سير أعلام
النبلاء، ط الرسالة الطَّبَقَةُ الحِادِيَةُ والثَّلاَثُوْنَ
81 - ابْنُ الصَّابُوْنِيِّ أَبُو الفَتْحِ مَحْمُوْدُ بنُ
أَحْمَدَ المَحْمُوْدِيُّ *
الإِمَامُ، بَقِيَّةُ المَشَايِخِ، أَبُو الفَتْحِ
مَحْمُوْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ المَحْمُوْدِيُّ،
الجَعْفَرِيُّ، ابْنُ الصَّابُوْنِيِّ.
نُسبَ إِلَى جَدِّ وَالِدتِه شَيْخِ الإِسْلاَمِ أَبِي
عُثْمَانَ الصَّابُوْنِيِّ الصُّوْفِيِّ المُقْرِئِ،
وَكَانَ يَسكنُ بِالجَعْفَرِيّةِ بِبَغْدَادَ، فَنُسِبَ
إِلَيْهَا.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْس مائَة تَقَرِيْباً.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى: أَبِي العِزِّ
القَلاَنسِيِّ.
وَسَمِعَ: هِبَةَ اللهِ بنَ الحُصَيْنِ، وَجَمَاعَةً.
وَصَحِبَ حَمَّاداً الدَّبَّاسَ، وَعَلِيَّ بنَ مَهْدِيٍّ
البَصْرِيَّ، وَكَانَ لَهُ زَاوِيَةٌ بِبَغْدَادَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَلَم الدِّيْنِ، وَابْن
المُفَضَّلِ الحَافِظ، وَطَائِفَة.
__________
(*) هو جد المؤرخ المحدث جمال الدين أبي حامد بن علي بن
محمود المحمودي المعروف بابن الصابوني صاحب (تكملة إكمال
الإكمال) المتوفى سنة 680.
وقد ترجم له أبو شامة في الروضتين: 2 / 68، والذهبي في
المختصر المحتاج إليه: 3 / 181، وتاريخ الإسلام، الورقة: 7
(باريس 1582)، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 22.
ويكنى بأبي الثناء أيضا، وراجع مقدمة العلامة الدكتور
مصطفى جواد لتكملة حفيده ابن الصابوني: 35 فما بعد.
(21/163)
وَكَانَ يُلَقَّبُ: جَمَال الدِّيْنِ.
وَقِيْلَ لِجدِّه عَلِيّ بن أَحْمَدَ: المَحْمُوْدِيّ،
لاتِّصَالِه بِالسُّلْطَانِ مَحْمُوْدٍ السَّلْجُوْقِيِّ.
قَدِمَ أَبُو الفَتْحِ (1) ، فَزَارَهُ نُوْرُ الدِّيْنِ،
وَسَأَلَهُ الإِقَامَةَ بِدِمَشْقَ، فَقَالَ: قصدِي
زِيَارَة ضَرِيْحِ الشَّافِعِيِّ، فَجَهَّزَهُ سَنَة بِضْع
وَسِتِّيْنَ، فِي صُحْبَة الأَمِيْر نَجْم الدِّيْنِ
أَيُّوْب، وَصَارَ صديقاً لَهُ، فَكَانَ وَلدَاهُ
السُّلْطَانَان صَلاَح الدِّيْنِ وَسَيْفُ الدِّيْنِ
يَحْتَرِمَانِ أَبَا الفَتْحِ، وَيَرْعيَانِهِ.
وَبَعَثَ الشَّيْخُ عُمَرُ المَلاَّء (2) زَاهِدُ
المَوْصِلِ إِلَى أَبِي الفَتْحِ هَذَا يَطلُبُ مِنْهُ
الدُّعَاء (3) .
مَاتَ: فِي شَعْبَان، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
82 - ابْنُ الصَّاحِبِ مَجْدُ الدِّيْنِ هِبَةُ اللهِ *
المَوْلَى الكَبِيْرُ، مَجْدُ الدِّيْنِ، هِبَةُ اللهِ
ابْنُ الصَّاحِبِ أُسْتَاذِ دَارِ المُسْتَضِيْءِ.
أَحَدُ مَنْ بَلَغَ أَعْلَى الرُّتَبِ، وَصَارَ يُوَلِّي،
وَيَعزل، وَأَظهر الرّفض، ثُمَّ
__________
(1) يريد قدومه إلى دمشق.
(2) هو معين الدين أبو محمد عمر بن محمد بن عمر الملاء
الموصلي (ابن الفوطي في (تلخيصه): 5 / الترجمة 1485) وتكلم
فيه ابن رجب في (الذيل): 1 / 335.
(3) انظر تفاصيل ذلك عند أبي شامة في (الروضتين): 2 / 68.
(*) أخباره في التواريخ المستغرقة لعصره، وترجم له ابن
الأثير في الكامل: 11 / 230، والمنذري في التكملة: 1 /
الترجمة 15، وأبو الفداء في المختصر: 3 / 77، والذهبي في
تاريخ الإسلام، الورقة 107 (أحمد الثالث 2917 / 14)،
والعبر: 4 / 251، ودول الإسلام: 2 / 68، والغساني في
العسجد المسبوك، الورقة 94، والعيني في عقد الجمان: 17 /
الورقة 53، وابن العماد في الشذرات: 4 / 275.
(21/164)
وَلِي حجَابَة بَاب النُّوْبِيِّ، وَلَمْ
يَزَلْ فِي ارْتقَاءٍ حَتَّى قُتِلَ (1) ، وَعُلِّقَ
رَأْسُهُ بِبَغْدَادَ.
خَلَّفَ تَركَة ضَخْمَةً فِيْهَا مِنَ العَيْن أَلف أَلف
دِيْنَار، وَمِنَ الفِضَّة جُمْلَةً، وَمِنَ الأَمتعَة
وَالعقَارِ مَا لاَ يُوْصَفُ، فَتركت الأَملاَكُ
لأَوْلاَدِهِ.
طُلِبَ إِلَى دَارِ الخِلاَفَةِ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ
الشّحنَةُ يَاقُوْتٌ فِي الدِّهْلِيْزِ، فَقَتَلَهُ،
وَكَانَ قَدْ تَمرَّدَ، وَسَفَكَ الدِّمَاءَ، وَسَبَّ
الصَّحَابَةَ، وَعَزَمَ عَلَى قَلْبِ الدَّوْلَةِ،
فَقَصَمَهُ اللهُ.
83 - ابْنُ مُنْقِذٍ أَبُو المُظَفَّرِ أُسَامَةُ بنُ
مُرْشِدِ بنِ عَلِيٍّ الكِنَانِيُّ *
الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، العَلاَّمَةُ، فَارِسُ الشَّامِ،
مَجْدُ الدِّيْنِ، مُؤَيِّدُ الدَّوْلَةِ، أَبُو
المُظَفَّرِ أُسَامَةُ ابْنُ الأَمِيْرِ مُرْشِدِ بنِ
عَلِيِّ بنِ مُقَلَّدِ بنِ نَصْرِ بنِ مُنْقِذٍ
الكِنَانِيُّ، الشَّيْزَرِيُّ.
وُلِدَ: بِشَيْزَرَ، سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ 499 نُسْخَةَ أَبِي هُدْبَة مِنْ
عَلِيِّ بنِ سَالِمٍ السِّنْبِسِيِّ.
__________
(1) وذلك في التاسع عشر من شهر ربيع الأول سنة 583.
(*) ترجم له العماد الأصبهاني في القسم الشامي من الخريدة:
1 / 499، وياقوت في إرشاده: 2 / 173، وابن عساكر في تاريخ
دمشق (التهذيب: 2 / 400)، وابن خلكان في الوفيات: 1 / 195،
وابن منظور في مختار ذيل السمعاني، الورقة: 151، والذهبي
في تاريخ الإسلام، الورقة 108 (أحمد الثالث 2917 / 14)،
والعبر: 4 / 252، ودول الإسلام: 2 / 71، والمنذري في
التكملة: 1 / الترجمة 51، والصفدي في الوافي: 8 / 378،
وابن كثير في البداية: 12 / 331، والغساني في العسجد،
الورقة: 95، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 64، وابن
تغري بردي في النجوم: 6 / 107، وابن العماد في الشذرات: 4
/ 279، وحاجي خليفة في سلم الوصول، الورقة: 174 وغيرهم.
(21/165)
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْن
السَّمْعَانِيّ، وَأَبُو المَوَاهِبِ، وَالحَافِظ عَبْد
الغَنِيِّ، وَالبَهَاء عَبْد الرَّحْمَانِ، وَابْنه؛
الأَمِيْر مُرْهَفٌ، وَعَبْد الصَّمَدِ بن خَلِيْل
الصَّائِغ، وَعَبْد الكَرِيْمِ بن أَبِي سُرَاقَة،
وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الكَافِي الصَّقَلِّيّ.
وَلَهُ نَظْمٌ فِي الذِّرْوَةِ كَأَبِيْهِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ (1) : ذُكِرَ لِي أَنَّهُ يَحفظُ
مِنْ شعر الجَاهِلِيَّة عَشْرَة آلاَف بَيْت.
قُلْتُ: سَافر إِلَى مِصْرَ: وَكَانَ مِنْ أُمرَائِهَا
الشِّيْعَة، ثُمَّ فَارقهَا، وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْر، وَحضر
حُرُوْباً أَلّفهَا فِي مُجَلَّدٍ فِيْهِ عبر.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي طَيء فِي (تَارِيْخِهِ (2)):
كَانَ إِمَامِيّاً، حسن العقيدَة، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ
يُدَارِي عَنْ مَنْصِبه، وَيُتَاقِي، وَصَنَّفَ كتباً
مِنْهَا (التَّارِيْخ البَدْرِيّ)، وَلَهُ (دِيْوَان)
كَبِيْر (3) .
قُلْتُ: عَاشَ سَبْعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ
بِدِمَشْقَ، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) راجع (مختار) ابن منظور، الورقة 151.
(2) توفي سنة 630 وكتابه الذي ينقل الذهبي منه هو تاريخ
الشيعة، قال: (وهو مسودة في عدة مجلدات نقلت منه كثيرا).
انظر (تاريخ الإسلام)، الورقة 103 - أيا صوفيا 3012، وكتاب
الدكتور بشار عواد عن (الذهبي ومنهجه)، ص 420.
(3) قال شعيب: وله كتاب (المنازل والديار) وقد توليت
تحقيقه وتخريج نصوصه والتعليق عليه، وقدمت له بترجمة
للمصنف، وتم طبعه بدمشق سنة 1385 ه، وموضوع الكتاب طريف لا
نعلم أحدا أفرده بالتأليف، وهو البكاء على المنازل
العافية، والاطلال الدارسة، حفزه إلى جمعه كما ذكر في
مقدمته ما نال بلاده وأوطانه من الخراب، وما أصابها من
الزلازل التي أبادت أسرته تحت أنقاض حصن سيجر، وما توالى
عليه بعد ذلك من نكبات مستمرة.
(21/166)
وَلَهُ:
مَعَ الثَّمَانِيْنَ عَاثَ الضَّعْفُ فِي جَسَدِي ...
وَسَاءنِي ضَعْفُ رِجْلِي وَاضْطِرَابُ يَدِي
إِذَا كَتَبتُ فَخطِّي خطُّ مُضطَربٍ ... كخطِّ مُرْتَعِشِ
الكفَّيْنِ مُرْتَعِدِ
فَاعجَبْ لضَعْفِ يَدِي عَنْ حَمْلهَا قَلَماً ... مِنْ
بَعْدِ حَطْمِ القنَا فِي لبَّةِ الأَسَدِ
فَقُلْ لِمَنْ يَتَمَنَّى طولَ مُدَّتِه : ... هَذِي
عَواقِبُ طولِ الْعُمر وَالمُدَدِ
وَمَاتَ ابْنُهُ الكَبِيْرُ عضد الدَّوْلَة مُرْهَفٌ (1)
بن أُسَامَةَ فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ،
عَنْ ثَلاَث وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَلَهُ شعر رَائِق.
رَوَى عَنْهُ: الزَّكِيّ المُنْذِرِيّ، وَالقوْصِيّ،
وَجَمَعَ مِنَ الكُتُب مَا لاَ يُوْصَف.
84 - الحَازِمِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ
عُثْمَانَ بنِ حَازِمٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، النَّاقِدُ،
النَسَّابَةُ، البَارِعُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
مُوْسَى بنِ عُثْمَانَ بنِ حَازِمٍ الحَازِمِيُّ،
الهَمَذَانِيُّ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
__________
(1) راجع القسم الشامي من (خريدة) العماد: 1 / 571،
و(إرشاد) ياقوت: 2 / 175، 180، 197، و(تكملة) المنذري: 4 /
الترجمة: 1451 والتعليق عليها.
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 147 (باريس
5921)، وابن الصلاح في الطبقات، الورقة: 25، والمنذري في
التكملة: 1 / الترجمة 45، وأبو شامة في الروضتين: 2 / 137،
وابن خلكان في الوفيات: 4 / 294، والذهبي في تاريخ
الإسلام، الورقة: 19 (باريس 1582)، والعبر: 4 / 254، ودول
الإسلام: 2 / 71، والاعلام، الورقة: 211، والمختصر المحتاج
إليه: 1 / 144، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1363، والمشتبه: 202،
والصفدي في الوافي: 5 / 88، والسبكي في الطبقات: 7 / 13،
وابن كثير في البداية: 12 / 332، وابن الملقن في العقد،
الورقة: 160، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 63، وابن
تغري بردي في النجوم: 6 / 109، وابن عبد الهادي في معجم
الشافعية، الورقة: 61، وابن هداية الله في طبقاته: 80،
وابن العماد في الشذرات: 4 / 282، وابن الغزي في ديوان
الإسلام، الورقة: 32.
(21/167)
سَمِعَ مِنْ: أَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ
حُضُوْراً، وَلَهُ أَرْبَع سِنِيْنَ، وَسَمِعَ مِنْ:
شَهْرَدَار بن شِيْرَوَيْه الدَّيْلَمِيّ، وَأَبِي
زُرْعَةَ بن طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ الحَافِظ، وَأَبِي
العَلاَءِ العَطَّار، وَمَعْمَر بن الفَاخِرِ، وَأَبِي
الحُسَيْنِ عَبْد الحَقِّ اليُوْسُفِيّ، وَعَبْد اللهِ بن
الصَّمد العَطَّار، وَشُهْدَة الكَاتِبَة، وَأَبِي
الفَضْلِ عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ خَطِيْب المَوْصِل،
وَأَبِي طَالِبٍ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الكَتَّانِيّ
الوَاسِطِيّ، وَمُحَمَّد بن طَلْحَةَ البَصْرِيّ
المَالِكِيّ بِهَا، وَأَبِي العَبَّاسِ أَحْمَد بن يَنَال
التّرْك، وَأَبِي الفَتْحِ عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ
الخِرَقِيّ، وَأَبِي مُوْسَى مُحَمَّد بن أَبِي عِيْسَى
المَدِيْنِيّ، وَأَقرَانهم بِالعِرَاقِ وَأَصْبَهَان
وَالجَزِيْرَة وَالشَّام وَالحِجَاز.
وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَبَرَعَ فِي الحَدِيْثِ، خُصُوْصاً
فِي النَّسَبِ، وَاسْتَوْطَنَ بَغْدَاد.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الدُّبَيْثِيّ (1) : تَفَقَّهَ
بِبَغْدَادَ فِي مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَجَالَس
العُلَمَاء، وَتَمَيَّزَ، وَفَهِم، وَصَارَ مِنْ أَحْفَظ
النَّاس لِلْحَدِيْثِ وَلأَسَانِيْده وَرِجَاله، مَعَ
زُهْد، وَتعبّد، وَرِيَاضَة، وَذِكْرٍ، صَنَّف فِي
الحَدِيْثِ عِدَّة مُصَنَّفَات، وَأَملَى عِدَّة مَجَالِس،
وَكَانَ كَثِيْرَ المَحْفُوْظ، حُلْو المذَاكرَة، يغلبُ
عَلَيْهِ مَعْرِفَة أَحَادِيْثَ الأَحكَام، أَملَى طرق
الأَحَادِيْث الَّتِي فِي (المُهَذَّب) لِلشَّيْخِ أَبِي
إِسْحَاقَ، وَأَسندهَا، وَلَمْ يُتِمَّه.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ النَّجَّار فِي
(تَارِيْخِهِ (2)): كَانَ الحَازِمِيُّ مِنَ الأَئِمَّةِ
الحُفَّاظ، العَالِمِين بِفقه الحَدِيْث وَمعَانِيه
وَرِجَاله، أَلّف كِتَاب (النَّاسخ وَالمَنْسُوْخ)،
وَكِتَاب (عجَالَة الْمُبْتَدِئ فِي النَّسَبِ)، وَكِتَاب
(المُؤتلف
__________
(1) (ذيل تاريخ مدينة السلام)، الورقة 147 (باريس 5921).
(2) يعني (التاريخ المجدد)، ولم يصل إلينا هذا القسم منه.
(21/168)
وَالمُخْتَلِف فِي أَسْمَاء البُلْدَان).
وَأَسند أحَادِيث (المُهَذَّب)، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً،
نبيلاً، زَاهِداً، عَابِداً، وَرِعاً، مُلاَزِماً
لِلْخلوَة وَالتصنِيف وَبثّ العِلْم، أَدْركه الأَجل
شَابّاً، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ غَانِم الحَافِظ يَقُوْلُ:
كَانَ شَيْخنَا الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ
يُفضّل أَبَا بَكْرٍ الحَازِمِيَّ عَلَى عَبْدِ الغَنِيِّ
المَقْدِسِيّ، وَيَقُوْلُ:
مَا رَأَينَا شَابّاً أَحْفَظ مِنَ الحَازِمِيّ، لَهُ
كِتَاب فِي (النَّاسخ وَالمَنْسُوْخ) دَالٌّ عَلَى
إِمَامته فِي الفِقْه وَالحَدِيْث، لَيْسَ لأَحدٍ مِثْلُه.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الأَئِمَّة
يذكر أَنَّ الحَازِمِيّ كَانَ يَحفظ كِتَاب (الإِكمَال
(1)) فِي المُؤتلف وَالمُخْتَلِف وَمُشْتَبِهِ النِّسْبَة،
كَانَ يُكرَّر عَلَيْهِ، وَوجدتُ بِخَطِّ الإِمَام أَبِي
الخَيْرِ القَزْوِيْنِيّ، وَهُوَ يَسْأَل الحَازِمِيَّ:
مَاذَا يَقُوْلُ سَيِّدُنَا الإِمَامُ الحَافِظُ فِي كَذَا
وَكَذَا؟ وَقَدْ أَجَابَ أَبُو بَكْرٍّ الحَازِمِيّ
بِأَحْسَنِ جَوَابٍ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ النَّجَّار: سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ
المُقْرِئَ جَارنَا يَقُوْلُ -وَكَانَ صَالِحاً-:
كَانَ الحَازِمِيّ -رَحِمَهُ الله- فِي رِبَاط البَدِيْع،
فَكَانَ يَدخل بَيْته فِي كُلِّ لَيْلَة، وَيطَالع،
وَيَكْتُبَ إِلَى طُلُوْع الفَجْر.
فَقَالَ البَدِيْعُ لِلْخَادِمِ: لاَ تدفع إِلَيْهِ
اللَّيْلَة بزراً لِلسِّرَاجِ لَعَلَّهُ يَسْتَرِيح
اللَّيْلَة.
قَالَ: فَلَمَّا جنّ اللَّيْل، اعْتذر إِلَيْهِ الخَادِم
لأَجْل انقطَاع الْبزْر، فَدَخَلَ بَيْته، وَصفّ
قَدَمَيْهِ يُصَلِّي، وَيَتلو، إِلَى أَنْ طلع الفَجْر،
وَكَانَ الشَّيْخ قَدْ خَرَجَ ليعرف خَبَره، فَوَجَده فِي
الصَّلاَةِ.
مَاتَ أَبُو بَكْرٍ الحَازِمِيّ: فِي شَهْر جُمَادَى
الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْس
__________
(1) للامير ابن ماكولا، وهو مشهور قتل سنة 475، وهو كتاب
ضخم حقق منه المرحوم الشيخ عبد الرحمان المعلمي اليماني
ستة أجزاء طبعت في الهند، وبقي الجزء السابع بدون تحقيق،
ثم طبع بعناية الأستاذ نايف العياش.
(21/169)
مائَة، وَلَهُ سِتٌّ وَثَلاَثُوْنَ سَنَة.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الحمْد أَقُش (1) الافتخَارِيِّ (2)
، أَخبركُم عَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الدِّمْيَاطِيّ
الخَطِيْب سَنَة سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ ذَاكر بِقِرَاءتِي، أَخبركُم حَسَن بن
أَحْمَدَ القَارِئ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ
الكَاتِبُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا
يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البَزَّاز، حَدَّثَنَا
العَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ، حَدَّثَنَا غَسَّان بن مُضَرَ،
حَدَّثَنَا أَبُو مَسْلَمَة،
قَالَ:
سَأَلت أَنَس بن مَالِكٍ: أَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَفتح بِالحَمْد للهِ
رَبّ العَالِمِين؟
فَقَالَ: إِنَّك لَتسَأَلنِي عَنْ شَيْءٍ مَا أَحْفَظه،
وَمَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَد قَبْلك.
قُلْتُ: أَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ (3)
.
__________
(1) هكذا في النسختين، وفي (تاريخ الإسلام) الذي بخط
الذهبي المؤلف: (أقوش) وكذلك في معجم شيوخه الكبير، وهو
أمر جائز كأنهم استعاضوا عن الواو بالضمة.
قال الذهبي في معجم شيوخه: (أقوش بن عبد الله أبو الحمد
الكرجي الافتخاري.
شيخ عاقل مليح الخط نسخ جملة ونظر في أمر التربة الكاملية.
ولد في سنة ثلاثين وست مئة تقريبا..مات في ذي القعدة سنة
تسع وتسعين وست مئة) (م 1 الورقة: 37).
وقال في وفيات سنة 699 من (تاريخ الإسلام)، وهو بخطه:
(أقوش الاجل حسام الدين أبو الحمد الافتخاري الشبلي..وسمع
بدمياط كتاب (الناسخ والمنسوخ) للحازمي من الجلال
الدمياطي..وقرأت عليه (الناسخ والمنسوخ) (الورقة: 288 -
أيا صوفيا 3014).
(2) في الأصل: (الافتجاري) وفي ب: مهملة غير منقوطة،
والصواب ما أثبتناه كما يظهر من الهامش السابق.
(3) قال شعيب: أخرجه الدارقطني 1 / 316 من طريق أبي بكر
يعقوب بن إبراهيم البزاز، بهذا الإسناد، وقال: إسناد صحيح،
وعلق عليه شمس الحق بقوله: قال الشيخ العلامة عبد الغني
الزبيدي في بعض تعليقاته: رواه عن أبي مسلمة شعبة، وحماد
بن زيد، وبشر بن المفضل، ويزيد ابن زريع، وعباد بن العوام،
وعباد بن عباد، فلم يذكروا فيه أمر البسملة، وإنما فيه
الصلاة في النعلين، لكن تابع غسان عليه ابن علية عند أحمد،
فلعل أنسا نسي أخيرا، وأظن أن الحفاظ من أصحاب أبي مسلمة
لم يرووا عنه الجملة الأولى لنكارتها، إذ يبعد أن ينسى أنس
خادم النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحفظ كيف كان النبي صلى
الله عليه وسلم يبتدئ صلاته مع رواية قتادة الحافظ عنه ما
يخالف
ذلك قطعا.
وأخرجه أحمد 3 / 166 من طريق غسان بن مضر به.
(21/170)
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، غَرِيْبٌ، وَهُوَ
ظَاهِر فِي أَنَّ أَبَا مَسْلَمَةَ سَعِيْد بن يَزِيْدَ
سَأَلَ أَنساً عَنِ الصَّلَوَات الخَمْس، أَكَانَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَفتح
-يَعْنِي: أَوّلَ مَا يُحرمُ بِالصَّلاَةِ- بدُعَاء
الاستِفْتَاحِ أَمْ بِالاسْتِعَاذَة، أَمْ بِالحَمْد للهِ
رَبّ العَالِمِين؟
فَأَجَابَهُ: أَنَّهُ لاَ يَحفظ فِي ذَلِكَ شَيْئاً.
فَأَمَّا الْجَهْر وَعدمه بِالبسملَة (1) ، فَقَدْ صَحَّ
عَنْهُ مِنْ حَدِيْثِ قَتَادَة، وَغَيْره، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا لاَ يَجهرُوْنَ بِبِسْمِ
اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ (2) .
وَقَدْ رَوَى عَنِ الحَازِمِيّ: المُقْرِئُ تَقِيّ
الدِّيْنِ ابْن بَاسُوَيْه (3) الوَاسِطِيّ، وَالفَقِيْه
عَبْد الخَالِقِ النَّشْتَبْرِيّ (4) ، وَجَلاَل الدِّيْنِ
عَبْد اللهِ بن الحَسَنِ
__________
(1) اختصر الذهبي تصنيفا في هذا الموضوع للحافظ أبي بكر
أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي المتوفي سنة
463 وسماه الذهبي: (ذكر الجهر بالبسملة مختصرا) بقيت نسخة
منه بدار الكتب الظاهرية بدمشق المحروسة ضمن مجموع برقم 55
(انظر كتاب: الذهبي ومنهجه: 226).
(2) قال شعيب: أخرجه البخاري 2 / 188 في صفة الصلاة: باب
ما يقول بعد التكبير بلفظ (أن النبي صلى الله عليه وسلم
وأبا بكر وعمر رضي الله عنهم كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد
لله)، وأخرجه الترمذي (246)، وعنده: (القراءة) بدل
(الصلاة)، وزاد: عثمان.
وأخرجه مسلم (399) بلفظ: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم
الله الرحمن الرحيم).
ورواه أحمد 3 / 264، والطحاوي 1 / 119، والدارقطني: 119،
وقالوا فيه: (فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم)،
ورواه ابن حبان في (صحيحه)، وزاد: (ويجهرون بالحمد لله رب
العالمين) وفي لفظ للنسائي 2 / 135، وابن حبان: (فلم أسمع
أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم)، وفي لفظ لأبي
يعلى الموصلي في (مسنده): فكانوا يستفتحون القراءة فيما
يجهر به بالحمد لله رب العالمين.
وفي لفظ للطبراني في (معجمه) وأبي نعيم في (الحلية)، وابن
خزيمة في (صحيحه) (498)، والطحاوي 1 / 119: (وكانوا يسرون
ببسم الله الرحمن الرحيم) ورجال هذه الروايات كلهم ثقات
مخرج لهم في الصحيح جمع.
(3) في (طبقات) السبكي: 7 / 13: (ماسويه) مصحف.
(4) منسوب إلى نشتبرى، قال ياقوت: (الفتح ثم السكون وتاء
مثناة من فوق ثم باء موحدة =
(21/171)
الدِّمْيَاطِيّ الخَطِيْب، وَآخَرُوْنَ.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ: الأَمِيْر الكَبِيْر
مُؤَيِّد الدَّوْلَةِ مَجْد الدِّيْنِ أَبُو المُظَفَّرِ
أُسَامَة بن مُرْشِد بن مُنْقِذ الكِنَانِيّ الشَّيْزَرِيّ
الشَّاعِر، عَنْ سَبْع وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَأَبُو
المُقيم ظَاعن بن مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيّ الخَيَّاط،
وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بن عَلِيِّ بنِ سُوَيْدَة
التَّكرِيتِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ حُبَيْش
الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو القبَائِل عَشِيرُ بن عَلِيٍّ
الجَبَلِيّ بِمِصْرَ، وَشَمْس الأَئِمَّة عِمَاد الدِّيْنِ
عُمَر بن بَكْرٍ الأَنْصَارِيّ البُخَارِيّ شَيْخ
الحَنَفِيَّة، وَتَاج الدِّيْنِ مُحَمَّد بن عَبْدِ
الرَّحْمَانِ المَسْعُوْدِيّ المُحَدِّث، وَشَاعِر
العِرَاق أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ
ابْن التَّعَاويذِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ
عَلِيِّ بنِ صَدَقَة الحَرَّانِيّ السَّفَّار، وَأَبُو
الفُتُوْحِ مُحَمَّد بن المُطَهَّر بن يَعْلَى الفَاطِمِيّ
الهَرَوِيّ، وَالعَبْد الصَّالِح مُحَمَّد بن أَبِي
المَعَالِي بن قَايد الأَوَانِيّ، وَيَحْيَى بن مَحْمُوْدٍ
الثَّقَفِيّ، وَالمُبَارَك بن أَبِي بَكْرٍ بنِ
النَّقُّوْرِ.
85 - الجَابِرِيُّ أَبُو العَلاَءِ عُمَرُ بنُ بَكْرِ بنِ
مُحَمَّدٍ *
شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ، نُعمَانُ الزَّمَانِ، القَاضِي
عِمَادُ الدِّيْنِ، أَبُو العَلاَءِ عُمَرُ ابْنُ
العَلاَّمَةِ شَيْخِ المَذْهَبِ شَمْسِ الأَئِمَّةِ أَبِي
الفَضْلِ بَكْرِ بنِ مُحَمَّدٍ
__________
= وراء مفتوحة مقصورة، قرية كبيرة ذات نخل وبساتين تختلط
بساتينها ببساتين شهرابان من طريق خراسان من نواحي بغداد،
خرج منها جماعة منهم الملقب بالحافظ، لا لأنه محدث، أبو
محمد عبد الخالق بن الانجب بن المعمر بن الحسن بن عبيد
الله النشتبري، تفقه على الشيخ أبي طالب المبارك بن
المبارك ابن الخل..) (معجم البلدان: 4 / 784).
(*) ترجم له كمال الدين ابن الفوطي في الملقبين بعماد
الدين من (تلخيصه): 4 / الترجمة 1159 نقلا عن شيخه وشيخ
الذهبي أبي العلاء محمود بن أبي بكر الفرضي الحنفي المتوفى
سنة 700، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 113 (أحمد
الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 253 كما ترجمت له كتب
علماء الحنفية.
(21/172)
الأَنْصَارِيُّ، الجَابِرِيُّ،
البُخَارِيُّ، الزَّرَنْجَرِيُّ.
وَزَرَنْجَرَى (1) : مِنْ قرَى بُخَارَى.
تَفقّه بِأَبِيْهِ، وَببرْهَانِ الأَئِمَّة ابْنِ مَازَةَ،
وَسَمِعَ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) مِنْ أَبِيْهِ، عَنْ
أَبِي سَهْل الأَبِيْوَرْدِيّ، عَنِ ابْنِ حَاجِب
الكَاشَانِيّ (2) .
تَفقّه بِهِ: شَمْس الأَئِمَّة أَبُو الوحدَةِ مُحَمَّد بن
عَبْدِ الستَار الكُرْدِيّ، وَالمُفْتِي جَمَال الدِّيْنِ
عُبَيْد اللهِ بن إِبْرَاهِيْمَ المَحْبُوبِيّ، وَصدر
العَالَم مُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مَازَةَ.
وَعُمِّر نَحْو التِّسْعِيْنَ، وَانتهت إِلَيْهِ رِئَاسَة
الحَنَفِيَّة.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
86 - المَسْعُوْدِيُّ أَبُو سَعِيْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، اللُّغَوِيُّ،
المُتَفَنِّنُ، تَاج الدِّيْنِ، أَبُو سَعِيْدٍ،
__________
(1) ويقال فيها: زرنكرى.
(2) وتمام السند: عن الفربري، عن البخاري.
(*) ترجم له ياقوت في إرشاد الاريب: 7 / 20، ومعجم
البلدان: 1 / 743، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 60
(شهيد علي)، والقفطي في الانباه: 3 / 166، والمنذري في
التكملة: 1 / الترجمة 41، وابن خلكان في الوفيات: 4 / 390،
وابن النجار في التاريخ المجدد كما دل عليه المستفاد
للحسامي الدمياطي، الورقة: 9، والذهبي في تاريخ الإسلام،
الورقة: 18 (باريس، 158)، والعبر: 4 / 253 والاعلام،
الورقة: 211، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 67، وابن مكتوم
في تلخيصه، الورقة: 218، والاسنوي في الطبقات 1 / 252،
والصفدي في الوافي: 3 / 233، والسبكي في الطبقات: 6 / 123،
والدنجي في الفلاكة: 88، وابن قاضي شهبة في طبقات النحاة،
الورقة: 70، وابن حجر في لسان الميزان: 5 / 256، والسيوطي
في البغية: 1 / 158، وابن العماد في الشذرات: 4 ! 280،
وابن الغزي في ديوان الإسلام، الورقة: 21.
وذكره السمعاني في (الحمدويي) من =
(21/173)
وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ ابْنُ
المُسْنِدِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
مَسْعُوْدٍ المَسْعُوْدِيُّ، البَنْجَدِيْهِيُّ،
المَرْوَزِيُّ، الصُّوْرِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَاهُ، وَعَبْدَ السَّلاَّم بن أَحْمَدَ
بِكبرِهِ، وَمَسْعُوْدَ بنَ مُحَمَّدٍ الغَانِمِيّ،
وَأَبَا النَّضْرِ الفَامِيّ، وَأَبَا الوَقْت عَبْد
الأَوَّل، وَأَبَا المُظَفَّر التُّرَيْكِيّ
البَغْدَادِيّ، وَابْن رِفَاعَةَ السَّعْدِيّ، وَمَسْعُوْد
الثَّقَفِيّ، وَعَبْد الصَّبُوْرِ بن عَبْدِ السَّلاَمِ،
وَالحَافِظ السِّلَفِيّ، وَعِدَّة.
وَأَملَى بِمِصْرَ مَجَالِس فِي سَنَةِ خَمْسٍ
وَسَبْعِيْنَ.
وَأَدّب الْملك الأَفْضَل ابْن السُّلْطَان.
وَعَمِلَ شرحاً كَبِيْراً لِلمَقَامَات، وَاقتنَى كتباً
كَثِيْرَة، وَليّنه المُحَدِّثُونَ (1) .
قَالَ المُنْذِرِيّ (2) : كتب عَنْهُ السِّلَفِيّ
أَنَاشيد، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ: ابْن المُفَضَّلِ،
وَآخَرُوْنَ.
قُلْتُ: وَزَينُ الأُمَنَاءِ، وَالتَّاج القُرْطُبِيّ،
وَالنُّوْر البَلْخِيّ، وَأَمثَالهُم.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ خَلِيْل (3) : لَمْ يَكُنْ فِي
نَقله بثِقَة وَلاَ مَأْمُوْنٍ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (4) : كَانَ مِنَ الفُضَلاَء
فِي كُلِّ فَن، وَمِنْ أَظرف
__________
= الأنساب وتابعه ابن الأثير في اللباب، ونسبته بالمسعودي
إلى جده مسعود كما ذكر المنذري وغيره.
(1) لذلك تناوله ابن حجر في (لسانه): 5 / 256.
(2) (التكملة): 1 / الترجمة 41.
(3) يعني في (معجم شيوخه)، ولم يصل إلينا.
(4) انظر (المستفاد)، الورقة: 9.
(21/174)
المَشَايِخ، وَأَحْسَنهم هَيْئَة،
وَأَجْمَلهم لباساً، سَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: عَبْدِ
الرَّحْمَانِ بن أَبِي الحَسَنِ الدَّارَانِيّ،
وَطَائِفَة، وَأجَاز لَهُ أَبُو العِزِّ بن كَادِشٍ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَوَقَفَ كتبه
بِالسُّمَيْسَاطِيَّةِ (1) .
87 - ابْنُ التَّعَاوِيْذِيِّ أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ
بنُ عُبَيْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ *
رَئِيْسُ الشُّعَرَاءِ، أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ
عُبَيْدِ اللهِ (2) التَّعَاوِيْذِيُّ، البَغْدَادِيُّ،
الأَدِيْبُ، سِبْطُ المُبَارَكِ (3) بنِ المُبَارَكِ
التَّعَاوِيْذِيِّ (4) .
كَانَ وَالِدُهُ مِنْ غلمَان بنِي المُظَفَّر، وَكَانَ
هُوَ كَاتِباً بدِيْوَان المقَاطعَات.
وَ (دِيْوَانه (5)) مُجَلَّدَان.
رَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ بنِ وَارِثٍ.
__________
(1) رباط ينسب إلى أبي القاسم علي بن محمد السميساطي
المتوفى بدمشق سنة 453، وكان قد وقف داره التي كانت ملاصقة
للجامع على فقراء المسلمين (انظر " معجم البلدان " لياقوت:
3 / 152).
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة 59 (شهيد علي)،
والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 60، وأبو شامة في
الروضتين: 2 / 123، وابن خلكان في الوفيات: 4 / 466، وأبو
الفداء في المختصر: 3 / 80، وابن الوردي في تاريخه: 2 /
100، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 114 (أحمد الثالث
2917 / 14)، والعبر: 4 / 253، والاعلام، الورقة: 211،
والمختصر المحتاج إليه: 1 / 66، والصفدي في الوافي: 4 /
11، ونكت الهميان: 259، وابن كثير في البداية: 12 / 329،
والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 53، وابن تغري بردي في
النجوم: 6 / 105، وابن العماد في الشذرات: 3 / 281، وابن
الغزي في ديوان الإسلام، الورقة: 26 وغيرهم.
(2) كان اسمه نشتكين فسماه ابنه عبيد الله.
(3) كان هذا مشهورا توفي سنة 553.
(4) نسبة إلى كتابة التعاويذ.
(5) طبع ديوانه.
(21/175)
أَضَرَّ بِأَخَرَةٍ (1) ، وَرثَى عينِيه
وَأَيَّام شبَابه، وَنظمه فَائِق.
عَاشَ خَمْساً وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ فِي شَوَّالٍ،
سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
88 - ابْنُ الدَّهَّانِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَسْعَدَ بنِ
عَلِيٍّ المَوْصِلِيُّ *
العَلاَّمَةُ، مُهَذِّبُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ
اللهِ بنُ أَسْعَدَ بنِ عَلِيٍّ المَوْصِلِيُّ،
الشَّافِعِيُّ، الشَّاعِرُ، المُدَرِّسُ بِحِمْصَ.
لَهُ (دِيْوَان) صَغِيْر (2) ، وَنظمه بَدِيْع.
دخل إِلَى مِصْرَ، وَمدح ابْن رُزِّيْك بقصيدَة، مِنْهَا
(3) :
أَأَمدَحُ التُّرْكَ أَبغِي الفَضْلَ عِنْدَهُمُ ...
وَالشِّعْرُ مَا زَالَ عِنْد التُّرْكِ مَتْرُوْكَا
وَمدح السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ بقصيدَة طنانَة،
مِنْهَا (4) :
قُلْ لِلبخيلَةِ بِالسَّلاَمِ تَوَرُّعاً : ... كَيْفَ
استَبَحْتِ دَمِي وَلَمْ تَتَوَرَّعِي (5)
__________
(1) سنة 579.
(*) ترجم له العماد في القسم الشامي من الخريدة: 2 / 279،
وابن عساكر في تاريخ دمشق (تهذيب: 7 / 292)، وابن الأثير
في الكامل: 11 / 212، والقفطي في إنباه الرواة، 2 / 103،
وابن خلكان في الوفيات: 3 / 57، والذهبي في تاريخ الإسلام،
الورقة: 92 (أحمد الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 243،
وابن كثير في البداية: 12 / 317، والسبكي في الطبقات: 7 /
120 وسقطت ترجمته من النسخة، والاسنوي في الطبقات: 2 /
440، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 21، وابن العماد
في الشذرات: 4 / 270، ومقدمة الدكتور عبد الله الجبوري
لديوانه.
(2) نشره بعد تحقيقه الدكتور عبد الله الجبوري ببغداد سنة
1978.
(3) انظر تمام القصيدة في الديوان (التكملة)، ص 219 - 223.
(4) هي أول أول قصيدة في ديوانه: 25 - 34.
(5) البيت رقم 11 من القصيدة المذكورة.
(21/176)
وَزَعَمْتِ أَنْ تَصِلِي لعَامٍ قَابلٍ ...
هَيْهَاتَ أَنْ أَبقَى إِلَى أَنْ تَرْجِعِي (1)
أَبَدِيْعَةَ (2) الحُسْنِ الَّتِي فِي وَجههَا ... دُوْنَ
الوُجُوهِ عنَايَةٌ لِلمُبدعِ
مَا كَانَ ضَرَّكِ لَوْ غَمَزْتِ بحَاجِبٍ ... يَوْمَ (3)
التَّفَرُّقِ أَوْ أَشَرْتِ بِأُصبَعِ
فَتَيَقَّنِي (4) أَنِّي بِحُبِّكِ مُغْرَمٌ ... ثُمَّ
اصنَعِي مَا شِئْتِ بِي أَنْ تَصْنَعِي
وَلَهُ (5) :
يُضحِي يُجَانِبُنِي مُجَانبَةَ العِدَى ... وَيبَيْتُ
وَهْوَ إِلَى الصَّبَاحِ نَدِيمُ
وَيَمُرُّ بِي يَخشَى الرَّقيبَ فَلفظُهُ ... شَتْمٌ،
وَغَنْجُ لحَاظِهِ تَسْلِيمُ
تُوُفِّيَ فِي: شَعْبَان، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
89 - ابْنُ الجَدِّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
اللهِ بنِ يَحْيَى الفِهْرِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ،
الفَقِيْهُ، الخَطِيْبُ، الأَفْوَهُ، أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى بنِ فَرَجِ بنِ
الجَدِّ الفِهْرِيُّ، اللَّبْلِيُّ، ثُمَّ
الإِشْبِيْلِيُّ، المَالِكِيُّ.
__________
(1) البيت 17 من قصيدة الديوان وفيه رواية أخرى:
ووعدتني إن عدت عود وصالنا * هيهات ما أبقى إلى أن ترجعي
(2) في الديوان: (وبديعة) وهو البيت 12 من القصيدة.
(3) في الديوان: (عند).
وهو البيت 16 منها.
(4) في الديوان: (وتيقني) وهذا هو البيت 21 منها.
(5) انظر (تكملة الديوان): 230.
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 2 / 542، والمنذري في
التكملة: 1 / الترجمة 123، والذهبي في تاريخ الإسلام،
الورقة 129 (أحمد الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 258،
والاعلام، الورقة: 211، والصفدي في الوافي: 3 / 335، وابن
قاضي شهبة في طبقات النحاة، الورقة: 32، وابن تغري بردي في
النجوم: 6 / 112، وابن العماد في الشذرات: 4 / 286.
(21/177)
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ بقُرْطُبَة: أَبَا مُحَمَّدٍ بنَ عتَّاب، وَأَبَا
بَحْرٍ بن العَاصِ، وَأَبَا الوَلِيْدِ بن رُشْدٍ فِي
سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
وَبإِشْبِيْلِيَة: أَبَا بَكْرٍ بنَ العربِيّ، وَأَبَا
الحَسَنِ شُرَيْح بن مُحَمَّد، لَكنّه امْتَنَع مِنَ
الرِّوَايَة عَنْهُمَا.
وَبحث (سِيْبَوَيْه (1)) عَلَى أَبِي الحَسَنِ ابْن
الأَخْضَرِ، وَأَخَذَ عَنْهُ كتب اللُّغَة.
وَسَمِعَ (صَحِيْح مُسْلِم) مِنْ: أَبِي القَاسِمِ
الهَوْزَنِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ
الشَّرِيْشِيّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ زرقُوْنَ، وَمُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ
الغَزَّال، وَأَبُو عَلِيٍّ الشَّلَوْبِيْن، وَأَبُو
الخَطَّابِ بن دِحْيَة، وَيَحْيَى بن أَحْمَدَ
السَّكُوْنِيّ اللَّبْلِيّ، وَعَدَد كَثِيْر.
وَكَانَ كَبِيْرَ الشَّأْنِ، انْتَهَت إِلَيْهِ رِئَاسَة
الحِفْظ فِي الفُتْيَا، وَقَدِمَ لِلشُوْرَى مِنْ سَنَةِ
إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، وَعظم جَاهه، وَنَال دُنْيَا
عرِيضَة، وَلَمْ يَكُنْ يَدْرِي فَنّ الحَدِيْث، لَكنّه
عَالِي الإِسْنَاد فِيْهِ.
وَكَانَ أَحَدَ الفصحَاء البلغَاء، امْتحن فِي كَائِنَة
لَبْلَة، وَقُيّد، وَسجن، وَكَانَ فَقِيْه عصره، تخرّج
بِهِ أَئِمَّة.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ (2) ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ: وَمِنْ أَعيَان
شُيُوْخِي الإِمَامُ الحَافِظُ الصَّدْر الكَبِيْر أَبُو
بَكْرٍ بن الجَدِّ فَقِيْه الأَنْدَلُس، وَحَافِظهَا،
وَزعيمهَا، غَيْر مُنَازَع وَلاَ مُدَافَع، انْتَهَت
إِلَيْهِ رِئَاسَة الفِقْه أَزْيد مِنْ سِتِّيْنَ سَنَةً،
مَعَ الجَلاَلَة الَّتِي تُجَاوز مدَاهَا، وَالخلال
الَّتِي التزمَ أَهدَاهَا، وَكَانَ فِي غَزَارَة الحِفْظ،
وَمتَانَة مَادَّة العِلْم عِبْرَة مِنَ الْعبر، وَآيَة
مِنَ الآيَات، سَمِعْتُ عَلَيْهِ (جَامِع التِّرْمِذِيّ)،
__________
(1) يعني كتاب سيبويه.
(2) كانت وفاته بإشبيلية ليلة يوم الخميس الرابع عشر من
شوال كما ذكر ابن الابار وغيره.
(21/178)
وَأَشيَاء -رَحِمَهُ الله-.
وَذَكَرَهُ ابْنُ رشيد، فَقَالَ: بَحْر الفِقْه وَحبره،
وَفَقِيْه الأَنْدَلُس فِي وَقْتِهِ، وَحَافِظ المَذْهَب
لاَ يدَانِيه أَحَد، مَعَ الذّهن الثَّاقب، وَسرعَة
الجَوَاب، وَالبرَاعَة فِي العَرَبِيَّة، وَقَدْ حلف أَبُو
بَكْرٍ مُحَمَّد بن عليّ التُّجِيْبِيّ أَنَّ ابْنَ
الجَدِّ أَحْفَظ مِنِ ابْنِ القَاسِمِ، وَقَدْ أَكْثَر
عَنْ أَبِي الحَسَنِ ابْن الأَخْضَرِ، وَمَعَ إِمَامته قلّ
مَا صَنّف.
90 - ابْنُ الفُرَاوِيِّ عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ
اللهِ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُعَمَّرُ، الأَصِيْلُ، مُسْنِدُ
خُرَسَانَ، أَبُو المَعَالِي عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ
اللهِ ابْن فَقِيْهِ الحَرَمِ أَبِي عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ الفُرَاوِيُّ،
الصَّاعدِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (1)
.
وَسَمِعَ مِنْ: جدّه، وَعَبْد الغَفَّارِ بن مُحَمَّدٍ
الشيروئِيّ (2) ، وَأَبِي نَصْرٍ ابْن القُشَيْرِيّ،
وَالعَبَّاس بن أَحْمَدَ الشَّقَّانِيّ، وَظرِيف بن
مُحَمَّدٍ الحِيْرِيّ، وَطَائِفَة.
__________
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 184 (باريس
5922) وذكر أنه سمع منه بمكة والمدينة أيام الحج سنة 579،
وابن النجار في التاريخ المجدد، الورقة: 26 (ظاهرية)،
والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 148، والنعال في مشيخته:
107 وهو الشيخ السابع والعشرون فيها، والحسامي الدمياطي في
المستفاد، الورقة: 51، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة
134 (أحمد الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 262، ودول
الإسلام: 2 / 73، والاعلام، الورقة: 211، والمختصر المحتاج
إليه: 3 / 90، وابن العماد في الشذرات: 4 / 288.
(1) في شهر ربيع الأول منها كما ذكر ابن الدبيثي والمنذري.
(2) نسبة إلى أحد أجداده شيرويه، وتوفي سنة 510 (راجع
وفيات الحاجي الترجمة 22 والتعليق عليها).
(21/179)
وَحَجّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ.
حَدَّثَ بِنَيْسَابُوْرَ، وَبَغْدَاد، وَالحَرَمَيْنِ،
وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوّ الإِسْنَادِ، وَلَهُ
أَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً سَمِعْنَاهَا، وَهُوَ مِنْ بَيْت
الرِّوَايَة وَالعدَالَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُكْرَّمُ بنُ مَسْعُوْدٍ، وَالفَقِيْهُ
أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المُلَقَّبُ
بِالبُخَارِيِّ، وَالتَّقِيُّ بنُ بَاسُوَيْه، وَأَبُو
عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القُرْطُبِيُّ،
وَالنَّفِيْسُ مُحَمَّدُ بنُ رَوَاحَةَ، وَعَبْدُ اللهِ
بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ الأُمَوِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الدُّبَيْثِيُّ، وَالتَّاجُ
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَهُوَ وَالِدُ المُسْنِدِ أَبِي الفَتْحِ مَنْصُوْرِ
ابْنِ الفُرَاوِيِّ، وَجدُّ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ.
وَفُرَاوَةُ -بِالضَّمِّ وَالفَتْحِ-: بُلَيدَةٌ مِنْ
نَاحِيَةِ خُوَارِزْم.
تُوُفِّيَ عَبْدُ المُنعمِ فِي: أَواخِرِ شَعْبَان، سَنَةَ
سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعُوْنَ
عَاماً، وَنَزَلَ النَّاسُ بِمَوْتِهِ دَرَجَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: عَبْدُ الحَقِّ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ
بُونُه العَبْدَرِيُّ بِالمُنَكَّبِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيِّ ابْنِ الخِرَقِيِّ
اللَّخْمِيُّ الفَقِيْهُ، وَصَاحِبُ حَمَاةَ تَقِيُّ
الدِّيْنِ عُمَرُ بنُ شَاهنشَاه بنِ أَيُّوْبَ، وَنجمُ
الدِّينِ مُحَمَّدُ ابْنُ المُوَفَّقِ الخَبُوْشَانِيُّ
الشَّافِعِيُّ بِمِصْرَ، وَقُتِلَ: الشِّهَابُ
السُّهْرَوَرْدِيُّ الفَيْلَسُوْفُ، وَشَيْخُ القُرَّاءِ
يَعْقُوْبُ بنُ يُوْسُفَ الحَرْبِيُّ.
91 - ابْنُ عَيَّادٍ أَبُو عُمَرَ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ
اللهِ الأَنْدَلُسِيُّ *
الإِمَامُ، شَيْخُ القُرَّاءِ وَالمُحَدِّثِيْنَ، أَبُو
عُمَرَ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدِ بنِ
__________
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 3 / الورقة 141،
والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة =
(21/180)
أَبِي زَيْدِ ابْنِ عَيَّادٍ (1)
الأَنْدَلُسِيُّ، اللّرييُّ (2) .
تَلاَ عَلَى: أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ،
وَابْنِ هُذَيْلٍ، وَأَبِي مَرْوَانَ ابْنِ الصَّيْقَلِ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الوَلِيْدِ ابْنِ الدَّبَّاغِ،
وَطَارِقِ بنِ يَعِيْشَ، وَعِدَّةٍ.
وَكَانَ حجَّةً، ثَبْتاً، مَعْنِيّاً بصنَاعَةِ
الحَدِيْثِ، مُكْثِراً إِلَى الغَايَةِ، بَصِيْراً
بِترَاجمِ الرِّجَالِ.
وَلَهُ تَصَانِيْفُ، مِنْهَا: (شرحُ الْمُنْتَقَى لابْنِ
الجَارُوْدِ)، وَ(شرحُ كِتَابِ الشِّهَابِ)، وَكِتَابُ
(الكفَايَةِ فِي مَرَاتِبِ الرِّوَايَةِ)،
وَ(الأَرْبَعِيْنَ فِي الحشرِ)، وَ(الأَرْبَعِيْنَ فِي
العِبَادَاتِ).
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُحَمَّدٌ، وَأَبُو الحَجَّاجِ بنُ
عَبْدَةَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ غلبُوْنَ.
استُشْهِدَ فِي كَائِنَةِ لريَّةَ، عَنْ سَبْعِيْنَ
سَنَةً، وَذَلِكَ يَوْمَ العِيْدِ، سَنَةَ خَمْسٍ
وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
92 - حَيَاةُ بنُ قَيْسِ بنِ رَجَّالِ بنِ سُلْطَانٍ
الأَنْصَارِيُّ *
الشَّيْخُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، شَيْخُ
حَرَّانَ وَزَاهِدُهَا، حَيَاةُ بنُ قَيْسِ
__________
= 61 (أحمد الثالث 2917 / 14)، ومعرفة القراء: 442 وتصحف
فيه اللريي إلى (اللدي)، والعبر: 4 / 226 وتصحف فيه عياد
إلى (عباد)، وابن الجزري في غاية النهاية: 2 / 397 وتصحف
فيه إلى (اللدي) أيضا، وابن العماد في الشذرات: 4 / 254.
(1) قال ابن الجزري في (غاية النهاية): بتشديد الياء آخر
الحروف.
(2) قال ابن الابار: من أهل كرية.
(*) ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 91 (أحمد
الثالث 2917 / 14)، =
(21/181)
بنِ رَجَّالِ بنِ سُلْطَانٍ
الأَنْصَارِيُّ، الحَرَّانِيُّ.
صَاحِبُ أَحْوَالٍ، وَكَرَامَاتٍ، وَتَأَلُّهٍ،
وَإِخْلاَصٍ، وَتعفُّفٍ، وَانقباضٍ.
كَانَتِ المُلُوْكُ يَزورُوْنَهُ وَيَتبرَّكُوْنَ
بلقَائِهِ، وَكَانَ كلمَةَ وِفَاقٍ بَيْنَ أَهْلِ بلدِهِ.
قِيْلَ: إِنَّ السُّلْطَانَ نُوْرَ الدِّيْنِ زَارَهُ،
فَقوَّى عَزْمَهُ عَلَى جِهَادِ الفِرنْج، وَدَعَا لَهُ،
وَإِنَّ السُّلْطَانَ صَلاَحَ الدِّيْنِ زَارَهُ، وَطلبَ
مِنْهُ الدُّعَاءَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِترْكِ قصدِ
المَوْصِلِ، فَلَمْ يَقبلْ، وَسَارَ إِلَيْهَا فَلَمْ
يظفرْ بِهَا.
وَكَانَ الشَّيْخُ حَيَاةُ قَدْ صَحِبَ الشَّيْخَ
حُسَيْناً (1) البَوَارِيَّ، تِلْمِيْذَ مُجَلِّي بنِ
يَاسينَ، وَكَانَ مُلاَزِماً لزَاويتِهِ بِحَرَّانَ،
مُنْذُ خَمْسِيْنَ سَنَةً، لَمْ تَفُتْهُ جَمَاعَةٌ إِلاَّ
مِنْ عُذرٍ شرعِيٍّ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ بشوشَ الوَجْهِ، ليِّنَ الجَانبِ،
رحيمَ القَلْبِ، سخيّاً، كَرِيْماً، صَاحِبَ ليلٍ،
وَتَبَتُّلٍ، لَمْ يُخَلِّفْ بِحَرَّانَ بَعْدَهُ
مِثْلَهُ، وَلَهُ (سيرَةٌ) فِي مُجَلَّدٍ كَانَتْ عِنْدَ
ذُرِّيَتِهِ.
تُوُفِّيَ: فِي لَيْلَةِ الأَرْبعَاءِ، سَلْخَ جُمَادَى
الأُوْلَى، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ الله تَعَالَى-.
93 - أَبُو الحَسَنِ سِنَانُ بنُ سَلْمَانَ بنِ مُحَمَّدٍ
البَصْرِيُّ البَاطِنِيُّ *
رَاشِدُ الدِّينِ، كَبِيْرُ الإِسْمَاعِيْلِيَّة
وَطَاغوتُهُم، أَبُو الحَسَنِ سِنَانُ بنُ
__________
= والعبر: 4 / 243، وابن العماد في الشذرات: 4 / 269.
(1) في الأصل حسين ولعله سبق قلم.
(*) أخباره وسيرته في التواريخ المستوعبة لعصره مثل الكامل
لابن الأثير والمرآة لسبط ابن الجوزي وغيرهما.
وقد أفرد الذهبي له ترجمة في تاريخ الإسلام، الورقة: 148 -
152 فصل =
(21/182)
سَلْمَانَ بنِ مُحَمَّدٍ البَصْرِيُّ،
البَاطِنِيُّ، صَاحِبُ الدَّعوَةِ النِّزَارِيَّةِ.
كَانَ ذَا أَدبٍ وَفضِيْلَةٍ، وَنظَرٍ فِي الفَلْسَفَةِ
وَأَيَّامِ النَّاسِ، وَفِيْهِ شَهَامَةٌ وَدهَاءٌ وَمكرٌ
وَغَوْرٌ، فَذَكَر رَسُوْلٌ لَهُ وَهُوَ سَعْدُ الدِّينِ
عَبْدُ الكَرِيْمِ، قَالَ: حَكَى الشَّيْخُ سنَانٌ قَالَ:
وَردْتُ الشَّامَ، فَاجتزْتُ بِحَلَبَ، فَصَلَّيْتُ العصرَ
بِمشهدٍ عَلَى ظَاهِرِ بَابِ الجنانِ، وَثَمَّ شَيْخٌ
مُسِنٌّ، فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ الشَّيْخُ؟
قَالَ: مَنْ صِبيَانِ حلبَ.
قُلْتُ: الدَّعوَةُ النِّزَارِيَّةُ (1) نسبَةٌ إِلَى
نزَارِ ابْنِ خَلِيْفَة العُبَيْدِيَّةِ المُسْتَنْصِرِ
(2) ، صَيَّرَهُ أَبُوْهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ (3) ، وَبثَّ
لَهُ الدُّعَاةَ، فَمنهُم صَبَّاحٌ جدُّ أَصْحَابِ
الْأَلْمُوتِ، أَحَدُ شيَاطينِ الإِنْسِ، ذُو سَمْتٍ،
وَذلقٍ (4) ، وَتَخَشُّعٍ، وَتنَمُّسٍ، وَلَهُ أَتْبَاعٌ.
دَخَلَ الشَّامَ وَالسَّوَاحِلَ فِي حُدُوْدِ ثَمَانِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَلَمْ يَتِمَّ لَهُ مرَامُهُ، فَسَارَ
إِلَى العَجَمِ، وَخَاطبَ الغُتْمَ (5) الصُّمَّ،
فَاستجَابَ لَهُ خَلْقٌ، وَسَلَخَهُم، وَحَلَّهُم،
وَكثرُوا، وَأَظهرُوا شغلَ السِّكِّين، وَالوثَوْبَ عَلَى
الكِبَارِ، ثُمَّ قصدَ قَلْعَةَ الْأَلْمُوتِ بقَزْوِيْنَ،
وَهِيَ مَنِيعَةٌ بِأَيدِي قَوْمٍ شجعَان، لَكنَّهُم
جهلَةٌ فُقَرَاءُ، فَقَالَ لَهُم: نَحْنُ قَوْمٌ عُبَّادٌ
مسَاكينُ،
__________
= فيها القول على نشأة الدعوة النزارية وتطورها (نسخة أحمد
الثالث 2917 / 14)، وانظر: العبر: 4 / 269.
(1) انظر تاريخ الدولة الفاطمية لاستاذنا المرحوم حسن
إبراهيم حسن: ص 367 فما بعد (ط (3) القاهرة 1964)، ومادة
(الموت) في دائرة المعارف الإسلامية: 4 / 371 فما بعد.
(2) مات المستنصر العبيدي سنة 487 كما هو مذكور مشهور في
تواريخ عصره.
(3) في الأصل و(ب): (عدة) لعلها من سبق القلم، وفي (تاريخ
الإسلام): (وكان نزار قد بايع له أبوه وبث له الدعاة).
(4) في الأصل: (دلق) بالمهملة، ولا يستقيم المعنى بها.
(5) الغتم: جمع أغتم، وهو الذي لا يفصح شيئا.
وفي (تاريخ الإسلام): وتكلم مع أهل الجبال والغتم الجهلة
من تلك الاراضي.
(21/183)
فَأَقَامُوا مُدَّةً، فَمَالُوا إِلَيْهِم،
ثُمَّ قَالَ: بِيعُونَا نِصْفَ قلعتِكُم بِسَبْعَةِ آلاَفِ
دِيْنَارٍ، فَفَعلُوا، فَدَخَلوهَا، وَكثرُوا، وَاستولَى
صَبَّاحٌ عَلَى القَلْعَةِ، وَمَعَهُ نَحْوُ الثَّلاَثِ
مائَةٍ، وَاشْتُهِرَ بِأَنَّهُ يُفْسدُ الدِّينَ، وَيَحلُّ
مِنَ الإِيْمَانِ، فَنهدَ لَهُ ملكُ تِلْكَ النَّاحيَةِ،
وَحَاصَرَ القَلْعَةَ مَعَ اشتغَالِهِ بلعبِهِ وَسُكْرِهِ.
فَقَالَ عَلِيٌّ اليَعْقُوْبِيُّ مِنْ خوَاصِّ صَبَّاح:
أَيش يَكُوْنُ لِي عَلَيْكُم إِنْ قتلتُهُ؟
قَالُوا: يَكُوْنُ لَكَ ذُكْرَان فِي تسَابيحنَا.
قَالَ: رضيتُ، فَأَمرهُم بِالنُّزَولِ ليلاً، وَقسَمَهُم
أَربَاعاً فِي نوَاحِي ذَلِكَ الجَيْشِ، وَرتَّب مَعَ
كُلِّ فِرقَةٍ طُبُولاً، وَقَالَ: إِذَا سَمِعتُم
الصَّيحَةَ فَاضربُوا الطُّبولَ، فَاختبطَ الجَيْشُ،
فَانْتهزَ الفرصَةَ، وَهجم عَلَى الملكِ فَقَتَلَهُ،
وَقُتِلَ، وَهَرَبَ العَسْكَرُ، فَحَوَتِ الصَّبَّاحيَّةُ
الخيَامَ بِمَا حَوَتْ، وَاسْتغنَوا، وَعظُمَ البَلاَءُ
بِهِم، وَدَامت الألموتُ لَهُم مائَةً وَسِتِّيْنَ عَاماً،
فَكَانَ سنَان مِنْ نُوَّابِهِم.
فَأَمَّا نِزَارٌ فَإِنَّ عَمَّتهُ عَمِلَتْ عَلَيْهِ (1)
، وَعَاهدَتِ الأُمَرَاءَ أَنْ تُقيمَ أَخَاهُ صَبِيّاً،
فَخَافَ نِزَارٌ، فَهَرَبَ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّةِ،
وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْرٌ وَحُرُوْبٌ، ثُمَّ قُتِلَ، وَصَارَ
صَبَّاحٌ يَقُوْلُ: لَمْ يَمتْ، بَلِ اخْتَفَى، وَسيظهرُ،
ثُمَّ أَحبلَ جَارِيَةً وَقَالَ لَهُم: سيظهرُ مِنْ
بطنِهَا، فَأَذعنُوا لَهُ، وَاغتَالُوا أُمَرَاءَ
وَعُلَمَاءَ (2) خبطُوا عَلَيْهِم، وَخَافتْهُمُ
المُلُوْكُ، وَصَانَعوهُم بِالأَمْوَالِ.
وَبَعَثَ صَبَّاحٌ الدَّاعِيَ أَبَا مُحَمَّدٍ إِلَى
الشَّامِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَقوِيَ أَمرُهُ،
وَاستجَابَ لَهُ الجبليَّةُ الجَاهِلِيَّةُ، وَاسْتولَوا
عَلَى قَلْعَةٍ مِنْ جبلِ السّماقِ.
__________
(1) يعني عملت ضده، وفي (تاريخ الإسلام): خافت منه.
(2) ذكر الذهبي في (تاريخ الإسلام) أن الاغتيال بالسكاكين
سنة سنها لهم علي اليعقوبي.
(21/184)
ثُمَّ هَلَكَ هَذَا الدَّاعِي، وَجَاءَ
بَعْدَهُ سنَان، فَكَانَ سخطَةً وَبلاَءً، مُتَنَسِّكاً،
متخَشِّعاً، وَاعِظاً، كَانَ يَجلسُ عَلَى صخرَةٍ
كَأَنَّهُ صخرَةٌ لاَ يَتحرَّكُ مِنْ سِوَى لِسَانِهِ،
فَربطهُم، وَغَلَوا فِيْهِ، وَاعتقدَ مِنْهُم بِهِ
الإِلهيَّةَ، فَتبّاً لَهُ وَلجهلِهِم، فَاستغوَاهُم بسحرٍ
وَسيمِيَاء، وَكَانَ لَهُ كتبٌ كَثِيْرَةٌ، وَمُطَالَعَةٌ،
وَطَالَتْ أَيَّامُهُ.
وَأَمَّا الألموتُ (1) فَوَلِيهَا بَعْدَ صَبَّاحٍ ابْنُهُ
مُحَمَّدٌ، ثُمَّ بَعْدَهُ حَفِيْدُهُ الحَسَنُ بنُ
مُحَمَّدٍ الَّذِي أَظهرَ شعَارَ الإِسْلاَمِ، وَنبذَ
الانحَلاَلَ تَقيَّةً، وَزَعَمَ أَنَّهُ رَأَى الإِمَامَ
عَلِيّاً، فَأَمرَهُ بِإِعَادَةِ رُسومِ الدِّينِ، وَقَالَ
لخوَاصِّهِ: أَلَيْسَ الدِّين لِي؟
قَالُوا: بَلَى.
قَالَ: فَتَارَةً أَضعُ عَلَيْكُم التَّكَالِيفَ،
وَتَارَةً أَرفضُهَا.
قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطعنَا، وَاستحضرَ فُقَهَاءَ
وَقُرَّاءَ لِيُعَلِّمُوهُم (2) ، وَتَخَلَّصُوا بِهَذَا
مِنْ صولَةِ خُوَارِزْمشَاه.
نعم، وَكَانَ سنَان قَدْ عَرَجَ مِنْ حجَرٍ وَقَعَ
عَلَيْهِ فِي الزَّلْزَلَةِ الكَبِيْرَةِ، زَمَنَ نُوْرِ
الدِّيْنِ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مُحِبُّوهُ عَلَى مَا
حَكَى المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ ليقتلُوْهُ،
فَقَالَ: وَلِمَ تَقتلونِي؟
قَالُوا: لِتعُوْدَ إِلَيْنَا صَحِيْحاً، فَشَكَرَ لَهُم
وَدَعَا (3) ، وَقَالَ: اصبرُوا عَلَيَّ -يَعْنِي: ثُمَّ
قَتَلَهُم بِحِيلَةٍ-.
وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَحلَّهُم مِنَ الإِسْلاَمِ، نَزلَ
فِي رَمَضَانَ إِلَى مَقْثَأَةٍ (4) ، فَأَكَلَ مِنْهَا،
فَأَكلُوا مَعَهُ.
قَالَ ابْنُ العَدِيْمِ فِي (تَارِيْخِهِ): أَخْبَرَنِي
شَيْخٌ أَدْرَكَ سنَاناً أَنَّهُ كَانَ بَصْرِيّاً،
__________
(1) انظر عن هذه القلعة وتاريخها دائرة المعارف الإسلامية:
4 / 371 (ط. الجديدة).
(2) في الأصل: (يعلموهم).
(3) يعني: (ودعا لهم)) كما في (تاريخ الإسلام).
(4) المقثأة: الموضع الذي يزرع فيه القثاء.
(21/185)
يُعلِّمُ الصِّبْيَانَ، وَأَنَّهُ مرَّ
وَهُوَ طَالعٌ إِلَى الحُصُونِ عَلَى حِمَارٍ، فَأَرَادَ
أَهْلُ إِقمِينَاسَ (1) أَخَذَ حِمَارِهِ، فَبعدَ جُهْدٍ
تركوهُ، ثُمَّ آلَ أَمرُهُ إِلَى أَنْ تَملَّكَ عِدَّةَ
قِلاعٍ.
أَوْصَى يَوْماً أَتْبَاعَهُ فَقَالَ: عَلَيْكُم
بِالصَّفَاءِ بَعْضُكُم لبَعْضٍ، لاَ يَمنعَنَّ أَحَدُكُم
أَخَاهُ شَيْئاً لَهُ، فَأَخَذَ هَذَا بِنْتَ هَذَا،
وَأَخَذَ هَذَا أُخْتَ هَذَا سِفَاحاً، وَسَمَّوا
نُفُوْسَهُم الصُّفَاةُ، فَاسْتدَعَاهُم سنَانٌ مرَّةً
وَقَتَلَ خلقاً مِنْهُم.
قَالَ ابْنُ العَدِيْمِ: تَمَكَّنَ فِي الحُصُونِ،
وَانقَادُوا لَهُ، وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بنُ الهوَّارِيِّ
أَنَّ صَلاَحَ الدِّيْنِ سَيَّرَ رَسُوْلاً إِلَى سنَانٍ
يَتهدَّدُهُ، فَقَالَ لِلرَّسُوْلِ: سَأُرِيكَ الرِّجَالَ
الَّذِيْنَ أَلقَاهُ بِهِم، فَأَشَارَ إِلَى جَمَاعَةٍ
أَنْ يَرمُوا أَنْفُسَهُم مِنْ أَهْلِ الحصنِ مِنْ
أَعلاَهُ، فَأَلقَوا نُفُوْسَهُم، فَهلكُوا.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ أَحلَّ لَهُم وَطءَ
أُمَّهَاتِهِم وَأَخوَاتِهِم وَبنَاتِهِم، وَأَسقطَ
عَنْهُم صومَ رَمَضَانَ.
قَالَ: وَقَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي غَالِبٍ بنِ الحُصَيْنِ
أَنَّ فِي مُحَرَّمٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ هَلَكَ
سنَانٌ صَاحِبُ الدَّعوَةِ بِحصنِ الكَهْفِ، وَكَانَ
رَجُلاً عَظِيْماً، خفِيَّ الكيدِ، بعيدَ الهِمَّةِ،
عَظِيْمَ المخَارِيقِ، ذَا قدرَةٍ عَلَى الإِغوَاءِ،
وَخديعَةِ القُلُوْبِ، وَكتمَانِ السِّرِّ، وَاستخدَامِ
الطَّغَامِ وَالغَفَلَةِ فِي أَغرَاضِهِ الفَاسِدَةِ.
وَأَصلُهُ مِنْ قُرَى البَصْرَةِ، خدَمَ رُؤسَاءَ
الإِسْمَاعِيْلِيَّة بِأَلَمُوت، وَرَاضَ نَفْسَهُ
بعلُوْمِ الفلاسفَةِ، وَقرَأَ كَثِيْراً مِنْ كُتُبِ
الجَدَلِ وَالمغَالطَةِ، وَرَسَائِلِ إِخْوَانِ
الصَّفَاءِ، وَالفَلْسَفَةِ الإِقنَاعِيَّةِ المُشَوَّقَةِ
لاَ المُبَرْهَنَةِ، وَبَنَى بِالشَّامِ حُصُوْناً،
وَتوثَّبَ عَلَى حصُوْنٍ، وَوَعَّرَ مسَالِكَهَا،
وَسَالَمَتْهُ الأَنَامُ، وَخَافتْهُ المُلُوْكُ مِنْ
أَجْلِ هجومِ أَتْبَاعِهِ بِالسِّكِّينِ، دَام لَهُ
الأَمْرُ نَيِّفاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
وَقَدْ سَيَّرَ إِلَيْهِ
__________
(1) قرية كبيرة من أعمال حلب في جبل السماق ذكر ياقوت أن
أهلها إسماعيلية.
(21/186)
دَاعِي الدُّعَاةِ مِنْ قَلْعَةِ
أَلَمُوْتَ جَمَاعَةً غَيْرَ مَرَّةٍ ليقتلُوْهُ
لاِستبدَادِهِ بِالرِّئَاسَةِ، فَكَانَ سنَانٌ يَقتلُهُم،
وَبَعْضُهُم يَخدعُهُ، فَيَصِيْرُ مِنْ أَتْبَاعِهِ.
قَالَ: وَقَرَأْتُ عَلَى حُسَيْنٍ الرَّازِيِّ فِي
(تَارِيْخِهِ)، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعِيْنُ الدِّينِ
مَوْدُوْد الحَاجِبُ أَنَّهُ حضَرَ عِنْدَ
الإِسْمَاعِيْلِيَّةِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ
وَخَمْسِيْنَ، فَخلا بِسنَانٍ وَسَأَلَهُ.
فَقَالَ: نشَأتُ بِالبَصْرَةِ، وَكَانَ أَبِي مِنْ
مقدَّمِيهَا، فَوَقَعَ هَذَا الأَمْرُ فِي قَلْبِي، فَجرَى
لِي مَعَ إِخْوَتِي أَمرٌ، فَخَرَجتُ بِغَيْرِ زَادٍ وَلاَ
رَكُوْبٍ، فَتوصَّلْتُ إِلَى الأَلَمُوت، وَبِهَا
إِلْكِيَا (1) مُحَمَّدُ بنُ صَبَّاحٍ، وَلَهُ ابْنَانِ
حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ، فَأَقعدنِي مَعَهُمَا فِي المَكْتَبِ،
وَكَانَ يَبُرُّنِي بِرَّهُمَا، وَيُسَاوينِي بِهِمَا،
ثُمَّ مَاتَ.
وَوَلِيَ حَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، فَنفَّذَنِي إِلَى
الشَّامِ، فَخَرَجْتُ مِثْلَ خُرُوْجِي مِنَ البَصْرَةِ،
وَكَانَ قَدْ أَمرَنِي بِأَوَامرَ، وَحمَّلَنِي رَسَائِلَ،
فَدَخَلتُ مَسْجِدَ التَّمَّارِيْنَ بِالمَوْصِلِ، ثُمَّ
سِرْتُ إِلَى الرَّقَّةِ، فَأَدَّيْتُ رسَالَتَهُ إِلَى
رَجُلٍ، فَزوَّدنِي، وَاكترَى لَهُ بَهيمَةً إِلَى حلبَ،
وَلقيتُ آخرَ برسَالتِهِ، فَزوَّدنِي إِلَى الكهفِ،
وَكَانَ الأَمْرُ أَنْ أُقيمَ هُنَا، فَأَقَمْتُ حَتَّى
مَاتَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَاحِبُ الأَمْرِ.
فَولِيَ بَعْدَهُ خوَاجَا عليّ بِغَيْرِ نصٍّ، بَلْ
بَاتِّفَاقِ جَمَاعَةٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ الرَّئِيْسُ أَبُو
مَنْصُوْرٍ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ،
وَالرَّئِيْسُ فَهْدٌ، فَبعثَوا مَنْ قتلَ خوَاجَا،
وَبَقِيَ الأَمْرُ شُوْرَى، فَجَاءَ الأَمْرُ مِنَ
الأَلموت بِقَتْلِ قَاتِلِهِ، وَإِطلاَقِ فَهْدٍ، وَقُرِئت
الوصيَّةُ عَلَى الجَمَاعَةِ، وَهِيَ:
هَذَا عهدٌ عهدنَاهُ إِلَى الرَّئِيْسِ نَاصِرِ الدِّيْنِ
سنَان، وَأَمَرْنَاهُ بقِرَاءتِهِ عَلَى الرِّفَاقِ
وَالإِخْوَانِ، أَعَاذَكُمُ اللهُ مِنَ الاخْتِلاَفِ
وَاتِّبَاعِ الأَهوَاءِ، إِذْ ذَاكَ فِتْنَةُ
الأَوَّلِينَ، وَبلاَءُ الآخرِيْنَ، وَعبرَةٌ
لِلمعتبرِيْنَ، مَنْ تَبرَّأَ مِنْ أَعْدَاءِ اللهِ
وَأَعْدَاءِ وَليِّهِ وَدِيْنِهِ، عَلَيْهِ مُوَالاَةُ
أَوْلِيَاءِ اللهِ، وَالاَتحَادُ بِالوحدَةِ سُنَّةُ
جَوَامِعِ الكَلِمِ،
__________
(1) إلكيا: الرئيس.
(21/187)
كلمَةِ اللهِ وَالتَّوحيدِ وَالإِخْلاَصِ،
لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، عُرْوَةُ اللهِ الوُثقَى،
وَحبلُهُ الْمَتِين، أَلاَ فَتمسَّكُوا بِهِ، وَاعتصمُوا
بِهِ، فَبِهِ صلاَحُ الأَوِّلِينَ، وَفلاَحُ الآخرِيْنَ،
أَجْمِعُوا آرَاءكُم لِتعَلِيْمِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِنصٍّ
مِنَ اللهِ وَوَليِّهِ، فتلقُّوا مَا يُلْقِيهِ إِلَيْكُم
مِنْ أَوَامِرِهِ وَنوَاهيهِ بقبولٍ، فَلاَ وَرَبّكَ لاَ
تُؤمنُوْنَ حَتَّى تُحَكِّمُوْهُ فِيمَا شَجَرَ بَيْنكُم،
ثُمَّ لاَ تَجدُوا فِي أَنْفُسِكُم حَرَجاً مِمَّا قضَى،
وَتسلِّمُوا تسليماً (1) ، فَذَلِكَ الاَتّحَادُ
بِالوحدَةِ الَّتِي هِيَ آيَةُ الحَقِّ، المُنْجِيَةُ مِنَ
المهَالكِ، المُؤدِّيَةُ إِلَى السَّعَادَةِ، إِذِ
الكَثْرَةُ علاَمَةُ البَاطِلِ، المُؤدِّيَةُ إِلَى
الشَّقَاوَةِ المُخزِيَةِ، فَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ
زوَالِهِ، وَبِالوَاحِدِ مِنْ آلهَةٍ شَتَّى، وَبِالوحدَةِ
مِنَ الكَثْرَةِ، وَبِالنَّصِّ وَالتَّعَلِيْمِ مِنَ
الأَدوَاءِ وَالأَهوَاءِ، وَبِالحَقِّ مِنَ البَاطِلِ،
وَبِالآخِرَةِ البَاقيَةِ مِنَ الدُّنْيَا المَلْعُوْنَةِ،
إِلاَّ مَا أُرِيْدَ بِهِ وَجهُ اللهِ، فَتزوَّدُوا
مِنْهَا لِلأُخْرَى، وَخيرُ الزَّادِ التَّقْوَى، أَطيعُوا
أَمِيْرَكُم، وَلَوْ كَانَ عبداً حبشيّاً.
