.
أَعَاذَنَا اللهُ وَإيَّاكُم مِنَ الاحْتِجَاجِ
بِالمُحَالِ وَالكَذِبِ، أَوْ رَدِّ الحَقِّ الصَّحِيْحِ
كَمَا هُوَ دَيْدَنُ الإِمَامِيَّةِ.
وَمِمَّنْ قَالَ: إِنَّ الحَسَنَ العَسْكرِيَّ لَمْ
يُعْقِبْ: مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ الطَّبرِيُّ، وَيَحْيَى
بنُ صَاعِدٍ، وَنَاهِيْكَ بِهِمَا مَعْرِفَةً وثِقَةً.
61 - يُوْسُفُ بنُ بَحْرٍ أَبُو القَاسِمِ التَّمِيْمِيُّ
*
الإِمَامُ، الرَّحَّالُ، أَبُو القَاسِمِ التَّمِيْمِيُّ،
البَغْدَادِيُّ، ثُمَّ الطَّرَابُلُسِيُّ، قَاضِي حِمْصَ،
ثُمَّ نَزَلَ جَبْلَةَ.
سَمِعَ: عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ،
وَأَبَا النَّضْرِ، وَحَجَّاجَ بنَ مُحَمَّدٍ،
وَالأَسْوَدَ بنَ عَامِرٍ، وَمَرْوَانَ بنَ مُحَمَّدٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُسَيَّبِ
الأَرْغِيَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ أَخُو
خَيْثَمَةَ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَرَوَى الكَثِيْرَ.
وَجَاءَ عَنْ خَيْثمَةَ: أَنَّهُ ارْتَحَلَ إِلَيْهِ
بُعَيْدَ سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ إِلَى جَبْلَةَ،
فَأَسَرَهُ الفِرِنْجُ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ هُوَ بِالقَوِيِّ، رَفَعَ
أَحَادِيْثَ، وَأَتَى عَنِ الثِّقَاتِ بِمَنَاكِيرَ (1) .
__________
(*) الجرح والتعديل: 9 / 219 - 220، تاريخ بغداد: 14 / 305
- 306، طبقات الحنابلة: 1 / 420، ميزان الاعتدال: 4 / 462
- 463، لسان الميزان: 6 / 318 - 319.
(1) الكامل لابن عدي: خ (الظاهرية): 4 / 359. والزيادة
منه.
(13/122)
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: لَيْسَ
بِالمَتِيْنِ عِنْدَهُم.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيْفٌ.
وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
62 - الخَصَّافُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَمْرٍو
الشَّيْبَانِيُّ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ، أَبُو بَكْرٍ
أَحْمَدُ بنُ عَمْرِو بنِ مُهَيْرٍ الشَّيْبَانِيُّ،
الفَقِيْهُ، الحَنَفِيُّ، المُحَدِّثُ.
حَدَّثَ عَنْ: وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَأَبِي عَامِرٍ
العَقَدِيِّ، وَالوَاقِدِيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَعَمْرِو
بنِ عَاصِمٍ، وَعَارِمٍ، وَمُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ،
وَالقَعْنَبِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
ذَكَرَهُ ابْنُ النَّجَّارِ فِي (تَارِيْخِهِ).
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ النَّدِيْمُ (1) : كَانَ
فَاضِلاً، صَالِحاً، فَارِضاً، حَاسِباً، عَالِماً
بِالرَّأْيِ، مُقَدَّماً عِنْدَ المُهْتَدِي بِاللهِ،
حَتَّى قَالَ النَّاسُ: هُوَ ذَا يُحْيي دَوْلَةَ أَحْمَدَ
بنِ أَبِي دُوَادَ (2) ، وَيُقَدِّمُ الجَهْمِيَّةَ (3) .
صَنَّفَ للمُهْتَدِي كِتَابَ (الخَرَاجِ)، فَلَمَّا قُتِلَ
المُهْتَدِي، نُهِبَتْ دَارُ الخَصَّافِ، وَذَهَبَتْ
بَعْضُ كُتُبِهِ.
__________
(1) الفهرست: المقالة السادسة: الفن الثاني، طبقات
الفقهاء: 114، الوافي بالوفيات: 7 / 266 - 267.
(1) الفهرست: المقالة السادسة: الفن الثاني: وفيه: " وكان
فقيها فارضا حاسبا، عالما بمذاهب أصحابه، متقدما عند
المهتدي، حتى قال الناس...".
(2) أبو عبد الله الايادي، قاضي القضاة. توفي سنة - (240
ه). قال الذهبي في " عبره ": 1 / 431: " كان فصيحا مفوها
شاعرا جوادا ممدحا رأسا في التجهم: وهو الذي شغب على
الامام أحمد بن حنبل وأفتى بقتله.
وقد مرض بالفالج قبل موته بنحو أربع سنين، ونكب وصودر ".
(3) أي المعتزلة.
(13/123)
صَنَّفَ: كِتَابَ (الحِيَلِ (1))،
وَكِتَابَ (الشُّرُوطِ الكَبِيْرِ)، ثُمَّ اخْتَصَرَهُ،
وَ(الرَّضَاع) وَ(أَدَب القَاضِي)، وَ(العَصِيْر
وَأَحْكَامهِ)، وَ(أَحْكَام الوُقُوْفِ)، وَ(ذَرْع
الكَعْبَةِ وَالمَسْجَدِ وَالقَبْرِ).
وَيُذْكَرُ عَنْهُ زُهْدٌ وَوَرَعٌ، وَأَنَّهُ كَانَ
يَأْكُلُ مِنْ صَنْعَتِهِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَقَلَّ مَا رَوَى، وَكَانَ قَدْ قَارَبَ الثَّمَانِيْنَ.
مَاتَ: بِبَغْدَادَ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
63 - ابْنُ المُدَبِّرِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ
مُحَمَّدٍ الضَّبِّيُّ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ المُدَبِّرِ
الضَّبِّيُّ.
أَحَدُ البُلَغَاءِ وَالشُّعَرَاءِ، وَزَرَ لِلمُعْتَمِدِ.
وَهُوَ أَخُو أَحْمَدَ بنِ المُدَبِّرِ، وَمُحَمَّدٍ.
حَكَى عَنْهُ: عَلِيٌّ الأَخْفشُ، وَجَعْفَرُ بنُ
قُدَامَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ الصُّوْلِيُّ، وَغَيْرُهُم.
وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ كُتَّابِ التَّرَسُّلِ
يُقَارِبُهُ فِي فَنِّهِ وَتَوَسُّعِهِ، وَلَمْ يَزَلْ
عَالِي
__________
(1) وقد طبع بألمانيا، بعناية المستشرق الهولندي يوسف شخت.
والمتأمل في " الحيل " التي تضمنها هذا الكتاب يجدها من
النوع الذي يحتال به على التوصل إلى الحق، أو على دفع
الظلم بطريقة مباحة لم توضع موصلة لذلك ولكن قصد بها ذلك
التوصل، وليست من النوع المذموم الذي يقصد به هدم مقاصد
الشارع في التحليل أو التحريم، وتفويت الغاية السامية التي
يرمي إليها الشرع الإسلامي فيما يشرع من أحكام وتكاليف.
(*) تاريخ الطبري: 9 / 472 - 743، 477، و: 10 / 31،
الاغاني: 22 / 151 - 185 (ط. دار الثقافة - بيروت 1960 م)،
معجم الأدباء: 1 / 226 - 232، فوات الوفيات: 1 / 45 - 47،
الوافي بالوفيات: 6 / 107 - 110.
(13/124)
المَكَانَةِ إِلَى أَنْ نُدِبَ إِلَى
الوِزَارَةِ، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ
وَمائَتَيْنِ، فَاسْتُعفِيَ لِكَثْرَةِ المُطَالَبَةِ
بِالمَالِ.
وَكَانَ وَافِرَ الحِشْمَةِ، كَثِيْرَ البَذْلِ، وَفِيْهِ
يَقُوْلُ أَبُو هِفَّانَ (1) :
يَا ابْنَ المُدَبِّرِ أَنْتَ عَلَّمْتَ الوَرَى ...
بَذْلَ النَّوَالِ وَهُمْ بِهِ بُخَلاَءُ
لَوْ كَانَ مِثْلَكَ فِي البَرِيَّةِ وَاحِدٌ ... فِي
الجُوْدِ لَمْ يَكُ فِيهِمُ فَقُرَاءُ (2)
وَلَهُ أَخْبَارٌ طَوِيْلَةٌ فِي (تَارِيْخِ ابْنِ
النَّجَّارِ).
مَاتَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَمَاتَ أَخُوْهُ أَحْمَدُ بنُ المُدَبِّرِ (3) أَبُو
الحَسَنِ الكَاتِبُ السَّامَرِّيُّ سَنَةَ
__________
(1) هو: عبد الله بن أحمد بن حرب المهزمي العبدي، راوية،
عالم بالشعر والأدب.
من آثاره المطبوعة كتاب " أخبار أبي نواس "، وله غيره.
توفي سنة (257 ه) انظر ترجمته في: تاريخ بغداد: 9 / 370 -
371، معجم الأدباء: 12 / 54 - 55، لسان الميزان: 3 / 249 -
250.
(2) البيتان في: الوافي بالوفيات: 6 / 107، وهما في مجلة
المورد العراقية: المجلد التاسع، العدد الأول ص: 187، حيث
جمع شعره فيها هلال ناجي، وفيها:: " آخر " بدل: واحد، و"
بينهم "، بدل: منهم، وانظر التخريج ثمت.
(3) ترجمته في: الوافي بالوفيات: 8 / 38 - 40، النجوم
الزاهرة: 3 / 43، تهذيب بدران: 2 / 62 - 65.
ومن طريف ما ذكر في ترجمته في " تهذيب بدران ": " قال
الابيوردي: كان ابن المدبر إذا مدحه شاعر ولم يرض شعره،
قال لغلامه نجح: امض به إلى المسجد الجامع، فلا تفارقه حتى
يصلي مئة ركعة ثم خله.
فتجافاه الشعراء إلا المفرد المجيد، فجاءه الجمل الشاعر،
فاستأذنه في النشيد، فقال له: قد عرفت الشرط، قال: نعم.
قال: فهات إذا.
فأنشده: أردنا في أبي حسن مديحا * كما بالمدح ينتجع الولاة
فقلنا: أكرم الثقلين طرا * ومن كفيه دجلة والفرات وقالوا:
يقبل المدحات لكن * جوائزه عليهن الصلاة فقلت لهم: وما
يغني عيالي * صلاتي إنما الشأن الزكاة فيأمر لي بكسر الصاد
منها * فتصبح لي الصلاة هي الصلاة =
(13/125)
سَبْعِيْنَ قَبْلَهُ.
وَكَانَ وَلِيَ مسَاحَةَ الشَّامِ لِلمُتَوَكِّلِ، وَكَانَ
بَلِيْغاً مُتَرَسِّلاً، صَاحِبَ فُنُوْنٍ، يَصْلُحُ
لِلقْضَاءِ.
وَلِلبُحْتُرِيِّ فِيْهِ مَدَائِحُ (1) .
ثُمَّ وَلِيَ خَرَاجَ مِصْرَ مَعَ دِمَشْقَ.
ثُمَّ قَبَضَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بنُ طُولُوْنَ، وَسَجَنَهُ
وَعَذَّبَهُ، ثُمَّ طَلَبَهُ، وَقَالَ: كَيْفَ حَالُكَ؟
فَقَالَ: أَخَذَكَ اللهُ مِنْ مَأْمَنِكَ يَا عَدُوَّ
اللهِ.
فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَقِيْلَ: بَلْ هَلَكَ فِي
السِّجْنِ.
وَلإِبْرَاهِيْمَ أَخْبَارٌ مَعَ عُرَيْبٍ المُغَنِّيَةِ
فِي تَعَشُّقِهِ لَهَا (2) ، وَأَنَّهَا بَعْدَ أَنْ
عَجَزَتْ زَارَتْهُ يَوْماً فِي جَوَارِيهَا، فَوَصَلَهَا
بِنَحْوٍ مِنْ أَلْفَي دِيْنَارٍ ذَلِكَ اليَوْمَ.
64 - السُّكَّرِيُّ أَبُو سَعِيْدٍ الحَسَنُ بنُ
الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
العَلاَّمَةُ، البَارِعُ، شَيْخُ الأَدبِ، أَبُو سَعِيْدٍ
الحَسَنُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ العَلاَءِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ ابنِ
الأَمِيْرِ المُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ الأَزْدِيُّ،
المُهَلَّبِيُّ، السُّكَّرِيُّ، النَّحْوِيُّ، صَاحِبُ
التَّصَانِيْفِ.
سَمِعَ مِنْ: يَحْيَى بنِ مَعِيْن، وَجَمَاعَةٍ.
وَأَخَذَ العَرَبِيَّةَ عَنْ: أَبِي حَاتِمٍ
السِّجِسْتَانِيِّ، وَالرِّيَاشِيِّ، وَعُمَرَ بنِ
شَبَّةَ.
__________
= فضحك وقال: من أين لك هذا ؟ فقلت: من قول أبي تمام: هن
الحمام فإن كسرت عيافة * من حائهن فإنهن حمام فاستطرفه
ووصله ".
(1) انظر: " ديوان البحتري " (ط. دار المعارف بمصر): 1 /
37 - 38، و: 2 / 771 - 773، و: 3 / 1958 - 1961 وهي قصيدة
في مدح الاخوين أحمد وإبراهيم، و: 4 / 2228 - 2232 وهي
كذلك في مدح الاخوين معا.
(2) انظر مثلا في: الاغاني: 22 / 156 - 157، و: 160 - 163.
(*) طبقات النحويين واللغويين للزبيدي: 183، الفهرست:
المقالة الثانية: الفن الثالث، تاريخ بغداد: 7 / 296 -
297، المنتظم: 5 / 97، معجم الأدباء: 8 / 94 - 99، إنباه
الرواة: 1 / 291 - 293، البلغة في تاريخ أئمة اللغة: 56 -
57، بغية الوعاة: 1 / 502.
(13/126)
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ
الحَكِيْمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ
التَّارِيْخِيُّ (1) ، وَأَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ.
وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ.
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً، دَيِّناً، صَادِقاً،
يُقْرِئُ القُرْآنَ، وَانْتَشَرَ عَنْهُ شَيْءٌ كَثِيْرٌ
مِنْ كُتُبِ الأَدَبِ (2) .
لَهُ: كِتَابُ (الوُحُوشِ)، وَكِتَابُ (النَّبَاتِ).
وَكَانَ عَجَباً فِي مَعْرِفَةِ أَشْعَارِ العَرَبِ،
أَلَّفَ لِجَمَاعَةٍ مِنْهُم دَوَاوينَ، فَجَمَعَ شِعْرَ
أَبِي نُوَاسٍ وَشَرَحَهُ فِي ثَلاَثِ مُجَلَّدَاتٍ،
وَدَوَّنَ شِعْرَ امرِئِ القَيْسِ، وَشِعْرَ
النَّابِغَتَيْنِ، وَ(دِيْوَانَ قَيْسِ بنِ الخَطِيمِ)،
وَ(دِيْوَانَ تَمِيْمٍ)، وَ(دِيوَانَ هُذَيْلٍ)،
وَ(دِيوَانَ الأَعشَى)، وَ(دِيوَانَ زُهَيْرٍ)،
وَ(دِيوَانَ الأَخْطَلِ)، وَ(دِيوَانَ هُدْبَةَ بنِ
خَشْرَمٍ)، وَأَشْيَاء سِوَى ذَلِكَ (3) .
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
65 - سُلَيْمَانُ بنُ وَهْبِ بنِ سَعِيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ
حُصَيْنٍ الحَارِثِيُّ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو أَيُّوْبَ الحَارِثِيُّ،
الكَاتِبُ. مَوْلِدُهُ بِسَوَادِ وَاسِطَ.
__________
(1) التاريخي: نسبة إلى التاريخ والعناية به وجمعه.
(اللباب).
(2) تاريخ بغداد: 7 / 296.
(3) انظر: الفهرست: المقالة الثانية: الفن الثالث.
(*) تاريخ الطبري: 9 / 125، 128، 169، 532، 540، 541، 543،
و: 10 / 9، الاغاني: 23 / 3 - 18 (ط.
دار الثقافة - بيروت 1960)، المنتظم: 5 / 86، وفيات
الأعيان: 2 / 415 - 418، النجوم الزاهرة: 3 / 37.
(13/127)
وَتَأَدَّبَ فِي صِغَرِهِ، وَكَتَبَ
لِلْمَأْمُوْنِ وَهُوَ حَدَثٌ.
وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَيَّامُ، إِلَى أَنْ وَزَرَ
لِلمُهْتَدِي سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، ثُمَّ وَزَرَ
بَعْدُ فِي سَنَةِ (263) لِلْمُعْتَمِدِ، فَعُزِلَ بَعْدَ
سَنَة.
وَهُوَ أَخُو الحَسَنِ بنِ وَهْبٍ (1) ، وَكَانَ
جَدُّهُمَا سَعِيْدٌ نَصْرَانِيّاً، يَكْتُبُ فِي
دَوَاوِينِ الخَرَاجِ، ثُمَّ اسْتَخْدَمَ الفَضْلُ بنُ
سَهْلٍ وَهْباً، وَنَوَّهَ بِذِكْرِهِ، وَوَلاَّهُ نَظَرَ
فَارِسٍ، فَوُلِدَ سُلَيْمَانُ فِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ
وَمائَةٍ، وَأَخُوْهُ أَسَنُّ مِنْهُ.
وَسَمِعَ سُلَيْمَانُ حَدِيْثاً كَثِيْراً، وَكَتَبَ
المَنْسُوْبَ.
قَالَ حُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الكَاتِبُ: سَمِعْتُ
سُلَيْمَانَ بنَ وَهْبٍ يَقُوْلُ:
اطَّلَعَ أَبُو تَمَّامٍ وَأَنَا أَكْتُبُ، فَقَالَ لِي:
يَا أَبَا أَيُّوْبَ! كَلاَمُكَ ذَوَّبَ شِعرِي.
قَالَ جَرِيْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ: كُنَّا
فِي مَجْلِسِ المُهْتَدِي بِاللهِ، فَدَفَعَ إِلَى
سُلَيْمَانَ بنِ وَهْبٍ كِتَاباً، وَقَالَ: أَجِبْ عَنْهُ.
فَلَمَّا قَامَ، قَالَ المُهْتَدِي: مَا فِي صِنَاعَتِهِ
لَهُ نَظِيرٌ، غَيْرَ أَنَّهُ يُفْسِدُ نَفْسَهُ بِشَرَهٍ
فِيْهِ عَلَى المَالِ.
وفِي (تَارِيخِ الوُزَرَاءِ) لأَبِي عَبْدِ اللهِ
الجَهْشِيَارِيِّ، قَالَ:
كَانَ سُلَيْمَانُ حَسَنَ الخُلُقِ، كَرِيْمَ الطَّبْعِ،
لَيِّنَ العِشْرَةِ (2) .
وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ الفُرَاتِ: كَانَ
سُلَيْمَانُ بنُ وَهْبٍ أَكْتَبَ خَلْقِ اللهِ يَداً
وَلِسَاناً.
قُلْتُ: إِلاَّ أَنَّهُ قَلِيْلُ الخَيْرِ، ذَكَرَ
مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ بنِ الخَصِيبِ أَنَّهُ رَآهُ
يَقْرَأُ فِي مُصْحَفٍ : {مَنْ كَانَ يُرِيْدُ حَرْثَ
الآخِرَةِ } [الشُّوْرَى: 10]،
__________
(1) انظر أخباره في: الاغاني: 22 / 533 - 563.
(2) مطبوع من " الوزراء والكتاب " للجهشياري ينتهي عند
خلافة المأمون، وقد أشار الناشر في مقدمته إلى فقدان الجزء
الثاني الذي ينتهي بأخبار سنة (296 ه).
(13/128)
فَقَالَ: اللَّهُمَّ! ائتِنِي حَرْثِي فِي
الدُّنْيَا، وَلاَ تَجْعَلْ لِي فِي الآخِرَةِ مِنْ
نَصِيْبٍ.
فَأُجِيْبَ دُعَاؤُهُ.
وَقَالَ مُحْرِزٌ الكَاتِبُ: كَانَ لِسُيلمَانَ غُلاَمٌ
يُحِبُّهُ، فَاسْتُهْتِرَ بِهِ (1) ، فَأَلَحَّتْ عَلَيْهِ
امْرَأَتُهُ، فَأَبْعَدَهُ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: نَكَبَهُ المُوَفَّقُ، وَصَادَرَهُ،
فَلَمْ يُوْجَدْ مَعَهُ مَا ظَنَّ فِيْهِ، وَجَرَتْ لَهُ
بَعْدُ نَكَبَاتٌ، فَمَاتَ مَحْبُوساً فِي صَفَرٍ، سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فِي وِزَارَةِ
صَاعِدِ بنِ مَخْلَدٍ.
وَهُوَ وَالِدُ الوَزِيْرِ عُبَيْدِ اللهِ، وَجَدُّ
الوَزِيْرِ القَاسِمِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَأَبُو جَدِّ
الوَزِيْرِ الحُسَيْنِ.
66 - الخَبِيْثُ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ العَبْدِيُّ *
هُوَ طَاغيَةُ الزِّنْجِ، عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ (2) العَبْدِيُّ، مِنْ عَبْدِ
القَيْسِ.
افْتَرَى وَزَعَمَ أَنَّهُ مِنْ وَلَدِ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ
العَلَوِيِّ، وَكَانَ مُنَجِّماً، طرقِيّاً، ذَكِيّاً،
حَرُورِيّاً (3) ، مَاكِراً، دَاهِيَةً مُنْحَلاًّ، عَلَى
رَأْي فَجَرَةِ الخَوَارِجِ، يَتَسَتَّرُ
__________
(1) استهتر به: فتن به.
وهو على خلاف المتداول على ألسنة الناس اليوم بمعنى الهزء
والسخرية.
(*) تاريخ الطبري: 9 / 622 - 626، 636 - 642، 645 - 652،
654 - 661، الكامل لابن الأثير: 7 / 205 - 215، 235 - 237،
وحتى 406، ففي هذه الصفحات أخبار متفرقة عنه، وعن أعمال
الزنج ومحاربة الدولة لهم عبر المؤلف: 2 / 34 - 35، 37،
39، 41 - 43، البداية والنهاية: 11 / 41 - 45، شذرات
الذهب: 2 / 154 - 156.
(2) في " الكامل " لابن الأثير: 7 / 206: " ابن عبد الرحيم
".
(3) نسبة إلى الحرورية: وهم الخوارج الذين خالفوا عليا -
رضي الله عنه - بعد رجوعه من صفين إلى الكوفة، إذ انحا ؟
وا إلى " حروراء " موضع بظاهر الكوفة، وكان أول اجتماعهم
به، فسموا " الحروريه ".
(13/129)
بِالانْتِمَاءِ إِلَيْهِم، وَإِلاَّ
فَالرَّجُلُ دَهْرِيٌّ فَيْلَسُوفٌ زِنْدِيْقٌ.
ظَهَرَ بِالبَصْرَةِ (1) ، وَاسْتغوَى عَبِيْدَ النَّاسِ
وَأَوبَاشَهُم، فَتَجَمَّعَ لَهُ كُلُّ لِصٍّ وَمُرِيْبٍ
وَكَثُرُوا، فَشَدَّ بِهِم عَلَى أَهْلِ البَصْرَةِ،
وَتَمَّ لَهُ ذَلِكَ، وَاسْتبَاحُوا البَلَدَ،
وَاسْتَرَقُّوا الذُّرِّيَّةَ، وَمَلَكُوا، فَانْتُدِبَ
لِحَرْبِهِم عَسْكَرُ المُعْتَمِدِ، فَالْتَقَى
الفَرِيقَانِ، وَانْتَصَرَ الخَبِيْثُ، وَاسْتَفْحَلَ
بَلاَؤُهُ، وَطَوَى البِلاَدَ، وَأَبَادَ العِبَادَ،
وَكَادَ أَنْ يَمْلِكَ بَغْدَادَ، وَجَرَتْ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الجَيْشِ عِدَّةُ مَصَافَّاتٍ (2) ، وَأَنْشَأَ
مَدِينَةً سَمَّاهَا: المُخْتَارَةَ، فِي غَايَةِ
الحَصَانَةِ، وَزَادَ جَيْشُهُ عَلَى مائَةِ أَلْفٍ،
وَلَوْلاَ زَنْدَقَتُهُ وَمُرُوْقُهُ لاَسْتَوْلَى عَلَى
المَمَالِكِ.
وَقَدْ سُقْتُ مِنْ فِتْنَتِهِ فِي دَوْلَةِ المُعْتَمِدِ،
وَكَانَتْ أَيَّامُهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ نِفْطَوَيْه: كَانَ أَوَّلاً بِوَاسِطَ، وَرُبَّمَا
كَتَبَ العُوَذَ، فَأَخَذَهُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَوْنٍ،
فَحَبَسَهُ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ، فَمَا لَبِثَ أَنْ خَرَجَ
وَاسْتَغْوَى الزِّنْجَ -يَعْنِي: عَبِيْدَ النَّاسِ
وَالَّذِيْنَ يَكْسَحُوْنَ وَيَزْبِلُوْنَ (3) - فَصَارَ
مِنْ أَمْرِهِ مَا صَارَ، وَخَافَتْهُ الخُلَفَاءُ، ثُمَّ
أَظْفَرَهُمُ اللهُ بِهِ بَعْدَ حُرُوبٍ تُشَيِّبُ
النَّوَاصِي.
وَقُتِلَ - وَللهِ الحَمْدُ -: فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ، فِي صَفَرٍ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَأَرْبَعُوْنَ
سَنَةً.
وَلَوْ أَفْرَدْتُ أَخْبَارَهُ وَوقَائِعَهُ لَبَلَغْتُ
مُجَلَّداً. وَكَانَ مُفْرِطَ الشَّجَاعَةِ،
__________
(1) كان أول ظهوره سنة (255 ه). انظر: " الكامل " لابن
الأثير: 7 / 205، وما بعد.
(2) يقال: صف الجيش يصفه صفا، وصافه فهو مصاف: إذا رتب
صفوفه في مقابل صفوف العدو. والمصاف، بفتح الميم، وتشديد
الفاء: جمع مصف: وهو موضع الحرب الذي يكون فيه الصفوف.
(3) الكسح: الكنس. والكساحة: الكناسة. ويزبلون، أي: يصلحون
الأرض بالزبل.
(13/130)
جَرِيّاً، دَاهِيَةً، قَدِ اسْتَوْعَبَ
ابْنُ النَّجَّارِ سِيْرَتَهُ.
رُئِيَ أَبُوْهُ أَنَّهُ بَالَ فِي مَسْجِدِ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَوْلَةً
أَحْرَقَتْ نِصْفَ الدُّنْيَا.
وكَانَتْ أُمُّ الخَبِيْثِ تَقُوْلُ: لَمْ يَدَعِ ابْنِي
أَحَداً عِنْدَهُ عِلْمٌ بِالرَّيِّ حَتَّى خَالَطَهُم،
ثُمَّ خَرَجَ إِلَى خُرَاسَانَ، فَغَابَ عَنِّي
سَنَتَيْنِ، وَجَاءَ، ثُمَّ غَابَ عَنِّي غَيْبَتَهُ
الَّتِي خَرَجَ فِيْهَا، فَوَرَدَ عَلَيَّ كِتَابُهُ مِنَ
البَصْرَةِ، وَبَعَثَ إِليَّ بِمَالٍ، فَلَمْ أَقْبَلْهُ،
لِمَا صَحَّ عِنْدِي مِنْ سَفْكِهِ لِلدِّمَاءِ،
وَخَرَابِهِ لِلْمُدُنِ.
قُلْتُ: وَكَانَ أَبُوْهُ دَاهِيَةً شَيطَاناً كَوَلَدِهِ.
فَقَالَ عَلِيٌّ: مَرِضْتُ وَأَنَا غُلاَمٌ، فَجَلَسَ
أَبِي يَعُودُنِي، وَقَالَ لأُمِّي: مَا خَبَرُهُ؟
قَالَتْ: يَمُوتُ.
قَالَ: فَإِذَا مَاتَ، مَنْ يَخْرِبُ البَصْرَةَ؟
قَالَ: فَبَقِيَ ذَاكَ فِي قَلْبِي.
وَقِيْلَ: مَاتَ أَبُوْهُ بِسَامَرَّاءَ، سَنَةَ إِحْدَى
وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
فَقَالَ عَلِيٌّ الشِّعْرَ، وَمَدَحَ بِهِ، وَصَارَ
كَاتِباً، وَدَخَلَ فِي ادِّعَاءِ الإِمَامَةِ، وَعِلْمِ
المُغَيَّبَاتِ، وَخَافَ، فَنَزَحَ مِنْ سَامَرَّاءَ إِلَى
الرَّيِّ لِمِيرَاثٍ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
قُلْتُ: بَعْدَ مَصْرَعِ المُتَوَكِّلِ وَابْنِهِ،
وَأُولَئِكَ الخُلَفَاءِ المُسْتَضْعَفِيْنَ
المَقْتُولِيْنَ، نَقَضَ أَمْرُ الخِلاَفَةِ جِدّاً،
وَطَمِعَ كُلُّ شَيطَانٍ فِي التَّوثُّبِ، وَخَرَجَ
الصَّفَّارُ بِخُرَاسَانَ (1) ، وَاتَّسَعَتْ مَمَالِكُهُ،
وَخَرَجَ هَذَا الخَبِيْثُ بِالبَصْرَةِ، وَفَعَلَ مَا
فَعَلَ، وَهَاجَتِ الرُّوْمُ، وَعَظُمَ الخَطْبُ.
ثمَّ بَعْدَ سَنَواتٍ ثَارَتِ القَرَامِطَةُ (2)
وَالأَعرَابُ، وَظَهَرَ بِالمَغْرِبِ عُبَيْدُ
__________
(1) كان خروج الصفار سنة (253 ه) في سجستان، وقضي عليه سنة
(265 ه) وهو: يعقوب بن الليث الصفار.
انظر أخباره في: " الكامل " لابن الأثير: 7 / 184 - 326.
(2) كان ابتداء أمر القرامطة سنة (278 ه) في الكوفة، وسنة
(286 ه) في البحرين =
(13/131)
اللهِ، المُلَقَّبُ بِالمَهْدِيِّ،
وَتَمَلَّكَ.
ثُمَّ دَامت الدَّوْلَةُ فِي ذُرِّيَّةِ البَاطِنِيَّةِ
إِلَى دَوْلَةِ نُوْرِ الدِّيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
فَادَّعَى بَعْدَ الخَمْسِيْنَ هَذَا الخَبِيْثُ بِهَجَرَ
(1) أَنَّهُ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ بنِ
حُسَيْنِ بنِ عَبْد اللهِ (2) بنِ عَبَّاسِ بنِ عَلِيِّ
بنِ أَبِي طَالِبٍ.
وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، فَمَالَ إِلَيْهِ رَئِيْسُ
هَجَرَ، وَنَابَذَهُ قَوْمٌ، فَاقْتَتَلُوا، فَتَحَوَّلَ
إِلَى الأَحسَاءِ، وَاعْتَصَمَ بِبَنِي الشَّمَّاسِ،
وَإِنَّمَا قَصَدَ البَحْرَيْنِ لِغَبَاوَةِ أَهْلِهَا،
وَرَوَاجِ المَخَارِيْقِ عَلَيْهِم، فَحَلَّ مِنْهُم
مَحَلَّ نَبِيٍّ، وَصَدَّقُوهُ بِمرَّةٍ، ثُمَّ
تَنَكَّرُوا لَهُ لدبرِهِ، فَشَخَصَ إِلَى البَادِيَةِ
يَسْتَغْوِي الأَعَارِيْبَ (3) بِنُفُوْذِ حِيَلِهِ
وَشَعْوَذَتِهِ، وَاعتَقَدُوا فِيْهِ أَنَّهُ يَعْلَمُ
مَنْطِقَ الطَّيْرِ، وَجَعَلَ يُغِيْرُ عَلَى النَّوَاحِي،
ثُمَّ تَمَّتْ لَهُ وَقعَةٌ كَبِيْرَةٌ، هُزِمَ فِيْهَا
وَقُتِلَ كُبَرَاءُ أَتْبَاعِهِ، وَكَرِهَتْهُ العَرَبُ،
فَقَصَدَ البَصْرَةَ، فَنَزَلَ فِي بَنِي ضُبَيْعَةَ،
وَالتَفَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ
وَخَمْسِيْنَ، وَطَمِعَ فِي مَيْلِ البَصْرِيِّينَ
إِلَيْهِ، فَأَمَرَ أَرْبَعَةً، فَدَخَلُوا الجَامعَ
يَدْعُونَهُم إِلَى طَاعَتِهِ، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ،
بَلْ وَثَبَ الجُنْدُ إِلَيْهِم، فَهَرَبَ، وَأُخِذَ
أَتْبَاعُهُ وَابْنُهُ الكَبِيْرُ وَأُمُّهُ وَبِنْتُهُ،
فَحُبِسُوا.
وَذَهَبَ إِلَى بَغْدَادَ، فَأَقَامَ سَنَةً يَسْتَغوِي
النَّاسَ وَيُضِلُّهُم، فَاسْتمَالَ عِدَّةً مِنَ
الحَاكَةِ بِمخَارِيقِهِ، وَالجَهَلَةُ أَسْبَقُ شَيْءٍ
إِلَى أَربَابِ الأَحْوَالِ الشَّيطَانِيَّةِ،
__________
= على يد أبي سعيد الجنابي، وسنة (289 ه) بالشام.
انظر أخبارهم في " الكامل " لابن الأثير: 7 / 444 - 449،
493 - 495، 498 - 500، 511 - 513، 523 - 526، 541 - 546،
548 - 552: و: 8 / 83 - 84، 143 - 144، 147 - 149، 155 -
156، 170 - 175، 181 - 182، 186 - 187، 207 - 208، 311،
486، و: 9 / 42 - 43، و: 10 / 313 - 323.
(1) هجر: مدينة في البحرين: (انظر ياقوت).
(2) في " الكامل " لابن الأثير: 7 / 206: " ابن الحسن بن
عبيد الله..."
(3) انظر: الكامل: 7 / 206 - 207.
(13/132)
وَمَاتَ مُتَوَلِّي البَصْرَةِ، وَهَاجَتِ
الأَعرَابُ بِهَا، وَفَتَحُوا السُّجُونَ، فَتَخَلَّصَ
قَوْمُهُ (1) ، فَبَادَرَ إِلَى البَصْرَةِ فِي رَمَضَانَ
سَنَةَ خَمْسٍ، وَحَوْلَهُ جَمَاعَةٌ، وَاسْتجَابَ لَهُ
عَبِيْدٌ زُنُوجٌ لِلنَّاسِ، فَأَفْسَدَهُم وَجَسَّرَهُم،
وَعَمَدَ إِلَى جَرِيْدَةٍ، فَكَتَبَ عَلَى خِرْقَةٍ
عَلَيْهَا : {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِيْنَ
أَنْفُسَهُم وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ
}[التَّوبَة: 111].
وَكَتَبَ اسْمَهُ، وَخَرَجَ بِهِم فِي السَّحَرِ
لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ رَمَضَانَ، فِي أَلْفِ
نَفْسٍ، فَخَطَبَهُم، وَقَالَ: أَنْتُم الأُمَرَاءُ
وَسَتَمْلِكُونَ... وَوَعَدَهُم، وَمَنَّاهُم، ثُمَّ
طَلَبَ أُسْتَاذِيْهِم، وَقَالَ: أَرَدْتُ ضَرْبَ
أَعنَاقِكُم لأَذِيَّتِكُم لِهَؤُلاَءِ الغِلْمَانِ.
قَالُوا: هَؤُلاَءِ أَبَقُوا (2) ، وَلاَ يُبقُوْنَ
عَلَيْكَ وَلاَ عَلَيْنَا.
فَأَمَرَ غِلْمَانَهُم، فَبَطَحُوهُم، وَضَرَبُوا كُلَّ
وَاحِدٍ خَمْسَ مائَةٍ، وَحَلَّفَهُم بِالطَّلاَق أَنْ لاَ
يُعْلِمُوا أَحَداً بِمَوْضِعِهِ.
وَقِيْلَ: كَانَ ثَمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفِ عَبْدٍ
يَعْمَلُوْنَ فِي أَمْوَالِ مَوَالِيْهِم، فَأَنْذَرُوا
سَادَاتِهِم بِمَا جَرَى، فَقَيَّدُوهُم، فَأَقْبَلَ
حِزْبُهُ، فَكَسَرُوا قُيْودَهُم، وَضَمُّوهُم إِلَيْهِ،
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الفِطْرِ رَكَزَ عَلَمَهُ (3) ،
وَصَلَّى بِهِمُ العِيْدَ، وَخَطَبَهُم، وَأَعْلَمَهُم
أَنَّ اللهَ يُرِيْدُ أَنْ يُمَكِّنَ لَهُم
وَيُمَلِّكَهُم، وَحَلَفَ لَهُم عَلَى ذَلِكَ (4) ، ثُمَّ
نَزَلَ، فَصَلَّى بِهِم.
ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَنْهَبُ وَيُغِيْرُ، وَيَكْثُرُ
جَمْعُهُ مِنْ كُلِّ مَائِقٍ (5) وَقَاطِعِ طَرِيْقٍ،
حَتَّى اسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ، وَعَظُمَتْ فِتْنَتُهُ،
وَغَنِمَ الخُيُولَ، وَالسِّلاَحَ، وَالأَمْتعَةَ،
وَالأَمْوَالَ، وَالموَاشِي، وَصَارَ مِنَ المُلُوكِ.
وَصَارَ كُلَّمَا حَارَبَهُ عَسْكَرٌ وَانْهَزَمُوا،
__________
(1) انظر: الكامل: 7 / 208.
(2) أبق العبد: هرب.
(3) ركز علمه: غرزه في الأرض.
(4) انظر: الكامل: 7 / 209.
(5) مائق: حاقد، والمأقة: الحقد.
(13/133)
فَرَّ إِلَيْهِ غِلمَانُ العَسْكَرِ.
فَحَشَدَ لَهُ أَهْلُ البَصْرَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ مِنَ
العَامِ، وَالْتَقَوا، فَهَزَمَهُم، وَقَتَلَ مِنْهُم
مَقْتَلَةً، وَوَقَعَ رُعْبُهُ فِي النُّفُوْسِ، فَوَجَّهَ
الخَلِيْفَةُ جَيْشاً، فَمَا نَفَعُوا.
ثمَّ أَوْقَعَ بِأَهْلِ الأُبُلَّةِ (1) فِي سَنَةِ سِتٍّ،
وَأَحْرَقَهَا، فَسَلَّمَ أَهْلُ عَبَّادَانِ (2)
بِأَيدِيهِم، وَسَالَمُوهُ، فَأَخَذَ عَبِيْدَهُم
وَسِلاَحَهُم.
ثمَّ أَخَذَ الأَهْوَازَ، فَخَافَهُ أَهْلُ البَصْرَةِ،
وَانْجَفَلُوا، فَأَخَذَهَا بِالسَّيْفِ فِي شَوَّالٍ،
سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ، وَقتَ صَلاَةِ الجُمُعَةِ،
وَهَرَبَ جُنْدُهَا، فَأَحْرَقَ الجَامعَ بِمَنْ حَوَى،
وَلَمْ تَزَلِ الحَرْبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المُوَفَّقِ
سِجَالاً (3) .
وَاسْتَبَاحَ وَاسِطَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ،
وَحَصَلَ لِلْخَبِيْثِ جَوَاهِرُ وَأَمْوَالٌ،
فَاسْتَأْثَرَ بِهَا، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ
المُتَقَشِّفُوْنَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَذَكَرُوا لَهُ
سِيْرَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: لَيْسَ
فِيْهِمَا قُدْوَةٌ.
وَادَّعَى أَنَّهُ هُوَ عَبْدُ اللهِ المَذْكُوْرِ فِي :
{قُلْ أُوْحِيَ } [الجِنُّ: 1] وَزَعَم أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا يَمْتَازُ
عَلَيْهِ إِلاَّ بِالنُّبُوَّةِ.
وَزَعَمَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي المَهْدِ، صِيْحَ بِهِ:
يَا عَلِيُّ!
فَقَالَ: يَا لَبَّيْكَ.
وَكَانَ يَجْمَعُ اليَهُوْدَ وَالنَّصَارَى، يَسْأَلُهُم
عَمَّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيْلِ مِنْ ذِكْرِهِ،
وَهُم يَسْخَرُوْنَ مِنْهُ، وَيَقْرَؤُونَ لَهُ فُصُولاً،
فَيَدَّعِي أَنَّهَا فِيْهِ. وَزَادَ مِنَ
__________
(1) الابلة: بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية
الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة. وهي أقدم من البصرة
(انظر ياقوت).
(2) عبادان، بفتح العين، وتشديد الباء المفتوحة: موضع تحت
البصرة، قرب البحر الملح. (انظر ياقوت).
(3) في الأصل : " سجال ".
(13/134)
الإِفْكِ، فَنَفَرَتْ مِنْهُ قُلُوْبُ
خَلْقٍ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَمَقَتُوهُ.
وَلَمْ يَجِدْ لِجَيْشِهِ لَمَّا كَثُرُوا بُدّاً مِنْ
أَرْزَاقٍ، فَقَرَّرَ لِلْجُنْدِيِّ فِي الشَّهْرِ
عَشْرَةَ دَنَانِيْرَ، فَحَسَدَ قُوَادَهُ الفُرْسَانُ،
وَشُغِلَ بِإِنشَاءِ الأَبْنِيَةِ، وَفَتَرَ عَنِ
الزِّنجِ، فَهَمُّوا بِالفَتْكِ بِهِ.
وَأَنْشَأَ القَائِدُ الشَّعْرَانِيُّ مَدِينَةً
مَنِيْعَةً، فَأُخِذَتْ، وَهَرَبَ الشَّعْرَانِيُّ.
وَأَنْشَأَ سُلَيْمَانُ بنُ جَامِعٍ مَدِينَةً سَمَّاهَا
(المَنْصُوْرَةَ)، وَحَصَّنَهَا بِخَمْسَةِ خَنَادِقَ (1)
، وَطُولُهَا فَرْسَخٌ، فَأُخِذَتْ، وَنَجَا ابْنُ
جَامِعٍ.
وَبَقِيَ الموَفَّقُ يُكْرِمُ كُلَّ مَنْ فَرَّ إِلَيْهِ،
وَيَخْلَعُ عَلَيْهِم.
وَكَتَبَ إِلَى الخَبِيْثِ يَدْعُوهُ إِلَى التَّوبَةِ
مِنِ ادِّعَاءِ مُخَاطبَةِ المَلاَئِكَةِ، وَمِنْ
تَحْرِيفِهِ القُرْآنَ وَضَلالَتِهِ، فَمَا أَجَابَ
بِشَيْءٍ، وَحَصَّنَ مَدِينَتَهُ (المُخْتَارَةَ) الَّتِي
بِنَهْرِ أَبِي الخَصِيبِ، حَتَّى بَقِيَتْ يُضْرَبُ بِهَا
المَثَلُ، وَنَصَبَ فِيْهَا المَجَانِيْقَ وَالأَسْلِحَةَ
بِمَا بَهَرَ العُقُولَ، وَبِهَا نَحْوُ مائَتَي أَلْفِ
مُقَاتِلٍ، فَمَا قَدَرَ عَلَيْهَا الجَيْشُ إِلاَّ
بِالمُطَاولَةِ، وَأَنْشَأَ تِلْقَاءهَا المُوَفَّقُ
مَدِينَةً وَسَكَنَهَا، وَلَمْ يَزَلْ إِلَى أَنْ أَخَذَ
(المُختَارَةَ)، فَهَرَبَ الخَبِيْثُ إِلَى مَضَائِقَ فِي
نَهْرِ أَبِي الخَصِيبِ، لاَ تَصِلُ إِلَيْهَا سَفِيْنَةٌ
وَلاَ فَارِسٌ، ثُمَّ بَرَزَ فِي أَبْطَالِهِ، وَقَاتَلَ
أَشدَّ قِتَالٍ، وَهُوَ يَقُوْلُ:
وَعَزِيْمَتِي مِثْلُ الحُسَامِ، وَهِمَّتِي ... نَفْسٌ
أَصُوْلُ بِهَا كَنَفْسِ القَسْوَرِ
وَإِذَا تُنَازِعُنِي أَقُوْلُ لَهَا: اسْكُتِي ... قَتْلٌ
يُرِيْحُكِ أَوْ صُعُودِ المِنْبَرِ (2)
__________
(1) في الأصل، " بخمس ".
(2) البيتان في مجلة " المورد " العراقية، المجلد الثالث،
العدد الثالث (1974 م)، ص 170، وقد جمع فيها الأستاذ أحمد
جاسم صاحب النجدي أشعار صاحب الزنج بين الصفحات: 167 -
174. فلينظر تخريج شعره هناك.
(13/135)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ بنِ الجَرَّاحِ
الكَاتِبُ: وَصَاحِبُ الزِّنجِ: هُوَ عَلِيُّ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ رَجَبٍ، مِنْ أَهْلِ
الرَّيِّ، لَهُ حَظٌّ مِنَ الأَدَبِ، وَهُوَ القَائِلُ:
أَمَا وَالَّذِي أَسْرَى إِلَى رُكْنِ بَيْتِهِ ...
حَرَاجِيْجُ بِالرُّكْبَانِ مُقْوَرَّةٌ حُدْبا (1)
لأَدَّرِعَنَّ الحَرْبَ حَتَّى يُقَالَ لِي ... قَضَيْتَ
ذِمَامَ الحَرْبِ فَاعْتَجِرِ الحَرْبَا (2)
وَلَهُ إِلَى الخَلِيْفَةِ:
بَنِي عَمِّنَا إِنَّا وَأَنْتُم أَنَامِلٌ ...
تَضَمَّنَهَا مِنْ رَاحَتَيْهَا عُقُوْدُهَا
بَنِي عَمِّنَا لاَ تُوْقِدُوا نَارَ فِتْنَةٍ ... بَطِيءٌ
عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ خُمُوْدُهَا (3)
بَنِي عَمِّنَا وَلَّيْتُمُ التُّرْكَ أَمْرَنَا ...
وَنَحْنُ قَدِيْماً أَصْلُهَا وَعَدِيْدُهَا
67 - الزَّيْدِيُّ الحَسَنُ بنُ زَيْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
إِسْمَاعِيْلَ *
الأَمِيْرُ، صَاحِبُ جُرْجَانَ، الحَسَنُ بنُ زَيْدِ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ الحَسَنِ بنِ زَيْدِ بنِ
الحَسَنِ ابنِ الإِمَامِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ
العَلَوِيُّ.
فَجَدُّه إِسْمَاعِيْلُ هُوَ أَخُو السِّتِّ نَفِيْسَةَ.
ظَهَرَ هَذَا فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ،
وَكَثُرَ جَيْشُهُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى جُرْجَانَ
__________
(1) حراجيج: ج. حرجوج: وهي الناقة الجسيمة الطويلة. مقورة،
من الاقوار وهو: الاسترخاء في الجلد.
والحدب: جمع حدباء، وهي الناقة التي بدت حراقفها وعظم
ظهرها.
(2) اعتجر بالعمامة: لفها على رأسه ورد طرفها على وجهه.
والبيتان في مجلة " المورد ": مجلد 3 / عدد 3 / ص 168.
(3) الأبيات في مجلة " المورد ": مجلد 3 / عدد 3 / ص 169.
وانظرها في: زهر الآداب: 1 / 288.
(*) تاريخ الطبري: 9 / 271 - 276، 666، الكامل لابن
الأثير: 7 / 130 - 134، 407 - 408، عبر المؤلف: 2 / 19 -
20، البداية والنهاية: 11 / 6، أخبار سنة (150) وما بعدها.
(13/136)
وَتِلْكَ النَّاحيَةِ، وَاسْتَفْحَلَ
أَمْرُهُ، وَهَزَمَ جُيُوشَ الخُلَفَاءِ، ثُمَّ أَخَذَ
الرَّيَّ، وَصَاهَرَ الدَّيْلَمَ، وَتَمَكَّنَ وَعَظُمَ،
وَامْتَدَّتْ أَيَّامُهُ، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي شَهْرِ
شَعْبَانَ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ أَخُوْهُ مُحَمَّدُ بنُ زَيْدٍ،
فَطَالَتْ أَيَّامُهُ، وَظَلَمَ وَعَسَفَ، إِلَى أَنْ
قُتِلَ -رَحِمَهُ اللهُ- قَبْلَ التِّسْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ (1) .
68 - خَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الأَمِيْرُ أَبُو الهَيْثَمِ
الذُّهْلِيُّ * (2)
صَاحِبُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ: لَهُ آثَارٌ حَمِيدَةٌ
بِبُخَارَى أَكْرَمَ بِهَا المُحَدِّثِيْنَ وَأَعْطَاهُم،
وَطَلَبَ مِنَ البُخَارِيِّ أَنْ يُحَدِّثَ بِقَصْرِهِ
(بِالصَّحِيْحِ) لِيَسْمَعَهُ أَولاَدُهُ، فَأَبَى،
فَتَأَلَّمَ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ بُخَارَى.
ثُمَّ إِنَّهُ وَالَى يَعْقُوْبَ الصَّفَّارَ، وَخَرَجَ
عَلَى ابْنِ طَاهِرٍ، ثُمَّ حَجَّ سَنَةَ تِسْعٍ
وَسِتِّيْنَ، فَأُخِذَ وَسُجِنَ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَاتَ.
رَوَى عَنِ: ابْنِ رَاهْوَيْه، وَعُبَيْدِ اللهِ
القَوَارِيْرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: سَهْلُ بنُ شَاذَوَيْه، وَابْنُ أَبِي
حَاتِمٍ، وَابْنُ عُقْدَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ
المُنْكَدِرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ آخِرُهُم عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ حَمْدَانَ الجَلاَّبُ.
وَكَانَ يَمْشِي فِي الطَّلَبِ وَلاَ يَرْكَبُ، وَأَنْفَقَ
فِي ذَلِكَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
مَاتَ: سَنَة سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
__________
(1) كان مقتله سنة (287 ه). انظر سبب ذلك في: " الكامل "
لابن الأثير: 7 / 504 - 505.
(*) الجرح والتعديل: 3 / 322، تاريخ بغداد: 8 / 314 - 316،
المنتظم: 5 / 68، اللباب: 1 / 536.
(2) الذهلي، بضم الذال، سكون الهاء: نسبة إلى ذهل بن
شيبان. (اللباب).
(13/137)
69 - كُرْبُزَانُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ الحَارِثِيُّ * (1)
المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، البَقِيَّةُ، أَبُو سَعِيْدٍ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ
الحَارِثِيُّ، البَصْرِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ،
وَلَقَبُهُ كُرْبُزَانُ، بِتَقْدِيْمِ الرَّاءِ.
سَمِعَ: يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ القَطَّانَ، وَمُعَاذَ بنَ
هِشَامٍ، وَسَالِمَ بنَ نُوْحٍ، وَوَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ،
وَطَائِفَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ،
وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَحَمْزَةُ الهَاشِمِيُّ،
وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ البَخْتَرِيِّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
إِسْحَاقَ الخُرَاسَانِيُّ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبْتُ عَنْهُ مَعَ أَبِي،
تَكَلَّمُوا فِيْهِ، وَسَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ:
شَيْخٌ (2) .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
قُلْتُ: مَاتَ يَوْمَ الأَضحَى، سَنَةَ إِحْدَى
وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ.
وَكُرْبُزَانُ: بِضَمِّ الكَافِ، ثُمَّ رَاءٌ سَاكِنَةٌ،
ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ مَضْمُومَةٌ، ثُمَّ زَايٌ (3) .
__________
(*) الجرح والتعديل: 5 / 283، تاريخ بغداد: 10 / 273 -
274، ميزان الاعتدال: 2 / 586 - 587، عبر المؤلف: 2 / 48،
طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 379، شذرات الذهب: 2 / 161.
(1) كتب في الجانب الأيسر من الأصل ما نصه: " بكاف مشوبة
بقاف ".
وعلى الهامش ما نصه: " فائدة: إذا كانت الكاف مشوبة بقاف
أو غيرها من الحروف إذا كان مشوبا بغيره، فالامثل أن ننقط
تحته ثلاث نقط ليعلم ذلك ".
(2) الجرح والتعديل: 5 / 283.
(3) وقد ضبط خطأ بالقلم بفتح الباء، في المطبوع من " مشتبه
" المؤلف، و" تبصير " =
(13/138)
وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي (صَحِيْحِهِ).
أَخْبَرَنَا عِزُّ الدِّينِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ المَرْدَاوِيُّ (1) ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ
مائَةٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ
الدَّقَّاقُ، أَخْبَرَنَا عبدُ اللهِ بنُ عليٍّ
الدَّقَّاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ،
أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو
الرَّزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ
سَعِيْدٍ القَطَّانُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ
التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي العَلاَءِ - أُرَاهُ عَنْ
مُطَرِّفٍ - عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ: (هَلْ صُمْتَ مِنْ سِرَارِ
هَذَا الشَّهْرِ؟).
قَالَ: لاَ.
قَالَ: (فَإِذَا أَفْطَرَ النَّاسُ أَوْ أَفْطَرْتَ،
فَصُمْ يَوْمَيْنِ) (2) .
70 - مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي المُثَنَّى يَحْيَى
التَّمِيْمِيُّ *
ابْنِ عِيْسَى بنِ هِلاَلٍ، الحَافِظُ، المُفِيدُ، شَيْخُ
المَوْصِلِ، أَبُو
__________
= ابن حجر. وتصحف إلى " كريزان " بالياء، في المطبوع من: "
تاريخ بغداد ": 10 / 273، و" ميزان الاعتدال ": 2 / 586.
(1) ترجمه الذهبي في (مشيخته ": خ: ق: 36.
(2) إسناده ضعيف لضعف صاحب الترجمة عبد الرحمن بن محمد.
لكنه متابع، فقد أخرجه مسلم: (1161) (200) في الصوم: باب
صوم سرر شعبان من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن
هارون، عن الجريري، عن أبي العلاء بهذا الإسناد وأخرجه
البخاري 4 / 200، في الصوم، باب الصوم من آخر الشهر،: من
طريقين عن غيلان بن جرير، عن مطرف، عن عمران بن حصين، عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله أو سأل رجلا وعمران
يسمع فقال: " يا فلان أما صمت سرر هذا الشهر..." وسرر
الشهر: آخره.
وأخرجه مسلم: (1161) في الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة
أيام من كل شهر، من طريق غيلان بن جرير، عن مطرف، عن عمران
بن حصين مرفوعا بلفظ: " أصمت من سرة هذا الشهر...".
وسرة الشهر، وسطه، وأخرجه أيضا: (1161) (199) من طريق هداب
بن خالد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن مطرف بن عمران
بلفظ: " أصمت من سرر شعبان...".
(*) طبقات الحنابلة: 1 / 263.
(13/139)
جَعْفَرٍ، التَّمِيْمِيُّ، المَوْصِلِيُّ،
نَسِيبُ أَبِي يَعْلَى المَوْصِلِيِّ، وَخَالُه.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ السَّكُوْنِيَّ، وَعَبْدَ
الوَهَّابِ بنَ عَطَاءٍ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ،
وَمُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ، وَأَخَاهُ يَعْلَى بنَ
عُبَيْدٍ، وَأَبَا النَّضْرِ، وَمُحَمَّدَ بنَ القَاسِمِ
الأَسَدِيَّ، وَيَنْزِلُ إِلَى: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ،
وَنَحْوِهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ أُخْتِهِ أَبُو يَعْلَى،
وَمُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ بَيَّاعُ الطَّعَامِ،
وَيَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِيَاسٍ الحَافِظُ، وَعَبْدُ
اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ إِسْحَاقَ الجَابرِيُّ،
وَآخَرُوْنَ.
وَعَامَّةُ (جُزْءِ الجَابرِيِّ) عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ إِيَاسٍ: كَانَ مِنْ أَهْلِ الفَضْلِ
وَالفِقْهِ، وَمِن آدَبِ مَنْ رَأَيْنَا مِنَ
المُحَدِّثِيْنَ.
كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ
يُكْرِمُونَهُ...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَكَانَتِ الرِّحلَةُ إِلَيْهِ بِالمَوْصِلِ بَعْدَ
عَلِيِّ بنِ حَرْبٍ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: خَرَجَ أَحْمَدُ
بنُ حَنْبَلٍ يَوْماً، فَقُمْتُ، فَقَالَ:
أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ
الرِّجَالُ قِيَاماً فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ
النَّارِ (1)).
فَقُلْتُ: إِنَّمَا قُمْتُ إِلَيْكَ، وَلَمْ أَقُمْ لَكَ،
فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ.
تُوُفِّيَ: فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الخَلاَّلِ (2) : أَخْبَرَنَا ابْنُ
المُقَيَّرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَقِّ، أَخْبَرَنَا
__________
(1) حديث صحيح أخرجه أبو داود (5229) والترمذي (2775)،
والبخاري في " الأدب المفرد " (997) وأحمد 4 / 93 و100،
والطحاوي في " مشكل الآثار " 2 / 40، وأبو نعيم في تاريخ
أصبهان 1 / 219 من طرق عن حبيب بن الشهيد، عن أبي مجلز
لاحق بن حميد، عن معاوية، وهذا سند صحيح.
(2) تقدمت الإشارة إليه في الصفحة، (85)، ت: 2، عن " مشيخة
" المؤلف.
(13/140)
ابْنُ العَلاَّفِ، أَخْبَرَنَا أَبُو
الحَسَنِ الحَمَّامِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
العَبَّاسِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي
المُثَنَّى، حَدَّثَنَا قَبِيْصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
مَنْصُوْرٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ،
رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ).
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) .
71 - عَلاَّنُ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
المَخْزُوْمِيُّ * (س (2))
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُتْقِنُ، النَّبِيْلُ، أَبُو
الحَسَنِ، عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ
بنِ المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيُّ المِصْرِيُّ، عَلاَّنُ.
سَمِعَ: آدَمَ بنَ أَبِي إِيَاسٍ، وَخَلاَّدَ بنَ يَحْيَى،
وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ
يُوْسُفَ التِّنِّيْسِيَّ، وَأَبَا صَالِحٍ.
وَعَنْهُ: أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَزَكَرِيَّا
خَيَّاطُ السُّنَّةِ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ حَبِيْبٍ
الحَصَائِرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو
عَلِيٍّ بنُ فَضَالَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مَسْعُوْدٍ
الزَّنْبَرِيُّ (3) ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ
الهَرَوِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: أَغْفَلَهُ ابْنُ يُوْنُسَ.
__________
(1) أخرجه البخاري: 3 / 302، 304، في الحج: باب فضل الحج
المبرور، وباب قول الله تعالى: (فلا رفث) ، وباب قول الله
عزوجل: (ولا فسوق ولا جدال في الحج) ، ومسلم: (1350) في
الحج: باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة.
(*) تاريخ ابن عساكر: خ: 12 / 33، ب، اللباب: 2 / 367،
تهذيب الكمال: خ: 985 - 986، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 70،
تهذيب التهذيب: 7 / 360 - 361، خلاصة تذهيب الكمال: 276،
وفيه وفاته سنة (272).
(2) زيادة من " تهذيب التهذيب ".
(3) الزنبري، بفتح الزاي، وسكون النون، وفتح الباء.
(اللباب).
(13/141)
قَالَ النَّسَائِيُّ فِي (اليَوْمِ
وَاللَّيْلَةِ): حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا السِّجْزِيُّ،
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ...، فَذَكَرَ
حَدِيْثاً، وَهُوَ مِنْ أَنْزَلِ مَا لِلنَّسَائِيِّ.
72 - النُّفَيْلِيُّ الصَّغِيْرُ عَلِيُّ بنُ عُثْمَانَ
بنِ مُحَمَّدٍ * (س (1))
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بنُ
عُثْمَانَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ
بنِ عُثْمَانَ بنِ نُفَيْلٍ النُّفَيْلِيُّ،
الحَرَّانِيُّ، نَسِيبُ أَبِي جَعْفَرٍ الحَافِظِ
النُّفَيْلِيِّ.
سَمِعَ: يَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَعَلِيَّ بنَ عَيَّاشٍ،
وَخَالِدَ بنَ مَخْلَدٍ القَطَوَانِيَّ (2) ، وَأَبَا
مُسْهِرٍ الغَسَّانِيَّ، وَعِدَّةً.
وَعَنْهُ: النَّسَائِيُّ - وَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ -
وَمَحْمُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّافعِيُّ، وَابْنُ
صَاعِدٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَالقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ
بنُ زَبْرٍ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
73 - الكَلاَعِيُّ أَبُو مُوْسَى عِمْرَانُ بنُ بَكَّارِ
بنِ رَاشِدٍ ** (س (3))
الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، أَبُو مُوْسَى
عِمْرَانُ بنُ بَكَّارِ بنِ رَاشِدٍ الكَلاَعِيُّ،
البَرَّادُ، الحِمْصِيُّ، المُؤَذِّنُ.
__________
(*) طبقات الحنابلة: 1 / 229، تاريخ ابن عساكر: خ: 12 /
238 أ - ب، تهذيب الكمال: خ: 987، تذهيب التهذيب: خ: 3 /
71، تهذيب التهذيب: 7 / 364 - 365، خلاصة تذهيب الكمال:
276.
(1) زيادة من " تهذيب التهذيب ".
(2) القطواني، بفتح القاف والطاء والواو: نسبة إلى قطوان:
وهو موضعان أحدهما بالكوفة وإليه ينسب خالد بن مخلد.
(اللباب).
(* *) تهذيب الكمال: خ: 1057، تذهيب التهذيب: 3 / 113،
تهذيب التهذيب: 8 / 124، خلاصة تذهيب الكمال: 295.
(3) زيادة من " التقريب ".
(13/142)
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ حِمْيَرٍ
السَّلِيْحِيَّ (1) ، وَأَبَا المُغِيْرَةِ
الخَوْلاَنِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ خَالِدٍ الوَهْبِيَّ،
وَعُتْبَةَ بنَ السَّكَنِ، وَأَبَا اليَمَانِ، وَلَمْ
يَرْحَلْ فِي الحَدِيْثِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ - وَقَالَ: ثِقَةٌ -
وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ،
وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ زَبْرٍ، وَخَيْثَمَةُ بنُ
سُلَيْمَانَ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ أَيْضاً: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
74 - القَنْطَرِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ دَاوُدَ
بنِ يَزِيْدَ * (ق (2))
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ
دَاوُدَ بنِ يَزِيْدَ التَّمِيْمِيُّ، البَغْدَادِيُّ،
القَنْطَرِيُّ، الأَدَمِيُّ الحَافِظُ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ،
وآدَمَ بنَ أَبِي إِيَاسٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ صَالِحٍ
الكَاتِبَ، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَإِبْرَاهِيْمُ
الحَرْبِيُّ - رَفِيْقُهُ - وَالهَيْثَمُ الشَّاشِيُّ (3)
، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَكَمِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ
الصَّفَّارُ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ (4) .
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ - أَيْضاً - وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
__________
(1) السليحي: ضبطت في الأصل بفتح السين.
وجاء في " اللباب ": 2 / 131: أنها بضم السين، وفتح اللام،
وسكون الياء، وقيل: بفتح السين وكسر اللام: وهي إلى سليح
بطن من قضاعة.
(*) الجرح والتعديل: 6 / 185، تاريخ بغداد: 11 / 424 -
425، المنتظم: 5 / 87، تهذيب الكمال: خ: 968، تذهيب
التهذيب: خ: 3 / 61، تهذيب التهذيب: 7 / 317، خلاصة تذهيب
الكمال: 273.
(2) زيادة من " التقريب ".
(3) الشاشي: نسبة إلى الشاش، وهي مدينة وراء نهر سيحون.
(اللباب).
(4) تاريخ بغداد: 11 / 424.
(13/143)
75 - الوَرَّاقُ البَغْدَادِيُّ عِيْسَى
بنُ جَعْفَرٍ *
الإِمَامُ، الحُجَّةُ، الوَرِعُ، الغَازِي، فَارِسُ
الإِسْلاَمِ، عِيْسَى بنُ جَعْفَرٍ الوَرَّاقُ،
البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا بَدْرٍ، وَشَبَابَةَ.
وَعَنْهُ: المَحَامِلِيُّ، وَابْنُ المُنَادِي،
وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ أَيْضاً.
76 - العَطَّارُ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ
يَزِيْدَ **
الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، الحجّةُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ
بنُ إِسْحَاقَ بنِ يَزِيْدَ البَغْدَادِيُّ العَطَّارُ.
يَرْوِي عَنْ: عُمَرَ بنِ شَبِيْبٍ المُسْلِي، وَزَيْدِ
بنِ الحُبَابِ، وَالحَسَنِ بنِ مُوْسَى الأَشيَبِ،
وَمُحَمَّدِ بنِ بُكَيْرٍ الحَضْرَمِيِّ، وَأَبِي
نُعَيْمٍ، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ
الأَصَمُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: ثِقَةٌ (2) .
قَالَ ابْنُ قَانِعٍ: مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
الخَطِيْبُ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا
__________
(*) تاريخ بغداد: 11 / 168 - 169، طبقات الحنابلة: 1 / 247
- 248.
(1) أي: سنة اثنتين وسبعين ومئتين.
(* *) تاريخ بغداد: 7 / 286، المنتظم: 5 / 86.
(2) تاريخ بغداد: 7 / 286.
(13/144)
الحَسَنُ بنُ إِسْحَاقَ العَطَّارُ، قَالَ:
سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ هَارُوْنَ، يَقُوْلُ:
كُنَّا فِي البَحْرِ سَائِرين إِلَى إِفْرِيْقِيَّةَ،
قَالَ: فَرَكَدَتْ عَلَيْنَا الرِّيْحُ، فَأَرْسَيْنَا
إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: البرطُون، وَمَعَنَا صَبِيٌّ
صَقْلَبِيٌّ يُقَالُ لَهُ: أَيْمَنُ، مَعَهُ شِصٌّ (1)
يَصْطَادُ بِهِ السَّمَكَ، فَاصْطَادَ سَمَكَةً نَحْواً
مِنْ شِبْرٍ، أَوْ أَقَلَّ، فَكَانَ عَلَى صَنِيْفَتِهِ
اليُمْنَى مَكْتُوبٌ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَعَلَى
قَذَالِهَا (2) وَصَنِيفَةِ أُذُنِهَا اليُسْرَى
مَكْتُوبٌ: مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ، وَكَانَ أَبْيَنَ
مِنْ نَقْشٍ عَلَى حَجَرٍ، وَكَانَتِ السَّمَكةُ
بَيْضَاءُ، وَالكِتَابَةُ سَوْدَاءُ، كَأَنَّهُ كُتِبَ
بِحِبْرٍ.
قَالَ: فَقَذَفْنَاهَا فِي البَحْرِ، وَمَنَعَ النَّاسَ
أَنْ يَصِيدُوا مِنْ ذَلِكَ المَوْضِعِ حَتَّى أَوْغَلْنَا
(3) .
أَنْبَأَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنَا
الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ الخَطِيْبُ، فَذَكَرَهَا.
77 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ أُورمَةَ أَبُو إِسْحَاقَ
الأَصْبَهَانِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، البَارعُ، أَبُو إِسْحَاقَ
الأَصْبَهَانِيُّ، مُفِيْدُ الجَمَاعَةِ بِبَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ بَكَّارِ بنِ الرَّيَّانِ،
وَصَالِحِ بنِ حَاتِمِ بن وَرْدَانَ، وَعَاصِمِ بنِ
النَّضْرِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُعَاذٍ، وَعَبَّاسٍ
العَنْبَرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ،
وَطَبَقَتِهِم.
__________
(1) في الأصل: " شيص " ومعناه: ردئ التمر. وهذا لا يستقيم
مع سياق الكلام.
والشص، بكسر الشين وفتحها، وتشديد الصاد: حديدة عقفاء يصاد
بها السمك.
(2) القذال: جماع مؤخر الرأس.
(3) تاريخ بغداد: 7 / 286.
(*) الجرح والتعديل: 2 / 88، تاريخ بغداد: 6 / 42 - 44،
المنتظم: 5 / 56 - 57، تذكرة الحفاظ: 2 / 628 - 629، عبر
المؤلف، 2 / 33، طبقات الحفاظ، 277، شذرات الذهب: 2 / 151.
(13/145)
رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي
الدُّنْيَا، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ،
وَأَبُو بَكْرٍ بنُ البَاغَنْدِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ، حَافِظٌ نَبِيْلٌ.
وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: مَا رَأَيْنَا
فِي مَعْنَاهُ مِثْلَهُ، مَرِضَ وَكَانَ يَنْتَخِبُ عَلَى
عَبَّاسٍ الدُّوْرِيِّ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: فَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ
أُورمَةَ أَهْلَ عَصْرِهِ فِي المَعْرِفَةِ وَالحِفْظِ،
وَأَقَامَ بِالعِرَاقِ يَكْتُبُوْنَ بِفَائِدَتِهِ.
قُلْتُ: لَمْ يَنْتشِرْ حَدِيْثُهُ، لأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ
مَحِلِّ الرِّوَايَةِ.
عَاشَ خمساً وَخَمْسِيْنَ سنَةً.
قَالَ ابْنُ المُنَادِي: مَاتَ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ سِتٍّ
وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ (1) ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ الحَرَسْتَانِيِّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ
المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ جُمَيْعٍ، حَدَّثَنَا طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ
بِالبَصْرَةِ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ
السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أُورمَةَ،
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ
صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نَهَى عَنِ الوِصَالِ (2) .
__________
(1) ترجمته في " مشيخة " المؤلف: خ: ق: 107.
(2) إسناده صحيح. وأخرجه من حديث أنس أحمد: 3 / 170، و173،
و202، و218، و235، و247، و276، و289، والبخاري: 4 / 176،
في الصوم: باب الوصال، ومسلم: (1104)، في الصيام: باب
النهي عن الوصال في الصوم، والدارمي: 2 / 8، والترمذي:
(778): والوصال: هو المواصلة في الصوم، بأن يصوم يومين أو
ثلاثة لا يفطر فيها.
(13/146)
78 - سُلَيْمَانُ بنُ سَيْفِ بنِ يَحْيَى
بنِ دِرْهَمٍ الحَرَّانِيُّ * (س) (1)
الحَافِظُ الكَبِيْرُ، أَبُو دَاوُدَ الحَرَّانِيُّ،
الطَّائِيُّ مَوْلاَهُم، مُحَدِّثُ حَرَّانَ.
سَمِعَ: يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ،
وَسَعِيْدَ بنَ عَامِرٍ، وَبَكْرَ بنَ عَبْدِ اللهِ
السَّهْمِيَّ، وَالحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ أَعْيَنَ،
وَوَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَمَحَاضِرَ بنَ المُوَرِّعِ،
وَيَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ،
وَطَبَقَتَهُم.
وَعُنِيَ بِالعِلْمِ الشَّرِيْفِ، وَبَرَعَ فِيْهِ،
وَجَوَّدَهُ.
رَوَى عَنْهُ: النَّسَائِيُّ كَثِيْراً - وَقَالَ: ثِقَةٌ
- وَأَبُو عَرُوْبَةَ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَمَكْحُوْلٌ
البَيْرُوْتِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ المُسَيّبِ الأَرْغِيَانِيُّ، وَأَبُو
عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الحَرَّانِيُّ، وَأَحْمَدُ
بنُ عَمْرٍو الرَّمْلِيُّ، وَهَاشِمُ بنُ أَحْمَدَ بنِ
مَسْرُورٍ، وَحَفِيدُهُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
سُلَيْمَانَ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ ابْنُ عُقْدَةَ: مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ حُضُوراً، أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخبَرَنا أَبُو نَصْرٍ بنُ
طَلاَّبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ جُمَيعٍ،
حَدَّثَنَا هَاشِمُ بنُ أَحْمَدَ أَبُو الوَلِيْدِ
النَّصِيْبِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ سَيْفٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَتَّابٍ سَهْلُ بنُ حَمَّادٍ،
حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بنُ ثَابِتٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ
دِيْنَارٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (تَابِعُوا بَيْنَ
__________
(*) الجرح والتعديل: 4 / 122، تهذيب الكمال: خ: 542 - 543،
تذهيب التهذيب: خ: 2 / 50، تذكرة الحفاظ: 2 / 593 - 594،
عبر المؤلف: 2 / 50، تهذيب التهذيب: 4 / 199، طبقات
الحفاظ: 262، خلاصة تذهيب الكمال: 152، شذرات الذهب: 2 /
162.
(1) زيادة من " تهذيب التهذيب ".
(13/147)
الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا
يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي
الكِيْرُ خَبَثَ الحَدِيْدِ (1)).
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ عَالٍ مِنَ المُوَافَقَاتِ،
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ سَيْفٍ.
وَمَاتَ فِيْهَا: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ
العُطَارِدِيُّ (2) ، وَأَحْمَدُ بنُ عِصَامٍ (3) ،
وَأَبُو عُتْبَةَ الحِجَازِيُّ (4) ، وَأَحْمَدُ بنُ
مَهْدِيِّ بنِ رُسْتُمَ (5) ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
الوَهَّابِ الفَرَّاءُ (6) ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ
المُنَادِي (7) ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ (8)
.
79 - مُحَمَّدُ بنُ شَدَّادِ بنِ عِيْسَى أَبُو يَعْلَى
المِسْمَعِيُّ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، المُسْنِدُ، أَبُو يَعْلَى
المِسْمَعِيُّ البَصْرِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ،
المُتَكَلِّمُ المُعْتَزلِيُّ، المُلَقَّبُ بِزُرْقَانَ.
آخرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ،
وَأَبِي زُكَيْرٍ يَحْيَى بنِ مُحَمَّدٍ المَدَنِيِّ.
__________
(1) إسناده صحيح.
وأخرجه النسائي: 5 / 115، في الحج: باب فضل المتابعة بين
الحج والعمرة، من طريق أبي داود حدثنا أبو عتاب، بهذا
الإسناد.
وفي الباب عن ابن مسعود عند الترمذي: (810)، والنسائي: 5 /
115، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان: (967).
وعن عمر عند ابن ماجة: (2887)، واحمد، 1 / 25.
(2) تقدمت ترجمته في الصفحة: (55)، برقم: (43)
(3) تقدمت ترجمته في الصفحة: (41)، برقم: (25)
(4) تقدمت الإشارة إليه في الصفحة: (58)، ت: (2)
(5) تقدمت الإشارة إليه في الصفحة، (58)، ت: (3)
(6) تقدمت الإشارة إليه في الصفحة: (58)، ت: (6)
(7) تقدمت الإشارة إليه في الصفحة: (58)، ت: (7)
(8) تقدمت الإشارة إليه في الصفحة: (58)، ت: (4) اللباب: 3
/ 212، تذكرة الحفاظ: 2 / 602، في نهاية ترجمة
الديرعاقولي، ميزان الاعتدال: 3 / 579، الوافي بالوفيات: 3
/ 148 - 149.
(13/148)
وَحَدَّثَ عَنْ: عَبَّادِ بنِ صُهَيْبٍ،
وَرَوْحِ بنِ عُبَادَةَ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحُسَيْنُ بنُ صَفْوَانَ، وَمُكْرَمُ بنُ
أَحْمَدَ القَاضِي، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ،
وَغَيْرُهُم.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيُّ: ضَعِيْفٌ جِدّاً،
كَانَ الدَّارَقُطْنِيُّ يَقُوْلُ: لاَ يُكْتَبُ
حَدِيْثُهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ
وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ عُقْدَةَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ
تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ.
قُلْتُ: حَدِيْثُهُ عَالٍ فِي (الغَيْلاَنِيَّاتِ (1))
بِالمَرَّةِ، فَمِنْ بَلاَيَاهُ:
قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الهُذَيْلِ العَلاَّفُ، قَالَ: أَخَذْتُ
مَا أَنَا عَلَيْهِ مِنَ العَدْلِ وَالتَّوْحِيْدِ عَنْ
عُثْمَانَ الطَّوِيْلِ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ أَخَذَهُ
عَنْ وَاصِلِ بنِ عَطَاءٍ، وَأَخَذَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ
بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَأَخَذَهُ مِنْ
أَبِيْهِ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَبِيْهِ
عَلِيٍّ، وَأَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَخْبَرَهُ أَنَّ
جِبْرِيْلَ نَزَلَ بِهِ عَنِ اللهِ تَعَالَى.
رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ زُرْقَانَ، فَهُوَ مُتَّهَم بِهِ.
80 - مُوْسَى بنُ سَهْلِ بنِ كَثِيْرٍ أَبُو عِمْرَانَ
البَغْدَادِيُّ *
المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، أَبُو عِمْرَانَ
البَغْدَادِيُّ، الحُرْفِيُّ الوَشَّاءُ، أَحَدُ
الضُّعَفَاءِ الَّذِيْنَ يُحْتَمَلُ حَالُهُم.
__________
(1) الغيلانيات: فوائد حديثيه من حديث أبي بكر محمد بن عبد
الله بن إبراهيم الشافعي المتوفى سنة (354 ه)، إملاء عن
شيوخه، رواية أبي طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان
البزار المتوفى سنة (354 ه). (انظر: كشف الظنون: 2 /
1214).
(*) تاريخ بغداد: 13 / 48، ميزان الاعتدال 4 / 206، عبر
المؤلف: 2 / 60، تهذيب التهذيب: 10 / 348، لسان الميزان: 6
/ 119، شذارت الذهب، 2 / 172.
(13/149)
سَمِعَ: إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ،
وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقَ، فَكَانَ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ
عَنْهُمَا.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي بَدْرٍ السَّكُوْنِيِّ،
وَعَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ،
وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: عُثْمَانُ بنُ أَحْمَدَ بن السَّمَّاكُ،
وَأَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ الأَدَمِيُّ، وَعُمَرُ بنُ
الحَسَنِ الأُشنَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ،
وَآخَرُوْنَ.
ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَقَالَ البَرْقَانِيُّ: ضَعِيْفٌ جِدّاً.
قُلْتُ: حَدِيْثُهُ أَعْلَى شَيْءٍ فِي (الغَيْلاَنِيَّاتِ
(1)).
مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
81 - ابْنُ مُنِيْبٍ المَرْوَزِيُّ أَبُو الدَّرْدَاءِ
عَبْدُ العَزِيْزِ * (ق (2))
الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ مَرْوَ، أَبُو
الدَّرْدَاءِ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُنيبِ بنِ سَلامٍ
المَرْوَزِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَعُثْمَانَ
بنِ الهَيْثَمِ المُؤَذِّنِ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
المُقْرِئِ، وَعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ،
وَعَبدَان بنِ عُثْمَانَ، وَأَصْبَغَ بنِ الفَرَجِ،
وَيَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، وَخَلْقٍ.
وَعَنْهُ: النَّسَائِيُّ - فِي (اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ)-
وَابْنُ مَاجَهْ - فِيمَا قَالَهُ ابْنُ
__________
(1) وقال في " الميزان " 4 / 206: " موسى بن سهل الوشاء
الذي حديثه في الغيلانيات " في السماء علوا ".
(*) الجرح والتعديل: 5 / 397 - 398، تاريخ بغداد: 10 / 450
- 451، تهذيب الكمال: خ: 846، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 244،
عبر المؤلف: 2 / 36، تهذيب التهذيب: 6 / 360 - 361، خلاصة
تذهيب الكمال: 241، شذرات الذهب: 2 / 153.
(2) زيادة من " التقريب ".
(13/150)
عَسَاكِرَ، وَلَمْ نَرَهُ - وَالحَسَنُ بنُ
سُفْيَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ البَلْخِيُّ،
وَالحُسَيْنُ المَحَامِلِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ.
قِيْلَ: تُوُفِّيَ بَعْدَ سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ فِيْهَا.
82 - ابْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ
الدِّمَشْقِيُّ * (د، س (1))
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُتْقِنُ، أَبُو القَاسِمِ
يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ
الدِّمَشْقِيُّ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ.
سَمِعَ: أَبَا مُسْهِرٍ، وَأَبَا بَكْرٍ الحُمَيْدِيَّ،
وَأَبَا اليَمَانِ، وَأَبَا الجُمَاهَرِ، وَعَبْدَ اللهِ
بنَ يَزِيْدَ بنِ رَاشِدٍ المُقْرِئَ، وَآدَمَ بنَ أَبِي
إِيَاسٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ، وَيَحْيَى
الوُحَاظِيَّ، وَيَسَرَةَ بنَ صَفْوَانَ، وَطَبَقَتَهُم.
وَعَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ
- وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ - وَأَبُو زُرْعَةَ
النَّصْرِيُّ - رَفِيْقُهُ - وَأَبُو عَلِيٍّ
الحَصَائِرِيُّ، وَابْنُ جَوْصَا، وَأَبُو عَوَانَةَ،
وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَابْنُ حَذْلَمٍ،
وَخَلْقٌ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ - وَقَالَ: صَدُوْقٌ
ثِقَةٌ (2) -.
وَقَدِ اجتَمَعَ بِالرَّبِيْعِ المُرَادِيِّ فَأَكْرَمَهُ،
وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى سَرِيْرِهِ، وَأَلْقَى
__________
(*) الجرح والتعديل: 9 / 288 - 289، تاريخ ابن عساكر: خ:
18 / 187 ب - 188 ب، تهذيب الكمال: خ: 1540 - 1541، تذهيب
التهذيب: خ: 4 / 180، عبر المؤلف: 2 / 58، أخبار سنة
(276)، تهذيب التهذيب: 11 / 357 - 358، وفيه وفاته سنة
(275 أو 276)، خلاصة تذهيب الكمال: 434، شذرات الذهب: 2 /
170، أخبار سنة (276).
(1) زيادة من " تهذيب التهذيب ".
(2) الجرح والتعديل: 9 / 289.
(13/151)
عَلَيْهِ مَسْأَلَةً فِي الفِقْهِ، مِنْ
كَلاَمِ الشَّافِعِيِّ، فَأَجَابَهُ بِغَيْرِ قَوْلِ
الشَّافِعِيِّ.
فَقَالَ: يَا أَبَا القَاسِمِ! يَنْبَغِي لَكَ أَنْ
تَنْظُرَ فِي الفِقْهِ.
قُلْتُ: مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَتُوُفِّيَ: بِدِمَشْقَ، فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ (276).
ابْنُهُ: مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ (1) : هُوَ صَاحِبُ
الجُزْءُ العَالِي الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ غَالِبٍ
القَوَّاسُ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) .
83 - الحَوْطِيُّ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ
نَجْدَةَ * (س (3))
المُحَدِّثُ، العَالِمُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ
عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ نَجْدَةَ الحَوْطِيُّ، الحِمْصِيُّ،
نَزِيْلُ مَدِينَةِ جَبَلَةَ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَحْمَدَ بنَ خَالِدٍ الوَهْبِيَّ،
وَجُنَادَةَ بنَ مَرْوَانَ، وَأَبَا المُغِيْرَةِ
الخَوْلاَنِيَّ، وَعَلِيَّ بنَ عَيَّاشٍ، وَجَمَاعَةً.
رَوَى عَنْهُ: النَّسَائِيُّ فِي (اليَوْمِ
وَاللَّيْلَةِ)، وَعَلِيُّ بنُ سِرَاجٍ، وَعَبْدُ
__________
(1) انظر ترجمته في: عبر المؤلف: 2 / 113، الوافي
بالوفيات: 5 / 220، شذرات الذهب: 2 / 232.
(2) وقال الذهبي في " عبره ": " روى عن: صفوان بن صالح
وطبقته. وكان صدوقا وقع لنا جزء من حديثه ".
(*) معجم البلدان: " حوط "، اللباب: 1 / 402، تهذيب
الكمال: خ: 31، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 19، تهذيب التهذيب:
1 / 58، وفيه وفاته سنة (281)، خلاصة تذهيب الكمال: 9.
والحوطي، بفتح الحاء، وسكون الواو، وكسر الطاء: نسبة إلى
حوط. قال صاحب " اللباب ": " والظن أنها من قرى حمص أو
جبلة ".
(3) زيادة من " تهذيب التهذيب ".
(13/152)
الصَّمَدِ بنُ سَعِيْدٍ القَاضِي، وَأَبُو
القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
لَقِيَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ، فَأَكْثَرَ عَنْهُ.
وَ:
84 - أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ يَزِيْدَ بنِ
فَصِيْلٍ الحَوْطِيُّ
المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَوْطِيُّ، نَسِيْبُ
الَّذِي قَبْلَهُ، سَكَنَ أَيْضاً جَبَلَةَ.
وَرَوَى عَنْ: أَبِي المُغِيْرَةِ، وَأَبِي اليَمَانِ،
وَمُحَمَّدِ بنِ مُصْعَبٍ القَرْقَسَانِيِّ (1) ، وَعلِيِّ
بنِ عَيَّاشٍ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَجَعْفَرُ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ هِشَامٍ، وَجَمَاعَةٌ.
كَانَ حَيّاً فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ أَيْضاً.
85 - ابْنُ الدَّوْرَقِيِّ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ كَثِيْرٍ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو العَبَّاسِ ابْنُ الحَافِظِ
الدَّوْرَقِيِّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَفَّانَ، وَمُسْلِمٍ، وَابْنَ الوَلِيْدِ،
وَأَحْمَدَ بنِ نَصْرٍ الخُزَاعِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
__________
(1) القرقساني، بفتح القافين وسكون الراء بينهما: نسبة إلى
قرقيسيا: مدينة على الفرات والخابور بالقرب من الرقة:
(اللباب).
(*) الجرح والتعديل: 5 / 6، تاريخ بغداد: 9 / 371 - 372،
الأنساب: 5 / 354 - 355، المنتظم: 5 / 102، اللباب: 1 /
512.
والدورقي، بفتح الدال، وسكون الواو، وفتح الراء: نسبة إلى
شيئين: أحدهما بلد بخوزستان، والثاني إلى لبس القلانس
الدورقية، واختلف في نسبة عبد الله بن أحمد هذا إلى أيهما.
(انظر اللباب).
(13/153)
وَعَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ نَجِيْحٍ،
وَأَحْمَدُ بنُ خُزَيْمَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ
الخُرَاسَانِيُّ، وَابْنُ قَانِعٍ، وَأَحْمَدُ بنُ
جَعْفَرِ بنِ حَمْدَانَ السَّقَطِيُّ (1) .
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبَ إِلَيَّ بِجُزْءٍ مِنْ
حَدِيْثِهِ، وَكَانَ صَدُوْقاً (2) .
وثَقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ (276).
وَرَّخَهُ جَمَاعَةٌ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ مِنْهَا.
86 - أَبُو مَعِيْنٍ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ الرَّازِيُّ
*
الحَافِظُ، الإِمَامُ، الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ
الرَّازِيُّ.
سَمِعَ: سَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَبَا سَلَمَةَ
مُوْسَى بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبَا تَوْبَةَ، وَأَحْمَدَ
بنَ يُوْنُسَ، وَنُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ، وَيَحْيَى بنَ
مَعِيْنٍ، وَطَبَقَتَهُم.
وَسَمِعَ: (المُوَطَّأَ) مِنْ يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ.
أَخَذَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتَمٍ،
وَأَبُو نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ
المُحَمَّدَأَبَاذِي، وَأَحْمَدُ بنُ قشمرد، وَيُوْسُفُ
بنُ إِبْرَاهِيْمَ الهَمَذَانِيُّ، وَحَفْصُ بنُ عُمَرَ
الأَرْدَبيلِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: وَهُوَ مِنْ كِبَارِ
حُفَّاظِ الحَدِيْثِ.
وسَمَّاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ كَمَا قُلْنَا.
وَسَمَّاهُ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ فِي (الكُنَى (3)):
مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ.
__________
(1) السقطي، بفتح السين والقاف، وكسر الطاء: نسبة إلى بيع
السقط، وهو رد: المتاع.
(انظر اللباب. ولسان العرب)
(2) الجرح والتعديل 5 / 6.
(*) الجرح والتعديل 50 3، تذكرة الحفاظ: 2 / 606 - 607،
عبر المؤلف: 2 / 49 - 50، طبقات الحفاظ 269، شذرات الذهب:
2 / 162.
(3) وذكره المؤلف في: " المقتنى في الكنى ": خ: 72، ولم
يتعقبه كما فعل هنا.
(13/154)
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ (1) ،
أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ
بِسَرَاي (2) ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ
السُّفْنِي بِأَرْدَبِيْلَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ
مُحَمَّدٍ البَزَّارُ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ عُمَرَ
الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعِيْنٍ الرَّازِيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ السَلاَّمِ بنُ مُطَهَّرٍ، حَدَّثَنَا
حَفْصٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ:
قَالَ صَفْوَانُ (3) : إِذَا أَكَلْتُ رَغِيْفاً سَدَّ
بَطْنِي، وَشَرِبْتُ كُوْزاً مِنْ مَاءٍ، فَعَلَى
الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا العَفَاء.
87 - القُوْمِسِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ
الخَلِيْلِ بنِ حَرْبٍ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الجَوَّالُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ
أَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ بنِ حَرْبٍ القُرَشِيُّ
النَّوْفَلِيُّ، مَوْلاَهُمُ القُوْمِسِيُّ.
حَدَّثَ بِأَصْبَهَانَ عَنْ: أَبِي النَّضْرِ، وَعُبَيْدِ
اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئ،
وَمُعَلَّى بنِ أَسَدٍ.
وَعَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ يَزِيْدَ
الزُّهْرِيُّ، وَالفَضْلُ بنُ الخَصِيْبِ، وَعُمَرُ بنُ
عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) ترجمه المؤلف في " مشيخته ": خ: ق: 110.
(2) كذا الأصل، بالياء وفي تذكرة الحفاظ: 2 / 607: " بسراة
" بالهاء، وانظر معجم البلدان: (سراو) و(سراة).
(3) يغلب على الظن أنه أبو عبد الله صفوان بن سليم الزهري
المدني، الامام الثقة الحافظ الفقيه الذي تقدمت ترجمته في
الجزء الخامس: ص 364، من هذا الكتاب.
(*) الجرح والتعديل: 2 / 50، طبقات الحنابلة: 1 / 42،
تهذيب الكمال: خ: 21، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 10 - 11،
ميزان الاعتدال: 1 / 96، تهذيب التهذيب: 1 / 28 - 29، لسان
الميزان: 1 / 167.
والقومسي، بضم القاف وسكون الواو، وكسر الميم: نسبة إلى
قومس: مدينة كبيرة في ذيل جبال طبرستان. (انظر: اللباب،
وياقوت).
(13/155)
كَذَّبَهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو
حَاتِمٍ جَمِيْعاً، وَادَّعَى لُقِيَّ جَمَاعَةٍ (1) .
قَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْه: فِيْهِ لِيْنٌ.
88 - أَبُو الأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بنُ الهَيْثَمِ بنِ
حَمَّادٍ الثَّقَفِيُّ * (ق (2))
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، قَاضِي عُكْبَرَى (3) ،
أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الهَيْثَمِ بنِ حَمَّادِ
بنِ وَاقِدٍ، الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُمُ، البَغْدَادِيُّ،
المَشْهُورُ بِأَبِي الأَحْوَصِ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي نُعَيْمٍ، وَمُسْلِمِ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءَ، وَسَعِيْدِ
بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الأُوَيْسِيِّ،
وَمُوْسَى بنِ دَاوُدَ الضَّبِّيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ
كَثِيْرٍ الصَّنْعَانِيِّ، وَعَارِمٍ، وَالقَعْنَبِيِّ،
وَأَبِي الوَلِيْدِ، وَسَعِيْدِ بنِ عُفَيْرٍ، وَأَبِي
جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَائِذٍ
الكَاتِبِ، وَطَبَقَتِهِم.
وَلَهُ رِحْلَةٌ وَاسِعَةٌ، وَمَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ حَدِيْثاً وَاحِداً فِي
الاسْتِسْقَاءِ (4) ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَابْنُ
صَاعِدٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَعُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ،
وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَأَبُو بَكْرٍ
الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مَالِكٍ الإِسْكَافِي،
وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) انظر: الجرح والتعديل: 2 / 50.
(*) تاريخ بغداد: 3 / 362 - 364، تهذيب الكمال: خ: 1281،
تذهيب التهذيب: خ: 4 / 6، تذكرة الحفاظ: 2 / 605 - 606،
عبر المؤلف: 2 / 63، تهذيب التهذيب: 9 / 498 - 499، طبقات
الحفاظ: 263 - 264، خلاصة تذهيب الكمال: 362، شذرات
الذهب:: 2 / 175.
(2) زيادة من " تهذيب التهذيب ".
(3) عكبرى، بضم العين وسكون الكاف وفتح الباء والراء:
بليدة على دجلة فوق بغداد بعشرة فراسخ. (انظر: ياقوت،
واللباب).
(4) رقم (1270)، وسيذكره المصنف بعد قليل.
(13/156)
قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ:
كَانَ مِنَ الحُفَّاظِ الثِّقَاتِ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ بِعُكْبَرَى، فِي جُمَادَى الأُوْلَى،
سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ
اللهُ-.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ (1) ، أَنْبَأَنَا
القَاسِمُ بنُ أَبِي سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الأَسْعَدِ
القُشَيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، (ح).
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الفَرَاوِيِّ، أَخْبَرَنَا
عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ المِهْرَجَانِيُّ (2) ،
أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو
الأَحْوَصِ قَاضِي عُكْبَرَى، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى،
قَالاَ:
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ، حَدَّثَنَا ابْنُ
إِدْرِيْسَ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي
ثَابِتٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! لَقَدْ
جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ قَوْمٍ مَا يَتَزَوَّدُ لَهُم رَاعٍ،
وَلاَ يَخْطِرُ (3) لَهُم فَحْل.
فَصَعَدَ المِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللهَ، ثُمَّ قَالَ:
(اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيْثاً مَرِيْعاً
مَرِيّاً طَبَقاً غَدَقاً عَاجِلاً غَيْر رَائِثٍ).
ثُمَّ نَزَلَ.
فَمَا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ مِنْ وَجهٍ مِنَ الوُجُوْهِ
إِلاَّ قَالَ: قَدِ أُحيِينَا.
أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ (4) عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ.
__________
(1) ترجمه المؤلف في: " مشيخته ": خ: ق: 21.
ونقلت بعضها في الصفحة: (46)، ت: 1.
(2) المهرجاني، بكسر الميم، وسكون الهاء، وفتح الراء
والجيم: نسبة إلى شيئين: أحدهما مدينة أسفرايين، ويقال
لها: المهرجان.
والثاني: الجد. (اللباب) وانظر: ياقوت).
(3) لا يخطر لهم فحل: أي: ما يحرك ذنبه هزالا لشدة القحط
والجدب. يقال: خطر البعير بذنبه يخطر: إذا رفعه ومطه.
وإنما يفعل ذلك عند الشبع والسمن.
(4) رقم: (1270)، باب ما جاء في الدعاء في الاستسقاء. قال
البوصيري في " الزوائد ": ورقة 81: " وهذا إسناد صحيح
رجاله ثقات ". كذا قال مع أن حبيب بن أبي ثابت مدلس وقد
عنعن.
(13/157)
89 - الصَّائِغُ أَبُو مُحَمَّدٍ القَاسِمُ
بنُ الحَسَنِ الهَمْدَانِيُّ *
العَلاَّمَةُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ القَاسِمُ بنُ
الحَسَنِ الهَمْدَانِيُّ البَغْدَادِيُّ، المُتَكَلِّمُ،
وَيُعْرَفُ بِالصَّائِغِ.
سَمِعَ: يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ
بَكْرٍ السَّهْمِيَّ.
وَعَنْهُ: ابْنُ مُجَاهِدٍ، وَالهَيْثَمُ الشَّاشِي،
وَعَلِيُّ بنُ إِسْحَاقَ المَادَرَائِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: الخَطِيْبُ (1) .
وَتُوُفِّيَ بِمِصْرَ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ
وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) .
هَذَا لاَ أَعْرِفُهُ.
90 - القَزْوِيْنِيُّ كَثِيْرُ بنُ شِهَابٍ
القَزْوِيْنِيُّ **
أَحَدُ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ.
رَوَى عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ سَابِقٍ القَزْوِيْنِيِّ،
وَعَبْدِ اللهِ بنِ الجَرَّاحِ.
وَعَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ
الصَّفَّارُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ البَخْتَرِيِّ، وَأَبُو
الحَسَنِ القَطَّانُ.
__________
(*) تاريخ بغداد: 12 / 432 - 433.
(1) تاريخ بغداد: 12 / 432.
(2) في تاريخ بغداد: " مات في سنة اثنتين وسبعين ومئتين في
الجانب الشرقي في شارع باب الخراسان حذاء منزل بني إشكاب.
وقال ابن قانع: انه مات بمصر ".
ولعل الذهبي قصد بقوله: " هذا لا أعرفه " وفاته بمصر، لا
أنه يجهل المترجم، إذ وصفه بكونه ثقة في بداية الترجمة،
ونقل عن الخطيب توثيقه.
(* *) الجرح والتعديل: 7 / 153، تاريخ بغداد: 12 / 484 -
485.
(13/158)
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي
حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، كَتَبْتُ عَنْهُ بِقَزْوِيْنَ (1) .
قُلْتُ: مَاتَ أَيْضاً: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
91 - تُرُنْجَةُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ
إِسْمَاعِيْلَ القُرَشِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ
إِسْحَاقَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ بنَ سَهْلٍ القُرَشِيُّ
مَوْلاَهُمُ، الكُوْفِيُّ، نَزِيْلُ مِصْرَ.
حَدَّثَ عَنْ: جَعْفَرِ بنِ عَوْنٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ
القَاسِمِ الأَسَدِيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَطَلْقِ بنِ
غَنَّامٍ، وَإِسْحَاقَ السَّلُولِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ
أَبِي مَرْيَمَ، وَخَلْقٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَابْنُ
زِيَادٍ النَّيْساَبُورِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
أَبِي حَاتِمٍ - وَقَالَ: هُوَ صَدُوْقٌ (2) -.
وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: أَصَابَهُ فَالِجٌ، ثُمَّ مَاتَ
بَعْدَ يَسِيْرٍ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ
سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
92 - عَلِيُّ بنُ سَهْلِ بنِ المُغِيْرَةِ أَبُو الحَسَنِ
النَّسَائِيُّ **
المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو الحَسَنِ
النَّسَائِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ البَزَّازُ.
__________
(1) الجرح والتعديل: 7 / 153.
(*) الجرح والتعديل: 2 / 158، تاريخ ابن عساكر: خ: 2 / 413
ب - 414 أ، تهذيب بدر ؟ ن: 3 / 16 - 17.
(2) الجرح والتعديل: 2 / 158 .
(* *) الجرح والتعديل: 6 / 189، تاريخ بغداد: 11 / 429 -
430، طبقات الحنابلة: 1 / 225، المنتظم: 5 / 83، تهذيب
الكمال: خ: 972، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 63، ميزان
الاعتدال: 3 / 131، تهذيب التهذيب: 7 / 329 - 330، خلاصة
تذهيب الكمال: 274.
(13/159)
سَمِعَ: أَبَا بَدْرٍ السَّكُوْنِيَّ،
وَعَبْدَ الوَهَّابِ بنَ عَطَاءٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ
عُبَيْدٍ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي بُكَيْرٍ، وَعُبَيْدَ اللهِ
بنَ مُوْسَى، وَعِدَّةً.
وَعَنْهُ: ابْنُ صَاعِدٍ، وَعَلِيُّ بنُ عُبَيْدٍ
الحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَكِيْمِي،
وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) .
قُلْتُ: توفَّيَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
وَمَرَّ: عَلِيُّ بنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ (2) ،
وَأَخُوْهُ.
93 - ابْنُ الطَّبَّاعِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
يُوْسُفَ بنِ عِيْسَى *
المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، المُسْنِدُ، أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ.
حَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَمُحَمَّدِ بنِ
مُصْعَبٍ القَرقَسَانِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى،
وَطَبَقَتِهِم.
وَعَنْهُ: القَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ
مَخُلَدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ الأَدَمِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ بنِ نَجِيْحٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: الخَطِيْبُ (3) .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: صَدُوْقٌ.
__________
(1) المصدر السابق: 6 / 189.
(2) وردت ترجمته في الجزء الثاني عشر من هذا الكتاب، ترجمة
رقم (145).
(*) تاريخ بغداد: 3 / 394 - 395، طبقات الحنابلة: 1 / 326،
الوافي بالوفيات: 5 / 243 - 244.
(3) تاريخ بغداد: 3 / 394.
(13/160)
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
94 - أَبُو مَعْشَرٍ المُنَجِّمُ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ
البَلْخِيُّ *
صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، فِي النُّجُوْمِ وَالهَنْدَسَةِ.
قِيْلَ: كَانَ مُحَدِّثاً، فَمُكِرَ بِهِ، وَدَخَلَ فِي
النُّجُوْمِ، وَقَدْ صَارَ ابْنَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ،
ثُمَّ جَاوَزَ المائَة.
وَمَاتَ: فِي رَمَضَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
وَقَدْ ضَرَبَهُ المُسْتَعِيْنُ لِكَوْنِهِ أَصَابَ فِي
أَمْرٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ.
وَصَنَّفَ: كِتَابَ (الزِّيْج)، وَكِتَابَ
(المَوَالِيْدِ)، وَكِتَابَ (القرَانَات)، وَكِتَابَ
(طَبَائِعِ البُلْدَانِ)، وَأَشْيَاءَ كَثِيْرَةً مِنْ
كُتُبِ الهَذَيَانِ.
95 - الصَّائِغُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ بنِ سَالِمٍ ** (د (1))
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، شَيْخُ الحَرَمِ،
أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ سَالِمٍ
القُرَشِيُّ، العَبَّاسِيُّ، مَوْلَى المَهْدِيِّ،
البَغْدَادِيُّ، نَزِيْلُ مَكَّةَ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَأَبَا دَاوُدَ
الحَفَرِيَّ، وَرَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَحَجَّاجَ بنَ
مُحَمَّدٍ الأَعْوَرَ، وَعِدَّةً.
__________
(*) الفهرست: المقالة السابقة: الفن الثاني، وفيات
الأعيان: 1 / 358 - 359، البداية والنهاية: 11 / 51، شذرات
الذهب: 2 / 161، أخبار سنة (271).
(* *) الجرح والتعديل: 7 / 190، تاريخ بغداد: 2 / 38 - 39،
المنتظم: 5 / 104، تهذيب الكمال: خ: 1173، تذهيب التهذيب:
خ: 3 / 189، تهذيب التهذيب: 9 / 58، خلاصة تذهيب الكمال:
327.
(1) زيادة من " تهذيب التهذيب "
(13/161)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ
صَاعِدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُم:
عَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ بُنْدَارَ؛ شَيْخُ أَبِي
نُعَيْمٍ الحَافِظِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) .
قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
وَكَانَ وَالِدُهُ؛ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ
إِسْمَاعِيْلُ بنُ سَالِمِ بنِ دِيْنَارٍ (2) ، مِنْ
شُيُوْخِ مُسْلِمٍ، الَّذِيْنَ رَوَى عَنْهُم فِي
(صَحِيْحِهِ)، لَقِيَ عَبَّادَ بنَ عَبَّادٍ، وَهُشَيْماً.
96 - البَلاَذُرِيُّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى
بنِ جَابِرٍ *
العَلاَّمَةُ، الأَدِيْبُ، المُصَنِّفُ، أَبُو بَكْرٍ
أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ جَابِرٍ البَغْدَادِيُّ،
البَلاَذُرِيُّ، الكَاتِبُ، صَاحِبُ (التَّارِيْخِ
الكَبِيْرِ).
سَمِعَ: هَوْذَةَ بنَ خَلِيْفَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ
صَالِحٍ العِجْلِيَّ، وَعَفَّانَ، وَأَبَا عُبَيْدٍ،
وَعَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ، وَخَلَفَ بنَ هِشَامٍ،
وَشَيْبَانَ بنَ فَرُّوْخٍ، وَهِشَامَ بنَ عَمَّارٍ،
وَعِدَّةً.
وَجَالَسَ المُتَوَكِّلَ، وَنَادَمَهُ.
__________
(1) الجرح والتعديل: 7 / 190.
(2) ترجمته في: تقريب التهذيب: 1 / 70، وتهذيب التهذيب: 1
/ 303.
(*) الفهرست: المقالة الثالثة: الفن الأول، تاريخ ابن
عساكر: خ: 2 / 135 ب - 136 أ معجم الأدباء: 5 / 89 - 102،
فوات الوفيات: 10 / 155 - 157، الوافي بالوفيات: 8 / 239 -
241، البداية والنهاية: 11 / 65 - 66، لسان الميزان: 1 /
322 - 323 تهذيب بدران: 2 / 112.
والبلاذري، بفتح الباء، وضم الذال، وكسر الراء، نسبة إلى
البلاذر: وهو شجر من فصيلة البطميات.
(13/162)
رَوَى عَنْهُ: يَحْيَى بنُ المُنَجِّمِ،
وَأَحْمَدُ بنُ عَمَّارٍ، وَجَعْفَرُ بنُ قُدَامَةَ،
وَيَعْقُوْبُ بنُ نُعَيْمٍ قَرْقَارَةُ، وَعَبْدُ اللهِ
بنُ أَبِي سَعْدٍ الوَرَّاقُ.
وَكَانَ كَاتِباً بَلِيْغاً، شَاعِراً مُحْسِناً، وُسْوِسَ
بِأَخَرَةٍ لأَنَّهُ شَرِبَ البَلاَذُرَ للحِفْظِ.
وَلَهُ مَدَائِحُ فِي المَأْمُوْنِ وَغَيْرِهِ.
وَقَدْ رَبَطَ فِي البِيْمَارِسْتَانَ، وَفِيْهِ مَاتَ.
وَقِيْلَ: كَانَ يُكْنَى أَبَا الحَسَنِ.
وَقِيْلَ: أَبَا جَعْفَرٍ.
تُوُفِّيَ: بَعْدَ السَّبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ
اللهُ-.
وَكَانَ جَدُّهُ جابرٌ كَاتِباً لِلْخَصِيْبِ (1) أَمِيْرِ
مِصْرَ.
97 - مُحَمَّدُ بنُ الجَهْمِ أَبُو عَبْدِ اللهِ
السِّمَّرِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الأَدِيْبُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ
السِّمَّرِيُّ، الكَاتِبُ، تِلْمِيْذُ يَحْيَى الفَرَّاءِ
وَرَاوِيْهِ.
سَمِعَ: يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ بنَ
عَطَاءٍ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ، وَيَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ،
وَطَبَقَتَهُم.
__________
(1) هو الذي مدحه أبو نواس برائيته السائرة ومطلعها: أجارة
بيتينا أبوك غيور * وميسور ما يرجى لديك عسير وفيها يقول
مخاطبا زوجته :
ذريني أكثر حاسديك برحلة * إلى بلد فيها الخصيب أمير
(*) تاريخ الطبري: 8 / 665، تاريخ بغداد: 2 / 161،
المنتظم: 5 / 108 - 109، معجم الأدباء: 18 / 109 - 110،
اللباب: 2 / 138، الوافي بالوفيات: 2 / 313 - 314، طبقات
القراء لابن الجزري: 2 / 113، لسان الميزان: 5 / 110 -
111.
(13/163)
حَدَّثَ عَنْهُ: مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ،
وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مُجَاهِدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ
الصَّفَّارُ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَأَبُو
سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ،
وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: أَخَذَ القِرَاءةَ
عَرْضاً (1) عَنْ عَائِذِ بنِ أَبِي عَائِذٍ، صَاحِبِ
حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، وَسَمِعَ الحُرُوْفَ مِنْ خَلَفِ
بنِ هِشَامٍ، وَسُلَيْمَانَ الهَاشِمِيِّ.
أَخَذَ عَنْهُ القِرَاءةَ: ابْنُ مُجَاهِدٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَةِ العَرَبِيَّةِ العَارِفِيْنَ بِهَا.
قُلْتُ: مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ
وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَعَاشَ تِسْعاً وَثَمَانِيْنَ
سَنَةً.
يَقَع حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي (الغَيْلاَنِيَّات).
98 - مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ يَزِيْدَ أَبُو بَكْرٍ
التَّمِيْمِيُّ *
الحَافِظُ، العَالِمُ، الجَوَّالُ، أَبُو بَكْرٍ
التَّمِيْمِيُّ الطَّرَسُوْسِيُّ، الثَّغْرِيُّ، نَزِيْلُ
بَلْخ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئ،
وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَأَبِي اليَمَانِ، وَعَفَّانَ،
وَطَبَقَتِهِم.
__________
(1) القراءة على الشيخ حفظا، أو من كتاب، تسمى عند
المحدثين: " عرضا ".
والرواية بها سائغة عند العلماء: إلا عند من لا يعتد
بخلافهم. انظر: " الباعث الحثيث ": 110.
(*) تاريخ ابن عساكر: خ: 15 / 426 أ - ب، تذكرة الحفاظ: 2
/ 601 - 602، ميزان الاعتدال: 3 / 679، وفيه وفاته (276)،
الوافي بالوفيات: 4 / 296، وفيه وفاته (280)، طبقات
الحفاظ: 268.
(13/164)
وَعَنْهُ: ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو
عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ
الدَّغُوْلِيُّ، وَمكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ بنِ مَحْبُوْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ الصَّبَّاحِ الأَصْبَهَانِيُّ،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الحَاكِمُ: مَشْهُوْرٌ بِالرِّحْلَةِ وَالفَهْمِ
وَالتَّثَبُّتِ، أَخَذَ عَنْهُ أَهْلُ مَرْو.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ فِي عِدَادِ مَنْ يَسْرِقُ
الحَدِيْثَ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَحْمَدَ المَشْهَديُّ (1) ،
أَخْبَرَنَا الشَّرَفُ المُرْسِيُّ، أَخْبَرَنَا
مَنْصُوْرٌ الفَرَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ
بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا البَيْهَقِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو
العَبَّاسِ المَحْبُوبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عِيْسَى الطَّرَسُوْسِيُّ، حَدَّثَنَا سُنَيْد، حَدَّثَنَا
يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِيْهِ،
عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمَانَ لِسُلَيْمَانَ:
يَا بُنَي لاَ تُكْثِرِ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَإِنَّ
ذَلِكَ يَدَعُ صَاحِبَهُ فَقِيْراً يَوْمَ القِيَامَةِ)
(2) .
99 - أَبُو حَمْزَةَ البَغْدَادِيُّ مُحَمَّدُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ *
شَيْخُ الشُّيُوْخِ، أَبُو حَمْزَةَ مُحَمَّدُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ البَغْدَادِيُّ الصُّوْفِيُّ.
__________
(1) ترجمته في " مشيخة " الذهب: خ ق: 175.
(2) إسناده ضعيف لضعف سنيد واسمه حسين، وشيخه يوسف بن
محمد، وأخرجه ابن ماجة (1332) في إقامة الصلاة: باب ما جاء
في قيام الليل من طرق، عن سنيد بهذا الإسناد، قال البوصيري
في " زوائده " ورقة 85 / 2: هذا إسناد ضعيف لضعف يوسف بن
محمد بن المنكدر وسنيد بن داود، وأورده ابن الجوزي في "
الموضوعات " من طريق سنيد، وقال: لا يصح عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم، ويوسف لا يتابع على حديثه، وأخرجه
الطبراني في " الصغير " 1 / 121 من طريق جعفر بن سنيد عن
أبيه به، وقال: لم يروه عن محمد بن المنكدر الا ابنه يوسف
تفرد به سنيد.
(*) طبقات الصوفية: 295 - 298، حلية الأولياء: 10 / 320 -
322، الفهرست: =
(13/165)
جَالَسَ بِشْراً الحَافِي، وَالإِمَامَ
أَحْمَدَ.
وَصَحِبَ السَّرِيَّ بنَ المُغَلِّسِ.
وَكَانَ بَصِيْراً بِالقِرَاءات.
وَكَانَ كَثِيْرَ الرِّبَاطِ وَالغَزْو.
حَكَى عَنْهُ: خَيْرٌ النَّساجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ
الكَتَّانِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَمِنْ كَلاَمِهِ: قَالَ: عَلاَمَةُ الصُّوْفِيِّ
الصَّادِقِ أَنْ يَفْتَقِرَ بَعْدَ الغِنَى، وَيَذِلَّ
بَعْدَ العِزِّ، وَيَخْفَى بَعْدَ الشُّهْرَةِ،
وَعَلاَمَةُ الصُّوْفِيِّ الكَاذِبِ أَنْ يَسْتَغْنِي
بَعْدَ الفَقْرِ، وَيَعِزَّ بَعْدَ الذُّلِّ، وَيَشْتَهِرَ
بَعْدَ الخَفَاءِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيٍّ المُرِيْدِي: سَمِعْتُ
أَبَا حَمْزَةَ يَقُوْلُ:
مِنَ المُحَالِ أَنْ تُحِبَّهُ ثُمَّ لاَ تَذْكُرهُ، وَأَن
تَذْكُرَهُ ثُمَّ لاَ يُوْجِدَكَ طَعْم ذِكْرهُ، وَيشغلك
بِغَيْرِهِ (1) .
قُلْتُ: وَلأَبِي حَمْزَةَ انحِرَافٌ وَشَطْحٌ (2) ، لَهُ
تَأَوِيْلٌ.
فَفِي (الحِلْيَةِ): عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ بَكْرٍ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، سَمِعْتُ
أَبَا عَبْدِ اللهِ الرَّمْلِيَّ، يَقُوْلُ:
تَكَلَّمَ أَبُو حَمْزَةَ فِي جَامِعِ طَرَسُوْسَ،
فَقبَّلُوْهُ، فَصَاحَ غُرَابٌ، فَزَعَقَ أَبُو حَمْزَةَ:
لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ.
فَنَسَبُوْهُ إِلَى الزَّنْدَقَةِ، وَقَالُوا: حُلُوُلِيٌّ
(3) .
وَشَهِدُوا عَلَيْهِ، وَطُرِدَ، وَبِيْعَ فَرَسُهُ
بِالمُنَادَاةِ عَلَى بَابِ الجَامِعِ:
__________
= المقالة الخامسة: الفن الخامس، تاريخ بغداد: 1 / 390 -
394، طبقات الحنابلة: 1 / 268 - 269، المنتظم: 5 / 68 -
69، الوافي بالوفيات: 1 / 344 - 345.
(1) انظر: طبقات الصوفية: 296.
(2) الشطح: كلمة عامية، وليست في كتب اللغة، ويستعملها
المتصوفة، ويقصدون بها الكلمات التي تصدر عن الإنسان في
حال غيبوبته مما يتنافى مع الشرع.
ويرى الشيخ أحمد رضا في كتابه " قاموس رد العامي إلى
الفصيح " أن الكلمة مقلوبة من: شحط: إذا بعد، أو أن أصلها:
شطر، من قولهم: شطر عنهم، أي: بعد مراغما ولم يوافقهم.
وقال: والحاء والراء
يتعاقبان في الفصيح، مثل: جحفه وجرفه السيل، بمعنى: جره
وذهب به.
وقال: الاشقح لغة في الاشقر.
(3) انظر الكلام عن أصناف الحلولية في " الفرق بين الفرق
": 254 - 266. (ط. مكتبة محمد علي صبيح بمصر. تحقيق محمد
محيي الدين عبد الحميد).
(13/166)
هَذَا فَرَسُ الزِّنْدِيْقِ (1) .
قَالَ أَبُو نَصْرٍ السَّرَّاجُ (2) صَاحِبُ (اللمع):
بَلَغَنِي أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الحَارِثِ المُحَاسِبِي،
فَصَاحَتْ شَاةٌ: مَاع.
فَشَهَقَ، وَقَالَ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ يَا سَيِّدِي.
فَغَضِبَ الحَارِثُ، وَأَخَذَ السِّكِيْنَ، وَقَالَ: إِنْ
لَمْ تَتُبْ أَذْبَحْكَ.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
مِقْسَمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ الخَيَّاطُ (3) ،
سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ، قَالَ:
بَيْنَا أَنَا أَسِيْرُ وَقَدْ غَلَبَنِي النَّوْمُ، إِذ
وَقَعْتُ فِي بِئْرٍ، فَلَمْ أَقْدِرْ أَطْلَع
لِعُمْقِهَا.
فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ إِذ وَقَفَ عَلَى رَأْسِهَا
رَجُلاَنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: نَجُوْزُ وَنَتْرُكُ
هَذِهِ فِي طَرِيْقِ السَّابِلَةِ؟
قَالَ: فَمَا نَصْنَعُ؟
قَالَ: نَطُمُّهَا.
فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُوْلَ: أَنَا فِيْهَا، فَتَوَقَرْتُ
(4) : تَتَوَكَّلُ عَلَيْنَا وَتَشْكُو بَلاَءنَا إِلَى
سِوَانَا؟!
فَسَكَتُّ، فَمَضَيَا، وَرَجَعَا بِشَيْءٍ جَعَلاَهُ عَلَى
رَأْسِ البِئرِ غَطّوْهَا بِهِ، فَقَالَتْ لِي نَفْسِي:
أَمِنْتَ طَمَّهَا، وَلَكِنْ حَصَلْتَ مَسْجُوناً فِيْهَا.
فَمَكَثْتُ يَوْمِي وَلَيْلَتِي، فَلَمَّا كَانَ مِنَ
الغَدِ، نَادَانِي شَيْءٌ، يَهْتِفُ بِي وَلاَ أَرَاهُ:
تَمَسَّكْ بِي شَدِيْداً.
فَمَدَدْتُ يَدَي، فَوَقَعْتُ عَلَى شَيْءٍ خَشِنٍ،
فَتَمَسَّكْتُ بِهِ، فَعَلاَ، وَطَرَحَنِي، فَتَأَمَّلْتُ
فَوْقَ الأَرْضِ فَذَا هُوَ سَبُعٌ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ
لَحِقَنِي شَيْءٌ، فَهَتَفَ بِي هَاتِفٌ: يَا أَبَا
حَمْزَةَ! اسْتَنْقَذْنَاكَ مِنَ البَلاَءِ بِالبَلاَءِ،
وَكَفَينَاك مَا تَخَافُ بِمَا تَخَافُ (5) .
__________
(1) حلية الأولياء: 10 / 321، والزيادة منه. وتتمة الخبر
فيه: " فذكر أبو عمرو البصري، قال: اتبعته والناس وراءه
يخرجونه من باب الشام. فرفع رأسه إلى السماء وقال: لك من
قلبي المكان المصون * كل صعب علي فيك يهون
(2) هو: عبد الله بن علي الطوسي. وفاته سنة (378 ه) وكتابه
" اللمع " في التصوف. مطبوع بعناية أرنولد ألن نيكلسون، في
ليدن سنة (1914 م). ويقع في مجلد واحد.
(3) في " الحلية ": " أبو بكر ".
(4) في " الحلية ": " فتوقفت، فنوديت ".
(5) انظر الخبر في " حلية الأولياء ": 10 / 320 - 321،
والزيادة منه. و: " تاريخ بغداد " 1 / 391 - 392.
(13/167)
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا حَمْزَةَ تَكَلَّمَ
يَوْماً عَلَى كُرْسِيِّهِ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ يَذْكُرُ
النَّاسَ، فَتَغيَّرَ عَلَيْهِ حَالُهُ وَتَوَاجَدَ
فَسَقَطَ عَنْ كُرْسِيِّهِ، فَمَاتَ بَعْدَ أَيَّامٍ.
نَقَلَ الخَطِيْبُ وَفَاتَهُ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ
وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) .
وَأَمَّا السُّلَمِيُّ فَقَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) .
قُلْتُ: تَصَحَّفَتْ وَاحِدَةٌ بِالأُخْرَى، وَالصَّوَابُ:
سِتِّيْنَ لاَ ثَمَانِيْنَ.
وَكَذَا وَرَّخَهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، وَقَالَ: جَاءَ
مِنْ طَرَسُوْسَ، فَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ بِبَغْدَادَ،
وَمَا زَالَ مَقْبُوْلاً، حَضَرَ جِنَازَتَهُ أَهْلُ
العِلْمِ وَالنُّسكِ، وَغَسَّلهُ جَمَاعَةٌ مِن بَنِي
هَاشِمٍ، وَقُدِّمَ الجُنَيْدُ فِي الصَّلاَةِ عَلَيْهِ،
فَامْتَنَعَ، فَتَقَدَّم وَلَدُهُ، وَكُنْتُ بَائِتاً فِي
مَسْجِدِهِ لَيْلَةَ مَوْتِهِ، فَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ
يَتْلُو حِزْبَهُ، حَتَّى خَتَمَ تِلْكَ اللَّيْلَة.
وَكَانَ صَاحِبَ لَيْلٍ، مُقَدَّماً فِي عِلْمِ القُرْآنِ،
وَخَاصَّةً فِي قِرَاءةِ أَبِي عَمْرٍو، وَحَمَلَهَا
عَنْهُ جَمَاعَةٌ.
وَكَانَ سَبَبَ عِلَّتِهِ أَنَّ النَّاسَ كَثرُوا، فَأُتِي
بكُرْسِيٍّ، فَجَلَسَ، وَمَرَّ فِي كَلاَمِهِ شَيْءٌ
أَعْجَبَهُ، فَرَدَّدَهُ وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَسَقَطَ،
وَقَدْ كَانَ هَذَا يُصِيْبُهُ كَثِيْراً، فَانْصَرَفَ
بَيْنَ اثْنَيْنِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَتَعَلَّلَ،
وَدُفِنَ فِي الجُمْعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدِ الصَّلاَةِ،
وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي صَفَاءِ الذِّكْرِ،
وَجَمَعَ الهَمَّ وَالمَحَبَّةَ، وَالشَّوْقَ وَالقُرْبَ
وَالأُنْسَ عَلَى رُؤُوْسِ النَّاسِ، وَهُوَ مَوْلَى
لِعِيْسَى بنِ أَبَانٍ القَاضِي، وَقَدْ سَمِعْتُهُ غَيْرَ
مَرَّةٍ يَقُوْلُ: قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: يَا
صُوفِيُّ! مَا تَقُوْلُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ؟
__________
(1) تاريخ بغداد: 1 / 394.
(2) طبقات الصوفية: 296.
(13/168)
100 - المُوَفَّقُ بنُ المُتَوَكِّلِ عَلَى
اللهِ جَعْفَرِ بنِ المُعْتَصِمِ مُحَمَّدٍ *
وَلِي عَهْدَ المُؤْمِنِيْنَ، الأَمِيْرُ، المُوَفَّقُ
أَبُو أَحْمَدَ طَلْحَةُ - وَمِنْهُم مِنْ سَمَّاهُ:
مُحَمَّداً - ابْنُ المُتَوَكِّلِ عَلَى اللهِ جَعْفَرِ
ابنِ المُعْتَصِم مُحَمَّدِ ابنِ الرَّشِيْدِ الهَاشِمِيُّ
العَبَّاسِيُّ، أَخُو الخَلِيْفَةِ المُعْتَمِدِ، وَولِيُّ
عَهْدِهِ، وَوَالِدُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ
المُعْتَضِدِ، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَعَقَدَ لَهُ أَخُوْهُ بِوِلاَيَةِ العَهْدِ مِنْ بَعْدِ
وَلَدِهِ جَعْفَرٍ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ
وَمائَتَيْنِ، فَكَانَ المُوَفَّقُ بِيَدِهِ العَقْدُ
وَالحَلُّ، لاَ يُبْرَمُ أَمْرٌ دُوْنَهُ، وَكَانَ مِنْ
أَعلاَهُم (1) رُتْبَةً، وَأَنْبَلِهِم رَأْياً،
وَأَشْجَعِهِم قَلْباً، وَأَوفَرِهِم هَيْبَةً،
وَأَجْوَدِهِم كَفّاً.
وَكَانَ مَحْبُوباً إِلَى الرَّعِيَةِ، وَلاَ سِيَّمَا
لَمَّا اسْتُؤْصِلَ الخَبِيْثُ طَاغُوْتُ الزِّنْجِ (2)
عَلَى يَدَيْهِ، فَإِنَّهُ مَا زَالَ يُحَارِبُهُ حَتَّى
ظَفِرَ بِهِ، وَلذَا لَقَّبَهُ النَّاسُ، النَّاصِرَ
لِدِيْنِ اللهِ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبِيُّ: لَمْ يَزَلْ أَمْرُ
المُوَفَّقِ يَقْوَى وَيَزِيْدُ، حَتَّى صَارَ صَاحِبَ
الجَيْشِ، وَكُلُّهُم تَحْتَ يَدِهِ، وَلَمَّا غَلَبَ
عَلَى الأَمْرِ، حَظَرَ عَلَى المُعْتَمِدِ، وَاحتَاطَ
عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ، وَوَكلَ بِهِم، وَأَجْرَى
الأُمُوْرَ مَجَارِيهَا.
مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
__________
(*) تاريخ الخلفاء لابن ماجة: 45، 48، تاريخ الطبري: 9 /
290، 291، 316، 337، 349، 353، 361، 377، 475، 476، 490،
و10 / 22، تاريخ بغداد: 2 / 127 - 128، تاريخ ابن عساكر:
خ: 15 / 91 أ - 92 أ، المنتظم: 5 / 121 - 122، الكامل لابن
الأثير: 7 / 441 - 444، عبر المؤلف: 2 / 39، 43، 47، 59 -
60، الوافي بالوفيات: 2 / 294 - 295، شذرات الذهب: 2 /
172.
(1) في الأصل: " أعلى ".
(2) تقدمت ترجمته في الصفحة (129)، برقم (66).
(13/169)
وَكَانَ قَدْ غَضِبِ عَلَى ابْنِهِ،
وَسَجَنَهُ خَوَفاً مِنْهُ، فَلَمَّا احتُضِرَ أَخْرَجَهُ،
وَفَوَّضَ إِلَيْهِ مَنْصِبَهُ.
101 - أَبُو أَحْمَدَ القَلاَنِسِيُّ مُصْعَبُ بنُ
أَحْمَدَ *
شَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ، القُدْوَةُ، أَبُو أَحْمَدَ
مُصْعَبُ بنُ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ، صَاحِبُ أَبِي
حَمْزَةَ، وَمَاتَا فِي وَقتٍ.
حَكَى عَنْهُ: الوَاعِظُ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ
المِصْرِيُّ، وَغَيْرُهُ.
قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: الحكَايَاتُ عَنْ أَخْلاَقِهِ
وَمَذَاهِبِهِ يَطُوْلُ بِهَا الكِتَابُ، صَحِبَ أَبَا
عُثْمَانَ الوَرَّاقَ، وَسَافَرَ مَعَ عَبْدِ اللهِ
الرِّبَاطِيِّ، وَكَانَ مُقَدَّماً عَلَى جَمِيْعِ
مُرِيْدِي بَغْدَادَ، لِمَا كَانَ فِيْهِ مِنَ السَّخَاءِ
وَالأَخْلاَقِ، وَمرَاعَاتِهِ مَذَاهِبَ النُّسْكِ، مَعَ
طِيْبِ القَلْبِ، وَرِقَّتِهِ وَعُلُوِّ الإِشَارَةِ،
وَشِدَّةِ الاحْتِرَاقِ.
وَعِبَارَتُهُ كَانَتْ دُوْنَ إِشَارِتِهِ، وَلَهُ نُكَتٌ
وَإِشَارَات، صَحِبْتُهُ إِلَى أَنْ مَاتَ، فَمَا
رَأَيْتُهُ بَيَّتَ دِرْهَماً.
يَتَكَلَّمُ فِي الأَحْوَالِ وَالمَقَامَاتِ، وَكَانَ
النُّورِيُّ يُقَدِّمَهُ فِي ذَلِكَ.
قَالَ مُنَبِّهُ البَصْرِيُّ: سَافَرْتُ مَعَ أَبِي
أَحْمَدَ، فَجُعْنَا جُوْعاً شَدِيْداً، فَفَتَحَ
عَلَيْنَا بِشَيْءٍ مِنْ طَعَامٍ فَآثَرَنِي بِهِ، وَكَانَ
مَعَنَا سَوِيْق (1) ، فَقَالَ: يَا مُنَبِّهُ! تَكُوْنُ
جَمَلِي؟ - يَمْزَح - قُلْتُ: نَعَم، فَكَانَ يَؤْجُرُنِي
السَّوِيْقَ (2) .
__________
(*) حلية الأولياء 10 / 306 - 307، تاريخ بغداد: 13 / 114
- 115، المنتظم: 5 / 79 - 80، اللباب: 3 / 67.
والقلانسي، بفتح القاف وتخفيف اللام: نسبة إلى القلانس
وعملها.
والقلانس: جمع قلنسوة، وهي لباس للرأس مختلف الانواع
والاشكال.
(1) السويق: طعام يتخذ من مدقوق الحنطة والشعير، سمي بذلك
لانسياقه في الحلق.
(2) حلية الأولياء: 10 / 306، والزيادة منه، وتتمة الخبر
فيه: " يحتال بذلك أن يؤثرني على نفسه، وكان صحب أبا محمد
الرباطي المروزي، وسلك مع البادية، وورث عنه هذه الاخلاق
الحميدة..."
(13/170)
قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: كَانَ أَبُو
أَحْمَدَ يُكْرِمُهُ مَنْ أَدْرَكْتُ، كَأَبِي حَمْزَةَ،
وَسَعْدٍ الدِّمَشْقِيِّ، وَالجُنَيْدِ، وَابْنِ
الخَلَنْجِيِّ، وَيُحِبُّوْنَهُ، ثُمَّ إِنَّهُ تَزَوَّجَ،
فَمَا أَغْلَقَ بَاباً، وَلاَ ادَّخَرَ شَيْئاً عَنْ
أَصْحَابِهِ، وَحَضَرْنَا لَيْلَةَ عُرْسِهِ (1) وَمَعَنَا
الجُنَيْدُ، وَرُوَيْمٌ، وَمَعَنَا قَارِئ يَقُوْلُ
قَصَائِدَ فِي الزُّهْدِ، فَمَا زَالَ أَبُو أَحْمَدَ
عَامَّةَ لَيْلِهِ فِي النَّحِيْبِ وَالحَرَكَةِ، إِلَى
أَنْ قَالَ:
وَحَجَّ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَمَاتَ
بِمَكَّةَ بَعْدَ ذَهَابِ الوَفْدِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ
أَمِيْرُ مَكَّةَ.
قَالَ الخُلْدِيُّ: قَالَ لِي أَبُو أَحْمَدَ
القَلاَنِسِيُّ:
فَرَّقَ رَجُلٌ أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً عَلَى الفُقَرَاءِ،
فَقَالَ لِي سَمنُوْنَ: أَمَا تَرَى مَا أَنْفَقَ هَذَا،
وَمَا قَدْ عَمِلَهُ؟ وَنَحْنُ لاَ نَرْجعُ إِلَى شَيْءٍ
نُنْفِقُهُ، فَامضِ بِنَا إِلَى مَوْضِعٍ.
فَذَهَبْنَا إِلَى المَدَائِنَ، فَصَلَّيْنَا أَرْبَعِيْنَ
أَلْفَ رَكْعَةٍ (2) .
102 - صَاحِبُ الأَنْدَلُسِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ *
مَرَّ مَعَ آبَائِهِ (3) .
وَهُوَ: الأَمِيْرُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ ابنُ
صَاحِبِ الأَنْدَلُسِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ بنِ
هِشَامِ ابنِ الدَّاخِلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
مُعَاوِيَةَ ابنِ الخَلِيْفَةِ هِشَامِ بنِ عَبْدِ
المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ القُرَشِيُّ،
الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ، القُرْطُبِيُّ.
مِنْ خِيَارِ مُلُوْكِ المَرْوَانِيَّةِ.
كَانَ ذَا فَضْلٍ وَدِيَانَةٍ، وَعِلْمٍ وَفَصَاحَةٍ،
وَإِقدَامٍ وَشَجَاعَةٍ، وَعَقْلٍ وَسِيَاسَةٍ.
__________
(1) انظر قصة زواجه في " تاريخ بغداد ": 13 / 115.
(2) انظر الخبر في: " تاريخ بغداد ": 13 / 115. والزيادة
منه.
(*) الكامل لابن الأثير: 7 / 424، البيان المغرب: 2 / 141
- 169، عبر المؤلف: 2 / 52، الوافي بالوفيات: 3 / 224 -
225، البداية والنهاية: 11 / 51 - 52، شذرات الذهب: 2 /
164 - 165.
(3) في الجزء الثامن من المطبوع من " سير أعلام النبلاء ".
(13/171)
بُوْيِعَ بَعْدَ أَبِيْهِ فِي سَنَةِ
ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْن عَلَى مَدَائِنِ
الأَنْدَلُسِ.
وَكَانَ كَثِيْرَ الغَزْوِ وَالتَّوَغُّلِ فِي بِلاَدِ
الرُّوْمِ، يَبْقَى فِي الغَزْوَةِ السَّنَةَ
وَالسَّنَتَيْنِ، قَتْلاً وَسَبْياً.
قَالَ الحَافِظُ بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ: مَا رَأَيْتُ وَلاَ
عَلِمْتُ أَحَداً مِنَ المُلُوْكِ أَبلَغَ لَفْظاً مِنَ
الأَمِيْرِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَلاَ أَفْصَحَ وَلاَ أَعْقَلَ مِنْهُ.
قَالَ سِبْطُ ابْنُ الجَوْزِيِّ: هُوَ صَاحِبُ وَقْعَةِ
سَلِيْط (1) ، وَهِيَ مَلْحَمَةٌ عُظْمَى، يُقَال: إِنَّهُ
قُتِلَ فِيْهَا ثَلاَثُ مائَة أَلْفِ كَافِرٍ، وَهَذَا
شَيْءٌ مَا سُمِعَ بِمِثْلِهِ قَطُّ، وَمَدَحَتْهُ
الشُّعَرَاءُ (2) .
مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُهُ؛ المُنْذِرُ (3) ، فَلَمْ تَطُلْ
أَيَّامُهُ.
__________
(1) جاء في " البيان المغرب ": 2 / 168 - 169، حول وقعة
وادي سليط: " قال أبو عمر السالمي: كانت أولى غزواته إلى
بلد العدو، وحشد لها، وجند، وصوب كيف شاء وقد ألفى العدو
وقد ضاق بخيله الفضاء الواسع، والمكان الداني والشاسع، وهو
متأهب للقائه، متوجه إلى تلقائه.
فخامر الأمير محمدا الجزع، وشابه الروع والفزع، وظن أن لا
منجاة من الكفار، وأن المسلمين هناك طعم الشفار.
فرأى من الحزم الاوكد، والنظر الاحمد الارشد الرجوع عن تلك
الحركة، لقوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) [
سورة البقرة: 195 ].
فقام رجل، فقال: أيها الأمير: قال الله تبارك وتعالى:
(الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم...) [ آل
عمران: 173 ].
فقال له الأمير محمد: والله ما حذرت نفسي، إلا أنه لا رأي
لمن لا يطاع، ولست أستطيع أن أجاهد وحدي: فقال له العتبي:
والله ما أراه قذف بها على لسانه إلا ملك، فاستخر الله في
ليلك هذا وفي يومك.
فأراه الله في مقابلة العدو الرشاد والهمة والتوفيق
والسداد، فندب الناس إلى لقاء أعداء الله ونصر دينه، وأن
يكون كل على أحسن ظنه من الظفر ويقينه.
فما انعقدت راياتهم، وتأكدت على المقارعة نياتهم، قدم
عليهم الأمير محمد ابنه المنذر إذ كان مشهورا بالبأس،
محبوبا في الناس.
فسار المسلمون إلى أن التقى الجمعان، والتف الفريقان،
فأعقب الله لاوليائه ظفرا ونصرا، وجعل بعد عسر يسرا ".
(2) انظر بعض ما قيل فيه، في " البيان المغرب ": 2 / 166
وما بعدها.
(3) أخباره في " البيان المغرب ": 2 / 170 - 181.
(13/172)
103 - المَرُّوْذِيُّ أَبُو بَكْرٍ
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَجَّاجِ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ شَيْخُ
الإِسْلاَمِ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
الحَجَّاجِ المَرُّوْذِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ، وَصَاحِبُ
الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَكَانَ وَالِدُهُ خُوَارِزْمِيّاً،
وَأُمُّهُ مَرُّوَذِيَّةً.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ المائَتَيْنِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَلاَزَمَهُ،
وَكَانَ أَجَلَّ أَصْحَابِهِ.
وَعَنْ: هَارُوْنَ بنِ مَعْرُوْفٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ
المِنْهَالِ الضَّرِيْرِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ
القَوَارِيْرِيِّ، وَسُرَيْجِ بنِ يُوْنُسَ، وَمُحَمَّدِ
بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَعُثْمَانَ بنِ أَبِي
شَيْبَةَ، وَالعَبَّاسِ بنِ عَبْدِ العَظِيْمِ،
وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رِزْمَةَ،
وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ، وَمُحَمَّدُ بنُ
عِيْسَى بنِ الوَلِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ
العَطَّارُ، وَعَبْدُ اللهِ الخِرَقِيُّ وَالِدُ
الفَقِيْهِ أَبِي القَاسِمِ، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ
عَبْدِ اللهِ الحَذَّاءُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ
الرَّاشِدِيُّ، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ دَاوُدَ، يَقُوْلُ:
لاَ أَعْلَمُ أَحَداً أَقْوَمَ بِأَمْرِ الإِسْلاَمِ مِنْ
أَبِي بَكْرٍ المَرُّوْذِيِّ (1) .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ صَدَقَةَ: مَا عَلِمْتُ أَحَداً
أَذَبَّ عَنْ دِيْنِ اللهِ مِنَ المَرُّوْذِيِّ (2) .
__________
(*) تاريخ بغداد: 4 / 423 - 425، طبقات الفقهاء: 170،
طبقات الحنابلة: 1 / 56 - 63، المنتظم: 5 / 94 - 95، تذكرة
الحفاظ: 2 / 631 - 633، عبر المؤلف: 2 / 54، الوافي
بالوفيات: 7 / 393، شذرات الذهب: 2 / 166.
(1) تاريخ بغداد: 4 / 423.
(2) المصدر السابق.
(13/173)
قَالَ الخَلاَّلُ: سَمِعْتُ
المَرُّوْذِيَّ، يَقُوْلُ:
كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَبْعَثُ بِيَّ فِي الحَاجَةِ،
فَيَقُوْلُ: قُلْ مَا قُلْتُ، فَهُوَ عَلَى لِسَانِي،
فَأَنَا قُلْتُهُ (1) .
قَالَ الخَلاَّلُ: خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ (2) إِلَى الغَزْوِ
فَشَيَّعُوهُ إِلَى سَامَرَّاءَ، فَجَعَلَ يَرُدُّهُم
فَلاَ يرجِعُوْنَ.
قَالَ: فَحُزِرُوا فَإِذَا هُمْ بِسَامَرَّاءَ، سِوَى مَنْ
رَجَعَ، نَحْو خَمْسِيْنَ أَلْفاً، فَقِيْلَ لَهُ: يَا
أَبَا بَكْرٍ: احْمَدِ اللهَ فَهَذَا عَلَمٌ قَدْ نُشِرَ
لَكَ.
فَبَكَى، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا العَلَمَ لِي، إِنَّمَا
هُوَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ أَحْمَد (3) .
قَالَ الخَطِيْبُ فِي المَرُّوْذِيِّ: هُوَ المُقَدَّمُ
مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ لِوَرَعِهِ وَفَضْلِهِ، وَكَانَ
أَحْمَدُ يَأْنَسُ بِهِ، وَيَنْبَسِطُ إِلَيْهِ، وَهُوَ
الَّذِي تَوَلَى إِغْمَاضَهُ لَمَّا مَاتَ، وَغَسَّلَهُ.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيْرَةً (4) .
وَقِيْلَ لعَبْدِ الوَهَّابِ الوَرَّاقِ: إِنْ تَكَلَّمَ
أَحَدٌ فِي أَبِي طَالِبٍ، وَالمَرُّوْذِيِّ، أَمَا
البُعْدُ مِنْهُ أَفْضَلُ؟
قَالَ: نَعَمْ، مَنْ تَكَلَّمَ فِي أَصْحَابِ أَحْمَدَ
فاتَّهِمْهُ ثُمَّ اتَّهِمْهُ، فَإِنَّ لَهُ خبئَةَ
سَوْءٍ، وَإِنَّمَا يُرِيْدُ أَحْمَدَ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَمْدُوْنَ، قَالَ
المَرُّوْذِيُّ:
رَأَيْتُ كَأَنَّ القِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ،
وَالمَلاَئِكَةَ حَوْلَ بَنِي آدَمَ، وَيَقُوْلُوْنَ: قَدْ
أَفْلَحَ الزَّاهِدُوْنَ، اليَوْمَ فِي الدُّنْيَا،
وَالنَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُوْلُ: يَا أَحْمَدُ! هَلُمَّ إِلَى العَرْضِ عَلَى
اللهِ.
قَالَ: فرَأَيْتُ أَحْمَدَ وَالمَرُّوْذِيَّ وَحْدَهُ
خَلْفَهُ، وَقَدْ رُؤِي أَحْمَدُ رَاكِباً، فَقِيْلَ:
__________
(1) انظر: المصدر السابق: 4 / 424.
(2) في الأصل: " أبو عبد الله ". وهو خطأ. والصواب من "
تاريخ بغداد "، وسياق الكلام يؤيده.
(3) تاريخ بغداد: 4 / 424.
(4) تاريخ بغداد: 4 / 423. والزيادة منه. وأضاف: " وأسند
عنه أحاديث صالحة ".
(13/174)
إِلَى أَيْنَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
قَالَ: إِلَى شَجَرَة طُوْبَى نَجْلُو أَبَا بَكْرٍ
المَرُّوْذِيَّ (1) .
قَالَ الخَلاَّلُ: المَرُّوْذِيُّ أَوَّلُ أَصْحَابِ أَبِي
عَبْدِ اللهِ، وَأَوْرَعُهُم.
رَوَى عَنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ مَسَائِلَ مُشْبَعَةً
كَثِيْرَةً، وَأَغْرَبَ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي دِقَاقِ
المَسَائِلِ وَفِي الوَرَعِ، وَهُوَ الَّذِي غَمَّضَ أَبَا
عَبْدِ اللهِ، وَغَسَّلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَبُو عَبْدِ
اللهِ يُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَحَداً.
تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ
خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَكَانَ إِمَاماً فِي السُّنَّةِ، شَدِيْدَ الاَتِّبَاعِ،
لَهُ جَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ بِبَغْدَادَ.
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القُرَشِيُّ
(2) فِي كِتَابِهِ، عَنْ أَسَعْدَ بنِ رَوْحٍ، وَعَائِشَةَ
بِنْتِ مَعْمَرٍ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي الرَّجَاءِ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ مَحْمُوْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ
المُقْرِئِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ دُبَيْس
بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
الحَجَّاجِ المَرُّوْذِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
أَبِي بَكْرٍ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا سَلاَّمٌ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
أَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَى يُوْسُفَ: يَا يُوْسُفُ،
مَنْ نَجَّاكَ مِنَ القَتْلِ إِذْ هَمَّ إِخْوَتُكَ
بِقَتْلِكَ؟
قَالَ: أَنْتَ يَا رَبِّ.
قَالَ: فَمَنْ نَجَّاكَ مِنَ المَرْأَةِ إِذْ هَمَمْتَ
بِهَا؟
قَالَ: أَنْتَ.
قَالَ: فَمَا بَالُكَ نَسِيْتَنِي، وَذَكَرْتَ
مَخْلُوْقاً؟
قَالَ: يَا رَبِّ! كَلِمَةٌ تَكَلَّمَ بِهَا لِسَانِي،
وَوَجَبَ قَلْبِي.
قَالَ: وَعِزَّتِي لأُخَلِّدَنَّكَ فِي السِّجْنِ
سِنِيْنَ.
__________
(1) انظر: تاريخ بغداد: 4 / 424 - 425.وفيه: " نلحق " بدلا
من: " نجلو ".
(2) هو: إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى بن علوي،
الشيخ أبو إسحاق القرشي الدمشقي المعروف بابن ؟ لدرجي،
إمام المدرسة العزية قال عنه الذهبي في " مشيخته ": خ: ق
26: " ثقة مقرئ، خير، من بقايا الحنفية...وتوفي في صفر يوم
قدومه من الحج بدمشق سنة إحدى وثمانين وستمئة، وله اثنان
وثمانون عاما "
(13/175)
غَرِيْبٌ مَوْقُوْفٌ (1) .
أَنْبَأَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
أَبِي عُمَرَ (2) : أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بنُ عَلِيٍّ العَبَّاسِيُّ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ الكَتَّانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
عَبْدِ اللهِ الحَذَّاءُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
أَصْرَمَ، وَأَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ نُوْحٍ - رَفِيْقُ أَحْمَدَ بنِ
حَنْبَلٍ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ
عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (كُلُّ أُمَّةٍ بَعْضُهَا فِي الجَنَّةِ،
وَبَعْضُهَا فِي النَّارِ، إِلاَّ هَذِهِ الأُمَّةَ
فَإِنَّهَا كُلَّهَا فِي الجَنَّةِ (3)).
وَمَاتَ سَنَةَ (75) (75) مَعَ المَرُّوْذِيِّ: أَحْمَدُ
بنُ مُلاعِبٍ (4) ، وَالحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي
مَعْشَرٍ، وَأَبُو دَاوُدَ صَاحِبُ (السُّنَنِ (5))،
وَأَبُو عَوْفٍ البُزُوْرِيُّ (6) ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي
طَالِبٍ (7) ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ (8) -
غُلاَمُ
__________
(1) أورده السيوطي في " الدر المنثور " 4 / 20، ونسبه لابن
أبي شيبة، وعبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " وابن
المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.
(2) ترجمته في " مشيخة " الذهبي: خ: ق 75، وفيها: " عبد
الرحمن بن عمر بن أحمد بن هبة الله ". وفاته سنة (677 ه).
(3) رجاله ثقات، وأخرجه الطبراني في " الصغير " 1 / 232،
والخطيب في " تاريخه " 3 / 322 من طريقين عن أبي بكر أحمد
بن محمد بن حجاج بهذا الإسناد، قال الخطيب: قال لنا
البرقاني: بلغني أن محمد بن نوح هذا جار أحمد بن حنبل، وأن
أحمد بن حنبل قال لمن سأله عنه: اكتب عنه، فإنه ثقة، قال
البرقاني: وقال الدارقطني: تفرد بهذا الحديث إسحاق الازرق،
ولم يحدث به غير محمد بن نوح المضروب، وتفرد به عنه أبو
بكر المروذي.
(4) تقدمت ترجمته في الصفحة: (42)، برقم: (26).
(5) ستأتي ترجمته في الصفحة: (203)، برقم: (117).
(6) ترجمته في: المنتظم: 5 / 98.
(7) ترجمته في: تذكرة الحفاظ: 2 / 633، في آخر ترجمة
المروذي، وعبر المؤلف: 2 / 55، وشذرات الذهب: 2 / 168.
(8) ستأتي ترجمته في الصفحة: (282)، برقم: (136).
(13/176)
خَلِيْلٍ - وَمُحَمَّدُ بنُ أَصْبَغَ بنِ
الفَرَجِ، وَفَهْدُ بنُ سُلَيْمَانَ الدَّلاَلُ.
104 - أَبُو قِلاَبَةَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ
الرَّقَاشِيُّ * (ق (1))
الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، مُحَدِّثُ
البَصْرَةِ، أَبُو قِلاَبَةَ عَبْدُ المَلِكِ ابنُ
الحَافِظِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
عَبْدِ المَلِكِ بنِ مُسْلِمٍ الرَّقَاشِيُّ (2) ،
البَصْرِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ فِي حَدَاثَتِهِ مِنْ: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ،
وَرَوْحِ بنِ عُبَادَةَ، وَأَبِي عَامِرٍ العَقَدِيِّ،
وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ، وَأَبِي عَاصِمٍ
النَّبِيْلِ، وَأَبِي عَتَّابٍ سَهْلِ بنِ حَمَّادٍ
الدَّلاَّلِ، وَعُبَيْدِ بنِ عَقِيْلٍ الهِلاَلِيِّ،
وَعُمَرَ بنِ حَبِيْبٍ العَدَوِيِّ، وَيَعْقُوْبَ
الحَضْرَمِيِّ، وَسَعْدِ بنِ الرَّبِيْعِ أَبِي زَيْدٍ
الهَرَوِيِّ، وَعَوْنِ بنِ عُمَارَةَ، وَوَالِدِهِ؛
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
وَكَانَ أَحَدُ الأَذْكِيَاءِ المَذْكُوْرِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو
بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَأَبُو سَهْلٍ القَطَّانُ،
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيٍّ الهُجَيْمِيُّ، وَأَبُو
بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ
__________
(*) الجرح والتعديل: 5 / 369 - 370، تاريخ بغداد: 10 /
425، طبقات الحنابلة: 1 / 216، المنتظم: 5 / 102 - 103،
تهذيب الكمال: خ: 863، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 253 - 254،
تذكرة الحفاظ: 2 / 580، ميزان الاعتدال: 2 / 663 - 664،
عبر المؤلف 2 / 56 - 57، تهذيب التهذيب: 6 / 419 - 421،
طبقات الحفاظ: 258، خلاصة تذهيب الكمال: 245، شذرات الذهب:
2 / 170.
(1) زيادة من " تهذيب التهذيب ".
(2) الرقاشي، بفتح الراء والقاف المخففة: نسبة إلى امرأة
اسمها: رقاش بنت قيس، كثر أولادها فنسبوا إليها. (اللباب)
(13/177)
البَخْتَرِيِّ، وَالحَافِظُ حَفْصُ بنُ
عُمَرَ الأَرْدُبِيْلِيُّ (1) ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ
الأَعْرَابِيِّ، وَعَلِيُّ بنُ الفَضْلِ البَلْخِيُّ
الحَافِظُ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الجُرْجَانِيُّ
البَحْرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: صَدُوْقٌ، كَثِيْرُ الخَطَأِ،
لِكَوْنِهِ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي: قِيْلَ: إِنَّ
أَبَا قِلاَبَةَ كَانَ يُصَلِّي فِي اليَوْمِ
وَاللَّيْلَةِ أَرْبَعَ مائَةِ رَكْعَةٍ.
قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّهُ حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ
بِسِتِّيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَأَلْتُ أَبَا
دَاوُدَ عَنْهُ، فَقَالَ: أَمِيْنٌ مأَمُوْنٌ، كَتَبْتُ
عَنْهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ: مَا
رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ مِنْ أَبِي قِلاَبَةَ
الرَّقَاشِيِّ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ (2)
الفَقِيْهُ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ
مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ،
أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ بنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا
أَبُو قِلاَبَةَ سَنَةَ (276)، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ
الحَضْرَمِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُفْيَانَ (ح).
وَحَدَّثَنَا أَبُو قِلاَبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الأَقْمَرِ،
__________
(1) الاردبيلي، بفتح الالف، وسكون الراء، وضم الدال، وكسر
الباء، وسكون الياء: نسبة إلى أردبيل: بلدة من أذربيجان.
(اللباب) وضبط ياقوت الدال بالفتح.
(2) هو: عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عمر،، الفقيه،
الزاهد أبو المجد، توفي في سنة (701 ه) ترجمه الذهبي في "
مشيخته ": خ: ق: 77.
(13/178)
عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (أَمَّا أَنَا فَلاَ آكُلُ مُتَّكِئاً (1)).
قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الحَافِظِ بنِ بَدْرَانَ (2) ،
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الحَاجِبُ، أَخْبَرَنَا طَرَّادُ
بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَسْنُوْنَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ طَلْحَةَ
إِمْلاَءً، سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ، سَمِعْتُ سَعِيْدَ
بنَ جُمْهَانَ يُحَدِّثُ عَنْ سَفِيْنَةَ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(احْمِلُوا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ سَفِيْنَةٌ).
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ (3) مِنَ العوَالِي، بَلْ هُوَ
أَعْلَى مَا وَقَعَ لأَبِي قِلاَبَةَ.
قِيْلَ: إِنَّ أُمَّ أَبِي قِلاَبَةَ أُرِيَتْ وَهِيَ
حَامِلٌ بِهِ كَأَنَّهَا وَلَدَتْ هُدْهُداً، فَقَالَ
لَهَا عَابِرٌ: إِنْ صَدَقَتْ رُؤيَاكِ تَلِدِيْنَ وَلَداً
يُكْثِرُ الصَّلاَةَ (4) .
105 - رَغِيْفٌ التَّمِيْمِيُّ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ القَاسِمِ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
اللهِ بنِ القَاسِمِ التَّمِيْمِيُّ، البَصْرِيُّ
الوَرَّاقُ، وَلَقَبَهُ رَغِيْفٌ.
سَمِعَ: عُبَيْدَ اللهِ بنَ مُعَاذٍ، وَصَالِحَ بنَ
حَاتِمِ بنِ وَرْدَانَ.
وَعَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ
الأَعْرَابِيِّ.
__________
(1) صحيح، وأخرجه أحمد 4 / 308 و309، والبخاري 9 / 472 في
الاطعمة: باب الاكل متكئا، وأبو داود (3769) والترمذي
(1830) وابن ماجة (3262) من طرق عن علي الاقمر بهذا
الإسناد.
(2) عبد الحافظ بن بدران بن شبل بن طرخان، الامام عماد
الدين، أبو محمد النابلسي الحنبلي الزاهد.
مات في سنة (698 ه). ترجمه الذهبي في " مشيخته ": خ: ق:
70.
(3) وهو في المسند 5 / 121 و122 وغيره، وقد تقدم تخريجه في
الجزء الثالث ص 173 في ترجمة سفينة.
(4) النظر: تاريخ بغداد: 10 / 426.
(*) تاريخ بغداد: 4 / 218.
(13/179)
تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
106 - الفَسَوِيُّ يَعْقُوْبُ بنُ سُفْيَانَ بنِ جُوَانَ *
(ت، س (1))
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، الرَّحَّالُ، مُحُدِّثُ
إِقْلِيْم فَارِسَ، أَبُو يُوْسُفَ يَعْقُوْبُ بنُ
سُفْيَانَ بنِ جُوَانَ الفَارِسِيُّ، مِنْ أَهْلِ
مَدِيْنَةِ فَسَا، وَيُقَالُ لَهُ: يَعْقُوْبُ بنُ أَبِي
مُعَاوِيَةَ.
مَوْلِدُهُ: فِي حُدُوْدِ عَامِ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، فِي
دَوْلَةِ الرَّشِيْدِ.
وَلَهُ (تَارِيْخٌ) كَبِيْرٌ (2) جَمُّ الفوَائِدِ،
وَ(مَشْيَخَتُهُ) فِي مُجَلَّدٍ، رَوَيْنَاهَا.
ارْتَحَلَ إِلَى الأَمْصَارِ، وَلَحِقَ الكِبَارَ.
وَسَمِعَ: أَبَا عَاصِمٍ النَّبِيْلَ، وَعُبَيْدَ اللهِ
بنَ مُوْسَى، وَالأَنْصَارِيَّ، وَمَكِّيَّ بنَ
إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئ،
وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ رَجَاء، وَأَبَا
مُسْهِرٍ الغَسَّانِيَّ، وَعَوْنَ بنَ عُمَارَةَ،
وَحَبَّانَ بنَ هِلاَلٍ، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ،
وَأَبَا الجُمَاهَرِ مُحَمَّدَ بنَ عُثْمَانَ، وَحَجَّاجَ
بنَ مِنْهَالٍ، وَسَعِيْدَ بنَ مَنْصُوْرٍ، وَعَبْدَ
الحَمِيْدِ بنَ بَكَّارٍ البَيْرُوْتِيَّ، وَصَفْوَانَ بنَ
صَالِحٍ، وَطَبَقَتَهُم.
__________
(*) الجرح والتعديل: 9 / 208، طبقات الحنابلة: 1 / 416،
اللباب: 2 / 432، تهذيب الكمال: خ: 1549 - 1550، تذهيب
التهذيب: خ: 4 / 185، تذكرة الحفاظ: 2 / 582 - 583، عبر
المؤلف: 2 / 58 - 59، البداية والنهاية: 11 / 59 - 60،
طبقات القراء لابن الجزري: 2 / 390، تهذيب التهذب: 11 /
385 - 389، طبقات الحفاظ: 259،
خلاصة تذهيب الكمال: 436، شذرات الذهب: 2 / 171.
والفسوي، بفتح الفاء والسين: نسبة إلى فسا: مدينة من بلاد
فارس.
(1) زيادة من: " تهذيب التهذيب ".
(2) وهو مطبوع في ثلاثة مجلدات، بتحقيق الدكتور أكرم ضياء
العمري، نشرته مؤسسة الرسالة سنة 1401 ه 1981 م.
(13/180)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عِيْسَى
التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
النَّسَائِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ،
وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ الفَسَوِيُّ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي
دَاوُدَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ
حَمْزَةَ بنِ عُمَارَةَ الأَصْبَهَانِيُّ، وَأَبُو
عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
جَعْفَرِ بنِ دُرُسْتَوَيْه النَّحْوِيُّ، وَهُوَ
رَاوِيَتُهُ وَخَاتِمَةُ أَصْحَابِهِ.
قَالَ الفَسَوِيُّ: وَخَرَجْتُ فِي سَنَةِ تِسْعَ
عَشْرَةَ، فَسَمِعْتُ مِنْ آدَمَ بنِ أَبِي إِيَاسٍ،
وَأَبِي اليَمَانِ، وَالوُحَاظِيِّ، وَمَشَايِخِ
فِلَسْطِيْنَ وَدِمَشْقَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مِنْ هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ، فِي سَنَةِ
اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَ(جُوَان) قَيَّدَهُ الأَمِيْرُ بِضَمِّ الجِيْم (1) .
وَرُوِيَ عَنِ الحَافِظِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
النَّهَاوَنْدِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ الفَسَوِيَّ يَقُوْلُ:
كَتَبْتُ عَنْ أَلْفِ شَيْخٍ وَكَسْرٍ، كُلُّهُم ثِقَاتٌ.
قُلْتُ: لَيْسَ فِي (مَشْيَخَتِهِ) إِلاَّ نَحْوٌ مِنْ
ثَلاَثِ مائَةِ شَيْخٍ، فَأَيْنَ البَاقِي؟ ثُمَّ فِي
المَذْكُوْرِيْنَ جَمَاعَةٌ قَدْ ضُعِّفُوا.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو إِسْحَاقَ بنُ حَمْزَةَ: سَمِعْتُ
أَبِي يَقُوْلُ: كُنْتُ رَحَلْتُ إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ
سُفْيَان، فَبَقَيْتُ عِنْدَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَقُلْتُ
لَهُ: طَالَ مُقَامِي عِنْدَكَ، وَلِي وَالِدَةٌ.
فَقَالَ: رَدَدْتُ البَابَ عَلَى وَالِدَتِي ثَلاَثِيْنَ
سَنَةً.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ بِشْرٍ: سَمِعْتُ
مُحَمَّدَ بنَ يَزِيْدَ الفَسَوِيَّ العَطَّارَ، سَمِعْتُ
يَعْقُوْبَ بنَ سُفْيَانَ يَقُوْلُ:
كُنْتُ فِي رِحْلَتِي فِي طَلَبِ
__________
(1) الإكمال: 3 / 201.
(13/181)
الحَدِيْثِ، فَدَخَلْتُ إِلَى بَعْضِ
المُدُنِ، فَصَادَفْتُ بِهَا شَيْخاً، احْتَجْتُ إِلَى
الإِقَامَةِ عَلَيْهِ للاستِكْثَارِ عَنْهُ، وَقَلَّتْ
نَفَقَتِي، وَبَعُدْتُ عَنْ بَلَدِي، فَكُنْتُ أُدْمِنُ
الكِتَابَةَ لَيْلاً، وَأَقْرَأُ عَلَيْهِ نَهَاراً،
فَلَمَّا كَانَ ذَات لَيْلَةٍ، كُنْتُ جَالِساً أَنْسَخُ،
وَقَدْ تَصَرَّمَ اللَّيْلُ، فَنَزَلَ المَاءُ فِي
عَيْنِيَّ، فَلَمْ أُبْصِرِ السِّرَاجَ وَلاَ البَيْتَ،
فَبَكَيْتُ عَلَى انقِطَاعِي، وَعَلَى مَا يَفُوْتُنِي
مِنَ العِلْمِ، فَاشْتَدَّ بُكَائِي حَتَّى اتَّكَأْتُ
عَلَى جَنْبِي فَنِمْتُ، فرَأَيْتُ النَّبِيّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، فَنَادَانِي:
يَا يَعْقُوْبُ بنُ سُفْيَانَ! لِمَ أَنْتَ بَكَيْتَ؟
فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! ذَهَبَ بَصَرِي،
فَتَحَسَّرْتُ عَلَى مَا فَاتَنِي مِنْ كَتْبِ سُنَّتِكَ،
وَعَلَى الاَنقِطَاعِ عَنْ بَلَدِي.
فَقَالَ: أُدْنُ مِنِّي.
فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَأَمَرَّ يَدَهُ عَلَى عَيْنِيَّ،
كَأَنَّهُ يَقْرَأُ عَلَيْهِمَا.
قَالَ: ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ فَأَبْصَرْتُ، وَأَخَذْتُ
نُسَخِي وَقَعَدْتُ فِي السِّرَاجِ أَكْتُبُ (1) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيُّ:
حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: قَدِمَ
عَلَيْنَا رَجُلاَنِ مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ،
أَحَدُهُمَا وَأَجَلُّهُمَا (2) يَعْقُوْبُ بنُ سُفْيَانَ
أَبُو يُوْسُفَ يَعْجِزُ أَهْلُ العِرَاقِ أَنْ يَرَوا
مِثْلَهُ رَجُلاً، وَذَكَرَ الثَّانِي: حَرْبُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ الكِرْمَانِيُّ، فَقَالَ: هَذَا مِنَ
الكُتَّابِ عَنِّي (3) .
أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
دَاوُدَ بنِ دِيْنَارٍ الفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا
يَعْقُوْبُ بنُ سُفْيَانَ، العَبْدُ الصَّالِحُ،
بِحَدِيْثٍ سَاقَهُ.
الحَافِظ أَبُو ذَرٍّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بنَ
عَبدَانَ يَقُوْلُ: قَدِمَ يَعْقُوْبُ بنُ اللَّيْثِ
الصَّفَّارُ - صَاحِبُ خُرَاسَانَ - إِلَى فَارِسَ،
فَأُخْبِرَ أَنَّ هُنَاكَ رَجُلاً يَتَكَلَّمُ فِي
عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، وَأَرَادَ بِالرَّجُلِ يَعْقُوْبَ
الفَسَوِيَّ، فَإِنَّهُ كَانَ يَتَشَيَّعُ، فَأَمَرَ
__________
(1) انظر: تهذيب التهذيب: 11 / 386 - 387.
(2) في الأصل: " أحدهم وأجلهم ". وما أثبتناه من " التهذيب
"
(3) انظر تهذيب التهذيب: 11 / 387.
(13/182)
بِإِحضَارِهِ مِنْ فَسَا إِلَى شِيْرَازَ،
فَلَمَّا أَنْ قَدِمَ، عَلِمَ الوَزِيْرُ مَا وَقَعَ فِي
قَلْبِ السُّلْطَانِ، فَقَالَ: أَيُّهَا المَلِكُ! إِنَّ
هَذَا الرَّجُلَ قَدْ قَدِمَ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ فِي أَبِي
مُحَمَّد عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ شَيخِنَا -يُرِيْدُ
بِشَيْخِهِ السِّجْزِيِّ - وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ فِي
عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ صَاحِبِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ
قَالَ:
مَالِي وَلأَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- تَوَهَّمْتُ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ فِي عُثْمَانَ
بنِ عَفَّانَ السِّجْزِيِّ فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ.
قُلْتُ: هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، فَاللهُ أَعْلَمُ،
وَمَا عَلِمْتُ يَعْقُوْبَ الفَسَوِيَّ إِلاَّ سَلَفِيّاً،
وَقَدْ صَنَّفَ كِتَاباً صَغِيْراً فِي السُّنَّةِ.
قَالَ أَبُو الشَّيْخِ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مَحْمُوْدِ
بنِ صَبِيْحٍ يَقُوْلُ:
مَاتَ يَعْقُوْبُ بنُ سُفْيَانَ بِفَسَا، فِي سَنَةِ
سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمَاتَ قَبْلَ أَبِي
حَاتِمٍ الرَّازِيِّ بِشَهْرٍ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعدٍ (1)
القَاضِي، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ (2)
الأَوَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الطُّرَيْثِيْثِيُّ (3)
، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ دُرُسْتَوَيْه، أَخْبَرَنَا يَعْقُوْبُ
بنُ سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا حَاتِمٌ القَزَّازُ،
حَدَّثَنَا زَنْفَلٌ العَرَفِيُّ (4)،
__________
(1) ترجمه الذهبي في " مشيخته ": خ: ق: 151 فقال: " محمد
بن محمد بن سالم ابن يوسف بن صاعد بن السلم القاضي الجليل
العالم، جمال الدين، أبو المكارم بن القاضي الأوحد نجم
الدين بن قاضي القضاة شمس الدين سالم القرشي النابلسي
الشافعي قاضي القدس ونابلس...توفي في ربيع الأول سنة أربع
وتسعين وستمئة ".
(2) في الأصل: " محمد ". وصوابه من " مشيخة " المؤلف: خ:
151، والعبر: 5 / 119.
والاوقي: بفتح الالف والواو: نسبة إلى أوه: قرية بين زنجان
وهمذان، كما في " معجم " ياقوت.
(3) الطريثيثي، بضم الطاء، وفتح الراء، وسكون الياء، وكسر
التاء، وسكون الياء الثانية: نسبة إلى طريثيث: ناحية كبيرة
من نواحي نيسابور.
(4) هو: أبو عبد الله زنفل بن شداد والعرفي: بفتح العين
والراء: نسبة إلى عرفات المكان المبارك.
(13/183)
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَانَ إِذَا أَرَادَ أَمراً قَالَ:
(اللَّهُمَّ! خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي (1)).
وَمَاتَ مَعَهُ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ (2) ،
وَمُحَمَّدُ بنُ الجَهْمِ (3) ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي
العَنْبَسِ القَاضِي (4) ، وَالحَسَنُ بنُ سَلامٍ
السَّوَّاقُ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الحُنَيْنِيُّ
(5) ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدَوَيْه الخَزَّازُ،
وَعِيْسَى زغَات (6) .
107 - ابْنُ دِيْزِيْلَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ
الحُسَيْنِ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، العَابِدُ، أَبُو
إِسْحَاقَ، إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحُسَيْنِ
__________
(1) إسناده ضعيف، لضعف زنفل بن عبد الله العرفي قال ابن
معين: ليس بشيء، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال النسائي: ليس
بثقة.
وأخرجه أبو بكر المروزي في مسند أبي بكر رقم (44) وأبو
يعلى في مسنده ص 15، والترمذي (3516) كلهم من طريق زنفل بن
عبد الله، وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من
حديث زنفل وهو ضعيف عند أهل الحديث وتفرد بهذا الحديث، ولا
يتابع عليه.
وضعفه النووي في " الاذكار " وابن حجر.
(2) ستأتي ترجمته في الصفحة: (247)، برقم: (129)
(3) تقدمت ترجمته في الصفحة: (163)، برقم: (97)
(4) ستأتي ترجمته في الصفحة: (198)، برقم: (113)
(5) انظر ترجمته في: اللباب: 1 / 398، عبر المؤلف: 2 / 58،
شذرات الذهب: 2 / 171.
والحنيني، بضم الحاء وفتح النون وسكون الياء: نسبة إلى
الجد، وهو: حنين، أو أبو حنين.
(6) هو: أبو موسى عيسى بن عبد الله بن سنان بن دلويه.
وزغات، كذا الأصل: وفي " تذكرة الحفاظ ": 2 / 610: " رعاب
"، وفي النسخة المكية من " التذكرة ": " زعاث " وفي: "
تاريخ بغداد ": 11 / 170: " رغاث ". وفي: " شذرات الذهب ":
2 / 172: " غاث ". ولم نجد في كتب " المشتبه " ضبطه.
(*) تاريخ ابن عساكر: خ: 2 / 213 أ - 214 أ، تذكرة الحفاظ:
2 / 608 - 610، عبر المؤلف: 2 / 65، الوافي بالوفيات: 5 /
346، البداية والنهاية: 11 / 71، طبقات القراء لابن
الجزري: 1 / 11، لسان الميزان: 1 / 48 - 49، طبقات الحفاظ،
269 - 270، شذرات الذهب: 2 / 177، تهذيب بدران: 2 / 208 -
209.
وديزيل ضبط في الأصل بكسر الدال، وضبطه السمعاني بفتحها،
وتابعه على ذلك ابن الأثير والسيوطي.
(13/184)
بنِ عَلِيٍّ، الهَمَدَانِيُّ،
الكِسَائِيُّ، وَيُعْرَفُ بِابْن دِيْزِيلَ.
وَكَانَ يُلَقَّبُ بِدَابَّةِ عَفَّانَ، لِمُلاَزمَتِهِ
لَهُ، وَيُلَقَّبُ بِسِيْفَنَّةَ.
وَسِيْفَنَّةُ: طَائِرٌ بِبِلاَدِ مِصْرَ، لاَ يَكَادُ
يَحُطُّ عَلَى شَجَرَةٍ إِلاَّ أَكَلَ وَرَقَهَا، حَتَّى
يُعَريهَا.
فكَذَلِكَ كَانَ إِبْرَاهِيْمُ، إِذَا وَرَدَ عَلَى شَيْخٍ
لَمْ يُفَارِقْهُ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ مَا عِنْدَهُ.
سَمِعَ بِالحَرَمَيْنِ وَمِصْرَ وَالشَّامِ وَالعِرَاقِ
وَالجِبَالِ، وَجَمَعَ فَأَوعَى.
وُلِدَ: قَبْلَ المائَتَيْنِ بِمُدَيْدَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا نُعَيْمٍ، وَأَبَا مُسْهِرٍ، وَمُسْلِمَ
بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَفَّانَ، وَأَبَا اليَمَانِ،
وَسُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ، وَآدَمَ بنَ أَبِي إِيَاسٍ،
وَعَلِيَّ بنَ عَيَّاشٍ، وَعَمْرَو بنَ طَلْحَةَ
القَنَّادَ (1) ، وَعَتِيْقَ بنَ يَعْقُوْبَ، وَأَبَا
الجُمَاهِرِ، وَالقَعْنَبِيَّ، وَعَبْدَ السَلاَّمِ بنَ
مُطَهَّرٍ، وَقُرَّةَ بنَ حَبِيْبٍ، وَيَحْيَى
الوُحَاظِيَّ، وَأَصْبَغَ بنَ الفَرَجِ، وَإِسْمَاعِيْلَ
بنَ أَبِي أُوَيْسٍ، وَعِيْسَى قَالُوْنَ (2) ، وَنُعَيْمَ
بنَ حَمَّادٍ، وَيَحْيَى بنَ بُكَيْرٍ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَوَانَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ
هَارُوْنَ البَرْدِيْجِيُّ (3) ، وَأَحْمَدُ بنُ مَرْوَانَ
الدِّيْنَوَرِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ القَطَّانُ، وَعَلِيُّ بنُ حُمْشَاذ
النَّيْسَابُورِيُّ، وَعُمَرُ بنُ حَفْصٍ المُسْتَمْلِي،
وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ البَرُوْجِرْدِيُّ،
__________
(1) القناد، بفتح القاف والنون المشددة: نسبة إلى بيع
القند، وهو السكر. (اللباب).
(2) هو، عيسى بن ميناء الزرقي، مولى بني زهرة قارئ المدينة
ونحويها، يقال، إنه ربيب نافع، وقد احتفى به كثيرا، وهو
الذي لقبه: " قالون "، بمعنى: جيد، في الرومية، لجودة
قراءته.
قرأ عليه جماعة، وكان أصم، يقرئ القرآن، وينظر إلى شفتي
القارئ، ويرد عليه اللحن والخطأ. وفاته سنة: (220 ه)
(3) البرديجي، بفتح الباء، وسكون الراء، نسبة إلى برديج:
بليدة بأقصى أذربيجان. (اللباب).
(13/185)
وَعَبْدُ السَّلاَّمِ بنُ عَبْدِيْلٍ،
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَمْدَانَ الجَلاَّبُ،
وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ
المُقْرِئُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي
غَانِمٍ، وَعُمَرُ بنُ سَهْلٍ الحَافِظُ، وَأَحْمَدُ بنُ
إِسْحَاقَ بنِ نِيخَابٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
بَرْزَةَ الرُّوْذْرَاوَرِيُّ (1) ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَكَانَ يَصُوْمُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً.
قَالَ الحَاكِمُ: هُوَ ثِقَةٌ مَأَمُوْنٌ.
وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: صَدُوْقُ اللَّهْجَةِ.
قُلْتُ: إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي الإِتقَانِ، رُوِي
عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ كِتَابِي بِيَدِي،
وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنْ يَمِينِي، وَيَحْيَى بنُ
مَعِيْنٍ عَنْ شِمَالِي، مَا أُبالِي -يَعْنِي: لِضَبْطِ
كُتُبِهِ (2) -.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ (3) فِي (تَارِيْخِ
هَمَذَانَ): سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:
سَأَلْتُ أَبَا حَاتِمٍ الرَّازِيَّ، عَنِ ابْنِ
دِيْزِيْلَ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ، وَلاَ بَلَغَنِي
عَنْهُ إِلاَّ صِدْقٌ وَخيرٌ، وَكَانَ مَعَنَا عِنْدَ
سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، وَابْنِ الطَّبَّاعِ.
قُلْتُ: فَعِنْدَ أَبِي صَالِحٍ؟
قَالَ: لاَ أَحْفَظُهُ.
قُلْتُ: فَعِنْد عَفَّانَ؟
قَالَ: وَلاَ أَحْفَظُهُ، غَيْرَ أَنِّي قَدِ التَقَيْتُ
مَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ
رَأَيْتُهُم أَنَا عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ.
قَالَ جَعْفَرٌ: فَعَارَضَنِي رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا
حَاتِمٍ! يُذْكَرُ أَنَّ
__________
(1) الروذراوري، بضم الراء، وسكون الواو والذال، وفتح
الواو بعد الالف: نسبة إلى روذراور: بلدة بنواحي همذان.
(اللباب)
(2) جاء في " تذكرة الحفاظ " 2 / 609: " كان يضرب بضبط
كتابه المثل ".
(3) هو: صالح بن صالح أحمد بن محمد بن أحمد الهمذاني، قدم
بغداد، وحدث بها، وكان حافظا ثقة، وكتابه سماه: " طبقات
الهمذانيين ". وفاته سنة: (384 ه) انظر: تاريخ بغداد: 9 /
331. وسيترجمه المؤلف.
(13/186)
عِنْدَهُ عَنْ عَفَّانَ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ
حَدِيْثٍ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَنْ ذَكَرَ أَنَّ عِنْدَهُ عَنْ
عَفَّانَ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ؛ فَقَدْ كَذَبَ،
كَانَ عَسِراً فِي التَّحْدِيثِ، كُنْتُ أَخْتَلِفُ
إِلَيْهِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ شَهْراً، مَا كَتَبْتُ عَنْهُ
إِلاَّ مِقْدَارَ خَمْسِ مائَةِ حَدِيْثٍ.
قُلْتُ: يَا أَبَا حَاتِمٍ نَكْذِبُ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ
(1) ؟!
قَالَ صَالِحٌ: سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ أَبِي صَالِحٍ،
سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ حَدِيْثَ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ مِنْ
عَفَّانَ أَرْبَعَ مائَةَ مَرَّة، لأَنَّهُ كَانَ يُسأَلُ
عَنْهُ، وَلَمَّا دُعِيَ عَفَّانُ لِلْمِحْنَةِ، كُنْتُ
آخِذاً بِلِجَامِ حِمَارِهِ.
قَالَ صَالِحٌ: فَمَنْ تَكُونُ مُوَاظَبَتُهُ هَكَذَا لاَ
يَكَادُ أنْ يُبْقِي عِنْدَهُ شَيْئاً (2) .
وَسَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ بنَ عُبَيْدٍ يَقُوْلُ:
سَأَلْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ الحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ
بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيِّ، فَقَالَ:
رَأَيْتُهُ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ، وَلَيْسَ حَدُّهُ أَنْ
يَكْذِبَ، وَلَعَلَّهُ أُدْخِلَ عَلَيْهِ فِيمَا
أَنْكَرُوا عَلَيْهِ.
قَالَ (3) : سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ أَبِي صَالِحٍ،
سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِالمَدِيْنَةِ،
وَوَافَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ سَنْدُولُ،
فَأَفَدْتُهُ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ،
وَكَانَ إِسْمَاعِيْلُ يُكْرِمُهُ، فَلَمَّا دَخَلَ
عَلَيْهِ أَجْلَسَه مَعَهُ عَلَى السَّرِيْرِ، وَقُمْتُ
أَنَا عِنْدَ البَابِ، فَجَعَلَ مُحَمَّدٌ يَسْأَلُ
إِسْمَاعِيْلَ، فَبَصُرَ بِي، فَقَالَ: هَذَا مِنْ عَمَلِ
ذَاكَ المُكْدِي، أَخْرِجُوهُ.
فَأُخْرِجْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَى
مَكَّةَ، فَجَعَلْتُ أُذَاكِرُهُ فِي الطَّرِيْقِ،
فَتَعَجَّبَ، وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟
قُلْتُ: هَذَا سَمَاعُ المُكْدِين.
وَسَمِعْتُ القَاسِمَ، سَمِعْتُ يَحْيَى الكَرَابِيسِيَّ
يَقُوْلُ: صَحَّحْنَا كُتُبَنَا
__________
(1) انظر: " لسان الميزان ": 1 / 48، وفيه "...إن هذا يكذب
على أبي إسحاق ".
(2) انظر: لسان الميزان: 1 / 48.
(3) أي: صالح.
(13/187)
بِإِبْرَاهِيْمَ.
وَمَرَّ يَوْماً حَدِيْثٌ، فَقَالَ يَحْيَى: قَدْ كُنَّا
سَمِعنَاهُ.
فَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ: سَمِعتُمُوهُ بِالفَارِسِيَّةِ،
وَتَسْمَعُونَهُ اليَوْمَ بِالعَرَبِيَّةِ.
وَسَمِعْتُ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَحْكِي عَنِ ابْنِ
وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيِّ، قَالَ: كُنَّا نُذَاكِرُ
إِبْرَاهِيْمَ بِالحَدِيْثِ، فَتَذَاكَرْنَا بِالقَمَاطِرِ
(1) .
وَسَمِعْتُ أَبِي يَحْكِي عَنِ ابْنِ مَاجَهْ
القَزْوِيْنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: مَنَعَنِي الخُرُوجَ
إِلَى إِبْرَاهِيْمَ قِلَّةُ ذَاتِ اليَدِ.
وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ يَقُوْلُ: لَمَّا
وَافَى إِبْرَاهِيْمُ، قَالَ لِي الدُّحَيْمِيُّ: قَدْ
وَافَى إِبْرَاهِيْمُ بنُ الكِسَائِيِّ، فَنَحْضُرُ غَداً
مَجْلِسَهُ.
فَلَمَّا حَضَرْنَا، قَالَ إِبْرَاهِيْمُ: أَوَّلُ مَا
نُذَاكِرُ: حَدَّثَنَا آدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، فَصَعُبَ
عَلَى الدُّحَيْمِيِّ وَقَالَ: لاَ قُلْتَ خَيراً.
قُلْتُ: تَقُوْلُ هَذَا؟
قَالَ: قَدْ سَوَّانَا مَعَ الصِّبْيَانِ!
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ أَبِي،
سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عِيْسَى يَقُوْلُ: إِنَّ الإِسْنَادَ
الَّذِي يَأْتِي بِهِ إِبْرَاهِيْمُ، لَوْ كَانَ فِيْهِ
أَنْ لاَ يُؤْكَلَ الخُبْزُ، لَوَجَبَ أَنْ لاَ يُؤْكَلَ
لِصِحَّةِ إِسْنَادِهِ.
قَالَ الحَاكِمُ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ دِيْزِيْلَ قَالَ:
كَتَبْتُ حَدِيْثَ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
عَنْ عَفَّانَ، وَسَمِعْتُهُ مِنْهُ أَرْبَعَ مائَةَ
مَرَّة.
قَالَ القَاسِمُ بنُ أَبِي صَالِحٍ: سَمِعْتُ
إِبْرَاهِيْمَ بنَ دِيْزِيْلَ يَقُوْلُ: قَالَ لِي يَحْيَى
بنُ مَعِيْنٍ:
حَدِّثْنِي بِنُسْخَةِ اللَّيْثِ عَن ابْنِ عَجْلاَنَ،
فَإِنَّهَا فَاتَتْنِي عَلَى أَبِي صَالِحٍ.
فَقُلْتُ: لَيْسَ هَذَا وَقْتُهُ.
قَالَ: مَتَى يَكُونُ؟ قُلْتُ: إِذَا مِتَّ.
__________
(1) تاريخ ابن عساكر: خ: 2 / 214 ا، وفيه: " فتذاكرنا
بالقمطر كان يذاكر بحديث واحد فيقول: عندي منه قمطر ".
(13/188)
قُلْتُ: عَنَى أَنِّي لاَ أُحَدِّثُ فِي
حَيَاتِكَ.
فَأَسَاءَ العِبارَةَ.
لاَ تَلُمْنِي عَلَى رَكَاكَةِ عَقْلِي ... إِنْ
تَيَقَّنْتَ أَنَّنِي هَمَذَانِي (1)
قَالَ القَاسِمُ بنُ أَبِي صَالِحٍ: جَاءَ أَيَّامَ
الحَجِّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ
القُسْطَانِيُّ (2) ، وَحُرَيْشُ بنُ أَحْمَدَ إِلَى
إِبْرَاهِيْمَ بنِ الحُسَيْنِ، فسَأَلاَهُ عَنْ حَدِيْثِ
الإِفكِ (3) - رِوَايَةَ الفَرْوِيِّ عَنْ مَالِكٍ -
فَحَانَتْ مِنْهُ التِفَاتَةٌ، فَقَالَ لَهُ
الزَّعْفَرَانِيُّ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! تُحَدِّثُ
الزَّنَادِقَةَ؟
قَالَ: وَمَنِ الزِّنْدِيقُ؟
قَالَ: هَذَا، إِنَّ أَبَا حَاتِمٍ الرَّازِيَّ لاَ
يُحَدِّثُ حَتَّى يَمْتَحِنَ.
فَقَالَ: أَبُو حَاتِمٍ عِنْدَنَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ
فِي الحَدِيْثِ، وَالامْتِحَانُ دِيْنُ الخَوَارِجِ، مَنْ
حَضَرَ مَجْلِسِي، فَكَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، سَمِعَ
مَا تَقَرُّ بِهِ عَينُهُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ
البِدْعَةِ، يَسْمَعُ مَا يُسَخِّنُ اللهُ بِهِ عَيْنَهُ،
فَقَامَا، وَلَمْ يَسْمَعَا مِنْهُ.
وَقَدْ طَوَّلَ الحَافِظُ شِيْرَوَيْه (4) تَرْجَمَةَ
إِبْرَاهِيْمَ، وَذَكَرَ فِيْهَا بِلاَ سَنَدٍ أَنَّهُ
قَالَ
__________
(1) البيت في " رسائل بديع الزمان الهمذاني ": ص 181، ط.
أولى، مطبعة الجوائب، سنة 1298).
وقد جاء في نهاية رسالة الهمذاني إلى الشيخ أبي الحسن أحمد
بن فارس جوابا عن كتاب كان ورد عليه منه يذم الزمان فيه.
(2) القسطاني، بضم القاف، وسكون السين: نسبة إلى قسطانة،
قرية بين الري وساوة. (اللباب). وانظر: معجم ياقوت.
(3) حديث الافك من طريق ابن ديزيل عن إسماعيل بن أبي إدريس
في جزئه ورقة 166 في آخر جزء من مجموع في المدرسة الأحمدية
بحلب فيه سماع تاريخه سنة 920 ه.
وحديث الافك من طرق عن الزهري، عن عروة بن الزبير وسعيد بن
المسيب، وعلقمة بن وقاص الليثي، وعبيد الله بن عبد الله بن
عتبة، عن عائشة أخرجه البخاري 5 / 198، 201 في الشهادات:
باب تعديل النساء بعضهن بعضا، و8 / 342، 370 في تفسير سورة
النور: باب (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات
بأنفسهم خيرا...) ومسلم (2770) في التوبة: باب حديث الافك
وقبول توبة القاذف، والترمذي (3179) والنسائي 1 / 163،
164.
(4) هو المحدث الحافظ شيرويه بن شهردار بن شيرويه، قال
الذهبي في " التذكرة ": 1259: " مفيد همذان ومصنف تاريخها،
ومصنف كتاب الفردوس " توفي سنة (509 ه)
(13/189)
إِبْرَاهِيْمُ: كَتَبْتُ فِي بَعْضِ
اللَّيَالِي، فَجَلَسْتُ كَثِيْراً، وَكَتَبْتُ مَا لاَ
أُحْصِيْهِ حَتَّى عَيِيْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ أَتَأَمَّلُ
السَّمَاءَ، فَكَانَ أَوَّلُ اللَّيْلِ، فَعُدْتُ إِلَى
بَيْتِي، وَكَتَبْتُ إِلَى أَنْ عَيِيْتُ ثُمَّ خَرَجْتُ
فَإِذَا الوَقْتُ آخِرُ اللَّيْلِ، فَأَتْمَمْتُ جُزْئِي
وَصَلَّيْتُ الصُّبْحَ، ثُمَّ حَضَرْتُ عِنْدَ تَاجِرٍ
يَكْتُبُ حِسَاباً لَهُ، فَوَرَّخَهُ يَوْمَ السَّبْتِ،
فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! أَلَيْسَ اليَوْمَ الجُمُعَةُ؟
فَضَحِكَ، وَقَالَ: لَعَلَّكَ لَمْ تَحْضُرْ أَمْسِ
الجَامعَ؟
قَالَ: فرَاجَعْتُ نَفسِي، فَإِذَا أَنَا قَدْ كَتَبْتُ،
لِلَيْلَتَيْنِ وَيَوْماً.
قَالَ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ فِي مَشَايخِ ابْنِ
سَلَمَةَ القَطَّانِ، قَالَ: إِبْرَاهِيْمُ يُسَمَّى:
سِيْفَنَّةُ، لِكَثْرَةِ مَا يَكُونُ فِي كُمِّهِ مِنَ
الأَجزَاءِ.
قَالَ: كَانَ يَكُوْنُ فِي كُمِّي خَمْسُوْنَ جُزْءاً، فِي
كُلِّ جُزْءٍ أَلفُ حَدِيْثٍ..... إِلَى أَنْ قَالَ:
وَهُوَ مَشْهُورٌ بِالمَعْرِفَةِ بِهَذَا الشَّأْنِ.
وَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
كَذَا قَالَ فَوَهِمَ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيِّ،
قَالَ: كُنَّا نُذَاكِرُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ الحُسَيْنِ،
فَيُذَاكِرُنَا بِالقِمَطْرِ، نَذْكُرُ حَدِيْثاً
وَاحِداً، فَيَقُوْلُ: عِنْدِي مِنْهُ قِمَطْرٌ - يُرِيْدُ
طُرُقَهُ وَعِلَلَهُ وَاخْتِلاَفَ أَلْفَاظِهِ -.
وَالصَّحِيْحُ مِنْ وَفَاتِهِ مَا أَرَّخَهُ عَلِيُّ بنُ
الحُسَيْنِ الفَلَكِيُّ، فَقَالَ: فِي آخِرِ شَعْبَانَ
سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَكَذَا أَرَّخَ القَاسِمُ بنُ أَبِي صَالِحٍ.
أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الخَالِقِ
بنُ عُلْوَانَ (1) بِبَعْلَبَكَّ، أَخْبَرَنَا
__________
(1) ترجمه المؤلف في " مشيخته ": خ: ق: 71، فقال: " عبد
الخالق بن عبد السلام بن سعد بن علوان، القاضي، الامام تاج
الدين أبو محمد المعري، ثم البعلبكي الشافعي، الأديب. ولي
قضاء بلده مدة، وكان خيرا صالحا متواضعا زاهدا حسن
الاعتقاد، له نظم ونثر، مولده...سنة ثلاث وستمئة...أكثرت
عنه، ونعم الشيخ كان. مات في تاسع المحرم سنة ست وتسعين
وستمئة ".
(13/190)
البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَقِّ اليُوسُفِيُّ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ العَلاَّفُ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ الوَاعِظُ،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الطِّيْبِيُّ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحُسَيْنِ بِهَمَذَانَ،
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ، عَنِ
الحَسَنِ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَانَ يُصَلِّي، فَإِذَا سَجَدَ، وَثَبَ الحَسَنُ بنُ
عَلِيٍّ عَلَى ظَهْرِهِ، أَوْ عَلَى عُنُقِهِ،
فَيَرْفَعُهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رَفْعاً رَفِيْقاً لِئَلاَّ يُصْرَعَ، فَعَلَ
ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ،
قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! رَأَيْنَاكَ صَنَعْتَ
بِالحَسَنِ شَيْئاً مَا رَأَينَاكَ صَنَعْتَهُ بِأَحَدٍ.
قَالَ: (إِنَّهُ رَيْحَانَتِي مِنَ الدُّنْيَا، وَإِنَّ
ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَعَسَى اللهُ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ
بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ).
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ مِنْ حَسَنَاتِ الحَسَنِ، تَفَرَّدَ
بِهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ الحَسَنُ بنُ أَبِي
الحَسَنِ.
وَمُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ: شَيْخٌ حَسَنٌ (1) .
وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الوَزَّانُ،
وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي
مَرْيَمَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا (2) ،
وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ (3) ، وَأَبُو زُرْعَةَ
__________
(1) لكنه مدلس، وأخرجه البخاري 5 / 224، 225 في الصلح: باب
قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن ابني هذا سيد، 7 / 74 في
فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب مناقب الحسن
الحسين، و13 / 52، 57 في الفتن: باب قول النبي صلى الله
عليه وسلم للحسن بن علي إن ابني هذا سيد.
والنسائي 3 / 107 من طريق سفيان بن عيينة، عن إسرائيل، عن
الحسن البصري، عن أبي بكرة قال: رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على
الناس مرة وعليه أخرى، ويقول: " إن ابني هذا سيد، ولعل
الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " وأخرجه
البخاري 6 / 472 في علامات النبوة في الإسلام من طريق يحيى
بن آدم، عن حسين
الجعفي، عن إسرائيل بن موسى به، وأخرجه أبو داود (4662)
والترمذي (3773) من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري، عن
الاشعث بن عبد الملك، عن الحسن، عن أبي بكرة.
وقوله " إنه ريحانتي من الدنيا " أخرجه البخاري 7 / 77، 78
والترمذي (3770) من حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ " هما
ريحانتاي من الدنيا ".
(2) ستأتي ترجمته في الصفحة: (397)، برقم: (192)
(3) ستأتي ترجمته في الصفحة: (378)، برقم: (180)
(13/191)
الدِّمَشْقِيُّ (1) ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ بِأَصْبَهَانَ (2).
108 - الحَسَنُ بنُ سَلاَّمٍ أَبُو عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ
السَّوَّاقُ *
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَلِيٍّ
البَغْدَادِيُّ السَّوَّاقُ.
حَدَّثَ عَنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ، وَعَمْرِو بنِ حَكَّامٍ، وَأَبِي
نُعَيْمٍ، وَعَفَّانَ بنِ مُسْلِمٍ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ صَاعِدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ
الصَّفَّارُ، وَعُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ، وَأَبُو بَكْرٍ
النَّجَّادُ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَخَلْقٌ
سِوَاهُم.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: ثِقَةٌ صَدُوْقٌ (3) .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ: مَاتَ فِي صَفَرٍ،
سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
109 - الحَسَنُ بنُ مُكْرَمٍ أَبُو عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ
البَزَّازُ *
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ
البَزَّازُ.
سَمِعَ: عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ، وَيَزِيْد بن هَارُوْنَ،
وَرَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَأَبَا النَّضْرِ هَاشِمَ بنَ
القَاسِمِ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: القَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ
الصَّفَّارُ، وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَأَبُو سَهْلٍ
بنُ زِيَادٍ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) ستأتي ترجمته في الصفحة، (311)، برقم: (146)
(2) ترجمته في: ذكر أخبار أصبهان: 2 / 56 - 57.
(*) تاريخ بغداد: 7 / 326، المنتظم: 5 / 107.
(3) نص الخطيب: " وذكره الدارقطني فقال: ثقة صدوق ". 7 /
326.
(* *) تاريخ بغداد: 7 / 432 - 433، المنتظم: 5 / 93، عبر
المؤلف: 2 / 53، شذرات الذهب: 2 / 165.
(13/192)
وَثَّقَهُ: الخَطِيْبُ (1) .
تُوُفِّيَ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
110 - أَبُو عَصِيْدَةَ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ نَاصِحٍ
الدَّيْلَمِيُّ * (د (2))
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، أَبُو جَعْفَرٍ
أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ نَاصِحِ بنِ بَلَنْجُرَ (3)
الدَّيْلَمِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ الهَاشِمِيُّ،
مَوْلاَهُمْ النَّحْوِيُّ، المُلَقَّبُ بِأَبِي عَصِيدَةَ.
حَدَّثَ عَنْ: عَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ، وَيَزِيْدَ بنِ
هَارُوْنَ، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَعَبْدِ
اللهِ بنِ بَكْرٍ، وَالأَصْمَعِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ
مُصْعَبٍ القَرْقَسَانِيِّ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ
الوَاعِظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الأَدَمِيُّ،
وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ الخُرَاسَانِيُّ، وَعِدَّةٌ.
فِي حَدِيْثِهِ مَنَاكِيرُ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ يَسْكُنُ بِسُرَّ مَنْ رَأَى -
يُحَدِّثُ عَنِ الأَصْمَعِيِّ -
__________
(1) تاريخ بغداد: 7 / 432.
(*) طبقات النحويين واللغويين للزبيدي: 204، الفهرست:
المقالة الثانية: الفن الثاني، تاريخ بغداد: 4 / 258 -
260، نزهة الالباء: 207 - 208، معجم الأدباء: 3 / 228 -
232، انباه الرواة: 1 / 84 - 86، تهذيب الكمال: خ: 32،
تذهيب التهذيب: خ: 1 / 19، ميزان الاعتدال: 1 / 118،
الوافي بالوفيات: 7 / 166 - 167، البلغة في تاريخ أئمة
اللغة: 26، تهذيب التهذيب: 1 / 60، بغية الوعاة: 1 / 333،
خلاصة تذهيب الكمال: 10.
(2) زيادة من " تهذيب التهذيب ".
(3) بلنجر، بفتحتين وسكون النون، وضم الجيم، كما في "
اللباب "، وضبط الفيروز ابادي صاحب القاموس الجيم بالفتح،
وكذلك السيوطي في " البغية ". وبالفتح: اسم مدينة ببلاد
الخزر، أما بلنجر بضم الجيم فهو اسم جد المترجم.
وقد ضبطت في الأصل بكسر الجيم.
(13/193)
وَمُحَمَّدِ بنِ مُصْعَبٍ بِمَنَاكِيرَ،
وَهُوَ صَاحِبُ مَوْعِظَةِ الأَوْزَاعِيِّ لِلْمَنْصُوْرِ،
وَتَفَرَّدَ بِهِ.
قُلْتُ: قَدْ تَابَعَهُ أَحْمَدُ الحَوْطِيُّ، قَالَ:
وَأَبُو عَصِيْدَةَ مَعَ هَذَا كُلِّهِ مِنْ أَهْلِ
الصِّدْقِ.
قُلْتُ: كَانَ رَأْساً فِي العَرَبِيَّةِ.
مَاتَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ،
وَكَانَ مِنْ أَبْناءِ التِّسْعِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَفِيْهَا مَاتَ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ الهَيْثَمِ
البَلَدِيُّ (1) ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ
الدَّيْرعَاقُولِيُّ (2) ، وَمُحَمَّدُ بنُ شَدَّادٍ
المِسْمَعِيُّ (3) ، وَمُوْسَى بنُ سَهْلٍ الوَشَّاءُ (4)
، وَهَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ الطَّبَرَانِيُّ (5) ، وَمُوْسَى
بنُ عِيْسَى بنِ المُنْذِرِ الحِمْصِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ
المُوَفَّقُ بِاللهِ، وَلِيُّ العَهْدِ (6) .
111 - إِسْحَاقُ بنُ سَيَّارِ بنِ مُحَمَّدٍ أَبُو
يَعْقُوْبَ النَّصِيْبِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو يَعْقُوْبَ
النَّصِيْبِيُّ.
سَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بنَ دَاوُدَ الخُرَيْبِيَّ، وَأَبَا
عَاصِمٍ النَّبِيْلَ، وَأَبَا النَّضْرِ هَاشِمَ بنَ
القَاسِمِ، وَطَبَقَتَهُم، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ (7) : إِسْحَاقُ بنُ سَيَّارِ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمٍ النَّصِيْبِيُّ،
__________
(1) ستأتي ترجمته في الصفحة: (411)، برقم: (199)
(2) ستأتي ترجمته في الصفحة: (335)، برقم: (154)
(3) تقدمت ترجمته في الصفحة: (148)، برقم: (79)
(4) تقدمت ترجمته في الصفحة: (149)، برقم: (80)
(5) ستأتي ترجمته في الصفحة: (270)، برقم: (131)
(6) تقدمت ترجمته في الصفحة: (169)، برقم: (100)
(*) الجرح والتعديل: 2 / 223، تاريخ ابن عساكر: خ: 2 / 380
أ - ب، عبر المؤلف: 2 / 51، شذرات الذهب: 2 / 163، تهذيب
بدران: 2 / 443.
(7) انظر: تاريخ دمشق: خ: 2 / 380 أ.
(13/194)
حَدَّثَ عَنْ:
عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَالخُرَيْبِيِّ، وَيَحْيَى
البَابْلُتِّيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَأَبِي مُسْهِرٍ،
وَأَبِي النَّضْرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ جَهْضَمٍ، وَجُنَادَةَ
بنِ مُحَمَّدٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَابْنُ
صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الهَرَوِيُّ،
وَأَحْمَدُ بنُ نَصْرِ بنِ بُجَيْرٍ، وَخَيْثَمَةُ بنُ
سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوْنَ بنِ خَالِدٍ،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوْنَ فِي بَعْضِ أَمَالِيْهِ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ سَيَّارٍ إِمَامُ الأَئِمَّةِ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ زَكَرِيَّا... فَذَكَرَ
حَدِيْثاً (1) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبَ إِلَيَّ إِسْحَاقُ
بنُ سَيَّارٍ بِبَعْضِ حَدِيْثِهِ، وَكَانَ صَدُوْقاً
ثِقَةً (2) .
قَالَ أَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ: مَاتَ
بِنَصِيْبِيْنَ، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي
يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ فِي زَمَانِنَا
__________
(1) تتمة السند والحدث كما في " تاريخ ابن عساكر ": خ: 2 /
380 ب: "...عن همام، عن قتادة، عن قدامة بن وبرة عن الاصبغ
بن نباتة، عن علي قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم
في البقيع في يوم دجن ومطر، فمرت امرأة على حمار ومعها
مكاري، فهوت يد الحمار في وهدة من الأرض فسقطت المرأة،
فأعرض عنها النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه، فقالوا: يا
رسول الله: إنها متسرولة، فقال: اللهم اغفر للمتسرولات من
أمتي ثلاثا، أيها الناس: اتخذوا السراويلات، فإنها من أستر
ثيابكم، وخذوا بها نساءكم إذ خرجن ".
وأورده العقيلي في الضعفاء لوح 18، في ترجمة إبراهيم بن
زكريا وقال: صاحب مناكير وأغاليط، ولا يعرف هذا الحديث إلا
به، فلا يتابع عليه، وذكره ابن عدي في " الكامل " 4 / 1.
وقال: وهذا الحديث منكر لا يرويه عن همام غير إبراهيم ابن
زكريا ولا أعرفه إلا من هذا الوجه، وإبراهيم حدث عن الثقات
بالاباطيل، وقال ابن الجوزي في " الموضوعات " 3 / 45 بعد
أن أورده من طريق ابن عدي: موضوع والمتهم به إبراهيم.
(2) الجرح والتعديل: 2 / 323.
(13/195)
أَحَدٌ تَجِبُ الرِّحْلَةُ إِلَيْهِ،
غَيْرُ إِسْحَاقَ بنِ سَيَّارٍ، وَأَبِي حَاتِمٍ
الرَّازِيِّ، وَيَعْقُوْبَ الفَسَوِيِّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ (1) ،
أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو
الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ (2) ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ
الطَّرَائِفِيُّ، وَابْنُ الدَّايَةِ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُوْ جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ،
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا
جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ
سَيَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا معَاويَةُ
بنُ صَالِحٍ، عَنِ المُهَاصِرِ بنِ حَبِيْبٍ:
أَنَّ عِيْسَى بنَ مَرْيَمَ كَانَ يَقُوْلُ: إِنَّ الَّذِي
يُصَلِّي وَيَصُوْمُ، وَلاَ يَتْرُكُ الخَطَايَا مَكْتُوبٌ
فِي المَلَكُوْتِ كَذَّاباً.
وَفِيْهَا مَاتَ: حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ (3) ، وَأَحْمَدُ
بنُ الوَلِيْدِ الفَحَّامُ (4) ، وَالفَتْحُ بنُ شَخْرَفٍ
العَابِدُ (5) ، وَأَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوْسِيُّ (6) ،
وَأَبُو إِبْرَاهِيْمَ أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ
(7) ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ التَّغْلِبِيُّ (8) ،
وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَاجَهْ القَزْوِيْنِيُّ (9) ،
وَعَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ (10) ، وَخَلْقٌ.
__________
(1) الابرقوهي: نسبة إلى أبرقوه: بليدة بنواحي أصبهان.
(اللباب). وقد ترجمه المؤلف في " مشيخته ": خ: 4، 5.
(2) الارموي، بضم الالف، وسكون الراء، وفتح الميم: نسبة
إلى أرمية: من بلاد أذربيجان. (اللباب).
(3) تقدمت ترجمته في الصفحة: (51)، برقم: (38).
(4) انظر ترجمته في: عبر المؤلف: 2 / 51 - 52، شذرات
الذهب: 2 / 164.
(5) ترجمته في: تاريخ بغداد: 12 / 384 - 388، المنتظم: 5 /
89 - 90.
(6) تقدمت ترجمته في الصفحة: (91)، برقم: (52).
(7) تقدمت ترجمته في الصفحة: (117)، برقم: (57).
(8) ترجمته في: تهذيب بدران: 2 / 123.
(9) ستأتي ترجمته في الصفحة: (277)، برقم: (133).
(10) انظره في: الأنساب: 1 / 107.
(13/196)
112 - جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ
أَبُو مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو
مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ الصَّائِغُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ.
وُلِدَ: قَبْل التِّسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ: حُسَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ المَرُّوْذِيُّ، وَأَبَا
نُعَيْمٍ، وَقَبِيْصَةَ بنَ عُقْبَةَ، وَعَفَّانَ بنَ
مُسْلِمٍ، وَأَبَا غَسَّانٍ النَّهْدِيَّ، وَمُعَاوِيَةَ
بنَ عَمْرٍو، وَسُرَيْجَ بنَ النُّعْمَانِ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَابْنُ صَاعِدٍ،
وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ البَخْتَرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلُ
الصَّفَّارُ، وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَعُثْمَانُ بنُ
السَّمَّاكِ، وَابْنُ نَجِيْحٍ، وَأَبُو بَكْرٍ
الشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الأَنْبَارِيُّ،
وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ زَاهِداً ثِقَةً صَادقاً،
مُتْقِناً ضَابِطاً (1) .
وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: كَانَ ذَا
فَضْلٍ وَعِبَادَةٍ وَزُهْدٍ، انتَفَعَ بِهِ خَلْقٌ
كَثِيْرٌ فِي الحَدِيْثِ، وَأَكْثَرُوا عَنْهُ لِثِقَتِهِ
وَصَلاَحِهِ.
قَالَ: وَتُوُفِّيَ لإِحْدَى عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ ذِي
الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ،
وَبَلَغَ تِسْعِيْنَ سَنَةً سِوَى أَشْهُرٍ يَسِيْرَةٍ
-رَحِمَهُ اللهُ-.
قُلْتُ: حَدِيْثُهُ بِعُلُوٍّ فِي (الغَيْلاَنِيَّاتِ).
__________
(*) تاريخ بغداد: 7 / 185 - 187، طبقات الحنابلة: 1 / 124
- 125، المنتظم: 5 / 140، تهذيب الكمال: خ: 205 - 206،
تذهيب التهذيب: خ: 1 / 110، عبر المؤلف: 2 / 62، تهذيب
التهذيب: 2 / 102، خلاصة تذهيب الكمال: 63 - 64، شذرات
الذهب: 2 / 174.
(1) تاريخ بغداد: 7 / 186.
(13/197)
وَفِيْهَا: وَفَاةُ الخَلِيْفَةِ
المُعْتَمِدِ، وَأَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ البُرْجُلاَنِيُّ
(1) ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ (2) ، وَأَبُو
عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ (3) ، وَأَبُو يَحْيَى بنُ أَبِي
مَسَرَّةَ (4) ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ
القَصَّارُ (5) .
113 - ابْنُ أَبِي العَنْبَسِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ
الزُّهْرِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، قَاضِي الكُوْفَةِ، أَبُو
إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ أَبِي
العَنْبَسِ الزُّهْرِيُّ، الكُوْفِيُّ.
سَمِعَ: جَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ، وَيَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ،
وَجَمَاعَةً.
وَعَنْهُ: أَبُو العَبَّاسِ بنُ عُقْدَة، وَخَيْثَمَةُ بنُ
سُلَيْمَانَ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الزُّبَيْرِ
القُرَشِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا - مَعَ
تَقَدُّمِهِ - وَمُحَمَّدُ بنُ خَلَفٍ، وَوَكِيْعٌ.
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً، خَيِّراً، فَاضِلاً،
دَيِّناً، صَالِحاً، وَلِيَ القَضَاءَ بَعْدَ أَحْمَدَ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ سَمَاعَةَ (6) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ خَلَفٍ: كَتَبْتُ عَنْهُ سَنَةَ
ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ، وَهُوَ عَلَى قَضَاءِ
__________
(1) ستأتي ترجمته في الصفحة: (269)، برقم: (130)
(2) ترجمته في: المنتظم: 5 / 139، عبر المؤلف: 2 / 61 -
62، شذرات الذهب: 2 / 174.
(3) ستأتي ترجمته في الصفحة: (270) برقم: (132)
(4) هو: عبد الله بن أحمد بن زكريا بن أبي مسرة، محدث مكة.
ترجمته في: العقد الثمين: 5 / 99، عبر المؤلف: 2 / 62،
شذرات الذهب: 2 / 174، وقد تحرف في المطبوع من " العبر "
و" الشذرات " إلى: " ميسرة ".
(5) ترجمته في: عبر المؤلف: 2 / 62، شذرات الذهب: 2 / 174.
(*) تاريخ بغداد: 6 / 25 - 26، المنتظم: 5 / 105.
(6) انظر: تاريخ بغداد: 6 / 25. والزيادة منه.
(13/198)
مَدِيْنَةِ المَنْصُوْرِ، فَبَقِيَ سنَةً،
وَصُرِفَ، لأَنَّ المُوَفَّقَ أَرَادَ أَنْ يُقْرِضَهُ
أَمْوَالَ الأَيْتَامِ، فَقَالَ: لاَ وَاللهِ، وَلاَ
حَبَّةً.
فَعَزَلَهُ وَرَدَّهُ إِلَى قَضَاءِ الكُوْفَةِ (1) .
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ، عَنْ نَيِّف وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَلَهُ أَخٌ مَاجِنٌ، صَاحِبُ نَوَادِرَ.
114 - كُرْدُوْسُ خَلَفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى
الوَاسِطِيُّ * (ق (2))
الإِمَامُ، المُتْقِنُ، أَبُو الحُسَيْنِ خَلَفُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى الوَاسِطِيُّ.
سَمِعَ: عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ،
وَرَوْحاً.
وَعَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ مَخْلَدٍ،
وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ،
وَابْنُ الأَعْرَابِيِّ، وَخَيْثَمَةُ.
وَثَّقَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
115 - ابْنُ بُلْبُلٍ الشَّيْبَانِيُّ أَبُو الصَّقْرِ
إِسْمَاعِيْلُ **
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، الأَوْحَدُ، الأَدِيْبُ، أَبُو
الصَّقْرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ بُلْبُلٍ الشَّيْبَانِيُّ.
__________
(1) انظر المصدر السابق.
(*) تاريخ بغداد: 8 / 330 - 331، المنتظم: 5 / 93، تهذيب
الكمال: خ: 379 - 380، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 199 - 200،
عبر المؤلف: 2 / 53، تهذيب التهذيب: 3 / 154، خلاصة تذهيب
الكمال: 106، شذرات الذهب: 2 / 165.
(2) زيادة من " التقريب ".
(* *) تاريخ الطبري: 10 / 10، 18، 20، 21، 22، الكامل لابن
الأثير: 7 / 328.
(13/199)
أَحَدُ الشُّعَرَاءِ وَالبُلَغَاءِ
وَالأَجْوَادِ المُمَدَّحِينَ.
وَزَرَ للمُعْتَمِدِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ
وَمائَتَيْنِ، بَعْدَ الحَسَنِ بنِ مَخْلَدٍ (1) ، ثُمَّ
عُزِلَ، ثُمَّ وَزَرَ، ثُمَّ عُزِلَ، ثُمَّ وَزَرَ
ثَالِثاً عِنْدَ القَبْضِ عَلَى صَاعِدٍ الوَزِيْرِ،
سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ.
وَكَانَ فِي رُتْبَةِ كِبَارِ المُلُوكِ، لَهُ رَاتِبٌ
عَظِيْمٌ، فِي اليَوْمِ مائَةُ شَاةٍ، وَسَبْعُوْنَ
جَدْياً، وَقنطَارُ حَلوَاءَ، وَلَمَّا وَلِيَ العَهْدَ
المُعْتَضِدُ، قَبَضَ عَلَيْهِ وَعَذَّبَهُ، حَتَّى هَلَكَ
فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي طَاهِرٍ: وَقَعَ
اخْتِيَارُ المُوَفَّقِ لِوَزَارَتِهِ عَلَى أَبِي
الصَّقْرِ، فَاسْتَوْزَرَ رَجُلاً قَلَّمَا رُؤِيَ
مِثلُهُ، كِفَايَةً لِلْمُهِمِّ، وَاسْتِقْلاَلاً
بِالأُمُورِ، وَأَمْضَى لِلتَّدْبِيرِ فِي أَصَحِّ
سُبُلِهِ، وَأَعْوَدِهَا بِالنَّفْعِ، وَأَحْوَطِهَا
لأَعمَالِ السُّلْطَانِ، مَعَ رَفْعِ قَدْرِهِ للأَدَبِ
وَأَهْلِهِ، وَبَذْلِهِ لَهُم الكَرَائِمَ، مَعَ
الشَّجَاعَةِ، وَعُلُوِّ الهِمَّةِ، وَصِغَرِ الدُّنْيَا
عِنْدَهُ، إِلاَّ مَا قَدَّمَهُ لِمَعَادِهِ، مَعَ سَعَةِ
حِلْمِهِ وَكَظْمِهِ، وَإِفْضَالِهِ عَلَى مَنْ أَرَادَ
تَلَفَ نَفْسِهِ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوخِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو
الحُسَيْنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بنُ الحَسَنِ قَالَ:
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ الفُرَاتِ: حَضَرْتُ مَجْلِسَ
ابْنِ بُلبُلٍ، وَقَدْ جَلَسَ جُلُوْساً عَامّاً، فَدَخَلَ
إِلَيْهِ المُتَظَلِّمُوْنَ، فَنَظَرَ فِي أَمُوْرِهِم،
فَمَا انْصَرَفَ أَحَدٌ إِلاَّ بِصِلَةٍ، أَوْ وِلاَيَةٍ،
أَوْ قَضَاءِ حَاجَةٍ، أَوْ إِنصَافٍ، وَبَقِيَ رَجُلٌ فِي
آخِرِ المَجْلِسِ يَسْأَلُهُ تَسْيِيبَ إِجَارَةِ
قَرْيَتِهِ.