قَالَ ابْنُ العَدِيْمِ: كتب سنَانٌ إِلَى صَاحِبِ
شَيْزَرَ يُعَزِّيهِ بِأَخِيْهِ:
إِنَّ المنَايَا لاَ تَطَا بِمنسمٍ ... إِلاَّ عَلَى
أَكتَافِ أَهْلِ السُّؤْدُدِ
فَلَئِنْ صَبْرتَ فَأَنْتَ سَيِّدُ مَعْشَرٍ ... صَبْرُوا
وَإِنْ تَجْزَعْ فَغَيْرُ مُفَنَّدِ
هَذَا التَّنَاصُرُ بِاللِّسَانِ وَلَوْ أَتَى ... غَيْرُ
الحِمَامِ أَتَاكَ نَصْرِي بِاليَدِ
وَهِيَ لأَبِي تَمَّامٍ.
وَكَتَبَ سنَانٌ إِلَى صَلاَحِ الدِّيْنِ:
يَا لِلرِّجَالِ لأَمرٍ هَال مَقْطَعُهُ ... مَا مَرَّ
قَطُّ عَلَى سَمعِي تَوَقُّعُهُ
فَإِذَا الَّذِي بِقِرَاعِ السَّيْفِ هَدَّدَنَا ... لاَ
قَامَ مَصْرَعُ جَنْبِي حِيْنَ تَصْرَعُهُ
قَامَ الحَمَامُ إِلَى البَازِي يُهَدِّدُهُ ...
وَاسْتَيْقَظَتْ لأُسُوْدِ البَرِّ أَضْبُعُهُ
__________
(1) مأخوذ من الآية 65 من سورة النساء: (فلا وربك لا
يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم
حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) .
(21/188)
وَقفْتُ عَلَى تَفصيلِ كِتَابِكُم
وَجُمَلِهِ، وَعَلِمْنَا مَا هدَّدنَا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ
وَعملِهِ، فَيَا للهِ العجبُ مِنْ ذُبَابَةٍ تَطنُّ فِي
أُذنِ فِيلٍ، وَبعوضَةٍ تُعَدّ فِي التَّمَاثيلِ، وَلَقَدْ
قَالهَا مِنْ قَبْلِكَ قَوْمٌ فَدمَّرْنَا عَلَيْهِم،
وَمَا كَانَ لَهُم مِنْ نَاصِرِيْنَ، أَلِلْحقِّ تدحضُونَ،
وَللبَاطِلِ تَنصرُوْنَ؟! وَسيعلَمُ الَّذِيْنَ ظلمُوا
أَيَّ منقَلَبٍ يَنقَلْبُوْنَ.
وَلَئِنْ صَدَرَ قَوْلُكَ فِي قطعِ رَأْسِي، وَقلعِكَ
لقلاعِي مِنَ الجِبَالِ الرَّواسِي، فَتلكَ أَمَانِيّ
كَاذِبَةٌ، وَخيَالاَتٌ غَيْرُ صَائِبَةٍ، فَإِنَّ
الجَوَاهِرَ لاَ تَزولُ بِالأَعْرَاضِ، كَمَا أَنَّ
الأَرْوَاحَ لاَ تضمحِلُّ بِالأَمرَاضِ.
وَإِنْ عُدْنَا إِلَى الظَّاهِرِ وَعدلْنَا عَنِ
البَاطِنِ، فَلنَا فِي رَسُوْلِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ:
(مَا أُوذِيَ نَبِيٌّ مَا أُوذِيْت (1)) وَقَدْ علمتَ مَا
جرَى عَلَى عترَتِهِ وَشيعَتِهِ، فَالحَالُ مَا حَالَ،
وَالأَمْرُ مَا زَالَ، وَقَدْ علمْتُم ظَاهِرَ حَالِنَا،
وَكَيْفِيَّةَ رِجَالِنَا، وَمَا يَتمنَّوْنَهُ مِنَ
الفَوتِ، وَيَتقرَّبُوْنَ بِهِ مِنْ حيَاضِ المَوْتِ،
وَفِي المَثَلِ: أَو لِلبطِّ تُهّدِّدُ بِالشَّطِّ؟ فَهيّئ
لِلبلاَيَا أَسبَاباً، وَتَدرَّعْ لِلرَّزَايَا جِلبَاباً،
فَلأَظهرَنَّ عَلَيْكَ مِنْكَ، وَتَكُوْنُ كَالبَاحثِ عَنْ
حَتْفِهِ بظلفِهِ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بعزِيزٍ،
فَكُنْ لأَمرنَا بِالمرصَادِ، وَاقرَأْ أَوَّلَ النَّحْلِ
(2) وَآخرَ صَ (3) .
قَالَ النَّجْمُ ابْنُ إِسْرَائِيْلَ: أَخْبَرَنِي
المنتَجَبُ بنُ دَفْتَرخوَان، قَالَ:
أَرْسَلنِي صَلاَحُ الدِّيْنِ إِلَى سنَانٍ حِيْنَ قفزُوا
عَلَى صَلاَحِ الدِّيْنِ المَرَّةِ الثَّالِثَةِ، وَمعِي
القُطْبُ النَّيْسَابُوْرِيُّ يُهَدِّدُهُ، فَكَتَبَ عَلَى
طُرَّةِ كِتَابِهِ: جَاءَ الغُرَابُ إِلَى البَازِي
يهدِّدُهُ...، وَذَكَرَ الأَبيَاتَ، وَقَالَ: هَذَا
جَوَابُهُ، إِنَّ صَاحِبَكَ يَحكمُ عَلَى ظَاهِرِ جُندِهِ،
وَأَنَا أَحكمُ عَلَى باطنِ جُندِي، وَسترَى دَليلَهُ،
فَدَعَا عَشْرَةً
__________
(1) روي بأسانيد ضعيفة من حديث أنس وبريدة وجابر، انظر
(الجامع الصغير) وشرحه 5 / 430 - 431.
(2) (أتى أمر الله..).
(3) (ولتعلمن نبأه بعد حين).
(21/189)
مِنْ صِبيَانِ القَاعَةِ، فَأَلقَى
سِكِّيناً فِي الخَنْدَقِ، وَقَالَ: مَنْ أَرَادَ هَذِهِ
فَليقَعْ خلْفَهَا، فَتبَادرُوا جَمِيْعاً خلفهَا وَثْباً،
فَتقطَّعُوا، فَعُدْنَا، فَصَالَحَهُ صَلاَحُ الدِّيْنِ.
وَذَكَرَ قُطْبُ الدِّيْنِ فِي (تَارِيْخِهِ): أَنَّ
سنَاناً سَيَّرَ رَسُوْلاً إِلَى صَلاَحِ الدِّيْنِ،
فَلَمْ يَجِدْ مَعَهُ مَا يَخَافُهُ، فَأَخلَى لَهُ
المَجْلِسَ سِوَى نَفرٍ، فَامْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ
الرِّسَالَةِ حَتَّى يَخْرُجُوا، فَأَخْرَجَهُم كلَّهُم
سِوَى مَمْلُوْكَيْنِ، فَقَالَ: أُمِرْتُ أَنْ لاَ
أُؤَدِّي إِلاَّ خَلْوَةً.
قَالَ: هَذَانِ مَا يخرجَانِ، فَإِنْ أَدَّيْتَ وَإِلاَّ
فَقُم، فَهُمَا مِثْلُ أَوْلاَدِي، فَالْتَفَتَ
إِلَيهُمَا، وَقَالَ: إِذَا أَمرتُكُمَا عَنْ مَخْدُومِي
بِقَتْلِ هَذَا السُّلْطَانِ أَتقتلاَنِهِ؟
قَالاَ: نَعم، وَجَذَبا سَيْفَهُماً، فَبُهِتَ
السُّلْطَانُ، وَخَرَجَ أَحَدُهُمَا مَعَ الرَّسُولِ،
فَدَخَلَ السُّلْطَانُ فِي مرضَاةِ سنَانٍ، وَمِنْ
شِعْرِهِ:
مَا أَكْثَرَ النَّاسَ وَمَا أَقلَّهُمُ ... وَمَا أَقلُّ
فِي القَلِيْلِ النُّجَبَا
ليتَهُم إِذْ لَمْ يَكُوْنُوا خُلِقُوا ... مُهَذَّبِيْنَ
صَحِبُوا مُهَذَّبا
مَاتَ سنَانٌ -كَمَا قُلْنَا-: فِي سَنَةِ تِسْعٍ
وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
94 - الطَّالْقَانِيُّ أَبُو الخَيْرِ أَحْمَدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ بنِ يُوْسُفَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الوَاعِظُ، ذُو
الفُنُوْنِ، رضِيُّ الدِّينِ، أَبُو الخَيْرِ أَحْمَدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ بنِ يُوْسُفَ الطَّالْقَانِيُّ،
القَزْوِيْنِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
__________
(*) ترجم له السمعاني في (الطالقاني) من الأنساب، وتابعه
ابن الأثير في اللباب، وزاد فذكر وفاته لتأخرها عن وفاة
السمعاني، وابن جبير في رحلته: 197، وابن نقطة في التقييد،
الورقة: 92، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 163 (باريس
5921)، والسبط في المرآة: 8 / 443، والمنذري في التكملة: 1
/ الترجمة: 224، والنعال في مشيخته: 116، وأبو شامة في
الذيل: 6، والذهبي في تاريخ الإسلام: الورقة 163 أحمد
الثالث 2917 / 14)، والعبر: =
(21/190)
مَوْلِدُهُ بقَزْوِيْنَ، فِي سَنَةِ
اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ عَلَى ملكدَاذ بنِ عَلِيٍّ العُمَرَكِيِّ (1)
، ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فَتفقَّهَ
بِمُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهِ، وَبَرَعَ فِي
المَذْهَبِ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ اللهِ الفُرَاوِيِّ، وَعَبْدِ
الغَافِرِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهِبَةِ اللهِ
السَّيِّدِيِّ، وَزَاهِرٍ الشَّحَّامِيِّ، وَعَبْدِ
المُنْعِمِ ابْنِ القُشَيْرِيِّ، وَعَبْدِ الجَبَّارِ
الخُوَارِيِّ، وَسَمِعَ: الكُتُبَ الكِبَارَ.
وَدَرَّسَ بقَزْوِيْنَ وَبِبَغْدَادَ.
وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ البَطِّيِّ، وَوَعَظَ، وَنَفَقَ
سُوْقهُ، ثُمَّ درَّسَ بِالنّظَامِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ إِمَاماً فِي المَذْهَبِ،
وَالأُصُوْلِ، وَالتَّفْسِيْرِ، وَالخلاَفِ،
وَالتَّذْكيرِ، وَحَدَّثَ (بصَحِيْحِ مُسْلِمٍ)،
وَ(مُسْنَدِ ابْنِ رَاهَوَيْه)، وَ(تَارِيخِ الحَاكِمِ)،
وَ(السُّنَنِ الكَبِيْرِ)، وَ(دَلاَئِلِ النُّبُوَّةِ)،
وَ(البَعْثِ) لِلْبَيْهَقِيِّ (2) ، وَأَملَى مَجَالِسَ،
وَوعظَ، وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ لحُسْنِ سَمْتِهِ،
وَحَلاَوَةِ مَنْطِقهِ، وَكَثْرَةِ مَحْفُوْظَاتِهِ،
وَكثُرَ التَّعصّبُ لَهُ مِنَ الأُمَرَاءِ وَالخَوَاصِّ،
وَأَحَبَّهُ العوَامُّ، وَكَانَ يَجلسُ بِجَامِعِ
القَصْرِ، وَبِالنّظَامِيَّةِ، وَتحضرُهُ أُمَمٌ.
ثُمَّ عَادَ
__________
= 4 / 271، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 174، والاعلام:
211، والسبكي في طبقاته: 6 / 7، وابن كثير في البداية: 13
/ 9، وابن الملقن في العقد، الورقة: 69، وابن الجزري في
غاية النهاية: 1 / 39، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة
186، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 134 وراجع هامش
التكملة تجد مصادر أخرى.
(1) نسبة إلى (عمرك) وهو عمر، وتزيد الاعاجم كافا في مثل
هذه الأسماء فيقولون: أحمدك، وعليك، وعمرك وهلم جرا، ثم
ينسبون إليها، وتوفي ملكداذ هذا سنة 535 وكان من كبار
الشافعية.
(2) يعني الكتب الثلاثة للبيهقي.
أما البعث فاسمه الكامل هو (البعث والنشور) وهو من الكتب
التي اختصرها الذهبي مؤلف الكتاب (الذهبي ومنهجه: 232).
(21/191)
سَنَة ثَمَانِيْنَ إِلَى بلدِهِ (1) ،
وَكَانَ كَثِيْرَ العِبَادَةِ وَالصَّلاَةِ، دَائِمَ
الذِّكرِ، قَلِيْلَ المَأكل، يَشتملُ مَجْلِسُهُ عَلَى
التَّفْسِيْرِ، وَالحَدِيْثِ، وَالفِقْهِ، وَحِكَايَاتِ
الصَّالِحِيْنَ، بِلاَ سجعٍ وَلاَ تَزويقٍ وَلاَ شِعرٍ،
وَهُوَ ثِقَةٌ فِي رِوَايَتِهِ.
وَقِيْلَ: كَانَ يَخْتِمُ كُلَّ يَوْمٍ مَعَ دوَامِ
الصَّوْمِ، وَيُفْطِرُ عَلَى قرصٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ (2) : أَملَى عِدَّةَ
مَجَالِسَ، وَكَانَ مُقْبِلاً عَلَى الخَيْرِ، كَثِيْرَ
الصَّلاَةِ، لَهُ يَدٌ بَاسِطَةٌ فِي النَّظَرِ،
وَاطِّلاعٌ عَلَى العلُوْمِ، وَمَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ،
كَانَ جَمَّاعَةً لِلْفنُوْنِ -رَحِمَهُ الله- رُدَّ إِلَى
بلدِهِ، فَأَقَامَ مُشْتَغِلاً بِالعِبَادَةِ، إِلَى أَنْ
تُوُفِّيَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ (3) .
وَقَالَ الحَافِظُ عَبْدُ العَظِيْمِ (4) : حَكَى غَيْرُ
وَاحِدٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَزَالُ لِسَانُهُ رَطْباً مِنْ
ذِكْرِ اللهِ، مَاتَ فِي الثَّالِثِ وَالعِشْرِيْنَ مِنَ
المُحَرَّمِ.
وَأَنْبَأَنَا مَحْفُوْظُ (5) ابْنُ البُزُوْرِيِّ فِي
(تَارِيْخِهِ (6))، قَالَ: أَبُو الخَيْرِ
__________
(1) نقل ابن النجار عن شيخه الزاهد أبي أحمد عبد الوهاب بن
سكينة المتوفى سنة 607 أن القزويني إنما ترك بغداد بسبب ما
أظهره مجد الدين هبة الله علي ابن الصاحب من الرفض فيها،
فقال أبو الخير القزويني لابن سكينة: معاذ الله أن أقيم
ببلدة يجهر فيها بسبب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)
(طبقات السبكي: 6 / 11).
(2) (ذيل تاريخ مدينة السلام)، الورقة 164 163 (باريس
5921).
(3) هذه رواية ابن الدبيثي والمنذري وابن الأثير ومن
تابعهم، أما ابن النجار، فقد أرخ وفاته في سنة 589، وتابعه
الذين نقلوا عنه، ومنهم ابن الملقن في (العقد المذهب)
وغيره، وأشار الذهبي في (تاريخ الإسلام) إلى هذا الاختلاف.
(4) (التكملة): 1 / الترجمة 224.
(5) هو محفوظ بن معتوق بن أبي بكر الصدر أبو بكر ابن
البزوري البغدادي السفار، ذكره الذهبي في (معجم شيوخه)
وذكر أنه توفي سنة 694 (2 / الورقة: 28)، وترجم له في
وفيات السنة من (تاريخ الإسلام) (أيا صوفيا 3014).
(6) تاريخه هذا هو الذيل على (المنتظم) لابن الجوزي، وقد
مدحه الذهبي، ونقل عنه كثيرا في تاريخ الإسلام وغيره من
كتبه، قال: (وصنف تاريخا كبيرا ذيل به على المنتظم لابن =
(21/192)
هُوَ أَوَّلُ مَنْ وَعَظَ بِبَابِ بدْرٍ
الشَّرِيْفِ.
قُلْتُ: هَذَا مَوْضِعٌ كَانَ رُبَّمَا حضَرَ فِيْهِ
وَعظَهُ الخَلِيْفَةُ المُسْتَضِيْءُ مِنْ وَرَاءِ
السِّتْرِ، وَتحضرُ الأُمَمُ، فَكَانَ هُوَ يَعظُ مرَّةً،
وَابْنُ الجَوْزِيِّ مرَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو البَقَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ
مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، وَالمُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ،
وَبَالَغَ فِي تَعَظِيْمِهِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ ابْن
الدُّبَيْثِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي
السَّهْلِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ المُوَفَّقُ: كَانَ يَعملُ فِي اليَوْمِ
وَاللَّيْلَةِ مَا يَعجزُ المُجْتَهِدُ عَنْهُ فِي شَهْرٍ،
وَظهرَ التَّشَيُّعُ فِي زَمَانِهِ بِسَبَبِ ابْنِ
الصَّاحبِ، فَالتمسَ العَامَّةُ مِنْهُ عَلَى المِنْبَرِ
يَوْمَ عَاشُورَاء أَنْ يَلعَنَ يَزِيْدَ، فَامتنعَ،
فَهمُّوا بِقَتْلِهِ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يُرَعْ، وَلاَ
زَلَّ، وَسَارَ إِلَى قَزْوِيْنَ، وَضَجَعَ (1) لَهُم
ابْنُ الجَوْزِيِّ.
وَلأَبِي الخَيْرِ وَلدَانِ متخَلِّفَانِ، دخلاَ فِي
الكذِبِ وَالزَّوْكَرَةِ وَالغربَةِ.
95 - ابْنُ صَدَقَةَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ
عَلِيٍّ الحَرَّانِيُّ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
__________
= الجوزي رأيت منه ثلاث مجلدات سلمت في خزانته التي في
قريته بسفح قاسيون وكان فيها جملة كتب مفيدة) (الورقة: 239
- أيا صوفيا 3014).
وقوله: (سلمت) يشير إلى تلف هذا الكتاب النفيس في الوقعة
الغازانية سنة 699 (انظر القسم الخاص بالحوادث من (تاريخ
الإسلام)، الورقة: 198 من نسخة حلب رقم 1220).
(1) أي مال إليهم ووافقهم، وهذه عادة ابن الجوزي - سامحه
الله -.
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 85 (شهيد
علي)، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة: 43، والذهبي في
تاريخ الإسلام، الورقة: 18 (باريس 1582)، والعبر: 4 / 254،
والمختصر المحتاج إليه: 1 / 93، والاعلام، الورقة: 211،
والدمياطي في المستفاد، الورقة: 10، وابن العماد في
الشذرات: 4 / 282. وله ذكر في تذكرة الحفاظ للذهبي: 4 /
1355، والنجوم لابن تغري بردي: 6 / 109.
(21/193)
حَسَنِ بنِ صَدَقَةَ الحَرَّانِيُّ،
البَزَّازُ، السَّفَّارُ، المَعْرُوفُ قَدِيْماً بِابْنِ
الوَحْشِ (1) .
شيخٌ، مُعَمَّرٌ، معتبَرٌ، دَيِّنٌ، تردَّدَ إِلَى خرسَانَ
وَغَيْرِهَا فِي التِّجَارَةِ.
وَسَمِعَ فِي كهولتِهِ سَنَة ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ مِنَ الفُرَاوِيِّ (2) (الصَّحِيْحَ)،
وَغَيْرَهُ، وَلَهُ إِحْدَى وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ، وَأَخُوْهُ
الشَّيْخُ المُوَفَّقُ، وَالبَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ،
وَالضِّيَاءُ الحَافِظُ، وَالحَسَنُ بنُ سَلامٍ، وَابْنُ
خَلِيْلٍ، وَأَبُو المَعَالِي ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ،
وَابْن سَعْدٍ، وَخَطِيْبُ مَرْدَا، وَمُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِ الهَادِي، وَالعِمَادُ عَبْدُ اللهِ ابْنُ
النَّحَّاسِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الصَّقَلِّيُّ،
وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَآخَرُوْنَ.
وَرَوَى ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ عَنِ ابْنِ الأَخْضَرِ
عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (3) : بَنَى بِدِمَشْقَ
مَدْرَسَةً، وَوقفَهَا عَلَى الحَنَابِلَةِ.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ (4) ، وَقِيْلَ: مَاتَ فِي
رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ، بِدِمَشْقَ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: لاَ وَجُوْدَ لِلمَدْرَسَةِ.
__________
(1) قيده الزكي المنذري في (التكملة)، فقال: بفتح الواو
وكسر الحاء المهملة وبعدها شين معجمه.
(2) يعني محمد بن الفضل الفراوي المتوفى سنة 530، وكان
سماعه منه بنيسابور.
(3) راجع (المستفاد) للدمياطي، الورقة: 10.
(4) قال ابن الدبيثي في (تاريخه): (كتب إلينا أبو المواهب
الحسن بن أبي الغنائم (يعني ابن صصرى) السلمي بخطه من دمشق
يخبرنا أن مولد أبي عبد الله محمد بن علي بن صدقة..وأنه
توفي ليلة الثلاثاء سادس عشر ربيع الأول) (الورقة: 85 شهيد
علي).
وقال ابن النجار - كما دل على ذلك المستفاد - أن وفاته في
السادس عشر من شهر ربيع الآخر.
قلنا: وابن صصرى أعلم بأهل بلده ومن استكنها.
(21/194)
96 - ابْنُ قَائِدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي المَعَالِي الأَوَانِيُّ *
القُدْوَةُ، العَارِفُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ
أَبِي المَعَالِي بنِ قَايدٍ (1) الأَوَانِيُّ.
زَاهِدٌ، خَاشعٌ، ذُو كَرَامَاتٍ، وَتَأَلُّهٍ،
وَأَورَادٍ، أُقعدَ مُدَّةً.
قَدِمَ أَوَانَا (2) وَاعِظٌ باطنِيٌّ، فَنَالَ مِنَ
الصَّحَابَةِ، فَحُمِلَ هَذَا فِي مِحَفَّتِهِ، وَصَاحَ
بِهِ: يَا كلبُ انزلْ، وَرجمَتْهُ العَامَّةُ، فَهَرَبَ،
وَحَدَّثَ سنَاناً (3) بِمَا تَمَّ عَلَيْهِ، فَنَدَبَ
لَهُ اثْنَيْنِ، فَأَتيَاهُ، وَتعَبَّدَا مَعَهُ
أَشْهُراً، ثُمَّ قَتَلاَهُ (4) ، وَقَتَلاَ خَادِمَهُ
وَهربا فِي البسَاتينِ، فَنكرهمَا فَلاَّحٌ، فَقَتَلَهُمَا
بِمرِّهِ، ثُمَّ نَدِمَ لَمَّا رَآهُمَا بِزِيقِ الفَقْرِ،
ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُمَا اللَّذَانِ قَتَلاَ الشَّيْخَ
بصفتِهِمَا، ثُمَّ أُحرِقَا.
فَقِيْلَ: إِنَّ الشَّيْخَ عَبْدَ اللهِ الأُرْمَوِيَّ (5)
شَاهَدَ ذَلِكَ.
__________
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة 154 (شهيد
علي)، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة: 52، وابن الساعي
في أخبار الزهاد، الورقة: 3، والذهبي في تاريخ الإسلام،
الورقة 116 (أحمد الثالث 2917 / 14)، والمشتبه: 516، وابن
ناصر الدين في توضيح المشتبه، الورقة: 34 (سوهاج)، والصفدي
في الوافي: 4 / 352، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة
63.
(1) قيده المنذري بالحروف فقال: (بالقاف والياء آخر الحروف
وآخره دال مهملة) وانظر (المشتبه): 516.
(2) بفتح الهمزة وتخفيف الواو وبعد الالف نون قرية من
نواحي دجيل شمالي بغداد مما يلي الموصل (" تاريخ ابن
الدبيثي، الورقة 154 شهيد علي، " ومعجم البلدان " لياقوت:
1 / 395).
(3) يعني راشد الدين سنان بن سلمان كبير الاسماعيلية.
(4) كان ذلك في يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر رمضان
سنة 584 كما ذكر ابن الدبيثي في (تاريخه) والمنذري في
(التكملة)، وكأنه فات المؤلف أن يذكر التاريخ.
(5) الشيخ عبد الله بن يونس الارموي الزاهد، كان من زهاد
دمشق المشهورين وله زاوية معروفة بجبل قاسيون، توفي كهلا
في شوال سنة 631 كما ذكر الذهبي وغيره.
(21/195)
97 - الخِرَقِيُّ مُعِيدُ الأَمِيْنِيَّةِ،
أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ *
الإِمَامُ الصَّالِحُ، مُعِيْدُ الأَمِيْنِيَّةِ، أَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيِّ بنِ المُسَلَّمِ
اللَّخْمِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، ابْنُ الخِرَقِيِّ (1) ،
الشَّافِعِيُّ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ مَعَ الحَافِظِ
ابْنِ عَسَاكِرَ (2) .
وَسَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ ابْنَ المَوَازِيْنِيِّ، وَعَبْد
الكَرِيْمِ بن حَمْزَةَ، وَابْن قُبَيْس، وَطَاهِر بن
سَهْلٍ، وَعِدَّة.
وَعَنْهُ: الشَّيْخ المُوَفَّق، وَالضِّيَاء، وَالبَهَاء،
وَابْن خَلِيْل، وَأَخُوْهُ؛ إِبْرَاهِيْم الآدَمِيّ،
وَخَطِيْب مَرْدَا، وَابْن سَعْدٍ، وَابْن عَبْدِ
الدَّائِمِ، وَخَلْق.
ابْنُ الحَاجِبِ: عَنِ ابْنِ نُقْطَة، عَنِ ابْنِ
الأَنْمَاطِيّ:
أَنَّ الخِرَقِيّ رَاوِي نُسْخَة أَبِي مُسْهِرٍ، لَمْ
يُوجد بِهَا أَصله، إِنَّمَا سَمِعْتُ بِقَوْلِهِ عَنِ
ابْن المَوَازِيْنِيّ.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: كَانَ فَقِيْهاً عدلاً صَالِحاً،
يَتلو كُلّ يَوْم وَليلَة
__________
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 141، والمنذري
في التكملة: 1 / الترجمة 153، وابن الصابوني في تكملة
إكمال الإكمال: 123، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 31
(باريس، 1582)، والعبر: 4 / 261 ، والمشتبه: 226، والسبكي
في الطبقات: 7 / 153، وابن الملقن في العقد، الورقة: 159،
وابن ناصر الدين في توضيح المشتبه: 1 / الورقة: 193
(الظاهرية)، والمناوي في الكواكب الدرية: 2 / 88، وابن
تغري بردي في النجوم: 6 / 116، وابن العماد في الشذرات: 4
/ 289.
(1) بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء نسبة إلى بيع الخرق
والثياب، قيده بذلك الذهبي في (المشتبه) وابن ناصر الدين
في (توضيحه) وضبطه محققا (طبقات) السبكي بفتح الخاء
المعجمة والراء المهملة، كأنهم نسبوه إلى (خرق) قرية من
قرى مرو، ولم يكن ذلك كذلك، قال الذهبي في (المشتبه):
(وبخاء مكسورة..وعبد الرحمان بن علي الخرقي الدمشقي، روى
نسخة أبي مسهر بقوله) (ص 226).
(2) يعني في السنة نفسها، وإلا فإن الحافظ أبا القاسم ابن
عساكر ولد في مستهل السنة والخرقي هذا ولد في منتصف شعبان
منها كما صرح المنذري في (التكملة) وغيره.
(21/196)
ختمَة، وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ ابْن
الصَّابُوْنِيّ فِي كِتَابِهِ إِلَيَّ (1) : أَعَاد
بِالأمينِيَّة لجَمَال الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ،
وَأَضرّ فِي الآخَرِ، وَأُقعد، فَاحتَاج إِلَى وَضوء فِي
اللَّيْلِ وَمَا عِنْدَهُ أَحَد، فَذُكِرَ أَنه قَالَ:
بَيْنَا انَا أَتَفَكر، إِذَا (2) بِنُوْرِ مِنَ السَّمَاء
دَخَلَ البَيْت، فَبصُرْت بِالمَاءِ، فَتوضَّأْت، حَدَّثَ
بَعْض إِخْوَانه بِهَذَا، وَأَوْصَاهُ أَنْ لاَ يُخْبِر
بِهِ إِلاَّ بَعْد مَوْته.
تُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سَبْعٍ
وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
98 - قزل عُثْمَانُ بنُ إِلْدُكُزَ *
السُّلْطَانُ أَرْسَلاَن قزل، وَاسْمُهُ عُثْمَانُ ابْنُ
المَلِكِ إِلْدُكُز صَاحِبِ
__________
(1) أبو حامد محمد بن علي بن محمود، جمال الدين المحمودي
المعروف بابن الصابوني المتوفى سنة 680 صاحب (تكملة إكمال
الإكمال) الذي ذيل به على كتاب الحافظ ابن نقطة المتوفى
سنة 629، وحققه وطبعه شيخنا العلامة المرحوم الدكتور مصطفى
جواد.
وقد أشار الذهبي إلى إجازته من ابن الصابوني هذا، وقد
استجازه له أخوه من الرضاعة علاء الدين أبو الحسن علي بن
إبراهيم ابن العطار
( 654 - 724) في سنة مولده، نعني مولد الذهبي سنة 673، قال
الذهبي في (معجم شيوخه) الكبير مترجما لابن الصابوني:
(محمد ابن الامام علم الدين علي بن محمود بن أحمد، الامام
الحافظ المحدث شيخ الطلبة جمال الدين أبو حامد ابن
الصابوني المحمودي الشافعي الدمشقي شيخ دار الحديث
النورية..جمع ذيلا في المختلف والمؤتلف فجوده..وأجاز لي
مروياته في عام مولدي سنة ثلاث وسبعين).
ويظهر لنا أن عبارة: (في كتابه إلي) تعود إلى ابن الحاجب
وليس للذهبي، بالرغم من أن ابن الحاجب توفي قبله بخمسين
سنة، حيث توفي عز الدين أبو الفتح عمر بن محمد ابن الحاجب
الاميني الدمشقي سنة 630.
ويبدو هذا الامر لأول وهلة غريبا لكن سرعان ما يزول
الاستعجاب حينما نقرأ ما يذكره الذهبي في ترجمة ابن
الصابوني من معجم شيوخه فيقول: (سمع منه الحافظ عمر ابن
الحاجب وذكره في معجمه) (م 2 الورقة 55 (، وقال في (تاريخ
الإسلام) عندما ترجم لابن الصابوني: (..وهو من رفاق ابن
الحاجب والسيف ابن المجد وابن الدخميسي وابن الجوهري في
الطلب فطال عمره وعلت رواياته..سمع منه عمر ابن الحاجب
والقدماء) (الورقة: 77 - أيا صوفيا 3014).
وهذا النص في ترجمة ابن الخرقي من (تكملة إكمال الإكمال):
124.
(2) في (تكملة) ابن الصابوني: إذا أنا.
(*) تقدم ذكره في ترجمة أبيه إلدكز وأخيه محمد المعروف
بالبهلوان، وترجم له الذهبي في =
(21/197)
أَذْرَبِيْجَانَ بَعْدِ أَخِيْهِ
البَهْلَوَان.
ثُمَّ تَملّك هَمَذَان وَأَصْبَهَان وَالرَّيّ، وَقوِي
عَلَى سُلْطَانِهِ طُغْرل، وَأَخَذَهُ وَحَبَسَهُ، وَسَارَ
إِلَى أَصْبَهَانَ، وَصلبَ جَمَاعَة مِنَ الشَّافِعِيَّة،
وَخَطَبَ لِنَفْسِهِ بِالسّلطنَة، وَتَمَكَّنَ.
وَكَانَتْ دَوْلَته سَبْع سِنِيْنَ، ثُمَّ قُتِل غيلَة
عَلَى فِرَاشه، وَمَا عُرِف مَنْ قَتله، وَذَلِكَ فِي
شَعْبَان، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
99 - عَبْدُ الحَقِّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ عَبْدِ
اللهِ الأَزْدِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، البَارِعُ، المُجَوِّدُ،
العَلاَّمَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الحَقِّ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَانِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ
سَعِيْدٍ الأَزْدِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، الإِشْبِيْلِيُّ،
المَعْرُوفُ فِي زَمَانِهِ: بِابْنِ الخَرَّاطِ.
مَوْلِده -فِيمَا قَيده أَبُو جَعْفَرٍ بنُ الزُّبَيْرِ-:
سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي الحَسَنِ شُرَيْح بن مُحَمَّدٍ،
وَأَبِي الحَكَم بن بَرَّجَانَ، وَعُمَر بن أَيُّوْبَ،
وَأَبِي بَكْرٍ بنِ مُدِير، وَأَبِي الحَسَنِ طَارِق بن
يَعِيْشَ، وَالمُحَدِّث طَاهِر بن عَطِيَّةَ، وَطَائِفَة.
سكن مدينَة بِجَايَة وَقت الفِتْنَة الَّتِي زَالت فِيْهَا
الدَّوْلَة اللّمتُونِيَّة بِالدَّوْلَة المُؤْمِنِيَّة
(1) ، فَنَشَر بِهَا عِلْمَه، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ،
وَاشتهر اسْمه، وَسَارَتْ
__________
= تاريخ الإسلام، الورقة 135 (أحمد الثالث 2917 / 14)،
والعبر: 4 / 262، والغساني في العسجد، الورقة: 97، وابن
العماد في الشذرات: 4 / 289.
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 3 / الورقة 38،
والنووي في تهذيب الأسماء: 1 / 292، والذهبي في تاريخ
الإسلام، الورقة: 93 (أحمد الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 /
243، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1350، وابن شاكر في الفوات: 2 /
256، وابن العماد في الشذرات: 4 / 271، والغبريني في عنوان
الدراية: 20، وابن ناصر الدين في التبيان، الورقة: 147.
(1) نسبة إلى بني عبد المؤمن.
(21/198)
بِـ (أَحكَامه الصُّغْرَى)، وَ(الوسطَى)
الرُّكبَان.
وَلَهُ (أَحكَام كُبْرَى)، قِيْلَ: هِيَ بِأَسَانِيْده
-فَاللهُ أَعْلَم-.
وَوَلِيَ خطَابَة بِجَايَة.
ذكره الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ البَلَنْسِيّ
الأَبَّار، فَقَالَ (1) :
كَانَ فَقِيْهاً، حَافِظاً، عَالِماً بِالحَدِيْثِ
وَعِلَلِهِ، عَارِفاً بِالرِّجَال، مَوْصُوَفاً بِالخَيْرِ
وَالصَّلاَح، وَالزُّهْد، وَالوَرَع، وَلزوم السُّنَّة،
وَالتقلّل مِنَ الدُّنْيَا، مشَاركاً فِي الأَدب وَقول
الشِّعر، قَدْ صَنّف فِي الأَحكَام نُسْخَتَيْنِ كُبْرَى
وَصغرَى، وَسبقه إِلَى مِثْل ذَلِكَ الفَقِيْهُ أَبُو
العَبَّاسِ بنُ أَبِي مَرْوَانَ الشَّهِيْد بلبْلَة،
فَحظِيَ الإِمَام عَبْد الحَقِّ دُوْنَهُ.
قُلْتُ: وَعَمِلَ (الْجمع بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ) بِلاَ
إِسْنَاد عَلَى تَرْتِيْب مُسْلِم، وَأَتْقَنَهُ،
وَجَوَّده.
قَالَ الأَبَّار (2) : وَلَهُ مصَنّف كَبِيْر جمع فِيْهِ
بَيْنَ الكُتُب السِّتَّة، وَلَهُ كِتَاب (الْمُعْتَل مِنَ
الحَدِيْثِ)، وَكِتَاب (الرّقَاق (3))، وَمُصَنَّفَات
أُخَر.
قُلْتُ: وَلَهُ كِتَاب (العَاقبَة) فِي الْوَعْظ
وَالزُّهْد.
وَقَالَ الأَبَّار: وَلَهُ فِي اللُّغَة كِتَاب حَافل
ضَاهَى بِهِ كِتَاب (الغرِيبين) لأَبِي عُبَيْدٍ
الهَرَوِيّ، حَدَّثَنَا عَنْهُ جَمَاعَة مِنْ شُيُوْخنَا.
وَقَالَ: وُلِدَ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ،
وَتُوُفِّيَ بِبجَايَة، بَعْد مِحْنَة نَالَتْهُ مِنْ
قِبَل الدَّوْلَة، فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَة
إِحْدَى (4) وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: خَطِيْب بَيْت المَقْدِسِ أَبُو
الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ
__________
(1) (التكملة): 3 / الورقة 38.
(2) نفسه
(3) يعني (الرقائق).
(4) الذي في النسخة الخطية من (تكملة) ابن الابار:
(اثنتين) (3 / الورقة 38).
(21/199)
المَعَافِرِيُّ، وَأَبُو الحَجَّاجِ ابْن
الشَّيْخ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ نَقيْمَش، وَمُحَمَّد
بن أَحْمَدَ بنِ غَالِبٍ الأَزْدِيّ، وَأَبُو العَبَّاسِ
العَزَفِيُّ (1) ، وَآخَرُوْنَ.
وَصَنَّفَ الحَافِظُ القَاضِي أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الحِمْيَرِيّ الكُتَامِيّ
الفَاسِيّ المَشْهُوْرُ بِابْنِ القَطَّان كِتَاباً
نَفِيساً فِي مُجَلَّدتين سَمَّاهُ: (الوَهْمُ
وَالإِيهَام، فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْخلَل فِي الأَحكَام
الكُبْرَى لِعَبْدِ الحَقِّ) يُنَاقشه فِيْهِ فِيمَا
يَتعلّق بِالعلل وَبِالجَرْح وَالتَعْدِيْل، طَالعتُهُ،
وَعلّقت مِنْهُ فَوَائِد جَلِيْلَة (2) .
وَمِنْ مَسْمُوْع الحَافِظ عَبْد الحَقِّ (صَحِيْح
مُسْلِم) يَحملُه عَنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ عَطِيَّةَ،
قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ بشر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَلِيٍّ بنُ سُكّرَة الصَّدَفِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
العَبَّاسِ بنُ دِلْهَاث العُذْرِيّ، أَخْبَرَنَا
الرَّازِيّ بِإِسْنَادِهِ.
فَهَذَا نُزول بِحَيْثُ أَنَّ ابْنَ سكّرَة فِي إِزَاء
المُؤَيَّد الطُّوْسِيّ، وَشيخنَا القَاسِم الإِرْبِلِيّ
فِي طَبَقَة ابْن بِشْر هَذَا، وَصَاحِبه ابْن عَطِيَّةَ
وَنَحْنُ فِي الْعدَد سَوَاء، فَكَانَ عَبْدَ الحَقّ
سَمِعَهُ مِنَ المِزِّيّ وَالبِرْزَالِيّ (3) -وَاللهُ
أَعْلَمُ-.
__________
(1) قال الذهبي في (المشتبه)): وبزاي رئيس سبتة الأمير
العالم أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد اللخمي العزفي،
كان زاهدا إماما مفتيا متفننا، ألف كتاب المولد وجوده، مات
سنة 633) (ص: 453).
(2) كان ابن القطان قد أقام بمراكش عند بني عبد المؤمن
وكان رأس العلماء بها، وتوفي سنة 628 (ابن القاضي: (جذوة
الاقتباس): 298، والذهبي في (تاريخ الإسلام)، الورقة: 72
(أيا صوفيا 3012 وابن ناصر الدين في (التبيان)، الورقة:
152).
وقد وقع ابن القطان نفسه بأوهام كثيرة في رده، قال الذهبي
في (تاريخ الإسلام): (طالعت جميع كتابه ((الوهم والإيهام)
الذي عمله..يدل على تبحره في فنون الحديث وسيلان ذهنه،
ولكنه تعنت، وتكلم في حال رجال فما أنصف) (الورقة: 72 -
أيا صوفيا 3012)، وقال ابن ناصر الدين في (التبيان) بعد أن
ذكر كتابه: (ولابن القطان فيه وهم كثير نبه أبو عبد الله
الذهبي في منتقى منه كبير) (الورقة: 152) ويرى الدكتور
بشار أن الذهبي أفرد الرد على ابن القطان في كتاب خاص، منه
مختصر في دار الكتب الظاهرية بدمشق (انظر كتابه: الذهبي
ومنهجه: 173 - 175).
(3) لو شك في هذا النزول بعد العلم أن البرزالي توفي سنة
739 وتوفي المزي سنة 742، =
(21/200)
وَقَدْ أَنْبَأَنَا (بِالأَحكَام
الصُّغْرَى): الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَارُوْنَ فِي
كِتَابِهِ إِلَيْنَا مِنَ المَغْرِب، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي نَصْرٍ
بِسَمَاعه مِنَ المصَنّف أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد الحَقِّ.
قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي تَرْجَمَة عَبْد الحَقِّ:
كَانَ يُزَاحم فُحُوْل الشُّعَرَاء، وَلَمْ يُطلق عنَانَه
فِي نطقِه.
قُلْتُ: مَا أَحلَى قَوْله وَأَوعظه إِذْ قَالَ:
إِنَّ فِي المَوْتِ وَالمعَادِ لُشغلاً ... وَادِّكَاراً
لذِي النُّهَى وَبلاغَا
فَاغتَنِمْ خطتَينِ قَبْل المنَايَا ... صِحَّةَ الجِسْم
يَا أَخِي وَالفرَاغَا (1)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ
التَّبْرِيْزِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ
مُحَمَّدٍ السَّخَاوِيُّ سَنَة خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مَجْد الدِّيْنِ مُحَمَّد بن
أَحْمَدَ بنِ غَالِب الأَزْدِيّ سَنَةَ سِتٍّ
وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو
مُحَمَّد عبد الْحق الأزديّ، أَخْبَرَنا أَبُو القاسمِ
عبدُ الرَّحمان بنُ محمَّدٍ، أَخْبَرَنا أَبُو عَلِيٍّ
الصَّدَفِيّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ
التَّمِيْمِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُوْرِيّ المُقْرِئ، وَغَيْرهُ،
قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الخُزَاعِيّ،
أَخْبَرَنَا الهَيْثَمُ بنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيّ
بِبُخَارَى، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ،
حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، حَدَّثَنَا أَبُو
دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ
عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي عُتبَة يُحدِّث عَنْ أَبِي
سَعِيْدٍ، قَالَ:
__________
= وقال الذهبي: (فنحن في إسناد الصحيح أعلى من الحافظ عبد
الحق بدرجة) (تذكرة: 4 / 1352).
(1) نقل الذهبي هذين البيتين من (التكملة) الابارية: 3 /
الورقة 38 وأوردهما ابن شاكر في الفوات: 2 / 257
(21/201)
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي
خِدْرِهَا، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئاً، عَرَفْنَاهُ فِي
وَجْهِهِ (1) .
وَأَنْبَأَنَاهُ عَالِياً أَحْمَدُ بن مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُطَّلِب بن هَاشِمٍ، أَخْبَرَنَا
أَبُو شُجَاعٍ عُمَر بن مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَة، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَلِيْلِيّ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الخُزَاعِيّ...،
فَذَكَره.
100 - صَاحِبُ حَمَاةَ عُمَرُ بنُ شَاهِنْشَاه بنِ
أَيُّوْبَ بنِ شَاذِي *
المَلِكُ المُظَفَّرُ، تَقِيُّ الدِّيْنِ عُمَرُ ابْنُ
الأَمِيْرِ نُوْرِ الدَّوْلَةِ شَاهنشَاه بنِ أَيُّوْبَ
بنِ شَاذِي صَاحِبُ حَمَاةَ، وَأَبُو أَصْحَابهَا.
كَانَ بَطَلاً شُجَاعاً مِقْدَاماً جَوَاداً مُمَدَّحاً،
لَهُ موَاقفُ مَشْهُوْدَة مَعَ عَمّه السُّلْطَان صَلاَح
الدِّيْنِ، وَكَانَ قَدِ استنَابه عَلَى مِصْرَ، وَلَهُ
وَقُوف بِمِصْرَ وَالفَيُّوْم.
وَسَمِعَ مِن: السِّلَفِيّ، وَابْن عَوْف، وَرَوَى شَيْئاً
مِنْ شِعْرِهِ.
وَكَانَ لمَا مَرِض السُّلْطَان بِحَرَّانَ، قَدْ همَّ
بِتملّك مِصْر، فَلَمَّا عُوفِي،
__________
(1) قال شعيب: إسناده صحيح، وهو في (الشمائل) برقم (351)
للترمذي، وأخرجه البخاري 6 / 421 في الأنبياء: باب صفة
النبي صلى الله عليه وسلم، و10 / 434 في الأدب: باب
الحياء، ومسلم (2320) في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم:
باب كثرة حيائه، كلهم من طريق شعبة، عن قتادة،
عن عبد الله بن أبي عتبة مولى أنس، عن أبي سعيد.
(*) أخباره في التواريخ المستوعبة لعصره ولا سيما كتب ابن
شداد وابن الأثير والسبط وابن كثير وغيرها، وترجم له ابن
خلكان ترجمة جيدة في الوفيات: 3 / 456، وسبط ابن الجوزي: 8
/ 684، وأبوالفدا في المختصر: 3 / 84، والذهبي في تاريخ
الإسلام، الورقة 134 (أحمد الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 /
262، ودول الإسلام: 2 / 73، وابن كثير في البداية: 12 /
346، والمقريزي في السلوك: ج (ق) ص 107، وابن تغري بردي في
النجوم: 6 / 113، وابن العماد في الشذرات: 4 / 289 وغيرهم.
(21/202)
طلبهُ إِلَى الشَّامِ، فَامْتَنَعَ،
وَعَزَمَ عَلَى اللُّحُوق بِمَمْلَكَة قرَاقوش وَبوزبا
اللذِيْن تَملّكَا أَطرَاف المَغْرِب، وَشرع فِي السفَرِ،
فَأَتَاهُ الفَقِيْه المقدَّم عِيْسَى الهكَّارِيُّ،
فَثنَى عَزْمه، وَأَخْرَجه إِلَى الشَّامِ، فَصفح عَنْهُ
عَمُّه، وَلاَطفه (1) ، وَأَعْطَاهُ حَمَاة، ثُمَّ
المَعَرَّة، وَسلميَّةَ وَكفرطَاب، وَمَيَّافَارِقِيْن،
وَحرَّان، وَالرُّهَا، وَسَارَ إِلَى مَيَّافَارِقِيْن
ليتسلّمهَا فِي سَبْع مائَة فَارِس.
وَكَانَ ملكاً عَالِي الهِمَّة، فَقصد حَانِي،
فَحَاصَرَهَا، وَأَخَذَهَا، فَغَضِبَ صَاحِب خِلاَط
بَكتمر، وَسَارَ لِحَرْبِهِ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفٍ،
فَالتَقَوا، فَانْهَزَم بِكتمر، وَسَاقَ المُظَفَّر،
فَنَازل خِلاَط، فَلَمْ يَنَل شَيْئاً لقلّة جُنْده،
فَترحَّل، فَأَتَى مَنَازَكِرد، فَحَاصَرَهَا مُدَّة،
فَأَتَاهُ أَجَلُهُ عَلَيْهَا فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ
سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ شَابّاً، وَنُقِلَ،
فَدُفِنَ بحَمَاة، وَكَانَ مِنْ أَعيَان مُلُوْك زَمَانه
(2) .
وَتملّك حَمَاة بَعْدهَا: ابْنه؛ الْملك المَنْصُوْر
مُحَمَّد، وَكَانَ لَهُ صيت كَبِيْر فِي الشَّجَاعَة.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي اليَوْمِ: الأَمِيْر حُسَام الدِّيْنِ
مُحَمَّد (3) بن لَاجِين ابْن أُخْت السُّلْطَان، وَدُفِنَ
بِالشَّامِيّة مَدْرَسَة أُمّه (4) .
__________
(1) تلقاه عمه السلطان الهمام صلاح الدين عند مرج الصفر في
شعبان سنة 582 وطيب خاطره.
(2) وقد وصل كتاب نعيه إلى السلطان الناصر الصابر صلاح
الدين في اليوم الحادي عشر من شوال سنة 587 وهو يواجه
العدو الصليبي - خذله الله - وكان في محنة شديدة عند حصار
عكا واستيلاء الفرنج الصليبين عليها وتخريب عسقلان في
رمضان من السنة، فتألم السلطان لموته.
(3) ذكرته معظم الكتب التي ذكرناها في ترجمة تقي الدين
عمر، وكان بطلا شجاعا ومن أعوان خاله السلطان المجاهد صلاح
الدين الكبار، ففجع به.
(4) أمه كما هو معروف هي ست الشام بنت أيوب، وقد أنشأت
الشاميتين: البرانية والجوانية، وقد دفن حسام الدين
بالشامية البرانية بمحلة العونية (راجع البداية لابن كثير:
12 / 347).
(21/203)
101 - الخبُوْشَانِيُّ أَبُو البَرَكَاتِ
مُحَمَّدُ بنُ مُوَفَّقِ بنِ سَعِيْدٍ *
الفَقِيْهُ الكَبِيْرُ، الزَّاهِدُ، نَجْمُ الدِّيْنِ،
أَبُو البَرَكَاتِ مُحَمَّدُ بنُ مُوَفَّقِ بنِ سَعِيْدٍ
الخبُوْشَانِيُّ (1) ، الشَّافِعِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
تَفَقَّهَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، وَبَرَعَ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (2) : فَكَانَ يَسْتَحضر كِتَابهُ
(الْمُحِيط) وَهُوَ ستّةَ عشرَ مُجَلَّداً.
وَقَالَ المُنْذِرِيّ (3) : وُلِدَ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِ
مائَةٍ، وَحَدَّثَ عَنْ: هبَة الرّحمَان ابْن
القُشَيْرِيّ.
وَقَدِمَ مِصْر، فَأَقَامَ بِمسجدٍ (4) مُدَّة، ثُمَّ
بِتربَةِ
__________
(*) ترجم له ابن أبي الدم الحموي في (التاريخ المظفري)
الورقة 224، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 414، والمنذري
في التكملة: 1 / الترجمة 154، وابن خلكان في الوفيات: 4 /
239، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 136 (أحمد الثالث
2917 / 14)، والاعلام، الورقة: 211، والعبر: 4 / 262،
والصفدي في الوافي: 5 / 99، والسبكي في الطبقات: 7 / 14،
والاسنوي في طبقاته: 1 / 493، وابن كثير في البداية: 12 /
347، وابن الملقن في العقد، الورقة: 71، وطبقات الأولياء،
الورقة: 36، وابن الفرات في تاريخه: 2 / الورقة 25،
والمقريزي في السلوك: ج (ق) ص 107، وابن حجر في الألقاب،
الورقة: 45، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 133، وابن
عبد الهادي في معجمه للشافعية، الورقة، 62، والسيوطي في
حسن المحاضرة: 1 / 189، والمناوي في الكوكب: 2 / 100، وابن
العماد في الشذرات: 4 / 288.
(1) قيده المنذري والسبكي وابن السمعاني في (الأنساب) وابن
الأثير في (اللباب) بضم الخاء المعجمة والباء الموحدة،
وفتح ياقوت الخاء المعجمة كما في (معجم البلدان): 2 / 300
وتابعه في ذلك ابن عبد الحق في (مراصد الاطلاع).
(2) (وفيات الأعيان): 4 / 239، وكتاب (المحيط) لمحمد بن
يحيى المتوفى سنة 548، وقول الذهبي: (وهو ستة عشر مجلدا)
لا ينطبق عليه وفيه نظر، وهو ينطبق على كتاب (تحقيق
المحيط) الذي ألفه الخبوشاني على (المحيط) ذكر ابن خلكان
أنه رآه فهذا وهم من الذهبي رحمه الله.
(3) (التكملة): 1 / الترجمة 154.
(4) هكذا في الأصل، وفي (تكملة) المنذري: (وأقام بالمسجد
المعروف به بالقاهرة)
(21/204)
الشَّافِعِيّ، وَتبتَّل لإِنشَائِهَا،
وَدرَّس بِهَا، وَأَفتَى، وَصَنَّفَ.
وَخبُوشَان مِنْ قرَى نَيْسَابُوْر.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : كَانَ السُّلْطَان صَلاَح
الدِّيْنِ يُقرِّبه، وَيَعتقد فِيْهِ، وَرَأَيْت جَمَاعَة
مِنْ أَصْحَابِهِ، فَكَانُوا يَصفُوْنَ فَضله، وَدينه،
وَسلاَمَة بَاطِنه.
وَقَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ: سكنَ
السُّمَيْسَاطِيَّة، وَعرف الأَمِيْر نَجْم الدِّيْنِ
أَيُّوْب، وَأَخَاهُ، وَكَانَ قشفاً فِي الْعَيْش، يَابساً
فِي الدّين، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَصعدُ إِلَى مِصْرَ،
وَأُزِيل ملك بنِي عُبيد اليَهودِيّ...، إِلَى أَنْ قَالَ:
فَنَزَلَ بِالقَاهِرَةِ، وَصرّح بِثَلْبِ أَهْل القَصْر،
وَجَعَلَ سبّهم تَسْبِيحه، فَحَارُوا فِيْهِ، فَنفذُوا
إِلَيْهِ بِمَال عَظِيْم، قِيْلَ: أَرْبَعَة آلاَف
دِيْنَار، فَقَالَ لِلرَّسُوْلِ: وَيْلَك، مَا هَذِهِ
البدعَة؟!
فَأَعجله، فَرمَى الذَّهَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَضَرَبَه،
وَصَارَت عِمَامَته حلقاً، وَأَنْزَله مِنَ السّلم (2) ،
وَمَاتَ العَاضد، وَتهيّبوا الخطبَة لِبَنِي العَبَّاسِ،
فَوَقَفَ الخبُوْشَانِيّ بعَصَاهُ قُدَّام المِنْبَر،
وَأَمر الخَطِيْب بِذَلِكَ، فَفَعَل، وَلَمْ يَكُنْ إِلاَّ
الخَيْر، وَزُيّنت بَغْدَاد.
وَلَمَّا بَنَى مَكَان الشَّافِعِيّ، نبش عِظَام ابْن
الكِيْزَانِيّ، وَقَالَ: لاَ يَكُوْن صدِّيْق وَزِنْدِيْق
مَعاً.
فَشدّ الحَنَابِلَة عَلَيْهِ، وَتَأَلَّبُوا، وَصَارَ
بَيْنهُم حملاَتٌ حربيَة، وَغلبهُم.
وَجَاءَ العَزِيْز (3) إِلَى زِيَارته، وَصَافحه، فَطَلبَ
مَاء، وَغسل يَده، وَقَالَ: يَا وَلدِي إِنَّك تَمسّ
العنَان، وَلاَ يَتوقَّى الغلمَان.
قَالَ: فَاغسلْ وَجهك، فَإِنَّك مَسَحْت وَجهك.
قَالَ: نَعَمْ، وَغَسَلَهُ.
__________
(1) (وفيات الأعيان): 4 / 240
(2) في (طبقات) السبكي، 7 / 15: وأنزله من السلم وهو يرمي
بالدنانير على رأسه ويسب أهل القصر.
(3) يعني الملك العزيز.
(21/205)
وَكَانَ أَصْحَابُه يَأْكلُوْنَ بِسَببِهِ
الدُّنْيَا، وَلاَ يَسْمَعُ فِيهِم، وَهُم عِنْدَهُ
مَعْصُوْمُوْنَ.
وَكَانَ مَتَى رَأَى ذِمِّياً رَاكِباً، قصد قتلَهُ،
فَظَفِرَ بوَاحِد طيبٍ يُعرف بِابْنِ شُوعَة، فَأَندر عينه
بعَصَاهُ، فَذَهَبت هدراً.
وَقِيْلَ: الْتمس مِنَ السُّلْطَان إِسقَاط ضرَائِب لاَ
يَمكن إِسقَاطهَا، وَسَاء خلقه، فَقَالَ: قُمْ لاَ نَصرك
الله! وَوكزه بعَصَاهُ، فَوَقَعت قَلَنْسُوَته، فَوجم
لِذَلِكَ، ثُمَّ حضَر وَقْعَة، فَكُسِر، فَظَنّ أَنَّهُ
بدعَائِهِ (1) ، فَجَاءَ وَقبل يَدَيْهِ، وَسَأَلَهُ
الْعَفو.
وَجَاءهُ حَاجِب نَائِب مِصْر المُظَفَّر تَقِيِّ
الدِّيْنِ عُمَر، وَقَالَ لَهُ: تَقِيُّ الدِّيْنِ يُسلِّم
عَلَيْك.
فَقَالَ الخبُوْشَانِيّ (2) : قل: بَلْ شَقِيّ الدِّيْنِ
لاَ سلَّم الله عَلَيْهِ.
قَالَ: إِنَّهُ يَعتذرُ، وَيَقُوْلُ: لَيْسَ لَهُ مَوْضِعٌ
لبيع المِزْرِ (3) .
قَالَ: يَكْذِب.
قَالَ: إِنْ كَانَ ثَمَّ مَكَانٌ، فَأَرنَاهُ.
قَالَ: ادْنُ.
فَدنَا، فَأَمسك
__________
(1) قال التاج السبكي: (وانظر إلى كلام الذهبي هنا في
تاريخه وقوله: ظن السلطان أن ذلك بدعوته. ولو كانت هذه
الحكاية لمن هو على معتقده من المبتدعة لهول أمرها)
(الطبقات: 7 / 16) وهو جزء من تحامل التاج السبكي على شيخه
الذهبي في غير موضع من كتابه، وما كان ينبغي له أن يفرط
مثل هذا الإفراط بحيث قال في الخبوشاني هذا: (والذي نقوله:
إنه لا ينبغي أن يسمع كلامه في حنفي ولا شافعي، ولا تؤخذ
تراجمهم من كتبه، فإنه يتعصب عليهم كثيرا).
والعجب أن السبكي شحن كتابه بالنقل من كتب الذهبي، ومنها
هذه الترجمة فتأمل قوله وتطبيقه - سامحه الله -.
(2) إضافة من عندنا يقتضيها السياق ولتوضيح المعنى.
(3) المزر: بكسر الميم، نبيذ يتخذ من الذرة، وقيل: من
الشعير أو الحنطة كما في النهاية لابن الأثير: 4 / 324
وكأنه يشبه (البيرة) في أيامنا.
وكان لتقي الدين عمر ابن أخي السلطان صلاح الدين مواضع
يباع فيها المزر على ما قيل، فكتب الشيخ الخبوشاني ورقة
إلى صلاح الدين يذكر له هذا، فسيرها صلاح الدين إلى ابن
أخيه وطلب منه ارضاء الشيخ، فركب إليه، وطلب منه حاجبه أن
يقف بباب مدرسة الخبوشاني ريثما يهيئ له الأمور فتحادث مع
الشيخ بهذا الحديث المذكور (انظر (تاريخ الإسلام) (وطبقات)
السبكي وغيرهما).
(21/206)
بِشعرِهِ، وَجَعَلَ يَلطمُ عَلَى رَأْسه،
وَيَقُوْلُ: لَسْتُ مزَاراً فَأَعْرف موَاضِع المِزْرِ،
فَخلَّصوهُ مِنْهُ.
وَعَاشَ عُمُره لَمْ يَأْخُذْ دِرْهَماً لمَلِكٍ، وَلاَ
مِنْ وِقْفٍ، وَدُفِنَ فِي الكِسَاء الَّذِي صَحبه مِنْ
بَلَده، وَكَانَ يَأْكُل مِنْ تَاجر صَحِبَه مِنْ بَلَده.
وَأَتَاهُ القَاضِي الفَاضِل لزِيَارَة الشَّافِعِيّ،
فَرَآهُ يَلقِي الدّرس، فَجَلَسَ وَجَنْبه إِلَى القَبْرِ،
فَصَاحَ: قُمْ قُمْ، ظهْرك إِلَى الإِمَام؟!
فَقَالَ: إِنْ كُنْت مُسْتَدبرَهُ بقَالبِي، فَأَنَا
مُسْتَقْبِلُه بِقَلْبِي.
فَصَاح فِيْهِ، وَقَالَ: مَا تُعُبِّدنَا بِهَذَا،
فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعقل.
قُلْتُ: مَاتَ الخبُوْشَانِيّ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة
سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
102 - السُّهْرَوَرْدِيُّ شِهَابُ الدِّيْنِ يَحْيَى بنُ
حَبَشِ بنِ أَمِيْرَكَ *
العَلاَّمَةُ، الفَيْلَسُوْفُ، السِّيْمَاوِيُّ،
المَنْطِقِيُّ، شِهَابُ الدِّيْنِ يَحْيَى بنُ حَبَشِ (1)
بن أَمِيْرك (2) السُّهْرَوَرْدِيُّ، مَنْ كَانَ
يَتَوَقَّدُ ذكَاءً، إِلاَّ أَنَّهُ قَلِيْل الدِّيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي أُصِيْبعَة (3) : اسْمه عُمَر،
وَكَانَ أَوحد فِي حكمه الأَوَائِل،
__________
(*) ترجم له ياقوت في إرشاد الاريب: 7 / 269، وابن خلكان
في الوفيات: 6 / 268، وابن أبي أصيبعة في الطبقات: 2 /
167، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 138 (أحمد الثالث
2917 / 14)، والعبر: 4 / 290 واليافعي في مرآة الجنان: 3 /
434، والغساني في العسجد: الورقة 97، وابن تغري بردي في
النجوم: 6 / 114، وابن العماد في الشذرات 4 / 290 وغيرهم.
وطبع غير كتاب من كتبه، وعني بدراسته والكتابة عنه
المعنيون بالدراسات الفلسفية عموما والاسلامية الاشراقية
خصوصا.
(1) قيدها ابن خلكان بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة
(وفيات: 6 / 273).
(2) يعني أمير - بالتصغير - والاعاجم يضيفون الكاف في آخر
مثل هذه الأسماء للتصغير مثل أحمدك، وعمرك، وعليك، ونحوها.
(3) (طبقات الاطباء): 2 / 167.
(21/207)
بارعاً فِي أُصُوْل الفِقْه، مُفْرِط
الذّكَاء، فَصِيْحاً، لَمْ يُنَاظر أَحَداً إِلاَّ أَربَى
عَلَيْهِ.
قَالَ الفَخْر المَارْدِيْنيّ (1) : مَا أَذكَى هَذَا
الشَّابّ وَأَفصحه! إِلاَّ أَنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ
لَكَثْرَة تَهوُّره وَاستهتَارِه.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ نَاظر فُقَهَاء حلب، فَلَمْ يُجَاره
أَحَد، فَطَلَبَهُ الظَّاهِر، وَعَقَدَ لَهُ مَجْلِساً،
فَبَان فَضلُه، فَقرَبّه الظَّاهِر، وَاختصَّ بِهِ،
فَشَنَّعُوا، وَعملُوا محَاضِر بكُفره، وَبعثَوهَا إِلَى
السُّلْطَانِ، وَخوَّفُوهُ أَنْ يُفْسِد اعْتِقَاد وَلده،
فَكَتَبَ إِلَى وَلده بِخَطِّ الفَاضِل (2) يَأْمره
بِقَتْلِهِ حتماً، فَلما لَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَتله،
اخْتَار لِنَفْسِهِ أَنْ يُمَات جوعاً، فَفَعَل ذَلِكَ فِي
أَوَاخِرِ سَنَة سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ (3) ، بِقَلْعَة حلب،
وَعَاشَ سِتّاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ أَبِي أُصِيْبعَة: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ
بنُ صَدَقَة الحَكِيْم، قَالَ:
خَرَجْنَا مِنْ بَاب الْفرج مَعَهُ، فَذَكَرنَا
السّيمِيَاء، فَقَالَ: مَا أَحْسَن هَذِهِ الموَاضِع!
فَنظرنَا مِنْ نَاحِيَة الشَّرْق جَوَاسق مبيضَة كَبِيْرَة
مزخرفَة، وَفِي طَاقَاتهَا نسَاء كَالأَقمَار وَمغَانِي،
فَتعجّبنَا، وَانذهلنَا، فَبقينَا سَاعَة، وَعدنَا إِلَى
مَا كُنَّا نَعهده، إِلاَّ أَنِّي عِنْد رُؤْيَة ذَلِكَ،
بقيت أُحسّ مِنْ نَفْسِي كَأَنَّنِي فِي سِنَةٍ خفِيَّة،
وَلَمْ يَكُنْ إِدرَاكِي كَالحَالَة الَّتِي أَتحقّقهَا
مِنِّي.
وَحَدَّثَنِي عجمِيّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ
السُّهْرَوَرْدِيّ بِالقَابُوْنِ (4) ، فَقُلْنَا: يَا
مَوْلاَنَا! نُرِيْد (5) رَأْس غنم.
فَأَعْطَانَا
__________
(1) منقول من (طبقات الاطباء) أيضا.
(2) يعني القاضي الفاضل.
(3) سيأتي القول بأن مقتله كان في أوائل سنة 587.
(4) قرية على باب دمشق في طريق من يتوجه إلى حلب.
(5) في الأصل: (تريد) والتصحيح من (تاريخ الإسلام)
و(وفيات) ابن خلكان.
(21/208)
عَشْرَة درَاهِم، فَاشترَينَا بِهَا
رَأْساً، ثُمَّ تَنَازعنَا نَحْنُ وَالتُّرُكْمَانِيّ (1)
، فَقَالَ الشَّيْخُ: روحُوا بِالرَّأْس، أَنَا أُرْضيه.
ثُمَّ تَبِعَنَا الشَّيْخُ، فَقَالَ التُّرُكْمَانِيّ (2)
: أَرْضنِي.
فَمَا كلّمه، فَجَاءَ، وَجذب يَده، فَإِذَا بِيَدِ
الشَّيْخ قَدِ انْخَلَعَتْ مِنْ كتفه، وَبقيت فِي يَد
ذَاكَ، وَدَمهَا يَشخب، فَرمَاهَا، وَهَرَبَ، فَأَخَذَ
الشَّيْخ يَده بِاليد الأُخْرَى، وَجَاءَ، فَرَأَينَا فِي
يَدِهِ مِنْدِيله لاَ غَيْر.
قَالَ الضِّيَاء صَقر (3) : فِي سَنَةِ تِسْعٍ
وَسَبْعِيْنَ قَدِمَ السُّهْرَوَرْدِيّ، وَنَزَلَ فِي
الحلاَويَّة (4) ، وَمُدَرِّسهَا الافتخَار الهَاشِمِيّ،
فَبحث، وَعَلَيْهِ دَلَق (5) وَلَهُ إِبرِيق وَعُكَّاز،
فَأَخْرَج لَهُ الافتخَار ثَوْب عتابِيّ (6) ، وَبقيَاراً
(7) ، وَغلاَلَة، وَلباساً مَعَ ابْنه إِلَيْهِ، فَقَالَ:
اقْض لِي حَاجَة.
وَأَخْرَج فَصّاً كَالبيضَة، وَقَالَ: نَاد لِي عَلَيْهِ.
قَالَ: فَجَاب خَمْسَة وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً، فَطَلَعَ
بِهِ العَرِيْف إِلَى الظَّاهِر، فَدَفَعَ فِيْهِ
ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، فَجَاءَ وَشَاوره، فَغَضِبَ،
وَأَخَذَ الفصّ، وَضَرَبَه بِحجر فَتّنه، وَقَالَ: خُذِ
الثِّيَابَ، وَقبّل يَد وَالِدك، وَقُلْ لَهُ: لَوْ
أَردنَا
__________
(1) كأن التركماني في هذه الحكاية هو صاحب الغنم.
(2) أصل الحكاية: أن رفيقا للتركماني لم يقبل بهذا البيع،
فلحق الجماعة، وطلب منهم أن يأخذوا رأس غنم أصغر من الذي
أعطاهم رفيقه الأول لاعتقاده بأن صاحبه ما عرف يبيعهم،
وعليه فإن هذا التركماني غير ذاك الأول (راجع (وفيات) ابن
خلكان: 6 / 269).
(3) هو ضياء الدين أبو محمد صقر بن يحيى بن سالم بن عيسى
بن صقر الكلبي الحلبي الشافعي المتوفى سنة 653، ذكره
الذهبي في سنة وفاته من (تاريخ الإسلام) (أيا صوفيا 3013)
و
و(العبر): 5 / 214.
والنص منقول من طبقات الاطباء أيضا.
(4) يعني المدرسة الحلاوية.
(5) الدلق شيء يلبس، وفي (تاريخ الإسلام): (فحضر وبحث وهو
لابس دلق).
(6) هكذا في النسختين (وتاريخ الإسلام) والصواب فيها:
(ثوبا عتابيا) وكأن الذهبي نقل الحكاية كما هي.
(7) قال الفيروزآبادي في (بقر) من القاموس: (والبقير
المشقوق كالمبتور، وبرد يلبس يشق فيلبس بلا كمين
كالبقيرة).
(21/209)
الْمَلْبُوس مَا غلبنَا، وَأَمَّا
السُّلْطَان، فَطَلبَ العَرِيْف، وَقَالَ: أُرِيْد الفَصّ.
قَالَ: هُوَ لابْن الافتخَار.
فَنَزَلَ السُّلْطَان إِلَى المَدْرَسَة، ثُمَّ اجْتمع
بِالسُّهْرَوَرْدِيّ، وَأَخَذَهُ مَعَهُ، وَصَارَ لَهُ
شَأْن عَظِيْم، وَبحث مَعَ الفُقَهَاء، وَعجَّزهُم...،
إِلَى أَنْ قَالَ:
فَأَفتَوا فِي دَمه، فَقِيْلَ: خُنِقَ، ثُمَّ بَعْد مُدَّة
حَبَس الظَّاهِر جَمَاعَة مِمَّنْ أَفْتَى، وَصَادرهَم.
وَحَدَّثَنِي السَّدِيْد مَحْمُوْدُ بنُ زقَيْقَةَ (1) ،
قَالَ: كُنْتُ أَتمشَّى مَعَ السُّهْرَوَرْدِيّ فِي جَامِع
مَيَّافَارِقِيْن، وَعَلَيْهِ جُبَّة قصِيْرَة، وَعَلَى
رَأْسه فُوطَة، وَهُوَ بزربول كَأَنَّهُ خَرْبَنْدَا (2) .
وَللشِهَاب شعر جَيِّد (3) .
وَلَهُ كِتَاب (التلويحَات اللوحيَة وَالعرشيَة)، وَكِتَاب
(اللَّمْحَة)، وَكِتَاب (هيَاكل النُّوْر)، وَكِتَاب
(المعَارج وَالمطَارحَات)، وَكِتَاب (حِكْمَة الإِشرَاق)،
وَسَائِرهَا لَيْسَتْ مِنْ علُوْم الإِسْلاَم.
وَكَانَ قَدْ قرَأَ عَلَى الْمجد الجِيْلِيّ بِمَرَاغَة،
وَكَانَ شَافِعِيّاً، وَيُلَقَّبُ بِالمُؤَيَّد بِالملكوت.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (4) : وَكَانَ يُتَّهَم
بِالانحَلاَل وَالتعطيل، وَيَعتقد مَذْهَب الأَوَائِل
اشْتهر ذَلِكَ عَنْهُ، وَأَفتَى عُلَمَاء حلب بِقَتْلِهِ،
وَأَشدُّهُم الزِّين
__________
(1) قال الذهبي في (المشتبه): (وبزاي - ابن زقيقة الطبيب
سديد الدين محمود بن عمر الشيباني المعروف بابن زقيقة، له
شعر جيد، روى عنه منه القوصي في معجمه) (ص: 322)، وذكره
ابن ناصر الدين في (توضيح المشتبه): 2 / الورقة 35 من نسخة
الظاهرية، وترجم له الذهبي في وفيات سنة 635 من (تاريخ
الإسلام)، الورقة 169 (أيا صوفيا 3011)
(2) كلمة فارسية تعني: حارس الحمار وجمعها خربندكان،
ومعناها في ذلك الوقت: الحمار.
ونقل هذا الحديث ابن أبي اصيبعة في طبقاته، فلفظة (حدثني)
تعود إليه. وأما (الزربول) فشئ يلبس في الرجل.
(3) أورد ابن خلكان طائفة منه في (الوفيات).
(4) (وفيات): 6 / 272.
(21/210)
وَالمجد ابْنَا جَهْبَل.
قُلْتُ: أَحْسَنُوا وَأَصَابُوا.
قَالَ المُوَفَّق يَعِيْش النَّحْوِيّ (1) : لمَا
تَكلّمُوا فِيْهِ، قَالَ لَهُ تِلْمِيْذه: إِنَّك
تَقُوْلُ: النُّبُوَّة مكتسبَة، فَانزح بِنَا.
قَالَ: حَتَّى نَأْكل بِطِّيخ حلب، فَإِنَّ بِي طرفاً مِنَ
السّلّ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى قَرْيَة بِهَا بِطِّيخ،
فَأَقمنَا أَيَّاماً، فَجَاءَ يَوْماً إِلَى محفرَة
لِتُرَاب الرَّأْس، فَحَفَر حَتَّى ظهر لَهُ حصَى، فَدهنَه
بِدهن مَعَهُ، وَلفَّه فِي قُطْن، وَحمله فِي وَسطه
أَيَّاماً، ثُمَّ ظهر كُلّه يَاقُوْتاً أَحْمَر، فَبَاع
مِنْهُ، وَوهب أَصْحَابه، وَلَمَّا قُتِل كَانَ مَعَهُ
مِنْهُ.
قُلْتُ: كَانَ أَحْمَق، طيَّاشاً، مُنحلاًّ.
حكَى السَّيْف الآمِدِيّ (2) عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: لاَ
بُدَّ لِي أَنْ أَملك الدُّنْيَا.
قُلْتُ: مَنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟
قَالَ: رَأَيْتُ (3) كَأَنِّيْ شَرِبت مَاء البَحْر.
قُلْتُ: لَعَلَّ يَكُوْن اشتهَار علمك.
فَلَمْ يَرْجِع عَمَّا فِي نَفْسِهِ، وَوجدته كَثِيْرَ
العِلْمِ، قَلِيْل العَقْل، وَلَهُ عِدَّةُ مُصَنَّفَات.
قُلْتُ: قُتِلَ فِي أَوَائِل سَنَة سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
103 - صَاحِبُ الرُّوْمِ قِلْجُ أَرْسَلاَنَ بنُ
مَسْعُوْدٍ السَّلْجُوْقِيُّ *
السُّلْطَانُ، عِزُّ الدِّيْنِ، قِلْجُ أَرْسَلاَن ابْنُ
السُّلْطَانِ مَسْعُوْدِ بنِ قِلْجَ أَرْسَلاَنَ بنِ
__________
(1) الموفق يعيش بن علي بن يعيش الأسدي الحلبي المتوفى سنة
643، ذكره الذهبي في (تاريخ الإسلام) و(العبر): 4 / 181.
(2) أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الاصولي
المتوفى سنة 631، ولعل الذهبي نقل هذه الحكاية عن ابن
خلكان أيضا: 6 / 272
(3) يعني في المنام.
(*) من السلاطين المشهورين وأخباره في التواريخ المستوعبة
لعصره لا سيما كامل ابن =
(21/211)
سُلَيْمَانَ بنِ قُتُلْمش بنِ
إِسْرَائِيْلَ بنِ بيغو بنِ سَلْجُوْقٍ السَّلْجُوْقِيُّ،
التُّرُكْمَانِيُّ، مَلِكُ الرُّوْم.
فِيه عَدْلٌ فِي الجُمْلَةِ، وَسدَادٌ، وَسيَاسَةٌ.
امتدَّت أَيَّامه، وَهُوَ وَالِدُ الَسْتِّ
السُّلْجُوْقِيَّة (1) زَوْجَة الإِمَام النَّاصِر.
كَانَتْ دَوْلَته تِسْعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً -وَقِيْلَ:
بِضْعاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً- وَشَاخ، وَقوِيَ عَلَيْهِ
بَنُوْهُ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ (2) : كَانَ لَهُ مِنَ البِلاَد
قُوْنيَة، وَأَقْصَرَا، وَسيوَاس، وَملطيَة، وَكَانَ ذَا
سيَاسَة وَعدل، وَهَيْبَة عَظِيْمَة، وَغَزَوَات
كَثِيْرَة.
وَلَمَّا كبر، فَرّق بلاَده عَلَى أَوْلاَده، ثُمَّ حجر
عَلَيْهِ ابْنه قُطْب الدِّيْنِ، فَفَرّ مِنْهُ إِلَى
ابْنِهِ الآخر، فَتبّرم بِهِ، ثُمَّ خدَمه وَلده كيخسرو،
وَنَدِمَ عَلَى تَفرِيق بلاَده.
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِقُوْنِيَة، سَنَة ثَمَانٍ
وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي مُنْتَصف شَعْبَان.
قُلْتُ: وَيُقَالُ: إِنَّهُ قُتِل سرّاً -وَلَمْ يَصِحَّ-.
وَتسلطنَ بَعْدَهُ ابْنه: غِيَاث الدِّيْنِ كيخسرو.
وَمَاتَ مَلِكْشَاه بنُ قِلج أَرْسَلاَن بَعْد أَبِيْهِ
بِيَسِيْرٍ، وَتَمَكَّنَ كيخسرو، وَهُوَ وَالِدُ
السُّلْطَان كيكَاوس.
__________
= الأثير. وترجم له سبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 420
وأبو شامة في الروضتين: 2 / 209 والذهبي في تاريخ الإسلام،
الورقة 143 (أحمد الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 267
وغيرهم. ويقال فيه: قليج.
(1) هي سلجوقي خاتون المعروفة بالخلاطية المتوفاة سنة 584
(ابن الأثير في (الكامل): 12 / 11، المنذري في (التكملة):
1 / الترجمة 42 وغيرهم).
(2) (الكامل): 12 / 40
(21/212)
104 - النُّمَيْرِيُّ أَبُو المُرْهفِ
نَصْرُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ حَسَنٍ *
الأَمِيْرُ، الأَدِيْبُ، أَبُو المُرْهفِ نَصْرُ بنُ
مَنْصُوْرِ بنِ حَسَنٍ النُّمَيْرِيّ.
وَأُمّه بَنَّةُ بِنْتُ سَالِم بن مَالِكٍ ابْن صَاحِب
المَوْصِل بَدْرَان بن مقلّد العُقَيْلِيّ.
وُلِدَ: بِالرَّافقَة، بَعْد الخَمْسِ مائةٍ (1) .
وَقَالَ الشّعر وَهُوَ مُرَاهِق، وَلَهُ (دِيْوَان).
ضعف بَصَره بِالجُدَرِيّ (2) .
ثُمَّ اختلفتْ عَشِيرَتُه، وَاختلّ نِظَامهُم، فَقَدِم
بَغْدَاد، وَحفظ القُرْآن، وَتَفَقَّهَ لأَحْمَدَ،
وَأَخَذَ النَّحْو عَنِ ابْنِ الجَوَالِيْقِيّ.
وَسَمِعَ مِنْ: هِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَجَمَاعَة.
__________
(*) ترجم له ياقوت في إرشاد الاريب: 7 / 208، وسبط ابن
الجوزي في المرآة: 8 / 421، وأبو شامة في الروضتين: 2 /
211، وابن خلكان في وفيات الأعيان: 5 / 383، والذهبي في
تاريخ الإسلام، الورقة: 144 (أحمد الثالث 2917 / 14)،
والمختصر المحتاج إليه: 3 / 213، المنذري في التكملة: 1 /
الترجمة 166، والصفدي في نكت الهميان: 300، وابن كثير في
البداية: 12 / 352، وابن رجب في الذيل: 1 / 374، والعيني
في عقد الجمان: 17 / الورقة 158، وابن تغري بردي في
النجوم: 6 / 118، وابن الفرات في تاريخه: 8 / الورقة 41،
وابن العماد في الشذرات: 4 / 295.
(1) نقل ابن رجب عن أبي الحسن القطيعي أن النميري قال له:
(ولدت يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وخمس
مئة بالرافقة بقرب رقة الشام) (الذيل: 1 / 374) وذكر
المنذري مثل هذا في مولده (التكملة، الترجمة: 166) فلا
معنى بعد هذا لقول الذهبي (بعد الخمس مئة).
(2) كان عمره آنذاك أربع عشرة سنة، وقد بلغ به ضعف البصر
أنه ما كان يرى إلا ما قرب منه، ثم قدم بغداد لمعالجة
بصره، فآيسه الاطباء منه، فعمي، وأقام بها كما في الذيل
لابن رجب وغيره.
(21/213)
وَصَحِبَ الصَّالِحِيْنَ، وَمدح
الخُلَفَاء، وَأَضَرَّ بِأَخَرَةٍ (1) .
رَوَى عَنْهُ: عُثْمَان بن مُقْبلٍ، وَالبَهَاء عَبْد
الرَّحْمَانِ، وَابْن الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل،
وَعَلِيّ بن يُوْسُفَ الحمامِيّ، وَكَانَتْ لأَبِيْهِ
قَلْعَة نَجْمٍ (2) .
وَهُوَ القَائِلُ (3) :
يُزَهِّدُنِي فِي جَمِيْع الأَنَامِ ... قِلَّةُ إِنْصَافِ
مَنْ يَصْحَبُ
وَهَلْ عَرَفَ النَّاسُ ذُو نُهْيَةٍ(4) ... فَأَمسَى لَهُ
فِيهِم مَأْرَبُ (5)
هُمُ النَّاسُ مَا لَمْ يُجَرِّبْهُمُ ... وَطُلْسُ
الذِّئَابِ (6) إِذَا جُرِّبُوا
وَلَيْتَكَ تَسْلَمُ حَال (7) البِعَادِ ... مِنْهُم،
فَكَيْفَ إِذَا قُرِّبُوا (8) ؟
وَلَهُ (9) :
أُحِبُّ عَلِيّاً وَالبتُولَ وَوُلْدَهَا ... وَلاَ
أَجحَدُ الشَّيْخَيْنِ حَقَّ التَّقَدُّمِ
وَأَبرَأُ مِمَّنْ نَال عُثْمَانَ بِالأَذَى ... كَمَا
أَتَبَرَّا مِنْ وَلاَء ابْنِ مُلجِمِ
وَيُعْجِبُنِي أَهْلُ الحَدِيْثِ لصدقِهِم ... مدَى
الدَّهْرِ فِي أَفعَالِهِم وَالتَّكَلُّمِ
مَاتَ: فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ
وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) قوله: (بأخرة) فيه نظر وقد ذكرنا في التعليق السابق
أنه أصيب بالعمى وهو لما يزل يافعا، وقال ياقوت في (إرشاد
الاريب): (أضر بالجدري صغيرا): 7 / 208 فتأمل ذلك ! (2)
قلعة مشهورة تطل على شرقي الفرات بالقرب من منبج.
(3) انظر (ذيل) ابن رجب 1 / 376.
(4) في (الذيل) لابن رجب: نهبة.
(5) في (الذيل) لابن رجب: مرغب.
(6) في (الذيل) لابن رجب: الذباب.
(7) في (الذيل) لابن رجب: عند.
(8) في (الذيل) لابن رجب: يقربوا.
(9) قال هذه الابيات حينما سئل عن مذهبه واعتقاده، وقد
أورد ابن رجب الابيات الثلاثة وفيها اختلاف.
(21/214)
105 - ابْنُ مُجْبَرٍ أَبُو بَكْرٍ يَحْيَى
بنُ عَبْدِ الجَلِيْلِ الفِهْرِيُّ *
شَاعِرُ زَمَانِهِ، الأَوْحَدُ، البَلِيْغُ، أَبُو بَكْرٍ
يَحْيَى بنُ عَبْدِ الجَلِيْلِ بنِ مُجْبَرٍ الفِهْرِيُّ،
المرْسِيُّ، ثُمَّ الإِشْبِيْلِيُّ.
مدح المُلُوْك، وَشَهِدَ لَهُ بِقَوَّة عَارضته، وَسلاَمَة
طبعه، وَفحُوْلَة نَظمه، قصَائِدُه الَّتِي سَارَتْ
أَمثَالاً، وَبعدت منَالاً.
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ بنُ حَسَّانٍ، وَغَيْرهُ.
بَالغ ابْن الأَبَّار فِي وَصْفِهِ (1) .
وَمَاتَ: بِمرَّاكش، لَيْلَة النَّحْر، سَنَة ثَمَانٍ
وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، كَهْلاً (2) .
وَقِيْلَ: سَنَةَ سَبْعٍ.
وَلَهُ هَذِهِ (3) :
أَترَاهُ يَتْرُكُ العَذَلا(4) ... وَعَلَيْهِ شَبَّ
وَاكتهلاَ
كَلِفٌ بِالغِيْدِ مَا عَلِقَتْ(5) ... نَفْسُهُ
السُّلْوَانَ مُذ عَقَلا
__________
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 3 / 132، وابن خلكان
في ترجمة يعقوب بن عبد المؤمن سلطان المغرب: 7 / 13،
والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 146 (أحمد الثالث 2917 /
14)، والعبر: 4 / 267، وابن شاكر في الفوات: 4 / 275،
والمقري في نفح الطيب: 3 / 237 وغيرهم.
(1) قال ابن الابار: (وكان في وقته شاعر الأندلس، بل شاعر
المغرب غير مدافع).
(2) قوله (كهلا) فيها نظر فقد ذكر ابن الابار وابن خلكان
وابن شاكر وغيرهم أنه توفي وهو ابن ثلاث وخمسين سنة.
(3) هذه أبيات من قصيدة طويلة ذكر ابن خلكان أنها تتكون من
مئة وسبعة أبيات وقد أورد منها هو اثنين وثلاثين بيتا،
وأورد ابن شاكر في فواته 29 بيتا منها.
وذكر الذهبي في (تاريخ الإسلام) أن لابن مجبر ديوانا أكثره
مدائح في ابن عبد المؤمن ونقل هذه القصيدة.
(4) في (وفيات) ابن خلكان (وفوات) ابن شاكر: (الغزلا).
(5) في (وفيات) ابن خلكان: عقلت.
(21/215)
غَيْرُ رَاضٍ عَنْ سَجِيَّةِ مَنْ ...
ذَاقَ طَعْمَ الحُبِّ ثُمَّ سَلاَ
نَظَرَتْ عَيْنِي لِشِقْوَتِهَا ... نَظرَاتٍ وَافَقَتْ
أَجلاَ
غَادَةً لَمَّا مَثَلْتُ لَهَا ... تَرَكَتْنِي فِي
الهَوَى مَثَلاَ
خَشِيْتُ (1) أَنِّي سَأُحْرِقُهَا(2) ... إِذْ رَأَتْ
رَأْسِي قَدِ اشتَعلاَ
ليتنَا نَلْقَى (3) السُّيُوفَ وَلَمْ ... نلقَ تِلْكَ
الأَعْيُن النُّجلاَ
أَشرَعُوا الأَعْطَافَ مَائِسَةً(4) ... حِيْنَ أَشرعنَا
القَنَا الذُّبلاَ
نُصِرُوا بِالحُسْنِ فَانْتَهبُوا ... كُلَّ قَلْبٍ
بِالهَوَى خُذِلاَ
منهَا:
ثُمَّ قَالُوا (5) : سَوف نَترُكُهَا ... سَلَباً لِلْحبِّ
أَوْ نَفلاَ
قُلْتُ: أَوَمَا وَهِيَ عَالقَةٌ(6) ... بِأَمِيْر
المُؤْمِنِيْنَ فَلاَ
وَلَهُ:
دَعَا الشَّوْقُ قَلْبِي وَالركَائِبَ وَالركْبَا ...
فَلبَّوا جَمِيْعاً وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ لبَّى
وَمِنْهَا:
يَقُوْلُوْنَ: دَاوِ القَلْبَ يَسْلُ عَنِ الهَوَى ...
فَقُلْتُ: لَنِعْمَ الرَّأْيُ لَوْ أَنَّ لِي قَلْبَا
106 - الحَضْرَمِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ
بنِ مُحَمَّدٍ *
قَاضِي الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ
بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) ابن خلكان وابن شاكر: حسبت.
(2) ابن شاكر: سأحزنها.
(3) ابن خلكان وابن شاكر: خضنا.
(4) ابن خلكان وابن شاكر: ناعمة.
ومعنى مائسة: متبخترة.
(5) ابن خلكان وابن شاكر: قالت (6) ابن خلكان وابن شاكر:
أما وهي قد علقت.
(*) ترجم له المنذري في التكملة، الترجمة 206، والذهبي في
تاريخ الإسلام، الورقة: =
(21/216)
مَنْصُوْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ
الحَضْرَمِيُّ، العَلاَئِيُّ -نسبَةً إِلَى العَلاَء بن
الحَضْرَمِيّ صَاحِب رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّقَلِّيُّ، ثُمَّ
الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، المَالِكِيُّ، الفَقِيْهُ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعَة عَشْرَة وَخَمْس مائَة.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ الرَّازِيّ عِدَّة
أَجزَاء.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ المُفَضَّلِ الحَافِظ، وَعَبْد
الغَنِيِّ الحَافِظ، وَابْن روَاج، وَعَبْد الرَّحْمَانِ
بن علاّس القصديرِيّ، وَعَلِيّ بن عُمَرَ بنِ ركَاب،
وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (1) .
أَخُوْهُ:
107 - أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الحَضْرَمِيُّ *
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَضْرَمِيُّ، المَالِكِيُّ، مِنْ
كِبَارِ الفُقَهَاءِ.
رَوَى عَنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ الرَّازِيّ، وَأَبِي
الوَلِيْدِ بنِ خِيرَة، وَيُوْسُف بن مُحَمَّدٍ
الأُمَوِيّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ رِفَاعَةَ.
وَدرَّس، وَسَمَاعه مِنَ الرَّازِيّ حُضُوْرٌ، فَإِنَّهُ
قَالَ: وُلِدت فِي أَوَّلِ (2)
__________
= 154 (أحمد الثالث 2917 / 14)، والعبر، 4 / 269، والسيوطي
في حسن المحاضرة: 1 / 214، وابن العماد في الشذرات: 4 /
297.
(1) في الثامن والعشرين من شعبان كما ذكر المنذري في
(التكملة) ترجم له المنذري في (التكملة)، الترجمة: 79،
والذهبي في (تاريخ الإسلام)، الورقة 118 (أحمد الثالث 2917
/ 14).
(2) في الثاني والعشرين من المحرم من السنة كما ذكر
المنذري.
(21/217)
سَنَة اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ (1) .
رَوَى عَنْهُ: جَمَاعَة، وَهُوَ أَقدمُ شَيْخ لقِيه
التقِيُّ ابْن الأَنْمَاطِيّ.
مَاتَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ أَبُوْهُمَا الشَّيْخ أَبُو القَاسِمِ آخرَ مَنْ
حَدَّثَ بِالإِجَازَةِ عَنِ الحبَّال (2) .
وَكَانَ جَدّهُمَا مِنْ مَشَايِخ السِّلَفِيّ، فَهُم بَيْت
علم وَرِوَايَة.
108 - سُلْطَانُ شَاه مَحْمُوْدُ بنُ أَرْسَلاَنَ بنِ
أَتْسِزَ الخُوَارِزْمِيُّ *
صَاحِبُ مَرْو، مَحْمُوْدُ بنُ خُوَارِزْمشَاه أَرْسَلاَن
بنِ أَتْسِز بنِ مُحَمَّدِ بنِ نُوشْتِكِيْن
الخُوَارِزْمِيُّ، أَخُو السُّلْطَانِ عَلاَءِ الدِّيْنِ
خُوَارِزْمشَاه تَكش.
تَمَلَّكَ بَعْدَ أَبِيْهِ سَنَة 548، وَجَرَتْ لَهُ
حُرُوْب وَخُطُوب.
وَكَانَ أَخُوْهُ قَدْ ملَّكه أَبُوْهُ بَعْض خُرَاسَان،
فَحشد، وَأَقْبَلَ، وَحَارَبَ أَخَاهُ، وَكَانَ كَفَرَسَي
رهَان فِي الْحزم وَالعَزْم وَالشَّجَاعَة وَالرَّأْي.
حضر مَحْمُوْد غيرَ مَصَافٍّ، وَاسْتعَان بِالخَطَا،
وَافتَتَح مُدناً، وَقَدْ أَسَرَ أَخُوْهُ تَكش وَالِدَة
مَحْمُوْد، وَذبحهَا، وَاسْتَوْلَى عَلَى خَزَائِن
أَبِيْهِ.
__________
(1) والرازي هذا هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم
الرازي، توفي في جمادى الأولى سنة 525.
(2) مات الحبال سنة 482 وهو صاحب (وفيات الشيوخ) انظر
كتاب: المنذري وكتابه (التكملة): 219.
(*) أخباره في التواريخ المستغرقة لعصره ولا سيما الكامل
لابن الأثير والمرآة للسبط وقسم الحوادث من تاريخ الإسلام
وغيرها، وترجم له غير واحد منهم الذهبي في تاريخ الإسلام،
الورقة: 152 (أحمد الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 268،
وابن العماد في الشذرات: 4 / 297، والغساني في العسجد،
الورقة: 98 وغيرهم.
(21/218)
وَلهُم سِيَرٌ وَأَحْوَال.
وَقِيْلَ: إِنَّ مَحْمُوْداً طَرَدَ الغُزَّ عَنْ مَرْو،
وَتَملّكهَا، ثُمَّ تحزَّبُوا عَلَيْهِ، وَكسروهُ،
وَقتلُوا فُرْسَانه، فَاسْتنجد بِالخَطَا، وَأَقْبَلَ
بِعَسْكَر عَظِيْم، وَأَخْرَج الغُزّ عَنْ سَرْخَس وَنسَا
وَمرو، وَأَبِيْوَرْد، وَتَملَّك ذَلِكَ.
ثُمَّ إِنَّهُ كَاتِب غِيَاث الدِّيْنِ الغُوْرِيّ،
ليُسَلِّم إِلَيْهِ هَرَاة، وَبَعَثَ إِلَيْهِ الغِيَاث
يَأْمرُهُ أَنْ يَخطُب لَهُ، فَأَبَى، وَشنَّ الغَارَات،
وَظلم، وَتَمرَّد، فَأَقْبَل الغُوْرِيّ لِحَرْب
مَحْمُوْد، فَتقهقر، وَجَمَعَ، فَتحزَّب لَهُ غِيَاث
الدِّيْنِ وَأَخُوْهُ صَاحِب الهِنْد شِهَاب الدِّيْنِ،
ثُمَّ الْتَقَى الجمعَان، فَتفلَّلَ جمع مَحْمُوْد،
وَتحصَّن هُوَ بِمَرْو، فَبَادر أَخُوْهُ تَكش، وَآذَى
مَحْمُوْداً، وَضَايقه حَتَّى كَلَّ، وَخَاطر، وَسَارَ
إِلَى خدمَة الغِيَاث، فَبَالغ فِي احْتِرَامه، وَأَنْزَله
مَعَهُ، فَبَعَثَ تَكش إِلَى الغِيَاث يَأْمُرُه
بَاعتقَالِ أَخِيْهِ، فَأَبَى، فَبَعَثَ يَتوعَّده،
فَتَهَيَّأَ الغِيَاث لقَصده.
وَأَمَّا مَحْمُوْد فَمَاتَ فِي سَلْخِ رَمَضَان، سَنَةَ
تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَأَحْسَن الغِيَاث
إِلَى أَجنَاد مَحْمُوْد، وَاستخدمهُم.
109 - أَبُو مَدْيَنَ شُعَيْبُ بنُ حُسَيْنٍ
الأَنْدَلُسِيُّ *
الزَّاهِدُ، شَيْخُ أَهْلِ المَغْرِبِ، كَانَ مِنْ أَهْلِ
حصنِ منتُوجت (1) ، مِنْ عَمل إِشْبِيْلِيَة.
جَال، وَسَاح، وَاسْتَوْطَنَ بِجَايَة مُدَّة، ثُمَّ
تِلِمْسَان.
__________
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 3 / الورقة: 199،
والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 170 (أحمد الثالث 2917
/ 14).
(1) هكذا في الأصل، وفي نسخة (التكملة الابارية)، وهي نسخة
دقيقة نفيسة: (منتوجب) - بالباء الموحدة -
(21/219)
ذكره الأَبَّار بِلاَ تَارِيخ وَفَاة،
وَقَالَ (1) : كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَمَل وَالاجتهَاد،
مُنْقَطِع القرِيْنَ فِي العِبَادَةِ وَالنُّسك.
قَالَ: وَتُوُفِّيَ بتِلِمْسَان، فِي نَحْو التِّسْعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ آخر كَلاَمه: الله الحيّ، ثُمَّ
فَاضت نَفْسه.
قَالَ مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُ العَرَبِيِّ: كَانَ أَبُو
مَدْيَنَ سُلْطَانَ الوَارِثِيْنَ، وَكَانَ جمَال
الحُفَّاظ عَبْدُ الحَقِّ الأَزْدِيّ قَدْ آخَاهُ
بِبجَايَة، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ، وَيَرَى مَا أَيَّده
الله بِهِ ظَاهِراً وَبَاطِناً، يَجد فِي نَفْسِهِ حَالَة
سَنِيَّةً لَمْ يَكُنْ يَجِدُهَا قَبْل حُضُوْر مَجْلِس
أَبِي مَدْيَن، فَيَقُوْلُ عِنْدَ ذَلِكَ: هَذَا وَارِث
عَلَى الحقيقَة.
قَالَ مُحْيِي الدِّيْنِ: كَانَ أَبُو مَدْيَن يَقُوْلُ:
مِنْ علاَمَات صِدْق المرِيْد فِي بدَايته انْقطَاعه عَنِ
الخلْقِ، وَفرَارُه، وَمِنْ علاَمَات صِدْق فَرَاره
عَنْهُم وَجُوْدُه لِلْحقِّ، وَمِنْ علاَمَات صدق وَجُوْده
لِلْحقِّ رُجُوْعه إِلَى الخلْقِ، فَأَمَّا قَوْل أَبِي
سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيّ: لَوْ وَصلُوا مَا رَجَعُوا،
فَلَيْسَ بِمنَاقض لِقَوْل أَبِي مَدْيَن، فَإِنَّ أَبَا
مَدْيَن عَنَى رُجُوْعهُم إِلَى إِرشَاد الْخلق -وَاللهُ
أَعْلَمُ-.
110 - ابْنُ بُنَانٍ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ
مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ *
المَوْلَى، الفَاضِلُ، الأَثِيْرُ، ذُو الرِّيَاسَتَيْنِ،
أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) (التكملة): 3 / الورقة 119، وقال: ذكره أبو الصبر
السبتي وأبو عبد الله بن عبد الحق التلمساني.
(*) ترجم له ابن الأثير في التاريخ الباهر: 85، 89، وابن
الدبيثي في تاريخه، الورقة: 110 (شهيد علي)، والقفطي في
الانباه: 3 / 209، والمنذري في التكملة، الترجمة: 525،
والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 95 (باريس 1582)،
والمختصر المحتاج إليه: 1 / 122، والعبر: 4 / 294، وابن
مكتوم في تلخيصه، الورقة: 230، والصفدي في الوافي: 1 /
281، وابن شاكر في الفوات: 3 / 259، والغساني في العسجد،
الورقة: 104، والدلجي في الفلاكة: 89، وابن ناصر الدين في
التوضيح، الورقة: 112 =
(21/220)
أَبِي الطَّاهِرِ مُحَمَّدِ بنِ بُنَانٍ
(1) الأَنْبَارِيُّ (2) الأَصْل، المِصْرِيُّ، الكَاتِبُ،
وَلَدُ القَاضِي الأَجلِّ أَبِي الفَضْلِ.
وُلِدَ: بِالقَاهِرَةِ، سَنَة سَبْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي صَادِق مُرْشِد المَدِيْنِيّ،
وَوَالِده، وَأَبِي البَرَكَات مُحَمَّد بن حَمْزَةَ
العِرْقِيِّ، وَالقَاضِي مُحَمَّد بن هِبَةِ اللهِ بنِ
عُرْس (3) .
وَتَلاَ عَلَى: أَبِي العَبَّاسِ بنِ الحُطيئَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّرِيْف مُحَمَّد بن عَبْدِ
الرَّحْمَانِ الحُسَيْنِيّ الحَلَبِيّ، وَالرَّشِيْد أَبُو
الحُسَيْنِ العَطَّار، وَجَمَاعَة سِوَاهُمَا.
قَالَ الدُّبَيْثِيّ (4) : قَدِمَ بَغْدَادَ رَسُوْلاً
مِنْ صَاحِب اليَمَن سَيْف الإِسْلاَم (5) ، فَحَدَّثَ بِـ
(السيرَة (6)) عَنْ وَالِده، عَنِ الحبَّال، وَحَدَّثَ بِ
(صِحَاح الجَوْهَرِيّ (7))، وَكتبُوا عَنْهُ مِنْ
شِعْرِهِ.
__________
= (سوهاج)، والمقريزي في السلوك: ج (ق) ص 154، وابن تغري
بردي في النجوم: 6 / 159، وابن الفرات في تاريخه: 8 / 76،
والسيوطي في حسن المحاضرة: 1 / 176، وابن العماد في
الشذرات: 4 / 327، والزبيدي في التاج: 9 / 145.
(1) قيدته ؟ ؟ كتب المشتبه بالباء الموحدة والنون، ونصحف
في (الفلاكة) للدلجي و(النجوم الزاهرة) و(حسن المحاضرة)
و(الشذرات) إلى (بيان) وهو تصحيف لا يحتاج إلى برهان.
(2) تصحف في (الفلاكة) للدلجي إلى (الابياري) وفي (حسن
المحاضرة) إلى (الانماري) وفي (التاج) للسيد الزبيدي إلى
(الديناري) فتأمل ذلك !
(3) بضم العين وسكون الراء المهملتين بعدهما سين مهملة،
قيده المنذري في (التكملة).
(4) (ذيل تاريخ مدينة السلام)، الورقة: 110 (شهيد علي).
(5) يعني طغتكين بن أيوب.
(6) يعني السيرة التي لعبد الملك بن هشام.
(7) بروايته عن ابن البركات محمد بن الحسين العرقي. قال
ابن الدبيثي: (وسمعها منه =
(21/221)
وَقَالَ المُنْذِرِيّ (1) : سَمِعَ مِنْهُ
جَمَاعَة مِنْ رُفقَائِنَا، وَكَتَبَ الكَثِيْر، وَخطُّه
فِي غَايَة الجوْدَة، وَلِيَ دِيْوَان النَّظَر فِي
الدَّوْلَة المِصْرِيَّة، وَتَقَلَّب فِي الْخَدَم،
وَعَاشَ تِسْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
قَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ: كَانَ أَسْمَر،
طُوَالاً، رقيقاً، لَهُ أَدب وَترَسُّل، وَكَانَ صَاحِبَ
الدِّيْوَان، وَالقَاضِي الفَاضِل مِمَّنْ يغشَى بَابَه،
وَيَمتدحه، وَيَفخَرُ بِالوُصُوْل إِلَيْهِ، فَلَمَّا
جَاءت الدَّوْلَة الصَّلاَحيَّة، قَالَ الفَاضِل: هَذَا
رَجُل كَبِيْرَ القَدْرِ، يَنْبَغِي أَنْ يُجرَى عَلَيْهِ
مَا يَكفِيه، وَيَجْلِس فِي بَيْته.
فَفُعَل ذَلِكَ، ثُمَّ تَوجّه إِلَى اليَمَنِ، وَوزر
بِهَا، وَترسّل إِلَى بَغْدَادَ، فَعظّم، وَبجّل، وَلَمَّا
صرت إِلَى مِصْرَ، وَجَدْت ابْنَ بُنَانٍ فِي ضَنْك،
وَعَلَيْهِ دَيْن ثَقِيل، أَدَّى أَمره إِلَى أَنْ حَبسه
الحَاكِم بِالجَامِع، وَكَانَ يَنْتقص بِالقَاضِي
الفَاضِل، وَيَرَاهُ بِالعين الأُوْلَى (2) ، فَقَصَّر
الفَاضِل فِي حقّه، وَكَانَ الدَّيْن لأَعْجَمِيّ،
فَصَعِدَ إِلَيْهِ إِلَى سطح الجَامِع، وَسفّه عَلَيْهِ،
وَقبض عَلَى لِحْيته وَضَرَبَه، فَفَرّ، وَأَلقَى نَفْسه
مِنَ السّطح، فَتهشّم، فَحُمِلَ إِلَى دَارِهِ، وَمَاتَ
بَعْدَ أَيَّام، فَسيّر الفَاضِل لِتجهيزه خَمْسَةَ عَشَرَ
دِيْنَاراً مَعَ وَلده، ثُمَّ إِنَّ الفَاضِل مَاتَ بَعْدَ
ثَلاَثَة أَيَّام فُجَاءةً.
مَاتَ ابْن بُنَانٍ: فِي ثَالِث رَبِيْع الآخر، سَنَة
سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
= خلق من أهل بغداد ولم أكن بها يومئذ) (الذيل، الورقة:
110)، وكان قدومه إلى بغداد في سنة 582 ذكر ذلك ابن
الدبيثي أيضا.
(1) (التكملة)، الترجمة: 525 وتصرف في النص على عادته
ومنها قوله: (وعاش تسعا وثمانين سنة) فإن الزكي المنذري لم
يذكر مثل هذه العبارة، بل ذكر أنه ولد بالقاهرة سنه 507،
وأنه توفي في ليلة الثالث من شهر ربيع الآخر سنة 596 فطرح
الذهبي ذلك من هذا، واستخرج عمره، ونسبه إلى المنذري !
وهذه طريقته رحمه الله.
(2) يعني حينما كان ابن بنان صاحب سلطان بالدولة المصرية.
(21/222)
وَكَانَ فِيْهَا القَحط بِمِصْرَ
وَالفنَاء، وَخَرُبَ الإِقْلِيْم، وَجلاَ أَهْله،
وَأَكلُوا المَيْتَة وَالآدَمِيّين، وَهلكُوا؛ لأَن النّيل
كسر مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ ذرَاعاً وَأَصَابع.
وَقِيْلَ: مَا كملَ الثَّلاَثَة عشر (1) - فَللّهِ
الأَمْر-.
111 - ابْنُ حَيْدَرَةَ مُحَمَّدُ بنُ حَيْدَرَةَ بنِ
عُمَرَ الزَّيْدِيُّ *
الشَّرِيْفُ، أَبُو المُعَمَّرِ مُحَمَّدُ ابْنُ أَبِي
المَنَاقِبِ حَيْدَرَةَ ابْنِ الإِمَامِ عُمَرَ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ الزَّيْدِيُّ، العَلَوِيُّ، الكُوْفِيُّ.
عَاشَ: تِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْ: أَبِي الغَنَائِم
النَّرْسِيّ، وَرَوَى عَنْ: جَدِّهِ (2) ، وَعَنْ سَعِيْدِ
بنِ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيّ.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ طَارِقٍ، وَابْن خَلِيْل.
قَالَ تَمِيْم البَنْدَنِيْجِيّ: كَانَ رَافِضِيّاً.
__________
(1) قال ابن تغري بردي الاتابكي: (الماء القديم لم يذكر
لقلته. وكان مبلغ الزيادة في هذه السنة اثنتي عشر ذراعا
وإحدى وعشرين أصبعا).
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه: 1 / 251 بتحقيق
الدكتور بشار، والمنذري في التكملة، الترجمة: 421، والذهبي
في تاريخ الإسلام، الورقة: 72 (باريس 1582)، والعبر: 4 /
282، والصفدي في الوافي: 3 / 32، وابن تغري بردي في
النجوم: 6 / 14، وابن العماد في الشذرات: 4 / 315.
(2) توفى سنة 539، وترجم له ابن النجار في (تاريخه) وأثنى
عليه ثناءا جميلا، ونقل عن السلفي قوله: (الشريف عمر هذا
أديب نحوي، وفي المذهب زيدي، وكان يفتي في الكوفة على
مذهبه، وسمع معنا على جماعة من شيوخنا الكوفيين.
وكان من عقلاء الرجال حسن الرأي في الصحابة، مثنيا عليهم،
متبرءا ممن تبرأ منهم) (التاريخ المجدد، الورقة: 85 - 86
ظاهرية)، وقد سمع منه أيضا الحافظ ابن عساكر، وذكره في
(معجم شيوخه).
(21/223)
قُلْتُ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ (1)
وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: ابْنُ بَوْش، وَصَاحِب اليَمَن سَيْف
الإِسْلاَم طُغْتِكِيْن بن أَيُّوْبَ، وَمُقْرِئ وَاسِط
ابْن البَاقِلاَّنِيّ، وَالوَزِيْر جلاَل الدِّيْنِ
عُبَيْد اللهِ بن يُوْنُسَ الأَزَجِيّ، وَقَاضِي القُضَاةِ
أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي البَرَكَات
هِبَة اللهِ بن البُخَارِيّ الشَّافِعِيّ، وَالشَّيْخ
عُمَر الكُمَيْمَاتِيّ الزَّاهِد، وَمُحَمَّد بن سيّدهُم
الدِّمَشْقِيّ ابْن الهَرَّاس، وَأَبُو الفَتْحِ نَاصِر بن
مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الفَتْحِ الويرج (2) القَطَّان.
112 - أَبُو طَالِبٍ الكَرْخِيُّ المُبَارَكُ بنُ
المُبَارَكِ بنِ المُبَارَكِ *
الإِمَامُ الأَوْحَدُ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّة، وَصَاحِبُ
الخَطِّ المَنْسُوْبِ، أَبُو طَالِبٍ المُبَارَك بن
المُبَارَكِ بن المُبَارَكِ الكَرْخِيُّ، صَاحِبُ أَبِي
الحَسَنِ ابْنِ
__________
(1) إضافة يقتضيها السياق، وصحة الوفاة يظهر أنها سقطت من
الأصل، علما بأن الناسخ وضع قبالتها تاريخ الوفاة بالرقم:
593.
(2) في الأصل: (الوريرح) وهو سبق قلم من الناسخ، والتصحيح
من (تاريخ الإسلام)، الورقة: 191 (أحمد الثالث 2917 / 14)،
و(العبر): 4 / 282، وجاء في (النجوم): الوترح . وانظر
أيضا: (التكملة) للمنذري، الترجمة: 412، وابن نقطة في
(التقييد)، الورقة: 216.
والويرج كما في المعاجيم الفارسية: السوسن الاصفر أو
النيلوفر، فلعله عرف بذلك، وتوفي أبو الفتح سنة 593 وسيأتي
ذكره في موضعه من هذا الكتاب (الترجمة: 159).
(*) ترجم له ياقوت في إرشاد الاريب: 6 / 230، وابن الأثير
في الكامل: 12 / 18، والمنذري في التكملة، الترجمة: 89،
والنعال في مشيخته: 92 وهو الشيخ الحادي والعشرون فيها،
والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 24 (باريس 1582)،
والعبر: 4 / 257، والمختصر المحتاج إليه: 3 / 177، والسبكي
في الطبقات: 7 / 275، والاسنوي في طبقاته: 2 / 353، وابن
كثير في البداية: 12 / 334، ابن الملقن في العقد، الورقة:
159، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 78، وابن تغري
بردي في النجوم: 6 / 110 - 111، وابن عبد الهادي في معجم
الشافعية، الورقة: 74، وابن العماد في الشذرات: 4 / 284.
(21/224)
الخَلِّ، وَهُوَ (1) المُبَارَكُ بنُ أَبِي
البَرَكَاتِ.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: هِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَقَاضِي
المَارستَان.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ البَنْدَنِيْجِيّ،
وَغَيْرهُ.
كَانَ ذَا جَاه وَحِشْمَة، لِكَوْنِهِ أَدَّب أَوْلاَد
النَّاصِر لِدِيْنِ اللهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: شَهِدَ عِنْد قَاضِي القُضَاةِ
أَبِي القَاسِمِ الزَّيْنَبِيّ فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ، ثُمَّ درّس بِمَدْرَسَة شَيْخه ابْنِ
الخَلِّ بَعْدَهُ (2) ، ثُمَّ (3) وَلِي النّظَامِيَّة فِي
سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ (4) ، وَكَانَ إِمَامَ وَقته
فِي العِلْمِ وَالِدّين وَالزُّهْد وَالوَرَع، لاَزم ابْنَ
الخَلِّ حَتَّى بَرَعَ فِي المَذْهَب وَالخلاَف...، إِلَى
أَنْ قَالَ:
وَكَانَ مِنَ الوَرَع وَالزُّهْد وَالعفَّة وَالنزَاهَة
وَالسَّمْت عَلَى طرِيقَة اشْتهَرَ بِهَا، وَكَانَ أَكْتَب
أَهْل زَمَانِهِ لطرِيقَة ابْنِ البوَّاب، وَعَلَيْهِ كتب
الظَّاهِر بِأَمْرِ اللهِ.
__________
(1) (وهو) يعني المترجم له، ذكرنا ذلك خوف اللبس من أن
يتوهم القارئ أن ذلك يعود لابن الخل.
أما أبو الحسن ابن الخل، فهو: محمد بن المبارك بن محمد
العكبري المتوفى سنة 552، وكان من كبار فقهاء الشافعية،
ذكره ابن الجوزي في المنتظم: 10 / 179، وابن الأثير في
الكامل: 11 / 88، والذهبي في كتبه ومنها العبر: 4 / 150،
والسبكي في طبقاته: 6 / 176، وابن كثير في البداية: 12 /
237، والبدر العيني في عقد الجمان: 16 / الورقة: 293
وغيرهم.
(2) هي المدرسة المعروفة أيضا بالمدرسة الكمالية، نسبة إلى
منشئها كمال الدين أبي الفتوح حمزة بن علي المعروف بابن
البقشلام أو البقشلان المتوفى سنة 556، وكان ابن الخل هو
الذي رتب فيها مدرسا، لذلك عرفت به أيضا (راجع ابن الجوزي
في (المنتظم): 10 / 179، 199، 203 والمصادر التي ذكرناها
في الهامش السابق لترجمة ابن الخل).
(3) تولى قبل ذلك أيضا التدريس بالمدرسة الثقتية التي كانت
على دجلة تحت دار الخلافة، وهي منسوبة إلى ثقة الدولة ابن
الدريني المتوفى سنة 549 (انظر (تكملة) المنذري وتعليقنا
عليها).
(4) وبقي مدرسها إلى حين وفاته.
(21/225)
قَالَ: وَكَانَ ضنِيناً بِخَطِّهِ، حَتَّى
إِنَّهُ كَانَ إِذَا شَهِدَ وَكَتَبَ فِي فُتْيَا، كسر
الْقَلَم، وَكَتَبَ بِهِ خطّاً رديّاً.
قُلْتُ: درّس، وَأَفتَى، وَدَرَّسَ بِالنّظَامِيَّةِ بَعْد
أَبِي الخَيْرِ القَزْوِيْنِيّ.
وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الحَازِمِيّ.
وَعَاشَ: نَيِّفاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
قَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ بن يُوْسُفَ: كَانَ
رَبّ علم وَعَمل وَعفَاف وَنُسُك، وَكَانَ نَاعم الْعَيْش،
يَقوم عَلَى نَفْسِهِ وَبدنه قيَاماً حَكِيْماً، رَأَيْتهُ
يُلْقِي الدّرس، فَسَمِعْتُ مِنْهُ فَصَاحَة رَائِعَة،
وَنغمَة رَائِقَة، فَقُلْتُ: مَا أَفصح هَذَا الرَّجُل!
فَقَالَ شَيْخنَا ابْنُ عُبَيْدَةَ النَّحْوِيّ: كَانَ
أَبُوْهُ عوَّاداً، وَكَانَ هُوَ مَعِي فِي الْمكتب،
فَضَرَبَ بِالعُوْد، وَأَجَاد، وَحذق، حَتَّى شَهِدُوا
لَهُ أَنَّهُ فِي طَبَقَة مَعْبَد، ثُمَّ أَنِف،
وَاشْتَغَل بِالخطّ، إِلَى أَنْ شَهِدَ لَهُ أَنَّهُ
أَكْتَب مِنَ ابْنِ البوَّاب، وَلاَ سِيَّمَا فِي
الطُّومَار وَالثُّلُث، ثُمَّ أَنِف مِنْهُ، وَاشْتَغَلَ
بِالفِقْه، فَصَارَ كَمَا تَرَى، وَعلّم وَلَدَي النَّاصِر
لِدِيْنِ اللهِ (1) ، وَأَصلحَا مدَاسه (2) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: تُوُفِّيَ فِي ثَامن ذِي
القَعْدَةِ، سَنَة خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
وَكَانَ قَدْ خَرَجَ فِي عصر هَذَا اليَوْم لِلصَّلاَة
بِالجَمَاعَة بِالرِّبَاط، فَلَمَّا تَوجّه لِلصَّلاَة،
عرضت لَهُ سعلَة، وَتتَابعت، فَسَقَطَ، وَحُمِلَ إِلَى
مَنْزِلِهِ، فَمَاتَ فِي وَقْتِهِ، وَحضره خلق كَثِيْر
-رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ-.
__________
(1) وهما الاميران: أبو نصر محمد الذي تولى الخلافة بعد
أبيه وعرف بالظاهر، وأبو الحسن علي الذي مات شابا، وكان
يعلمهما الخط.
(2) فانظر - وفقك الله - إلى مكانة العلماء حينما يقوم
أولاد الخليفة المؤهلون لتولي الخلافة بإصلاح مداس
أستاذهم، فأي تقدير بعد هذا ؟ ! رضي الله عنهم.
(21/226)
113 - القَاضِي الفَاضِلُ مَحْمُوْدُ بنُ
عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ التَّمِيْمِيُّ *
هُوَ العَلاَّمَةُ، صَاحِبُ الطّرِيقَةِ، أَبُو طَالِبٍ
مَحْمُوْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ التَّمِيْمِيُّ،
الأَصْبَهَانِيُّ، الشَّافِعِيُّ، تِلْمِيْذُ مُحْيِي
الدِّيْنِ مُحَمَّدِ (1) بنِ يَحْيَى الشَّهِيْدِ.
لَهُ تَعليقَة فِي الخلاَف باهرَة جِدّاً، وَكَانَ عجباً
فِي إِلقَاء الدّروس.
تخرّج بِهِ أَئِمَّة، وَكَانَ آيَةً فِي الْوَعْظ، صَاحِب
فُنُوْن.
أَرَّخ ابْن خَلِّكَانَ مَوْته: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ
خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
114 - ابْنُ أَبِي حَبَّةَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ هِبَةِ
اللهِ البَغْدَادِيُّ **
الشَّيْخُ الكَبِيْرُ، أَبُو يَاسِرٍ عَبْدُ الوَهَّابِ
بنُ هِبَةِ اللهِ ابْنِ أَبِي يَاسِرٍ عَبْدِ
__________
(*) ترجم له ابن خلكان في وفيات الأعيان: 5 / 174، والذهبي
في تاريخ الإسلام، الورقة: 124 (أحمد الثالث 2917 / 14)،
والسبكي في الطبقات: 7 / 286، وابن العماد في الشذرات: 4 /
284.
ووجود عنوان (القاضي الفاضل) فيه نظر لما يسببه من لبس
بالقاضي الفاضل الأديب المشهور، فضلا عن أن أحدا ممن ترجم
له لم يذكر أنه يعرف بالفاضل، ولا ذكر الذهبي مثل ذلك في
(تاريخ الإسلام)، فلعله من وهم الناسخ، وكان الرجل يعرف ب
(القاضي) مجردا، وراجع ما علقنا عليه في ترجمة القاضي
الفاضل البيساني رقم الترجمة 175.
(1) الامام المشهور صاحب (المحيط في شرح الوسيط) وغيره.
وعرف بالشهيد لأنه قتل على أيدي الغز الذين أغاروا على تلك
البلاد في عهد السلطان سنجر بن ملكشاه السلجوقي، وكان
مقتله سنة 548 (السبكي في الطبقات: 7 / 25).
(* *) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 159، وابن
الدبيثي في تاريخه، الورقة 154 (باريس 5922)، وابن النجار
في التاريخ المجدد، الورقة: 74 (ظاهرية)، والمنذري في
التكملة، الترجمة: 165، والنعال في مشيخته: 110، والذهبي
في تاريخ الإسلام، الورقة: 37 (باريس 1582)، والعبر: 4 /
266، والمشتبه: 213، والاعلام، الورقة: 211، وابن العماد
في الشذرات: 4 / 293 والزبيدي في (حب) من التاج.
(21/227)
الوَهَّابِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي حَبَّةَ
(1) البَغْدَادِيُّ، الطَّحَّانُ، رَاوِي (المُسْنَد)
بِحَرَّانَ.
سَمِعَ: هِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَأَبَا غَالِب ابْن
البَنَّاء، وَأَبَا الحُسَيْنِ مُحَمَّدَ ابْنَ القَاضِي
أَبِي يَعْلَى، وَهِبَة اللهِ ابْن الطَّبَر، وَزَاهِر بن
طَاهِر، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ المَزْرَفِيّ، وَعِدَّة.
وَكَانَ فَقيراً، قَانِعاً، مُتَعَفِّفاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: البَهَاء عَبْد الرَّحْمَانِ، وَعَبْد
العَزِيْزِ بن صُدَيْقٍ، وَأَحْمَد بن سَلاَمَةَ
النَّجَّار، وَأَهْل حرَّان.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار (2) : كَانَ لاَ بَأْسَ بِهِ،
صَبُوْراً عَلَى فَقره.
وَقَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيّ (3) : كَانَ فَقيراً،
صَبُوْراً، صَحِيْح السَّمَاع.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
وَأَدْرَكَهُ الأَجَلُ بِحَرَّانَ، فِي الحَادِي
وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ
وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ
الحُسَيْنِ العِرَاقِيّ الحَنْبَلِيّ المُقْرِئ، أَحَدُ
الأَئِمَّةِ بِدِمَشْقَ، وَإِسْمَاعِيْل الجَنْزَوِيُّ
الشُّرُوْطِيّ، وَمُفْتِي وَاسِط أَبُو عَلِيٍّ الحَسَن
(4) ابْن الإِمَام أَبِي جَعْفَرٍ هِبَة اللهِ ابْن
البُوقِيّ الشَّافِعِيّ، وَالمُحَدِّث
__________
(1) قيده الزكي المنذري في (التكملة)، فقال: بفتح الحاء
المهملة وتشديد الباء الموحدة وفتحها وتاء تأنيث.
(2) (التاريخ المجدد)، الورقة: 74 (ظاهرية).
(3) (ذيل تاريخ مدينة السلام)، الورقة 154 (باريس 5922).
(4) في الأصل (الحسين) ما أثبتناه هو الذي أجمعت عليه
المصادر، ومنها (تكملة) المنذري، الترجمة: 171، و(إكمال
الإكمال) لابن نقطة، الورقة: 53 (ظاهرية)، و(تاريخ) ابن
الدبيثي، الورقة: 20 (باريس 5922)، و(تاريخ الإسلام)
للذهبي، الورقة: 36 (باريس 1582)، و(المختصر المحتاج إليه)
أيضا: 2 / 28، و(الوافي) للصفدي: 11 / الورقة: 45،
و(طبقات) السبكي: 7 / 72.
(21/228)
الصَّالِح أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ
بنُ يُوحنَّ اليَمَانِيّ عَنْ نَيِّف وَثَمَانِيْنَ
سَنَةً، وَالوَزِيْر المُنْشِئُ مُوَفَّق الدِّيْنِ خَالِد
بن مُحَمَّدِ بنِ نَصْر ابْن القَيْسَرَانِيّ الحَلَبِيّ
بِهَا، وَالمُسْنِدُ أَبُو مَنْصُوْرٍ طَاهِر بن مكَارِم
المَوْصِلِيّ المُؤَدِّب رَاوِي (مُسْنَد المُعَافَى)،
وَالشَّيْخ أَبُو جَعْفَرٍ عُبَيْد اللهِ بن أَحْمَدَ
ابْنِ السمِين، وَالأَمِيْر الكَبِيْر سَيْف الدِّيْنِ
عَلِيّ بن أَحْمَدَ ابْنِ الْملك أَبِي الهيجَا
الهكَّارِيّ المشطوبُ، وَقَاسم بن إِبْرَاهِيْمَ
المَقْدِسِيّ بِمِصْرَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ فَارِس بن أَبِي
القَاسِمِ بنِ فَارِس الحَفَّار الحَرْبِيّ، عَنْ بِضْع
وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَصَاحِب الرُّوْم عِزّ الدِّيْنِ
قليج (1) أَرْسَلاَن بن مَسْعُوْدٍ السَّلْجُوْقِيّ،
وَالنَّسَّابَة أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّد بن أَسْعَد
الجَوَّانِيُّ الشَّرِيْف بِمِصْرَ، وَآخَرُوْنَ (2) .
115 - رَجَبُ بنُ مَذْكُوْرِ بنِ أَرْنَبٍ أَبُو الحُرَمِ
الأَزَجِيُّ *
الشَّيْخُ، الأُمِّيُّ، أَبُو الحُرَمِ (3) الأَزَجِيُّ،
الأَكَّاف (4) .
شَيْخٌ، صَحِيْح السَّمَاع، عَالِي الرِّوَايَة، عرِيّ
مِنَ الفضِيْلَة.
__________
(1) قلنا سابقا: إنها تكتب (قليج) و(قلج).
(2) انظر التفاصيل في (تاريخ الإسلام)، الورقة: 140 فما
بعد (أحمد الثالث 2917 / 14) و(تكملة) المنذري، التراجم:
162 - 184.
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 52 (باريس
5922) وذكر أنه سمع منه، والمنذري في التكملة، الترجمة:
209، والنعال في مشيخته: 113، والذهبي في تاريخ الإسلام،
الورقة: 41 (باريس 1582)، والمختصر المحتاج إليه: 2 / 69،
والاعلام، الورقة: 211، والمشتبه: 114.
(3) قيده المنذري في (التكملة)، والنعال في (مشيخته)،
فقالا: بضم الحاء والراء المهملتين.
كما قيده الذهبي في (المشتبه) وابن ناصر الدين في (توضيحه)
وابن حجر في (تبصير المنتبه) وغيرهم.
(4) يقال هذا لمن يعمل أكاف البهائم.
(21/229)
سَمِعَ: أَبَا العِزِّ بن دكَاش،
وَقَرَاتِكِيْن بن أسعد، وَهِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ،
وَأَبَا غَالِب ابْن البَنَّاء، وَعَلِيّ بن المُوَحّد،
وَعِدَّة، وَتَفَرَّد بِأَجزَاء.
سَمِعَ مِنْهُ: عُمَر بن عَلِيٍّ القُرَشِيّ، وَمَاتَ
قَبْلَهُ بِمُدَّة (1) .
وَرَوَى عَنْهُ: سَالِم بن صَصْرَى، وَالبَهَاء عَبْد
الرَّحْمَانِ، وَابْن الدّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْلٍ،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ أَخُو
ثَعْلَب (2) .
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: سُلْطَان الوَقْت صَلاَح الدِّيْنِ،
وَالشَّيْخ سنَان صَاحِب حصُوْن الإِسْمَاعِيْلِيَّة،
وَطُغدِي بن ختلغ الأَمِيْرِيّ المُقْرِئُ، وَأَبُو
مَنْصُوْرٍ بن عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَبُو الحَسَنِ
عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ كوثر
المُحَارِبِيّ الغَرْنَاطِيّ، وَصَاحِب المَوْصِل عِزّ
الدِّيْنِ مَسْعُوْد الأَتَابكِيّ، وَالمُكْرَّم (3) بن
هِبَةِ اللهِ بنِ مُكرَّم الصُّوْفِيّ.
وَالِد كَرِيْمَةَ:
116 - عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَلِيِّ بنِ خَضِرٍ
الأَسَدِيُّ *
العَدْلُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَلِيِّ
بنِ خَضِرٍ الأَسَدِيُّ، الزُّبَيْرِيُّ،
__________
(1) مات قبله بأربعة عشر عاما لأنه توفي سنة 575.
(2) أبو الحسن ثعلب المتوفى سنة 579، وكان ثعلب هو الأكبر.
وقد ترجم له صائن الدين النعال البغدادي في (مشيخته): 68،
والذهبي في (تاريخ الإسلام)، الورقة 78 (أحمد
الثالث 2917 / 14)، و(المشتبه): 114، و(المختصر المحتاج
إليه): 1 / 270، وابن حجر في (لسان الميزان): 2 / 82.
(3) قيده المنذري في (التكملة) كما ضبطناه (الترجمة: 203)،
وقال الذهبي في (المشتبه): (وبالتثقيل..ومكرم بن هبة الله
بن مكرم..) (ص: 611).
(*) ترجم له المنذري في التكملة، الترجمة: 226، والذهبي في
تاريخ الإسلام، الورقة: =
(21/230)
الدِّمَشْقِيُّ، الشُّرُوْطِيُّ،
وَيُعْرَفُ: بِالحَبَقْبَق (1) ، وَهُوَ أَخُو الحَافِظ
أَبِي المَحَاسِن عُمَر بن عَلِيٍّ القُرَشِيّ، وَأَبُو
الشيختين: كَرِيْمَة، وَصَفِيَّة.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ.
وَسَمِعَ مِنْ: جَمَال الإِسْلاَمِ عَلِيّ بنِ
المُسَلَّمِ، وَيَاقُوْت الرُّوْمِيّ، وَنَصْر بن
مُحَمَّدٍ المصِّيْصِيّ، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ: أَخُوْهُ، وَوَلَدَاهُ عَلِيّ وَكَرِيْمَة،
وَأَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى، وَأَبُو الحَجَّاجِ بنِ
خَلِيْل.
مَاتَ: فِي ثَالِث صفر، سَنَة تِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
117 - قَاضِي خَانَ حَسَنُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مَحْمُوْدٍ
البُخَارِيُّ *
هُوَ العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ، أَبُو
المَحَاسِنِ حَسَنُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مَحْمُوْدٍ (2)
البُخَارِيُّ، الحَنَفِيُّ، الأُوْزْجَندِيُّ (3) ،
صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ (4) .
__________
= 51 (باريس 1582)، والعبر: 4 / 272، وابن العماد في
الشذرات: 4 / 301.
(1) في (تكملة) المنذري: المعروف بابن الحبقبق.
* ترجم له كمال الدين ابن الفوطي في الملقبين بفخر الدين
من تلخيصه: 4 / الترجمة: 2061 ولم يذكر تاريخ وفاته، وترجم
له الذهبي في المتوفين على التقريب من أهل الطبقة التاسعة
والخمسين من تاريخ الإسلام، الورقة: 172 (أحمد الثالث 2917
/ 14)، والقرشي في
الجواهر: 1 / 205، وابن العماد في الشذرات: 4 / 308
واللكنوي في الفوائد: 64، وذكر بعضهم أن وفاته سنة 592.
(2) في (تلخيص) ابن الفوطي: ابن أبي محمود.
(3) في الأصل: (الاور حيدي) وهو وهم من الناسخ، والتصحيح
من (تاريخ الإسلام) وغيره ويقال فيه الاوزكندي، نسبة إلى
أوزكند - بالضم والواو والزاي ساكنتان - أو أوزجند، بلد
بما وراء النهر من نواحي فرغانة.
(4) طبع من كتبه (الفتاوى) أربعة أجزاء، وله عدة تصانيف،
راجع (أعلام) الزركلي: 2 / 238.
(21/231)
سَمِعَ الكَثِيْر مِنَ: الإِمَام ظَهِيْر
الدِّيْنِ الحَسَن بن عَلِيِّ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.
وَمِنْ: إِبْرَاهِيْمَ بن عُثْمَانَ الصَّفَّارِيّ،
وَطَائِفَة.
وَأَملَى مَجَالِس كَثِيْرَة رَأَيْتُهَا.
رَوَى عَنْهُ: العَلاَّمَة جَمَال الدِّيْنِ مَحْمُوْد بن
أَحْمَدَ الحَصِيْرِيّ، أَحَد تَلاَمِذته.
بَقِيَ إِلَى سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
فَإِنَّهُ أَملَى فِي هَذَا العَام.
118 - المَرْغِيْنَانِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ
أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ *
العَلاَّمَةُ، عَالِمُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، برْهَانُ
الدِّيْنِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ
عَبْدِ الجَلِيْلِ المَرْغِيْنَانِيُّ، الحَنَفِيُّ،
صَاحِب كِتَابَي (الهدَايَة)، وَ(البدَايَة) فِي
المَذْهَب.
كَانَ فِي هَذَا الْحِين، لَمْ تَبْلُغْنَا أَخْبَاره،
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ -رَحِمَهُ الله-.
__________
(*) ترجم له الذهبي في المتوفين على التقريب من أهل الطبقة
التاسعة والخمسين من تاريخ الإسلام، ثم عثر على وفاته بعد
ذلك كما يبدو، لكنه أبقى الترجمة في موضعها ولم يحولها إلى
مكانها الصحيح، قال: (توفي رحمه الله ليلة الثلاثاء لاربع
عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين وخمس مئة)
(الورقة: 172 - أحمد الثالث 2917 / 14).
وترجمه أيضا القرشي في الجواهر: 1 / 383، واللكنوي في
الفوائد: 141 وغيرهما من الكتب المعنية بتراجم الحنفية.
وكتاباه: (بداية المبتدئ) وشرحه المعروف بكتاب (الهداية في
شرح البداية) مطبوعان مشهوران عند أهل المذهب.
وهو منسوب إلى (مرغينان) من نواحي فرغانة، لذا يقال فيه:
الفرغاني المرغيناني.
(21/232)
119 - الجُوَيْنِيُّ أَبُو عَلِيٍّ حَسَنُ
بنُ عَلِيٍّ *
الكَاتِبُ، المُجَوِّدُ، الأَوْحَدُ، أَبُو عَلِيٍّ حَسَنُ
بنُ عَلِيٍّ الجُوَيْنِيُّ، الأَدِيْبُ، الشَّاعِرُ،
وَيُعْرَفُ: بِابْنِ اللعيبَةِ.
قَالَ العِمَاد (1) : هُوَ مِنْ أَهْلِ بَغْدَاد، لَهُ
الخطُّ الرَّائِق، وَالفَضْل الفَائِق، وَاللَّفْظ
الشَّائِق، وَالمَعْنَى اللاَئِق، لَهُ فَصَاحَةٌ وَلَسَن،
وَخطّ كَاسْمِهِ حسنٌ، مِنْ نُدمَاء الأَتَابكِ زَنْكِي،
ثُمَّ ابْنه، ثُمَّ سَافر إِلَى مِصْرَ، وَلَيْسَ بِهَا
مَنْ يَكتب مِثْله.
قُلْتُ: مدح صَلاَح الدِّيْنِ وَالفَاضِل.
__________
(*) ترجم له العماد الأصبهاني في القسم العراقي من
الخريدة، ج: 3 مجلد: 2 ص 58 - 63، وياقوت في إرشاد الاريب:
3 / 156 وذكر أن وفاته لعشر خلون من صفر سنة 586، وابن
خلكان في وفيات الأعيان: 2 / 131، وذكر أنه توفي سنة 584
أو 586 وجاء تعليق في هامش إحدى نسخ الوفيات: (الصحيح أنه
توفي سنة ست وثمانين لاني رأيت جزءا بخطه ذكر أنه كتبه في
سنة خمس وثمانين، وأن عمره حينئذ إحدى وثمانون سنة ونصف).
قلنا: وكان المنذري، شيخ ابن خلكان، قد ترجم له في وفيات
سنة 584 من (التكملة)، فقال: (وفي التاسع من صفر توفي
الشيخ الفاضل أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم الجويني
الكاتب بالقاهرة) (الترجمة: 34).
وترجمه أيضا ابن الفوطي في الملقبين بفخر الكاتب من
(تلخيصه) نقلا من (بغية الطلب في تاريخ حلب) لكمال الدين
ابن العديم، وسماه (الحسن بن إبراهيم بن علي) وذكر أنه
توفي في صفر سنة 586.
والطريف أن المؤلف الذهبي ترجم له مرتين في تاريخ الإسلام
لم يذكر فيهما أنه توفي سنة 586، الأولى في وفيات سنة 582،
وقال فيه (الحسن بن إبراهيم بن علي)، ونقل ترجمته ووفاته
من الذيل على المنتظم لشيخه ابن البزوري المتوفى سنة 694
لقوله: (توفي في هذه السنة فيما أنبأني ابن البزوري)
(الورقة: 100 - أحمد الثالث 2917 / 14)، ثم ترجم له ثانية
في وفيات سنة 584 نقلا من (تكملة) المنذري (الورقة: 110 من
النسخة السابقة)، وكان المنذري قد أورد رواية على التمريض
تشير إلى وفاته سنة 586، إذ قال في آخر ترجمته من.
(التكملة): (وقيل: إنه توفي سنة ست وثمانين)، فالراجح
وفاته سنة 586 وكأن المؤلف رجح ذلك، فذكره هنا مؤكدا من
غير ذكر رواية أخرى.
(1) (الخريدة) - قسم شعراء العراق ج 3 م 2 ص: 58.
(21/233)
قَالَ العِمَاد (1) : حَدَّثَنِي سَعْدٌ
الكَاتِبُ بِمِصْرَ، قَالَ:
كَانَ الجُوَيْنِيُّ صَدِيْقِي، وَكَانَ يَشرب الخَمْر،
فَحَدَّثَنِي أَنَّهُ كَانَ يَكتب مصحفاً، وَبَيْنَ
يَدَيْهِ مِجْمَرَة (2) وَقنِينَة خمر، وَلَمْ يَكُنْ
بقربِي مَا أُندِّي بِهِ الدوَاة، فَصببت مِنَ القنِينَة
فِي الدوَاة، وَكَتَبت وَجهَة، وَنشَّفْتُهَا عَلَى
المِجْمَرَةِ، فَصعدت شرَارَةٌ أَحرَقَتِ الخطَّ دُوْنَ
بَقِيَّة الورقَة، فَرعبتُ، وَقُمْت، وَغسلت الدوَاة
وَالأَقلاَم، وَتبت إِلَى اللهِ.
مَاتَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
120 - الجَنْزَوِيُّ أَبُو الفَضْلِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ
عَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ *
الشَّيْخُ، الفَاضِلُ، المُحَدِّثُ، الفَرَضِيُّ،
الشُّرُوْطِيُّ، العَدْلُ، أَبُو الفَضْلِ إِسْمَاعِيْلُ
بنُ عَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي القَاسِمِ
الجَنْزَوِيُّ الأَصْل، الدِّمَشْقِيُّ، الكَاتِبُ،
وَيُقَالُ فِيْهِ: الجَنْزِيُّ، وَالكَنْجِيُّ.
مَوْلِدُهُ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ
وَتِسْعِيْنَ، فَهُوَ أَسنّ مِنَ الحَافِظ ابْنِ عَسَاكِرَ
بِسَنَةٍ.
__________
(1) لم نجد هذا النص في المطبوع من (الخريدة) قسم شعراء
العراق حين ترجم له العماد.
(2) المجمرة: بكسر الميم الأولى: اسم الشئ الذي يوضع فيه
الجمر.
(*) ترجم له ياقوت في (جنزة) من معجم البلدان: 2 / 132،
وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 245 (باريس 5921)،
والمنذري في التكملة، الترجمة: 168، والذهبي في تاريخ
الإسلام، الورقة: 35 (باريس 1582)، والمختصر المحتاج إليه:
1 / 242، والعبر: 4 / 266، والمشتبه: 183، والاعلام،
الورقة: 211، والسبكي في الطبقات: 7 / 52، والاسنوي في
طبقاته: 1 / 370، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 116، وابن
العماد في الشذرات: 4 / 293.
(21/234)
تَفَقَّهَ عَلَى: جَمَال الإِسْلاَمِ (1) ،
وَأَبِي الفَتْحِ المِصِّيْصِيّ (2) .
وَسَمِعَ مِن: الأَمِيْن هِبَة اللهِ ابْن الأَكْفَانِيِّ،
وَعَبْد الكَرِيْمِ بن حَمْزَةَ، وَطَاهِر بن سَهْلٍ،
وَيَحْيَى بن بِطْرِيْقٍ، وَطَبَقَتهِم.
وَاعتنَى بِالرِّوَايَة، وَكَتَبَ، وَرَحَلَ، فَسَمِعَ
بِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي البَرَكَات هِبَة اللهِ ابْن
البُخَارِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ مُحَمَّد بن مَرْزُوْق
الزَّعْفَرَانِيّ، وَالحَافِظ أَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ
السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَالحَسَن بن إِسْحَاقَ البَاقَرحِيّ،
وَهِبَة اللهِ بن الطَّبرِ، وَعِدَّة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى، وَالقَاسِم
ابْن عَسَاكِرَ، وَابْن الأَخْضَرِ، وَعَبْد القَادِرِ
الرُّهَاوِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَالشَّيْخ الضِّيَاء،
وَالبَهَاء عَبْد الرَّحْمَانِ، وَالتَّاج القُرْطُبِيّ،
وَعَبْد اللهِ ابْن الخُشُوْعِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن
خَلِيْل، وَالعِمَاد بن عَبْدِ الهَادِي، وَابْن عَبْدِ
الدَّائِمِ، وَخَلْق.
وَجَنْزَة مِنْ مدن أَرَّان، وَهُوَ إِقْلِيْم صَغِيْر،
بَيْنَ أَذْرَبِيْجَان وَأَرْمِيْنِيةَ.
كَانَ مِنْ كِبَارِ الشُّهُود وَالمُحَدِّثِيْنَ.
مَاتَ: فِي سَلْخِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانٍ
وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعُوْنَ عَاماً
وَشهرَان -رَحِمَهُ الله-.
121 - ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ عَلِيِّ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُعَمَّرُ، المُسْنِدُ، أَبُو
مَنْصُوْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) يعني علي بن المسلم السلمي.
(2) أبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي.
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 102 (باريس
5922)، والمنذري في =
(21/235)
أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ هِبَةِ اللهِ
بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ البَغْدَادِيُّ، الكَاتِبُ.
مِنْ بَيْت الرِّوَايَة وَالكِتَابَة.
وُلِدَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ -أَوْ جُمَادَى الأُوْلَى-
سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ بَيَانٍ، وَمِنْ أَبِي
عَلِيٍّ بنِ نَبْهَانَ -وَهُوَ فِي الخَامِسَة- وَمُحَمَّد
بن عَبْدِ البَاقِي الدُّوْرِيِّ، وَأَبِي طَالِبٍ بن
يُوْسُفَ، وَجَعْفَر بن الْمُحسن السَّلَمَاسِيّ، وَجدِّه،
وَطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ
المَقْدِسِيّ، وَيُوْسُف بن خَلِيْل، وَالجلاَل عَبْد
اللهِ بن الحَسَنِ قَاضِي دِمْيَاط، وَعَلِيّ بن عَبْدِ
اللَّطِيْفِ ابْنِ الخِيَمِيّ، وَمُحَمَّد بن نفيسٍ
الزَّعيْمِيّ، وَأَحْمَد بن شكرٍ الكِنْدِيّ، وَعِدَّة.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الأَخْضَرِ: سَمِعْتُ مِنْهُ،
وَمِنْ أَبِيْهِ وَجدّه.
قُلْتُ: مَاتَ فِي تَاسع رَبِيْع الأَوّل، سَنَة تِسْعٍ
وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ خَلِيْل (جَزْءَ ابْنِ عَرَفَةَ)،
وَهُوَ وَالِدُ مُسْنِدِ وَقته الفَتْح بن عَبْدِ
السَّلاَمِ.
وَقَالَ فِيْهِ الحَافِظ ابْن النَّجَّار: كَانَ شَيْخاً
نبيلاً، وَقُوْراً، مِنْ ذَوِي الهيئَات، وَأَوْلاَد
الرُّؤَسَاء وَالمُحَدِّثِيْنَ، حَدَّثَ بِالكَثِيْرِ.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ النَّفِيْس بن مُنْجِبٍ
يَقُوْلُ: كَانَ ثِقَةً، يَتشيَّع.
__________
= التكملة، الترجمة: 190، والذهبي في تاريخ الإسلام،
الورقة 152 (أحمد الثالث 2917 / 14)، والمختصر المحتاج
إليه: 2 / 160، والعبر: 4 / 269.
(21/236)
122 - صَاحِبُ المَوْصِلِ مَسْعُوْدُ بنُ
مَوْدُوْدِ بنِ زنْكِي التُّرْكِيُّ *
المَلِكُ، عِزُّ الدِّيْنِ، أَبُو المُظَفَّرِ مَسْعُوْدُ
ابْنُ المَلِكِ مَوْدُوْدِ بنِ الأَتَابكِ زَنْكِي بن
آقْسُنْقُر الأَتَابكِيُّ، التُّرْكِيُّ، الَّذِي عَمِلَ
المَصَافَّ مَعَ صَلاَحِ الدِّيْنِ عَلَى قرُوْنِ حَمَاة،
فَانْكَسَرَ مَسْعُوْدٌ سَنَة سَبْعِيْنَ، ثُمَّ وَرِثَ
حلب، أَوْصَى لَهُ بِهَا ابْنُ عَمِّهِ الصَّالِح
إِسْمَاعِيْل، فَسَاق، وَطلع إِلَى القَلْعَة، وَتَزَوَّجَ
بوَالِدَة الصَّالِح، فَحَارَبَهُ صَلاَح الدِّيْنِ،
وَحَاصَرَ المَوْصِل ثَلاَث مَرَّاتٍ، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ،
ثُمَّ تَصَالَحَا، وَكَانَ مَوْتُهُمَا مُتَقَارِباً (1) .
تعَلَّل (2) مَسْعُوْد، وَبَقِيَ عَشْرَة أَيَّام لاَ
يَتَكَلَّم إِلاَّ بِالشَّهَادَة وَالتِلاَوَة، وَإِنْ
تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ، اسْتغْفر، وَخُتم لَهُ بِخَيْر.
وَكَانَ يَزور الصَّالِحِيْنَ، وَفِيْهِ حلم وَحيَاء وَدين
وَقيَام ليل، وَفِيْهِ عدل.
مَاتَ: فِي شَعْبَان، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ فِي تَرْجَمَة صَاحِب المَوْصِل
عِزّ الدِّيْنِ مَسْعُوْد بن مَوْدُوْد (3): لَمَّا سَارَ
السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ مِنْ مِصْرَ، وَأَخَذَ
دِمَشْق بَعْد مَوْتِ نُوْر الدِّيْنِ، خَاف مِنْهُ صَاحِب
المَوْصِل غَازِي، فَجَهَّزَ أَخَاهُ مسعُوْداً هَذَا
لِيَردَّ صَلاَح الدِّيْنِ عَنِ البِلاَد، فَترحّل صَلاَح
الدِّيْنِ عَنْ حلب فِي رَجَبٍ سَنَة
__________
(*) أخباره في التواريخ المستوعبة لعصره ولا سيما الكامل
لابن الأثير، والتاريخ الباهر له أيضا: 181 - 189.
وقد ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 155 (أحمد
الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 269، وأكثر نقله في هذه
الترجمة من وفيات الأعيان لابن خلكان: 5 / 203 - 209.
وراجع أيضا البداية لابن كثير: 13 / 7، وشذرات ابن العماد:
4 / 297.
(1) انظر التفاصيل في (وفيات الأعيان) لابن خلكان: 5 / 203
- 207.
(2) كان ذلك بعلة الاسهال كما سيأتي.
(3) (الوفيات): 5 / 203 فما بعد، وتصرف بالنص على عادته.
(21/237)
سَبْعِيْنَ، وَأَخَذَ حِمْص، فَانضمّ
الحلبيّون مَعَ مَسْعُوْد، وَعَرَفَ بِذَلِكَ صَلاَح
الدِّيْنِ، فَسَارَ، فَوَافَاهُم عَلَى قرُوْنَ حَمَاة،
فَترَاسلُوا فِي الصُّلح، فَأَبَى مَسْعُوْد، وَظَنّ
أَنَّهُ يهْزم صَلاَح الدِّيْنِ، فَالتَقَوا، فَانكسر
مَسْعُوْد، وَأُسِرَ عِدَّة مِنْ أُمَرَائِهِ فِي
رَمَضَانَ، وَأُطلقُوا، وَعَاد صَلاَح الدِّيْنِ، فَنَزَلَ
عَلَى حلب، فَصَالَحَ ابْن نُوْر الدِّيْنِ عَلَى بذل
المَعَرَّة وَكفرطَاب وَبَارِيْنَ، فَترحّل، ثُمَّ
تَسَلَّطن بِالمَوْصِل مَسْعُوْد، فَلَمَّا احتُضر وَلد
نُوْر الدِّيْنِ، أَوْصَى بِحَلَبَ لمَسْعُوْد ابْن
عَمِّهِ، وَاسْتخلف لَهُ الأَمْرُ، فَبَادر إِلَيْهَا
مَسْعُوْد، فَدَخَلهَا فِي شَعْبَان سَنَةَ 77،
وَتَمَكَّنَ، وَتَزَوَّجَ بِأُمِّ الصَّالِح، وَأَقَامَ
بِهَا نَحْو شَهْرَيْنِ، ثُمَّ خَاف مِنْ صَلاَح
الدِّيْنِ، وَأَلحّ عَلَيْهِ الأُمَرَاء بِطَلب
إِقطَاعَات، فَفَارق حلب، وَاستنَاب عَلَيْهَا مُظَفَّرَ
الدِّيْنِ ابْن صَاحِب إِرْبِل (1) ، ثُمَّ اجْتمع
بِأَخِيْهِ زَنْكِي (2) ، فَقَايضه عَلَى حلب بِسِنْجَار،
وَتحَالفَا، وَقَدِمَ زَنْكِي، فَتملّك حلب فِي المُحَرَّم
سَنَةَ 78، وَردّ صَلاَح الدِّيْنِ إِلَى مِصْرَ،
فَبلغَتْهُ الأُمُوْر، فَكرّ رَاجِعاً، وَبَلَغَهُ أَنّ
مسعُوْداً رَاسل الفِرنْج يَحثّهُم عَلَى حَرْب صَلاَح
الدِّيْنِ، فَغَضِبَ وَسَارَ، فَنَازل حلب فِي جُمَادَى
الأُوْلَى سَنَةَ ثَمَانٍ، ثُمَّ ترحّل بَعْد ثَلاَث،
فَانحَاز إِلَيْهِ مُظَفَّر الدِّيْنِ ابْن صَاحِب
إِرْبِل، وَقوَّى عَزْمه عَلَى قصد مَمَالِك الجَزِيْرَة،
فَعدَّى الفُرَات، وَأَخَذَ الرَّقَّة، وَالرُّهَا،
وَنَصِيْبِيْن، وَسَرُوج، ثُمَّ نَازل المَوْصِل فِي
رَجَبٍ، فَرَآهَا منِيعَة، فَنَزَلَ عَلَى سِنْجَار
أَيَّاماً، وَافْتَتَحَهَا، فَأَعْطَاهَا لِتقِيّ
الدِّيْنِ عُمَر صَاحِب حَمَاة، ثُمَّ نَازل المَوْصِل فِي
سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ، فَنَزَلت إِلَيْهِ أُمّ
مَسْعُوْد فِي نِسْوَة، فَمَا أَجَابهنّ، ثُمَّ نَدِم،
وَبذلت الموَاصِلَةُ نُفُوْسهُم فِي القِتَال ليَالِي،
فَأَتَاهُ مَوْتُ صَاحِب خِلاَط
__________
(1) صاحب إربل آنذاك هو زين الدين، وقد تولى مظفر الدين
إمارة إربل بعد أبيه وكان مشهورا وعرف بمظهر الدين كوكبري.
(2) يعني عماد الدين زنكي.
(21/238)
شَاه أَرمن (1) ، وَتَملُّكُ مَمْلُوْكهِ
بَكتمر، فَلاَن بَكتمر أَنْ يُملِّكَ صَلاَحَ الدِّيْنِ
خِلاَط (2) ، وَيَكُوْن مِنْ دَوْلَته، وَتردَّدت الرسُلُ.
وَأَقْبَلَ بَهْلَوَان صَاحِب أَذْرَبِيْجَان ليَأْخذ
خِلاَط، فَرَاوَغ بِكتمر المَلِكَين، وَنَزَلَ صَلاَحُ
الدِّيْنِ عَلَى مَيَّافَارِقِيْن، فَجدَّ فِي حصَارهَا
إِلَى أَنْ فَتحهَا، وَأَخَذَهَا مِنْ قُطْب الدِّيْنِ
الأُرتقِيِّ، وَكرَّ إِلَى المَوْصِل، فَتمرَّض مُدَّة،
وَرقَّ، وَصَالِح أَهْل المَوْصِل، وَحَلَفَ لَهُم (3) ،
وَتَمَكَّنَ حِيْنَئِذٍ مَسْعُوْد، وَاطمَأَنَّ، إِلَى
أَنْ مَاتَ بَعْدَ صَلاَح الدِّيْنِ بِأَشهر بعلَّة
الإِسهَال، وَدُفِنَ بِمدرسته الكُبْرَى، وَتَملّك
بَعْدَهُ ابْنه نُوْر الدِّيْنِ مُدَّة، ثُمَّ مَاتَ عَنِ
ابْنَيْنِ: القَاهِر مَسْعُوْد، وَالمَنْصُوْر زَنْكِي.
123 - الشِّيْرَازِيُّ أَبُو يَعْقُوْبَ يُوْسُفُ بنُ
أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ،
الرَّحَّال، أَبُو يَعْقُوْبَ (4) يُوْسُفُ
__________
(1) هو ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن سكمان القطبي.
(2) أصل النص عند ابن خلكان: فسير إلى السلطان، وأطمعه في
خلاط، وقرر معه تسليمها إليه، وأن يعوضه عنها ما يرضيه.
(3) كان السلطان - رضي الله عنه - قد مرض مرضا شديدا أشرف
فيه على الموت، قال ابن كثير: (ثم نذر لئن شفاه الله من
مرضه هذا ليصرفن همته كلها إلى قتال الفرنج، ولا يقاتل بعد
ذلك مسلما، وليجعل أكبر همه فتح بيت المقدس، ولو صرف في
سبيل الله جميع ما يملكه من الاموال والذخائر، وليقتلن
البرنس صاحب الكرك بيده لأنه نقض العهد وتنقص الرسول - صلى
الله عليه وسلم) (البداية: 12 / 316) وقد بر بوعده إلى حين
وفاته.
(*) ترجم له المنذري في التكملة، الترجمة: 84، وابن
الدبيثي كما دل عليه المختصر المحتاج إليه: 3 / 231، وابن
النجار كما دل عليه تلخيص ابن الفوطي 4 / الترجمة 653 في
الملقبين بعضد الدين.
وترجم له ابن الفوطي مرة أخرى في الملقبين بمجير الدين من
تلخيصه: 5 / الترجمة 648 ونقل هنا من تاريخ ابن الدبيثي.
وترجم له أيضا الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 25 (باريس
1582)، والتذكرة: 4 / 1356، والاعلام، الورقة 211، وابن
تغري بردي في النجوم: 6 / 111، وابن العماد في الشذرات: 4
/ 284.