فَقَالَ: إِنَّ المُوَفَّقَ أَمَرَ أَنْ لاَ أُسَيِّبَ
شَيْئاً إِلاَّ عَنْ أَمْرِهِ، فَسَأُخْبِرُهُ.
قَالَ: فَرَاجَعَنَا الرَّجُلُ، وَقَالَ: مَتَى أَخَّرَنِي
الوَزِيْرُ فَسَدَ حَالِي.
فَقَالَ لِكَاتِبِهِ: اكْتُبْ حَاجَتَهُ فِي
التَّذْكِرَةِ.
فولَّى الرَّجُلُ غَيْرَ
__________
(1) تقدمت ترجمته في الصفحة: (7)، برقم: (4).
(13/200)
بَعِيْدٍ، ثُمَّ رَجَعَ وَاسْتَأْذَن،
ثُمَّ قَالَ:
لَيْسَ فِي كُلِّ دَوْلَةٍ وَأَوَانِ ... تَتَهَيَّا
صَنَائِعُ الإِحْسَانِ
فَإِذَا أَمْكَنَتْكَ يَوْماً مِنَ الدَّهْرِ ...
فَبَادِرْ بِهَا صُرُوْفَ الزَّمَانِ
فَقَالَ لِي: يَا أَبَا العَبَّاسِ: اكْتُبْ لَهُ
بتَسْيِيبِ إِجَارَةِ ضَيْعَتِهِ السَّاعَةَ.
وَأَمَرَ الصَّيْرَفِيَّ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ خَمْسَ
مائَةَ دِيْنَارٍ.
وَيُقَالُ: إِنَّ فَتَاهُ نَاوَلَهُ مُدَّةً بِالقَلَمِ،
فَنَقَطَتْ عَلَى دُرَّاعَةٍ مُثَمّنَةٍ، فَجَزِعَ،
فَقَالَ: لاَ تَجْزَعْ، ثُمَّ أَنْشَدَ:
إِذَا مَا المِسْكُ طَيَّبَ رِيْحَ قَوْمٍ ... كَفَانِي
ذَاكَ رَائِحَةُ المِدَادِ
فَمَا شَيْءٌ بِأَحْسَنَ مِنْ ثِيَابٍ ... عَلَى
حَافَاتِهَا حُمَمُ السَّوَادِ
قُلْتُ: صَدَقَ، وَهِيَ خَالٌ فِي مَلْبُوْسِ الوُزَرَاءِ.
قَالَ جَحْظَةُ (1) : قُلْتُ:
بِأَبِي الصَّقْرِ عَلَيْنَا ... نِعَمُ اللهِ جَلِيْلَه
مَلِكٌ فِي عَيْنَيْهِ الدُّنْيَـ ... ـا لِرَاجِيْهِ
قَلِيْلَه
فَأَمَرَ لِي بِمائتَيْ دِيْنَارٍ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: وُلِدَ ابْنُ بُلبُلٍ سَنَةَ
ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَرَأَيْتُهُ مَرَّاتٍ، فَكَانَ
فِي نِهَايَةِ الجَمَالِ، وَتَمَامِ القَدِّ وَالجِسْمِ،
فَقُبِضَ عَلَيْهِ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ
وَسَبْعِيْنَ، وَقُيِّدَ، وَأُلْبِسَ عَبَاءةً غُمِسَتْ
فِي دِبْسٍ وَمَرَقَةِ كَوَارِعٍ، وَأُجْلِسَ فِي
__________
(1) هو: أحمد بن جعفر بن موسى، أبو الحسن، نديم أديب مغن،
من بقايا البرامكة.
كان في عينيه نتوء، فلقبه ابن المعتز بجحظة.
توفي سنة: (324 ه). سيترجمه المؤلف، والبيتان في " جحظة
البرمكي الأديب الشاعر ": 28، 214، (د. مزهر السوداني:
ط.النجف الأشرف 1977) وتخريجهما فيه.
(13/201)
مَكَانٍ حَارٍّ، وَعُذِّبَ بِأَنْواعِ
العَذَابِ، فَمَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى.
وَقِيْلَ: رُؤِيَ فِي النَّوْمِ فَقِيْلَ: مَا فَعَلَ
اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي بِمَا لَقِيْتُ، لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ
عَلَيَّ عَذَابَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
وَرَوَى أَبُو عَلِيٍّ التَّنُّوخِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ،
عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الحَضْرَةِ أَخْبَرُوهُ:
أَنَّ المُعْتَضِدَ أَمَرَ بِابْنِ بُلبُلٍ، فَاتَّخَذَ
لَهُ تَغَاراً (1) كَبِيْراً، وَمُلِئَ اسفِيْذَاجاً
وَبلَّه، ثُمَّ جَعَلَ رَأْسَهُ فِيْهِ إِلَى عُنُقِهِ،
وَمَسَكَ عَلَيْهِ حَتَّى خَمَدَ، فَلَمْ يَزَلْ رُوْحُهُ
يَخْرُجُ بِالضُّرَاطِ مِنْ أَسْفَلِهِ حَتَّى مَاتَ.
116 - أَصْبَغُ بنُ خَلِيْلٍ أَبُو القَاسِمِ
الأَنْدَلُسِيُّ المَالِكِيُّ *
فَقِيْهُ قُرْطُبَةَ، وَمُفْتِيهَا، أَبُو القَاسِمِ
الأَنْدَلُسِيُّ، المَالِكِيُّ.
أَخَذَ عَنِ: الغَازِي بنِ قَيْسٍ قَلِيْلاً، وَعَنْ
يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَأَصْبَغَ بنِ الفَرَجِ،
وَسَحْنُوْنَ، وَطَائِفَةٍ.
وَبَرَعَ فِي الشُّرُوطِ، وَكَانَ لاَ يَدْرِي الأَثَرَ،
وَقَدِ اتُّهِمَ فِي النَّقْلِ، وَوَضَعَ فِي عَدَمِ
رَفْعِ اليَدَيْنِ - فِيْمَا قِيْلَ -.
وَقَالَ قَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ: هُوَ مَنَعَنِي السَّمَاعَ
مِنْ بَقِيٍّ (2) .
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أُحِبُّ أَنْ يَكُوْنَ فِي
تَابُوتِي خِنْزِيرٌ، وَلاَ يَكُونُ فِيْهِ مُصَنَّفُ
ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ.
ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِ قَاسِمٌ.
__________
(1) التغار: وعاء كبير. والكلمة فارسية.
(*) تاريخ علماء الأندلس: 1 / 77 - 79 جذوة المقتبس: 173،
بغية الملتمس: 240، ميزان الاعتدال: 1 / 269 - 271، لسان
الميزان: 1 / 458 - 459، الديباج المذهب: 1 / 301.
(2) بقي بن مخلد. ستأتي ترجمته في الصفحة: (285)، برقم:
(137).
(13/202)
وَقِيْلَ: قَرَأَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بنُ
خَالِدٍ الحَافِظُ اسْمَ أُسَيْدِ بنِ الحُضَيْرِ، فَرَدَّ
عَلَيْهِ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: هُوَ، وَقَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ، وَمُحَمَّدُ
بنُ عَبْدِ المَلِكِ.
وَكَانَ ذَا تَعَبُّدٍ وَوَرَعٍ - عَفَا اللهُ عَنْهُ -.
عَاشَ نَحْو التِّسْعِيْنَ، وَمَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
117 - أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بنُ الأَشْعَثِ بنِ
شَدَّادِ * (ت، س) (1) وَابْنه
ابْنِ عَمْرِو بنِ عَامِرٍ (2) ، كَذَا أَسْمَاهُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الهَاشِمِيُّ:
سُلَيْمَانُ بنُ الأَشْعَثِ بنِ بِشْرِ بنِ شَدَّادٍ.
وَقَالَ ابْنُ دَاسَةَ (3) ، وَأَبُو عُبَيْدٍ
الآجُرِّيُّ: سُلَيْمَانُ بنُ الأَشْعَثِ بنِ إِسْحَاقَ
بنِ بَشِيْرِ بنِ شَدَّادٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ
الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ (4))، وَزَادَ: ابْنَ عَمْرِو
بنِ عِمْرَانَ.
الإِمَامُ، شَيْخُ السُّنَّةِ، مُقَدَّمُ الحُفَّاظِ،
أَبُو دَاوُدَ الأَزْدِيُّ، السِّجِسْتَانِيُّ، مُحَدِّثُ
البَصْرَةِ.
__________
(*) الجرح والتعديل: 4 / 101 - 102، تاريخ بغداد: 9 / 55 -
59، طبقات الحنابلة: 1 / 159 - 162، تاريخ ابن عساكر: خ: 7
/ 271 ب - 274 ب، المنتظم: 5 / 97 - 98، وفيات الأعيان: 2
/ 404 - 405، تذكرة الحفاظ: 2 / 591 - 593، عبر المؤلف: 2
/ 54 - 55، طبقات السبكي: 2 / 293 - 296، البداية
والنهاية: 11 / 54 - 56، تهذيب التهذيب: 4 / 169 - 173،
طبقات الحفاظ: 261 - 262، طبقات المفسرين: 1 / 201 - 202،
شذرات الذهب: 2 / 167 - 168، تهذيب بدران: 6 / 246 - 248.
(1) زيادة من " تهذيب التهذيب ".
(2) انظر: الجرح والتعديل: 4 / 101.
(3) هو أحد رواة " السنن " عنه.
(4) 9 / 55.
(13/203)
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ،
وَرَحَلَ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَبَرَعَ فِي هَذَا
الشَّأْنِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:
وُلِدْتُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ عَلَى عَفَّانَ
(1) سَنَةَ عِشْرِيْنَ، وَدَخَلْتُ البَصْرَةَ وَهُم
يَقُوْلُوْنَ: أَمْسِ مَاتَ عُثْمَانُ بنُ الهَيْثَمِ
المُؤَذِّنُ (2) .
فَسَمِعْتُ مِنْ أَبِي عُمَرَ الضَّرِيْرِ مَجْلِساً
وَاحِداً.
قُلْتُ: مَاتَ (3) فِي شَعْبَانَ، مِنْ سَنَةِ عِشْرِيْنَ،
وَمَاتَ عُثْمَانُ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ.
قَالَ: وَتَبِعْتُ عُمَرَ بنَ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ إِلَى
مَنْزِلِهِ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ (4) ، وَسَمِعْتُ مِنْ
سَعِيْدِ بنِ سُلَيْمَانَ مَجْلِساً وَاحِداً، وَمِنْ
عَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ مَجْلِساً وَاحِداً (5) .
قُلْتُ: وَسَمِعَ بِمَكَّةَ مِنَ: القَعْنَبِيِّ،
وَسُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: مُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَبْدِ
اللهِ بنِ رَجَاءٍ، وَأَبِي الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيِّ،
وَمُوْسَى بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَطَبَقَتِهِم بِالبَصْرَةِ.
ثمَّ سَمِعَ بِالكُوْفَةِ مِنَ: الحَسَنِ بنِ الرَّبِيْعِ
البُورَانِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ يُوْنُسَ اليَرْبُوْعِيِّ،
وَطَائِفَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي تَوْبَةَ الرَّبِيْعِ بنِ نَافِعٍ
بِحَلَبَ.
وَمِنْ: أَبِي جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ
أَبِي شُعَيْبٍ، وَعِدَّةٍ، بِحَرَّانَ.
وَمِنْ: حَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ، وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ
رَبِّهِ، وَخَلْقٍ بِحِمْصَ.
وَمِنْ: صَفْوَانَ بنِ صَالِحٍ، وَهِشَامِ بنِ
__________
(1) هو عفان بن مسلم، الحافظ البصري. انظر: " عبر "
المؤلف: 1 / 380.
(2) مؤذن جامع البصرة. انظر " العبر ": 1 / 380.
(3) أي أبو عمر الضرير.
(4) زاد الخطيب البغدادي هنا: "...شيئا، ورأيت خالد بن
خداش ولم أسمع منه شيئا ".
(5) تاريخ بغداد: 9 / 56.
(13/204)
عَمَّارٍ بِدِمَشْقَ.
وَمِنْ: إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَطَبَقَتِهِ
بِخُرَاسَانَ.
وَمِنْ: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَطَبَقَتِهِ بِبَغْدَادَ.
وَمِنْ: قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ بِبَلْخٍ.
وَمِنْ: أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، وَخَلْقٍ بِمِصْرَ.
وَمِنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ بَشَّارٍ الرَّمَادِيِّ،
وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى الفَرَّاءِ، وَعَلِيِّ بنِ
المَدِيْنِيِّ، وَالحَكَمِ بنِ مُوْسَى، وَخَلَفِ بنِ
هِشَامٍ، وَسَعِيْدِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَسَهْلِ بنِ
بَكَّارٍ، وَشَاذِّ بنِ فَيَّاضٍ، وَأَبِي مَعْمَرٍ عَبْدِ
اللهِ بنِ عَمْرٍو المُقْعَدِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
المُبَارَكِ العَيْشِيِّ، وَعَبْدِ السَّلامِ بنِ
مُطَهِّرٍ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بنِ نَجْدَةَ، وَعَلِيِّ
بنِ الجَعْدِ، وَعَمْرِو بنِ عَوْنٍ، وَعَمْرِو بنِ
مَرْزُوْقٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ الدُّولابِيِّ،
وَمُحَمَّدِ بنِ المِنْهَالِ الضَّرِيْرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ
كَثِيْرٍ العَبْدِيِّ، وَمُسَدَّدِ بنِ مُسَرْهَدٍ،
وَمُعَاذِ بنِ أَسَدٍ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَأُمَمٍ
سِوَاهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عِيْسَى فِي (جَامِعِهِ)،
وَالنَّسَائِيُّ - فِيْمَا قِيْلَ - وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ
حَمْدَانَ العَاقِولِيُّ (1) ، وَأَبُو الطَّيِّبِ
أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأُشنَانِيِّ
البَغْدَادِيُّ - نَزِيْلُ الرَّحْبَةِ، رَاوِي
(السُّنَنِ) عَنْهُ (2) - وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ
جَعْفَرٍ الأَشْعَرِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ
النَّجَّادُ، وَأَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ
حَسَنٍ البَصْرِيُّ - رَاوِي (السُّنَنِ) عَنْهُ -
وَأَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ بنِ سُلَيْمٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ
بنُ الأَعْرَابِيِّ - رَاوِي (السُّنَنِ) بِفَوْتٍ لَهُ -
وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ
الفَقِيْهُ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَاسِيْنَ
الهَرَوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ المُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ،
وَإِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى الرَّمْلِيُّ الوَرَّاقُ (3) ،
وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ.
وَحَرْبُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الكَرْمَانِيُّ، وَالحَسَنُ
بنُ صَاحِبِ الشَّاشِيِّ، وَالحَسَنُ بنُ عَبْدِ اللهِ
الذَّارِعُ،
__________
(1) العاقولي: نسبة إلى دير العاقول: بليدة بالقرب من
بغداد. وقد ينسب إليها بالديرعاقولي أيضا. (اللباب).
(2) مترجم في " تاريخ بغداد " 4 / 16.
(3) وراق أبي داود.
(13/205)
وَالحُسَيْنُ بنُ إِدْرِيْسَ الهَرَوِيُّ.
وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
أَحْمَدَ الأَهْوَازِيُّ عَبْدَانُ، وَابْنُهُ أَبُو
بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي
الدُّنْيَا، وَعَبْدُ اللهِ ابْنُ أَخِي أَبِي زُرْعَةَ،
وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ خَلاَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ، وَعَلِيُّ
بنُ الحَسَنِ بنِ العَبْدِ الأَنْصَارِيُّ - أَحَدُ
رُوَاةِ (السُّنَنِ (1))- وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ
مَاغَمَّه (2) ، وَعِيْسَى بنُ سُلَيْمَانَ البَكْرِيُّ.
وَالفَضْلُ بنُ العَبَّاسِ بنِ أَبِي الشَّوَارِبِ،
وَأَبُو بِشْرٍ الدُّوَلابِيُّ الحَافِظُ.
وَأَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ اللُؤْلُؤِيُّ -
رَاوِي (السُّنَنِ (3))- وَمُحَمَّدُ بن أَحْمَدَ بنِ
يَعْقُوْبَ المَتُّوْثِيُّ (4) البَصْرِيُّ - رَاوِي
كِتَابِ (القَدَرِ) لَهُ - وَمُحَمَّدُ بنُ بَكْرِ بنِ
دَاسَةَ التَّمَّارِ - مِنْ رُوَاةِ (السُّنَنِ (5))-
وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ الفِرْيَابِيِّ، وَمُحَمَّدُ
بنُ خَلَفِ بنِ المَرْزُبَانِ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَجَاءَ
البَصْرِيُّ، وَأَبُو سَالِمٍ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ
الأَدَمِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ الهَاشِمِيُّ المَكِّيُّ، وَأَبُو أُسَامَةَ
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الرَّوَّاسُ - رَاوِي
(السُّنَنِ) بِفَوَاتَاتٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ مُحَمَّدُ بنُ
عَلِيِّ بنِ عُثْمَانَ الآجُرِّيُّ الحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ
بنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ الخَضِيْبُ (6) ، وَمُحَمَّدُ بنُ
المُنْذِرِ شَكَّرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ
مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
يَحْيَى الصُّوْلِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوْبُ بنُ
إِسْحَاقَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ.
__________
(1) وفي روايته من الكلام على جماعة من الرواة والاسانيد
ما ليس في رواية اللؤلؤي.
(2) ستأتي ترجمته في الصفحة: (429)، برقم: (213).
(3) رواها عنه في سنة خمس وسبعين ومئتين، وتعد روايته من
أجود الروايات وأكملها لأنها من آخر ما أملى أبو داود، وهي
المتداولة في المشرق والهند.
(4) المتوثي، بفتح الميم، وضم التاء المشددة، وسكون الواو:
نسبة إلى متوث: بلدة بين قرقوب وكور الاهواز (اللباب) (5)
وروايته تقارب رواية اللؤلؤي إلا انها تختلف عنها في
التقديم والتأخير، وهي المتداولة في المغرب، وعليها اعتمد
الخطابي في شرح " معالم السنن ".
(6) يطلق هذا الاسم على من يخضب لحيته بالحمرة. (اللباب).
(13/206)
وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ فِي (سُنَنِهِ)
مَوَاضِعَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، وَحَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ،
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ يَحْيَى المَدَنِيُّ،
وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَعَمْرُو بنُ عَوْنٍ،
وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو الوَلِيْدِ،
فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ فِي كُلِّ الأَمَاكِنِ
هُوَ السِّجِسْتَانِيُّ، فَإِنَّهُ مَعْرُوفٌ
بِالرِّوَايَةِ عَنِ السَّبْعَةِ، لَكِنْ شَارَكَهُ أَبُو
دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بنُ سَيْفٍ الحَرَّانِيُّ فِي
الرِّوَايَة عَنْ بَعْضِهِم، وَالنَّسَائِيُّ فَمُكْثِرٌ
عَنِ الحَرَّانِيِّ.
وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ (الكُنَى)، عَنْ
سُلَيْمَانَ بنِ الأَشْعثِ، وَلَمْ يَكْنِهِ.
وَذَكَرَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي (النَّبَلِ (1))
أَنَّ النَّسَائِيَّ يَرْوِي عَنْ أَبِي دَاوُدَ
السِّجِسْتَانِيِّ.
أَنبَانِي جَمَاعَةٌ سَمِعُوا ابْنَ طَبَرْزَد،
أَخْبَرَنَا أَبُو البَدْرِ الكَرْخِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ
الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُؤْلُؤيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
كَثِيْرٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ
عَوْفٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ،
قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم.
فَرَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عَشْرٌ).
ثُمَّ جَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم
وَرَحْمَةُ اللهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَجَلَسَ، فَقَالَ:
(عِشْرُوْنَ).
ثُمَّ جَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم
وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَجَلَسَ، وَقَالَ: (ثَلاَثُوْنَ) (2) .
__________
(1) صفحة: 132.
(2) إسناده قوي وهو في سنن أبي داود: (5195)، في الأدب:
باب كيف السلام، وعوف هو ابن أبي جميلة، وأبو رجاء هو
العطاردي، واسمه عمران بن ملحان، وأخرجه الترمذي: (2689)
في أول الاسستئذان من طريقين، عن محمد بن كثير بهذا
الإسناد، وقال: هذا حديث حسن غريب.
(13/207)
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ
مُحَمَّدٍ (1) - فِيمَا أَظُنُّ - وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ
الفَارِسِيُّ (2) ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ
بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الدَّاوُودِيُّ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا
عِيْسَى بنُ عُمَرَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَافِظُ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، فَذَكَرَهُ
بِنَحْوِهِ.
أَخْرَجَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ، عَنْ
أَبِي دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرٍ، وَأَخْرَجَهُ
أَبُو عِيْسَى فِي (جَامِعِهِ) عَنِ الحَافِظِ عَبْدِ
اللهِ الدَّارِمِيِّ، فَوَافَقْنَاهُمَا بِعُلُوٍّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
عَبْدِ الحَلِيمِ (3) الفَقِيْهُ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بنُ مُخْتَارٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ
بنُ عَلِيٍّ الصُّوْفِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ
أَحْمَدَ الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلْمَانَ
الفَقِيْهُ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بنُ
الأَشْعَثِ، بِالبَصْرَةِ، حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ
الرَّبِيْعُ بنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ
عَمْرٍو، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(نَهَى عَنْ تَلَقِّي الجَلَبِ، فَإِنْ تَلَقَّاهُ
مُتَلَقٍّ فَاشْتَرَاْهُ، فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ
بِالخِيَارِ إِذَا وَرَدَ السُّوْقَ).
__________
(1) هو: " علي بن محمد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن
عيسى بن أحمد بن محمد ابن محمد بن محمد، الامام المحدث
الفقيه الأوحد، بقية السلف، شرف الدين أبو الحسين ابن
الامام الرباني الفقيه أبي عبد الله اليونيني الحنبلى
شيخنا ومفيدنا.
ولد " سنة إحدى وعشرين وستمئة " وكان شيخا مهيبا منورا حلو
المجالسة، كثير الافادة، قوي المشاركة في العلوم حسن
البشر، مليح التواضع، أكثرت عنه ببعلبك وبدمشق.
دخل في أول رمضان سنة إحدى وسبعمائة خزانة الكتب ببعلبك،
فدخل إليه رجل مضطرب العقل، فضربه بسكين صغيرة في دماغه
بقي أياما وتوفي إلى رحمة الله ". " مشيخة " المؤلف: خ ق:
99 - 100.
(2) هو: عمر بن محمد بن عمر بن حسن بن خواجا. أبو حفص
الفارسي ثم الدمشقي. وفاته سنة (702 ه).
" مشيخة المؤلف ": خ ق: 108.
(3) ترجمته في " مشيخة " المؤلف: خ: ق: 73 - 74.
(13/208)
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ غَرِيْبٌ (1) ،
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيْقِ عُبَيْدِ اللهِ
بنِ عَمْرٍو، وَهُوَ مِنْ أَفرَادِهِ.
وَقَعَ لَنَا عِدَّةُ أَحَادِيْثَ عَالِيَةٍ لأَبِي
دَاوُدَ، وَكِتَابِ (النَّاسِخِ) لَهُ.
وَسَكَنَ البَصْرَةَ بَعْدَ هَلاَكِ الخَبِيْثِ طَاغِيَةِ
الزِّنْجِ، فَنَشَرَ بِهَا العِلْمَ، وَكَانَ يَتَرَدَّدُ
إِلَى بَغْدَادَ.
قَالَ الخَطِيْبُ أَبُو بَكْرٍ: يُقَالُ: إِنَّهُ صَنَّفَ
كِتَابَهُ (السُّنَنَ) قَدِيْماً، وَعَرَضَهُ عَلَى
أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَاسْتَجَادَهُ، وَاسْتَحْسَنَهُ
(2) .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ خَالِدَ بنَ خِدَاشٍ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ،
وَلَمْ أَسْمَعْ مَنْ يُوْسُفَ الصَّفَّارِ، وَلاَ مِنِ
ابْنِ الأَصْبهَانِيِّ، وَلاَ مِنْ عَمْرِو بنِ حَمَّادٍ،
وَالحَدِيْثُ رِزْقٌ (3) .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجِرِّيُّ: وَكَانَ أَبُو دَاوُدَ
لاَ يُحَدِّثُ عَن ابْنِ الحِمَّانِيِّ، وَلاَ عَنْ
سُوَيْدٍ، وَلاَ عَنِ ابْنِ كَاسِبٍ، وَلاَ عَنْ مُحَمَّدِ
بنِ حُمَيْدٍ، وَلاَ عَنْ سُفْيَانَ بنِ وَكِيْعٍ (4) .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ دَاسَةَ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ
يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْسَ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ،
انْتَخَبْتُ مِنْهَا مَا ضَمَّنْتُهُ هَذَا الكِتَابَ
-يَعْنِي:
__________
(1) هو في سنن أبي داود: (3437)، في البيوع والاجارات: باب
في التلقي، والترمذي: (1221)، وقال: " هذا حديث حسن غريب
". وأخرجه مسلم في صحيحه: " 1519) (17)، في البيوع: باب
تحريم تلقي الجلب، من طريق هشام القردوسي عن ابن سيرين عن
أبي هريرة. والجلب: فعل بمعنى مفعول. وهو ما يجلب للبيع،
أي شيء كان.
(2) تاريخ بغداد: 9 / 56.
(3) للخبر زيادات في " تاريخ ابن عساكر ": خ: 7 / 272 ب -
273 ا.
(4) والخمسة ضعفاء قد تكلم فيهم.
(13/209)
كِتَابَ (السُّنَنِ)- جمعتُ فِيْهِ
أَرْبَعَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ وثمَانِي مائَةِ حَدِيْثٍ (1)
، ذَكَرْتُ الصَّحِيْحَ، وَمَا يُشْبِهُهُ وَيُقَارِبُهُ،
وَيَكْفِي الإِنسَانَ لِدِيْنِهِ مِنْ ذَلِكَ أَربعةُ
أَحَادِيْثَ:
أَحَدُهَا: قَوْله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ (2)).
وَالثَّانِي: (مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ
مَا لاَ يَعْنِيْهِ (3)).
وَالثَّالِثُ: قَوْلُهُ: (لاَ يَكُوْنُ المُؤْمِنُ
مُؤْمِناً حَتَّى يَرْضَى لأَخِيْهِ مَا يَرْضَى
لِنَفْسِهِ (4)).
وَالرَّابِع: (الحَلاَلُ بَيِّنٌ)... الحَدِيْثَ (5) .
رَوَاهَا الخَطِيْبُ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ
بنُ عَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القَارِي الدِّيْنَوَرِيُّ
بِلَفْظِهِ: سَمِعْتُ أَبَا الحُسَيْنِ مُحَمَّدَ بنَ
عَبْدِ اللهِ بنِ الحَسَنِ الفَرَضِيَّ، سَمِعَ ابْنَ
دَاسَةَ (6) .
قَوْلُهُ: يَكْفِي الإِنْسَانَ لِدِيْنِهِ، ممنُوعٌ، بَلْ
يَحْتَاجُ المُسْلِمُ إِلَى عَدَدٍ كَثِيْرٍ مِنَ
السُّنَنِ الصَّحِيْحَةِ مَعَ القُرْآنِ.
__________
(1) بلغ عددها في المطبوع من رواية اللؤلؤي: (5274).
(2) حديث صحيح مشهور، وأخرجه الستة من حديث عمر بن الخطاب.
(3) حديث صحيح بشواهده " أخرجه من حديث أبي هريرة الترمذي:
(2317)، وابن ماجه: (3976).
وأخرجه أحمد من حديث الحسين بن علي: 1 / 201.
وأخرجه من حديث أبي بكر أبو أحمد الحاكم في " الكنى "
وأخرجه الشيرازي في " الألقاب " من حديث أبي ذر.
وأخرجه الحاكم في " تاريخ نيسابور " عن علي بن أبي طالب،
وأخرجه الطبراني في " الأوسط " من حديث زيد بن ثابت،
وأخرجه ابن عساكر في " تاريخه " من حديث الحارث بن هشام.
(4) أخرجه من حديث أنس البخاري: 1 / 53 - 54، في الايمان:
باب علامة الايمان، ومسلم: (45) في الايمان: باب الدليل
على أن من خصال الايمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه،
والترمذي: (2517)، والنسائي: 8 / 115، وابن ماجه: (66).
(5) أخرجه من حديث النعمان بن بشير: البخاري: 1 / 117، في
الايمان: باب فضل من استبرأ لدينه، ومسلم: (1599)، وأبو
داود: (3329) و: (3330)، والترمذي: (1205)، والنسائي: 7 /
241.
(6) تاريخ بغداد: 9 / 57.
(13/210)
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ: أَبُو
دَاوُدَ الإِمَامُ المُقَدَّمُ فِي زَمَانِهِ، رَجُلٌ لَمْ
يَسْبِقْهُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ بِتَخْرِيجِ العُلُوْمِ،
وَبَصَرِهِ بِمَوَاضِعِهِ أَحَدٌ فِي زَمَانِهِ، رَجُلٌ
وَرِعٌ مُقَدَّمٌ، سَمِعَ مِنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ
حَدِيْثاً وَاحِداً، كَانَ أَبُو دَاوُدَ يَذْكُرُهُ.
قُلْتُ: هُوَ حَدِيْثُ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
عَمْرٍو الرَّازِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ قَيْسٍ،
عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي العُشَرَاءِ:
عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَنِ العَتِيْرَةِ، فَحَسَّنَهَا.
وَهَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ، تُكُلِّمَ فِي ابْنِ قَيْسٍ
مِنْ أَجْلِهِ (1) ، وَإِنَّمَا المَحْفُوظُ عِنْدَ
حَمَّادٍ بِهَذَا السَّنَدِ حَدِيْثُ:
(أَمَا تَكُوْنُ الذَّكَاةُ إِلاَّ مِنَ اللَّبَّةِ (2)).
ثُمَّ قَالَ الخَلاَّلُ: وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ
الأَصْبهَانِيُّ ابْنُ أُورمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ
صَدَقَةَ يَرْفعُوْنَ مِنْ قَدْرِهِ، وَيَذْكُرُونَهُ
بِمَا لاَ يَذْكُرُوْنَ أَحَداً فِي زَمَانِهِ مِثْلَهُ
(3) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَاسِيْنَ: كَانَ
أَبُو دَاوُدَ أَحَدَ حُفَّاظِ الإِسْلاَمِ لِحَدِيْثِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَعِلْمِهِ وَعِلَلِهِ وَسَنَدِهِ، فِي أَعْلَى دَرَجَةِ
النُّسْكِ وَالعَفَافِ، وَالصَّلاَحِ وَالوَرَعِ، مِنْ
فُرْسَانِ الحَدِيْثِ.
__________
(1) بل كذبه ابن مهدي وأبو زرعة، وقال البخاري: ذهب حديثه،
وقال أحمد: لم يكن بشيء، وقال مسلم: ذاهب الحديث.
وقال النسائي: متروك الحديث، وهذا الحديث أورده المصنف في
الميزان: 2 / 583، في ترجمة عبد الرحمن بن قيس، وذكر أنه
رواه أبو داود في غير سننه.
(2) وتمامه: " قال: لو طعنت في فخذها لاجزأ عنك ".
أخرجه أبو داود: (2825)، والترمذي: (1481) وابن ماجه:
(3184).
وأبو العشراء مجهول، وفي " التهذيب " قال الميموني: سألت
أحمد عن حديث أبي العشراء في الذكاة، قال: هو عندي غلط ولا
يعجبني ولا أذهب إليه إلا في موضع ضرورة.
قال: ما أعرف أنه يروى عن أبي العشراء حديث غير هذا.
وقال البخاري: في حديثه واسمه وسماعه من أبيه نظر.
وانظر ترجمة والد أبي العشراء في " أسد الغابة " 5 / 44،
45.
(3) تاريخ بغداد: 9 / 57.
(13/211)
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ:
لَمَّا صَنَّفَ أَبُو دَاوُدَ كِتَابَ (السُّنَنِ)
أُلِيْنَ لأَبِي دَاوُدَ الحَدِيْثُ، كَمَا أُلِيْنَ
لِدَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، الحَدِيْدُ (1) .
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ
مُوْسَى، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مَخْلَدٍ، يَقُوْلُ:
كَانَ أَبُو دَاوُدَ يَفِي بِمُذَاكرَةِ مائَة أَلْفِ
حَدِيْثٍ، وَلَمَّا صَنَّفَ كِتَابَ (السُّنَنِ)،
وَقَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ، صَارَ كِتَابُهُ لأَصْحَابِ
الحَدِيْثِ كَالمُصْحَفِ، يَتَّبِعُونَهُ وَلاَ
يُخَالِفُوْنَهُ، وَأَقَرَّ لَهُ أَهْلُ زَمَانِهِ
بِالحِفْظِ وَالتَّقَدُّم فِيْهِ (2) .
وَقَالَ الحَافِظُ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: خُلِقَ أَبُو
دَاوُدَ فِي الدُّنْيَا لِلْحَدِيْثِ، وَفِي الآخِرَةِ
لِلجَنَّة.
وَقَالَ عَلاَّنُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ: سَمِعْتُ أَبَا
دَاوُدَ، وَكَانَ مِنْ فُرْسَانِ الحَدِيْثِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: أَبُو دَاوُدَ أَحَدُ
أَئِمَّةِ الدُّنْيَا فِقْهاً وَعِلْماً وَحِفْظاً،
وَنُسْكاً وَوَرَعاً وَإِتْقَاناً، جَمَعَ وَصَنَّفَ
وَذَبَّ عَنِ السُّنَنِ (3) .
قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ:
الَّذِيْنَ خَرَّجُوا وَمَيَّزُوا الثَّابِتَ مِنَ
المَعْلُولِ، وَالخَطَأَ مِنَ الصَّوَابِ أَرْبَعَةٌ:
البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، ثُمَّ أَبُو دَاوُدَ،
وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: أَبُو دَاوُدَ
إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ فِي عَصْرِهِ بِلاَ
مُدَافَعَةٍ، سَمِعَ بِمِصْرَ وَالحِجَازِ، وَالشَّامِ
وَالعِرَاقَيْنِ (4) ، وَخُرَاسَانَ، وَقَدْ كَتَبَ
__________
(1) تهذيب التهذيب: 4 / 172.
(2) انظر: تهذيب التهذيب: 4 / 172.
(3) انظر: المصدر السابق.
(4) العراقان: هما البصرة والكوفة.
(13/212)
بِخُرَاسَانَ قَبْلَ خُرُوْجِهِ إِلَى
العِرَاقِ، فِي بَلَدِهِ وَهَرَاةَ، وَكَتَبَ بِبَغْلاَنَ
(1) عَنْ قُتَيْبَةَ، وَبَالرَّيِّ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
مُوْسَى، إِلاَّ أَنَّ أَعْلَى إِسْنَادِهِ:
القَعْنَبِيُّ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ.... وَسَمَّى
جمَاعةً.
قَالَ: وَكَانَ قَدْ كَتَبَ قَدِيْماً بِنَيْسَابُورَ،
ثُمَّ رَحَلَ بَابْنِهِ؛ أَبِي بَكْرٍ إِلَى خُرَاسَانَ.
رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّي، عَنْ أَبِي دَاوُدَ،
قَالَ: دَخَلْتُ الكُوْفَةَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ،
وَمَا رَأَيْتُ بِدِمَشْقَ مِثْلَ أَبِي النَّضْرِ
الفَرَادِيِسِيِّ، وَكَانَ كَثِيْرَ البُكَاءِ، كَتَبْتُ
عَنْهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ.
قَالَ القَاضِي الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ السِّجْزِيُّ:
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ اللَّيْثِ قَاضِي
بَلَدِنَا يَقُوْلُ:
جَاءَ سَهْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ التُّسْتَرِيُّ إِلَى أَبِي
دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ، فَقِيْلَ: يَا أَبَا دَاوُدَ:
هَذَا سَهْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ جَاءكَ زَائِراً -
فَرَحَّبَ بِهِ، وَأَجْلَسَهُ - فَقَالَ سَهْلٌ: يَا أَبَا
دَاوُدَ! لِي إلَيْكَ حَاجَةٌ.
قَالَ: وَمَا هِيَ؟
قَالَ: حَتَّى تَقُوْلُ: قَدْ قَضَيْتُهَا مَعَ
الإِمَكَانِ.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: أَخْرِجْ إِلَيَّ لِسَانَكَ الَّذِي تُحَدِّثُ بِهِ
أَحَادِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حَتَّى أُقَبِّلَهُ.
فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ لِسَانَهُ فَقَبَّلَهُ (2) .
رَوَى إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، عَنِ
الصَّاغَانِيِّ، قَالَ:
لُيِّنَ لأَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ الحَدِيْثُ،
كَمَا لُيِّنَ لِدَاوُدَ الحَدِيْدُ.
وَقَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ
مِنْ أَبِي دَاوُدَ.
قَالَ ابْنُ دَاسَةَ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ، يَقُوْلُ:
ذَكَرْتُ فِي (السُّنَنِ) الصَّحِيْحَ وَمَا يُقَارِبَهُ،
فَإِنْ كَانَ فِيْهِ وَهْنٌ شَدِيدٌ بَيَّنْتُهُ (3) .
__________
(1) بغلان: بلدة بنواحي بلخ.
(انظر: ياقوت).
(2) وفيات الأعيان: 2 / 404 - 405.
(3) زيادة من " طبقات " السبكي. وقال الحافظ ابن حجر: إن
قول أبي داود:: فإن =
(13/213)
قُلْتُ: فَقَدْ وَفَّى -رَحِمَهُ اللهُ-
بِذَلِكَ بِحَسَبِ اجتِهَادِهِ، وَبَيَّنَ مَا ضَعْفُهُ
شَدِيْدٌ، وَوَهْنُهُ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ، وَكَاسَرَ (1)
عَنْ مَا ضَعْفُهُ خَفِيْفٌ مُحْتَمَلٌ، فَلاَ يَلْزَمُ
مِنْ سُكُوْتِهِ - وَالحَالَةِ هَذِهِ - عَنِ الحَدِيْثِ
أَنْ يَكُونَ حَسَناً عِنْدَهُ، وَلاَ سِيَمَا إِذَا
حَكَمْنَا عَلَى حَدِّ الحَسَنِ بِاصطِلاَحِنَا المولَّد
الحَادِث، الَّذِي هُوَ فِي عُرْفِ السَّلَفِ يَعُودُ
إِلَى قِسمٍ مِنْ أَقسَامِ الصَّحِيْحِ، الَّذِي يَجِبُ
العَمَلُ بِهِ عِنْدَ جُمْهُوْرِ العُلَمَاءِ، أَوِ
الَّذِي يَرْغَبُ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ،
وَيُمَشِّيَهُ مُسْلِمٌ، وَبَالعَكْسِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي
أَدَانِي مَرَاتِبِ الصِّحَّةِ، فَإِنَّهُ لَوْ انْحَطَّ
عَنْ ذَلِكَ لخَرَجَ عَنِ الاحْتِجَاجِ، وَلَبَقِيَ
مُتَجَاذَباً بَيْنَ الضَّعْفِ وَالحَسَنِ، فَكِتَابُ
أَبِي دَاوُدَ أَعْلَى مَا فِيْهِ مِنَ (2) الثَّابِتِ مَا
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَذَلِكَ نَحْو مِنْ شَطْرِ
الكِتَابِ، ثُمَّ يَلِيْهِ مَا أَخْرَجَهُ أَحَدُ
الشَّيْخَيْنِ، وَرَغِبَ عَنْهُ الآخَرُ، ثُمَّ يَلِيْهِ
مَا رَغِبَا عَنْهُ، وَكَانَ إِسْنَادُهُ جَيِّداً،
سَالِماً مِنْ عِلَةٍ وَشُذُوْذٍ، ثُمَّ يَلِيْهِ مَا
كَانَ إِسْنَادُهُ صَالِحاً، وَقَبِلَهُ العُلَمَاءُ
لِمَجِيْئِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ لَيِّنَيْن فَصَاعِداً،
يَعْضُدُ كُلُّ إِسْنَادٍ مِنْهُمَا الآخَرُ، ثُمَّ
يَلِيْهِ مَا ضُعِّفَ إسنَادُهُ لِنَقْصِ حِفْظِ رَاوِيهِ،
فَمِثْلُ هَذَا يُمَشِّيْهِ أَبُو دَاوُدَ، وَيَسْكُتُ
عَنْهُ غَالِباً، ثُمَّ يَلِيْهِ مَا كَانَ بَيِّنَ
الضَّعْفِ مِنْ جِهَةِ رَاوِيْهِ، فَهَذَا لاَ
__________
= كان فيه وهن شديد بينته ": يفهم أن الذي يكون فيه وهن
غير شديد أنه لا يبينه، ومن هنا يتبين أن جميع ما سكت عنه
أبو داود لا يكون من قبيل الحسن إذا اعتضد.
وهذان القسمان كثير في كتابه جدا، ومنه ما هو ضعيف، لكن من
رواية من لم يجمع على تركه غالبا، وكل من هذه الاقسام عنده
تصلح للاحتجاج بها كما نقل ابن مندة عنه أنه يخرج الحديث
الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره، وأنه أقوى من رأي
الرجال.
وقال النووي، رحمه الله: في " سنن " أبي داود أحاديث ظاهرة
الضعف، لم يبينها، مع أنه متفق على ضعفها.
والحق أن ما وجدناه في " سننه " مما لم يبينه، ولم ينص على
صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد، فهو حسن، وإن نص على ضعفه من
يعتمد، أو رأى العارف في سنده ما يقتضي الضعف ولا جابر له،
حكم بضعفه ولا يلتفت إلى سكوت أبي داود.
(1) كسر من طرفه: غض.
(2) في الأصل: (ما) وهو خطأ.
(13/214)
يَسْكُتُ عَنْهُ، بَلْ يُوْهِنُهُ
غَالِباً، وَقَدْ يَسْكُتُ عَنْهُ بِحَسْبِ شُهْرَتِهِ
وَنَكَارَتِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ (1) .
قَالَ الحَافِظُ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: كِتَابُ اللهِ
أَصْلُ الإِسْلاَمِ، وَكِتَابُ أَبِي دَاوُدَ عَهْدُ
الإِسْلاَمِ (2) .
قُلْتُ: كَانَ أَبُو دَاوُدَ مَعَ إِمَامَتِهِ فِي
الحَدِيْثِ وَفُنُوْنِهِ مِنْ كِبَارِ الفُقَهَاءِ،
فَكِتَابُهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ نُجَبَاءِ
أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، لاَزَمَ مَجْلِسَهُ
مُدَّةً، وَسَأَلَهُ عَنْ دِقَاقِ المَسَائِلِ فِي
الفُرُوْعِ وَالأُصُوْلِ (3) .
وَكَانَ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ فِي اتِّبَاعِ
السُّنَّةِ وَالتَّسْلِيمِ لَهَا، وَتَرْكِ الخَوْضِ
__________
(1) أبو داود يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء ويسكت عنها،
مثل: ابن لهيعة، وصالح مولى التوأمة، وعبد الله بن محمد بن
عقيل، وموسى بن وردان، وسلمة بن الفضل، وغيرهم.
فلا ينبغي للناقد ان يقلده في السكوت على أحاديثهم،
ويتابعه في الاحتجاج بهم، بل طريقه أن ينظر: هل لذلك
الحديث متابع يعتضد به، أو هو غريب فيتوقف فيه، لا سيما إن
كان مخالفا لرواية من هو أوثق منه، فإنه ينحط إلى قبيل
المنكر.
وقد يخرج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير، كالحارث بن دحية،
وصدقة الدقيقي، وعمرو بن واقد العمري، ومحمد بن عبد الرحمن
البيلماني، وأبي حيان الكلبي، وسليمان بن أرقم، وإسحاق بن
عبد الله بن أبي فروة، وأمثالهم من المتروكين، وكذلك ما
فيه من الأسانيد المنقطعة، وأحاديث المدلسين بالعنعنة،
والاسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم، فلا يتجه الحكم
لاحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود، لان سكوته
تارة يكون اكتفاء بما تقدم من الكلام في ذلك الراوي في نفس
كتابه، وتارة يكون لذهول منه، وتارة يكون لظهور شدة ضعف
ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته كأبي الحويرث،
ويحيى بن العلاء، وغيرهما، وتارة يكون من اختلاف الرواة
عنه، وهو الأكثر، فإن في رواية أبي السحن بن العبد عنه من
الكلام على جماعة من الرواة والاسانيد ما ليس في رواية
اللؤلؤي.
هذا، وقد قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير اليمني،
المتوفى سنة (840 ه)، في كتابه: " تنقيح الانظار ": 1 /
201: وقد جود الذهبي في شرط أبي داود، في ترجمته من "
النبلاء ".
ثم ساق كلام الذهبي بتمامه في الكتاب نفسه: 1 / 216.
(2) تاريخ ابن عساكر: خ: 7 / 273 أ.
(3) وقد دون تلك الاسئلة في كتاب، وهو مطبوع باسم " مسائل
الامام أحمد رواية أبي داود ".
في مطبعة المنار بمصر (1353 ه).
وقد قدم له العلامة الشيخ محمد رشيد رضا.
(13/215)
فِي مَضَائِقِ الكَلاَمِ.
رَوَى الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ،
قَالَ:
كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ يُشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَدْيِهِ
وَدَلِّهِ.
وَكَانَ عَلْقَمَةُ يُشَبَّهُ بِعَبْدِ اللهِ فِي ذَلِكَ.
قَالَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ: وَكَانَ
إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ يُشَبَّهُ بعَلْقَمَةَ فِي
ذَلِكَ، وَكَانَ مَنْصُوْرٌ يُشَبَّهُ بِإِبْرَاهِيْمَ.
وَقِيْلَ: كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يُشَبَّهُ
بِمَنْصُوْرٍ، وَكَانَ وَكِيْعٌ يُشَبَّهُ بِسُفْيَانَ،
وَكَانَ أَحْمَدُ يُشَبَّهُ بوَكِيْعٍ، وَكَانَ أَبُو
دَاوُدَ يُشَبَّهُ بِأَحْمَدَ (1) .
قَالَ الخطَّابِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدٍ المِسْكِيّ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ
جَابِرٍ خَادِمُ أَبِي دَاوُدَ -رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ:
كُنْتُ مَعَ أَبِي دَاوُدَ بِبَغْدَادَ، فَصَلَّينَا
المَغْرِبَ، فَجَاءهُ الأَمِيْرُ أَبُو أَحْمَدَ
المُوَفَّق -يَعْنِي: وَلِيَّ العَهْدِ- فَدَخَلَ، ثُمَّ
أَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ، فَقَالَ: مَا جَاءَ
بِالأَمِيْرِ فِي مِثْلِ هَذَا الوَقْتِ؟
قَالَ: خِلاَلٌ ثَلاَثٌ.
قَالَ: وَمَا هِيَ؟
قَالَ: تَنْتَقِلُ إِلَى البَصْرَةِ فَتَتَّخِذَهَا
وَطَناً، لِيَرْحَلَ إِلَيْكَ طَلَبَةُ العِلْمِ،
فَتَعْمُرَ بِكَ، فَإِنَّهَا قَدْ خَرِبَتْ، وَانقَطَعَ
عَنْهَا النَّاسُ، لِمَا جَرَى عَلَيْهَا مِنْ مِحْنَةِ
الزِّنْجِ.
فَقَالَ: هَذِهِ وَاحِدَةٌ.
قَالَ: وَترْوِي لأَوْلاَدِي (السُّنَنَ).
قَالَ: نَعَمْ، هَاتِ الثَّالِثَة.
قَالَ: وَتُفْرِدُ لَهُم مَجْلِساً، فَإِنَّ أَولاَدَ
الخُلَفَاءِ لاَ يَقْعُدُوْنَ مَعَ العَامَّةِ.
قَالَ: أَمَّا هَذِهِ فَلاَ سَبِيْلَ إِلَيْهَا، لأَنَّ
النَّاسَ فِي العِلْمِ سَوَاءٌ.
قَالَ ابْنُ جَابِرٍ: فَكَانُوا يَحْضُرُوْنَ
وَيَقْعُدُوْنَ فِي كِمٍّ حِيْرِيٍّ، عَلَيْهِ سِتْرٌ،
وَيَسْمَعُوْنَ مَعَ العَامَّةِ (2) .
__________
(1) انظر: تاريخ ابن عساكر: خ: 7 / 273 ب، و: البداية
والنهاية: 11 / 55.
(2) انظر: تاريخ ابن عساكر: خ: 7 / 273 ب - 274 أ، و:
طبقات السبكي: 2 / 295 - 296.
(13/216)
قَالَ ابْنُ دَاسَةَ: كَانَ لأَبِي دَاوُدَ
كُمٌّ وَاسِعٌ، وَكُمٌّ ضَيْقٌ، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ،
فَقَالَ: الوَاسِعُ لِلْكُتُبِ، وَالآخَرُ لاَ يُحْتَاجُ
إِلَيْهِ (1).
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَبِي
يَقُوْلُ: خَيْرُ الكَلاَمِ مَا دَخَلَ الأُذُنَ بِغَيْرِ
إِذْنٍ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ
يَقُوْلُ: اللَّيْثُ رَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَرَوَى
عَنْ أَرْبَعَةٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَ عَنْ:
خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ،
عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بنِ
كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَسَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: كَانَ عُمَيْرُ بنُ
هَانِئ قَدَرِيّاً، يُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ مائَة أَلْفِ
تَسْبِيحَةٍ، قُتِلَ صَبْراً بِدَارَيَّا أَيَّامَ
يَزِيْدَ بنِ الوَلِيْدِ، وَكَانَ يُحَرِّضُ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَسْلَمَةُ بنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا
عَنْهُ مُسَدَّدٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقُلْتُ لأَبِي
دَاوُدَ: حَدَّثَ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيْهِ:
عَنْ عَائِشَةَ: (إيَّاكُم وَالزِّنْجَ، فَإِنَّهُ خَلْقٌ
مُشَوَّهٌ (2)).
فَقَالَ: مَنْ حَدَّثَ بِهَذَا، فَاتَّهِمْهُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ لَيْسَ هُوَ
عِنْدِي حُجَّةٌ، هُوَ وَالبَكَّائِيُّ سَمِعَا مِنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ بِالرَّيِّ.
قَالَ الحَاكِمُ: سُلَيْمَانُ بنُ الأَشْعَثِ
السِّجِسْتَانِيُّ مَوْلِدُهُ بِسِجِسْتَانَ، وَلَهُ
وَلِسَلَفِهِ إِلَى الآنَ بِهَا عُقَدٌ وَأَملاَكٌ
وَأَوقَافٌ، خَرَجَ مِنْهَا فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ إِلَى
البَصْرَةِ، فَسَكَنَهَا، وَأَكْثَرَ بِهَا السَّمَاعَ
عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، وَأَبِي النُّعْمَانَ،
__________
(1) تاريخ ابن عساكر: خ: 7 / 274.
(2) وذكره ابن القيم في " المنار المنيف ". 101، في جملة
الأحاديث الموضوعة.
(13/217)
وَأَبِي الوَلِيْدِ، ثُمَّ دَخَلَ إِلَى
الشَّامِ وَمِصْرَ، وَانْصَرَفَ إِلَى العِرَاقِ، ثُمَّ
رَحَلَ بَابْنِهِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى بَقِيَّةِ
المَشَايِخِ، وَجَاءَ إِلَى نَيْسَابُورَ، فسَمَّعَ
ابْنَهُ مِنْ إِسْحَاقَ بنِ مَنْصُوْرٍ، ثُمَّ خَرَجَ
إِلَى سِجِسْتَانَ.
وَطَالَعَ بِهَا أَسْبَابَهُ، وَانْصَرَفَ إِلَى
البَصْرَةِ وَاسْتَوْطَنَهَا.
وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزَّاهِدُ
الأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي
دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عَمْرٍو الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
قَيْسٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
العُشَرَاءِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ:
(أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
سُئِلَ عَنِ العَتِيْرَةِ، فَحَسَّنَهَا (1)).
قِيْلَ: إِنَّ أَحْمَدَ كَتَبَ عَنْ أَبِي هَذَا،
فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَكَيْفَ كَانَ ذَلِكَ؟
فَقَالَ: ذَكَرْنَا يَوْماً أَحَادِيْثَ أَبِي
العُشَرَاءِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: لاَ أَعرِفُ لَهُ إِلاَّ
ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلاَّ
حَمَّادٌ حَدِيْثَ اللَّبَّةِ (2) ، وَحَدِيْثَ: رَأَيْتُ
عَلَى أَبِي العُشَرَاءِ عِمَامَةً.
فَذَكَرْتُ لأَحْمَدَ هَذَا، فَقَالَ: أَمِلَّهُ عَلَيَّ.
ثُمَّ قَالَ: لِمُحَمَّدِ بنِ أَبِي سَمِينَةَ عِنْدَ
أَبِي دَاوُدَ حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ.
فَسَأَلَنِي، فَكَتَبَهُ عَنِّي مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ
أَبِي سَمِينَةَ.
قَالَ الحَاكِمُ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِمٍ بنُ
حِبَّانَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي دَاوُدَ، سَمِعْتُ أَبِي
يَقُوْلُ:
أَدْرَكْتُ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ مَنْ أَدْرَكْتُ، لَمْ
يَكُنْ فِيهِم أَحْفَظُ لِلْحَدِيْثِ، وَلاَ أَكْثَرُ
جَمْعاً لَهُ مِنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، وَلاَ أَوْرَعُ وَلاَ
أَعْرَفُ بِفِقْهِ الحَدِيْثِ مِنْ أَحْمَدَ،
وَأَعْلَمُهُمُ بِعِلَلِهِ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ،
وَرَأَيْتُ إِسْحَاقَ - عَلَى حِفْظِهِ وَمَعْرِفَتِهِ -
يُقَدِّمُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَيَعْتَرِفُ لَهُ.
__________
(1) تقدم في الصفحة: 211.
(2) تقدم في الصفحة: 211.
(13/218)
وَحَدَّثنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ
بنُ إِسْحَاقَ بنِ مَنْدَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الكَرِيْمِ
بنُ النَّسَائِيِّ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو
دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بنُ الأَشْعَثِ بِالبَصْرَةِ، قَالَ:
سَمِعَ الزُّهْرِيُّ مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً، مِنْ
أَصْحَابِ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: أَنَسٌ، سَهْلٌ، السَّائِبُ، سُنَيْن أَبِي
جَمِيلَة (1) ، مَحْمُوْدُ بنُ الرَّبِيْعِ، رَجُلٌ مِنْ
بَلِي، ابْنُ أَبِي صُعَيْر، أَبُو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ.
وَقَالُوا: ابْنُ عُمَرَ؟
فَقَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ سَنَّ عَلَى وَجْهِهِ
المَاءَ سَنّاً (2) .
وَقَالُوا: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
عَوْفٍ يَذْكُرُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَوْمَ قُبِضَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
أَزْهَر (3).
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ (4) ،
وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (5) ، وَمُحَمَّدُ
بنُ بَيَان بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَكُم الحَسَنُ بنُ
صَبَّاحٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ النَّحَاسُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
الأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بنُ
حَرْبٍ، وَمُسَدَّدٌ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ،
عَنِ الأَغَرِّ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (إِنَّهُ لَيُغَان عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي
لأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي اليَوْمِ مَائَةَ مَرَّةٍ) (6) .
__________
(1) ترجمته في الإصابة: 4 / 33.
(2) سن الماء على وجهه: صبه
(3) أشار المؤلف إلى أن الذين سمعهم الزهري من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر رجلا، والذين سرد
أسماءهم أحد عشر صحابيا فحسب.
(4) تقدمت الإشارة إليه في الصفحة: (209)، ت: 1. عن "
مشيخة " المؤلف.
(5) ترجمه الذهبي في " مشيخته ": خ: ق: 36.
(6) هو في سنن أبي داود: (1515)، في الصلاة: باب في
الاستغفار، وصحيح مسلم: (2702)، في الذكر والدعاء: باب
استحباب الاستغفار والاستكثار منه قال الخطابي: يغان
معناه: يغطي ويلبس على قلبي، وأصله من الغين وهو الغطاء،
وكل حائل بينك وبين شيء فهو غين، ولذلك قيل للغيم: غين.
(13/219)
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضاً مِنْ حَدِيْثِ
حَمَّادٍ هَذَا، وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ، وَأَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ (1) مِنْ حَدِيْثِ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ
أَبِي بُرْدَةَ، عَنِ الأَغَرِّ بنِ يَسَارٍ المُزَنِيِّ،
وَقِيْلَ: الجُهَنِيِّ، وَمَا عَلِمْتُهُ رَوَى شَيْئاً
سِوَى هَذَا الحَدِيْثِ.
وَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو سَعِيْدٍ الثَّغْرِيُّ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الحَقِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا
أَبُو الحَسَنِ الحَمَّامِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ قَانِعٍ،
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الشَّوَارِبِ،
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ:
عَمْرُو بنُ مُرَّةَ أَخْبَرَنِي، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ
جُهَيْنَةَ، يُقَال لَهُ الأَغَرُّ، وَكَانَ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ! تُوْبُوا
إِلَى رَبِّكُمْ، فَإِنِّي أَتُوْبُ إِلَى اللهِ فِي كُلِّ
يَوْمٍ مَائَةَ مَرَّةٍ (2)).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: فِي (سُنَنِهِ): شَبَرْتُ قِثَّاءة
بِمِصْرَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ شِبْراً، وَرَأَيْتُ
أُتْرُجَّةً عَلَى بَعِيْرٍ، وَقَدْ قُطِعَتْ
قِطْعَتَيْنِ، وَعُمِلَتْ مِثْلَ عدْلَيْنِ.
فَأَمَّا سِجِسْتَانَ، الإِقلِيْمُ الَّذِي مِنْهُ
الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ: فَهُوَ إِقْلِيْمٌ صَغِيْرٌ
مُنْفَرِدٌ، مُتَاخِمٌ لإِقلِيْمِ السِّنْدِ، غَرْبِيَّهُ
بَلَدُ هَرَاة، وَجَنُوبِيَّهُ مَفَازَةٌ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ إِقْلِيْمِ فَارِسَ وَكَرْمَانَ، وَشَرْقِيَّهُ
مَفَازَةٌ وَبرِّيَّةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُكْرَانَ (3)
الَّتِي هِيَ قَاعِدَةُ السِّنْدِ، وَتَمَامُ هَذَا
الحَدِّ الشَّرْقِيِّ بِلاَدُ المُلْتَان، وَشَمَالِيَّهُ
أَوَّلُ الهِنْدِ.
فَأَرْضُ سِجِسْتَانَ كَثِيْرَةُ النَّخْلِ وَالرَّمْلِ،
وَهِيَ مِنَ الإِقْلِيْمِ الثَّالِثِ مِنَ السَّبْعَةِ،
وَقَصَبَةُ سِجِسْتَانَ هِيَ: زَرَنْج، وَعَرْضُهَا
اثْنَتَانِ وثَلاَثُوْنَ دَرَجَةً، وَتُطْلَقُ
__________
(1) رقم: (2072) (42).
(2) إسناده صحيح، وهو في " صحيح " مسلم، كما تقدم.
(3) مكران، بضم الميم، وسكون الكاف: بلدة من بلاد كرمان.
قال ياقوت: " وأكثر ما تجئ في شعر العرب مشددة الكاف ".
(13/220)
زَرَنج عَلَى سِجِسْتَانَ، وَلَهَا سُوْرٌ،
وَبِهَا جَامِعٌ عَظِيْمٌ، وَعَلَيْهَا نَهْرٌ كَبِيْرٌ،
وَطُوْلُهَا مِنْ جَزَائِرِ الخَالِدَاتِ تِسْعٌ
وَثَمَانُوْنَ دَرَجَةً، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا أَيْضاً:
(سِجْزِيّ) وَهَكَذَا يَنسِبُ أَبُو عَوَانَةَ
الإِسْفَرَايِيْنِيُّ أَبَا دَاوُدَ فَيَقُوْلُ:
السِّجْزِيُّ، وَإلَيْهَا يُنْسَبُ مُسْنِدُ الوَقْتِ
أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ.
وَقَدْ قِيْلَ - وَلَيْسَ بِشَيْءٍ -: إِنَّ أَبَا دَاوُدَ
مِنْ سِجِسْتَانَ قَرْيَةٌ مِنْ أَعمَالِ البَصْرَةِ،
ذَكَرَهُ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ فِي (وَفَيَاتِ
الأَعْيَانِ (1))، فَأَبُو دَاوُدَ أَوَّلُ مَا قَدِمَ
مِنَ البِلاَدِ، دَخَلَ بَغْدَادَ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ
عَشْرَةَ سَنَةً، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَرَى البَصْرَةَ،
ثُمَّ ارْتَحَلَ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى البَصْرَةِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: تُوُفِّيَ أَبُو
دَاوُدَ: فِي سَادِسِ عَشر شَوَّال، سَنَةَ خَمْسٍ
وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: كَانَ أَخُوْهُ مُحَمَّدُ بنُ الأَشْعَثِ أَسَنَّ
مِنْهُ بِقَلِيْلٍ، وَكَانَ رَفِيْقاً لَهُ فِي
الرِّحْلَةِ.
يَرْوِي عَنْ: أَصْحَابِ شُعْبَةَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ أَخِيْهِ؛ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي
دَاوُدَ.
وَمَاتَ: كَهْلاً، قَبْل أَبِي دُوَادَ بِمُدَّةٍ.
118 - أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ
الأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، شَيْخُ بَغْدَادَ،
__________
(1) 2 / 405.
(*) الكامل لابن عدي: خ: 454، أخبار أصبهان: 2 / 66 - 67،
الفهرست: المقالة السادسة: الفن السادس، تاريخ بغداد: 9 /
464 - 468، طبقات الحنابلة: 2 / 51 - 55، تاريخ ابن عساكر:
خ: 9 / 185 أ - 189 أ - المنتظم: 6 / 218 - 219، وفيات
الأعيان: =
(13/221)
أَبُو بَكْرٍ السِّجِسْتَانِيُّ، صَاحِبُ
التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ: بِسِجِسْتَانَ، فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
وَسَافَرَ بِهِ أَبُوْهُ وَهُوَ صَبِيٌّ، فَكَانَ
يَقُوْلُ: رَأَيْتُ جَنَازَةَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه.
قُلْتُ: وَكَانَتْ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ
وَمائَتَيْنِ، فِي شَعْبَانَ، فَأَوَّلُ شَيْخٍ سَمِعَ
مِنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ الطُّوْسِيُّ، وَسُرَّ
أَبُوْهُ بِذَلِكَ لِجَلاَلَةِ مُحَمَّدِ بنِ أَسْلَمَ.
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَمِّهِ، وَعِيْسَى بنِ حَمَّادٍ
زُغْبَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ
يَحْيَى الزِّمَّانِيِّ، وَأَبِي الطَّاهِر بنِ السَّرْحِ،
وَعَلِيِّ بنِ خَشْرَمٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ،
وَنَصْرِ بنِ عَلِيٍّ، وَعَمْرِو بنِ عُثْمَانَ
الحِمْصِيِّ، وَكَثِيْرِ بنِ عُبَيْدٍ، وَمُوْسَى بنِ
عَامِرٍ المُرِّيِّ، وَمَحْمُوْدِ بنِ خَالِدٍ،
وَمُحَمَّدِ بنِ سَلَمَةَ المُرَادِيِّ، وَهَارُوْنَ بنِ
إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَعْمَرٍ البَحْرَانِيِّ،
وَأَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجِّ، وَهَارُوْنَ بنِ سَعِيْدٍ
الأَيْلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُصَفَّى، وَإِسْحَاقَ
الكَوْسَجِ، وَالحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي شُعَيْبٍ،
وَعَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ، وَهِشَامِ بنِ خَالِدٍ
الدِّمَشْقِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ
الزَّعْفَرَانِيِّ، وَزِيَادِ بنِ أَيُّوْبَ، وَالحَسَنِ
بنِ عَرَفَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ،
وَإِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ شَاذَانَ، وَيُوْسُفَ بنِ
مُوْسَى القَطَّانِ، وعبَّادِ بنِ يَعْقُوْبَ الرَّوَاجِني
(1) ، وخَلْقٍ كَثَيْرٍ بِخُرَاسَانَ
__________
= 2 / 404 - 405، ضمن ترجمة أبيه، طبقات السبكي: 3 / 307 -
309، تذكرة الحفاظ: 2 / 767 - 773، ميزان الاعتدال: 2 /
433 - 436، عبر المؤلف: 2 / 164 - 165، طبقات القراء لابن
الجزري: 1 / 420 - 421، لسان الميزان: 3 / 293 - 297،
النجوم الزاهرة: 3 / 222، طبقات الحفاظ: 322 - 324، طبقات
المفسرين: 1 / 229 - 232، شذرات الذهب: 2 / 273.
(1) الرواجني، بفتح الراء: قيل: نسبة إلى الدواجن: ج.
داجن: وهي الشاة التي =
(13/222)
وَالحِجَازِ وَالعِرَاقِ، وَمِصْرَ
وَالشَّامِ، وَأَصْبَهَانَ وَفَارِسَ.
وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، بِحَيْثُ إِنَّ بَعْضَهُم
فَضَّلَهُ عَلَى أَبِيْهِ.
صَنَّفَ (السُّنَنَ) وَ(المَصَاحِفَ) وَ(شَرِيْعَةَ
المقَارِئ) وَ(النَّاسِخَ وَالمَنْسُوْخ)، وَ(البَعْثَ)
وَأَشْيَاء.
حَدَّثَ عَنْهُ: خَلْقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: ابْنُ
حِبَّانَ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَأَبُو عُمَرَ بنُ
حَيَّوَيْه، وَابْنُ المُظَفَّرِ، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ
شَاهِيْنٍ، وَأَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَعِيْسَى
بنُ عَلِيٍّ الوَزِيْرُ، وَابْنُ المُقْرِئ، وَأَبُو
القَاسِمِ بنُ حَبَابَةَ، وَأَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ،
وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ زُنْبُوْر الوَرَّاقُ، وَأَبُو
مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الكَاتِبُ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ الكُوْفَةَ وَمَعِيَ دِرْهَمٌ
وَاحِدٌ، فَأَخَذْتُ بِهِ ثَلاَثِيْنَ مُدَّ بَاقِلاَّ (1)
، فَكُنْتُ آكُلُ مِنْهُ، وَأَكتُبُ عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ
الأَشَجِّ، فَمَا فَرَغَ البَاقِلاَّ حَتَّى كَتَبْتُ
عَنْهُ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، مَا بَيْنَ مَقْطُوعٍ
وَمُرْسَلٍ (2) .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ: قَدِمَ أَبُو بَكْرٍ بنُ
أَبِي دَاوُدَ سِجِسْتَانَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ
يُحَدِّثَهُم، فَقَالَ: مَا مَعِي أَصْلٌ.
فَقَالُوا: ابْنُ أَبِي دَاوُدَ وَأَصْلٌ!؟
قَالَ: فَأَثَارُونِي، فَأَملَيْتُ عَلَيْهِم مِنْ حِفْظِي
ثَلاَثِيْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ، فَلَمَّا قَدِمْتُ بَغْدَادَ،
قَالَ البَغْدَادِيُّونَ: مَضَى إِلَى سِجِسْتَانَ
وَلَعِبَ بِهِم، ثُمَّ فَيَّجُوا فَيْجاً (3) اكتَرَوْهُ
بِسِتَّةِ دَنَانِيْرَ إِلَى سِجِسْتَانَ، لِيَكْتُبَ
لَهُم النُّسْخَةَ، فَكُتِبَتْ، وَجِيْء بِهَا،
__________
= تسجن في البيت، فجعلها الناس: الرواجن، بالراء. وقيل:
الرواجن: بطن من بطون القبائل. (انظر: اللباب).
(1) الباقلاء: باللهجة العراقية: الفول.
(2) انظر: تاريخ بغداد: 9 / 466 - 467.
(3) الفيج: الجماعة من الناس.
(13/223)
وَعُرِضَتْ عَلَى الحُفَّاظِ (1) ،
فَخَطَّؤونِي فِي سِتَّةِ أَحَادِيْثَ، مِنْهَا ثَلاَثَةُ
أَحَادِيْثَ حَدَّثْتُ بِهَا كَمَا حُدِّثْتُ، وثَلاَثَةٌ
أَخْطَأْتُ فِيْهَا (2) .
هَكَذَا رَوَاهَا أَبُو القَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ، عَنِ
ابْنِ شَاذَانَ، وَرَوَاهَا غَيْرُهُ، فَذَكَرَ أَنَّ
ذَلِكَ كَانَ بِأَصْبَهَانَ.
وَكَذَا رَوَى أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسابُورِيُّ الحَافِظُ،
عَنِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ.
فَالأَزْهَرِيُّ وَاهِمٌ (3) .
قَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ أَبَا
عَلِيٍّ الحَافِظَ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي دَاوُدَ،
يَقُوْلُ:
حَدَّثْتُ مِنْ حِفْظِي بِأَصْبَهَانَ بِسِتَّةٍ
وَثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، أَلزَمُونِي الوَهْمَ فِيْهَا فِي
سَبْعَةِ أَحَادِيْثَ، فَلَمَّا انصَرَفْتُ، وَجَدْتُ فِي
كِتَابِي خَمْسَةً مِنْهَا عَلَى مَا كُنْتُ حَدَّثْتُهُم
بِهِ (4) .
قَالَ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ: كَانَ ابْنُ
أَبِي دَاوُدَ إِمَامَ أَهْلِ العِرَاقِ، وَمَنْ نَصَبَ
لَهُ السُّلْطَانَ المِنْبَر، وَقَدْ كَانَ فِي وَقتِهِ
بِالعِرَاقِ مَشَايِخُ أَسْنَدُ مِنْهُ، وَلَمْ يَبْلُغُوا
فِي الآلَةِ وَالإِتقَانِ مَا بَلَغَ هُوَ (5) .
أَبُو ذَرٍّ الهَرَوِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو حَفْصٍ بنُ
شَاهِيْنٍ، قَالَ: أَملَى عَلَيْنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ
سِنِيْنَ، وَمَا رَأَيْتُ بِيَدِهِ كِتَاباً، إِنَّمَا
كَانَ يُمْلِي حِفْظاً، فَكَانَ يَقْعُدُ عَلَى
__________
(1) سقط هنا من الأصل الورقة (100) و(101)، بدءا من قوله:
" فخطؤوني ". واستدركنا ذلك من المجلد السابع، من النسخة
المصورة عن الأصل الذي يملكه العلامة اللكنوي في الهند من
صفحة 617 - 619. وهو مكتوب في القرن التاسع، وعدد أوراقه
(680) صفحة. يبدأ بترجمة الحكم بن موسى أبو صالح البغدادي
القنطري الزاهد، من الطبقة الثانية عشرة، وجميع الطبقة
الثالثة عشره، وينتهي بترجمة إبراهيم الحربي البغدادي من
الطبقة الخامسة عشرة.
(2) انظر: تاريخ بغداد: 9 / 466، والزيادة منه.
(3) في: تذكرة الحفاظ: 2 / 769: " فكأن الازهري وهم ".
(4) تذكرة الحفاظ: 2 / 769.
(5) المصدر السابق.
(13/224)
المِنْبَرِ بَعْدَ مَا عَمِيَ، وَيَقْعُدُ
دُوْنَهُ بِدَرَجَةٍ ابْنُهُ؛ أَبُو مَعْمَرٍ - بِيَدِهِ
كِتَابٌ - فَيَقُوْلُ لَهُ: حَدِيْثُ كَذَا، فَيَسْرُدُهُ
مِنْ حِفْظِهِ، حَتَّى يَأْتِي عَلَى المَجْلِسِ.
قَرَأَ عَلَيْنَا يَوْماً حَدِيْثَ (الفُتُوْنَ (1)) مِنْ
حِفْظِهِ، فَقَامَ أَبُو تَمَّامٍ الزَّيْنَبِيُّ،
وَقَالَ: للهِ دَرُّكَ! مَا رَأَيْتُ مِثْلَكَ إِلاَّ أَنْ
يَكُوْنَ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ.
فَقَالَ: كُلُّ مَا كَانَ يَحْفَظُ إِبْرَاهِيْمُ، فَأَنَا
أَحْفَظُهُ، وَأَنَا أَعرِفُ النُّجُوْمَ، وَمَا كَانَ
هُوَ يَعْرِفُهَا (2) .
أَنْبَأَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ (3) ، وَغَيْرُهُ:
سَمِعُوا أَبَا اليُمْنِ الكِنْدِيَّ، أَنْبَأَنَا أَبُو
مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ
الخَطِيْبُ، قَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي دَاوُدَ رَحَلَ
بِهِ أَبُوْهُ مِنْ سِجِسْتَانَ، يَطُوْفُ بِهِ شَرْقاً
وَغَرْباً بِخُرَاسَانَ وَالجِبَالِ وَأَصْبَهَانَ
وَفَارِسَ وَالبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ وَالكُوْفَةِ
وَمَكَّةَ وَالمَدِيْنَةِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ
وَالجَزِيْرَةِ وَالثُّغُوْرِ، يَسْمَعُ وَيَكْتبُ.
وَاسْتَوْطَنَ بَغْدَادَ، وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ)،
وَ(السُّنَنَ)، وَ(التَّفْسِيْرَ)، وَ(القِرَاءات)،
وَ(النَّاسِخَ وَالمَنْسُوْخ)، وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَكَانَ فَقِيْهاً، عَالِماً، حَافِظاً (4) .
قُلْتُ: وَكَانَ رَئِيساً عَزِيْزَ النَّفْسِ، مُدِلاًّ
بِنَفْسِهِ. سَامَحَهُ اللهُ.
__________
(1) هو حديث طويل جدا أخرجه النسائي في التفسير، وابن جرير
16 / 164، 167، وابن أبي حاتم من طريق يزيد بن هارون،
أنبأنا أصبغ بن زيد، حدثنا القاسم بن أبي أيوب، أخبرني
سعيد بن جبير، عن ابن عباس...قال الحافظ ابن كثير بعد أن
ذكره بطوله في تفسيره 3 / 148، 153: وهو موقوف من كلام ابن
عباس، وليس فيه مرفوع إلا قليل منه، وكأنه تلقاه ابن عباس
رضي الله عنهما مما أبيح نقله عن الاسرائيليات عن كعب
الاحبار أو غيره والله أعلم، وسمعت شيخنا الحافظ أبا
الحجاج المزي يقول ذلك أيضا. وأورده السيوطي في " الدر
المنثور " 4 / 296، وزاد نسبته إلى ابن أبي عمر العدني في
مسنده، وعبد بن حميد، وأبي يعلى، وابن المنذر، وابن
مردويه.
(2) تذكرة الحفاظ: 2 / 769، وانظر: ميزان الاعتدال: 2 /
436.
(3) تقدمت الإشارة إليه في الصفحة: (84)، ت: 3. عن " مشيخة
" المؤلف.
(4) تذكرة الحفاظ 2 / 769 - 770. وانظر: تاريخ بغداد: 9 /
464
(13/225)
قَالَ أَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ: أَرَادَ
الوَزِيْرُ؛ عَلِيُّ بنُ عِيْسَى أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَ
ابْنِ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ صَاعِدٍ، فَجَمَعَهُمَا،
وَحَضَرَ أَبُو عُمَرَ القَاضِي، فَقَالَ الوَزِيْرُ: يَا
أَبَا بَكْرٍ! أَبُو مُحَمَّدٍ أَكْبَرُ مِنْكَ، فَلَو
قُمْتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: لاَ أَفْعَلُ.
فَقَالَ الوَزِيْرُ: أَنْتَ شَيْخٌ زَيْفٌ.
فَقَالَ: الشَّيْخُ الزَّيْفُ: الكَذَّابُ عَلَى رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ الوَزِيْرُ: مَنِ الكَذَّابُ؟
قَالَ: هَذَا.
ثُمَّ قَامَ، وَقَالَ: تَتَوَهَّمُ أَنِّي أَذِلُّ لَكَ
لأَجلِ رِزْقِي، وَأَنَّهُ يِصِلُ إِليَّ عَلَى يَدِكَ؟!
وَاللهِ لاَ آخُذُ (1) مِنْ يَدِكَ شَيْئاً.
قَالَ: فَكَانَ الخَلِيْفَةُ المُقْتَدِرُ يَزِنُ رِزْقَهُ
بِيَدِهِ، وَيَبْعَثُ بِهِ فِي طَبَقٍ عَلَى يَدِ
الخَادِمِ (2) .
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ
يَقُوْلُ:
قُلْتُ لأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ: أَلقِ عَلَيَّ
حَدِيْثاً غَرِيْباً مِنْ حَدِيْثِ مَالِكٍ.
فَأَلقَى عَلَيَّ حَدِيْثَ وَهْبِ بنِ كَيْسَانَ، عَنْ
أَسْمَاءَ حَدِيْثَ: (لاَ تُحْصِي فَيُحْصَى عَلَيْكِ
(3)).
رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شَيْبَةَ، وَهُوَ
ضَعِيْفٌ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَجِبُ أَنْ تَكْتُبَهُ عَنِّي، عَنْ
أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ،
عَنْ مَالِكٍ.
فَغَضِبَ أَبُو زُرْعَةَ، وَشَكَانِي إِلَى أَبِي،
وَقَالَ: انْظُرْ مَا يَقُوْلُ لِي أَبُو بَكْرٍ (4) .
وَيُرْوَى بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ: أَنَّ أَحْمَدَ بنَ
صَالِحٍ كَانَ يَمْنَعُ المُرْدَ مِنْ حُضُوْرِ
مَجْلِسِهِ، فَأَحَبَّ أَبُو دَاوُدَ أَنْ يُسْمِعَ
ابْنَهُ مِنْهُ، فَشَدَّ عَلَى وَجْهِهِ لِحْيَةً،
وَحَضَرَ، فَعَرَفَ الشَّيْخُ، فَقَالَ: أَمِثْلِي
يُعْمَلُ مَعَهُ هَذَا؟!
فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ
__________
(1) في " التذكرة " و" الميزان ": " لا أخذت ".
(2) تذكرة الحفاظ: 2 / 770. ميزان الاعتدال: 2 / 434.
(3) الحديث صحيح من طريق هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر
عن أسماء بنت أبي بكر. أخرجه البخاري: 3 / 238، في الزكاة:
باب التحريض على الصدقة، ومسلم: (1029) في الزكاة أيضا:
باب الحث في الانقاق وكراهية الاحصاء.
(4) تذكرة الحفاظ: 2 / 770.
(13/226)
يُنْكَرُ عَلَيَّ سِوَى جَمْعِ ابْنِي مَعَ
الكِبَارِ، فَإِنْ لَمْ يُقَاوِمْهُم بِالمَعْرِفَةِ،
فَاحْرِمْهُ السَّمَاعَ (1) .
حَدَّثَ بِهَا أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ،
حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ
التَّفَكُّرِي الزَّنْجَانِيُّ، قَالَ (2) :
سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيِّ بنِ بُنْدَارٍ
الزَّنْجَانِيَّ، قَالَ (3) :
كَانَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ يَمْنَعُ المُرْدَ مِنَ
التَّحْدِيْثِ تَنَزُّهاً... فَذَكَرَهَا، وَزَادَ:
فَاجتَمَعَ طَائِفَةٌ، فَغَلَبَهُم الابْنُ بِفَهْمِهِ،
وَلَمْ يَرْوِ لَهُ أَحْمَدُ بَعْدَهَا شَيْئاً، وَحَصَلَ
لَهُ الجُزءُ الأَوَّلُ، فَأَنَا أَرْوِيهِ.
قُلْتُ: بَلْ أُكْثِر عَنْهُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَأَلْتُ
الدَّارَقُطْنِيَّ عَنِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ، فَقَالَ:
ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الخَطَأِ فِي الكَلاَمِ عَلَى الحَدِيْثِ
(4) .
وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ فِي
(كَامِلِهِ)، وَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّا شَرَطْنَا أَنَّ
__________
(1) المصدر السابق: 2 / 770 - 771.
(2) الزيادة من " تاريخ ابن عساكر ". وفي الأصل موضع كلمة
لم نتبينها.
(3) الخبر بإسناده في " تاريخ ابن عساكر ": خ: 9 / 186 أ -
ب، وهو: " قال: كان أحمد بن صالح يمتنع على المرد من رواية
الحديث له تعففا وتنزها، ونفيا للظنة عن نفسه.
وكان أبو داود يحضر مجلسه، ويسمع منه. وكان له ابن أمرد
يحب أن يسمعه حديثه، وعرف عادته في الامتناع عليه من
الرواية، فاحتال أبو داود بأن شد على ذقن ابنه قطعة من
الشعر ليتوهم ملتحيا، ثم أحضره المجلس، وأسمعه جزءا، فأخبر
الشيخ بذلك، فقال لأبي داود: أمثلي يعمل معه مثل هذا ؟ !
فقال له: أيها الشيخ لا تنكر علي ما فعلته، واجمع ابني هذا
مع شيوخ الفقهاء والرواة، فإن لم يقاومهم بمعرفته فاحرمه
حينئذ من السماع.
قال: فاجتمع طائفة من الشيوخ، فتعرض لهم هذا الابن مطارحا،
وغلب الجميع بفهمه.
ولم يرو له الشيخ مع ذلك شيئا من حديثه، وحصل له ذلك الجزء
الأول.
قال الشيخ: أنا أرويه، وكان ابن أبي داود يفتخر برواية هذا
الجزء الواحد ".
(4) تذكرة الحفاظ: 2 / 771.
(13/227)
كُلَّ مَنْ تُكُلِّمَ فِيْهِ ذَكَرْنَاهُ
لَمَا ذَكَرْتُ ابْنَ أَبِي دَاوُدَ (1) .
قَالَ: وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ أَبُوْهُ، وَإِبْرَاهِيْمُ
ابْنُ أُورْمَة، وَيُنْسَبُ فِي الاَبتِدَاءِ إِلَى شَيْءٍ
مِنَ النَّصْبِ.
وَنَفَاهُ ابْنُ الفُرَاتِ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى وَاسِطَ،
ثُمَّ رَدَّهُ الوَزِيْرُ؛ عَلِيُّ بنُ عِيْسَى،
فَحَدَّثَ، وَأَظْهَرَ فَضَائِلَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- ثُمَّ تَحَنْبَلَ فَصَارَ شَيْخاً فِيهِم، وَهُوَ
مَقْبُوْلٌ عِنْدَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ.
وَأَمَّا كَلاَمُ أَبِيْهِ فِيْهِ، فَلاَ أَدْرِي أَيش
تَبَيَّنَ لَهُ مِنْهُ (2) ؟ وَسَمِعْتُ عَبدَانَ
يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ:
مِنَ البَلاَءِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ يَطْلُبُ القَضَاءَ.
ابْنُ عَدِيٍّ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ
الدَّاهرِي، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو
كُرْكُرَةَ، سَمِعْتُ عَلِيَّ (3) بنَ الحُسَيْنِ بنِ
الجُنَيْدِ، سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ، يَقُوْلُ: ابْنِي
عَبْدُ اللهِ كَذَّابٌ (4) .
قَالَ ابْنُ صَاعِدٍ: كَفَانَا مَا قَالَ فِيْهِ أَبُوْهُ
(5) .
ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ مُوْسَى بنَ القَاسِمِ
الأَشْيَبَ، يَقُوْلُ:
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ
الأَصْبَهَانِيَّ، يَقُوْلُ:
أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ كَذَّابٌ (6) .
ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ البَغَوِيَّ،
وَقَدْ كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ
رُقْعَةً، يَسْأَلُهُ عَنْ لَفْظِ حَدِيْثٍ لِجَدِّهِ،
فَلَمَّا قَرَأَ رُقْعَتَهُ، قَالَ: أَنْتَ عِنْدِي
وَاللهِ مُنْسَلِخٌ مِنَ العِلْمِ (7) .
__________
(1) نص ابن عدي في " كامله ": " وأبو بكر بن أبي داود لو
لا شرطنا في أول الكتاب أن
كل من تكلم فيه متكلم ذكرته في كتابي، وابن أبي داود قد
تكلم فيه أبوه..." (2) الكامل لابن عدي: خ: 454.
(3) إلى هنا ينتهي السقط.
(4) ميزان الاعتدال: 2 / 433.
(5) المصدر السابق.
(6) الكامل لابن عدي: خ: 454.
(7) انظر الرواية الكاملة للخبر عند ابن عدي في " كامله ":
خ: 454.
(13/228)
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ
الضَّحَّاكِ بنِ عَمْرِو بنِ أَبِي عَاصِمٍ، يَقُوْلُ:
أَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ بَيْنَ
يَدَيِ اللهِ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:
أَشْهَدُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي دَاوُدَ بَيْنَ
يَدَيِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ:
رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: حَفِيَتْ
أَظَافِيْرُ فُلاَنٍ، مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يَتَسَلَّقُ
عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (1) .
قُلْتُ: هَذَا بَاطِلٌ وَإِفْكٌ مُبِيْنٌ، وَأَيْنَ
إِسْنَادُهُ إِلَى الزُّهْرِيِّ؟ ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ،
ثُمَّ لاَ يُسْمَعُ قَوْلُ العَدُوِّ فِي عَدُوِّه، وَمَا
أَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا صَدَرَ مِنْ عُرْوَةَ أَصْلاً،
وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ إِنْ كَانَ حَكَى هَذَا، فَهُوَ
خَفِيْفُ الرَّأْسِ، فَلَقَدْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
ضَرْبِ العُنُقِ شِبْرٌ، لِكَوْنِهِ تَفَوَّهَ بِمِثْلِ
هَذَا البُهتَانِ، فَقَامَ مَعَهُ، وَشَدَّ مِنْهُ
رَئِيْسَ أَصْبَهَانَ؛ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ
حَفْصٍ الهَمْدَانِيَّ الذَّكوَانِيَّ، وَخَلَّصَهُ مِنْ
أَبِي لَيْلَى أَمِيْرِ أَصْبَهَانَ، وَكَانَ انتَدَبَ
لَهُ بَعْضَ العَلَوِيَّةِ خَصْماً، وَنَسَبَ إِلَى أَبِي
بَكْرٍ المَقَالَةَ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ
مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ الحَافِظُ،
وَمُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ الأَخْرَمُ، وَأَحْمَدُ بنُ
عَلِيِّ بنِ الجَارُوْدِ، وَاشْتَدَّ الخَطْبُ، وَأَمَرَ
أَبُو لَيْلَى بِقَتْلِهِ، فَوَثَبَ الذَّكوَانِيُّ،
وَجَرَحَ الشُّهُوْدَ مَعَ جَلاَلَتِهِم، فَنَسَبَ ابْنَ
مَنْدَةَ إِلَى العُقُوْقِ، وَنَسَبَ أَحْمَدَ إِلَى
أَنَّهُ يَأْكُلُ الرِّبَا، وَتَكَلَّمَ فِي الآخَر،
وَكَانَ الهَمْدَانِيُّ الذَّكوَانِيُّ كَبِيرَ الشَّأْنِ،
فَقَامَ، وَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ، وَخَرَجَ بِهِ
مِنَ المَوْتِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو لَهُ طُوْلَ
حَيَاتِهِ، وَيَدْعُو عَلَى أَوْلَئِكَ الشُّهُوْدِ.
حَكَاهَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، ثُمَّ قَالَ:
فَاسْتُجِيْبَ لَهُ فِيهِم، مِنْهُم مِنْ احْتَرَقَ،
وَمِنْهُم مِنْ خَلَّطَ وَفَقَدَ عَقْلَهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ الأَزْرَقُ: سَمِعْتُ أَبَا
بَكْرٍ بنَ أَبِي دَاوُدَ يَقُوْلُ:
كُلُّ النَّاسِ مِنِّي فِي حِلٍّ إِلاَّ مَنْ رَمَانِي
بِبُغْضِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- (2) .
__________
(1) الكامل لابن عدي: خ: 454.
(2) انظر: تاريخ بغداد: 9 / 468.
(13/229)
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ فِي
الاَبْتِدَاءِ يُنْسَبُ إِلَى شَيْء مِنَ النَّصْبِ (1) ،
فَنَفَاهُ ابْنُ الفُرَاتِ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى وَاسِطَ،
فَرَدَّهُ ابْنُ عِيْسَى، فَحَدَّثَ، وَأَظْهَرَ فَضَائِلَ
عَلِيٍّ ثُمَّ (2) تَحَنْبَلَ، فَصَارَ شَيْخاً فِيهِم (3)
.
قُلْتُ: كَانَ شَهْماً، قَوِيَّ النَّفْسِ، وَقَعَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ جَرِيْرٍ، وَبَيْنَ ابْنِ صَاعِدٍ
وَبَيْنَ الوَزِيْرِ؛ ابْنِ عِيْسَى الَّذِي قَرَّبَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَطَّانُ: كُنْتُ
عِنْدَ ابْنِ جَرِيْرٍ، فَقِيْلَ: ابْنُ أَبِي دَاوُدَ
يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ فَضَائِلَ الإِمَامِ عَلِيٍّ.
فَقَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ: تَكْبِيْرَةٌ مِنْ حَارِسٍ.
قُلْتُ: لاَ يُسْمَعُ هَذَا مِنِ ابْنِ جَرِيْرٍ
للعَدَاوَةِ الوَاقِعَةِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا
مُحَمَّدٍ الخَلاَّلَ يَقُوْلُ:
كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَحْفَظَ مِنْ أَبِيْهِ؛ أَبِي دَاوُدَ
(4) .
وَرَوَى الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ المُفَسِّرُ -
وَلَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ - أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ
ابْنَ أَبِي دَاوُدَ يَقُوْلُ:
إِنَّ فِي تَفْسِيْرِهِ مائَة أَلْفٍ وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ
حَدِيْثٍ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ الهَمَذَانِيُّ الحَافِظُ:
كَانَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ إِمَامَ العِرَاقِ وَنَصَبَ
لَهُ السُّلْطَانُ المِنْبَرَ، وَكَانَ فِي وَقْتِهِ
بِبَغْدَادَ مَشَايِخُ أَسْنَد مِنْهُ، وَلَمْ يَبْلُغُوا
فِي الآلَةِ وَالإِتْقَانِ مَا بَلَغَ (5) .
__________
(1) النصب: أي: بغضة علي - رضي الله عنه - من: نصب فلان
لفلان نصبا: إذا قصد له، وعاداه، وتجرد له.
(2) في الأصل: " من "، والتصويب من " الكامل ".
(3) تقدم الخبر قبل قليل، وهو في " الكامل ": خ: 454.
(4) تاريخ بغداد: 9 / 466.
(5) الخبر تقدم قبل قليل. وانظره في: " طبقات المفسرين ":
1 / 231. والزيادة منه.
(13/230)
قُلْتُ: لَعَلَّ قَوْلُ أَبِيْهِ فِيْهِ -
إِنْ صَحَّ - أَرَادَ الكَذِبَ فِي لَهْجَتِهِ، لاَ فِي
الحَدِيْثِ، فَإِنَّهُ حُجَّةٌ فِيمَا يَنْقُلُهُ، أَوْ
كَانَ يَكْذِبُ وَيُوَرِّي فِي كَلاَمِهِ، وَمَنْ زَعَمَ
أَنَّهُ لاَ يَكْذِبُ أَبَداً، فَهُوَ أَرْعَن، نَسْأَلُ
اللهَ السَّلاَمَةَ مِنْ عَثْرَةِ الشَّبَابِ، ثُمَّ
إِنَّهُ شَاخَ وَارعَوَى، وَلَزِمَ الصِّدْقَ وَالتُّقَى.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ: كَانَ
ابْنُ أَبِي دَاوُدَ زَاهِداً نَاسِكاً، صَلَّى عَلَيْهِ
يَوْمَ مَاتَ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ أَلْفِ
إِنْسَانٍ، وَأَكْثَر.
قَالَ: وَمَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ
وَثَلاَثِ مائَة، وَخَلَّفَ ثَلاَثَةَ بَنِيْن: عَبْدَ
الأَعْلَى، وَمُحَمَّداً، وَأَبَا مَعْمَرٍ عُبَيْدَ
اللهِ، وَخَمْسَ بَنَاتٍ، وَعَاشَ سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ
سَنَةً، وَصُلِّي عَلَيْهِ ثَمَانِيْنَ مَرَّةً.
نَقَلَ هَذَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ (1) .
قَالَ المُحَدِّثُ؛ يُوْسُفُ بنُ الحَسَنِ التَّفَكُّرِي:
سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيِّ بنِ بُنْدَارٍ
الزِّنْجَانِيَّ قَالَ:
كَانَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ يَمْتَنِعُ عَلَى المُرْد مِنَ
التَّحْدِيْثِ تَوَرُّعاً، وَكَانَ أَبُو دَاوُدَ يَسْمَعُ
مِنْهُ، وَكَانَ لَهُ ابْنٌ أَمْرَدُ، فَاحتَالَ بِأَنْ
شَدَّ عَلَى وَجْهِهِ قِطْعَةً مِنْ شَعْرٍ، ثُمَّ
أَحْضَرَهُ، وَسَمِعَ، فَأُخْبِرَ الشَّيْخُ بِذَلِكَ،
فَقَالَ: أَمِثْلِي يُعمَلُ مَعَهُ هَذَا؟
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ تُنكر عَلِيّ، وَاجْمَع ابْني
مَعَ شُيُوْخِ الرُّوَاةِ، فَإِنْ لَمْ يُقَاوِمْهُم
بِمَعْرِفتِهِ فَاحرِمْهُ السَّمَاعَ (2) .
إسنَادُهَا مُنْقَطِعٌ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ
عَبْدِ اللهِ الدَّاهرِيّ يَقُوْلُ:
__________
(1) تاريخ بغداد: 9 / 468.
(2) تقدم الخبر في الصفحة: (226 - 227). فانظره هناك.
(13/231)
سَأَلْتُ ابْنَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ
حَدِيْثِ الطَّيْرِ (1) ، فَقَالَ: إِنْ صَحَّ حَدِيْثُ
الطَّيْرِ فنُبُوَّةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بَاطِلٌ، لأَنَّهُ حَكَى عَنْ حَاجِبِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خِيَانَةً
-يَعْنِي: أَنَساً- وَحَاجِبَ النَّبِيِّ لاَ يَكُونُ
خَائِناً (2) .
قُلْتُ: هَذِهِ عِبَارَةٌ رَدِيْئَةٌ، وَكَلاَمٌ نَحْسٌ،
بَلْ نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حَقٌّ قَطْعِيٌّ، إِنْ صَحَّ خَبَرُ الطَّيْرِ،
وَإِنْ لَمْ يَصُحَّ، وَمَا وَجْهُ الارْتِبَاط؟ هَذَا
أَنَسٌ قَدْ خَدَمَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ، وَقَبْلَ جَرَيَانَ
القَلَمِ، فَيَجُوْزُ أَنْ تَكُوْنَ قِصَّةُ الطَّائِرِ
فِي تِلْكَ المُدَّةِ.
فَرَضْنَا أَنَّهُ كَانَ مُحْتَلِماً، مَا هُوَ
بِمَعْصُوْمٍ مِنَ الخِيَانَةِ، بَلْ فَعَلَ هَذِهِ
الجنَايَةَ الخَفِيْفَةَ مُتَأَوِّلاً، ثُمَّ إِنَّهُ
حَبَسَ عَلِيّاً عَنِ الدُّخُوْلِ كَمَا قِيْلَ، فَكَانَ
مَاذَا؟ وَالدَّعْوَةُ النَّبَوِيَّةُ قَدْ نُفِّذَتْ
وَاسْتُجِيْبَتْ، فَلَو حَبَسَهُ، أَوْ رَدَّهُ مَرَّاتٍ،
مَا بَقِيَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَدْخُلَ وَيَأْكُلَ مَعَ
المُصْطَفَى سِوَاهُ إِلاَّ، اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ
يَكُوْنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَصَدَ بِقَولِهِ: (ايْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ،
يَأْكُلُ مَعِي) عَدَداً مِنَ الخِيَارِ، يَصْدُقُ عَلَى
مَجْمُوْعِهِم أَنَّهُم أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ،
كَمَا يَصُحُّ
__________
(1) ونصه: كان عند النبي صلى الله عليه وسلم طير فقال: "
اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير " فجاء علي
فأكل معه.
أخرجه الترمذي: (3721)، من طريق سفيان بن وكيع، عن عبيد
الله بن موسى عن عيسى بن عمر، عن إسماعيل بن عبد الرحمن
السدي، عن أنس، وقال: غريب: أي: ضعيف، لا نعرفه من حديث
السدي إلا من هذا الوجه.
وأخرجه الحاكم من طريق سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد،
عن أنس قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم
له فرخ مشوي، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي
هذا الطير، فقلت: اجعله رجلا من أهلي من الانصار، فجاء
علي، فقلت: إن رسول الله على حاجة، ثم جاء، فقلت ذلك،
فقال: اللهم ائتني كذلك، فقلت ذلك، فقال لي رسول الله صلى
الله عليه وسلم: افتح، فدخل، فقال: ما حبسك يا علي ؟،
فقال: إنه هذه آخر ثلاث كرات يردني أنس، فقال: ما حملك على
ما صنعت ؟ قلت: أحببت أن يكون رجلا من قومي، فقال: إن
الرجل محب قومه " وانظر أجوبة الحافظ ابن حجر على أحاديث
وقعت في المصابيح 3 / 313، 314، " والفوائد المجموعة " ص
382. وسيذكر المصنف رأيه فيه بعد قليل..
(2) الكامل لابن عدي: خ: 454.
(13/232)
قَوْلُنَا: أَحَبُّ الخَلْقِ إِلَى اللهِ
الصَّالِحُوْنَ، فَيُقَالُ: فَمَنْ أَحَبُّهُم إِلَى
اللهِ؟
فَنَقُوْلُ: الصِّدِّيقُوْن وَالأَنْبِيَاءُ.
فَيُقَالُ: فَمَنْ أَحَبُّ الأَنْبِيَاءِ كُلِّهِم إِلَى
اللهِ؟
فَنَقُوْلُ: مُحَمَّدٌ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَمُوْسَى،
وَالخَطْبُ فِي ذَلِكَ يَسِيْرٌ.
وَأَبُو لُبَابَةَ - مَعَ جَلاَلَتِهِ - بَدَتْ مِنْهُ
خِيَانَةٌ، حَيْثُ أَشَارَ لِبنِي قُرَيْظَةَ إِلَى
حَلْقِهِ (1) ، وَتَابَ اللهُ عَلَيْهِ.
وَحَاطِبٌ بَدَتْ مِنْهُ خِيَانَةٌ، فَكَاتَبَ قُرَيْشاً
بِأَمْرٍ تَخَفَّى بِهِ نَبِيُّ الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوِهِم (2) ، وَغَفَرَ اللهُ
لحَاطِبٍ مَعَ عِظَمِ فِعْلِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
وَحَدِيْثُ الطَّيْرِ - عَلَى ضَعْفِهِ - فَلَهُ طُرُقٌ
جَمَّةٌ، وَقَدْ أَفْرَدْتُهَا فِي جُزْءٍ، وَلَمْ
يَثْبُتْ، وَلاَ أَنَا بِالمُعْتَقِدْ بُطْلاَنَهُ، وَقَدْ
أَخْطَأَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي عِبَارَتِهِ وَقَوْلِهِ،
وَلَهُ عَلَى خَطَئِهِ أَجْرٌ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ مِنْ
شَرْطِ الثِّقَة أَنْ لاَ يُخْطِئ وَلاَ يَغْلَطَ وَلاَ
يَسْهُوَ.
وَالرَّجُلُ فَمِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ الإِسْلاَمِ، وَمِنْ
أَوْثَقِ الحُفَّاظِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
قَالَ ابْنُهُ؛ عَبْدُ الأَعْلَى: تُوُفِّيَ أَبِي وَلَهُ
سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً وَأَشْهُرٌ.
أَنْشَدَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
الحَمِيْدِ، قَالَ: أَنْشَدَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ
بنُ قُدَامَةَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَة،
أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ الوِقَايَاتِي (3)
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بَيَان، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ
بنُ عَلِيٍّ الطَّنَاجِيْرِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ
بنُ شَاهِيْنَ، أَنْشَدَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي
دَاوُدَ لِنَفْسِهِ:
تَمَسَّكْ بِحَبْلِ اللهِ وَاتَّبِعِ الهُدَى ... وَلاَ
تَكُ بِدْعِيّاً لَعَلَّكَ تُفْلِحُ
__________
(1) خبر أبي لبابة في سيرة ابن هشام: 2 / 236 - 237،
وتفسير الطبري: 13 / 481 - 482، تحقيق محمود شاكر،
والواحدي في أسباب النزول: 175 .
(2) انظر خبره في البخاري: 6 / 100، في الجهاد: باب
الجاسوس، و: 7 / 400، في المغازي: باب فتح مكة، ومسلم:
(2494)، في فضائل الصحابة: باب من فضائل أهل بدر رضي الله
عنهم، وأبي داود: (2650)، و(2651)، والترمذي (3302).
(3) الوقاياتي: نسبة إلى الوقاية، وهي المقنعة، ويقال لمن
يبيعها: الوقاياتي. (اللباب).
(13/233)
وَدِنْ بِكِتَابِ اللهِ وَالسُّنَنِ
الَّتِي ... أَتَتْ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ تَنْجُو
وَتَرْبَحُ
وَقُلْ: غَيْرُ مَخْلُوْقٍ كَلاَمُ مَلِيْكِنَا ...
بِذَلِكَ دَانَ الأَتْقِيَاءُ وَأَفْصَحُوا
وَلاَ تَكُ فِي القُرْآنِ بِالوَقْفِ قَائِلاً ... كَمَا
قَالَ أَتْبَاعٌ لِجَهْمٍ وَأَسْجَحُوا (1)
وَلاَ تَقُلِ: القُرْآنُ خَلْقٌ قَرَأْتُهُ ... فَإِنَّ
كَلاَمَ اللهِ بِاللَّفْظِ يُوْضَحُ (2)
وَقُلْ: يَتَجَلَّى اللهُ لِلْخَلْقِ جَهْرَةً ... كَمَا
البَدْرُ لاَ يَخْفَى وَرَبُّكَ أَوْضَحُ
وَلَيْسَ بِمَوْلُوْدٍ، وَلَيْسَ بِوَالِدٍ ... وَلَيْسَ
لَهُ شِبْهٌ، تَعَالَى المُسَبَّحُ
وَقَدْ يُنْكِرُ الجَهْمِيُّ هَذَا وَعِنْدَنَا ...
بِمِصْدَاقِ مَا قُلْنَا حَدِيْثٌ مُصَرِّحُ (3)
رَوَاهُ جَرِيْرٌ عَنْ مَقَالِ مُحَمَّدٍ ... فَقُلْ
مِثْلَ مَا قَدْ قَالَ فِي ذَاكَ تَنْجَحُ (4)
وَقَدْ يُنْكِرُ الجَهْمِيُّ أَيْضاً يَمِيْنَهُ ...
وَكِلْتَا يَدَيْهِ بِالفَوَاضِلِ تَنْفَحُ (5)
وَقُلْ: يَنْزِلُ الجَبَّارُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ... بِلاَ
كَيْفٍ جَلَّ الوَاحِدُ المُتَمَدَّحُ
إِلَى طَبَقِ الدُّنْيَا يَمُنُّ بِفَضْلِهِ ...
فَتُفْرَجُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُفْتَحُ
يَقُوْلُ: أَلاَ مُسْتَغْفِرٌ يَلْقَ غَافِراً ...
وَمُسْتَمْنِحٌ خَيْراً وَرِزْقاً فَيُمْنَحُ (6)
__________
(1) في: " طبقات الحنابلة ": " ولا تغل في القرآن بالوقف
قائلا ".
(2) في: " طبقات الحنابلة ": " خلقا " بدلا من " خلق ".
(3) تقدم الحديث عن " الجهمية " في الصفحة: (100). ت: (5).
(4) جرير: هو ابن عبد الله البجلي الصحابي الجليل. وحديثه
في رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة أخرجه البخاري: 2 / 27،
في مواقيت الصلاة: باب فضل صلاة العصر، و8 / 458، في تفسير
سورة (ق)، و: 13 / 356، في التوحيد: باب قول الله تعالى:
(وجوه يومئذ ناضرة) ، ومسلم: (633)، في المساجد: باب فضل
صلاتي الصبح والعصر، وأبو داود: (4729)، والترمذي: (2754).
(5) أخرج أحمد: 2 / 160، ومسلم في الصحيح: (7127)، في
الامارة: باب فضيلة الامام العادل، والنسائي: 8 / 221، من
حديث عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين
الرحمن عزوجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم
وأهليهم وما ولوا ".
(6) في طبقات الحنابلة: " فأمنح ".
وحديث نزول الرب سبحانه وتعالى إلى سماء الدنيا حين يبقى
ثلث الليل الآخر، أخرجه من حديث أبي هريرة مالك، 1 / 214،
والبخاري: =
(13/234)
رَوَى ذَاكَ قَوْمٌ لاَ يُرَدُّ
حَدِيْثُهُم ... أَلاَ خَابَ قَوْمٌ كَذَّبُوْهُمْ
وَقُبِّحُوا
وَقُلْ: إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ...