(4) في (تكملة) المنذري و(تاريخ) ابن الدبيثي كما دل عليه
(المختصر المحتاج =
(21/239)
بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ
الشِّيْرَازِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ (1)
، صَاحِبُ (الأَرْبَعِيْنَ البَلَدِيَّة).
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
بِبَغْدَادَ.
فَسَمَّعَهُ أَبُوْهُ مِنْ أَبِي القَاسِمِ ابْنِ
السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَيَحْيَى بن عَلِيٍّ الطّراح،
وَأَبِي الحَسَنِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَبِي سَعْدٍ
بنِ البَغْدَادِيّ الحَافِظ.
ثُمَّ طلب بِنَفْسِهِ، فَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ المَلِكِ
الكَرُوْخِيّ، وَابْن نَاصِر، وَبِالكُوْفَةِ مِنْ: أَبِي
الحَسَنِ بنِ غَبْرَة، وَبكرمَان مِنْ: أَبِي الوَقْت
السِّجْزِيّ، وَبِالبَصْرَةِ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ
سَلِيخٌ (2) ، وَبِوَاسِط مِنْ: أَحْمَد بن بختيَار
المَنْدَائِيّ، وَبِهَرَاةَ مِنَ: المُعَمَّر عَبْد
الجَلِيْل بن أَبِي سَعْدٍ، وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ:
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الطُّوْسِيّ، وَبِبَلْخَ مِنْ:
أَبِي شُجَاع البِسْطَامِيّ، وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ:
إِسْمَاعِيْلَ الحَمَّامِيّ، وَبِهَمَذَانَ مِنْ: نَصْر
البَرْمَكِيّ، وَبِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي المَكَارِمِ بن
هِلاَلٍ.
وَكَانَ ذَا رحلَة وَاسِعَةٍ، وَمَعْرِفَة جيدَة، وَصدق،
وَإِتْقَان.
وَثَّقَهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيّ.
وَكَتَبَ عَنْهُ: أَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى.
وَكَانَ حُلْوَ المُحَاضِرَة، ظرِيفاً، دمثَ الأَخلاَق.
__________
= إليه): أبو محمد، ويقال أبو العز، وفي (تلخيص) ابن
الفوطي نقلا عن محب الدين ابن النجار: أبو الفرج لكن ابن
الدبيثي حينما ذكر حديثا بإسناده إليه، قال: حدثنا أبو
يعقوب، فلعله كانت له كل هذه الكنى كما لكثيرين غيره من
أهل هذا العصر (انظر المصادر في الهامش الآتي).
(1) كان شيخا برباط أرجوان والدة الخليفة المقتدي بأمر
الله، بشرقي بغداد.
(2) قيده الذهبي في (المشتبه): 367.
(21/240)
تَوَصَّلَ، وَسَادَ، وَذَهَبَ رَسُوْلاً
عَنْ دِيْوَان العَزِيْز إِلَى المُلُوْكِ، وَكَثُرَ
مَالُهُ، وَرَوَى شَيْئاً يَسيراً.
تُوُفِّيَ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ
وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَدْ أَجَادَ تَأْلِيْف (الأَرْبَعِيْنَ)، وَهِيَ فِي
مُجَلَّدٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ
أَحْمَدَ بِمَكَّةَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ
أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا
ابْن حَبَابَةَ (1) ، حَدَّثَنَا البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا
هُدْبَةُ (2) ، حَدَّثَنَا حَمَّاد، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ
أَنَسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَادَ رَجُلاً قَدْ صَارَ مِثْلَ الفَرخ...، الحَدِيْثَ
(3) .
124 - ابْنُ الفَخَّارِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
خَلَفٍ الأَنْدَلُسِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، البَارِعُ، المُجَوِّدُ،
أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ
__________
(1) قال الذهبي في (المشتبه): (وبمهملة مفتوحة وموحدة
خفيفة..وأبو القاسم عبيد الله بن حبابة صاحب البغوي) (ص:
206).
(2) انظر (مشتبه) الذهبي: 652.
(3) قال شعيب: إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (2688) في الذكر
والدعاء، وأحمد 3 / 107 عن ابن أبي عدي، والترمذي (3487)
عن سهل بن يوسف، كلاهما عن حميد، عن ثابت، عن أنس أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد خفت فصار
مثل الفرخ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل كنت
تدعو بشيء أو تسأله إياه ؟) قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما
كنت معاقبي به في الآخرة، فعجله لي في الدنيا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، لا تطيقه،
أولا تستطيعه، أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي
الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) قال: فدعا الله، فشفاه.
وأخرجه مسلم من طريق عفان، عن حماد، عن ثابت، عن أنس، ومن
طريق سالم بن نوح العطار، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة،
عن أنس.
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 2 / 547، والمنذري في
تكملته، الترجمة: 242، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة
168 (أحمد الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 274، =
(21/241)
إِبْرَاهِيْمَ بنِ خَلَفٍ الأَنْدَلُسِيُّ،
المَالقِيُّ، ابْنُ الفَخَّارِ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ: شُرَيْح بن مُحَمَّدٍ الرُّعَيْنِيّ، وَأَبَا
جَعْفَرٍ البِطْرَوْجِيّ، وَالقَاضِي أَبَا بَكْرٍ ابْن
العَرَبِيّ، وَأَبَا مَرْوَانَ بن مسرَّة، وَمُحَمَّد بن
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ القُرَشِيّ،
وَطَبَقَتهُم.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبَّارُ (1) : كَانَ صدراً
فِي الحُفَّاظ، مقدّماً، مَعْرُوْفاً بِسَرْد المتُوْن
وَالأَسَانِيْد، مَعَ مَعْرِفَة بِالرِّجَال، وَحفظ
لِلْغَرِيْب (2) ، سَمِعَ مِنْهُ جلَّة، وَحَدَّثَنِي (3)
عَنْهُ أَئِمَّة.
سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَان بن حَوْط الله يذكر عَنِ ابْنُ
الفَخَّارِ: أَنَّهُ حَفِظ فِي شبِيْبته (سُنَن أَبِي
دَاوُدَ)، فَأَمَّا فِي مُدَّة لقَائِي (4) إِيَّاهُ،
فَكَانَ يذكر (صَحِيْح مُسْلِم).
وَكَانَ مَوْصُوَفاً بِالوَرَع وَالفَضْل، مُسلَّماً لَهُ
فِي جَلاَلَة القَدْر، وَمتَانَة العدَالَة، طُلب إِلَى
حضَرَة السُّلْطَان بِمَرَّاكش ليُسْمَعَ عَلَيْهِ بِهَا،
فَتُوُفِّيَ هُنَاكَ فِي شَعْبَان، سَنَةَ تِسْعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ: وَمِنْ شُيُوْخِي
ابْن الفَخَّارِ، مُسَلَّم لَهُ فِي جَلاَلَة الْقدر،
وَمتَانَة الأَمَانَة وَالعدَالَة، اخْتصَّ بِابْنِ
العربِي، وَأَكْثَر عَنْهُ، لَقِيْتُهُ برِبَاط الفَتْح،
قَرَأْت عَلَيْهِ وَعَلَى ابْن حُبَيْش، وَابْن عُبَيْدِ
اللهِ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا ابْن العربِي، أَخْبَرَنَا طِرَادٌ...،
فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
__________
= وتذكرة الحفاظ: 4 / 1355، وابن قاضي شهبة في طبقات
النحاة، الورقة: 2، وابن العماد في الشذرات: 4 / 303.
(1) (التكملة): 2 / 547 - 548.
(2) في (تكملة) ابن الابار: وذكر الغريب.
(3) في (التكملة الابارية): وحدث عنه أئمة.
(4) الكلام لأبي سليمان بن حوط الله.
(21/242)
وَفِيْهَا مَاتَ: الشَّاطِبِيّ، وَأَبُو
الخَيْرِ القَزْوِيْنِيّ، وَأَبُو المُظَفَّرِ عَبْد
الخَالِقِ بن فَيْرُوْز الجَوْهَرِيّ، وَوَالِد كَرِيْمَة،
وَمُحَمَّد بن عَبْدِ المَلِكِ بنِ بُوْنُه (1) أَخُو
عَبْدِ الحَقِّ.
وَلَهُ إِجَازَة مِنِ ابْنِ سكَّرَة.
125 - ابْنُ بَوْشٍ يَحْيَى بنُ أَسْعَدَ بنِ يَحْيَى
البَغْدَادِيُّ
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، الرَّحَّالةُ، أَبُو القَاسِمِ
يَحْيَى بنُ أَسْعَدَ بنِ يَحْيَى بنِ مُحَمَّدِ بنِ
بَوْشٍ (2) البَغْدَادِيُّ، الأَزَجِيُّ، الخَبَّازُ.
سَمِعَ بِإِفَادَة خَاله (3) مِنْ: أَبِي طَالِبٍ بن
يُوْسُفَ، وَأَبِي الغَنَائِم مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ،
وَالحَسَن بن مُحَمَّدٍ البَاقَرحِيّ، وَأَبِي سَعْدٍ بنِ
الطُّيُوْرِيّ، وَأَبِي غَالِبٍ عُبَيْد اللهِ بن عَبْدِ
المَلِكِ الشَّهْرُزُوْرِيّ، وَأَبِي البَرَكَات هِبَة
اللهِ ابْن البُخَارِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ أَحْمَد بن
هِبَةِ اللهِ ابْنِ النَّرْسِيِّ، وَأَبِي العِزِّ بن
كَادِشٍ،
__________
(1) قيده الذهبي في (المشتبه): 104 كما قيدناه هنا.
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة 223، وإكمال
الإكمال، الورقة: 61 (ظاهرية)، وابن الدبيثي في تاريخه كما
دل عليه المختصر المحتاج إليه: 3 / 238، وسبط ابن الجوزي
في المرآة: 8 / 455، والمنذري في التكملة، الترجمة: 405،
وأبو شامة في ذيل الروضتين: 12، والنعال البغدادي في
مشيخته: 133، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 74 (باريس
1582)، والعبر: 4 / 283، ودول الإسلام: 2 / 77، والاعلام،
الورقة: 211، وابن ناصر الدين في توضيحه، الورقة: 125
(سوهاج)، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 214، وابن
تغري بردي في النجوم: 6 / 140، وابن العماد في الشذرات: 4
/ 315.
(2) قيده ابن نقطة في (البوشي) من (إكمال الإكمال)، وقال
المنذري في (التكملة):
(بفتح الباء الموحدة وسكون الواو وبعدها شين معجمة).
(3) خاله هو أبو الحسن علي بن أبي سعد الخباز المتوفى سنة
562، ترجم له ابن الجوزي في (المنتظم): 10 / 221، وسبطه في
المرآة: 8 / 271، والعيني في (عقد الجمان): 16 / الورقة:
400 وغيرهم.
(21/243)
وَعَلِيّ بن عَبْدِ الوَاحِدِ
الدِّيْنَوَرِيّ، وَهِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَأَبِي
عُبَيْدِ اللهِ البَارِع، وَعِدَّة.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو القَاسِمِ بنُ بيَان، وَأَبُو
عَلِيٍّ الحَدَّاد، وَأَبُو الغَنَائِمِ النَّرْسِيّ،
وَجَمَاعَة.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيّ: كَانَ سَمَاعه صَحِيْحاً،
وَبوركَ فِي عُمُرِه، وَاحتيجَ إِلَيْهِ، وَحَدَّثَ
أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ علم.
قُلْتُ: مَنْ سَمَاعه (المُسْنَد) كُلّه عَلَى ابْنِ
الحُصَيْنِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ، وَالبَهَاء
عَبْد الرَّحْمَانِ، وَالتَّقِيّ بن بَاسُوَيْه،
وَمُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْزِ الصَّوَّاف، وَمُحَمَّد
بن عَبْدِ القَادِرِ البَنْدَنِيْجِيّ، وَتَمِيْم بن
مَنْصُوْرٍ الرُّصَافِيّ، وَجَعْفَر بن ثنَاء ابْن
القُرطبَان، وَدَاوُد بن شُجَاعٍ، وَعَلِيّ بن فَائِزَة،
وَعَلِيّ بن الأَخْضَر، وَفضل الله الجِيْلِيّ، وَعَلِيّ
بن مَعَالِي الرُّصَافِيّ، وَمُحْيِي الدِّيْنِ ابْن
الجَوْزِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَاليَلْدَانِيّ، وَابْن
المُهَيْر الحَرَّانِيّ، وَعِدَّة.
وَأَجَازَ لِشيخنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ (1) .
وَكَانَ يُعطَى عَلَى الرِّوَايَة لفقرِه فِي بَعْضِ
الوَقْت.
مَاتَ: فِي ثَالِث ذِي القَعْدَةِ فُجَاءةً، غصّ بلُقمَة،
سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ
بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
__________
(1) شدد شيخنا العلامة الدكتور مصطفى جواد - رحمه الله -
الياء (المختصر المحتاج إليه: 3 / 239)، وما أصاب، أو لعله
سبق قلم منه، وهذا هو أحمد بن أبي الخير سلامة الحنبلي شيخ
الذهبي المشهور المتوفى سنة 678 وقد مر التعريف به.
(21/244)
126 - الطَّرَسُوْسِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ
مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، مُسْنِدُ أَصْبَهَانَ، أَبُو
جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
أَبِي الفَتْحِ الطَّرَسُوْسِيُّ، ثُمَّ الأَصْبَهَانِيُّ،
الحَنْبَلِيُّ، الفَقِيْهُ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي
صَفَرِهَا.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ الحَدَّاد، وَمُحَمَّد بن
طَاهِر، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّقَّاق،
وَمَحْمُوْد بن إِسْمَاعِيْلَ الأَشْقَر، وَأَبِي نَهْشَل
عَبْد الصَّمَدِ العَنْبَرِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُوْسَى عَبْد اللهِ بن عَبْدِ
الغَنِيِّ، وَيُوْسُف بن خَلِيْلٍ، وَطَائِفَة.
وَأَجَازَ لأَحْمَدَ بن أَبِي الخَيْرِ.
مَاتَ: فِي السَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى
الآخِرَة، سَنَة خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ
أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى
بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ سَلاَّمٍ، عَنْ
يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ:
كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنُوْدِيَ بِالصَّلاَةِ
جَامِعَة.
__________
(*) ترجم له المنذري في التكملة، الترجمة 484، والذهبي في
تاريخ الإسلام، الورقة: 203 (أحمد الثالث 2917 / 14)،
والاعلام، الورقة: 211، والعبر: 4 / 287، وابن تغري بردي
في النجوم: 6 / 154، وابن العماد في الشذرات: 6 / 320.
(21/245)
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (1) ، عَنِ ابْنِ
رَاهَوَيْه، عَنْ يَحْيَى، بِهِ.
127 - الكَاغَدِيُّ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
عَبْدِ الوَاحِدِ *
القَاضِي، الإِمَامُ، المُعَمَّرُ، الخَطِيْبُ، أَبُو
الفَضَائِل عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
الوَاحِدِ بنِ أَحْمَدَ الأَصْبَهَانِيُّ، الكَاغَدِيُّ،
المُعَدَّلُ.
وُلِدَ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْس مائَة.
سَمِعَ: أَبَا عَلِيٍّ الحَدَّاد، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ
الوَاحِدِ الدَّقَّاق، وَإِسْمَاعِيْل الإِخشيذ،
وَفَاطِمَة الجُوْزْدَانِيَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: يُوْسُف بن خَلِيْل، وَهُوَ أَحَد
العَشْرَة الَّذِيْنَ أَدْركهُم مِنْ أَصْحَابِ الحَدَّاد.
أَجَازَ لِشيخنَا أَحْمَدَ بنِ سَلاَمَةَ.
وَتُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَتِسْعِيْنَ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو طَاهِرٍ عَلِيّ بن سَعِيْدِ بنِ
فَاذشَاه بِأَصْبَهَانَ، وَهُوَ أَحَد العَشْرَة (2) .
128 - ابْنُ البَاقِلاَّنِيِّ عَبْدُ اللهِ بنُ مَنْصُوْرِ
بنِ عِمْرَانَ الرَّبَعِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُقْرِئُ، البَارِعُ، مُسْنِدُ
القُرَّاءِ، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ
__________
(1) 2 / 442 في الكسوف: باب النداء بالصلاة جامعة في
الكسوف.
(*) ترجم له المنذري في التكملة، الترجمة: 451، والذهبي في
تاريخ الإسلام الورقة: 74 (باريس 1582)، والعبر: 4 / 284،
والاعلام، الورقة: 211، وابن العماد في الشذرات: 4 / 317.
(2) يعني من أصحاب الحداد الذين أدركهم الحافظ ابن خليل.
(* *) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 130، وابن
الأثير في الكامل: 12 / 54، وابن =
(21/246)
مَنْصُوْرِ بنِ عِمْرَانَ بنِ رَبِيْعَةَ
الرَّبَعِيُّ، الوَاسِطِيُّ، ابْنُ البَاقِلاَّنِيِّ.
وُلِدَ: فِي أَوَّلِ سَنَة خَمْس مائَة.
وَتَلاَ بِالعَشْر عَلَى: أَبِي العِزِّ القَلاَنسِيّ،
وَعَلِيّ بن عَلِيِّ بنِ شيرَان، وَسِبْط الخَيَّاط.
وَسَمِعَ مِنْ: خَمِيْسٍ الحَوْزِيّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ
البَارِع، وَهِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَأَبِي العِزِّ
بن كَادِشٍ، وَأَبِي عَلِيٍّ الفَارِقِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ
المَزْرَفِيّ، وَأَبِي الكَرَمِ نَصْر اللهِ بن الجَلَخْت،
وَجَمَاعَة.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ (1) ، وَابْن عَسَاكِرَ (2)
أَنَاشيدَ، وَكَانَ شَاعِراً، مُحسناً.
وَحَدَّثَ عَنْهُ، وَتَلاَ عَلَيْهِ بِالعشر: التَّقِيُّ
ابْنُ بَاسُوَيْه، وَالمُرَجَّى بن شقيرَة، وَأَبُو عَبْدِ
اللهِ بن الدُّبَيْثِيّ، وَالحُسَيْن بن أَبِي الحَسَنِ
بنِ ثَابِتٍ الطِّيْبِيّ، وَالإِمَامُ أَبُو الفَرَجِ
ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَوَلَده؛ مُحْيِي الدِّيْنِ يُوْسُف،
وَالشَّرِيْف الدَّاعِي، وَقُصِدَ مِنَ الآفَاق لِعُلُوِّ
الإِسْنَادِ.
__________
= الدبيثي في تاريخه، الورقة: 109 (باريس 5922)، والسبط في
المرآة: 8 / 453، والمنذري في التكملة، الترجمة: 381، وأبو
شامة في الذيل: 12، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 70
(باريس 1582)، والعبر: 4 / 281، والاعلام، الورقة: 211،
والمختصر المحتاج إليه: 2 / 172، ودول الإسلام: 2 / 77،
ومعرفة القراء، الورقة: 176، والغساني في العسجد، الورقة:
101، وابن الجزري في غاية النهاية: 1 / 460، والعيني في
عقد الجمان: 17 / الورقة: 214، وابن تغري بردي في النجوم:
6 / 146، وابن العماد في
الشذرات: 4 / 314.
(1) ومات قبله بأكثر من ثلاثين سنة.
(2) ومات قبله باثنتين وعشرين سنة.
(21/247)
قَالَ الدُّبَيْثِيّ (1) : انْفَرد
بِالعَشْرَةِ عَنْ أَبِي العِزِّ، وَادَّعَى رِوَايَة
شَيْء مِنَ الشّواذِّ، فَتكلّم النَّاس فِيْهِ، وَوقفُوا
فِي ذَلِكَ، وَكَانَ عَارِفاً بوُجُوه القِرَاءات.
وَسَمِعْتُ عَبْدَ المُحسِن بن أَبِي العَمِيد الصُّوْفِيّ
يَقُوْلُ: رَأَيْتُ فِي المَنَامِ بَعْدَ وَفَاة ابْنِ
البَاقِلاَّنِيّ كَأَنَّ مَنْ يَقُوْلُ لِي: صَلَّى
عَلَيْهِ سَبْعُوْنَ وَليّاً للهِ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَة (2) : حَدَّثَ (بسُنَن أَبِي
دَاوُدَ) عَنِ الفَارِقِيّ، وَسَمَاعه مِنْهُ سَنَة
ثَمَانِي عَشْرَةَ.
وَقَالَ المُحَدِّثُ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ
الوَاسِطِيّ: قرَأَ ابْنُ البَاقِلاَّنِيّ عَلَى أَبِي
العِزِّ بِـ (الإِرشَاد (3)) وَمَا سِوَى ذَلِكَ،
فَإِنَّهُ كَانَ يَزوره.
تُوُفِّيَ ابْنُ البَاقِلاَّنِيّ: فِي سَلْخِ رَبِيْع
الآخر، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
129 - النَّوْقَانِيُّ أَبُو المَفَاخِرِ مُحَمَّدُ بنُ
أَبِي عَلِيٍّ بنِ أَبِي نَصْرٍ *
العَلاَّمَةُ، المُفْتِي، أَبُو المَفَاخِرِ مُحَمَّدُ بنُ
أَبِي عَلِيٍّ بنِ أَبِي نَصْرٍ
__________
(1) (الذيل)، وهو تاريخه، الورقة: 109 (باريس 5922).
(2) (التقييد)، الورقة: 131 من نسخة الأزهر.
(3) يعني كتاب (الارشاد) للخليلي.
(*) ترجم له ابن الأثير في الكامل: 12 / 52، وابن الدبيثي
في تاريخه، الورقة: 180 (باريس 5921)، والمنذري في
التكملة، الترجمة: 309، وأبو شامة في الذيل: 10، وابن
الصابوني في تكملة إكمال الإكمال: 351، وابن الفوطي في
الملقبين بفخر الدين من تلخيصه: 4 / الترجمة: 2389 ونقل
ترجمته من تاريخ القاضي تاج الدين يحيى بن القاسم
التكريتي، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 68 (باريس
1582)، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 165، والصفدي في
الوافي: 4 / 171، والسبكي في طبقاته: 7 / 29، والاسنوي في
طبقاته: 2 / 499، وابن كثير في البداية: 13 / 13، وابن
الملقن في العقد، الورقة: 164، وابن ناصر الدين في
التوضيح، الورقة 79 (سوهاج).
(21/248)
النَّوْقَانِيُّ (1) ، الشَّافِعِيُّ.
تَفقّه: بِمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، وَبَرَعَ فِي المَذْهَب
وَالخلاَف، ثُمَّ سَكَنَ بَغْدَاد، وَأَخَذُوا عَنْهُ
طرِيقتَه، ثُمَّ درّس بِمَدْرَسَة أُمّ خَلِيْفَة
النَّاصِر، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ تَامَّة بِالتَّفْسِيْر.
تخرّج بِهِ أَئِمَّة، وَكَانَ ذَا صلاَح، وَصيَانَة،
وَمُلاَزمَة لِلْعِلْمِ، مَعَ سخَاء، وَمُروءة، وَبَذْلٍ،
وَقنَاعَة.
حَدَّثَ (بِالأَرْبَعِيْنَ) الَّتِي لابْنِ يَحْيَى،
وَكَانَ شَيْخاً مَهِيْباً.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَانِ بن عُمَرَ الغَزَّال،
وَغَيْرهُ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ الفَقِيْه نَصْر بن
عَبْدِ الرَّزَّاقِ غَيْرَ مَرَّةٍ يُثنِي عَلَى
النَّوْقَانِيّ ثنَاء كَثِيْراً، وَيَصفُ خلقَه وَبذله
لِتَلاَمِذته، وَغزَارَة عِلْمه، وَسعَة فَهمه.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَسَمِعْتُ الفَقِيْه مُحَمَّد
بن أَبِي بَكْرٍ بنِ الدَّبَّاس يُثنِي عَلَى
النَّوْقَانِيّ، وَيَقُوْلُ: كَانَ وَليّاً للهِ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ
بِنوقَان.
وَتُوُفِّيَ: قَافلاً مِنْ حجّه بِالكُوْفَةِ، فِي صَفَرٍ،
سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) وجدنا النون الأولى من النوقاني مفتوحة في أصل النسخة،
وكأن الذهبي أخذ برأي الذين فتحوها ومنهم أبو سعد السمعاني
في (الأنساب).
وقيدها ياقوت بالضم في (معجم البلدان) وتابعه ابن عبد الحق
في (مراصد الاطلاع)، وقال الزكي المنذري في ترجمة أبي
المفاخر هذا من (التكملة): ونوقان التي نسب إليها هي إحدى
مدينتي طوس، وهي بضم النون وسكون الواو وفتح القاف وبعد
الالف نون) ثم قال: وقد حكي فتح النون الأولى.
(21/249)
130 - ذَاكِرُ بنُ كَامِلِ بنِ أَبِي
غَالِبٍ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، المُسْنِدُ، أَبُو القَاسِمِ
البَغْدَادِيُّ، الخَفَّافُ.
سَمِعَهُ أَخُوْهُ المُبَارَك الحَافِظ مِنَ: الحَسَنِ
مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ البَاقَرحِيّ، وَأَبِي عَلِيٍّ
ابْنِ المَهْدِيِّ، وَالمُعَمَّر بن مُحَمَّدٍ البيِّع،
وَأَبِي سَعْدٍ ابْن الطُّيُوْرِيّ، وَعَبْد اللهِ ابْن
السَّمَرْقَنْدِيّ، وَأَبِي طَالِبٍ بن يُوْسُفَ، وَأَبِي
العِزِّ القَلاَنسِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ البَاقِي
الدُّوْرِيّ، وَعِدَّة.
وَأَجَازَ لَهُ أَبُو القَاسِمِ بنُ بيَان، وَعَبْد
الغَفَّارِ الشّيروبِيّ، وَأَبُو الغَنَائِمِ
النَّرْسِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَدَّاد، وَأَبُو طَاهِرٍ
الحِنَّائِيّ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ
بنُ إِبْرَاهِيْمَ النَّسِيْب، وَعِدَّة.
وَرَوَى الكَثِيْر، وَتَفَرَّد، وَكَانَ صَالِحاً خَيّراً،
قَلِيْل الكَلاَم، ذَاكراً الله، يَسرد الصَّوْم،
وَيَتقوّت مِنْ عَمَله، وَكَانَ أُمِّيّاً لاَ يَكتب.
حَدَّثَ عَنْهُ: سَالِم بن صَصْرَى، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ
الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ
الجَلِيْلِ، وَعَلِيّ بن مَعَالِي الرُّصَافِيّ، وَعِدَّة.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ: مَعْمَر بن الفَاخِرِ، وَأَبُو
سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، لِمَكَان اسْمه.
__________
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 95، وابن
الدبيثي في تاريخه، الورقة: 49 (باريس 5922)، والمنذري في
التكملة، الترجمة: 278، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة:
60 (باريس 1582)، والمختصر المحتاج إليه: 2 / 66، والعبر:
4 / 276، والاعلام، الورقة: 211، والصفدي في الوافي: 8 /
الورقة 56، وابن العماد في الشذرات: 4 / 306.
(21/250)
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ:
مُسْندُ بَغْدَادَ مُحَمَّد بن الدِّيْنَةِ.
تُوُفِّيَ: فِي سَادس رَجَب، سَنَة إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي
مَنْصُوْرٍ بن الزِّبْرِقَانِ الأَصْبَهَانِيّ فِي عَشْرِ
المائَة، وَشَيْخ القُرَّاء شُجَاع بن مُحَمَّدِ بنِ
سيّدهُم المُدْلِجِيُّ بِمِصْرَ، وَمُقْرِئ بَغْدَاد أَبُو
جَعْفَرٍ عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ
الوَاسِطِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عُبَيْد اللهِ الحَجْرِيّ،
وَأَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الأَصفهبذ
بِأَصْبَهَانَ، وَأَبُو الحَسَنِ نَجبَة (1) بن يَحْيَى
الرُّعَيْنِيّ المُقْرِئُ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ يَحْيَى بن
عَلِيِّ بنِ الخَرَّاز (2) الحَرِيْمِيّ مِنْ شُيُوْخ ابْن
خَلِيْل، سَمِعَ أَبَا عَلِيٍّ ابْنَ المَهْدِيّ.
131 - الحَجْرِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُعَمَّرُ،
المُقْرِئُ، المُجَوِّدُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ،
الحُجَّةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
عُبَيْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ ذِي
النُّوْنِ الرُّعَيْنِيُّ، الحَجْرِيُّ (3) ،
الأَنْدَلُسِيُّ، المَرِيِّيُّ، المَالِكِيُّ، الزَّاهِدُ،
نَزِيْلُ سَبْتَة.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) قيده ابن الصابوني في (تكملة إكمال الإكمال): 337،
وابن ناصر الدين في (توضيحه) الورقة 142 من النسخة
السوهاجية.
(2) ترجمه المنذري في (التكملة)، الترجمة: 299 وقيد
(الخراز) بالحروف فقال: بفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء
المهملة وفتحها وبعد الالف زاي.
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 2 / 865، والمنذري في
التكملة، الترجمة: 261، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة:
173 (أحمد الثالث 2917 / 14)، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1370،
والعبر: 4 / 277، وابن العماد في الشذرات: 4 / 307.
(3) بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم، نسبة إلى حجر بن ذي
رعين.
(21/251)
وَسَمِعَ (صَحِيْح مُسْلِم) مِنْ: أَبِي
عَبْدِ اللهِ بنِ زُغَبْيَة.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ وَرد، وَأَبِي
الحَسَنِ بنِ مَوْهَب، وَلقِي (1) أَبَا الحَسَنِ بنَ
مُغِيْث -لقِيه بقُرْطُبَة- وَأَبَا القَاسِمِ بن بَقِيٍّ،
وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنِ مَكِّيّ، وَأَبَا جَعْفَرٍ
البِطْرَوْجِيّ -سَمِعَ مِنْهُ (سُنَن النَّسَائِيّ)
عَالِياً- وَأَبَا بَكْرٍ ابْن العَرَبِيّ، وَأَبَا
الحَسَنِ شُرَيحاً، وَتَلاَ عَلَيْهِ بِالسَّبْعِ، وَقرَأَ
عَلَيْهِ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَثَلاَثِيْنَ، وَعُنِي بِالحَدِيْثِ، وَتَقدَّم فِيْهِ.
قَالَ الأَبَّار (2) : كَانَ غَايَة فِي الوَرَع
وَالصَّلاَح وَالعدَالَة، وَلِي خطَابَة المَرِيَّة،
وَدعِي إِلَى القَضَاء، فَأَبَى، وَلَمَّا تغلّب العَدُوّ،
نَزح إِلَى مُرْسِيَة، وَضَاقت حَاله، فَتحوّل إِلَى فَاس،
ثُمَّ إِلَى سَبْتَة، فَتصدّر بِهَا، وَبَعُد صِيْتُهُ،
وَرَحَلَ إِلَيْهِ النَّاس، وَطُلِب إِلَى السُّلْطَانِ
بِمَرَّاكش ليَأْخذ عَنْهُ، فَبقِي بِهَا مُدَّة، وَرجع،
حَدَّثَنَا عَنْهُ عَالِم مِنَ الجُلَّة (3) ، سَمِعْتُ
أَبَا الرَّبِيْع بن سَالِمٍ يَقُوْلُ:
صَادف وَقت وَفَاته قَحط، فَلَمَّا وُضِعت جِنَازَته،
تَوسّلُوا بِهِ إِلَى اللهِ، فَسُقُوا، وَمَا اخْتلف
النَّاسُ إِلَى قَبْره مُدَّة الأُسْبُوْع إِلاَّ فِي
الْوَحل.
قَالَ: وَهُوَ رَأْس الصَّالِحِيْنَ، وَرسيسُ الأَثْبَاتِ
الصَّادقين، حَالَفَ عُمُره الوَرَع، وَسَمِعَ مِنَ
العِلْمِ الكَثِيْر، وَأَسَمِع (4) ، وَكَانَ ابْن حُبَيشٍ
شَيْخنَا كَثِيْراً مَا يَقُوْلُ: لَمْ تُخرِج المَرِيَّة
أَفْضَل مِنْهُ، وَكَانَ (5) زَمَاناً يُخْبِر أَنَّهُ
يَموت فِي
__________
(1) إضافة يقتضيها السياق، وهي في (تاريخ الإسلام).
(2) (التكملة): 2 / 869 - 871 وقد اختصر الذهبي النص
وانتقى منه بأسلوبه.
(3) في (التكملة الابارية): (حدث عنه عالم من الجلة
الاعلام بالاندلس والعدوة، فيهم عدة من شيوخنا وغيرهم).
(4) من قوله: (وقال) إلى هذا الموضع لم أجده في المطبوع من
(التكملة) الابارية، فكأنه ساقط منها
(5) نقل ابن الابار خبر الرؤية عن شيخه أبي الربيع بن
سالم.
(21/252)
المُحَرَّم لرُؤْيَا رَآهَا، فَكَانَ كُلّ
سَنَة يَتَهَيَّأَ، قَرَأْت (1) عَلَيْهِ (صَحِيْح
مُسْلِم) فِي سِتَّة أَيَّام وَكتباً، ثُمَّ سمَّاهَا.
قُلْتُ: تَلاَ بِالسَّبْع أَيْضاً عَلَى: يَحْيَى بنِ
الخَلُوْف، وَأَبِي جَعْفَرٍ بن البَاذش.
تَلاَ عَلَيْهِ: أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ
الشَّارِّيّ، وَأَكْثَر عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ فَرْتُوْنَ: ظَهَرَتْ لأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ
عُبَيْدِ اللهِ كَرَامَات، حَدَّثَنَا شَيْخنَا الرَّاويَة
مُحَمَّد بن الحَسَنِ بنِ غَاز، عَنْ بِنْت عَمّه
-وَكَانَتْ صَالِحَة، وَكَانَتِ اسْتُحِيضَت مُدَّة-
قَالَتْ:
حُدِّثْتُ بِمَوْتِ ابْن عُبَيْدِ اللهِ، فَشقّ عليّ أَنْ
لاَ أَشْهَده، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ وَلياً
مِنْ أَوليَائِك، فَأَمسِك عَنِّي الدَّم حَتَّى أُصَلِّي
عَلَيْهِ، فَانقطع عَنِّي لوقتِهِ، ثُمَّ لَمْ أَره بَعْد
(2) .
قُلْتُ: وَحَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ غَازِي المَذْكُوْر،
وَأَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عيشُوْنَ،
وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ اليَتيم الأَنْدَرَشِيّ،
وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ اليَحْصَبيّ، وَمُحَمَّد بن
عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّفَّار (3) القُرْطُبِيّ، وَشَرَف
الدِّيْنِ مُحَمَّد بن عُبَيْدِ اللهِ المُرْسِيّ، وَأَبُو
الخَطَّابِ بن دِحْيَة، وَأَخُوْهُ؛ أَبُو عَمْرٍو،
وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحْرِز
الزُّهْرِيّ، وَعَبْد الرَّحْمَانِ بن القَاسِمِ
السَّرَّاج، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بن الفَخَّارِ
الشَّرِيْشِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ فَطرَال،
وَأَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُف بن مُحَمَّدٍ الأَزْدِيّ،
وَإِبْرَاهِيْم بن عَامِرٍ
__________
(1) خبر قراءة ابن الابار لصحيح مسلم على المترجم في ستة
أيام وغيره من الكتب الأخرى لا وجود له في المطبوع من
(التكملة)، فالترجمة في المطبوع من (التكملة) ناقصة بلا
ريب، فليعلم ذلك.
(2) أورد ابن الابار هذه الحكاية في (التكملة) عن صاحبه
ابن فرتون عن ابن غازي: 2 / 871.
(3) في الأصل: (بن أبي الصفار) والتصحيح من (تاريخ
الإسلام).
(21/253)
الطُّوْسِيّ (1) -بِفَتح الطَّاء-
وَمُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ بن الجِرْجِ (2) ، وَمُحَمَّد
بن عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيّ الَّذِي بَقِيَ إِلَى سَنَةِ
سِتِّيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
أَخْبَرَنِي عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ الحَافِظُ (3) ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الأَنْصَارِيّ،
أَخْبَرَنَا الحَافِظُ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ
الحَجْرِيّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
بَقِيٍّ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ الرَّحْمَانِ
البِطْرَوْجِيّ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ الفَقِيْه، حَدَّثَنَا
يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو
عِيْسَى يَحْيَى بن عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَمّ أَبِي
عُبَيْدِ اللهِ بن يَحْيَى بنِ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا
أَبِي، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْن
عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (إِنَّ الَّذِي تَفُوْتُهُ صَلاَةُ العَصْرِ
كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلهُ وَمَالهُ (4)).
مَاتَ ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ: فِي المُحَرَّم -وَقِيْلَ:
فِي أَوَّلِ صفر- سَنَة إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ، وَكَانَتْ جِنَازَته مَشْهُوْدَة بِسبتَة.
وَقِيْلَ: بَلْ وُلِدَ (5) فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
__________
(1) انظر (مشتبه) الذهبي: 421.
(2) قال الذهبي في (المشتبه): (الجرج: محمد بن إبراهيم بن
الجرج، حدثنا عنه المعين بن أبي العباس بالثغر) (ص: 146)،
وقيده ابن ناصر الدين بالحروف في (توضيحه) 1 / الورقة: 125
من نسخة الظاهرية.
(3) يعني الدمياطي شيخ الذهبي، المتوفى سنة 705.
(4) قال شعيب: هو في (الموطأ) 1 / 11، 12 في وقوت الصلاة:
باب جامع الوقوت، ومن طريق مالك أخرجه البخاري 2 / 24 في
المواقيت: باب إثم من فاتته العصر، ومسلم (626) في
المساجد: باب التغليظ في تفويت صلاه العصر.
وقوله (وتر أهله وماله) هو بنصب (أهله) عند الجمهور على
أنه مفعول ثان لوتر، وأضمر في (وتر) نائب الفاعل العائد
على (الذي فاتته) فالمعنى: أصيب بأهله وماله، وهو متعد إلى
مفعولين.
وقيل: (وتر) هنا بمعنى (نقص)، فعلى هذا يجوز نصب (أهله)
ورفعه، لان من رد النقص إلى الرجل نصب، وأضمر ما يقوم مقام
الفاعل، ومن رده إلى الأهل، رفع.
(5) كان على المؤلف أن يذكر ذلك بعد ذكر مولده الأول في
صدر الترجمة، أما إيراده هذه =
(21/254)
قَالَ طَلْحَةُ بنُ مُحَمَّدٍ: ثَلاَثَةٌ
مِنْ أَعْلاَم المَغْرِب فِي هَذَا الشَّأْن: ابْن
بَشْكُوَال، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خَيْر، وَابْن عُبَيْدِ
اللهِ.
وَقَالَ ابْنُ سَالِمٍ: إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُوْن، فَحِي
هلاَ بِابْن عُبَيْدِ اللهِ.
وَقَالَ ابْنُ رشيد: كَانَ يجمعُ إِلَى الزُّهْد وَالحِفْظ
المشَاركَة فِي أَنْوَاع مِنَ العِلْمِ -رَحِمَهُ الله-.
وَقَالَ ابْنُ رشيد: وَقِيْلَ: مَكَثَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً
لاَ يَحضُر الجُمُعَة لعذرٍ بِهِ، ثُمَّ أَنْكَر ابْن رشيد
هَذَا، وَقَالَ: لَمْ يَنقطع هَذِهِ المُدَّة كُلّهَا عَنِ
الجُمُعَة.
قُلْتُ: كَأَنَّهُ انْقَطَع بَعْض ذَلِكَ لِكبره وَسنّه،
وَكَانَ أَهْلُ سَبْتَة يَتغَالَوْنَ فِيْهِ،
وَيَتبرّكُوْن برُؤْيته -رَحِمَهُ الله-.
132 - المُجِيْرُ مَحْمُوْدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ عَلِيٍّ
الوَاسِطِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الأُصُوْلِيُّ،
كَبِيْرُ الشَّافِعِيَّة، مُجِيْرُ (1) الدِّيْنِ، أَبُو
القَاسِمِ مَحْمُوْدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ عَلِيِّ بنِ
المُبَارَكِ الوَاسِطِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
__________
= الرواية هنا وبالصيغة التي ذكرها (وقيل بل ولد) فإنه
يثير اللبس. أما صاحب هذه الرواية، فهو ابن فرتون كما جاء
في (التكملة) الابارية: 2 / 870.
(*) ذكره ابن الأثير في وفيات سنة 592 من الكامل، وترجم له
ابن الدبيثي في تاريخه بدلالة المختصر المحتاج إليه: 3 /
184، والمنذري في التكملة، الترجمة 363، وأبو شامة في ذيل
الروضتين: 10، وابن الفوطي في الملقبين بمجير الدين من
تلخيصه: 5 / الترجمة: 643 من الميم، والذهبي في تاريخ
الإسلام، الورقة 184 (أحمد الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 /
280، والاعلام، الورقة: 211، والسبكي في الطبقات: 7 / 287،
وابن الملقن في العقد المذهب، الورقة: 73، والغساني في
العسجد، الورقة 101، وابن عبد الهادي في معجم الشافعية،
الورقة: 79، وابن قاضي شهبة في طبقات الشافعية، الورقة: 55
(باريس 2102)، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 140، وابن
العماد في الشذرات: 4 / 311.
(1) قال الزكي المنذري في (التكملة): والمجير بضم الميم
وكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبعدها راء مهملة.
(21/255)
تَفَقَّهَ عَلَى: أَبِي مَنْصُوْرٍ
الرَّزَّاز (1) ، وَغَيْرهِ.
وَأَخَذَ الكَلاَم عَنْ: أَبِي الفُتُوْح مُحَمَّد بن
الفَضْلِ الإِسْفَرَايِيْنِيّ، وَعَبْد السَّيِّد
الزَّيْتُوْنِيّ، وَبَرَعَ، وَتَقدّم، وَفَاق الأَقرَان،
وَكَانَ يُضْرَبُ بذكَائِهِ المَثَل.
وُلِدَ: سَنَةَ 517.
وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ الحُصَيْن، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ،
وَجَمَاعَة.
وَقَدِمَ دِمَشْق، فَدرّس، وَنَاظر، وَتَخَرَّجَ بِهِ
الأَصْحَاب، ثُمَّ سَارَ إِلَى شيرَاز، فَدرّس بِهَا،
وَبعَسْكَر مُكْرَمٍ، وَوَاسط، ثُمَّ دَرَّسَ
بِالنّظَامِيَّةِ بِبَغْدَادَ، وَخلعَ عَلَيْهِ بِطرحَة،
ثُمَّ بُعِثَ رَسُوْلاً إِلَى هَمَذَان، فَأَدْرَكه
الأَجْل.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ (2) : بَرَعَ فِي الفِقْه
حَتَّى صَارَ أَوحد زَمَانه، وَتَفَرَّد بِمَعْرِفَة
الأُصُوْل، قَرَأْت عَلَيْهِ (3) ، وَمَا رَأَيْتُ أَجْمَع
لفنُوْن العِلْم مِنْهُ، مَعَ حسن العبَارَة، نُفذ
رَسُوْلاً إِلَى خُوَارِزْمشَاه، فَمَاتَ فِي طرِيقه
بِهَمَذَانَ، فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة اثْنَتَيْنِ
وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَابْن
خَلِيْل، وَرَوَى ابْنُ النَّجَّارِ، عَنِ ابْنِ خَلِيْل،
عَنْهُ.
وَقَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ: كَانَ طُوَالاً،
ذَكِيّاً، دَقِيق الْفَهم، غوَّاصاً عَلَى المَعَانِي،
يَشتغل سرّاً بِالمنطق وَفنُوْنِ الحِكْمَة عَلَى أَبِي
البَرَكَات صَاحِب (الْمُعْتَبر)، وَكَانَ بَيْنَ
المُجِيْر وَبَيْنَ ابْن فَضْلاَنَ مُنَاظَرَة
كَمُحَارَبَة، وَكَانَ المُجِيْر يَقطعُهُ كَثِيْراً.
وَلَهُ بُنِيت بِدِمَشْقَ الجَارُوْخِيَّة (4) .
__________
(1) تفقه على الرزاز بالمدرسة النظامية ببغداد.
(2) انظر (المختصر المحتاج إليه): 3 / 184.
(3) قرأ عليه ابن الدبيثي الأصول وعلم الكلام.
(4) يعني المدرسة الجاروخية.
(21/256)
133 - ابْنُ فَضْلاَنَ يَحْيَى بنُ عَلِيِّ
بنِ الفَضْلِ البَغْدَادِيُّ *
شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، أَبُو القَاسِمِ يَحْيَى
الوَاثِقُ (1) بنُ عَلِيِّ بنِ الفَضْلِ بنِ هِبَة اللهِ
بنِ بَرَكَةَ البَغْدَادِيُّ.
قَالَ لَهُ ابْن هُبَيْرَةَ: لاَ يَحسُنُ أَنْ تَكتب بخطّك
إِلَى الخَلِيْفَة: الوَاثق، لأَنَّه لقَب خَلِيْفَة.
قَالَ: فَكَتَبتُ يَحْيَى.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ (2) .
سَمِعَ: أَبَا غَالِب ابْن البَنَّاءِ، وَإِسْمَاعِيْل بن
السَّمَرْقَنْدِيّ، وَمِنْ أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ خَلِيْل فِي (مُعْجَمِهِ)، فَسَمَّاهُ
وَاثقاً، وَابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَجَمَاعَة.
__________
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 224، وابن
الأثير في الكامل: 12 / 65، والمنذري في التكملة، الترجمة:
491، وأبو شامة في ذيل الروضتين: 15، وابن الساعي في
الجامع المختصر: 9 / 11، والذهبي في تاريخ الإسلام،
الورقة: 84 (باريس 1582)، والمختصر المحتاج إليه: 3 / 246،
والعبر: 4 / 289، واليافعي في مرآة الجنان: 3 / 479،
والسبكي في الطبقات: 7 / 322، وابن كثير في البداية: 13 /
21، وابن الملقن في العقد المذهب، الورقة: 74، والغساني في
العسجد، الورقة: 103، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة:
239، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 153، وابن عبد الهادي
في معجم الشافعية، الورقة: 100، وابن العماد في الشذرات: 4
/ 321، وهو والد الفقيه الكبير قاضي القضاة محمد مدرس
المستنصرية المتوفى سنة 631.
(1) لأنه كان يسمى (الواثق) كما سيأتي وليس هذا من ألقابه،
فهو يلقب: جمال الدين، وقد ذكره السبكي باسم (واثق) وقال:
وأورده ابن باطيش والحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي
في (معجمه) كما أوردناه.
(2) قال المنذري في (التكملة): (ومولده في أواخر سنة خمس
عشرة أو أوائل محرم سنة ست عشرة وخمس مئة.
وقيل: كان مولده في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وخمس مئة
(الترجمة: 491).
(21/257)
وَكَانَ بارعاً فِي الخلاَف وَالنَّظَر،
بَصِيْراً بِالقوَاعد، ذَكِيّاً، يَقظاً، لبِيْباً، عذب
العبَارَة، وَجيهاً، مُعظَّماً، كَثِيْر التَلاَمِذَة،
ارْتَحَلَ إِلَى ابْن يَحْيَى (1) صَاحِب الغَزَّالِيّ
مرَّتين، وَوَقَعَ فِي السَّفَرِ، فَانْكَسَرَ ذِرَاعه،
وَصَارَت كَفَخِذِهِ، ثُمَّ أَدّته الضَّرُوْرَة إِلَى
قطعهَا مِنَ الْمرْفق، وَعَمِلَ محضراً بِأَنَّهَا لَمْ
تُقطع فِي رِيْبَة.
فَلَمَّا نَاظر المُجِيْر مرَّة، وَكَانَ كَثِيْراً مَا
يَنقطع فِي يَد المُجِيْر، فَقَالَ: يُسَافر أَحَدُهُم فِي
قطع الطَّرِيْق، وَيدّعِي أَنَّهُ كَانَ يَشتغل،
فَأَخْرَجَ ابْن فَضلاَن الْمحْضر، وَأَخَذَ يُشنّع عَلَى
المُجِيْر بِالفَلْسَفَة.
وَكَانَ ابْنُ فَضلاَن ظرِيف المُنَاظَرَة، ذَا نغمَاتٍ
موزونَة، يَشير بِيَدِهِ بِوَزْن مَطَرب أَنِيق، يَقِفُ
عَلَى أَوَاخِر الْكَلم خوَفاً مِنَ اللّحن.
قَالَهُ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ، ثُمَّ قَالَ:
وَكَانَ يُدَاعبنِي كَثِيْراً، ثُمَّ رُمِيَ بِالفَالِج
فِي أَوَاخِرِ عُمُره -رَحِمَهُ الله-.
قُلْتُ: وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى أَبِي مَنْصُوْرٍ
الرَّزَّاز، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّة، وَسَمِعَ
بِخُرَاسَانَ مِنْ: أَبِي الأَسْعَد القُشَيْرِيّ، وَعُمَر
بن أَحْمَدَ ابْنِ الصَّفَّار.
درّس بِمَدْرَسَة دَار الذّهب، وَقَدْ تَلاَ
بِالرِّوَايَات عَلَى مُحَمَّدِ ابْنِ العَالِمَة، وَكَانَ
عَلَى دُرُوسِهِ إِخبَات وَجَلاَلَة.
مَاتَ: فِي شَعْبَان، سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
134 - ابْنُ كُلَيْبٍ عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ
الوَهَّابِ الحَرَّانِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الأَمِيْنُ، مُسْنِدُ العَصْرِ،
أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ
__________
(1) يعني محمد بن يحيى النيسابوري صاحب (المحيط) الذي
عرفنا به سابقا.
(*) ترجم له ابن الأثير في الكامل: 12 / 67، وابن نقطة في
التقييد، الورقة: 162، وابن =
(21/258)
عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ سَعْدِ بنِ صَدَقَةَ
بنِ خَضِرِ بنِ كُلَيْبٍ الحَرَّانِيُّ، ثُمَّ
البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، التَّاجِرُ، الآجُرِّيُّ؛
لسكنَاهُ فِي درب الْآجر.
وُلِدَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ خَمْس مائَة.
وَسَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بن بَيَانٍ، وَأَبَا عَلِيٍّ
بنَ نَبْهَانَ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ بَدْرَان، وَأَبَا
عُثْمَانَ بن مَلَّة، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ مُحَمَّد بن
أَحْمَدَ بنِ طَاهِر الخَازن، وَأَبَا الخَطَّاب
الفَقِيْه، وَصَاعِد بن سَيَّار، وَنُوْر الهُدَى أَبَا
طَالب الزَّيْنَبِيّ.
وَلقِي بِالإِجَازَةِ: أَبَا عَلِيٍّ ابْنَ المَهْدِيّ،
وَأَبَا العِزِّ مُحَمَّد بن المُخْتَارِ، وَمُحَمَّد بن
عَبْدِ البَاقِي الدُّوْرِيّ، وَأَبَا طَاهِرٍ بن
يُوْسُفَ، وَالمُبَارَك بن الحُسَيْنِ الغسَّال، وَابْن
بيَان، وَابْن نَبْهَانَ أَيْضاً.
وَلَهُ (مَشْيَخَة) مرويَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل،
وَابْن النَّجَّار، وَعُمَر بن بَدْرٍ، وَأَبُو مُوْسَى
ابْن الحَافِظِ، وَاليَلْدَانِيّ، وَأَحْمَد بن سَلاَمَةَ
الحَرَّانِيّ، وَمُحْيِي الدِّيْنِ ابْن الجَوْزِيّ،
وَشَيْخ الشُّيُوْخ عَبْد العَزِيْزِ بن مُحَمَّدٍ
الأَنْصَارِيّ، وَشَمْس الدِّيْنِ أَبُو المُظَفَّرِ سِبْط
ابْن الجَوْزِيّ، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالنَّجِيْب
عَبْد اللَّطِيْفِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَبِالإِجَازَة: ابْن أَبِي اليُسْر، وَالقُطْب ابْن
عصرُوْنَ، وَالخَضِر بن
__________
= الدبيثي في تاريخه، الورقة 158 (باريس 5922)، وابن
النجار في التاريخ المجدد، الورقة: 28 (ظاهرية)، والمنذري
في التكملة، الترجمة: 523، وأبو شامة في ذيل الروضتين: 18،
وابن الساعي في الجامع المختصر: 9 / 26، وابن خلكان في
وفياته: 3 / 227، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 93
(باريس 1582)، والعبر: 4 / 293، ودول الإسلام: 2 / 78،
وابن كثير في البداية: 13 / 23، والغساني في العسجد،
الورقة: 104، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 241،
وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 159، وابن العماد في
الشذرات: 4 / 327.
(21/259)
حَمُّوَيْه، وَأَحْمَد بن أَبِي الخَيْرِ،
وَالعزّ عَبْد العَزِيْزِ بن الصَّيْقَلِ، وَمُحَمَّد بن
أَبِي الدِّيْنَة.
وَانتهَى إِلَيْهِ عُلُوّ الإِسْنَادِ، وَمتِّع بحوَاسّه
وَذهنه، وَكَانَ صَبُوْراً، مُحِبّاً لِلرِّوَايَةِ.
دخل مِصْر مَعَ أَبِيْهِ، وَسَكَنَ دِمْيَاط مُدَّة،
وَحَجّ سَبْع مَرَّاتٍ، وَفَاتته عرفَة فِي الثَّامِنَة،
تَعوّق بِالبَحْر.
قَالَ المُنْذِرِيّ فِي (الوفِيَات (1)): سَمِعْتُ قَاضِي
القُضَاةِ أَبَا مُحَمَّدٍ الكِنَانِيّ، سَمِعْتُ ابْنُ
كُلَيْبٍ يَقُوْلُ:
تَسَرَّيْتُ بِمائَة وَثَمَان وَأَرْبَعِيْنَ جَارِيَة.
قَالَ: وَكَانَ يُخَاصم أَوْلاَده فِي ذَلِكَ السِّنّ،
فَيَقُوْلُ: اشترُوا لِي جَارِيَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (2) : أَلحق الصّغَار بِالكِبَار،
وَمُتِّع بصحّته، وَذهنه، وَحسن صُوْرته، وَحُمْرَةِ
وَجهه، وَكَانَ لاَ يَملّ مِنَ السَّمَاع، كتب (جُزْء ابْن
عَرَفَةَ) بِخَطِّهِ، وَلَهُ بِضْعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً
بِخَطّ مَلِيح، وَحَدَّثَ بِهِ مِنْ لَفظه، وَكَانَ مِنْ
أَعيَان التُّجَّار، ذَا ثروَة وَاسِعَة، ثُمَّ تَضَعْضع،
وَاحتَاج إِلَى الأَخْذ، وَبَقِيَ لاَ يُحَدِّث (بِجُزْءِ
ابْنِ عَرَفَةَ) إِلاَّ بدِيْنَار، وَكَانَ صَدُوْقاً،
قَرَأْت عَلَيْهِ كَثِيْراً.
تُوُفِّيَ: لَيْلَة (3) السَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ
رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
__________
(1) الترجمة: 523.
(2) (التاريخ المجدد)، الورقة: 29 (ظاهرية).
(3) قال ابن النجار: (صبيحة يوم الاثنين السابع
والعشرين..وحضرت الصلاة عليه بالمدرسة النظامية) (التاريخ،
الورقة: 29 ظاهرية).
(21/260)
135 - جَاكِيْرُ مُحَمَّدُ بنُ دُشَمَ
الكُرْدِيُّ *
الزَّاهِدُ، مِنْ كِبَارِ مَشَايِخِ العِرَاقِ، صَاحِبُ
أَحْوَالٍ وَتَأَلُّهٍ وَتَعَبُّدٍ، صَحِبَ الشَّيْخ
عَلِيّاً الهِيْتِيَّ، وَغَيْرَهُ.
وَجَاكِيْر لقب، وَاسْمه: مُحَمَّد بن دُشَمَ (1)
الكُرْدِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، لَمْ يَتزوَّج، وَتُذكر
عَنْهُ كَرَامَات، وَلَهُ زَاويَة كَبِيْرَة بقَرْيَة
رَاذَان، عَلَى برِيْد مِنْ سَامَرَّاء.
وَجلس فِي المَشْيَخَة بَعْدَهُ أَخُوْهُ أَحْمَد، وَبعد
أَحْمَد وَلده الغرسُ، وَبعد الْغَرْس ابْنه مُحَمَّد.
136 - الشَّاطِبِيُّ القَاسِمُ بنُ فِيْرُّه بنِ خَلَفِ
بنِ أَحْمَدَ الرُّعَيْنِيُّ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، العَامِلُ، القُدْوَةُ،
سَيِّدُ القُرَّاءِ، أَبُو مُحَمَّدٍ، وَأَبُو القَاسِمِ
القَاسِمُ بنُ فِيْرُّه (2) بنِ خَلَفِ بنِ أَحْمَدَ
الرُّعَيْنِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ،
__________
(*) ترجم له الذهبي في وفيات سنة 590 من العبر: 4 / 275.
(1) في العبر: رستم.
(* *) ترجم له ياقوت في إرشاد الاريب: 5 / 184، وابن
الابار في التكملة: 3 / الورقة: 101، والمنذري في التكملة،
الترجمة 237، وأبو شامة في ذيل الروضتين: 7، وابن خلكان في
وفياته: 4 / 71، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 167
(أحمد الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 273، ودول الإسلام:
2 / 76، ومعرفة القراء، الورقة 178، والاعلام، الورقة:
211، والصفدي في نكت الهميان: 228، والسبكي في الطبقات: 7
/ 170، والاسنوي في طبقاته: 2 / 113، وابن كثير في
البداية: 13 / 10، وابن الملقن في العقد، الورقة: 159،
والجزري في غاية النهاية: 2 / 20، وابن قاضي شهبة في طبقات
النحاة، الورقة 242، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة:
195، والسيوطي في حسن المحاضرة: 1 / 236، وبغية الوعاة: 2
/ 260، والمقري في نفح الطيب: 1 / 339، وابن العماد في
الشذرات: 4 / 301.
(2) قيده الذهبي والصفدي وابن خلكان والسبكي وغيرهم،
قالوا: بكسر الفاء وسكون =
(21/261)
الشَّاطِبِيُّ، الضَّرِيْرُ، نَاظِمُ
(الشَّاطبيَّةِ)، وَ(الرَّائِيَّةِ).
مَنْ كَنَّاهُ أَبَا القَاسِمِ كَالسَّخَاوِيِّ وَغَيْرهِ،
لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اسْماً سِوَاهَا.
وَالأَكْثَرُوْنَ عَلَى أَنَّهُ أَبُو مُحَمَّدٍ
القَاسِمُ.
وَذكرَهُ أَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَحِ فِي (طَبَقَاتِ
الشَّافِعِيَّةِ).
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَلاَ بِبلدِه بِالسّبعِ عَلَى: أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ
أَبِي العَاصِ النَّفْرِيّ، وَرَحَلَ إِلَى بَلَنْسِيَة،
فَقَرَأَ القِرَاءاتِ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ،
وَعَرضَ عَلَيْهِ (التَّيْسِيْرَ)، وَسَمِعَ مِنْهُ
الكُتُب، وَمِنْ: أَبِي الحَسَنِ ابْنِ النِّعْمَةِ،
وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ سَعَادَةَ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ
بنِ عَاشِرٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ
الرَّحِيْمِ، وَعُلَيْمِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ،
وَارْتَحَلَ لِلْحَجِّ، فَسَمِعَ مِنْ أَبِي طَاهِرٍ
السِّلَفِيِّ، وَغَيْرِهِ.
وَكَانَ يَتوَقَّدُ ذَكَاءً، لَهُ البَاعُ الأَطولُ فِي
فَنِّ القِرَاءاتِ وَالرّسمِ وَالنَّحْوِ وَالفِقْهِ
وَالحَدِيْثِ، وَلَهُ النَّظمُ الرَّائِقُ، مَعَ الوَرَعِ
وَالتَّقْوَى وَالتَأَلُّهِ وَالوَقَارِ.
اسْتَوْطَنَ مِصْر، وَتَصدّرَ، وَشَاعَ ذِكْرُهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الحَسَنِ بنُ خَيْرَةَ، وَمُحَمَّدُ
بنُ يَحْيَى الجنجَالِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ وَضَّاحٍ،
وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الجُمَّيْزِيِّ، وَأَبُو
مُحَمَّدٍ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ قَارِئُ مُصحفِ الذَّهَبِ.
وَقرَأَ عَلَيْهِ بِالسَّبْعِ: أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ
يُوْسُفَ المَقْدِسِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ
سَعِيْدٍ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ
بنُ عُمَرَ القُرْطُبِيُّ، وَأَبُو
__________
= الياء آخر الحروف وتشديد الراء وضمها، قال الصفدي: وهذا
في لغة اللطيني (اللاتيني) من أعاجم الأندلس ومعناها
الحديد، وانظر كتاب (الاعلام) للمرحوم العلامة خير الدين
الزركلي: 6 / 14 ففيه كلام جيد على هذا الموضوع.
(21/262)
الحَسَنِ السَّخَاوِيُّ، وَالزَّيْنُ أَبُو
عَبْدِ اللهِ الكُرْدِيُّ، وَالسَّدِيْدُ عِيْسَى بنُ
مَكِّيٍّ، وَالكَمَالُ عَلِيُّ بنُ شُجَاعٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ (1) : أَخْبَرَنَا السَّخَاوِيُّ:
أَنَّ سَبَبَ انتِقَالَ الشَّاطِبِيِّ مِنْ بَلدِه أَنَّهُ
أُرِيْدَ عَلَى الخَطَابَةِ، فَاحتجَّ بِالحَجِّ، وَتركَ
بَلَدَهُ، وَلَمْ يَعد إِلَيْهِ تَوَرُّعاً مِمَّا كَانُوا
يُلزمُوْنَ الخُطَبَاءَ مِنْ ذِكرهِمُ الأُمَرَاءَ
بِأَوْصَافٍ لَمْ يَرهَا سَائِغَةً، وَصبرَ عَلَى فَقرٍ
شَدِيدٍ، وَسَمِعَ مِنَ السِّلَفِيِّ، فَطَلَبَهُ القَاضِي
الفَاضِلُ لِلإِقْرَاءِ بِمَدْرَسَتِه، فَأَجَابَ عَلَى
شُرُوْطٍ، وَزَار بَيْتَ المَقْدِسِ سَنَةَ سَبْعٍ
وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ السَّخَاوِيُّ: أَقطعُ بِأَنَّهُ كَانَ مكَاشَفاً،
وَأَنَّهُ سَأَلَ اللهَ كَفَّ حَالِه.
قَالَ الأَبَّارُ (2) : تَصَدَّرَ بِمِصْرَ، فَعظمَ
شَأْنُه، وَبعُدَ صِيتُه، انتهَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ
الإِقْرَاءِ، وَتُوُفِّيَ بِمِصْرَ، فِي الثَّامن
وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ
تِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَلَهُ أَوْلاَدٌ رَوَوْا عَنْهُ، مِنْهُم: أَبُو
عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدٌ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الحَافِظ بِبَعْلَبَكَّ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا
الشَّاطِبِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ هُذَيْلٍ بِحَدِيْثٍ
ذكرتُهُ فِي (التَّارِيْخِ الكَبِيْرِ (3)).
وَجَاءَ عَنْهُ، قَالَ: لاَ يَقرَأُ أَحَدٌ قصيدتِي هَذِهِ
إِلاَّ وَيَنْفَعُهُ الله، لأَنَّنِي نَظمتُهَا للهِ.
وَلَهُ قصيدَةٌ دَاليَّةٌ نَحْو خَمْسِ مائَةِ بَيْتٍ،
مَنْ قرَأَهَا، أحَاطَ عِلْماً بِـ
__________
(1) (ذيل الروضتين): 7.
(2) (التكملة): 3 / الورقة 101 من نسخة الأزهر.
(3) يعني (تاريخ الإسلام) (الورقة: 168 - أحمد الثالث 2917
/ 14).
(21/263)
(التَّمْهِيْدِ) لابْنِ عَبْدِ البَرِّ.
وَكَانَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ (المُوَطَّأُ)،
وَ(الصَّحِيْحَانِ)، يُصحِّحُ النّسخَ مِنْ حِفْظِهِ،
حَتَّى كَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ يَحفَظُ وَقْرَ بعيرٍ مِنَ
العلُوْمِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : قِيْلَ: اسْمُهُ وَكُنْيَتُه
وَاحِدٌ، وَلَكِنْ وجدت إِجَازَات أَشيَاخِه لَهُ: أَبُو
مُحَمَّدٍ القَاسِم.
وَكَانَ (2) نَزِيْلَ القَاضِي الفَاضِلِ، فَرتَّبَهُ
بِمَدْرَسَتِه لإِقْرَاءِ القُرْآنِ، وَلإِقْرَاءِ
النَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَكَانَ يَتجنَّبُ فضولَ الكَلاَمِ
وَلاَ يَنطقُ إِلاَّ لِضرُوْرَةٍ، وَلاَ يَجْلِسُ
لِلإِقْرَاءِ إِلاَّ عَلَى طهَارَةٍ.
137 - ابْنُ صَصْرَى الحَسَنُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ
مَحْفُوْظٍ التَّغْلِبِيُّ *
الإِمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، البَارِعُ،
الرَّئِيْسُ، النَّبِيْلُ، أَبُو المَوَاهِبِ الحَسَنُ
ابْنُ العَدْلِ أَبِي البَرَكَاتِ هِبَةِ اللهِ بنِ
مَحْفُوْظِ بنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ
أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ صَصْرَى التَّغْلِبِيُّ،
البَلَدِيُّ الأَصْل، الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ اسْمه نَصْر اللهِ، فَغَيَّرَه.
__________
(1) (وفيات الأعيان): 4 / 73.
(2) المصدر السابق: 4 / 72 وتصرف فيه تصرفا كبيرا.
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة، 20 (باريس
5922)، والمنذري في التكملة، الترجمة: 126، والذهبي في
تاريخ الإسلام، الورقة: 85 (باريس 1582)، والمختصر المحتاج
إليه: 2 / 27، والعبر: 4 / 258، ودول الإسلام: 2 / 73،
والاعلام، الورقة: 211، والمشتبه: 115، وتذكرة الحفاظ: 4 /
1358، والصفدي في الوافي: 11 / الورقة: 45، واليافعي في
المرآة: 3 / 432، وابن ناصر الدين في التوضيح، الورقة:
144، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 112، وابن العماد في
الشذرات: 4 / 285، والكتاني في الرسالة: 74 وغيرهم.
(21/264)
سَمِعَ مِنْ: جدّه، وَالفَقِيْه نَصْر
اللهِ بن مُحَمَّدٍ المِصِّيْصِيّ -فَهُوَ أَكْبَر شَيْخ
لَهُ- وَمِنْ: عَبْدَان بن زَرِّيْنَ (1) ، وَعَلِيّ بن
حَيْدَرَة، وَنَصْر بن مُقَاتِلٍ، وَالحُسَيْن بن البُنِّ،
وَأَبِي يَعْلَى بن الحُبُوبِيّ، وَحَمْزَة بن كَرُّوْس،
وَحَمْزَة بن أَسَدٍ القَلاَنسِيّ، وَعِدَّة.
وَلاَزَمَ الحَافِظ ابْن عَسَاكِرَ، وَأَكْثَر عَنْهُ،
وَتَخَرَّجَ بِهِ، وَعنِي بِهَذَا الشَّأْن جِدّاً.
وَارْتَحَلَ، وَسَمِعَ بحَمَاة: مُحَمَّد بن ظفر الحُجَّة،
وَبِحَلَبَ مِنْ: أَبِي طَالِبٍ ابْن العَجَمِيّ،
وَبِالمَوْصِل: الحَسَن بن عَلِيٍّ الكَعْبِيّ، وَيَحْيَى
بن سعدُوْنَ، وَسُلَيْمَان بن خَمِيْس، وَبِبَغْدَادَ:
هِبَة اللهِ الدَّقَّاق، وَابْن البَطِّيِّ، وَعِدَّة،
وَبِهَمَذَانَ: أَبَا العَلاَءِ العَطَّار، وَغَيْرهُ،
وَبِأَصْبَهَانَ: مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ مَاشَاذه،
وَأَبَا رشيد عَبْد اللهِ بن عُمَرَ، وَعِدَّة،
وَبتِبْرِيْز: حفدَة العَطَّارِيّ.
وَجَمَعَ (المُعْجَم (2))، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ،
وَصَنَّفَ فِي (فَضَائِل الصَّحَابَة)، وَ(عَوَالِي ابْن
عُيَيْنَةَ)، وَ(فَضَائِل القُدْس)، وَ(ربَاعِيَات
التَّابِعِيْنَ)، وَقَدِ احْتَرَقت كتبه بِالكلاّسَة،
ثُمَّ إِنَّهُ وَقَفَ خزَانَة أُخْرَى.
وَثَّقَه أَبُو عَبْدِ اللهِ الدُّبَيْثِيّ، وَقَالَ:
كَتَبَ إِلَيْنَا بِالإِجَازَةِ.
مَاتَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
وَلَهُ تِسْعٌ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً.
أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ،
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا
جَدِّي الحُسَيْن بن هِبَةِ اللهِ بنِ مَحْفُوْظ،
أَخْبَرَنَا أَخِي أَبُو المَوَاهِبِ،
__________
(1) قيده الذهبي في (المشتبه): 316.
(2) يعني: (معجم شيوخه)، وذكر المؤلف في (تاريخ الإسلام)
أنه في ستة عشر جزءا.
(21/265)
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ المصِّيْصِيّ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ اليَزْدِيّ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ
الحَارِثِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْر،
حَدَّثَنَا زُهَيْر، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ
عَمْرِو بنِ الحَارِثِ ختن رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخِي جُوَيْرِيَّة، قَالَ:
وَاللهِ مَا ترك رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عِنْد مَوْتِهِ دِيْنَاراً وَلاَ دِرْهَماً
وَلاَ عبداً وَلاَ أَمَة وَلاَ شَيْئاً إِلاَّ بغلته
البيضَاء، وَسلاَحه، وَأَرْضاً جَعَلهَا صَدَقَة.
رَوَاهُ: البُخَارِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ (1) .
أَبُوْهُ:
138 - الرَّئِيْسُ أَبُو البَرَكَاتِ ابْنُ صَصْرَى
الحَسَنُ بنُ هِبَةِ اللهِ التَّغْلِبِيُّ *
تَفَقَّهَ، وَقَرَأَ القُرْآنَ، وَلَهُ صَدَقَةٌ وَبرٌّ.
كَانَ يَخْتِم فِي رَمَضَانَ ثَلاَثِيْنَ ختمَة.
رَوَى عَنْ: جَمَال الإِسْلاَمِ، وَيَحْيَى بن بِطْرِيْقٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ، وَشَهِدَ عَلَى القَضَاءِ.
مَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
وَلَهُ اثْنَتَانِ وَسِتُّوْنَ سَنَةً.
__________
(1) قال شعيب: 5 / 267 في الوصايا: باب الوصايا، وقول
النبي صلى الله عليه وسلم (وصية الرجل مكتوبة عنده) وأخرجه
النسائي 6 / 229 في الاحباس بلفظ: (ما ترك رسول الله صلى
الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة إلا
بغلته الشهباء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضا جعلها في
سبيل الله) وفي الباب عن عائشة عند مسلم (1635)، وأبي داود
(3863)، والنسائي 6 / 240 قالت: ما ترك رسول الله صلى الله
عليه وسلم دينارا ولا درهما، ولا شاة، ولا بعيرا، ولا أوصى
بشيء.
(*) ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 50 (أحمد
الثالث 2917 / 14)، وابن ناصر الدين في توضيح المشتبه،
الورقة: 44 (سوهاج).
(21/266)
جَدُّهُ:
139 - مَحْفُوْظُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنُ
صَصْرَى التَّغْلِبِيُّ *
قِيْلَ: يُكْنَى أَبَا البَرَكَات، مِنْ رُؤسَاء البَلَد
وَعدولِهُم.
سَمِعَ: جُزْءاً فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ مِنْ نَصْر بن أَحْمَدَ الهَمَذَانِيّ.
سَمِعَ مِنْهُ: الحَافِظُ ابْن عَسَاكِرَ، وَابْنه
البَهَاء، وَوَلَده؛ أَبُو المَوَاهِبِ.
تُوُفِّيَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ
سَنَةً، وَدُفِنَ بِبَابِ تُوْمَا.
140 - طُغْرِلُ شَاه بنُ أَرْسَلاَنَ بنِ طُغْرِلَ بنِ
مُحَمَّدٍ التُّرْكِيُّ **
المَلِكُ طُغْرِل شَاه بنُ أَرْسَلاَنَ بنِ طُغْرِل بنِ
مُحَمَّدِ بنِ مَلِكْشَاه التُّرْكِيُّ، آخرُ مُلُوْكِ
السُّلْجُوْقِيَّة المَلِكْشَاهية.
خَرَجَ عَلَى الخَلِيْفَة النَّاصِر، فَالتقَاهُ الجَيْش،
عَلَيْهِم ابْن يُوْنُسَ الوَزِيْر، فَانْهَزَمُوا،
وَأُسِرَ الوَزِيْر، ثُمَّ نَدب النَّاصِر خُوَارِزْمشَاه
لِحَرْبِهِ، فَالتقَاهُ عَلَى الرَّيّ، فَقُتِل طُغْرِل
فِي المَصَافّ، وَكَانَ مِنْ ملاَح زَمَانه وَشجعَانهم.
__________
(*) ترجم له الذهبي في وفيات 545 من (تاريخ الإسلام)،
الورقة: 319 (أيا صوفيا 3010) وهو بخطه.
(* *) أخباره في التواريخ المستوعبة لعصره ولا سيما الكامل
لابن الأثير والمرآة للسبط وعقد الجمان للعيني، وراجع
السبط في المرآة: 8 / 444 - 445، وأبو شامة في الذيل: 6،
والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 165 (أحمد الثالث 2917 /
14)، والعبر: 4 / 272، والغساني في العسجد، الورقة: 99،
وابن العماد في الشذرات: 4 / 301، وغيرهم.
(21/267)
قُتِلَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ، وَدخلُوا إِلَى
بَغْدَادَ بِرَأْسِهِ وَسنَاجقه المُنَكَّسَة.
وَكَانَ حَاكماً عَلَى أَذْرَبِيْجَان وَهَمَذَان وَعِدَّة
مَدَائِن، ملّكوهُ وَهُوَ صَبِيّ.
141 - الجَمَّالُ مَسْعُوْدُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ بنِ
مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ أَصْبَهَانَ، أَبُو
الحَسَنِ مَسْعُوْدُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ بنِ مُحَمَّدِ
بنِ حَسَنٍ الأَصْبَهَانِيُّ، الجَمَّالُ، الخَيَّاطُ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا عَلِيٍّ الحَدَّاد، وَمَحْمُوْد بن
إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبَا نَهْشَل عَبْد الصَّمَدِ،
وَحَمْزَة بن العَبَّاسِ العَلَوِيّ.
وَسَمِعَ حُضُوْراً مِنْ: غَانِم البُرْجِيّ، وَأَجَازَ
لَهُ مِنْ نَيْسَابُوْر عَبْدُ الغَفَّارِ الشيرويِيّ
صَاحِب أَبِي بَكْرٍ الحِيْرِيّ.
وَعُمِّرَ دَهْراً، وَتَفَرَّد، وَرَحَلَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ العُثْمَانِيّ،
وَأَبُو مُوْسَى بن عَبْدِ الغَنِيِّ، وَأَبُو الحَجَّاجِ
بنِ خَلِيْلٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَازَ لأَحْمَدَ بن سَلاَمَةَ.
مَاتَ: فِي الخَامِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَوَّال، سَنَةَ
خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(*) ترجم له المنذري في التكملة، الترجمة: 496، قال:
والجمال: بفتح الجيم وتشديد الميم وفتحها وبعد الالف لام،
والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 79 (باريس 1582)،
والعبر: 4 / 288، وابنتغري بردي في النجوم: 6 / 154، وابن
العماد في الشذرات: 4 / 321.
(21/268)
142 - الرَّارَانِيُّ أَبُو سَعِيْدٍ
خَلِيْلُ بنُ بَدْرِ بنِ ثَابِتِ بن رَوْحٍ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُسْنِدُ، شَيْخُ الشُّيُوْخِ،
أَبُو سَعِيْدٍ خَلِيْلُ بنُ أَبِي الرَّجَاءِ بَدْرِ بنِ
أَبِي الفَتْحِ ثَابِتِ بنِ رَوْحِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
عَبْدِ الوَاحِدِ الأَصْبَهَانِيُّ، الرَّارَانِيُّ،
الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا عَلِيٍّ الحَدَّاد، وَمَحْمُوْد بن
إِسْمَاعِيْلَ الأَشْقَر، وَجَعْفَر بن عَبْدِ الوَاحِدِ،
وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّقَّاق.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُوْسَى بن عَبْدِ الغَنِيِّ،
وَيُوْسُف بن خَلِيْل، وَحَفِيْدته لَيْلَة الْبَدْر بِنْت
مُحَمَّد، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ لأَحْمَدَ بن أَبِي الخَيْرِ، وَكَانَ مِنْ
مُرِيْدِي حَمْزَة بن العَبَّاسِ العَلَوِيّ.
مَاتَ: فِي الخَامِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْع الآخِرِ،
سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
143 - ابْنُ يَاسِيْنَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ صَالِحِ بنِ
يَاسِيْنَ المِصْرِيُّ **
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، الصَّالِحُ، العَابِدُ، أَبُو
طَاهِرٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي التُّقَى
__________
(*) ترجم له ابن نقطة في (الراراني) من إكمال الإكمال
(ظاهرية)، والتقييد، الورقة: 92، والمنذري في التكملة،
الترجمة: 530، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 215
(أحمد الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 291، والاعلام،
الورقة: 211، والمشتبه: 296، وابن تغري بردي في النجوم: 6
/ 158، وابن العماد في الشذرات: 4 / 323.