وَزِيْرَاهُ قِدْماً، ثُمَّ عُثْمَانُ الارْجَحُ
وَرَابِعُهُمْ خَيْرُ البَرِيَّةِ بَعْدَهُم ... عَلِيٌّ
حَلِيْفُ الخَيْرِ، بِالخَيْرِ مُنْجِحُ
وَإِنَّهُم لَلرَّهْطِ لاَ رَيْبَ فِيهِم ... عَلَى نُجُبِ
الفِرْدَوْسِ بِالنُّوْرِ تَسْرَحُ (1)
سَعِيْدٌ وَسَعْدٌ وَابْنُ عَوْفٍ وَطَلْحَةٌ ...
وَعَامِرُ فِهْرٍ وَالزُّبَيْرُ المُمَدَّحُ
وَقُلْ خَيْرَ قَوْلٍ فِي الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ ...
وَلاَ تَكُ طَعَّاناً تَعِيْبُ وَتَجْرَحُ
فَقَدْ نَطَقَ الوَحْيُ المُبِيْنُ بِفَضْلِهِم ... وَفِي
الفَتْحِ أَيٌّ لِلصَّحَابَةِ تَمْدَحُ
وَبَالقَدَرِ المَقْدُوْرِ أَيْقِنْ فَإِنَّهُ ...
دِعَامَةُ عَقْدِ الدِّيْنِ وَالدِّيْنُ أَفْيَحُ
وَلاَ تُنْكِرَنَّ - جَهْلاً - نَكِيْراً وَمُنْكَراً ...
وَلاَ الحَوْضَ وَالمِيزَانَ، إِنَّكَ تُنْصَحُ
وَقُلْ: يُخْرِجُ اللهُ العَظِيْمُ بِفَضْلِهِ ... مِنَ
النَّارِ أَجْسَاداً مِنَ الفَحْمِ تُطْرَحُ
عَلَى النَّهْرِ فِي الفِرْدَوْسِ تَحْيَا بِمَائِهِ ...
كَحَبِّ حَمِيْلِ السَّيْلِ إِذْ جَاءَ يَطْفَحُ (2)
وَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ لِلْخَلْقِ شَافِعٌ ... وَقُلْ فِي
عَذَابِ القَبْرِ: حَقٌ مُوَضَّحُ
وَلاَ تُكْفِرَنْ أَهْلَ الصَّلاَةِ وَإِنْ عَصَوْا ...
فَكُلُّهُم يَعْصِي، وَذُوْ العَرْشِ يَصْفَحُ
__________
= 13 / 389 - 390، في التوحيد: باب قول الله تعالى:
(يريدون أن يبدلوا كلام الله) ، ومسلم: (758)، في صلاة
المسافرين: باب الترغيب بالدعاء والذكر في آخر الليل، أبو
داود: (1315)، والترمذي: (3498).
(1) في " طبقات الحنابلة ": " والرهط " بدلا من " للرهط ".
و" في الخلد " بدلا من " بالنور ".
(2) في " طبقات الحنابلة ": " كحبة حمل السيل ".
وأخرج البخاري: 1 / 68، في الايمان: باب تفاضل أهل
الايمان، ومسلم: (184)، في الايمان: باب إثبات الشفاعة
وإخراج الموحدين من النار، من حديث أبي سعيد الخدري قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدخل أهل الجنة
الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من
كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد
اسودوا فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في
جانب السيل، ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية.
والحبة، بكسر أوله، قال أبو حنيفة الدينوري: جمع بزور
النبات، واحدتها حبة، بالفتح، وأما الحب فهو الحنطة
والشعير، واحدته حبة، بالفتح أيضا، وانما افترقا في الجمع.
(13/235)
وَلاَ تَعْتَقِدْ أَيَ الخَوَارِجِ إِنَّهُ
... مَقَالٌ لِمَنْ يَهْوَاهُ يُرْدِي وَيَفْضَحُ
لاَ تَكُ مُرْجِيّاً لَعُوْباً بِدِيْنِهِ ... أَلاَ
إِنَّمَا المُرْجِيُّ بِالدِّيْنِ يَمْزَحُ (1)
وَقُلْ: إِنَّمَا الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَنِيَّةٌ ...
وَفِعْلٌ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ مُصَرَّحُ
وَيَنْقُصُ طَوْراً بِالمَعَاصِي وَتَارَةً ...
بِطَاعَتِهِ يَنْمَى وَفِي الوَزْنِ يَرْجَحُ
وَدَعْ عَنْكَ آرَاءَ الرِّجَالِ وَقَوْلَهُمْ ...
فَقَوْلُ رَسُوْلِ اللهِ أَوْلَى وَأَشْرَحُ
وَلاَ تَكُ مِنْ قَوْمٍ تَلَهَّوْ بِدِيْنِهِم ...
فَتَطْعَنَ فِي أَهْلِ الحَدِيْثِ وَتَقْدَحُ
إِذَا مَا اعْتَقَدْتَ الدَّهْرَ، يَا صَاحِ، هَذِهِ ...
فَأَنْتَ عَلَى خَيْرٍ تَبِيْتُ وَتُصْبِحُ (2)
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ
(3) بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ
السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّقُّوْرِ
البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ الأَشْعَثِ إِمْلاَءً،
سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْن، حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَل، عَنْ أَبِي وَجْزَةَ، عَنْ عُمَرَ
بنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ:
قَالَ لِي رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (يَا بُنِي! ادْنُ وَكُلّ بِيَمِيْنِكَ،
وَكُلْ مِمَّا يَلِيْكَ، وَاذْكُرِ اسْمَ الله عَزَّ
وَجَلَّ).
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (4) ، عَنْ لُوَين،
فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.
__________
(1) تقدم الحديث عن " المرجئة " في الصفحة: (36)، ت: 1.
(2) طبقات الحنابلة: 2 / 53 - 54.
(3) هو: أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد، شهاب الدين، أبو
المعالي الهمذاني، ثم المصري، المقرئ، المعروف بالابرقوهي
لكون ولد بها.
توفي سنة (701 ه). ترجمه المؤلف في " مشيخته ": خ: ق: 4 -
5
(4) رقم (3777) في الاطعمة: باب الاكل باليمين، وأبو وجزه:
اسمه يزيد بن عبيد السعدي وأخرجه مالك 2 / 934 في صفة
النبي صلى الله عليه وسلم: باب جامع ما جاء في الطعام
والشراب، ومن طريقه البخاري 9 / 458 في الاطعمة: باب الاكل
مما يليه، عن وهب بن كيسان أبي نعيم قال: أتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بطعام ومعه ربيبه عمر بن أبي
سلمة..وأخرجه البخاري =
(13/236)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
الحَمِيْدِ (1) ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ،
وَسُنْقُرُ الثَّغْرِيّ (2) ، وَأَحْمَدُ بنُ مَكْتُوْمٍ،
وَعَبْدُ المُنْعِمِ ابْنِ عَسَاكِرَ (3) ، وَعَلِيُّ بنُ
مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ (4) ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا
سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ حُضُوْراً، (ح).
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا
أَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ العَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ
الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ
خَلَفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا زِيَادُ
بنُ الحَسَنِ بنِ الفُرَاتِ القَزَّازُ، عَنْ أَبِيْهِ،
عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (مَا فِي الجَنَّةِ مِنْ شَجَرَةٍ إِلاَّ
وَسَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ).
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (5) عَنْ عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ
أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.
__________
= 9 / 455، 456 من طريق علي بن عبد الله، ومسلم (2022) في
الاشربة: باب آداب الطعام والشراب من طريق أبي بكر بن أبي
شيبة وابن أبي عمر، ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة، عن الوليد
ابن كثير، عن وهب بن كيسان سمعه عن عمر بن أبي سلمة...،
وأخرجه مسلم أيضا من طريقين عن ابن أبي مريم، عن محمد بن
جعفر، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن وهب بن كيسان، عن عمر
بن أبي سلمة.
وأخرجه الترمذي (1857) من طريق معمر، عن هشام بن عروة، عن
أبيه، عن عمر بن أبي سلمة...
(1) هو: أحمد بن العماد عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف
بن محمد. توفي سنة (700 ه). ترجمه المؤلف في: " المشيخة ":
خ: ق: 9
(2) ترجمته في " مشيخة " المؤلف: خ: ق: 55.
(3) هو: عبد المنعم بن عبد اللطيف بن زين الامناء أبي
البركات الحسن بن محمد بن عساكر.
وفاته سنة (700 ه) انظر ترجمته في " مشيخة " المؤلف: خ ق:
86 - 87.
(4) تقدمت الإشارة إليه في الصفحة: (208)، ت: 1.
(5) رقم (2525) في صفة الجنة: باب في صفة شجر الجنة، وقال:
هذا حديث حسن غريب، وصححه ابن حبان (624) من طريق أبي سعيد
الاشج عبد الله بن سعيد بهذا الإسناد.
وفي الباب عن ابن عمر عند أبي داود (479) في الصلاة: باب
في كراهية البزاق في المسجد =
(13/237)
119 - عُبَيْدُ اللهِ بنُ وَاصِلِ بنِ
عَبْدِ الشَّكُوْرِ بنِ زَيْنٍ الزَّيْنِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، البَطَلُ، الكَرَّارُ، أَبُو
الفَضْلِ الزَّيْنِيُّ البُخَارِيُّ، مُحَدِّثُ بُخَارَى
فِي وَقْتِهِ.
رَحَلَ وَلَقِيَ الأَعْلاَمَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيِّ،
وَعَبْدِ السَلاَّمِ بنِ مُطَهِّرٍ، وَالحَسَنِ بنِ
سَوَّارٍ البَغَوِيِّ، وَعَبْدَانَ بنِ عُثْمَانَ بنِ
المَرْوَزِيِّ، وَمُسَدَّدِ بنِ مُسَرْهَدٍ، وَيَحْيَى بنِ
يَحْيَى، وَطَبَقَتِهِم.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ خَارِجَ
(الصَّحِيْحِ)، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ،
وَأَهْلُ بُخَارَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
يَعْقُوْبَ البُخَارِيُّ الأُسْتَاذُ.
وَكَانَ وَالِدُهُ (1) مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ، رَحَلَ
ولَقِيَ ابْنَ عُيَيْنَةَ، وَابْنَ وَهْبٍ، أَكْثَرَ
عَنْهُ وَلَدُهُ؛ عُبَيْدُ اللهِ.
قَالَ أَبُو الفَضْلِ السُّلَيْمَانِيُّ: رَوَى عَنْ:
عُبَيْدِ اللهِ شُيُوْخُنَا، وَكَانَ البُخَارِيُّ
يَتَبَجَّحُ بِهِ، لَقِيَ سَهْلَ بنَ بَكَّارٍ، وَهِلاَلَ
بنَ فَيَّاضٍ، وَسَعِيْدَ بنَ مَنْصُوْرٍ... وَسَمَّى
جَمَاعَةً.
استُشْهِدَ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي وَقْعَةِ خُوكيجَة فِي
شَوَّالٍ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: قُتِلَ سَنَةَ: سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ.
__________
= قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوما، إذ
رأى نخامة في قبلة المسجد، فتغيظ على الناس، ثم حكها، قال:
وأحسبه قال: فدعا بزعفران فلطخه به، وقال: " إن الله قبل
وجه أحدكم إذا صلى فلا يبزق بين يديه " وإسناده صحيح، وعن
جابر بن عبد الله عند مسلم (3008) في الزهد والرقائق،
وانظر " الفتح " 1 / 426.
(*) تذكرة الحفاظ: 2 / 604.
(1) انظره في اللباب: 2 / 88. " الزيني ".
(13/238)
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ قُدَامَةَ،
عَنْ مَحْمُوْدِ بنِ مَنْدَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدٍ
العَبْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ
بنُ وَاصِلٍ، عَنِ الحَسَنِ بنِ سَوَّارٍ، عَنْ قَيْسٍ،
عَنْ عَاصِمِ بنِ سُلَيْمَانَ:
عَنْ عَبَّاسٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ: رَأَى
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نُخَامَةً فِي المَسْجَدِ، فَحَكَّهُ ثُمَّ لَطَخَهُ
بِزَعْفَرَان (1) .
120 - ابْنُ أَبِي غَرَزَةَ أَحْمَدُ بنُ حَازِمِ بنِ
مُحَمَّدٍ الغِفَارِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَحْمَدُ بنُ حَازِمِ
بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْنُسَ بنِ قَيْسِ بنِ أَبِي
غَرَزَةَ، أَبُو عَمْرٍو الغِفَارِيُّ الكُوْفِيُّ،
صَاحِبُ (المُسْنَدِ).
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ: جَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ، وَيَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ،
وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ
أَبَانٍ، وَعَفَّانَ، وَأَحْمَدَ بنَ يُوْنُسَ، وَعِدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُطَيَّنٌ، وَابْنُ دُحَيْمٍ
الشَّيْبَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
أَبِي العَزَائِمِ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ عُقْدَةَ،
وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَلَهُ (مُسْنَدٌ) كَبِيْرٌ، وَقَعَ لَنَا مِنْهُ جُزْءٌ.
وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ)، وَقَالَ:
كَانَ مُتْقِناً.
__________
(1) في قيس - وهو ابن الربيع الأسدي - خلاف، وباقي رجاله
ثقات، وأورده الحافظ في " الإصابة " 2 / 272 في ترجمة عباس
مولى بني هاشم عن ابن منده من طريق قيس بن الربيع بهذا
الإسناد، وفي الباب عن ابن عمر.
(*) الجرح والتعديل: 2 / 48، اللباب: 2 / 377 - 378، تذكرة
الحفاظ: 2 / 594 - 595، عبر المؤلف: 2 / 55، الوافي
بالوفيات: 6 / 298 - 299، طبقات الحفاظ: 266، شذرات الذهب:
2 / 168 - 169.
(13/239)
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ
وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فِي ذِي الحِجَّةِ.
121 - ابْنُ أَبِي الخَنَاجِرِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
يَزِيْدَ الأَنْصَارِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، مُسْنِدُ طَرَابُلُسَ، أَبُو
عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مُسْلِمٍ
بنِ أَبِي الخَنَاجِرِ الأَنْصَارِيُّ الشَّامِيُّ
الأَطْرَابُلُسِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَيَحْيَى بنَ
أَبِي بُكَيْرٍ، وَمُؤَمَّلِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ،
وَمُحَمَّدِ بنِ مُصْعَبٍ القَرْقَسَانِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ
بنِ عَمْرٍو، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ
جَوْصَا، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ،
وَخَيْثَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) .
وَقِيْلَ: كَانَ لَبِيْباً حَلِيْماً.
قَالَ ابْنُ دُحَيْمٍ: تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ
سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وسَمِعَهُ خَيْثَمَةُ يَقُوْلُ: وَقَفَ المَأْمُوْنُ عَلَى
مَجْلِسِ يَزِيْدَ - وَكُنْتُ فِيهِم، وَفِي المَجْلِسِ
أُلُوْفٌ - فَالتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: هَذَا
المُلْكُ.
122 - النَّرْسِيُّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ
بنِ إِدْرِيْسَ **
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ
بنُ عُبَيْدِ بنِ إِدْرِيْسَ الضَّبِّيُّ مَوْلاَهُم،
البَغْدَادِيُّ، النَّرْسِيُّ.
__________
(*) الجرح والتعديل: 2 / 73، تاريخ ابن عساكر: خ: 113 ب -
114 أ، شذرات الذهب: 2 / 165، تهذيب بدران: 2 / 84.
(1) الجرح والتعديل: 2 / 73.
(* *) تاريخ بغداد: 4 / 250 - 251، وفيه: أحمد بن عبيد
الله. وسيذكره المؤلف في =
(13/240)
سَمِعَ: أَبَا بَدْرٍ شُجَاعَ بنَ
الوَلِيْدِ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَرَوْحَ بنَ
عُبَادَةَ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي بُكَيْرٍ، وَشَبَابَةَ بنَ
سَوَّارٍ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ صَاعِدٍ، وَعُثْمَانُ بنُ
السَّمَّاكِ، وَمُكْرَمُ بنُ أَحْمَدَ القَاضِي،
وَأَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ،
وَآخَرُوْنَ.
ويَقَعُ حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي (الغَيْلاَنِيَّات).
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً أَمِيْناً
(1) .
وَقَالَ ابْنُ كَامِلٍ: تُوُفِّيَ فِي خَامِسِ ذِي
الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: مَاتَ فِي خَامِسِ ذِي
الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ (2) .
وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: مَاتَ سَنَةَ
ثَمَانِيْنَ، وَقَدْ وَثَّقَهُ الحَافِظُ
الدَّارَقُطْنِيُّ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ (3) ، أَخْبَرَنَا
ظَفَرُ بنُ سَالِمٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ
أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي
عُثْمَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ
المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ النَّرْسِيُّ،
حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا حَرِيْزُ
بنُ عُثْمَانَ، سَمِعْتُ حَبِيْبَ بنَ عُبَيْدٍ
الرَّحَبِيُّ يَقُوْلُ: تَعَلَّمُوا العِلْمَ وَاعقِلُوهُ،
وَتَفَقَّهُوا بِهِ، وَلاَ تَعَلَّمُوهُ لِتَجَمَّلُوا
بِهِ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ إِنْ طَالَ بِكُم عُمرٌ أَنْ
يُتَجَمَّلَ
__________
= نهاية ترجمة البرتي باسم أحمد بن عبيد الله النرسي،
(انظره هناك ص 406، ت: 8). والنرسي، بفتح النون، وسكون
الراء: نسبة إلى نرس: نهر من أنهار الكوفة عليه عدة قرى.
(اللباب).
(1) تاريخ بغداد: 4 / 251.
(2) المصدر السابق.
(3) ترجمه الذهبي في " مشيخته ": خ: ق: 4 - 5.
(13/241)
بِالعِلْمِ، كَمَا يَتَجَمَّلُ ذُو البَزِّ
بِبَزِّهِ (1).
123 - مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ يُوْسُفَ
السُّلَمِيُّ * (ت، س (2))
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو إِسْمَاعِيْلَ
السُّلَمِيُّ، التِّرْمِذِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ: بَعْدَ التِّسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ،
وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَقَبِيْصَةَ بنَ عُقْبَةَ، وَمُسْلِمَ
بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَالحُمَيْدِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي
مَرْيَمَ، وَعَارِماً، وَحَمَّادَ بنَ مَالِكٍ
الحَرَسْتَانِيَّ، وَإِسْحَاقَ بنَ الأَرْكُون، وَنُعَيْمَ
بنَ حَمَّادٍ، وَطَبَقَتَهُم بِالحِجَازِ وَالشَّامِ،
وَمِصْرَ وَالعِرَاقِ.
وعُنِي (3) بِهَذَا الشَّأْنِ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ،
وَطَالَ عُمُرُهُ، وَرَحَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ،
وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَمُوْسَى بنُ
هَارُوْنَ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَابْنُ مَخْلَدٍ،
وَالمَحَامِلِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ،
__________
(1) الخبر مقطوع، فإنه من كلام حبيب بن عبيد الرحبي وهو
تابعي ثقة من رجال مسلم.
(*) الجرح والتعديل: 7 / 190 - 191، تاريخ بغداد: 2 / 42 -
44، طبقات الحنابلة: 1 / 279 - 280، تاريخ ابن عساكر: خ:
15 / 58 أ - 59 أ، الكامل لابن الأثير: 7 / 265، تهذيب
الكمال: خ: 1174، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 190، تذكرة
الحفاظ: 2 / 604 - 605، عبر المؤلف: 2 / 64، الوافي
بالوفيات: 2 / 212، البداية والنهاية: 11 / 69، طبقات
القراء لابن الجزري: 2 / 102، تهذيب التهذيب: 9 / 62 - 63،
طبقات الحفاظ: 263، خلاصة تذهيب الكمال: 328، طبقات
المفسرين: 2 / 104 - 105، شذرات الذهب: 2 / 176.
(2) زيادة من " التهذيب ".
(3) ضبطت العين في الأصل بالفتح، وفي " القاموس " وعني
بالضم عناية، وكرضي قليل.
(13/242)
وَأَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ، وَخَيْثَمَةُ بنُ
سُلَيْمَانَ، وَأَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو بَكْرٍ
الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَأَبُو
عَبْدِ اللهِ بنُ مُحْرمِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ صَدُوْقٌ، تَكَلَّمَ
فِيْهِ أَبُو حَاتِمٍ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ فَهماً مُتْقِناً، مَشْهُوْراً
بِمَذْهَبِ السُّنَّةِ (1) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ مِنْهُ بِمَكَّةَ،
وَتَكَلَّمُوا فِيْهِ (2) .
قُلْتُ: انبَرَمَ الحَالُ عَلَى تَوْثِيْقِهِ
وَإِمَامَتِهِ.
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: تُوُفِّيَ فِي
رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
124 - الحُنَيْنِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ
الحُسَيْنِ بنِ مُوْسَى *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، المُتْقِنُ، أَبُو
جَعْفَرٍ، مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُوْسَى بنِ أَبِي
الحُنَيْنِ الحُنَيْنِيُّ الكُوْفِيُّ، صَاحِبُ
(المُسْنَدِ)، وَقَعَ لَنَا (مُسْنَدَ) أَنَسٍ مِنْ
(مُسْنَدِهِ).
سَمِعَ: عُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَأَبَا نُعَيْمٍ،
وَالقَعْنَبِيَّ، وَأَبَا غَسَّانَ النَّهْدِيَّ،
وَمُسَدِّداً.
وَحَدَّثَ بِ (المُوَطَّأ) عَنِ القَعْنَبِيِّ.
__________
(1) تاريخ بغداد: 2 / 42.
(2) الجرح والتعديل: 7 / 191.
(*) الجرح والتعديل: 7 / 230، تاريخ بغداد: 2 / 225 - 226،
المنتظم: 5 / 109، اللباب: 1 / 398، عبر المؤلف: 2 / 58،
شذرات الذهب: 2 / 171.
والحنيني، بضم الحاء، وفتح النون، وسكون الياء: نسبة إلى
الجد، وهو: حنين، أو أبو الحنين.
(13/243)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو
عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ
السَّمَّاكِ، وَأَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، وَمُكْرَمُ
القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ دُحَيْمٍ،
وَطَائِفَةٌ سِوَاهُم.
وَثَّقَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُ.
مَاتَ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
126 - المَقْدِسِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ
مَسْعُوْدٍ *
المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ
مَسْعُوْدٍ المَقْدِسِيُّ الخَيَّاطُ.
حَدَّثَ عَنْ: عَمْرِو بنِ أَبِي سَلَمَةَ
التِّنِّيْسِيِّ، وَالهَيْثَمِ بنِ جَمِيْلٍ
الأَنْطَاكِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرٍ المِصِّيْصِيِّ
(1) ، وَمُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى الطَّبَّاعِ،
وَطَبَقَتِهِم.
وَعَنْهُ: أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ عَدِيٍّ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ،
وَأَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
لَقِيَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِبَيْتِ المَقْدِسِ، سَنَةَ
أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
127 - حَرْبٌ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ إِسْمَاعِيْلَ
الكِرْمَانِيُّ **
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ حَرْبُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ الكِرْمَانِيُّ، الفَقِيْهُ، تِلْمِيْذُ
أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ.
__________
(*) تاريخ ابن عساكر: خ: 2 / 130 ب، تهذيب بدران: 2 / 92.
(1) المصيصي، بكسر الميم، وتشديد الصاد المكسورة. انظر
ضبطها في الصفحة: (13)، ت: 2.
(* *) الجرح والتعديل: 3 / 253، طبقات الحنابلة، 1 / 145 -
146، تاريخ ابن عساكر: خ: 4 / 159 أ - ب، تذكرة الحفاظ: 2
/ 613، طبقات الحفاظ: 271، شذرات الذهب: 2 / 176، تهذيب
بدران: 4 / 108.
(13/244)
رَحَلَ وَطَلَبَ العِلْمَ.
وأَخَذَ عَنْ: أَبِي الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيِّ، وَأَبِي
بَكْرٍ الحُمَيْدِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَسَعِيْدِ بنِ
مَنْصُوْرٍ، وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بنِ
رَاهْوَيْه.
رَوَى عَنْهُ: القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ الكَرْمَانِيُّ،
نَزِيْلُ طَرَسُوْسَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ
النَّهَاوَنْدِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَعْقُوْبَ
الكَرْمَانِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ؛ رَفِيْقُهُ،
وَأَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الخَلاَّلُ: كَانَ رَجُلاً جَلِيْلاً، حَثَّنِي
المَرُّوْذِيُّ عَلَى الخُرُوْجِ إِلَيْهِ.
قُلْتُ: (مَسَائِلُ) حَرْبٍ مِنْ أَنْفَسِ كُتُبِ
الحَنَابِلَةِ، وَهُوَ كَبِيْرٌ فِي مُجَلَّدَيْنِ.
قَيَّدَ تَارِيْخَ وَفَاتِهِ عَبْدُ البَاقِي بنُ قَانِعٍ،
فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: عُمِّرَ، وَقَارَبَ التِّسْعِيْنَ، وَمَا عَلِمْتُ
بِهِ بَأْساً - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
128 - السَّرِيُّ بنُ خُزَيْمَةَ بنِ مُعَاوِيَةَ
الأَبِيْوَرْدِيُّ
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ
الأَبِيْوَرْدِيُّ، مُحَدِّثُ نَيْسَابُوْرَ.
سَمِعَ فِي الرِّحْلَةِ مِنْ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
المُقْرِئ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَعَبْدَانَ بنِ عُثْمَانَ،
وَمُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَمُحَمَّدِ بنِ الصَّلْتِ،
وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَةَ،
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ
الشَّرْقِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ هَانِئ،
وَالحَسَنُ بنُ يَعْقُوْبَ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ الحَاكِمُ: هُوَ شَيْخٌ فَوْقَ الثِّقَةِ، وَرَدَ
نَيْسَابُوْرَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَبَقِيَ
بِهَا يُحَدِّثُ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ،
ثُمَّ انصَرَفَ إِلَى أَبِيْوَرْدَ، فَسَمِعْتُ
(13/245)
مُحَمَّدَ بنَ صَالِحٍ يَقُوْلُ:
لَمَّا قُتِلَ حَيْكَان -يَعْنِي: ابْنَ الذُّهْلِيِّ-
رَفَضُوا الحَدِيْثَ وَالمَجَالِسَ، حَتَّى لَمْ يَقْدِرْ
أَحَدٌ أَنْ يَأْخُذَ بِنَيْسَابُوْرَ مِحْبَرَةً، إِلَى
أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بِوُرُوْدِ السَّرِيِّ بنِ
خُزَيْمَةَ، فَاجتَمَعنَا لِنَذْهَبَ إِلَيْهِ، فَلَمْ
نَقْدِرْ، فَقَصَدْنَا أَبَا عُثْمَانَ الحِيْرِيَّ
الزَّاهِدَ، وَاجتَمَعَ النَّاسُ عِنْدَهُ، فَأَخَذَ هُوَ
مِحْبَرَةً بِيَدِهِ، وَأَخَذْنَا المَحَابِرَ
بِأَيْدِيْنَا، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ مِنَ
المُبْتَدِعَةِ أَنْ يَتَقَرَّبَ مِنَّا، فَخَرَجَ
السَّرِيُّ، فَأَملَى عَلَيْنَا، وَابْنُ خُزَيْمَةَ
يَنْتَخِبُ.
قَالَ الحَاكِمُ: وَسَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ يَعْقُوْبَ
يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ مَجْلِساً أَبْهَى مِنْ مَجْلِسِ السَّرِيِّ
بنِ خُزَيْمَةَ، وَلاَ شَيْخاً أَبْهَى مِنْهُ، كَانُوا
يَجْلِسُوْنَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَأَنَّمَا عَلَى
رُؤُوْسِهُم الطَّيْر، وَكَانَ لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ مِنْ
أَصْلِ كِتَابِهِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
أَخْبَرَنَا سُنْقُرُ الزَّيْنِيُّ (1) بِحَلَبَ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مَحْمُوْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو
طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ
الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الحَافِظُ،
حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا مُوْسَى
بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا
أَيُّوْبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ ثَابِتِ بنِ
الضَّحَّاكِ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ
كَاذِباً، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ
بِشَيْءٍ، عُذِّبَ بِهِ فِي جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ
المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِناً بِكُفْرٍ،
فَهُوَ كَقَتْلِهِ (2)).
تُوُفِّيَ - أَظُنُّهُ -: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
__________
(1) ترجمته في " مشيخة " المؤلف: خ: ق: 55.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 1 / 468، 469 في الايمان:
باب من حلف بملة سوى الإسلام من طريق معلى بن أسد، عن وهيب
بهذا الإسناد، وأخرجه مسلم (110) في الايمان: باب غلظ
تحريم قتل الإنسان نفسه من طرق عن أبي قلابة، عن ثابت بن
الضحاك، وأخرجه أبو داود (3257) والترمذي (2636) والنسائي
7 / 5، 6.
(13/246)
129 - أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ مُحَمَّدُ
بنُ إِدْرِيْسَ بنِ المُنْذِر بنِ دَاوُدَ بنِ مِهْرَانَ *
(د، س، ت) وَابْنُهُ
الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، شَيْخُ
المُحَدِّثِيْنَ، الحَنْظَلِيُّ الغَطَفَانِيُّ، مِنْ
تَمِيْمِ بنِ حَنْظَلَةَ بنِ يَرْبُوْع.
وَقِيْلَ: عُرِفَ بِالحَنْظَلِيِّ لأَنَّهُ كَانَ يَسْكُنُ
فِي دَرْبِ حَنْظَلَةَ، بِمَدِيْنَة الرَّيِّ.
كَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، طَوَّفَ البِلاَدَ،
وَبَرَعَ فِي المَتْنِ وَالإِسْنَادِ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ،
وَجَرَحَ وَعَدَّلَ، وَصَحَّحَ وَعَلَّلَ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَأَوَّلُ كِتَابِهِ لِلْحَدِيْثِ كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ
وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ مِنْ نُظَرَاءِ البُخَارِيِّ، وَمِنْ
طَبَقَتِهِ، وَلَكِنَّهُ عُمِّرَ بَعْدَهُ أَزْيَدَ مِن
عِشْرِيْنَ عَاماً.
سَمِعَ: عُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَمُحَمَّدَ بنَ
عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ، وَالأَصْمَعِيَّ،
وَقَبِيْصَةَ، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَعَفَّانَ، وَعُثْمَانَ
بنَ الهَيْثَمِ المُؤَذِّن، وَأَبَا مُسْهِرٍ
الغَسَّانِيَّ، وَأَبَا اليَمَانِ، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي
مَرْيَمَ، وَزُهَيْرَ بنَ عَبَّادٍ، وَيَحْيَى بنَ
بُكَيْرٍ، وَأَبَا الوَلِيْدِ، وَآدَمَ بنَ أَبِي إِيَاسٍ،
وثَابِتَ بنَ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدَ، وَأَبَا زَيْدٍ
الأَنْصَارِيَّ النَّحْوِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ صَالِحٍ
العِجْلِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ صَالِحٍ الكَاتِبَ،
وَأَبَا الجُمَاهِرِ مُحَمَّدَ بنَ عُثْمَانَ، وَهَوْذَةَ
بنَ خَلِيْفَةَ، وَيَحْيَى
__________
(*) الجرح والتعديل: 1 / 349 - 375، و7 / 204، تاريخ
بغداد: 2 / 73 - 77، طبقات الحنابلة: 1 / 284 - 286، تاريخ
ابن عساكر: خ: 15 / 24 ب - 28 ب، المنتظم: 5 / 107 - 108،
تهذيب الكمال: خ: 1163 - 1164، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 182
- 183، تذكرة الحفاظ: 2 / 567 - 569، عبر المؤلف: 2 / 58،
الوافي بالوفيات: 2 / 183، طبقات السبكي: 2 / 207 - 211،
البداية والنهاية: 11 / 59، طبقات القراء لابن الجزري: 2 /
97، وفيه وفاته سنة (275)، تهذيب التهذيب: 9 / 31 - 34،
طبقات الحفاظ: 255، خلاصة تذهيب الكمال: 326، شذرات الذهب:
2 / 171.
(13/247)
الوُحَاظِيَّ، وَأَبَا تَوْبَةَ
الحَلَبِيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
وَيَنْزِلُ إِلَى: بُنْدَارٍ، وَأَبِي حَفْصٍ الفَلاَّسِ،
وَالرَّبِيْعِ المُرَادِيِّ، ثُمَّ إِلَى ابْنِ وَارَةَ،
وَمُحَمَّدِ بنِ عَوْفٍ.
وَيَتَعَذَّرُ اسْتِقْصَاءُ سَائِرَ (1) مَشَايِخِهِ.
فَقَدْ قَالَ الخَلِيْلِيُّ: قَالَ لِي أَبُو حَاتِمٍ
اللَّبَّانُ الحَافِظُ: قَدْ جَمَعْتُ مَنْ رَوَى عَنْهُ
أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، فَبَلَغُوا قَرِيْباً مِنْ
ثَلاَثَةِ آلاَفٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ الحَافِظُ الإِمَامُ؛ أَبُو
مُحَمَّدٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ،
وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَالرَّبِيْعُ بنُ
سُلَيْمَانَ المُؤَذِّنُ شَيْخَاهُ، وَأَبُو زُرْعَةَ
الرَّازِيُّ رَفِيْقُهُ وَقَرَابَتُهُ، وَأَبُو زُرْعَةَ
الدِّمَشْقِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَحْمَدُ
الرَّمَادِيُّ، وَمُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ،
وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو عَبْدِ
اللهِ البُخَارِيُّ - فِيْمَا قِيْلَ - وَأَبُو دَاوُدَ،
وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ فِي
(سُنَنِهِمَا)، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ
الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَحَاجِبُ بنُ أَرْكِيْنَ،
وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الكِنَانِيُّ، وَزَكَرِيَّا
بنُ أَحْمَدَ البَلْخِيُّ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ، وَأَبُو الحَسَنِ
عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ القَطَّانُ، وَأَبُو عَمْرٍو
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَكِيْمٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ
يَزِيْدَ الفَامِي (2) ، وَالقَاسِمُ بنُ صَفْوَانَ،
وَأَبُو بِشْرٍ الدُّوْلابِي، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ
حَسْنَوَيه، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَقَدْ حَدَّثَ فِي رَحْلاَتِهِ بِأَمَاكِنَ، وَارْتَحَلَ
بَابْنِهِ، وَلَقِيَ بِهِ أَصْحَابَ ابْنِ عُيَيْنَةَ،
وَوَكِيْعٍ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ
__________
(1) سائر الشئ: بقيته، لا كما يستخدمه بعضهم اليوم بمعنى
الكل.
قال عنترة بن شداد: إني امرؤ من خير عبس منصبا * شطري،
وأحمي سائري بالمنصل
(2) الفامي: نسبة إلى بيع الفواكه اليابسة، ويقال لبائعها:
البقال أيضا.
(اللباب).
(13/248)
المُرَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ
الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ الجَعْفَرِيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (خَيْرُ نِسَاءِ العَالِمِيْنَ مَرْيَمُ،
وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَخَدِيْجَةُ،
وَفَاطِمَةُ (1)).
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو حَاتِمٍ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ الهَمَذَانِيُّ الحَافِظُ:
حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ أَبِي صَالِحٍ، وَسُلَيْمَانُ
بنُ يَزِيْدَ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو
زُرْعَةَ عَنِّي، عَنْ أَبِي الجُمَاهِرِ، أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ
عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
يَرْفَعُهُ، قَالَ: (رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ (2)).
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ عِنْدِي هَذَا فِي قِرْطَاسٍ
فَضَاعَ.
رَوَاهُ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ.
__________
(1) إسناده قوي، وأخرجه أحمد 1 / 293 و316 و372 من طرق عن
داود بن أبي الفرات، عن علباء بن أحمر اليشكري، عن عكرمة،
عن ابن عباس بلفظ " أفضل نساء أهل الجنة..." وأورده
الهيثمي في " المجمع " 9 / 223، وزاد نسبته إلى أبي يعلى
والطبراني، وقال: رجاله رجال الصحيح وله شاهد من طريق عبد
الرزاق، عن معمر، عن قتادة عن أنس عند الترمذي (388) وأحمد
بلفظ " حسبك من نساء العالمين " وصححه الترمذي، والحاكم 3
/ 157، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان (2222) بالسند ذاته
لكن بلفظ " خير نساء العالمين -. "
(2) إسناده ضعيف لضعف عبد العزيز بن عبيد الله، وأورده
الهيثمي في " المجمع " 6 / 251، ونسبه للطبراني في الكبير
والاوسط، وضعفه بعبد العزيز.
قلت: لكن متن الحديث صحيح عن غير ابن عباس، فقد أخرجه من
حديث عائشة أبو داود (4398) والدارمي 2 / 171، وابن ماجه
(46. 2) وأحمد 6 / 100، و101 و144، وصححه ابن حبان (1496)
والحاكم 2 / 59، ووافقه الذهبي، وأخرجه من حديث علي أبو
داود (4399) و(4401) وصححه ابن خزيمة (1003) وابن حبان
(1497) والحاكم 2 / 59 و4 / 389، ووافقه الذهبي، وله شواهد
أخر انظرها في " نصب الراية " 4 / 161، 165، و" مجمع
الزوائد " 6 / 251.
(13/249)
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي
حَاتِمٍ: سَمِعْتُ مُوْسَى بنَ إِسْحَاقَ القَاضِي
يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ وَالِدِكَ.
وَكَانَ قَدْ لَقِيَ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ،
وَابْنَ نُمَيْرٍ، وَابْنَ مَعِيْنٍ، وَيَحْيَى
الحِمَّانِيَّ (1) .
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ أَبُو حَاتِمٍ أَحَدَ الأَئِمَّةِ
الحُفَّاظِ الأَثبَاتِ... أَوَّلُ سَمَاعِهِ سَنَةَ تِسْعٍ
وَمائَتَيْنِ (2) .
قَالَ أَبُو الشَّيْخِ الحَافِظُ: حَكَى لَنَا عَبْدُ
اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ: سَمِعْتُ أَبَا
حَاتِمٍ يَقُوْلُ:
نَحْنُ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، مِنْ قَرْيَةِ
جُرْوَكَانَ (3) ، وَأَهْلُنَا كَانُوا يَقْدُمُوْنَ
عَلَيْنَا فِي حَيَاةِ أَبِي، ثُمَّ انقَطَعُوا عَنَّا (4)
.
قَالَ الخَلِيْلِيُّ: كَانَ أَبُو حَاتِمٍ عَالِماً
بِاخْتِلاَفِ الصَّحَابَةِ، وَفِقْهِ التَّابِعِيْنَ،
وَمَنْ بَعْدَهُم، سَمِعْتُ جَدِّي وَجَمَاعَةً، سَمِعُوا
عَلِيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ القَطَّانَ يَقُوْلُ: مَا
رَأَيْتُ مِثْلَ أَبِي حَاتِمٍ!
فَقُلْنَا لَهُ: قَدْ رَأَيْتَ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ،
وَإِسْمَاعِيْلَ القَاضِي؟
قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَجْمَعَ مِنْ أَبِي حَاتِمٍ، وَلاَ
أَفْضَلَ مِنْهُ.
عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الرَّقَّامُ (5) ، سَمِعْتُ الحَسَنَ
بنَ الحُسَيْنِ الدَّارِسْتِيْنِيَّ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ، يَقُوْلُ: قَالَ لِي أَبُو
زُرْعَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحْرَصَ عَلَى طَلَبِ الحَدِيْثِ
مِنْكَ.
فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ابْنِي
لَحَرِيْصٌ.
فَقَالَ: (مَنْ أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَم (6)). قَالَ
الرَّقَّامُ:
__________
(1) الجرح والتعديل: 7 / 204.
(2) تاريخ بغداد: 2 / 73. وفيه: " وكان أول كتبه الحديث في
سنة تسع ومئتين ".
(3) كذا الأصل، وفي " معجم " ياقوت: جرواءان، بالضم ثم
السكون وواو وألفين بينهما همزة وآخره نون: محلة كبيرة
بأصبهان، وانظر الأنساب: 3 / 236.
(4) تاريخ ابن عساكر: خ: 15 / 26 ب.
(5) الرقام، بفتح الراء، والقاف المشددة: نسبة إلى رقم
الثياب. (اللباب).
(6) معناه: فما وضع الشبه في غير موضعه. قال الاصمعي: أصل
الظلم وضع الشئ =
(13/250)
فَسَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنِ
اتِّفَاقِ كَثْرَةِ السَّمَاعِ لَهُ، وَسُؤَالاَتِهِ
لأَبِيهِ، فَقَالَ:
رُبَّمَا كَانَ ي?أْكُلُ وَأَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَيَمْشِي
وَأَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَيَدْخُلُ الخَلاَءَ وَأَقْرَأُ
عَلَيْهِ، وَيَدْخُلُ البَيْتَ فِي طَلَبِ شَيْءٍ
وَأَقْرَأُ عَلَيْهِ (1) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ: مَا
رَأَيْتُ بَعْدَ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى
أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ،
وَلاَ أَعْلَمَ بِمَعَانِيه (2) .
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ صَفْوَانَ،
سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ يَقُوْلُ:
أَوْرَعُ مَنْ رَأَيْتُ أَرْبَعَةً:
آدَمُ (3) ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وثَابِتُ بنُ
مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ.
قَالَ القَاسِمُ: فَذَكَرْتُهُ لِعُثْمَانَ بنِ
خُرَّزَاذَ، فَقَالَ: أَنَا أَقُوْلُ أَحْفَظُ مَنْ
رَأَيْتُ أَرْبَعَةً:
مُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ الضَّرِيْرُ، وَإِبْرَاهِيْمُ
بنُ عَرْعَرَةَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ (4) .
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عَبْدِ
الأَعْلَى يَقُوْلُ:
أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ إِمَامَا خُرَاسَانَ،
وَدَعَا لَهُمَا، وَقَالَ: بَقَاؤُهُمَا صَلاَحٌ
لِلْمُسْلِمِيْنَ (5) .
__________
= في غير موضعه. وقد حكاه كعب بن زهير في بعض شعره فقال:
أقول شبيهات بما قال عالما * بهن ومن يشبه أباه فما ظلم
والبيت من قصيدة مطلعها: أتعرف رسما بين رهمان فالرقم *
إلى ذي مراهيط كما خط بالقلم انظر: ديوان كعب: 65 (ط. دار
الكتب 1950، نسخة مصورة)، و: أمثال أبي عبيد: 145، 260،
(ط. دار المأمون 1981)، أمثال أبي عكرمة الضبي: 67 - 70،
الحيوان: 1 / 332، الفاخر، 103، جمهرة الأمثال: 2 / 244،
الوسيط في الأمثال: 155 - 156، مجمع الأمثال: 2 / 300 -
301، (ط 1955) المستقصى للزمخشري: 2 / 352 - 353، نهاية
الارب، 3 / 52.
(1) تاريخ ابن عساكر: خ: 15 / 27 أ، والزيادة منه.
(2) انظر: تذكرة الحفاظ: 2 / 568.
(3) أي: آدم بن أبي إياس، من رجال الطبقة التاسعة. (انظر:
التقريب).
(4) تاريخ بغداد، 2 / 75.
(5) انظر: الجرح والتعديل، 1 / 334، و: 5 / 325.
(13/251)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ
مُكْرَمٍ: سَمِعْتُ حَجَّاجَ بنَ الشَّاعِرِ، وَذَكَرْتُ
لَهُ أَبَا زُرْعَةَ، وَابْنَ وَارَةَ، وَأَبَا جَعْفَرٍ
الدَّارِمِيَّ، فَقَالَ: مَا بِالمَشْرِقِ أَنْبَلُ
مِنْهُم.
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ لِي هِشَامُ
بنُ عَمَّارٍ، أَيُّ شَيْء تَحْفَظُ مِنَ الأَذْوَاءِ؟
قُلْتُ: ذُو الأَصَابِعِ، وَذُو الجَوْشَنِ، وَذُو
الزَّوَائِدِ، وَذُو اليَدَيْنِ، وَذُو اللِّحْيَةِ
الكِلابِيّ، وَعَدَدْتُ لَهُ سِتَّة، فَضَحِكَ، وَقَالَ:
حَفِظْنَا نَحْنُ ثَلاَثَةً، وَزِدْتَ أَنْتَ ثَلاَثَةً
(1) .
قَالَ الحَافِظُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: كَانَ
أَبُو حَاتِمٍ مِنْ أَهْلِ الأَمَانَةِ وَالمَعْرِفَةِ.
وَقَالَ هِبَةُ اللهِ اللاَّلْكَائِيُّ (2) : كَانَ أَبُو
حَاتِمٍ إِمَاماً حَافِظاً مُتَثَبِّتاً.
وَذَكَرَهُ اللاَّلْكَائِيُّ فِي شُيُوْخِ البُخَارِيِّ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي زُرْعَةَ يَوْماً تَمْيِّيزُ
الحَدِيْثِ وَمَعْرِفَتُهُ، فَجَعَلَ يَذْكُرُ أَحَادِيْثَ
وَعلَلَهَا، وَكَذَلِكَ كُنْتُ أَذْكُرُ أَحَادِيْثَ خَطَأ
وَعللهَا، وَخَطَأ الشُّيُوْخِ، فَقَالَ لِي:
يَا أَبَا حَاتِمٍ! قَلَّ مَنْ يَفْهُم هَذَا، مَا أَعَزُّ
هَذَا! إِذَا رَفَعْتَ هَذَا مِنْ وَاحِدٍ وَاثْنَيْنِ
فَمَا أَقَلَّ مَنْ تَجِدُ مَنْ يُحْسِنُ هَذَا!
وَرُبَّمَا أَشُكُّ فِي شَيْءٍ، أَوْ يَتَخَالَجُنِي فِي
حَدِيْثٍ، فَإِلَى أَنْ أَلْتَقِي مَعَكَ لاَ أَجِدُ مَنْ
يَشْفِينِي مِنْهُ.
قَالَ أَبِي: وَكَذَلِكَ كَانَ أَمْرِي (3) .
__________
(1) الجرح والتعديل: 1 / 358 - 359. وفيه: " وزدتنا أنت
ثلاثة ".
(2) اللالكائي، بعد اللام ألف لام وكاف مفتوحة، نسبة إلى
بيع اللوالك التي تلبس في الارجل. (اللباب).
(3) الجرح والتعديل: 1 / 356. والزيادة منه. وانظر: تاريخ
بغداد: 2 / 76.
(13/252)
صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ:
حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ أَبِي صَالِحٍ، سَمِعْتُ أَبَا
حَاتِمٍ يَقُوْلُ: قَالَ لِي أَبُو زُرْعَةَ:
تَرْفَعُ يَدَيْكَ فِي القُنُوْتِ؟
قُلْتُ: لاَ، فَتَرْفَعُ أَنْتَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَمَا حُجَّتُكَ؟
قَالَ: حَدِيْثُ ابْنِ مَسْعُوْدٍ.
قُلْتُ (1) : رَوَاهُ لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ.
قَالَ (2) : فَحَدِيْثُ أَبِي هُرَيْرَةَ؟
قُلْتُ (3) : رَوَاهُ ابْنُ لَهِيْعَةَ.
قَالَ: حَدِيْثُ ابْنِ عَبَّاسٍ؟
قُلْتُ: رَوَاهُ عَوْفٌ.
قَالَ: فَمَا حُجَّتُكَ فِي تَرْكِهِ؟
قُلْتُ: حَدِيْثَ أَنَسَ بنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُوْلَ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كَانَ لاَ
يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الدُّعَاءِ، إِلاَّ فِي
الاسْتِسْقَاء).
فَسَكَتَ (4) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ
(الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ (5)) لَهُ:
سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: جَاءنِي رَجُلٌ مِنْ جِلَّةِ
أَصْحَابِ الرَّأْي، مِنْ أَهْلِ الفَهْمِ مِنْهُم،
وَمَعَهُ دَفْتَرٌ، فَعَرَضَهُ عَلَيَّ، فَقُلْتُ فِي
بَعْضِه: هَذَا حَدِيْثٌ خَطَأٌ، قَدْ دَخَلَ لِصَاحِبِهِ
حَدِيْثٌ فِي حَدِيْثٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ، وَهَذَا
مُنْكَرٌ، وَسَائِرُ ذَلِكَ صِحَاح.
فَقَالَ: مِنَ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنَّ ذَاكَ خَطَأٌ،
وَذَاكَ بَاطِلٌ، وَذَاكَ كَذِبٌ؟ أَأَخْبَرَكَ رَاوِي
هَذَا الكِتَابِ بِأَنِّي غَلِطْتُ، أَوْ بِأَنِي كَذَبْتُ
فِي حَدِيْثِ كَذَا؟
قُلْتُ: لاَ، مَا أَدْرِي هَذَا الجُزْء مَنْ رَاوِيْهِ،
غَيْرَ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الحَدِيْثَ خَطَأٌ،
وَأَنَّ
__________
(1) (3): في الأصل: " قال ". والتصحيح من " تاريخ بغداد ".
(2) في الأصل: " قلت " والتصحيح من " تاريخ بغداد ".
(4) الخبر في: تاريخ بغداد: 2 / 76، وحديث أنس أخرجه
البخاري 2 / 429 في الاستسقاء، باب رفع الامام يده في
الاستسقاء، ومسلم (895) (7) قال: كان النبي لا يرفع يديه
في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وإنه يرفع حتى يرى بياض
إبطه. وظاهر هذا الحديث
نفي الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء، وهو معارض بالاحاديث
الثابتة في الرفع في غير الاستسقاء، وهي كثيرة أفردها
البخاري بترجمته في كتاب الدعوات من " صحيحه " 11 / 119،
121، وساق فيها عدة أحاديث، وألف الحافظ المنذري جزءا فيها
سرد منها النووي في " الاذكار " " وشرح المهذب " جملة،
والحافظ في " الفتح " وقد قال العلماء: إن المنفي في حديث
أنس صفة خاصة لا أصل الرفع.
(5) انظر: 1 / 349 - 350، والزيادة منه.
(13/253)
هَذَا بَاطِلٌ (1) .
فَقَالَ: تَدَّعِي الغَيْبَ؟
قُلْتُ: مَا هَذَا ادِّعَاءُ غَيْبٍ.
قَالَ: فَمَا الدَّلِيْلُ عَلَى مَا قُلْتَ؟
قُلْتُ: سَلْ عَمَّا قُلْتُ، مَنْ يُحْسِنُ مِثْلَ مَا
أُحْسِنُ، فَإِنْ اتَّفَقْنَا عَلِمْتَ أَنَّا لَمْ
نُجَازِفْ وَلَمْ نَقُلْهُ إِلاَّ بِفَهْمٍ.
قَالَ (2) : وَيَقُوْلُ أَبُو زُرْعَةَ كَقَوْلِكَ؟
قُلْتُ: نَعْم.
قَالَ: هَذَا عَجَبٌ.
قَالَ: فَكَتَبَ فِي كَاغَد (3) أَلفَاظِي فِي تِلْكَ
الأَحَادِيْثَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ، وَقَدْ كَتَبَ
أَلْفَاظَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَبُو زُرْعَةَ فِي تِلْكَ
الأَحَادِيْثَ، فَقَالَ: مَا قُلْتَ إِنَّهُ كَذِبٌ، قَالَ
أَبُو زُرْعَةَ: هُوَ بَاطِلٌ.
قُلْتُ: الكَذِبُ وَالبَاطِلُ وَاحِدٌ.
قَالَ: وَمَا قُلْتَ إِنَّهُ مُنْكَرٌ، قَالَ: هُوَ
مُنْكَرٌ، كَمَا قُلْتَ، وَمَا قُلْتَ: إِنَّهُ صَحِيْحٌ،
قَالَ: هُوَ صَحِيْحٌ.
ثُمَّ قَالَ: مَا أَعَجَبَ هَذَا! تَتَّفَقَان مِنْ غَيْر
مُوَاطَأَةٍ فِيمَا بَيْنَكُمَا.
قُلْتُ: فَعِنْدَ ذَلِكَ عَلِمْتَ أَنَّا لَمْ نُجَازِفْ
(4) ، وَأَنَّا قُلْنَا بِعِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ قَدْ
أُوْتِيْنَاهُ، وَالدَّلِيْلُ عَلَى صِحَّةِ مَا
نَقُوْلُهُ أَنَّ دِيْنَاراً بَهْرَجاً يُحْمَلُ إِلَى
النَّاقِدِ، فَيَقُوْلُ: هَذَا بَهْرَجٌ.
فَإِنْ قِيْلَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ: إِنَّ هَذَا
بَهْرَجٌ؟ هَلْ كُنْتَ حَاضِراً حِيْنَ بُهْرِجَ هَذَا
الدِّينَارُ؟
قَالَ: لاَ.
وإِنْ قِيْلَ: أَخْبَرَكَ الَّذِي بَهْرَجَهُ؟
قَالَ: لاَ.
قِيْلَ: فَمَنْ أَيْنَ قُلْت؟
قَالَ: عِلْماً رُزِقْتُهُ.
وَكَذَلِكَ نَحْنُ رُزِقْنَا مَعْرِفَةَ ذَلِكَ،
وَكَذَلِكَ إِذَا حُمِلَ إِلَى جَوْهَرِيٍّ فَصُّ
يَاقُوْتٍ، وَفَصُّ زُجَاجٍ، يَعرِفُ ذَا مِنْ ذَا،
وَيَقُوْلُ كَذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ نَحْنُ رُزِقْنَا عِلْماً، لاَ يتَهَيَّأُ لَهُ
أَنْ نُخْبِرُكَ كَيْفَ عَلِمْنَا بِأَنَّ هَذَا كَذِبٌ،
أَوْ هَذَا مُنْكَرٌ، فَنَعْلَمُ صِحَّةَ الحَدِيْثِ
بِعَدَالَةِ نَاقِلِيْهِ، وَأَنْ يَكُوْنَ كَلاَماً
يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كَلاَمَ النُّبُوَّةِ، وَنَعْرِفُ
سَقَمَهُ وَإِنْكَارَهُ بتَفَرَّدِ مَنْ لَمْ تَصِحَّ
عَدَالَتُهُ.
__________
(1) زاد في " الجرح " هنا: " وأن هذا الحديث كذب ".
(2) وزاد هنا أيضا: " من هو الذي يحسن مثل ما تحسن ؟ قلت:
أبو زرعة. قال: ويقول...".
(3) الكاغد: القرطاس.
(4) عبارة " الجرح ": " قلت: فقد ذلك أنا لم نجازف ".
(13/254)
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: قُلْتُ
عَلَى بَابِ أَبِي الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيِّ:
مَنْ أَغْرَبَ عَلَيَّ حَدِيْثاً غَرِيْباً مُسْنَداً لَمْ
أَسْمَعْ بِهِ صَحِيْحاً فَلَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ
يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَكَانَ ثَمَّ خَلْقٌ:
أَبُو زُرْعَةَ، فَمَنْ دُوْنَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ
مُرَادِي أَن يُلْقَى عَلَيَّ مَا لَمْ أَسْمَعْ بِهِ،
فَيَقُوْلُوْنَ: هُوَ عِنْدَ فُلاَنٍ، فَأَذْهَبُ
وَأَسْمَعَهُ (1) ، فَلَمْ يَتَهَيَّأَ لأَحَدٍ أَن
يُغْرِبَ عَلَيَّ حَدِيْثاً (2) .
وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ
الأَسْفَاطِيُّ قَدْ وَلِعَ بِالتَّفْسِيْرِ
وَتَحَفُّظِهِ، فَقَالَ يَوْماً: مَا تَحْفَظُوْنَ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى : {فَنَقَّبُوا فِي البِلاَدِ } [ق:
36].
فَبَقِيَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ يَنْظُرُ بَعْضُهُم إِلَى
بَعْضٍ، فَقُلْتُ:
حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ،
عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ: ضَرَبُوا فِي البِلاَدِ.
فَاسْتحسنَ (3) .
سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى
النَّيْسَابُوْرِيُّ الرَّيَّ، فَأَلقَيْتُ عَلَيْهِ
ثَلاَثَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، مِنْ حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ،
فَلَمْ يَعْرِفْ مِنْهَا إِلاَّ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ،
وَسَائِرُ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ، وَلَمْ
يَعْرِفْهَا (4) .
سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: أَوَّلُ سنَةٍ خَرَجْتُ فِي
طَلَبِ الحَدِيْثِ، أَقَمْتُ سَبْعَ سِنِيْنَ، أَحْصَيْتُ
مَا مَشَيْتُ عَلَى قَدَمِي زِيَادَةً عَلَى أَلفِ
فَرْسَخٍ.
قُلْتُ: مَسَافَةُ ذَلِكَ نَحْوُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ،
سَيْرَ الجَادَّة.
قَالَ: ثُمَّ تَرَكْتُ العَدَدَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَخَرَجْتُ
مِنَ البَحْرَيْنِ إِلَى مِصْرَ مَاشِياً، ثُمَّ إِلَى
الرَّمْلَةِ مَاشِياً، ثُمَّ إِلَى دِمَشْقَ، ثُمَّ
أَنْطَاكِيَةَ وَطَرَسُوْسَ، ثُمَّ
__________
(1) زاد في " الجرح " هنا: " وكان مرادي أن استخرج منهم ما
ليس عندي ".
(2) الجرح والتعديل: 1 / 355، والزيادة منه.
(3) الجرح والتعديل: 1 / 357. والزيادة منه.
(4) الجرح والتعديل: 1 / 358.
(13/255)
رَجَعْتُ إِلَى حِمْصَ، ثُمَّ إِلَى
الرَّقَّةِ، ثُمَّ رَكِبْتُ إِلَى العِرَاقِ، كُلُّ هَذَا
فِي سَفَرِي الأَوَّل وَأَنَا ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
خَرَجْتُ مِنَ الرَّيِّ، فَدَخَلْتُ الكُوْفَةَ فِي
رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، وَجَاءنَا نَعِيُّ
المُقْرِئ (1) وَأَنَا بِالكُوْفَةِ، ثُمَّ رَحَلْتُ
ثَانِياً سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ، ثُمَّ
رَجَعْتُ إِلَى الرَّيِّ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ،
وَحَجَجْتُ رَابِعَ حِجَّةٍ فِي سَنَةِ خَمْسٍ
وَخَمْسِيْنَ.
وَحَجَّ فِيْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ؛ ابْنُهُ (2) .
سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَتَبَ عَنِّي مُحَمَّدُ بنُ
مُصَفَّى جُزْءاً انتَخَبَهُ (3) .
وَكَلَّمَنِي دُحَيْمٌ فِي حَدِيْثِ أَهْلِ طَبَرِيَّةَ،
وَكَانُوا سَأَلُوْنِي التَّحْدِيْثَ، فَقُلْتُ: بَلْدَةٌ
يَكُونُ فِيْهَا مِثْلُ دُحَيْمٍ القَاضِي أُحَدِّثُ أَنَا
بِهَا؟!
فَكَلَّمَنِي دُحَيْمٌ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ بَلْدَةٌ
نَائِيَةٌ عَنْ جَادَّةِ الطَّرِيْقِ، فَقَلَّ مَنْ
يَقْدَمُ عَلَيْهِم يُحَدِّثُهُم (4) .
سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: بَقِيْتُ فِي سَنَةِ أَرْبَعَ
عَشْرَةَ، ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ بِالبَصْرَةِ، وَكَانَ فِي
نَفْسِي أَنْ أُقِيْمَ سَنَةً، فَانْقَطَعَتْ نَفَقَتِي،
فَجَعَلْتُ أَبِيْعُ ثِيَابِي حَتَّى نَفِدَتْ، وَبَقَيْتُ
بِلاَ نَفَقَةٍ، وَمَضَيْتُ أَطُوْفُ مَعَ صَدِيْقٍ لِي
إِلَى المَشْيَخَةِ، وَأَسْمَعُ إِلَى المَسَاءِ،
فَانْصَرَفَ رَفِيْقِي، وَرجَعْتُ إِلَى بَيْتِي،
فَجَعَلْتُ أَشْرَبُ المَاءَ مِنَ الجُوْعِ، ثُمَّ
أَصْبَحْتُ، فَغَدَا عَلَيَّ رَفِيْقِي، فَجَعَلْتُ
أَطُوْفُ مَعَهُ فِي سَمَاعِ الحَدِيْثِ عَلَى جُوْعٍ
شَدِيْدٍ، وَانصَرَفْتُ جَائِعاً، فَلَمَّا كَانَ مِنَ
الغَدِ،
__________
(1) هو: أبو عبد الرحمن، عبد الله بن يزيد.
قال الذهبي في " عبره ": 1 / 364: " شيخ مكة وقارئها
ومحدثها...أقرأ القرآن سبعين سنة ".
(2) انظر " الجرح والتعديل: 1 / 359 - 360.
(3) المصدر السابق: 1 / 361.
(4) المصدر السابق.
(13/256)
غَدَا عَلَيَّ، فَقَالَ: مُرَّ بِنَا إِلَى
المَشَايِخِ.
قُلْتُ: أَنَا ضَعِيْفٌ لاَ يُمْكِنُنِي.
قَالَ: مَا ضَعْفُكَ؟
قُلْتُ: لاَ أَكْتُمُكُ أَمْرِي، قَدْ مَضَى يَوْمَان مَا
طَعمتُ فِيْهِمَا شَيْئاً.
فَقَالَ: قَدْ بَقِيَ مَعِيَ دِيْنَارٌ، فَنِصْفُهُ لَكَ،
وَنَجْعَلُ النِّصْفَ الآخَرَ فِي الكِرَاءِ، فَخَرَجْنَا
مِنَ البَصْرَةِ، وَأَخَذْتُ مِنْهُ النِّصْفَ دِيْنَار(1)
.
وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: خَرَجْنَا مِنَ المَدِيْنَةِ،
مِنْ عِنْدِ دَاوُدَ الجَعْفَرِيِّ، وَصِرْنَا إِلَى
الجَارِ وَرَكِبْنَا البَحْرَ، فَكَانَتِ الرِّيْحُ فِي
وَجُوْهِنَا، فَبَقِيْنَا فِي البَحْرِ ثَلاَثَةَ
أَشْهُرٍ، وَضَاقتْ صُدُوْرُنَا، وَفَنِيَ مَا كَانَ
مَعَنَا (2) ، وَخَرَجْنَا إِلَى البَرِّ نَمْشِي
أَيَّاماً، حَتَّى فَنِيَ مَا تَبَقَّى مَعَنَا مِنَ
الزَّادِ وَالمَاءِ، فَمَشَيْنَا يَوْماً لَمْ نَأْكلْ
وَلَمْ نَشْرَبْ، وَيَوْمَ الثَّانِي كَمثل، وَيَوْمَ
الثَّالِثِ، فَلَمَّا كَانَ يَكُوْنُ المَسَاءَ
صَلَّيْنَا، وَكُنَّا نُلْقِي بِأَنْفُسِنَا حَيْثُ
كُنَّا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ،
جَعَلنَا نَمْشِي عَلَى قَدْرِ طَاقَتِنَا، وَكُنَّا
ثَلاَثَةَ أَنْفُسٍ: شَيْخٌ نَيْسَابُورِيٌّ، وَأَبُو
زُهَيْرٍ المَرْوَرُّوْذِيُّ، فَسَقَطَ الشَّيْخُ
مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، فَجِئْنَا نُحَرِّكُهُ وَهُوَ لاَ
يَعْقِلُ، فَتَرَكْنَاهُ، وَمَشَيْنَا قَدْرَ فَرْسَخٍ،
فَضَعُفْتُ، وَسَقَطْتُ مَغْشِيّاً عَلِيَّ، وَمَضَى
صَاحِبِي يَمْشِي، فَبَصُرَ مِنْ بُعْدٍ قَوْماً،
قَرَّبُوا سَفِيْنَتَهُم مِنَ البِرِّ، وَنَزَلُوا عَلَى
بِئْرِ مُوْسَى، فَلَمَّا عَايَنَهُم، لَوَّحَ بِثَوْبِهِ
إِلَيْهِم، فَجَاؤُوهُ مَعَهُم مَاءٌ فِي إِدْاوَةٍ (3) .
فَسَقَوْهُ وَأَخَذُوا بِيَدِهِ.
فَقَالَ لَهُم: الحَقُوا رَفِيْقَيْنِ لِي، فَمَا شَعَرْتُ
إِلاَّ بِرَجُلٍ يَصُبُّ المَاءَ عَلَى وَجْهِي،
فَفَتَحْتُ عَيْنِيَّ، فَقُلْتُ: اسقِنِي، فَصَبَّ مِنَ
المَاءِ فِي مَشْربَةٍ قَلِيْلاً، فَشَرِبْتُ، وَرَجَعَتْ
إِليَّ نَفْسِي، ثُمَّ سَقَانِي قَلِيْلاً، وَأَخَذَ
بِيَدِي، فَقُلْتُ: وَرَائِي شَيْخٌ مُلْقَى، فَذَهَبَ
جَمَاعَةٌ إِلَيْهِ، وَأَخَذَ بِيَدِي، وَأَنَا
__________
(1) انظر: الجرح والتعديل: 1 / 363 - 364. والزيادة منه.
(2) أضاف هنا في " الجرح ": " من الزاد، وبقيت بقية ".
(3) الاداوة: المطهرة، وهي أناء صغير يحمل فيه الماء.
(13/257)
أَمشِي وَأَجُرُّ رِجْلَيَّ، حَتَّى إِذَا
بَلغْتُ إِلَى عِنْدِ سَفِيْنَتِهِم، وَأَتَوا
بِالشَّيْخِ، وَأَحْسَنُوا إِليْنَا، فَبَقِينَا أَيَّاماً
حَتَّى رَجَعَتْ إِلَيْنَا أَنْفُسُنَا، ثُمَّ كَتَبُوا
لَنَا كِتَاباً إِلَى مَدِيْنَةٍ يُقَالُ لَهَا: رَايَة
(1) ، إِلَى وَالِيهِم، وَزَوَّدُونَا مِنَ الكَعْكِ
وَالسَوِيْقِ وَالمَاءِ.
فَلَمْ نَزَلْ نَمْشِي حَتَّى نَفِدَ مَا كَانَ مَعَنَا
مِنَ المَاءِ وَالقُوْتِ، فَجَعَلْنَا نَمْشِي جِيَاعاً
عَلَى شَطِّ البَحْرِ، حَتَّى دُفِعْنَا إِلَى سُلَحْفَاةٍ
مِثْلَ التُّرْسِ، فَعَمَدْنَا إِلَى حَجَرٍ كَبِيْرٍ،
فَضَرَبْنَا عَلَى ظَهْرِهَا، فَانْفَلَقَ، فَإِذَا
فِيْهَا مِثْلُ صُفْرَةِ البَيْضِ، فَتَحَسَّيْنَاهُ
حَتَّى سَكَنَ عَنَّا الجُوْعَ ٌ ثُمَّ وَصَلْنَا إِلَى
مَدِيْنَةِ الرَّايَةِ، وَأَوْصَلْنَا الكِتَابَ إِلَى
عَامِلِهَا، فَأَنْزَلَنَا فِي دَارِهِ، فَكَانَ يُقَدِّمُ
لَنَا كُلَّ يَوْمٍ القَرْعَ، وَيَقُوْلُ لخَادِمِهِ:
هَاتِي لَهُم اليَقْطِيْنَ المُبَارَكِ، فَيُقَدِّمُهُ
مَعَ الخُبْزِ أَيَّاماً.
فَقَالَ وَاحِدٌ مِنَّا: أَلاَ تَدْعُو بِاللَّحْمِ
المَشْؤُومِ؟! فسَمِعَ صَاحِبُ الدَّارِ، فَقَالَ: أَنَا
أُحْسِنُ بِالفَارِسِيَّةِ، فَإِنَّ جَدَّتِي كَانَتْ
هَرَوِيَّة، وَأَتَانَا بَعْدَ ذَلِكَ بِاللَّحْمِ، ثُمَّ
زَوَّدَنَا إِلَى مِصْرَ (2) .
وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَتَبْتُ الحَدِيْثَ سَنَةَ
تِسْعٍ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً،
وَكَتَبْتُ عَنْ عَتَّابِ بنِ زِيَادٍ المَرْوَزِيِّ (3)
سَنَةَ عَشْرٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا حَاجّاً (4)
وَكُنْتُ أُفِيْدُ النَّاسَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
المُقْرِئ، وَأَنَا بِالرَّيِّ، فَيَخْرُجُ النَّاسُ
إِلَيْهِ، فَيَسْمَعُوْنَ مِنْهُ، وَيَرْجِعُوْنَ وَأَنَا
بِالرَّيِّ (5) .
__________
(1) الراية: محلة عظيمة بفسطاط مصر، وهي المحلة التي في
وسطها جامع عمرو بن العاص. انظر سبب التسمية عند: ياقوت.
(2) انظر: الجرح والتعديل: 1 / 364 - 366. والزيادة منه.
(3) في الأصل: " عتاب بن زهير الهروي ". وهو خطأ. والتصويب
من " الجرح ". وهو من رجال " التهذيب ".
(4) عبارة " الجرح ": " قدم علينا من خراسان يريد الحج ".
(5) الجرح والتعديل: 1 / 366.
(13/258)
وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَتَبْتُ
عِنْدَ عَارِمٍ وَهُوَ يَقْرَأُ.
وَكَتَبْتُ عِنْدَ عَمْرِو بنِ مَرْزُوْقٍ وَهُوَ
يَقْرَأُ، وَسِرْتُ مِنَ الكُوْفَةِ إِلَى بَغْدَادَ مَا
لاَ أُحْصِي كَمْ مَرَّةً (1) .
ابْنُ حِبَّانَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ، قَالَ:
كَانَ أَبُو نُعَيْمٍ يَوْماً جَالِساً، وَرَجُلٌ فِي
نَاحِيَةِ المَجْلِسِ يَقُوْلُ:
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ، قَالَ:
فَنَظَرَ إِلَيْهِ أَبُو نُعَيْمٍ، وَقَالَ: كَذَبَ
الدَّجَّالُ، مَا سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ جُرَيْجٍ شَيْئاً.
ابْنُ حِبَّانَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ، حَدَّثَنَا
مُؤَمَّلُ بنُ يَهَاب، عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ،
قَالَ:
كَانَ بِوَاسِطَ رَجُلٌ يَرْوِي عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ،
أَحْرُفاً، ثُمَّ قِيْلَ: إِنَّهُ أَخْرَجَ كِتَاباً عَنْ
أَنَسٍ، فَأَتَيْنَاهُ، فَقُلْنَا لَهُ: هَلْ عِنْدَكَ
مِنْ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الأَحْرُفُ؟
فَقَالَ: نَعَمْ، عِنْدِي كِتَابٌ عَنْ أَنَسٍ.
فَقُلْنَا: أَخْرِجْهُ، فَأَخْرَجَهُ، فَنَظَرْنَا فَإِذَا
هِيَ أَحَادِيْثُ شَرِيْكِ بنِ عَبْدِ اللهِ (2) ، فجَعَلَ
يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ.
فَقُلْنَا: هَذِهِ أَحَادِيْثُ شَرِيْكٍ.
فَقَالَ: صَدَقْتُم، حَدَّثَنَا أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، عَنْ
شَرِيْكٍ، قَالَ: فَأَفْسَدَ عَلَيْنَا تِلْكَ الأَحْرُفَ
الَّتِي سَمِعْنَاهَا مِنْهُ، وَقُمْنَا عَنْهُ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ
(الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ)، لَهُ: حَدَّثَنَا أَبِي،
وَأَبُو زُرْعَةَ، قَالَ:
كَانَ يُحْكَى لَنَا أَنَّ هُنَا رَجُلاً مِنْ قِصَّتِهِ
هَذَا، فَحَدَّثَنِي أَبُو زُرْعَةَ، قَالَ:
كَانَ بِالبَصْرَةِ رَجُلٌ، وَأَنَا مُقِيْمٌ سَنَةَ
ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَحَدَّثَنِي عُثْمَانُ بنِ
عَمْرِو بنِ الضَّحَّاكِ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ:
إِنْ لَمْ يَكُنِ القُرْآنُ مَخْلُوْقاً فَمَحَا اللهُ مَا
فِي صَدْرِي مِنَ القُرْآن.
وَكَانَ مِنْ قُرَّاءِ القُرْآن، فَنَسِيَ القُرْآنَ
حَتَّى كَانَ يُقَالُ لَهُ: قُل : {بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ } فَيَقُوْلُ:
__________
(1) انظر: الجرح والتعديل: 1 / 367.
(2) في الأصل: " عبيد الله ".
(13/259)
مَعْرُوْفٌ مَعْرُوْفٌ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ
بِهِ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: فَجَهِدُوا بِهِ أَنْ أَرَاهُ،
فَلَمْ أَرَهُ.
وَقَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ اللاَّلْكَائِيُّ:
وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي حَاتِمٍ مُحَمَّدِ بنِ
إِدْرِيْسَ الحَنْظَلِيِّ، مِمَّا سَمِعَ مِنْهُ،
يَقُوْلُ: مَذْهَبُنَا وَاخْتِيَارُنَا اتِّبَاعُ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ
وَالتَّابِعِيْنَ، وَالتَّمَسُّكُ بِمَذَاهِبِ أَهْلِ
الأَثَرِ، مِثْل الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ،
وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَلُزُوْمُ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ،
وَنَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى عَرْشِهِ
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ
} [الشُّوْرَى: 11] وَأَنَّ الإِيْمَانَ يَزِيْدُ
وَيَنْقُصُ، وَنُؤمِنُ بعَذَابِ القَبْرِ، وَبَالحَوْضِ،
وَبَالمُسَائَلَةِ فِي القَبْرِ، وَبَالشَّفَاعَةِ،
وَنَتَرَحَّمُ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ .... وَذَكَرَ
أَشْيَاءً.
إِذَا وَثَّقَ أَبُو حَاتِمٍ رَجُلاً فَتَمَسَّكْ
بِقَولِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يُوَثِّقُ إِلاَّ رَجُلاً
صَحِيْحَ الحَدِيْثِ، وَإِذَا لَيَّنَ رَجُلاً، أَوْ قَالَ
فِيْهِ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ، فَتَوَقَّفْ حَتَّى تَرَى مَا
قَالَ غَيْرُهُ فِيْهِ، فَإِنْ وَثَّقَهُ أَحَدٌ، فَلاَ
تَبْنِ عَلَى تَجْرِيْحِ أَبِي حَاتِمٍ، فَإِنَّهُ
مُتَعَنِّتٌ فِي الرِّجَالِ (1) ، قَدْ قَالَ فِي
طَائِفَةٍ مِنْ رِجَالِ (الصِّحَاحِ): لَيْسَ بِحُجَّةٍ،
لَيْسَ بِقَوِيٍّ، أَوْ نَحْو ذَلِكَ.
وَآخِرُ مِنْ حَدَّثَ عَنْهُ هُوَ: مُحَمَّدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُوْسَى الرَّازِيُّ، عَاشَ إِلَى
بَعْدَ سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ المُؤَيَّدِ (2) ،
أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ يَحْيَى بنِ هِبَة
__________
(1) وقد وصفه بذلك أيضا الحافظ في مقدمة الفتح ص 441، فقد
جاء فيها: محمد بن أبي عدي البصري من شيوخ أحمد، قال عمرو
بن علي: أحسن عبد الرحمن بن مهدي الثناء عليه، وقال أبو
حاتم والنسائي وابن سعد: ثقة، وفي " الميزان " ان أبا حاتم
قال: لا يحتج به، فينظر في ذلك، وأبو حاتم عنده عنت.
(2) ترجمه المؤلف في " مشيخته ": خ: ق: 4 - 5، وتقدمت
الإشارة إليه في الصفحة: (236)، ت: 3.
(13/260)
اللهِ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو
القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ قَفَرْجَل،
أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ الفَارِسِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ
الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي بَحِيْرُ بنُ
سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ
نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:
عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ابْنُ آدَمَ!
ارْكَعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ
أَكْفِكَ آخِرَهُ (1)).
أَخْبَرَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ (2) ، وَابْنُ
عَلاَّنَ (3) كِتَابَةً، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ
مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ الحُبَابِ
بِالشَّامِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ
أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (احْتَجَّ آدَمُ وَمُوْسَى، فَحَجَّ آدمُ مُوْسَى)
(4) .
__________
(1) إسناده حسن، وأخرجه الترمذي (475) في الصلاة: باب ما
جاء في صلاة الضحى من طريق أبي جعفر السمناني، حدثنا أبو
مسهر بهذا الإسناد إلا أنه قال: عن أبي الدرداء وأبي ذر،
وأخرجه أحمد 6 / 440 و451 من طريق أبي المغيرة وأبي
اليمان، كلاهما عن صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد، عن أبي
الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عزوجل
يقول: ابن آدم لا تعجز من أربع ركعات أول النهار أكفك آخره
" وهذا إسناد صحيح، وفي الباب عن نعيم بن حماد عند أحمد 5
/ 286 و287، وأبي داود (1289) والدارمي 1 / 338 وإسناده
صحيح. وأخرجه أحمد 4 / 153 و201 من طريق أخرى عن نعيم بن
حماد، عن عقبة بن عامر الجهني...وإسناده صحيح أيضا.
(2) هو في " مشيخة " المؤلف ": خ: ق: 171.
(3) تقدمت الإشارة إليه في الصفحة: (84)، ت: 3. عن " مشيخة
" المؤلف.
(4) هو في " تاريخ بغداد " 5 / 104، وخالد بن الحباب مترجم
في " الجرح والتعديل " 3 / 326.
قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عنه، فقال: هو بصري شيخ يكتب
حديثه. وباقي =
(13/261)
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ (1) سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ
مائَة، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَلَفٍ الحَنْبَلِيُّ
سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَة، أَخْبَرَنَا أَبُو
طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ؛
ابْنَا عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَرَضِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
حَكِيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي
حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ:
افتَتَحَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-
(البَقَرَةَ)، فِي يَوْمِ عِيْدِ فِطْرٍ أَوِ أَضْحَى،
فَقُلْتُ: يَقْرَأُ عَشْرَ آيَاتٍ، فَلَمَّا جَاوَزَ
العَشْرَ، قُلْنَا: يَقْرَأُ مائَةَ آيَةٍ، حَتَّى
قَرَأَهَا، فرَأَيْتُ أَشْيَاخَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمِيلُوْنَ.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ غَرِيْبٌ.
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي، وَغَيْرُهُ: مَاتَ
الحَافِظُ أَبُو حَاتِمٍ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ
وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: عَاشَ ثَلاَثاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَلأَبِي مُحَمَّدٍ الإِيَادِي الشَّاعِرُ مَرْثِيَّةٌ
طَوِيْلَةٌ فِي أَبِي حَاتِمٍ، رَوَاهَا عَنْهُ ابْنُ
أَبِي حَاتِمٍ، أَوَّلُهَا:
أَنَفْسِي مَالَكِ لاَ تَجْزَعِيْنَا ... وَعَيْنِيَ
مَالَكِ لاَ تَدْمَعِيْنَا
أَلَمْ تَسْمَعِي بِكُسُوْفِ العُلُو ... مِ مِنْ شَهْرِ
شَعْبَانَ مُحقاً مَدِيْنَا (2)
__________
= رجاله ثقات. وفي الباب عن أبي هريرة عند مالك 2 / 898،
والبخاري 11 / 441، ومسلم (2652) وأبي داود (4701)
والترمذي (2135) وعن عمر عند أبي داود (4702) وعن جندب بن
عبد الله عند أبي يعلى وأحمد والطبراني، قال الهيثمي في "
المجمع " 7 / 191: ورجالهم رجال الصحيح وعن أبي سعيد
الخدري عند أبي يعلى والبزار، وقال الهيثمي: ورجالهما رجال
الصحيح.
(1) ترجمه الذهبي في " مشيخته ": خ ق: 36.
(2) في الأصل: " العلم "، والتصويب من " الجرح "، وفيه: "
لكسوف "، و: " حقا " بدل: " محقا ".
(13/262)
أَلَمْ تَسْمَعِي خَبَرَ المُرْتَضَى ...
أَبِي حَاتِمٍ أَعْلَم العَالَمِيْنَا (1)
ابْنُهُ:
129 -عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ إِدْرِيْسَ *
العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، يُكْنَى: أَبَا مُحَمَّدٍ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، أَوْ إِحْدَى
وَأَرْبَعِيْنَ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
الرَّازِيُّ الخَطِيْبُ فِي تَرْجَمَةٍ عَمِلَهَا لابْنِ
أَبِي حَاتِمٍ:
كَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- قَدْ كَسَاهُ اللهُ نُوْراً
وَبَهَاءً، يُسَرُّ مَنْ نَظَرَ إِلَيْهِ.
سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: رَحَلَ بِي أَبِي سَنَةَ خَمْسٍ
وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمَا احتَلَمْتُ بَعْدُ،
فَلَمَّا بَلغْنَا ذَا الحُلَيْفَة (2) ، احْتَلَمْتُ،
فَسُرَّ أَبِي، حَيْثُ أَدْرَكْتُ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ،
فَسَمِعْتُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي
عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئ (3) .
قُلْتُ: وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجِّ،
وَالحَسَنِ بنِ عَرَفَةَ، وَالزَّعْفَرَانِيِّ، وَيُوْنُسَ
بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَعَلِيِّ بنِ المُنْذِرِ
الطَّرِيْقِيّ (4) ، وَأَحْمَدَ بنِ سِنَانٍ، وَمُحَمَّدِ
بنِ إِسْمَاعِيْلَ الأَحْمَسِيِّ (5) ، وَحَجَّاجِ بنِ
الشَّاعِرِ، وَمُحَمَّدِ
__________
(1) الجرح والتعديل: 1 / 369، في أبيات طويلة.
(*) طبقات الحنابلة: 2 / 55، تاريخ ابن عساكر: خ: 10 / 82
أ - 84 أ، تذكرة الحفاظ: 3 / 829 - 832، ميزان الاعتدال: 2
/ 587 - 588، عبر المؤلف: 2 / 208، فوات الوفيات: 2 / 287
- 288، طبقات السبكي: 3 / 324 - 328، البداية والنهاية: 11
/ 191، لسان الميزان: 3 / 432 - 433، النجوم الزاهرة: 3 /
265، طبقات الحفاظ: 345 - 346، طبقات المفسرين: 1 / 279 -
281، شذرات الذهب: 2 / 308 - 309.
(2) هو ميقات أهل المدينة ومن يمر عليها.
(3) تذكرة الحفاظ: 3 / 830.
(4) الطريقي: نسبة لولادته في الطريق. (اللباب).
(5) الاحمسي، بفتح الالف، وسكون الحاء المهملة، وفتح
الميم: نسبة إلى الاحمس، وهي طائفة من بجيلة نزلوا الكوفة.
(اللباب).
(13/263)
بنِ حَسَّانَ الأَزْرَقِ، وَمُحَمَّدِ بنِ
عَبْدِ المَلِكِ بنِ زَنْجُوْيَة، وَإِبْرَاهِيْمَ
المُزَنِيِّ، وَالرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ المُؤَذِّنِ،
وَبَحْرِ بنِ نَصْرٍ، وَسَعْدَانَ بنِ نَصْرٍ،
وَالرَّمَادِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَابْنِ وَارَةَ،
وَخَلاَئِقَ مِنْ طَبَقَتِهِم، وَمِمَّنْ بَعْدَهُم
بِالحِجَازِ وَالعِرَاقِ وَالعَجَمِ، وَمِصْرَ وَالشَّامِ
وَالجَزِيْرَةِ وَالجِبَالِ، وَكَانَ بَحْراً لاَ
تُكَدِّرُهُ الدِّلاَءُ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَدِيِّ، وَحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ
التَّمِيْمِيُّ، وَالقَاضِي يُوْسُفُ المَيَانَجِيُّ (1) ،
وَأَبُو الشَّيْخِ بنُ حَيَّانَ، وَأَبُو أَحْمَدَ
الحَاكِمُ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مَرْدَك،
وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَصِيْرُ الرَّازِيُّ،
وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَسَدٍ الفَقِيْهُ،
وَأَبُو عَلِيٍّ حَمْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
الأَصْبَهَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
يَزْدَادَ، وَأَخُوْهُ؛ أَحْمَدُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ
مُحَمَّدٍ النَّصْر آبَاذِي، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ عَبْدِ
الوَهَّابِ الرَّازِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ
القَصَّارُ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ: أَخَذَ أَبُو
مُحَمَّدٍ عِلْمَ أَبِيْهِ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَكَانَ
بَحْراً فِي العُلُوْمِ وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ.
صَنَّفَ فِي الفِقْهِ، وَفِي اختِلاَفِ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِيْنَ وَعُلَمَاءِ الأَمصَارِ.
قَالَ: وَكَانَ زَاهِداً، يُعَدُّ مِنَ الأَبْدَالِ (2) .
قُلْتُ: لَهُ كِتَابٌ نَفِيْسٌ فِي (الجَرْحِ
وَالتَّعْدِيلِ)، أَرْبَعُ مُجَلَّدَاتٍ، وَكِتَابُ
(الرَّدِ عَلَى الجَهْمِيَّةِ) مُجَلَّدٌ ضَخْمٌ،
انتَخَبْتُ مِنْهُ، وَلَهُ (تَفْسِيْرٌ) كَبِيْرٌ فِي
عِدَّةِ مُجَلَّدَاتٍ، عَامَّتَهُ آثَارٌ بِأَسَانِيْدِهِ،
مِنْ أَحسَنِ التَّفَاسِيْرِ.
قَالَ الحَافِظُ يَحْيَى بنُ مَنْدَةَ: صَنَّفَ ابْنُ
أَبِي حَاتِمٍ (المُسْنَدَ) فِي أَلفِ
__________
(1) الميانجي، بفتح الميم، والياء، والنون بعد الالف: نسبة
إلى ميانج: موضع بالشام. (اللباب، وياقوت).
(2) انظر الحديث عن الابدال في الصفحة: (17)، ت: 2.
(13/264)
جُزْءٍ، وَكِتَابَ (الزُّهْدِ)، وَكِتَابَ
(الكُنَى)، وَكِتَابَ (الفَوَائِدِ الكَبِيْرِ)،
وَفَوَائِدَ (أَهْلِ الرَّيِّ)، وَكِتَابَ (تَقْدِمَة
الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ (1)).
قُلْتُ: وَلَهُ كِتَابُ (العِلَلِ (2))، مُجَلَّدٌ
كَبِيْرٌ.
وَقَالَ الرَّازِيُّ، المَذْكُوْرُ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ المِصْرِيَّ
- وَنَحْنُ فِي جَنَازَةِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ - يَقُوْلُ:
قَلَنْسُوَة عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنَ السَّمَاءِ، وَمَا
هُوَ بَعَجَبٍ، رَجُلٌ مُنْذُ ثَمَانِيْنَ سَنَةً عَلَى
وَتِيْرَةٍ وَاحِدَةٍ، لَمْ يَنْحَرِفْ عَنِ الطَّرِيْقِ
(3) .
وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ الفَرَضِي يَقُوْلُ: مَا
رَأَيْتُ أَحَداً مِمَّن عَرَفَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ذَكَرَ
عَنْهُ جَهَالَةً قَطُّ (4) .
وَسَمِعْتُ عَبَّاسَ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: بَلَغَنِي
أَنَّ أَبَا حَاتِمٍ قَالَ: وَمَنْ يَقْوَى عَلَى
عِبَادَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ! لاَ أَعْرِفُ لِعَبْدِ
الرَّحْمَنِ ذَنْباً (5) .
وَسَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: لَمْ يَدَعْنِي
أَبِي أَشتَغِلُ فِي الحَدِيْثِ حَتَّى قَرَأْتُ القُرْآنَ
عَلَى الفَضْلِ بنِ شَاذَانَ الرَّازِيِّ، ثُمَّ كَتَبْتُ
الحَدِيْثَ (6) .
قَالَ الخَلِيْلِيُّ: يُقَالُ: إِنَّ السُّنَّةَ
بِالرَّيِّ خُتِمَتْ بِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَمَرَ
بِدَفْنِ الأُصُوْلِ مِنْ كُتُبِ أَبِيْهِ وَأَبِي
زُرْعَةَ، وَوَقَفَ تَصَانِيْفَهُ، وَأَوْصَى إِلَى
الدَّرِسْتينِي (7) القَاضِي.
__________
(1) طبقات السبكي: 3 / 325.
(2) وهو مطبوع في مجلدين. بالقاهرة (1343 ه).
(3) تاريخ ابن عساكر: خ: 10 / 82 ب، و: طبقات السبكي: 3 /
325.
(4) تذكرة الحفاظ: 3 / 830.
(5) تذكرة الحفاظ: 3 / 830.
(6) المصدر السابق، وطبقات السبكي: 3 / 325.
(7) مر في الصفحة (250) في ترجمة أبيه: بلفظ: الحسن بن
الحسين الدارستيني. بألف بعد الدال.
(13/265)
وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ
الحُسَيْنِ الحَافِظَ يَحْكِي عَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ
الدَّرِسْتِيْنِي، أَنَّ أَبَا حَاتِمٍ كَانَ يَعْرِفُ
الاسْمَ الأَعْظَمَ، فَمَرِضَ ابْنُهُ فَاجتَهَدَ أَنْ لاَ
يَدْعُوَ بِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَنَالُ بِهِ الدُّنْيَا،
فَلَمَّا اشْتَدَّتِ العِلَّةُ، حَزِنَ، وَدَعَا بِهِ،
فَعُوفِي، فَرَأَى أَبُو حَاتِمٍ فِي نَوْمِهِ:
اسْتَجَبْتُ لَكَ وَلَكِن لاَ يُعقِبُ ابْنُك.
فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَعَ زَوْجَتِهِ سَبْعِيْنَ
سَنَةً، فَلَمْ يُرْزَقْ وَلَداً، وَقِيْلَ: إِنَّهُ مَا
مَسَّهَا.
وَقَالَ الرَّازِيُّ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ
الخُوَارِزْمِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بنَ أَبِي حَاتِمٍ يَقُوْلُ:
كُنَّا بِمِصْرَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ، لَمْ نَأْكُلْ فِيْهَا
مَرَقَةً، كُلُّ نَهَارِنَا مُقَسَّمٌ لِمَجَالِسِ
الشُّيُوْخِ، وَبَاللَّيْلِ: النَّسْخُ وَالمُقَابَلَةُ.
قَالَ: فَأَتَيْنَا يَوْماً أَنَا (1) وَرَفِيْقٌ لِي
شَيْخاً، فَقَالُوا: هُوَ عَلِيْلٌ، فَرَأَينَا فِي
طَرِيْقِنَا سَمَكَةً أَعْجَبَتْنَا، فَاشتَرِيَنَاهُ،
فَلَمَّا صِرنَا إِلَى البَيْتِ، حَضَرَ وَقْتُ مَجْلِسٍ،
فَلَمْ يمكنَا إِصْلاَحه، وَمَضَينَا إِلَى المَجْلِسِ،
فَلَمْ نَزَلْ حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ،
وَكَادَ أَنْ يَتَغَيَّرَ، فَأَكَلْنَاهُ نِيْئاً، لَمْ
يَكُنْ لَنَا فَرَاغٌ أَنْ نُعْطِيَهْ مَنْ يَشْوِيه.
ثُمَّ قَالَ: لاَ يُسْتَطَاعُ العِلْمُ بِرَاحَةِ الجَسَدِ
(2) .
قَالَ الخَطِيْبُ الرَّازِيُّ: كَانَ لعَبْدِ الرَّحْمَنِ
ثَلاَثُ رحْلاَتٍ: الأُوْلَى مَعَ أَبِيْهِ سَنَةَ خَمْسٍ،
وَسَنَةَ سِتٍّ، ثُمَّ حَجَّ وَسَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ
حَمَّادٍ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ، ثُمَّ رَحَلَ بِنَفْسِهِ
إِلَى السَّوَاحِلِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ، سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، ثُمَّ رَحَلَ إِلَى
أَصْبَهَانَ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ، فَلَقِيَ
يُوْنُسَ بنَ حَبِيْبٍ (3) .
سَمِعْتُ الوَاعِظَ أَبَا عَبْدِ اللهِ القَزْوِيْنِيَّ
يَقُوْلُ: إِذَا صَلَّيْتَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
__________
(1) في الأصل: " وأنا ". والتصحيح من " التذكرة ".
(2) انظر: تذكرة الحفاظ: 3 / 830.
(3) انظر: تاريخ ابن عساكر: خ: 10 / 83 أ، وتذكرة الحفاظ:
3 / 831.
(13/266)
فَسَلِّمْ إِلَيْهِ نَفْسْكَ، يَعْمَلُ
بِهَا مَا شَاءَ.
دَخَلْنَا يَوْماً بِغلس عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي
مَرَضِ مَوْتِهِ، فَكَانَ عَلَى الفِرَاشِ قَائِماً
يُصَلِّي، وَرَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوْعَ (1) .
وَمِنْ كَلاَمِهِ: قَالَ: وَجَدْتُ أَلْفَاظَ
التَّعْدِيْلِ وَالجَرْحِ مَرَاتِبَ: فَإِذَا قِيْلَ:
ثِقَةٌ: أَوْ: مُتْقِنٌ، احْتُجَّ بِهِ.
وَإِن قِيْلَ: صَدُوْقٌ، أَوْ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، أَوْ:
لاَ بَأْسَ بِهِ، فَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ،
وَيُنْظَرُ فِيْهِ وَهِيَ المَنْزِلَةُ الثَّانِيَةُ.
وَإِذَا قِيْلَ: شَيْخٌ، فَيُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَهُوَ
دُوْنَ مَا قَبْلَهُ.
وَإِذَا قِيْلَ: صَالِحُ الحَدِيْثِ، فَيُكْتَبُ
حَدِيْثَهُ وَهُوَ دُوْنَ ذَلِكَ، يُكْتَبُ للاعتِبَارِ.
وَإِذَا قِيْلَ: لَيِّنٌ، فَدُوْنَ ذَلِكَ.
وَإِذَا قَالُوا: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، فَلاَ يُطْرَحُ
حَدِيْثُهُ، بَلْ يُعْتَبَرُ بِهِ.
فَإِذَا قَالُوا: مَتْرُوكُ الحَدِيْثِ، أَوْ: ذَاهِبُ
الحَدِيْثِ، أَوْ: كَذَّابٌ، فَلاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ
(2) .
قَالَ عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الهَرَوِيُّ الزَّاهِدُ:
حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ الصَّفَّارُ، سَمِعْتُ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي حَاتِمٍ يَقُوْلُ:
وَقَعَ عِنْدَنَا الغَلاَءُ، فَأَنْفَذَ بَعْضُ
أَصْدِقَائِي حُبُوْباً مِنْ أَصْبَهَانَ، فَبِعْتُهُ
بِعِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَسَأَلَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُ
دَاراً عِنْدَنَا، فَإِذَا جَاءَ يَنْزِلُ فِيْهَا،
فَأَنْفَقْتُهَا فِي الفُقَرَاءِ، وَكَتَبْتُ إِلَيْهِ:
اشتَرَيْتُ لَكَ بِهَا قَصْراً فِي الجَنَّةِ، فَبَعَثَ
يَقُوْلُ: رَضِيْتُ، فَاكتُبْ عَلَى نَفْسِكَ صَكّاً،
فَفَعَلْتُ، فَأُرِيْتُ فِي المَنَامِ: قَدْ وَفَّينَا
بِمَا ضَمِنْتَ، وَلاَ تَعُدْ لِمِثْلِ هَذَا (3) .
قَالَ الإِمَامُ أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِي: عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ ثِقَةٌ حَافِظٌ.
__________
(1) انظر: تاريخ ابن عساكر: خ: 10 / 83 أ.
(2) ذكره في مقدمة الجرح والتعديل 2 / 37. وانظر " الرفع
والتكميل " للكنوي ص 70 وما بعدها، وخطبة تقريب التهذيب
للحافظ ابن حجر.
(3) تذكرة الحفاظ: 3 / 831، طبقات السبكي: 3 / 326.
(13/267)
وَقَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ مُحَمَّدُ بنُ
الفَضْلِ البَلْخِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ
بنَ مَهْرَوَيْه الرَّازِيَّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ
الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ
يَقُوْلُ:
إِنَّا لَنَطْعَنُ عَلَى أَقْوَامٍ، لَعَلَّهُم قَدْ
حَطُّوا رِحَالَهُم فِي الجَنَّةِ، مِنْ أَكْثَرِ مِنْ
مائَتَيْنِ سَنَة.
قُلْتُ: لَعَلَّهَا مِنْ مائَةَ سَنَةٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ
لاَ يَبْلُغُ فِي أَيَّامِ يَحْيَى هَذَا القَدَرِ.
قَالَ ابْنُ مَهْرَوَيْه: فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَى
النَّاسِ كِتَابَ: (الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ)،
فَحَدَّثْتُهُ بِهَذَا، فَبَكَى، وَارتَعَدَتْ يَدَاهُ،
حَتَّى سَقَطَ الكِتَابُ، وَجَعَلَ يَبْكِي،
وَيَسْتَعِيْدُنِي الحِكَايَةَ (1) .
قُلْتُ: أَصَابَهُ عَلَى طَرِيْقِ الوَجَلِ وَخَوْفِ
العَاقِبَةِ، وَإِلاَّ فَكَلاَمُ النَّاقِدِ الوَرِعِ فِي
الضُّعَفَاءِ مِنَ النُّصْحِ لِدِيْنِ اللهِ، وَالذَّبِّ
عَنِ السُّنَّةِ.
وَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ،
وَجَمَاعَةٌ، سَمِعُوا عُمَرَ بنَ مُحَمَّدٍ يَقُوْلُ:
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ المُزَكِّي (2) ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَنْظَلِيُّ، حَدَّثَنَا
هَارُونُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ
عَنْبَسَةَ، أَخْبَرَنَا شُعبَةُ عَنِ الحَكَمِ، عَنْ
عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(الجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِ دَارِهِ أَوْ أَرْضِهِ) (3) .
__________
(1) تذكرة الحفاظ: 3 / 831
(2) المزكي: يقال هذا لمن يزكي الشهود، ويبحث عن حالهم،
ويعرفه القاضي. (اللباب).
(3) رجاله ثقات، وأخرجه أحمد 4 / 389 و390، والنسائي 7 /
320 من طريق حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن عمرو بن
الرشيد، عن أبيه، وإسناده صحيح.
وأخرجه أحمد 4 / 389، وابن الجارود (645)، والدارقطني:
510، والبيهقي 6 / 105، من طريق عبد الله ابن عبد الرحمن
بن يعلى الطائفي، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه، وأخرجه
البخاري =
(13/268)
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ زَكَرِيَّا
خَيَّاطِ السُّنَّةِ، عَنْ هَارُوْنَ هَذَا، فَوَقَعَ
لَنَا بَدَلاً عَالِياً بِدَرَجَتَيْنِ.
تُوُفِّيَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ
سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ بِالرَّيِّ، وَلَهُ
بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
130 - البُرْجُلاَنِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ
الخَلِيْلِ بنِ ثَابِتٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو جَعْفَرٍ،
أَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ بنِ ثَابِتٍ البَغْدَادِيُّ،
البُرْجُلاَنِيُّ.
وَالبُرْجُلاَنِيَّة: مَحَلَّةٌ مِنْ بَغْدَادَ.
سَمِعَ: الوَاقِدِيَّ، وَأَبَا النَّضْرِ، وَالأَسْوَدَ
بنَ عَامِرٍ شَاذَان، وَالحَسَنَ الأَشْيَبِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ، وَأَبُو
بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ بنِ
الهَيْثَمِ الأَنْبَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَقَالَ: تُوُفِّيَ
فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ (1) .
__________
= 4 / 360، 361 في الشفعة: باب عرض الشفعة على صاحبها،
وأحمد 6 / 390، وأبو داود (3516)، والنسائي 7 / 320 في
البيوع: باب ذكر الشفعة وأحكامها، وابن ماجه (2498)،
والبيهقي 6 / 105 من طرق عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن
الشريد، عن أبي رافع.
(*) معجم البلدان: " برجلان "، اللباب: 1 / 134، تاريخ
بغداد: 4 / 133، تهذيب الكمال: خ: 21، تذهيب التهذيب: خ: 1
/ 10، تهذيب التهذيب: 1 / 28، خلاصة تذهيب الكمال: 6.
والبرجلاني: بضم الباء، وسكون الراء وضم الجيم، كما ضبطها
ياقوت والسمعاني، وتابعه ابن الأثير، والسيوطي.
وقد ضبطت في الأصل بفتح الباء.
(1) تاريخ بغداد: 4 / 133. وفيه وفاته سنة (277 ه)، لا كما
ذكر الذهبي هنا، وكذلك ذكر وفاته ابن حجر في " التقريب "
أنها سنة (277 ه)
(13/269)
131 - هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ أَبُو سَعِيْدٍ
الطَّبَرَانِيُّ الطَّيَالِسِيُّ *
مَوْلَى بَنِي العَبَّاسِ.
سَمِعَ: آدَمَ بنَ أَبِي إِيَاسٍ، وَالمُعَافَى
الرَّسْعَنِيّ، وَيَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَصَفْوَانَ بنَ
صَالِحٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ سَعِيْدٌ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ
مُحَمَّدٍ الحَرَّانِيُّ، وَيَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا
النَّيْسَابُورِيُّ، وَسُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيُّ،
وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوْخِهِ، سَمِعَ مِنْهُ
بِطَبَرِيَّةَ، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ، وَمَا هُوَ بذَاكَ المُجَوِّدُ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
132 - التِّرْمِذِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ سَوْرَةَ
بنِ مُوْسَى بنِ الضَّحَّاكِ *
وَقِيْلَ: هُوَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ يَزِيْدَ بنِ
سَوْرَةَ بنِ السَّكَنِ: الحَافِظُ، العَلَمُ، الإِمَامُ،
البَارِعُ، ابْنُ عِيْسَى السُّلَمِيُّ، التِّرْمِذِيُّ
الضَّرِيرُ، مُصَنِّفُ (الجَامِعَ)، وَكِتَابَ (العِلَلِ)،
وَغَيْرَ ذَلِكَ.
اخْتُلِفَ فِيْهِ، فَقِيْلَ: وُلِدَ أَعْمَى،
وَالصَّحِيْحُ أَنَّهُ أَضَرَّ فِي كِبَرِهِ، بَعْدَ
رِحْلَتِهِ وَكِتَابَتِهِ العِلْمَ.
__________
(*) ميزان الاعتدال: 4 / 290.
(* *) وفيات الأعيان: 4 / 278، تهذيب الكمال: خ: 1254،
1255، تذكرة الحفاظ: 2 / 633 - 635، ميزان الاعتدال: 3 /
678، عبر المؤلف: 2 / 62 - 63، الوافي بالوفيات: 4 / 294 -
296، البداية والنهاية: 11 / 66 - 67، تهذيب التهذيب: 9 /
387 - 389، النجوم الزاهرة: 3 / 88، طبقات الحفاظ: 278،
خلاصة تذهيب الكمال: 355، شدرات الذهب: 2 / 174 - 175.
(13/270)
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عَشْرٍ
وَمائَتَيْن.
وَارْتَحَلَ، فَسَمِعَ بِخُرَاسَانَ وَالعِرَاقِ
وَالحَرَمَيْنِ، وَلَمْ يَرْحَلْ إِلَى مِصْرَ وَالشَّامِ.
حَدَّثَ عَنْ: قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، وإِسْحَاقَ بنِ
رَاهْوَيْه، ومُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو السَّوَّاقِ
البَلْخِيِّ، وَمَحْمُوْدِ بنِ غَيْلانَ، وَإِسْمَاعِيْلَ
بنِ مُوْسَى الفَزَارِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ مَنِيْعٍ،
وَأَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيِّ، وبِشْرِ بنِ مُعَاذٍ
العَقَدِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي شُعَيْبٍ،
وَأَبِي عَمَّارٍ الحُسَيْنِ بنِ حُرَيْثٍ، وَالمُعَمَّرِ؛
عَبْدِ اللهِ بنِ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيِّ، وَعَبْدِ
الجَبَّارِ بنِ العَلاَءِ، وَأَبِي كُرَيْبٍ، وَعَلِيِّ
بنِ حُجْرٍ، وَعَلِيِّ بنِ سَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ
الكِنْدِيِّ، وَعَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ،
وَعِمْرَانَ بنِ مُوْسَى القَزَّازِ، وَمُحَمَّدِ بنِ
أَبَانٍ المُسْتَمْلِي، وَمُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ
الرَّازِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى،
وَمُحَمَّدِ بنِ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ بن أَبِي رِزْمَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
المَلِكِ بنِ أَبِي الشَّوارِبِ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى
العَدَنِيِّ، وَنَصْرِ بنِ عَلِيٍّ، وَهَارُوْنَ
الحَمَّالِ، وَهَنَّادِ بنِ السَّرِيِّ، وَأَبِي هَمَّامٍ
الوَلِيْدِ بنِ شُجَاعٍ، وَيَحْيَى بنِ أَكْثَمَ،
وَيَحْيَى بنِ حَبِيْبِ بنِ عَرَبِيّ، وَيَحْيَى بنِ
دُرُسْت البَصْريِّ، ويَحْيَى بنِ طَلْحَةَ
اليَرْبُوْعِيِّ، ويُوْسُفَ بنِ حَمَّادٍ المَعْنِي،
وَإِسْحَاقَ بنِ مُوْسَى الخَطْمِيِّ، وإِبْرَاهِيْمَ بنِ
عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيِّ، وَسُوَيْدِ بنِ نَصْرٍ
المَرْوَزِيِّ.