(* *) ترجم له ابن نقطة في إكمال الإكمال، الورقة: 66
(ظاهرية)، والمنذري في التكملة، =
(21/269)
صَالِحِ بنِ يَاسِيْنَ بنِ عِمْرَانَ
المِصْرِيُّ، الشَّارِعِيُّ، الشَّفِيْقِيُّ؛ نِسبَةً
إِلَى خدمَة شفِيق الْملك، الجبلِيّ، نسبَة إِلَى سُكنَى
جبل مِصْر، البنَّاء.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ الرَّازِيّ (مَشْيَخته)
بِإِفَادَة الرُّدَينِيّ الزَّاهِد.
وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ بِمِصْرَ عَنِ الرَّازِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، وَالحَافِظ
الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْل، وَأَخُوْهُ يُوْنُس، وَأَبُو
الحَسَنِ السَّخَاوِيّ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ الحَاجِبِ،
وَالشِّهَاب القوْصِيّ، وَالرّضِيّ عَبْد الرَّحْمَانِ بن
مُحَمَّدٍ، وَخَطِيْب مَرْدَا، وَالزَّيْن أَحْمَدَ بن
عَبْدِ المَلِكِ، وَإِسْمَاعِيْل بن ظفر، وَالمعين أَحْمَد
بن عَلِيِّ بنِ يُوْسُفَ، وَعَبْد اللهِ بن علاَّق،
وَالرَّشِيْد يَحْيَى العَطَّار، وَإِسْمَاعِيْل بن
عِزُونَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
تُوُفِّيَ: فِي ثَانِي عشر ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ
وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
لَمْ يُجِزْ لابْنِ أَبِي الخَيْرِ.
144 - أَحْمَدُ بنُ طَارِقِ بنِ سِنَانٍ أَبُو الرِّضَا
الكَرْكِيُّ *
المُحَدِّثُ، العَالِمُ، أَبُو الرِّضَا الكَرْكِيُّ،
ثُمَّ البَغْدَادِيُّ،
__________
= الترجمة: 557، وابن الصابوني في تكملته: 225، والذهبي في
تاريخ الإسلام، الورقة: 89 (باريس 1582)، والعبر: 4 / 291،
وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 158، وابن العماد في
الشذرات: 4 / 323.
(*) ترجم له ياقوت في معجم البلدان: 4 / 361، وابن نقطة في
(الكركي) من إكمال الإكمال (ظاهرية)، وابن الدبيثي في
تاريخه، الورقة: 189 (باريس 5921)، والمنذري في =
(21/270)
التَّاجِرُ، الشِّيْعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ، وَمَوْهُوْب
ابْن الجَوَالِيْقِيّ، وَهِبَة اللهِ بن أَبِي شَرِيْكٍ،
وَمُحَمَّد بن طِرَاد، وَابْن نَاصِر، وَسَعْد الخَيْر،
وَعِدَّة.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: نَاصِر بن عَبْدِ الرَّحْمَانِ
النَّجَّار، وَأَبِي القَاسِمِ ابْن البُنِّ، وَطَائِفَة،
وَبِالثَّغْر (1) مِنَ: السِّلَفِيّ، وَبِمِصْرَ مِنِ:
ابْنِ رِفَاعَة، وَعِدَّة.
وَحَدَّثَ فِي هَذِهِ البِلاَد، وَكَتَبَ الكَثِيْر.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيّ (2) : كَانَ حرِيصاً عَلَى
السَّمَاع، وَعَلَى تَحْصِيل الأَجزَاء، مَعَ قلّة
مَعْرِفَته، وَكَانَ ثِقَةً.
قُلْتُ: أَبُوْهُ مِنْ كَرْك نُوْح، قَيَّدَهُ
بِالسُّكُوْن ابْن نُقْطَة، وَالمُنْذِرِيّ.
وَأَمَّا كَرَك الشّوبك، فَبالتحرِيك.
رَوَى عَنْهُ: الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَقبلهما
الحَافِظ ابْن المُفَضَّلِ.
وَأَجَازَ لأَحْمَدَ بن أَبِي الخَيْرِ.
قَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاء: كَانَ شِيْعِيّاً، غَالياً.
__________
= التكملة، الترجمة: 367، وابن الفوطي في الملقبين بموفق
الدين من تلخيصه: 5 / الترجمة 1890 من الميم، والذهبي في
تاريخ الإسلام، الورقة: 63 (باريس 1582)، والمختصر المحتاج
إليه: 1 / 186، والاعلام، الورقة: 211، والعبر: 4 / 278،
والمشتبه: 55، والدلجي في الفلاكة: 89، وابن حجر في
اللسان: 1 / 188، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 140، وابن
العماد في الشذرات: 4 / 308.
(1) يعني الإسكندرية.
(2) (الذيل)، وهو تاريخه، الورقة: 189 (باريس 5921).
(21/271)
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: لَمْ يَزَلْ
يَطلُبُ، وكَانَ يُوَادُّنِي، وَكَانَ صديقاً طيب
المَعَاشرَة، إِلاَّ أَنَّهُ غَال فِي التَّشَيُّع، شَحِيح
مُقتِر، يَشْتَرِي مِنْ لقم المكديين، وَيَتبَعُ
المُحَدِّثِيْنَ ليَأكل مَعَهُم، وَلاَ يُوِقِدُ ضوءاً،
خلَّف تَجَارَة بِثَلاَثَة آلاَف دِيْنَار، وَمَاتَ
وَحْدَه، وَلَمْ يُعلَمْ بِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الجِيْلِيّ: كَانَ ثِقَةً،
ثَبْتاً، مَعَ فَسَاد دينه.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَة (1) : خَبِيْث الاعْتِقَاد،
رَافضِيّ.
وَقِيْلَ: أَكَلت الفَأر أَنفه وَأُذُنَيْه.
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ جَدُّهُ قَاضِي كرْك نُوْح.
وَفِيْهَا مَاتَ: قَاضِي قُرْطُبَة أَبُو جَعْفَرٍ
أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بن حُرَيْثٍ اللَّخْمِيّ
عَنْ نَحْو الثَّمَانِيْنَ، وَأَبُو طَاهِرٍ إِبْرَاهِيْم
بن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَمَديَّة العُكْبَرِيّ
أَخُو عَبْدِ اللهِ مِنْ أَصْحَابِ ابْن الحُصَيْن،
وَبلقيس بِنْت سُلَيْمَان بن النّظَام، وَعَبْد الخَالِقِ
بن عَبْدِ الوَهَّابِ الصَّابُوْنِيّ الخَفَّاف،
وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيّ
المهَّاد، وَمُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ بنِ مُحَمَّدٍ
الجلاَلِيّ البَغْدَادِيّ عَنْ مائَة عَام، وَشَاعِر وَقته
أَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ فَارِسٍ ابْن
المُعَلِّم الوَاسِطِيّ فِي عَشْرِ المائَة، وَوزِيْر
العِرَاق مُؤيّد الدِّيْنِ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ
عَلِيٍّ ابْن القَصَّاب، وَأَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّد بن
مَعَالِي بن شدقينِي، وَالإِمَام فَخْر الدِّيْنِ مُحَمَّد
بن أَبِي عَلِيٍّ النُّوْقَانِيّ صَاحِب الغَزَّالِيّ،
وَالإِمَام مُجِيْر الدِّيْنِ مَحْمُوْد بن المُبَارَكِ بن
عَلِيٍّ البَغْدَادِيّ صَاحِب أَبِي مَنْصُوْرٍ
الرَّزَّاز، وَيُوْسُف بن مَعَالِي الكَتَّانِيّ
المُقْرِئ.
__________
(1) (إكمال الإكمال)، في (الكركي) من نسخة الظاهرية.
(21/272)
145 - ابْنُ حَمَدِيَّةَ عَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ العُكْبَرِيُّ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَمَديَّةَ العُكْبَرِيُّ،
ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا العِزِّ بن كَادِشٍ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ
البَارِع، وَزَاهِر بن طَاهِر، وَأَبَا عَلِيٍّ ابْنَ
السِّبْط، وَأَبَا بَكْرٍ المَزْرَفِيّ، وَعِدَّة.
وَعَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْلٍ،
وَطَائِفَة.
مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ أَرْبَع وَثَمَانِيْنَ سَنَةً (1) .
وَمَاتَ مَعَهُ فِي صَفَرٍ بَعْد أَيَّام أَخُوْهُ:
146 - أَبُو طَاهِرٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ **
وَكَانَ قَدْ كَتَبَ بِخَطِّهِ، وَرَوَى الكَثِيْر عَنِ:
ابْنِ الحُصَيْن، وَزَاهِرٍ، وَهِبَةِ
__________
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 52 في ترجمة
أخيه إبراهيم، والورقة: 131 (نسخة الأزهر)، وابن الدبيثي
في تاريخه، الورقة: 103 (باريس 5922)، والمنذري في
التكملة، الترجمة: 310، والصائن النعال البغدادي في
مشيخته، وهو الشيخ السابع والثلاثون فيها: 123، والذهبي في
تاريخ الإسلام، الورقة 180 (أحمد الثالث 2917 / 14)،
والمختصر المحتاج إليه: 2 / 163، والمشتبه: 249، والزبيدي
في (حمد) من التاج: 2 / 340.
(1) قال ابن الدبيثي في (تاريخه): (سألت أبا منصور هذا عن
مولده فلم يحققه، وقال: أنا أكبر من أخي إبراهيم بسنتين،
وسألت إبراهيم عن مولده، فقال: في سنة عشر وخمس مئة،
فيكون مولده في سنة ثمان وخمس مئة على ما ذكره) (الذيل،
الورقة: 103 - باريس 5922).
(* *) لقبه كمال الدين، ترجم له ابن نقطة في التقييد،
الورقة: 52، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 264 (باريس
5921)، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 499، والنعال =
(21/273)
اللهِ الشُّرُوْطِيِّ، وَأَبِي غَالِبٍ
المَاوَرْدِيِّ.
رَوَى عَنْهُ أَيْضاً: ابْن الدُّبَيْثِيّ، وَابْن
خَلِيْل.
وَنيَّف هَذَا عَلَى الثَّمَانِيْنَ.
وَلَمْ أَرهُمَا أَجَازَا لأَحْمَدَ بن سَلاَمَةَ.
147 - الصَّابُوْنِيُّ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ
الوَهَّابِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُسْنِدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ
عَبْدُ الخَالِقِ (1) ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي الفَتْحِ
عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ ابْنِ
الصَّابُوْنِيِّ، البَغْدَادِيُّ، الخَفَّافُ.
وُلِدَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
وَسَمَّعَهُ أَبُوْهُ مِنْ: عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ
الدِّيْنَوَرِيّ، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ
__________
= في مشيخته: 126 وهو الشيخ التاسع والثلاثون فيها،
والمنذري في التكملة، الترجمة: 316، وابن الفوطي في
تلخيصه: 5 / الترجمة: 206 من الكاف، والذهبي في تاريخ
الإسلام، الورقة 178 (أحمد الثالث 2917 / 14)، والمشتبه:
249، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 234، والعيني في عقد
الجمان: 17 / الورقة: 208 وذكر المنذري أنه ولد في الحادي
عشر من شعبان سنة 510.
(*) ترجم له ياقوت في معجم البلدان: 4 / 397، وابن نقطة في
التقييد، الورقة: 163، وإكمال الإكمال، الورقة: 48
(ظاهرية)، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 151 (باريس
5922)، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 450، والمنذري في
التكملة: الترجمة: 366، والنعال في مشيخته: 128 وهو الشيخ
الأربعون فيها، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 180
(أحمد الثالث 2917 / 14)، والمشتبه: 566، والعبر: 4 / 279،
والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 208، وابن العماد في
الشذرات: 4 / 309.
(1) في النسختين: (عبد الحق) وهو وهم ظاهر جدا وقع به
الناسخ بلا ريب وتبعه صاحب النسخة الموجودة في أحمد الثالث
برقم 2910 / 2 مما يقطع بنقله عن النسخة الأخرى، وإلا فان
الذهبي المؤلف نفسه قد ذكره باسم (عبد الخالق) في جميع
كتبه الأخرى.
(21/274)
البُخَارِيّ، وَهِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ،
وَقَرَاتِكِيْن بن أَسْعَد، وَأَبِي العِزِّ بن كَادِشٍ،
وَأَحْمَد بن أَحْمَدَ المتوكلِيِّ، وَزَاهِر بن طَاهِر،
وَإِسْمَاعِيْل بن أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّن، وَهِبَة
اللهِ بن الطَّبرِ، وَعِدَّة.
وَعَنْهُ: ابْنُ الأَخْضَر، وَوَلَده؛ عَلِيّ، وَابْن
خَلِيْلٍ، وَجَمَاعَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ؛ كَانَ شَيْخاً صَدُوْقاً، لاَ
بَأْسَ بِهِ، عسراً فِي الرِّوَايَة.
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
148 - ابْنُ بُوْنُهْ عَبْدُ الحَقِّ بنُ عَبْدِ المَلِكِ
بنِ بُوْنُه العَبْدَرِيُّ *
الشَّيْخُ الفَاضِلُ، المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، أَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ الحَقِّ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ بُونُه
بنِ سَعِيْدٍ العَبْدَرِيُّ، المَالقِيُّ، المَعْرُوف:
بِابْنِ البَيْطَار، نَزِيْلُ مدينَة المُنَكَّب مِنْ
مَدَائِن الأَنْدَلُس.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عَتَّاب،
وَأَبِي بَحْر بن العَاصِ، وَغَالِب بن عَطِيَّةَ، وَابْن
مُغِيْث، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ البَاذش.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيّ.
رَوَى عَنْهُ: هَانِئ بنُ هَانِئ، وَابْنَا حَوْط اللهِ،
وَأَبُو الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ، وَابْن دِحْيَة،
وَآخَرُوْنَ.
__________
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 3 / الورقة 38،
والمنذري في التكملة، الترجمة: 160، والذهبي في تاريخ
الإسلام، الورقة، 133 (أحمد الثالث 2917 / 14)، والمشتبه
104، وابن ناصر الدين في توضيحه، الورقة: 130 ونقل ترجمته
من كتاب الوفيات لابن دحية.
(21/275)
قَالَ الأَبَّار (1) : سَمَّعَهُ أَبُوْهُ
صغِيراً، وَرَحَلَ بِهِ، فَأَورثه ذَلِكَ نباهَة.
وَقَالَ ابْنُ سَالِم: هُوَ الشَّيْخُ، الرَّاويَة،
العَدْل، الثِّقَة، أَبُو مُحَمَّدٍ الغَرْنَاطِيّ، أَخذتُ
عَنْهُ.
تُوُفِّيَ: بِالمُنَكَّب، سَنَة سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
عَاشَ: ثَلاَثاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
149 - ابْنُ مَأْمُوْنٍ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ
أَحْمَدَ الأُمَوِيُّ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُجَوِّدُ، النَّحْوِيُّ،
المُحَدِّثُ، قَاضِي بَلَنْسِيَة، أَبُو عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حُمَيْدِ (2) بنِ
مَأْمُوْنٍ الأُمَوِيّ مَوْلاَهُم، البَلَنْسِيُّ، ثُمَّ
الغَرْنَاطِيُّ.
أَخذ القِرَاءات عَنِ: ابْن هذِيل، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ
ثَابِتٍ، وَأَبِي الحَسَنِ شُرَيْح بن مُحَمَّدٍ، وَأَبِي
عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي سَمُرَة (3) .
وَأَخَذَ بِجَيَّانَ علُوْم اللِّسَان عَنْ: أَبِي بَكْرٍ
بنِ مَسْعُوْدٍ الخُشَنِيّ، وَسَمِعَ
__________
(1) (التكملة): 3 / الورقة: 38.
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 2 / 539، والمنذري في
التكملة، الترجمة: 112، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة
128 (أحمد الثالث 2917 / 14)، ومعرفة القراء، 174، والجزري
في غاية النهاية: 2 / 108، والسيوطي في البغية: 1 / 68
وفيه: إن وفاته سنة 587، وهو وهم.
(2) قال المنذري في (التكملة): وحميد بفتح الحاء المهملة
وكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وآخره دال مهملة.
(3) في (تكملة) ابن الابار: سحرة - بالحاء المهملة بدل
الميم - ولعله تصحيف، فقد ذكره الابار في (تكملته)، قال:
(محمد بن فرج بن جعفر بن خلف القيسي من أهل الثغر الشرقي
وسكن غرناطة ويعرف بابن أبي سمرة، ويكنى أبا عبد الله)
وأشار إلى أنه توفي بعد سنة 535 وراجع (غاية) ابن الجزري 2
/ 228.
(21/276)
بِالمَرِيَّةِ مِنَ: القَاضِي أَبِي
مُحَمَّدٍ عَبْد الحَقِّ بن غَالِبِ بن عَطِيَّةَ
المُحَارِبِيّ، وَطَائِفَة.
حمل عَنْهُ أَبُو الرَّبِيْع بن سَالِمٍ، وَقَالَ: أَتقن
(كِتَاب سِيْبَوَيْه) تَفقُّهاً وَتَفهُّماً عَلَى ابْنِ
(1) أَبِي رُكب الخُشَنِيّ، ثُمَّ تَصَدَّرَ بِمُرْسِيَة
لِلإِقْرَاءِ وَالعَرَبِيَّة، وَكَانَ فِي النَّحْوِ
إِمَاماً مُقدَّماً، سَمِعْتُ مِنْهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى
وَثَمَانِيْنَ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) وَغَيْرهُ عَنْ
شُرَيْح بِفَوْت، وَ(التَّيْسِيْر)، وَ(الكَافِي)،
وَ(التَّلْخِيص) لأَبِي مَعْشَرٍ سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ
ثُعْبَان، بِسَمَاعه مِنْ أَبِي مَعْشَرٍ.
قُلْتُ: وَأَجَازَ لَهُ أَبُو الحَسَنِ بنُ مُغِيْث.
قَالَ ابْنُ سَالِم: تُوُفِّيَ بِمُرْسِيَة، صَادراً عَنْ
حضَرَة الْملك، فِي سَابع عشر جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ
سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ إِلَى
جَنْبِ أَبِي القَاسِمِ ابْن حُبَيْشٍ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
150 - بُكْتَمُرُّ المَلِكُ سَيْفُ الدِّيْنِ *
صَاحِبُ خِلاَط، المَلِكُ سَيْفُ الدِّيْنِ، مَمْلُوْكُ
المَلِكِ ظَهِيْرِ الدِّيْنِ شَاه أَرمن.
__________
(1) إضافة نعتقد أنها سقطت من الأصل ولا يستقيم الاسم من
غيرها، فهذا هو أبو بكر محمد بن مسعود المعروف بابن أبي
ركب المتوفى سنة 544، ذكره ياقوت في إرشاده: 7 / 106 وابن
الابار في (المعجم): 157 وغيرهم وراجع كتاب العالمة
الفاضلة الدكتورة خديجة الحديثي: كتاب سيبويه وشروحه: 217
- 218.
(*) أخباره مفصلة عند ابن الأثير في الكامل، وله أخبار في
كتاب الفتح القدسي للعماد الأصبهاني وغيره.
وترجم له الكثير منهم الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 147
(أحمد الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 268، والسبط في
المرآة: 8 / 423، وأبوالفدا في المختصر: 3 / 93، وابن كثير
في البداية: 13 / 7، وابن العماد في الشذرات: 4 / 297.
(21/277)
استولَى عَلَى أَرْمِيْنِيةَ، وَكَانَ
مُحَارِباً لِلسُّلْطَانِ صَلاَح الدِّيْنِ، فَلَمَّا
بلغَه مَوْته، أَمر بِضَرْب البشَائِر، وَعَمِلَ تختاً،
فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَسَمَّى نَفْسه عَبْد العَزِيْزِ،
وَتلقّب بِالسُّلْطَان المُعْظَّم صَلاَح الدِّيْنِ، فَمَا
أَمهله الله، وَقُتِلَ غيلَة بَعْد شَهْر، فِي أَوَّلِ
جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ، خَرَجَ عَلَيْهِ خشدَاشه، وَزوج بِنْته الأَمِيْر
هزَار دِيْنَارِي، ثُمَّ تَملّك بَعْدَهُ، وَلقّبَهُ بَدْر
الدِّيْنِ (1) ، فَبقِي خَمْس سِنِيْنَ، وَمَاتَ،
فَملّكُوا مُحَمَّد بن بُكْتَمُر، ثُمَّ قَبَض عَلَى
نَائِبه شُجَاع الدِّيْنِ، ثُمَّ ثَار أُمَرَاء، وَخنقُوا
مُحَمَّداً، وَتَملّك بلبَان سَنَة، ثُمَّ تسلّمهَا
الأَوْحَدُ ابْن الْملك العَادل.
151 - صَلاَحُ الدِّيْنِ وَبَنُوْهُ *
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، المَلِكُ النَّاصِرُ، صَلاَحُ
الدِّيْنِ، أَبُو المُظَفَّرِ يُوْسُفُ ابْنُ الأَمِيْرِ
نَجْمِ الدِّيْنِ أَيُّوْبَ بنِ شَاذِي بنِ مَرْوَانَ بنِ
يَعْقُوْبَ الدُّوِيْنِيُّ (2) ، ثُمَّ التِّكرِيتِيُّ (3)
المَوْلِد.
__________
(1) يعني الأمير هزار ديناري زوج ابنته.
(*) سيرته مشهورة طبقت الآفاق لما له من الايادي البيض على
الإسلام وأهله، ومنها فتح
البيت المقدس وتخليصه من براثن الصليبيين، فرضي الله تعالى
عنه وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وقلما يخلو
كتاب تاريخ من أخباره ممن تناولوا عصره، فانظر التعليق على
التكملة للمنذري، الترجمة: 189.
(2) وبعضهم فتح الدال من (دوين)، منهم ياقوت في (معجم
البلدان)، وقد وجدت الذهبي يفتحها في بعض الأحيان، ويضمها
في أكثرها كما هو مثبت بخطة في (تاريخ الإسلام). وقد
وجدناها في أصل النسخة مضمومة فأبقيناها.
(3) قيدها ياقوت بفتح التاء وذكر أن العامة تكسرها، وقيدها
السمعاني بالكسر، ولم يشر إلى فتحها.
فكأن الشائع هو الكسر، وبه أخذ السمعاني، ولا يزال الناس
يكسرون التاء حتى يومنا هذا، فهذا هو المرجح، ومما يقويه
أن ابن الأثير حينما اختصر (الأنساب) لم يذكر رواية أخرى،
وهو العارف بها.
(21/278)
وُلِدَ فِي: سَنَةِ اثْنَتَيْنِ
وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ إِذْ أَبُوْهُ نَجْم
الدِّيْنِ مُتَوَلِّي تِكرِيتَ نِيَابَةً.
وَدُوِيْنُ: بُليدَة بِطرف أَذْرَبِيْجَان مِنْ جِهَةِ
أَرَان وَالكَرَجِ، أهلهَا أَكرَادٌ هَذَبَانِيَّة.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَالفَقِيْه
عَلِيّ ابْن بِنْت أَبِي سَعْدٍ، وَأَبِي الطَّاهِر بن
عَوْف، وَالقُطْب النَّيْسَابُوْرِيّ، وَحَدَّثَ.
وَكَانَ نُوْر الدِّيْنِ (1) قَدْ أَمَّرَه، وَبعثَه فِي
عَسْكَره مَعَ عَمّه أَسَد الدِّيْنِ شِيرْكُوْه، فَحكم
شِيرْكُوْه عَلَى مِصْرَ، فَمَا لَبِثَ أَنْ تُوُفِّيَ،
فَقَامَ بَعْدَهُ صَلاَح الدِّيْنِ، وَدَانت لَهُ
العَسَاكِر، وَقهر بنِي عُبَيْد، وَمحَا دَوْلَتهُم،
وَاسْتَوْلَى عَلَى قَصْر القَاهِرَة بِمَا حوَى مِنَ
الأَمتعَة وَالنّفَائِس، مِنْهَا الْجَبَل اليَاقُوْت
الَّذِي وَزنهُ سَبْعَةَ عَشَرَ دِرْهَماً؛ قَالَ مُؤلِّف
(الكَامِل) ابْن الأَثِيْر (2) : أنَا رَأَيْتهُ وَوزنته.
وَخلاَ القَصْر مِنْ أَهْلِهِ وَذخَائِره، وَأَقَامَ
الدعوَة العَبَّاسِيَّة.
وَكَانَ خليقاً لِلإِمَارَة، مَهِيْباً، شُجَاعاً،
حَازِماً، مُجَاهِداً، كَثِيْر الغَزْو، عَالِي الهِمَّة،
كَانَتْ دَوْلَته نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
وَتَمَلَّكَ بَعْدَ نُوْر الدِّيْنِ، وَاتَسَعت بلاَده.
وَمنذ تسلطَنَ، طَلّق الخَمْر وَاللَّذَات، وَأَنشَأَ
سوراً عَلَى القَاهِرَة وَمِصْر (3) ، وَبَعَثَ أَخَاهُ
شَمْس الدِّيْنِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ،
فَافْتَتَحَ برقَة، ثُمَّ
__________
(1) يعني نور الدين محمود بن زنكي.
(2) (الكامل): حوادث سنة 567، 11 / 369 (ط. بيروت) وأصل
النص: (وزنه سبعة عشر درهما، أو سبعة عشر مثقالا، أنا لا
أشك، لأنني رأيته ووزنته).
(3) يعني فسطاط مصر، وكانت لفظة (مصر) وحتى اليوم تطلق على
الفسطاط.
(21/279)
افْتَتَحَ اليَمَن، وَسَارَ صَلاَح
الدِّيْنِ، فَأَخَذَ دِمَشْق مِنِ ابْن نُوْر الدِّيْنِ
(1) .
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ حَاصر عَزَاز (2) ،
وَوَثَبَتْ عَلَيْهِ البَاطِنِيَّة، فَجرحوهُ.
وَفِي سَنَةِ ثَلاَثٍ كَسرته الفِرنْج عَلَى الرَّمْلَة،
وَفَرَّ فِي جَمَاعَةٍ، وَنجَا.
وَفِي سَنَةِ خَمْس التقَاهُم وَكسرهُم (3) .
وَفِي سَنَةِ سِتّ أَمر بِبنَاء قَلْعَة الْجَبَل.
وَفِي سَنَةِ ثَمَان عَدَّى الفُرَات، وَأَخَذَ حرَّان،
وَسَرُوْج، وَالرَّقَّة، وَالرُّهَا، وَسِنْجَار،
وَالبِيْرَة، وَآمِد، وَنَصِيْبِيْن، وَحَاصَرَ المَوْصِل،
ثُمَّ تَملّك حلب، وَعوّض عَنْهَا صَاحِبهَا زَنْكِي
بِسِنْجَار، ثُمَّ إِنَّهُ حَاصر المَوْصِل ثَانِياً
وَثَالِثّاً، ثُمَّ صَالَحَه صَاحِبُهَا عِزّ الدِّيْنِ
مَسْعُوْد، ثُمَّ أَخَذَ شَهْرزور وَالبوازِيج (4) .
وَفِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ فَتح طبريَّة، وَنَازل
عَسْقَلاَن، ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَة حِطِّيْن بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الفِرنْج، وَكَانُوا أَرْبَعِيْنَ أَلفاً، فَحَال
بَيْنهُم وَبَيْنَ المَاء عَلَى تلّ، وَسلّمُوا
نُفُوْسهُم، وَأُسِرَتْ ملوكهُم، وَبَادر، فَأَخَذَ عكَّا
وَبَيْرُوْت وَكَوْكَب، وَسَارَ فَحَاصَر القُدْس، وَجدّ
فِي ذَلِكَ فَأَخَذَهَا بِالأَمَان.
__________
(1) هو الملك الصالح إسماعيل.
(2) بلدة تقع شمالي حلب، وفيها قلعة حصينة، وقد حاصرها
السلطان ثمانية وثلاثين يوما. (انظر تفاصيل ذلك في
(الكامل) لابن الأثير: 11 / 194 - 195).
(3) قد أسر فيها صاحب الرملة وصاحب طبرية، وتعرف هذه
الوقعة بمرج العيون.
(4) راجع (معجم البلدان) لياقوت و(مراصد الاطلاع) عن هذه
الامكنة وغيرها مما يرد ذكره، وهي معروفة فيها.
(21/280)
وَسَارَ عَسْكَر لابْنِ أَخِيْهِ تَقِيّ
الدِّيْنِ عُمَر فَأَخذُوا أَوَائِل المَغْرِب، وَخطبُوا
بِهَا لِبَنِي العَبَّاسِ.
ثُمَّ إِنَّ الفِرنْج قَامت قيَامتهُم عَلَى بَيْتِ
المَقْدِس، وَأَقْبَلُوا كَقَطِيع اللَّيْل المُظْلِم
برّاً وَبَحْراً وَأَحَاطُوا بعكَّا ليستردّوهَا وَطَال
حصَارهُم لَهَا، وَبَنَوا عَلَى نُفُوْسهم خَنْدَقاً،
فَأَحَاط بِهِم السُّلْطَان، وَدَام الحصَار لَهُم
وَعَلَيْهِم نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ شَهْراً، وَجَرَى فِي
غُضُون ذَلِكَ ملاَحم وَحُرُوْب تُشيِّب النَّوَاصي، وَمَا
فَكُّوا حَتَّى أَخَذُوهَا، وَجَرَتْ لَهُم وَللسُلْطَان
حُرُوْب وَسِير.
وَعِنْدَمَا ضَرِسَ الفرِيقَان، وَكُلّ الحزبَان، تَهَادن
الملتَان.
وَكَانَتْ لَهُ همَّة فِي إِقَامَة الجِهَاد، وَإِبَادَة
الأَضدَاد مَا سُمِعَ بِمِثْلِهَا لأَحدٍ فِي دَهْر.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ فِي حِصَار عزَاز (1) : كَانَتْ
لجَاولي خيمَة كَانَ السُّلْطَان يَحضر فِيْهَا، وَيَحضّ
الرِّجَال، فَحضر باطنِيَّة فِي زيِّ الأَجْنَاد، فَقفز
عَلَيْهِ وَاحِد ضربه بِسكين لَوْلاَ المِغْفَرُ الزَّرَدُ
(2) الَّذِي تَحْت القلنسوَة، لِقتله، فَأَمسكَ
السُّلْطَان يَد البَاطِنِيّ بيدَيْهِ، فَبقِي يَضربُ فِي
عُنُق السُّلْطَان ضرباً ضَعِيْفاً، وَالزَّرَدُ تَمنع،
وَبَادر الأَمِيْر بَازكوج، فَأَمسك السِّكِّين، فَجرحته،
وَمَا سيَّبهَا البَاطِنِيّ حَتَّى بَضَّعُوْهُ، وَوَثَبَ
آخر، فَوَثَبَ عَلَيْهِ ابْن منكلاَن، فَجرحَه
البَاطِنِيُّ فِي جنبه، فَمَاتَ، وَقُتِلَ البَاطِنِيّ،
وَقفز ثَالِث، فَأَمسكه الأَمِيْر عَلِيُّ بن أَبِي
الفَوَارِسِ، فَضمَّه تَحْتَ إِبطه (3) ، فَطعَنَه صَاحِب
حِمْص (4) ، فَقَتَلَهُ،
__________
(1) (مفرج الكروب): 2 / 44 - 45.
(2) زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة.
(3) في (مفرج الكروب): من تحت إبطيه.
(4) يعني ناصر الدين ابن أسد الدين شيركوه.
(21/281)
وَركب السُّلْطَانُ إِلَى مُخيَّمه،
وَدَمُه يَسِيْل عَلَى خَدّه، وَاحتجب فِي بَيْت خشب،
وَعرض جُنْده، فَمَنْ أَنْكَره، أَبعدَهُ.
قَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ: أَتيت، وَصَلاَح
الدِّيْنِ بِالقُدْس، فَرَأَيْت ملكاً يَملأَ العُيُون
روعَة، وَالقُلُوْب مَحَبَّة، قَرِيْباً بعيداً، سهلاً،
محبَّباً، وَأَصْحَابه يَتشبَّهون بِهِ، يَتسَابقُوْنَ
إِلَى المَعْرُوف، كَمَا قَالَ -تَعَالَى* -: {وَنَزَعْنَا
مَا فِي صُدُوْرِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً } [الحِجْرُ:
47] وَأَوّل لَيْلَة حضَرتُهُ وَجَدْت مَجْلِسه حَفْلاً
بِأَهْلِ العِلْمِ يَتَذَاكَرُوْنَ، وَهُوَ يُحْسنُ
الاستمَاع وَالمشَاركَة، وَيَأْخذ فِي كَيْفِيَة بِنَاء
الأَسْوَار، وَحفر الخنَادق، وَيَأْتِي بِكُلِّ مَعْنَىً
بَدِيْع، وَكَانَ مهتماً فِي بِنَاء سورِ بَيْتِ
المَقْدِسِ وَحفْر خَنْدَقه، وَيَتولَّى ذَلِكَ
بِنَفْسِهِ، وَيَنْقل الحجَارَة عَلَى عَاتقه،
وَيَتَأَسَّى بِهِ الخلقُ حَتَّى القَاضِي الفَاضِل،
وَالعِمَاد إِلَى وَقت الظُّهْر، فِيمدُّ السمَاط،
وَيسترِيح، وَيَرْكبُ الْعَصْر، ثُمَّ يَرْجِع فِي ضوء
المشَاعل، قَالَ لَهُ صَانِع: هَذِهِ الحجَارَة الَّتِي
تُقْطَع مِنْ أَسفل الخَنْدَق رخوَة.
قَالَ: كَذَا تَكُوْن الحجَارَة الَّتِي تلِي القرَار
وَالنّدَاوَة، فَإِذَا ضربَتْهَا الشَّمْس، صَلُبَت.
وَكَانَ يَحفظ (الحمَاسَة)، وَيظَنّ أَن كُلّ فَقِيْه
يَحفظهَا، فَإِذَا أَنْشَدَ، وَتَوَقَّفَ، اسْتطْعمَ فَلاَ
يُطعَم، وَجَرَى لَهُ ذَلِكَ مَعَ القَاضِي الفَاضِل،
وَلَمْ يَكُنْ يَحفظُهَا، وَخَرَجَ، فَمَا زَالَ حَتَّى
حَفِظهَا، وَكَتَبَ لِي صَلاَح الدِّيْنِ بِثَلاَثِيْنَ
دِيْنَاراً فِي الشَّهْر، وَأَطلق أَوْلاَده لِي روَاتب،
فَأُشْغلت بِجَامِعِ دِمَشْقَ.
وَكَانَ أَبُوْهُ ذَا صلاَحٍ، وَلَمْ يَكُنْ صَلاَح
الدِّيْنِ بِأَكْبَر أَوْلاَده.
وَكَانَ صَلاَح الدِّيْنِ شِحْنَة دِمَشْق، فَكَانَ يَشرَب
الخَمْر، ثُمَّ تَابَ، وَكَانَ مُحببّاً إِلَى نُوْر
الدِّيْنِ يُلاعبُه بِالكُرَة.
(21/282)
وَكَانَتْ وَقعته بِمِصْرَ مَعَ
السُّودَان، وَكَانُوا نَحْو مائَتَيْ أَلف، فَنُصِر
عَلَيْهِم، وَقَتَلَ أَكْثَرهُم.
وَفِي هَذِهِ الأَيَّام اسْتولَى ملك الخَزَر عَلَى
دُوِيْن، وَقتلَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً.
حُمَّ صَلاَح الدِّيْنِ، فَفَصده مَنْ لاَ خَبَرَة لَهُ،
فَخَارت القُوَّة، وَمَاتَ، فَوَجَد النَّاسُ عَلَيْهِ
شبيهاً بِمَا يَجدُوْنَهُ عَلَى الأَنْبِيَاء، وَمَا
رَأَيْتُ ملكاً حَزِنَ النَّاس لِمَوْتِهِ سِوَاهُ،
لأَنَّه كَانَ مُحببّاً، يُحِبُّه البِرّ وَالفَاجر،
وَالمُسْلِم وَالكَافِر، ثُمَّ تَفرّق أَوْلاَده
وَأَصْحَابه أَيَادِي سَبَأ، وَتَمزّقُوا.
وَلَقَدْ صدق العِمَاد فِي مَدحه حَيْثُ يَقُوْلُ:
وَلِلنَّاسِ بِالمَلِكِ النَّاصِرِ الصَّلاَ ... حِ
صَلاَحٌ وَنَصْرٌ كَبِيْرُ
هُوَ الشَّمْسُ أَفلاَكُهُ فِي البِلاَ ... دِ
وَمَطْلَعُهُ سَرْجُهُ وَالسَّرِيْرُ
إِذَا مَا سَطَا أَوْ حَبَا وَاحْتَبَى ... فَمَا
اللَّيْثُ مِنْ حَاتِمٍ مَا ثَبِيْرُ
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : بَلَغَنِي أَنّ صَلاَح
الدِّيْنِ قَدِمَ بِهِ أَبُوْهُ وَهُوَ رضيعٌ، فَنَاب
أَبُوْه بِبَعْلَبَكَّ إِلَى آخذهَا أَتَابك زَنْكِي (2) ،
وَقِيْلَ: إِنَّهُم خَرَجُوا مِنْ تَكرِيت فِي لَيْلَةِ
مَوْلِد صَلاَح الدِّيْنِ، فَتطيَّرُوا بِهِ، فَقَالَ
شِيرْكُوْه أَوْ غَيْره: لَعَلَّ فِيْهِ الخَيْر وَأَنْتُم
لاَ تَعلمُوْنَ...، إِلَى أَنْ قَالَ (3) :
وَكَانَ شِيرْكُوْه أَرْفَع مَنْزِلَةً عِنْد نُوْر
الدِّيْنِ، فَإِنَّهُ كَانَ مُقدَّمَ جيوشِهِ.
__________
(1) (وفيات): 7 / 143 - 145.
(2) أصل الخبر عند ابن خلكان: (فلما فتح عماد الدين زنكي
بعلبك، جعل نجم الدين دزدارها) والدزدار كلمة أعجمية بمعنى
حافظ القلعة، وهو الوالي، فجعلها الذهبي هنا (نائب).
(3) (الوفيات): 7 / 146 فما بعد، وقد تصرف الذهبي بالنص
تصرفا كبيرا، فلخص، وغير وقدم وأخر على عادته، لكنه احتفظ
بالمعنى، وهذه طريقته، رحمه الله، وهي طريقة مربكة.
(21/283)
وَوَلِيَ صَلاَح الدِّيْنِ وِزَارَة
العَاضد، وَكَانَتْ كَالسلطنَة (1) ، فَولِي بَعْد عَمّه
سَنَة 564، ثُمَّ مَاتَ العَاضد سَنَة 67، فَاسْتقلَّ
بِالأَمْرِ مَعَ مدَارَاة نُوْر الدِّيْنِ وَمرَاوَغته،
فَإِنَّ نُوْر الدِّيْنِ عزم عَلَى قصد مِصْر؛ ليُقيم
غَيْر صَلاَح الدِّيْنِ، ثُمَّ فَتَر، وَلَمَّا مَاتَ
نُوْر الدِّيْنِ، أَقْبَل صَلاَح الدِّيْنِ ليُقيم نَفْسه
أَتَابكاً لولد نُوْر الدِّيْنِ، فَدَخَلَ البَلَد بِلاَ
كلفَة، وَاسْتَوْلَى عَلَى الأُمُوْر فِي رَبِيْعٍ
الأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعِيْنَ، وَنَزَلَ بِدَارِ
العَقِيْقِيّ، ثُمَّ تسلّم القَلْعَة، وَشَال الصَّبيّ
مِنَ الْوسط ثُمَّ سَارَ، فَأَخَذَ حِمْص، ثُمَّ نَازل
حلب، وَهِيَ الوقعَة الأُوْلَى، فَجَهَّزَ السُّلْطَانُ
غَازِي مِنَ المَوْصِل أَخَاهُ عِزّ الدِّيْنِ مسعُوْداً
فِي جَيْش، فَرحّله، وَقَدِمَ حِمْص، فَأَقْبَل مَسْعُوْد
وَمَعَهُ الْحَلَبِيُّونَ، فَالتقوا عَلَى قرُوْن حَمَاة،
فَانْهزم مَسْعُوْد، وَأُسِرَ أُمَرَاؤُهُ، وَسَاقَ صَلاَح
الدِّيْنِ، فَنَازل حلب ثَانِياً، فَصَالَحُوْهُ بِبذْلِ
المَعَرَّة وَكفرطَاب، وَبلغ غَازِي كَسْرَةُ أَهْله
وَأَخِيْهِ، فَعبر الفُرَات، وَقَدِمَ حلب، فَتلقَاهُ ابْن
عَمِّهِ الْملك الصَّالِح، ثُمَّ التَقَوا هُم وَصَلاَح
الدِّيْنِ، فَكَانَتْ وَقْعَة تلّ السُّلْطَان، وَنُصِرَ
صَلاَح الدِّيْنِ أَيْضاً، وَرجع صَاحِب المَوْصِل.
ثُمَّ أَخَذَ صَلاَح الدِّيْنِ مَنْبِج وَعزَاز، وَنَازل
حلب ثَالِثاً، فَأَخرجُوا إِلَيْهِ بِنْت نُوْر الدِّيْنِ،
فَوَهَبهَا عزَاز.
وَرد إِلَى مِصْرَ، وَاسْتنَاب عَلَى دِمَشْقَ أَخَاهُ
صَاحِب اليَمَن تُوْرَانْشَاه، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ مِصْرَ
سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ، فَالتَقَى الفِرنْج،
فَانْكَسَرَ.
ثُمَّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ نَازل حلب،
وَأَخَذَهَا، وَعوّض عَنْهَا عِمَاد الدِّيْنِ زَنْكِي
بِسِنْجَار وَسَرُوج، وَرتّب بِحَلَبَ وَلده الْملك
الظَّاهِر.
ثُمَّ حَاصر الكَرَك، وَجَاءت إِمدَادَات الفِرنْج.
__________
(1) يعني من حيث الصلاحيات والقوة.
(21/284)
وَفِي شَعْبَان سَنَةَ إِحْدَى
وَثَمَانِيْنَ نَازل صَلاَح الدِّيْنِ المَوْصِل، وَتردّدت
الرُّسُل بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبهَا عِزّ الدِّيْنِ،
وَتَمرّض، وَتَأَخّر إِلَى حرَّان، وَاشتدَّ مَرضه،
وَحلفُوا لأَوْلاَده بِأَمره (1) ، وَأَوْصَى عَلَيْهِم
أَخَاهُ العَادل (2) ، ثُمَّ مرّ بِحِمْصَ، وَقَدْ مَاتَ
صَاحِبهَا نَاصِر الدِّيْنِ مُحَمَّد (3) ، ابْن عَمِّهِ،
فَأَعْطَاهَا لوَلَده المُجَاهِد شِيرْكُوْه وَلَهُ
اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً.
وَفِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ افْتَتَحَ صَلاَح
الدِّيْنِ بلاَد الفِرنْج، وَقهرهُم، وَأَبَاد
خَضْرَاءهُم، وَأَسَرَ ملوكهُم عَلَى حطّين.
وَكَانَ قَدْ نَذر أَن يَقتُل أَرنَاط (4) صَاحِب الكَرَك،
فَأَسره يَوْمَئِذٍ، كَانَ قَدْ مرّ بِهِ قَوْم مِنْ
مِصْرَ فِي حَال الهُدنَة، فَغَدَرَ بِهِم، فَنَاشدُوْهُ
الصُّلح، فَقَالَ مَا فِيْهِ اسْتخفَافٌ بِالنَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَتَلَهُم،
فَاسْتحضر صَلاَح الدِّيْنِ المُلُوْك، ثُمَّ نَاول الْملك
جفرِي (5) شربَة جلَّاب ثَلج، فَشرب، فَنَاول أَرنَاط،
فَشرب، فَقَالَ السُّلْطَان لِلتَرْجمَان: قل لجفرِي:
أَنْتَ الَّذِي سقيتَهُ، وَإِلاَّ أَنَا فَمَا سقَيْتُه.
ثُمَّ اسْتحضر البرِنْس أَرنَاط فِي مَجْلِس آخر، وَقَالَ:
أَنَا أَنْتصر لِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِنْكَ.
ثُمَّ عرض عَلَيْهِ الإِسْلاَم، فَأَبَى، فَحلَّ كتفه
بِالنِيمجَاه (6) ، وَافتَتَح عَامَهُ مَا لَمْ يَفتحْهُ
ملكٌ، وَطَار صِيْتُهُ فِي الدُّنْيَا، وَهَابته
المُلُوْك.
ثُمَّ وَقَعَ النّوح وَالمَأَتم فِي جزَائِر البَحْر
وَإِلَى رومِيةَ، وَنُودِيَ بِالنّفِير إِلَى
__________
(1) يعني حلف الناس لاولاد صلاح الدين وذلك بسبب اشتداد
المرض عليه.
(2) يريد: جعله وصيا عليهم.
(3) قيل: مات من كثرة شرب الخمر، وقيل إن السلطان دس له من
سمه، وكلها إشاعات ترد عند المؤرخين.
(4) هو الأمير رينو دي شاتيلون =
Prince Renaud de Chatillon
(5) وهو: Geoffri de Lusignan
(6) النيمجاه: خنجر مقوس يشبه السيف القصير، وهو معرب
(نيمجه) (راجع تعليق المرحوم الشيال على سيرة صلاح الدين:
79 وراجع مستدرك دوزي).
(21/285)
نُصْرَة الصّليب، فَأَتَى السُّلْطَانَ
مِنْ عَسَاكِر الفِرنْج مَا لاَ قِبَلَ لَهُ بِهِ،
وَأَحَاطُوا بعكَّا (1) .
وَقَالَ آخر: أَوّل فُتُوْحَاته الإِسْكَنْدَرِيَّة فِي
سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ، وَقَاتَلَ مَعَهُ
أَهْلُهَا لَمَّا حَاصَرَتْهُم الفِرنْج أَرْبَعَة
أَشْهُرٍ، ثُمَّ كشَفَهُم عَنْهُ عَمُّه أَسَد الدِّيْنِ،
فَتركهَا، وَقَدِمَا الشَّام.
ثُمَّ تَملّك وِزَارَة العَاضد، وَاستتبَّ لَهُ الأَمْرُ،
وَأَبَاد آل عُبَيْدٍ وَعَبِيْدَهُم، وَتَملّك دِمَشْق
ثُمَّ حِمْص، وَحَمَاة، وَحلب، وَآمِد،
وَمَيَّافَارِقِيْن، وَعِدَّة بلاَد بِالجَزِيْرَةِ،
وَدِيَار بَكْرٍ.
وَبَعَثَ أَخَاهُ، فَافْتَتَحَ لَهُ اليَمَن، وَسَارَ
بَعْض عَسْكَره، فَافْتَتَح لَهُ بَعْض المَغْرِب، وَلَمْ
يَزَلْ سُلْطَانه فِي ارتقَاء إِلَى أَنْ كَسَرَ الفِرنْج
نَوْبَة حطّين.
ثُمَّ افْتَتَحَ عكَّا، وَبَيْرُوْت، وَصيدَا، وَنَابُلُس،
وَقيسَارِيَّة، وَصَفُّورِيَّة، وَالشَّقِيْف، وَالطُّور،
وَحَيْفَا، وَطَبَرِيَّة، وَتبنِيْنَ، وَجُبَيْل،
وَعَسْقَلاَن، وَغزَّة، وَالقُدْس، وَحَاصَرَ صُوْر
مُدَّة، وَافتَتَح أَنطَرْطُوسَ، وَهُوْنِيْنَ، وَكَوْكَب،
وَجَبَلَة، وَاللاَّذِقِيَّة، وَصِهْيَوْن، وَبلاَطُنُس،
وَالشُّغْرَ، وَبَكَاس، وَسُرمَانِية، وَبُرزَية (2) ،
وَدربسانَ (3) ، وَبَغْرَاس، ثُمَّ هَادن بُرْنُس
أَنطَاكيَة، ثُمَّ افْتَتَح الكَرَك بِالأَمَانِ،
وَالشَّوْبَك، وَصَفَدَ، وَشَقِيْف أَرنوْنَ، وَحضَرَ
عِدَّة وَقعَات.
وَخَلَّفَ مِنَ الأَوْلاَدِ: صَاحِبَ مِصْر الْملك
العَزِيْز عُثْمَان، وَصَاحِب حلب الظَّاهِر غَازِياً،
وَصَاحِب دِمَشْق الأَفْضَل عَلِيّاً، وَالملك المعزَّ
فَتح الدِّيْنِ إِسْحَاق، وَالملك المُؤَيَّد مسعُوْداً،
وَالملك الأَعزّ يَعْقُوْب، وَالملك المُظَفَّر
__________
(1) إلى هنا انتهى أخذ المؤلف عن ابن خلكان.
(2) هكذا هي مقيدة بالاصل، وفي (معجم البلدان) لياقوت:
برزوية - بالفتح وضم الزاي، وسكون الواو وفتح الياء،
والعامة يقولون: برزية.
(3) هكذا في الأصل، وفي (سيرة ابن شداد) (ص: 93، 248):
(دربساك) وفي (الكامل) لابن الأثير: درب ساك.
(21/286)
خَضِراً، وَالملك الزَّاهر مُجِيْر
الدِّيْنِ دَاوُد، وَالملك المُفَضَّل قُطْب الدِّيْنِ
مُوْسَى، وَالملك الأَشرف عزِيز الدِّيْنِ مُحَمَّداً،
وَالملك المُحْسِن جمَال المُحَدِّثِيْنَ ظَهِيْر
الدِّيْنِ أَحْمَدَ، وَالمُعَظَّم فَخْر الدِّيْنِ
تُوْرَانْشَاه، وَالملك الجَوَاد رُكْن الدِّيْنِ
أَيُّوْب، وَالملك الغَالِب نصِيْر الدِّيْنِ مَلِكْشَاه،
وَعِمَاد الدِّيْنِ شَاذِي، وَنصرَة الدِّيْنِ مَرْوَان،
وَالملك المُظَفَّر أَبَا بَكْرٍ، وَالسَّيِّدَة مُؤنسَة
زَوْجَة الْملك الكَامِل.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: يُوْنُس الفَارِقِيُّ، وَالقَاضِي
العِمَاد الكَاتِب.
مرِضَ بِحُمَّى صفرَاوية، وَاحتدّ الْمَرَض، وَحَدَثَ بِهِ
فِي التَّاسع رعشَةٌ وَغِيبَة، ثُمَّ حُقِنَ مرَّتين،
فَاسْترَاح، وَسرب، ثُمَّ عرق حَتَّى نفذَ مِنَ الفِرَاش،
وَقضَى فِي الثَّاني عشر.
تُوُفِّيَ: بِقَلْعَة دِمَشْق، بَعْد الصُّبْح، مَنْ يَوْم
الأَرْبعَاء، السَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ صفر، سَنَة
تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
مَحَاسِنُ صَلاَح الدِّيْنِ جَمَّة، لاَ سِيَّمَا
الجِهَاد، فَلَهُ فِيْهِ اليَد البيضَاء بِبذل الأَمْوَال
وَالخيل المُثَمَّنَة لِجندِه.
وَلَهُ عقلٌ جَيِّد، وَفهمٌ، وَحزمٌ، وَعَزَمٌ.
قَالَ العِمَاد: أَطلق فِي مُدَّة حِصَار عكَّا اثْنَيْ
عَشَرَ أَلف فَرَس، قَالَ: وَمَا حضَر اللِّقَاء إِلاَّ
اسْتَعَار فَرساً، وَلاَ يَلبس إِلاَّ مَا يَحلّ لُبْسُهُ
كَالكتان وَالقطن، نَزَّه المَجَالِس مِنَ الْهزْل،
وَمحَافلُهُ آهلَةٌ بِالفُضَلاَء، وَيُؤثِرُ سَمَاع
الحَدِيْث بِالأَسَانِيْد، حليماً، مُقيلاً لِلْعثرَة،
تَقيّاً نَقيّاً، وَفِيّاً صفِيّاً، يُغضِي وَلاَ يغضبُ،
مَا ردَّ سَائِلاً، وَلاَ خجَّلَ قَائِلاً، كَثِيْرُ
البِرِّ وَالصَدَقَات، أَنْكَر عليَّ تحليَةَ دوَاتِي
بفِضَّة، فَقُلْتُ: فِي جَوَازه وَجهٌ ذَكَرَهُ أَبُو
مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِيّ، وَمَا رَأَيْتهُ صَلَّى إِلاَّ
فِي جَمَاعَةٍ.
(21/287)
قُلْتُ: وَحضر وَفَاته القَاضِي الفَاضِل.
وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ القُرْطُبِيّ إِمَام الكلاّسَة
(1) : إِنَّنِي انتهيتُ فِي القِرَاءةِ إِلَى قَوْلِهِ
-تَعَالَى-: {هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ
عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } [الحَشْرُ: 22]
فَسَمِعْتُ صَلاَح الدِّيْنِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: صَحِيْح.
وَكَانَ ذِهْنه قَبْل ذَلِكَ غَائِباً (2) ، ثُمَّ مَاتَ،
وَغسَّلَه الخَطِيْب الدَّوْلَعِيّ، وَأُخْرِج فِي تَابوت،
فَصَلَّى عَلَيْهِ القَاضِي مُحْيِي الدِّيْنِ ابْن
الزَّكِيّ، وَأُعيد إِلَى الدَّارِ الَّتِي فِي البُسْتَان
الَّتِي كَانَ مُتَمرِّضاً فِيْهَا، وَدُفِنَ فِي
الصُّفَّة، وَارتفعت الأَصوَات بِالبُكَاء، وَعظُم
الضّجيج، حَتَّى إِنَّ العَاقل ليُخيَّل لَهُ أَنَّ
الدُّنْيَا كُلّهَا تَصيح صَوْتاً وَاحِداً، وَغَشِي
النَّاس مَا شغلهُم عَنِ الصَّلاَة عَلَيْهِ، وَتَأَسَّف
النَّاس عَلَيْهِ حَتَّى الفِرنْج لِما كَانَ مِنْ صدق
وَفَائِهِ.
ثُمَّ بَنَى وَلده الأَفْضَل قُبَّةً شمَالِي الجَامِع،
وَنقلَهُ إِلَيْهَا بَعْد ثَلاَث سِنِيْنَ، فَجَلَسَ
هُنَاكَ لِلْعزَاء ثَلاَثاً.
وَكَانَ شَدِيد القوَى، عَاقِلاً، وَقُوْراً، مَهِيْباً،
كَرِيْماً، شُجَاعاً.
وَفِي (الرَّوْضَتين) لأَبِي شَامَة (3) : أَنَّ
السُّلْطَان لَمْ يُخلِّف فِي خزَانته مِنَ الذَّهَبِ
وَالفِضَّة إِلاَّ سَبْعَة وَأَرْبَعِيْنَ دِرْهَماً،
وَدِيْنَاراً صُوْرِيّاً، وَلَمْ يُخَلِّف مِلْكاً وَلاَ
عقَاراً -رَحِمَهُ الله- وَلَمْ يَخْتلف عَلَيْهِ فِي
أَيَّامِهِ أَحَد مَنْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ النَّاسُ
يَأْمنُوْنَ ظلمَه، وَيَرجُوْنَ رِفْدَه، وَأَكْثَرُ مَا
كَانَ يَصِلُ عطَاؤُه إِلَى الشّجعَانِ، وَإِلَى
العُلَمَاءِ، وَأَربَابِ البيوتَاتِ، وَلَمْ يَكُنْ لمبطلٍ
وَلاَ لمَزَّاحٍ عِنْدَهُ نصِيْب.
__________
(1) كان الشيخ أبو جعفر قد استدعي ليبيت عنده يقرأ القرآن،
ويلقنه الشهادة عند حضور الوفاة، وتوفي أبو جعفر هذا سنة
596، وستأتي ترجمته (رقم: 156).
(2) وتمام الخبر أن القاضي الفاضل جاءه عند أذان الصبح،
وكان في آخر رمق، فلما قرأ القارئ (لا إله إلا هو عليه
توكلت)، تبسم، وتهلل وجهه، وأسلم روحه إلى ربه سبحانه.
(3) (الروضتين).
(21/288)
قَالَ المُوَفَّق: وُجِدَ فِي خزَانته
بَعْد مَوْته دِيْنَارٌ وَثَلاَثُوْنَ دِرْهَماً، وَكَانَ
إِذَا نَازل بَلَداً، وَأَشرف عَلَى أَخذهِ، ثُمَّ طلبُوا
مِنْهُ الأَمَان، آمنهُم، فِيتَأَلَّم لِذَلِكَ جَيْشه،
لفوَات حظِّهم.
قَالَ القَاضِي بَهَاء الدِّيْنِ ابْن شَدَّاد (1) : قَالَ
لِي السُّلْطَان فِي بَعْضِ محَاورَاته فِي عقد الصُّلح:
أَخَاف أَنْ أصَالِحَ، وَمَا أَدْرِي أَيش يَكُوْن مِنِّي،
فِيقوَى هَذَا العَدُوّ، وَقَدْ بقيَتْ لَهُم بلاَدٌ،
فِيخرجُوْنَ لاستعَادَة مَا فِي أَيدِي المُسْلِمِيْنَ،
وَترَى كُلّ وَاحِد مِنْ هَؤُلاَءِ -يَعْنِي أَخَاهُ
وَأَولادَهم- قَدْ قَعَدَ فِي رَأْس تَلِّهِ -يَعْنِي
قَلعته- وَيَقُوْلُ: لاَ أَنْزِلُ، وَيهلك المُسْلِمُوْنَ.
قَالَ ابْنُ شَدَّادٍ: فَكَانَ -وَاللهِ- كَمَا قَالَ،
اخْتلفُوا، وَاشْتَغَل كُلُّ وَاحِدٍ بِنَاحِيَتِه،
وَبَعُدَ، فَكَانَ الصُّلحُ مصلحَةً.
قُلْتُ: مِنْ لُطفِ الله لمَا تَنَازع بَنُوْ أَيُّوْب،
وَاخْتَلَفُوا يَسَّر الله بِنقصِ همَّة الأَعْدَاء،
وَزَالت تِلْكَ الشَّهَامَة مِنْهُم.
وَكَتَبَ القَاضِي الفَاضِل تَعزِيَةً إِلَى صَاحِب حلب(2)
: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُوْلِ اللهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ } [الأَحزَاب : 21]، {إِنَّ زَلْزَلَةَ
السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيْمٌ } [الحَجّ: 1] كَتَبتُ إِلَى
مَوْلاَنَا الْملك (3) الظَّاهِر أَحْسَنَ الله عزَاءهُ،
وَجَبَر مُصَابَهُ، وَجَعَلَ فِيْهِ الخلفَ مِنَ السَّلَف
فِي السَّاعَة المَذْكُوْرَة (4) ، وَقَدْ زُلْزِلَ
المُسْلِمُوْنَ زلزَالاً شدِيداً، وَقَدْ حضَرَتِ
الدُّمُوعُ المَحَاجر، وَبَلَغتِ
__________
(1) (السيرة): 235 (ط.
الدكتور الشيال القاهرة 1964).
(2) هو ولده الملك الظاهر، وقد أوردها ابن خلكان وغيره.
(3) ابن خلكان: (مولانا السلطان الملك).
(4) ابن خلكان: (وجعل فيه الخلف في الساعة المذكورة) فهو
يحذف: (من السلف).
(21/289)
القُلُوْبُ الحنَاجر، وَقَدْ وَدَّعتُ
أَبَاك وَمخدومِي وَدَاعاً لاَ تلاَقِي بَعْدَهُ (1) ،
وَقبَّلتُ وَجهَهُ عَنِّي وَعنكَ، وَأَسلَمْتُهُ إِلَى
اللهِ وَحْدَهُ (2) مغلوبَ الحيلَةِ، ضَعِيْفَ القُوَّةِ،
رَاضياً عَنِ اللهِ، وَلاَ حُوْل وَلاَ قوّة إِلاَّ
بِاللهِ.
وَبِالبَاب مِنَ الجُنُوْد المجنّدَة، وَالأَسلحَة
المعمدَة (3) مَا لَمْ يَدْفَعِ البَلاَء، وَلاَ مَا (4)
يَردُّ القَضَاء، تَدْمَع (5) العينُ، وَيَخشعُ القَلْبُ،
وَلاَ نَقُوْل إِلاَّ مَا يَرضِي الرّبَّ، وَإِنَّا بِك
يَا يُوْسُف لمحزونُوْنَ (6) .
وَأَمَّا الوصَايَا، فَمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهَا،
وَالآرَاءُ، فَقَدْ شَغَلنِي المصَابُ عَنْهَا، وَأَمَّا
لاَئِح الأَمْر، فَإِنَّهُ إِن وَقَعَ اتِّفَاقٌ، فَمَا
عدِمْتُم إِلاَّ شَخْصَهُ الكَرِيْم، وَإِنْ كَانَ غَيْر
ذَلِكَ، فَالمصَائِبُ المستقبلةُ أَهونُهَا مَوْته (7) .
وَلِلْعَلَم الشَّاتَانِيِّ (8) فِيْهِ قصيدَة، مطلعهَا:
أَرَى النَّصْرَ مَقْرُوْناً بِرَايَتِكَ الصَّفْرَا ...
فَسِرْ وَاملِكِ الدُّنْيَا فَأَنْت بِهَا أَحْرَى
__________
(1) ابن خلكان: وقد.
(2) ابن خلكان: إلى الله تعالى.
(3) ابن خلكان: المعدة.
(4) ابن خلكان: ملك.
(5) ابن خلكان: وتدمع.
(6) ابن خلكان: وإنا عليك محزونون يا يوسف.
(7) يضيف ابن خلكان: وهو الهول العظيم، والسلام.
(8) هو علم الدين أبو علي الحسن بن سعيد بن عبد الله
الشاتاني الأديب، ينسب إلى قلعة شاتان بلدة بنواحي ديار
بكر.
ولد سنة 510، وقدم بغداد، وتفقه بالمدرسة النظامية، وسمع
الشيوخ، وسافر إلى دمشق غير مرة، واستوطن الموصل، وتوفي
سنة 579 كما في (تاريخ الإسلام) للذهبي، الورقة: 78 (أحمد
الثالث 2917 / 14) و(طبقات) السبكي: 7 / 61.
وترجم له العماد في القسم الشامي من الخريدة: 2 / 361،
وأبو شامة في الروضتين: 1 / 271، وياقوت في (شاتان) من
معجم البلدان: 3 / 226 وابن الفوطي في تلخيصه: 4 /
الترجمة: 837 وتصحف فيه وفاته إلى سنة 599، وغيرهم.
وقد وقعت نسبته في أصل مخطوطتنا: الساتاني - بالسين
المهملة - وهو تصحيف.
(21/290)
وَبَعَثَ إِلَيْهِ ابْن التَّعَاوِيْذِيّ
(1) بِقَصِيدَتِهِ الطنَّانَة الَّتِي أَوَّلهَا (2) :
إِنْ كَانَ دِيْنُكَ فِي الصَّبَابَةِ دينِي ... فَقِفِ
المَطِيَّ برَمْلَتَي يَبرِيْنِ
وَالْثِمْ ثَرَىً لَوْ شَارَفَتْ بِي هُضْبَهُ ... أَيدِي
المَطِيِّ لَثَمْتُهُ بِجفُونِي
وَأَنْشَدَ فُؤَادِي فِي الظِّبَاءِ مُعَرِّضاً ...
فَبِغَيْر غِزْلاَنِ الصَّرِيْمِ جُنُوْنِي
وَنَشيدَتِي بَيْنَ الخيَامِ وَإِنَّمَا ... غَالَطْتُ
عَنْهَا بِالظِّبَاءِ العِينِ
للهِ مَا اشتَمَلَتْ عَلَيْهِ فتاتُهُم(3) ... يَوْمَ
النَّوَى مِنْ لُؤْلُؤٍ مَكنُوْنِ
مِنْ كُلِّ تَائِهَةٍ عَلَى أَترَابهَا ... فِي الحُسْنِ
(4) غَانِيَةٍ عَنِ التّحْسِيْن
خَوْدٍ يُرَى (5) قَمَرُ السَّمَاءِ إِذَا رَنَتْ(6) ...
مَا بَيْنَ سَالفَةٍ لَهَا وَجَبِيْنِ (7)
يَا سُلْمَ إِنْ ضَاعَت عُهُودِي عِنْدكُم ... فَأَنَا
الَّذِي استَوْدَعْتُ غَيْرَ أَمِيْنِ
هَيْهَاتَ مَا لِلبيْضِ فِي وُدِّ امْرِئٍ ... أَرَبٌ
وَقَدْ أَربَى عَلَى الخَمْسِيْنِ
لَيْتَ البَخِيْلَ (8) عَلَى المُحِبِّ بِوَصْلِهِ ...
لَقِنَ السَّمَاحَةَ مِنْ صَلاَحِ الدِّيْنِ
152 - العَزِيْزُ عُثْمَانُ بنُ صَلاَحِ الدِّيْنِ
يُوْسُفَ بنِ أَيُّوْبَ *
السُّلْطَانُ، المَلِكُ العَزِيْزُ، أَبُو الفَتْحِ
عِمَادُ الدِّيْنِ، عُثْمَانُ ابْنُ
__________
(1) يقصد: سبط ابن التعاويذي، ولم يكن الرجل ابنا
للتعاويذي وهذه من عادات الذهبي - رحمه الله - وكثيرا ما
يقول (قال ابن الجوزي) ويقصد به سبطه يوسف.
(2) الديوان: 420 - 424 (طبعه مرغليوث بمصر 1903).
وقد بعثها إليه حين كان السلطان بدمشق سنة 575.
(3) كذا في الأصل، وفي الديوان: قبابهم.
(4) الديوان: بالحسن.
(5) الديوان: تري.
(6) الديوان: بدت.
(7) الديوان: ما بين سالغة وبين جبين.
(8) الديوان: الضنين.
(*) ترجم له ابن الأثير في الكامل: 12 / 58، وسبط ابن
الجوزي في المرآة: 8 / 460، =
(21/291)
السُّلْطَانِ صَلاَحِ الدِّيْنِ يُوْسُفَ
(1) بنِ أَيُّوْبَ، صَاحِبُ مِصْر.
وُلِدَ فِي: سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
فِي جُمَادَى الأُوْلَى.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَابْن
عَوْف.
وَتَمَلَّكَ بَعْدَ أَبِيْهِ، وَكَانَ لاَ بَأْسَ
بِسِيرَتِهِ.
قَدِمَ دِمَشْق، وَحَاصَرَ أَخَاهُ الأَفْضَل.
نَقَلْتُ مَنْ خطِّ الضِّيَاء الحَافِظ، قَالَ: خَرَجَ
إِلَى الصّيد، فَجَاءته كتب مِنْ دِمَشْقَ فِي أَذِيَّة
أَصْحَابنَا الحَنَابِلَة -يَعْنِي فِي فِتْنَة الحَافِظ
عَبْد الغَنِيِّ- فَقَالَ: إِذَا رَجَعنَا مِنْ هَذِهِ
السّفرَة، كُلّ مَنْ كَانَ يَقُوْلُ بمقَالَتهُم
أَخرجنَاهُ مِنْ بلدنَا.
قَالَ: فَرمَاهُ فَرَس، وَوَقَعَ عَلَيْهِ، فَخسفَ
صَدْرَهُ، كَذَا حَدَّثَنِي يُوْسُف بن الطُّفَيْل، وَهُوَ
الَّذِي غسّله.
وَقَالَ المُنْذِرِيّ (2) : عَاشَ ثَمَانِياً وَعِشْرِيْنَ
سَنَةً، مَاتَ فِي العِشْرِيْنَ مِنَ المُحَرَّم، سَنَة
خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: دُفِنَ بقبَّة الشَّافِعِيّ -رَحِمَهُ الله
تَعَالَى-.
وَأُقيم بَعْدَهُ وَلدٌ لَهُ صَبِيّ (3) ، فَلَمْ يَتُمَّ
ذَلِكَ.
__________
= والمنذري في التكملة، الترجمة: 467، وابن الساعي في
الجامع المختصر: 9 / 6، وابن خلكان في الوفيات: 3 / 251،
وابن الفوطي في تلخيصه: 4 / الترجمة: 595، وأبو الفداء في
تاريخه: 3 / 100، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 78
(باريس 1582)، والاعلام، الورقة: 211، والعبر: 4 / 286،
ودول الإسلام: 2 / 78، وابن كثير في البداية: 13 / 18،
والمقريزي في السلوك: 1 / 143، وابن تغري بردي في النجوم:
6 / 146، وابن العماد في الشذرات: 4 / 319، وغيرهم.
(1) في الأصل: (ابن يوسف) وهو وهم جد ظاهر.
(2) (التكملة)، الترجمة: 467.
(3) كان عمره تقديرا عشر سنين، واسمه محمد، ولقبه ناصر
الدين.
(21/292)
وَقَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ:
كَانَ العَزِيْز شَابّاً، حسن الصُّوْرَة، ظرِيف
الشَّمَائِل، قويّاً، ذَا بَطش، وَأَيد، وَخفَّة حركَة،
حييّاً، كَرِيْماً، عَفِيْفاً عَنِ الأَمْوَال
وَالفُرُوْج، بلغَ مِنْ كَرمه أَنَّهُ لَمْ تَبق لَهُ
خزَانَة، وَلاَ خَاصٌّ، وَلاَ بركٌ، وَلاَ فَرَس.
وَبيوت أُمرَائِهِ تَفِيض بِالخيرَات، وَكَانَ شُجَاعاً
مِقْدَاماً، بلغَ مِنْ عفّته أَنَّهُ كَانَ لَهُ غُلاَم
تركِيّ بِأَلف دِيْنَار يُقَالُ لَهُ: أَبُو شَامَةَ،
فَوَقَفَ، فَرَاعَهُ حُسْنُه، فَأَمَرَه أَنْ يَنْزع
ثيَابه، وَجَلَسَ مِنْهُ مَجْلِس الخَنَا، فَأَدْرَكه
تَوفِيقٌ، فَأَسرع إِلَى سَرِيَّة لَهُ، فَقضَى وَطرَه...،
إِلَى أَنْ قَالَ:
وَأَمَّا عفّتُهُ عَنِ المَال، فَلاَ أَقدِرُ أَنْ أَصفَ
حِكَايَاته فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ (1) : كَانَتِ الرَّعِيَّةُ
يُحبُّونَهُ مَحَبَّة عَظِيْمَةً شَدِيْدَةً، وَكَانَتِ
الآمَال مُتَعَلِّقَة بِأَنَّهُ يسدُّ مسدَّ أَبِيْهِ،
وَلَمَّا سَارَ أَخُوْهُ الأَفْضَل مَعَ العَادل،
وَنَازلاَ بِلْبِيْسَ، وَتَزَلْزَلَ، بذلت لَهُ
الرَّعِيَّة أَمْوَالهَا، فَامْتَنَعَ.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ (2) : وَحُكِي عَنْهُ أَنّ عَبْد
الكَرِيْمِ ابْنَ البَيْسَانِيّ أَخَا القَاضِي الفَاضِل
كَانَ يَتولَّى البُحَيْرَة مُدَّة، وَحصَّل (3) ،
وَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيْهِ، فَعُزِل، وَكَانَ
مزوَّجاً بِبنت ابْن مُيَسَّرٍ، فَأَسَاء عشرتهَا لسُوء
خلقه، فَتوجّه أَبُوْهَا، وَأَثْبَت عِنْد قَاضِي
الإِسْكَنْدَرِيَّةِ ضَرَرهَا، وَأَنَّهُ قَدْ حَصَرهَا
فِي بَيْت، فَمَضَى القَاضِي بِنَفْسِهِ، وَرَام أَنْ
يَفتح عَنْهَا، فَلَمْ يَقدِرْ، فَأَحضر نَقَّاباً، فَنقبَ
البَيْت، وَأَخْرَجهَا، ثُمَّ سدَّ النَّقبَ، فَهَاجَ
عَبْدُ الكَرِيْمِ، وَقصد الأَمِيْر جهَاركس بِمِصْرَ،
وَقَالَ:
هَذِهِ خَمْسَة آلاَف دِيْنَار لَكَ، وَأَرْبَعُوْنَ أَلف
دِيْنَار لِلسُّلْطَانِ، وَأُوَلَّى قَضَاء
الإِسْكَنْدَرِيَّة. فَأَتَى العَزِيْز ليلاً، وَأَحضرَ
__________
(1) (مفرج الكروب): 3 / 83.
(2) نفسه: 3 / 84.
(3) يعني حصل أموالا جزيلة
(21/293)
الذّهب، فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: ردَّ
عَلَيْهِ مَالَه، وَقُلْ لَهُ: إِيَّاك وَالعَوْد إِلَى
مِثْلهَا فَمَا كُلُّ ملكٍ يَكُوْن عَادِلاً، أَنَا مَا
أَبيع أَهْل الإِسْكَنْدَرِيَّة بِهَذَا المَال.
قَالَ جهَاركس: فَوجمتُ، وَظهَرَ عليَّ، فَقَالَ: أَرَاك
أَخذْتَ شَيْئاً؟
قُلْتُ: نَعم، خَمْسَة آلاَف دِيْنَار.
قَالَ: أَعْطَاك مَالاً يَنفعُ مرَّةً، وَأَنَا أُعْطيكَ
مَا تَنْتَفعُ بِهِ مَرَّات.
ثُمَّ وَقَّعَ لِي بِإِطلاَق طُنبذَة (1) ، كُنْتُ
أَسْتَغلُّهَا سَبْعَة آلاَف دِيْنَار.
قُلْتُ: تَملّك دِمَشْق، وَأَنشَأَ بِهَا العَزِيْزِيَّة
إِلَى جَانب تربَة أَبِيْهِ.
وَخلّف وَلده النَّاصِرَ مُحَمَّداً، فَحلفُوا لَهُ،
فَامْتَنَعَ عمَّاهُ المُؤَيَّد وَالمعزّ إِلاَّ أَنْ
يَكُوْنَ لَهُمَا الأَتَابكيةُ، ثُمَّ حَلَفَا،
وَاخْتَلَفت الآرَاء، ثُمَّ كَاتِبُوا الْملك الأَفْضَل
مِنْ مِصْرَ، فَخَرَجَ مِنْ صَرْخَدُ إِلَيْهِم فِي
عِشْرِيْنَ رَاكِباً.
ثُمَّ جرت أُمُوْر، وَأَقْبَلَ العَادلُ، وَتَمَكَّنَ،
وَأَجلس ابْنه الكَامِل، وَضَعُفَ حَال الأفضلِ، وَعُزِلَ
النَّاصِرُ، وَانضمَّ إِلَى عَمّه بِحَلَبَ.
153 - الأَفْضَلُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ *
(2)
__________
(1) اسم مكان، وراجع كلاما جيدا عليها للمرحوم الدكتور
الشيال في تعليقه على (مفرج الكروب): 3 / 86 هامش 3.
(*) ترجم له ابن الأثير في الكامل: 12 / 176، وسبط ابن
الجوزي في المرآة: 8 / 637، والمنذري في التكملة، الترجمة:
2020، وأبو شامة في الذيل: 145، وابن خلكان في الوفيات: 3
/ 419، وأبو الفداء في المختصر: 3 / 142، والذهبي في دول
الإسلام: 2 / 96، والعبر: 5 / 91، والصفدي في الوافي: 12 /
234، وابن كثير في البداية: 13 / 108، وابن تغري بردي في
النجوم: 6 / 262، والمقريزي في السلوك 1 / 116، وابن
العماد في الشذرات: 5 / 101 وغيرهم.
(2) في الأصل: (أبو الفتح عثمان)، وهو وهم واضح جدا لعله
من سبق القلم، والصحيح ما أثبتناه من جميع المصادر ومنها
(تاريخ الإسلام) للذهبي، وهو بخطه (الورقة: =
(21/294)
تَمَلَّكَ دِمَشْقَ، ثُمَّ حَارَبَهُ
العَزِيْزُ أَخُوْهُ، وَقَهَرَهُ، ثُمَّ لَمَّا مَاتَ
العَزِيْزُ، أَسْرَعَ الأَفْضَلُ إِلَى مِصْرَ، وَنَابَ
فِي المُلْكِ، وَسَارَ بِالعَسْكَرِ المِصْرِيِّ، فَقصد
دِمَشْق، وَبِهَا عَمُّه العَادل، قَدْ بَادرَ إِلَيْهَا
مِنْ مَارْدِيْن قَبْل مجِيْء الأَفْضَل بيَوْمَيْنِ،
فَحَصَرَهُ الأفضلُ، وَأحرق الحوَاضر وَالبسَاتين،
وَعَمِلَ كُلّ قَبِيح، وَدَخَلَ البَلَد، وَضجَّتِ
الرَّعِيَّة بشعَاره، وَكَانَ مَحْبُوباً، فَكَادَ
العَادلُ أَنْ يَسْتَسلِمَ، فَتمَاسك، وَشدَّ أَصْحَابه
عَلَى أَصْحَابِ الْأَفْضَل، فَأَخرجُوْهُم، ثُمَّ قَدِمَ
الظَّاهِر وَمَعَهُ صَاحِب حِمْص، وَهمُّوا بِالزّحف،
فَلَمْ يَتَهَيَّأَ أَمرٌ، ثُمَّ سَفُل أَمر الأَفْضَل،
وَعَاد إِلَى صَرْخَدُ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى سُمَيْسَاط،
وَقنَع بِهَا، وَفِيْهِ تَشيّع بِلاَ رفض.
وَلَهُ نَظْمٌ وَفضِيْلَة، وَإِلَيه عهد أَبُوْهُ
بِالسلطنَة لمَا احتُضِر، وَكَانَ أَسنّ إِخْوَته، وَهُوَ
القَائِلُ فِي عَمّه العَادل:
ذِي سنَّةٍ بَيْنَ الأَنَامِ قَدِيْمَةٍ ... أَبَداً أَبُو
بَكْرٍ يَجُورُ عَلَى عليّ
وَقَدْ كتب مِنْ نَظمه إِلَى الخَلِيْفَة النَّاصِر -وَفِي
النَّاصِر تَشيّع-:
مَوْلاَيَ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَصَاحِبَهُ ... عُثْمَانَ
قَدْ غَصَبَا (1) بِالسَّيْفِ حقَّ عَلِي
وَهُوَ الَّذِي كَانَ قَدْ وَلاَّهُ وَالِدُه ...