فَأَقْدَمُ مَا عِنْدَهُ حَدِيْثُ: مَالِكٍ،
وَالحَمَّادَيْنِ، وَاللَّيْثِ، وَقَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ،
وَيَنْزِلُ حَتَّى إِنَّهُ أَكْثَرَ عَن البُخَارِيِّ،
وَأَصْحَابِ هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ، وَنَحْوِهِ.
حَدَّث عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ
السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
اللهِ بنِ دَاوُدَ المَرْوَزِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ
بنِ حَسْنَوَيْه المُقْرِئ، وَأَحْمَدُ
(13/271)
بنُ يُوْسُفَ النَّسَفِيُّ، وَأَسَدُ بنُ
حَمْدَوَيْه النَّسَفِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ يُوْسُفَ
الفَرَبْرِيُّ (1) ، وحَمَّادُ بنُ شَاكِرٍ الوَرَّاقُ،
ودَاوُدُ بنُ نَصْرِ بنِ سُهَيْلٍ البَزْدَوِيُّ (2) ،
وَالرَّبِيْعُ بنُ حَيَّانَ البَاهِلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ
بنُ نَصْرِ؛ أَخُو البَزْدَوِيِّ، وَعَبْدُ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ مَحْمُوْدٍ النَّسَفِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عُمَرَ بنِ
كُلْثُوْمٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَالفَضْلُ بنُ عَمَّارٍ
الصَّرَّامُ، وَأَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ
بنِ مَحْبُوْبٍ رَاوِي (الجَامِعَ)، وَأَبُو جَعْفَرٍ
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ النَّسَفِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ
مُحَمَّدُ بنُ سُفْيَانَ بنِ النَّضْرِ النَّسَفِيُّ
الأَمِيْنُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى
الهَرَوِيُّ القَرَّابُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ
عَنْبَرٍ النَّسَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَكِّيِّ بنِ
نُوْحٍ النَّسَفِيُّ، ومُسَبِّحُ بنُ أَبِي مُوْسَى
الكَاجَرِيُّ (3) ، وَمَكْحُوْلُ بنُ الفَضْلِ
النَّسَفِيُّ، وَمَكِّيُّ بنُ نُوْحٍ، وَنَصْرُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ سَبْرَةَ، وَالهَيْثَمُ بنُ كُلَيْبٍ
الشَّاشِيُّ الحَافِظُ، رَاوِي (الشَّمَائِلَ) عَنْهُ،
وَآخَرُوْنَ.
وَقَدْ كَتَبَ عَنْهُ شَيْخُهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ
البُخَارِيُّ، فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيْثِ
عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: (يَا عَلِيُّ: لَا
يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُجْنِبَ فِي المَسْجَدِ غَيْرِي
وَغَيْرِكَ (4)) سَمِعَ مِنِّي مُحَمَّدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ هَذَا الحَدِيْث.
__________
(1) الفربري، بفتح الفاء والراء، وسكون الباء: نسبة إلى
فربر: بلدة على طرف جيحون مما يلي بخارى. (الأنساب).
(2) البزدوي، بفتح الباء، وسكون الزاي، وفتح الدال: نسبة
إلى بزدة: قلعة حصينة على ستة فراسخ من نسف. (اللباب).
(3) الكاجري، بفتح الجيم: نسبة إلي كاجر: قرية قرب نسف.
(اللباب).
(4) هو في " سنن الترمذي " (3727) من طريق علي بن المنذر،
حدثنا محمد بن فضيل، عن سالم بن أبي حفصة، عن عطية، عن أبي
سعيد...قال علي بن المنذر: قلت لضرار بن صرد: ما معنى هنا
الحديث ؟ قال: لا يحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك.
وعطية وهو ابن سعد العوفي ضعيف، ومع ذلك فقد قال الترمذي:
هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال النووي:
إنا حسنه الترمذي بشواهده، وقال ابن حجر في " أجوبة
المشكاة " 3 / 316: وورد لحديث أبي سعيد شاهد نحوه من حديث
سعد بن أبي وقاص أخرجه البزار من رواية خارجة بن سعد، عن
أبيه، ورواته ثقات، وانظر " الفتح " 7 / 13.
(13/272)
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ):
كَانَ أَبُو عِيْسَى مِمَّن جَمَعَ، وَصَنَّفَ وحَفِظَ،
وذَاكَرَ.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ الإِدْرِيْسِيُّ: كَانَ أَبُو
عِيْسَى يُضْرَبُ بِه المَثَلُ فِي الحِفْظِ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ عَلَّك يَقُوْلُ:
مَاتَ البُخَارِيُّ فَلَمْ يُخَلِّفْ بِخُرَاسَانَ مِثْلَ
أَبِي عِيْسَى، فِي العِلْمِ وَالحِفْظِ، وَالوَرَعِ
وَالزُّهْدِ، بَكَى حَتَّى عَمِي، وَبَقِيَ ضَرِيْراً
سِنِيْنَ (1) .
ونَقَلَ أَبُو سَعْدٍ الإِدْرِيْسِيُّ بِإِسْنَادٍ لَهُ،
أَنَّ أَبَا عِيْسَى قَالَ: كُنْتُ فِي طَرِيْقِ مَكَّةَ
فَكَتَبْتُ جُزْأَيْن مِنْ حَدِيْثِ شَيْخٍ، فَوَجَدْتُهُ
فَسَأَلْتُهُ، وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّ الجُزْأَين مَعِي،
فَسَأَلتُهُ، فَأَجَابْني، فَإِذَا مَعِي جُزآن بيَاض،
فَبَقِيَ يَقْرَأُ عَلَيَّ مِنْ لَفْظِهِ، فَنَظَرَ،
فَرَأَى فِي يَدِي وَرَقاً بيَاضاً، فَقَالَ: أَمَا
تَسْتحِي مِنِّي؟ فَأَعْلَمْتُهُ بِأَمْرِي، وَقُلْتُ:
أَحْفَظُهُ كُلَّهُ.
قَالَ: اقْرَأْ.
فَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُصَدِّقْنِي، وَقَالَ:
اسْتَظْهَرْتَ قَبْلَ أَنْ تَجِيْء؟
فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي بِغَيْرِهِ.
قَالَ: فَحَدَّثَنِي بِأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً، ثُمَّ
قَالَ: هَاتِ.
فَأَعَدْتُهَا عَلَيْهِ، مَا أَخْطَأْتُ فِي حَرْفٍ (2) .
قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الفَتْحِ القُشَيْرِيُّ الحَافِظُ
(3) : تِرْمِذ، بِالكَسْرِ، وَهُوَ
__________
(1) تذكرة الحفاظ: 2 / 634، وتهذيب التهذيب: 9 / 389،
وفيه: " عمران بن علان " بدلا من " عمر بن علك ".
(2) انظر: تذكرة الحفاظ: 2 / 635، وتهذيب التهذيب: 9 / 388
- 389.
(3) هو شيخ الإسلام، تقي الدين، أبو الفتح، محمد بن علي بن
وهب القشيري المصري المعروف بابن دقيق العيد.
قال المؤلف في " معجمه ": خ: 146: " هو قاضي القضاة
بالديار المصرية وشيخها وعالمها، الامام العلامة الحافظ
القدوة الورع، شيخ العصر، كان علامة في المذهبين: المالكي
والشافعي، عارفا بالحديث وفنونه، سارت بمصنفاته الركبان،
مولده في شعبان سنة (625 ه) ووفاته في صفر سنة (702 ه) ".
(13/273)
المُسْتَفِيْضُ عَلَى الأَلسِنَةِ حَتَّى
يَكُوْنَ كَالمُتَوَاتِرِ.
وَقَالَ المُؤتَمَنُ السَّاجِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ
بنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ يَقُوْلُ:
هُوَ بِضَمِّ التَّاء، وَنَقَلَ الحَافِظُ أَبُو الفَتْحِ
بنُ اليَعمَرِيِّ (1) أَنَّهُ يُقَالَ فِيْه: تَرْمِذ،
بِالفَتْحِ.
وَعَنْ أَبِي عَلِيٍّ مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ
الخَالديِّ، قَالَ:
قَالَ أَبُو عِيْسَى: صَنَّفْتُ هَذَا الكِتَابَ،
وَعَرَضْتُهُ عَلَى عُلَمَاءِ الحِجَازِ، وَالعِرَاقِ
وَخُرَاسَانَ، فَرَضُوا بِه، وَمَنْ كَانَ هَذَا الكِتَابُ
-يَعْنِي: (الجَامِعُ)- فِي بَيْتِهِ، فَكَأَنَّمَا فِي
بَيْتِهِ نَبِيٌّ يَتَكَلَّمُ (2) .
قُلْت: فِي (الجَامِعِ) عِلْمٌ نَافِعٌ، وَفَوَائِدُ
غَزِيْرَةٌ، وَرُؤُوْسُ المَسَائِلِ، وَهُوَ أَحَدُ
أُصُوْلِ الإِسْلاَمِ، لَوْلاَ مَا كَدَّرَهُ
بِأَحَادِيْثَ وَاهِيَّةٍ، بَعْضُهَا مَوْضُوْعٌ،
وَكَثِيرٌ مِنْهَا فِي الفَضَائِلِ.
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَبْدِ
الخَالِقِ: (الجَامِعُ) عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
قِسْمٌ مَقْطُوْعٌ بِصِحَّتِهِ، وَقِسْمٌ عَلَى شَرْطِ
أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ كَمَا بَيَّنَّا، وَقِسْمٌ
أَخرَجَهُ لِلضِّدِيَّةِ، وَأَبَانَ عَن عِلَّتِهِ،
وَقِسْمٌ رَابِعٌ أَبَانَ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا أَخْرَجْتُ
فِي كِتَابِي هَذَا إِلاَّ حَدِيْثاً قَدْ عَمِلَ بِه
بَعْضُ الفُقَهَاءِ، سِوَى حَدِيْثِ: (فَإِنْ شَرِبَ فِي
الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوْهُ (3))، وَسِوَى حَدِيْثِ:
(جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ
__________
(1) هو: أبو الفتح محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد
اليعمري الأندلسي الاشبيلي، المعروف بابن سيد الناس.
ذكره المؤلف في " معجمه المختص " وقال: " أحد أئمة هذا
الشأن. كتب بخطه المليح كثيرا، وخرج وصنف، وصحح وعلل، وفرع
وأصل. وكان حلو النادرة، حسن المحاضرة، جالسته وسمعت
قراءته، وأجاز لي مروياته " صنف كتبا نفيسة، منها: " عيون
الاثر في المغازي والشمائل والسير "، وشرح قطعة من كتاب
الترمذي، إلى كتاب الصلاة في مجلدين.
توفي سنة (734 ه).
وكان أثريا في المعتقد، يحب الله ورسوله.
(2) تذكرة الحفاظ: 2 / 634
(3) أخرجه الترمذي (1444) في الحدود من طريق أبي كريب، عن
أبي بكر بن عياش، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن
معاوية، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من =
(13/274)
وَالعَصْرِ بِالمَدِيْنَةِ، مِنْ غَيْرِ
خَوْفٍ وَلا سَفَرٍ).
__________
= شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة، فاقتلوه ".
وأخرجه من حديث معاوية: أبو داود (4482)، وأحمد 4 / 93 ".
و95 و96 و97 و101 والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 3 /
159، وابن ماجه (2573) والحاكم 4 / 372، والبيهقي 8 / 313،
وابن حبان (1519).
قال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة، والشريد، وشرحبيل بن
أوس، وجرير، وأبي الرمداء البلوي، وعبد الله بن عمرو.
قلت: حديث أبي هريرة أخرجه أحمد 2 / 280 و291، وأبو داود
(4484)، والنسائي 8 / 314، وابن ماجه (2572)، وابن الجارود
في " المنتقي " (831) والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 3
/ 159، والحاكم 4 / 371، وابن حبان (1517) والطيالسي في
مسنده (2337).
وحديث الشريد رواه أحمد 4 / 388، 389، والدارمي 2 / 175،
176.
وحديث شرحبيل بن أوس رواه أحمد 4 / 232، والحاكم 4 / 373.
وحديث جرير رواه البخاري في " التاريخ الكبير " 2 / 1 /
131، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 3 / 159، والحاكم 4
/ 371.
وحديث أبي الرمداء البلوي رواه ابن عبد الحكم في " فتوح
مصر " 302، والدولابي في " الكنى " 1 / 30.
وحديث عبد الله بن عمرو رواه أحمد 2 / 166، و214، والحاكم
4 / 372، والطحاوي 3 / 159، وانظر نصب الراية 3 / 346،
349، ومجمع الزوائد 6 / 277،، 278، وشرح العلل 1 / 4، 5
لابن رجب.
(1) هو في " سنن الترمذي " (187) في الصلاة: باب ما جاء في
الجمع بين الصلاتين في الحضر من طريق هناد، عن أبي معاوية،
عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد
ابن جبير، عن ابن عباس قال: جمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة من
غير خوف ولا مطر.
قال: فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك ؟ قال: أراد أن لا يحرج
أمته.
وهو حديث صحيح أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 161 بشرح
السيوطي، ومسلم (705)، وأبو داود (1210) و(1211) وابن
خزيمة (972) والبيهقي 3 / 166 والطيالسي (2614) و(2629)
وأحمد 1 / 223 و283 و349، و354، والطحاوي في " شرح معاني
الآثار " 1 / 160.
وقول الترمذي: لم يعمل به أحد من الفقهاء، مردود بما قاله
الامام النووي في " شرح مسلم (5 / 218، 219): وأما حديث
ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به، بل لهم أقوال، ثم
سرد تلك الأقوال وبين وهاءها إلى أن قال: ومنهم من قال: هو
محمول على الجمع =
(13/275)
قُلْت: (جَامعُهُ) قَاضٍ لَهُ
بِإِمَامَتِهِ وَحِفْظِهِ وَفِقْهِهِ، وَلَكِنْ
يَتَرَخَّصُ فِي قَبُوْلِ الأَحَادِيْثَ، وَلا يُشَدِّد،
وَنَفَسُهُ فِي التَّضْعِيفِ رَخْوٌ (1) .
__________
= بعذر المرض أو نحوه مما في معناه من الاعذار، وهذا قول
أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي
والمتولي والروياني من أصحابنا، وهو المختار في تأويله.
وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن
لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك،
وحكاه الخطابي عن القفال، عن أبي إسحاق المروزي، عن جماعة
من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر، ويؤيده ظاهر قول ابن
عباس: " أراد ان لا يحرج أمته " فلم يعلله بمرض ولا غيره.
(1) وقد انتقد الذهبي - رحمه الله - في أكثر من ترجمة في
كتابه " ميزان الاعتدال " تصحيح الترمذي، أو تحسينه، وبين
أنه لا يعتمد قوله في ذلك إذا انفرد، وفي الحديث علة تمنع
من القول بصحته.
فقد قال في ترجمة كثير بن عبد الله بن عمر بن عوف المزني -
3 / 407 -: قال ابن معين: ليس بشيء، وقال الشافعي وأبو
داود: ركن من أركان الكذب، وضرب أحمد على حديثه، وقال
الدارقطني وغيره: متروك.
وقال أبو حاتم: ليس بالمتين.
وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال مطرف بن عبد الله المدني: رأيته، وكان كثير الخصومة،
لم يكن أحد من أصحابنا يأخذ عنه...وأما الترمذي: فروى من
حديثه: " الصلح جائز بين المسلمين " وصححه.
فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي.
وقال في ترجمة يحيى بن يمان: 4 / 416، بعد ذكر حديث ابن
عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا، فأسرج
له سراج،: حسنه الترمذي مع ضعف ثلاثة فيه، فلا يعتد بتحسين
الترمذي، فعند المحاققة غالبها ضعاف ".
وقال في ترجمة محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني الكوفي:
3 / 514: قال ابن معين: قد سمعنا منه، ولم يكن بثقة، وقال
مرة: كان يكذب وقال أحمد: ما أراه يسوى شيئا، وقال
النسائي: متروك.
وقال أبو داود: ضعيف، وقال مرة: كذاب.
وقال أبو حاتم: ليس بالقوي...ثم قال، بعد ذكر حديث أبي
سعيد الخدري مرفوعا: يقول الله: من شغله قراءة القرآن عن
دعائي ومسألتي أعطيته افضل ثواب الشاكرين: حسنه الترمذي،
فلم يحسن.
وقال ابن رجب في " شرح العلل ": 1 / 395: واعلم ان الترمذي
- رحمه الله - خرج في كتابه الحديث الصحيح، والحديث الحسن
- وهو ما نزل عن درجة الصحيح وكان فيه بعض ضعف - والحديث
الغريب...والغرائب التي خرجها، فيها بعض الكبائر، ولا سيما
في كتاب الفضائل، ولكنه يبين ذلك غالبا، ولا يسكت عنه، ولا
أعلمه خرج عن متهم بالكذب، متفق على اتهامه حديثا بإسناد
منفرد، إلا أنه قد يخرج حديثا، مرويا من طرق، أو مختلفا في
إسناده =
(13/276)
وفِي (المَنثَوْرِ) لابْنِ طَاهِرٍ:
سَمِعْتُ أَبَا إِسْمَاعِيْلَ شَيْخَ الإِسْلامِ يَقُوْل:
(جَامِعُ) التِّرْمِذِيِّ أَنْفَعُ مِنْ كِتَابِ
البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، لأَنَّهُمَا لاَ يَقِفُ عَلَى
الفَائِدَةِ مِنْهُمَا إِلاَّ المُتَبَحِّرُ العَالِمُ،
وَ(الجَامِعِ) يَصِلُ إِلَى فَائِدَتِهِ كُلُّ أَحَدٍ.
قَالَ غُنْجَارٌ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ أَبُو عِيْسَى فِي
ثَالِثِ عَشَرِ رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْن بِتِرْمِذَ.
133 - ابْنُ مَاجَهْ مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ *
الحَافِظُ، الكَبِيْرُ، الحُجَّةُ، المُفَسِّرُ، أَبُو
عَبْدِ اللهِ بنِ مَاجَهْ القَزْوِيْنِيُّ، مُصَنِّفُ
(السُّنَنِ)، وَ(التَّارِيْخِ)، وَ(التَّفْسِيْرِ)،
وَحَافِظُ قَزْوِيْنَ فِي عَصْرِهِ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيِّ
الحَافِظِ، أَكْثَرَ عَنْهُ، وَمِنْ: جُبَارَةَ بنِ
المُغَلِّسِ، وَهُوَ مِنْ قُدَمَاءِ شُيُوْخِهِ، وَمِنْ:
مُصْعَبِ بنِ عَبْدِ اللهِ
__________
= وفي بعض طرقه متهم، وعلى هذا الوجه خرج حديث محمد بن
سعيد المصلوب، ومحمد بن السائب الكلبي.
نعم، قد يخرج عن سيء الحفظ، وعمن غلب على حديثه الوهم،
ويبين ذلك غالبا، ولا يسكت عنه.
ويخرج حديث الثقة الضابط، ومن يهم قليلا، ومن يهم كثيرا،
ومن يغلب عليه الوهم يخرج حديثه نادرا، ويبين ذلك، ولا
يسكت عنه.
(*) تاريخ ابن عساكر: خ: 16 / 63 ب - 64 أ، المنتظم: 5 /
90، وفيات الأعيان: 4 / 279، تهذيب الكمال: خ: 1290 -
1291، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 13، تذكرة الحفاظ: / 636 -
637، عبر المؤلف: 2 / 51، الوافي بالوفيات: 5 / 220،
البداية والنهاية: 11 / 52، تهذيب التهذيب: 9 / 530 - 532،
النجوم الزاهرة: 3 / 70، طبقات الحفاظ: 278 - 279، خلاصة
تذهيب الكمال: 365، طبقات المفسرين: 2 / 272 - 273، شذرات
الذهب: 2 / 164.
(13/277)
الزُّبَيْرِيِّ، وَسُوَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ،
وَعَبْدِ اللهِ؛ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ
رُمْحٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ الحِزَامِيِّ،
وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَأَبِي
بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَهِشَامِ بنِ عَمَّارٍ،
وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ اليَمَامِيِّ، وَأَبِي
مُصْعَبٍ الزُّهْرِيِّ، وَبِشْرِ بنِ مُعَاذٍ العَقَدِيِّ،
وَحُمَيْدِ بنِ مَسْعَدَةَ، وَأَبِي حُذَافَةَ
السَّهْمِيِّ، وَدَاوُدَ بنِ رُشَيْدٍ، وَأَبِي
خَيْثَمَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ ذَكْوَان المُقْرِئ،
وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ برَّادٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ
الأَشَجِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ
دُحَيْمِ، وَعَبْدِ السَلاَّمِ بنِ عَاصِمٍ
الهِسِنْجَانِيِّ (1) ، وَعُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ،
وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ مَذْكُوْرِيْنَ فِي (سُنَنِهِ)
وَتَآلِيْفِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الأَبْهَرِيُّ،
وَأَبُو الطَّيِّبِ أَحْمَدُ بنُ رَوْحٍ البَغْدَادِيُّ،
وَأَبُو عُمَرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَكِيْمٍ
المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ القَطَّانُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَزِيْدَ
الفَامِي، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ القَاضِي أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ: كَانَ
أَبُوْهُ؛ يَزِيْدُ يُعْرَفُ بِمَاجَهْ، وَوَلاؤُهُ
لِرَبْيْعَةَ.
وَعَنِ ابْنِ مَاجَهْ، قَالَ: عَرَضْتُ هَذِهِ (السُّنَنَ)
عَلَى أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، فَنَظَر فِيْهِ،
وَقَالَ: أَظُنُّ إِنْ وَقَعَ هَذَا فِي أَيْدِي النَّاسِ
تَعَطَّلَتْ هَذِهِ الجَوَامِعُ، أَوْ أَكْثَرُهَا.
ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّ لاَ يَكُونُ فِيْهِ تَمَامُ
ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً، مِمَّا فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ،
أَوْ نَحْو ذَا (2) .
قُلْتُ: قَدْ كَانَ ابْنُ مَاجَهْ حَافِظاً نَاقِداً
صَادِقاً، وَاسِعَ العِلْمِ، وَإِنَّمَا
__________
(1) الهسنجاني، بكسر الهاء والسين، وسكون النون: نسبة إلى
هسنجان: من قرى الري. (اللباب). وضبطها ياقوت بفتح السين.
(2) تذكرة الحفاظ: 2 / 636.
(13/278)
غَضَّ مِنْ رُتْبَةِ (سُنَنِهِ) مَا فِي
الكِتَابِ مِنَ المَنَاكِيْرِ، وَقَلِيْلٌ مِنَ
المَوْضُوْعَاتِ، وَقَوْلُ أَبِي زُرْعَةَ - إِنْ صَحَّ -
فَإِنَّمَا عَنَى بِثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً؛ الأَحَادِيْثَ
المطرحَةِ السَّاقِطَةِ، وَأَمَّا الأَحَادِيْث الَّتِي
لاَ تَقُوْمُ بِهَا حُجَّةٌ فَكَثِيْرَةٌ، لَعَلَّهَا
نَحْوُ الأَلْفِ.
قَالَ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ كَبِيْرٌ،
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مُحْتَجٌّ بِهِ، لَهُ مَعْرِفَةٌ
بِالحَدِيْثِ وَحِفْظٌ، ارْتَحَلَ إِلَى العِرَاقَيْنِ،
وَمَكَّةَ وَالشَّامِ، وَمِصْرَ وَالرَّيِّ لَكَتْبِ
الحَدِيْثِ (1) .
وَقَالَ الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ: رَأَيْتُ لابْنِ
مَاجَهْ بِمَدِيْنَةِ قَزْوِيْنَ (تَارِيْخاً) عَلَى
الرِّجَالِ وَالأَمْصَارِ، إِلَى عَصْرِهِ، وَفِي آخِرِهِ
بِخَطِّ صَاحِبِهِ؛ جَعْفَرِ بنِ إِدْرِيْسَ: مَاتَ أَبُو
عَبْدِ اللهِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ يَوْمَ
الثُّلاَثَاءِ لِثَمَانٍ بَقِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ،
وَصَلَّى عَلَيْهِ أَخُوْهُ؛ أَبُو بَكْرٍ، وَتَوَلَّى
دَفْنهُ أَخَوَاهُ؛ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ،
وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ (2) .
قُلْتُ: مَاتَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسٍ.
وَالأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَعَاشَ أَرْبَعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
وَقَعَ لَنَا رِوَايَةَ (سُنَنِهِ) بِإِسْنَادٍ (3)
مُتَّصِلٍ عَالٍ، وَفِي غُضُوْنِ كِتَابِهِ أَحَادِيْثَ،
يُعِلُّهَا صَاحِبُهُ الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ بنُ
القَطَّانِ (4).
__________
(1) تذكرة الحفاظ: 2 / 636.
(2) انظر: تاريخ ابن عساكر: خ: 16 / 64 أ.
وكتابه " تاريخ الخلفاء " طبعه مجمع اللغة العربية بدمشق،
تحقيق الأستاذ محمد مطيع الحافظ (1399 ه - 1979 م).
(3) في الأصل: " بالاسناد ".
(4) وقد أفرد زوائد السنن العلامة المحدث شهاب الدين أحمد
بن زين الدين البوصيري في كتاب وخرجها، وتكلم على أسانيدها
بما يليق بحالها من صحة وحسن وضعف.
وعندنا منه نسخة مصورة عن الأصل الموجود في المكتبة
الأحمدية.
(13/279)
وَقَدْ حَدَّثَ بِبَغْدَادَ أَخُوْهُ؛
أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ يَزِيْدَ بنِ مَاجَهْ (1)
القَزْوِيْنِيُّ، فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ
وَمائَتَيْنِ، إِذْ حَجَّ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ تَوْبَةَ
القَزْوِيْنِيِّ الحَافِظِ.
سَمِعَ مِنْهُ: الحَافِظُ أَبُو طَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ
نَصْرٍ.
سَمِعْتُ كِتَابَ (سُنَنِ) ابْنِ مَاجَهْ ببَعْلَبَكَّ،
مِنَ القَاضِي تَاجِ الدِّيْنِ؛ عَبْدِ الخَالِقِ بنِ
عَبْدِ السَّلاَمِ (2) ، وَمِنْ ذَلِكَ بِقِرَاءتِي نَحْو
الثُّلُثِ الأَوَّلِ مِنَ الكِتَابِ.
وَحَدَّثَنِي بِالكِتَابِ كُلِّهِ عَنِ الشَّيْخِ
الإِمَامِ، مُوَفَّقِ الدِّيْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
قُدَامَةَ، سَمَاعاً فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ
مائَة.
وَسَمِعْتُهُ كُلَّهُ بِحَلَبَ مِنْ أَبِي سَعِيْدٍ
سُنْقُرَ الزَّيْنِيِّ (3) ، بِسَمَاعِهِ مِنَ الشَّيْخِ
مُوَفَّقِ الدِّيْنِ عَبْدِ اللَّطِيْفِ بنِ يُوْسُفَ،
بِسَمَاعِهِمَا مِنْ أَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيِّ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ المُقَوِّمِي، عَنِ القَاسِمِ
بنِ أَبِي المُنْذِرِ الخَطِيْبِ، عَنْ أَبِي الحَسَنِ
القَطَّانِ، عَنْهُ.
وَعَدَدُ كُتُبِ (سُنَنِ) ابْنِ مَاجَهْ اثْنَانِ
وثَلاَثُوْنَ كِتَاباً.
وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ القَطَّانُ: فِي (السُّنَنِ)
أَلْفٌ وَخَمْسُ مائَة بَابٍ، وَجُمْلَةُ مَا فِيْهِ
أَرْبَعَةُ آلاَفِ حَدِيْثٍ (4) .
فَبِالإِسْنَادِ المَذْكُوْر إِلَى ابْنِ مَاجَهْ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي
سُفْيَانَ:
عَنْ جَابِرٍ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (إِذَا دَخَلَ المَيِّتُ القَبْرَ، مُثِّلَتْ لَهُ
الشَّمْسُ عِنْدَ غُرُوْبِهَا
__________
(1) ترجمته في: تاريخ بغداد: 7 / 453.
(2) تقدمت الإشارة إليه في الصفحة: (190)، ت: 1، عن "
مشيخة " المؤلف.
(3) ترجمته في " مشيخة " الذهبي: خ: ق: 55.
(4) تذكرة الحفاظ: 2 / 636.
وبلغ عدد أحاديث " سنن ابن ماجة " المطبوع بتحقيق محمد
فؤاد عبدا لباقي: " 4341 " حديثا.
(13/280)
فَيَجْلِسُ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ،
وَيَقُوْلُ: دَعُونِي أُصَلِّي (1)).
أَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ الحَافِظُ فِي (المُخْتَارَةِ (2))،
عَنْ مُوَفَّقِ الدِّيْنِ بنِ قُدَامَةَ.
134 - مُحَمَّدُ بنُ جَابِرِ بنِ حَمَّادٍ أَبُو عَبْدِ
اللهِ المَرْوَزِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الفَقِيْهُ، الكَبِيْرُ، أَبُو
عَبْدِ اللهِ المَرْوَزِيُّ.
سَمِعَ: هُدْبَةَ بنَ خَالِدٍ، وَعَلِيَّ بنَ
المَدِيْنِيِّ، وَشَيْبَانَ بنَ فَرُّوْخٍ، وَأَحْمَدَ بنَ
حَنْبَلٍ، وَأَبَا مُصْعَبٍ الزُّهْرِيَّ، وَحِبَّانَ بنَ
مُوْسَى، وَعَلِيَّ بنَ حُجْرٍ، وَإِسْحَاقَ بنَ
رَاهْوَيْه، وَأَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ، وَطَبَقَتَهُم
بِخُرَاسَانَ، وَالحِجَازِ وَالعِرَاقِ، وَمِصْرَ
وَالشَّامِ.
وَجَمَعَ وَصَنَّفَ وَبَرَعَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ)، وَابْنُ
خُزَيْمَةَ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ، وَأَبُو
العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ
المَحْبُوبِيّ، وَآخَرُوْنَ.
ذَكَرَه الحَاكِمُ، وَقَالَ: هُوَ أَحَدُ أَئِمَّةِ
زمَانِهِ، أَدْرَكَتْهُ المنِيَّةُ فِي حَدِّ
__________
(1) هو في سنن ابن ماجه (4272) في الزهد: باب ذكر القبر
والبلى، ورجاله ثقات إلا ان أبا سفيان - واسمه طلحة بن
نافع القرشي - لم يسمع من جابر سوى أربعة أحاديث أخرجها
البخاري، وقال البوصيري في " الزوائد " ورقة 271: إسناده
حسن إن كان أبو سفيان - واسمه طلحة بن نافع - سمع من جابر.
وليس هذا منها، وأخرجه ابن حبان في " صحيحه موارد " (779)
من طريق إسماعيل بن حفص الابلي بهذا الإسناد، وقد تصحف فيه
" الابلي " إلى " الايلي "
(2) هو: محمد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي الحافظ: أحد
الاعلام، له تصانيف مفيدة.
وكتابه هذا منه أجزاء في المكتبة الظاهرية بدمشق، ولم
يتمه.
قال الحافظ ابن كثير في " الباعث الحثيث ": 29: " وكان بعض
الحفاظ من مشايخنا يرجحه على مستدرك الحاكم.
وذكر الزركشي في تخريج الرافعي، فيما نقله عنه السيوطي في:
" اللآلي " أنه تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الترمذي وابن
حبان. توفي سنة (643 ه).
(*) تاريخ ابن عساكر: خ: 15 / 87 أ - 79 أ، تذكرة الحفاظ:
2 / 644 - 645، طبقات الحفاظ: 283، شذرات الذهب: 2 / 175.
(13/281)
الكُهُوْلَةِ.
مَاتَ بِمَرْوَ لِسَبْعٍ بَقِيْنَ مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ
تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
قُلْتُ: قَارَبَ سَبْعِيْنَ سَنَةً.
135
- المُنَجِّمُ* أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ يَحْيَى (1)
بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ
الأَخْبَارِيُّ، الشَّاعِرُ، نَدِيْمُ المُتَوَكِّلِ،
ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُ.
وَكَانَ ذَا فُنُوْنٍ وَعَقْليَّاتٍ وَهَذَيَان،
وَتَوسُّعٍ فِي الأَدَبِيَّاتِ.
وَلَهُ تَصَانِيْفُ، مِنْهَا: كِتَابُ (أَخْبَارِ
إِسْحَاقَ النَّدِيْمِ).
مَاتَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ،
وَخَلَّفَ عِدَّةَ أَوْلاَدٍ أُدَبَاءٍ، وَهُمْ أَهْلُ
بَيْتٍ.
136 - غُلاَمُ خَلِيْلٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
غَالِبٍ البَاهِلِيُّ **
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الزَّاهِدُ، الوَاعِظُ، شَيْخُ
بَغْدَادَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
غَالِبِ بنِ خَالِدِ بنِ مِرْدَاسَ البَاهِلِيُّ،
البَصْرِيُّ، غُلاَمُ خَلِيْلٍ.
__________
(*) الاغاني: 8 / 369 وما بعدها، الفهرست: المقالة
الثالثة: الفن الثالث، تاريخ
بغداد: 12 / 121 - 122، معجم الأدباء: 15 / 144 - 175،
وفيات الأعيان: 3 / 373 - 374.
(1) كان اسمه في الأصل: " علي بن هارون بن علي بن يحيى ".
وهو خطأ، التبس على المؤلف بجده: علي بن هارون بن علي بن
يحيى، الذي أشار إليه في ترجمة أبيه هارون بن علي التي
ستأتي في الصفحة: (404)، برقم: (193). وتتمة اسمه من
مصادره.
(* *) الجرح والتعديل: 2 / 73، كتاب المجروحين والضعفاء: 1
/ 150 - 151، تاريخ بغداد: 5 / 78 - 80، المنتظم: 5 / 95 -
96، ميزان الاعتدال، 1 / 141 - 142، لسان الميزان، 1 / 272
- 274.
(13/282)
سَكَنَ بَغْدَادَ.
وَكَانَ لَهُ جَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ، وَصَوْلَةٌ
مَهِيْبَةٌ، وَأَمْرٌ بِالمَعْرُوفِ، وَاتِّبَاعٌ
كَثِيْرٌ، وَصِحَّةُ مُعْتَقَدٍ، إِلاَّ أَنَّهُ يَرْوِي
الكَذِبَ الفَاحِشَ، وَيَرَى وَضْعَ الحَدِيْثِ.
نَسْأَلُ اللهَ العَافيَةَ.
رَوَى عَنْ: دِيْنَارٍ (1) الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ لَقِيَ
أَنَساً، وَعَنْ: قُرَّةَ بنِ حَبِيْبٍ، وَسَهْلِ بنِ
عُثْمَانَ، وَشَيْبَانَ، وَسُلَيْمَانَ الشَّاذَكُوْنِيِّ.
وَخَفِيَ حَالُهُ عَلَى الكِبَارِ أَوَّلاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَعُثْمَانُ
السَّمَّاكُ، وَأَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ:
رَجُلٌ صَالِحٌ، لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مِمَّنْ يَفْتَعِلُ
الحَدِيْثَ (2) .
وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: سَرَقَ غُلاَمُ خَلِيْلٍ هَذِهِ
الأَحَادِيْثَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَبِيْبٍ (3) .
وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الصِّبْغِيُّ: غُلاَمُ
خَلِيْلٍ مِمَّنْ لاَ أَشُكُّ فِي كَذِبِهِ (4) .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ، أَنَّهُ
قَالَ: ذَاكَ دَجَّالُ بَغْدَادَ، نَظَرْتُ فِي أَرْبَعِ
مائَةِ حَدِيْثٍ لَهُ، عُرِضَتْ عَلَيَّ، كُلُّهَا كَذِبٌ،
مُتُوْنُهَا وَأَسَانِيْدُهَا (5) .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ
النُّهَاوَنْدِيَّ يَقُوْلُ: كلَّمْتُ غُلاَمَ
__________
(1) هو: دينار بن عبد الله.
(2) الجرح والتعديل: 2 / 73.
(3) انظر: تاريخ بغداد: 5 / 79.
(4) انظر: المصدر السابق.
(5) في تاريخ بغداد: 5 / 79: قال: " ذاك - يعني صاحب الزنج
- كان دجال البصرة، وأخشى ان يكون هذا - يعني غلام خليل -
دجال بغداد ".
(13/283)
خَلِيْلٍ فِي هَذِهِ الأَحَادِيْثَ،
فَقَالَ: وَضَعْنَاهَا لِتُرَقِّقَ القُلُوْبَ (1) .
وفِي (تَارِيْخِ بَغْدَادَ (2)): أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ
الشَّعِيْرِيّ قَالَ: قُلْتُ لغُلاَمِ خَلِيْلٍ لَمَّا
رَوَى عَنْ بَكْرِ بنِ عِيْسَى، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ: يَا
أَبَا عَبْدِ اللهِ! هَذَا شَيْخٌ قَدِيْمُ الوَفَاةِ،
لَمْ تَلْحَقْهُ، فَفَكَّرَ، وَخِفْتُ أَنَا، فَقُلْتُ:
كَأَنَّكَ سَمِعْتَ مِنْ رَجُلٍ بِاسْمِهِ؟
فَسَكَتَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، قَالَ لِي: إِنِّي
نَظَرْتُ البَارِحَةَ فِيْمَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ
بِالبَصْرَةِ، مِمَّنْ يُقَال لَهُ: بَكْرُ بنُ عِيْسَى،
فَوَجَدْتُهُم سِتِّيْنَ رَجُلاً.
قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: قَدِمَ مِنْ وَاسِطَ غُلاَمُ
خَلِيْلٍ، فَذُكِرَتْ لَهُ هَذِهِ الشَّنَاعَات -يَعْنِي:
خَوْضَ الصُّوْفِيَّةِ- وَدَقَائِقَ الأَحْوَالِ الَّتِي
يَذُمُّهَا أَهْلُ الأَثَرِ، وَذُكِرَ لَهُ قَوْلُهُم
بِالمَحَبَّةِ، وَيَبْلُغُهُ قَوْلُ بَعْضِهم: نَحْنُ
نُحِبُّ رَبَّنَا وَيُحِبُّنَا، فَأَسْقَطَ عَنَّا
خَوْفَهُ بِغَلَبَةِ حُبِّهِ - فَكَانَ يُنْكِرُ هَذَا
الخَطَأَ بِخَطَأٍ أَغْلَظَ مِنْهُ، حَتَّى جَعَلَ
مَحَبَّةَ الله بِدْعَةً، وَكَانَ يَقُوْلُ: الخَوْفُ
أَوْلَى بِنَا.
قَالَ: وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّم، بَلِ المَحَبَّةُ
وَالخَوْفُ أَصْلاَنِ، لاَ يَخْلُو المُؤْمِنُ مِنْهُما،
فَلَمْ يَزَلْ يَقُصُّ بِهِم، وَيُحَذِّرُ مِنْهُم،
وَيُغْرِي بِهِمُ السُّلْطَانَ وَالعَامَّةَ، وَيَقُوْلُ:
كَانَ عِنْدَنَا بِالبَصْرَةِ قَوْمٌ يَقُوْلُوْنَ
بِالحُلُوْلِ، وَقَوْمٌ يَقُوْلُوْنَ بِالإِبَاحَةِ،
وَقَوْمٌ يَقُوْلُوْنَ كَذَا، فَانتَشَرَ فِي الأَفْوَاهِ
أَنَّ بِبَغْدَادَ قَوماً يَقُوْلُوْنَ بِالزَّنْدَقَةِ.
وكَانَتْ تَمِيْلُ إِلَيْهِ وَالِدَةُ المُوَفَّقِ،
وَكَذَلِكَ الدَّوْلَةُ وَالعَوَامُّ، لزُهْدِهِ
وَتَقَشُّفِهِ، فَأَمَرَتِ المُحْتَسِبَ أَنْ يُطِيْعَ
غُلاَمَ خَلِيْلٍ، فَطَلَبَ القَوْمَ، وَبَثَّ الأَعْوَانَ
فِي طَلَبِهِم، وَكُتِبُوا، فَكَانُوا نَيِّفاً
وَسَبْعِيْنَ نَفْساً، فَاخْتَفَى عَامَّتُهُم،
وَبَعْضُهُم خَلَّصَتْهُ العَامَّةُ، وَحُبِسَ مِنْهُم
جَمَاعَةٌ مُدَّةً.
__________
(1) انظر: تاريخ بغداد: 5 / 79.
(2) 5 / 78 - 79.
(13/284)
قُلْتُ: وَهَرَبَ النَّوَرِيّ (1) إِلَى
الرَّقَّةِ.
قَالَ ابْنُ كَامِلٍ: مَاتَ غُلاَمُ خَلِيْلٍ: فِي رَجَبٍ،
سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَغُلِقَتِ
الأَسْوَاقُ، وَخَرَجَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ
لِلصَّلاَةِ عَلَيْهِ، ثُمَّ حُمِلَ فِي تَابُوْتٍ إِلَى
البَصْرَةِ، وَبُنِيَتْ عَلَيْهِ قُبَّةٌ.
قَالَ: وَكَانَ فَصِيْحاً مُعْرِباً، يَحْفَظُ عِلْماً
كَثِيْراً، وَيَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ، وَيَقْتَاتُ
بِالبَاقِلاَ صرفاً (2) .
137 - بَقِيُّ بنُ مَخْلَدِ بنِ يَزِيْدَ أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الأَنْدَلُسِيُّ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الأَنْدَلُسِيُّ، القُرْطُبِيُّ، الحَافِظُ،
صَاحِبُ (التَّفْسِيْرِ) وَ(المُسْنَدِ) اللَّذَيْنِ لاَ
نَظِيْرَ لَهُمَا.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ مائَتَيْنِ، أَوْ قَبْلَهَا
بِقَلِيْلٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: يَحْيَى بنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ، ويَحيَى
بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ بُكَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى
الأَعْشَى، وَأَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيِّ، وَصَفْوَانَ
بنِ صَالِحٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ
الحِزَامِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عَمَّارٍ، وَزُهَيْرِ بنِ
عَبَّادٍ الرُّؤَاسِيِّ، وَيَحْيَى بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ
الحِمَّانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
نُمَيْرٍ، وَأَحْمَدَ بنِ
__________
(1) هو أبو الحسين أحمد بن محمد النوري. انظر ترجمته في:
طبقات الصوفية: 164 / 169، ومصادره فيه.
(2) انظر: تاريخ بغداد: 5 / 10.
(*) تاريخ علماء الأندلس:: 1 / 91 - 93، طبقات الحنابلة: 1
/ 120، تاريخ ابن عساكر: خ: 3 / 203 ب - 205 أ، الصلة لابن
بشكوال: 1 / 116 - 119، المنتظم: 5 / 100 - 101، معجم
الأدباء: 7 / 75 - 85، تذكرة الحفاظ، 2 / 629 - 631، عبر
المؤلف: 2 / 56، البداية والنهاية: 11 / 56 - 57، النجوم
الزاهرة: 3 / 75، طبقات الحفاظ: 277، طبقات المفسرين: 1 /
116 - 117، نفح الطيب: 2 / 47، و518 - 520، شذرات الذهب: 2
/ 169، تهذيب بدران: 3 / 280 - 283.
(13/285)
حَنْبَلٍ - مَسَائِلَ وَفَوَائِدَ - وَلَمْ
يَرْوِ لَهُ شَيْئاً مُسْنَداً، لِكَوْنِهِ كَانَ قَدْ
قَطَعَ الحَدِيْثَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ،
فَأَكْثَرَ، وَمِنْ: جُبَارَةَ بنِ المُغَلَّسِ، وَيَحْيَى
بنِ بِشْرٍ الحَرِيْرِي، وَشَيْبَانَ بنِ فَرُّوْخٍ،
وَسُوَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ، وَهُدْبَةَ بنِ خَالِدٍ،
وَمُحَمَّدِ بنِ رُمْحٍ، وَدَاوُدَ بنِ رُشَيْدٍ،
وَمُحَمَّدِ بنِ أَبَانٍ الوَاسِطِيِّ، وَحَرْمَلَةَ بنِ
يَحْيَى، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدٍ الحَرَّانِيِّ،
وَيَعْقُوْبَ بنِ حُمَيْدِ بنِ كَاسِبٍ، وَعِيْسَى بنِ
حَمَّادٍ زُغْبَةَ، وَسَحْنُوْنَ بنِ سَعِيْدٍ الفَقِيْهِ،
وَهُرَيْمِ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَمِنْجَابِ بنِ
الحَارِثِ، وَعُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَعُبَيْدِ
اللهِ القَوَارِيْرِيِّ، وَأَبِي كُرَيْبٍ، وَبُنْدَارٍ،
وَهَنَّادٍ، وَالفَلاَّسِ، وَكَثِيْرِ بنِ عُبَيْدٍ،
وَخَلْقٍ.
وعُنِي بِهَذَا الشَّأْنِ عِنَايَةً لاَ مَزِيْدَ
عَلَيْهَا، وَأَدْخَلَ جَزِيْرَةَ الأَنْدَلُسِ عِلْماً
جَمّاً، وَبِهِ وَبِمُحَمَّدِ بنِ وَضَّاحٍ (1) صَارَتْ
تِلْكَ النَّاحِيَةَ دَارَ حَدِيْثٍ، وَعِدَّةُ
مَشْيَخَتِهِ الَّذِيْنَ حَمَلَ عَنْهُم مائَتَانِ
وَأَرْبَعَةٌ وَثَمَانُوْنَ رَجُلاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ أَحْمَدُ، وَأَيُّوْبُ بنُ
سُلَيْمَانَ المُرِّيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
الأُمَوِيُّ، وَأَسْلَمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ،
وَمُحَمَّدُ بنُ وَزِيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ
لُبَابَةَ، وَالحَسَنُ بنُ سَعْدٍ الكِنَانِيُّ، وَعَبْدُ
اللهِ بنُ يُوْنُسَ المُرَادِيُّ القبْرِي، وَعَبْدُ
الوَاحِدِ بنُ حَمْدُوْنَ، وَهِشَامُ بنُ الوَلِيْدِ
الغَافِقيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ إِمَاماً مُجْتَهِداً صَالِحاً، رَبَّانِيّاً
صَادِقاً مُخْلِصاً، رَأْساً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ،
عَدِيْمَ المَثَلِ، مُنْقَطِعَ القَرِيْنِ، يُفْتِي
بِالأَثَرِ، وَلاَ يُقَلِّدُ أَحَداً.
وَقَدْ تَفَقَّهَ بِإِفْرِيْقِيَّةَ عَلَى سَحْنُوْنَ بنِ
سَعِيْدٍ.
ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، فَقَالَ: مَا
كُنَّا نُسَمِّيْهِ إِلاَّ المِكْنَسَة، وَهَلْ
__________
(1) ستأتي ترجمته في الصفحة، (445)، برقم: (219).
(13/286)
احْتَاجَ بَلَدٌ فِيْهِ بَقِيٌّ إِلَى أَنْ
يَرْحَلَ إِلَى هَا هُنَا مِنْهُ أَحَدٌ (1) ؟!
قَالَ طَاهِرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الأَنْدَلُسِيُّ:
حَمَلْتُ مَعِي جُزْءاً مِنْ (مُسْنَدِ) بَقِيِّ بنِ
مَخْلَدٍ إِلَى المَشْرِقِ، فَأَرَيْتُهُ مُحَمَّدَ بنَ
إِسْمَاعِيْلَ الصَّائِغَ، فَقَالَ: مَا اغْتَرَفَ هَذَا
إِلاَّ مِنْ بَحْرٍ، وَعَجِبَ مِنْ كَثْرَةِ عِلْمِهِ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَيُّوْنَ، عَنْ بَقِيِّ بنِ
مَخْلَدٍ، قَالَ: لَمَّا رَجَعْتُ مِنَ العِرَاقِ،
أَجْلَسَنِي يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ إِلَى جَنْبِهِ،
وَسَمِعَ مِنِّي سَبْعَةَ أَحَادِيْثَ.
وَقَالَ أَبُو الوَلِيْدِ بنِ الفَرَضِيِّ فِي
(تَارِيْخِهِ): مَلأَ بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ الأَنْدَلُسَ
حَدِيْثاً، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ
الأَنْدَلُسِيُّوْنَ: أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ (2) ،
وَمُحَمَّدُ بنُ الحَارِثِ، وَأَبُو زَيْدٍ، مَا
أَدْخَلَهُ مِنْ كُتُبِ الاختِلاَفِ، وَغَرَائِبِ
الحَدِيْثِ، فَأَغْرُوا بِهِ السُّلْطَانَ وَأَخَافُوهُ
بِهِ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ أَظْهَرَهُ عَلَيْهِم، وَعَصَمَهُ
مِنْهُم، فَنَشَر حَدِيْثَهُ وَقَرَأَ لِلنَّاسِ
رِوَايَتَهُ (3) .
ثُمَّ تَلاَهُ ابْنُ وَضَّاحٍ، فَصَارَتِ الأَنْدَلُسُ
دَارَ حَدِيْثٍ وَإِسْنَادٍ (4) .
وَمِمَّا انْفَرَدَ بِهِ، وَلَمْ يُدْخِلْهُ سِوَاهُ
(مُصَنَّفُ) أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ بِتَمَامِهِ،
وَكِتَابُ (الفِقْهِ) لِلشَافِعِيِّ بِكَمَالِهِ -يَعْنِي:
(الأَمّ)- وَ(تَارِيْخُ) خَلِيْفَة، وَ(طَبَقَاتُ)
خَلِيْفَة، وَكِتَابُ (سِيْرَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ)، لأَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ
الدَّوْرَقِيِّ... وَلَيْسَ لأَحَدٍ مِثْلَ (مُسْنَدِهِ).
وَكَانَ وَرِعاً فَاضِلاً زَاهِداً... قَدْ ظَهَرَتْ لَهُ
إِجَابَاتُ الدَّعْوَةِ فِي غَيْرِ مَا شَيء.
__________
(1) تذكرة الحفاظ: 2 / 630.
(2) في رواية ابن الفرضي: " عبد الله بن خالد ".
(3) زاد هنا ابن الفرضي: " فمن يومئذ انتشر الحديث
بالاندلس ".
(4) وزاد هنا: " وإنما كان الغالب عليها قبل ذلك حفظ رأي
مالك وأصحابه ".
(13/287)
قَالَ: وَكَانَ المَشَاهِيْرُ مِنْ
أَصْحَابِ ابْنِ وَضَّاحٍ لاَ يَسْمَعُوْنَ مِنْهُ،
لِلَّذِي بَيْنَهُمَا مِنَ الوَحْشَةِ...
وُلِدَ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَمائَتَيْنِ
(1) .
وَقَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ: لَمْ
يَقَعْ إِلِيَّ حَدِيْثٌ مُسْنَدٌ مِنْ حَدِيْثِ بَقِيٍّ
(2) .
قُلْتُ: عَمِلَ لَهُ تَرْجَمَةً حَسَنَةً فِي
(تَارِيْخِهِ).
قَالَ الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ
الظَّاهِرِيُّ: أَقْطَعُ أَنَّهُ لَمْ يُؤَلَّفْ فِي
الإِسْلاَمِ مِثْلُ (تَفْسِيْرِ) بَقِيٍّ، لاَ
(تَفْسِيْرِ) مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ، وَلاَ غَيْرِهِ (3)
.
قَالَ: وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الأُموِيُّ صَاحِبُ الأَنْدَلُس مُحِبّاً للعُلُوْمِ
عَارِفاً، فَلَمَّا دَخَلَ بَقِيٌّ الأَنْدَلُسَ
(بِمُصَنَّفِ) أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَقُرِئ
عَلَيْهِ، أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الرَّأْي مَا
فِيْهِ مِنَ الخِلاَفِ، وَاسْتَبْشَعُوهُ وَنَشَّطُوا
العَامَّةَ عَلَيْهِ، وَمَنَعُوهُ مِنْ قِرَاءَتِهِ،
فَاسْتَحْضَرَهُ صَاحِبُ الأَنْدَلُسِ مُحَمَّدٌ
وَإِيَّاهُم، وَتَصَفَّحَ الكِتَابَ كُلَّهُ جُزْءاً
جُزْءاً، حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ
لخَازِنِ الكُتُبِ: هَذَا كِتَابٌ لاَ تَسْتغْنِي
خِزَانَتُنَا عَنْهُ، فَانْظُرْ فِي نَسْخِهِ لَنَا.
ثُمَّ قَالَ لَبَقِيٍّ: انشُرْ عِلْمَكَ وَاروِ مَا
عِنْدَكَ.
وَنَهَاهُم أَنْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ.
قَالَ أَسْلَمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: حَدَّثَنَا بَقِيُّ
بنُ مَخْلَدٍ، قَالَ:
لَمَّا وَضعْتُ (مُسْنَدِي)، جَاءنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ
يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَأَخُوْهُ؛ إِسْحَاقُ، فَقَالاَ:
بَلَغنَا أَنَّكَ وَضَعْتَ (مُسْنَداً)، قَدَّمْتَ فِيْهِ
أَبَا مُصْعَبٍ الزُّهْرِيَّ، وَيَحْيَى بنَ بُكَيْرٍ،
وَأَخَّرْتَ أَبَانَا؟
فَقَالَ: أَمَّا تَقْدِيْمِي أَبَا مُصْعبٍ، فَلِقَوْلِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
__________
(1) انظر: تاريخ علماء الأندلس: 1 / 92 - 93، والزيادة
منه.
(2) تاريخ ابن عساكر: خ: 3 / 203 ب.
(3) انظر: معجم الأدباء: 7 / 77 - 78.
(13/288)
قَدِّمُوا قُرَيْشاً، وَلاَ تَقَدَّمُوْهَا
(1)).
وَأَمَّا تَقْدِيْمِي ابْنَ بُكَيْرٍ، فَلِقُوْلِ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كَبِّرْ
كَبِّرْ (2))- يُرِيْدُ السِّنَّ - وَمَعَ أَنَّهُ سَمِعَ
(المُوَطَّأَ) مِنْ مَالِكٍ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً،
وَأَبُوْكُمَا لَمْ يَسْمَعْهُ إِلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً.
قُلْتُ: وَلَهُ فِيْهِ فَوْتٌ مَعْرُوْفٌ (3) .
قَالَ: فَخَرَجَا وَلَمْ يَعُودَا، وَخَرَجَا إِلَى حَدِّ
العَدَاوَةِ (4) .
وَأَلَّفَ أَبُو عَبْدِ المَلِكِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ عَبْدِ البَرِّ القُرْطُبِيُّ، المَيِّتُ فِي عَامِ
ثَمَانِيَةٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ كِتَاباً (5)
فِي أَخْبَارِ عُلَمَاءِ قُرْطُبَةَ، ذَكَرَ فِيْهِ
بَقِيَّ بنَ مَخْلَدٍ، فَقَالَ: كَانَ فَاضِلاً تَقِيّاً،
صَوَّاماً قَوَّاماً مُتَبَتِّلاً، مُنْقَطِعَ القَرِيْنِ
فِي عَصْرِهِ، مُنْفَرِداً عَنِ النَّظِيْرِ فِي مِصْرِهِ،
كَانَ أَوَّلُ طَلَبِهِ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى
__________
(1) أخرجه البيهقي في " السنن " 3 / 121، وفي " مناقب
الشافعي " 1 / 21 من طريق معمر، عن الزهري، عن ابن أبي
حثمة أبي بكر بن سليمان مرفوعا، وقال: وهو مرسل جيد،
وأورده ابن حجر في " توالي التأسيس " ص 45، وقال: هذا مرسل
قوي الإسناد، وله شاهد موصول من حديث أنس عند أبي نعيم في
" الحلية " 9 / 64، وآخر من حديث علي عند البزار، وثالث من
حديث عبد الله بن السائب عند الطبراني في " الكبير " ورابع
عن جبير بن مطعم عند البيهقي في مناقب الشافعي 1 / 22، 23.
(2) قطعة من حديث مطول أخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 877،
878 في القسامة، والبخاري 2 / 203، 206 في الديات، ومسلم
(1669) في القسامة، وأبو داود (4520) و(4521) و(4523)
والترمذي (1422) والنسائي 8 / 5، 12.
(3) رواية يحيى بن يحيى الليثي " للموطأ "، وهي المطبوعة
المتداولة بين أيدي طلبة العلم في هذا الزمن.
ورواية أبي مصعب الزهري غير مطبوعة، والبغوي يعتمدها كثيرا
في " شرح السنة ".
وقد روى " الموطأ " عن مالك جماعات كثيرة، وبين رواياتهم
اختلاف، من تقديم وتأخير، وزيادة ونقص، ومن أكبرها وأكثرها
زيادات رواية أبي مصعب، فقد قال ابن حزم: في " موطأ " أبي
مصعب زيادة على سائر الموطآت نحو مئة حديث.
وقوله: " فيه فوت معروف ": يريد أن يحيى بن يحيى لم يسمع "
الموطأ " كله من مالك.
(4) انظر: معجم الأدباء: 7 / 81 - 82.
(5) في الأصل: " كتاب ".
(13/289)
الأَعْشَى، ثُمَّ رَحَلَ، فَحَمَلَ عَنْ
أَهْلِ الحَرَمَيْنِ، وَمِصْرَ، وَالشَّامِ،
وَالجَزِيْرَةِ، وَخُلْوَانَ، وَالبَصْرَةِ، وَالكُوْفَةِ،
وَوَاسِطَ، وَبَغْدَادَ، وَخُرَاسَانَ - كَذَا قَالَ،
فَغَلِطَ، لَمْ يَصِلْ إِلَى خُرَاسَانَ، بَلْ وَلاَ إِلَى
هَمَذَانَ، وَمَا أَدْرِي هَلْ دَخَلَ الجَزِيْرَةَ أَمْ
لاَ؟
وَيَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ تَأَمَّلَ شُيُوْخَهُ - ثُمَّ
قَالَ: وَعَدَنَ وَالقَيْرَوَانَ - قُلْتُ: وَمَا دَخَلَ
الرَّجُلُ إِلَى اليَمَنِ -.
قَالَ: وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ
أَبِيْهِ: أَنَّ امْرَأَةً جَاءت إِلَى بَقِيٍّ،
فَقَالَتْ: إِنَّ ابْنِي فِي الأَسْرِ، وَلاَ حِيْلَةَ
لِي، فَلَو أَشَرْتَ إِلَى مَنْ يَفْدِيهِ، فَإِنَّنِي
وَالِهَةٌ.
قَالَ: نَعَمْ، انصَرِفِي حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ.
ثُمَّ أَطْرَقَ، وَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، ثُمَّ بَعْدَ
مُدَّةٍ جَاءتِ المَرْأَةُ بَابْنِهَا، فَقَالَ: كُنْتُ
فِي يَدِ مَلِكٍ، فَبَيْنَا أَنَا فِي العَمَلِ، سَقَطَ
قَيْدِي.
قَالَ: فَذَكَرَ اليَوْمَ وَالسَّاعَةَ، فَوَافَقَ وَقْتَ
دُعَاءِ الشَّيْخِ.
قَالَ: فَصَاحَ عَلَى المُرَسَّم بِنَا، ثُمَّ نَظَرَ
وَتَحَيَّرَ، ثُمَّ أَحْضَرَ الحَدَّادَ وَقَيَّدَنِي،
فَلَمَّا فَرغَهُ وَمَشَيْتُ سَقَطَ القَيْدُ، فَبُهِتُوا،
وَدَعُوا رُهْبَانَهُم، فَقَالُوا: أَلَكَ وَالِدَةٌ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالُوا: وَافَقَ دُعَاءهَا الإِجَابَةُ (1) .
هَذِهِ الوَاقِعَةُ حَدَّثَ بِهَا الحَافِظُ حَمْزَةُ
السَّهْمِيُّ، عَنْ أَبِي الفَتْحِ نَصْرِ بنِ أَحْمَدَ
بنِ عَبْدِ المَلِكِ، قَالَ:
سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا
أَبِي.... فَذَكَرَهَا، وَفِيْهَا: ثُمَّ قَالُوا: قَدْ
أَطلَقَكَ اللهُ، فَلاَ يُمْكِنُنَا أَن نُقَيِّدَكَ،
فَزَوَّدُونِي، وَبَعَثَوا بِي.
قَالَ: وَكَانَ بَقِيٌّ أَوَّلَ مَنْ كَثَّرَ الحَدِيْثَ
بِالأَنْدَلُسِ وَنَشَرَهُ، وَهَاجَمَ بِهِ شُيُوْخَ
الأَنْدَلُسِ، فَثَارُوا عَلَيْهِ، لأَنَّهُم كَانَ
عِلْمُهُم بِالمَسَائِلِ وَمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَكَانَ
بَقِيٌّ يُفْتِي بِالأَثَرِ، فَشَذَّ عَنْهُم شُذُوذاً
عَظِيْماً، فَعَقَدُوا عَلَيْهِ الشَّهَادَات،
__________
(1) انظر: المنتظم: 5 / 100 - 101، ومعجم الأدباء: 7 / 84
- 85، والبداية والنهاية: 11 / 56 - 57.
(13/290)
وَبَدَّعُوهُ، وَنَسَبُوا إِلَيْهِ
الزَّنْدَقَة، وَأَشيَاء نَزَّهَهُ اللهُ مِنْهَا.
وَكَانَ بَقِيٌّ يَقُوْلُ: لَقَدْ غَرَسْتُ لَهُم
بِالأَنْدَلُسِ غَرْساً لاَ يُقْلَعُ إِلاَّ بِخُرُوْجِ
الدَّجَّالِ (1) .
قَالَ: وَقَالَ بَقِيٌّ: أَتَيْتُ العِرَاقَ، وَقَدْ
مُنِعَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مِنَ الحَدِيْثِ،
فَسَأَلْتُهُ أَنْ يُحَدِّثَنِي، وَكَانَ بَيْنِي
وَبَيْنَهُ خُلَّةٌ، فَكَانَ يُحَدِّثُنِي بِالحَدِيْثِ
فِي زِيِّ السُّؤَالِ، وَنَحْنُ خلوَةٌ، حَتَّى اجْتَمَعَ
لِي عَنْهُ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ حَدِيْثٍ.
قُلْتُ: هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَ(مُسْنَدُ) بَقِيٍّ رَوَى فِيْهِ
عَنْ أَلفٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ صَاحِبٍ وَنَيِّفٍ، وَرَتَّبَ
حَدِيْثَ كُلِّ صَاحِبٍ عَلَى أَبْوَابِ الفِقْهِ، فَهُوَ
مُسْنَدٌ وَمُصَنَّفٌ، وَمَا أَعْلَمُ هَذِهِ الرُّتْبَةَ
لأَحَدٍ قَبْلَهُ، مَعَ ثِقَتِهِ وَضَبْطِهِ، وَإتقَانِهِ
وَاحتِفَالِهِ فِي الحَدِيْثِ.
وَلَهُ مُصَنَّفٌ فِي فَتَاوَى الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِيْنَ فَمَنْ دُوْنَهُم، الَّذِي قَدْ أَرْبَى
فِيْهِ عَلَى (مُصَنَّفِ) ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَلَى
(مُصَنَّفِ) عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَعَلَى (مُصَنَّفِ)
سَعِيْدِ بنِ مَنْصُوْرٍ... ثُمَّ إِنَّهُ نَوَّهُ
بِذِكْرِ (تَفْسِيْرِهِ)، وَقَالَ:
فَصَارَتْ تَصَانِيْفُ هَذَا الإِمَامِ الفَاضِلِ
قَوَاعِدَ الإِسْلاَمِ، لاَ نَظِيْرَ لَهَا، وَكَانَ
مُتَخَيِّراً لاَ يُقَلِّدُ أَحَداً، وَكَانَ ذَا خَاصَّةٍ
مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَجَارِياً فِي مِضْمَارِ
البُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَالنَّسَائِيِّ (2) .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ المَلِكِ المَذْكُوْرُ فِي
(تَارِيْخِهِ): كَانَ بَقِيُّ طُوَالاً أَقْنَى (3) ، ذَا
لِحْيَةٍ مُضَبَّراً (4) قَوِيّاً جَلْداً عَلَى المَشِي،
لَمْ يُرَ رَاكِباً دَابَّةً قَطُّ،
__________
(1) انظر: تذكرة الحفاظ: 2 / 630.
(2) معجم الأدباء: 7 / 78 - 80.
(3) القنا: احديداب في الانف. يقال: رجل أقنى الانف،
وامرأة ؟ قنواء.
(4) الضبر: تلزيز العظام، واكتناز اللحم.
(13/291)
وَكَانَ مُلاَزِماً لِحُضُوْرِ
الجَنَائِزِ، مُتَوَاضِعاً، وَكَانَ يَقُوْلُ: إِنِّيْ
لأَعْرِفُ رَجُلاً، كَانَ تَمْضِي عَلَيْهِ الأَيَّامُ فِي
وَقْتِ طَلَبِهِ العِلْم، لَيْسَ لَهُ عَيْشٌ إِلاَّ
وَرَقُ الكُرُنْبِ الَّذِي يُرْمَى، وَسَمِعْتُ مِنْ كُلِّ
مَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ فِي البُلْدَانِ مَاشِياً إِلَيْهِم
عَلَى قَدَمِي (1) .
قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ الحَافِظُ: كَانَ بَقِيٌّ مِنْ
عُقَلاَءِ النَّاسِ وَأَفَاضِلِهِم، وَكَانَ أَسْلَمُ بنُ
عَبْدِ العَزِيْزِ يُقَدِّمُهُ عَلَى جَمِيْعِ مَنْ
لَقِيَهُ بِالمَشْرِقِ، وَيَصِفُ زُهْدَهُ، وَيَقُوْلُ:
رُبَّمَا كُنْتُ أَمْشِي مَعَهُ فِي أَزِقَّةِ قُرْطُبَةَ،
فَإِذَا نَظَرَ فِي مَوْضِعٍ خَالٍ إِلَى ضَعِيْفٍ
مُحْتَاجٍ أَعطَاهُ أَحَدَ ثَوْبَيْهِ (2) .
وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ صَاحِبُ القِبْلَةِ (3) ،
قَالَ: كَانَ بَقِيٌّ يَخْتِم القُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ،
فِي ثلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَكَانَ يُصَلِّي
بِالنَّهَارِ مائَةِ رَكْعَةٍ، وَيَصُوْمُ الدَّهْرَ.
وَكَانَ كَثِيْرَ الجِهَادِ، فَاضِلاً، يُذْكَرُ عَنْهُ
أَنَّهُ رَابَطَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ غَزْوَةً (4) .
وَنَقَلَ بَعْضُ العُلَمَاءِ مِنْ كِتَابٍ لِحَفِيْدِ
بَقِيٍّ؛ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي
يَقُوْلُ:
رَحَل أَبِي مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَغْدَادَ، وَكَانَ
رَجُلاً بُغْيَتُهُ مُلاَقَاةُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ.
قَالَ: فَلَمَّا قَرُبْتُ بَلَغَتْنِي المِحْنَةُ،
وَأَنَّهُ مَمْنُوْعٌ، فَاغتَمَمْتُ غَمّاً شَدِيْداً،
فَاحتَلَلْتُ بَغْدَادَ، وَاكتَرَيْتُ بَيْتاً فِي
فُنْدُقٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ الجَامِعَ وَأَنَا أُرِيْدُ أَنْ
أَجْلِسَ إِلَى النَّاسِ، فدُفِعْتُ إِلَى حَلْقَةٍ
نَبِيْلَةٍ، فَإِذَا بِرَجُلٍ يَتَكَلَّمُ فِي
__________
(1) تذكرة الحفاظ: 2 / 630.
(2) انظر: تذكرة الحفاظ: 2 / 631.
(3) هو مسلم بن أحمد المعروف بصاحب القبلة، لأنه كان يشرق
في صلاته، وكان عالما بحركات الكواكب وأحكامها، وكان صاحب
فقه وحديث. وهو أول من اشتهر في الأندلس بعلم الاوائل
والحساب والنجوم، انظر: نفح الطيب: 3 / 375.
(4) انظر: المصدر السابق.
(13/292)
الرِّجَالِ، فَقِيْلَ لِي: هَذَا يَحْيَى
بنُ مَعِيْنٍ.
فَفُرِجَتْ لِي فُرْجَةً، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ:
يَا أَبَا زَكَرِيَّا: - رَحِمَكَ اللهُ - رَجُلٌ غَرِيْبٌ
نَاءٍ عَنْ وَطَنِهِ، يُحِبُّ السُّؤَالَ، فَلاَ
تَسْتَجْفِنِي.
فَقَالَ: قُلْ.
فَسَأَلْتُ عَنْ بَعْضِ مَنْ لَقِيْتُهُ، فَبَعْضاً
زَكَّى، وَبَعْضاً جَرَحَ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هِشَامِ بنِ
عَمَّارٍ.
فَقَالَ لِي: أَبُو الوَلِيْدِ، صَاحِبُ صَلاَةِ دِمَشْقَ،
ثِقَةٌ، وَفَوْق الثِّقَةِ، لَوْ كَانَ تَحْتَ رِدَائِهِ
كِبْرٌ، أَوْ مُتَقَلِّداً كِبْراً، مَا ضَرَّهُ شَيْئاً
لِخَيْرِهِ وَفَضْلِهِ، فَصَاحَ أَصْحَابُ الحَلْقَةِ:
يَكْفِيْكَ - رَحِمَكَ اللهُ - غَيْرُكَ لَهُ سُؤَالٌ.
فَقُلْتُ: وَأَنَا وَاقِفٌ عَلَى قَدَمٍ: اكشِفْ عَنْ
رَجُلٍ وَاحِدٍ: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَنَظَرَ إِليَّ
كَالمُتَعَجِّبِ، فَقَالَ لِي: وَمِثْلُنَا، نَحْنُ
نَكْشفُ عَنْ أَحْمَدَ؟! ذَاكَ إِمَامُ المُسْلِمِيْنَ،
وَخَيْرُهُم وَفَاضِلُهُم.
فَخَرَجْتُ أَستَدِلُّ عَلَى مَنْزِلِ أَحْمَدَ بنِ
حَنْبَلٍ، فَدُلِلْتُ عَلَيْهِ، فَقَرَعْتُ بَابَهُ،
فَخَرَجَ إِليَّ، فَقُلْتُ:
يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ رَجُلٌ غَرِيْبٌ، نَائِي الدَّارِ،
هَذَا أَوَّلُ دُخُوْلِي هَذَا البَلَد، وَأَنَا طَالِبُ
حَدِيْثٍ، وَمُقَيِّدُ سُنَّةٍ، وَلَمْ تَكُنْ رِحْلَتِي
إِلاَّ إِلَيْكَ.
فَقَالَ: ادْخُلِ الأَصطوَانَ وَلاَ يَقَعُ عَلَيْكَ
عَيْنٌ.
فَدَخَلْتُ، فَقَالَ لِي: وَأَيْنَ مَوْضِعُكَ؟
قُلْتُ: المَغْرِبُ الأَقْصَى.
فَقَالَ: إِفْرِيْقِيَّة؟
قُلْتُ: أَبْعَدُ مِنْ إِفْرِيْقِيَّةَ، أَجُوْزُ مِنْ
بَلَدِي البَحْرَ إِلَى إِفْرِيْقِيَّةَ، بَلَدِي
الأَنْدَلُسَ.
قَالَ: إِنَّ مَوْضِعَكَ لَبَعِيْدٌ، وَمَا كَانَ شَيْءٌ
أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أُحْسِنَ عَوْنَ مِثْلِكَ، غَيْرَ
أَنِّي مُمْتَحَنٌ بِمَا لَعَلَّهُ قَدْ بَلَغَكَ.
فَقُلْتُ: بَلَى، قَدْ بَلَغَنِي، وَهَذَا أَوَّلُ
دُخُولِي، وَأَنَا مَجْهُوْلُ العَيْن عِنْدَكُم، فِإِنْ
أَذِنْتَ لِي أَنْ آتِيَ كُلَّ يَوْمٍ فِي زَيِّ
السُّؤَّالِ، فَأَقُولُ عِنْدَ البَابِ مَا يَقُوْلُهُ
السُّؤَّالُ، فَتَخْرُجُ إِلى هَذَا المَوْضِعِ، فَلَو
لَمْ تُحَدِّثْنِي كُلَّ يَوْمٍ إِلاَّ بِحَدِيْثٍ
وَاحِدٍ، لَكَانَ لِي فِيْهِ كِفَايَةً.
فَقَالَ لِي: نَعَمْ، عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا تَظْهَرَ فِي
الخَلْقِ، وَلا عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ.
فَقُلْتُ: لَكَ شَرْطُكَ، فَكُنْتُ آخُذُ عَصاً بِيَدِي،
وَأَلُفُّ رَأْسِي بِخِرْقَةٍ مُدَنَّسَةٍ، وَآتِي بَابَهُ
فَأَصِيْحُ: الأَجْرَ - رَحِمَكَ اللهُ - وَالسُّؤَّالُ
هُنَاكَ كَذَلِكَ، فَيَخْرُجُ إِليَّ، وَيُغْلِقُ،
(13/293)
وَيُحَدِّثُنِي بِالحَدِيْثَيْنِ
وَالثَّلاثَةِ وَالأَكْثَر، فَالْتَزَمْتُ ذَلِكَ حَتَّى
مَاتَ المُمْتَحِنُ لَهُ، وَوُلِّيَ بَعْدَهُ مَنْ كَانَ
عَلَى مَذْهَبِ السُّنَّةِ، فَظَهَرَ أَحْمَدُ، وَعَلَتْ
إِمَامَتُهُ، وَكَانَتْ تُضَرَبُ إِلَيْهِ آباطُ الإِبلِ،
فَكَانَ يَعْرِفُ لِي حَقَّ صَبْرِي، فَكُنْتُ إِذَا
أَتَيْتُ حَلْقَتَهُ فَسَحَ لِي، وَيَقُصُّ عَلَى
أَصْحَابِ الحَدِيْثِ قِصَّتِي مَعَهُ، فَكَانَ
يُنَاوِلُنِي الحَدِيْثَ مُنَاوَلَةً (1) ، وَيَقْرَؤُهُ
عَلَيَّ، وَأَقرَؤُهُ عَلَيْهِ، وَاعتَلَلْتُ فِي خَلْقٍ
مَعَهُ. ذَكَرَ الحِكَايَةَ بِطُوْلِهَا.
نَقَلَهَا القَاسِمُ بنُ بَشْكُوَالَ فِي بَعْضِ
تَآلِيْفِهِ، وَنَقَلْتُهَا أَنَا مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا؛
أَبِي الوَلِيْدِ بنِ الحَاج، وَهِيَ مُنْكَرَةٌ، وَمَا
وَصَلَ ابْنُ مَخْلَدٍ إِلى الإِمَامِ أَحْمَدَ إِلاَّ
بَعْدَ الثَّلاثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ قَدْ قَطَعَ
الحَدِيْثَ مِنْ أَثْنَاءِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ،
وَمَا رَوَى بَعْدَ ذَلِكَ وَلاَ حَدِيْثاً وَاحِداً،
إِلَى أَنْ مَاتَ، وَلَمَّا زَالَتِ المِحْنَةُ سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَثَلاثِيْنَ، وَهَلَكَ الوَاثِقُ،
وَاسْتُخْلِفَ المُتَوَكِّلُ، وَأَمَرَ المُحَدِّثِيْنَ
بِنَشْرِ أحَادِيْثَ الرُّؤْيَةِ (2) وَغَيْرِهَا،
امتَنَعَ الإِمَامُ أَحْمَدُ مِنَ التَّحْدِيْثِ،
وَصَمَّمَ عَلَى ذَلِكَ، مَا عَمِلَ شَيْئاً غَيْرَ
أَنَّهُ كَانَ يُذَاكِرُ بِالعِلْمِ وَالأَثَرِ،
وَأَسْمَاءِ الرِّجَالِ وَالفِقْهِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ
بَقِيٌّ سَمِعَ مِنْهُ ثَلاثَ مائَةِ حَدِيْثٍ، لكَانَ
طَرَّزَ بِهَا (مُسْنَدَهُ) وَافتَخَرَ بِالرِّوَايَةِ
عَنْهُ.
فَعِنْدِي مُجَلَدَانِ مِنْ (مُسْنَدِهِ)، وَمَا فِيْهِمَا
عَنْ أَحْمَدَ كَلِمَةً.
ثُمَّ بَعْدَهَا حِكَايَةٌ أَنْكَرُ مِنْهَا، فَقَالَ:
نَقَلْتُ مِنْ خَطِّ حَفِيْدِهِ؛ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
__________
(1) المناولة: أن يعطي الشيخ الطالب أصل سماعه، أو فرعا
مقابلا به، ويقول له: هذا سماعي عن فلان فاروه عني، أو:
أجزت لك روايته عني، ثم يبقيه معه ملكا له، أو يعيره إياه
لينسخه ويقابل به. أو يأتيه الطالب بكتاب من سماعه،
فيتأمله، ثم يقول: ارو عني هذا. (انظر: الباعث الحثيث:
123، 124).
(2) أي رؤية المؤمنين الله سبحانه وتعالى في الآخرة.
(13/294)
بنِ أَحْمَدَ بنِ بَقِيٍّ، حَدَّثَنِي
أَبِي، أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا رَأَتْ أَبِي مَعَ
رَجُلٍ طُوَالٍ جِدّاً، فَسَأَلَتْهُ عَنْهُ، فَقَالَ:
أَرْجُو أَنْ تَكُوْنِي امْرَأَةً صَالِحَةً، ذَاكَ
الخَضِرُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- (1) .
وَنَقَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ هَذَا عَنْ جَدِّهِ
أَشْيَاءً، اللهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا، ثُمَّ قَالَ:
كَانَ جَدِّي قَدْ قَسَّمَ أَيَّامَهُ عَلَى أَعْمَالِ
البِرِّ: فَكَانَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ قَرَأَ حِزْبَهُ
مِنَ القُرْآنِ فِي المُصْحَفِ، سُدْسَ القُرْآنِ، وَكَانَ
أَيْضاً يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي الصَّلاَةِ فِي كُلِّ
يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَيَخْرُجُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي
الثُّلُثِ الأَخِيْرِ إِلَى مَسْجِدِهِ، فَيَخْتِمُ قُرْبَ
انصِدَاعِ الفَجْرِ، وَكَانَ يُصَلِّي بَعْدَ حِزْبِهِ
مِنَ المُصْحَفِ صَلاَةً طَوِيْلَةً جِدّاً، ثُمَّ
يَنْقَلِبُ إِلَى دَارِهِ - وَقَدِ اجتَمَع فِي مَسْجِدِهِ
الطَّلَبَةُ - فَيُجَدِّدُ الوُضُوْءَ، وَيَخْرُجُ
إِلَيْهِم، فَإِذَا انقَضَتِ الدُّولُ، صَارَ إِلَى
صَوْمَعَةِ المَسْجَدِ، فَيُصَلِّي إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ
يَكُوْنُ هُوَ المُبْتَدِئ بِالأَذَانِ، ثُمَّ يَهْبِطُ
ثُمَّ يُسمِعُ إِلَى العَصْرِ، وَيُصَلِّي وَيُسمِعُ،
وَرُبَّمَا خَرَجَ فِي بَقِيَّةِ النَّهَارِ، فَيَقْعُدُ
بَيْنَ القُبُوْرِ يَبْكِي وَيَعْتَبِرُ، فَإِذَا غَرَبَتِ
الشَّمْسُ أَتَى مَسْجِدَهُ، ثُمَّ يُصَلِّي، وَيَرْجِعُ
إِلَى بَيْتِهِ فيُفْطِرُ، وَكَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ
إِلاَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَخْرُجُ إِلَى المَسْجَدِ،
فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ جِيْرَانُهُ، فَيَتَكَلَّمُ مَعَهُم
فِي دِيْنِهِم وَدُنيَاهُم، ثُمَّ يُصَلِّي العِشَاءَ،
وَيَدْخُلُ بَيْتَهُ، فيُحَدِّثُ أَهلَهُ، ثُمَّ يَنَامُ
نَوْمَةً قَدْ أَخَذَتْهَا نَفْسُهُ، ثُمَّ يَقُومُ، هَذَا
دَأْبُهُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ.
وَكَانَ جَلداً، قَوِيّاً عَلَى المَشْيِ، قَدْ مَشَى مَعَ
ضَعِيْفٍ فِي مَظْلَمَةٍ إِلَى إِشْبِيلِيَةَ، وَمَشَى
مَعَ آخَرَ إِلَى إِلْبِيْرَةَ، وَمَعَ امْرَأَةٍ
ضَعِيْفَةٍ إِلَى جَيَّانَ.
__________
(1) قد صرح بموت الخضر جمهور أهل العلم فيما نقله أبو حيان
في " البحر المحيط " وذكر الحافظ ابن حجر في " الإصابة "
منهم إبراهيم الحربي، وعبد الله بن المبارك، والبخاري،
وأبا طاهر بن العبادي، وأبا الفضل بن ناصر، وأبا بكر بن
العربي وابن الجوزي وغيرهم.
(13/295)
قُلْتُ: وَهِمَ بَعْضُ النَّاسِ، وَقَالَ:
مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
بَلِ الصَّوَابُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ: لِلَيْلَتَيْنِ
بَقَيَتَا مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ
وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَرَّخَهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْنُسَ، وَغَيْرُهُ.
وَمِنْ مَنَاقِبِهِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ كِبَارِ
المُجَاهِدِيْنَ فِي سَبِيْلِ اللهِ، يُقَالُ: شَهِدَ
سَبْعِيْنَ غَزْوَةً.
وَمِنْ حَدِيْثِهِ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَطَاءِ
اللهِ (1) بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ مَكِّيٍّ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ
وَسِتِّ مائَة، أَنْبَأَنَا خَلَفُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ
الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عَتَّابٍ،
أَخْبَرَنَا الحَافِظُ أَبُو عُمَرَ النَّمَرِي،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا بَقِيُّ بنُ
مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا هَانئُ بنُ المُتَوَكِّلِ، عَنْ
مُعَاوِيَةَ بنَ صَالِحٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،
عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: لَوْلاَ (2)
أَنِّي أَنْسَى ذِكْرَ اللهِ، مَا تَقَرَّبْتُ إِلَى اللهِ
إِلاَّ بِالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (قَالَ جِبْرِيْلُ:
يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ اللهَ يَقُوْلُ: مَنْ صَلَّى
عَلَيْكَ عَشْرَ مَرَّاتٍ اسْتَوْجَبَ الأَمَانَ مِنْ
سَخَطِهِ) (3) .
138 - ابْنُ قُتَيْبَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ
مُسْلِمٍ الدِّيْنَوَرِيُّ *
العَلاَّمَةُ، الكَبِيْرُ، ذُو الفُنُوْنِ، أَبُو
مُحَمَّدٍ، عَبْدُ اللهِ بنُ مُسْلِمِ بنِ قُتَيْبَةَ
__________
(1) ترجمة الذهبي في " مشيخته ": خ: ق: 142، فقال: " محمد
بن عطاء الله بن أبي منصور مظفر بن المفضل الشيخ ناصر
الدين بن الخطيب الكندي الإسكندراني، شيخ متميز
وقور...مولده في أول رمضان سنة سبع وثلاثين وستمئة...توفي
سنة اثنتي عشرة وسبعمئة ".
(2) في الأصل: لو.
(3) في سنده مجهول.
(*) طبقات النحويين واللغويين للزبيدي: 116، الفهرست:
المقال الثانية: الفن =
(13/296)
الدِّيْنَوَرِيُّ.
وَقِيْلَ: المَرْوَزِيُّ، الكَاتِبُ، صَاحِبُ
التَّصَانِيْفِ.
نَزَلَ بَغْدَادَ، وَصَنَّفَ وَجَمَعَ، وَبَعُدَ صِيْتُهُ.
حَدَّثَ عَنْ: إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَمُحَمَّدِ بنِ
زِيَادِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الزِّيَادِيِّ، وَزِيَادِ بنِ
يَحْيَى الحَسَّانِيِّ، وَأَبِي حَاتِمٍ
السِّجِسْتَانِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ القَاضِي؛ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
اللهِ، بِدِيَارِ مِصْرَ، وَعُبَيْدُ اللهِ السُّكَّرِيُّ،
وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ بَكْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ
بنُ جَعْفَرِ بنِ دُرُسْتَوَيْه النَّحْوِيُّ،
وَغَيْرُهُم.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً دَيِّناً
فَاضِلاً (1) .
ذِكْرُ تَصَانِيْفِهِ: (غَرِيْبُ القُرْآنِ)، (غَرِيْبُ
الحَدِيْثِ)، كِتَابُ (المعَارِفِ)، كِتَابُ (مُشْكِلِ
القُرْآنِ)، كِتَابُ (مُشْكِلِ الحَدِيْثِ)، كِتَابُ
(أَدَبِ الكَاتِبِ)، كِتَابُ (عُيُوْنِ الأَخْبَارِ)،
كِتَابُ (طَبَقَاتِ الشُّعَرَاءِ)، كِتَابُ (إِصْلاَحِ
الغَلَطِ)، كِتَابُ (الفَرَسِ)، كِتَابُ (الهَجْو)،
كِتَابُ (المَسَائِلِ)، كِتَابُ (أَعْلاَمِ النُّبُوَّةِ)،
كِتَابُ (المَيْسِرِ)، كِتَابُ (الإِبلِ)، كِتَابُ
(الوَحْشِ)، كِتَابُ (الرُّؤيَا)، كِتَابُ (الفِقْهِ)،
كِتَابُ (معَانِي الشِّعْرِ)، كِتَابُ (جَامِعِ
النَّحْوِ)، كِتَابُ (الصِّيَامِ)، كِتَابُ (أَدَبِ
القَاضِي)، كِتَابُ (الرَّدِ عَلَى مَنْ يَقُوْلُ بِخَلْقِ
القُرْآنِ)، كِتَابُ (إِعْرَابِ
__________
= الثالث، تاريخ بغداد: 10 / 170 - 171، المنتظم: 5 / 102،
إنباه الرواة: 2 / 143 - 147، وفيات الأعيان: 3 / 42 - 44،
تذكرة الحفاظ: 2 / 633، ميزان الاعتدال: 2 / 503، عبر
المؤلف: 2 / 56، البداية والنهاية: 11 / 48، البلغة في
تاريخ أئمة اللغة: 116، لسان الميزان: 3 / 357 - 359،
النجوم الزاهرة: 3 / 75 - 76، بغية الوعاة: 2 / 63 - 64،
شذرات الذهب: 2 / 169 - 170.
(1) تاريخ بغداد: 10 / 170.
(13/297)
القُرْآنِ)، كِتَابُ (القِرَاءاتِ)،
كِتَابُ (الأَنوَاءِ)، كِتَابُ (التَّسْوِيَةِ بَيْنَ
العَرَبِ وَالعَجَمِ)، كِتَابُ (الأَشرِبَةِ (1)).
وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ الدِّيْنَوَرَ، وَكَانَ رَأْساً فِي
عِلْمِ اللِّسَانِ العَرَبِي، وَالأَخْبَارِ، وَأَيَّامِ
النَّاسِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ: كَانَ يَرَى رَأْيَ
الكَرَّامِيَّةِ (2) .
وَنَقَلَ صَاحِبُ (3) (مِرْآةِ الزَّمَانِ)، بِلاَ
إِسْنَادٍ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
كَانَ ابْنُ قُتَيْبَةَ يَمِيْلُ إِلَى التَّشْبِيْهِ (4)
.
قُلْتُ: هَذَا لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ صَحَّ عَنْهُ،
فَسُحْقاً لَهُ، فَمَا فِي الدِّيْنِ مُحَابَاةٌ.
__________
(1) انظر مقدمة كتاب " المعارف " لابن قتيبة تحقيق د. ثروة
عكاشة، وما قاله فيها عن مؤلفات ابن قتيبة.
(2) الكرامية: تنسب إلى مؤسسها محمد بن كرام، المتوفي سنة
(255 ه).
وقد بدأ صفاتيا، ثم غلا في إثبات الصفات، حتى انتهى فيها -
فيما يؤثر عنه - إلى التشبيه والتجسيم.
وقد قال المؤلف في " ميزانه ": ومن بدع الكرامية قولهم في
المعبود تعالى: إنه جسم لا كالاجسام.
وللدكتورة سهيل مختار كتاب مطبوع في الكرامية وفلسفتهم
يجدر الاطلاع عليه.
وانظر ترجمة محمد بن كرام في " ميزان الاعتدال ": 4 / 21 -
22، و" لسان الميزان ": 5 / 353 - 356.
(3) هو، الشيخ يوسف قز أو غلي، أبو المظفر، المعروف بسبط
ابن الجوزي. المتوفى سنة (654 ه).
(4) كيف يسوغ نسبة هذا الرأي إليه، وفي كتابه الذي ألفه في
الرد على الجهمية والمشبهة ما ينفيه عنه ؟ ! فقد جاء فيه،
(ص: 243)، ما نصه: وعدل القول في هذه الاخبار ان نؤمن بما
صح منها بنقل الثقات لها، فنؤمن بالرؤية، والتجلي، وأنه
يعجب، وينزل إلى السماء، وأنه على العرش استوى، وبالنفس
واليدين، من غير ان نقول في ذلك بكيفية أو بحد، أو أن نقيس
على ما جاء مما لم يأت، فنرجو أن نكون في ذلك القول والعقد
على سبيل النجاة غدا إن شاء الله.
(13/298)
وَقَالَ مَسْعُوْدٌ السِّجْزِيُّ: سَمِعْتُ
أَبَا عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ يَقُوْلُ:
أَجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلَى أَنَّ القُتَبِيَّ كَذَّابٌ.
قُلْتُ: هَذِهِ مُجَازَفَةٌ وَقِلَّةُ وَرَعٍ، فَمَا
عَلِمْتُ أَحَداً اتَّهَمَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ هَذِهِ
القَوْلَة، بَلْ قَالَ الخَطِيْبُ: إِنَّهُ ثِقَةٌ (1) .
وَقَدْ أَنْبَأَنِي أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ حَمَّادٍ
الحَرَّانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ السِّلَفِيَّ يُنْكِرُ عَلَى
الحَاكِمِ فِي قَوْلِهِ: لاَ تَجُوْزُ الرِّوَايَةُ عَنِ
ابْنِ قُتَيْبَةَ.
وَيَقُوْلُ: ابْنُ قُتَيْبَةَ مِنَ الثِّقَاتِ، وَأَهْلِ
السُّنَّةِ.
ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّ الحَاكِمَ قَصْدُهُ لأَجْلِ
المَذْهَبِ.
قُلْتُ: عَهْدِي بِالحَاكِمِ يَمِيْلُ إِلَى
الكَرَّامِيَّةِ، ثُمَّ مَا رَأَيْتُ لأَبِي مُحَمَّدٍ فِي
كِتَابِ (مُشْكِلِ الحَدِيْثِ) مَا يُخَالِفُ طَرِيقَةَ
المُثْبِتَةِ وَالحَنَابِلَةِ، وَمِنْ أَنَّ أَخْبَارَ
الصِّفَاتِ تُمَرُّ وَلاَ تُتَأَوَّلُ، فَاللهُ أَعْلَمُ.
وَكَانَ ابْنُهُ؛ أَحْمَدُ (2) حُفَظَةً، فَحَفِظَ
مُصَنَّفَاتِ أَبِيْهِ، وَحَدَّثَ بِهَا بِمِصْرَ لَمَّا
وَلِيَ قَضَاءَهَا مِنْ حِفْظِهِ، وَاجتَمَعَ لِسَمَاعِهَا
الخَلْقُ سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة،
وَكَانَ يَقُوْلُ: إِنَّ وَالِدَهُ أَبَا مُحَمَّدٍ
لَقَّنَهُ إِيَّاهَا.
وَمَا أَحسَنَ قَوْلَ نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، الَّذِي
سَمِعنَاهُ بِأَصَحِّ إِسْنَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُوْلُ:
مَنْ شَبَّهَ اللهُ بِخَلْقِهِ، فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ
أَنْكَرَ مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ، فَقَدْ كَفَرَ،
وَلَيْسَ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَلاَ رَسُوْلَهُ
تَشْبِيْهاً.
قُلْتُ: أَرَادَ أَنَّ الصِّفَاتِ تَابِعَةٌ
لِلمَوْصُوْفِ، فَإِذَا كَانَ المَوْصُوْفُ تَعَالَى :
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشُّوْرَى: 11]، فِي
ذَاتِهِ المُقَدَّسَةِ، فَكَذَلِكَ
__________
(1) تقدم قول الخطيب هذا قبل قليل.
(2) انظر ترجمته في " وفيات الأعيان " 3 / 43، نهاية ترجمة
أبيه.
(13/299)
صِفَاتِهِ لاَ مِثْلَ لَهَا، إِذْ لاَ
فَرْقَ بَيْنَ القَوْلِ فِي الذَّاتِ وَالقَوْلِ فِي
الصِّفَاتِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ.
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ
المُنَادِي: مَاتَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُتَيْبَةَ
فُجَاءةً، صَاحَ صَيْحَةً سُمِعَتْ مِنْ بُعْدٍ، ثُمَّ
أُغمِيَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَكَلَ هَرِيْسَةً، فَأَصَابَ
حَرَارَةً، فَبَقِيَ إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ اضطَرَبَ
سَاعَةً، ثُمَّ هَدَأَ فَمَا زَالَ يَتَشَهَّدُ إِلَى
السَّحَرِ، وَمَاتَ - سَامَحَهُ اللهُ - وَذَلِكَ فِي
شَهْرِ رَجَبٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَالرَّجُلُ لَيْسَ بِصَاحِبِ حَدِيْثٍ، وَإِنَّمَا هُوَ
مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ المَشْهُوْرِيْنَ، عِنْدَهُ
فُنُوْنٌ جَمَّةٌ، وَعُلُوْمٌ مُهِمَّةٌ.
قَرَأْتُ عَلَى مُسْنِدِ حَلَبَ أَبِي سَعِيْدٍ سُنْقُرَ
بنِ عَبْدِ اللهِ (1) : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ
بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ
المُرَقَّعَاتِي، أَخْبَرَنَا جَدِّي لأُمِّي ثَابِتُ بنُ
بُنْدَارٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ
اللَّبَّانُ، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَربَعِ
مائَة، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ
إِسْحَاقَ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا الهَيْثَمُ بنُ كُلَيْبٍ
بِبُخَارَى سَنَةَ (334)، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ
عَبْدُ اللهِ بنُ مُسْلِمِ بنِ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنِي
الزِّيَادِيُّ، حَدَّثَنِي عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنِ
الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عبْدِ خَيْرٍ،
قَالَ:
قَالَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ
أَعْلَى القَدَمَ أَحَقُّ مِنْ بَاطِنِهَا، حَتَّى
رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَمْسَحُ عَلَى قَدَمَيْهِ (2) .
__________
(1) انظر ترجمته في " مشيخة " المؤلف: خ: ق: 55.
(2) ورجاله ثقات والزيادي: هو محمد بن زياد بن عبيد الله -
وأخرجه أحمد 1 / 95 من طريق وكيع عن الأعمش بهذا الإسناد
وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند 1 / 114 من طريق
إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان، عن ابن عبد خير، عن أبيه،
قال: رأيت عليا توضأ =
(13/300)
قَالَ قَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ: سَمِعْتُ
ابْنَ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ:
أَنَا أَكْثَرُ أَوضَاعاً مِنْ أَبِي عُبَيْدٍ، لَهُ
اثْنَانِ وَعِشْرُوْنَ وَضْعاً، وَلِي سَبْعَةٌ
وَعِشْرُوْنَ.
ثُمَّ قَالَ قَاسِمٌ: وَلَهُ فِي الفِقْهِ كِتَابٌ، وَلَهُ
عَنِ ابْنِ رَاهْوَيْه شَيْءٌ كَثِيْرٌ.
قِيْلَ لابْنِ أَصْبَغَ: فَكِتَابُهُ فِي الفِقْهِ كَانَ
ينفقُ عَنْهُ؟
قَالَ: لاَ وَاللهِ، لَقَدْ ذَاكَرْتُ الطَّبَرِيَّ،
وَابْنَ سُرَيْجٍ، وَكَانَا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ،
وَقُلْتُ: كَيْفَ كِتَابُ ابْنِ قُتَيْبَةَ فِي الفِقْهِ؟
فَقَالاَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلاَ كِتَابُ أَبِي عُبَيْدٍ
فِي الفِقْهِ، أَمَا تَرَى كِتَابَهُ فِي (الأَمْوَالِ)،
وَهُوَ أَحْسَنُ كُتُبِهِ، كَيْفَ بُنِي عَلَى غَيْرِ
أَصْلٍ، وَاحتَجَّ بِغَيْرِ صَحِيْحٍ.
ثُمَّ قَالاَ: لَيْسَ هَؤُلاَءِ لِهَذَا، بِالحَرَى أَنْ
تَصِحَّ لَهُمَا اللُّغَة، فَإِذَا أَرَدْتَ الفِقْهَ،
فَكُتُبُ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُدَ وَنُظرَائِهِمَا (1) .
قَالَ قَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ
قُتَيْبَةَ، فَأَتَوْهُ بِأَيدِيهِم المحَابر، فَقَالَ:
اللَّهُمَّ سَلِّمنَا مِنْهُم.
فَقَعَدُوا، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا - رَحِمَكَ اللهُ
-.
قَالَ: لَيْسَ أَنَا مِمَّنْ يُحَدِّثُ، إِنَّمَا هَذِهِ
الأَوْضَاعُ، فَمَنْ أَحَبَّ؟
قَالُوا لَهُ: مَا يَحِلُّ لَكَ هَذَا، فَحَدِّثْنَا بِمَا
عِنْدَك عَنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، فَإِنَّا لاَ
نَجِدُ فِيْهِ إِلاَّ طَبَقَتَكَ، وَأَنْتَ
__________
= فغسل ظهر قدميه: وقال: لو لا أني رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يغسل ظهر قدميه لظننت أن بطونهما أحق
بالغسل.
وأخرجه أحمد 1 / 116 من طريق إسحاق بن يوسف، عن شريك عن
السدي، عن عبد خير قال: رأيت عليا دعا بماء ليتوضأ، فمسح
به تمسحا، ومسح على ظهر قدميه، ثم قال: هذا وضوء من لم
يحدث، ثم قال: لو لا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم مسح ظهر قدميه رأيت أن بطونهما أحق.
ثم شرب فضل وضوئه وهو قائم، ثم قال: أين الذين يزعمون انه
لا ينبغي لأحد أن يشرب قائما ؟.
وأخرج أبو داود (162) والدارقطني 1 / 199، والبيهقي 1 /
292 من طريق حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد
خير، عن علي رضي الله عنه قال: لو كان الدين بالرأي لكان
أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه.
صححه الحافظ في " التلخيص " 1 / 160، وحسنه في " بلوغ
المرام " وانظر ما قاله البيهقي في " السنن " 1 / 75 و292.
(1) تقدم الخبر في ترجمة داود بن علي، في الصفحة: 102.
(13/301)
عِنْدَنَا أَوْثَقُ.
قَالَ: لَسْتُ أُحَدِّثُ.
ثُمَّ قَالَ لَهُم: تَسْأَلُونِي أَنْ أُحَدِّثَ،
وَبِبَغْدَادَ ثَمَانِ مائَة مُحَدِّثٍ، كُلُّهُم مِثْلُ
مَشَايِخِي! لَسْتُ أَفْعَلُ.
فَلَمْ يُحَدِّثْهُم بِشَيْءٍ.
139 - الكُدَيْمِيُّ مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ بنِ مُوْسَى *
(د (1))
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الكَبِيْرُ،
المُعَمَّرُ، أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ بنِ
مُوْسَى بنِ سُلَيْمَانَ بنِ عُبَيْدِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ
كُدَيْمٍ القُرَشِيُّ، السَّامِيُّ، الكُدَيْمِيُّ،
البَصْرِيُّ، الضَّعِيْفُ.
وَلِدَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَقِيْلَ:
سَنَةَ خَمْسٍ.
وَهُوَ ابْنُ امْرَأَةِ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ، فسَمِعَ
بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنَ الكِبَارِ فِي حَدَاثَتِهِ.
رَوَى عَنْ: أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَعَبْدِ
اللهِ الخُرَيْبِيِّ، وَأَزْهَرَ السَّمَّانِ، وَأَبِي
زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَرَوْحِ بنِ عُبَادَةَ، وَأَبِي
عَاصِمٍ، وَالأَصْمَعِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
حَمَّادٍ الشُّعَيثِيِّ، وَالحُمَيْدِيِّ، وَأَبِي
نُعَيْمٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ الأَنْبَارِيِّ،
وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّار، وَأَبُو بَكْرٍ
__________
(*) الجرح والتعديل: 8 / 122، كتاب المجروحين والضعفاء: 2
/ 312 - 314، تاريخ بغداد: 3 / 435 - 445، طبقات الحنابلة:
1 / 326، المنتظم: 6 / 22 - 23 اللباب: 3 / 87، تهذيب
الكمال: خ: 1293 - 1294، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 14، تذكرة
الحفاظ: 2 / 618 - 619، ميزان الاعتدال: 4 / 74 - 76، عبر
المؤلف: 2 / 78، الوافي بالوفيات: 5 / 291 - 292، البداية
والنهاية: 11 / 82، تهذيب التهذيب: 9 / 539 - 544، طبقات
الحفاظ: 266، شذرات الذهب: 2 / 194.
والكديمي، بضم الكاف وفتح الدال، وسكون الياء: نسبة إلى
كديم: وهو جد المترجم.
(1) زيادة من " تهذيب التهذيب ".
(13/302)
الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ
بنِ خَلاَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الرَّيَّانِ اللُّكِّي،
وَخَيْثَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعُثْمَانُ بنُ سَنَقَةَ،
وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مُحْرمٍ، وَعُمَرُ بنُ سَلْمٍ
الخُتُّلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، وَخَلْقٌ
سِوَاهُم.
رَوَى ابْنُ خَلاَّدٍ النَّصِيْبِيُّ، عَنِ الكُدَيْمِيِّ،
قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: عِنْدَك مَا
لَيْسَ عِنْدِي (1) .
وَقَالَ الكُدَيْمِيُّ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ
وَمائَة وَسِتَّةٍ وَثَمَانِيْنَ، وَحَجَجْتُ سَنَةَ سِتٍّ
وَمائَتَيْنِ، فَرَأَيْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَلَمْ
أَسْمَعْ مِنْهُ (2) .
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي
يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الكُدَيْمِيُّ
حَسَنَ الحَدِيْثِ، حَسَنَ المعرِفَةِ، مَا وُجِدَ
عَلَيْهِ إِلاَّ صُحْبَتُهُ لِسُلَيْمَانَ
الشَّاذَكُوْنِيِّ (3) .
وَرَوَى الحَسَنُ الصَّائِغُ: حَدَّثَنَا الكُدَيْمِيُّ،
قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ،
وَسُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ نَتَنَزَّهُ، وَلَمْ
يَبْقَ لَنَا مَوْضِعٌ غَيْر بُسْتَانِ الأَمِيْرِ،
وَكَانَ الأَمِيْرُ قَدْ مَنَعَ مِنَ الخُرُوْجِ إِلَى
الصَّحْرَاءِ فَكَمَا (4) قَعَدْنَا، وَافَى الأَمِيْرُ
فَقَالَ:
خُذُوْهُم، فَأَخَذُوْنَا، وَكُنْتُ أَصْغَرَهُم،
فَبَطَحُونِي، وَقَعَدُوا عَلَى أَكْتَافِي، فَقُلْتُ:
أَيُّهَا الأَمِيْرُ! اسْمَعْ: حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ،
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي
قَابُوْسٍ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ
يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ (5)).
قَالَ: أَعِدْهُ.
__________
(1) تاريخ بغداد: 3 / 436 - 437.
(2) انظر: المصدر السابق: 3 / 437.
(3) تاريخ بغداد: 3 / 439.
(4) " كما "، هنا بمعنى: حين.
(5) أخرجه من حديثه أحمد 2 / 160، والحميدي (591) وأبو
داود (4941) والترمذي =
(13/303)
فَأَعَدْتُهُ، فَقَالَ: قُوْمُوا عَنْهُ،
وَقَالَ: أَنْتَ تَحْفَظُ مِثْلَ هَذَا وَتَخْرُج
تَتَنَزَّه!؟
كذَا فِيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَصَوَابُهُ: عَبْدُ اللهِ
بنُ عَمْرٍو (1) .
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: اتُّهِمَ الكُدَيْمِيُّ بِوَضْعِ
الحَدِيْثِ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَعَلَّهُ قَدْ وَضَعَ أَكْثَر
مِنْ أَلفِ حَدِيْثٍ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَادَّعَى رُؤْيَةَ قَوْمٍ لَمْ
يَرَهُم، تَرَكَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا الرِّوَايَةَ
عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: كَتَبْنَا عَنِ
الكُدَيْمِيِّ، ثُمَّ بَلَغَنَا كَلاَمُ أَبِي دَاوُدَ
فِيْهِ، فَرَمَينَا بِمَا سَمِعْنَا مِنْهُ (2) .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: رَأَيْتُ أَبَا دَاوُدَ
يُطْلِقُ فِي مُحَمَّدِ بنِ يُوْنُسَ الكَذِبَ، وَكَانَ
مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ يَنْهَى النَّاسَ عَنِ السَّمَاعِ
مِنَ الكُدَيْمِيِّ.
وَقَالَ مُوْسَى، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَستَارِ
الكَعْبَةِ: اللَّهُمَّ! إِنِّيْ أُشْهِدَكُ أَنَّ
الكُدَيْمِيَّ كَذَّابٌ، يَضَعُ الحَدِيْثَ (3) .
قَالَ القَاسِمُ بنُ زَكَرِيَّا المُطَرِّزُ: أَنَا
أُجَاثِي الكُدَيْمِيَّ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ،
__________
= (2924)، والخطيب في تاريخه 3 / 260 كلهم من طريق سفيان
بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي قابوس مولى عبد الله
بن عمرو، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الحاكم 4 / 159،
ووافقه الذهبي، وصححه الحافظان العراقي وابن ناصر الدين
الدمشقي، وقال الأخير: ولابي قابوس متابع رويناه في مسندي
أحمد بن حنبل وعبد بن حميد من حديث أبي خداش حبان بن زيد
الشرعبي الحمصي أحد الثقات عن عبد الله بن عمرو بمعناه،
وله شاهد من حديث جرير عند الطبراني في " المعجم الكبير "
برقم (2497) و(2502) ورجاله ثقات
(1) تاريخ بغداد: 3 / 438 - 439، والزيادة منه.
(2) انظر: المصدر السابق: 3 / 440.
(3) المصدر السابق: 3 / 441.
(13/304)
وَأَقُوْلُ: كَانَ يَكْذِبُ عَلَى
رَسُوْلِكِ وَعَلَى العُلَمَاءِ (1) .
وأَمَّا إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبِيُّ فَتَبَارَدَ (2) ،
وَقَالَ: كَانَ ثِقَةً، مَا رَأَيْتُ نَاساً أَكْثَر مِنْ
مَجْلِسِهِ.
مَاتَ الكُدَيْمِيُّ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ
سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ
مَوْلِدُهُ كَمَا مَرَّ، فَقَدْ جَاوَزَ مائَة عَامٍ.
يَقَعُ عَوَالِيه لابْنِ البُخَارِيِّ، وَنَحْوِهِ.
140 - العَسْكرِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ
حَرْبٍ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ
بنُ حَرْبٍ العَسْكرِيُّ، السِّمْسَارُ، مُؤَلِّفُ
(مُسْنَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ).
حَدَّثَ عَنْ: القَعْنَبِيِّ، وَعَارِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ
بن حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَأَبِي الوَلِيْدِ
الطَّيَالِسِيِّ، وَمُسَدَّدٍ، وَعَلِيِّ بنِ عُثْمَانَ
اللاَّحِقِيّ، وَسَهْلِ بنِ عُثْمَانَ، وَأَبِي مَعْمَرٍ
المُقْعَدِ، وَحَجَّاجِ بنِ مِنْهَالٍ، وَيَعْقُوْبَ بنِ
كَاسِبٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَائِشَةَ، وَعَلِيِّ بنِ
بَحْرٍ القَطَّانِ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ سَهْلِ بنِ
عُمَرَ بنِ سَهْلِ بنِ بَحْرٍ العَسْكَرِيُّ، شَيْخُ
الحَافِظِ أَبِي نُعَيْمٍ، وَذَكَرَ ابْنَ سَهْلٍ أَنَّهُ
قَدِمَ عَلَيْهِم البَصْرَةَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
__________
(1) تاريخ بغداد: 3 / 442.
وقال ابن أبي حاتم في " الجرح ": 8 / 122: سمعت أبي - وعرض
عليه شيء من حديثه - فقال: " ليس هذا من حديث أهل الصدق ".
(2) في " ميزان " المؤلف: " فقال بجهل: كان ثقة ".
(*) كشف الظنون: 2 / 1679.
(13/305)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ (1) ،
وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ إِجَازَةً (2) ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ
مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ
الحَدَّادُ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة،
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ
سَهْلٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ
عَجْلاَنَ مَوْلَى المُشْمَعِلِّ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ رُكُوْبِ
البَدَنَةِ.
قَالَ: (ارْكَبْهَا).
قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّهَا بَدَنَةٌ! قَالَ:
(ارْكَبْهَا وَيْلَك) (3) .
وَبِهِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، حَدَّثَنَا
عَنْبَسَةُ، عَنْ كَثِيْرِ بنِ زَاذَانَ، عَنْ أَبِي
حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (قَالَ لِي جِبْرِيْلُ: لَوْ رَأَيْتَنِي يَا
مُحَمَّدُ وَأَنَا أَغُطُّهُ بِإِحْدَى يَدَيَّ، وَأَدُسُّ
مِنَ الحَالِ فِي فِيْهِ، مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ
رَحْمَةُ رَبِّهِ فَيَغْفِرُ لَهُ).
حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، وَكَثِيْر فِيْهِ جَهَالَةٌ (4) .
__________
(1) ترجمه المؤلف في " مشيخته ": خ: ق: 6.
(2) هو: علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد، أبو الحسن
المقدسي الصالحي الحنبلي: وفاته سنة (690 ه).
ترجمته في " مشيخة " الذهبي: خ: ق: 94.
(3) رجاله ثقات، وأخرجه أحمد 2 / 473، 474، و505 من
طريقين، عن ابن أبي ذئب بهذا الإسناد.
وأخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 387 في الحج: باب ما يجوز
من الهدي، ومن طريقه البخاري 3 / 428، 429 و5 / 287 و10 /
456، ومسلم (1322)، وأبو داود (1760)، والنسائي 5 / 176،
وأحمد 2 / 487 عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة،
وأخرجه أحمد 2 / 245 و254 من طريقين، عن أبي الزناد به،
وأخرجه عبد الرزاق ومن طريقه أحمد 2 / 278، والبخاري 3 /
438 عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن أبي
هريرة، وأخرجه عبد الرزاق ومن طريقه أحمد 2 / 312، ومسلم
(1322) (372) عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، وهو
في " المسند " من طرق أخرى عن أبي هريرة 2 / 464 و478
و481، وابن ماجه (3103).
(4) قال ابن معين: لا أعرفه، وقال أبو حاتم وأبو زرعة: هو
شيخ مجهول لا نعلم أحدا حدث عنه إلا ما روى ابن حميد، عن
هارون بن المغيرة، عن عنبسة عنه، وأورده ابن جرير في "
تفسيره " برقم (17860) من طريق ابن حميد عن حكام بهذا
الإسناد. وذكر نحوه الهيثمي في =
(13/306)
وَالعَسْكرِيُّ: نِسبَةً إِلَى مَدِيْنَةِ
عَسْكَرْ مُكْرَم: قَريبَةٌ مِنَ البَصْرَةِ.
141 - المِصِّيْصِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ
الحُسَيْنِ بنِ جَابِرٍ*
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُحَمَّدٍ، عَبْدُ اللهِ
بنُ الحُسَيْنِ بنِ جَابِرٍ البَغْدَادِيُّ، ثُمَّ
المِصِّيْصِيُّ، الثَّغْرِيُّ، البَزَّازُ.
حَدَّثَ بِدِمَشْقَ وَبَالثُّغُوْرِ عَنْ: هَوْذَةَ،
وَعَفَّانَ، وَمُوْسَى بنِ دَاوُدَ، وَآدَمَ، وَأَبِي
اليَمَانِ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَبْدِ اللهِ
بنِ جَعْفَرٍ الرَّقِّيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَابِقٍ،
وَالحَسَنِ الأَشْيَبِ، وَعَلِيِّ بنِ عَيَّاشٍ، وَخَلْقٍ.
وَكَانَ صَاحِبَ رِحْلَةٍ وَفَضْلٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ حَذْلَم، وَخَيْثَمَةُ، وَمُحَمَّدُ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأَبُو
__________
= " المجمع " 7 / 36 عن أبي هريرة وقال: رواه الطبراني في
" الأوسط "، وفيه قيس بن الربيع وثقه شعبة والثوري، وضعفه
جماعة، والحال: الطين الأسود والحمأة، وهو حال البحر.
وأخرجه أحمد 1 / 240 و340 من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة،
عن عدي بن ثابت، وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن
عباس قال: رفعه أحدهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم: قال:
" إن جبريل كان يدس في فم فرعون الطين مخافة أن يقول لا
إله إلا الله ".
ورواه الطيالسي (2618) بنحوه عن شعبة مرفوعا، وأورده ابن
كثير في تفسيره 2 / 430 من طريق الطيالسي، وقال: وقد رواه
أبو عيسى الترمذي (3108) أيضا، وابن جرير أيضا برقم
(17858) من غير وجه عن شعبة به، فذكر مثله، وقال الترمذي:
حسن غريب صحيح، ورواه الحاكم في " المستدرك " 2 / 340،
وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه إلا أن
أكثر أصحاب شعبة أوقفوه على ابن عباس، وأخرجه أحمد 1 / 245
و309، والترمذي (3107)، وابن جرير (17861) من طريق حماد بن
سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن ابن
عباس، وعلي بن زيد ضعيف، ومع ذلك فقد قال الترمذي: حديث
حسن، ولعله حسنه بالطريق السابقة.
(*) تاريخ ابن عساكر: خ: 9 / 70 ب - 71 أ، ميزان الاعتدال:
2 / 408، لسان الميزان: 3 / 272 - 273، تهذيب بدران: 7 /
369 - 370. والمصيصي: بكسر الميم والصاد المشددة، وياء
ساكنة، وكسر الصاد الثانية المخففة، نسبة إلى مصيصة: انظر:
ص: 8، ت: 2. من هذا الكتاب.
(13/307)
عَوَانَةَ الحَافِظُ، وَأَبُو المَيْمُوْنِ
رَاشِدٌ، وَأَحْمَدُ بنُ عِيْسَى السُّكَيْنُ، وَخَلْقٌ
آخِرُهُمْ: أَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَقْلِبُ الأَخْبَارَ
وَيَسْرِقُهَا، لاَ يَجُوْزُ الاحْتِجَاجُ بِهِ إِذَا
انْفَرَدَ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
142 - أَبُو العَيْنَاءِ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ
خَلاَّدٍ البَصْرِيُّ *
العَلاَّمَةُ، الأَخْبَارِيُّ، أَبُو العَيْنَاءِ،
مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ خَلاَّدٍ البَصْرِيّ،
الضَّرِيْرُ النَّدِيْمُ.
وُلِدَ بِالأَهْوَازِ، وَنَشَأَ بِالبَصْرَةِ.
وَأَخَذَ عَنْ: أَبِي عُبَيْدَةَ، وَأَبِي زَيْدٍ، وَأَبِي
عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَالأَصْمَعِيِّ.
وَعَنْهُ: الحَكِيمِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الصُّوْلِيُّ،
وَأَبُو بَكْرٍ الأَدَمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ،
وَابْنُ نَجِيْحٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ (1) .
أَضَرَّ أَبُو العَيْنَاءِ وَلَهُ أَرْبعُوْنَ سَنَةً،
وَكَانَ يَخْضِبُ بِالحُمْرَةِ (2) .
__________
(*) طبقات الشعراء لابن المعتز: 415 - 416، الفهرست:
المقالة الثالثة: الفن الثاني، تاريخ بغداد: 3 / 170 -
179، المنتظم: 5 / 156 - 160، معجم الأدباء: 18 / 286 -
306، وفيات الأعيان: 4 / 343 - 348، ميزان الاعتدال: 4 /
13، عبر المؤلف: 2 / 69، أخبار سنة (282)، الوافي
بالوفيات: 4 / 341 - 344، وفيه وفاته (282)، البداية
والنهاية: 11 / 73، لسان الميزان: 5 / 344 - 346، شذرات
الذهب: 2 / 180 - 182.
(1) انظر: تاريخ بغداد: 3 / 172.
(2) معجم الأدباء: 18 / 289.
(13/308)
مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ
ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ جَاوَزَ
التِّسْعِيْنَ.
قَلَّمَا رَوَى مِنَ المُسْنَدَاتِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ ذَا
مُلَحٍ وَنوَادِرَ وَقُوَّةِ ذَكَاءٍ.
قَالَ لَهُ الوَزِيْر أَبُو الصَّقْرِ: مَا أَخَّرَكَ
عَنَّا؟
قَالَ: سُرِقَ حِمَارِي.
قَالَ: وَكَيْفَ سُرِقَ؟
قَالَ: لَمْ أَكُ مَعَ اللِّصِّ فَأُخْبِرُكَ.
قَالَ: فَهَلاَّ جِئْتَ عَلَى غَيْرِهِ؟
قَالَ: أَخَّرَنِي عَنِ السُّرَى قِلَّةُ يَسَارِي،
وَكَرِهْتُ ذِلَّةَ العَوَارِي، وَنَزَقَ المُكَارِي (1) .
وَقِيْلَ: عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
143 - هِلاَلُ بنُ العَلاَءِ بنِ هِلاَلِ بنِ عُمَرَ
البَاهِلِيُّ * (س (2))
ابْنِ هِلاَلِ بنِ أَبِي عَطِيَّةَ، الحَافِظُ، الإِمَامُ،
الصَّدُوْقُ، عَالِمُ الرَّقَّةِ، أَبُو عُمَرَ
البَاهِلِيُّ، مَوْلَى قُتَيْبَةَ بنِ مُسْلِمٍ،
الأَمِيْرُ، الرَّقِّيُّ، الأَدِيْبُ.
سَمِعَ: أَبَاهُ؛ أَبَا مُحَمَّدٍ العَلاَءَ، وَحَجَّاجَ
بنَ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرَ، وَمُحَمَّدَ بنَ مُصْعَبٍ
القَرْقَسَانِيَّ، وَحُسَيْنَ بنَ عَيَّاشٍ، وَعَبْدَ
اللهِ بنَ جَعْفَرٍ الرَّقِّيَّ، وَأَبَا جَعْفَرٍ
النُّفَيْلِيَّ، وَخَلْقاً سِوَاهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ، وَخَيْثَمَةُ بنُ
سُلَيْمَانَ، وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَالعَبَّاسُ
__________
(1) المصدر السابق: 18 / 293 - 294، وفيه: " وكرهت ذل
المكاري، ومنة العواري ".
(*) تاريخ الرقة: 160، طبقات الحنابلة: 1 / 395، معجم
الأدباء: 19 / 294، تهذيب الكمال: خ: 1451 - 1452، تذهيب
الكمال: خ: 4 / 124 - 125، تذكرة الحفاظ: 2 / 612 - 613،
ميزان الاعتدال: 4 / 315 - 316، تهذيب التهذيب: 11 / 83 -
84، طبقات الحفاظ: 264 - 265، بغية الوعاة: 2 / 329،
وكنيته فيه: أبو عمرو، خلاصة تذهيب الكمال: 412، شذرات
الذهب: 2 / 176.
(2) زيادة من " تهذيب التهذيب ".
(13/309)
بنُ مُحَمَّدٍ الرَّافِقِيُّ، وَمُحَمَّدُ
بنُ أَيُّوْبَ الصَّموتُ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
رَوَى أَحَادِيْثَ مُنْكَرَةً عَنْ أَبِيْهِ، وَلاَ
أَدْرِي: الرَّيْبُ مِنْهُ، أَوْ مِنْ أَبِيْهِ (1) .
قِيْلَ: تُوُفِّيَ يَوْمَ عِيْدِ النَّحْرِ، سَنَةَ
ثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى
وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَلَهُ شِعْرٌ رَائِقٌ، لاَئِقٌ بِكُلِّ ذَائِقٍ،
فَمِنْهُ:
سَيَبْلَى لِسَانٌ كَانَ يُعْرِبُ لَفْظَهُ ... فَيَا
لَيْتَهُ مِنْ وَقْفَةِ العَرْضِ يَسْلَمُ
وَمَا تَنْفَعُ الآدَابُ إِنْ لَمْ يَكُنْ تُقَىً ...
وَمَا ضَرَّ ذَا تَقْوَى لِسَانٌ مُعَجَّمُ
وَلَهُ مِمَّا رَوَاهُ عَنْهُ خَيْثَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ:
اِقْبَلْ مَعَاذِيْرَ مَنْ يَأْتِيْكَ مُعْتَذِراً ...
إِنْ بَرَّ عِنْدَكَ فِيمَا قَالَ أَوْ فَجَرَا
فَقَدْ أَطَاعَكَ مَنْ أَرْضَاكَ ظَاهِرُهُ ... وَقَدْ
أَجَلَّكَ مَنْ يَعْصِيْكَ مُسْتَتِرَا
وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ.
وَقَعَ لَنَا جُمْلَةً مِنْ حَدِيْثِهِ.
144 - وَمَاتَ أَخُوْهُ: أَحْمَدُ بنُ العَلاَءِ بنِ
هِلاَلٍ البَاهِلِيُّ *
قَاضِي دِيَارِ مُضَرَ، كَالرَّقَّةِ وَغَيْرِهَا فِي
سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، عَلَى القَضَاءِ.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، وَعُبَيْدِ بنِ
جَنَّادٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ حَذْلَم، وَخَيْثَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ،
وَأَبُو المَيْمُوْنِ البَجَلِيُّ، وَعِدَّةٌ.
__________
(1) ميزان الاعتدال: 4 / 316.
(*) تاريخ الرقة: 160.
(13/310)
145 - الأَنْطَاكِيُّ أَبُو الوَلِيْدِ
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الوَلِيْدِ *
الإِمَامُ، الثَّبْتُ، الرَّحَّالُ، أَبُو الوَلِيْدِ،
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الوَلِيْدِ بنِ بُرْدٍ
الأَنْطَاكِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: رَوَّادِ بنِ الجَرَّاحِ، وَالهَيْثَمِ بنِ
جَمِيْلٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرٍ الصَّنْعَانِيِّ،
وَمُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ المُنَادِي، وَإِسْمَاعِيْلُ
الصَّفَّارُ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ.
حَجَّ، وَقَدِمَ، فَمَاتَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ
وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ بِأَنْطَاكِيَةَ، مِنْ
أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ.
146 - أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ عَمْرٍو ** (د (1))
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الصَّادِقُ، مُحَدِّثُ الشَّامِ،
أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرِو بنِ عَبْدِ
اللهِ بنِ صَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو النَّصْرِيُّ - بنُوْنٍ -
الدِّمَشْقِيُّ، وَكَانَتْ دَارُهُ عِنْدَ بَابِ
الجَابِيَةِ.
__________
(*) الجرح والتعديل: 7 / 183 - 184، تاريخ بغداد: 1 / 367
- 368، المنتظم:
5 / 121، اللباب: 1 / 90. والأنطاكي، بفتح الالف، وسكون
النون: نسبة إلى أنطاكية: بلدة من ثغور الشام.
(* *) الجرح والتعديل: 5 / 267، طبقات الحنابلة: 1 / 205 -
206، تاريخ ابن عساكر: خ: 10 / 32 ب - 33 ب، تذكرة الحفاظ:
2 / 624 - 625، عبر المؤلف: 2 / 65 - 66، تهذيب التهذيب: 6
/ 236 - 237، النجوم الزاهرة: 3 / 87، طبقات الحفاظ: 266،
شذرات الذهب: 2 / 177.
(1) زيادة من " تهذيب التهذيب ".
(13/311)
وُلِدَ: قَبْلَ المائَتَيْنِ.
وَرَوَى عَنْ: أَبِي نُعَيْمٍ الفَضْلِ بنِ دُكَيْنٍ،
وَهَوْذَةَ بنِ خَلِيْفَةَ، وَعَفَّانَ بنِ مُسْلِمٍ،
وَأَبِي مُسْهِرٍ الغَسَّانِيُّ، وَأَحْمَدَ بنِ خَالِدٍ
الوَهْبِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، وَعَلِيِّ بنِ
عَيَّاشٍ، وَأَبِي اليَمَانِ الحَكَمِ بنِ نَافِعٍ،
وَأَبِي بَكْرٍ الحُمَيْدِيِّ، وَأَبِي غَسَّانَ
النَّهْدِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ سُلَيْمَانَ سَعْدَوَيْه،
وَعَبْدِ الغَفَارِ بنِ دَاوُدَ، وَأَبِي الجُمَاهِرِ
مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ التَّنوخِيِّ، وَإِسْحَاقَ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ الفرَادِيسِيِّ (1) ، وَسَعِيْدِ بنِ
مَنْصُوْرٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ الهَاشِمِيِّ،
وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ،
وَهِشَامِ بنِ عَمَّارٍ، وَيَحْيَى بنِ صَالِحٍ
الوُحَاظِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ بِالشَّامِ وَالعِرَاقِ
وَالحِجَازِ.
وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَذَاكَرَ الحُفَّاظَ، وَتَمَيَّزَ،
وَتَقَدَّمَ عَلَى أَقْرَانِهِ، لِمَعْرِفَتِهِ وَعُلَوِّ
سَنَدِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ)،
وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ المُعَلَّى
القَاضِي، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَإِسْحَاقُ
بنُ أَبِي الدَّرْدَاءِ الصَّرَفَنْدِيُّ (2) ، وَأَبُو
الحَسَنِ بنُ جَوْصَا، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو
العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ حَذْلم،
وَأَبُو يَعْقُوْبَ الأَذْرَعِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي
العَقَبِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَأَبُو
القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ (3) ، عَنْ أَبِي
المَكَارِمِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عبْدِ
__________
(1) الفراديسي، بفتح الراء: نسبة إلى الفراديس: موضع
بدمشق، ولها باب يقال له: باب الفراديس، وهو المعروف بباب
العمارة - اليوم - ويقع شمال الجامع الأموي.
(2) الصرفندي، بفتح الصاد والراء والفاء، وسكون النون:
نسبة إلى صرفندة: من قرى صور على الساحل الشامي. (اللباب).
(3) ترجمه المؤلف في: " مشيخته ": خ: ق: 6.
(13/312)
الغَفَّارِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ شِيْرَوَيْه،
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو
العَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ
إِسْحَاقَ، عَنْ عِيَاضِ بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ:
دَخَلْتُ المَسْجَدَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخُطُبُ النَّاسَ
خَلِيْفَةً لِمَرْوَانَ أَيَّامِ الحَجِّ، فِي يَوْمِ
الجُمُعَةِ، فَقَالَ:
قَالَ أَبُو القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ
أُمَّتِي عَلَى صُوْرَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ،
ثُمَّ الَّتِي تَلِيْهَا عَلَى أَشَدِّ نُجُوْمِ
السَّمَاءِ إِضَاءةً (1)).
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَ أَبُو
زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ رَفِيْقَ أَبِي، وَكَتَبْتُ
عَنْهُ أَنَا، وَأَبِي، وَكَانَ ثِقَةً صَدُوْقاً (2) .
قَالَ أَبُو المَيْمُوْنِ بنُ رَاشِدٍ: سَمِعْتُ أَبَا
زُرْعَةَ، يَقُوْلُ: أُعْجِبَ أَبُو مُسْهِرٍ
بِمجَالَسَتِي إِيَّاهُ صَغِيراً (3) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ:
ذَكَرَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ أَبَا زُرْعَةَ
الدِّمَشْقِيَّ، فَقَالَ: هُوَ شَيْخُ الشَّبَابِ.
وَسُئِلَ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ (4) .
__________
(1) رجاله ثقات، وأخرجه أحمد 2 / 257 من طريق يعقوب، عن
أبيه، عن ابن إسحاق
حدثني عياض بن دينار الليثي وكان ثقة قال: سمعت أبا
هريرة...وأخرجه البخاري 6 / 232 في بدء الخلق: باب ما جاء
في صفة الجنة من طريق أبي اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو
الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة...وأخرجه مسلم (2834) في
الجنة باب أول زمرة يدخلون الجنة...من طريقين عن أيوب، عن
محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، وأخرجه أيضا (2834) (15)
وابن ماجة (4333) عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن
أبي هريرة، وأخرج أيضا (16) من طريقين عن أبي معاوية، عن
الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وأخرجه الترمذي (2537)
من طريق سويد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن
همام بن منبه عن أبي هريرة وهو في " المسند " من حديث أبي
هريرة 2 / 230 و232 و253 و316 و473 و502 و504 و507.
(2) الجرح والتعديل: 5 / 267. والزيادة منه.
(3) تذكرة الحفاظ: 2 / 624.
(4) الجرح والتعديل: 5 / 267.
(13/313)
قُلْتُ: لأَبِي زُرْعَةَ (تَارِيْخ)
مُفِيْد فِي مُجَلَّدٍ (1) ، وَلَمَّا قَدِمَ أَهْلُ
الرَّيِّ إِلَى دِمَشْقَ، أَعْجَبَهُم عِلْمُ أَبِي
زُرْعَةَ، فَكَنَّوا صَاحِبَهُم الحَافِظَ عُبَيْدَ اللهِ
بنَ عَبْدِ الكَرِيْمِ (2) بِكُنْيَتِهِ.
أَخْبَرَتْنَا نَخْوَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ (3) ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَأَنْبَأَنِي أَحْمَدُ
بنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنِ الطَّرَسُوْسِيِّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ
الحَافِظُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ،
حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ،
حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ
طَاوُوْسُ:
قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: ذَكَرُوا أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اغْتَسِلُوا
يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَاغْسِلُوا رُؤُوْسَكُمْ، وَإِنْ لَمْ
تَكُوْنُوا جُنُباً، وَأَصِيْبُوا مِنَ الطِّيْبِ).
فَقَالَ: أَمَّا الغُسْلُ: فَنَعَم، وَأَمَّا الطِّيْبُ:
فَلاَ أَدْرِي (4) .
__________
(1) وقد طبعه مجمع اللغة العربية بدمشق، في مجلدين،
بتحقيق: شكر الله بن نعمة الله القوجاني.
(2) تقدمت ترجمته في الصفحة: (65)، برقم: (48).
(3) ترجمها المؤلف في " مشيخته ": خ: 173، فقال: " هي نخوة
بنت محمد بن عبد القاهر بن هبة الله، أم محمد النصيبية، ثم
الحلبية، نزيلة حماة، مولدها بطريق مكة في سنة أربع
وثلاثين وستمئة، وسمعت من الحافظ ابن خليل، وما أظن روى
عنه امرأة سواها، وكانت زوجة ناظر الجيش عز الدين بن قرناص
الحموي. ماتت في جمادى الأولى سنة تسع عشرة وسبع مئة ".
(4) أخرجه البخاري (884) في الجمعة.
وقد روى التطيب يوم الجمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم
سلمان الفارسي أخرجه البخاري 2 / 308، 309، ولفظه: قال
النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يغتسل رجل يوم الجمعة
ويتطهر ما استطاع من الطهر، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب
بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم
ينصت إذا تكلم الامام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة
الأخرى ".
واخرجه أحمد 3 / 81، وأبو داود (343) عن أبي سعيد الخدري،
وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من
اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه، ومس من طيب إن كان
عنده، ثم أتى الجمعة فلم يتخط أعناق الناس، ثم صلى ما كتب
الله له، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته، كانت
كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها "، وصححه الحاكم 1
/ 283، ووافقه الذهبي.
(13/314)
أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي
اليَمَانِ.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ: قَرَأْتُ فِي
كِتَابِ أَبِي الحُسَيْنِ الرَّازِيِّ -يَعْنِي: وَالِدَ
تَمَّامٍ- قَالَ: سَمِعْتُ جَمَاعَةً قَالُوا:
لَمَّا اتَّصَلَ الخَبَرَ بِأَبِي أَحْمَدَ الوَاثِقِ،
أَنَّ أَحْمَدَ بنَ طُولُوْنَ قَدْ خَلَعَهُ بِدِمَشْقَ،
أَمَرَ بِلَعْنِ أَحْمَدَ بنَ طولُوْنَ عَلَى المنَابِرِ،
فَلَمَّا بَلَغَ أَحْمَدَ، أَمَرَ بِلَعْنِ المُوَفَّقِ
عَلَى المنَابِرِ بِمِصْرَ وَالشَّامِ، وَكَانَ أَبُو
زُرْعَةَ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ القَاضِي مِمَّنْ خَلَعَ
المُوَفَّقَ -يَعْنِي: مِنْ وَلاَيَةِ العَهْدِ-
وَلَعَنَهُ، وَوَقَفَ عِنْدَ المِنْبَرِ بِدِمَشْقَ،
وَلَعَنَهُ، وَقَالَ: نَحْنُ أَهْلُ الشَّامِ، نَحْنُ
أَهْلُ صِفِّيْنَ، وَقَدْ كَانَ فِيْنَا مَنْ حَضَرَ
الجَمَل، وَنَحْنُ القَائِمُوْنَ بِمَنْ عَانَدَ أَهْل
الشَّامِ، وَأَنَا أُشْهِدُكُم أَنِّي قَدْ خَلَعْتَ أَبَا
أَحْمَقَ -يَعْنِي: أَبَا أَحْمَدَ- كَمَا يُخْلَعُ
الخَاتَمُ مِنَ الإِصْبَعِ، فَالعَنُوهُ، لَعَنَهُ اللهُ.
قَالَ الرَّازِيُّ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ صَالِحٍ، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ أَحْمَدُ بنُ
المُوَفَّقِ مِنْ وَقْعَةِ الطَّوَاحِيْنِ (1) إِلَى
دِمَشْقَ، مِنْ مُحَارَبَةِ خُمَارَوَيه بنَ أَحْمَدَ بنِ
طُولُوْنَ -يَعْنِي: بَعْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ؛ أَحْمَدَ،
وَذَلِكَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ- قَالَ لأَبِي
عَبْدِ اللهِ الوَاسِطِيِّ: انْظُرْ مَا انْتَهَى إِلَيْكَ
مِمَّنْ كَانَ يُبْغِضُنَا فَليُحْمَل.
فَحُمِلَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَأَبُو زُرْعَةَ
الدِّمَشْقِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو زُرْعَةَ بنُ عُثْمَانَ،
حَتَّى صَارُوا بِهِم مُقيَّدِيْنَ إِلى أَنْطَاكِيَةَ،
فَبَيْنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي المُوَفَّقِ - وَهُوَ
المُعْتَضِدُ - يَسِيْرُ يَوْماً، إِذْ بَصُرَ بِمَحَامِلِ
هَؤُلاَءِ.
فَقَالَ لِلْوَاسِطِيِّ: مَنْ هَؤُلاَءِ؟
قَالَ: أَهْلُ دِمَشْقَ.
قَالَ: وَفِي الأَحْيَاءِ هُم؟ إِذَا نَزَلْتُ
فَاذْكُرْنِي بِهِم.
قَالَ ابْنُ صَالِح: فَحَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ
الدِّمَشْقِيُّ: قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ أَحضَرَنَا بَعْدَ
أَنْ فُكَّتِ القُيُوْدُ، وَأَوْقَفَنَا مَذْعُوْرِيْنَ.
فَقَالَ: أَيُّكُم القَائِل: قَدْ نَزَعْتُ أَبَا
__________
(1) انظر: الكامل لابن الأثير: 7 / 414 - 415.
(13/315)
أَحْمَقَ؟
قَالَ: فَرَبَتْ أَلْسِنَتُنَا حَتَّى خُيِّلَ إِلَيْنَا
أَنَّنَا مَقْتُوْلُوْنَ (1) ، فَأَمَّا أَنَا:
فَأُبْلِسْتُ (2) ، وَأَمَّا ابْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ:
فَخَرِسَ، وَكَانَ تَمْتَاماً، وَكَانَ أَبُو زُرْعَةَ
القَاضِي أَحَدَثَنَا سِنّاً، فَقَالَ: أَصْلَحَ اللهُ
الأَمِيْرَ.
فَالتفت إِلَيْهِ الوَاسِطِيُّ، فَقَالَ: أَمْسِكْ حَتَّى
يَتَكَلَّمَ أَكْبَرُ مِنْكَ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْنَا،
وَقَالَ: مَاذَا عِنْدَكُم؟
فَقُلْنَا: أَصَلَحَكَ اللهُ! هَذَا رَجُلٌ مُتَكَلِّمٌ
يَتَكَلَّمُ عَنَّا.
قَالَ: تَكَلَّمَ.
فَقَالَ: وَاللهِ مَا فِيْنَا هَاشِمِيٌّ، وَلاَ قُرَشِيٌّ
صَحِيْحٌ، وَلاَ عَرَبِيٌّ فَصِيْحٌ، وَلَكِنَّا قَوْمٌ
مُلِكْنَا حَتَّى قُهِرْنَا.
وَرَوَى أَحَادِيْثَ كَثِيْرَةً عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ،
فِي المَنَشْطِ وَالمَكْرَهِ، وَأَحَادِيْثَ فِي العَفْوِ
وَالإِحْسَانِ، وَكَانَ هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ
بِالكَلِمَةِ الَّتِي نُطَالِبُ بِخَزْيِهَا، ثُمَّ قَالَ:
أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، وَأُشْهِدُكَ أَنَّ نِسْوَانِي
طَوَالِق، وَعَبِيْدِي أَحْرَارٌ، وَمَالِي حَرَامٌ إِنْ
كَانَ فِي هَؤُلاَءِ القَوْمِ أَحَدٌ قَالَ هَذِهِ
الكَلِمَةَ، وَوَرَءَانَا عِيَالٌ وَحُرَمٌ، وَقَدْ
تَسَامَعَ النَّاسُ بِهَلاَكِنَا، وَقَدْ قَدَرْتَ،
وَإِنَّمَا العَفْوُ بَعْدَ المَقْدِرَةِ.
فَقَالَ لِلْوَاسِطِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ!
أَطْلِقْهُم، لاَ كَثَّرَ اللهُ فِي النَّاسِ مِثْلَهُم.
فَأَطْلَقَنَا، فَاشْتَغَلْتُ أَنَا وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ
الصَّمَدِ عِنْدَ عُثْمَانَ بنِ خُرَّزَاذَ فِي نُزَهِ
أَنطَاكِيَةَ وَطِيْبِهَا وَحَمَّامَاتِهَا، وَسَبَقَ
أَبُو زُرْعَةَ القَاضِي إِلى حِمْصَ.
قَالَ ابْنُ زَبْرٍ وَالدِّمَشْقِيُّوْنَ: مَاتَ أَبُو
زُرْعَةَ النَّصرِيُّ سَنَةَ إِحدَى وَثَمَانِيْن
وَمائَتَيْن، وَغَلِطَ مَنْ قَالَ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ.
__________
(1) في الأصل: " مقتولين ".
(2) الابلاس: الانكسار والحزن، والمبلس: اليائس المنقطع
رجاؤه، ولذلك قيل للذي يسكت عن انقطاع حجته ولا يكون عنده
جواب: قد أبلس.
(13/316)
147 - الشَّعْرَانِيُّ الفَضْلُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ المُسَيَّبِ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، الجَوَّالُ،
المُكْثِرُ، أَبُو مُحَمَّدٍ، الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
المُسَيَّبِ بنِ مُوْسَى بنِ زُهَيْرِ بنِ يَزِيْدَ بنِ
كَيْسَانَ بنِ المَلِكِ بَاذَانَ (1) ، صَاحِبُ اليَمَنِ،
الَّذِي أَسْلَمَ بِكِتَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخُرَاسَانِيُّ
النَّيْسَابُوْرِيُّ الشَّعْرَانِيُّ، عُرِفَ بِذَلِكَ
لِكَوْنِهِ كَانَ يُرْسِلُ شَعْرَهُ، وَهُوَ مِنْ قَرْيَةِ
رِيْوَذ مِنْ: مُعَامَلَةِ بَيْهَق.
سَمِعَ بِمِصْرَ: سَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَبْدَ
اللهِ بنَ صَالِحٍ، وَسَعِيْدَ بنَ عُفَيْرٍ،
وَطَبَقَتَهُم.
وَبِالبَصْرَةِ: سُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ، وَسَهْلَ بنَ
بَكَّارٍ، وَقيْسَ بنَ حَفْصٍ، وَعِدَّةً.
وَبَالكُوْفَةِ: أَحْمَدَ بنَ يُوْنُسَ، وَوَضَّاحَ بنَ
يَحْيَى، وَضِرَارَ بنَ صُرَدَ.
وَبَالمَدِيْنَةِ: قَالُوْنَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي
أُوَيْسٍ، وَإِسْحَاقَ الفَرْوِيَّ.
وَبِحَلَبَ: أَبَا تَوْبَةَ الرَّبِيْعَ بنَ نَافِعٍ.
وَبحِمْصَ: حَيْوَةَ بنَ شُرَيْحٍ.
وَبَالثَّغْرِ: سُنيدَ بنِ دَاوُدَ.
وَبِخُرَاسَانَ: يَحْيَى بنَ يَحْيَى التَّمِيْمِيَّ،
وَابْنَ رَاهْوَيْه.
وَبِوَاسِطَ: عَمْرَو بنَ عَوْنٍ.
وَبِحَرَّانَ: أَبَا جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيَّ.
وَتَخَرَّجَ: بِعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَابْنِ
مَعِيْنٍ.
وَبَرَعَ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَسَأَلَ أَحْمَدَ بنَ
حَنْبَلٍ، وَأَخَذَ اللُّغَةَ عَنِ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ.
وَتَلاَ عَلَى خَلَفِ بنِ هِشَامٍ، وَقَدِمَ بِعِلْمٍ
جَمٍّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو العَبَّاسِ
الثَّقَفِيُّ، وَالمُؤَمَّلُ بنُ
__________
(*) المنتظم: 5 / 155 - 156، اللباب: 2 / 199، تذكرة
الحفاظ: 2 / 626 - 627، ميزان الاعتدال: 3 / 358، عبر
المؤلف: 2 / 69، طبقات الحفاظ: 276، شذرات الذهب: 2 / 179
- 180.
(1) انظر: السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 69، (ط. ثانية،
مصر 1955، تراث الإسلام).
(13/317)
الحَسَنِ، وَأَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدٍ الحِيْرِيُّ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ هَانِئ؛ شَيْخُ الحَاكِمِ، وَأَبُو
مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ العَتَكِيُّ،
وَعَلِيُّ بنُ حَمْشَاذ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ
الشَّيْبَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُؤَمَّلِ
المَاسَرْجِسِيُّ (1) ، وَأَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ
الصَّيْدَلاَنِيُّ، وَحَفِيْدُهُ؛ إِسْمَاعِيْلُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ، وَعِدَّةٌ.
وَجَمَعَ وَصَنَّفَ.
قَالَ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلاَ (2) : قَرَأَ القُرْآنَ
عَلَى خَلَفٍ، وَعِنْدَهُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ
(تَارِيْخَهُ) وَعَنْ سُنيدٍ المِصِّيْصِيِّ
(تَفْسِيْرَهُ).
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: تَكَلَّمُوا
فِيْهِ (3) .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الأَخْرَمِ: صَدُوْقٌ
غَالٍ فِي التَّشَيُّعِ.
قَالَ الحَاكِمُ: لَمْ أَرَ خِلاَفاً بَيْنَ الأَئِمَّةِ
الَّذِيْنَ سَمِعُوا مِنْهُ فِي ثِقَتِهِ وَصِدْقِهِ -
رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ -.
وَكَانَ أَدِيْباً فَقِيْهاً، عَالِماً عَابِداً، كَثِيْرَ
الرِّحْلَةِ فِي طِلَبِ الحَدِيْثِ، فَهْماً، عَارِفاً
بِالرِّجَالِ، تَفَرَّدَ بِرِوَايَةِ كُتُبٍ لَمْ
يَرْوِهَا أَحَدٌ بَعْدَهُ: (التَّارِيْخ الكَبِيْر) عَنْ
أَحْمَدَ، وَ(التَّفْسِيْر) عَنْ سُنَيْدٍ، وَ(القِرَاءات)
عَنْ خَلَفٍ، وَ(التَّنَبِيْه) عَنْ يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ،
وَ(المَغَازِي) عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الحِزَامِيِّ،
وَ(الفِتَن) عَنْ نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ.
سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ مُحَمَّدٍ يَقُوْلُ: تُوُفِّيَ
جَدِّي؛ الفَضْلُ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَثَمَانِيْنَ.
__________
(1) الماسرجسي، بفتح السين، وسكون الراء، وكسر الجيم: نسبة
إلى ما سرجس: وهو جد أبي علي الحسن بن عيسى بن ماسرجس
النيسابوري. (اللباب).
(2) الإكمال: 4 / 571. وللخبر تتمة فيه، فلينظر هناك.
(3) الجرح والتعديل: 7 / 69.
(13/318)
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُؤَمَّلِ
يَقُوْلُ: كُنَّا نَقُوْل: مَا بَقِيَ فِي الدُّنْيَا
مَدِيْنَةٌ لَمْ يَدْخُلْهَا الفَضْلُ فِي طَلَبِ
الحَدِيْثِ، إِلاَّ الأَنْدَلُسَ.
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ القَاسِمِ العَتَكِيَّ، سَمِعْتُ
الفَضْلَ الشَّعْرَانِيَّ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ أَكْثَمَ
يَقُوْلُ:
مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، يُسْتَتَابُ، فَإِنْ
تَابَ، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ.
وَقَالَ ابْنُ الأَخْرَمِ: كَانَ ابْنُ خُزَيْمَةَ
يَتَوَلَّى الاَنتَخَابَ عَلَى الفَضْلِ بنِ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ مَسْعُوْدٌ السِّجْزِيُّ: سَأَلْتُ الحَاكِمَ عَن
الفَضْلِ بنِ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ، لَمْ
يُطْعَنْ فِي حَدِيْثِهِ بِحُجَّةٍ (1) .
وَأَمَّا الحُسَيْنُ القَبَّانِيُّ فَرَمَاهُ بِالكَذِبِ،
فَبَالَغَ.
148 - الدَّارِمِيُّ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ خَالِدِ
بنِ سَعِيْدٍ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، شَيْخُ
تِلْكَ الدِّيَارِ، أَبُو سَعِيْدٍ التَّمِيْمِيُّ،
الدَّارِمِيُّ، السِّجِسْتَانِيُّ، صَاحِبُ (المُسْنَدِ)
الكَبِيْرِ وَالتَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ: قَبْلَ المائَتَيْنِ بِيَسِيْرٍ، وَطَوَّفَ
الأَقَالِيْمَ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ.
وَسَمِعَ: أَبَا اليَمَانِ، وَيَحْيَى بنَ صَالِحٍ
الوُحَاظِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي
__________
(1) تذكرة الحفاظ: 2 / 627.
(*) الجرح والتعديل: 6 / 153، طبقات الحنابلة: 1 / 221،
تاريخ ابن عساكر: خ: 11 / 49 أ - 50 أ، تذكرة الحفاظ: 2 /
621 - 622، عبر المؤلف: 2 / 64، طبقات السبكي: 2 / 305 -
306، البداية والنهاية: 11 / 69، طبقات الحفاظ: 274، شذرات
الذهب: 2 / 176.
(13/319)
مَرْيَمَ، وَمُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ،
وَعَبْدَ الغَفَّارِ بنَ دَاوُدَ الحَرَّانِيَّ،
وَسُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ، وَأَبَا سَلَمَةَ
التَّبُوْذَكِيَّ، وَنُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ، وَعَبْدَ
اللهِ بنَ صَالِحٍ؛ كَاتِبَ اللَّيْثِ، وَمُحَمَّدَ بنَ
كَثِيْرٍ، وَمُسَدَّدَ بنَ مُسَرْهَدٍ، وَأَبَا تَوْبَةَ
الحَلَبِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ رَجَاءٍ الغُدَانِيّ،
وَأَبَا جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ
حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَعَلِيَّ بنَ
المَدِيْنِيِّ، وَإِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، وَفَرْوَةَ
بنَ المَغْرَاء، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ،
وَيَحْيَى الحِمَّانِيَّ، وَسَهْلَ بنَ بَكَّارٍ، وَأَبَا
الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ
المِنْهَالِ، وَالهَيْثَمَ بنَ خَارِجَةَ، وَخَلْقاً
كَثِيْراً، بِالحَرَمَيْنِ وَالشَّامِ، وَمِصْرَ
وَالعِرَاقِ، وَالجَزِيْرَةِ وَبِلاَدِ العَجَمِ.
وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي (الرَدِّ عَلَى بِشْرٍ
المرِّيْسِيِّ (1)) وَكِتَاباً فِي (الرَدِّ عَلَى
الجَهْمِيَّةِ) رَوَيْنَاهُمَا.
وَأَخَذَ عِلْمَ الحَدِيْثِ وَعِلَلِهِ عَنْ عَلِيٍّ
وَيَحْيَى وَأَحْمَدَ، وَفَاقَ أَهْلَ زَمَانِهِ، وَكَانَ
لَهِجاً بِالسُّنَّةِ، بَصِيْراً بِالمُنَاظَرَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ
الحِيْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الصَّرَّامُ
(2) ، وَمُؤَمَّلُ بنُ الحُسَيْنِ، وَأَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ الأَزْهَرِ،
__________
(1) رد فيه على بشر بن غياث المريسي، وهو من أصحاب الرأي.
درس الفقه على أبي يوسف، واتجه اهتمامه إلى الاشتغال
بالكلام، وغلا في القول بخلق القرآن.
وكتابه هذا يعد من أجل الكتب المصنفة في بابها وأنفعها،
إلا أنه اشتمل على الفاظ منكرة أطلقها على الله، كالجسم،
والحركة، والمكان، والحيز، (ص: 379 وما بعدها).
دعاه إليها عنف الرد، وشدة الحرص على إثبات صفات الله
وأسمائه التي كان يبالغ بشر المريسي في نفيها، وكان الاجدر
به أن لا يتفوه بها، وينهج منهج السلف في الاقتصار على
إثبات ما ورد في كتاب الله والسنة الصحيحة في باب الصفات.
قال الامام الذهبي في هذا الكتاب: فيه بحوث عجيبة مع
المريسي يبالغ فيها في الاثبات، والسكوت عنها أشبه بمنهج
السلف في القديم والحديث.
(2) الصرام: بفتح الصاد والراء المشددة: نسبة إلى بيع
الصرم: وهو الذي تنعل به الخفاف. (اللباب).
(13/320)
وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الهَرَوِيُّ،
وَأَبُو إِسْحَاقَ بنُ يَاسِيْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ
إِسْحَاقَ الهَرَوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
عَبْدُوْس الطَّرَائِفِيُّ (1) ، وَأَبُو النَّضْرِ
مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيُّ الفَقِيْهُ،
وَحَامِدُ الرَّفَّاء، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ
العَنْبَرِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ يَعْقُوْبُ القَرَّابُ،
وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنْ أَهْلِ هَرَاةَ، وَأَهْلِ
نَيْسَابُوْرَ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ العَبَّاسِ
الضَّبِّيَّ، سَمِعْتُ أَبَا الفَضْلِ يَعْقُوْبَ بنَ
إِسْحَاقَ القَرَّابَ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْنَا مِثْلَ عُثْمَانَ بنِ سَعِيْدٍ، وَلاَ رَأَى
عُثْمَانُ مِثْلَ نَفْسِهِ، أَخَذَ الأَدَبَ عَنِ ابْنِ
الأَعْرَابِيِّ، وَالفِقْهَ عَنْ أَبِي يَعْقُوْبَ
البُوَيْطِيِّ، وَالحَدِيْثَ عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، وَابْنِ
المَدِيْنِيِّ، وَتَقَدَّمَ فِي هَذِهِ العُلُوْمِ
-رَحِمَهُ اللهُ (2) -.
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الأَعْمَشِيُّ: مَا رَأَيْتُ فِي
المُحَدِّثِيْنَ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى،
وَعُثْمَانَ بنِ سَعِيْدٍ، وَيَعْقُوْبَ الفَسَوِيِّ (3) .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ أَبِي ذُهْلٍ: قُلْتُ:
لأَبِي الفَضْلِ القَرَّابِ:
هَلْ رَأَيْتَ أَفْضَلَ مِنْ عُثْمَانَ بنِ سَعِيْدٍ
الدَّارِمِيِّ؟
فَأَطْرَقَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ، إِبْرَاهِيْمَ
الحَرْبِيَّ، وَقَدْ كُنَّا فِي مَجْلِسِ الدَّارِمِيِّ
غَيْرَ مَرَّةٍ، وَمَرَّ بِهِ الأَمِيْرُ عَمْرُو بنُ
اللَّيْثِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَعَلَيْكُم،
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ... وَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَدِّ
السَّلاَمِ (4) .
قَالَ ابْنُ عَبْدُوْسٍ الطَّرَائِفِيُّ: لَمَّا أَرَدْتُ
الخُرُوْجَ إِلَى عُثْمَانَ بنِ سَعِيْدٍ -
__________
(1) الطرائفي: نسبة إلى بيع الطرائف وشرائها، وهي: الاشياء
الحسنة المتخذة من الخشب. (اللباب).
(2) تاريخ ابن عساكر: خ: 11 / 49 ب.
(3) تذكرة الحفاظ: 2 / 622.
(4) انظر: تاريخ ابن عساكر: خ: 11 / 49 ب.
(13/321)
يَعْنِي إِلَى هَرَاةَ- أَتَيْتُ ابْنَ
خُزَيْمَةَ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي إِلَيْهِ،
فَكَتَبَ إِلَيْهِ، فَدَخَلْتُ هَرَاةَ فِي رَبِيْعٍ
الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ،
فَأَوْصَلْتُهُ الكِتَابَ، فَقَرَأَهُ وَرَحَّبَ بِي،
وَسَأَلَ عَنِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ قَالَ: يَا فَتَى!
مَتَى قَدِمْتَ؟
قُلْتُ: غَداً.
قَالَ: يَا بُنَي! فَارْجِع اليَوْمَ، فَإِنَّكَ لَمْ
تَقْدَمْ بَعْدُ، حَتَّى تَقْدَمَ غَداً (1) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْهَرُ: سَمِعْتُ
عُثْمَانَ بنَ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ يَقُوْلُ: أَتَانِي
مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ السِّجْزِيُّ، وَكَانَ قَدْ
كَتَبَ عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَجَعْفَرِ بنِ
عَوْنٍ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ إِنَّهُم!
يَجِيْؤُونِي، فَيَسْأَلُوْنِي أَنْ أُحَدِّثَهُم، وَأَنَا
أَخْشَى أَنْ لاَ يَسَعَنِي رَدُّهُم.
قُلْتُ: وَلِمَ؟
قَالَ: لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (مِنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ، فَكَتَمَهُ،
أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ (2)).
فَقَالَ: إِنَّمَا قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ عِلْمٍ تعْلَمُهُ، وَأَنْتَ لاَ
تَعْلَمُهُ (3) .
قَالَ يَعْقُوْبُ القَرَّابُ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بنَ
سَعِيْدٍ الدَّارِمِيَّ يَقُوْلُ: قَدْ نَوَيْتُ أَنْ لاَ
أُحَدِّثَ عَنْ أَحَدٍ أَجَابَ إِلَى خَلْقِ القُرْآنِ.
قَالَ: فَتُوُفِّي قَبْلَ ذَلِكَ.
قُلْتُ: مَنْ أَجَابَ تَقِيَّةً، فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ،
وَتَرْكُ حَدِيْثِهِ لاَ يَنْبَغِي.
قُلْتُ: كَانَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ جِذعاً فِي
أَعْيُنِ المُبْتَدِعَةِ، وَهُوَ الَّذِي قَامَ
__________
(1) في: تاريخ ابن عساكر: خ: 11 / 50 ؟: " قال: يا بني
فارجع إليهم، فإنك تقدم غدا، فسودت، ثم قال لي: لا تخجل يا
بني، فإني أقمت في بلدكم سنتين، فكان مشايخكم إذ ذاك
يحتملون عني مثل هذا ".
(2) حديث صحيح أخرجه من حديث أبي هريرة أحمد 2 / 263 و305
و344 و353 و495، وأبو داود (3658) في العلم: باب كراهية
منع العلم، والترمذي (2651) في
العلم: باب ما جاء في كتمان العلم، وابن ماجه (261) و(266)
وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (95) وله شاهد من حديث عبد
الله بن عمرو، صححه ابن حبان (96) والحاكم 1 / 102، ووافقه
الذهبي.
(3) تاريخ ابن عساكر: خ: 11 / 50 ؟.
(13/322)
عَلَى مُحَمَّدِ بنِ كَرَّامٍ (1)
وَطَرَدَهُ عَنْ هَرَاةَ فِيْمَا قِيْلَ.
قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: مَنْ لَمْ يَجْمَعَ
حَدِيْثَ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ وَمَالِكٍ، وَحَمَّادِ بنِ
زَيْدٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَهُوَ مُفْلِسٌ فِي
الحَدِيْثِ - يُرِيْدُ أَنَّهُ مَا بَلَغَ دَرَجَةَ
الحُفَّاظِ -.
وَبِلاَ رَيْبٍ، أَنَّ مَنْ جَمَعَ عِلْمَ هَؤُلاَءِ
الخَمْسَةِ، وَأَحَاطَ بِسَائِرِ حَدِيْثِهِم، وَكَتَبَهُ
عَالِياً وَنَازِلاً، وَفِهِمَ عِلَلَهُ، فَقَدْ أَحَاطَ
بِشَطْرِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، بَلْ بِأَكْثَرَ مِنْ
ذَلِكَ، وَقَدْ عُدِمَ فِي زَمَانِنَا مَنْ يَنْهَضُ
بِهَذَا، وَبِبَعْضِهِ، فَنَسْأَلُ اللهَ المَغْفِرَةَ.
وَأَيْضاً فَلَو أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَتَتَبَّعَ حَدِيْثَ
الثَّوْرِيِّ وَحْدَهُ، وَيَكْتُبَهُ بِأَسَانِيْدَ
نَفْسِهِ عَلَى طُوْلِهَا، وَيُبَيِّنَ صَحِيْحِهِ مِنْ
سَقِيْمِهِ، لكَانَ يَجِيْءُ (مُسَنَدُهُ) فِي عَشْرِ
مُجَلَّدَاتٍ، وإِنَّمَا شَأْنُ المُحَدِّثِ اليَوْمَ
الاعْتِنَاءُ بِالدَّوَاوِيْن السِّتَّةِ، وَ(مُسْنَدِ)
أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَ(سُنَنِ) البَيْهَقِيِّ،
وَضَبْطُ مُتُوْنِهَا وَأَسَانِيْدِهَا، ثُمَّ لاَ
يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ حَتَّى يَتَّقِي رَبَّهُ، وَيَدِيْنُ
بِالحَدِيْثِ، فَعَلَى عِلْمِ الحَدِيْثِ وَعُلَمَائِهِ
لِيَبْكِ مَنْ كَانَ بَاكِياً، فَقَدْ عَادَ الإِسْلاَمُ
المَحْضُ غَرِيْباً كَمَا بَدَأَ (2) ، فَلْيَسْعَ امْرُؤٌ
فِي فَكَاكِ رَقْبَتِهِ مِنَ النَّارِ، فَلاَ حَوْلَ وَلاَ
قُوَةَ إِلاَّ بِاللهِ.
ثُمَّ العِلْمُ لَيْسَ هُوَ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ،
وَلَكِنَّهُ نُوْرٌ يَقْذِفُهُ اللهُ فِي القَلْبِ،
وَشَرْطُهُ الاَتِّبَاعُ، وَالفِرَارُ مِنَ الهَوَى
وَالاَبْتَدَاعِ، وَفَّقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُم
لِطَاعَتِهِ.
قَالَ المُحَدِّثُ يَحْيَى بنُ أَحْمَدَ بنِ زِيَادٍ
الهَرَوِيُّ، صَاحِبُ ابْنِ مَعِيْنٍ:
__________
(1) انظر: الصفحة: (298)، ت: 2. من هذا الجزء.
(2) قال هذا الامام الذهبي وكان في عصره من أعلام الحديث
وحفاظه ونقاده من أمثال المزي والبرزالي وابن تيمية وابن
عبد الهادي وغيرهم، فماذا عساه أن يقول لو أنه بعث في
زماننا هذا الذي ندر أن تجد فيه من يعنى بالحديث أو يدريه
ويحفظ أسانيده ومتونه، ويميز بين صحيحه وسقيمه، فكان من
جراء ذلك انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة، في الكتب
والمجلات ودورانها على ألسنة الكثير من الخطباء والوعاظ،
والعوام.
(13/323)
رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ قَائِلاً
يَقُوْلُ: إِنَّ عُثْمَانَ -يَعْنِي: الدَّارِمِيَّ- لَذُو
حَظٍّ عَظِيْمٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ شَكَّرُ: سَمِعْتُ أَبَا
زُرْعَةَ الرَّازِيَّ وَسَأَلْتُهُ عَنْ عُثْمَانَ بنِ
سَعِيْدٍ؟
فَقَالَ: ذَاكَ رُزِقَ حُسْنَ التَّصْنِيْفِ.
وَقَالَ أَبُو الفَضْلِ الجَارُوْدِيُّ: كَانَ عُثْمَانُ
بنُ سَعِيْدٍ إِمَاماً يُقْتَدَى بِهِ فِي حَيَاتِهِ
وَبَعْدَ مَمَاتِهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الصَّرَّامُ: سَمِعْتُ
عُثْمَانَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: لاَ نكَيِّفُ هَذِهِ
الصِّفَات، وَلاَ نُكِّذِبُ بِهَا، وَلاَ نُفَسِّرُهَا.
وَبَلَغَنَا عَنْ عُثْمَانَ الدَّارِمِيِّ، أَنَّهُ قَالَ
لَهُ رَجُلٌ كَبِيْرٌ يَحْسُدُهُ: مَاذَا أَنْتَ لَوْلاَ
العِلْمُ؟
فَقَالَ لَهُ: أَرَدْتَ شَيْناً فَصَارَ زَيْناً.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ (1) ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو (2) الوَقْتِ
السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ
الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ
الجَارُوْدِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَمَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ
جِبْرِيْلَ أَمَلُّوهُ، وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ
الوَاشِقِيُّ هَروِيّ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ
الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى الحِمَّانِيُّ عَنِ
ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ
جَابِرٍ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (لَوْ بَدَا لَكُم مُوْسَى فَاتَّبَعْتُمُوهُ
وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُم عَنْ سَوَاءِ السَّبِيْلِ،
وَلَوْ كَانَ حَيّاً ثُمَّ أَدْرَكَ نُبُوَّتِي
لاَتَّبَعَنِي) (3) .
__________
(1) تقدمت الإشارة إليه في الصفحة: (85)، ت: 2 عن " مشيخة
" المؤلف.
(2) زيادة لا بد منها.
(3) أخرجه أحمد 3 / 338 و387، والدارمي 1 / 115 والبزار
(124) من طرق عن مجالد بهذا الإسناد، ومجالد ضعيف كما قال
الامام الذهبي، لكن الحديث يتقوى بشواهده، منها حديث عبد
الله بن شداد عند أحمد 3 / 470، 471، وفي سنده جابر الجعفي
وهو ضعيف، =
(13/324)
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، وَمُجَالِدٌ
ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ.
وَمِنْ كَلاَمِ عُثْمَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي كِتَابِ
(النَّقْضِ) لَهُ:
اتفَقَتِ الكَلِمَةُ مِنَ المُسْلِمِيْنَ أَنَّ اللهَ
تَعَالَى فَوْقَ عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ.
قُلْتُ: أَوْضَحُ شَيْءٍ فِي هَذَا البَابِ قَوْلُهُ عَزَّ
وَجَلَّ :
{الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتوَى } [طه: 5]
فَلْيُمَرَّ كَمَا جَاءَ، كَمَا هُوَ مَعْلُوْمٌ مِنْ
مَذْهَبِ السَّلَفِ، وَيُنَهَى الشَّخْصُ عَنِ
المُرَاقَبَةِ وَالجِدَالِ، وَتَأْوِيْلاَتِ
المُعْتَزِلَةِ* {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ
وَاتَّبَعْنَا الرَّسُوْلَ } [آلُ عِمْرَانَ: 53].
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بنَ
سَعِيْدٍ يَقُوْلُ:
مَا خَاضَ فِي هَذَا البَابِ أَحَدٌ مِمَّنْ يُذْكَرُ
إِلاَّ سَقَطَ، فَذَكَرَ الكَرَابِيسِيّ فَسَقَطَ حَتَّى
لاَ يُذْكَرَ، وَكَانَ مَعَنَا رَجُلٌ حَافِظٌ بَصِيْرٌ،
وَكَانَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ وَالمَشَايِخُ
بِالبَصْرَةِ يُكْرِمُوْنَهُ، وَكَانَ صَاحِبِي
وَرَفِيْقِي -يَعْنِي: فَتَكَلَّم فِيْهِ- فَسَقَطَ.
وَقَالَ الحَسَنُ بنُ صَاحِبٍ (1) الشَّاشِيُّ: سَأَلْتُ
أَبَا دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيَّ عَنْ عُثْمَانَ بنِ
سَعِيْدٍ؟
فَقَالَ: مِنْهُ تَعَلَّمْنَا الحَدِيْثَ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ فِي ذِي
الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وهَكَذَا أَرَّخَهُ إِسْحَاقُ القَرَّابُ وَغَيْرُهُ،
وَمَا رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الضَّبِّيُّ عَنْ
__________
= وحديث عمر عند أبي يعلى وفيه عبد الرحمن بن إسحاق
الواسطي، وحديث عقبة بن عامر عند الروياني في " مسنده ".
9 / 50 / 2 وفيه ابن لهيعة، وحديث أبي الدرداء عند
الطبراني في " الكبير " انظر " مجمع الزوائد " 1 / 173،
174.
(1) قال السمعاني: 7 / 245 " وأبو علي الحسن بن صاحب بن
حميد الشاشي، أحد الرحالين إلى خراسان والجبال والعراق
والحجاز والشام. كثير السماع...وكان ثقة، وتوفي بالشاش سنة
(314) وقد تحرف في المطبوع من " اللباب " إلى " حاجب " بدل
" صاحب ".
(13/325)
شُيُوْخِهِ، أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَوَهْمٌ
ظَاهِرٌ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ (1) قِرَاءةً،
عَنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ الحَرَسْتَانِيِّ، عَنْ أَبِي
نَصْرٍ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ الحَافِظِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ الأَحْنَفِ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ
يَعْقُوْبَ القَرَّابُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
الفَضْلِ المُزَكِّي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ الصَّرَّامُ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ
سَعِيْدٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ،
عَنْ لَيْثِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ
خَالِدِ بنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ بنِ
أَبِي مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (إِنَّمَا قَلْبُ ابْنِ آدَمَ بَيْنَ
أُصْبُعَينِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ).
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ جِدّاً، وَالمَتْنُ قَدْ رُوِيَ
مِنْ وُجُوْهٍ، وَهُوَ فِي (صَحِيْحِ) مُسْلِمٍ (2) .
قَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَالدَّارِمِيُّ
سِجْزِيٌّ، سَكَنَ هَرَاةَ، سَمِعَ: ابْنَ أَبِي مَرْيَمَ،
وَأَبَا صَالِحٍ بِمِصْرَ، وَابْنَ أَبِي أُوَيْسٍ
بِالحِجَازِ، وَسُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ
كَثِيْرٍ، وَأَبَا سَلَمَةَ بِالبَصْرَةِ، وَأَبَا
غَسَّانَ، وَأَحْمَدَ بنَ يُوْنُسَ بِالكُوْفَةِ،
وَيَحْيَى بنَ صَالِحٍ، وَالرَّبِيْعَ بنَ رَوْحٍ،
وَيَزِيْدَ بنَ عَبْدِ رَبِّهِ بِالشَّامِ.
149 - صَاعِدُ بنُ مَخْلَدٍ أَبُو العَلاَءِ الكَاتِبُ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو العَلاَءِ الكَاتِبُ:
أَسْلَمَ، وَكَتَبَ لِلْمُوَفَّقِ، ثُمَّ وَزَرَ
__________
(1) ترجمته في " مشيخة " المؤلف: خ: ق: 107.
(2) رقم (2654) في القدر: باب تصريف الله القلوب كيف يشاء
من حديث عبد الله بن عمرو، وفي الباب عن أنس عند الترمذي
(2140) وعن النواس بن سمعان عند ابن ماجة (199) وعن عائشة
عند أحمد 6 / 250، 251، وعن أم سلمة عند أحمد 6 / 302.
(*) تاريخ الطبري: 9 / 544، 628، 667، و10 / 7، 10،
المنتظم: 5 / 101، الكامل لابن الأثير: 7 / 327، 411، 414،
419،
(13/326)
لِلْمُعْتَمِدِ، وَهُوَ مِنْ نَصَارَى
كَسْكَر (1) .
وَلَهُ صَدَقَاتٌ وَبِرٌّ، وَقِيَامُ لَيِلٍ، لَكِنَّهُ
نَزْرُ الأَدَبِ.
وَزَرَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ، وَلُقِّبَ ذَا
الوِزَارَتَيْنِ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: قَبَضَ عَلَيْهِ المُوَفَّقُ، سَنَةَ
ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ، فَحَدَّثُوْنِي أَنَّ الَّذِي
أُخِذَ مِنْهُ نَحْوُ أَلْفَي أَلفِ دِيْنَارٍ، وَخَمْسَةُ
آلاَفِ رَأْسٍ، وَأَخَذَ ذَلِكَ المُوَفَّقُ مِنْهُ
بِلِيْنٍ وَمُلاَطَفَةٍ، وَلَمْ يُؤْذِهِ، وَمِمَّا أُخِذَ
لَهُ مِنَ المَمَالِيْكِ البِيْضِ وَالسُّوْدِ ثَلاَثَةُ
آلاَفِ مَمْلُوْكٍ، وَحَبَسَهُ مُكرماً، وَتَرَكَ لَهُ
مِنْ ضِيَاعِهِ مَغَلُّ عِشْرِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي ظَاهِرٍ: المَقْبُوْضُ مِنْهُ
مِنَ العَيْنِ أَلف أَلف دِيْنَارٍ، وَأُخِذَ لَهُ
مُخَيَّمٌ قُوِّمَ بِمئَةٍ وَعِشْرِيْنَ أَلفَي أَلفِ
دِيْنَارٍ، فِيْهِ مِنَ الخَزِّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلفَ
ثَوْبٍ، وَأَرْبَعُوْنَ رَطْلَ ذَهَبٍ، وَأُخِذَ مِنْهُ
جَوْهَرٌ يُسَاوِي خَمْسِيْنَ أَلفَ دِيْنَارٍ، وآنِيَةٌ
بِمئتَيْ أَلفَ دِرْهَمٍ، وثَلاَثَةُ آلاَفِ ثَوْبٍ
حَرِيْرٍ، وَسِتَّةُ بُسْطٍ خَزٍّ، أَكْبَرُهَا طُوْلُ
خَمْسَة وَأَرْبَعِيْنَ ذِرَاعاً فِي عِرْضِ سِتَّةٍ
وَعِشْرِيْنَ ذِرَاعاً، وَأَكْثَرُ مِنْ مائَةِ أَلْفِ
قْطَعَةٍ صِيْنِيّ، وَسَرَدَ أَشْيَاءً مِنْ هَذَا
الضَّرْبِ مِمَّا لَمْ يُوْجِدِ المُلُوك.
ذَكَرَهُ ابْنُ النَّجَّارِ فِي (تَارِيْخِهِ)، وَقَالَ:
تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْن.
وَكَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ أَبُو العَيْنَاءِ،
فَيَقُوْلُوْنَ: هُوَ السَّاعَة يُصَلِّي.
فَقَالَ: كُلُّ جَدِيْدٍ لَهُ لَذَّةٌ.
150 - البَيَّانِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ القَاسِمُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ *
الإِمَامُ، المُجْتَهِدُ، الحَافِظُ، عَالِمُ
الأَنْدَلُسِ، أَبُو مُحَمَّدٍ، القَاسِمُ
__________
(1) كسكر: قرية قديمة بالعراق. يظن انها بنواحي المدائن.
(ياقوت، اللباب).
(*) تاريخ علماء الأندلس: 1 / 355 - 357، جذوة المقتبس:
329، بغية الملتمس: =
(13/327)
بنُ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ
بنِ سَيَّارٍ، مَوْلَى الخَلِيْفَةِ؛ الوَلِيْدِ بنِ
عَبْدِ المَلِكِ، الأُمَوِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ،
القُرْطُبِيُّ، البيَّانِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ.
غَطَّى مَعْرِفَتَهُ بِالحَدِيْثِ بَرَاعَتُهُ فِي
الفِقْهِ وَالمَسَائِلِ، وَفَاقَ أَهْلَ العَصْرِ،
وَضُرِبَ بِإِمَامَتِهِ المَثَلُ، وَصَارَ إِمَاماً
مُجْتَهِداً، لاَ يُقَلِّدُ أَحَداً، مَعَ قُوَّةِ
مَيْلِهِ إِلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَبَصَرِهِ بِهِ،
فَإِنَّهُ لاَزَمَ التَّفَقُّهَ عَلَى الإِمَامِيْنِ:
أَبِي إِبْرَاهِيْمَ المُزَنِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ.
مَوْلِدُهُ: بَعْدَ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ فِيمَا
أُرَى.
وَرَوَى عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيِّ،
وَأَبِي الطَّاهِرِ بنِ السَّرْحِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ
المُنْذِرِ الحِزَامِيِّ، وَالحَارِثِ بنِ مِسْكِيْنٍ،
وَيُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَالمُزَنِيِّ،
وَالرَّبِيْعِ، وَابْنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَخَلْقٍ.
وَأَدْرَكَ بَقَايَا أَصْحَابِ اللَّيْثِ، وَمَالِكٍ.
تَفَقَّهَ بِهِ عُلَمَاءُ قُرْطُبَةَ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ عُثْمَانَ الأَعْنَاقِيُّ،
وَأَحْمَدُ بنُ خَالِدِ بنِ الجَبَّابِ، وَمُحَمَّدُ بنُ
عُمَرَ بنِ لُبَابَةَ، وَابْنُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ قَاسِمٍ،
وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَيْمَنَ،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ الفَرَضِيّ فِي (تَارِيْخِهِ): لَزِمَ قَاسِمُ
البيَّانِيُّ ابْنَ عَبْدِ الحَكَمِ، لِلتَّفَقُّهِ
وَالمُنَاظَرَةِ، وَتَحَقَّقَ بِهِ وَبِالمُزَنِيِّ،
وَكَانَ يَذْهَبُ مَذْهَبَ الحُجَّةِ وَالنَّظَرِ،
وَتَرَكَ التَّقْلِيْدَ، وَيَمِيْلُ إِلَى فَقْهِ
الشَّافِعِيِّ... لَمْ يَكُنْ
__________
= 446، تذكرة الحفاظ: 2 / 648، عبر المؤلف: 2 / 57،
الديباج المذهب: 2 / 143 - 144، طبقات السبكي: 2 / 344 -
345، طبقات الحفاظ: 283 - 284، شذرات الذهب: 2 / 170.
(13/328)
بِالأَنْدَلُسِ أَحَدٌ مِثْلَهُ فِي حُسْنِ
النَّظَرِ، وَالبَصَرِ بِالحُجَّةِ (1) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ الجَبَّابِ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ
قَاسِمٍ فِي الفِقْهِ مِمَّن دَخَلَ الأَنْدَلُسَ مِنْ
أَهْلِ الرِّحَلِ (2) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قَاسِمٍ
الزَّاهِدُ: سَمِعْتُ بَقِيَّ بنَ مَخْلَدٍ يَقُوْلُ:
قَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ أَعِلْمُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ (3) .
قَالَ أَسْلَمُ بنُ عَبْدُ العَزِيْزِ: سَمِعْتُ ابْنَ
عَبْدِ الحَكَمِ يَقُوْلُ:
لَمْ يَقْدَمْ عَلَيْنَا مِن الأَنْدَلُسِ أَحَدٌ أَعِلْمَ
مِنْ قَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَلَقَدْ عَاتَبْتُهُ حِيْنَ
رُجُوْعِهِ إِلَى الأَنْدَلُسِ قُلْتُ: أَقِمْ عِنْدَنَا
فَإِنَّكَ تَعْتَقِدُ هُنَا رِئاسَةً، وَيَحْتَاجُ
النَّاسُ إِلَيْكَ.
فَقَالَ: لاَبُدَّ مِنَ الوَطَنِ (4) .
قَالَ ابْنُ الفَرَضِيِّ: أَلَّفَ قَاسِمٌ فِي الرَّدِ
عَلَى يَحْيَى بنِ مُزين، وَالعَتَبِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ
بنِ خَالِدٍ كِتَاباً نَبِيْلاً، يَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِ.
قَالَ: وَلَهُ كِتَابٌ شَرِيْفٌ فِي خَبَرِ الوَاحِدِ،
وَكَانَ يَلِي وَثَائِقَ الأَمِيْرِ مُحَمَّدٍ -يَعْنِي:
مَلِكَ الأَنْدَلُسِ- طُوْلَ (5) أَيَّامِهِ.
قُلْتُ: وَصَنَّفَ كِتَابَ (الإِيضَاحِ) فِي الرَّدِ عَلَى
المُقَلِّدِيْنَ، وَكَانَ مَيَّالاً إِلَى الآثَارِ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبْدِ
البَرِّ يَقُوْلُ:
لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بِبَلَدِنَا أَفْقَهَ مِنْ قَاسِمِ بنِ
مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدَ بنِ الجَبَّابِ.
__________
(1) انظر: تاريخ علماء الأندلس: 1 / 355 - 356. والزيادة
منه.
(2) انظر: المصدر السابق.
(3) المصدر السابق.
(4) المصدر السابق 1 / 356.
(5) المصدر السابق 1 / 356 - 357.
(13/329)
مَاتَ: فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ
وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، هُوَ وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ
(1) فِي عَامٍ، وَمَا خَلَّفَا مِثْلَهُمَا.
151 - سَهْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ أَبُو
مُحَمَّدٍ التُّسْتَرِيُّ *
شَيْخُ العَارِفِيْنَ، أَبُو مُحَمَّدٍ التُّسْتَرِيُّ،
الصُّوْفِيُّ الزَّاهِدُ.
صَحِبَ خَالَهُ؛ مُحَمَّدَ بنَ سَوَّارٍ، وَلَقِيَ فِي
الحَجِّ ذَا النُّوْنِ (2) المِصْرِيَّ وَصَحِبَهُ.
رَوَى عَنْهُ الحِكَايَات: عُمَرُ بنُ وَاصِلٍ، وَأَبُو
مُحَمَّدٍ الجَرَيْرِيُّ، وَعَبَّاسُ بنُ عِصَامٍ،
وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْذِر الهُجَيْمِيُّ (3) ،
وَطَائِفَةٌ.
لَهُ (4) كَلِمَاتٌ نَافِعَةٌ، وَمَوَاعِظُ حَسَنَةٌ؛
وَقَدَمٌ رَاسِخٌ فِي الطَّرِيْقِ.
رَوَى أَبُو زُرْعَةَ الطَّبَرِيُّ، عَنِ ابْنِ
دُرُسْتَوَيْه - صَاحِبِ سَهْلٍ - قَالَ: قَالَ سَهْلٌ،
وَرَأَى أَصْحَابَ الحَدِيْثِ، فَقَالَ:
اجهَدُوا أَنْ لاَ تَلْقَوا اللهَ إِلاَّ وَمَعَكُم
المَحَابِرَ.
وَرُوِيَ فِي كِتَابِ (ذَمِّ الكَلاَمِ (5)): سُئِلَ
سَهْلٌ: إِلَى مَتَى يَكْتُبُ
__________
(1) تقدمت ترجمته في الصفحة: (285)، برقم: (137).
(*) طبقات الصوفية: 206 - 211، حلية الأولياء: 10 / 189 -
212، الفهرست: المقالة الخامسة: الفن الخامس، المنتظم: 5 /
162، معجم البلدان: " تستر "، اللباب: 1 / 216، وفيات
الأعيان: 2 / 429 - 430، عبر المؤلف: 2 / 70، طبقات
الأولياء: 222 - 226، النجوم الزاهرة: 3 / 98، طبقات
المفسرين: 1 / 210، شذرات الذهب: 2 / 182 - 184.
(2) انظر أخباره في: حلية الأولياء: 9 / 331، 10 / 4.
(3) الهجيمي، بضم الهاء، وفتح الجيم، وسكون الياء: نسبة
إلى محلة بالبصرة نزلها بنو الهجيم بن عمران، بطن من
الازد. (اللباب).
(4) زياده لابد منها.
(5) هو لأبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي
المعروف بشيخ الإسلام =
(13/330)
الرَّجُل الحَدِيْثَ؟
قَالَ: حَتَّى يَمُوْتَ، وَيُصَبُّ باقِي حِبْرِهِ فِي
قَبْرِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الخَلاَّلِ (1) ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ اللَّتِّيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ
الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بِنَيْسَابُوْرَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ
الأَدِيْبُ بِتُسْتَرَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ
الدَّقِيْقِيُّ، سَمِعْتُ سَهْلَ بنَ عَبْدِ اللهِ
يَقُوْلُ:
مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ فَلْيَكْتُبِ
الحَدِيْثَ، فَإِنَّ فِيْهِ مَنْفَعَةَ الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ سَهْلَ بنَ عَبْدِ اللهِ أَتَى أَبَا
دَاوُدَ، فَقَالَ:
أَخْرِجْ لِي لِسَانَكَ هَذَا الَّذِي حَدَّثْتَ بِهِ
أَحَادِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حَتَّى أُقَبِّلَهُ.
فَأَخرَجَهُ لَهُ.
وَمِنْ كَلاَمِ سَهْلٍ: لاَ مُعِيْنَ إِلاَّ اللهُ، وَلاَ
دَلِيْلَ إِلاَّ رَسُوْلُ اللهِ، وَلاَ زَادَ إِلاَّ
التَّقْوَى، وَلاَ عَمَلَ إِلاَّ الصَّبْرُ عَلَيْهِ.
وَعَنْهُ قَالَ: الجَاهِلُ مَيِّتٌ، وَالنَّاسِي نَائِمٌ،
وَالعَاصِي سَكْرَانُ، وَالمُصِرُّ هَالِكٌ.
وَعَنْهُ قَالَ: الجُوْعُ سِرُّ اللهِ فِي أَرْضِهِ، لاَ
يُودِعُهُ عِنْدَ مَنْ يُذِيْعُهُ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيٍّ الأُبُلِّيُّ: سَمِعْتُ
سَهْلَ بنَ عَبْدِ اللهِ بِالبَصْرَةِ فِي سَنَةِ
ثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ يَقُوْلُ:
العَقْلُ وَحَدَهُ لاَ يَدُلُّ عَلَى قَدِيْمٍ أَزَلِيٍّ
فَوْقَ عَرْشٍ مُحْدَثٍ، نَصَبَهُ الحَقُّ دِلاَلَةً
وَعَلَماً لَنَا، لِتَهْتَدي القُلُوْبُ بِهِ إِلَيْهِ
وَلاَ تَتَجَاوَزُهُ، وَلَمْ يُكَلِّفِ القُلُوْبَ عِلْمَ
مَاهِيَةِ هُوِيَتَّهُ، فَلاَ كَيْفَ لاسْتِوَائِهِ
عَلَيْهِ، وَلاَ يَجُوْزُ أَنْ يُقَالَ: كَيْفَ
الاسْتِوَاءُ لِمَنْ أَوْجَدَ الاسْتِوَاءَ؟
وَإِنَّمَا عَلَى المُؤْمِنِ الرِّضَى
__________
= المتوفى سنة (481 ه).
وهو صاحب كتاب " منازل السائرين " الذي شرحه العلامة ابن
القيم شرحا نفيسا سماه: " مدارج السالكين ".
(1) تقدمت الإشارة إليه في الصفحة، (85)، ت: 2، عن " مشيخة
" المؤلف.
(13/331)
وَالتَّسْلِيْم، لِقَوْلِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّهُ عَلَى
عَرْشِهِ (1)).
وَقَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ الزِّنْدِيْقُ زِنْدِيْقاً،
لأَنَّهُ وَزَنَ دِقَّ الكَلاَمِ بِمَخْبُوِلِ عَقْلِهِ
وَقِيَاسِ هَوَى طَبْعِهِ، وَتَرَكَ الأَثَرَ،
وَالاَقْتِدَاءَ بِالسُّنَّةِ، وَتَأَوَّلَ القُرْآنَ
بِالهَوَى، فَسُبْحَانَ مَنْ لاَ تُكَيِّفُهُ الأَوهَامُ.
فِي كَلاَمٍ نَحْوِ هَذَا.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي (الحِلْيَةِ): حَدَّثَنَا أَبِي،
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الجَوْرَبِي، سَمِعْتُ سَهْلَ بن
عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
أُصُوْلُنَا سِتَّةٌ: التَّمَسُّكُ بِالقُرْآنِ،
وَالاقتِدَاءُ بِالسُّنَّةِ، وَأَكلُ الحَلاَلِ، وَكَفُّ
الأَذَى، وَاجتِنَابُ الآثَامِ، وَالتَّوبَةُ، وَأَدَاءُ
الحُقُوْقِ (2) .
عَنْ سَهْلٍ: مَنْ تَكَلَّمَ فِيمَا لاَ يَعْنِيْهِ حُرِمَ
الصِّدْقَ، وَمَنْ اشتَغَلَ بِالفُضُوْلِ حُرِمَ الوَرَعَ،
وَمَنْ ظَنَّ ظَنَّ السَّوْءِ حُرِمَ اليَقِيْنَ، وَمَنْ
حُرِمَ هَذِهِ الثَّلاَثَة هَلَكَ (3) .
وَعَنْهُ قَالَ: مِن أَخلاَقِ الصِّدِّيْقِينَ أَنْ لاَ
يَحْلِفُوا بِاللهِ، وَأَنَّ لاَ يَغْتَابُوا، وَلاَ
يُغْتَابَ عِنْدَهُم، وَأَنَّ لاَ يَشْبَعُوا، وَإِذَا
وَعَدُوا لَمْ يُخْلِفُوا، وَلاَ يَمْزَحُوْنَ أَصلاً (4)
.
قَالَ ابْنُ سَالِمٍ الزَّاهِدُ، شَيْخُ البَصْرَةِ: قَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِسَهْلِ بنِ عَبْدِ اللهِ:
إِنِّيْ أَتَوَضَأُ فَيَسِيْلُ المَاءَ مَنْ يَدِي،
فَيَصِيْرُ قُضْبَانَ ذَهَبٍ. فَقَالَ:
__________
(1) أخرجه أبو داود (4776) في السنة: باب في الجهمية من
طريق جبير بن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن
جده...وفيه " إن الله فوق عرشه وعرشه فوق سماواته " وجبير
ابن محمد لم يوثقه غير ابن حبان، وأخرجه أبو داود (4732)
من حديث العباس بن عبد المطلب وفيه: " ثم الله تبارك
وتعالى فوق ذلك ". وفي سنده عبد الله بن عميرة وهو مجهول.
(2) حلية الأولياء: 10 / 190، والزيادة منه.
(3) المصدر السابق: 10 / 196، وزاد: " وهو مثبت في ديوان
الاعداء ".
(4) كيف ؟ وأول الصديقين، وأفضل الخلق على الاطلاق - صلى
الله عليه وسلم - كان يمزح، كما جاء في غير ما حديث عنه،
لكنه كان يمزح ولا يقول إلا حقا.
(13/332)
الصِّبْيَانُ يُنَاولُوْنَ خُشْخَاشَةً.
قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَهْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ: فِي سَنَةِ
ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ.
وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، بَلِ الصَّوَابُ: مَوْتُهُ فِي
المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَيُقَالُ: عَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً أَوْ أَكْثَر.
سَمِيُّهُ: الزَّاهِدُ المُحَدِّثُ
152 - أَبُو طَاهِرٍ سَهْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
الفَرُّخَانِ الأَصْبَهَانِيُّ *
أَحَدُ الثِّقَاتِ.
ارْتَحَلَ وَأَخَذَ عَنْ: سُلَيْمَانَ ابْنِ بِنْتِ
شُرَحْبِيْلَ، وَصَفْوَانَ بنِ صَالِحٍ، وَهِشَامِ بنِ
عَمَّارٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي السَّرِيِّ
العَسْقَلاَنِيِّ، وَحَرْمَلَةَ بنِ يَحْيَى،
وَطَبَقَتِهِم.
وَعَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَزِيْدَ
الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ،
وَأَبُو عَلِيٍّ الصَّحَّافُ، وَأَحْمَدُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَفرجَةَ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مِنْ حَمَلَةِ الحُجَّةِ، كَبِيْرَ القَدْرِ.
وَيُقَالُ: كَانَ مِنَ الأَبْدَالِ - رَحْمَةُ اللهِ
عَلَيْهِ -.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَقِيْتُ أَصْحَابَهُ، وَكَانَ
مُجَابَ الدَّعْوَةِ... كَانَ أَهْلُ بَلَدِنَا
مَفْزَعَهُم إِلَى دُعَائِهِ عِنْدَ النَّوَائِبِ
وَالمِحَنِ... لَهُ آثَارٌ مَشْهُورَةٌ فِي إِجَابَةِ
الدُّعَاءِ.
وَأَمَّا رَفِيْع حَالِهِ مِنْ إِدْمَانِ الذِّكْرِ،
وَالمُشَاهَدَةِ وَالحُضُوْرِ، وَالتَّعَرِّي مِنْ
حُظُوْظِ النَّفسِ.... فَشَائِعٌ ذَائِعٌ، وَهُوَ أَوَّلُ
مَنْ حَمَلَ
__________
(*) حلية الأولياء: 10 / 212 - 213، ذكر أخبار أصبهان، 1 /
339. طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 319.
(13/333)
(مُخْتَصَرَ) حَرْمَلَةَ مِنْ عِلْمِ
الشَّافِعِيِّ.... إِلَى أَنْ قَالَ: وَمَاتَ: فِي سَنَةِ
سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) .
لَمْ يُذْكَرْ مَوْلِدُهُ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ حَازِمِ بنِ أَبِي غَرَزَةَ
(2) ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ (3) ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ
قُتَيْبَةَ الدِّيْنَوَرِيُّ (4) ، وَأَبُو قِلاَبَةَ
الرَّقَاشِيُّ (5) ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ
الصَّائِغُ (6) ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ العَوْفِيُّ (7)
، وَيَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ (8) ،
وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ.
153 - ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى
البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ، أَبُو
جَعْفَرٍ، أَحْمَدُ بنُ أَبِي عِمْرَانَ - مُوْسَى بنِ
عِيْسَى البَغْدَادِيِّ - الفَقِيْهُ المُحَدِّثُ،
الحَافِظُ.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ المائَتَيْنِ، وَسَكَنَ مِصْرَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: عَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدِ بنِ
عَبْدِ اللهِ بنِ سَمَاعَةَ، وَسَعْدَوَيْه الوَاسِطِيِّ،
وَبِشْرِ بنِ الوَلِيْدِ الكِنْدِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
__________
(1) انظر: حلية الأولياء: 10 / 212. والزيادة منه.
(2) تقدمت ترجمته في الصفحة: (239)، برقم: (120)
(3) تقدمت ترجمته في الصفحة: (285)، برقم: (137)
(4) تقدمت ترجمته في الصفحة: (296)، برقم: (138)
(5) تقدمت ترجمته في الصفحة: (177)، برقم: (104)
(6) تقدمت ترجمته في الصفحة: (161)، برقم: (95)
(7) ترجمته في: الأنساب: 9 / 89 - 90.
(8) تقدمت ترجمته في الصفحة: (151)، برقم: (82).
(*) طبقات الفقهاء: 140، المنتظم: 5 / 146، عبر المؤلف: 2
/ 63، شذرات الذهب: 2 / 175.
(13/334)
وَتفَقَّهَ عَلَى بِشْرٍ، وَابْنِ
سَمَاعَةَ، وَأَصْحَابِ أَبِي يُوْسُفَ، وَمُحَمَّدٍ.
لاَزَمَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَتَفَقَّهَ
بِهِ، وَوَلِيَ قَضَاءَ مِصْرَ مُدَّةً بَعْدَ بَكَّارِ
بنِ قُتَيْبَةَ، وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، يُوْصَفُ
بِحِفْظٍ وَذَكَاءٍ مُفْرِطٍ.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّيْمَرِيُّ
الحَنَفِيُّ: كَانَ شَيْخَ أَصْحَابِنَا بِمِصْرَ فِي
زَمَانِهِ، أَخَذَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي يُوْسُفَ.
قُلْتُ: رَوَى شَيْئاً كَثِيْراً مِنَ الحَدِيْثِ مِنْ
حِفْظِهِ.
وَتُوُفِّيَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَمَانِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
154 - الدَّيْرَعَاقُوْلِيُّ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ
الهَيْثَمِ بنِ زِيَادٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو يَحْيَى عَبْدُ
الكَرِيْمِ بنُ الهَيْثَمِ بنِ زِيَادِ بنِ عِمْرَانَ
الدَّيْرَعَاقُوْلِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، القَطَّانُ.
وُلِدَ: بَعْدَ التِّسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَطَوَّفَ،
وَكَتَبَ الكَثَيْرَ.
سَمِعَ: أَبَا نُعَيْمٍ، وَأَبَا اليَمَانِ الحِمْصِيَّ،
وَأَبَا بكرٍ الحُمَيْدِيَّ، وَمُسْلِمَ بنَ
إِبْرَاهِيْمَ، وَسُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ، وَعَلِيَّ بنَ
عَيَّاشٍ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَيَحْيَى بنُ
صَاعِدٍ، وَعُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ، وَأَحْمَدُ بنُ
كَامِلٍ، وَأَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي: كَتَبْنَا عَنْهُ،
وَكَانَ ثِقَةً مَأْمُوْناً.
__________
(*) تاريخ بغداد: 11 / 78 - 79، طبقات الحنابلة: 1 / 216 -
217، المنتظم: 5 / 120، اللباب: 1 / 523، تذكرة الحفاظ: 2
/ 602 - 603، عبر المؤلف: 2 / 60، طبقات الحفاظ: 269،
شذرات الذهب: 2 / 172.
والدير عاقولي، بفتح الدال وسكون الياء: نسبة إلى دير
العاقول: قرية من أعمال بغداد.
(13/335)
وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ
الدَّيْرَعَاقُوْلِيُّ ثِقَةً ثَبْتاً... مَاتَ: فِي
شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1)
.
قُلْتُ: وَفِيْهَا مَاتَ: مُحَدِّثُ طَبَرَيَّةَ؛ هَاشِمُ
بنُ مَرْثَدٍ الطَّبَرَانِيُّ (2) ، وَمُحَدِّثُ حِمْصَ؛
مُوْسَى بنُ عِيْسَى بنِ المُنْذِرِ، وَمُسْنِدَا
بَغْدَاد: مُوْسَى بنُ سَهْلٍ الوَشَّاءُ (3) - صَاحِبُ
ابْنِ عُلَيَّةَ - وَمُحَمَّدُ بنُ شَدَّادٍ (4) أَبُو
يَعْلَى المِسْمَعِي - صَاحِبُ يَحْيَى القَطَّانُ -
وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ بنِ نَاصِحٍ (5) النَّحْوِيُّ،
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ الهَيْثَمِ البَلَدِيُّ (6) ، وَولِيُ
العَهْدِ أَبُو أَحْمَدَ المُوَفَّقُ (7) .
155 - المَغَامِيُّ أَبُو عَمْرٍو يُوْسُفُ بنُ يَحْيَى
الأَزْدِيُّ *
العَلاَّمَةُ، المُفْتِي، شَيْخُ المَالِكِيَّةِ، أَبُو
عَمْرٍو، يُوْسُفُ بنُ يَحْيَى الأَزْدِيُّ
الأَنْدَلُسِيُّ القُرْطُبِيُّ المَالِكِيُّ،
المَعْرُوْفُ: بِالمَغَامِيِّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ.
وَقَدْ نَسَبَهُ بَعْضُ الأَئِمَّةِ، فَقَالَ: هُوَ
يُوْسُفُ بنُ يَحْيَى بنِ يُوْسُفَ بنِ
__________
(1) تاريخ بغداد: 11 / 78، 79.
(2) تقدمت ترجمته في الصفحة: (270)، برقم: (131)
(3) تقدمت ترجمته في الصفحة: (149)، برقم: (80)
(4) تقدمت ترجمته في الصفحة: (148)، برقم: (79)
(5) تقدمت ترجمته في الصفحة: (193)، برقم: (110)
(6) ستأتي ترجمته في الصفحة: (411)، برقم: (199)
(7) تقدمت ترجمته في الصفحة: (169)، برقم: (100)
(*) تاريخ علماء الأندلس: 2 / 201 - 202، طبقات الفقهاء:
162، جذوة المقتبس: 373، بغية الملتمس: 496 - 497، معجم
البلدان: " مغام "، اللباب: 3 / 240،، عبر المؤلف: 2 / 81،
بغية الوعاة: 2 / 363 - 364، نفح الطيب، 2 / 520 - 521،
شذرات الذهب: 2 / 198.
والمغامي، بفتح الميم: نسبة إلى مغام: بلد بالاندلس، وقد
ضبطت الميم في " اللباب " بالضم، وأجازها الزبيدي في "
التاج ".
(13/336)
مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ السَّمْحِ
الأَزْدِيُّ، ثُمَّ الدَّوْسِيُّ، مِنْ وَلِدِ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
سَمِعَ: يَحْيَى بنَ يَحْيَى اللَّيْثِيَّ الفَقِيْهَ،
وَسَعِيْدَ بنَ حَسَّانٍ، وَعَبْدَ المَلِكِ بنَ حَبِيْبٍ،
فَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَحَمَلَ عَنْهُ تَصَانِيْفَهُ،
وَارْتَحَلَ فِي الشَّيْخُوْخَةِ، وَسَمِعَ، وَبَثَّ
عِلْمَهُ بِمِصْرَ.
وَسَمِعَ مِنْ: إِسْحَاقَ الدَّبَرِيِّ (1) ، وَعَلِيِّ
بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيِّ، وَيُوْسُفَ بنِ
يَزِيْدَ القَرَاطِيْسِيِّ.
وَكَانَ رَأْساً فِي الفِقْهِ لاَ يُجَارَى، بَصِيْراً
بِالعَرَبِيَّةِ فَصِيْحاً، مُدْرِكاً، مُصَنِّفاً،
أَقَامَ بِمَكَّةَ، وَرَوَى بِهَا (الوَاضِحَةَ (2))
لابْنِ حَبِيْبٍ، وَعَظُمُ قَدْرُهُ هُنَاكَ.
وَرَوَى تَمِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْرَوَانِيُّ، عَنْ
أَبِيْهِ، قَالَ:
كَانَ أَبُو عَمْرٍو المَغَامِيُّ ثِقَةً إِمَاماً،
جَامِعاً لِفُنُوْنِ العِلْمِ، عَالِماً بِالذَّبِّ عَنْ
مَذَاهِبِ أَهْلِ الحِجَازِ، فَقِيْهَ البَدَنِ، عَاقِلاً
وَقُوْراً، قَلَّ مَنْ رَأَيْتُ مِثْلَهُ فِي عَقْلِهِ
وَأَدَبِهِ وَخُلُقِهِ -رَحِمَهُ اللهُ- رَحَلَ فِي
الحَدِيْثِ وَهُوَ شَيْخٌ، رَأَيْتُهُ وَقَدْ جَاءتْهُ
كُتُبٌ كَثِيْرَةٌ نَحْو المائَةِ، مِنْ أَهْلِ مِصْرَ
يَسْأَلُوْنَهُ الإِجَازَةَ، وَبَعْضُهُم يَسْأَلُ مِنْهُ
الرُّجُوعَ إِلَيْهِم.
سَأَلتُهُ عَنْ مولِدِهِ، فَأَبَى أَنْ يُخْبِرَنِي،
وَعِنْدَنَا تُوُفِّيَ بِالقَيْرَوَان: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: قَدْ أَلَّفَ هَذَا فِي الرَّدِّ عَلَى الإِمَامِ
الشَّافِعِيِّ كِتَاباً فِي عَشْرَةِ أَجْزَاءٍ، وَصَنَّفَ
كِتَابَ (فضَائِلِ مَالِكٍ).
__________
(1) الدبري، بفتح الدال والباء: نسبة إلى دبر: من قرى
صنعاء اليمن. (اللباب).
(2) كتاب: " الواضحة في السنن والفقه، وإعراب القرآن "
لمؤلفه: عبد الملك بن حبيب المالكي القرطبي المتوفى سنة
(239 ه).
(13/337)
تَفَقَّه بِهِ خَلْقٌ، مِنْهُم: سَعِيْدُ
بنُ فحلُوْنَ (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُطَيْسٍ.
وَقِيْلَ: يُكْنَى أَبَا عُمَر، نَقَلَهُ الحُمَيْدِيُّ
(2) .
وَمَغَامَةُ: قَرْيَةٌ مِنْ نَاحِيَةِ طُلَيْطِلَةَ.
وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: قِيْلَ مَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَثَمَانِيْنَ.
وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ
(3) .
156 - ابْنُ أُخْتِ غَزَالٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ
دَاوُدَ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ دَاوُدَ بنِ عَبْدِ اللهِ
البَغْدَادِيُّ، نَزِيْلُ مِصْرَ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ
أُخْتِ غَزَالٍ.
حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ دَاوُدَ الزَّنْبرِيِّ (4) ،
وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الحَرَّانِيِّ، وَأَحْمَدَ
بنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: أَبُوْ جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ
أَحْمَدَ الصَّيْقَلُ، وَغَيْرُهُمَا.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: كَانَ يَحْفَظُ
الحَدِيْثَ وَيَفْهَمُ، حَدَّثَ بِمِصْرَ، وَخَرَجَ إِلَى
قَرْيَةٍ مِنْ أَسْفَلِ بِلاَدِ مِصْرَ، فَتُوُفِّيَ
بِهَا: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، حَسَنَ الحَدِيْثِ (5) .
__________
(1) انظر ترجمته في: الديباج المذهب: 1 / 391.
(2) جذوة المقتبس: 373.
(3) المصدر السابق.
(*) تاريخ بغداد: 3 / 59 - 60، طبقات الحنابلة: 1 / 307 -
308، تاريخ ابن عساكر: خ: 15 / 362 ب - 363 أ، المنتظم: 5
/ 49، تذكرة الحفاظ: 2 / 659، طبقات الحفاظ: 286.
(4) تحرفت في المطبوع من " تاريخ بغداد " إلى " الديري ".
والزنبري، بفتح الزاي، وسكون النون، وفتح الباء: نسبة إلى
الجد. (اللباب)
(5) تاريخ بغداد: 3 / 59 - 60.
(13/338)
قُلْتُ: وَذَكَرَهُ الخَطِيْبُ فِي
(تَارِيْخِهِ)، وَسَاقَ لَهُ حَدِيْثاً غَرِيْباً (1) .
157 - إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ بنُ
إِسْحَاقَ الأَزْدِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ،
أَبُو إِسْحَاقَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ
إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ مُحَدِّثِ البَصْرَةِ؛ حَمَّادِ بنِ
زَيْدِ بنِ دِرْهَمٍ الأَزْدِيُّ، مَوْلاَهُمْ
البَصْرِيُّ، المَالِكِيُّ، قَاضِي بَغْدَادَ، وَصَاحِبُ
التَّصَانِيْفِ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ،
وَاعْتَنَى بِالعِلْمِ مِنَ الصِّغَرِ.
وَسَمِعَ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ
الأَنْصَارِيِّ، وَمُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ،
وَالقَعْنَبِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءٍ
الغُدَانِيِّ، وَحَجَّاجِ بنِ مِنْهَالٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ
بنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، وَعَارِمٍ،
وَيَحْيَى الحِمَّانِيِّ، وَمُسَدَّدِ بنِ مُسَرْهَدٍ،
وَأَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيِّ، وَقَالُوْنَ عِيْسَى،
وَتَلاَ عَلَيْهِ بِحَرْفِ نَافِعٍ.
وَأَخَذَ الفِقْهَ عَنْ أَحْمَدَ بنِ المُعَذَّلِ،
وَطَائِفَةٍ، وَصِنَاعَةِ الحَدِيْثِ عَنْ عَلِيِّ ابْنِ
المَدِيْنِيِّ، وَفَاقَ أَهْلَ عَصْرِهِ فِي الفِقْهِ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَابْنُ
صَاعِدٍ، وَالنَّجَّادُ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ،
وَأَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو بَكْرٍ
الشَّافِعِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ كَيْسَانَ،
وَأَبُو بَحْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ البَرْبَهَارِيُّ
(2) ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
__________
(1) انظره في تاريخ بغداد: 3 / 59.
(*) الجرح والتعديل: 2 / 158، الفهرست: المقالة السادسة:
الفن الأول: تاريخ بغداد: 6 / 284 - 290، طبقات الفقهاء:
164 - 165، المنتظم: 5 / 151 - 153، معجم الأدباء: 6 / 129
- 140، تذكرة الحفاظ: 2 / 625 - 626، عبر المؤلف: 2 / 67،
البداية والنهاية: 11 / 72، الديباج المذهب: 1 / 282 -
290، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 162، طبقات الحفاظ:
275، بغية الوعاة: 1 / 443، طبقات المفسرين: 1 / 105 -
107، شذرات الذهب: 2 / 178.
(2) البربهاري، بفتح الباء، وسكون الراء، وفتح الباء
الثانية، نسبة إلى بربهار: وهي الادوية التي تجلب من
الهند. (اللباب).
(13/339)
وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ، فِي كِتَابِ
(الكُنَى) عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى، عَنْهُ.
وَتَفَقَّهَ بِهِ مَالِكِيَّةُ العِرَاقِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ (1) : كَانَ عَالِماً
مُتْقِناً فَقِيْهاً، شَرَحَ المَذْهَبَ وَاحَتَجَّ لَهُ،
وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ) وَصَنَّفَ عُلُوْمَ القُرْآنِ،
وَجَمَعَ حَدِيْثَ أَيُّوْبَ، وَحَدِيْثَ مَالِكٍ.
ثمَّ صَنَّفَ (المُوَطَّأَ) وَأَلَّفَ كِتَاباً فِي
الرَّدِّ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ (2) ، يَكُوْنُ
نَحْوَ مائَتَي جُزْءٍ وَلَمْ يَكْمُلْ.
استَوْطَنَ بَغْدَادَ، وَوَلِي قَضَاءَهَا إِلَى أَنْ
تُوُفِّيَ.
وَتَقَدَّمَ حَتَّى صَارَ عَلَماً، وَنَشَرَ مَذْهَبَ
مَالِكٍ بِالعِرَاقِ.
وَلَهُ كِتَابُ (أَحْكَامِ القُرْآنِ)، لَمْ يُسْبَقْ
إِلَى مِثْلِهِ، وَكِتَابُ (مَعَانِي القُرْآنِ)،
وَكِتَابٌ فِي القِرَاءاتِ (3) .
قَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ: سَمِعْتُ المُبَرِّدَ يَقُوْلُ:
إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي أَعْلَمُ مِنِّي بِالتَّصْرِيْفِ
(4) .
وَعَنْ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي، قَالَ: أَتَيْتُ يَحْيَى
بنَ أَكْثَمَ، وَعِنْدَهُ قَوْمٌ يَتَنَاظَرُوْنَ،
فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ: قَدْ جَاءتِ المَدِيْنَةُ (5) .
قَالَ نِفْطَوَيْه: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ كَاتَبَ مُحَمَّدِ
بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ،
__________
(1) انظر: تاريخ بغداد: 6 / 284، وما فيه من زيادات.
(2) هو: تلميذ الامام أبي حنيفة.
(3) انظر: تاريخ بغداد: 6 / 285 - 286.
(4) المصدر السابق.
(5) تاريخ بغداد: 6 / 286.
(13/340)
فَحَدَّثَنِي أَنَّ مُحَمَّداً سَأَلَهُ
عَنْ حَدِيْثِ: (أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُوْنَ
مِنْ مُوْسَى (1)).
وَحَدِيْثِ: (مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ (2)).
فَقُلْتُ: الأَوَّلُ أَصَحُّ، وَالآخَرُ دُوْنَهُ.
قَالَ: فَقُلْتُ لإِسْمَاعِيْل: فِيْهِ طُرُقٌ، رَوَاهُ
البَصْرِيُّوْنَ وَالكُوْفِيُّوْنَ؟
فَقَالَ: نَعَمْ، وَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ
عَلِيٌّ مَوْلاَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ النَّدِيْمُ: إِسْمَاعِيْلُ
هُوَ أَوَّلُ مَنْ عَيَّنَ الشَّهَادَةَ بِبَغْدَادَ
لِقَوْمٍ، وَمَنَعَ غَيْرَهُم، وَقَالَ: قَدْ فَسَدَ
النَّاسُ.
قَالَ أَبُو سَهْلٍ القَطَّانُ: حَدَّثَنَا يُوْسُفُ
القَاضِي، قَالَ:
خَرَجَ تَوْقِيْعُ المُعْتَضِدِ إِلَى وَزِيْرِهِ:
اسْتَوْصِ بِالشَّيْخَيْنِ الخَيِّرَيْنِ الفَاضِلَيْنِ
خَيْراً؛ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِسْحَاقَ، وَمُوْسَى بنِ
إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُمَا مِمَّنْ إِذَا أَرَادَ اللهُ
بِأَهْلِ الأَرْضِ عَذَاباً، صُرِفَ عَنْهُم
بِدُعَائِهِمَا.
قُلْتُ: وَلِيَ قَضَاءَ بَغْدَادَ ثِنْتَينِ وَعِشْرِيْنَ
سَنَةً، وَوَلِي قَبْلَهَا قَضَاءَ الجَانِبِ
الشَّرْقِيِّ، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ وَافِرَ الحُرْمَةِ، ظَاهِرَ
الحِشْمَةِ، كَبِيرَ الشَّأْنِ، يَقَعُ حَدِيْثُهُ
عَالِياً فِي (الغَيْلاَنِيَّات).
تُوُفِّيَ فَجْأَةً: فِي شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ عَوْفٌ الكِنْدِيُّ: خَرَجَ عَلَيْنَا إِسْمَاعِيْلُ
القَاضِي لِصَلاَةِ العِشَاءِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةُ وَشْيٍ
يَمَانِيَّةٍ، تُسَاوِي مائَتَي دِيْنَارٍ.
__________
(1) وتمامه " غير أنه لا نبي بعدي " أخرجه من حديث سعد بن
أبي وقاص البخاري 8 / 86 في المغازي: باب غزوة تبوك، 7 /
59، 60 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب
مناقب علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، ومسلم (2404)
والترمذي (3731).
(2) صحيح أخرجه أحمد 4 / 281 وابن ماجه (116) من حديث
البراء، وأخرجه أحمد 5 / 347 و350 و358 من حديث بريدة،
وأخرجه الترمذي (3714) وأحمد 4 / 368 و370 عن زيد بن أرقم،
وأخرجه ابن ماجه (121) من حديث سعد بن أبي وقاص.