عَلَيْهِمَا وَاسْتقَامَ الأَمْرُ حِيْنَ وَلِي
فَخَالفَاهُ وَحَلاَّ عَقْدَ بَيْعَتِهِ ... وَالأَمْرُ
بَيْنهُمَا وَالنَّصُّ فِيْهِ جَلِي
فَانظر إِلَى حَظِّ هَذَا الاسْم كَيْفَ لقِي ... مِنَ
الأَوَاخِرِ مَا لاَقَى مِنَ الأُوَلِ
فَأَجَابوهُ مِنَ الدِّيْوَان:
وَافَى كِتَابُكَ يَا ابْنَ يُوْسُفَ مُعْلِناً ...
بِالودِّ يُخْبِرُ أَنْ أَصْلَكَ طَاهِرُ
__________
= 23 - أيا صوفيا 3012)
(1) في الأصل: (عصيا) والتصحيح من (تاريخ الإسلام)، وابن
خلكان.
(21/295)
غَصَبُوا عَلِيّاً حَقَّهُ إِذْ لَمْ
يَكُنْ ... بَعْدَ الرَّسُول لَهُ بطَيْبَةَ نَاصِرُ (1)
فَابِشِرْ، فَإِنَّ غداً عَلَيْهِ حسَابهُم ... وَاصبرْ،
فَنَاصِرُكَ الإِمَامُ النَّاصِرُ (2)
مَاتَ الأَفْضَل: فُجَاءةً، بِسُمَيْسَاط، فِي صَفَرٍ،
سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ،
فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ أَخُوْهُ مُوْسَى، وَلُقّب
بِلَقَبِهِ، وَعَاشَ إِلَى سَنَةِ نَيِّفٍ وَثَلاَثِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، وَهِيَ (3) قَلْعَةٌ عَلَى الفُرَات
قَرِيْبَة مِنَ الكختَا (4) ، وَقَدْ دَثَرَتِ الآنَ.
عَاشَ سِتّاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، وَلَهُ ترسُّلٌ
وَفضِيْلَة وَخطّ مَنْسُوْب.
قَالَ عِزّ الدِّيْنِ ابْن الأَثِيْرِ (5) : وَكَانَ مِنْ
مَحَاسِن الدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي المُلُوْك
مِثْل.
كَانَ خَيّراً، عَادِلاً، فَاضِلاً، حليماً، كَرِيْماً
-رَحِمَهُ الله تَعَالَى-.
وَمِنْ شِعْرِهِ:
يَا مَنْ يُسَوِّدُ شَيْبَه (6) بِخِضَابهِ ... لَعَسَاهُ
فِي أَهْلِ الشَّبِيْبَةِ يَحصُلُ
هَا فَاخْتَضِبْ بِسوَادِ حَظِّي مرَّةً ... وَلَكَ
الأَمَانُ بِأَنَّهُ لاَ يَنْصُلُ
154 - الظَّاهِرُ غَازِي بنُ صَلاَحِ الدِّيْنِ يُوْسُفَ
بنِ أَيُّوْبَ *
سُلْطَانُ حَلَبَ، المَلكُ الظَّاهِرُ، غِيَاثُ الدِّيْنِ،
أَبُو مَنْصُوْرٍ غَازِي
__________
(1) ابن خلكان: (بعد النبي له بيثرب). وفي (تاريخ
الإسلام): بعد النبي له بطيبة.
(2) قال الذهبي في (تاريخ الإسلام): (وقيل، ولم يصح، أنه
جرد سبعين ألفا لنصرته، فجاء الخبر أن الامر قد فات فبطل
التجريد).
(3) يعني سميساط.
(4) هكذا في الأصل ولم يذكرها ياقوت.
وفي (تاريخ الإسلام) الذي بخط المؤلف: (وهي قلعة على
الفرات بين قلعة الروم وملطية) (الورقة: 24 - أيا صوفيا
3012)
(5) (الكامل): 12 / 176
(6) في (تاريخ الإسلام): شعره.
(*) ترجم له ابن الأثير في الكامل: 12 / 129، وسبط ابن
الجوزي في المرآة: 8 / 579، =
(21/296)
ابْنُ السُّلْطَانِ صَلاَحِ الدِّيْنِ
يُوْسُفَ بنِ أَيُّوْبَ.
مَوْلِدُهُ: بِمِصْرَ، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الطَّاهِرِ بنِ عَوْفٍ، وَعَبْد
اللهِ بنِ بَرِّيٍّ النَّحْوِيِّ، وَالفَضْلِ ابْنِ
البَانْيَاسِيِّ، وَحَدَّثَ.
تَمَلَّكَ حَلَبَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ بَدِيْعَ الحُسْنِ فِي صِبَاهُ، مَليحَ الشَّكلِ
فِي رجولِيَّتِهِ، لَهُ عقلٌ وَغورٌ وَدهَاءٌ وَفكرٌ
صَائِبٌ.
كَانَ يُصَادِقُ مُلُوْكَ الأَطرَافِ وَيباطِنُهُم،
وَيُوهمهُم أَنَّهُ لولاَهُ، لَقَصَدَهُم عَمُّه العَادلُ،
وَيوهِمُ عَمَّه أَنَّهُ لولاَهُ، لَتعَامَلَ عَلَيْهِ
المُلُوْكُ، وَلشقُّوا العصَا.
وَكَانَ كَرِيْماً مِعْطَاءً، يُتْحِفُ المُلُوْكَ
بِالهدَايَا السنِيَّة، وَيُكرم الرُّسُلَ وَالشُّعَرَاءَ
وَالقُصَّادَ.
وَكَانَ عَمُّه يَرْعَى لَهُ لِمَكَان بِنْتِهِ،
فَمَاتَتْ، فَزَوَّجَهُ بِأُخْتِهَا وَالِدَةِ ابْنِهِ
الملكِ العَزِيْزِ، فَلَمَّا وَلَدَتْ، زُيِّنَتْ حَلَبُ
مُدَّةَ شَهْرَيْنِ، وَأَنفَقَ عَلَى وِلاَدَتِهِ كرَائِمَ
الأَمْوَالِ، وَكَانَ قَدِ انضمَّ إِلَيْهِ إِخْوَتُهُ
وَأَولاَدُهُم، فَزوَّج ذكرَانَهُم بِإِنَاثِهِم، بِحَيْثُ
أَنَّهُ عَقَدَ بَيْنَهُم فِي يَوْم نَيِّفاً (1)
وَعِشْرِيْنَ عقداً.
__________
= والمنذري في التكملة، الترجمة: 1469، وأبو شامة في ذيل
الروضتين: 94، وابن العبري في تاريخه: 231، وابن خلكان في
الوفيات: 4 / 6، وابن واصل في مفرج الكروب: 2 / 178، 3 /
237، وابن الفوطي في تلخيصه: 4 / الترجمة: 1781 في
الملقبين بغياث الدين، وأبو الفداء في المختصر: 3 / 123،
والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 202 (باريس 1582)،
والعبر: 5 / 46، وابن كثير في البداية: 13 / 71، والمقريزي
في السلوك ج ق 1 ص: 185، والعيني في عقد الجمان: 17 /
الورقة: 355، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 218، وابن
العماد في الشذرات: 5 / 55 وغيرهم.
(1) في الأصل: نيف.
(21/297)
وَعَمَّرَ أَسوَارَ حَلَبَ أَكمَلَ
عمَارَةٍ.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ عبثَ بِالشَّاعِر الحلِّيِّ، وَأَلَحَّ
عَلَيْهِ، فَقَالَ الحِلِّيُّ: أَنظِمُ؟ يُعَرِّضُ
بِالهجَاءِ.
فَقَالَ الظَّاهِرُ: أَنْثُرُ؟ وَقبضَ عَلَى السَّيْف.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ (1) : كَانَ مَهِيْباً سَائِساً،
فَطناً، دَوْلَتُهُ معمورَةٌ بِالعُلَمَاءِ، مُزَيَّنَةٌ
بِالمُلُوْكِ وَالأُمَرَاءِ، وَكَانَ مُحسناً إِلَى
الرعيَّةِ، وَشَهِدَ مُعْظَمَ غَزَوَاتِ وَالِدِهِ،
وَكَانَ يَزورُ الصَّالِحِيْنَ، وَيَتفقَّدهُم، وَلَهُ
ذكَاءٌ مُفْرِطٌ، مَاتَ بِعلَّةِ الذَّربِ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ (2) : أَوْصَى فِي مَوْتِهِ
بِالمُلْكِ لِولدِهِ مِنْ بِنْتِ العَادِلِ، وَأَرَادَ
أَنْ يُرَاعِيْهَا إِخْوَتُهَا، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ
لأَحْمَدَ، ثُمَّ لِلْمَنْصُوْرِ مُحَمَّدِ ابْنِ أَخِيْهِ
المَلِكِ العَزِيْزِ، وَفوَّضَ القَلْعَةَ إِلَى طغرِيل
الخَادِمِ الرُّوْمِيِّ، تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثَ
عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ
سَنَةً.
قُلْتُ: كَانَ يُفِيقُ، وَيَتشهَّدُ، وَيَقُوْلُ:
اللَّهُمَّ بِكَ أَسْتجيرُ.
وَرثَاهُ شَاعِرُهُ رَاجِحٌ (3) الحلِّيُّ، فَقَالَ (4) :
سَلِ الخَطْبَ إِنْ أَصْغَى إِلَى مَنْ يُخَاطِبُهُ ...
بِمَنْ عَلِقَتْ أَنْيَابُهُ وَمَخَالِبُهْ
نشدتُكَ عَاتِبْهُ عَلَى نَائِبَاتِهِ ... وَإِنْ كَانَ
لاَ يَلْوِي عَلَى مَنْ يُعَاتِبُهْ (5)
إِلَى (6) اللهِ أَرمِي بِطَرْفِي ضَلاَلَةً ... إِلَى
أُفْقِ مَجْدٍ قَدْ تَهَاوَتْ كَوَاكِبُهْ
__________
(1) يعني: سبط ابن الجوزي، وانظر (المرآة): 8 / 579.
(2) (ذيل الروضتين): 94.
(3) توفي راجح بن إسماعيل بن أبي القاسم الأسدي الحلي سنة
627 وهو من الشعراء المشهورين.
(4) أوردها ابن خلكان بطولها وهي سبعة وأربعون بيتا:
(5) ابن خلكان: وإن كان نائي السمع عمن يعاتبه.
(6) ابن خلكان: لي الله.
(21/298)
فَمَا لِي أَرَى الشَّهْبَاءَ قَدْ حَال
صُبْحُهَا ... عليَّ دُجَىً لاَ تَسْتَنِيرُ غَيَاهِبُهْ!؟
أَحَقّاً حِمَى الغَازِي الغِيَاثِ بنِ يُوْسُف ...
أُبِيحَ وَعَادَتْ خَائِبَاتٍ مَوَاكِبُهْ؟
وَهَل (1) مُخْبرِي عَنْ ذَلِكَ الطَّوْدِ؟ هَلْ وَهَتْ
... قَوَاعِدُهُ أَمْ لاَنَ لِلْخطبِ جَانِبُهْ؟
155 - ابْنُ يُوْنُسَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يُوْنُسَ بنِ
أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، جَلاَلُ الدِّيْنِ، أَبُو
المُظَفَّرِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يُوْنُسَ بنِ أَحْمَدَ
البَغْدَادِيُّ، الأَزَجِيُّ، الفَقِيْهُ.
تَفَقَّهَ عَلَى: أَبِي حِكِيْمٍ النّهْرُوَانِيِّ،
وَقرَأَ الأُصُوْل وَالكَلاَم عَلَى صَدَقَة بن
الحُسَيْنِ، وَتَلاَ بِالرِّوَايَات بِهَمَذَانَ عَلَى
أَبِي العَلاَءِ العَطَّار.
وَسَمِعَ مِنْ: نَصْر بن نَصْرٍ العُكْبَرِيّ، وَجَمَاعَة.
ثُمَّ دَاخَل الكُبَرَاء إِلَى أَنْ تَوكَّل لأُمِّ
النَّاصِر، ثُمَّ ترقَّى أَمرُه (2) إِلَى أَنْ وَزر فِي
سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ.
ثُمَّ سَارَ بِالجُيُوْش لِحَرْب طُغْريِل آخِر
السُّلْجُوْقِيَّة، فَعمل مَعَهُ مَصَافّاً، فَانْكَسَرَ
الوَزِيْر، وَتَفلّل جَمْعُه، وَأُسِرَ هُوَ وَأُخِذَ
إِلَى تَورِيز (3) ، ثُمَّ هَرَبَ إِلَى المَوْصِل،
وَجَاءَ بَغْدَاد مُتَستِّراً، وَلَزِمَ بَيْته مُدَّة،
ثُمَّ ظهر، فَولِي نَظَرَ الخزَانَة، ثُمَّ الأُسْتَاذ
دَارِية فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ، فَلَمَّا وَزر
__________
(1) ابن خلكان: فمن
(*) انظر أخباره وترجمته عند ابن الأثير في الكامل والسبط
في المرآة لا سيما: 8 / 438، وابن النجار في التاريخ
المجدد، الورقة: 116 (ظاهرية)، وأبو شامة في الذيل: 9،
والذهبي في كتبه لا سيما تاريخ الإسلام، الورقة: 71 (باريس
1582)، وابن رجب في الذيل: 1 / 392، وغيرهم. وجاء في
الأصل: (عبد الله) وهو وهم.
(2) صار بعد ذلك ناظرا في ديوان الزمام في رجب سنة 582 (عن
ابن النجار).
(3) هي تبريز المدينة المشهورة بأذربيجان.
(21/299)
المُؤَيَّد ابْنُ القَصَّاب عَام
تِسْعِيْنَ، قَبَضَ عَلَى ابْن يُوْنُسَ، وَسَجَنَهُ،
فَلَمَّا مَاتَ ابْن القَصَّاب عَام اثْنَتَيْنِ، رُمِي
ابْن يُوْنُسَ فِي مطمورَةٍ، فَكَانَ آخِر العَهْد بِهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (1) : كَانَ يَدْرِي الكَلاَم،
صَنّف كِتَاباً فِي الأُصُوْل (2) ، فَسَمِعَهُ مِنْهُ
الفُضَلاَءُ.
وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو الحَسَنِ القَطِيْعِيّ، وَابْن دلف،
وَلَمْ يَكُنْ فِي وِلاَيته مَحْمُوْداً.
قيل: مَاتَ فِي السِّردَاب، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
156 - الفُرَاتِيُّ أَبُو القَاسِمِ يَعِيْشُ بنُ صَدَقَةَ
الضَّرِيْرُ *
شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، أَبُو القَاسِمِ يَعِيْشُ بنُ
صَدَقَةَ الفُرَاتِيُّ الضَّرِيرُ، صَاحِبُ ابْنِ الخَلِّ.
تَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى: الشَّرِيْف أَبِي البَرَكَاتِ
عُمَر بن إِبْرَاهِيْمَ.
وَسَمِعَ مِنْ: إِسْمَاعِيْل ابْن السَّمَرْقَنْدِيِّ،
وَجَمَاعَة.
رَوَى عَنْهُ: التَّقِيُّ بن بَاسُوَيْه، وَابْن
الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل،
__________
(1) (التاريخ المجدد)، الورقة: 117 (ظاهرية).
(2) في (تاريخ) ابن النجار: الأصول ومقالات الناس.
(*) ترجم له ابن الأثير في الكامل: 12 / 55، والمنذري في
التكملة، الترجمة: 410، والنعال البغدادي في مشيخته: 135
وهو الشيخ الرابع والاربعون فيها، والذهبي في تاريخ
الإسلام، الورقة: 74 (باريس 1582)، والمشتبه: 501، والصفدي
في نكت الهميان: 312، والسبكي في الطبقات: 7 / 338، وابن
الملقن في العقد المذهب، الورقة: 165، والغساني في العسجد،
الورقة: 101، وابن عبد الهادي في معجم الشافعية، الورقة:
112.
(21/300)
وَاليَلْدَانِيّ، وَبِالإِجَازَة: أَحْمَد
بن أَبِي الخَيْرِ.
وَهُوَ مَنْسُوْب إِلَى نَهْر الفُرَات.
وَكَانَ إِمَاماً صَالِحاً، رَأْساً فِي المَذْهَب
وَالخلاَف، تخرّج بِهِ الفُقَهَاء، وَدرّس بِالثِّقَتيَّة،
وَبِالكَمَاليَّة، وَكَانَ سَدِيْد الفتَاوَى، قوِيّ
المُنَاظَرَة، كَبِيْرَ القَدْرِ.
مَاتَ: فِي ذِي القعدَة، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ وَأَسنّ.
157 - الفَارِسِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُسَلَّمِ
بنِ أَبِي الجُوْدِ *
الزَّاهِدُ، العَابِدُ، شَيْخُ العِرَاقِ، أَبُو عَلِيٍّ
الحَسَنُ بنُ مُسَلَّمِ (1) بنِ أَبِي الجُوْدِ
الفَارِسِيُّ، العِرَاقِيُّ، مِنْ أَهْلِ قَرْيَة
الفَارِسيَّة (2) .
قَرَأَ القُرْآنَ وَتَفَقَّهَ: عَلَى أَبِي البَدْرِ
الكَرْخِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ بَاسُوَيْه، وَابْن الدُّبَيْثِيّ،
وَابْن خَلِيْل، وَاليَلْدَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مُنْقَطِع القرِيْن، صَوَّاماً، قَوَّاماً،
مُتبتّلاً، خَاشعاً، صَحِبَ الشَّيْخ عَبْد القَادِرِ،
وَكَانَ يُقصَدُ بِالزِّيَارَة، زَارَه الخَلِيْفَة
النَّاصِر بقرِيته، بَالغ
__________
(*) ترجم له ياقوت في معجم البلدان: 2 / 359، 3 / 838،
وابن الأثير في الكامل: 12 / 58، وابن الدبيثي في تاريخه،
الورقة: 18 (باريس 5922)، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 /
456، وأبو شامة في الذيل: 13، والمنذري في التكملة،
الترجمة: 424، وابن الساعي في أخبار الزهاد، الورقة: 49،
والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 75 (باريس 1582)،
والمختصر المحتاج: 2 / 26، ودول الإسلام: 2 / 77، والعبر:
4 / 283، والمشتبه: 191، والصفدي في الوافي: 11 / الورقة:
37، وابن رجب في الذيل: 1 / 395، والغساني في العسجد،
الورقة: 102، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 222،
وابن العماد في الشذرات: 4 / 316، والقنوجي في التاج: 213.
(1) قيده المنذري في (التكملة) فقال: بضم الميم وفتح السين
وتشديد اللام وفتحها. (وانظر (المشتبه): 589) (2) قرية من
قرى نهر عيسى.
(21/301)
فِي تَعَظِيْمه وَتوقيره ابْن الجَوْزِيّ.
مَاتَ: فِي المُحَرَّم، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ،
وَكَانَ يَدْرِي الفِقْه وَالفَرَائِض، وَتُذْكَر عَنْهُ
كَرَامَات وَتَأَلُّهٌ -رَحِمَهُ الله-.
158 - طَاهِرُ بنُ مَكَارِمَ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَعْدٍ
المَوْصِلِيُّ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ المَوْصِلِيُّ،
القَلاَنسِيُّ، البَقَّالُ، المُؤَدِّبُ.
سَمِعَ (مُسْنَدَ المُعَافَى بنِ عِمْرَانَ) مِنْ أَبِي
القَاسِمِ نَصْر بن أَحْمَدَ بنِ صَفْوَانَ سَنَة
اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: عِزّ الدِّيْنِ عَلِيّ ابْن الأَثِيْرِ،
وَشَمْس الدِّيْنِ ابْن خَلِيْل، وَغَيْرهُمَا.
تُوُفِّيَ: بِالمَوْصِل فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ
وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
159 - مُسْلِمُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ أَبُو
مَنْصُوْرٍ، ابْنُ السِّيْحِيِّ المَوْصِلِيُّ ** (1)
__________
(*) ترجم له المنذري في التكملة، الترجمة: 173، والذهبي في
تاريخ الإسلام، الورقة: 142 (أحمد الثالث 2917 / 14).
(* *) ترجم له ابن نقطة في (السيحي) من إكمال الإكمال،
والمنذري في التكملة، الترجمة: 465، والذهبي في تاريخ
الإسلام، الورقة: 206 (أحمد الثالث 2917 / 14)، المشتبه:
350.
وقيد المنذري اسمه في (التكملة)، فقال: ومسلم، بضم الميم
وسكون السين المهملة وبعد اللام المكسورة ميم.
(1) في الأصل: (الشيحي) مصحف.
وقد قيده ابن نقطة في (إكمال الإكمال) والمنذري في
(التكملة)، قال: والسيحي، بكسر السين والحاء المهملتين
بينهما ياء آخر =
(21/302)
آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ أَبِي البَرَكَاتِ
مُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ خَمِيْس.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ خَلِيْل، وَالتَّقِيُّ اليَلْدَانِيّ،
وَجَمَاعَة لقيهُم الدِّمْيَاطِيّ (1) .
تُوُفِّيَ: فِي مُنْتَصف المُحَرَّم، سَنَة خَمْسٍ
وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
160- أَبُو جَعْفَرٍ القُرْطُبِيُّ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ
بنِ عَتِيْقٍ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ
بنِ أَبِي بَكْرٍ عَتِيْقِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ
الأَنْدَلُسِيُّ، الفَنَكِيُّ، الشَّافِعِيُّ، نَزِيْلُ
دِمَشْقَ، وَإِمَامُ الكَلاَّسَةِ (2) ، وَأَبُو
إِمَامِهَا.
مَوْلِده: سَنَة ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ بقُرْطُبَة مِنَ: الحَافِظ أَبِي الوَلِيْدِ ابْنِ
الدَّبَّاغِ كِتَاب (المُوَطَّأ) بقِرَاءة وَالِده بَعْد
الأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِسَمَاعه مِنَ
الخَوْلاَنِيّ، بِسَمَاعه مِنَ القبحطَالِيّ.
__________
= الحروف، وقال الذهبي في المشتبه: وبمهملتين بينهما ياء:
أبو منصور مسلم بن علي ابن السيحي الموصلي، راوي مسند
المعافى عن أبي البركات بن خميس، سمعناه من البهاء ابن
النحاس، عن ابن خليل، عنه، قيده ابن نقطة.
(1) يعني شرف الدين عبد المؤمن بن خلف المتوفى سنة 705.
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 1 / 90، والمنذري في
التكملة، الترجمة: 545، وأبو شامة في الذيل: 17، والذهبي
في تاريخ الإسلام، الورقة: 90 (باريس 1582)، ومعرفة
القراء، الورقة: 180، والاعلام، الورقة: 211، والعبر: 4 /
291، والصفدي في الوافي: 7 / 205، وابن الملقن في العقد
المذهب، الورقة: 161، وابن الجزري في غاية النهاية: 2 /
205، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 247، وابن تغري
بردي في النجوم: 6 / 158، وابن الغزي في الديوان، الورقة:
227، وابن العماد في الشذرات: 4 / 323.
وأبو جعفر هذا هو الذي استدعي لقراءة القرآن ليلة وفاة
صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه، وهو الذي طلب منه تلقينه
الشهادة كما مر في ترجمة السلطان.
(2) يعني: مدرسة الكلاسة، قال الصفدي: وكان يصلي إماما
بالكلاسة.
(21/303)
وَتَلاَ بِالسَّبْع عَلَى: ابْن صَافٍ،
وَبِمَكَّةَ عَلَى: رَجُلٍ مِنْ تَلاَمِذَة أَبِي العِزِّ
القَلاَنسِيّ، وَبِالمَوْصِل عَلَى: ابْن سعدُوْنَ.
وَسَمِعَ الكَثِيْر مِنِ: ابْن عَسَاكِرَ، وَأَبِي نَصْرٍ
اليُوْسُفِيّ، وَيَحْيَى الثَّقَفِيّ، وَخَلْق.
وَنسخ شَيْئاً كَثِيْراً.
وَكَانَ دَيِّناً، صَالِحاً، قَانِتاً للهِ، بَصِيْراً
بِالقِرَاءات.
رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ تَاج الدِّيْنِ مُحَمَّد
وَإِسْمَاعِيْل، وَابْن خَلِيْل، وَالشِّهَاب القُوْصِيّ،
وَعِدَّة.
وَأَجَازَ لأَحْمَدَ بن أَبِي الخَيْرِ (1) .
وَفَنَكُ: مِنْ أَعْمَالِ قُرْطُبَة (2) .
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ -رَحِمَهُ الله-.
161 - العِرَاقِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ
مَنْصُوْرِ بنِ المُسَلَّمِ *
العَلاَّمَةُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ
مَنْصُوْرِ بنِ المُسَلَّمِ (3) المِصْرِيُّ،
__________
(1) وأجاز لمحب الدين ابن النجار البغدادي كما ذكر الصفدي
في (الوافي).
(2) قيدها المنذري بالحروف، فقال: وفنك، بالفاء والنون
المفتوحتين وآخره كاف حصن أو قرية من أعمال قرطبة ولم
يذكرها ياقوت في (معجم البلدان)، ولا ذكر السمعاني من ينسب
إليها في كتابه (الأنساب)، فاستدرك هذه النسبة ابن الأثير
في (اللباب): 2 / 225.
(*) ترجم له المنذري في التكملة، الترجمة: 532، وابن
الصابوني في تكملته: 296، وابن خلكان في الوفيات: 1 / 33،
والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 90 (باريس 1582)،
والعبر: 4 / 291، والصفدي في الوافي: 6 / 151، واليافعي في
مرآة الجنان: 3 / 484، والسبكي في الطبقات: 7 / 37،
والمقريزي في السلوك ج ق 1 ص: 153، وابن الفرات في تاريخه:
8 / الورقة: 73، والسيوطي في حسن المحاضرة: 1 / 190، وابن
العماد في الشذرات: 4 / 223، وحاجي خليفة في سلم الوصول،
الورقة: 35.
(3) قيده ابن خلكان كما قيدناه بضم الميم وتشديد اللام.
ولم يذكره الذهبي في =
(21/304)
الشَّافِعِيُّ، الخَطِيْبُ، المَشْهُوْرُ
بِالعِرَاقِيِّ (1) .
وُلِدَ: بِمِصْرَ، سَنَة عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَارْتَحَلَ، فَتَفَقَّهَ، وَبَرَعَ فِي المَذْهَب عَلَى:
أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الأُرْمَوِيّ
تِلْمِيْذ الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ، ثُمَّ تَفَقَّهَ
عَلَى: أَبِي الحَسَنِ ابْنِ الخَلِّ، وَتَفَقَّهَ
بِمِصْرَ عَلَى: القَاضِي مُجَلِّيّ بن جُمَيْعٍ،
وَتَصَدَّرَ، وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَاب، وَوَلِيَ
خطَابَة جَامِع مِصْر.
وَصَنَّفَ شَرْحاً (لِلمُهَذَّب) مُفِيْداً (2) .
وَهُوَ جدّ العَلاَّمَة العَلَمِ العِرَاقِيِّ لأُمِّهِ.
وَكَانَ عَلَى سدَادٍ وَأَمر جَمِيْل.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
فِي جُمَادَى الأُوْلَى.
وَلَهُ نَظْمٌ وَفَضَائِل.
162 - السَّاوِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
عَبْدِ الجَلِيْلِ *
الإِمَامُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ ابْن الشَّيْخ أَبِي
__________
= (المشتبه): 588 - 589 فيستدرك عليه.
(1) قال الزكي المنذري في (التكملة): (ورحل إلى بغداد،
وتفقه بها..وأقام بها مدة، فقيل له العراقي لاقامته
بالعراق تلك المدة).
وذكر غيره أنه كان يعرف ببغداد بالمصري.
(2) ذكر الصفدي أنه في عشرة أجزاء (يقصد: مجلدات).
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 152، والمحب ابن
النجار في التاريخ المجدد، الورقة: 106 (ظاهرية) وقال:
كتبت عنه، وكان ثقة نبيلا لم أر مثله في معناه) وتصحف فيه
تاريخ وفاته إلى سنة 576 وهو من أوهام الناسخ بلا ريب.
وترجم له أيضا المنذري في التكملة، الترجمة: 515 وذكر أنه
أجاز له إجازة مطلقة، وأنه كان آخر من بقي من بيت الساوي
ولا عقب له.
وورخه ابن الساعي في الجامع المختصر: 9 / 23، والذهبي في
تاريخ الإسلام، الورقة: =
(21/305)
الفَتْحِ السَّاوِيُّ، ثُمَّ
البَغْدَادِيُّ، الحَنَفِيُّ، نَائِبُ الحُكْمِ
بِبَغْدَادَ (1) ، وَكَانَ حَمِيْدَ السِّيْرَةِ.
حَدَّثَ عَنِ: ابْن الحُصَيْنِ، وَهِبَة اللهِ بن
الطَّبرِ، وَجَمَاعَة.
وَعَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل،
وَالبَغْدَادِيّون.
مَاتَ: فِي المُحَرَّم، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
163 - الوَيْرَجُ نَاصِرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي
الفَتْحِ الأَصْبَهَانِيُّ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، أَبُو الفَتْحِ نَاصِرُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الفَتْحِ الأَصْبَهَانِيُّ،
المُقْرِئُ، القَطَّانُ، المَعْرُوفُ: بِالوَيْرَجِ.
صدوقٌ وَمُكْثِر.
سَمِعَ مِنِ: ابْنِ الإِخْشيذِ (2) ، وَجَعْفَر بن عَبْدِ
الوَاحِدِ الثَّقَفِيّ، وَابْن (3)
__________
= 94 (باريس 1982)، والمختصر المحتاج إليه: 2 / 186 - 187،
والقرشي في الجواهر: 1 / 341، والتميمي في الطبقات السنية:
2 / الورقة: 605.
(1) الذي استنابه هو قاضي القضاة أبو الحسن علي بن أحمد
الدامغاني الحنفي وذلك سنة 580، وبقي إلى حين وفاة ابن
الدامغاني في ذي القعدة سنة 583.
وحينما ولي أبو القاسم عبد الله بن الحسين ابن الدامغاني
القضاء ببغداد في سنة 586 استناب القاضي ابن الساوي أيضا
مدة
ولايته إلى أن عزل في رجب سنة 594 فلزم منزله إلى حين
وفاته.
ذكر ذلك ابن النجار في (تاريخه) (الورقة: 107 من مجلد
الظاهرية).
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 216، والمنذري
في التكملة، الترجمة: 214، والذهبي في تاريخ الإسلام،
الورقة: 74 (باريس 1582)، والعبر: 4 / 282، والغساني في
العسجد المسبوك، الورقة: 101، وابن تغري بردي في النجوم: 6
/ 143، وابن العماد في الشذرات: 4 / 315 وقد مر ذكر وفاته
في الترجمة (108) من هذا الكتاب وتكلمنا هناك على
(الويرج).
(2) ابن الاخشيذ هو أبو الفتح إسماعيل بن الفضل السراج.
(3) يعني محمد بن أبي ذر الصالحاني.
(21/306)
أَبِي ذَرٍّ، وَفَاطِمَة
الجُوْزْدَانِيَّة، وَسَعِيْد بن أَبِي الرَّجَاءِ.
وَعَنْهُ: أَبُو الجنَاب الخِيْوَقِيّ، وَأَبُو رَشِيْدٍ
الغَزَّال، وَابْن خَلِيْلٍ، وَآخَرُوْنَ.
أَنْبَأَنِي أَبُو العَلاَءِ الفَرَضِيّ: أَنَّ نَاصِراً
سَمِعَ (مُسْنَد أَبِي حَنِيْفَةَ) لابْنِ المُقْرِئِ،
وَكِتَاب (معَانِي الآثَار) لِلطّحَاوِيّ مِنْ
إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ الإِخْشيذِ بِسَمَاعه لِلأَوَّل مَنِ
ابْن عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَللكِتَاب الثَّانِي مِنْ
مَنْصُوْر بن الحُسَيْنِ، عَنِ ابْن المُقْرِئ عَنْهُ،
وَسَمِعَ (المُعْجَم الكَبِيْر) مِنْ فَاطِمَة
الجُوْزْدَانِيَّة.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي ثَامن ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ
ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
164 - ابْنُ رُشْدٍ الحَفِيْدُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ
مُحَمَّدٍ القُرْطُبِيُّ *
العَلاَّمَةُ، فَيْلَسُوْفُ الوَقْتِ، أَبُو الوَلِيْدِ
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ أَحْمَدَ ابْنِ شَيْخِ
المَالِكِيَّةِ أَبِي الوَلِيْدِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ
بنِ أَحْمَدَ بنِ رُشْدٍ القُرْطُبِيُّ.
مَوْلِده: قَبْل مَوْت جدّه بِشهر، سَنَة عِشْرِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
عرض (المُوَطَّأ) عَلَى أَبِيْهِ.
وَأَخَذَ عَنْ: أَبِي مَرْوَانَ بن مسرَّة، وَجَمَاعَة،
وَبَرَعَ فِي الفِقْه، وَأَخَذَ الطِّبّ
__________
(*) ترجم له غير واحد منهم: ابن الابار في التكملة: 2 /
533، والمنذري في تكملته، الترجمة: 469، وابن سعيد في
المغرب: 104، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 202 (أحمد
الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 287، والصفدي في الوافي: 2
/ 114، والغساني في العسجد المسبوك، الورقة: 103، وابن
تغري بردي في النجوم: 6 / 154، وابن العماد في الشذرات: 4
/ 320 وغيرهم.
وألف الكثير من الباحثين المحدثين في سيرته، وتناوله
المعنيون بالفلسفة في كتبهم لما عرف له من الاثر الواضح في
الفلسفة العالمية.
(21/307)
عَنْ أَبِي مَرْوَانَ بن حَزْبُول (1) ،
ثُمَّ أَقْبَل عَلَى علُوْم الأَوَائِل وَبلاَيَاهُم،
حَتَّى صَارَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي ذَلِكَ.
قَالَ الأَبَّار (2) : لَمْ يَنشَأْ بِالأَنْدَلُسِ مِثْله
كَمَالاً وَعلماً وَفضلاً، وَكَانَ مُتَوَاضِعاً، مُنْخَفض
الجنَاح، يُقَالُ عَنْهُ: إِنَّهُ مَا ترك الاشتغَال مُذْ
عَقَلَ سِوَى لَيْلَتَيْنِ: لَيْلَة مَوْت أَبِيْهِ،
وَليلَة عرْسه، وَإِنَّهُ سوّد فِي مَا أَلّف وَقيّد (3)
نَحْواً مِنْ عَشْرَة آلاَف وَرقَة، وَمَال إِلَى علُوْم
الحكمَاء، فَكَانَتْ لَهُ فِيْهَا الإِمَامَة، وَكَانَ
يُفزَع إِلَى فُتْيَاهُ فِي الطِّبّ، كَمَا يُفزَع إِلَى
فُتيَاهُ فِي الفِقْه، مَعَ وَفور العَرَبِيَّة، وَقِيْلَ:
كَانَ يَحفظ (دِيْوَان أَبِي تَمَّام)، وَ(المتنبِي (4)).
وَلَهُ مِنَ التَّصَانِيْف: (بدَايَة المُجْتَهِد) فِي
الفِقْه، وَ(الكُليَّات) فِي الطِّبّ، وَ(مُخْتَصَر
المُسْتصفَى) فِي الأُصُوْل، وَمُؤلَّف فِي العَرَبِيَّة
(5) .
وَوَلِيَ قَضَاءَ قُرْطُبَة، فَحُمِدَت سيرَته.
قَالَ ابْنُ أَبِي أُصِيْبعَة فِي (تَارِيخ الحكمَاء (6)):
كَانَ أَوحد فِي الفِقْه وَالخلاَف، وَبَرَعَ فِي الطِّبّ،
وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي مَرْوَانَ بن زهر
مَوَدَّة.
وَقِيْلَ: كَانَ رَثَّ البِزَّة، قوِيّ النَّفْس، لاَزم
فِي الطِّبّ أَبَا جَعْفَرٍ بنَ هَارُوْنَ مُدَّة،
وَلَمَّا كَانَ المَنْصُوْرُ صَاحِب المَغْرِب بقُرْطُبَة،
اسْتدعَى ابْن رُشْدٍ، وَاحْتَرَمه كَثِيْراً، ثُمَّ
نَقَمَ عَلَيْهِ بَعْدُ -يَعْنِي: لأَجْل الفَلْسَفَة-.
وَلَهُ (شرح أُرْجُوزَة ابْنِ سِيْنَا) فِي الطِّبّ،
وَ(المُقَدِّمَات) فِي الفِقْه، كِتَاب (الحيوَان)،
__________
(1) هكذا هي مقيدة في الأصل ومضبوطه، وفي التكملة لابن
الابار: جريول.
(2) (التكملة) 2 / 554.
(3) في (التكملة) لابن الابار: (وانه سود في ما صنف وقيد
وألف وهذب واختصر)
(4) في (التكملة): (كان يحفظ شعري حبيب والمتنبي ويكثر
التمثل بهما في مجلسه ويورد ذلك أحسن إيراد).
(5) قال ابن الابار: (وكتابه في العربية الذي وسمه
بالضروري، وغير ذلك)
(6) (عيون الانباء في طبقات الاطباء): 2 / 75 فما بعد.
(21/308)
كِتَاب (جَوَامع كتب أَرِسْطُوطَاليس)،
(شرح كِتَاب النَّفْس)، كِتَاب (فِي الْمنطق)، كِتَاب
(تَلْخِيص الإِلاَهيَات) لنِيَقُوْلاَوس، كِتَاب (تَلْخِيص
مَا بَعْد الطّبيعَة) لأَرِسْطُو، كِتَاب (تَلْخِيص
الاسْتقصَات) لجَالينوس، وَلخّص لَهُ كِتَاب (المِزَاج)،
وَكِتَاب (القوَى)، وَكِتَاب (الْعِلَل)، وَكِتَاب
(التعرِيف)، وَكِتَاب (الحُمّيَات)، وَكِتَاب (حِيْلَة
الْبُرْء)، وَلخّص كِتَاب (السَّمَاع الطّبيعِي)، وَلَهُ
كِتَاب (تَهَافت التّهَافت)، وَكِتَاب (منَاهج الأَدلَّة)
أُصُوْل، وَكِتَاب (فَصل المَقَالِ، فِيمَا بَيْنَ
الشرِيعَة وَالحِكْمَة مِنَ الاتصَال)، كِتَاب (شرح
القيَاس) لأَرِسْطُو، (مَقَالَة فِي العَقْل)، (مَقَالَة
فِي القيَاس)، كِتَاب (الْفَحْص فِي أَمر العَقْل)،
(الْفَحْص عَنْ مَسَائِل فِي الشّفَاء)، (مَسْأَلَة فِي
الزَّمَان)، (مَقَالَة فِيمَا يَعتقده المشَّاؤُون وَمَا
يَعتقده المُتَكَلِّمُوْنَ فِي كَيْفِيَة وَجُوْد
العَالَم)، (مَقَالَة فِي نَظَرَ الفَارَابِيّ فِي الْمنطق
وَنظر أَرِسْطُو)، (مَقَالَة فِي اتّصَال العَقْل المفَارق
لِلإِنْسَان)، (مَقَالَة فِي وَجُوْد المَادَّة
الأُوْلَى)، (مَقَالَة فِي الرّدّ عَلَى ابْن سينَا)،
(مَقَالَة فِي المِزَاج)، (مَسَائِل حكمِيَّة)، (مَقَالَة
فِي حركَة الفَلَك)، كِتَاب (مَا خَالف فِيه الفَارَابِيّ
أَرِسْطُو).
قَالَ شَيْخ الشُّيُوْخِ ابْن حَمُّوَيْه: لَمَّا دَخَلتُ
البِلاَد، سَأَلت عَنِ ابْن رُشْدٍ، فَقِيْلَ: إِنَّهُ
مهجُور فِي بَيْته مِنْ جِهَةِ الخَلِيْفَة يَعْقُوْب، لاَ
يَدخل إِلَيْهِ أَحَد؛ لأَنَّه رُفِعت عَنهُ أَقْوَال
رديَّة، وَنُسبت إِلَيْهِ العلُوْم المهجورَة، وَمَاتَ
محبوساً بدَاره بِمَرَّاكش، فِي أَوَاخِرِ سَنَةَ
أَرْبَعٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: مَاتَ فِي صَفَرٍ (1) .
وَقِيْلَ: رَبِيْع الأَوّل (2) ، سَنَة خَمْس.
__________
(1) هذه هي رواية ابن الابار في (التكملة) والمنذري في
(تكملته).
(2) أورد ابن الابار هذه الرواية عن ابن فرقد.
(21/309)
وَمَاتَ السُّلْطَان بَعْدَهُ بِشهر.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَوْط الله،
وَسَهْل بن مَالِكٍ، وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُرْوَى عَنْه
(1) .
165 - ابْنُ مَلاَّحِ الشَّطِّ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ
مُحَمَّدٍ القَصْرِيُّ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، المُسْنِدُ، أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ
الرَّحْمَانِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى القَصْرِيُّ، البَوَّابُ،
وَيُعْرَفُ: بِابْن ملاَّح الشَّطّ.
كَانَ يَسكن بقَصْر عَلِيّ بن عِيْسَى الهَاشِمِيّ.
سَمِعَ الكَثِيْر مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ،
وَأَبِي غَالِبٍ ابْنِ البَنَّاءِ، وَأَبِي البَرَكَاتِ
يَحْيَى بن حُبَيْش الفَارِقِيّ، وَأَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ
ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَعِدَّة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَتَبْتُ عَنْهُ كَثِيْراً،
وَكَانَ شَيْخاً صَالِحاً، حسن الأَخلاَق، مُحِبّاً
لِلرِّوَايَةِ، لاَ يَسأَم، وَلاَ يَضجر، وَكَانَ بوَّاباً
بِمَدْرَسَة أُمّ الخَلِيْفَة (2) ، سَأَلت عَنْ مَوْلِده،
فَقَالَ: أَذْكُر خِلاَفَة المُسْتَظْهِر (3) ، مَاتَ
شَيْخنَا: فِي صَفَرٍ، سَنَة سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
__________
(1) موقف الذهبي من الفلاسفة معروف، وهو صدى لتكوينه
الفكري.
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 126 (باريس
5922)، والمنذري في التكملة، الترجمة: 581، والذهبي في
تاريخ الإسلام، الورقة: 103 (باريس 1582)، والعبر: 4 /
298، والمختصر المحتاج إليه: 212، وابن العماد في الشذرات:
4 / 331.
(2) أم الخليفة الناصر لدين الله، وهي زمرد خاتون، وقد
أوقفت هذه المدرسة على الفقهاء الشافعية بجوار تربتها عند
مقبرة الشيخ معروف الكرخي ببغداد.
(3) توفي المستظهر كما هو معروف في التواريخ سنة 512.
(21/310)
قُلْتُ: لَعَلَّهُ جَاوَزَ التِّسْعِيْنَ
(1) .
وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُ خَلِيْل، وَالضِّيَاء، وَابْن
عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالنَّجِيْب الحَرَّانِيُّ (2) ،
وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَة: ابْنُ أَبِي الخَيْرِ، وَالقُطْبُ ابْنُ
أَبِي عَصْرُوْنَ، وَالفَخْرُ ابْنُ البُخَارِيِّ.
وَفِيْهَا مَاتَ: ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَأَبُو المَكَارِمِ
اللَّبَّانُ، وَالمُحَدِّثُ تَمِيْمُ ابْنُ
البَنْدَنِيْجِيِّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ ابْنِ
الطَّوِيْلَةِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ ابْنِ الفَرَسِ
الأَنْصَارِيُّ الغَرْنَاطِيّ شَيْخُ المَالِكِيَّةِ،
وَالوَاعِظُ عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ الحَرْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ
بنُ أَبِي زَيْدٍ الكَرَّانِيُّ، وَالعِمَادُ الكَاتِبُ،
وَشَيْخُ المَالِكِيَّةِ أَبُو المَنْصُوْرِ ظَافِرُ بنُ
الحُسَيْنِ الأَزْدِيُّ بِمِصْرَ، وَالأَمِيْرُ بَهَاءُ
الدِّيْنِ قَرَاقُوْشُ الخَادِمُ الأَبْيَضُ مَوْلَى
شِيرْكُوْه الَّذِي بَنَى سُورَ مِصْرَ وَقَلْعَةَ
الجَبَلِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ
الفَارفَانِيّ أَخُو عَفِيْفَةَ، وَالمُقْرِئُ مُحَمَّدُ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ الكَالِ الحِلِّيُّ، وَأَبُو شُجَاعٍ
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ المَقْرُوْنُ اللَّوْزِيّ،
المُقْرِئُ.
166 - صَاحِبُ المَغْرِبِ المَنْصُوْرُ أَبُو يُوْسُفَ
يَعْقُوْبُ بنُ يُوْسُفَ *
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، المُلَقَّبُ بِأَمِيْر
المُؤْمِنِيْنَ المَنْصُوْرُ، أَبُو يُوْسُفَ
__________
(1) وقال المنذري في (التكملة): (ويقال: إنه قارب المئة).
(2) قال نجيب الدين عبد اللطيف بن عبد المنعم الحراني (587
- 672) في مشيخته التي من تخريج جمال الدين ابن الطاهري
الحنفي: (أخبرنا أبو الفرج عبد الرحمان بن أبي الكرم محمد
بن أبي ياسر هبة الله بن محمد بن عيسى القصري البواب
المعروف بابن ملاح الشط البغدادي قراءة عليه وأنا أسمع
ببغداد في ذي القعدة من سنة خمس وتسعين وخمس مئة، قال:
أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد ابن
الحصين قراءة عليه وأنا أسمع في شعبان من سنة أربع وعشرين
وخمس مئة...(وذكر حديثا) (الورقة: 12 من نسخة الخزانة
الملكية بالرباط، رقم 3649).
(*) أخباره في التواريخ المستوعبة لعصره ولا سيما التواريخ
المعنية بالمغرب والاندلس مثل =
(21/311)
يَعْقُوْبُ ابْنُ السُّلْطَانِ يُوْسُفَ
ابْنِ السُّلْطَانِ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ عَلِيٍّ
القَيْسِيُّ، الكُوْمِيُّ، المَغْرِبِيُّ،
المَرَّاكُشِيُّ، الظَّاهِرِيُّ، وَأُمّه أَمَةٌ رُومِيَّة
اسْمهَا سَحَر (1) .
عقدُوا لَهُ بِالأَمْرِ سَنَة ثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ
عِنْد مهلك أَبِيْهِ، فَكَانَ سنُّه يَوْمَئِذٍ ثِنْتَيْنِ
وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ تَامّ القَامَة، أَسْمَر، صَافِيَا، جَمِيْل
الصُّوْرَة، أَعْيَن، أَفوَهَ، أَقنَى، أَكحلَ، سمِيناً،
مُسْتدير اللِّحْيَة، جهورِيَّ الصَّوت، جزل العبَارَة،
صَادِق اللَّهجَة، فَارِساً، شُجَاعاً، قوِيّ الفرَاسَة،
خَبِيْراً بِالأُمُوْر، خليقاً لِلإِمَارَة، يَنطوِي عَلَى
دين وَخير وَتَأَلُّه وَرزَانَة.
عمل الوزَارَة لأَبِيْهِ، وَخبَرَ الخَيْر وَالشَّرّ،
وَكشف أَحْوَال الدَوَاوِيْن.
وَزَرَ لَهُ عُمَرُ بن أَبِي زَيْدٍ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ
بنُ عَبْدِ اللهِ ابْن الشَّيْخِ عُمَر إِيْنتِي، ثُمَّ
ابْن عَمّ هَذَا مُحَمَّد الَّذِي تَزَهَّد، وَاخْتَفَى،
ثُمَّ أَبُو زَيْد الهنتَانِيُّ (2) ، وَزِيْر وَلده مِنْ
بَعْدِه.
وَكَتَبَ لَهُ السّرّ: ابْن مَحْشُوَّة (3) ، ثُمَّ ابْن
عَيَّاشٍ (4) الأَدِيْب.
__________
= البيان المغرب، والحلل الموشية، وروض القرطاس، وأعمال
الاعلام، والاستقصا، ونفح الطيب، وغيرها، ومن التواريخ
المشرقية: الكامل لابن الأثير، والمرآة لسبط ابن الجوزي،
وتاريخ الإسلام للذهبي، وغيرها.
وقد ترجم له السبط في المرآة ترجمة جيدة: 8 / 464 فما بعد،
وابن خلكان في الوفيات: 7 / 3 - 19 وغيرهم (انظر التعليق
على وفيات الأعيان، والاعلام للعلامة المرحوم الزركلي: 9 /
267).
وقد نقل الذهبي معظم الترجمة من كتاب (المعجب) لعبد الواحد
المراكشي: 336 فما بعد.
(1) في (المعجب) للمراكشي: (ساحر).
(2) أبو زيد عبد الرحمان بن موسى بن يوجان الهنتاني.
(3) أبو الفضل جعفر المعروف بابن محشوة.
(4) أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمان بن عياش.
(21/312)
وَقضَى لَهُ: ابْنُ مضَاء (1) ، ثُمَّ
الوَهْرَانِيّ (2) ، ثُمَّ أَبُو القَاسِمِ بنُ بَقِيٍّ
(3) .
وَلَمَّا تَملَّك، كَانَ حَوْلَهُ منَافسُوْنَ لَهُ مِنْ
عُمُومَته وَإِخْوَته، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى سَلاَ،
وَبِهَا تَمَّت بيعتُه، وَأَرْضَى آله بِالعَطَاء، وَبَنَى
مدينَة تلِي مَرَّاكش عَلَى البَحْر (4) ، فَمَا عَتمَ أَن
خَرَجَ عَلَيْهِ عَلِيّ بن غَانِيَة الملثّم، فَأَخَذَ
بِجَايَة، وَخَطَبَ لِلنَاصِر العَبَّاسِيّ، فَكَانَ
الخَطِيْب بِذَلِكَ عَبْد الحَقِّ مصَنّف (الأَحكَام)،
وَلَوْلاَ حُضُوْر أَجَله، لأَهْلكه المَنْصُوْر (5) .
ثُمَّ تَملّك ابْن غَانِيَة قَلْعَة حَمَّاد، فَسَارَ
المَنْصُوْر، وَاسْتردّ بِجَايَة، وَجَهَّزَ جَيْشه،
فَالتقَاهُم ابْن غَانِيَة، فَمزّقهُم، فَسَارَ
المَنْصُوْر بِنَفْسِهِ، فَكسر ابْن غَانِيَة، وَذَهَبَ
مُثْخَناً بِالجرَاح، فَمَاتَ فِي خيمَةِ أَعرَابيَة (6) ،
وَقَدَّمَ جَيْشُه عَلَيْهِم أَخَاهُ يَحْيَى، فَانحَاز
بِهِم الَىالصّحرَاء مَعَ الْعَرَب، وَجَرَتْ لَهُ حُرُوْب
طَوِيْلَة، وَاسْتردّ المَنْصُوْر قَفْصَة (7) ، وَقَتَلَ
فِي أَهْلهَا، فَأَسرف، ثُمَّ قتل عَمَّيه سُلَيْمَان
وَعُمَر صَبْراً (8) ، ثُمَّ نَدِم، وَتزَهَّد، وَتَقشّف،
وَجَالِس الصُّلَحَاء وَالمُحَدِّثِيْنَ، وَمَال إِلَى
الظَّاهِر، وَأَعرض عَنِ المَالِكِيَّة، وَأَحرق مَا لاَ
يُحصَى مِنْ كُتُب الفُرُوْع.
قَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَلِيٍّ (9) : كُنْت بفَاس،
فَشهدْتُ الأَحمَال يُؤْتَى
__________
(1) أبو جعفر أحمد بن مضاء القرطبي.
(2) أبو عبد الله محمد بن مروان الوهراني.
(3) أبو القاسم أحمد بن محمد ابن بقي.
(4) هي مدينة رباط الفتح، انظر تفاصيل ذلك في المعجب: 341.
(5) قد مرت ترجمة ابن غانية، وترجمة عبد الحق الاشبيلي في
هذا الكتاب، وانظر تفاصيل هذه الأمور في (المعجب): 342 -
347.
(6) (المعجب): 349.
(7) انظر التفاصيل في (المعجب): 349.
(8) (المعجب): 352 - 354.
(9) (المعجب): 354.
(21/313)
بِهَا، فَتُحرق، وَتهدَّد عَلَى الاشتغَال
بِالفُرُوْع، وَأَمر الحُفَّاظ بِجمع كِتَاب فِي
الصَّلاَةِ مِنَ (الكُتُب الخَمْسَة)، وَ(المُوَطَّأ)،
وَ(مُسْنَد ابْن أَبِي شَيْبَةَ)، وَ(مُسْنَد البَزَّار)،
وَ(سُنَن الدَّارَقُطْنِيّ)، وَ(سُنَن البَيْهَقِيّ)،
كَمَا جَمَع ابْن تُوْمَرْت فِي الطّهَارَة.
ثُمَّ كَانَ يُمْلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ عَلَى كِبَارِ
دَوْلَته، وَحَفِظَ ذَلِكَ خلق، فَكَانَ لِمَنْ يَحفظُه
عَطَاء وَخِلْعَة...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَكَانَ قصدهُ مَحْو مَذْهَب مَالِك مِنَ البِلاَد،
وَحَمَلَ النَّاس عَلَى الظَّاهِر، وَهَذَا الْمَقْصد
بِعَيْنِهِ كَانَ مقْصد أَبِيْهِ وَجدّه، فَلَمْ
يُظْهِرَاهُ، فَأَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَن ابْن
الجَدِّ أَخْبَرَهُم، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ يُوْسُف،
فَوَجَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ كِتَاب ابْن يُوْنُسَ،
فَقَالَ: أَنَا أَنظر فِي هذَة الآرَاء الَّتِي أُحْدثَت
فِي الدِّيْنِ، أَرَأَيْت المَسْأَلَة فِيْهَا أَقْوَال،
فَفِي أَيِّهَا الحَقّ؟ وَأَيُّهَا يَجِبُ أَنْ يأْخذَ
بِهِ المقلِّد؟
فَافْتتحت أُبَيِّن لَهُ، فَقطع كَلاَمِي، وَقَالَ: لَيْسَ
إِلاَّ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى المُصْحَف، أَوْ هَذَا،
وَأَشَارَ إِلَى (سُنَن أَبِي دَاوُدَ)، أَوْ هَذَا،
وَأَشَارَ إِلَى السَّيْف.
قَالَ يَعْقُوْبُ: يَا مَعْشَر الموحِّدين، أَنْتُم
قبَائِل، فَمَنْ نَابه أَمر، فَزِع إِلَى قَبيلَته،
وَهَؤُلاَءِ -يَعْنِي: طلبَة العِلْم (1) - لاَ قبيل لَهُم
إِلاَّ أَنَا، قَالَ: فَعظمُوا عِنْد الموحِّدين.
وَفِي سَنَة خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ: غَزَا الفِرنْج، ثُمَّ
رَجَعَ، فَمَرِضَ، وَتَكلّم أَخُوْهُ أَبُو يَحْيَى فِي
الْملك، فَلَمَّا عوفِي، قَتَلَه، وَتهدَّد القَرَابَة (2)
.
وَفِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ: انْتقضت الهدنَة، فَتَجَهَّز،
وَعرض جُيُوشه بِإِشْبِيْلِيَة،
__________
(1) يعني طلبة علم الحديث.
(2) راجع تفاصيل ذلك في (المعجب): 356 - 358.
(21/314)
وَأَنفق الأَمْوَال، فَقَصَدهُ أَلْفُنْش
(1) ، فَالتَقَوا، وَكَانَ نصراً عزِيزاً، مَا نَجَا
أَلْفُنش إِلاَّ فِي شُريذِمَة، وَاسْتُشْهِدَ مِنَ
الكِبَارِ جَمَاعَة، وَاسْتَوْلَى يَعْقُوْب عَلَى قلاع،
وَنَازل طليطلَة، ثُمَّ رَجَعَ، ثُمَّ غَزَا، وَوَغل،
بِحَيْثُ انْتَهَى إِلَى أَرْضٍ مَا وَصلت إِلَيْهَا
المُلُوْك، فَطَلبَ أَلْفُنْش المهَادنَة، فَعُقدتْ عشراً،
ثُمَّ رَدَّ السُّلْطَان إِلَى مَرَّاكش بَعْد سَنَتَيْنِ،
وَصرَّح بِقصد مِصْر.
وَكَانَ يَتولَّى الصَّلاَة بِنَفْسِهِ أَشْهُراً،
فَتعوَّق يَوْماً، ثُمَّ خَرَجَ، وَهُم يَنْتظرُوْنَهُ،
فَلاَمهُم، وَقَالَ: قَدْ قَدَّمَ الصَّحَابَة عَبْد
الرَّحْمَانِ بن عَوْف لِلْعذر، ثُمَّ قرّر إِمَاماً
عَنْهُ (2) .
وَكَانَ يَجلسُ لِلْحَكَمِ، حَتَّى اخْتصم إِلَيْهِ
اثْنَانِ فِي نِصْفِ (3) ، فَقضَى، ثُمَّ أَدَّبهُمَا،
وَقَالَ: أَمَّا كَانَ فِي البَلَد حكَّام؟
وَكَانَ يَسْمَع حَكَم ابْن بَقِيٍّ مِنْ وَرَاء السّتر،
وَيدخل إِلَيْهِ أُمنَاء الأَسواق، فَيَسْأَلهُم عَنِ
الأُمُوْر.
وَتَصدّق فِي الغَزْوَة المَاضيَة (4) بِأَرْبَعِيْنَ
أَلْفَ دِيْنَار.
وَكَانَ يَجْمَع الأَيْتَام فِي العَامِ، فَيَأْمُر
لِلصبِيِّ بدِيْنَار وَثَوْب وَرَغِيْف وَرُمانَة.
وَبَنَى مَارستَان مَا أَظَنّ (5) مِثْله، غرس فِيْهِ مِنْ
جَمِيْع الأَشجَار، وَزخرفَه، وَأَجرَى فِيْهِ المِيَاهَ،
وَرتَّب لَهُ كُلّ يَوْم ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً
لِلأَدويَة، وَكَانَ يَعُوْد المَرْضَى فِي الجُمُعَة.
__________
(1) ويكتب: (الادفنش) أيضا، وهو ألفونس الثامن ملك قشتالة.
(2) (المعجب): 361.
(3) يعني في نصف درهم.
(4) وهي الغزوة الثانية سنة 592.
(5) القول لعبد الواحد بن علي المراكشي: 364.
(21/315)
وَوَرَدَ عَلَيْهِ أُمَرَاء مِنْ مِصْرَ،
فَأَقطع وَاحِداً تِسْعَة آلاَف دِيْنَار (1) .
وَكَانَ لاَ يَقُوْلُ بالعِصْمَة فِي ابْن تُوْمَرْت (2) .
وَسَأَل فَقِيْهاً (3) : مَا قَرَأْت؟
قَالَ: تَوَالِيف الإِمَام (4) .
قَالَ: فَزَوَرَنِي (5) ، وَقَالَ: مَا كَذَا يَقُوْلُ
الطَّالب! حُكْمك أَنْ تَقُوْلَ: قَرَأْت كِتَاب اللهِ،
وَقَرَأْت مِنَ السّنَّة، ثُمَّ بَعْد ذَا قُل مَا شِئْت.
قَالَ تَاج الدِّيْنِ ابْن حَمُّوَيْه: دَخَلت مَرَّاكش
فِي أَيَّامِ يَعْقُوْب (6) ، فَلَقَدْ كَانَتِ الدُّنْيَا
بسيَادته مجملَة، يُقصَد لِفَضْلِهِ وَلعدله وَلبذله وَحسن
مُعْتَقده، فَأَعذب موردِي، وَأَنجح مقصدِي، وَكَانَتْ
مَجَالِسُه مُزَيَّنَة بِحُضُوْرِ العُلَمَاء
وَالفُضَلاَء، تُفتتَح بِالتِّلاَوَة ثُمَّ بِالحَدِيْثِ،
ثُمَّ يَدعُو هُوَ، وَكَانَ يُجِيْد حَفِظ القُرْآن،
وَيَحفظ الحَدِيْث، وَيَتكلَّم فِي الفِقْه، وَيُنَاظر،
وَيَنسبونه إِلَى مَذْهَب الظَّاهِر.
وَكَانَ فَصِيْحاً، مَهِيْباً، حسن الصُّوْرَة، تَامّ
الخلقه، لاَ يُرَى مِنْهُ اكفهرَار، وَلاَ عَنْ مَجَالِسه
إِعرَاض، بزِيّ الزُّهَّاد وَالعُلَمَاء، وَعَلَيْهِ
جَلاَلَة المُلُوْك، صَنّف فِي العِبَادَات، وَلَهُ
(فَتَاو)، وَبَلَغَنِي أَنَّ السودَان قَدَّمُوا لَهُ
__________
(1) انظر تفاصيل ذلك في (المعجب): 365 - 366.
(2) كانت العامة تعتقد أن ابن تومرت هو المهدي.
(3) هذا الفقيه هو أبو بكر بن هاني الجياني، وأصل الحكاية
مفصلة عند عبد الواحد في (المعجب) وهو الذي رواها عن هذا
الفقيه: 369.
(4) يعني ابن تومرت.
(5) في أصل (المعجب): فنظر إلي نظرة المغضب.
(6) زار تاج الدين عبد الله بن عمر بن حمويه المغرب سنة
593 وعاش في بلاط الموحدين وكان على صلة وثيقة بيعقوب بن
يوسف بن عبد المؤمن وبقي هناك إلى سنة 600 فدون مذكراته في
كتاب نقل منه الذهبي كثيرا في كتبه (الذهبي ومنهجه: 408)
وقد وقف عليه ابن خلكان أيضا سنة 668 ونقل منه في
(الوفيات) (راجع (الوفيات): 7 / 5) وتوفي تاج الدين هذا
سنة 642 (السبط في (المرآة): 8 / 748 والمقري في (نفح
الطيب): 2 / 707 وكتب الذهبي في سنة وفاته).
(21/316)
فِيلاً، فَوصلهُم، وَردّه، وَقَالَ: لاَ
نُرِيْد أَن نَكُوْن أَصْحَاب الفِيْل.
ثُمَّ طوّل التَّاج فِي عدله وَكرمه، وَكَانَ يَجْمَع
الزَّكَاة، وَيُفرّقهَا بِنَفْسِهِ، وَعَمِلَ مكتباً
لِلأَيتَام، فِيْهِ نَحْو أَلف صَبِيّ، وَعَشْرَة
مُعَلِّمُوْنَ.
حَكَى لِي بَعْض عُمَّاله: أَنَّهُ فَرّق فِي عيد نَيِّفاً
وَسَبْعِيْنَ أَلْفَ شَاة.
وَقَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ (1) : كَانَ مُهتّماً بِالبنَاء،
كُلّ وَقت يُجدِّد قَصْراً أَوْ مدينَة، وَأَنَّ
الَّذِيْنَ أَسلمُوا كرهَا أَمرهُم بِلبْس كحلِيّ
وَأَكمَام مُفرِطَة الطّول، وَكلوتَاتّ ضَخْمَة بشعَة،
ثُمَّ أَلْبَسَهُم ابْنه العَمَائِم الصُّفْر، حمل
يَعْقُوْب عَلَى ذَلِكَ شكّه فِي إِسلاَمهِم، وَلَمْ
تَنعقد عِنْدنَا ذِمَّة ليَهُوْدِيّ وَلاَ نَصْرَانِيّ
مُنْذُ قَامَ أَمر المَصَامِدَة، وَلاَ فِي جَمِيْع
المَغْرِب كنِيسَة، وَإِنَّمَا اليَهُوْد عِنْدنَا
يُظهرُوْنَ الإِسْلاَم، وَيُصلُّوْنَ، وَيُقرِئون
أَولاَدَهُمُ القُرْآنَ جَارِيْنَ عَلَى مِلَّتنَا (2) .
قُلْتُ: هَؤُلاَءِ مُسْلِمُوْنَ، وَالسَّلاَم.
وَكَانَ ابْن رُشْدٍ الحَفِيْد (3) قَدْ هذّب لَهُ كِتَاب
(الحيوَان (4))، وَقَالَ: الزُّرَافَة رَأَيْتُهَا عِنْد
ملك البَرْبَر، كَذَا قَالَ غَيْر مُهتبل، فَأَحنَقَهُم
هَذَا، ثُمَّ سَعَى فِيْهِ مَنْ يُنَاوئه عِنْد يَعْقُوْب،
فَأَرَوهُ بِخَطِّهِ حَاكياً عَنِ الفَلاَسِفَة أَنَّ
الزُّهرَة أَحَد الآلهَة، فَطَلَبَهُ، فَقَالَ: أَهَذَا
خطّك؟
فَأَنْكَر، فَقَالَ: لَعَنَ اللهُ مَنْ كتبه، وَأَمر
الحَاضِرِيْنَ بِلَعْنِهِ، ثُمَّ أَقَامَه مُهَاناً،
وَأَحرق كتب الفَلْسَفَة سِوَى الطِّبّ وَالهندسَة.
وَقِيْلَ: لَمَّا رَجَعَ إِلَى مَرَّاكش، أَحَبّ النَّظَر
فِي الفَلْسَفَة، وَطلب
__________
(1) (المعجب): 383، ولكن النص الذي يشير إلى اهتمامه
بالبناء لم يقله عبد الواحد، ولعله من استنتاج الذهبي لما
ذكره عبد الواحد من الابنية: 341.
(2) ثم قال: (والله أعلم بما تكن صدورهم وتحويه بيوتهم)..
(3) قد مرت ترجمته قبل قليل.
(4) كتاب (الحيوان) لارسطاطاليس.
(21/317)
ابْنَ رُشْدٍ ليُحسن إِلَيْهِ، فَحضر،
وَمَاتَ، ثُمَّ بَعْد يَسير مَاتَ يَعْقُوْب.
وَقَدْ كتب صَلاَح الدِّيْنِ إِلَى يَعْقُوْبَ يَسْتَنجد
بِهِ فِي حِصَار عكَّا، وَنفّذ إِلَيْهِ تَقدمَةً، وَخضع
لَهُ، فَمَا رضِي لِكَوْنِهِ مَا لقّبه بِأَمِيْر
المُؤْمِنِيْنَ، وَلَقَدْ سمح بِهَا، فَامْتَنَعَ مِنْهَا
كَاتبه القَاضِي الفَاضِل (1) .
وَقِيْلَ: إِنَّ يَعْقُوْب أَبطل الخَمْر فِي مَمَالِكه،
وَتوعّد عَلَيْهَا فَعدمت، ثُمَّ قَالَ لأَبِي جَعْفَرٍ
الطَّبِيْب: ركِّب لَنَا ترِيَاقاً، فَأَعوزَه خمر،
فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: تلطّف فِي تَحْصِيله
سرّاً، فَحرص، فَعَجِزَ، فَقَالَ الْملك: مَا كَانَ لِي
بِالتِّرْيَاق حَاجَة، لَكِن أَردت اخْتبَار بلاَدِي.
قِيْلَ: إِنَّ الأَدفنش كتب إِلَيْهِ يُهدِّده،
وَيُعنِّفه، وَيطلب مِنْهُ بَعْض البِلاَد، وَيَقُوْلُ:
وَأَنْت تُمَاطل نَفْسك، وَتُقدِّم رِجْلاً، وَتُؤخِّر
أُخْرَى، فَمَا أَدْرِي الجبنُ بَطَّأَ بِك، أَوِ
التَّكذِيب بِمَا وَعدك نَبِيّك؟
فَلَمَّا قرَأَ الْكتاب، تَنمَّر، وَغَضِبَ، وَمزّقه،
وَكَتَبَ عَلَى رقعَة مِنْهُ : {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ،
فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُوْدٍ لاَ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا
...} الآيَةَ [النَّمْلُ: 37]، الجَوَابُ مَا تَرَى لاَ
مَا تسَمِع.
وَلاَ كُتْب إِلاَّ المشرفِيَّةُ عِنْدنَا ... وَلاَ رُسْل
إِلاَّ لِلْخَمِيْسِ العَرَمْرَمِ
ثُمَّ اسْتنْفرَ سَائِر النَّاس، وَحشد، وَجَمَعَ حَتَّى
احتوَى دِيْوَانُ جَيْشه
__________
(1) كان ذلك في أواخر 587، وكان السفير شمس الدين عبد
الرحمان بن منقذ حيث وصل هناك في العشرين من ذي الحجة،
وبقي إلى عاشوراء من المحرم سنة 588، وكان طلب صلاح الدين
يتلخص في إرسال مراكب في البحر تكون عونا للمسلمين على
مراكب الصليبيين، وكان القاضي الفاضل قد نصح صلاح الدين
بعدم الارسال، لكنها كانت محاولة، وفشلت.
وقد أورد أبو شامة نص الكتاب الذي أرسله السلطان من إنشاء
القاضي الفاضل، وأراد أن يذكر فيه لقب (أمير المؤمنين)،
لكن القاضي الفاضل امتنع خوفا من إغضاب العباسيين.
(وانظر ابن كثير في (البداية): 12 / 339، وابن واصل في
(مفرج الكروب): 2 / 496).
(21/318)
عَلَى مائَة أَلْف، وَمِنَ المطَّوِّعَة
مِثْلهُم، وَعدَّى إِلَى الأَنْدَلُسِ، فَتمّت المَلْحَمَة
الكُبْرَى، وَنَزَلَ النَّصْر وَالظفر، فَقِيْلَ: غنمُوا
سِتِّيْنَ أَلْفَ زرديَّة.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: قُتِلَ مِنَ العَدُوّ مائَة أَلْف
وَسِتَّة وَأَرْبَعُوْنَ أَلْفاً، وَمِنَ المُسْلِمِيْنَ
عِشْرُوْنَ أَلْفاً.
وَذكره أَبُو شَامَةَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ
(1) : وَبعد هَذَا فَاختلفت الأَقْوَال فِي أَمره،
فَقِيْلَ: إِنَّهُ ترك مَا كَانَ فِيْهِ، وَتَجرّد،
وَسَاح، حَتَّى قَدِمَ المَشْرِق مُتَخفِّياً، وَمَاتَ
خَامِلاً، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ مَاتَ بِبَعْلَبَكَّ،
وَمِنْهُم مَنْ يَقُوْلُ: رَجَعَ إِلَى مَرَّاكش، فَمَاتَ
بِهَا، وَقِيْلَ: مَاتَ بِسَلاَ، وَعَاشَ بِضْعاً
وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: إِلَيْهِ تُنسب الدَّنَانِيْر اليَعْقُوْبيَّة.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (2) : حَكَى لِي جمع كَبِيْر
بِدِمَشْقَ أَن بِالبِقَاعِ بِالقُرْبِ مِنَ الْمجْدَل
قَرْيَة يُقَالُ لَهَا: حَمَّارَة، بِهَا مشْهد يُعرف
بِقَبْر الأَمِيْر يَعْقُوْب ملك المَغْرِب، وَكُلّ أَهْل
تِلْكَ النَّاحيَة متفقُوْنَ عَلَى ذَلِكَ.
قيل: الأَظهر مَوْته بِالمَغْرِبِ، فَقِيْلَ: مَاتَ فِي
أَوَّلِ جُمَادَى الأُوْلَى، وَقِيْلَ: فِي رَبِيْعٍ
الآخِرِ، وَقِيْلَ: مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَة خَمْسٍ
وَتِسْعِيْنَ.
وَقَدْ يُقَالُ: لَوْ مَاتَ مِثْل هَذَا السُّلْطَان فِي
مقرّ عزّه، لَمْ يُخْتَلَفْ هَكَذَا فِي وَفَاتِهِ
-فَاللهُ أَعْلَم- لَكِن بُوْيِع فِي هَذَا الْحِين وَلده
مُحَمَّد بن يَعْقُوْبَ المُؤْمِنِيّ.
__________
(1) (الروضتين)، حوادث سنة 587.
(2) (وفيات): 7 / 10.
(21/319)
167 - صَاحِبُ غَزْنَةَ مُحَمَّدُ بنُ
سَامِ بنِ حُسَيْنٍ الغُوْرِيُّ *
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، غِيَاثُ الدِّيْنِ، أَبُو
الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ سَامِ بنِ حُسَيْنٍ الغُوْرِيُّ،
أَخُو السُّلْطَانِ شِهَابِ الدِّيْنِ الغُوْرِيِّ.
قَالَ عِزّ الدِّيْنِ ابْن البُزُوْرِيِّ (1) : كَانَ
ملكاً عَادِلاً، وَللمَال باذلاً، فَكَانَ محسناً إِلَى
الرَّعِيَّةِ، رَؤُوْفاً بِهِم، كَانَتْ بِهِ ثُغُور
الأَيَّام باسمَة، وَكلّهَا بوجُوْده موَاسم.
قرّب العُلَمَاء، وَأَحَبّ الفُضَلاَء، وَبَنَى المَسَاجِد
وَالرُّبُط وَالمدَارس، وَأَدرّ الصَّدَقَات، وَبَنَى
الخَانَات.
قُلْتُ: كَانَ ابْتدَاء دَوْلَتهِم مُحَارَبَتَهُم
لسُلْطَانِهِم بَهْرَامَ شَاه بنِ مَسْعُوْدٍ
السُبُكْتِكِيْنِيِّ، وَكَانَ رَأْس أَهْل الغوْر عَلاَء
الدِّيْنِ الحُسَيْن بن الحَسَنِ، فَهَزمه بَهْرَامُ شَاه
غَيْرَ مَرَّةٍ، وَقَتَلَ إِخْوَته، ثُمَّ تَمَكَّنَ
عَلاَء الدِّيْنِ، وَتسلطن، وَأَمّر ابْنَي أَخِيْهِ
غِيَاث الدِّيْنِ وَشِهَاب الدِّيْنِ ابْنَي سَام، ثُمَّ
قَاتلاَهُ، وَأَسرَاهُ، ثُمَّ تَأَدّبا مَعَهُ، وَردَّاهُ
إِلَى ملكه، فَخضع، وَصَاهرهُمَا عَلَى بنِيه،
وَجَعَلهُمَا وَلِيَّي عَهْده، فَلَمَّا مَاتَ فِي سَنَةِ
سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، تَسَلَّطن غِيَاث الدِّيْنِ
المَذْكُوْر، وَاسْتَوْلَى عَلَى غَزْنَة، ثُمَّ قَهره
الغُزّ، وَاسْتولُوا عَلَى غَزْنَة خَمْسَ عَشْرَةَ
سَنَةً.
ثُمَّ نَهَضَ شِهَاب الدِّيْنِ، وَهَزَمَ الغُزَّ،
وَقَتَلَ مِنْهُم خَلاَئِق، وَافتَتَح البِلاَد
__________
(*) أخباره في التواريخ المستوعبة لعصره، وترجم له ابن
الأثير في الكامل: 12 / 75، والمنذري في التكملة، الترجمة:
759، وابن الساعي في الجامع المختصر: 9 / 105، وابن الفوطي
في تلخيصه: 4 / الترجمة: 1799، وأبو الفداء في المختصر: 3
/ 34، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 259 (أحمد الثالث
2917 / 14)، والعبر: 4 / 308، ودول الإسلام: 2 / 80، وابن
كثير في البداية: 13 / 34، والغساني في العسجد، الورقة:
108، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 184، وابن العماد في
الشذرات: 4 / 342، وغيرهم.
(1) في (الذيل) على (المنتظم)، ولم يصل إلينا، وتوفي ابن
البزوري سنة 694.
(21/320)
الشَّاسعَة، وَقصدَ لَهَا، وَردّ بِهَا
خسرو شَاه بنَ بَهْرَامَ شَاه آخر مُلُوْك الهِنْد
السُبُكْتِكِيْنِيَّة، فَأَخَذَهَا سَنَة تِسْعٍ
وَسَبْعِيْنَ، وَأَمّن خسرو شَاه، ثُمَّ بعثَه مَعَ وَلده،
وَأَسلمهُمَا إِلَى أَخِيْهِ، فَسجنهُمَا، وَكَانَ آخِر
العَهْد بِهِمَا، وَكَانَ دَوْلَتهُم أَزْيد مِنْ مائَتَيْ
عَام.
وَيُقَالُ: بَلْ مَاتَ خسرو كَمَا قَدَّمْنَا فِي حُدُوْدِ
سَنَةِ خَمْسِيْنَ، وَتسلطن بَعْدَهُ ابْنه مَلِكْشَاه،
فَيُحرَّر هَذَا.
وَحكم الغُوْرِيّ عَلَى الهِنْد وَالأَقَالِيم، وَتلقّب
بِقَسِيم أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، ثُمَّ سَارَ الأَخوَان،
وَافْتَتَحَا هَرَاة وَبُوْشَنْج وَغَيْر ذَلِكَ، ثُمَّ
حَشَدت مُلُوْك الهِنْد، وَعملُوا المَصَافّ، وَانكسر
المُسْلِمُوْنَ، وَجُرِحَ شِهَاب الدِّيْنِ، وَسقط، ثُمَّ
جمع، وَالتَقَى الهِنْد، فَاسْتَأصلهُم، وَطوَى
المَمَالِك.
نعم (1) ، وَكَانَ غِيَاث الدِّيْنِ وَاسِع البِلاَد،
مُظَفَّراً فِي حُرُوْبه، وَفِيْهِ دهَاء، وَمكر،
وَشجَاعَة، وَإِقدَام.
وَتمرّض بِالنِّقْرِس.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَسقط مُكُوسَ بلاَده، وَكَانَ يَرْجِع
إِلَى فَضِيْلَة وَأَدب.
وَكَانَ يَقُوْلُ: التعصّب فِي المَذَاهِب قَبِيح.
وَقَدِ امْتَدَّتْ أَيَّامه، وَتَمَلَّكَ بَعْدَ عَمّه،
وَلَهُ غَزَوَات وَفُتُوْحَات.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ تِسْعٍ
وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ
أَخُوْهُ السُّلْطَان شِهَاب الدِّيْنِ مُدَّة، ثُمَّ
قُتِلَ غِيلَة، وَتسلطن بَعْدَهُ ابْنُ أَخِيْهِ
السُّلْطَان غِيَاث الدِّيْنِ مَحْمُوْد بن مُحَمَّد،
ثُمَّ تَملّك غُلاَمهُم السُّلْطَان تَاج
__________
(1) هذا الاستعمال قد شاع عند المؤرخين المتأخرين.
(21/321)
الدِّيْنِ إِلْدُز (1) ، وَاستولَى عَلَى
مَدَائِن، وَعظُم أَمره، ثُمَّ قُتِلَ فِي مَصَافّ.
وَلهذه المَمْلَكَة جُيُوش عَظِيْمَة جِدّاً.
أَخُوْهُ:
168 - السُّلْطَانُ شِهَابُ الدِّيْنِ أَبُو المُظَفَّرِ
مُحَمَّدُ بنُ سَامٍ *
قتلته البَاطِنِيَّة فِي شَعْبَان، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَسِتّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ (2) : قَتَلَ صَاحِبُ الهِنْدِ
شِهَابَ الدِّيْنِ بِمخيَّمه بَعْد عَوْده مِنْ لُهَاوور،
وَذَلِكَ أَنَّ نَفراً مِنَ الكُفَّارِ الكوكرِيَّة لزمُوا
عَسْكَره ليغتَالُوْهُ، لِمَا فَعل بِهِم مِنَ الْقَتْل
وَالسّبْي، فَتفرّق خوَاصّه عَنْهُ لَيْلَة، وَكَانَ
مَعَهُ مِنَ الخَزَائِن مَا لاَ يُوْصَف؛ ليُنفقهَا فِي
العَسَاكِر لِغَزْو الخَطَا، فَثَار بِهِ أَولئك، فَقتلُوا
مِنْ حَرسه رَجُلاً، فَثَارت إِلَيْهِ الْحَرس عَنْ
موَاقفهِم، فَخلاَ مَا حَوْل السّرَادِق، فَاغتنم أَولئك
الوَقْت، وَهجمُوا عَلَيْهِ، فَضربوهُ بِسكَاكينهِم،
وَنَجوا، ثُمَّ ظُفِرَ بِهِم، وَقُتِلُوا، وَحَفِظَ
الوَزِيْر وَالأُمَرَاء الأَمْوَال، وَصَيَّرُوا
السُّلْطَان فِي مِحَفَّة، وَدَارُوا حَوْلهَا بِالحشمِ
وَالصّنَاجق، وَكَانَتْ خَزَائِنه عَلَى أَلْفَي جمل
وَمائَتَيْنِ، فَقَدمُوا كِرْمَان، فَخَرَجَ إِلَيْهِم
الأَمِيْر تَاج الدِّيْنِ إِلْدُز (3) ، فَشَقَّ ثيَابه،
وَبَكَى،
__________
(1) في الأصل: (إلدكز) والتصحيح من تاريخ الإسلام وكامل
ابن الأثير وغيرهما.
(*) سيرته مشهورة، وأخباره كثيرة مبثوثة في الكتب
التاريخية المستغرقة لعصره، وترجم له ابن الأثير في
الكامل: 12 / 88 - 90، وابن الساعي في الجامع المختصر: 9 /
170، 171، 187، وأبوالفدا في المختصر: 3 / 112، والذهبي في
تاريخ الإسلام: م 18 ق 1 ص: 100 (تحقيق الدكتور بشار)
والعبر: 5 / 4، ودول الإسلام: 2 / 81 والمنذري في التكملة،
الترجمة: 927، والسبكي في الطبقات: 8 / 60، وابن كثير في
البداية: 13 / 43، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 191،
وابن العماد في الشذرات: 5 / 7 وغيرهم.
(2) (الكامل): 12 / 88.
(3) في الأصل: (الدكز) والتصحيح من الحاشية (وتاريخ) ابن
الأثير (وتاريخ الإسلام).
(21/322)
وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، وَتطلّع تَاج
الدِّيْنِ إِلَى السّلطنَة، وَدُفن شِهَاب الدِّيْنِ
بِتربَة لَهُ بغَزْنَة، وَكَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً،
مَهِيْباً، جَيِّد السّيرَة، يَحكم بِالشّرع.
بَلَغَنَا أَن فَخْر الدِّيْنِ الرَّازِيّ وَعظ مرَّة
عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا سُلْطَان العَالم، لاَ سُلْطَانك
يَبْقَى، وَلاَ تَلْبِيس الرَّازِيّ يَبْقَى {وَأَنَّ
مَرَدَّنَا إِلَى اللهِ، وَأَنَّ المُسْرِفِيْنَ هُمْ
أَصْحَابُ النَّارِ } [غَافر: 43].
قَالَ: فَانْتحب السُّلْطَان بِالبُكَاء.
وَكَانَ شَافِعِيّاً كَأَخِيْهِ، وَقِيْلَ: كَانَ
حنفِيّاً.
169 - ابْنُ القَصَّابِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ
أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، مُؤَيّدُ الدِّيْنِ، أَبُو
الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ ابْنِ
القَصَّابِ البَغْدَادِيُّ.
مِنْ رِجَالِ الدَّهْر شَهَامَة، وَهَيْبَة، وَحَزْماً،
وَغوراً، وَدهَاء، مَعَ النّظم وَالنّثر وَالبلاغَة.
نَاب فِي الوزَارَة، وَخدم فِي دِيْوَان الإِنشَاء (1) ،
وَسَارَ فِي العَسَاكِر، فَافْتَتَحَ هَمَذَان
وَأَصْبَهَان، وَحَاصَرَ الرَّيّ، وَرجع، فَولِي الوزَارَة
(2) ، وَسَارَ
__________
(*) ترجم له ابن الأثير في الكامل: 12 / 52، وابن الدبيثي
في تاريخه، الورقة: 87 (شهيد علي)، وسبط ابن الجوزي في
المرآة، 8 / 95، والمنذري في التكملة، الترجمة: 349،
والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 66 (باريس 1582)،
والمختصر المحتاج إليه: 1 / 96، والصفدي في الوافي: 4 /
168، وابن كثير في البداية: 13 / 12، والعيني في عقد
الجمان: 17 / الورقة: 209، وابن تغري بردي في النجوم: 6 /
136، وابن العماد في الشذرات: 4 / 311.
(1) كان ذلك في رمضان سنة 584 كما ذكر ابن الدبيثي.
(2) قال ابن الدبيثي في (تاريخه): (وفي رجب سنة تسعين وخمس
مئة مثل بباب الحجرة الشريفة، وشرف بخلع جميلة، ولبس خلعة
الوزارة، وتقدم. بمخاطبته بالوزير).
(21/323)
فِي جَيْش عَظِيْم إِلَى هَمَذَان،
فَجَاءهُ المَوْت فِي شَعْبَان، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ جَاوَزَ سَبْعِيْنَ
سَنَةً.
وَكَانَ أَبُوْهُ قصَّاباً عجمِيّاً بسُوْق الثُّلاَثَاء،
ثُمَّ نَبَشَه خُوَارِزْمشَاه مِنْ قَبْره، وَقطعَ بِهِ،
وَطَافَ بِهِ عَلَى رمحٍ بِخُرَاسَانَ.
170- ابْنُ المَقْرُوْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ
البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، شَيْخُ القُرَّاءِ،
أَبُو شُجَاعٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ أَبِي
المَعَالِي ابْنِ المَقْرُوْنِ البَغْدَادِيُّ،
اللَّوْزِيُّ، مِنْ مَحَلَّةِ اللَّوْزِيَّة (1) .
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَجَوَّد القِرَاءات عَلَى: أَبِي مُحَمَّدٍ سِبْط
الخَيَّاط، وَأَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُزُوْرِيّ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ
كِتَاب (الجعديَات) بكمَاله.
وَقرَأَه عَلَيْهِ الزِّين ابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَلِيّ ابْن الصَّبَّاغ، وَأَبِي الفَتْحِ
البَيْضَاوِيّ، وَسِبْط الخَيَّاط، وَأَبِي الفَضْلِ
الأُرْمَوِيّ، وَعِدَّة.
وَرَوَى الكَثِيْر، وَأَقرَأَ الكِتَاب العَزِيْز
سِتِّيْنَ عَاماً، وَكَانَ مُحقّقاً
__________
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 180 (باريس
5921)، والمنذري في التكملة، الترجمة: 588، والنجيب عبد
اللطيف الحراني في مشيخته التي من تخريج ابن الظاهري،
الورقة: 14 وهو الشيخ الرابع فيها، وابن الساعي في الجامع
المختصر: 9 / 57، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 107
(باريس 1582)، والعبر: 4 / 300، والمختصر المحتاج إليه: 1
/ 165، والمشتبه: 560، ومعرفة القراء، الورقة: 177، وابن
الجزري في غاية النهايه: 2 / 259، وابن العماد في الشذرات:
4 / 333.
(1) محلة كانت مشهورة بشرقي بغداد.
(21/324)
لِحُرُوفِهِ، عَامِلاً بِحُدُوْده، يَأْكُل
مِنْ كسب يَده، وَيَتعفّف وَيَتعبّد، وَيَأْمر
بِالمَعْرُوف، وَلاَ يَخَاف فِي اللهِ لُوْمَة لاَئِم.
لقّن الأَوْلاَد وَالآبَاء وَالأَجدَاد.
قرَأَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَات خلق، مِنْهُم: أَبُو عَبْدِ
اللهِ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَقَالَ: نِعْمَ الشَّيْخ.
كَانَ دفنُهُ بِصُفَّةِ بِشْرٍ الحَافِي.
قُلْتُ: وَحَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخ الضِّيَاء، وَابْن
خَلِيْل، وَالتَّقِيّ اليَلْدَانِيّ، وَالنَّجِيْب
الحَرَّانِيّ، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: لَقَّنَ خلقاً لاَ يُحصَوْنَ،
وَحُمِلَت جِنَازَته عَلَى الرُّؤُوس، مَا رَأَيْتُ جمعاً
أَكْثَر مِنْ جمع جِنَازَته.
قَالَ: وَكَانَ مُسْتَجَاب الدعوَة، وَقُوْراً، مَاتَ فِي
سَابع عشر رَبِيْع الآخِرِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَمِنْ مَرْوِيَّاته (الْجمع بَيْنَ
الصَّحِيْحَيْنِ) لِلْحُمَيْدِيِّ، تحمَّله عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ الغَنَوِيّ، عَنِ المُؤلف، قرَأَه عَلَيْهِ
العِزّ مُحَمَّد بن عَبْدِ الغَنِيِّ سَنَة سِتٍّ (1) .
أَجَازَ مَرْوِيَّاته: لأَحْمَدَ بن سَلاَمَةَ، وَعَلِيّ
ابْن البُخَارِيِّ، وَجَمَاعَة.
171 - ابْنُ زُهْرٍ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
المَلِكِ الإِيَادِيُّ *
العَلاَّمَةُ، جَالِيْنُوس زَمَانِهِ، أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ زُهْرِ بنِ
__________
(1) يعني، ست وتسعين وخمس مئة.
(*) ترجم له الجم الغفير منهم: أبو الخطاب ابن دحية في
المطرب: 206، وعبد الواحد =
(21/325)
عَبْد المَلِكِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
مَرْوَانَ بنِ زُهْرٍ الإِيَادِيُّ، الإِشْبِيْلِيُّ.
أَخَذَ الطِّبّ عَنْ: جَدِّهِ أَبِي العَلاَءِ، وَعَنْ:
أَبِيْهِ، وَبلغ الغَايَة وَالحظّ الوَافر مِنَ اللُّغَة،
وَالأَداب، وَالشّعر، وَعلوِّ المرتبَة فِي الْعِلَاج
عِنْد الدَّوْلَة، مَعَ السّخَاء وَالجُود وَالحِشْمَة.
أَخَذَ عَنْهُ: ابْنُ دِحْيَة، وَأَبُو عَلِيٍّ
الشَّلَوْبِيْن.
قَالَ الأَبَّار (1) : كَانَ أَبُو بَكْرٍ بنُ الجَدِّ
يُزكّيه، وَيَحْكِي عَنْهُ أَنَّهُ يَحفظ (صَحِيْح
البُخَارِيِّ) مَتْناً وَإِسْنَاداً.
مَاتَ: بِمَرَّاكش، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسٍ
وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَوُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ (2) : مَكَانه مكين فِي اللُّغَة،
وَموردُه معِين فِي الطِّبّ، كَانَ يَحفظ شعر ذِي
الرُّمَّةِ وَهُوَ ثلث اللُّغَة، مَعَ الإِشرَاف عَلَى
جَمِيْع أَقْوَال أَهْل الطِّبّ، مَعَ سموّ النّسب،
وَكَثْرَة النّشَب، صَحِبته زَمَاناً، وَلَهُ أَشعَار
حلوَة، وَقَدْ رَحل أَبُو جدّه إِلَى المَشْرِق، وَوَلِيَ
رِيَاسَة الطِّبّ بِبَغْدَادَ، ثُمَّ بِمِصْرَ، ثُمَّ
بِالقَيْرَوَان، ثُمَّ نَزل دَانِيَة، وَطَار ذِكْرُهُ.
قُلْتُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا يُقَالُ لَهُ:
الحَفِيْد، كَمَا يُقَالُ لِصديقِهِ ابْن رُشْدٍ:
الحَفِيْد، وَكَانَ فِي رُتْبَة الوُزَرَاء.
وَقِيْلَ: كَانَ دَيِّناً، عدلاً، قوِيّ
__________
= المراكشي في المعجب: 145، وابن الابار في التكملة: 2 /
555، وابن أبي أصيبعة في عيون الانباء: 2 / 67، وياقوت في
إرشاد الاريب: 7 / 21، وابن خلكان في الوفيات: 4 / 434،
والذهبي في كتبه ومنها تاريخ الإسلام، الورقة 204 (أحمد
الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 288، والصفدي في الوافي: 4
/ 39، والمقري في نفح الطيب: 2 / 247، وابن العماد في
الشذرات: 4 / 320، وغيرهم، وهو صاحب الموشح المشهور: أيها
الساقي إليك المشتكى.
(1) (التكملة): 2 / 555 - 556.
(2) (المطرب من أشعار أهل المغرب): 206 (القاهرة: 1954).
(21/326)
النَّفْس، مليح الشّكل، يَجرّ قوساً
قويّاً، وَلَهُ نَظْمٌ رَائِقٌ، فَمِنْهُ:
للهِ مَا فَعَلَ الغَرَامُ بِقَلْبِهِ ... أَوْدَى بِهِ
لَمَّا أَلَمَّ بلبِّهِ
يَأْبَى الَّذِي لاَ يَسْتَطيع لِعُجبِهِ ... رَدَّ
السَّلاَمِ وَإِنْ شككْتَ فَعُجْ بِهِ
ظَبْيٌ مِنَ الأَترَاك مَا تَرَكَتْ ضنىً ... أَلحَاظُه
مِنْ سَلْوَةٍ لِمُحِبِّهِ
إِنْ كُنْت تُنْكِرُ مَا جنَى بِلحَاظِهِ ... فِي سَلْبِهِ
يَوْم الغُوَيْرِ فَسَل بِهِ
يَا مَا أُمَيْلَحَهُ! وَأَعذَبَ رِيقَهُ ! ...
وَأَعَزَّهُ وَأَذَلَّنِي فِي حُبِّه!
بَلْ مَا أُلَيْطِفَ وَْردَةً فِي خَدِّهِ ! ...
وَأَرَقَّهَا! وَأَشَدَّ قَسْوَةِ قَلْبِهِ!
172 - ابْنُ زُرَيْقٍ الحَدَّادُ المُبَارَكُ بنُ
المُبَارَكِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، شَيْخُ المُقْرِئِين، أَبُو جَعْفَرٍ
المُبَارَكُ ابْنُ الإِمَامِ أَبِي الفَتْحِ المُبَارَكِ
بنِ أَحْمَدَ بنِ زُرَيْقٍ الوَاسِطِيُّ، ابْنُ
الحَدَّادِ، إِمَامُ جَامِعِ وَاسِط بَعْدَ وَالِدِهِ.
مَوْلِده: سَنَة تِسْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
تَلاَ عَلَى: أَبِيْهِ، وَمَهَرَ، ثُمَّ سَافر مَعَهُ
إِلَى بَغْدَادَ فِي سَنَةِ 532، فَقَرَأَ بِهَا بِـ
(الْمُبْهِج (1)) وَغَيْره عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ سِبْط
الخَيَّاط.
وَسَمِعَ مِنْ: قَاضِي المَارستَان، وَإِسْمَاعِيْل ابْن
السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَطَائِفَة، وَبِوَاسِط مِنْ: عَلِيِّ
بنِ شيرَان، وَالقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ الفَارِقِيّ،
__________
(*) ترجم له المنذري في التكملة، الترجمة: 544، وابن
الساعي في الجامع المختصر: 9 / 33، وابن الفوطي في
الملقبين بمحيي الدين من تلخيصه: 5 / الترجمة: 819 من
الميم، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 224 (أحمد
الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 295، والمختصر المحتاج: 3
/ 177، ومعرفة القراء، الورقة: 177، والجزري في غاية
النهاية: 2 / 41، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 159، وابن
العماد في الشذرات: 4 / 328.
(1) (المبهج في القراءات السبع) لسبط الخياط من أشهر كتب
القراءة المروية، لدينا نسخة مصورة منه.
(21/327)
وَجَمَاعَة.
وَتَفَرَّد عَنِ: ابْن شيرَان الفَارِقِيّ، وَتَفَرَّد
بِإِجَازَةِ خَمِيْس الحَوْزِيّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ
مُحَمَّد ابْن غُلاَم الهَرَّاس أَبِي عَلِيٍّ، وَرَزِيْن
بن مُعَاوِيَةَ العَبْدَرِيّ، وَأَجَازَ لَهُ أَيْضاً:
أَبُو طَالِبٍ بنُ يُوْسُفَ، وَعَبْد اللهِ ابْن
السَّمَرْقَنْدِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ النَّفِيْس بن مُنْجِبٍ،
وَيُوْسُف بن خَلِيْل، وَإِبْرَاهِيْم بن مَحَاسِنَ،
وَابْن الدُّبَيْثِيّ، وَآخَرُوْنَ.
وَتَلاَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَات: الشَّرِيْف مُحَمَّد بن
عُمَرَ الدَّاعِي، وَغَيْرهُ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ مِنْ أَعيَان القُرَّاء
المَوْصُوْفِيْن بجُوْدَة القِرَاءة، وَحسن الأَدَاء،
وَطيب الصّوت، وَكَانَ بَقِيَّة الأَكَابِر، وَهُوَ
صَدُوْقٌ، مُتَدّين.
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
وَزُرَيْقٌ: أَوّله زَاي.
173 - البُنْدَارُ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ
القَاسِمِ الحَرِيْمِيُّ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، القُدْوَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
الخَالِقِ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ القَاسِمِ بنِ مَنْصُوْرٍ
الحَرِيْمِيُّ، البُنْدَارُ، أَخُو عَبْدِ الجَبَّارِ.
سَمِعَ: هِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَأَبَا المَوَاهِب بن
مُلُوْك، وَهِبَة اللهِ الحَرِيْرِيّ، وَقَاضِي
المَارستَان.
وَسَمِعَ بِالرَّيِّ: عَبْد الرَّحْمَانِ بن أَبِي
القَاسِمِ الحَصِيْرِيّ.
__________
(*) ترجم له معين الدين ابن نقطة في التقييد، الورقة: 164،
وإكمال الإكمال، الورقة: 42 (ظاهرية)، وابن الدبيثي في
الذيل، وهو تاريخه، الورقة: 152 (باريس 5922)، والمنذري في
التكملة، الترجمة: 500، والصائن النعال البغدادي في
مشيخته: 137 وهو الشيخ الخمس والاربعون فيها، وابن الساعي
في الجامع المختصر: 9 / 13، والذهبي في تاريخ الإسلام،
الورقة: 79 (باريس 1582)، والعبر: 4 / 286، وابن العماد في
الشذرات: 4 / 319.
(21/328)
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَابْن
خَلِيْل، وَابْن النَّجَّار، وَجَمَاعَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ صَالِحاً، زَاهِداً،
كَثِيْر العِبَادَة، حسن السّمْت، عَلَى مِنْهَاج
السَّلَف، كَأنَّ النُّوْر يَلوح عَلَى وَجهه، وَيَجد
النَّاظر إِلَيْهِ رَوْحاً فِي نَفْسِهِ، مَاتَ فِي ذِي
القَعْدَةِ، سَنَة خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً (1) .
وَفِيْهَا مَاتَتْ: أَسْمَاء (2) بِنْت مُحَمَّد ابْن
البَزَّازِ (3) الدِّمَشْقيَّة، وَأُخْتهَا
__________
(1) باعتبار أن مولده سنة 511.
وقال الزكي المنذري في (التكملة): إنه ولد في إحدى
الجمادين سنة 512.
وسأله ابن الدبيثي فأجاب بهذا التاريخ (الورقة 152 من نسخة
باريس 5922) ولكن ابن الدبيثي ورفيقه ابن نقطة نقلا عن أبي
بكر محمد بن المبارك بن مشق قوله: مولد عبد الخالق ابن
البندار في ليلة الأربعاء ثامن عشر جمادى الآخرة سنة إحدى
عشرة وخمس مئة (انظر أيضا التقييد، الورقة: 164).
وقد أورد الزكي المنذري الرواية التي تؤيد مولده سنة 511
على التمريض حيث صدرها بقوله: (وقيل) وقد تابع الصائن
النعال المتوفى سنة 659 الزكي المنذري في الروايتين.
(2) هكذا ذكرها المؤلف في وفيات سنة 595، وقد ترجم لها
الزكي المنذري في وفيات سنة 594 من (التكملة)، قال: (وفي
ليلة الثالث عشر من ذي الحجة توفيت الشيخة أسماء بنت محمد
بن الحسن بن طاهر الدمشقية.
سمعت من قاضي دمشق أبي المفضل يحيى بن علي بن عبد العزيز
القرشي، وأبي محمد عبد الكريم بن حمزه السلمي، وحدثت)
(الترجمة: 457).
والطريف أن الذهبي ترجم لها في (تاريخ الإسلام) مرتين
وبترجمتين فيهما بعض الاختلاف، وكأنه - والله أعلم - لم
يعرف أنها تكررت عليه، الأولى في وفيات سنة 594 قال:
(أسماء بنت محمد بن الحسن بن طاهر ابن البزاز الدمشقية.
سمعت من عبد الكريم بن حمزة جدها وأبي المفضل يحيى بن علي
القاضي.
روى عنها يوسف بن خليل، وولدها زين الامناء أبو البركات،
والشهاب إسماعيل القوصي، وآخرون.
وتوفيت في ثالث عشر ذي الحجة.
وهي أخت آمنة والدة قاضي القضاة محيي الدين أبي المعالي
محمد ابن الزكي).
(الورقة: 193 - أحمد الثالث 2917 / 14).
والترجمة الثانية في وفيات سنة 595، قال: (أسماء ابنة أبي
البركات محمد بن الحسن ابن البزاز الدمشقية.
روت عن جدها لامها أبي المفضل يحيى بن علي القاضي.
وعنها سبطها النسابة عز الدين محمد بن أحمد، ويوسف بن
خليل، والشهاب القوصي.
وتزوجت بابن خالتها محمد أخي الحافظ ابن عساكر.
وتوفيت في دي الحجة) (الورقة: 198 من النسخة المذكورة).
(3) في الأصل: (الران) وهو تحريف، والتصحيح من (تاريخ
الإسلام) وترجمة أختها آمنة في (التكملة)، الترجمة: 497
قال: (وتعرف ببنت البزاز).
(21/329)
آمِنَة (1) وَالِدَة القَاضِي مُحْيِي
الدِّيْنِ مُحَمَّد ابْن الزَّكِيِّ، وَالمُحَدِّثُ أَبُو
الفَرَجِ ثَابِت بن مُحَمَّدٍ المَدِيْنِيّ (2) ، وَدُلَف
بن أَحْمَدَ بنِ قُوْفَا (3) ، وَطَرْخَان بن مَاضِي
الشَّاغُوْرِيّ الَّذِي أَمّ بِالملك نُوْر الدِّيْنِ،
وَصَاحِب مِصْر الْملك العَزِيْز ابْنُ صَلاَحِ الدِّيْنِ،
وَأَتَابك المَوْصِل مُجَاهِد الدِّيْنِ قَيْمَاز
الرُّوْمِيّ الخَادِم، وَالفَيْلَسُوْف أَبُو الوَلِيْدِ
مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ
أَحْمَدَ بنِ رُشْدٍ القُرْطُبِيّ الحَفِيْد صَاحِب
المُصَنَّفَات، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوْسِيّ، وَطَبِيْب الوَقْت أَبُو
بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ زُهْرٍ
الإِشْبِيْلِيّ، وَمُسْلِم بن عَلِيٍّ السِّيْحِيّ (4)
المَوْصِلِيّ، وَمَنْصُوْر بن أَبِي الحَسَنِ الطَّبَرِيّ
الوَاعِظ، وَشَيْخ الشَّافِعِيَّة جَمَال الدِّيْنِ
يَحْيَى بن عَلِيِّ بنِ فَضلاَن البَغْدَادِيّ،
وَيَعْقُوْب صَاحِب المَغْرِب.
174 - خُوَارِزْمشَاه عَلاَء الدِّيْنِ تَكشُ بنُ
أَرْسَلاَنَ بنِ أَتْسِز *
السُّلْطَانُ، عَلاَءُ الدِّيْنِ، تَكش بنُ أَرْسَلاَن بنِ
أَتْسِز بنِ مُحَمَّدِ بنِ نُوشْتِكيْن.
__________
(1) راجع الهامش السابق، (وتاريخ الإسلام)، الورقة: 198
وذكر أنها أوقفت رباطا بدمشق.
(2) هذا الرجل منسوب إلى مدينة جي بأصبهان (انظر
(التكملة)، الترجمة: 493 وتعليقنا عليها).
(3) قيده المنذري فقال: بضم القاف وسكون الواو وفتح الفاء
(الترجمة: 494) وقيده قبله ابن نقطة في (إكمال الإكمال) في
(قوفا) منه (نسخة دار الكتب المصرية)، وانظر (مشتبه)
الذهبي: 536.
(4) في الأصل: (الشيحي) بالشين المعجة، والصحيح ما
أثبتناه، وقد تكلمنا عليه في ترجمته مما مضى من هذا
الكتاب، فراجعها (الترجمة: 155).
(*) أخباره مبثوثة في التواريخ المستوعبة لعصره، وترجم له
ابن الأثير في الكامل: 12 / 66، والنسوي في سيرة السلطان
جلال الدين، في غير موضع منها، والسبط في المرآة: 8 / 471،
=
(21/330)
قَالَ أَبُو شَامَةَ (1) : هُوَ مِنْ وَلد
طَاهِر بن الحُسَيْنِ الأَمِيْر.
قَالَ: وَكَانَ جَوَاداً، شُجَاعاً، تَملّك الدُّنْيَا
مِنَ السّند وَالهِنْد وَمَا وَرَاء النَّهْر إِلَى
خُرَاسَانَ إِلَى بَغْدَادَ، فَإِنَّهُ كَانَ نُوَّابه فِي
حُلْوَان، وَكَانَ جُنْده مائَة أَلْف، هزم مَمْلُوْكُه
عَسْكَر الخَلِيْفَة، وَأَزَال هُوَ دَوْلَة السّلاجقَة،
وَكَانَ حَاذِقاً بِلعب العُوْد (2) ، هَمّ بِهِ باطنِيّ،
فَأرعد، فَأَخَذَهُ، وَقرّره، فَأَقرّ، فَقَتَلَهُ،
وَكَانَ يُباشر الحَرْب بِنَفْسِهِ، وَذَهَبت عينه بِسهْم
(3) .
عزم عَلَى قصد بَغْدَاد، وَوصل دِهِسْتَان، فَمَاتَ، ثُمَّ
قَامَ بَعْدَهُ ابْنه مُحَمَّد، وَلُقّب عَلاَء الدِّيْنِ
بِلَقَبِهِ.
قَالَ لَنَا ابْن البُزُوْرِيّ (4) : كَانَ تَكش عِنْدَهُ
آدَاب وَمَعْرِفَة بِمَذْهَب أَبِي حَنِيْفَةَ، بَنَى
مَدْرَسَة بِخُوَارِزْم، وَلَهُ المقامَات المَشْهُوْرَة،
حَارب طُغْرِيْلَ وَقتله، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
ابْن القَصَّابِ الوَزِيْر، فَكَانَ قَدْ نَفّذ إِلَيْهِ
تَشرِيفاً مِنَ الدِّيْوَان، فَرَدَّهُ، ثُمَّ نَدم،
وَاعتذر، وَبُعِثَ إِلَيْهِ بتشرِيف، فَلبِسَه.
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ بِشهر
ستَانَةَ، فَحَمَلَهُ وَلده مُحَمَّد،
__________
= وأبو شامة في الذيل: 17، والمنذري في التكملة، الترجمة:
546، وابن الساعي في الجامع: 9 / 34، وأبو الفداء في
المختصر: 3 / 103، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 215
(أحمد الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 292، ودول الإسلام:
2 / 78، وابن كثير في البداية، 13 / 11، والصفدي في
الوافي: 8 / الورقة: 36، والشعور بالعور، الورقة: 139،
والغساني في العسجد، الورقة: 104، والعيني في عقد الجمان:
17 / الورقة: 742، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 159،
وابن الفرات في تاريخه، الورقة 76 من المجلد الثامن،
والتميمي في الطبقات السنية: 1 / الورقة: 670 وغيرهم.
(1) الذيل على (الروضتين): 17
(2) أصل النص في (الروضتين): وكان حاذقا بعلم الموسيقى
يقال: لم يكن في زمانه ألعب منه بالعود.
(3) لذلك ذكره الصلاح الصفدي مع العور كما مر في تخريج
ترجمته.
(4) في (الذيل على المنتظم)، وقلنا سابقا: إنه لم يصل
إلينا، وقد أشار الذهبي في ترجمته إلى أن معظم كتابه تلف
أثناء الاعتداءات الغازانية على بلاد الشام.
(21/331)
فَدَفَنَه بِمَدْرَسَته، بِخُوَارِزْم،
وَقِيْلَ: مَاتَ بِالخوَانِيق.
175 - العِجْلِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ
إِدْرِيْسَ بنِ أَحْمَدَ *
رَأْسُ الشِّيْعَةِ، وَعَالِمُ الرَّافِضَّةِ،
العَلاَّمَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ
إِدْرِيْسَ بنِ أَحْمَدَ بنِ إِدْرِيْسَ العِجْلِيُّ،
الحِلِّيُّ.
صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، مِنْهَا كِتَاب (الحَاوِي،
لِتحَرِيْرِ الفَتَاوِي)، وَكِتَاب (السّرَائِر (1))،
وَكِتَاب (خلاَصَة الاستدلاَل)، وَمَنَاسِك، وَأَشيَاء فِي
الأُصُوْل وَالفُرُوْع.
أَخَذَ عَنِ: الفَقِيْه رَاشِد (2) ، وَالشَّرِيْف شَرَف
شَاه.
وَلَهُ بِالحِلَّةِ شهْرَة كَبِيْرَة وَتَلاَمِذَة (3) ،
وَلبَعْض الجَهَلَة فِيْهِ قصيدَة يُفضّله فِيْهَا عَلَى
مُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيْسَ إِمَامنَا.
__________
(*) ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 236 (أحمد
الثالث 2917 / 14).
وذكره ابن الفوطي في الملقبين بفخر الدين من تلخيصه: 4 /
الترجمة: 2331، وتناوله ابن حجر بلسانه: 5 / 65، وترجمت له
بعض الكتب المتأخرة المعنية بتراجم الشيعة مثل الخوانساري
في روضات الجنات والحر العاملي في أمل الآمل، وانظر تعليق
شيخنا العلامة المرحوم مصطفى جواد على ترجمته في (التلخيص)
لابن الفوطي.
(1) هكذا ورد في الأصل، ولعل الاصح أن يكون النص كما جاء
في (تاريخ الإسلام): (كتاب الحاوي لتحرير الفتاوي ولقبه
بكتاب السرائر).
ومنه يظهر أنه كتاب واحد لا كتابان.
وقد ذكر ابن الفوطي أن له من التصانيف كتاب (السرائر) وما
ذكر الحاوي مما يشير إلى أنهما واحد.
ثم قال الذهبي في (تاريخ الإسلام): (وهو كتاب مشهور بين
الشيعة).
وقال شيخنا العلامة في تعليقه على ترجمته من تلخيص ابن
الفوطي: وكتابه السرائر كثير النسخ في خزائن الكتب الخاصة
والعامة منه نسخة بمكتبة البلدية بالإسكندرية.
(2) في (تاريخ الإسلام): راشد بن إبراهيم.
(3) ثم قال في (تاريخ الإسلام): (ولم يكن للشيعة في وقته
مثله).
(21/332)
مَاتَ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
176 - صَاحِبُ اليَمَنِ طُغْتِكِيْنُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ
شَاذِي *
سَيْفُ الإِسْلاَمِ، طُغْتِكِيْنُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ
شَاذِي.
كَانَ أَخُوْهُ المَلِك المُعَظَّم تُوْرَانْشَاه قَدِ
افْتَتَح اليَمَن سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ، ثُمَّ رَجَعَ
بَعْد عَامَيْنِ، وَاستنَاب عَنْهُ، وَقَدِمَ دِمَشْق،
ثُمَّ بَعَثَ صَلاَح الدِّيْنِ أَخَاهُ سَيْفَ الإِسْلاَم
إِلَى اليَمَنِ سَنَة تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، فَتملّك
اليَمَن كُلّه، وَحَارَبَ الزَّيْدِيَّة، وَبعد أَعْوَام
أَخَذَ صَنْعَاء، وَكَانَتْ دَوْلَته أَرْبَعَ عَشْرَةَ
سَنَةً، فَلَمَّا احتُضر، سلطن مَمْلُوْكه بُوْزَبَا،
وَمَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، ثُمَّ
تَملّك وَلده المُعِزّ، وَقَتَلَ بُوْزَبَا وَجَمَاعَة
مِنْ مَمَالِيْك أَبِيْهِ، وَحَارَبَ رَأْس الزَّيْدِيَّة،
وَهزمه، وَأَنشَا بِزَبِيْد مَدْرَسَة، وَادّعَى أَنَّهُ
أُموِيّ، وَرَام الخِلاَفَة (1) ، وَلَهُ (دِيْوَان شعر)،
فَقَتَلَهُ أُمَرَاؤُهُ الأَكرَاد (2) ، وَملّكُوا أَخَاهُ
النَّاصِر أَيُّوْب بن طُغْتِكِيْن.
__________
(*) أخباره في التواريخ المستوعبة لعصره لا سيما تلك التي
عنيت ببلاد اليمن كما تجده عند الجعدي في طبقاته: 184،
223، 224، 229، 230، 236، وابن الأثير في كامله: 12 / 54
وما قبلها، وقد ذكره ياقوت في معجم البلدان عند كلامه على
مدينة المنصورة التي أنشأها باليمن: 4 / 664.
وترجم له السبط في المرآة: 8 / 453، وابن خلكان في
الوفيات: 2 / 523، والمنذري في التكملة، الترجمة 404، وابن
واصل في مفرج الكروب: 2 / 105، وأبو الفداء في المختصر: 3
/ 98، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 187 (أحمد الثالث
2917 / 14)، والعبر: 4 / 281، ودول الإسلام: 2 / 77،
والاعلام، الورقة: 211، وابن كثير في البداية 13 / 15،
والخزرجي في العقود اللؤلؤية: 1 / 29، والمقريزي في
السلوك: ج 1 ق 1 ص: 140، والعيني في عقد الجمان: 17 /
الورقة 215، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 141 وغيرهم.
وقيد ابن خلكان اسمه بالحروف.
(1) وتلقب بالهادي.
(2) كان ذلك سنة 598 كما في غير واحد من التواريخ.
(21/333)
177 - ابْنُ دُوْستَ عَبْدُ اللَّطِيْفِ
بنُ أَبِي البَرَكَاتِ إِسْمَاعِيْلَ البَغْدَادِيُّ *
ابْنِ الشَّيْخِ أَبِي سَعْدٍ مُحَمَّدِ بنِ دُوستَ شَيْخُ
الشُّيُوْخِ، أَبُو الحَسَنِ النَّيْسَابُوْرِيُّ
الأَصْلِ، البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ، أَخُو شَيْخِ
الشُّيُوْخِ صَدْرِ الدِّيْنِ عَبْد الرَّحِيْمِ الَّذِي
مَاتَ بِالرَّحْبَة.
كَانَ أَبُو الحَسَنِ شَيْخاً عَامِيّاً، بليداً، عَرِيّاً
مِنَ العِلْمِ.
سَمِعَ مِنَ: القَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَإِسْمَاعِيْل ابْن
السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَعَلِيّ بن عَلِيٍّ الأَمِيْن (1) ،
وَأَبِي الحَسَنِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَطَائِفَة.
وَتَمَشْيَخَ برِبَاط جدّه بَعْد أَخِيْهِ فِي سَنَةِ
ثَمَانِيْنَ، وَقَدْ حَجَّ، وَركب البَحْر، وَقَدِمَ مِصْر
وَبَيْت المَقْدِسِ زَائِراً وَدِمَشْق.
وَحَدَّثَ، فَأَدْرَكته المنِيَّة بِدِمَشْقَ، فِي رَابِعَ
عَشَرَ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
ذكر هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ: ابْنُ النَّجَّار، وَرَوَى
عَنْهُ: هُوَ، وَابْن خَلِيْل، وَاليَلْدَانِيّ،
وَعُثْمَان ابْن خَطِيْبِ القَرَافَةِ، وَفَرَج
الحَبَشِيّ، وَعَبْد اللهِ وَعَبْد الرَّحْمَانِ ابْنَا
أَحْمَدَ بنِ طِعَانٍ (2) ، وَالقَاضِي صَدْر الدِّيْنِ
ابْن سَنِيِّ الدَّوْلَةِ، وَابْن عَبْدِ
__________
(*) ترجم له ابن الدبيثي في الذيل، الورقة: 160 (باريس
5922)، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 473، والمنذري في
التكملة، الترجمة: 558، وأبو شامة في الذيل: 17، وابن
الساعي في الجامع المختصر: 9 / 37، والذهبي في تاريخ
الإسلام، الورقة: 92 (باريس 1582)، والعبر: 4 / 293،
والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 247، وابن تغري بردي
في النجوم: 6 / 159، وابن العماد في الشذرات: 4 / 327.
(1) يعني ابن سكينة.
(2) قيده الذهبي في (المشتبه) (ص: 421) بكسر الطاء وفتح
العين المهملة كما قيدناه =
(21/334)
الدَّائِم، وَابْن أَبِي اليُسْرِ،
وَالكَمَال بن عَبْدٍ، وَعَدَد كَثِيْر.
وَبِالإِجَازَة: أَحْمَد بن أَبِي الخَيْرِ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيّ (1) : كَانَ بليداً لاَ يَفهم،
قَالَ مرَّة -فِيمَا بَلَغَنِي- لِمَنْ قصدهُ فِي سَمَاع
جُزْء: امْضِ بِهِ إِلَى ابْن سُكَيْنَةَ يُسْمِعْك
عَنِّي، فَإِنِّي مَشْغُوْل (2) .
وَفِيْهَا مَاتَ: ابْن كُلَيْبٍ، وَالإِمَامُ أَبُو
جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ القُرْطُبِيّ، وَأَحْمَد بن
مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ ابْنِ البَخِيْلِ، وَالعَلاَّمَة
أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَنْصُوْرٍ العِرَاقِيّ
الخَطِيْب، وَإِسْمَاعِيْل بن صَالِحِ بنِ يَاسِيْنَ
الشَّارعِيّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَانِ الفَارِسِيّ الزَّاهِد، وَخَلِيْل بن أَبِي
الرَّجَاءِ الرَّارَانِيّ، وَخُوَارِزْمشَاه تَكش،
وَالقَاضِي الفَاضِل، وَالوَجِيْه عَبْد العَزِيْزِ بن
عِيْسَى اللَّخْمِيّ (3) بِالثَّغْرِ (4) ، وَالقَاضِي
عُبَيْد (5) اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ
السَّاوِيّ (6) ، وَالفَقِيْه عَسْكَر بن خَلِيْفَةَ
الحَمَوِيّ، وَالنّظام مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ
__________
= وقال: (طعان: أحمد بن ناصر بن طعان، وابناه، ذكروا في
الطريقي).
وكان قال في الطريقي منه (ص: 419) (وبفاء..وأحمد بن ناصر
بن طعان أبو العباس الطريفي البصروي ثم الدمشقي، وابناه:
عبد الرحمان وعبد الله..).
(1) (الذيل)، الورقة: 160 (باريس 5922).
(2) وقال أيضا: وسمع منه قوم لا يبحثون عن أحوال الشيخ،
ولا ينظرون في أهلية الرواية، تكثيرا للعدد، وقد رأيته،
وتركب السماع منه
(3) طمست هذه اللفظة في الأصل بسبب تلويث أصاب النسخة،
وعرفناها من (تكملة) المنذري، الترجمة: 516.
(4) يعني: بالإسكندرية.
(5) في الأصل: (عبد) والتصحيح من ترجمته التي مرت في هذا
الكتاب ؟ ؟ المصادر التي
ذكرناها هناك.
(6) في الأصل: (الساوسي) وهو وهم من الناسخ بلا ريب.
(21/335)
بن الظَّرِيْفِ البَلْخِيّ، وَالأَمِيْر
ابْن بُنَانٍ، وَالشِّهَاب مُحَمَّد بن مَحْمُوْدٍ
الطُّوْسِيّ شَيْخ الشَّافِعِيَّة بِمِصْرَ.
178 - ابْنُ زَبَادَةَ أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ
بنِ هِبَةِ اللهِ الوَاسِطِيُّ *
الصَّاحِبُ الأَثِيْرُ، رَئِيْسُ دِيْوَانِ الإِنشَاءِ،
قَوَامُ الدِّيْنِ، أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ
بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَلِيِّ بنِ زَبَادَةَ
(1) الوَاسِطِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
كَانَ رَبّ فُنُوْنٍ: فَقه، وَأُصُوْل، وَكَلاَم، وَنظم،
وَنثر، سَارَتِ الركبَان بِترسله المُؤنّق.
وَلِي المنَاصب الجَلِيْلَة.
وَرَوَى عَنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ،
وَأَبِي القَاسِمِ عَلِيّ ابْن
__________
(*) ترجم له ياقوت في إرشاد الاريب: 7 / 280، وابن الأثير
في الكامل: 12 / 58، وأبو شامة في الذيل: 14، والمنذري في
التكملة، الترجمة: 458، وابن خلكان في الوفيات: 6 / 244
وابن الفوطي في: الملقبين بقوام الدين من تلخيصه: 4 /
الترجمة: 3197، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 197
(أحمد الثالث 2917 / 14) والعبر: 4 / 284، والمشتبه: 343
والاعلام: الورقة 211، وابن كثير في البداية: 13 / 17،
والغساني في العسجد، الورقة 102، والعيني في عقد الجمان:
17 / الورقة: 217، وابن العماد في الشذرات: 4 / 318،
والزبيدي في (زبد) من التاج: 2 / 363.
(1) تصحف في (كامل) ابن الأثير (وذيل الروضتين) لأبي شامة
و(البداية) لابن كثير إلى (زيادة) بالايء آخر الحروف،
وقيده بالحروف المنذري، وابن خلكان في (الوفيات)،
والذهبي في (المشتبه) وابن ناصر الدين في (توضيح المشتبه).
قال المنذري في ترجمته من (التكملة): (بفتح الزاي وبعدها
باء موحدة مفتوحة وبعد الالف دال مهملة وتاء تأنيث).
وقال ابن خلكان:) هو القطعة من الزباد الذي يتطيب النسوان
به، والله أعلم)
(21/336)
الصَّبَّاغِ، وَأَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ
مُحَمَّدٍ الأَرَّجَانِيّ الشَّاعِر، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ
ابْنِ الجَوَالِيْقِيِّ، وَأَخَذَ عَنْهُ العَرَبِيَّة.
وَلِي نَظَرَ وَاسِط، وَوَلِيَ حجَابَة الحجَاب، ثُمَّ
الأسْتَاذدَارِيَة، ثُمَّ نُقل إِلَى كِتَابَةِ السّرِّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل،
وَغَيْرهُمَا.
وَكَانَ دَيِّناً، صَيِّناً، حَمِيْد السّيرَة، وَهُوَ
القَائِلُ:
لاَ تغبِطَنَّ وَزِيْراً لِلمُلُوْكِ وَإِنْ ... أَنَالَهُ
الدَّهْرُ مِنْهُم فَوْقَ هِمَّتِهِ
وَاعلمْ بِأَنَّ لَهُ يَوْماً تَمورُ بِهِ الـ ... أَرْضُ
الوقورُ كَمَا مَارت بهيبتِهِ (1)
هَارُوْنُ وَهُوَ أَخُو مُوْسَى الشّقيقُ لَهُ ... لَوْلاَ
الوزَارَةُ لَمْ يَأْخُذْ بِلحيتهِ
أَنْبَؤُوْنَا عَنِ ابْن الدُّبَيْثِيّ، أَنْشَدَنَا أَبُو
طَالِبٍ بنُ زَبَادَةَ، أَنْشَدَنِي القَاضِي
الأَرَّجَانِيّ لِنَفْسِهِ:
وَمَقْسُوْمَة العَيْنَيْنِ مِنْ دَهَشِ النَّوَى ...
وَقَدْ رَاعهَا بِالعِيْسِ رَجَعَ حُدَاءِ
تُجِيْبُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيْهَا تَحِيَّتِي ...
وَأُخْرَى تُرَاعِي أَعْيُنَ الرُّقَبَاءِ
وَلَمَّا (2) بَكَتْ عَيْنِي غَدَاةَ رَحِيْلِهِم (3) ...
وَقَدْ رَوَّعتْنِي فُرقَةُ القُرَنَاءِ
بَدَتْ فِي مُحَيَّاهَا خيَالاَتُ أَدْمُعِي ... فَغَارُوا
وَظنُّوا أَنْ بَكتْ لبُكَائِي
تُوُفِّيَ ابْنُ زَبَادَةَ: فِي سَابِعَ عَشَرَ مِنْ ذِي
الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
وَلَهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً وَأَشْهُر (4) .
__________
(1) ابن خلكان: لهيبته.
(2) ابن خلكان: (فلما) وهو قد نقل عن ابن الدبيثي أيضا.
وذكر قبل هذا البيت: رأت حولها الواشين طافوا فغيضت * لهم
دمعها واستعصمت بحياء
(3) ابن خلكان: وداعهم.
(4) ذكر ابن الدبيثي والمنذري وغيرهما أنه ولد في الخامس
والعشرين من صفر سنة 522، هكذا أجاب ابن زبادة عندما سأله
ابن الدبيثي.
(21/337)
179
- القَاضِي (1) الفَاضِلُ أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ
الرَّحِيْمِ بنُ عَلِيٍّ *
المَوْلَى، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ البَلِيْغُ، القَاضِي
الفَاضِلُ، مُحْيِي الدِّيْنِ، يَمِيْنُ المَمْلَكَةِ،
سَيِّدُ الفُصَحَاءِ، أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الرَّحِيْمِ
بنُ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ
__________
(1) إضافة نعتقد أنها كانت في الأصل وهو مشهور بما أثبتناه
في جميع المصادر ومنها كتب الذهبي، قال في العبر في ذكر
وفيات سنة 596: (والقاضي الفاضل، أبو علي عبد الرحيم..)
ومثل ذلك في (تاريخ الإسلام)، الورقة: 217 (أحمد الثالث
2917 / 14)، و(الاعلام)، الورقة: 211.
وقال ابن خلكان في (الوفيات)...(المعروف بالقاضي الفاضل
الملقب مجير الدين): 3 / 158 وقال العماد الكاتب
الأصبهاني: وتمت الرزية الكبرى وفجيعة أهل الدين والدنيا
بانتقال القاضي الفاضل من دار الفناء..)، ومن هنا تبين
اشتهاره بذلك، ولعلنا نعتقد أن هذه الشهرة ب (القاضي
الفاضل) قد قفزت في النسخة الخطية من (سير أعلام النبلاء)
إلى ترجمة القاضي الأصبهاني أبي طالب محمود بن علي ابن أبي
طالب التميمي الأصبهاني المتوفى سنة 585 والذي مرت ترجمته
في الرقم: 113 ولم يعرف هذا التميمي الأصبهاني (بالقاضي
الفاضل) فتأمل ذلك وقدر سبب إضافتنا.
(*) أخباره في التواريخ التي تناولت الفترة الصلاحية
المباركة مثل كامل ابن الأثير والنوادر السلطانية لابن
شداد والروضتين لأبي شامة ومفرج الكروب لابن واصل والقسم
الخاص بالحوادث من تاريخ الإسلام ونحوها. وترجم له العماد
ترجمة رائعة في القسم المصري من الخريدة: 1 / 35 فما بعد،
وابن الجوزي في التنقيح، الورقة 102، وياقوت في معجم
البلدان: 1 / 788 وابن نقطة في إكمال الإكمال، الورقة: 61
(ظاهرية)، وابن أبي الدم الحموي في التاريخ المظفري،
(الورقة: 228، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 472، وأبو
شامة في الذيل: 17، والمنذري في التكملة، الترجمة،: 526،
وابن الساعي في الجامع: 9 / 28، وابن خلكان في الوفيات: 3
/ 158، والذهبي في كتبه ومنها تاريخ الإسلام، العبر، ودول
الإسلام، والاعلام، والإشارة، والسبكي في طبقاته: 7 / 166،
وابن كثير في البداية: 13 / 24، وابن الملقن في العقد،
الورقة: 162، والغساني في العسجد، الورقة: 162، والفاسي في
العقد الثمين: 5 / 422، والمقريزي في السلوك: ج 1 ق 1 ص:
153، وابن قاضي شبهة في طبقات النحاة، الورقة: 185،
والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 247، وابن الفرات في
تاريخه: 8 / الورقة: 74 وكثيرون غيرهم.
وفي نهاية الارب للنويري وصبح الاعشى للقلقشندي وفريدة
العماد وكتب التاريخ مجموعة من رسائله، وطبع ديوانه في
القاهرة سنة 1961.
تعليق المستخدم :(*
*) يقول الشيخ الفاضل أبو محمد الألفي (عضو ملتقى أهل
الحديث) :
فِي التَّرْجَمَةِ [266 - ابْنُ طَبَرْزَذَ ، عُمَرُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ مُعَمَّرٍ البَغْدَادِيُّ ] .
الشَّيْخُ الْمُسْنِدُ الكَبِيْرُ الرِّحْلَةُ أَبُو
حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بنِ مُعَمَّر بْنِ أَحْمَدَ
بْنِ يَحْيَى بْنِ حَسَّانٍ البَغْدَادِيُّ
الدَّارَقَزِّيُّ المُؤَدِّبُ ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ
طَبَرْزَذَ . وَالطَّبَرْزَذُ - بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ - :
هُوَ السُّكَّرُ .
قُلْتُ : هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ لَقَبِهِ (
طَبَرْزَذَ ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ ، كَمَا هَاهُنَا فِي
تَرْجَمَتِهِ .
وَيَتَكَرَّرُ فِي الْكِتَابِ عَشَرَاتِ الْمَرَّاتِ (
ابْنُ طَبَرْزَدْ ) بِدَالٍ غَيْرِ مَنْقُوطَةٍ ، وَهُوَ
خَطَأٌ !! .
وَيَتَكَرَّرُ مِثْلُهُ فِي أَسَانِيدِ الْمِزِّيِّ فِي «
تَهْذِيبِ الْكَمَالِ » مِئَاتَ الْمَرَّاتِ [ قَرِيبَاً
مِنْ خَمْسِمِائَةٍ ] ، لأَنَّ ابْنَ طَبَرْزَذَ شَيْخُ
شُيُوخِهِ !! .
ـــ هامش ـــ
(1) وفِي « مُحِيطِ اللُّغَةِ » : سُكَّرٌ طَبَرْزَذُ
وطَبَرْزَلُ وطَبَرْزَنُ .
وفِي « تَاجِ الْعَرُوسِ » : مُعَرَّبٌ أَصْلُ مَعْنَاهُ :
مَا نُحِتَ بِالفَأْسِ .
(21/338)
الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ المُفَرِّجِ (1)
اللَّخْمِيُّ، الشَّامِيُّ، البَيْسَانِيُّ الأَصْلِ،
العَسْقَلاَنِيُّ المَوْلِدِ، المِصْرِيُّ الدَّارِ،
الكَاتِبُ، صَاحِبُ دِيْوَانِ الإِنشَاءِ الصَّلاَحِيِّ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (2) .
سَمِعَ فِي الكُهُوْلَةِ مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ
السِّلَفِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيِّ، وَأَبِي
القَاسِمِ بنِ عَسَاكِرَ، وَأَبِي الطَّاهِر بنِ عَوْفٍ،
وَعُثْمَانَ بنِ فَرَجٍ العَبْدَرِيِّ،
وَرَوَى: اليَسِيْرَ.
وَفِي انتسَابِهِ إِلَى بيسَانَ تَجوُّزٌ، فَمَا هُوَ
مِنْهَا، بَلْ قَدْ وَلِيَ أَبُوْهُ القَاضِي الأَشرفُ
أَبُو الحَسَنِ قَضَاءهَا.
انتهتْ إِلَى القَاضِي الفَاضِلِ برَاعَة التَّرسُّلِ،
وَبلاغَة الإِنشَاءِ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ الفَنِّ اليَدُ
البيضَاءُ، وَالمَعَانِي المبتكرَةُ، وَالبَاعُ الأَطولُ،
لاَ يُدركُ شَأؤُهُ، وَلاَ يُشَقُّ غُبَارُهُ مَعَ
الكَثْرَةِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (3) ، يُقَالُ: إِنَّ مسوَّدَاتِ
رَسَائِلِهِ مَا يَقَصْرُ عَنْ مائَةِ مُجَلَّدٍ، وَلَهُ
النَّظْمُ الكَثِيْرُ، وَأَخَذَ الصّنعَةَ عَنِ
المُوَفَّقِ يُوْسُفَ بنِ الخَلاَّلِ صَاحِبِ الإِنشَاءِ
لِلْعَاضدِ (4) ، ثُمَّ خدمَ بِالثَّغْرِ مُدَّةً، ثُمَّ
طلبَهُ وَلدُ الصَّالِحِ بنِ رُزّيْكٍ،
__________
(1) في (تكملة) المنذري و(وفيات) ابن خلكان: (الفرج).
وجاء في (العقد الثمين) للفاسي: (عبد الرحيم بن علي بن
الحسن بن المفرج بن الحسين بن أحمد بن المفرج بن أحمد)
وذكر أن ابن خلكان نسبه كما نسبه، ولم يكن قوله دقيقا
فالذي عند ابن خلكان مختلف عما أورده.
(2) كان مولده بعسقلان في الخامس عشر من جمادى الآخرة من
السنة.
(3) (وفيات): 3 / 158 - 162.
(4) فصل ابن خلكان ذلك في ترجمة الموفق الخلال من (وفيات
الأعيان): 7 / 219 - 221.
(21/339)
وَاسْتخدمَهُ فِي دِيْوَانِ الإِنشَاءِ.
قَالَ العِمَادُ: قضَى سعيداً وَلَمْ يُبْقِ عَملاً
صَالِحاً إِلاَّ قدَّمَهُ، وَلاَ عهداً فِي الجَنَّةِ
إِلاَّ أَحْكَمَهُ، وَلاَ عقْدَ بِرٍّ إِلاَّ أَبرمَهُ،
فَإِنَّ صَنَائِعَهُ فِي الرِّقَابِ وَأَوقَافَهُ
متجَاوزَةُ الحسَابِ، لاَ سِيَّمَا أَوقَافُهُ لفكَاكِ
الأَسرَى، وَأَعَانَ المَالِكيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ
بِالمَدْرَسَةِ وَالأَيْتَامَ بِالكُتَّابِ، كَانَ
لِلْحُقُوقِ قَاضِياً، وَفِي الحَقَائِق مَاضياً،
وَالسُّلْطَانُ لَهُ مُطِيعٌ، مَا افْتَتَحَ الأَقَالِيمَ
إِلاَّ بِأَقَاليد آرَائِهِ، وَمقَاليد غِنَاه
وَغَنَائِهِ، وَكُنْتُ مِنْ حَسَنَاتِهِ محسوباً، وَإِلَى
آلاَئِهِ مَنْسُوْباً، وَكَانَتْ كِتَابَتُهُ كَتَائِبَ
النَّصْرِ، وَيَرَاعتُهُ رَائِعَة الدَّهْرِ، وَبرَاعتُهُ
بارِيَةً لِلبرِّ، وَعبَارتُهُ نَافثَة فِي عُقَدِ
السِّحْرِ، وَبلاغتُهُ لِلدَّولَةِ مُجَمِّلَة،
وَللمَمْلَكَةِ مُكَمِّلَة، وَلِلْعصرِ الصَّلاَحِيِّ
عَلَى سَائِرِ الأَعصَارِ مُفَضَّلَة، نسخَ أَسَاليبَ
القُدَمَاءِ بِمَا أَقدَمَهُ مِنَ الأَسَاليْبِ،
وَأَعرَبَهُ مِنَ الإِبدَاعِ، مَا أَلْفَيْتهُ كرَّرَ
دُعَاءً فِي مكَاتَبَةٍ، وَلاَ رددَّ لفظاً فِي
مخَاطبَةٍ...، إِلَى أَنْ قَالَ:
فَإِلَى مَنْ بَعْدَهُ الوِفَادَةُ؟ وَمِمَّنِ
الإِفَادَةُ؟ وَفِيْمَنِ السيَادَة؟ وَلِمَنِ السعَادَةُ؟
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : وَزَرَ لِلسُّلْطَانِ
صَلاَحِ الدِّيْنِ بن أَيُّوْبَ
فَقَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سنَاء الْملك قصيدَةً مِنْهَا:
قَالَ الزَّمَانُ لغَيْرِهِ لَوْ رَامَهَا(2) ... تَرِبَتْ
يَمِيْنُكَ لَسْتَ مِنْ أَربَابِهَا (3)
اذهَبْ طرِيقَكَ لَسْتَ مِنْ أَربَابِهَا ... وَارْجِعْ
وَرَاءكَ لَسْتَ مِنْ أَترَابِهَا (4)
__________
(1) لم ترد قصيدة ابن سناء الملك هذه في ترجمة القاضي
الفاضل من الوفيات، ولا في مكان آخر من كتاب ابن خلكان،
ونحن نعتقد أن ترجمة القاضي الفاضل في الوفيات ناقصة بلا
ريب.
وراجع ديوان ابن سناء الملك (دار الكاتب العربي القاهرة
1969) 2 / 22 - 25.
(2) في الديوان: إذ رامها.
(3) في الديوان: من أترابها.
(4) في الديوان: من اصحابها.
(21/340)
وَبِعِزِّ سيِّدِنَا وَسَيِّدِ غَيرِنَا(1)
... ذلَّتْ مِنَ الأَيَّامِ شَمْسُ صِعَابِهَا
وَأَتَتْ سعَادتُهُ إِلَى أَبْوَابِهِ ... لاَ كَالَّذِي
يَسْعَى إِلَى أَبْوَابِهَا
فَلْتَفْخَرِ الدُّنْيَا بِسَائِسِ مُلْكِهَا ... مِنْهُ
وَدَارسِ علمِهَا وَكِتَابِهَا
صوَّامِهَا قوَّامِهَا علاَّمِهَا ... عَمَّالِهَا
بِذَّالِهَا وَهَّابِهَا
وَبَلَغَنَا أَنَّ كُتُبَهُ الَّتِي ملكَهَا بلغَتْ مائَة
أَلْفِ مُجَلَّدٍ، وَكَانَ يُحصِّلُهَا مِنْ سَائِرِ
البِلاَدِ (2) .
حكَى القَاضِي ضِيَاءُ الدِّيْنِ ابْنُ الشَّهْرُزُوْرِيِّ
أَنَّ القَاضِي الفَاضِلَ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ العَادلَ
أَخَذَ مِصْرَ، دَعَا بِالموتِ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَدعيَهُ
وَزِيْرُهُ ابْنُ شُكْرٍ، أَوْ يُهِينَهُ، فَأَصْبَحَ
مَيْتاً، وَكَانَ ذَا تَهجُّدٍ وَمعَامِلَةٍ.
وَلِلْعِمَادِ فِي (الخريْدَةِ (3)): وَقبلَ شروعِي فِي
أَعيَانِ مِصْرَ، أُقَدِّمُ ذِكْرَ (4) مَنْ جَمِيْعُ
أَفَاضِلِ العصرِ (5) كَالقطرَةِ فِي بحرِهِ (6) ،
المَوْلَى القَاضِي الفَاضِلُ...، إِلَى أَنْ قَالَ:
فَهُوَ كَالشَّرِيعَةِ المحمَّدِيَّةِ، نسخَتِ
الشَّرَائِعَ، يَخترعُ الأَفكَارَ، وَيَفترِعُ الأَبكَارَ
(7) ، هُوَ ضَابطُ المُلكِ بآرَائِهِ، وَرَابطُ السِّلكِ
بآلاَئِهِ، إِنْ شَاءَ أَنشَأَ فِي يَوْمٍ (8) مَا لَوْ
دُوِّنَ لَكَانَ لأَهْلِ الصِّنَاعَةِ خَيْرَ
__________
(1) في الديوان: وسيد غزنا، وأشار محققه في هامشه إلى أن
بعض النسخ المخطوطة ورد فيها كما ورد هنا.
(2) وهذا النص لم يرد في المطبوع من (وفيات الأعيان) أيضا،
وراجع ما ذكرناه في الهامش السابق.
ونعتقد أن حكاية القاضي ضياء الدين ابن الشهرزوري التي
ستأتي بعد هذه الفقرة منقولة من (الوفيات) أيضا.
(3) القسم المصري 1 / 35 فما بعد.
(4) الزيادة من (الخريدة) 1 / 35.
(5) في (الخريدة): أفاضل الدهر، وأماثل العصر.
(6) في (الخريدة): في تيار بحره، بل كالذرة في أنوار فجره،
وهو المولى الاجل...
(7) في (الخريدة): ويفترح الابكار، ويطلع الانوار، ويبدع
الازهار، وهو ضابط...
(8) في (الخريدة): في يوم واحد، بل في ساعة واحدة مالو
دون..
(21/341)
بِضَاعَةٍ، أَيْنَ قُسٌّ مِنْ فَصَاحتِهِ،
وَقيسٌ (1) فِي حَصَافتِهِ، وَمَنْ حَاتِمٌ وَعَمْرٌو فِي
سمَاحتِهِ وَحمَاستِهِ (2) ، لاَ مَنَّ فِي فَعلِهِ، وَلاَ
مَيْنَ فِي قَوْلِهِ، ذُو الوَفَاءِ وَالمُروءةِ
وَالصَّفَاءِ وَالفتوَّةِ، وَهُوَ مِنَ الأَوْلِيَاءِ
الَّذِيْنَ خُصُّوا بِالكرَامَةِ، لاَ يَفترُ مَعَ مَا
يَتولاَّهُ مِنْ نوَافلِ صَلاَتِهِ، وَنوَافلِ صِلاَتِهِ،
يَتلو كُلَّ يَوْمٍ...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَأَنَا أُوثِرُ أَنْ أُفرِدَ لنظمِهِ وَنثرِهِ كِتَاباً.
قِيْلَ: كَانَ القَاضِي أَحَدبَ، فَحَدَّثَنِي شَيْخُنَا
أَبُو إِسْحَاقَ الفَاضِلِيُّ (3) أَنَّ القَاضِي
الفَاضِلَ ذهبَ فِي الرُّسليَّةِ إِلَى صَاحِبِ
المَوْصِلِ، فَأُحْضِرَتْ فَوَاكهُ، فَقَالَ بَعْضُ
الكِبَارِ مُنَكِّتاً: خيَارُكُم أَحَدبُ، يُوَرِّي
بِذَلِكَ.
فَقَالَ الفَاضِلُ: خَسُّنَا خَيْرٌ مِنْ خيَارِكُم.
قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ (4) : رَكَنَ إِلَيْهِ
السُّلْطَانُ رُكُوناً تَامّاً، وَتَقدَّمَ عِنْدَهُ
كَثِيْراً، وَكَانَ كَثِيْرَ البِرِّ، وَلَهُ آثَارٌ
جَمِيْلَةٌ، تُوُفِّيَ لَيْلَةَ سَابعِ رَبِيْعٍ الآخَرِ،
سَنَةَ سِتٍّ وَتسعِينَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) في (الخريدة): وأين قيس.
(2) في (الخريدة): وحماسته.
فضله بالافضال حال، ونجم قبوله في أفق الاقبال عال، لا من
في فعله، ولا مين في قوله، ولا خلف وعده، ولا بطء في رفده،
الصادق الشيم، السابق بالكرم، ذو الوفاء والمروءة، والصفاء
والفتوة، والتقى والصلاح، والندى والسماح، منشر رفات العلم
وناشر راياته، وجالي غيابات الفضل وتالي آياته، وهو من
أولياء الله الذين خصوا بكرامته، وأخلصوا لولايته، قد وفقه
الله للخير كله، وفضل هذا العصر على الاعصار السالفة بفضله
ونبله، فهو مع ما يتولاه من أشغال المملكة الشاغلة ومهامه
المستغرقة في العاجلة لا يغفل عن الآجلة...الخ.
(3) هو شيخ القراء جمال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن داود
العسقلاني ثم الدمشقي الفاضلي المتوفى سنة 692 وكان من
شيوخ الذهبي البارزين في القراءات، وكان متصدرا للاقراء
بتربة أم الصالح (الذهبي: (معجم الشيوخ): 1 / الورقة: 27،
و(معرفة القراء): 562 -
563، وابن الجزري في (غاية النهاية): 2 / 71.
(4) (التكملة)، الترجمة: 526.
(21/342)
وَقَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ:
كَانُوا ثَلاَثَةَ إخوَةٍ:
أَحَدهُم: خدَمَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَخلَّفَ مِنَ
الخوَاتِيمِ صنَادِيقَ، وَمِنَ الحُصْرِ وَالقُدُورِ
بُيُوتاً مَمْلُوْءةً، وَكَانَ مَتَى سَمِعَ بِخَاتمٍ
سَعَى فِي تحصيلِهِ.
وَأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ لَهُ هَوَسٌ مُفْرِطٌ فِي
تحصيلِ الكُتُبِ، عِنْدَهُ نَحْوُ مائَتَيْ أَلف كِتَاب.
وَالثَّالِثُ القَاضِي الفَاضِلُ: كَانَ ذَا غرَامٍ
بِالكِتَابَةِ وَبِالكُتُبِ أَيْضاً، لَهُ الدِّينُ
وَالعفَافُ وَالتُّقَى، موَاظِبٌ عَلَى أَورَادِ اللَّيْلِ
وَالصِّيَامِ وَالتِّلاَوَةِ، لَمَّا تَملَّكَ أَسَدُ
الدِّيْنِ أَحضرَهُ، فَأُعْجِبَ بِهِ، ثُمَّ اسْتخلَصَهُ
صَلاَحُ الدِّيْنِ لِنَفْسِهِ، وَكَانَ قَلِيْلَ
اللَّذَّاتِ، كَثِيْرَ الحَسَنَاتِ، دَائِمَ التَّهَجُّدِ،
يَشتغلُ بِالتَّفْسِيْرِ وَالأَدبِ، وَكَانَ قَلِيْلَ
النَّحْوِ، لَكنَّهُ لَهُ دُرْبَةٌ قويَّةٌ، كتبَ مِنَ
الإِنشَاءِ مَا لَمْ يَكتبْهُ أَحَدٌ، أَعْرِفُ عِنْدَ
ابْنِ سنَاء الملكِ مِنْ إِنشَائِهِ اثْنَيْنِ
وَعِشْرِيْنَ مُجَلَّداً، وَعِنْدَ ابْنِ القَطَّانِ
عِشْرِيْنَ مُجَلَّداً، وَكَانَ مُتَقَلِّلاً فِي مطعَمِهِ
وَمنكحِهِ وَملبسِهِ، لباسُهُ البيَاضُ، وَيَرْكُبُ مَعَهُ
غُلاَمٌ وَركَابِيٌّ، وَلاَ يَمكِّنُ أَحَداً أَنْ
يَصحبَهُ، وَيُكْثِرُ تَشييعَ الجَنَائِزِ، وَعيَادَةَ
المَرْضَى، وَلَهُ مَعْرُوفٌ فِي السِّرِّ
وَالعَلاَنِيَةِ، ضَعِيْفُ البُنْيَةِ، رقيقُ الصُّوْرَةِ،
لَهُ حَدْبَةٌ يُغَطِّيهَا الطَّيْلَسَانُ، وَكَانَ فِيْهِ
سُوءُ خُلُقٍ، يُكْمِدُ بِهِ نَفْسَهُ، وَلاَ يضرُّ
أَحَداً بِهِ، وَلأَصْحَابِ العِلْمِ عِنْدَهُ نفَاقٌ
يُحْسِنُ إِلَيْهِم، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ انتقَامٌ مِنْ
أَعدَائِهِ إِلاَّ بِالإِحسَانِ أَوِ الإِعرَاضِ عَنْهُم،
وَكَانَ دَخْلُهُ وَمَعْلُوْمُهُ فِي العَامِ نَحْواً مِنْ
خَمْسِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ سِوَى مَتَاجر الهِنْدِ
وَالمَغْرِبِ، تُوُفِّيَ مَسْكُوتاً (1) ، أَحْوَجَ مَا
كَانَ إِلَى المَوْتِ عِنْدَ تَوَلِّي الإِقبالِ،
وَإِقبالِ الإِدبارِ، وَهَذَا يَدلُّ عَلَى أَنَّ للهِ
بِهِ عنَايَة.
__________
(1) يعني: فجاءة، وهو ما يعرف في عصرنا بالسكتة القلبية.
(21/343)
قَالَ العِمَادُ: تَمَّتِ الرَّزِيَّةُ
بَانتقَالِ القَاضِي الفَاضِلِ مِنْ دَارِ الفنَاءِ إِلَى
دَارِ البقَاءِ، فِي مَنْزِلِهِ بِالقَاهِرَةِ، فِي سَادسِ
رَبِيْعٍ الآخَرَ، وَكَانَ لَيْلَتَئِذٍ صَلَّى العشَاءَ،
وَجَلَسَ مَعَ مُدَرِّسِ مَدْرَسَتِهِ، وَتحدَّثَ مَعَهُ
مَا شَاءَ، وَانفصلَ إِلَى مَنْزِلِهِ صَحِيْحاً.
وَقَالَ لغُلاَمِهِ: رَتِّبْ حوَائِجَ الحَمَّامِ،
وَعرفنِي حَتَّى أَقضِي مُنَى المَنَامِ، فَوَافَاهُ
سَحَراً، فَمَا اكترَثَ بصوتِهِ، فَبَادَرَ إِلَيْهِ
وَلدُهُ فَأَلفَاهُ وَهُوَ سَاكِتٌ باهِتٌ، فَلبثَ
يَوْمَهُ لاَ يُسْمَعُ لَهُ إِلاَّ أَنِيْنٌ خفِيٌّ، ثُمَّ
قضَى -رَحِمَهُ الله-.
قيل: وَقَفَ مُنَجِّمٌ عَلَى طَالعِ القَاضِي، فَقَالَ:
هَذِهِ سعَادَةٌ لاَ تَسَعُهَا عَسْقَلاَنُ.
حفظَ القُرْآنَ، وَكَتَبَ ختمَةً، وَوقفَهَا، وَقرَأَ
(الجمعَ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ) عَلَى ابْنِ فَرحٍ، عَنْ
رَجُلٍ، عَنِ الحُمَيْدِيِّ، وَصَحِبَ أَبَا الفَتْحِ
مَحْمُوْدَ بنَ قَادوس المنشِئ، وَكَانَ مَوْتُ أَبِيْهِ
سَنَة 46 (1) ، وَكَانَ لَمَّا جرَى عَلَى أَبِيْهِ
نَكبَةً اتَّصَلَتْ بِمَوْتِهِ، ضُرِبَ وَصُودِرَ حَتَّى
لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْء، وَمَضَى إِلَى
الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَصَحِبَ بنِي حديدٍ،
فَاسْتَخدمُوْهُ.
قَالَ جَمَالُ الدِّيْنِ ابْنُ نُبَاتَةَ: رَأَيْتُ فِي
بَعْضِ تَعَاليقِ القَاضِي: لَمَّا رَكِبْتُ البَحْرَ مِنْ
عَسْقَلاَنَ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، كَانَتْ مَعِي
رزمَةٌ فِيْهَا ثِيَابٌ، وَرزمَةٌ فِيْهَا مُسَوَّدَاتٌ،
فَاحتَاجَ الرُّكَّابُ أَنْ يُخَفِّفُوا، فَأَردتُ أَنْ
أَرمِي رزمَةَ المُسَوَّدَاتِ، فَغلِطْتُ وَرَمَيْتُ
رزمَةَ القِمَاشِ.
وَذَكَرَ القَاضِي ابْنُ شَدَّادٍ أَنَّ دَخْلَ القَاضِي
كَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسِيْنَ (2) دِيْنَاراً (3) .
__________
(1) يعني: 546.
(2) في الأصل: (خمسون).
(3) لعل الاصح: (مئة وخمسين) وهو ما نعتقده، ليتوافق مع
الذي ذكره المؤرخون بأن دخله قرابة الخمسين ألف دينار في
السنة.
(21/344)
180- العِمَادُ أَبُو عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ *
القَاضِي، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُفْتِي، المنشِئُ،
البَلِيْغُ، الوَزِيْرُ، عِمَادُ الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ
اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَامِدِ بنِ مُحَمَّدِ
بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ مَحْمُوْدِ بنِ هِبَةِ
اللهِ بنِ أَلُه الأَصْبَهَانِيُّ، الكَاتِبُ، وَيُعْرَفُ
بِابنِ أَخِي العَزِيْزِ (1) .
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ
بِأَصْبَهَانَ.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ، فَنَزَلَ بِالنّظَامِيَّةِ، وَبَرَعَ
فِي الفِقْهِ عَلَى أَبِي مَنْصُوْرٍ سَعِيْدِ بنِ
الرَّزَّازِ.
وَأَتقنَ العَرَبِيَّةَ وَالخِلاَفَ، وَسَادَ فِي عِلْمِ
التَّرَسُّلِ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَاشْتُهِرَ
ذِكْرُهُ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
المَلِكِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ عَبْدِ
السَّلاَمِ، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدِ السَّيِّدِ ابْنِ
الصَّبَّاغِ، وَالمُبَارَكِ بنِ
__________
(*) ترجم له ابن الجوزي في التلقيح، الورقة: 102، وياقوت
في إرشاد الاريب: 7 / 81، وابن الأثير في الكامل: 12 / 71،
وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 126 (باريس 5921) وسبط
ابن الجوزي في المرآة: 8 / 504، والمنذري في التكملة،
الترجمة: 605، وابن الساعي في الجامع: 9 / 61، وابن خلكان
في الوفيات: 5 / 147، وابن الفوطي في تلخيصه: 4 / الترجمة:
1240، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 105 (باريس
1582)، والعبر: 4 / 299، ودول الإسلام: 2 / 79، والمختصر
المحتاج إليه: 1 / 122،
والصفدي في الوافي: 1 / 132، وابن نباته في الاكتفاء،
الورقة: 85، والسبكي في الطبقات: 6 / 178، وابن كثير في
البداية: 13 / 30، وابن الملقن في العقد، الورقة: 164،
وابن الفرات في تاريخه: 8 / الورقة: 88 وغيرهم، وانظر
مقدمات أقسام الخريدة: العراقية والشامية والمصرية ففيها
تفصيل.
(1) العزيز هو أبو نصر أحمد بن حامد بن محمد المستوفي
المتوفى سنة 526 ذكره ابن الدبيثي في (تاريخه)، الورقة:
184 (باريس 5921)، وابن ناصر الدين في (توضيحه)، الورقة:
32 (سوهاج) والعيني في (عقد الجمان): 16 / الورقة: 44
وغيرهم.
(21/345)
عليٍّ السّمذِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ ابْنِ
الأَشْقَرِ.
وَأَجَازَ لَهُ الفُرَاوِيُّ مِنْ نَيْسَابُوْرَ، وَابْنُ
الحُصَيْنِ مِنْ بَغْدَادَ، وَرجعَ إِلَى أَصْبَهَانَ
مُكِبّاً عَلَى العِلْمِ، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَحْوَالُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، وَالخطيرُ
فُتُوْحُ بنُ نُوْحٍ، وَالعِزُّ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ
عُثْمَانَ الإِرْبِلِيُّ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ،
وَجَمَاعَةٌ.
وَأَجَازَ مَرْوِيَّاتِهِ لِشيخِنَا أَحْمَدَ بنِ أَبِي
الخَيْرِ.
وَأَلُه: فَارِسِيٌّ، مَعْنَاهُ عُقَابٌ، وَهُوَ بِفَتحِ
أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ وَسكُوْنِ الهَاءِ.
اتَّصلَ بِابْنِ هَبِيرَةَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى
دِمَشْقَ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ، وَاتَّصلَ
بِالدَّوْلَةِ، وَخدمَ بِالإِنشَاءِ الملكَ نُوْرَ
الدِّيْنِ.