(13/341)
وَفِيْهَا مَاتَ: جَعْفَرُ بنُ أَبِي
عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ (1) ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي
أُسَامَةَ (2) ، وَخُمَّارَوَيْه صَاحِبُ مِصْرَ (3) ،
وَالفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ (4) ،
وَمُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ الأَزْرَقُ (5) ، وَمُحَمَّدُ
بنُ القَاسِمِ أَبُو العَيْنَاءِ (6) ، وَمُحَمَّدُ بنُ
مَسْلَمَةَ الوَاسِطِيُّ (7) ، وَيَحْيَى بنُ عُثْمَانَ
بنِ صَالِحٍ (8) .
158 - الخُتُّلِيُّ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ خَازِمٍ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، مُصَنِّفُ كِتَابِ
(الدِّيْبَاجِ)- الَّذِي يَرْوِيْهِ أَبُو القَاسِمِ -
إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ خَازِمِ
بنِ سُنَيْنٍ الخُتُّلِي، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْ: عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، وَأَبِي نَصْرٍ
التَّمَّارِ، وَكَامِلِ بنِ طَلْحَةَ، وَدَاوُدَ بنِ
عُمَرَ الضَّبِّيِّ، وَهِشَامِ بنِ عَمَّارٍ،
وَطَبَقَتِهِم بِالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَالجَزِيْرَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو
الرَّزَّازُ، وَأَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو عَمْرٍو
بنُ السَّمَّاكِ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ،
وَغَيْرُهُم.
__________
(1) ستأتي ترجمته في الصفحة: (346)، برقم: (162)
(2) انظر ترجمته في: المنتظم: 2 / 155، تذكرة الحفاظ: 2 /
619 - 620، عبر المؤلف: 2 / 68، شذرات الذهب: 2 / 178.
(3) ستأتي ترجمته في الصفحة: (446)، برقم: (220)
(4) تقدمت ترجمته في الصفحة: (317)، برقم: (147)
(5) ستأتي ترجمته في الصفحة: (394)، برقم: (190)
(6) تقدمت ترجمته في الصفحة: (308)، برقم: (142)
(7) ستأتي ترجمته في الصفحة: (395)، برقم: (191)
(8) ستأتي ترجمته في الصفحة: (354)، برقم: (171) تاريخ ابن
عساكر: خ: 2 / 357 أ - ب، المنتظم: 5 / 163، الوافي
بالوفيات: 8 / 386، لسان الميزان: 1 / 348، تهذيب بدران: 2
/ 411.
(13/342)
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ
بِالقَوِيِّ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ بَلَغَ الثَّمَانِيْنَ.
وَفِي كِتَابِهِ (الدِّيْبَاج) أَشْيَاءُ مُنْكَرَةٌ.
قَالَ الحَاكِمُ: ضَعِيْفٌ.
وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
159 - الجَبُّلِيُّ أَبُو القَاسِمِ إِسْحَاقُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ *
الحَافِظُ، أَبُو القَاسِمِ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
بنِ الجَبُّلِيِّ.
وَجَبُّل: بُلَيْدَةٌ مِنْ سَوَادِ العِرَاقِ.
سَمِعَ: مَنْصُوْرَ بنَ أَبِي مُزَاحِمٍ، وَطَبَقَتَهُ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ.
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ يُذْكَرُ بِالفَهْمِ وَيُوْصَفُ
بِالحِفْظِ، وَلَمْ يُحَدِّثْ إِلاَّ بِشَيْءٍ يَسِيْرٍ
(1) .
وَقَالَ ابْنُ المُنَادِي: كَانَ فِي أَكْثَرِ عُمُرِهِ
بِالجَانِبِ الشَّرْقِيِّ (2) ، وَكَانَ بِوَجْهِهِ
وَبَدَنِهِ وَضَحٌ، وَكَانَ يُفْتِي بِالحَدِيْثِ،
وَيُذَاكِرُ وَلاَ يُحَدِّثُ.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ إِحْدَى
وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ، عَنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً (3) .
__________
(*) تاريخ بغداد: 6 / 378، طبقات الحنابلة: 1 / 110،
المنتظم: 5 / 148، الوافي بالوفيات: 8 / 395، البداية
والنهاية: 11 / 71.
(1) تاريخ بغداد: 6 / 378. والزيادة منه.
(2) جاء في " تاريخ بغداد " زيادة هنا: " ثم انتقل إلى
بركة زلزل من الجانب الغربي، وكان بوجهه ويديه وذراعيه
وضح..." والوضح: الضوء، والبياض، وقد يكنى به عن البرص.
وهو المقصود هنا.
(3) تاريخ بغداد: 6 / 378.
(13/343)
قُلْتُ: ذَكَرْتُهُ لِلتَّمْيِيْزِ،
وَلأَنَّهُ مِنْ أَئِمَّةِ الأَثَرِ، وَسَأَكْشِفُ إِنْ
كَانَ وَقَعَ لَنَا مِنْ رِوَايَتِهِ مِنْ جِهَةِ أَبِي
سَهْلٍ القَطَّانِ - إِنْ شَاءَ اللهُ -.
160 - إِسْمَاعِيْلُ بنُ قُتَيْبَةَ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، المُحَدِّثُ، الحُجَّةُ، أَبُو
يَعْقُوْبَ السُّلَمِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ.
سَمِعَ: يَحْيَى بنَ يَحْيَى، وَسَعْدَ بنَ يَزِيْدَ
الفَرَّاءَ، وَيَزِيْدَ بنَ صَالِحٍ الفَرَّاءَ، وَيَحْيَى
الحِمَّانِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَعَبْدَ اللهِ
بنَ مُحَمَّدٍ المُسْنَدِيَّ (1) ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ
أَبِي شَيْبَةَ، وَالقَوَارِيْرِيَّ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ
خُزَيْمَةَ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ، وَأَبُو
العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ
هَانِئ، وَأَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الصِّبْغِيُّ، وَخَلْقٌ
كَثِيْرٌ.
قَالَ الحَاكِمُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ قُتَيْبَةَ
البُشْتَنِقَانِيُّ، وَهِيَ: قَرْيَةٌ عَلَى نِصْفِ
فَرْسَخٍ مِنَ البَلَدِ.
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ إِسْحَاقَ يَقُوْلُ: أَوَّلُ
مَنْ اختَلَفْتُ إِلَيْهِ فِي سَمَاعِ الحَدِيْثِ
إِسْمَاعِيْلَ بنِ قُتَيْبَةَ، وَذَلِكَ سَنَةَ
ثَمَانِيْنَ، وَكَانَ الإِنسَانُ إِذَا رَآهُ يَذْكُرُ
السَّلَفَ، لِسَمْتِهِ وَزُهْدِهِ وَوَرَعِهِ.
كُنَّا نَخْتَلِفُ إِلَى بُشْتَنِقَان، فَيَخْرُجُ،
فَيَقْعُدُ عَلَى حَصْبَاءِ النَّهرِ، وَالكتَابُ
بِيَدِهِ، فيُحَدِّثنَا وَهُوَ يَبْكِي.
وَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَحْيَى، يَقُوْلُ:
رَحِمَ اللهُ أَبَا زَكَرِيَّا.
قَالَ الحَاكِمُ: قَرأَ إِسْمَاعِيْل عَلَى ابْنِ أَبِي
شَيْبَةَ المُصَنَّفَاتِ كُلِّهَا وَهِيَ
__________
(*) طبقات الحنابلة: 1 / 106 - 107، معجم البلدان: "
بشتنقان "
(1) المسندي، بضم الميم، وسكون السين، وفتح النون: نسبة
إلى المسند من الحديث دون المنقطع والمرسل. (اللباب).
(13/344)
أَجلُّ رِوَايَةٍ عِنْدنَا لابْنِ أَبِي
شَيْبَةَ.
قَالَ ابْنُ هَانِئ: تُوُفِّيَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: فِي
رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ،
وَشَهِدْتُ جِنَازَتهُ.
قُلْتُ: لَعَلَّهُ جَاوَزَ الثَّمَانِيْنَ، وَكَانَ مِنْ
حَمَلَةِ الحُجَّةِ، وَمن سَالكِي المَحَجَّةِ -رَحِمَهُ
اللهُ-.
161 - مِقْدَامُ بنُ دَاوُدَ بنِ عِيْسَى بنِ تَلِيْدٍ
الرُّعَيْنِيُّ المِصْرِيُّ *
الفَقِيْهُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَمْرٍو
الرُّعَيْنِيُّ المِصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَمِّه عِيْسَى بن تَلِيْدٍ، وَأَسَدِ بنِ
مُوْسَى، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُغِيْرَةِ،
وَخَالِدِ بنِ نزَارٍ الأَيْلِيِّ، وَيَحْيَى بنِ
بُكَيْرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بن يُوْسُفَ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ،
وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عُتْبَةَ الرَّازِيُّ،
وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ بنِ أَبِي الأَصْبَغِ، وَأَبُو القَاسِمِ
الطَّبَرَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ النَّسَائِيُّ فِي (الكُنَى): لَيْسَ بِثِقَةٍ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ
الكِنْدِيُّ: كَانَ فَقِيْهاً مُفْتِياً، لَمْ يَكُنْ
بِالمَحْمُودِ فِي الرِّوَايَةِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيْفٌ.
__________
(*) الجرح والتعديل: 8 / 303، ميزان الاعتدال: 4 / 175 -
176، لسان الميزان: 6 / 84 - 85.
(13/345)
وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: تكلَّمُوا فِيْهِ.
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مِنْ كِبَارِ المَالِكِيَّةِ.
حَدَّث أَبُو العَبَّاسِ بنُ دِلْهَاثٍ العُذْرِيُّ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ نُوْحٍ الأَصْبَهَانِيُّ
بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا
المِقْدَامُ بنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
يُوْسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
مَرْفُوْعاً:
(طَعَامُ البَخِيْلِ دَاءٌ، وَطَعَامُ السَّخِيِّ شِفَاءٌ
(1)).
فهَذَا بَاطِلٌ، مَا حَدَّثَ بِهِ ابْن يُوْسُفَ أَبداً.
162 - جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ
الطَّيَالِسِيُّ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، أَبُو الفَضْلِ
الطَّيَالِسِيُّ البَغْدَادِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ.
سَمِعَ: عَفَّانَ بنَ مُسْلِمٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ،
وَمُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَمُحَمَّدَ بنَ الفَضْلِ
عَارِماً، وَإِسْحَاقَ بنَ مُحَمَّدٍ الفَرْوِيَّ،
وَيَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَخلقاً كَثِيْراً.
__________
(1) أورده السخاوي في " المقاصد الحسنة " ص 272، وقال:
رواه الدارقطني في " غرائب مالك " والخطيب في " المؤتلف "
والديلمي في " مسنده " من جهة الحاكم، وأبو علي الصدفي في
" عواليه " وابن عدي في " كامله " من طريق أحمد بن محمد بن
شعيب السجزي، عن محمد بن معمر البحراني، عن روح بن عبادة،
عن الثوري، عن مالك عن نافع، عن ابن عمر...قال شيخنا (يعني
الحافظ ابن حجر): وهو حديث منكر، وقال الذهبي: كذب، وقال
ابن عدي: إنه باطل عن مالك، فيه مجاهيل وضعفاء ولا يثبت.
(*) تاريخ بغداد: 7 / 188 - 189، طبقات الحنابلة: 1 / 123
- 124، المنتظم: 5 / 154، تذكرة الحفاظ: 2 / 626، عبر
المؤلف: 2 / 67 - 68، طبقات الحفاظ: 275 - 276، شذرات
الذهب: 2 / 178.
(13/346)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ صَاعِدٍ،
وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ،
وَمُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ بنِ نَجِيْحٍ، وَأَبُو سَهْلٍ
بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً ثَبْتاً،
صَعْبَ الأَخْذِ، حَسَنَ الحِفْظِ (1) .
وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: كَانَ
مَشْهُوراً بِالإَتقَانِ وَالحِفْظِ وَالصِّدْقِ.
قَالَ: وَتُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي عَشرِ التِّسْعِيْنَ.
163 - أَبُو المُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو
الفَزَارِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، مُحَدِّثُ مَرْوٍ، أَبُو
المُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو الفَزَارِيُّ،
المَرْوَزِيُّ، اللُّغَوِيُّ، الحَافِظُ.
سَمِعَ: عَبْدَانَ بنَ عُثْمَانَ، وَعَلِيَّ بنَ الجَعْدِ،
وَسَعْدَوَيْهِ الوَاسِطِيِّ، وَسَعِيْدَ بنَ مَنْصُوْرٍ،
وَصَدَقَةَ بنَ الفَضْلِ، وَسَعِيْدَ بنَ هُبَيْرَةَ،
وَأَمثَالَهُم.
وَعَنْهُ: الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَلِيمٍ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ
الحَبِيْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي نَصْرٍ
المَرْوَزِيَّانِ، وَعِدَّةٌ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
قَالَ ابْنُ الصَّلاَحِ: قَيَّدَهُ بكسرِ الجِيمِ أَبُو
سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ بخطِّهِ فِي
__________
(1) تاريخ بغداد: 7 / 188.
(*) الجرح والتعديل: 8 / 35، تذكرة الحفاظ: 2 / 615 - 616،
الوافي بالوفيات: 4 / 290، طبقات الحفاظ: 270.
(13/347)
موَاضعَ، وَهُوَ بَلَدِيُّهْ، وَيُقَالُ:
بِالفَتْحِ.
قَالَ: وَهُوَ مُحَدِّثٌ كَبِيْرٌ، أَدِيْبٌ، كَثِيْرُ
الحَدِيْثِ، صَنَّفَ السُّنَنَ وَالأَحكَامَ -رَحِمَهُ
اللهُ-.
164 - عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَرْزُبَانِ
بنِ سَابُوْرَ البَغَوِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو الحَسَنِ
البَغَوِيُّ، نَزِيْلُ مَكَّةَ.
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا نُعَيْمٍ، وَعَفَّانَ، وَالقَعْنَبِيَّ،
وَمُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَمُوْسَى بنَ
إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبَا عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدَ بنَ
يُوْنُسَ، وَعَلِيَّ بنَ الجَعْدِ، وَعَاصِمَ بنَ عَلِيٍّ،
وَطَبَقَتهُم.
وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ) الكَبِيْرَ، وَأَخَذَ
القرَاءاتِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، وَغَيْرِهِ.
سَمِعَ مِنْهُ الحُرُوْفَ: أَحْمَدُ بنُ التَّائِبِ،
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَبُو سَعِيْدٍ
بنُ الأَعْرَابِيِّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بنُ فِرَاسٍ،
وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ رِفَاعَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ
خَالِدِ بنِ الجَبَّابِ.
وحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
مَهْرَوَيْهِ القَزْوِيْنِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ
الرَّفَّاءُ، وَعَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ
النَّسَفِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ؛ عَلِيُّ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَلَمَةَ القَطَّانُ، وَأَبُو القَاسِمِ
الطَّبَرَانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ الرَّحَّالَةِ
وَالوفدِ.
__________
(*) الجرح والتعديل: 6 / 196، معجم الأدباء: 14 / 11 - 14،
تذكرة الحفاظ: 2 / 622 - 623، ميزان الاعتدال: 3 / 143،
عبر المؤلف: 2 / 77، لسان الميزان: 4 / 241، شذرات الذهب:
2 / 193.
(13/348)
وَكَانَ حَسَنَ الحَدِيْثِ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبَ إِلَيْنَا بِحَدِيْثِ
أَبِي عُبَيْدٍ، وَكَانَ صَدُوْقاً (1) .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ السُّنِّيُّ: سَمِعْتُ
النَّسَائِيَّ يُسْأَلُ عَنْ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ، فَقَالَ: قَبَّحَهُ اللهُ، ثَلاَثاً.
فَقِيْلَ: أَترُوِي عَنْهُ؟
قَالَ: لاَ.
فَقِيْلَ: أَكَانَ كَذَّاباً؟
قَالَ: لاَ، وَلَكِنَّ قَوْماً اجتَمعُوا ليَقْرَؤُوا
عَلَيْهِ شَياً، وَبَرُّوْهُ بِمَا سَهُلَ، وَكَانَ فِيهِم
إِنْسَانٌ غَرِيْبٌ فَقيرٌ لَمْ يَكُنْ فِي جُمْلَةِ مَنْ
بَرَّهُ، فَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَ بحضرتِهِ، فَذَكَرَ
الغَرِيْبُ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلاَّ قَصْعَةٌ،
فَأَمرَهُ بإِحْضَارِهَا، وَحَدَّثَ (2) .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ السُّنِّي: بَلَغَنِي أَنَّهُم عَابوهُ
عَلَى الأَخذِ.
فَقَالَ: يَاقَومُ: إِنَّا قَوْمٌ بَيْنَ الأَخْشَبَيْن
(3) ، إِذَا خَرَجَ الحَاجُّ نَادَى أَبُو قُبَيْسٍ
قُعَيْقِعَانَ يَقُوْلُ: مَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُوْلُ: بَقِيَ
المجَاوِرُوْنَ.
فَيَقُوْلُ: أَطْبِقْ (4) .
مَاتَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ سبعٍ.
165 - الكِشْوَرِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدٍ *
المُحَدِّثُ، العَالِمُ، المصَنِّفُ، أَبُو مُحَمَّدٍ،
عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَيُقَالُ
__________
(1) الجرح والتعديل: 6 / 196.
(2) معجم الأدباء: 14 / 12 - 13، والزيادة منه.
(3) الاخشبان: جبلا مكة، أبو قبيس والاحمر، والاحمر اسمه:
قعيقعان.
(4) انظر: معجم الأدباء: 14 / 13.
(*) الأنساب: 10 / 439، اللباب: 3 / 100.
والكشوري، بكسر الكاف، وسكون الشين، وفتح الواو: نسبة إلى
كشور: من قرى صنعاء اليمن. ويقال بفتح كافها.
(13/349)
لَهُ: عُبيد الكِشْوَرِيُّ
الصَّنْعَانِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي غَسَّانَ، وَبَكْرِ
بنِ الشَّرودِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ السِّمْسَارِ،
وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ صُبَيْحٍ، وَلَمْ يَلحَقْ عَبْدَ
الرَّزَّاقِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: خَيْثَمَةُ الأَطرَابُلُسِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَسْعُوْدٍ البَذَشِيُّ (1)
، وَأَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ الجَمَّالُ، وَآخَرُوْنَ مِنَ
الرَّحَّالينَ.
وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: تَارِيْخُ اليَمَنِ، وَقَدْ
جَمَعَهُ.
قَالَ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ: هُوَ عَالِمٌ حَافظٌ،
لَهُ مُصَنَّفَاتٌ.
مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ مَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
166 - ابْنُ رَزِيْنٍ العَلاَءُ بنُ أَيُّوْبَ
المَوْصِلِيُّ
العَلاَءُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ رَزِيْنٍ الإِمَامُ،
المُجَوِّدُ، الحَافِظُ، أَبُو الفَضْلِ المَوْصِلِيُّ،
صَاحِبُ (المُسْنَدِ)، وَ(السُّنَنِ)، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ،
وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ أَبِي خِدَاشٍ،
وَيَعْقُوْبَ الدَّوْرَقِيِّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجِّ،
وَخَلْقٍ.
وَكَانَ عَابِداً خَاشِعاً مُخْبِتاً (2) ، مِنْ أَحسنِ
النَّاسِ صَوتاً بِالقُرْآنِ.
قَالهُ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ، وَحَدَّثَ
عَنْهُ.
__________
(1) البذشي، بفتح الباء والذال: نسبة إلى بذش: قرية قرب
بسطام. (اللباب).
(2) الخبت: الخشوع والتواضع.
يقال: أخبت لله: خشع، وتواضع، واخبت إلى ربه، أيضا: اطمأن
إليه. وفي التنزيل الحكيم، قال تعالى: (وبشر المخبتين) [
الحج: 34 ]. قيل: هم المطمئنون، أو المتواضعون.
(13/350)
167 - البَوْسِيُّ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ
الأَعْلَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ *
المُسْنِدُ، المُعَمَّرُ، أَبُو مُحَمَّدٍ، الحَسَنُ بنُ
عَبْدِ الأَعْلَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ
الأَبْناوِيُّ (1) اليَمنِيُّ الصَّنْعَانِيُّ
البَوْسِيُّ، صَاحِبُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، سَمِعَ مِنْهُ
نَحْوَ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً، قَالَه الخَلِيْلِيُّ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ سَلَمَةَ القَطَّانِ، عَنْهُ:
وَلدْتُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعْتُ مِنْ: عَبْدِ الرَّزَّاقِ سَنَةَ عَشْرٍ
وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَوَانَةَ فِي (صَحِيْحِهِ)،
وَأَحْمَدُ بنُ شُعَيْبٍ الأَنْطَاكِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ
مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الجَمَّالُ نَزِيْلُ بُخَارَى،
وَحفيدُهُ عَبْدُ الأَعْلَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنٍ
البَوْسِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ سَلمَةَ، وَأَبُو
القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَعِدَّةٌ.
وَمَا عَلمتُ بِهِ بَأْساً.
وَالبَوْسِيُّ: بباءٍ مفتوحَةٍ وَسينٍ مُهْمَلَةٍ.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ مَنْدَةَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ
سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
168 - ابْنُ بَرَّةَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
بَرَّةَ الصَّنْعَانِيُّ
سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
وَهُوَ أَحَدُ الشُّيُوْخِ الأَرْبَعَةِ الَّذِيْنَ
لَقِيَهُمُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ.
تُوُفِّيَ أَيْضاً: فِي سَنَةِ سِتٍّ (2)، بِاليَمَنِ.
__________
(1) الابناوي: نسبة إلى الابناء وهم قوم يكونون باليمن من
ولد الفرس. (الأنساب 1 / 122).
(*) الأنساب: 1 / 123، و: 2 / 332، معجم البلدان: " بوس "،
اللباب 1 / 187 (2) أي في سنة ست وثمانين ومئتين.
(13/351)
169 - الشِّبَامِيُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سُوَيْدٍ
وَشِبَامُ: عَلَى مَرْحلَةٍ مِنْ صَنْعَاءَ.
أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
اللهِ بنِ سُوَيْدٍ الشِّبَامِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ أَيْضاً.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الجَمَّالُ،
وَالطَّبَرَانِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
170 - بِشْرُ بنُ مُوْسَى بنِ صَالِح بنِ شَيْخِ بنِ
عَمِيْرَةَ الأَسَدِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، المُعَمَّرُ، أَبُو
عَلِيٍّ الأَسَدِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ حَدِيْثاً وَاحِداً.
وَمِنْ: حَفْصِ بنِ عُمَرَ العَدَنِيِّ، وَالأَصْمَعِيِّ،
وَهَوْذَةَ بنِ خَلِيْفَةَ، وَالحَسَنِ بنِ مُوْسَى
الأَشْيَبِ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ،
وَعَمْرِو بنِ حَكَّامٍ، وَعَبْدِ الصَّمَدِ بنِ حَسَّانٍ،
وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَيَحْيَى بنِ إِسْحَاقَ
السَّيْلَحِيْنِيِّ (1) ، وَسَعِيْدِ بنِ مَنْصُوْرٍ،
وَالحُمَيْدِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
__________
(*) الجرح والتعديل: 2 / 367، تاريخ بغداد: 7 / 86 - 88،
طبقات الحنابلة: 1 / 121 - 221، المنتظم: 6 / 28، تذكرة
الحفاظ: 2 / 611 - 612، عبر المؤلف: 2 / 80 - 81، البداية
والنهاية: 11 / 85، طبقات الحفاظ: 270 - 271، شذرات الذهب:
2 / 196.
(1) السيلحيني، بفتح السين، وسكون الياء، وفتح اللام، وكسر
الحاء، وسكون الباء الثانية: نسبة إلى سيلحين: قرية قديمة
من سواد العراق. (اللباب).
(13/352)
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ
الصَّفَّارُ، وَابْنُ نَجِيْحٍ، وَأَبُو عُمَرَ
الزَّاهِدُ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الصَّوَّافِ، وَأَبُو
بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ،
وَأَبُو بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، وَخَلاَئِقُ.
وَهُوَ مِنْ بَيْتِ حِشْمَةٍ وَأَصَالَةٍ.
قَالَ الخَطِيْبُ: كَان ثِقَةً، أَمِيْناً، عَاقِلاً،
رَكِيْناً (1) .
قَالَ ابْنُ المُقْرِئِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
الحُسَيْنِ بنِ أَبِي خُبْزَةَ، سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ
مُوْسَى يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا هِشَامُ
بنُ عُرْوَةَ، فَلَمْ أَحْفَظ عَنْهُ غَيْرَ هَذَا (2) .
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبِيُّ (3) : سَمِعْتُ بِشْرَ
بنَ مُوْسَى يَقُوْلُ:
ذهب بِي خَالِي حَيَّانُ بنُ بِشْرٍ الأَسَدِيُّ إِلَى
يَحْيَى بنِ آدَمَ، وَصَلَّيْتُ خلفَ أَبِي عَمْرٍو
الشَّيْبَانِيِّ النَّحْوِيِّ، فَقَرَأَ سُوْرَةَ
السَّجْدَةِ، فَسَجَدَ (4) .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ الفَقِيْهُ: كَانَ أَحْمَدُ
بنُ حَنْبَلٍ يُكرمُ بِشْرَ بنَ مُوْسَى، وَكَتَبَ لَهُ
إِلَى الحُمَيْدِيِّ إِلَى مَكَّةَ (5) .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبِيُّ: مَاتَ لأَربعٍ بَقِيْنَ
مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
__________
(1) تاريخ بغداد: 7 / 86.
(2) المصدر السابق: 7 / 87.
(3) الخطبي، بضم الخاء، وفتح الطاء: نسبة إلى الخطب
وانشائها. (اللباب).
(4) تاريخ بغداد: 7 / 87.
(5) انظر المصدر السابق.
(13/353)
قُلْتُ: عمِّرَ ثَمَانِياً وَتِسْعِيْنَ
سَنَةً، وَفِي (القطيعيَاتِ) وَ(الغَيْلاَنِيَّاتِ)
جُمْلَةٌ مِنْ عَوَالِيْهِ.
وَفِيْهَا تُوُفِّي: إِسْحَاقُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ
الرَّمْلِيُّ بِأَصْبَهَانَ (1) ، وَجَعْفَرُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ سَوَّارٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ (2) ،
وَمُعَاذُ بنُ المُثَنَّى العَنْبَرِيُّ (3) ، وَعُثْمَانُ
بنُ سَعِيْدِ بنِ بَشَّارٍ (4) ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ.
171 - يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ بنِ صَالِحِ بنِ صَفْوَانَ
السَّهْمِيُّ * (ق) (5)
العَلاَّمَةُ، الحَافِظ، الأَخْبَارِيُّ، أَبُو زَكَرِيَّا
السَّهْمِيُّ المِصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ؛ عُثْمَانَ بنَ صَالِحٍ،
وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ
صَالِحٍ، وَنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَأَصْبَغ بنِ
الفَرَجِ، وَالنَّضْرِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ، وَإِسْحَاقِ
بنِ بَكْرِ بنِ مُضَرَ، وَطَبَقَتِهِم مِنْ أَصْحَابِ
اللَّيْثِ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَعَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ
خَلَفٍ النَّسفِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَمْزَةَ الجمَّالُ،
وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ الوَاعِظُ،
وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ كَامِلٍ، وَعَلِيُّ بنُ
حَسَنِ بنِ قُدَيْدٍ، وَأَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ،
وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
__________
(1) ترجمته في: ذكر أخبار أصبهان: 1 / 217.
(2) ستأتي ترجمته في الصفحة: (574)، برقم: (298)
(3) ستأتي ترجمته في الصفحة: (527) برقم: (259)
(4) ستأتي ترجمته في الصفحة: (429)، برقم: (214).
(*) الجرح والتعديل: 9 / 175، المنتظم: 5 / 161، تهذيب
الكمال: خ: 1511، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 162، ميزان
الاعتدال: 4 / 396، تهذيب التهذيب: 11 / 257، خلاصة تذهيب
الكمال: 426.
(5) زيادة من " تهذيب التهذيب ".
(13/354)
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: كَانَ عَالِماً
بِأَخْبَارِ مِصْرَ، وَبموتِ العُلَمَاءِ، حَافِظاً
لِلْحَدِيْثِ، وَحَدَّثَ بِمَا لَمْ يَكُنْ يُوجدُ عِنْدَ
غَيْرِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَتَبَ
عَنهُ أَبِي، وَتكلَّمُوا فِيْهِ (1) .
قُلْتُ: هَذَا جَرْحٌ غَيْرُ مُفَسَّرٍ، فَلاَ يُطَّرَحُ
بِهِ مِثْلُ هَذَا العَالِمِ.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
172 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَصْرِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ
الرَّازِيُّ *
الحَافِظُ، الإِمَامُ، المُجَوِّدُ، أَبُو إِسْحَاقَ
الرَّازِيُّ، مُحَدِّثُ نُهَاوَندَ.
يَرْوِي عَنْ: أَبِي نُعَيْمٍ، وَعَمْرِو بنِ مَرْزُوْقٍ،
وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءٍ، وَحَجَّاجِ بنِ مِنهَالٍ،
وَأَبِي الوَلِيْدِ، وَأَبِي حُذَيْفَةَ،
وَالتَّبُوْذَكِيِّ، وَخَلْقٍ.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ بنِ أَوسٍ، وَالقَاسِمُ
بنُ أَبِي صَالِحٍ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنِ حَمْدَانَ.
قَالَ جَعْفَرُ بنُ أَحْمَد: سَأَلتُ أَبَا حَاتِمٍ عَنْ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَصْرٍ، فَقَالَ: كَانَ مَعَنَا عِنْدَ
أَبِي سَلَمَةَ بِالبَصْرَةِ، وَكَانَ يُورِقُ.
وَقِيْلَ: إِنَّ إِبْرَاهِيْمَ بنَ نَصْرٍ، لطولِ
مُقَامِهِ بِالبَصْرَةِ، فتحَ بِهَا دُكَّاناً، وَقَدْ
صَنَّفَ (المُسْنَدَ) وَقَدِمَ هَمْدَانَ وَحَدَّثَ بِهَا،
وَكَانَ كَبِيرَ الشَّأْنِ، عَالِي الإِسْنَادِ.
تُوُفِّيَ فِي حُدُوْدِ الثَّمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
__________
(1) الجرح والتعديل: 9 / 175. والزيادة منه.
(*) طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 28.
(13/355)
قَالَ الخَلِيْلِيُّ: (مُسْنَدُهُ) نَيِّفٌ
وثَلاَثُوْنَ جُزءاً، وَهُوَ صَدُوْقٌ.
سَمِعَ مِنْهُ: أَبُو الحَسَنِ القَطَّانُ، وَعَلِيُّ بنُ
مَهْرَوَيْهِ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَزِيْدِ الفَامِيُّ،
وَجَدِّي أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَغَيْرهُم.
173 - إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ بنُ
إِسْحَاقَ البَغْدَادِيُّ *
هُوَ: الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ،
شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ
إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ بَشِيْرٍ (1)
البَغْدَادِيُّ، الحَرْبِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمئَةٍ.
وطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ حَدَثٌ.
فسَمِعَ مِنْ: هَوْذَةَ بنِ خَلِيْفَةَ؛ وَهُوَ أَكْبَرُ
شَيْخٍ لَقِيَهُ، وَعَفَّانَ بنِ مُسْلِمٍ، وَأَبِي
نُعَيْمٍ، وَعَمْرِو بنِ مَرْزُوْقٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ
صَالِحٍ العِجْلِيِّ، وَأَبِي عُمَرَ الحَوْضيِّ، وَعُمَرَ
بنِ حَفْصٍ، وَعَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ، وَمُسَدَّدِ بنِ
مُسَرْهَدٍ، وَمُوْسَى بنِ إِسْمَاعِيْلَ المِنْقَرِيِّ،
وَشُعَيْبِ بنِ مُحْرِزٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ القَاسِمِ بنِ
سَلاَّمٍ، وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَأَحْمَدَ بنِ
شَبِيْبٍ، وَابْنِ نُمَيْرٍ، وَالحَكَمِ بنِ مُوْسَى،
وَأَبِي مَعْمَرٍ المُقْعَدِ، وَأَبِي الوَلِيْدِ
الطَّيَالِسِيِّ،
__________
(*) الفهرست: المقالة السادسة: الفن السادس، تاريخ بغداد:
6 / 28 - 40، طبقات الفقهاء: 171، طبقات الحنابلة: 1 / 86
- 93، المنتظم: 6 / 3 - 7، معجم الأدباء: 1 / 112 - 129،
اللباب: 1 / 355، إنباه الرواة: 1 / 155 - 158، تذكرة
الحفاظ: 2 / 584 - 586، عبر المؤلف: 2 / 74، فوات الوفيات:
1 / 14 - 17، الوافي بالوفيات: 5 / 320 - 324، طبقات
السبكي: 2 / 256 - 257، البداية والنهاية: 11 / 79، البلغة
في تاريخ أئمة اللغة: 4 - 5، طبقات الحفاظ: 259، بغية
الوعاة: 1 / 418، طبقات المفسرين: 1 / 5، شذرات الذهب: 2 /
190.
والحربي، بفتح الحاء، وسكون الراء: نسبة إلى محلة غربي
بغداد، بها جامع وسوق. (اللباب)
(1) في: طبقات الحنابلة: 1 / 86: " بشر ".
(13/356)
وَسُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، وَسُرَيْجِ بنِ
النُّعْمَانِ، وَعَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، وَمُحَمَّدِ بنِ
الصَّبَّاحِ، وَخَلَفِ بنِ هِشَامٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ
أَبِي شَيْبَةَ، وَبُنْدَار، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: أَبُو مُحَمَّدٍ
بنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ السَّمَّاكِ، وَأَبُو
بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ،
وَعُمَرُ بنُ جَعْفَرٍ الخُتُّلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ
أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ القَطِيْعِيُّ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ العَبَّاسِ؛ وَالِدُ المُخَلِّصِ،
وَسُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ الجَلاَّبُ، وَمُحَمَّدُ بنُ
مَخْلَدٍ العَطَّارُ، وَجَعْفَرٌ الخُلْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ
بنُ جَعْفَرٍ الأَنْبَارِيُّ، وَأَبُو بَحْرٍ مُحَمَّدُ
بنُ الحَسَنِ البَرْبَهَارِي، وَأَمثَالُهُم.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ إِمَاماً فِي
العِلْمِ، رَأْساً فِي الزُّهْدِ، عَارِفاً بِالفِقْهِ،
بَصِيْراً بِالأَحْكَامِ، حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ،
مُمَيِّزاً لِعِلَلِهِ، قَيِّماً بِالأَدَبِ، جَمَّاعَةً
لِلُغَةِ، صَنَّفَ (غَرِيْبَ الحَدِيْثِ)، وَكُتُباً
كَثِيْرَةً، وَأَصْلُهُ مِنْ مَرْو (1) .
رَوَى المُخَلِّصُ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ
إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي يَشْتَهِي أَنْ يَلْتَقِي
إِبْرَاهِيْمَ، فَالتَقَيَا يَوْماً، وَتَذَاكَرَا،
فَلَمَّا افتَرَقَا، سُئِلَ إِبْرَاهِيْمُ عَنْ
إِسْمَاعِيْلَ.
فَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ: جَبَلٌ نُفِخَ فِيْهِ الرُّوْح.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ
إِبْرَاهِيْمَ.
قُلْتُ: إِسْمَاعِيْلُ هُوَ ابْن إِسْحَاقَ القَاضِي،
عَالِمُ العِرَاقِ.
ويُروِى أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الحَرْبِيَّ لَمَّا دَخَلَ
عَلَى إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي، بَادَرَ أَبُو عُمَرَ
مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ القَاضِي إِلَى نَعْلِهِ،
فَأَخَذَهَا، فَمَسَحَهَا مِنَ الغُبَارِ، فَدَعَا لَهُ،
وَقَالَ: أَعَزَّكَ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة،
فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو عُمَرَ، رُؤي فِي
__________
(1) تاريخ بغداد: 6 / 28.
(13/357)
النَّوْمِ، فَقِيْلَ: مَا فَعَلَ اللهُ
بِكَ؟
قَالَ: أَعَزَنِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة بِدَعْوَةِ
الرَّجُلِ الصَّالِحِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ: سَمِعْتُ
إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ يَقُوْلُ: لاَ أَعِلْم
عِصَابَةً خَيْراً مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، إِنَّمَا
يَغْدُو أَحَدُهُم، وَمَعَهُ مِحْبَرَةً، فَيَقُوْلُ:
كَيْفَ فَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَكَيْفَ صَلَّى، إِيَّاكُم أَنْ تَجْلِسُوا
إِلَى أَهْلِ البِدَعِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَقبَلَ
بَبِدْعَةٍ لَيْسَ يُفْلِح.
وَقَالَ أَبُو أَيُّوْبَ الجَلاَّبُ سُلَيْمَانُ بنُ
إِسْحَاقَ: قَالَ لِي إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ:
يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ إِذَا سَمِعَ شَيْئاً مِنْ أَدَبِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنْ
يَتَمَسَّكَ بِهِ.
قَالَ: فَقِيْلَ لإِبْرَاهِيْمَ: إِنَّهُم يَقُوْلُوْنَ:
صَاحِبُ السَّوْدَاءِ يَحْفَظ؟
قَالَ: لاَ، هِيَ أُخْتُ الْبَلْغَم، صَاحِبُهَا لاَ
يَحْفَظُ شَيْئاً، إِنَّمَا يَحْفَظُ صَاحِب الصَّفرَاء.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ حَمْدُوَيْه البَزَّازُ: سَمِعْتُ
إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيُّ يَقُوْلُ:
خَرَجَ أَبُو يُوْسُفَ القَاضِي يَوْماً - وَأَصْحَابُ
الحَدِيْثِ عَلَى البَابِ - فَقَالَ: مَا عَلَى الأَرْضِ
خَيْرٌ مِنْكُم، قَدْ جِئْتُم أَوْ بَكَّرْتُم
تَسْمَعُوْنَ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
هِبَةُ اللهِ اللاَّلْكَائِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ
مُحَمَّدِ بنِ الصَقْرِ، سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ بنَ
قُرَيْشٍ يَقُوْلُ:
حَضَرْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ - وَجَاءَهُ يُوْسُفُ
القَاضِي، وَمَعَهُ ابْنُهُ أَبُو عُمَرَ - فَقَالَ لَهُ:
يَا أَبَا إِسْحَاقَ! لَوْ جِئْنَاكَ عَلَى مِقْدَارِ
وَاجِبِ حَقِّكِ، لَكَانَتْ أَوقَاتُنَا كُلُّهَا
عِنْدَكَ.
فَقَالَ: لَيْسَ كُلُّ غَيْبَةٍ جَفْوَةً، وَلاَ كُلُّ
لِقَاءٍ مَوَدَّةً، وَإِنَّمَا هُوَ تَقَارُبُ القُلُوْبِ.
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ
الصَّفَّارَ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ -
وَحَدَّثَ عَنْ حُمَيْدِ بنِ زَنْجُوْيَة، عَنْ عَبْدِ
اللهِ بنِ صَالِحٍ العِجْلِيِّ بِحَدِيْثٍ - فَقَالَ:
اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَحَمِدَ
اللهَ ثُمَّ قَالَ: عِنْدِي
(13/358)
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ قِمَطْر،
وَلَيْسَ عِنْدِي عَنْ حُمَيْدٍ غَيْر هَذَا الطَّبَقِ،
وَأَنَا أَحْمَدُ اللهَ عَلَى الصِّدْقِ (1) .
زَادَنِي فِيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: عَنِ الصَّفَّارِ،
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! لَوْ قُلْتَ: فِيمَا
لَمْ تَسْمَعْ: سَمِعْتُ، لمَا أَقْبَلَ اللهُ بِهَذِهِ
الوُجُوْهِ عَلَيْكَ.
ثُمَّ قَالَ الحَاكِمُ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحٍ
القَاضِي يَقُوْلُ: لاَ نَعْلَمُ بَغْدَادَ أَخْرَجَتْ
مِثْلَ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ، فِي الأَدَبِ
وَالفِقْهِ وَالحَدِيْثِ وَالزُّهْدِ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ
كِتَاباً فِي غَرِيْبِ الحَدِيْثِ، لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْه
(2) .
قَالَ القَاضِي أَبُو المُطَرِّفِ بنُ فُطَيْسٍ: سَمِعْتُ
أَبَا الحَسَنِ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ
جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ بَيَانٍ البَغْدَادِيَّ،
سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ - وَلَمْ يَكُنْ فِي
وَقْتِهِ مِثْلُهُ - يَقُوْلُ، وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الاسْمِ
وَالمُسَمَّى:
لِي مُذْ أُجَالسُ أَهْلِ العِلْمِ سَبْعُوْنَ سَنَةً، مَا
سَمِعْتُ أَحَداً مِنْهُم يَتَكَلَّمُ فِي الإِسمِ
وَالمُسَمَّى (3) .
عُمَرُ بنُ عِرَاكٍ المُقْرِئُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ
بنُ المَوْلِدِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
خَالِدٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَائِشَةَ فِي
مَسْجِدِهِ، إِذْ طَرَقَهُ سَائِلٌ، فَسَأَلَهُ شَيْئاً،
فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يُعْطِيه،
__________
(1) زاد هنا في: " تاريخ بغداد ": " قال أبو عبد الله
الحافظ: زادني..."
(2) تاريخ بغداد: 6 / 30.
(3) وفصل القول في هذه المسألة: أن الاسم يراد به المسمى ؟
؟ رة، ويراد به اللفظ الدال عليه أخرى.
فإذا قلت: قال الله: كذا أو: سمع الله لمن حمده، ونحو ذلك،
فهذا المراد به " المسمى " نفسه.
وإذا قلت: " الله " اسم عربي، والرحمن اسم عربي، والرحيم
من أسماء الله تعالى، ونحو ذلك، فالاسم ها هنا هو المراد
لا المسمى، ولا يقال غيره، لما في لفظ " الغير " من
الاجمال، فإن أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى، فحق،
وإن أريد أن الله سبحانه كان، ولا اسم له، حتى خلق لنفسه
أسماء، أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم، فهذا من الخطأ
المجانب للصواب.
(13/359)
فَدَفَعَ إِلَيْهِ خَاتَمَهُ، فَلَمَّا
أَنْ وَلَّى السَّائِلُ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: لاَ
تَظُنُّ أَنِّي دَعَوْتُكَ ضِنَّةً مِنِّي بِمَا
أَعْطَيْتُكَ، إِنَّ هَذَا الفَصَّ شِرَاؤُهُ عَلَيَّ
خَمْس مائَة دِيْنَارٍ، فَانْظُرْ كَيْفَ تُخْرِجُهُ.
فَضَرَبَ السَّائِل بِيَدِهِ إِلَى الخَاتَمِ، فَكَسَرَهُ،
وَرَمَى بِالفَصِّ إِلَيْهِ، وَقَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ
فِي فَصِّكَ، هَذِهِ الفِضَّةُ تَكْفِيْنِي لِقُوتِي
وَقُوتِ عِيَالِي اليَوْمَ.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ ثَعْلَبٌ: مَا فَقَدْتُ
إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ مِنْ مَجْلِسِ لُغَةٍ وَلاَ
نَحْوٍ، مِنْ خَمْسِيْنَ سَنَةً (1) .
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَأَلت
الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ، فَقَالَ:
كَانَ يُقَاس بِأَحْمَد بن حَنْبَلٍ فِي زُهده وَعلمه
وَوَرَعه (2) .
وَقِيْلَ: إِنَّ الْمُعْتَضد نفَّذ إِلَى إِبْرَاهِيْم
الحَرْبِيّ بِعَشْرَةِ آلاَف، فَرَدَّهَا، ثُمَّ سيَّر
لَهُ مَرَّةً أُخْرَى أَلف دِيْنَار، فَرَدَّهَا (3) .
وَرَوَى أَبُو الفَضْلِ عُبَيْد اللهِ الزُّهْرِيّ، عَنْ
أَبِيْهِ؛ عَبْد الرَّحْمَنِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ
الحَرْبِيّ، قَالَ:
مَا أَنشدت بيتاً قَطُّ إِلاَّ قَرَأْت بَعْدَهُ : {قل
هُوَ الله أَحَد } ثَلاَثاً (4) .
قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَإِبْرَاهِيْم
إِمَام بَارِع فِي كُلِّ عِلْم، صَدُوْقٌ.
أَبُو ذَرّ الهَرَوِيّ: سَمِعْتُ أَبَا طَاهِر المُخَلِّص،
سَمِعْتُ أَبِي: سَمِعْتُ
__________
(1) معجم الأدباء: 1 / 118.
(2) تذكرة الحفاظ: 2 / 585.
(3) انظر: تاريخ بغداد: 6 / 32، و: إنباه الرواة: 1 / 157.
(4) تاريخ بغداد: 6 / 39.
(13/360)
إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ، وَكَانَ وَعدنَا
أَنْ يُملَّ عَلَيْنَا مَسْأَلَة فِي الاسْم وَالمسمَّى،
وَكَانَ يجْتَمع فِي مَجْلِسه ثَلاَثُوْنَ أَلْفَ
مِحْبرَة، وَكَانَ إِبْرَاهِيْم مُقِلاًّ، وَكَانَتْ لَهُ
غرفَة، يصعد، فَيُشرف مِنْهَا عَلَى النَّاسِ، فِيْهَا
كُوَّة إِلَى الشَّارع، فَلَمَّا اجتَمَع النَّاس، أشرف
عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُم:
قَدْ كُنْت وَعدتكُم أَن أُملِي عليكُم فِي الإسْم
وَالمسمَّى، ثُمَّ نظرت فَإِذَا لَمْ يتقدمنِي فِي
الكَلاَمِ فِيْهَا إِمَام يُقتدَى بِهِ، فرَأَيْت الكَلاَم
فِيْهِ بِدعَة، فَقَامَ النَّاس، وَانصرفُوا، فَلَمَّا
كَانَ يَوْم الجُمُعَة، أَتَاهُ رَجُل، وَكَانَ
إِبْرَاهِيْم لاَ يقْعد إِلاَّ وَحده، فَسَأَلَهُ عَنْ
هَذِهِ المَسْأَلَة، فَقَالَ: أَلم تحضر مجلسنَا بِالأَمس؟
قَالَ: بَلَى.
فَقَالَ: أَتعرف العِلْم كُلّه؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَاجعل هَذَا مِمَّا لَمْ تعرف.
وبَالإِسْنَاد: قَالَ إِبْرَاهِيْمُ: مَا انْتَفَعت مِنْ
علمِي قَطُّ إِلاَّ بنِصْف حبَّة، وَقفت عَلَى إِنسَان،
فَدفعت إِلَيْهِ قطعَة أشترِي حَاجَة، فَأَصَاب فِيْهَا
دَانقاً، إِلاَّ نِصْف حبَّة، فسأَلنِي عَنْ مَسْأَلَة،
فَأَجبته، ثُمَّ قَالَ للغُلاَم: أَعطِ أَبَا إِسْحَاق
بدَانقٍ، وَلاَ تحطُّه بنِصْف حبَة (1) .
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَقمت ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، كُلّ
لَيْلَة إِذَا أَويت إِلَى فِرَاشِي، لَوْ أَعطيت رغيفيّ
جَارتِي لاَحتجت إِليهمَا (2) .
وَيُرْوَى: أَن إِبْرَاهِيْم لمَا صَنّف (غَرِيْب
الحَدِيْث) وَهُوَ كِتَاب نَفِيس كَامِل فِي مَعْنَاهُ.
قَالَ ثَعْلَب: مَا لإِبْرَاهِيْم وَغَرِيْب الحَدِيْث؟!
رَجُل مُحَدِّث، ثُمَّ حضَر مَجْلِسه، فَلَمَّا حضَر
المَجْلِس سجد ثَعْلَب، وَقَالَ: مَا ظَنَنْت أَن عَلَى
وَجه الأَرْض مِثْل هَذَا الرَّجُل.
__________
(1) انظر: تاريخ بغداد: 6 / 33 - 34.
(2) انظر الخبر مفصلا في: تاريخ بغداد: 6 / 31.
(13/361)
قَالَ أَبُو ذَرّ الهَرَوِيّ: حَكَى لِي
بَعْض أَصْحَابِنَا بِبَغْدَادَ، أنّ إِبْرَاهِيْم
الحَرْبِيّ كَانَ سَمِعَ مَسَائِل ابْن القَاسِمِ عَلِيّ
بن الحَارِثِ بنِ مِسْكِيْن، وَحصل سَمَاعه مَعَ رَجُل،
ثُمَّ مَال إِلَى طَرِيْقَة الكَلاَم، فَلَمْ يَسْتَعرهَا
مِنْهُ إِبْرَاهِيْم، وَرجع، فسَمِعَهَا مِنَ الحَسَن بن
عَبْدِ العَزِيْزِ الجَرَوِيّ (1) ، عَنِ ابْنِ أَبِي
الْغمر، عَنِ ابْنِ القَاسِمِ.
قُلْتُ: نعم، يظْهر فِي تَصَانِيْف الحَرْبِيّ أَنَّهُ
ينَزلَ فِي أَحَادِيْث، وَيكثر مِنْهَا، وَهَذَا يدلّ
عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ طَلابَةً لِلْعِلْمِ.
وَرَوَى المُخَلِّص، عَنْ أَبِيْهِ: أَن الْمُعْتَضد بعثَ
إِلَى إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ بِمَالٍ، فَرَدَّهُ
عَلَيْهِ أَوحش ردّ، وَقَالَ: ردَّهَا إِلَى مِنْ أخذتهَا
مِنْهُ، وَهُوَ محتَاج إِلَى فلس (2) .
وَكَانَ لاَ يغسل ثَوْبه إِلاَّ فِي كُلِّ أَرْبَعَة أشهر
مرَّة.
وَلَقَدْ زلق مرَّة فِي الطين، فَلَقَدْ كُنْت أَرَى
عَلَيْهِ أَثَر الطين فِي ثَوْبه إِلَى أَن غسله.
قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ
التَّمِيْمِيّ الحَنْبَلِيّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ
العَتَكِيّ، قَالَ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ
يَقُوْلُ لجَمَاعَة عِنْدَهُ:
مِنْ تعدُّوْنَ الغَرِيْب فِي زمَانكُم؟
فَقَالَ رَجُلٌ: الغَرِيْب مِنْ نَأْى عَنْ وَطَنه.
وَقَالَ آخِر: الغَرِيْب مِنْ فَارق أَحبَابه.
فَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ: الغَرِيْب فِي زَمَانِنَا: رَجُل
صَالِح، عَاشَ بَيْنَ قَوْمٍ صَالحين، إِن أَمر
بِمَعْرُوفٍ آزروهُ، وَإِن نَهَى عَنْ مُنكر أَعَانوهُ،
وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى سَبَبٍ مِنَ الدُّنْيَا مَانوهُ،
ثُمَّ مَاتُوا وَتركوهُ (3) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَرْوَانَ الدِّيْنَوَرِيّ: أَتينَا
إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ، وَهُوَ جَالس
__________
(1) انظر ترجمته، والحديث عن نسبته في: الأنساب: 3 / 237 -
239.
(2) تقدم مثل هذا قبل قليل.
(3) طبقات الحنابلة: 1 / 89.
(13/362)
عَلَى بَاب دَاره، فَسَلَّمْنَا وَجلسنَا،
فَجَعَلَ يُقْبِل عَلَيْنَا، فَلَمَّا أكثرنَا عَلَيْهِ،
حَدَّثَنَا حَدِيْثَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لَنَا: مَثَلُ
أَصْحَاب الحَدِيْث مَثل الصَّيَّاد الَّذِي يُلقي شَبكَته
فِي المَاءِ، فَيجْتَهد، فَإِنْ أَخرج سمَكة، وَإِلاَّ
أَخرج صخرَةً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ سَلْم: حَدَّثَنَا شَيْخ
لَنَا، قَالَ: قِيْلَ لإِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ: هَلْ كسبت
بِالعِلْمِ شَيْئاً؟
قَالَ: كسبت بِهِ نِصْف فَلْس: كَانَتْ أُمِّي تجرِي عليّ
كُلّ يَوْم رَغِيْفَيْنِ، وَقطيعَة فِيْهَا نِصْف دَانق،
فَخَرَجت فِي يَوْمِ ذِي طين، وَأَجمع رأْيِي عَلَى أَنْ
آكل شَيْئاً حُلواً، فَلَمْ أَرَ شَيْئاً أَرخص مِنَ
الدّبس، فَأَتيت بقَّالاً، فَدفعت إِلَيْهِ القُطَيعَة
فَإِذَا فِيْهَا قيرَاط إِلاَّ نِصْف فَلْس، وَتذَاكرنَا
حَدِيْث السَّخَاء وَالكرم.
فَقَالَ البَقَّال: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! أَنْتَ تكْتب
الأَخْبَار وَالحَدِيْث، حَدِّثْنَا فِي السخَاء
بِحَدِيْث.
قُلْتُ: نعم، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ
الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شَيْخ لَهُ قَالَ:
خَرَجَ عَبْد اللهِ بن جَعْفَرٍ إِلَى ضِيَاعه ينظر
إِلَيْهَا، فَإِذَا فِي حَائِطٍ لنَسِيْب لَهُ عبد
أَسْوَد، بِيَدِهِ رَغِيف وَهُوَ يَأْكُل لقمَة، وَيطرح
لكَلْب لقمَة، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ اسْتحسنه، فَقَالَ:
يَا أَسْوَد! لمَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: لمُصْعَب بن الزُّبَيْرِ.
قَالَ: وَهَذِهِ الضيعَة لِمَنْ؟
قَالَ: لَهُ.
قَالَ: لَقَدْ رَأَيْت مِنْكَ عجباً، تَأَكل لقمَة، وَتطرح
لِلْكَلْبِ لقمَة؟!
قَالَ: إِنِّيْ لأَستحيي مِنْ عين تنظر إِليَّ أَنْ أَوثر
نَفْسِي عَلَيْهَا.
قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَاشترَى الضَّيعَة
وَالعبد، ثُمَّ رَجَعَ، وَإِذَا بِالعبد.
فَقَالَ: يَا أَسْوَد! إِنِّيْ قَدِ اشْتَرَيْتُك مِنْ
مُصْعَب.
فَوَثَبَ قَائِماً، وَقَالَ: جعلنِي الله عَلَيْك
مَيْمُوْنَ الطَّلعَة.
قَالَ: وَإِنِّيْ اشْتريت هَذِهِ الضيعَة.
فَقَالَ: أَكمل الله لَكَ خَيْرهَا.
قَالَ: وَإِنِّيْ أُشهد أَنَّك حُرُّ لوجه الله.
قَالَ: أَحسن الله جزَاءك.
قَالَ: وَأُشهد الله أَنَّ الضَّيعَة مِنِّي هديَّة
إِلَيْك.
قَالَ: جَزَاكَ اللهُ بِالحسنَى.
ثُمَّ قَالَ العَبْد: فَأُشهد الله وَأُشهدك أَنَّ هَذِهِ
الضَّيعَة وَقْفٌ مِنِّي عَلَى الفُقَرَاء.
(13/363)
فَرَجَعَ وَهُوَ يَقُوْلُ: العَبْد أَكرم
منَّا (1) .
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ الجَلاَّبُ: سَمِعْتُ
الحَرْبِيّ يَقُوْلُ:
الأَبْوَاب تبنَى عَلَى أَرْبَع طبقَات: طبقَة المُسْنَد،
وَطبقَة الصَّحَابَة، وَطبقَة التَّابِعِيْنَ، فيقدَّم
كِبَارهُم، كعَلْقَمَة وَالأَسْوَد، وَبعدهُم مَنْ هُوَ
أَصغر مِنْهُم، وَبعدهُم تَابع التَّابِعِيْنَ، مِثْل
سُفْيَان، وَمَالِك، وَالحَسَن بن صَالِحٍ، وَعُبَيْد
اللهِ بن الحَسَنِ، وَابْن أَبِي لَيْلَى، وَابْن
شُبْرُمَة، وَالأَوْزَاعِيّ.
وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ، قَالَ: النَّاسُ
عَلَى أَرْبَع طبقَات: مَليح يَتملَّح، وَمَليح
يَتَبَغَّض، وَبَغِيضٌ يَتَمَلَّح، وَبغيضٌ يتبغَّض،
فَالأَوّل: هُوَ المُنى، الثَّانِي: يحْتَمل، وَأَمَّا
بَغِيض يتملَّح، فَإِنِّي أَرحمه، وَأَمَّا الْبَغِيض،
الَّذِي يتبغض، فَأَفرُّ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال فِي أَخْبَار إِبْرَاهِيْم
الحَرْبِيّ: نقُلْتُ مِنْ كِتَاب ابْن عتَّاب: كَانَ
إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ رَجُلاً صَالِحاً مِنْ أَهْلِ
العِلْمِ، بلغه أَنّ قَوْماً مِنَ الَّذِيْنَ كَانُوا
يجَالسونه يفضِّلونه عَلَى أَحْمَد بن حَنْبَلٍ، فوقفهُم
عَلَى ذَلِك، فَأَقَرُّوا بِهِ، فَقَالَ: ظلمتمونِي
بتفضيلكُم لِي عَلَى رَجُل لاَ أُشْبِهُه، وَلاَ أَلحق
بِهِ فِي حَال مِنْ أَحْوَاله، فَأُقسم بِاللهِ، لاَ
أُسمعكُم شَيْئاً مِنَ العِلْم أَبَداً، فَلاَ تَأَتونِي
بَعْد يَوْمكُم.
مَاتَ الحَرْبِيّ بِبَغْدَادَ، فدُفن فِي دَاره يَوْم
الإثْنَيْن، لسبع بَقِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ
خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فِي أَيَّام
المعْتَضِد.
قَالَ المَسْعُوْدِيّ: كَانَتْ وَفَاة الحَرْبِيّ
المُحَدِّث الفَقِيْه فِي الجَانب
__________
(1) انظر رواية تاريخ بغداد: 6 / 34، ومعجم الأدباء: 1 /
119 - 120.
(13/364)
الغربِي، وَلَهُ نَيِّف (1) وَثَمَانُوْنَ
سَنَةً... وَكَانَ صَدُوْقاً، عَالِماً، فَصِيْحاً،
جَوَاداً، عَفِيْفاً، زَاهِداً، عَابِداً، نَاسِكاً،
وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ ضَاحك السِّنّ، ظَرِيف الطَّبْع...
وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ تكبُّر وَلاَ تجبُّر، رُبَّمَا مَزح
مَعَ أصدقَائِه بِمَا يُسْتَحسن (2) مِنْهُ، وَيستقبح مِنْ
غَيْره، وَكَانَ شَيْخ البَغْدَادِيِّيْنَ فِي وَقته،
وَظريفهُم، وَزَاهدهُم، وَنَاسكهُم، وَمسنِدَهُم فِي
الحَدِيْثِ، وَكَانَ يتفقَّه لأَهْل العِرَاق، وَكَانَ
لَهُ مَجْلِس فِي الجَامع الغربِي يَوْم الجُمُعَة،
فَأَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيْم بن جَابِر، قَالَ: كُنْتُ
أَجلس فِي حَلْقَة إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ، وَكَانَ يجلسُ
إِلَيْنَا غُلاَمَان فِي نهَايَة الحُسَن وَالجمَال مِنَ
الصورَة وَالبِزَّة (3) ، وَكَأَنَّهُمَا روح (4) فِي
جسدٍ، إِن قَامَا قَامَا مَعاً، وَإِنْ حضَرَا، فكَذَلِكَ،
فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الْجمع، حضَر أَحَدهُمَا وقَدْ
بَان الاصفرَار بِوَجْهِهِ وَالاَنكسَار فِي
عَيْنَيْهِ...، فَلَمَّا كَانَتِ الجمعَة الثَّانِيَة،
حضَر الغَائِب، وَلَمْ يحضر الَّذِي جَاءَ فِي الجمعَة
الأُوْلَى مِنْهُمَا، وَإِذِ الصُّفْرَة وَالاَنكسَار
بَيّنَ (5) فِي لَونه... وَقُلْتُ: إِن ذَلِكَ للفرَاق
الوَاقع بينهُمَا، وَذَلِكَ للأُلفَة الجَامعَة لَهُمَا،
فَلَمْ يزَالاَ يتسَابقَان فِي كُلِّ جمعَةٍ إِلَى
الحلقَة، فَأَيهُمَا سبق إِلَى الحلقَة لَمْ يَجْلِس
الآخر... فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الجُمع حضَر
أَحَدهُمَا فَجَلَسَ إِلَيْنَا ثُمَّ جَاءَ الآخر
فَأَشْرَف عَلَى الْحلقَة، فَوَجَد صَاحِبَه قَدْ سبق،
وَإِذَا الْمَسْبُوق قَدْ أَخذته (6) العبرَة، فَتبينت
ذَلِكَ مِنْهُ فِي دَائِرَة (7) عَيْنَيْهِ، وَإِذَا فِي
يُسرَاهُ رِقَاع صغَار
__________
(1) في " مروج الذهب ": " خمس ".
(2) في الأصل: " يستحيى "، وما أثبتناه هو الصواب،
والموافق لما في " المروج ".
(3) في " مروج الذهب " زيادة هنا: " من أبناء التجار من
الكرخيين، وبزتهما واحدة ".
(4) في " المروج ": " روحان ".
(5) في " المروج ": " أبين ".
(6) في " المروج ": " خنقته ".
(7) في " المروج ": " حماليق ".
(13/365)
مَكْتُوبَة، فَقبض بيمِينه رُقعَة مِنْهَا،
وَحذف بِهَا فِي
وَسط الحلقَة، وَانسَاب بَيْنَ النَّاس مُستخفياً (1) ،
وَأَنَا أَرْمقه، وَكَانَ ثَمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بن
حَرْبَوَيْه، فَنشر الرُّقعَة وَقرأَهَا... وَفِيْهَا
دعَاء، أَنْ يدعُو لصَاحبهَا مَرِيْضاً كَانَ أَوْ غَيْر
ذَلِكَ، وَيُؤمِّن عَلَى الدُّعَاء مِنْ حضَر، فَقَالَ
الشَّيْخُ: اللَّهُمَّ اجْمَعْ بينهُمَا، وَأَلَّف
قُلُوْبهُمَا، وَاجعل ذَلِكَ فِيمَا يُقرَّب مِنْكَ،
وَيُزْلِف لديك.
وَأَمَّنُوا عَلَى دعَائِه ثُمَّ طوَى الرُّقعَة وَحذفنِي
بِهَا، فتَأَملت مَا فِيْهَا... فَإِذَا فِيْهَا مَكْتُوب:
عفَا الله عَنْ عبدٍ أَعَانَ بدعوَةٍ ... لِخِلَّيْنِ
كَانَا دَائِمِين عَلَى الوُدِّ
إِلَى أَنْ وَشَى وَاشِي الهوَى بنمِيمَةٍ ... إِلَى ذَاكَ
مِنْ هَذَا فَحَالاَ عَن العهدِ
فلَمَّا كَانَ فِي الجمعَة الثَّانِيَة حضَرَا جَمِيْعاً،
وَإِذَا الاصفرَار وَالاَنكسَار قَدْ زَالَ.
فَقُلْتُ لابْن حَرْبَوَيْه: إِنِّيْ أَرَى الدعوَة قَدْ
أُجيبت، وَأَنَّ دعَاء الشَّيْخ كَانَ عَلَى التمَام،
فَلَمَّا كَانَ فِي تِلْكَ السّنَة كُنْت فِيْمَنْ حَجَّ
فَكَأَنِّيْ أَنظر إِلَى الغُلاَمِين مُحْرِمَيْنِ...
بَيْنَ مِنَى وَعَرَفَة، فَلَمْ أَزل أَرَاهُمَا متآلفين
إِلَى أَنْ تكهَّلا (2) .
قَالَ الْقِفْطِي فِي (تَارِيْخ النُّحَاة) لَهُ: كَانَ
إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ رَأْساً فِي الزُّهْدِ، عَارِفاً
بالمذَاهب، بَصِيْراً بِالحديث، حَافِظاً لَهُ... لَهُ فِي
اللُّغَة كِتَاب (غَرِيْب الحَدِيْث)، وَهُوَ مِنْ أَنفس
الكُتُب وَأَكْبَرهَا فِي هَذَا النَّوْع (3) .
__________
(1) في " المروج ": " مارا مستحيا ".
(2) انظر الخبر مفصلا في: مروج الذهب: 2 / 482 - 483.
وتتمة الخبر فيه: " وأرى أنهما في صف أصحاب الديباج في
الكرخ أو غيره من الصفوف ".
(3) انظر نص القفطي: 1 / 155.
(13/366)
أَبُو الحَسَنِ بنُ جَهْضَم - وَاهٍ -
حَدَّثَنَا جَعْفَر الخُلْدِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن
عَبْدِ اللهِ بنِ مَاهَان: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بن
إِسْحَاقَ يَقُوْلُ:
أَجْمَع عُقَلاَء كُلِّ مِلَّة أَنَّهُ مَن لَمْ يجر مَعَ
القَدَرِ لَمْ يتهنَّأ بِعَيْشِهِ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: قمِيصي أَنظفُ قَمِيْصٍ، وَإِزَارِي
أَوسَخُ إِزَارٍ، مَا حَدَّثْتُ نَفْسِي أَنَّهُمَا
يَسْتَويَان قَطُّ، وَفرد عَقِبِي (1) صَحِيْح وَالآخرُ
مَقْطوع، وَلاَ أُحَدِّث نَفْسِي أَنِّي أُصْلِحْهُمَا،
وَلاَ شَكَوْتُ إِلَى أَهْلِي وَأَقَاربِي حُمى أَجدُهَا،
لاَ يغم الرَّجُل نَفْسه وَعيَالَه، وَلِي عَشْرُ سِنِيْنَ
أُبْصِرُ بِفَرْدِ عَيْنٍ، مَا أَخبرتُ بِهِ أَحَداً،
وَأَفنيتُ مِنْ عُمُرِي ثَلاَثِيْنَ سَنَةً برَغِيْفَيْنِ،
إِنْ جَاءتَنِي بِهِمَا أُمِّي أَوْ أُختِي، وَإِلاَّ
بقيتُ جَائِعاً إِلَى اللَّيْلَة الثَّانِيَة، وَأَفنيتُ
ثَلاَثِيْنَ سَنَةً برغيفٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ،
إِن جَاءتْنِي امرأَتِي أَوْ بَنَاتِي بِهِ، وَإِلاَّ
بقيتُ جَائِعاً، وَالآنَ آكُلُ نِصْفَ رغِيْفٍ وَأَربعَ
عَشْرَةَ تمرَةً، وَقَامَ إِفطَارِي فِي رَمَضَانَ هَذَا
بِدِرْهَمٍ وَدَانَقَيْن وَنِصْف (2) .
قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ بُكَيْرٍ: سَمِعْتُ
إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ يَقُوْلُ: مَا كُنَّا نَعْرِفُ
مِنْ هَذِهِ الأَطْبِخَة شَيْئاً، كُنْتُ أَجِيْء مِنْ
عَشِي إِلَى عَشِي، وَقَدْ هَيَأتْ لِي أُمِّي
باذِنْجَانَة مشويَةً، أَوْ لُعْقَة بِن (3) ، أَوْ باقَةَ
(4) فجْلٍ (5) .
مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ العُكْبَرِيّ: سَمِعْتُ
إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ يَقُوْلُ:
مَا تَرَوَّحْتُ وَلاَ رُوِّحْتُ قَطُّ، وَلاَ أَكَلتُ
مِنْ شَيْء فِي يَوْمِ مَرَّتين (6) .
__________
(1) العقب هنا: النعل، على سبيل المجاز.
(2) انظر: تاريخ بغداد: 6 / 30 - 31، وطبقات الحنابلة: 86
- 87، معجم الأدباء: 1 / 113 - 115.
(3) البن، بكسر الباء: الطبقة من ؟ ؟ سحم.
(4) الباقة: الحزمة من البقل، وكثيرا ما تستخدم خطأ للحزمة
من الورود والريحان وغيرهما من الورد، والصواب في الثانية:
" الطاقة ".
(5) تاريخ بغداد: 6 / 31.
(6) المصدر السابق.
(13/367)
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ سَمْعُوْنَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ القَطِيْعِيّ قَالَ:
أَضَقْتُ إِضَاقَةً، فَأَتيتُ إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ
لأَبُثَّهُ (1) .
فَقَالَ لِي: لاَ يضيق صَدْرك، فَإِنَّ اللهَ مِن وَرَاء
المَعُونَة، فَإنِّي أَضَقْتُ مَرَّةً، حَتَّى انْتَهَى
امرِي إِلَى أَنْ عدم عيَالِي قوتَهُم، فَقَالَتِ
الزَّوْجَة: هبْ أَنِّي أَنَا وَأَنْت نَصْبِرُ، فَكَيْفَ
بِالصَّبِيَّتين؟ هَاتِ شَيْئاً مِنْ كُتُبِك نَبيعُه أَوْ
نرهنُه، فَضَنِنْتُ بِذَلِكَ، وَقُلْتُ: أَقْتَرِضُ غَداً،
فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل، دُقَّ البَابُ، فَقُلْتُ: مِنْ
ذَا؟
قَالَ رَجُلٌ مِنَ الجيرَان، فَأَطفئ السَّرَّاج حَتَّى
أَدْخَلَ.
فكببتُ شَيْئاً عَلَى السَّرَّاج، فَدَخَلَ، وَتركَ
شَيْئاً، وَقَامَ، فَإِذَا هُوَ مِنديل فِيْهِ أَنواعٌ
مِنَ المآكِل، وَكَاغَدٌ (2) فِيْهِ خَمْسُ مائَة
دِرْهَمٍ، فَأَنبهْنَا الصِّغَار وَأَكلُوا، ثُمَّ مِنَ
الغَدِ (3) ، إِذَا جَمَّال يَقُود جَمَلين، عَلَيْهِمَا
حملاَن وَرقاً، وَهُوَ يسأَل عَنْ مَنْزِلِي، فَقَالَ:
هَذَانِ الجملاَن أَنفذَهُمَا لَكَ رَجُل مِنْ خُرَاسَان،
وَاسْتَحْلَفَنِي أَنْ لاَ أَقُول مَنْ هُوَ (4) .
إِسْنَادُهَا مُرْسَل.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ الحَافِظُ: لاَ تَرَى عَينَاك
مِثْل إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ، إِمَام الدُّنْيَا، لَقَدْ
رَأَيْتُ، وَجَالَسْتُ العُلَمَاء، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً
أَكملَ مِنْهُ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحٍ القَاضِي
يَقُوْلُ: لاَ نعِلْم بَغْدَاد أَخرجتْ مِثْل إِبْرَاهِيْم
الحَرْبِيّ فِي الأَدب وَالفِقْه وَالحَدِيْث وَالزُّهْد.
قُلْتُ: يُرِيْد مَنْ اجْتَمَع فِيْهِ هَذِهِ الأُمُورُ
الأَرْبَعَةُ.
__________
(1) البث: شدة الحزن، كأنه من شدته يبثه صاحبه.
(2) الكاغد: القرطاس. لفظ فارسي معرب.
(3) في: تاريخ بغداد: " ولما كان من الغد ".
(4) انظر: تاريخ بغداد: 6 / 31 - 32، والزيادة منه.
(13/368)
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ الخَلِيْلِ:
سَمِعْتُ الحَرْبِيّ يَقُوْلُ: فِي كتاب أبي عبيد (غَرِيْب
الحَدِيْث) ثَلاَثَةٌ وَخمسُوْنَ حَدِيْثاً لَيْسَ لَهَا
أَصل (1) .
قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: الحَرْبِيّ
إِمَامٌ، مصَنِّف، عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، بارِعٌ فِي
كُلِّ علمٍ، صَدُوْقٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ
الحَرْبِيّ يَقُوْلُ: عِنْدِي عَنْ عَلِيّ بن
المَدِيْنِيِّ قِمَطْر، وَلاَ أُحَدِّث عَنْهُ بِشَيْءٍ،
لأَنِي رَأَيْتهُ المَغْرِبَ وَبِيَدِهِ نَعْله مبَادِراً،
فَقُلْتُ: إِلَى أَيْنَ؟
قَالَ: أَلحق الصَّلاَة مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ.
فَظننتُه يَعْنِي أَحْمَد بن حَنْبَلٍ، ثُمَّ قُلْتُ: مَنْ
أَبُو عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: ابْن أَبِي دؤَاد (2) .
وَقِيْلَ: إِنَّ المُعْتَضِد لَمَّا نَفَّذَ إِلَى
الحَرْبِيّ بِالعَشْرَة آلاَف فَرَدَّهَا، فَقِيْلَ لَهُ:
فَفَرِّقْهَا، فَأَبَى، ثُمَّ لمَا مَرِضَ، سَيَّرَ
إِلَيْهِ المعتضدُ أَلْفَ دِيْنَارٍ، فَلَمْ يقبلْهَا،
فَخَاصَمَتْه بنتُه، فَقَالَ: أَتخشين إِذَا مِتُّ
الفَقْر؟
قَالَتْ: نعم.
قَالَ: فِي تِلْكَ الزَّاويَة اثْنَا عَشرَ أَلْفَ جُزْءٍ
حديثيَةٍ وَلُغَويَّةٍ وَغَيْر ذَلِكَ كتبتُهَا
__________
(1) تاريخ بغداد: 6 / 35 - 36، والزيادة منه، وتتمة الخبر
فيه: " قد علمت عليها في كتاب السروي ".
ولهذا لا يجوز لطالب العلم أن يعتمد على الأحاديث المنثورة
في كتب الغريب جميعا دونما بحث عن من خرجها، وفحص
لأسانيدها.
(2) انظر الخبر في: تاريخ بغداد: 6 / 37، وميزان الاعتدال:
3 / 138.
وعد صلته بابن أبي دؤاد وقبول الجائزة منه قدحا في حقه، من
التهور البالغ الذي يستوجب قائله الذم والتوبيخ والتقريع،
ونسبة تضعيف قيس بن أبي حازم إليه، ردها الخطيب في "
تاريخه ".
وقد قال المؤلف - رحمه الله - في " ميزانه ": 3 / 141، وهو
بصدد الرد على العقيلي: ثم ما كل أحد فيه بدعة، أوله هفوة
أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه، ولا من شرط الثقة أن
يكون معصوما من الخطايا والخطأ، بل فائدة ذكرنا كثيرا من
الثقات الذين فيهم أدنى بدعة أو لهم أوهام يسيرة في سعة
علمهم أن يعرف أن غيرهم أرجح منهم وأوثق إذا عارضهم أو
خالفهم.
وأما علي بن المديني، فإليه المنتهى في معرفة علل الحديث
النبوي، مع كمال المعرفة بنقد الرجال، وسعة الحفظ والتبحر
في هذا الشأن، بل لعله فرد زمانه في معناه.
(13/369)
بخطِّي، فَبِيعِي مِنْهَا كُلَّ يَوْم
جُزءاً بِدِرْهَم وَأَنفَقِيْه.
نَقَلَ الخَطِيْبُ (1) ، وَطَائِفَةٌ: أَنَّ الحَرْبِيّ
تُوُفِّيَ: لسبع بَقِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ
خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَتْ جِنَازَتُه
مشهودَةً، صَلَّى عَلَيْهِ يُوْسُف القَاضِي، صَاحِبُ
كِتَاب (السُّنَن)، وَقبرُه يُزَارُ بِبَغْدَادَ.
وَفِيْهَا مَاتَ: إِسْحَاق الدَّبَرِي (2) ، صَاحِبُ عَبْد
الرَّزَّاقِ، وَعُبَيْد بن عَبْدِ الوَاحِدِ البَزَّار (3)
، وَأَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ المُبَرِّد
(4) .
أَخْبَرَتْنَا أُمُّ عَبْد اللهِ (5) زَيْنَبُ بِنْتُ عليّ
الصَّالِحيَة سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَة،
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ قُدَامَةَ،
فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَة، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُوَ
الفَضْلِ بن خَيْرُوْنَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
اللهِ المَحَامِلِيّ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ جَعْفَرٍ
الخُتُّلِي، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ ابْن إِسْحَاقَ
الحَرْبِيّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاء ابْن يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي
أَيُّوْبَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (لاَ يَهْجُرْ أَحَدَكُمْ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ،
يَلْتَقِيَانِ: فَيَصُدُّ هَذَا، وَيَصُدُّ هَذَا،
وَخَيْرهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمٍ) (6) .
__________
(1) تاريخ بغداد: 6 / 40.
(2) ستأتي ترجمته في الصفحة: (416)، برقم: (203).
(3) ستأتي ترجمته في الصفحة: (385)، برقم: (185).
(4) ستأتي ترجمته في الصفحة: (576)، برقم: (299).
(5) كناها المؤلف في " مشيخته ": خ: ق: 50: " أم محمد "،
فقال: " زينب بنت علي بن أحمد بن فضل، أم محمد بنت
الواسطي.
امرأة عابدة صوامة قوامة خاشعة قانتة.
كان أخوها الامام تقي الدين بن الواسطي يقصد زيارتها
والتبرك بها، وهي والدة المسند المعمر أبي عبد الله بن
الزراد...وتوفيت في المحرم سنة خمس وتسعين وستمئة وقد
قاربت التسعين أو كملتها ".
(6) إسناده صحيح، وأخرجه مالك 2 / 906، 907 في حسن الخلق:
باب ما جاء في =
(13/370)
وَبِهِ: قَالَ الحَرْبِيّ: حَدَّثنَاهُ
أَبُو (1) مُصْعَب، أَخْبَرَنَا مَالِك، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ
فَوْقَ ثَلاَثٍ).
أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ (2) ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ بن شُجَاع، (ح).
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي العِزِّ، وَالحَسَن بن
عَلِيٍّ القَلاَنِسِي (3) ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الوَفَاء عَبْد المَلِكِ بن
الحَنْبَلِيّ، وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ
الجُذَامِيّ (4) ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ
المعْطي، وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ نُصَيْر السَّهْمِيّ
(5) ،
__________
= المهاجرة، ومن طريقه البخاري 10 / 413 في الأدب: باب
الهجرة، ومسلم (2560) في البر: باب تحريم الهجر فوق ثلاث،
وأبو داود (4911) عن الزهري بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري
11 / 18 في الاستئذان: باب السلام للمعرفة وغير المعرفة،
ومسلم، والترمذي (1932) من طرق عن سفيان به. وفي الباب عن
ابن عمر عند مسلم (2561)، وعن أبي هريرة عند أبي داود
(4912) و(4914) وعن عائشة عند أبي داود أيضا (4913) وعن
أنس عند مالك 2 / 907، والبخاري 10 / 403، ومسلم (2559)
وأبي داود (4910) والترمذي (1935).
(1) سقطت من الأصل.
(2) عيسى بن عبد المنعم بن شهاب بن ناصر، أبو الروح
القاهري الشافعي المؤدب. ويعرف بابن الحداد.
ترجمه المؤلف في " مشيخته ": خ: ق: 110.
(3) تقدمت الإشارة إليه في الصفحة: (85)، ت: 2. عن " مشيخة
" المؤلف.
(4) الجذامي، بالجيم المضمومة والذال: نسبة إلى قبيلة
جذام، وقد ترجمه المؤلف في " مشيخته ": خ 102، فقال، هو
علي بن محمد بن منصور بن أبي القاسم، الامام المبجل،
القاضي، زين الدين، أبو الحسن بن أبي المعالي الجذامي،
الثغري المالكي، المعروف بابن المنير. ولي قضاء الإسكندرية
مدة، كان من أحسن الرجال صورة، وأملحهم شكلا. ولد في ربيع
الأول سنة (629).
روى لنا الأربعين السلفية عن يوسف بن عبد المعطي.
وتوفي في يوم عيد النحر، سنة (697 ه).
(5) ترجمه المؤلف في " المشيخة ": خ 1070، فقال: عمر بن
عبد النصير بن محمد ابن هشام بن عز العرب، الزاهد العابد
الأديب، أبو حفص القرشي القوصي المالكي. ولد سنة (615)،
وسمع بتوص من: ابن المقير، وابن الجميزي وغيرهما، وله نظم
كثير، وديوان. وقدم علينا مع ركب الحاج، وانصرف بعد أيام،
توفي بالإسكندرية في منتصف محرم سنة (711 ه) عن ست وتسعين
سنة. وكان على قدم من التقوى.
(13/371)
[وَ ](1) عَبْد الرَّحْمَنِ بن
سُلَيْمَانَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ الجُمَّيْزِي
(2) ، وَأَخْبَرَنَا سُنْقُرُ الزَّيْنِي (3) ، وَعَبْد
الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّد؛ ابْنا سُلَيْمَان، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مَحْمُوْدٍ، وَأَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ
اللهِ بنِ الصَّوَّاف (4) ، أَخْبَرَنَا جَدِّي،
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَلِيّ بن رَافِعٍ (5) ،
وَعُثْمَان بن مُوْسَى (6) ، وَفَاطِمَة بِنْت
إِبْرَاهِيْم (7) ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ رَوَاحَةَ، وَأَخْبَرَنَا
عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ كَثِيْر (8) ، وَجَمَاعَةٌ قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُفَسِّر، قَالُوا
جَمِيْعاً:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا
حَمْد بن إِسْمَاعِيْلَ الزَّكِي بِمَكَّةَ، (ح).
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، وَعِدَّة إِجَازَةً،
قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرزَدْ، أَخْبَرَنَا
أَبُو القَاسِمِ بنُ الحُصَيْن، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ
البَزَّاز، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
الشَّافِعِيّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ،
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الهَاشِمِيّ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
(كُنْتُ أَغْتَسِلُ مَعَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِنَ الإِنَاءِ الوَاحِدِ) (9) .
__________
(1) سقطت من الأصل، ولابد منها. وهو مترجم في " مشيخة "
الذهبي: خ ق: 73.
(2) الجميزي، بضم الجيم، وفتح الميم المشددة، وآخره زاي:
نسبة إلى بيع الجميز، وهو شبيه بالتين، واسمه: علي بن هبة
الله بن سلامة بن المسلم اللخمي المصري الشافعي المقرئ
الخطيب وفاته سنة (649 ه). وهو مترجم في " العبر ": 5 /
203.
(3) ترجمه الذهبي في " مشيخته ": خ: ق: 55
(4) هو في " مشيخة " الذهبي:: خ: ق: 123.
(5) هو: عبد الولي بن عبد الرحمن بن رافع الخطيب، أبو نصر
الحنبلي الزاهد. ترجمه الذهبي في " مشيخته ": خ: ق: 88.
(6) هو: عثمان بن موسى بن رافع بن منهال، أبو عمر
اليونيني. وفاته سنة (696 ه). ترجمه الذهبي في " مشيخته ":
خ: ق: 60.
(7) فاطمة بنت إبراهيم بن محمود بن جوهر، أم محمد. وفاتها
سنة (711 ه).
وهي مترجمة في " مشيخة " الذهبي: خ: ق: 113.
(8) ترجمته في " مشيخة " المؤلف: خ: ق: 87.
(9) إسناده صحيح، وأخرجه من حديث عائشة البخاري 1 / 213 في
الغسل: باب غسل =
(13/372)
174 - أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ
اللهِ أَبُو الفَضْلِ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
الحَافِظُ، الحُجَّةُ، العَدْلُ، المَأْمُوْنُ،
المُجَوِّدُ، أَبُو الفَضْلِ النَّيْسَابُوْرِيّ
البَزَّاز، رفيقُ مُسْلِم فِي الرِّحْلَة.
سَمِعَ: قُتَيْبَة، وَإِسْحَاق بن رَاهْوَيْه، وَمُحَمَّد
بن مِهْرَانَ الجَّمَّال، وَعَبْد اللهِ بن مُعَاوِيَةَ،
وَعُثْمَان بن أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبَا كُرَيْب، وَابْنَ
حُمَيْدٍ، وَأَحْمَد بن مَنِيْعٍ، وَخلقاً كَثِيْراً،
وَجَمَعَ وَصَنَّفَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ وَارَةَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو
حَاتِمٍ - وَهُوَ مِنْ صِغَارِ شُيُوْخه - وَأَبُو حَامِدٍ
بنُ الشَّرْقِيِّ، وَيَحْيَى بن مَنْصُوْرٍ القَاضِي،
وَسُلَيْمَان بن مُحَمَّدِ بنِ نَاجِيَة، وَعَلِيّ بن
عِيْسَى، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ،
وَعِدَّةٌ.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ النَّصْرُ آباذِي: رَأَيْتُ أَبَا
عَلِيٍّ الثَّقَفِيّ فِي النَّوْمِ، وَهُوَ يَقُوْلُ:
عَلَيْكَ (بصَحِيْح) أَحْمَد بن سَلَمَةَ.
قَالَ أَبُو الفَضْلِ الهَاشِمِيّ: تُوُفِّيَ ابْنُ
سَلَمَة: فِي غرَّة جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة سِتٍّ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
175 - المُسْتَمْلِي أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ
المُبَارَكِ **
الحَافِظُ، العَالِمُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، المجَاب
الدَّعوَة، أَبُو عَمْرٍو
__________
= الرجل مع امرأته و320، 321: باب هل يدخل الجنب يده في
الاناء قبل أن يغسلها، ومسلم (319) و(321) في الحيض: باب
القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة، وأبو داود (77)
والنسائي 1 / 127 و128 و129.
(*) الجرح والتعديل: 2 / 54، تاريخ بغداد: 4 / 186 - 187،
تذكرة الحفاظ: 2 / 637 - 638، عبر المؤلف: 2 / 76 - 77،
طبقات الحفاظ: 279، شذرات الذهب: 2 / 192.
(* *) المنتظم: 5 / 173، تذكرة الحفاظ: 2 / 644، عبر
المؤلف: 2 / 73، الوافي =
(13/373)
أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ المُسْتَمْلِي،
النَّيْسَابُوْرِيّ، عُرِفَ: بحمكوَيْه.
سَمِعَ: يَزِيْدَ بن صَالِحٍ الفَرَّاء، وَأَحْمَد بن
حَنْبَلٍ، وَقُتَيْبَة بن سَعِيْدٍ، وَسَهْل بن عُثْمَانَ
العَسْكرِي، وَعُبَيْد اللهِ القَوَارِيْرِيّ، وَإِسْحَاق
بن رَاهْوَيْه، وَأَبَا مُصْعَبٍ، وَسُرَيْج بن يُوْنُسَ،
وَطَبَقَتهُم، وَمن بَعْدهُم.
وَكَتَبَ الْكثير، وَمَا زَالَ يعَالج هَذَا الفنَّ حَتَّى
تُوُفِّيَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ
الخفَّاف، وَجَعْفَر بن مُحَمَّدِ بنِ سَوَّارٍ، وَأَبُو
عُثْمَانَ سَعِيْد بن إِسْمَاعِيْلَ الحِيْرِيّ، وَأَبُو
حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ، وَزَنْجُوْيَة بن مُحَمَّدٍ،
وَمُحَمَّد بن صَالِحِ بن هَانِئ، وَمُحَمَّد بن
يَعْقُوْبَ بن الأَخْرَم، وَأَبُو الطَّيِّبِ بن
المُبَارَكِ، وَمُحَمَّد بن دَاوُدَ الزَّاهِد،
وَغَيْرهُم.
قَالَ الحَاكِمُ: كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، رَاهبَ
عصرِه، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ، قَالَ: كُنَّا
عِنْد أَبِي عَمْرٍو المُسْتَمْلِي، فسَمِعَ جَلَبَةً،
فَقَالَ: مَا هَذَا؟
قَالُوا: أَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ (1) -يَعْنِي:
الخُجُسْتَانِي فِي عَسْكره- فَقَالَ: اللَّهُمَّ مَزِّق
بطنَه.
فَمَا تَمَّ الأَسبوع حَتَّى قُتل.
وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ الفَامِي يَقُوْلُ:
حَضَرْتُ مَجْلِسَ أَبِي عُثْمَانَ الزَّاهِد، وَدَخَلَ
أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي، وَعَلَيْهِ أَثوَابٌ رَثَّة،
فَبَكَى أَبُو عُثْمَانَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْم مَجْلِس
الذِّكر، قَالَ: دَخَلَ عَلَيْهِ (2) رَجُل مِنْ مَشَايِخ
العِلْم، فَاشتغل قلبِي برثَاثَة حَاله، وَلَوْلاَ أَنِّي
أُجِلُّه لسمَّيته.
قَالَ: فرمَى النَّاسَ
__________
= بالوفيات: 7 / 302، البداية والنهاية: 11 / 77 - 78،
طبقات الحفاظ: 283، شذرات الذهب: 2 / 186.
(1) تقدمت ترجمته في الصفحة: (96)، برقم: (54) (2) في "
المنتظم ": " علي ".
(13/374)
بِالخواتيم وَالدَّرَاهُم وَالثِّيَاب،
فَقَامَ أَبُو عَمْرٍو عَلَى رُؤُوْس النَّاس، وَقَالَ:
أَنَا الَّذِي عَنَى أَبُو عُثْمَانَ، وَلَوْلاَ أَنِّي
كَرِهْتُ أَنْ يُتَّهم بِهِ غَيْرِي لسكتُّ.
ثُمَّ إِنَّهُ أَخَذَ جَمِيْع ذَلِكَ، وَحمل مَعَهُ، فَمَا
بلغَ بَاب الجَامع حَتَّى وَهب جَمِيْعَه للفُقَرَاء (1) .
قد اسْتملَى أَبُو عَمْرٍو عَلَى جَمَاعَةٍ عَاشوا
بَعْدَهُ، وَأَوّل مَا اسْتملَى كَانَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ
وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ الحَاكِمُ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّبْغِي
يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو عَمْرٍو يَصُوْم النَّهَار،
وَيُحْيي اللَّيْل (2) .
ثُمَّ قَالَ الصِّبْغِي: فَأَخْبَرَنِي غَيْر وَاحِدٍ
أَنَّ اللَّيْلَة الَّتِي قُتِلَ فِيْهَا أَحْمَد بن
عَبْدِ اللهِ -يَعْنِي: الظَّالم الَّذِي اسْتولَى عَلَى
نَيْسَابُوْر- صَلَّى أَبُو عَمْرٍو العَتَمَة، ثُمَّ
صَلَّى طول ليله، وَهُوَ يدعُو عَلَى أَحْمَد بصوتٍ عَالٍ:
اللَّهُمَّ شُقَّ بطنَه، اللَّهُمَّ شُقَّ بطنَه.
مَاتَ مُحَدِّثُ نَيْسَابُوْرَ أَبُو عَمْرٍو فِي جُمَادَى
الآخِرَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
176 - ابْنُ عَاصِمٍ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُصَنِّفُ، الثِّقَةُ، أَبُو
العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَاصِمٍ
الرَّازِيُّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، أَحَدَ مَنْ رَحَلَ إِلَى عَبْدِ
الرَّزَّاقِ.
وَسَمِعَ: عَلِيّ بن المَدِيْنِيِّ، وَإِبْرَاهِيْم بن
الحَجَّاجِ السَّامِي، وَأَبَا الرَّبِيْعِ
الزَّهْرَانِيّ، وَهُدْبَة بن
__________
(1) انظر: المنتظم: 5 / 173. والزيادة منه.
(2) تذكرة الحفاظ: 2 / 644.
(*) تاريخ ابن عساكر: خ: 2 / 92 أ، تهذيب بدران: 2 / 60.
(13/375)
خَالِد، وَقُتَيْبَة بن سَعِيْدٍ،
وَإِسْحَاق بن رَاهْوَيْه، وَطَبَقَتهُم.
وَهُوَ مِنْ أَقرَان أَبِي عِيْسَى التِّرْمِذِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ،
وَعَلِيّ بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَلَمَةَ القَطَّان،
وَعُمَر بن إِسْحَاقَ، وَالقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ
العَسَّال، وَأَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
177 - الحَمَّارُ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى بنِ
إِسْحَاقَ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو جَعْفَرٍ
أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى بنِ إِسْحَاقَ التَّمِيْمِيّ،
الكُوْفِيّ، الحَمَّار البَزَّاز.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي نُعَيْمٍ، وَقُطْبَة بن العَلاَءِ،
وَوضَّاح بن يَحْيَى، وَمَخْبُول بن إِبْرَاهِيْمَ،
وَالحَسَن بن الرَّبِيْعِ، وَعَلِيّ بن ثَابِت الدَّهَّان،
وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ عَمْرِو بنِ جَابِرٍ
الرَّمْلِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ سَلَمَة القَزْوِيْنِيّ
القَطَّان، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ، وَأَبُو
العَبَّاسِ بن عُقْدَة، وَابْن أَبِي دَارِم، وَآخَرُوْنَ
كَثِيْرُوْنَ.
وَمَا علمت بِهِ بأَساً.
مَاتَ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ فِي عشر التِّسْعِيْنَ.
__________
(*) الأنساب: 4 / 203، اللباب: 1 / 384. والحمار، بفتح
الحاء، وتشديد الميم: نسبة إلى بيع الحمير.
(13/376)
وَقَالَ الخَلِيْلِيُّ فِي (إِرشَاده):
سَنَة خَمْسٍ.
وَالأَوّل أَصحّ، وَللخليلِي أَوهَامٌ كَثِيْرَةٌ فِي
كِتَابِهِ، كَأَنَّهُ أَملاَهُ مِنْ حِفْظِهِ.
178 - العَنْبَرِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيّ، الحَافِظُ،
المُجَوِّدُ، أَبُو إِسْحَاقَ، إِبْرَاهِيْمُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ العَنْبَرِيّ الطُّوْسِيّ، مُحَدِّث طُوْس،
وَأَزهدُهُم بَعْد مُحَمَّد بن أَسْلم، وَأَخصُّهُم
بِصُحْبَتِهِ، وَأَكْثَرهُم رِحلَة.
سَمِعَ: يَحْيَى بن يَحْيَى التَّمِيْمِيّ، وَابْن
رَاهْوَيْه، وَعَلِيّ بن حُجْرٍ، وَابْن حُمَيْدٍ،
وَالحُسَيْن بن حُرَيْثٍ، وَعُبَيْد اللهِ
القَوَارِيْرِيّ، وَهَنَّاد بن السَّرِيّ، وَأَبَا
مُصْعَبٍ، وَمُحَمَّد بن رُمْح، وَهِشَام بن عَمَّارٍ،
وَقُتَيْبَة بن سَعِيْدٍ، وَإِبْرَاهِيْم بن يُوْسُفَ
الفَقِيْه، وَمُحَمَّد بن أَسْلَم، وَطَبَقَتهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو النَّضْرِ الفَقِيْه، وَأَبُو
الحَسَنِ بنُ زُهَيْر، وَمُحَمَّد بن صَالِحِ بن هَانِئ،
وَآخَرُوْنَ.
ذَكَرَهُ الحَاكِم، وَلَمْ يذكر تَارِيْخاً لِمَوْتِهِ،
وَكَذَلِكَ مُؤرخ حلب الصَّاحبُ كمَالُ الدِّين
العُقَيْلِيّ.
قَالَ أَبُو النَّضْرِ الفَقِيْهُ: كَتَبْتُ عَنْهُ
(مسنَده) بخطِّي، فِي مائَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ جُزْءاً.
قُلْتُ: مَوْته تخمِيناً بَعْد الثَّمَانِيْنَ
وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ،
أَوْ دونهَا بِيَسِيْرٍ، وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الهدَى
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
__________
(*) تذكرة الحفاظ: 2 / 679، عبر المؤلف: 2 / 67، وفيات سنة
(282)، طبقات الحفاظ: 295، شذرات الذهب: 2 / 205، تهذيب
بدران: 2 / 200 - 201.
(13/377)
179 - الجَلاَجِلِيُّ أَبُو السَّرِيِّ
مُوْسَى بنُ الحَسَنِ بنِ عَبَّادٍ *
المُحَدِّثُ، المُقْرِئُ، أَبُو السَّرِيِّ مُوْسَى بنُ
الحَسَنِ بنِ عَبَّادٍ النَّسَائِيُّ، ثُمَّ
البَغْدَادِيُّ، المُلَقَّبُ: بِالجَلاَجِلِيِّ؛ لِطِيبِ
صَوْتِهِ.
سَمِعَ: رَوْح بن عُبَادَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ بَكْرٍ
السَّهْمِيّ، وَمُحَمَّد بن مُصْعَبٍ القَرْقَسَانِي،
وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَعِدَّةً.
وَعَنْهُ: ابْنُ البَخْتَرِيّ، وَالنَّجَّاد، وَابْن
قَانع، وَعُمَر بن سَلْم، وَعَبْد الصَّمَدِ الطَّسْتِي.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
قَالَ ابْنُ المُنَادِي: قِيْلَ إِنَّ القَعْنَبِيّ
قَدَّمَ الجَلاجِلِي فِي التَّرَاويح، فَأَعجبَه صَوتهُ،
وَقَالَ: كَأَنَّهُ صَوت جَلاجِل.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
180 - عُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ أَبُو عَمْرٍو بنُ أَبِي
أَحْمَدَ ** (س (1))
هُوَ الحَافِظُ، الثَّبْتُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو
عَمْرٍو بنُ أَبِي أَحْمَدَ، وَهُوَ: عُثْمَان بن عَبْدِ
اللهِ بنِ مُحَمَّد بن خُرَّزَاذ الطَّبرِي، ثُمَّ
البَصْرِيّ، نَزِيْل أَنطَاكيَة وَعَالِمهَا.
__________
(*) تاريخ بغداد: 13 / 49 - 50، تاريخ ابن عساكر: خ: 17 /
133 أ - ب، المنتظم: 6 / 26.
(* *) تاريخ ابن عساكر: خ: 11 / 64 - 65 ب، تهذيب الكمال:
خ: 914 - 915، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 31، تذكرة الحفاظ: 2
/ 623 - 624، عبر المؤلف: 2 / 66، طبقات القراء لابن
الجزري: 1 / 506 - 507، تهذيب التهذيب: 7 / 131 - 132،
طبقات الحفاظ: 265، خلاصة تذهيب الكمال: 260، شذرات الذهب:
2 / 177
(1) زيادة من " تهذيب التهذيب "
(13/378)
وُلِدَ: قَبْل المائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَفَّان بن مُسْلِمٍ، وَقُرَّة بن
حَبِيْبٍ، وَعَمْرو بن مَرْزُوْقٍ، وَعَمْرو بن خَالِدٍ
الحَرَّانِيّ، وَفَرْوَة بن أَبِي المَغْرَاء، وَأَبِي
الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيِّ، وَسَعِيْد بن مَنْصُوْرٍ،
وَعَبْد السَّلام بن مُطَهَّر، وَمُوْسَى بن
إِسْمَاعِيْلَ، وَيَحْيَى بن بُكَيْرٍ، وَيَحْيَى
الحِمَّانِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن الحَجَّاجِ السَّامِي،
وَإِبْرَاهِيْم بن مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَة، وَأَحْمَد بن
جَنَاب، وَأَحْمَد بن يُوْنُسَ، وَأُمَيَّة بن بِسْطَام،
وَبَكَّار بن مُحَمَّدٍ السِّيْرِيْنِيّ (1) ، وَالحَكَم
بن مُوْسَى، وَسَعِيْد بن كَثِيْر بن عُفير، وَسَهْل بن
بَكَّارٍ، وَشَيْبَان بن فَرُّوْخٍ، وَسُلَيْمَان ابْن
بِنْت شُرَحْبِيْل، وَأَبِي مَعْمَرٍ المُقْعَد، وَعُبَيْد
اللهِ بن عَائِشَة، وَعَمْرو بن عَوْنٍ الوَاسِطِيّ،
وَمُحَمَّد بن سِنَانٍ العَوَقي، وَمُسَدَّد، وَعِدَّةٍ.
وَجَمَعَ وَصَنَّفَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيّ، وَأَبُو حَاتِمٍ
الرَّازِيُّ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَأَبُو عَوَانَةَ فِي
(صَحِيْحِهِ)، وَمُحَمَّد بنِ المُنْذِرِ شَكَّر، وَحَاجِب
بن أَرْكين، وَأَحْمَد بن عَمْرو بن جَابِر الرَّمْلِيّ،
وَأَبُو الحَسَنِ بنُ جَوْصَا، وَخَيْثَمَة
الأَطْرَابُلُسِي، وَعَلِيّ بن الحَسَنِ بنِ العَبْد
البَصْرِيّ - صَاحِبُ أَبِي دَاوُدَ - وَأَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَحْمَوَيه الأَهْوَازِيّ،
وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيّ، وَمُحَمَّد بن
عَلِيّ بن حَمْزَةَ الأَنْطَاكِيّ، وَهِشَام بن مُحَمَّدِ
بنِ جَعْفَرٍ الكِنْدِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ
الطَّبَرَانِيّ بِالإِجَازَةِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ عَبْدُ الغنِي بن سَعِيْدٍ الحَافِظ: عُثْمَان بن
خُرَّزَاذ هُوَ عُثْمَان بن عَبْدِ اللهِ.
كَذَا يَقُوْلُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَهُوَ
عُثْمَان بن صَالِحٍ - كَمَا حَدَّثَنِي أَبُو
__________
(1) السيريني، بكسر السين، وسكون الياء، وكسر الراء: نسبة
إلى سيرين والد محمد ابن سيرين. (اللباب).
(13/379)
طَاهِرٍ السَّدُوْسِيّ: حَدَّثَنَا أَبِي،
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ صَالِحٍ، وَيُعرف صَالِح
بِخُرَّزَاذ (1) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَ رَفِيق أَبِي فِي
كِتَابَةِ الحَدِيْث، فِي بَعْضِ الجَزِيْرَة وَالشَّام،
وَهُوَ صَدُوْقٌ، أَدركتُه وَلَمْ أَسمع مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ مَحْمَويه الأَهْوَازِيّ:
أَحْفَظُ مَنْ رَأَيْتُ عُثْمَان بن خُرَّزَاذ (2) .
قَالَ ابْنُ مَنْدَة: كَانَ أَحَد الحُفَّاظ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ بَرَكَةَ الحَلَبِيّ: سَمِعْتُ
عُثْمَان بن خُرَّزَاذ يَقُوْلُ: يحتَاجُ صَاحِب
الحَدِيْثِ إِلَى خَمْسٍ، فَإِن عَدِمَتْ وَاحِدَةٌ،
فَهِيَ نقصٌ، يحتَاجُ إِلَى عقلٍ جَيِّدٍ، وَدينٍ وَضَبطٍ
وَحذَاقَةٍ بِالصِّنَاعَة، مَعَ أَمَانَةٍ تُعرف مِنْهُ
(3) .
قُلْتُ: الأَمَانَةُ جُزء مِنَ الدِّين، وَالضَّبْطُ
دَاخلٌ فِي الحِذْق، فَالَّذِي يحتَاج إِلَيْهِ الحَافِظُ
أَن يَكُون تقياً ذكياً، نَحْوِيّاً لُغَوِيّاً زكياً،
حَيِيّاً، سَلَفياً، يَكْفِيهِ أَنْ يَكتبَ بِيَدِهِ
مائَتَي مُجَلَّد، وَيُحَصِّل مِنَ الدَّواوين المعتبرَة
خَمْسَ مائَة مجلَّد، وَأَنَّ لاَ يَفْتُر مِنْ طَلَب
العِلْم إِلَى المَمَات، بنيَّةٍ خَالصَةٍ وَتواضُعٍ،
وَإِلاَّ فَلاَ يَتَعَنّ.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيّ:
أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذ فِي كِتَابِهِ -
وَقَدْ رَأَيْتهُ -: دخلنَا عَلَيْهِ بِأَنْطَاكِيَةَ
وَهُوَ عَلِيل مَسْبوت، فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئاً،
__________
(1) تاريخ ابن عساكر: خ: 11 / 65 أ
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق: 11 / 65 أ - ب.
(13/380)
وَعَاشَ بَعْد خُرُوْجِي مِنْ أَنطَاكيَة
ثَلاَثَ سِنِيْنَ وَنيفاً (1) .
وَقَالَ أَبُو يَعْقُوْبَ الأَذْرَعِي: تُوُفِّيَ عُثْمَان
بن خُرَّزَاذ بِأَنْطَاكِيَةَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَة
إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَأَمَّا أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ، فَقَالَ: مَاتَ فِي
المُحَرَّمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ.
وَكَذَا أَرَّخَهُ عَمْرو بن دُحَيْم.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ عُمَرَ بنِ
عَبْدِ اللهِ بنِ عُذَير الدِّمَشْقِيّ (2) مَرَّات،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ القَاضِي،
سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّ مائَة، وَأَنَا فِي الرَّابِعَةِ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ الفَقِيْهُ،
أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلاَّب، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيّ، أَخْبَرَنَا
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَدَقَة، حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذ، حَدَّثَنَا المشرّف بن أَبَانٍ،
حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ جَرِيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
عَمْرو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (خَيْرُ مَوْضِعٍ فِي المَسْجَدِ خَلْفَ
الإِمَام).
عَمْرو بن جَرِيْر هُوَ: أَبُو سَعِيْدٍ البَجَلِيّ،
كَذَّبَه أَبُو حَاتِمٍ (3) .
__________
(1) تاريخ ابن عساكر: خ: 11 / 65 ب.
(2) ترجمه الذهبي في " مشيخته ": خ: ق: 107، فقال: " مسند
وقته، ناصر الدين، أبو القاسم وأبو حفص الطائي
الدمشقي...تفرد في زمانه، وتكاثر عليه الطلبة، ونعم الشيخ
كان دينا وتواضعا ولطفا وحسن أخلاق ومحبة للحديث...ومات في
ثاني ذي القعدة سنة ثمان وتسعين وستمئة ".
(3) وقال الدارقطني: متروك الحديث، وأورد له المؤلف في "
الميزان " 3 / 250، 251 ثلاثة أحاديث، وقال: فهذه أباطيل،
وقد أورد الحديث السيوطي في " الجامع الكبير " ص 517 بلفظ
" خير يقعة في المسجد خلف الامام، وإن الرحمة إذا انزلت
بدأت بالامام، ثم الذين خلفه، ثم يمنة، ثم يسرة ثم يتغاص
المسجد بأهله " ونسبه للديلمي، ولم ينبه على بطلانه اكتفاء
بما ذكره في " المقدمة ".
(13/381)
181 - عَمْرُو بنُ مَنْصُوْرٍ أَبُو
سَعِيْدٍ النَّسَائِيُّ * (س (1))
الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، المصَنِّفُ، أَبُو سَعِيْدٍ
النَّسَائِيّ، أَحَد مَنْ يُضْرَبُ بِهِ المَثَل فِي
الحِفْظِ، وَهُوَ قَدِيْم الوَفَاة.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي مُسْهِرٍ الغَسَّانِيُّ، وَأَبِي
نُعَيْمٍ، وَأَبِي اليَمَانِ، وآدَم بن أَبِي إِيَاسٍ،
وَمُسْلِم بن إِبْرَاهِيْمَ، وَطَبَقَتهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيّ كَثِيْراً، وَعَبْد اللهِ بن
مُحَمَّدِ بنِ سَيَّار، وَقَاسم بن زَكَرِيَّا المطَرِّز،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، ثَبْتٌ.
وَقَالَ ابْنُ سَيَّار الفَرْهَيَانِي (2) : سَمِعْتُ
عَبَّاساً العَنْبَرِيّ يَقُوْلُ:
مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ عَمْرو بن مَنْصُوْرٍ،
وَأَبِي بَكْرٍ الأَثْرَم فَقُلْتُ لَهُ: تقْرن صَاحبنَا
بِالأَثْرَم؟! -يَعْنِي: أَنَّ هَذَا فَوْقَ الأَثْرَم-.
قُلْتُ: لَمْ أَقعْ لَهُ بتَارِيْخ وَفَاة، وَيَنْبَغِي
أَنْ يذكر مَعَ البُخَارِيّ.
182 - عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أُمَيَّةَ القُرَشِيُّ **
الإِمَامُ، الصَّدُوْقُ، المُسْنِدُ، أَبُو
__________
(*) تهذيب الكمال: خ: 1052، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 111،
ميزان الاعتدال: 3 / 289، تهذيب التهذيب: 8 / 107، طبقات
الحفاظ: 256، خلاصة تذهيب الكمال: 294.
(1) زيادة من تهذيب التهذيب.
(2) في الأصل: " والفرهياني، بزيادة الواو، وهو خطأ،
والتصحيح من مصادر المترجم، واسم ابن سيار محمد بن عبد
الله بن سيار الفرهياني.
(* *) تاريخ بغداد: 10 / 452 - 453، تاريخ ابن عساكر: خ:
10 / 198 أ - 199 أ، المنتظم: 5 / 174 - 175، اللباب: 2 /
319، ميزان الاعتدال: 2 / 636، تهذيب =
(13/382)
خَالِد القُرَشِيّ الأُمَوِيّ العَتَّابِي
البَصْرِيّ، مِنْ وَلد عَتَّاب بن أَسِيْد أَمِيْر مَكَّة.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْل، وَأَزْهَر
السَّمَّان، وَأَشهل بن حَاتِمٍ، وَجَعْفَر بن عَوْنٍ،
وَالأَنْصَارِيّ، وَبَدَل بن المُحَبَّر، وَطَبَقَتهِم.
وَعَنْهُ: أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاج، وَأَبُو سَعِيْدٍ
بنُ الأَعْرَابِيِّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحصَائِرِي،
وَخَيْثَمَة الأَطُرَابُلُسِي، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ
السَّمَّاكِ، وَإِبْرَاهِيْم بن إِسْحَاقَ بنِ أَبِي
الدَّرْدَاءِ، وَفَاروق بن عَبْدِ الكَبِيْر الخَطَّابِي،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: رَوَى عَنْ أَبِي
عَاصِمٍ مَا لاَ يُتَابع عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: حَدَّثَ بِمِصْرَ،
وَمَاتَ بِالبَصْرَةِ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ
أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: كَانَ مِنَ المعَمِّرين، مَاتَ فِي عشر المائَة.
183 - مُحَمَّدُ بنُ المُغِيْرَةِ بنِ سِنَانٍ الضَّبِّيُّ
الهَمَذَانِيُّ *
السُّكَّرِيُّ، الحَنَفِيُّ، الفَقِيْهُ.
وَيُلَقَّبُ بحَمْدَان، شَيْخ المُحَدِّثِيْنَ بِهَمذَان
وَأَهْل الرَّأْي.
حَدَّثَ عَنْ: القَاسِمِ بنِ الحَكَم العُرَنِيّ، وَهِشَام
بن عُبَيْدِ اللهِ الرَّازِيّ، وَعُبَيْد اللهِ بن
مُوْسَى، وَمكِي بن إِبْرَاهِيْمَ، وَقَبِيْصَة،
وَطَائِفَةٍ.
__________
= التهذيب: 6 / 358 - 359. والعتابي، بفتح العين والتاء
المشددة: نسبة إلى عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن
عبد شمس.
(*) ميزان الاعتدال: 4 / 46، الوافي بالوفيات: 5 / 50.
(13/383)
وَعَنْهُ: أَبُو الحَسَنِ بنُ سَلَمَة
القَطَّان، وَعَبْد السَّلام بن مُحَمَّدٍ، وَأَبُو
جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ، وَحَامِد الرَّفَّاء،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ السُّلَيمَانِي: فِيْهِ نظر.
قُلْتُ: يُشير إِلَى أَنَّهُ صَاحِبُ رَأْيٍ (1) .
تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
184 - أَحْمَدُ بنُ أَصْرَمَ بنِ خُزَيْمَةَ بنِ عَبَّادِ
بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيُّ *
ابْنِ حَسَّانِ ابْنِ الصَّحَابِيِّ عَبْدِ اللهِ بنِ
مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ، المَغَفَّلِي، البَصْرِيّ، ثُمَّ
الهَمَذَانِيّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَابْن مَعِيْنٍ،
وَعَبْد الأَعْلَى بن حَمَّادٍ، وَالقَوَارِيْرِيّ،
وَسُرَيْج، وَأَبِي إِبْرَاهِيْم التَّرْجَمَانِي،
وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: أَبُو عَوَانَةَ فِي (صَحِيْحِهِ)، وَابْن أَبِي
حَاتِمٍ، وَالقَاسِم بن أَبِي صَالِحٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ
العُقَيْلِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَرْوَانَ
الدِّمَشْقِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ.
وَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيّ عَنْهُ.
__________
(1) جرح الراوي الثقة العدل الضابط بأنه من أهل الرأي
مردود على قائله، لا يلتفت إليه، ولا يعبأ به، لأنه صادر
عن تعصب وهوى.
فأبو حنيفة ومالك وربيعة والشافعي وأحمد، وكثير غيرهم
يدخلون في عداد أهل الرأي، لان كل واحد منهم له تأويل في
آية، أو مذهب في سنة رد من أجل ذلك المذهب سنة أخرى بتأويل
سائغ، أو ادعاء نسخ، أو بوجه من الوجوه المعروفة عند أهل
العلم.
(انظر: جامع بيان العلم وفضله: 321 وما بعدها، لابن عبد
البر).
(*) الجرح والتعديل: 2 / 42، تاريخ بغداد: 4 / 44 - 45،
طبقات الحنابلة: 1 / 22، المنتظم: 6 / 3، اللباب: 3 / 241.
(13/384)
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبْتُ
عَنْهُ مَعَ أَبِي، وَسَمِعْتُ مُوْسَى بنَ إِسْحَاقَ
القَاضِي يعظِّم شَأْنَه، وَيرفع منزلتَه (1) .
وَقَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ: كَانَ ثَبْتاً،
شَدِيْداً عَلَى أَصْحَاب البِدَع.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة خَمْسٍ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَهُوَ مِنْ طبقَة الفِرْيَابِيّ وَنَحْوه، وَإِنَّمَا
قدَّمْتُه لقِدَم وَفَاته.
مَاتَ: فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ.
185 - عُبَيْدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ شَرِيْكٍ
البَغْدَادِيُّ البَزَّارُ *
المُحَدِّثُ، المُفِيْدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيّ
البَزَّار.
سَمِعَ: سَعِيْد بن أَبِي مَرْيَمَ، وَأَبَا صَالِحٍ،
وآدَم بن أَبِي إِيَاسٍ، وَأَبَا الجُمَاهر
الكَفْرَسُوْسِيّ، وَنُعَيْم بن حَمَّادٍ، وَعِدَّةً.
وَعَنْهُ: عُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ، وَابْن نَجِيْح،
وَالطَّسْتِي (2) ، وَالنَّجَّاد، وَأَبُو بَكْرٍ
الشَّافِعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ (3) : مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: يَقَعُ مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (الغَيْلاَنِيَّات).
__________
(1) الجرح والتعديل: 2 / 42.
(*) تاريخ بغداد: 11 / 99 - 100، تاريخ ابن عساكر: خ: 11 /
11 أ - ب، المنتظم: 6 / 8 - 9، لسان الميزان: 4 / 120.
(2) الطستي: نسبة إلى الطست وعمله. (اللباب).
(3) تاريخ بغداد: 11 / 100.
(13/385)
186 - البَاغَنْدِيُّ أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ الحَارِثِ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَالِمُ، الصَّادِقُ، أَبُو
بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ الحَارِثِ
الوَاسِطِيّ، المَعْرُوف بِالبَاغَنْدِيّ، وَالِدُ
الحَافِظ الكَبِيْر مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ.
حَدَّثَ عَنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي
عَاصِمٍ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيّ،
وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَقَبِيْصَة، وَحَجَّاج بن مِنْهَال،
وَعَبْد اللهِ بن رَجَاءٍ، وَخَلاَّد بن يَحْيَى،
وَالقَعْنَبِيّ، وَغَيْرهم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ الحَافِظ أَبُو بَكْرٍ،
وَالقَاضِي المَحَامِلِيّ، وَإِسْمَاعِيْل الصَّفَّار،
وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَابْن مِقْسَم، وَأَبُو
بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَعَبْد الخَالِقِ بن الحَسَنِ بنِ
أَبِي رُوبَا (1) ، وَآخَرُوْنَ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا دَاوُدَ جلس بَيْنَ يَدَيْهِ،
وَحَمَلَ عَنْهُ.
قَالَ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ أَبَا الفَتْح بن أَبِي
الفوَارس يَقُوْلُ: هُوَ ضَعِيْفٌ.
وَقَالَ السُّلَمِيُّ: سَأَلت الدَّارَقُطْنِيّ عَنْهُ،
فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: روَايَاتُه كُلُّهَا مُسْتَقيمَة (2)
.
مَاتَ: فِي آخر سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ.
__________
(*) المنتظم: 5 / 169، تذكرة الحفاظ: 2 / 685 - 686، في
نهاية ترجمة ابن خراش، ميزان الاعتدال: 3 / 571، عبر
المؤلف: 2 / 71، البداية والنهاية: 11 / 75 - 76، لسان
الميزان: 5 / 186 - 187، شذرات الذهب: 2 / 185.
(1) انظر ترجمته في: تاريخ بغداد: 11 / 124، وعبر المؤلف:
2 / 305.
(2) ميزان الاعتدال: 3 / 571.
(13/386)
وَفِيْهَا مَاتَ: إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيْمَ الخُتُّلِي (1) ، وَسَهْل بن عَبْدِ اللهِ
التُّسْتَرِيّ الزَّاهِد (2) ، وَتمتَام (3) ، وَمِقْدَام
بن دَاوُدَ الرُّعَيْنِيّ (4) ، وَعَلِيّ بن مُحَمَّدِ بنِ
أَبِي الشَّوَارِبِ (5) ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن خِرَاش
(6) ، وَالعَبَّاس بن الفَضْلِ الأَسْفَاطي (7).
أَخْبَرَنَا سُنْقُرُ الأَسَدِيّ (8) بِحَلَب، أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بنُ مَحْمُوْدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ سِلَفَة الحَافِظ، أَخْبَرَنَا أَبُو
يَاسِرٍ مُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْزِ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ المَلِكِ بنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الخَالِق بن الحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
سُلَيْمَانَ الوَاسِطِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ:
سَمِعْتُ سُلَيْمَان بن صُرَد قَالَ: قَالَ رَسُوْل اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الأَحزَاب:
(الآنَ نَغْزُوْهُمْ وَلاَ يَغْزُوْنَا).
__________
(1) تقدمت ترجمته في الصفحة: (342)، برقم: (158)
(2) تقدمت ترجمته في الصفحة: (330)، برقم: (151)
(3) هو: محمد بن غالب بن حرب الضبي.
ستأتي ترجمته في الصفحة: (390)، برقم: (188).
(4) تقدمت ترجمته في الصفحة: (345)، برقم: (161)
(5) ستأتي ترجمته في الصفحة: (412)، برقم: (200)
(6) ستأتي ترجمته في الصفحة: (508)، برقم: (253)
(7) انظر: اللباب: 1 / 54. والاسفاطي: نسبة إلى بيع
الاسفاط وعملها.
(8) ترجمته في " مشيخة " المؤلف: خ: ق: 55.
(9) وأخرجه البخاري: 7 / 311 في المغازي، باب غزوة الخندق
من طريق أبي نعيم بهذا الإسناد.
وسليمان بن صرد: بضم الصاد المهملة وفتح الراء بعدها دال
مهملة ابن الحون الخزاعي: صحابي مشهور، يقال: كان اسمه
يسار فغيره النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ في
الفتح: ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في صفة
إبليس. وكان سليمان أسن من خرج من أهل الكوفة في طلب ثأر
الحسين بن علي، فقتل هو وأصحابه بعين الوردة في سنة خمسة
وستين.
(13/387)
187 - الحَارِثُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي
أُسَامَةَ التَّمِيْمِيُّ مَوْلاَهُمْ *
وَاسْمُ أَبِي أُسَامَةَ: دَاهِرٌ، الحَافِظُ،
الصَّدُوْقُ، العَالِمُ، مُسْنِدُ العِرَاقِ، أَبُو
مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ مَوْلاَهُم، البَغْدَادِيّ،
الخَصِيبُ، صَاحِبُ (المُسْنَدِ) المَشْهُوْرِ (1) ،
وَلَمْ يُرَتِّبْه عَلَى الصَّحَابَةِ، وَلاَ عَلَى
الأَبْوَابِ.
وُلِدَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ عَطَاء، وَبِشْر بن
عُمَرَ الزَّهْرَانِيّ، وَيَزِيْد بن هَارُوْنَ، وَروْح بن
عُبَادَةَ، وَكَثِيْر بن هِشَامٍ، وَعَبْد اللهِ بن بَكْرٍ
السَّهْمِيّ، وَمُحَمَّد بن عُمَرَ الوَاقِدِيّ، وَسَعِيْد
بن عَامِرٍ الضُّبَعِيّ، وَأَبِي النَّضْرِ، وَعُثْمَان بن
عُمَرَ بنِ فَارِس، وَأَبِي نُوح قُرَاد، وَعُبَيْد اللهِ
بن مُوْسَى، وَيَحْيَى بن أَبِي بُكَيْرٍ الكِرْمَانِيّ،
وَأَبِي جَابِر مُحَمَّد بن عَبْدِ المَلِكِ، وَمُحَمَّد
بن عَبْدِ اللهِ بنِ كُنَاسَة، وَالأَسْوَد بن عَامِر
شَاذَان، وَمُحَمَّد بن مُصْعَبٍ القَرْقَسَانِي،
وَقَبِيْصَة، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَعَفَّان، وَمُسْلِم بن
إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَخَلْقٍ سِوَاهم.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا،
وَمُحَمَّد بن جَرِيْر الطَّبَرِي، وَمُحَمَّد بن
مَخْلَدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَعَبْد الصَّمَدِ
الطَّسْتِي، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ
بنُ خَلاَّد النَّصِيْبِيّ، وَعَبْد اللهِ بن الحُسَيْنِ
النَّضْرِي المَرْوَزِيّ، وَخَلْقٌ.
ذَكَرَهُ ابْن حِبَّانَ فِي (الثِّقَات).
__________
(*) تاريخ بغداد: 8 / 218 - 219، المنتظم: 5 / 155، تذكرة
الحفاظ: 2 / 619 - 620، ميزان الاعتدال: 1 / 442 - 443،
عبر المؤلف: 2 / 68، لسان الميزان: 2 / 157 - 159، طبقات
الحفاظ: 272 - 273، شذرات الذهب: 2 / 178.
(1) وقد جرد زوائده الحافظ ابن حجر في: " المطالب العالية
".
(13/388)
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: صَدُوْقٌ.
قَالَ غُنْجَارُ البُخَارِيّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
مُوْسَى الرَّازِيّ: سَمِعْتُ الحَارِثَ بنَ أَبِي
أُسَامَةَ يَقُوْلُ لِي:
سِتُّ بَنَاتٍ، أَصْغَرُهُنَّ بِنْت سِتِّيْنَ سَنَةً، مَا
زوجتُ وَاحِدَةً منهنَّ لأَننِي فَقيرٌ، وَمَا جَاءنِي
إِلاَّ فَقير، وَكرهتُ أَنْ أَزيد فِي عيَالِي، وَهَا
كَفنِي عَلَى الوَتِد مِنْ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، خِفْتُ
أَنْ لاَ يجدُوا لِي كَفَناً.
ورَوَاهَا غَيْر غُنْجَار عَنِ الرَّازِيّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَالِكٍ الإِسكَافِي:
سَأَلْتُ إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ عَنِ الحَارِث بن
مُحَمَّدٍ، وَقُلْتُ: إِنَّهُ يَأْخذ الدَّرَاهِم.
فَقَالَ: اسْمع مِنْهُ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ (1) .
وَقَالَ أَبُو الفَتْحِ الأَزْدِيّ: هُوَ ضَعِيْف، لَمْ
أَرَ فِي شُيُوْخنَا مَنْ يُحَدِّث عَنْهُ.
قُلْتُ: هَذِهِ مجَازفَةٌ، لَيْتَ الأَزْدِيّ عَرَفَ
ضَعْفَ نَفْسِه.
وَقَالَ البَرْقَانِيُّ: أَمرنِي الدَّارَقُطْنِيّ أَنْ
أُخَرِّج حَدِيْثَ الحَارِث فِي (الصَّحِيْحِ).
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي (المُحَلَّى): ضَعِيْفٌ.
قُلْتُ: لاَ بَأْسَ بِالرَّجُل، وَأَحَادِيْثُه عَلَى
الاسْتقَامَة، وَهُوَ الَّذِي رَوَى كِتَاب (الْعقل) عَنِ
ابْنِ المُحَبَّر، وَقِيْلَ: إِنَّهُ سَمِعَ مِنْ عَلِيّ
بن عَاصِم.
وَأَظُنُّنِي رَأَيْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَكَذَا قِيْلَ:
إِنَّهُ رَوَى عَنْ: أَبِي بدر السَّكُوْنِيّ.
وَقَدْ سَمِعْنَا جُمْلَةً مِنْ (مُسْنَده) وَذَنْبُه
أَخْذُهُ عَلَى الرِّوَايَة، فَلَعَلَّهُ وَهُوَ الظَّاهِر
أَنَّهُ
__________
(1) انظر: تذكرة الحفاظ: 2 / 619.
(13/389)
كَانَ مُحتَاجاً، فَلاَ ضَيْر، وَلِهَذَا
عَمل فِيْهِ مُحَمَّد بن خَلَف بن المَرْزُبَان
الأَخْبَارِي هَذِهِ القِطْعَة:
أَبْلِغِ الحَارِثَ المُحَدِّثَ قَوْلاً ... عَنْ أَخٍ
صَادِقٍ شَدِيْدِ المَحَبَّهْ
وَيْكَ قَدْ كُنْتَ تَعْتَزِي سَالِفَ الدَّهْ ... رِ
قَدِيْماً إِلَى قَبَائِلِ ضَبَّهُ (1)
وَكَتَبْتَ الحَدِيْثَ عَنْ سَائِرِ النَّا ... سِ
وَحَاذَيْتَ فِي اللِّقَاءِ ابْنَ شَبَّهْ
عَنْ يَزِيْدَ وَالوَاقِدْيِّ وَرَوْحٍ ... وَابْنَ سَعْدٍ
وَالقَعْنَبِيِّ وَهُدْبَهْ
ثُمَّ صَنَّفْتَ مِنْ أَحَادِيْثِ سُفْيَا ... نَ وَعَنْ
مَالِكٍ وَ(مُسْنَدِ) شُعْبَهْ
وَعَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ فَمَا زِلْـ ... ـتَ قَدِيْماً
تبثُّ فِي النَّاسِ كُتُبَه (2)
أَفعنْهُم أَخذْتَ بَيْعَك للْعِلْمِ ... وَإِيثَارَ مَنْ
يَزِيْدَكَ حبَّه (3) ؟
فِي أَبيَاتٍ أُخر، فَلَمَّا وَصلت الأَبيَات إِلَيْهِ،
قَالَ: أَدخلُوهُ، فضحنِي قَاتله الله.
تُوُفِّيَ الحَارِث يَوْم عرفَة، سَنَة اثْنَتَيْنِ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ فِي عشر المئَة.
188 - تَمْتَامُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ
الضَّبِّيُّ البَصْرِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظ، المُتْقِن، أَبُو
جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ غَالِبِ
__________
(1) في الأصل: " تغتربي ". والتصحيح من الميزان.
(2) في " الميزان ": " المدائني " بدلا من: " المديني ".
(3) ميزان الاعتدال: 1 / 443، وزاد بيتين:
سوءة سوءة لشيخ قديم * ملك الحرص والضراعة قلبه
فهو كالقفر في المعيشة يبسا * وأمانيه بعد تسعين رطبه
(*) الجرح والتعديل: 8 / 5، تاريخ بغداد: 3 / 143 - 146،
المنتظم: 5 / 169، اللباب: 1 / 222، تذكرة الحفاظ: 2 /
615، ميزان الاعتدال: 3 / 681، عبر المؤلف: 2 / 71، الوافي
بالوفيات: 4 / 307، لسان الميزان: 5 / 337 - 338، طبقات
الحفاظ: 270، شذرات الذهب: 2 / 185.
(13/390)
بنِ حَرْبٍ الضَّبِّيُّ، البَصْرِيُّ،
التَّمَّارُ، التَّمْتَامُ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا نُعَيْمٍ، وَمُسْلِم بن إِبْرَاهِيْم،
وَالقَعْنَبِيّ، وَعَفَّان بن مُسْلِم، وَعَبْد الصَّمَدِ
بن النُّعْمَان، وَأَبَا حُذَيْفَة النَّهْدِيّ، وَعَمْرو
بن مَرْزُوْق، وَمُسَدَّاد، وَالحَوْضي، وَطَبَقَتهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو جَعْفَرٍ بنُ البَخْتَرِيِّ،
وَإِسْمَاعِيْل الصَّفَّار، وَعُثْمَان بن السَّمَّاك،
وَأَبُو سَهْل القَطَّان، وَابْن كوثر البَرْبهَارِي،
وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ، إِلاَّ
أَنَّهُ كَانَ يخطِئ.
وَقَالَ فِي مَوْضِع آخر: ثِقَةٌ، مُجَوِّد، سَمِعْتُ
أَبَا سَهْل بن زِيَادٍ، سَمِعْتُ مُوْسَى بنَ هَارُوْن
يَقُوْل فِي حَدِيْثِ مُحَمَّد بن غَالِب، عَنِ
الورْكَانِي، عَنْ حَمَّادٍ الأَبَح، عَنِ ابْنِ عَوْن،
عَنِ ابْنِ سِيْرِيْن، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْن:
أَن النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
(شيَّبَتَنِي هُوْدٌ وَأَخواتُهَا) إِنَّهُ حَدِيْث
مَوْضُوْع.
قُلْتُ: يُرِيْد مَوْضُوْع السَّنَد لَا الْمَتْن (1) .
__________
(1) فإنه صحيح فقد أخرجه أبو بكر المروزي في مسند أبي بكر
برقم (30) والترمذي في سننه (3293) وفي الشمائل برقم (40)
وابن سعد في الطبقات (1 / 435 - 436) وأبو نعيم
في الحلية من طريق شيبان عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن
عباس قال: قال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله: قد شبت،
قال: شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا
الشمس كورت ".
وصححه الحاكم: 2 / 343 - 476 ووافقه الذهبي.
وأورده الضياء في الأحاديث المختارة.
وفي الباب عن عقبة بن عامر عند الطبراني كما في المجمع وعن
أنس عند ابن سعد في الطبقات وعن أبي جحيفة عند الترمذي في
الشمائل برقم (41).
قال العلماء: لعل ذلك لما فيهن من التخويف الفظيع والوعيد
الشديد لاشتمالهن مع قصرهن على حكاية أهوال الآخرة
وعجائبها وفظائعها وأحوال الهالكين والمعذبين مع ما في
بعضهن من الامر بالاستقامة.
(13/391)
قَالَ أَبُو سَهْل: فحضرنَا مَجْلِس
إِسْمَاعِيْل القَاضِي - مُوْسَى عِنْدَهُ - وَالمَجْلِس
غَاصّ بِأَهْلِه، فَدَخَلَ مُحَمَّد بن غَالِب، فَلَمَّا
بصر بِهِ إِسْمَاعِيْل، قَالَ: إِليّ يَا أَبَا جَعْفَرٍ
إِليّ، وَوسع لَهُ مَعَهُ عَلَى السَّرِيْر، فَلَمَّا جلس،
أَخرج كِتَاباً، فَقَالَ: أَيُّهَا القَاضِي! تَأَمله،
وَعرض عَلَيْهِ الحَدِيْث.
وَقَالَ: أَلَيْسَ الْجُزْء كُلّه بِخَط وَاحِد؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: هَلْ تَرَى شَيْئاً عَلَى الحَاشيَة؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فترضَى هَذَا الأَصل؟
قَالَ إِي وَاللهِ.
قَالَ: فَلِمَ أَوذَى وَيُنكر عليّ؟
فصَاح مُوْسَى بن هَارُوْنَ، وَقَالَ: الحَدِيْث
مَوْضُوْع.
قَالَ: فَحَدَّثَ بِهِ مُحَمَّد بن غَالِب بحضرَة
القَاضِي، وَهُوَ سَاكت، وَمَا زَالَ القَاضِي يذكر مِنْ
فضل مُحَمَّد بن غَالِب وَتقدمه.
وفِي رِوَايَة أُخْرَى (1) : قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ:
فَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: رُبَّمَا وَقَعَ الْخَطَأ
لِلنَّاس فِي الحدَاثَة، فَلَو تركته لَمْ يضرّك.
قَالَ: لاَ أَرجع عَمَّا فِي أُصَلِّي.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ يُتَّقَى لِسَانُ
تَمْتَام.
وَالصَّوَاب: أَنَّ الورْكَانِي حَدَّثَ بِهَذَا
الإِسْنَاد عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْن مَرْفُوْعاً: (لاَ
طَاعَة لمَخْلُوْق .... (2)) وَحَدَّثَ عَلَى أَثره
الأَبح، عَنْ يَزِيْدَ الرَّقَاشِيّ، عَنْ أَنَس:
(شيَّبَتَنِي هود).
قُلْتُ: مَاتَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَث
وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ تسعُوْنَ عَاماً.
__________
(1) في: تاريخ بغداد: 3 / 145.
(2) حديث صحيح. أخرجه أحمد 4 / 426، و432 و436، و5 / 66،
والطيالسي (850) و(856)، والحاكم 3 / 443 وصححه ووافقه
الذهبي، وانظر المجمع 5 / 226.
ولفظه بتمامه " لا طاعة لمخلوق في معصية الله ".
(13/392)
وَقع لَنَا حَدِيْثه كَثِيْراً،
وَبَالإجَازَة فِي (الغَيْلانِيات).
189 - البَرَلُّسِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ
أَبِي دَاوُدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَام، الحَافِظ، المُجَوِّد، أَبُو
إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْم بن أَبِي دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بنِ
دَاوُدَ الأَسَدِيُّ، الشَّامِيُّ، الصُّوْرِيُّ
المَوْلِدِ، البَرَلُّسِيُّ، بِفَتْحَتَيْنِ ثُمَّ لاَمٍ
مَضْمُوْمَةٍ (1) .
سَمِعَ: آدَمَ بن أَبِي إِيَاسٍ، وَسَعِيْد بن أَبِي
مَرْيَمَ، وَأَبَا مُسْهِرٍ الغَسَّانِيَّ، وَطَبَقَتهُم.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
قَالَ ابْنُ جَوْصَا: ذَاكرته، وَكَانَ مِنْ أَوعيَة
الحَدِيْث.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُف الهَرَوِيّ،
وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيّ، وَأَبُو العَبَّاسِ
الأَصَمّ، وَأَبُو الفَوَارِسِ السِّنْدِيّ، وَجَمَاعَة.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: هُوَ أَحَد الحُفَّاظ
المجوِّدين الأِثْبَات، تُوُفِّي بِمِصْرَ فِي شَعْبَانَ،
سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْن.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِر (2) : سَمِعَ أَبَا مُسْهِرٍ،
وَروَّاد بن الجَرَّاح، وَبكَّار بن عَبْدِ اللهِ
السِّيْرِيْنِيّ، وَيَحْيَى الوُحَاظِيّ، وَيَزِيْد بن
عَبْدِ رَبِّه، وَسَمَّى عِدَّةً.
__________
(*) تاريخ ابن عساكر: خ: 2 / 218 ب - 219 أ، المنتظم: 5 /
85، معجم البلدان: " برلس "، اللباب: 1 / 142، شذرات
الذهب: 2 / 162، تهذيب بدران: 2 / 215.
(1) وكذا ضبطها ياقوت في " معجمه " وضبطها السمعاني في "
الأنساب " وابن الأثير في " اللباب " والفيروزبادي في "
القاموس " بثلاث ضمات مع تشديد اللام، وبرلس: بليدة على
شاطئ نيل مصر قرب البحر من جهة الإسكندرية.
(2) انظر ترجمته فيه.
(13/393)
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ
ابْنَ جَوْصَا يَقُوْلُ: ذَاكرت أَبَا إِسْحَاقَ
البَرَلُّسِيّ، وَكَانَ مِنْ أَوعيَة الحَدِيْث، فَذَكَرَ
حِكَايَةً.
أَبُو إِسْحَاقَ أَبُوْهُ كُوْفِيّ، وَولد هُوَ بصُور،
وَقِيْلَ: تُوُفِّي سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
190 - الأَزْرَقُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ بنِ
مَحْمُوْدٍ *
المُحَدِّثُ، العَالِمُ، المُسْنِد، أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ بنِ مَحْمُوْدٍ الأَزْرَقُ
البَغْدَادِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: حَجَّاج بن مُحَمَّدٍ الأَعور، وَمُحَمَّد
بن عُمَرَ الوَاقِدِيّ، وَأَبِي النَّضْر هَاشِم بن
القَاسِم، وَمُحَمَّد بن يَحْيَى بن كُنَاسَة، وَعُبَيْد
اللهِ بن مُوْسَى، وَعَبْد اللهِ بن بَكْرٍ السَّهْمِيّ،
وَمُحَمَّد بن مُصْعَبٍ القَرْقسَانِي، وَالأَسْوَد بن
عَامِر شَاذَان، وَيُوْنُس بن مُحَمَّدٍ المُؤَدِّب،
وَكَثِيْر بن هِشَامٍ، وَحَفْص بن عُمَرَ الحَبِطي،
وَخَلَف بن تَمِيْم، وَجَمَاعَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الصَّمَدِ بن عَلِيٍّ الطَّسْتِي،
وَمُحَمَّد بن العَبَّاسِ بنِ نَجِيْح، وَأَبُو بَكْرٍ
الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَد بن يُوْسُفَ بنِ خَلاَّدٍ
العَطَّار، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ الدَّارَقُطْنِيّ يَقُوْلُ: لاَ
بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ حُسَيْن
الكَرَابِيْسِيّ، يُطعن عَلَيْهِ فِي اعْتِقَاده.
قَالَ الخَطِيْبُ: أَمَّا أَحَادِيْثه فصِحَاح (1) .
__________
(*) تاريخ بغداد: 3 / 159 - 160، ميزان الاعتدال: 4 / 4،
عبر المؤلف: 2 / 69، الوافي بالوفيات: 4 / 318، تهذيب
التهذيب: 9 / 399، لسان الميزان: 5 / 339 - 340، شذرات
الذهب: 2 / 180.
(1) تاريخ بغداد: 3 / 159.
(13/394)
قُلْتُ: لَهُ أُسْوَة بخلقٍ كَثِيْرٍ مِنَ
الثِّقَات الَّذِيْنَ حَدِيْثهُم (1) فِي
(الصَّحِيْحَيْنِ) أَوْ أَحَدهُمَا، مِمَّن لَهُ بِدعَةٌ
خفيفَةٌ بَلْ ثقيلَة، فَكَيْفَ الحيلَة؟ نَسْأَل اللهَ
الْعَفو وَالسمَاح.
مَاتَ الأَزْرَق: فِي آخر سَنَة إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ
وَمائَتَيْن (2) .
أَنْبَأَنِي أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَة (3) ، وَحَدَّثَنِي
عَنْهُ أَبُو سُلَيْمَانَ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الوَرَّاق،
قَالَ: أَنْبَأَنَا أحمَد بن أَبِي عِيْسَى التَّيْمِيّ.
(ح): وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْد
العَزِيْز الفَقِيْه، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْل بن ظفر،
أَخْبَرَنَا التَّيْمِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ
الحَدَّاد، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ النَّصِيْبِيّ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ، حَدَّثَنَا كَثير بن هِشَامٍ،
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ بُرْقَان، عَنْ نَافِع، عَنِ
ابْنِ عُمَر، عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ:
أَمرنِي رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ أُحِلَّ فِي حجَّته الَّتِي حَجَّ (4) .
191 - مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ بنِ الوَلِيْدِ أَبُو
جَعْفَرٍ الوَاسِطِيُّ *
المُحَدِّث، المُعَمَّر، أَبُو جَعْفَرٍ الوَاسِطِيّ،
الطَّيَالِسِيّ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَمئَة.
وَحَدَّثَ بِبَغْدَا، دَ عَنْ: يَزِيْد بن هَارُوْن،
وَأَبِي جَابِر مُحَمَّد بن عَبْد المَلِكِ، وَأَبِي
عَبْدِ الرَّحْمَن المُقْرِئ، وَمُوْسَى الطَّوِيْل -
الَّذِي زَعَمَ أَنه سَمِعَ مِنْ أَنَس بن مَالِك -.
__________
(1) في الأصل: " حديثه ".
(2) في: " الميزان " و" العبر " و" الوافي بالوفيات ":
وفاته سنة (282)
(3) ترجمه المؤلف في: " مشيخته ": خ: ق: 6.
(4) وأخرجه أحمد 6 / 285 من طريق كثير بن هشام بهذا
الإسناد، وإسناده صحيح.
(*) تاريخ بغداد: 3 / 305 - 307، ميزان الاعتدال: 4 / 41 -
42، الوافي بالوفيات: 5 / 30
(13/395)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو جَعْفَرٍ بن
البَخْتَرِيّ، وَمُحَمَّد بن مَخْلَدٍ العَطَّار، وَأَبُو
بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَد بن ثَابِت الوَاسِطِيّ،
وَعِدَّة.
رَوَى الحَاكِم، عَنِ الدَّارَقُطْنِيّ: لاَ بَأْس بِهِ.
قَالَ الخَطِيْبُ: رَأَيْت أَبَا القَاسِمِ
اللاَّلْكَائِيّ (1) ، وَالحَسَن بن مُحَمَّدٍ الْخلال
يُضَعِّفَانه.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: لَهُ مَنَاكِير (2) .
تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ،
وَقَدْ نيَّف عَلَى المئَة، فَإِنَّهُ ذكر أَنَّهُ سَمِعَ
مِنْ مُوْسَى الطَّوِيْل مَوْلَى أَنَس بِوَاسِطَ، سَنَة
إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَمئَة، قَالَ: وَكَانَ لِي ثلاَثَ
عَشْرَةَ سَنَةً (3) .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي (كَامِله): أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الحَمِيْدِ الوَرَّاق، قَالَ: قَاطعنَا مُحَمَّد بن
مَسْلَمَةَ عَلَى أَجزَاء، فَقرأَنَا عَلَيْهِ، وَفِيْهَا
حَدِيْث طَوِيْل، فَقَالَ: مَا أَحسن هَذَا! وَاللهِ إِن
سَمِعْتُ هَذَا الحَدِيْث قَطُّ إِلاَّ السَّاعَة.
وَقَالَ لَهُ: رَجُل قل عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ.
فَقَالَ: بدِرْهَمَيْنِ صِحَاح.
ثُمَّ سَاق لَهُ ابْن عَدِيٍّ مَنَاكِير.
وَحَدِيْثه عَالٍ فِي (الغَيْلاَنِيات)
__________
(1) هو هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي الحافظ،
محدث بغداد، توفي سنة 418 ه. انظره في " تذكرة الحفاظ: 3 /
1083 - 1085.
(2) انظر: تاريخ بغداد: 3 / 305.
(3) المصدر السابق: 3 / 305 - 306.
(13/396)
192 - ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَبْدُ اللهِ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ *
ابْنِ سُفْيَانَ بنِ قَيْسٍ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُمُ،
البَغْدَادِيُّ، المُؤَدِّبُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ
السَّائِرَةِ، مِنْ مَوَالِي بَنِي أُمَيَّةَ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَتَيْنِ.
وَأَقدم شَيْخ لَهُ: سَعِيْد بن سُلَيْمَانَ سَعْدَوَيْه
الوَاسِطِيّ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَلِيِّ بنِ الْجَعْد، وَخَالِد بن خِداش،
وَعَبْد اللهِ بن خَيْرَان، صَاحِب المَسْعُوْدِيّ،
وَطَبَقَتِهم.
وَقَدْ جمع شَيْخنَا أَبُو الحجَّاج (1) الحَافِظ أَسْمَاء
شُيُوْخه عَلَى الْمُعْجَم، وَهُم خلق كَثِيْر، فمنهُم:
أَحْمَد بن إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيّ، وَأَحْمَد بن
جَنَاب، وَأَحْمَد بن حَاتِمٍ الطَّوِيْل، وَأَحْمَد بن
عَبْدَة الضَّبِّيّ، وَأَحْمَد بن عِمْرَانَ الأَخنسِي،
وَأَحْمَد بن عِيْسَى المِصْرِيّ، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدِ
بنِ أَيُّوْب، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدٍ البِرتِي، وَأَحْمَد
بن مَنِيْعٍ، وَأَحْمَد بن زِيَادٍ سَبَلَان،
وَإِبْرَاهِيْم بن سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيّ، وَإِبْرَاهِيْم
بن عَبْد اللهِ الهَرَوِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن مُحَمَّدِ
بنِ عَرْعَرَة، وَإِبْرَاهِيْم بن أُوْرمَة - وَهُوَ أَصغر
مِنْهُ - وَإِسْحَاق بن أَبِي إِسْرَائِيْلَ،
وَإِسْمَاعِيْل بن إِبْرَاهِيْمَ التَرْجُمَانِي،
وَإِسْمَاعِيْل القَاضِي - وَتَأَخر بَعْدَهُ -
وَإِسْمَاعِيْل بن عَبْدِ اللهِ بنِ زُرَارَةَ الرَّقِّيّ،
وَإِسْمَاعِيْل بن عُبَيْدٍ بن أَبِي
__________
(*) الجرح والتعديل: 5 / 163، الفهرست: المقالة الخامسة:
الفن الخامس، تاريخ بغداد: 10 / 89 - 91، طبقات الحنابلة:
1 / 192 - 195، المنتظم: 5 / 148 - 149، تهذيب الكمال: خ:
736 - 737، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 184، تذكرة الحفاظ: 2 /
677 - 679، عبر المؤلف: 2 / 65، فوات الوفيات: 2 / 228 -
229، البداية والنهاية: 11 / 71، تهذيب التهذيب: 6 / 12 -
13، النجوم الزاهرة: 3 / 86، طبقات الحفاظ: 294 - 295،
خلاصة تذهيب الكمال: 213.
(1) انظر: تهذيب الكمال: خ: 736.
(13/397)
كَرِيْمَة، وَإِسْمَاعِيْل بن عِيْسَى
العَطَّار، وَبسَام بن يَزِيْدَ النَّقَّالَ، وَبَشَّار بن
مُوْسَى، وَبِشْر بن الوَلِيْدِ الكِنْدِيّ، وَحَاجِب بن
الوَلِيْدِ، وَالحَارِث بن سُرَيْج النَّقَّالَ،
وَالحَارِث بن أَبِي أُسَامَةَ - رَفِيْقه - وَالحَكَم بن
مُوْسَى، وَخَالِد بن خِدَاشٍ، وَخَلَف بن سَالِم
المُخَرِّمِيّ، وَخَلَف بن هِشَامٍ البَزَّار، وَدَاوُد بن
رُشَيْدٍ، وَدَاوُد بن عَمْرٍو الضَّبِّيّ، وَالرَّبِيْع
بن ثَعْلَب، وَزُهَيْر بن حَرْب، وَسُرَيْج بن يُوْنُسَ،
وَسَعِيْد بن زُنْبُور الهَمْدَانِيّ، وَسَعِيْد بن
سُلَيْمَانَ المُخَرِّمِيّ الأَحْوَل، وَسَعِيْد بن
سُلَيْمَانَ سَعْدَويه، وَسَعِيْد بن مُحَمَّدٍ
الجَرْمِيّ، وَسُلَيْمَان بن أَيُّوْبَ - صَاحِب
البَصْرِيّ - وَسُوَيْد بن سَعِيْدٍ، وَعَبْد اللهِ بن
خَيْرَان، وَعَبْد اللهِ بن عَوْنٍ الخرَّاز، وَعَبْد
اللهِ بن
مُعَاوِيَة الجُمَحِيّ، وَعَبْد الأَعْلَى بن حَمَّادٍ،
وَعَبْد الصَّمَدِ بن يَزِيْدَ مَرْدَوَيْه، وَعَبْد
العَزِيْزِ بن بَحْر، وَعَبْد المتعَالِي بن طَالب، وَأَبو
نَصْر بن عَبْدِ العَزِيْزِ التَّمَّار، وَعُبَيْد اللهِ
القَوَارِيْرِيّ، وَعُبَيْد الله العَيْشِيّ، وَعَلِيّ بن
الْجَعْد، وَعَمَّار بن نَصْرٍ، وَأَبُو عُبَيْد القَاسِمُ
بنُ سَلاَّم - وَهُوَ مِنْ قُدمَاء شُيُوْخه - وَكَامِل بن
طَلْحَة، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي سَمِينَة،
وَمُحَمَّد بن بَكَّارٍ بن الرَّيَّان، وَمُحَمَّد بن
جَعْفَرٍ المَدَائِنِيّ، عَنْ حَمْزَة الزَّيَّات فِي
(اصطنَاع المَعْرُوف)، وَمُحَمَّد بن زِيَادِ بنِ
الأَعْرَابِيّ، وَمُحَمَّد بن سَعِيْدٍ الكَاتِب،
وَمُحَمَّد بن سَلاَّمٍ الجُمَحِيّ، وَمُحَمَّد بن
الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيّ، وَمُحَمَّد بن الصَّبَّاح
الجَرْجَرَائِيّ، وَمُحَمَّد بن عَاصِم - صَاحِب الخَان -
حَدَّثَهُ عَنْ: حَرِيز بن عُثْمَانَ، وَعَنْ كَثِيْر بن
سُلَيْم، وَمُحَمَّد بن عَبَّاد المَكِّيّ، وَمُحَمَّد بن
عَبْدِ الوَاهِب الحَارِثِيّ، وَمُحَمَّد بن عُبَيْدٍ
وَالده، وَمُحَمَّد بن عِمْرَانَ بنِ أَبِي لَيْلَى
الأَنْصَارِيّ، وَمُحَمَّد بن يُوْنُسَ الكُدَيْمِيّ،
__________
(1) البرتي، بكسر الباء، وسكون الراء: نسبة إلى برت: قرية
بنواحي بغداد. (اللباب)
(13/398)
وَمَحْمُوْد بن الحَسَنِ الوَرَّاق - مِنْ
نَظمه - وَمَحْمُوْد بن مُحَمَّدِ بنِ مَحْمُوْد بن عَدِيّ
بنِ ثَابِت بن قَيْس بن الْخطيم الظَّفَرِيّ، وَمَنْصُوْر
بن أَبِي مُزَاحم، وَمَهْدِيّ بن حَفْص، وَمُوْسَى بن
مُحَمَّدِ بنِ حَيَّانَ البَصْرِيّ، وَالنَّضْر بن طَاهِرٍ
البَصْرِيّ، وَنُعَيْم بن الهيصم، وَهَارُوْن بن مَعْرُوف،
وَالهَيْثَم بن خَارِجَةَ، وَيَحْيَى بن أَيُّوْبَ
العَابِد، وَيَحْيَى بن درست القُرَشِيّ، وَيَحْيَى بن
عَبْد الحَمِيْد الحِمَّانِيّ، وَيَحْيَى بن عَبْدوَيْهِ -
صَاحِب شُعبَة - وَيَحْيَى بن يُوْسُفَ الزَّمِّي (1) ،
وَأَبُو بلاَل الأَشْعَرِيّ مِرْدَاس، وَأَبُو عُبَيْدَة
بن فُضَيْل بن عِيَاض.
ويَرْوِي عَنْ خلق كَثِيْر لاَ يُعرفون، وَعَنْ طَائِفَةٍ
مِنَ المُتَأَخِّرين: كيَحْيَى بن أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي
قِلاَبةَ الرَّقَاشِيّ، وَأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ،
وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيّ، وَعَبَّاس
الدُّوْرِيّ؛ لأَنَّهُ كَانَ قَلِيْل الرِّحلَة،
فَيتَعَذَّر عَلَيْهِ رِوَايَة الشَّيْء، فَيَكْتُبهُ
نَازلاً وَكَيْفَ اتَّفَقَ.
وَتَصَانِيْفه كَثِيْرَةٌ جِدّاً، فِيْهَا مُخَبّآت
وَعجَائِب.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَارِث بن أَبِي أُسَامَة، أَحَد
شُيُوْخِه، وَابْن أَبِي حَاتِمٍ، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدٍ
اللُّنبَانِي (2) ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ سَلْمَان
النَّجَّاد، وَالحُسَيْن بن صَفْوَانَ البَرْذَعِيّ،
وَأَحْمَد بن خُزَيْمَةَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ عَبْد اللهِ بن
بُريَة الهَاشِمِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْد
اللهِ الشَّافِعِيّ، وَعِيْسَى بن مُحَمَّدٍ الطُّومَارِي،
وَأَبُو عَلِيٍّ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الصَّحَّاف، وَأَبُو
العَبَّاسِ بن عُقدَة، وَأَبُو سَهْل بن زِيَادٍ،
وَأَحْمَد بن مَرْوَانَ الدِّيْنَوَرِيّ، وَعُثْمَان بن
مُحَمَّدٍ
__________
(1) الزمي، بفتح الزاي، وتشديد الميم: نسبة إلى زم: بليدة
على طرف جيحون. (اللباب).
(2) اللنباني، بضم اللام، وسكون النون: نسبة إلى محلة
كبيرة بأصبهان، ولها باب يقال له: باب لنبان. (اللباب)
(13/399)
الذّهبِي ، وَعَلِيّ بن الفَرَجِ بن أَبِي
رَوْح، وَإِبْرَاهِيْم بن مُوْسَى بن جَمِيْل
الأَنْدَلُسِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن عُثْمَانَ الخشَّاب،
بصرِي، وَإِبْرَاهِيْم بن عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْد -
وَمَاتَ قَبْلَهُ - وَأَبُو الحُسَيْن أَحْمَد بن
مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الجَوْزِيّ، وَابْن أَبِي حَاتِمٍ،
وَعَبْد الرَّحْمَن بن حَمْدَانَ الجَلاَّب، وَمُحَمَّد بن
عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَد الأَصْبَهَانِيّ الصَّفَّار،
وَأَبُو بشير الدُّوْلاَبِيّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بن
البَخْتَرِيّ، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ خنب (1)
البُخَارِيّ، وَابْن المَرْزبَان، وَمُحَمَّد بن خَلَف،
وَكِيْع، وَآخَرُوْنَ.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ فِي (تَفْسِيْره).
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبْتُ عَنْهُ مَعَ أَبِي،
وَقَالَ أَبِي: هُوَ صَدُوْقٌ (2) .
وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ يُؤدِّب غَيْر وَاحِدٍ مِنْ
أَولاَد الخُلَفَاء (3) .
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا إِذَا
جَالس أَحَداً، إِن شَاءَ أَضحكه، وَإِن شَاءَ أَبكَاهُ
فِي آنٍ وَاحِدٍ، لتَوَسُّعِهِ فِي العِلْمِ وَالأَخْبَار.
قَالَ أَحْمَد بن كَامِلٍ: كَانَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا
مُؤَدِّب المُعْتَضِد.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بن شَاذَان البَزَّاز: حَدَّثَنَا
أَبُو ذَر القَاسِم بن دَاوُد، حَدَّثَنِي ابْن أَبِي
الدُّنْيَا، قَالَ: دَخَلَ المكتفِي (4) عَلَى المُوَفَّق
وَلَوْحُه بِيَدِه، فَقَالَ مَالِك لَوْحُك بِيَدِك؟
قَالَ: مَاتَ غُلاَمِي وَاسْترَاح مِنَ الكُتَّاب.
قَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلاَمك، كَانَ الرَّشِيْد أَمر
أَنْ تُعْرَض عَلَيْهِ أَلواح أَولاَدِه (5) ، فَعُرضت
__________
(1) خنب: بفتح الخاء وسكون النون، كذا ضبط في " التبصير ".
(2) الجرح والتعديل: 5 / 163.
(3) تاريخ بغداد: 10 / 89.
(4) كتب في حاشية الأصل وبجانب كلمة " المكتفي ": كلمة: "
المعتضد ".
والمكتفي هو ابن المعتضد وحفيد الموفق، والمعتضد هو ابن
الموفق
(5) زاد الخطيب هنا: " في كل يوم اثنين وخميس ".
(13/400)
عَلَيْهِ فَقَالَ لابْنهِ مَا لغُلاَمك
لَيْسَ لَوْحك مَعَهُ؟
قَالَ: مَاتَ وَاسْترَاح مِنَ الكُتَّاب.
قَالَ: وَكَأَنَّ المَوْت أَسهل عَلَيْك مِنَ الْكتاب؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فدع الكُتَّاب، قَالَ: ثُمَّ جِئْته.
فَقَالَ: كَيْفَ مَحَبَّتك لمُؤَدِّبك؟
قُلْتُ: كَيْفَ لاَ أَحَبّه، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فتق
لسَانِي بِذِكْرِ الله، وَهُوَ مَعَ ذَاكَ إِذَا شِئْت
أَضحكك، وَإِذَا شِئْت أَبكَاك.
قَالَ: يَا رَاشِد: أَحضر (1) هَذَا.
فَأَحضرنِي، فَابْتدأَت فِي أَخْبَار الخُلَفَاء
وَموَاعِظهُم، فَبَكَى بكَاء شَدِيْداً... ثُمَّ ابتدأْت،
فَذكرت نَوَادِر الأَعرَاب، فَضَحِكَ ضحكاً كَثِيْراً،
ثُمَّ قَالَ لِي: شَهْرتَنِي شَهْرتَنِي.
وَقَعَ لِي مِنْ تَصَانِيْف ابْن أَبِي الدُّنْيَا:
(القنَاعَة)، (قصر الأَمل)، (مُجَابِي الدعوَة)،
(التَّوَكُّل)، (الْوَجل)، (ذمّ الملاَهِي)، (الصَّمت)،
(الْفرج بَعْد الشِدَّة)، (قِرَى الضَّيف)، (مَنْ عَاشَ
بَعْدَ المَوْت)، (الْمُحْتَضرِينَ)، (المدَارَة) بفَوْت،
(محَاسبَة النَّفس)، (ذمّ الْمُسكر)، (اليَقين)،
(التَّوبَة)، (الشُّكْر)، (المَوْت)، (القُبُوْر)،
(العزلَة)، وَأَشيَاء.
تَرْتِيْب مصنفَاته عَلَى الْمُعْجَم: كِتَاب (الأَدب)،
(اصطنَاع المَعْرُوف)، (الأَشرَاف)، (أَخْبَار ضَيْغم)،
(إِصْلاَح المَال)، (الأَنوَاء)، (أَخْبَار المُلُوك)،
(الأَخلاق)، (الإِخوَان)، (الانفرَاد)، (أَخْبَار
الثَّوْرِيّ)، (الأَلويَة)، (الأَوْلِيَاء)، (الأَمْر
بِالمَعْرُوف)، (الأَلحَان)، (الأَحزَان)، (أَخْبَار
أُوَيْس)، (أَخْبَار مُعَاوِيَة)، (الأَضحيَة)،
(الإِخلاص)، (الأَيَّام وَاللَّيَالِي)، (أَهوَال
القِيَامَة)، (أَعلاَم النُّبُوَّة)، (إِنزَال الحَاجَة
بِاللهِ)، (أَخْبَار قُرَيْش)، (أَخْبَار
__________
(1) في تاريخ بغداد 10 / 90: أحضرني.
(13/401)
الأَعرَاب)، (إِعَطَاء السَّائِل)،
(انْقِلَاب الزَّمَان)، (أَعقَاب السُّرُور وَالأَحزَان
وَالبكَاء).
(التَّوبَة)، (التَّهَجُّد)، (التَّفَكُّر وَالاعتبَار)،
(التعَازي)، (تَارِيْخ الخُلَفَاء)، (التَّارِيْخ)،
(تغيُّر الإخوَان) (تَغْيِير الزَّمَان)، (التَّقْوَى)،
(تعبِير الرُّؤيَا)، (التَّشمس)، (التَّوَكُّل).
(الْجُوع)، (الجِهَاد)، (الجفَاة عِنْد المَوْت)،
(الجيرَان).
(حسن الظَّنّ)، (الْحذر وَالشَّفقَة)، (حلم الحكمَاء)،
(الْحلم)، (حلم الأَحْنَف)، (حُرُوف خلف)، (الحوائِج).
(الخُلَفَاء)، (الخَافقين)، (الخمُوْل)، (الْخبز الخَاتم).
(دلاَئِل النُّبُوَّة)، (الدّين وَالوَفَاء)، (الدُّعَاء)،
(ذمّ الدُّنْيَا)، (ذمّ الشَّهَوَات)، (ذمّ الْمُسكر)،
(ذمّ الْبَغي)، (ذمّ الغيبَة)، (ذمّ الْحَسَد)، (ذمّ
الفَقْر)، (ذمّ الرَّيَاء)، (ذمّ الرِّبَا)، (ذمّ الضحك)،
(ذمّ البُخْل)، (الذّكر).
(الرُّهبَان)، (الرُّخْصَة فِي السَّمَاع)، (الرَّمْي)،
(الرَّهَائِن)، (الرِّضَا)، (الرِّقَّة).
(الزُّهْد)، (الزَّفير)، (السُّنَّة)، (السَّخَاء)،
(الشُّكر)، (الشَّيب)، (شرف الفَقْر).
(الصَّمت)، (الصَّدَقَة)، (صدقَة الْفطر)، (الصَّبْر)،
(صفَة الجَنَّة)، (صفَة النَّار)، (صفَة النَّبِيّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، (الصَّلاَة عَلَى
النَّبِيِّ - صلَّى الله عَلَيْهِ وَسلَّم -).
(13/402)
(الطَّبَقَات)، (الطَّواعِين).
(العُزلَة)، (العزَاء)، (عقوبَة الأَنْبِيَاء)، (الْعقل)،
(العوائِد)، (العقوبَات)، (العيَال)، (العبَّاد)،
(الْعوذ)، (الْعِيدَيْنِ)، (العِلْم)، (عَاشُورَاء)،
(الْعَفو)، (عَطَاء السَّائِل)، (الْعُمر وَالشَّبَاب).
(فضل العَبَّاس)، (الفتوَى)، (الْفرج بَعْد الشِدَّة)،
(فضل الْعشْر)، (فضل رَمَضَان)، (فضَائِل عليّ)، (فضل لاَ
إِلَهَ إِلاَّ الله)، (الفَوَائِد)، (الفتُوْنَ)، (فضَائِل
القُرْآن).
(القصّاص)، (قَضَاء الحوائِج)، (قصر الأَمل)، (قرَى
الضَّيف)، (القُبُوْر)، (القنَاعَة).
(كَرَامَاتَ الأَوْلِيَاء).
(المدَارَة)، (مَنْ عَاشَ بَعْدَ المَوْتِ)،
(الْمُحْتَضرِينَ)، (الْمَرَض وَالكفَّارَات)، (المَوْت)،
(الْمُتَمَنِّينَ)، (مكَائِد الشَّيْطَان)، (المَطَر)،
(المَنَامَات)، (مَقْتَل عليّ)، (مَقْتَل عُثْمَان)،
(مَقْتَل الحُسَيْن)، (مَقْتَل طَلْحَة)، (مَقْتَل
الزُّبَيْر)، (مَقْتَل ابْن الزُّبَيْرِ)، (مَقْتَل ابْن
جُبَيْر)، (كِتَاب المُروءة)، (المَجُوْس)، (معَارض
الكلامَ)، (الْمَمْلُوكين)، (المَغَازِي)، (الْمُنْتَظِم)،
(المنَاسك)، (مكَارم الأَخْلاَق)، (مجَابِي الدَّعوَة)،
(محَاسبَة النَّفس)، (الْمَعيشَة).
(النَّوَادر)، (النَّوَازع).
(الهُم وَالحزن)، (الهدَايَا).
(13/403)
(الوَرَع)، (الوصَايَا)، (الْوَقْف
وَالابْتِدَاء)، (الْوَجل)، (اليَقين).
193 - المُنَجِّمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ هَارُوْنُ بنُ
عَلِيِّ بنِ يَحْيَى *
الأَدِيْبُ، الأَخْبَارِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ هَارُوْنُ
بنُ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ بن
المُنَجِّم، البَغْدَادِيّ، النَّديم.
مُصَنِّف كِتَاب: (البَارع) فِي الشُّعَرَاء الْمُولدين،
فَبدأَ بِبَشَّار، وَخَتَم بِابْن الزَّيَّات، وَهُم مائَة
وَسِتُّوْنَ شَاعِراً، فَالعمَاد فِي (الخريدَة)،
وَالحَظيرِي، وَالبَاخَرْزِي، وَالثَّعَالبِي، نَسَجُوا
عَلَى منَوَاله، وَفرعُوا عَلَيْهِ.
وَلَهُ كِتَاب: (النِّسَاء وَمَا فِيهِنَّ (1))، وَغَيْر
ذَلِكَ.
وَهُوَ مِنْ بَيْت أَدب وَمُجَالَسَة (2) للخلفَاء.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ،
وَلَمْ يطلّ عُمره.
وَكَانَ أَبُوْهُ أَبُو الحَسَنِ أَدِيْباً شَاعِراً.
وَكَانَ جَدُّهُ منجِّماً، وَاصلاً عِنْد المَأْمُوْن،
وَمَاتَ بِحَلَب: سَنَة بِضْعَ عَشْرَة وَمائَتَيْنِ.
وَكَانَ جدهُم أَبُو مَنْصُوْر مُنَجم أَبِي جَعْفَرٍ
المَنْصُوْر، وَكَانَ مَجُوْسِيّاً شَقيّاً، وَأَسْلَم
ابْنه يَحْيَى عَلَى يَد المَأْمُوْن، وَصَارَ مَوْلاَهُ
وَنديمَه وَأَنيسَه.
__________
(*) الفهرست: المقالة الثالثة: الفن الثالث، معجم الأدباء:
19 / 262 - 263، وفيات الأعيان: 6 / 78 - 79.
(1) في: وفيات الأعيان: 6 / 78 - 79: " وله كتاب " النساء
وما جاء فيهن من الخبر ومحاسن ما قيل فيهن من الشعر
والكلام الحسن ". ولم أظفر له بشيء من الشعر حتى أورده
(2) في الأصل: " مخالسة ".
(13/404)
وَلعَلِيّ بن هَارُوْنَ بنِ عَلِيٍّ
تَرْجَمَةٌ فِي (تَارِيْخ (1)) ابْن خلِّكَانَ.
أَخُوْهُ العَلاَّمَةُ النَّدِيْمُ :
194 - أَبُو أَحْمَدَ يَحْيَى بنُ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى
المُنَجِّمُ *
نَادَم جَمَاعَةً، آخرهُم المكتفِي.
وَصَنَّفَ كتباً عِدَّة، وَعلَتْ رتبته.
وَكَانَ مُعتزلياً مُبتدعاً، رَأْساً فِي ذَلِكَ.
وَلَهُ كِتَاب (البَاهر فِي شُعرَاء الدَّوْلَتين)، ثُمَّ
تَمَّمه وَلدُه أَحْمَد بن يَحْيَى، وَلَهُ كِتَاب:
(الإِجْمَاع فِي الفِقْهِ).
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ تَلاَمِذَةِ مُحَمَّد بن جَرِيْر،
وَلَهُ مَعَ الْمُعْتَضد وَقَائِع وَنوَادر، وَحَرِد
عَلَيْهِ المكتفِي مَرَّةً فَأَلزمه بِصَيْد الأَسَد،
فَعمل أَبيَاتاً، مِنْهَا:
كَلَّفُوْنَا صَيْدَ السِّبَاعِ وَإِنَّا ... لَبِخَيْرٍ
إِنْ لَمْ تَصِدْنَا السِّبَاعُ (2)
عَاشَ تسعاً وَخَمْسِيْنَ سنَةً.
وَتُوُفِّيَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثِ
مائَة.
195 - سَنْجَةُ أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بنُ عُمَرَ بنِ
الصَّبَّاحِ الرَّقِّيُّ **
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، شَيْخُ الرَّقَّة،
أَبُو عُمَرَ حَفْص بن عُمَرَ
__________
(*) الفهرست: المقالة الثالثة: الفن الثالث، تاريخ بغداد:
14 / 230، نزهة الالباء: 236، معجم الأدباء: 20 / 28 - 29،
وفيات الأعيان: 6 / 198 - 201.
(1) 3 / 375 - 376، وهو مترجم أيضا في: " يتيمة الدهر ": 3
/ 119، ومعجم الأدباء: 15 / 112.
(2) وفيات الأعيان: 6 / 200.
والبيت من قصيدة أولها: نفس الدهر أن نسر وأن ي...سعدنا
بالاحبة الاجتماع
(* *) ميزان الاعتدال: 1 / 566، لسان الميزان: 2 / 328 -
329.
(13/405)
بنِ الصَّبَّاحِ الرَّقِّيّ الجَزَرِيّ،
وَيُلَقَّبُ بِسَنْجَة (1) أَلْف.
ارْتَحَلَ وَسَمِعَ: أَبَا نُعَيْمٍ، وَقَبِيْصَة بن
عُقْبَةَ، وَعَبْد اللهِ بن رَجَاءٍ الغُدَانِي، وَفَيْض
بن الفَضْلِ، وَطَبَقَتهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ،
وَيَحْيَى بن صَاعِدٍ، وَالعَبَّاس بن مُحَمَّدٍ
الرَّافقي، وَأَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيّ،
وَآخَرُوْنَ، وَأَكْثَر عَنْهُ الطَّبَرَانِيّ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: حَدَّثَ بِغَيْر حَدِيْث
لَمْ يُتَابع عَلَيْهِ.
قُلْتُ: احْتَجَّ بِهِ أَبُو عَوَانَةَ.
وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَهُوَ صَدُوْقٌ فِي نَفْسِهِ، وَلَيْسَ بِمُتْقِن.
196 - رَافِعُ بنُ هَرْثَمَةَ *
الأَمِيْرُ: وَلِي خُرَاسَان مِنْ قِبَل مُحَمَّد بن
طَاهِرٍ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ
عِنْدَمَا عَزل الموفَّقُ عَمْرو بن اللَّيْثِ الصَّفَّار
عَنْ إِمرَة خُرَاسَان، ثُمَّ وَرَدَت كتبُ المُوَفَّق
عَلَى رَافِع بِقصد جُرْجَان، وَهِيَ لِلْحَسَنِ بنِ
زَيْد، فَحَاصرهَا رَافِع سَنَتين، وَاسْتَوْلَى رَافِع
عَلَى طَبَرِسْتَان، فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ،
ثُمَّ اسْتُخلف المُعْتضِد، فَعَزل عَنْ خُرَاسَان
رَافعاً، وَأَعَاد عَمْرو بن
__________
(1) ضبطت السين في الأصل بالفتح، وكذلك ضبطها ابن ماكولا
في " الإكمال ": 4 / 385.
أما المؤلف في " مشتبهه " فقد ضبطها بكسر السين، وتابعه
على ذلك صاحب: " التوضيح " و" التبصير ".
ويترجح الفتح إذا كانت الكلمة مأخوذة من " سنجة الميزان "،
فإن سينها مفتوحة كما في كتب اللغة.
(*) تاريخ الطبري: 9 / 621، و10 / 31، 44، 50، الكامل لابن
الأثير: 7 / 367 - 369، 457 - 459، عبر المؤلف: 2 / 70،
البداية والنهاية: 11 / 76، شذرات الذهب: 2 / 182.
(13/406)
اللَّيْث، فَحَشَد رَافِع، وَاسْتعَان
بِمُلُوْك، فَالتَقَى عَمْراً فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ
وَثَمَانِيْنَ، فَهَزمه عَمْرو، وَسَاقَ وَرَاءهُ
أَيَّاماً، وَضَايقه إِلَى أَنْ تفرق جُنده، وَقُتِلَ
رَافِع: فِي شَوَّالٍ، مِنْ سنَةِ ثَلاَثٍ، وَنُفِّذ
رَأْسه إِلَى المُعْتَضِد.
وَقِيْلَ: لَمْ يَكُنْ هَرْثمَة أَبَاهُ، بَلْ كَانَ زَوْج
أُمِّه، وَإِنَّمَا هُوَ رَافِع بن نُوْمَرد.
وَقَدِ امْتَدَحَهُ البُحْتُرِيّ (1) ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ
بِأَلف دِيْنَار إِلَى بَغْدَادَ.
وَكَانَ مَلَكاً جَوَاداً، عَالِي الهِمَّة، وَاسِعَ
الممَالِك، وَتَمَكَّنَ بَعْدَهُ الصَّفَّار.
197 - البِرْتِيُّ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى *
القَاضِي، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو
العَبَّاسِ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ الأَزْهر
البِرْتِي، البَغْدَادِيّ، الحَنَفِيّ العَابِد.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا نُعَيْمٍ، وَالقَعْنَبِيّ، وَعَفَّان،
وَعَاصِم بن عَلِيٍّ، وَأَبَا الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيّ،
وَمُسْلِم بن إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبَا سَلَمَةَ،
وَسُلَيْمَان بن حَرْبٍ، وَأَبَا حُذَيْفَة النَّهْدِيّ،
وَأَبَا عُمَر الحَوْضي، وَأَبَا حُذَيْفَة، وَأَبَا
غَسَّانَ مَالِك بن
__________
(1) انظر القصيدة في ديوانه: 3 / 2046. (ط. دار المعارف
بمصر) ومطلعها: بالله أولي يمينا برقة قسما * ما كان ما
زعم الواشي كما زعما وتقع في ستة وثلاثين بيتا.
(*) تاريخ بغداد: 5 / 61 - 63، طبقات الفقهاء: 140، طبقات
الحنابلة: 1 / 66، المنتظم: 5 / 145 - 146، اللباب: 1 /
133، تذكرة الحفاظ: 2 / 596 - 597، عبر المؤلف: 2 / 63،
البداية والنهاية: 11 / 69، طبقات الحفاظ: 267، شذرات
الذهب: 2 / 175.
(13/407)
إِسْمَاعِيْل، وَمُسَدَّد بن مُسَرْهَد،
وَمُحَمَّد بن كَثِيْر، وَيَحْيَى الحِمَّانِيّ،
وَعِدَّةً.
وَتَفَقَّهَ بِأَبِي سُلَيْمَانَ الجُوْزَجَانِيّ
الفَقِيْه - صَاحِب مُحَمَّد بن الحَسَنِ - وَجَمَعَ
وَصَنَّفَ.
وَتَفَقَّهَ بِهِ أَئِمَّةٌ وَعُلَمَاء.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ صَاعِدٍ، وَابْن
مَخْلَدٍ، وَإِسْمَاعِيْل الصَّفَّار النَّحْوِيّ، وَأَبُو
سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ،
وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُم.
قَالَ الخَطِيْبُ: وَلِي قَضَاءَ بَغْدَاد بَعْد أَبِي
هِشَام الرِّفَاعِيّ، لمَّا تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) .
قَالَ طَلْحَة بن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ: وَكَانَ
البِرْتِي مِنْ خيَار المُسْلِمِيْنَ، دَيِّناً عَفِيْفاً،
عَلَى مَذْهَب أَهْل العِرَاقِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ
يَحْيَى بن أَكْثَم، وَكَانَ قَبْل ذَلِكَ يَتَقَلَّد
قَضَاءَ وَاسِط، رَوَى تآلِيف مُحَمَّد عَنِ
الجُوْزَجَانِيّ، وَحَدَّثَ بِحَدِيْث كَثِيْر.
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً ثَبْتاً حجّةً، يُذْكَرُ
بِالصَّلاَحِ وَالعِبَادَة... إِلَى أَنْ قَالَ:
أَخْبَرَنَا القَاضِي الصَّيْمَرِي، أَخْبَرَنَا القَاضِي
أَبُو عَبْدِ اللهِ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا القَاضِي
مُحَمَّد بن صَالح الْهَاشِمِي، أخبرنَا أَبُو عمر
مُحَمَّد بن يُوسُف القَاضِي قَالَ:
ركبتُ يَوْماً مَعَ إِسْمَاعِيْل القَاضِي إِلَى أَحْمَدَ
بنِ مُحَمَّدٍ البِرْتِي، وَهُوَ مُلاَزم لِبَيْته،
فرَأَيْتُ شَيْخاً مُصْفَاراً، أَثَرُ العِبَادَة
عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ إِسْمَاعِيْل أَعْظَمَهُ إِعظَاماً
شَدِيْداً، وَسَأَلَهُ عَنْ نَفْسِه وَأَهلِه وَعجَائِزه،
وَجَلَسْنَا عِنْدَهُ سَاعَة، وَانصرفْنَا، فَقَالَ لِي
إِسْمَاعِيْل: يَا بُنَي! تَدْرِي مِنْ هَذَا الشَّيْخُ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: هَذَا القَاضِي البِرْتِي، لَزِمَ بيتَه،
وَاشْتَغَلَ بِالعِبَادَة، هَكَذَا
__________
(1) تاريخ بغداد: 5 / 61.
(13/408)
تكُون القُضَاة، لاَ كَمَا نَحْنُ (1) .
عَنِ العَلاَء بن صَاعِدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ دَخَلَ
عَلَيْهِ القَاضِي البِرْتِي، فَقَامَ إِلَيْهِ،
وَصَافَحَهُ، وَقَالَ: مَرْحَباً بِالَّذِي يعْمل
بِسُّنَّتِي وَأَثرِي.
فَذَهَبتُ وَبشَّرته بِالرُّؤيَا (2) .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ: كَانَ إِسْمَاعِيْل
القَاضِي يُقَدِّمُ البِرْتِيَّ عَلَى كَافَّةِ أَقرَانه
فِي القَضَاءِ وَالرِّوَايَة وَالعدَالَة.
قُلْتُ: مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَة ثَمَانِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
وَقع لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (الغَيْلاَنِيَّات).
قَرَأْتُ عَلَى عبد الحَافِظ بن بَدْرَان (3) ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ
البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُوَ الفَضْلِ بن خَيْرُوْنَ،
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو
سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا القَعْنَبِيّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (صَلاَةُ الجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ
أَحَدِكُمْ بِخَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ جُزْءاً) (4) .
__________
(1) تاريخ بغداد: 5 / 61 - 62
(2) انظر الخبر بزياداته في " تاريخ بغداد ": 5 / 62 - 63.
(3) تقدمت الإشارة إليه في الصفحة: (179)، ت: 2، وهو في "
مشيخة " المؤلف: خ: ق: 70.
(4) هو في الموطأ 1 / 149 - 150 في الجماعة باب فضل صلاة
الجماعة على صلاة الفذ وأخرجه من طريق مالك مسلم برقم
(649) في المساجد: باب فضل صلاة الجمعة، الترمذي (216) في
الصلاة: باب ما جاء في فضل الجماعة، والنسائي 2 / 103 في
الامامة: باب فضل الجماعة.
(13/409)
وَمَاتَ مَعَهُ: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ
الدَّارِمِيّ (1) ، وَأَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ
(2) ، وَهلاَلُ بنُ العَلاَءِ الرَّقِّيُّ (3) ، وَحَفْصُ
بنُ عُمَرَ الرَّقِّيُّ سَنْجَة (4) ، وَجَعْفَرُ بنُ
مُحَمَّدٍ القلاَنسِيُّ بِالرَّمْلَة، وَأَحْمَدُ بنُ
عُبَيْدٍ الله النَّرْسِيُّ (5) ، وَأَبُو الحَسَنِ
أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ فيل الأَنْطَاكِيُّ.
198 - الحَرْبِيُّ أَبُو يَعْقُوْبَ إِسْحَاقُ بنُ
الحَسَنِ بنِ مَيْمُوْنٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو يَعْقُوْبَ،
إِسْحَاق بن الحَسَنِ بنِ مَيْمُوْنَ، البَغْدَادِيّ
الحَرْبِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ: هَوْذَة بن خَلِيْفَةَ، وَحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ
المَرُّوْذِيّ، وَمُوْسَى بن دَاوُدَ، وَعَفَّان بن
مُسْلِمٍ، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَأَبَا حُذَيْفَة مُوْسَى بن
مَسْعُوْدٍ، وَالقَعْنَبِيّ.
وسمِعنَا (المُوَطَّأ) مِنْ رِوَايته عَنْهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ
النَّجَّادُ، وَأَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو بَكْرٍ
الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الصَّوَّاف، وَأَبُو
بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
__________
(1) تقدمت ترجمته في الصفحة: (319)، برقم: (148)
(2) تقدمت ترجمته في الصفحة: (270)، برقم: (132)
(3) تقدمت ترجمته في الصفحة: (309)، برقم: (143)
(4) تقدمت ترجمته في الصفحة: (405)، برقم: (195)
(5) تقدمت ترجمته في الصفحة: (240)، برقم، (122) (6) من
رجال " التقريب ".
(*) طبقات الحنابلة: 1 / 112 - 113، المنتظم: 5 / 174،
ميزان الاعتدال: 1 / 190، عبر المؤلف: 2 / 73، الوافي
بالوفيات: 8 / 409، البداية والنهاية: 11 / 78، لسان
الميزان: 1 / 360، شذرات الذهب: 2 / 186.
(13/410)
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَالَ لَنَا
أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ: سُئِلَ إِبْرَاهِيْم
الحَرْبِيّ عَنْ إِسْحَاقَ بنِ الحَسَنِ، فَقَالَ: هُوَ
يَنْبَغِي أَنْ يُسْأَل عَنَّا.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَد بن حَنْبَلٍ: هُوَ
ثِقَةٌ، وَقَدْ سُئِلَ إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ مرَّة
عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ أَكْبَر مِنِّي بثلاَثِ سِنِيْنَ،
وَأَنَا قَدْ لقيتُ حُسَيْن بن مُحَمَّدٍ، أَفلاَ يلقَاهُ
هُوَ؟ لَوْ أَنَّ الكَذِبَ حلاَلٌ مَا كذب إِسْحَاق (1) .
قُلْتُ: كَانَ مِنَ العُلَمَاءِ السَّادَة.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ جَاوَز التِّسْعِيْنَ.
وَقع حَدِيْثُهُ عَالِياً لابْن طَبَرزَدْ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ
المُسْتَمْلِي (2) ، وَعَبْد العَزِيْز بن مُعَاوِيَةَ
القُرَشِيّ (3) ، وَمَحْمُوْد بن الفَرَجِ الأَصْبَهَانِيّ
(4) ، وَيَزِيْد بن الهَيْثَمِ البَادَاء (5) ، وَهِشَام
بن عَلِيٍّ السِّيْرَافِي، وَرَافِع بن هَرْثَمَة (6)
مَقْتُولاً.
199 - البَلَدِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ
الهَيْثَمِ *
المُحَدِّثُ، الرَّحَّالُ، الصَّادِقُ، أَبُو إِسْحَاقَ
إِبْرَاهِيْم بن الهَيْثَمِ البَلَديُّ، نَزِيْلُ
بَغْدَادَ.
__________
(1) انظر: طبقات الحنابلة: 1 / 112.
(2) تقدمت ترجمته في الصفحة: (373)، برقم: (175)
(3) تقدمت ترجمته في الصفحة: (382)، برقم: (182)
(4) ترجمته في: ذكر أخبار أصبهان: 2 / 314 - 315، تاريخ
بغداد: 13 / 93 - 94.
(5) المنتظم: 5 / 175، وقال فيه: " يعرف بالباداء، كذا
يقول المحدثون، وصوابه: البادي، بكسر الدال، لأنه ولد هو
وأخ له يوما، وكان هو البادي في الولادة.
(6) تقدمت ترجمته في الصفحة: (406) برقم: (196).
(*) الكامل لابن عدي: خ: 13، تاريخ بغداد: 6 / 207 - 209،
المنتظم: 5 / 119، ميزان الاعتدال: 1 / 73، الوافي
بالوفيات: 6 / 163، لسان الميزان: 1 / 123.
(13/411)
سَمِعَ: أَبَا اليَمَانِ، وآدَم بن أَبِي
إِيَاسٍ، وَعلِي بن عَيَّاشٍ، وَأَبَا صَالِحٍ الكَاتِب،
وَطَبَقَتهُم.
وَعَنْهُ: إِسْمَاعِيْل الصَّفَّار، وَالنَّجَّاد، وَأَبُو
بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَخرم،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَحَادِيْثه مستقيمَة، سِوَى حَدِيْث
(الغَار (1))، فَنَالُوا مِنْهُ (2) .
قَالَ الخَطِيْبُ: هُوَ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ عِنْدنَا (3) .
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة ثَمَانٍ
وَسَبْعِيْنَ (4) .
200 - عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِك بنِ أَبِي
الشَّوَارِبِ الأُمَوِيُّ *
الحَافِظ، الإِمَام، قَاضِي القُضَاة، أَبُو الحَسَنِ
الأُمَوِيّ البَصْرِيّ.
__________
(1) حديث الغار: وهو حديث الثلاثة الذين أووا إلى غار
فانطبق عليهم. وقد رواه الهيثم بن جميل، عن مبارك بن
فضالة، عن الحسن البصري، عن أنس. انظر تاريخ بغداد 6 / 207
- 209.
وهو صحيح من رواية عبد الله بن عمر بن الخطاب، فقد أخرجه
بطوله البخاري 4 / 369 - 370 و5 / 12 و6 / 367 و10 / 338،
ومسلم (2743).
(2) انظر: الكامل لابن عدي: خ: 13.
وقد علق على قول ابن عدي الخطيب في تاريخه 6 / 207 فقال:
قلت: قد روى حديث الغار عن الهيثم جماعة.
وإبراهيم بن الهيثم ثقة ثبت لا يختلف شيوخنا فيه، وما حكاه
ابن عدي من الإنكار عليه لم أر أحدا من علمائنا يعرفه، ولو
ثبت لم يؤثر قدحا فيه، لان جماعة من المتقدمين أنكر عليهم
بعض رواياتهم، ولم يمنع ذلك من
الاحتجاج بهم، وانظر تمام كلامه فيه.
(3) تاريخ بغداد: 6 / 207.
(4) أرخ وفاته الصفدي في " الوافي بالوفيات ": 6 / 163،
سنة (279).
(*) تاريخ الطبري: 9 / 526، و10 / 49، تاريخ بغداد: 12 /
59 - 60، المنتظم: 5 / 164 - 165، عبر المؤلف: 2 / 71،
شذرات الذهب: 2 / 185.
(13/412)
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا الوَلِيْدِ
الطَّيَالِسِيّ، وَأَبَا سَلَمَة المِنْقَرِيّ، وَأَبَا
عُمَرَ الحَوْضي، وَسَهْل بن بَكَّارٍ، وَطَبَقَتهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بن مُحَمَّدِ بنِ صَاعد، وَأَبُو
بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَإِسْحَاق بن أَحْمَدَ الكَاذِي (1)
، وَعَبْد البَاقِي بن قَانع، وَأَبُو بَكْرٍ
الشَّافِعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَه الخَطِيْب (2) ، وَغَيْرهُ.
وَقَالَ طَلْحَة الشَّاهِد: لَمَّا مَاتَ إِسْمَاعِيْل
القَاضِي مَكثت بَغْدَاد ثَلاَثَة أَشْهُرٍ وَنِصْفٍ
بِغَيْر قَاضٍ، حَتَّى وَلِي القَضَاء عَلِيّ بن أَبِي
الشَّوَارِبِ، مُضَافاً إِلَى قَضَاء سَامرَّاء، وَكَانَ
وَلِي سَامرَّاء بَعْد أَخِيْهِ الحَسَن.
قَالَ: وَكَانَ عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ رَجُلاً صَالِحاً،
عَظِيْم الْخطر، كَثِيْر الطَّلَب لِلْحَدِيْثِ، ثِقَة
أَمِيناً، بَقِيَ عَلَى قَضَاء بَغْدَاد أَشهراً (3).
مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
201 - خَيْرُ بنُ عَرَفَةَ أَبُو طَاهِرٍ المِصْرِيُّ *
المُحَدِّثُ، الصَّدُوْق، أَبُو طَاهِرٍ المِصْرِيّ.
رَوَى عَنْ: عَبْدِ اللهِ بن صَالِحٍ الكَاتِب، وَيَحْيَى
بن بُكَيْرٍ، وَيَزِيْد بن عَبْدِ رَبِّهِ، وَحَيْوَة بن
شُرَيْح، وَسُلَيْمَان بن عَبْد الرَّحْمَن، وَعِدَّة.
رَوَى عَنْهُ: عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الوَاعِظ، وَأَبُو
يَعْقُوْب الأَذرعِي، وَالطَّبَرَانِيّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) الكاذي: نسبة إلى كاذة، من قرى بغداد. (اللباب).
(2) انظر: تاريخ بغداد: 12 / 59.
(3) المصدر السابق: 12 / 59 - 60.
(*) تاريخ ابن عساكر: خ: 5 / 350 أ - ب، تهذيب بدران: 5 /
188 - 189.
(13/413)
وَعُمِّر طَوِيْلاً، وَمن قُدمَاء
شُيُوْخه: عُرْوَة بن مَرْوَان.
وَمَاتَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَتَيْن.
202 - الحُسَيْنُ بنُ الفَضْلِ بنِ عُمَيْرٍ أَبُو عَلِيٍّ
البَجَلِيُّ *
العَلاَّمَة، المفسِّر، الإِمَام، اللُّغَوِيّ،
المُحَدِّث، أَبُو عَلِيٍّ البَجَلِيّ الكُوْفِيّ، ثُمَّ
النَّيْسَابُوْرِيّ، عَالِم عصره.
وُلِدَ قَبْل الثَّمَانِيْنَ وَمئَة.
وَسَمِعَ: يَزِيْدَ بن هَارُوْن، وَعَبْد اللهِ بن بَكْر
السَّهْمِيّ، وَالحَسَن بن قُتَيْبَة المَدَائِنِيّ،
وَشَبَابَة بن سَوَّار، وَأَبَا النَّضْرِ هَاشِم بن
القَاسِم، وَهوذَة بن خَلِيْفَة، وَإِسْمَاعِيْل بن
أَبَانٍ، وَطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْد
اللهِ بن المُبَارَكِ، وَمُحَمَّد بن صَالِحِ بن هَانِئ،
وَمُحَمَّد بن القَاسِم العَتَكِيّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيّ
الْعدْل، وَعَمْرو بن مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْر، وَأَحْمَد
بن شُعَيْبٍ الفَقِيْه، وَمُحَمَّد بن يَعْقُوْبَ بن
الأَخْرَم، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الحَاكِمُ: الحُسَيْن بن الفَضْلِ بنِ عُمَيْرِ بنِ
قَاسم بن كَيْسَان البَجَلِيّ، المفسِّر، إِمَام عصره فِي
معَانِي القُرْآن، أَقدمه ابْن طَاهِر مَعَهُ
نَيْسَابُوْر، وَابتَاع لَهُ دَار عَزْرَة، فسكنهَا،
وَهَذَا فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فَبقي
يُعلِّم النَّاس، وَيُفْتِي فِي تِلْك الدَّار إِلَى أَنْ
تُوُفِّي، وَدُفِن فِي مَقْبَرَة الحُسَيْن بن مُعَاذٍ،
فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ،
وَهُوَ ابْن مئَة وَأَربع
__________
(*) عبر المؤلف: 2 / 68، لسان الميزان: 2 / 307 - 308،
طبقات المفسرين: 1 / 156، شذرات الذهب: 2 / 178.
(13/414)
سِنِيْنَ، وَقَبْره مَشْهُوْر يُزَار،
وَشيَّعه خلق عَظِيْم.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي القَاسِمِ المُذَكِّر
يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: لَوْ كَانَ الحُسَيْن
بن الفَضْلِ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ لكَانَ مِمَّنْ يُذكر
فِي عجَائِبهُم.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّد بن يَعْقُوْبَ الحَافِظ يَقُوْلُ: مَا
رَأَيْتُ أَفصح لسَاناً مِنَ الحُسَيْن بن الفَضْلِ (1) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الكَرَابِيْسِيّ: كَانَ
الحُسَيْنُ بنُ الفَضْلِ فِي آخِرِ عُمُرِهِ يَأْمرنَا أَن
نَبْسُط بحِذَاء سِكَّة عَمَّار، فكنَّا نحملهُ فِي
المِحَفَّة (2) ، فَمَرَّ بِهِ جَمَاعَة مِنَ الفُرْسَان
عَلَى زيّ أَهْل العِلْم، فَرَفَعَ حَاجِبه ثُمَّ قَالَ
لِي: مِنْ هَؤُلاَءِ؟
قُلْتُ: هَذَا أَبُو بَكْرٍ بن خُزَيْمَة، وَجَمَاعَة
مَعَهُ.
فَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللهِ! بَعْدَ أَنْ كَانَ يزورنَا
فِي هَذِهِ الدَّار إِسْحَاق بن رَاهْوَيْه، وَمُحَمَّد بن
رَافِع، يمرّ بِنَا ابْن خُزَيْمَةَ فَلاَ يُسلِّم.
الحَاكِم: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بن مُضَارب، سَمِعْتُ
أَبِي يَقُوْلُ:
كَانَ عِلْم الحُسَيْن بن الفَضْلِ بِالمعَانِي إِلهَاماً
مِنَ الله، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ تجَاوز حدّ التَّعلِيم.
قَالَ: وَكَانَ يرْكَع فِي اليَوْمِ واللَّيْلَة سِتّ
مائَة رَكْعَةٍ، وَيَقُوْلُ: لَوْلاَ الضَّعْف وَالسِّنّ
لَمْ أَطعم بِالنَّهَار.
وَسَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا العَنْبَرِيّ: سَمِعْتُ أَبِي
يَقُوْلُ: لَمَّا قلَّد المَأْمُوْن عَبْد اللهِ بن
طَاهِرٍ خُرَاسَان، قَالَ: يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ!
حَاجَة؟
قَالَ: مَقْضِيَّة.
قَالَ: تُسْعِفُنِي بثَلاَثَةٍ: الحُسَيْن بن الفَضْلِ،
وَأَبُو سَعِيْدٍ الضَّرِيْر، وَأَبُو إِسْحَاقَ
القُرَشِيّ.
قَالَ: أَسعفنَاك، وَقَدْ أَخليت العِرَاق مِن الأَفرَاد
(3) .
__________
(1) انظر: لسان الميزان: 2 / 308.
(2) المحفة: هودج لا قبة له.
(3) انظر لسان الميزان: 2 / 308.
(13/415)
ثُمَّ إِنَّ الحَاكِم سَاق فِي
تَرْجَمَتِهِ بَضْعَة عشر حَدِيْثاً غَرَائِب، فِيْهَا
حَدِيْث بَاطِل، رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بن مُصْعَبٍ،
حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي
كَثِيْر، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (مَنْ فَرَّج عَنْ مُؤْمِن كُرْبَةً جَعَل
الله لَهُ يَوْم القِيَامَةِ شُعْبَتَين مِنْ نُوْرٍ عَلَى
الصِّرَاط يَسْتَضيء بِهِمَا مَنْ لاَ يُحْصِيهِم إِلاَّ
رَبّ العزَّة (1)).
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ بن هَانِئ: تُوُفِّيَ
الحُسَيْن فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ ابْن مائَة وَأَربع
سِنِيْنَ، وَصَلَّى عَلَيْه مُحَمَّد بن النَّضْرِ
الجَارُوْدِيّ.
203 - الدَّبَرِيُّ أَبُو يَعْقُوْبَ إِسْحَاقُ بنُ
إِبْرَاهِيْم بنِ عَبَّادٍ *
الشَّيْخُ، العَالِم، المُسْنِد، الصَّدُوْق، أَبُو
يَعْقُوْب إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيْم بنِ عَبَّاد
الصَّنْعَانِيّ الدَّبَرِي: رَاويَة عَبْد الرَّزَّاقِ،
سَمِعَ تَصَانِيْفه مِنْهُ فِي سَنَة عَشْر وَمائَتَيْنِ
بَاعْتِنَاء أَبِيه بِه، وَكَانَ حَدثاً، فَإِن مَوْلِده -
عَلَى مَا ذَكَرَهُ الخَلِيْلِيّ - فِي سَنَةِ خَمْسٍ
وَتِسْعِيْنَ وَمئَة، وَسَمَاعه صَحِيْحٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِي فِي
(صَحِيْحِهِ)، وَخَيْثَمَة بن سُلَيْمَان، وَمُحَمَّد بن
مُحَمَّدِ بنِ عَبْد اللهِ بنِ حَمْزَة الحَمَّال،
وَمُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ
__________
(1) محمد بن مصعب: كثير الغلط، كما في " التقريب " وقال
صالح جزرة: عامة حديثه عن الاوزاعي مقلوبة، وقال أبو حاتم:
ليس بالقوي، وقال النسائي: ضعيف. وأورده السيوطي في "
الجامع الكبير ": 850، ونسبه للحاكم في " تاريخ نيسابور "،
والخطيب في " تاريخه ".
(*) اللباب: 1 / 489، الكامل لابن عدي: خ: 36، ميزان
الاعتدال: 1 / 181 - 182، عبر المؤلف: 2 / 74، الوافي
بالوفيات: 8 / 394 - 395، لسان الميزان: 1 / 349 - 350،
شذرات الذهب: 2 / 190.
والدبري، بفتح الدال والباء: نسبة إلى دبر: من قرى صنعاء
اليمن.
(13/416)
النَّقويّ (1) ، وَأَبُو جَعْفَرٍ
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرو العُقَيْلِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ
الطَّبَرَانِيّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ المغَاربَة
وَالرحَّالَة.
قَالَ ابْنُ عَدِيّ: اسْتُصْغِر فِي عَبْدِ الرَّزَّاقِ،
أَحضره أَبُوْه عِنْدَه، وَهُوَ صَغِيْر جِدّاً (2) ،
فَكَانَ يَقُوْلُ: قرأَنَا علَىعَبْد الرَّزَّاقِ: قرأَ
غَيْره، وَهُوَ يسمع.
قَالَ: وَحَدَّثَ عَنْهُ بِأَحَادِيْث منكرَة (3) .
قُلْتُ: سَاق لَه ابْن عَدِيٍّ حَدِيْثاً وَاحِداً مِنْ
طَرِيْق ابْن أَنعم الإِفْرِيْقِيّ (4) ، يحْتَمل مثله،
فَأَيْنَ المَنَاكِير؟ وَالرَّجُل فَقَدْ سَمِعَ كُتباً،
فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا، وَلَعَلَّ النَّكَارَة مِنْ
شَيْخه، فَإِنَّهُ أَضَرَّ بِأَخَرَة، - فَاللهُ أَعْلَمُ
-.
قَالَ الحَاكِمُ: سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ
إِسْحَاقَ الدَّبرِي: أَيدخل فِي الصَّحِيْح؟
قَالَ: إِي وَاللهِ، هُوَ صَدُوْقٌ، مَا رَأَيْتُ فِيْهِ
خلاَفاً.
قُلْتُ: مَاتَ بصَنْعَاء فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَتَيْنِ (5) ، وَلَهُ تسعُوْنَ سنَةً.
وَأَلَّف القَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ بنِ مفرج (6)
كِتَاباً فِي الحُرُوْف الَّتِي أَخْطَأَ فِيْهَا
الدَّبرِي، وَصحف فِي (جَامع) عَبْد الرَّزَّاقِ.
__________
(1) النقوي، بفتح النون والقاف: نسبة إلى نقو: من قرى
صنعاء. (اللباب). وضبطها ياقوت بتسكين القاف.
(2) وقد حدد المؤلف سنه إذ ذاك في " الميزان ": 1 / 181،
بأنه سبع سنين أو نحوها.
(3) في " الكامل ": خ: 6 / 36، وفيه: " وحدث عنه بحديث
منكر ". والزيادة منه.
(4) وتتمة السند في " الكامل ": عن عطاء بن يسار، عن
سليمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل
الجنة أحد إلا بجواز: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من
الله لفلان بن فلان، أدخلوه جنة عالية، قطوفها دانية ".
وقد أورد ابن عدي حديثا آخر.
(5) ذكر وفاته في " الميزان ": 1 / 182، سنة (287).
(6) انظر: فهرست الاشبيلي: 131.
(13/417)
وَقَدْ كَانَ المغَاربَة يدعُون للدَّبرِي،
وَيعِدُوْنَهُ بِأَنَّهُم يَطُوفُونَ عَنْهُ، إِذَا أَتُوا
مَكَّة، وَيعتمرُوْنَ عَنْهُ، فيُسَرُّ بِذَلِكَ.
204 - مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ المُنْذِرِ أَبُو
سُلَيْمَانَ البَصْرِيُّ *
المُحَدِّثُ، المُعَمَّر، أَبُو سُلَيْمَانَ البَصْرِيّ
القَزَّاز.
حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ عَامِر الضُّبَعِيّ، وَأَبِي
عَاصِمٍ النَّبِيْل، وَيَزِيْد بن بَيَانٍ العُقَيْلِيّ،
وَمُسْلِم بن إِبْرَاهِيْمَ، وَطَائِفَة.
وَطَالَ عُمُرُهُ، وَتَفَرَّد.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَلِيّ بن مُسْلِم
العُقَيْلِيّ، وَفَاروق الخطَّابِي، وَأَبُو القَاسِمِ
الطَّبَرَانِيّ، وَآخَرُوْنَ.
مَا عَملت بَعْد فِيْهِ جرحاً.
مَاتَ فِي رَجَبٍ سَنَة تِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
205 - الخَزَّازُ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ
البَغْدَادِيُّ **
الشَّيْخ، الإِمَام، المُقْرِئ، المُحَدِّث، أَبُو
جَعْفَرٍ أَحْمَد بن عَلِيّ البَغْدَادِيّ الخَزَّاز.
سَمِعَ: هَوْذَة بن خَلِيْفَة، وَسُرَيْج بن النُّعْمَان،
وَعَاصِم بن عَلِيّ، وَسعدويَه، وَأَحْمَد بن يُوْنُس،
وَأَسيد بن زَيْد الجمَّال، وَطَبَقَتهُم.
__________
(*) تذكرة الحفاظ: 2 / 639 - 640، في نهاية ترجمة الابار،
شذرات الذهب: 2 / 206.
(* *) طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 87.
(13/418)
وَتلاَ عَلَى هُبَيْرَة التَّمَّار (1) ،
صَاحِب حَفْص.
أَخَذَ عَنْهُ الحُرُوْف: ابْن مُجَاهِدٍ، وَابْن
شَنْبُوذ، وَأَحْمَد بن عَجْلاَن.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ صَاعِدٍ، وَجَعْفَر الخُلْدِيّ،
وَأَبُو عَمْرٍو بنُ السَّمَّاك، وَأَبُو بَكْرٍ
الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بن خَلاَّدٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرهُ.
تُوُفِّيَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
وَكَانَ بِدِمَشْقَ سَنَة نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ
وَمائَتَيْنِ مِنَ المَشَايِخ.
206 - أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الدِّمَشْقِيُّ الخَرَّازُ *
بِالرَّاءِ، ثُمَّ الزَّاي، أَبُو بَكْرٍ المُرِّيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: الفِرْيَابِيِّ، وَأَبِي المُغِيْرَة
الحِمْصِيّ، وَجَمَاعَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ جَوْصَا، وَأَبُو عَوَانَةَ،
وَجَمَاعَة.
207 - الخَرَّازُ أَبُو سَعِيْدٍ أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى
البَغْدَادِيُّ **
شَيْخ الصُّوْفِيَّة، القُدْوَة، أَبُو سَعِيْدٍ، أَحْمَد
بن عِيْسَى البَغْدَادِيّ، الخرَّاز.
__________
(1) هو: هبيرة بن محمد التمار الابرش البغدادي، مترجم في:
" غاية النهاية " لابن الجزري: 2 / 353.
(*) تاريخ ابن عساكر: خ: 2 / 20 أ، تهذيب بدران: 1 / 413.
(* *) طبقات الصوفية: 228 - 232، حلية الأولياء: 10 / 246
- 249، تاريخ بغداد: 4 / 276 - 278، شرح الرسالة القشيرية:
1 / 167 - 168، تاريخ ابن عساكر: خ: 2 / 31 أ - 35 ب،
المنتظم: 5 / 105، اللباب: 1 / 429، عبر المؤلف: 2 / 77،
الوافي بالوفيات: 7 / 275، البداية والنهاية: 11 / 58،
طبقات الأولياء: 40 - 45، شذرات الذهب: 2 / 192 - 193،
تهذيب بدران: 1 / 427.
والخراز، بفتح الخاء والراء المشددة: نسبة إلى خرز الجلود
كالقرب، وغيرها.
(13/419)
أَخَذَ عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ بَشَّار
الخُرَاسَانِيّ، وَمُحَمَّد بن مَنْصُوْرٍ الطُّوْسِيّ.
رَوَى عَنْهُ: عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الوَاعِظ المِصْرِيّ،
وَأَبُو مُحَمَّدٍ الجَرَيْرِيّ، وَعَلِيّ بن حَفْص
الرَّازِيّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ الكَتَّانِي،
وَآخَرُوْنَ.
وَقَدْ صَحِبَ سَرِيّاً السَّقَطِيّ، وَذَا النُّوْنِ
المِصْرِيّ.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَوّل مَنْ تَكَلَّمَ فِي عِلْم
الفَنَاء وَالبَقَاء (1) ، فَأَي سَكْتَةٍ فَاتته، قصد
خَيراً، فَولد أَمراً كَبِيْراً، تشبَّث بِهِ كُلّ
اتّحَادِي ضَالٍّ بِهِ.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ عُثْمَان بن مَرْدَان
النُّهَاوَنْدي: أَوّل مَا لقيتُ أَبَا سَعِيْدٍ الخرَّاز
سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ، فصحبتُه أَرْبَعَ
عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ: وَتُوُفِّيَ سَنَة سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ
وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ السُّلَمِيُّ: هُوَ إِمَامُ القَوْم فِي كُلِّ فَنٍّ
مِنْ عُلُومهمْ، لَهُ فِي مبَادئ أَمره عجَائِب
وَكَرَامَات، وَهُوَ أَحسن القَوْم كَلاَماً، خَلاَ
الجُنَيْد، فَإِنَّهُ الإِمَامُ.
قَالَ القُشَيْرِيّ (2) : صَحب ذَا النُّوْنِ،
وَالسَّرِيّ، وَالنِّبَاجِي، وَبِشْراً الحَافِي.
قَالَ: وَمِن كَلاَمِه: كُلّ باطِنٍ يخَالِفهُ ظَاهِر،
فَهُوَ بَاطِلٌ (3) .
__________
(1) انظر ما كتبه ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين:
1 / 148 - 173 عن الفناء وأقسامه ومراتبه وما هو مذموم وما
هو محمود.
(2) شرح الرسالة القشيرية: 1 / 167.
(3) قال العروسي في حاشيته على شرح الرسالة القشيرية: 1 /
168: " فعلى العاقل أن يدوم على اتهام نفسه، وعدم الوثوق
بها وبوارداتها حتى يعرضها على الكتاب والسنة، فإن شهدا
بها عمل بها، وإلا رجع عنها " قلت: وهذا حق لا مراء فيه،
فيجب على طالب العلم أن يقيد =
(13/420)
وَقَالَ ابْنُ الطَّرَسُوْسِيّ: أَبُو
سَعِيْدٍ الخَرَّاز قَمَرُ الصُّوْفِيَّة.
وَعَنْهُ قَالَ: أَوَائِل الأَمْر التَّوبَة، ثُمَّ
يَنْتقِل إِلَى مَقَام الْخَوْف، ثُمَّ إِلَى مَقَام
الرَّجَاء، ثُمَّ مِنْهُ إِلَى مَقَام الصَّالِحِيْنَ،
ثُمَّ إِلَى مَقَام المُرِيْدِين، ثُمَّ إِلَى مَقَام
المُطِيْعين، ثُمَّ مِنْهُ إِلَى المُحِبِّين، ثُمَّ
يَنْتقل إِلَى مقَام المشتَاقين، ثُمَّ مِنْه إِلَى مقَام
الأَوْلِيَاء، ثُمَّ مِنْهُ إِلَى مقَام المُقرَّبين (1) .
قَالَ السُّلَمِيُّ: أَنكر أَهْل مِصْر عَلَى أَبِي
سَعِيْدٍ، وَكفَّروهُ بِأَلفَاظ.
فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَاب (السِّرّ) فَإِذَا قِيْلَ:
لأَحَدهُم مَا تَقُوْلُ؟ قَالَ: الله، وَإِذَا تَكَلَّمَ
قَالَ: الله، وَإِذَا نظر قَالَ: الله، فَلَو تكلمتْ
جَوَارحُه، قَالَتْ: الله، وَأَعضَاؤُه مَمْلُوءَة مِنَ
الله، فَأَنكرُوا عَلَيْهِ هَذِهِ الأَلْفَاظ،
وَأَخْرَجُوهُ مِنْ مِصْرَ، قَالَ: ثُمَّ رُدّ بَعْد
عزيزاً (2) .
وَيُرْوَى عَنِ الجُنَيْد، قَالَ: لَوْ طَالبنَا الله
بحقيقَة مَا عَلَيْهِ أَبُو سَعِيْدٍ لهلكنَا.
فَقِيْلَ لإِبْرَاهِيْم بن شيبَان: مَا كَانَ حَاله؟
قَالَ: أَقَامَ سِنِيْن مَا فَاته الحَقّ بَيْنَ
الخَرْزَتَين.
وَعَنِ الْمُرْتَعِش قَالَ: الْخلق عِيَالٌ عَلَى أَبِي
سَعِيْدٍ الخرَّاز إِذَا تَكَلَّمَ فِي الحَقَائِق.
وَقَالَ الكتَّانِي: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْد يَقُوْل: مَنْ
ظنّ أَنَّهُ يَصِل بِغَيْر بَذْل الْمَجْهُود فَهُوَ
مُتَمَنِّي، وَمن ظنّ أَنَّهُ يصل بِبَذْل الْمَجْهُود
فَهُوَ مُتَعنِي.
__________
= أقواله وأفعاله ونياته بالكتاب والسنة الصحيحة، ويطرد
الاوهام والوساوس التي تعرض له في أثناء خلواته ورياضاته.
(1) انظر: حلية الأولياء: 10 / 248.
(2) تاريخ بغداد: 4 / 277، وحاشية شرح الرسالة القشيرية: 1
/ 167.
(13/421)
سَمِعَهَا السُّلَمِيّ، وَالمَالِيْنِيّ،
وَأَبُو حَازِم العبدوِي، مِنْ مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ
الرَّازِيّ، عَن الكتَّانِي.
لَهُ تَرْجَمَة فِي (تَارِيْخ دِمَشْقَ (1)) طَوِيْلَةٌ.
208 - أَبُو حَنِيفَةَ أَحْمَدُ بنُ دَاوُد
الدِّيْنَوَرِيُّ *
العَلاَّمَة، ذُو الفنُوْنَ، أَبُو حنيفَة، أَحْمَد بن
دَاوُدَ الدِّيْنَوَرِيّ، النَّحْوِيّ، تِلْمِيْذ ابْن
السَّكِّيت.
صَدُوق، كَبِيْر الدَّائِرَة، طَوِيْل البَاع، أَلَّف فِي
النَّحْوِ وَاللُّغَة وَالهندسَة وَالهيئَة وَالوَقْت،
وَأَشيَاء.
مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة اثْنَتَيْنِ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) .
لَهُ كِتَاب: (النبَات) كَبِيْر جَمِيْع، وَكِتَاب:
(الأَنوَاء)، وَغَيْر ذَلِكَ (3) .
وَقِيْلَ: كَانَ مِنْ كِبَارِ الحَنَفِيَّة.
__________
(1) تاريخ ابن عساكر: خ: 2 / 31 آ - 35 ب.
(*) الفهرست: المقالة الثانية: الفن الثالث، نزهة الالباء:
240، معجم الأدباء: 3 / 26 - 32، إنباه الرواة: 1 / 41 -
44، الوافي بالوفيات: 6 / 377 - 379، البداية والنهاية: 11
/ 72، البلغة في تاريخ أئمة اللغة: 20، بغية الوعاة: 1 /
306، طبقات المفسرين: 1 / 41.
(2) ذكر الفيروز أبادي وفاته في " البلغة ": 20، سنة
(286).
(3) ومما طبع من كتبه، كتاب: " الاخبار الطوال " تحقيق عبد
المنعم عامر، بمصر (1959 م).
(13/422)
|