وَكَانَ يُنشِئُ بِالفَارِسِيِّ أَيْضاً، فَنفّذَهُ نُوْرُ
الدِّيْنِ رَسُوْلاً إِلَى المُسْتَنْجِدِ، وَوَلاَّهُ
تدرِيسَ العِمَادِيَّةِ سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ، ثُمَّ
رتَّبَهُ فِي إِشرَافِ الدِّيْوَانِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ
نُوْرُ الدِّيْنِ أُهْمِلَ، فَقصدَ المَوْصِلَ، وَمَرِضَ
ثُمَّ عَادَ إِلَى حَلَبَ وَصَلاَحُ الدِّيْنِ مُحَاصِرٌ
لَهَا سَنَة سَبْعِيْنَ، فَمدحَهُ وَلَزِمَ رِكَابَهُ،
فَاسْتكتبَهُ وَقرَّبَهُ، فَكَانَ القَاضِي الفَاضِلُ
يَنقطعُ بِمِصْرَ لمُهِمَّاتٍ، فَيَسُدُّ العِمَادَ فِي
الخدمَةِ مَسَدَّهُ.
صَنّفَ كِتَابَ (خريْدَة القَصْرِ وَجرِيْدَة العصرِ)
ذيلاً عَلَى (زِينَةِ الدَّهْرِ) لِلْحظيرِيِّ، وَهِيَ
ذيلٌ عَلَى (دميَةِ القَصْرِ وَعصرَةُ أَهْلِ العصرِ)
لِلبَاخَرْزِيِّ، الَّتِي ذَيَّلَ بِهَا عَلَى (يَتيمَةِ
الدَّهْرِ) لِلثعَالبِيِّ، الَّتِي هِيَ ذَيلٌ عَلَى
(البَارِعِ) لِهَارُوْنَ بنِ عَلِيٍّ المُنَجِّمِ،
فَالخريْدَةُ مشتملٌ عَلَى شُعَرَاءِ زَمَانِهِ مِنْ
بَعْدِ الخَمْسِ مائَة (1) ، وَهُوَ عشرُ مُجَلَّدَاتٍ.
__________
(1) قوله من بعد الخمس مئة فيه نظر، وإنما أراد فيه
تقديرا، وإلا فإنه ترجم لبعض من توفي قبلها (راجع ما كتبه
شيخنا محمد بهجة الاثري في مقدمة القسم العراقي من الخريدة
تحليلا لهذا الموضوع: 1 / 96 فما بعد).
(21/346)
وَلَهُ: (البَرْقُ الشَّامِيُّ) سَبْع
مُجَلَّدَاتٍ، وَ(الفَتْحُ القُسِّيُّ فِي الفَتْحِ
القُدْسِيِّ) مجلدَانِ، وَكِتَابُ (السَّيْلُ وَالذَّيلُ)
مُجَلَّدَانِ، وَ(نُصْرَةُ الفَتْرَةِ (1)) فِي أَخْبَار
بنِي سَلْجُوْق، وَ(دِيْوَانُ رَسَائِل) كَبِيْرٌ،
وَ(دِيْوَانُهُ) فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ.
وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الفَاضِلِ مخَاطبَاتٌ
وَمُكَاتَبَاتٌ.
قَالَ مَرَّةً لِلْفَاضِلِ مِمَّا يُقرَأُ مَنْكوساً: سِرْ
فَلاَ كَبَا بِكَ الفَرَسُ.
فَأَجَابَهُ بِمِثْلِهِ، فَقَالَ: دَامَ عُلاَ العِمَادِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (2) : وَلَمْ يَزَلِ العِمَادُ
عَلَى مَكَانِهِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ صَلاَحُ الدِّيْنِ،
فَاخْتَلَّتْ أَحْوَالُهُ، فَلَزِمَ بَيْتَهُ، وَأَقْبَلَ
عَلَى تَصَانِيْفِهِ.
قَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: حَكَى لِي
العِمَادُ، قَالَ: طلبنِي كَمَالُ الدِّيْنِ لنِيَابتِهِ
فِي الإِنشَاءِ، فَقُلْتُ: لاَ أَعْرفُ الكِتَابَةَ.
قَالَ: إِنَّمَا أُرِيْدُ مِنْكَ أَنْ تُثْبِتَ مَا
يَجرِي، فَتُخْبِرنِي بِهِ.
فَصِرْتُ أَرَى الكُتُبَ تُكْتَبُ إِلَى الأَطرَافِ،
فَقُلْتُ: لَوْ طُلبَ مِنِّي أَنْ أَكْتُبَ مِثْلَ هَذَا،
مَا كُنْتُ أَصْنَعُ؟
فَأَخَذتُ أَحْفَظُ الكُتُبَ، وَأُحَاكيهَا، وَأُروِّضُ
نَفْسِي، فَكَتَبتُ إِلَى بَغْدَادَ كُتُباً، وَلَمْ
أُطلِعْ عَلَيْهَا أَحَداً.
فَقَالَ كَمَالُ الدِّيْنِ يَوْماً: ليتنَا وَجَدْنَا مَنْ
يَكْتُبُ إِلَى بَغْدَادَ، وَيُرِيْحُنَا.
فَقُلْتُ: أَنَا، فَكَتَبتُ، وَعرضْتُ عَلَيْهِ،
فَأَعْجَبَهُ، وَاستكتَبَنِي، فَلَمَّا تَوجَّهَ أَسَدُ
الدِّيْنِ إِلَى مِصْرَ المَرَّةَ الثَّالِثَةَ،
صَحِبتُهُ.
قَالَ المُوَفَّقُ: وَكَانَ فِقْهُهُ عَلَى طَرِيْقِ
أَسْعَدَ المِيْهَنِيِّ، وَيَوْمَ تدرِيسِهِ تسَابقَ
الفُقَهَاءُ لسَمَاعِ كَلاَمِهِ، وَحُسْنِ نُكَتِهِ،
وَكَانَ بطيءَ الكِتَابَةِ، لَكنَّهُ دَائِمَ العملِ،
وَلَهُ تَوسُّعٌ فِي اللُّغَةِ لاَ النَّحْوِ، تُوُفِّيَ
بَعْدَ مَا قَاسَ مُهَانَاتِ ابْنِ شُكرٍ،
__________
(1) تمام عنوانه: (نصرة الفترة وعصرة القطرة) وانظر مقدمة
الشيخ الاثري: 1 / 73.
(2) (وفيات): 5 / 152.
(21/347)
وَكَانَ فَرِيْدَ عصرِهِ نَظماً وَنثراً،
وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَجْلِسِ ابْنِ شُكْرٍ مزحوماً فِي
أُخرِيَاتِ النَّاسِ.
وَقَالَ زَكِيُّ الدِّيْنِ المُنْذِرِيُّ (1) : كَانَ
العِمَادُ جَامِعاً لِلْفَضَائِلِ: الفِقْهِ، وَالأَدبِ،
وَالشِّعْرِ الجيِّدِ، وَلَهُ اليَدُ البيضَاءُ فِي
النَّثْرِ وَالنَّظمِ، صَنَّفَ تَصَانِيْفَ مُفِيْدَةً،
وَللسُلْطَانِ الملكِ النَّاصِرِ مَعَهُ مِنَ الإِغضَاءِ
وَالتَّجَاوزِ وَالبَسْطِ وَحُسْنِ الخُلُقِ مَا
يُتَعَجَّبُ مِنْ وُقوعِ مِثْلِهِ، تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ
رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
وَدُفِنَ بِمقَابرِ الصُّوْفِيَّةِ -رَحِمَهُ الله-.
أَنْبَأَنِي مَحْفُوْظُ ابْنُ البُزُوْرِيِّ فِي
(تَارِيْخِهِ)، قَالَ:
العِمَادُ إِمَامُ البُلَغَاءِ، شَمْسُ الشُّعَرَاءِ،
وَقُطْبُ رَحَى (2) الفُضَلاَءِ، أَشرقَتْ أَشعَّةُ
فَضَائِلِهِ وَأَنَارَتْ، وَأَنجدَتِ الرُّكبَانُ
بِأَخْبَارِهِ وَأَغَارَتْ، هُوَ فِي الفَصَاحَةِ قُسُّ
دَهْرِهِ، وَفِي البلاغَةِ سحبَانُ عصرِهِ، فَاقَ
الأَنَامَ طُرّاً، نَظماً وَنثراً.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ فِي كِتَابِهِ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاتِبِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ
بنُ عَبْدِ السَّيِّدِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ
الصَّرِيْفِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَبَابَةَ،
حَدَّثَنَا البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجعدِ،
أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي ذِبيَان- هُوَ
خَلِيْفَةُ بنُ كَعْبٍ- قَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُوْلُ: لاَ تُلْبِسُوا
نسَاءكُمُ الحَرِيْرَ (3) ، فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ
يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ
يَلبَسْهُ فِي الآخِرَةِ) (4) .
__________
(1) (التكملة)، الترجمة: 605.
(2) في الأصل: (رجا).
(3) سقطت من الأصل، واستدركت من مصادر التخريج، ومذهب ابن
الزبير هذا قد انفرد به ولم يتابعه عليه أحد، والإجماع على
خلافه لثبوت النص في إباحته للنساء انظر (الفتح) 10 / 249
وما بعدها (ش).
(4) قال شعيب: إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (2069) (11) في
اللباس من طريق =
(21/348)
وَمِنْ نَظمِهِ فِيمَا أَجَازَ لَنَا ابْنُ
سَلاَمَةَ عَنْهُ:
يَا مَالِكاً رَقَّ قَلْبِي ... أَرَاكَ مَالِكَ رِقَّه
هَا مُهْجَتِي لَكَ خُذْهَا ... فَإِنَّهَا مُسْتَحقَّه
فَدَتْكَ نَفْسِي بِرِفْقٍ ... فَمَا أُطِيْقُ المَشَقَّه
وَيَا رَشِيْقاً أَتَانِي ... مِنْ سَهْمِ عَيْنَيْهِ
رَشْقَه
لِصَارِمِ الجَفْنِ مِنْهُ ... فِي مُهْجَتِي أَلْفُ
مَشْقَه
وَخَصْرُهُ مثلُ مَعْنَىً ... بَلاَغِيٍّ فِيْهِ دِقَّه
وَلَهُ مِنْ قصيدَةٍ:
كَالنَّجْمِ حِيْنَ هَدَا كَالدَّهْرِ حِيْنَ عَدَا ...
كَالصُّبْحِ حِيْنَ بَدَا كَالعَضْبِ حِيْنَ بَرَى
فِي الحُكْمِ طَوْدُ عُلاً فِي الحِلْمِ بَحْرُ نُهَىً ...
فِي الجُوْدِ غَيْثُ نَداً فِي البَاسِ لَيْثُ شَرَا
وَلَهُ مِنْ أُخْرَى:
وَلِلنَّاسِ بِالمَلِكِ النَّاصِرِ الصَّلاَحِ ... صلاَحٌ
وَنَصْرٌ كَبِيْر
هُوَ الشَّمْسُ أَفلاَكُهُ فِي البِلاَدِ ... وَمَطْلَعُهُ
سَرْجُهُ وَالسَّرِيْر
إِذَا مَا سطَا أَوْ حَبَا وَاحْتَبَى ... فَمَا
اللَّيْثُ؟ منْ حَاتِمٌ؟ مَا ثَبِيْر؟
وَارْتَحَلَ فِي مَوْكِبٍ فَقَالَ فِي القَاضِي الفَاضِلِ:
أَمَّا الغُبَارُ فَإِنَّهُ ... مِمَّا أَثَارَتْهُ (1)
السَّنَابِكْ
فَالجَوُّ مِنْهُ مُظْلِمٌ ... لَكِنْ تَبَاشِيْرُ
السَّنَا بِكْ
__________
= ابن أبي شيبة عن عبيد بن سعيد، عن شعبة، وأخرجه النسائي
8 / 200 في الزينة من طريق محمود ابن غيلان، عن النضر بن
شميل، عن شعبة..وأخرجه البخاري 10 / 243 في اللباس: باب
لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه، من طريق علي بن
الجعد، عن شعبة عن أبي ذبيان خليفة بن كعب، قال: سمعت ابن
الزبير يقول: سمعت عمر يقول: قال النبي صلى الله عليه
وسلم: (من لبس الحرير في الدنيا، لم يلبسه في الآخرة).
(1) في (الوافي) للصفدي: (أنار به)، وفي (إرشاد) ياقوت:
(أنارته).
(21/349)
يَا دَهْرُ لِي عَبْدُ الرَّحِيْـ ... ـمِ
فَلَسْتُ أَخْشَى مَسَّ نَابِكْ
181 - الدَّوْلَعِيُّ عَبْدُ المَلِكِ بنُ زَيْدِ بنِ
يَاسِيْنَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، المُفْتِي، خَطِيْبُ
دِمَشْقَ، ضِيَاءُ الدِّيْنِ، عَبْدُ المَلِكِ بنُ زَيْدِ
بنِ يَاسِيْنَ بنِ زَيْدِ بنِ قَائِدٍ (1) التَّغْلِبِيُّ
(2) ، الأَرْقَمِيُّ، المَوْصِلِيُّ، الدَّوْلَعِيُّ،
الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ عَبْدِ المَلِكِ
الكَرُوْخِيِّ (جَامِعَ أَبِي عِيْسَى التِّرْمِذِيِّ)،
وَسَمِعَ: (سُنَنَ النَّسَائِيِّ) مِنْ عَلِيِّ بنِ
أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوَيْه اليَزْدِيِّ (3) .
وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ، وَبَرَعَ وَسَكَنَ دِمَشْقَ،
وَسَمِعَ بِهَا مِنَ: الفَقِيْهِ
__________
(*) ترجم له ياقوت في معجم البلدان: 2 / 624، وابن الأثير
في الكامل: 12 / 74، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 138
(باريس 5922)، وسبط ابن الجوزي في المرآة، 8 / 511،
والمنذري في التكملة، الترجمة: 657، وأبو شامة في الذيل:
31، وابن الساعي في الجامع: 9 / 89، والنووي في تهذيبه
لطبقات ابن الصلاح، الورقة: 67 وهذه الترجمة من مستدركاته
على ابن الصلاح، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 112
(باريس، 158)، والعبر: 4 / 303، والسبكي في طبقاته: 7 /
187، وابن كثير في البداية: 13 / 33، وابن الملقن في العقد
المذهب، الورقة: 73 ونقل من طبقات الشافعية لهبة الله ابن
باطيش المتوفى سنة 655، والتقي الفاسي في ذيل التقييد،
الورقة: 211، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 275،
وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 181 وغيرهم.
(1) في (طبقات) السبكي: (فايد) مصحف، وقيده الزكي المنذري
في (التكملة)، قال: (بالقاف وبعد الالف ياء آخر الحروف
مكسورة ودال مهملة).
(2) في (طبقات) السبكي: (الثعلبي) وليس بشيء فالرجل كان
تغلبيا، وقيده الزكي المنذري بالحروف، قال: بفتح التاء
ثالث الحروف وسكون الغين المعجمة وبعد اللام المفتوحة باء
موحدة.
(3) في الأصل: (الأزدي) تصحيف من الناسخ أو سهو، والتصحيح
من (تاريخ =
(21/350)
فَضْلِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ المصِّيْصِيِّ،
وَعُمِّرَ دَهْراً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الطَّاهِرِ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ،
وَأَبُو الحَجَّاجِ بنِ خَلِيْلٍ، وَالشِّهَابُ
القُوْصِيُّ، وَالتَّقِيُّ بنُ أَبِي اليُسْرِ (1) ،
وَجَمَاعَةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: أَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَأَبُو
العَبَّاسِ بنُ أَبِي الخَيْرِ، وَلِيَ خطَابَةَ دِمَشْقَ
دَهْراً، وَدرَّسَ بِالغَزَاليَّةِ، وَكَانَ مُتَصَوِّناً،
حُمَيْدَ الطَّرِيقَةِ.
مَاتَ: فِي ثَانِي عشرَ رَبِيْعٍ الأَوّلِ، سَنَة ثَمَانٍ
وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ وَلَهُ إِحْدَى وَتِسْعُوْنَ
سَنَةً.
وَالدَّوْلَعِيَّةُ: مِنْ قُرَى المَوْصِلِ.
وَوَلِيَ خطَابَةَ دِمَشْقَ بَعْدَهُ ابْنُ أَخِيْهِ
وَتِلْمِيْذُهُ الإِمَامُ جَمَالُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ
أَبِي الفَضْلِ الدَّوْلَعِيُّ، وَاقفُ المَدْرَسَةِ
الَّتِي بجيرُوْنَ، وَبِهَا دُفِنَ عَامَ خَمْسَةٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
= الإسلام) للذهبي، قال: (علي بن أحمد بن الحسين بن أحمد
بن الحسين بن محمويه، الامام أبو الحسن اليزدي الفقيه
الشافعي المقرئ المحدث الزاهد، نزيل بغداد، ولد بيزد في
سنة ثلاث وسبعين وأربع مئة ظنا) وذكر أنه توفي في التاسع
والعشرين من جمادى الآخرة سنة 551 (الورقة: 220 أحمد
الثالث 2917 / 14)، وقال السمعاني في (اليزدي) من
(الأنساب) بعد أن ذكر عددا ممن نسب إلى هذه المدينة:
(..ومن المتأخرين الاخوان الامامان علي ومحمد ابنا أحمد بن
الحسين بن محمويه اليزديان، نزلا بغداد، وكانا من الدين
والعلم والورع بمكان.
سمعت منهما) (الورقة: 599 من نشرة مرغليوث)، وذكره الذهبي
في (العبر): 4 / 143، والسبكي في (الطبقات): 7 / 211، وابن
الجزري في (غاية النهاية): 1 / 517، وابن تغري بردي في
(النجوم): 5 / 324، وابن العماد في (الشذرات): 4 / 159.
(1) هكذا يجب أن يقيد، نعني بضم الياء آخر الحروف، كما
وجدناه مقيدا بخط المؤلف في غير موضع من (تاريخ الإسلام).
وفي (طبقات) السبكي قيده صديقانا العالمان الفاضلان
المحققان البارعان الطناحي والحلو بفتح الياء والسين وما
أصابا، نعم، يوجد من يقيد هكذا ممن ذكرتهم كتب المشتبه،
ولكن ليس هذا التقي (راجع (طبقات) السبكي: 7 / 188).
(21/351)
182 - السِّبْطُ هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ
بنِ أَبِي سَعْدٍ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، المُعَمَّرُ، أَبُو القَاسِمِ
هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ ابنِ أَبِي سَعْدٍ المُظَفَّرِ
بنِ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ الأَصْلِ، البَغْدَادِيُّ،
المَرَاتِبِيُّ.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ أَبِي عَلِيٍّ، وَأَبِي نَصْرٍ
أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ رِضْوَانٍ، وَأَبِي العِزِّ
بنِ كَادِشٍ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَأَبِي
بَكْرٍ المَزْرَفِيِّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ الفَرَّاءِ،
وَأَبِي غَالِبٍ بنِ البَنَّاءِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ
أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّنِ، وَطَائِفَةٍ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ (1) : هُوَ صَحِيْحُ
السَّمَاعِ، فِيْهِ تسَامُحٌ فِي الأُمُوْرِ
الدِّينِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ غَيْرَ مَرْضِيِّ
السِّيرَةِ فِي دِيْنِهِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ
النَّجَّارِ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالشَّيْخُ الضِّيَاءُ
اليَلْدَانِيُّ، وَالنَّجِيْبُ الحَرَّانِيُّ (2) ،
وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَعِدَّةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: الفَخْرُ عَلِيٌّ (3) ، وَأَحْمَدُ بنُ
أَبِي الخَيْرِ.
__________
(*) ترجم له سبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 512، والمنذري
في التكملة، والترجمة: 640، وأبو شامة في الذيل: 30، وابن
الساعي في الجامع: 9 / 85، والدمياطي في المستفاد، الورقة:
74، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 111 (باريس 1582)،
والعبر: 4 / 306، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة:
276، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 181، وابن العماد في
الشذرات: 4 / 338.
(1) (المختصر المحتاج إليه): 3 / 122.
(2) (المشيخة)، الورقة: 34.
(3) يعني ابن البخاري.
(21/352)
تُوُفِّيَ: فِي العِشْرِيْنَ مِنَ
المُحَرَّمِ، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ مَوْلِدُهُ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثَ
عَشْرَةَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (1) : كَانَ فَهماً، ذَكِيّاً،
حَفظَةً لِلنَّوَادِرِ، عَمِلَ مَرَّةً شطْرنجاً وَزْنُهُ
خَرُوبتَانِ، وَرزَّةٌ مِنْ عَاجٍ وَأَبنوس، ثُمَّ كَبُرَ
وَسَاءَ خُلُقُهُ، وَكَانَ يَتعَاسَرُ، وَيَسُبُّ أَبَاهُ
الَّذِي سَمَّعَهُ، وَفِيْهِ قِلَّةُ دِيْنٍ، اللهُ
يُسَامِحُهُ.
183 - الطَّاوُوْسِيُّ أَبُو الفَضْلِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
العِرَاقِيِّ *
العَلاَّمَةُ، رُكْنُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَضْلِ
العِرَاقِيُّ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ العِرَاقِيِّ،
القَزْوِنِيُّ، الطَّاوُوْسِيُّ، المُتَكَلِّمُ، صَاحِبُ
الطَّرِيقَةِ المَشْهُوْرَةِ فِي الجَدَلِ، كَانَ رَأْساً
فِي الخِلاَفِ وَالنَّظَرِ، مفحِماً لِلْخُصُوْمِ.
أَخَذَ عَنِ: الرَّضِيِّ النَّيْسَابُوْرِيِّ الحَنَفِيِّ
صَاحِبِ الطَّرِيقَةِ.
صَنَّفَ ثَلاَثَ تَعَاليقَ، وَبَعُدَ صِيْتُهُ، وَرحلُوا
إِلَيْهِ.
مَاتَ: سَنَةَ سِتِّ مائَةٍ بِهَمَذَانَ.
وَمِنْ تَلاَمِذتِهِ: القَاضِي نَجْمُ الدِّيْنِ ابْنُ
رَاجِحٍ.
184 - الحَرْبِيُّ أَبُو عَلِيٍّ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ
عُمَرَ **
الإِمَامُ، الوَاعِظُ، المُسْنِدُ، الأَدِيْبُ، أَبُو
عَلِيٍّ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ
__________
(1) (المستفاد من ذيل تاريخ بغداد)، الورقة: 74.
(*) ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 276 (أحمد
الثالث 2917 / 14). والعبر: 4 / 313 وفيه: (أبو الفضل
العراقي عزيز بن محمد ابن العراقي).
(* *) ترجم له ابن نقطة في إكمال الإكمال، الورقة 67، وابن
الدبيثي في الذيل، الورقة: =
(21/353)
الحَرْبِيُّ، ابْنُ النَّوَّامِ.
سَمِعَ: هِبَةَ اللهِ بنَ الحُصَيْنِ، وَالقَاضِي أَبَا
الحُسَيْنِ بنَ أَبِي يَعْلَى.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ خَلِيْلٍ،
وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ عَبْدِ
الدَّائِمِ، وَجَمَاعَةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَالفَخْرُ
عليٌّ.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ، وَوُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
185 - ابْنُ الزَّيْنَبِيِّ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ
عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ *
الرَّئِيْسُ الصَّالِحُ، الخَاشعُ، أَبُو الحَسَنِ
مُحَمَّدُ ابْنُ قَاضِي القُضَاةِ أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ
ابْنِ الإِمَامِ قَاضِي القُضَاةِ نُوْرِ الهُدَى أَبِي
طَالِبٍ (1) الزَّيْنَبِيِّ.
سَمِعَ مِنْ: قَاضِي المَارستَان، وَأَبِي بَكْرٍ
مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ الشَّهْرُزُوْرِيِّ.
__________
= 197 (باريس 5922)، وابن النجار في التاريخ المجدد،
الورقة: 114 (باريس)، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 503،
وابن الساعي في الجامع: 9 / 70، والذهبي في تاريخ الإسلام،
الورقة: 235 (أحمد الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 298،
والاعلام، الورقة: 211، والمختصر المحتاج إليه: 3 / 102،
وابن ناصر الدين في التوضيح، الورقة: 151 (سوهاج)، وابن
العماد في الشذرات: 4 / 329 وكناه ابن النجار أبا حفص.
(*) ترجم له ابن الدبيثي في الذيل، الورقة: 88 (شهيد علي)،
والمنذري في التكملة، الترجمة: 645، والذهبي في تاريخ
الإسلام، الورقة: 115 (باريس 1582)، والمختصر المحتاج
إليه: 1 / 97.
(1) أبو طالب هذا هو الحسين بن محمد بن علي.
(21/354)
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْنَا
مِنْهُ، وَكَانَ صَالِحاً، مُتَدَيِّناً، صَدُوْقاً،
خَاشعاً، افْتَقَرَ فِي الآخِرِ فَقراً مُدْقِعاً، فَصبرَ
وَاحتسبَ، وَلَمْ يَكُنْ يَعرفُ شَيْئاً مِنَ العِلْمِ.
مَاتَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
186 - الخُشُوْعِيُّ أَبُو طَاهِرٍ بَرَكَاتُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ طَاهِرٍ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ
الشَّامِ، أَبُو طَاهِرٍ بَرَكَاتُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
طَاهِرِ بنِ بَرَكَاتِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الدِّمَشْقِيُّ،
الخُشُوْعِيُّ، الأَنْمَاطِيُّ، الرَّفَّاءُ،
الذَّهَبِيُّ؛ نِسبَةً إِلَى مَحَلَّةِ (1) حَجر الذَّهب.
وُلِدَ: فِي صَفَرٍ، سَنَة عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: هِبَة اللهِ ابْن الأَكْفَانِيِّ-
فَأَكْثَر- وَمِنْ: عَبْدِ الكَرِيْمِ بن حَمْزَةَ،
وَطَاهِر بن سَهْلٍ، وَابْن قُبَيْس المَالِكِيّ، وَابْن
طَاوُوْسٍ، وَجَمَال الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ،
وَعِدَّةٍ.
أَجَازَ لَهُ أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادِ مِنْ أَصْبَهَانَ،
وَأَبُو صَادِق المَدِيْنِيّ، وَالفَرَّاءُ (2)
__________
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة 67، والمنذري في
التكملة، الترجمة 655، وأبو شامة في الذيل: 28 والذهبي في
تاريخ الإسلام، الورقة: 110 (باريس 1582)، والعبر: 4 /
302، ودول الإسلام: 2 / 79، وابن كثير في البداية: 13 /
32، والغساني في العسجد، الورقة: 107، وابن الفرات في
تاريخه: 8 / الورقة: 97، والفاسي في ذيل التقييد، الورقة:
149، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 253، وابن تغري
بردي في النجوم: 5 / 181، وابن العماد في الشذرات: 4 /
335.
(1) في النسختين: (مجلد) وهو من وهم الناسخ بلا ريب،
والتصحيح من (تاريخ الإسلام)، قال: (لكونه يسكن بمحلة حجر
الذهب).
(2) هذا الفراء الذي أجاز له من مصر هو أبو الحسن علي بن
الحسين بن عمر الموصلي الفراء
(21/355)
مِنْ مِصْرَ، وَمُحَمَّد بن بَرَكَات
السَّعِيْدِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ ابْنُ الفَحَّامِ،
وَالرَّازِيّ (1) ، وَعِدَّة.
وَأَجَازَ لَهُ الحَرِيْرِيُّ صَاحِب (المَقَامَات) فِي
سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ (2) ، وَأَبُو طَالِبٍ
اليُوْسُفِيّ، وَأَبُو عَلِيٍّ ابْنُ المَهْدِيِّ،
وَعِدَّة.
وَرَوَى الكَثِيْر، وَتَفَرَّد (3) ، وَتَكَاثرُوا
عَلَيْهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ إِبْرَاهِيْم، وَعَبْد
العَزِيْزِ، وَعَبْد اللهِ، وَسِتُّ العَجَمِ، وَسِتُّهُم،
وَالشَّيْخ المُوَفَّق، وَعَبْد القَادِرِ الرُّهَاوِيّ،
وَالبَهَاء عَبْد الرَّحْمَانِ، وَالضِّيَاء،
وَاليَلْدَانِيّ، وَأَحْمَد بن يُوْسُفَ التِّلِمْسَانِيّ،
وَالزَّيْن ابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالشِّهَاب
القوْصِيّ، وَحَفِيْد الشَّيْخ بَرَكَات بن إِبْرَاهِيْمَ،
وَالخَطِيْب دَاوُد بن عُمَرَ، وَعُبَيْد اللهِ بن
أَحْمَدَ بنِ طِعَانٍ، وَأَخُوْهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَانِ،
وَعَلِيّ بن المُظَفَّر النُّشْبِيّ (4) ، وَابْنه (5)
مُحَمَّدٌ، وَالخَطِيْبُ عِمَادُ الدِّيْنِ عَبْد
الكَرِيْمِ ابْن الحَرَسْتَانِيّ، وَفَرَج الحَبَشِيّ،
وَفِرَاس ابْن العَسْقَلاَنِيِّ، وَالشَّيْخ الفَقِيْه
مُحَمَّد
__________
(1) يعني: محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي.
(2) يعني وخمس مئة.
(3) تفرد بالسماع من ابن الاكفاني المار ذكره، كما تفرد
بالاجازة من الحريري وابن الفحام وأبي بكر محمد بن الوليد
الطرطوشي.
(4) في الأصل: (البشتي) وهو من أوهام الناسخ، قال الذهبي
المؤلف في (المشتبه): والنشبي من نشبة بطن من قيس، هو
المحدث علي بن المظفر بن القاسم النشبي الدمشقي، سمع
الخشوعي وطبقته، وأسمع أولاده أبا بكر محمدا وأبا العز
مظفرا، وحدثوا.
كتب عنهم الدمياطي (ص: 74).
وقال ابن ناصر الدين الدمشقي مقيدا بالحروف: بنون مضمومة
في أوله ثم شين معجمة ساكنة ثم موحدة مكسورة) (1 / الورقة:
57 من نسخة الظاهرية).
وقول الذهبي إن نشبة بطن من قيس فيه نظر، فنشبة هذا هو
نشبة بن ربيع بن عمرو من تيم الرباب.
وقد ذكره المؤلف الذهبي صحيحا في حرف الشين من (المشتبه):
348 فقال: (والمحدث علي بن المظفر النشبي، وأولاده من ولد
نشبة بن ربيع: بطن من تيم الرباب).
(5) يعني محمد بن علي بن المظفر النشبي.
(21/356)
اليُوْنِيْنِيّ، وَالتَّاج مُظَفَّر ابْن
الحَنْبَلِيّ، وَابْن عَمِّهِ (1) ؛ يَحْيَى ابْن
النَّاصِحِ، وَيُوْسُف بن يَعْقُوْبَ الإِرْبِلِيّ،
وَيُوْسُف بن مَكْتُوْم الحبَّال، وَأَيُّوْب بن أَبِي
بَكْرٍ الحَمَّامِيّ، وَعَلِيّ بن عَبْدِ الوَاحِدِ
الأَنْصَارِيّ، وَالمَجْد مُحَمَّد بن عَسَاكِرَ،
وَالتَّقِيّ ابْن أَبِي اليُسْرِ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن
مُحَمَّدٍ القُنَّبِيْطِيّ (2) ، وَالكَمَال عَبْد
العَزِيْزِ بن عَبْدٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَبِالإِجَازَة: القُطْب بن عَصْرُوْنَ، وَأَحْمَد بن
أَبِي الخَيْرِ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ،
وَالفَخْرُ عَلِيّ، وَعِدَّة.
قَالَ القُوْصِيّ: كَانَ أَعلاَهُم إِسْنَاداً مَعَ
تَوَاضع وَافر، وَدين ظَاهِر، وَمُروءة تَدُلُّ عَلَى
أَصلٍ طَاهِر، لاَزمته إِلَى حِيْنَ مَوْته.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ (3) : سَمَاعَاتُه وَإِجَازَاتُه
صَحِيْحَةٌ.
قُلْتُ: مَا ظهرتْ لَهُ إِجَازَةُ الحَدَّاد إِلاَّ بَعْد
مَوْته، وَقَدْ خَبَّط القُوْصِيُّ، وَزَعَمَ أَنَّهُ
سَمِعَ عَلَيْهِ بِهَا جُمْلَةً.
وَقَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ فِي نَسَبِ الخُشُوْعِيِّ
(4) : الفُرْشِيُّ يَعْنِي بِالفَاءِ، وَقَالَ: قَالَ
وَالِدُهُ إِبْرَاهِيْمُ:
كَانَ جدُّنَا الأَعْلَى يَؤُمّ بِالنَّاسِ، فَمَاتَ فِي
المِحْرَاب (5) ، وَالفُرْشِيُّ: نِسبَة إِلَى بَيْعِ
الفُرُشِ.
__________
(1) يعني ابن عم التاج مظفر.
(2) منسوب إلى القنبيط وبيعه.
(3) (التقييد)، الورقة: 67.
(4) (التكملة)، الترجمة: 656.
(5) خلط الذهبي نص المنذري بعضه ببعض فأصبح صعب الفهم
وأصله: (وسئل أبوه أبو إسحاق إبراهيم: لم سموا الخشوعيين ؟
فقال: كان جدنا الأعلى يؤم بالناس، فتوفي في المحراب، فسمي
الخشوعي.
والفرشي: بضم الفاء وسكون الراء المهملة وبعدها شين معجمة
نسبة إلى بيع الفرش).
(21/357)
قُلْتُ: وَقَدْ ضَبطه بِالقَاف ابْن
خَلِيْل وَالضِّيَاء، وَترك جَمَاعَة هَذِهِ النّسبَة
لِلْخلف الوَاقع فِيْهَا (1) .
وَقَدْ رَوَى عِدَّة مِنْ آبَائِهِ وَأَوْلاَده.
مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
وَقَدْ رَوَى كتباً كِبَاراً بِالسَّمَاعِ
وَبِالإِجَازَةِ.
187 - ابْنُ الزَّكِيِّ أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ
عَلِيٍّ القُرَشِيُّ *
قَاضِي دِمَشْقَ، مُحْيِي الدِّيْنِ، أَبُو المَعَالِي
مُحَمَّد ابْنُ القَاضِي عَلِيِّ
__________
(1) لم يشر الذهبي المؤلف إلى هذا الاختلاف في (المشتبه)
(ص: 504) إذ قال: (وبفاء وسكون إلى بيع الفرش: أبو طاهر
بركات بن إبراهيم الخشوعي الفرشي، قاله ابن الأنماطي
وغيره) ولم يستدرك ابن حجر في ((التبصير) عليه شيئا يذكر
((التبصير) 3 / 1165).
وقد قيده ابن خلكان كما قيده شيخه المنذري الذي أعلمناك
بتقييده، وقال: (والانماطي الذي يبيع الفرش أيضا..ولقيت
ولده بالديار المصرية وكان يتردد إلي في كثير من الاوقات،
وأجازني جميع مسموعاته وإجازاته من أبيه) ((الوفيات): 1 /
270) قلنا: والمنذري فيما نعتقد كان عارفا بما يضبط إذا
عرفنا أن الخشوعي قد كتب له بالاجازة من دمشق في صفر سنة
595 ثم كتب له بها مرة أخرى في ذي القعدة من السنة، وهو قد
يكون كتب له هذه النسبة بخطه في الاجازة.
ولكن انظر إلى ما يقوله علامة الشام ابن ناصر الدين تعليقا
على قول الذهبي في (توضيحه) لكتاب (المشتبه)، قال: قلت:
وذكر ابن خلكان أن نسبته إلى قريش تصحيف. انتهى.
وقد وجدته منسوبا بالقاف بخط ناقله أبي طاهر الخشوعي
المذكور: علي بن محمد بن عبد الله بن أبي طاهر بركات بن
إبراهيم بن طاهر الخشوعي القرشي.
وبالقاف هو المشهور عند الجمهور، وما أجود ما ذكره أبو
الفتح عمر ابن الحاجب الاميني في (مشيخته) وقال فيما وجدته
بخطه: إبراهيم بن بركات بن إبراهيم بن طاهر بن بركات بن
إبراهيم بن علي بن محمد ابن أحمد ابن العباس بن هاشم
القرشي ابن الفرشي المعروف بالخشوعي.
انتهى. (2 / الورقة: 197 من نسخة الظاهرية) قلنا: لم نجد
قولا لابن خلكان في المطبوع من (الوفيات) يشير إلى قوله
بتصحيف (القرشي) والذي نخلص منه أن الرجل كان قرشي النسب
وينسب إلى بيع الفرش أيضا، هذا إذا صحح ما ذكره ابن الحاجب
الاميني عن نسبه، فأخذت كل طائفة بنسبة وتركت الأخرى، نظن
!
(*) بيت الزكي من بيوتات دمشق المعروفة، وهم أخوال حافظ
الشام، ومؤرخه ابن عساكر، =
(21/358)
بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ الزَّكِيِّ
القُرَشِيُّ (1) ، الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
مِنْ بَيْت كَبِيْر، صَاحِب فُنُوْن وَذكَاء، وَفقه
وَآدَاب وَخُطَبٍ وَنظم.
وَلِيَ القَضَاءَ وَالِده زَكِيّ الدِّيْنِ (2) ، وَجدّه
مَجْد الدِّيْنِ (3) ، وَجدّ أَبِيْهِ الزَّكِيّ (4) ،
وَوَلِيَ القَضَاءَ وَلدَاهُ زَكِيّ الدِّيْنِ الطَّاهِر
(5) ، وَمُحْيِي الدِّيْنِ يَحْيَى بن مُحَمَّد (6) .
__________
= فإن محمد بن يحيى ابن الزكي جد المترجم هو خاله.
ترجمه المنذري في التكملة، الترجمة: 671، وأبو شامة في
الذيل: 31، وابن خلكان في الوفيات: 4 / 229، والذهبي في
تاريخ الإسلام، الورقة: 114 (باريس 1582)، والعبر: 4 /
305، ودول الإسلام: 2 / 79، والصفدي في الوافي: 4 / 169،
والسبكي في طبقاته: 6 / 157، وابن كثير في البداية: 13 /
32، وابن الملقن في العقد، الورقة: 164، والعيني في عقد
الجمان: 17 / الورقة: 275، وابن تغري بردي في النجوم: 6 /
181، وابن الفرات في تاريخه: 8 / الورقة: 98، وابن عبد
الهادي في معجم الشافعية، الورقة: 46، والنعيمي في القضاة:
52، وابن العماد في الشذرات: 4 / 337، والقنوجي في التاج:
111.
وكان هذا القاضي العالم الفاضل بمعية السلطان الهمام صلاح
الدين يوسف عند فتح بيت المقدس أعاده الله إلى الإسلام سنة
583، فكان أول من خطب بالمسجد الاقصى المبارك وأتى بتلك
الخطبة البديعة المفتتحة بتحميدات الكتاب العزيز التي خشعت
لها قلوب المؤمنين يومئذ، وفاضت دموعهم من الفرح بنصر
الله، وكان له من العمر يومئذ ثلاث وثلاثون سنة، لذا قلما
يخلو كتاب تناول الفترة الصلاحية المباركة من ذكر له بسبب
تلك الخطبة المشهورة.
(1) قد شكك أبو شامة في نسبتهم إلى قريش وإلى عثمان بن
عفان رضي الله عنه في كلام أورده في (الذيل) خلاصته أن
الحافظ ابن عساكر ترجم لغير واحد منهم ولم يذكر لهم نسبا
متصلا بعثمان بن عفان.
وأنه لو كانت نسبتهم صحيحة، لما خفيت على الحافظ ابن
عساكر، ولو كان يعرفها.
لما أغفل ذكر هذه المنقبة لاجداده وأمه وأخواله (الذيل:
31).
وما يقوم مثل هذا الاغفال دليلا قاطعا على عدم صحة النسبة.
(2) توفي سنة 564 كما في (تاريخ الإسلام) وغيره، وكانت
وفاته ببغداد، ودفن بمقابر الحنابلة بباب حرب.
(3) توفي سنة 537 (وانظر مقالا للدكتور بشار عن: ابن عساكر
في بغداد).
(4) توفي سنة 534 كما في (تاريخ الإسلام) وغيره، وهو
المعروف بابن الصائغ.
(5) واسمه أحمد بن محمد، وتوفي سنة 617 كما في (تاريخ
الإسلام) وغيره.
(6) توفي سنة 668 كما في (تاريخ الإسلام) وغيره. وقد تولى
من أولاده القضاء أيضا: =
(21/359)
وَكَانَ صَلاَح الدِّيْنِ يُعزّه
وَيَحترمه، ثُمَّ وَلاَّهُ القَضَاء سَنَة ثَمَانٍ
وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ مَدحه بقصيدَة فِي
سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ مِنْهَا ذَلِكَ:
وَفَتْحُكَ القَلْعَة الشَّهبَاء فِي صَفَرٍ ...
مُبَشِّراً بِفُتُوْحِ القُدْسِ فِي رَجَبِ
فَاتَّفَقَ فَتح القُدْس فِي رَجَبٍ بَعْد أَرْبَع
سِنِيْنَ (1) ، وَذَكَرَ أَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ
تَبَشِيْر ابْن بَرَّجَانَ (2) فِي : {آلم، غُلِبَتِ
الرُّوْمُ } [الرُّوْمُ: 1 وَ2].
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (3) : وَجَدْته حَاشيَة لاَ أَصلاً
(4) .
تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَان، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ
سَنَةً.
__________
= إمام الدين عبد العزيز بن يحيى المتوفى سنة 699، وبهاء
الدين يوسف بن يحيى المتوفى سنة 685.
(1) كان فتح حلب كما هو معروف في التواريخ في صفر سنة 579
وفتح البيت المقدس أعاده الله في رجب سنة 583.
(2) قيده ابن خلكان بالحروف، فقال: بفتح الباء الموحدة
وتشديد الراء وبعدها جيم وبعد الالف نون، وقال: هو أبو
الحكم عبد السلام بن عبد الرحمان اللخمي، وإنه توفي بمدينة
مراكش سنة 536، وله تفسير القرآن الكريم على طريقة
المتصوفة (الوفيات: 4 / 237).
(3) الوفيات: 4 / 230.
(4) قيل: إن ابن برجان هذا تنبأ بفتح البيت المقدس في سنة
583 وشاع هذا الامر شيوعا كبيرا حتى قيل: إن السلطان
الشهيد نور الدين كان يأمل أن يبقى حيا إلى هذه السنة ليتم
على يديه هذا الفتح العظيم، ولكن انظر ما قاله ابن خلكان
في الشك بقول ابن برجان، وفيما إذا كان قد قال مثل هذا
أصلا حينما قال: (وقيل لمحيي الدين: من أين لك هذا ؟ فقال:
أخذته من تفسير ابن برجان في قوله تعالى (آلم. غلبت الروم
في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) ولما
وقفت أنا على هذا البيت وهذه الحكاية لم أزل أتطلب تفسير
ابن برجان حتى وجدته على هذه الصورة، لكن كان هذا الفصل
مكتوبا في الحاشية بخط غير الأصل، ولا أدري هل كان من أصل
الكتاب ام هو ملحق به، وذكر له حساب طويلا وطريقا في
استخراج ذلك حتى حرره من قوله (بضع سنين) (وانظر ما جاء
بهامش المختار من (وفيات الأعيان) فيما نقله المحقق الفاضل
الدكتور إحسان عباس ففيه تأييد لما قاله ابن خلكان:
(الوفيات): 4 / 230 هامش 2).
(21/360)
188 - ابْنُ أَبِي المَجْدِ أَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الحَرْبِيُّ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي المَجْدِ بنِ
غَنَائِم الحَرْبِيُّ، العَتَّابِيُّ، الإِسْكَافُ.
رَاوِي (مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ) عَنْ أَبِي
القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَيَرْوِي أَيْضاً عَنْ أَبِي
الحُسَيْنِ ابْنِ الفَرَّاءِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاء، وَابْن الدُّبَيْثِيّ، وَابْن
خَلِيْل، وَشَرَف الدِّيْنِ عَبْد العَزِيْزِ
الأَنْصَارِيّ، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالنَّجِيْب
عَبْد اللَّطِيْفِ، وَعَدَد كَثِيْر مِنْ مَشْيَخَةِ
الدِّمْيَاطِيّ.
حَدَّثَ بِـ (المُسْنَدِ) غَيْرَ مَرَّةٍ بِبَغْدَادَ،
وَبِالمَوْصِل، وَقَدْ أَجَازَ لِسَعْد الدِّيْنِ الخَضِرِ
بنِ حَمُّوَيه، وَلقُطْب الدِّيْنِ ابْن عَصْرُوْنَ،
وَلِلْفَخْرِ ابْن البُخَارِيّ.
وَاسم جدّه صَاعِد.
مَاتَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بِالمَوْصِل، فِي ثَانِي عَشَر
المُحَرَّم، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ
-رَحِمَهُ الله-.
وَمَاتَ: أَبُوْهُ أَحْمَد (1) بن صَاعِد فِي سَنَةِ
إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ وَلَهُ سَبْعُوْنَ
سَنَةً، وَهُوَ أَخُو المُقْرِئ عُمَر بن عَبْدِ اللهِ
الحَرْبِيّ لأُمِّهِ، وَقَدْ سَمِعَا
__________
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة، 131، وابن
النجار في التاريخ المجدد كما دل عليه المستفاد لابن ايبك
الدمياطي، الورقة: 41، والمنذري في التكملة، الترجمة: 638،
والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 213 (باريس 1582)،
والعبر: 4 / 302، والاعلام، الورقة: 211، والمختصر المحتاج
إليه: 2 / 133، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 181، وابن
العماد في الشذرات: 4 / 335.
(1) انظر (تاريخ الإسلام) الورقة: 218 (أحمد الثالث 2917 /
14).
(21/361)
مِنِ ابْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيّ،
وَالمُبَارَكِ بنِ الطُّيُوْرِيِّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَهِمَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ،
فَجَعَلَه أَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ
الحَرْبِيّ، وَظنّه أَخاً لِعُمَرَ مِنْ أَبِيْهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (1) : رَوَى لَنَا عَنْهُ ابْن
الأَخْضَرِ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ يَاسِيْنَ
البَزَّاز، وَكَانَ صَالِحاً وَرِعاً، حَافِظاً لِكِتَابِ
اللهِ، كَثِيْر البُكَاء، يَؤمّ بِالنَّاسِ، وَيَغْسِل
الموتَى حسبَة، مَكَثَ عَلَى ذَلِكَ زَمَاناً.
189 - اللَّبَّانُ أَبُو المَكَارِمِ أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ *
القَاضِي، العَالِمُ، مُسْنِدُ أَصْبَهَانَ، أَبُو
المَكَارِمِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي عِيْسَى مُحَمَّدِ بنِ
مُحَمَّدِ ابْنِ الإِمَامِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ المُحَدِّثِ
عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ بنِ عَبْدِ
السَّلاَمِ التَّيْمِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ،
الشُّرُوْطِيُّ، ابْنُ اللَّبَّان (2) .
وُلِدَ: فِي صَفَرٍ، سَنَة سَبْعٍ.
وَقَالَ مرَّة: سَنَة سِتٍّ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَهُوَ مِنْ تَيْمِ اللهِ بنِ ثَعْلَبَةَ.
وَقِيْلَ: بَلْ وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ،
حَكَاهُ: الحَافِظُ الضِّيَاء.
__________
(1) (المستفاد) للدمياطي، الورقة: 41.
(*) ترجمه ابن نقطة في التقييد، الورقة: 44، والمنذري في
التكملة، الترجمة: 626، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة:
225 (أحمد الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 297، ودول
الإسلام: 2 / 79، والاعلام، الورقة: 211، وابن تغري بردي
في النجوم: 6 / 179، وابن العماد في الشذرات: 4 / 329.
(2) قال المؤلف في (تاريخ الإسلام): (ونقلت نسبه من خطه)
قلنا: وهو موافق لما ذكره الزكي المنذري في (التكملة).
(21/362)
وَهُوَ مُكْثِر عَنْ أَبِي عَلِيٍّ
الحَدَّاد، وَتَفَرَّد بِإِجَازَة عَبْد الغَفَّارِ
الشّيروبِيّ الرَّاوِي عَنْ أَصْحَابِ الأَصَمّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: العِزّ مُحَمَّد، وَأَبُو مُوْسَى وَلد
الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، وَإِسْمَاعِيْل بن ظفر،
وَيُوْسُف بن خَلِيْل، وَأَبُو رَشِيْدٍ الغَزَّال،
وَعِدَّة.
وَبِالإِجَازَة: أَحْمَد بن سَلاَمَةَ، وَالفَخْر ابْن
البُخَارِيّ، وَطَائِفَة.
مَاتَ: فِي السَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ،
سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
190- الكَرَّانِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ
أَبِي زَيْدٍ بنِ أَبِي نَصْرٍ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، الصَّدُوْقُ، مُسْنِدُ
أَصْبَهَانَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي
زَيْدٍ بنِ أَبِي نَصْرٍ الكَرَّانِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ،
الخَبَّازُ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ،
وَعَاشَ مائَةَ عَام.
سَمِعَ: الحَدَّاد، وَمَحْمُوْداً الأَشْقَرَ، وَفَاطِمَةَ
الجُوْزْدَانِيَّة.
حَدَّثَ عنَة: بَدَلٌ التَّبْرِيْزِيّ، وَأَبُو مُوْسَى
ابْنُ الحَافِظِ، وَابْن خَلِيْل، وَابْن ظفر، وَعِدَّة.
وَأَجَازَ: لابْنِ أَبِي الخَيْرِ، وَابْن البُخَارِيّ.
مَاتَ: فِي ثَالِثِ شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعٍ.
__________
(*) ترجمه المنذري في التكملة، الترجمة: 617، والذهبي في
تاريخ الإسلام، الورقة: 238 (أحمد الثالث 2917 / 14)،
والعبر: 4 / 299، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 180، وابن
العماد في الشذرات: 4 / 322.
(21/363)
وَكرَّانُ (1) : مَحَلَّةٌ بِأَصْبَهَانَ.
191 - ابْنُ الفَرَسِ عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ مُحَمَّدٍ
الأَنْصَارِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، شَيْخُ المَالِكِيَّةِ بغَرْنَاطَةَ
فِي زَمَانِهِ، أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ الفَرَسِ،
وَاسْمُهُ: عَبْدُ المُنْعِمِ ابْنُ الإِمَامِ مُحَمَّدِ
بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ أَحْمَدَ (2) الأَنْصَارِيُّ،
الخَزْرَجِيُّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَجدّه العَلاَّمَة أَبَا القَاسِمِ،
وَبَرَعَ فِي الفِقْه وَالأُصُوْل، وَشَارك فِي
الفَضَائِل، وَعَاشَ بِضْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَسَمِعَ: أَبَا الوَلِيْدِ بن بَقْوَةَ، وَأَبَا
الوَلِيْدِ بن الدَّبَّاغ، وَتَلاَ بِالسَّبْع عَلَى ابْنِ
هذِيل، وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَكِّيٍّ،
وَأَبُو الحَسَنِ بن مَوْهَبٍ.
بلغَ الغَايَة فِي الفِقْه.
قَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ (3) : سَمِعْتُ أَبَا
بَكْرٍ بن الجَدِّ- وَنَاهيكَ بِهِ- يَقُوْلُ غَيْر مرَّة:
مَا أَعْلَم بِالأَنْدَلُسِ أَحْفَظ لِمَذْهَب مَالِك مِنْ
عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ الفَرَسِ بَعْد أَبِي عَبْدِ اللهِ
بنِ زَرْقُوْنَ.
__________
(1) وقيدها المنذري بالحروف فقال: وهي بفتح الكاف وتشديد
الراء المهملة وفتحها وبعد الالف نون.
(*) ترجمه ابن الابار في التكملة: 3 / الورقة: 40، واليمني
في إشاره التعيين، الورقة: 30، والمنذري في التكملة،
الترجمة: 627، والذهبي في تاريخ الإسلام: الورقة: 234
(أحمد الثالث 2917 / 14)، والنباهي في المرقبة العليا:
110، والغساني في العسجد المسبوك، الورقة: 106، وابن تغري
بردي في النجوم: 6 / 180 والسيوطي في البغية: 2 / 116
وتصحفت فيه وفاته إلى 599.
(2) كذا في الأصل (وتاريخ الإسلام)، وفي (تكملة) ابن
الابار، وهي نسخة متقنة، وفي (تكملة) المنذري: محمد.
(3) نقله عنه ابن الابار في (تكملته).
(21/364)
قَالَ الأَبَّار (1) : أَلّف فِي أَحكَام
القُرْآن كِتَاباً مِنْ أَحْسَن مَا وُضِع فِي ذَلِكَ.
قِيْلَ: أَصَابه فَالِج وَخَدَرٌ غَيَّر حَفِظه قَبْل
مَوْته بِعَامَيْنِ، فَتُرك الأَخْذُ عَنْهُ إِلَى أَنْ
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ يَحْيَى
العَطَّار، وَعَبْد الغَنِيِّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو
الحُسَيْنِ يَحْيَى بن عَبْدِ اللهِ الدَّانِيّ الكَاتِب،
وَالشَّرَف المُرْسِيّ؛ سَمِعَ مِنْهُ (المُوَطَّأ).
192 - أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ عَبْدُ
الرَّحْمَانِ بنُ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ،
المُفَسِّرُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، مَفْخَرُ العِرَاقِ،
جَمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ
بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ
بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَمَّادِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ القَاسِمِ
بنِ النَّضْرِ بنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
اللهِ ابْنِ الفَقِيْهِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ابْنِ
الفَقِيْهِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ خَلِيْفَةَ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي
بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، القُرَشِيُّ،
__________
(1) (التكملة): 3 / الورقة: 40.
(*) ترجم له الجم الغفير منهم على سبيل المثال: ابن نقطة
في التقييد، الورقة: 141، وابن الأثير في الكامل: 12 / 71،
وابن الدبيثي في الذيل، الورقة: 122 (باريس 5922)، وابن
أبي الدم في التاريخ المظفري، الورقة: 229، وسبطه في
المرآة: 8 / 481، والمنذري في التكملة، الترجمة: 608،
والنعال في المشيخة: 140، وأبو شامة في الذيل: 21، وابن
الساعي في الجامع: 9 / 65، وابن خلكان في الوفيات: 3 /
140، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 98 (باريس 1582)،
والعبر: 4 / 297، ودول الإسلام: 2 / 79، والمختصر المحتاج
إليه 2 / 205، والتذكرة: 4 / 1342، وابن كثير في البداية:
13 / 28، والدمياطي في المستفاد، الورقة: 6، وابن رجب في
الذيل: 1 / 399، والغساني في العسجد، الورقة 106، والجزري
في غاية النهاية: 1 / 375، والعيني في عقد الجمان: 17 /
الورقة 261 وكثير غيرهم.
(21/365)
التَّيْمِيُّ، البَكْرِيُّ،
البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، الوَاعِظُ، صَاحِبُ
التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ -أَوْ عَشْرٍ- وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَوُّلُ شَيْءٍ سَمِعَ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَأَبِي
عَبْدِ اللهِ الحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ البَارِع، وَعَلِيّ
بن عَبْدِ الوَاحِدِ الدِّيْنَوَرِيّ، وَأَحْمَد بن
أَحْمَدَ المُتَوَكِّلِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن أَبِي
صَالِحٍ المُؤَذِّن، وَالفَقِيْه أَبِي الحَسَنِ ابْن
الزَّاغُوْنِيِّ، وَهِبَة اللهِ بن الطَّبَرِ
الحَرِيْرِيّ، وَأَبِي غَالِبٍ ابْنِ البَنَّاءِ، وَأَبِي
بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ المَزْرَفِيّ، وَأَبِي
غَالِبٍ مُحَمَّد بن الحَسَنِ المَاوَرْدِيّ، وَأَبِي
القَاسِمِ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيّ
الخَطِيْب، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
البَاقِي الأَنْصَارِيّ، وَإِسْمَاعِيْل ابْن
السَّمَرْقَنْدِيّ، وَيَحْيَى ابْن البَنَّاءِ، وعَلِيّ بن
المُوَحِّد، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ بن خَيْرُوْنَ، وَبدر
الشِّيْحِيّ، وَأَبِي سَعْدٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ
الزَّوْزَنِيّ، وَأَبِي سَعْدٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ
البَغْدَادِيّ الحَافِظ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن
المُبَارَكِ الأَنْمَاطِيّ الحَافِظ، وَأَبِي السُّعُوْدِ
أَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ المُجْلِي، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ
عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ زُرَيْقٍ القَزَّاز، وَأَبِي
الوَقْت السِّجْزِيّ، وَابْن نَاصِر، وَابْن البَطِّيِّ،
وَطَائِفَة مَجْمُوْعهُم نَيِّفٌ وَثَمَانُوْنَ شَيْخاً،
قَدْ خَرَّجَ عَنْهُم (مَشْيَخَة) فِي جُزْءيْنِ (1) .
وَلَمْ يَرْحَلْ فِي الحَدِيْثِ، لَكنه عِنْدَهُ (مُسْنَد
الإِمَام أَحْمَد)، وَ(الطَّبَقَات لابْنِ سَعْدٍ)،
وَ(تَارِيْخ الخَطِيْب)، وَأَشيَاء عَالِيَة،
وَ(الصَّحِيْحَانِ)، وَالسُّنَنُ الأَرْبَعَةُ،
وَ(الحِلْيَة)، وَعِدَّة توَالِيف وَأَجزَاء يُخَرِّج
مِنْهَا.
__________
(1) منها نسخة مصورة في مكتبة المجمع العلمي العراقي.
(21/366)
وَكَانَ آخِر مَنْ حَدَّثَ عَنِ
الدِّيْنَوَرِيِّ وَالمُتَوَكِّلِيّ.
وَانتفع فِي الحَدِيْثِ بِمُلاَزِمَة ابْن نَاصِر، وَفِي
القُرْآن وَالأَدب بِسِبْط الخَيَّاط، وَابْن
الجَوَالِيْقِيِّ، وَفِي الفِقْه بطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ الصَّاحب العَلاَّمَة مُحْيِي
الدِّيْنِ يُوْسُفُ أُسْتَاذ دَار المُسْتَعْصِمِ بِاللهِ،
وَوَلَده الكَبِيْر عَلِيّ النَّاسِخ، وَسِبْطهُ الوَاعِظ
شَمْس الدِّيْنِ يُوْسُف بن قُزْغُلِيّ الحَنَفِيّ صَاحِب
(مِرَآة الزَّمَانِ)، وَالحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ،
وَالشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ ابْن قُدَامَةَ، وَابْن
الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن النَّجَّارِ، وَابْن خَلِيْلٍ،
وَالضِّيَاء، وَاليَلْدَانِيّ، وَالنَّجِيْب الحَرَّانِيّ،
وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَبِالإِجَازَةِ: الشَّيْخ شَمْس الدِّيْنِ عَبْد
الرَّحْمَانِ، وَابْن البُخَارِيِّ، وَأَحْمَد بن أَبِي
الخَيْرِ، وَالخَضِر بن حَمُّوْيَه، وَالقُطْب ابْن
عَصْرُوْنَ.
وَكَانَ رَأْساً فِي التَّذْكِير بِلاَ مدَافعَة، يَقُوْلُ
النَّظم الرَّائِق، وَالنّثر الفَائِق بديهاً، وَيُسهِب،
وَيُعجِب، وَيُطرِب، وَيُطنِب، لَمْ يَأْت قَبْله وَلاَ
بَعْدَهُ مِثْله، فَهُوَ حَامِل لوَاء الْوَعْظ، وَالقيِّم
بِفنونه، مَعَ الشّكل الحَسَن، وَالصّوت الطّيب، وَالوقع
فِي النُّفُوْس، وَحُسْن السِّيْرَةِ، وَكَانَ بَحْراً فِي
التَّفْسِيْر، علاَّمَة فِي السّير وَالتَّارِيْخ،
مَوْصُوَفاً بِحسن الحَدِيْث، وَمَعْرِفَة فُنونه،
فَقِيْهاً، عليماً بِالإِجْمَاعِ وَالاخْتِلاَف، جَيِّد
المشَاركَة فِي الطِّبّ، ذَا تَفنُّن وَفَهم وَذكَاء وَحفظ
وَاسْتحضَار، وَإِكْبَابٍ عَلَى الْجمع وَالتَّصْنِيْف،
مَعَ التَّصَوُّنِ وَالتَّجَمُّلِ، وَحسن الشَّارَةِ،
وَرشَاقَة العبَارَة، وَلطف الشَّمَائِل، وَالأَوْصَاف
الحمِيدَة، وَالحرمَة الوَافرَة عِنْد الخَاص وَالعَام،
مَا عَرَفْتُ أَحَداً صَنَّفَ مَا صَنَّفَ.
تُوُفِّيَ أَبُوْهُ وَلَهُ ثَلاَثَة أَعْوَام، فَرَبَّتْهُ
عَمَّتُه. وَأَقَارِبُه كَانُوا تُجَّاراً فِي
(21/367)
النُّحاسِ، فَرُبَّمَا كتبَ اسْمَهُ فِي
السَّمَاعِ عَبْد الرَّحْمَانِ بن عَلِيٍّ الصَّفَّار.
ثُمَّ لمَا تَرَعْرَعَ، حَملته عَمَّته إِلَى ابْنِ
نَاصِر، فَأَسمعَهُ الكَثِيْر، وَأَحَبّ الْوَعْظ، وَلهج
بِهِ، وَهُوَ مُرَاهِق، فَوَعَظ النَّاس وَهُوَ صَبِيّ،
ثُمَّ مَا زَالَ نَافق السُّوق مُعظَّماً مُتغَالياً
فِيْهِ، مُزدحماً عَلَيْهِ، مضروباً بِروَنق وَعظه
المَثَل، كَمَالُه فِي ازديَاد وَاشتهَار، إِلَى أَن مَاتَ
-رَحِمَهُ الله وَسَامَحَهُ- فَلَيْتَهُ لَمْ يَخُض فِي
التَّأْوِيْل، وَلاَ خَالف إِمَامه.
صَنّف (1) فِي التَّفْسِيْر (المغنِي) كَبِيْر، ثُمَّ
اخْتصره فِي أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، وَسَمَّاهُ (زَاد
المَسِيْر)، وَلَهُ (تذكرَة الأَرِيب) فِي اللُّغَة
مُجَلَّد، (الوُجُوه وَالنَّظَائِر) مُجَلَّد، (فُنُوْن
الأَفنَان) مُجَلَّد، (جَامِع المسَانِيْد) سَبْع
مُجَلَّدَاتٍ وَمَا اسْتَوْعَبَ وَلاَ كَادَ، (الحدَائِق)
مُجَلَّدَان، (نَقْي النّقل) مُجَلَّدَان، (عُيُون
الحِكَايَات) مُجَلَّدَان، (التّحقيق فِي مَسَائِل
الخلاَف) مُجَلَّدَان، (مُشكل الصِّحَاح) أَرْبَع
مُجَلَّدَاتٍ، (المَوْضُوْعَات) مُجَلَّدَان، (الوَاهيَات)
مُجَلَّدَان، (الضُّعَفَاء) مُجَلَّد، (تَلْقِيح
الْفُهُوم) مُجَلَّد، (الْمُنْتَظِم فِي التَّارِيْخ)
عَشْرَة مُجَلَّدَاتٍ، (المَذْهَب فِي الْمَذْهَب)
مُجَلَّد، (الانتصَار فِي الخلاَفِيَات) مُجَلَّدَان،
(مَشْهُوْر المَسَائِل) مُجَلَّدَان، (اليَواقيت) وَعظ،
مُجَلَّد، (نَسِيم السّحر) مُجَلَّد، (الْمُنْتَخب)
مُجَلَّد، (الْمُدْهِشُ) مُجَلَّد، (صفوَة الصّفوَة)
أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، (أَخْبَار الأَخيَار) مُجَلَّد،
(أَخْبَار النِّسَاء) مُجَلَّد، (مُثِير العَزْم السَّاكن)
مُجَلَّد، (الْمقْعد الْمُقِيم) مُجَلَّد، (ذَمّ الهَوَى)
مُجَلَّد، (تَلْبِيس إِبليس) مُجَلَّد.
__________
(1) ألف صديقنا العالم الفاضل الأستاذ عبد الحميد العلوجي
كتابا في مصنفاته طبع ببغداد سنة 1965 وتتبع أسماءها
ونسخها والمطبوع منها ورتبها على حروف المعجم ووضع لكل
كتاب رقما، ولم يكن رأى كتابنا هذا لكنه اعتمد كتب الذهبي
الأخرى.
(21/368)
(صيد الخَاطر) ثَلاَث مُجَلَّدَاتٍ،
(الأَذكيَاء) مُجَلَّد، (المغفّلين) مُجَلَّد، (منَافِع
الطِّبّ) مُجَلَّد، (صبَا نَجد) مُجَلَّد، (الظرفَاء)
مُجَلَّد، (الْمُلَهَّب) مُجَلَّد، (الْمُطْرِب) مُجَلَّد،
(منتهَى المشتهَى) مُجَلَّد، (فُنُوْن الأَلبَاب)
مُجَلَّد، (الْمُزْعِج (1)) مُجَلَّد، (سلوَة الأَحزَان)
مُجَلَّد، (مِنْهَاج القَاصدين) مُجَلَّدَان، (الوَفَا
بفَضَائِل المُصْطَفَى) مُجَلَّدَان، (مَنَاقِب أَبِي
بَكْرٍ) مُجَلَّد، (مَنَاقِب عُمَر) مُجَلَّد، (مَنَاقِب
عليّ) مُجَلَّد، (مَنَاقِب إِبْرَاهِيْم بن أَدْهَمَ)
مُجَلَّد، (مَنَاقِب الفُضَيْل) مُجَلَّد، (مَنَاقِب بشر
الحَافِي) مُجَلَّد، (مَنَاقِب رَابِعَة) جُزْء، (مَنَاقِب
عُمَر بن عَبْدِ العَزِيْزِ) مُجَلَّد، (مَنَاقِب سَعِيْدِ
بنِ المُسَيِّبِ) جُزْءانِ، (مَنَاقِب الحَسَن) جُزْءانِ،
(الثَّوْرِيّ) مُجَلَّد، (مَنَاقِب أَحْمَد) مُجَلَّد،
(مَنَاقِب الشَّافِعِيّ) مُجَلَّد، (مُوَافِق المرَافق)
مُجَلَّد، مَنَاقِب غَيْر وَاحِد جُزْء جُزْء، (مُخْتَصَر
فُنُوْن ابْن عَقِيْل) فِي بَضْعَة عشر مُجَلَّداً،
(مَنَاقِب الْحَبَش) مُجَلَّد، (لِبَاب زِين الْقَصَص)،
(فَضل مَقْبَرَة أَحْمَد)، (فَضَائِل الأَيَّام)، (أَسبَاب
البدَايَة)، (وَاسطَات الْعُقُود)، (شُذُورِ الْعُقُود فِي
تَارِيخ الْعُهُود)، (الخوَاتيم)، (المَجَالِس
اليَوسفِيَّة)، (كُنُوز الْعُمر)، (إِيقَاظ الوسنَان
بِأَحْوَال النّبَات وَالحيوَان)، (نَسِيم الرّوض)،
(الثبَات عِنْد المَمَاتَ)، (المَوْت وَمَا بَعْدَهُ)
مُجَلَّد، (دِيْوَانه) عِدَّة مُجَلَّدَاتٍ، (مَنَاقِب
مَعْرُوف)، (العزلَة)، (الرِّيَاضَة)، (النَّصْر عَلَى
مِصْرَ)، (كَانَ وَكَانَ) فِي الْوَعْظ، (خطب اللَّآلِئ)،
(النَّاسخ وَالمَنْسُوْخ)، (موَاسم الْعُمر)، (أَعْمَار
الأَعيَان)، وَأَشيَاء كَثِيْرَة تركتهَا، وَلَمْ أَرَهَا.
__________
(1) العلوجي، رقم: 453 وفيه (المنزع) وقال: ذكره الذهبي في
(تاريخ الإسلام).
قلنا: ولكنه (المزعج) أيضا في (تاريخ الإسلام) ولعله سبق
قلم من أستاذنا المرحوم مصطفى جواد الذي نقل عنه.
وذكره الذهبي في (تذكرة الحفاظ) أيضا.
(21/369)
وَكَانَ ذَا حظّ عَظِيْم وَصيت بعيد فِي
الْوَعْظ، يَحضر مَجَالِسه المُلُوْك وَالوُزَرَاء وَبَعْض
الخُلَفَاء وَالأَئِمَّة وَالكُبَرَاء، لاَ يَكَاد
المَجْلِس يَنقص عَنْ أَلوف كَثِيْرَة، حَتَّى قِيْلَ فِي
بَعْضِ مَجَالِسه: إِن حُزر الْجمع بِمائَةِ أَلْف.
وَلاَ رِيب أَنَّ هَذَا مَا وَقَعَ، وَلَوْ وَقَعَ، لَمَا
قدر أَنْ يُسْمِعَهُم، وَلاَ المَكَان يَسعهُم.
قَالَ سِبْطه أَبُو المُظَفَّرِ (1) : سَمِعْتُ جَدِّي
عَلَى المِنْبَرِ يَقُوْلُ:
بأُصْبُعَيَّ هَاتَيْنِ كَتَبتُ أَلْفَي مُجَلَّدَةٍ،
وَتَاب عَلَى يَدَيَّ مائَةُ أَلْفٍ، وَأَسْلَمَ عَلَى
يَدَيَّ عِشْرُوْنَ أَلْفاً (2) ، وَكَانَ يَخْتِم فِي
الأُسْبُوْع، وَلاَ يَخْرُج مِنْ بَيْته إِلاَّ إِلَى
الجُمُعَةِ أَوِ المَجْلِس.
قُلْتُ: فَمَا فَعَلَتْ صَلاَةُ الجَمَاعَةِ؟!
ثُمَّ سرد سِبْطه تَصَانِيْفه، فَذَكَر مِنْهَا (3) كِتَاب
(المُخْتَار فِي الأَشعَار) عشر مُجَلَّدَاتٍ، (درَة
الإِكليل) فِي التَّارِيْخ، أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ،
(الأَمثَال) مُجَلَّد، (المَنْفِعَة فِي المَذَاهِب
الأَرْبَعَة) مُجَلَّدَان، (التبصرَة فِي الْوَعْظ) ثَلاَث
مُجَلَّدَاتٍ، (رُؤُوْس القوَارِير) مُجَلَّدَان...، ثُمَّ
قَالَ:
وَمَجْمُوْع تَصَانِيْفه مائَتَانِ وَنَيِّفٌ وَخَمْسُوْنَ
كِتَاباً.
قُلْتُ: وَكَذَا وُجِدَ بِخَطِّهِ قَبْل مَوْتِهِ أَنَّ
تَوَالِيفه بَلَغَتْ مائَتَيْنِ وَخَمْسُوْنَ تَأْلِيْفاً.
وَمِنْ غرر أَلْفَاظه:
__________
(1) (مرآة الزمان): 8 / 482.
(2) هكذا هي في (تاريخ الإسلام) و(التذكرة)، وفي المطبوع
من (المرآة): وأسلم على يدي ألف يهودي ونصراني.
والظاهر أن لفظة (عشرون)) سقطت من المطبوعة.
(3) (المرآة): 8 / 483 - 489.
(21/370)
عقَارب المنَايَا تَلْسَع، وَخُدرَانُ
جِسْمِ الأَمَالِ يَمنَعُ، وَمَاء الحَيَاة فِي إِنَاء
الْعُمر يَرشح.
يَا أَمِيْرُ: اذْكُر عِنْد القدرَة عَدْلَ الله فِيك،
وَعِنْد العقوبَة قدرَةَ الله عَلَيْك، وَلاَ تَشفِ غَيظَك
بِسَقَم دينك.
وَقَالَ لِصديق: أَنْتَ فِي أَوسع الْعذر مِنَ التَأخُّر
عَنِّي لثقتِي بِك، وَفِي أَضيقِه مِنْ شَوْقِي إِلَيْك.
وَقَالَ لَهُ رَجُل: مَا نِمتُ البَارِحَة مِنْ شَوْقِي
إِلَى المَجْلِس، قَالَ: لأَنَّك تُرِيْد الفرجَة،
وَإِنَّمَا يَنْبَغِي اللَّيْلَة أَنْ لاَ تَنَام.
وَقَام إِلَيْهِ رَجُل بغِيض، فَقَالَ: يَا سيّدِي،
نُرِيْد كلمَة ننقلهَا عَنْكَ، أَيُّمَا أَفْضَل أَبُو
بَكْرٍ أَوْ عَلِيُّ؟
فَقَالَ: اجْلِسْ.
فَجَلَسَ، ثُمَّ قَامَ، فَأعَاد مقَالَته، فَأقعده، ثُمَّ
قَامَ، فَقَالَ: اقعدْ، فَأَنْتَ أَفْضَل (1) مِنْ كُلِّ
أَحَد.
وَسَأَله آخر أَيَّام ظُهُوْر الشِّيْعَة، فَقَالَ:
أَفْضَلُهُمَا مَنْ كَانَتْ بِنْتُهُ تَحْتَه.
وَهَذِهِ عبَارَة مُحْتَمَلَة تُرضِي الفَرِيْقَيْنِ.
وَسَأَله آخرُ: أَيُّمَا أَفْضَلُ: أُسبح أَوْ
أَسْتَغْفِر؟
قَالَ: الثَّوْب الْوَسخ أَحْوَج إِلَى الصَّابُوْنِ مِنَ
الْبخُور.
وَقَالَ فِي حَدِيْث (أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ
السِّتِّيْنَ إِلَى السَّبْعِيْنَ (2)): إِنَّمَا
__________
(1) يعني من الفضول، إذ السؤال عن الأفضل فضول، وإلا فكيف
يكون هذا أفضل من كل أحد بغير المعنى الذي ذكرناه (وانظر
حاشية (التذكرة): 4 / 1345).
(2) قال شعيب: وتمامه: (وأقلهم من يجوز ذلك) أخرجه الترمذي
(3555)، وابن ماجه (4236)، والخطيب في (تاريخه) 6 / 397
و12 / 42 من طريق الحسن بن عرفة، أخبرنا عبد الرحمان بن
محمد المحاربي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي =
(21/371)
طَالت أَعَمَّار الأَوَائِل لطول
البَادِيَة، فَلَمَّا شَارف الركب (1) بلد الإِقَامَة،
قِيْلَ: حُثُّوا المَطِيّ.
وَقَالَ: مَنْ قنع، طَاب عيشه، وَمِنْ طمع، طَالَ طَيشه.
وَقَالَ يَوْماً فِي وَعظه:
يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، إِنْ تَكلّمت، خفت مِنْكَ،
وَإِن سكتّ، خفت عَلَيْك، وَأَنَا أُقدّم خوفِي عَلَيْك
عَلَى خوفِي مِنْكَ، فَقول النَّاصح: اتَّقِ الله، خَيْرٌ
مِنْ قَوْل القَائِل: أَنْتُم أَهْل بَيْت مغْفُور لَكُم.
وَقَالَ: يَفتخر فِرْعَوْن مِصْرَ بِنهر مَا أَجرَاهُ، مَا
أَجرَأَه!
وَهَذَا بَاب يَطول، فَفِي كُتُبِه النفَائِس مِنْ هَذَا
وَأَمثَاله.
وَجَعْفَر الَّذِي هُوَ جَدُّهُ التَّاسع: قَالَ ابْنُ
دِحْيَة: جَعْفَر هُوَ الجَوْزِيّ، نُسب إِلَى فُرْضَةٍ
مِنْ فُرَضِ البَصْرَة يُقَالُ لَهَا: جَوْزَةُ.
وَقِيْلَ: كَانَ فِي دَارِهِ جوزَة لَمْ يَكُنْ بِوَاسِط
جوزَة سِوَاهَا.
وَفرضَة النَّهْر: ثلمتُهُ، وَفرضَة البَحْر: محطُّ
السُّفُنِ.
قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ (2) : جَدِّي قَرَأَ القُرْآنَ،
وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الدِّيْنَوَرِيّ
الحَنْبَلِيّ، وَابْن الفَرَّاء.
قُلْتُ: وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى سِبْط الخَيَّاط.
__________
= هريرة. وهذا سند حسن كما قال الترمذي، وصححه ابن حبان
(2467)، والحاكم 2 / 427، ووافقه الذهبي، وله طريق آخر عند
أبي يعلى الموصلي في (مسنده) 311 / 1، وسنده حسن.
(1) في (المرآة): (المركب) مصحف.
(2) (المرآة): 8 / 481.
(21/372)
وَعنِي بِأَمره شَيْخه ابْن الزَّاغونِيّ،
وَعَلّمه الوَعْظَ، وَاشْتَغَل بِفنُوْن العلُوْم،
وَأَخَذَ اللُّغَة عَنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ ابْن
الجَوَالِيْقِيِّ، وَرُبَّمَا حضَر مَجْلِسه مائَة أَلْف،
وَأَوقع الله لَهُ فِي القُلُوْب الْقبُول وَالهَيْبَة.
قَالَ (1) : وَكَانَ زَاهِداً فِي الدُّنْيَا، متقلّلاً
مِنْهَا، وَكَانَ يَجلسُ بِجَامِع القَصْر وَالرُّصَافَة
وَببَاب بدر وَغَيْرهَا...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَمَا مَازح أَحَداً قَطُّ، وَلاَ لعِب مَعَ صَبِيّ، وَلاَ
أَكل مِنْ جِهَةِ لاَ يَتيقّن حلّهَا.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ فِي
(تَارِيْخِهِ (2)): شَيْخنَا جَمَال الدِّيْنِ صَاحِبُ
التَّصَانِيْفِ فِي فُنُوْن العلُوْم مِنَ التَّفْسِيْر
وَالفِقْه وَالحَدِيْث وَالتَّوَارِيخ وَغَيْر ذَلِكَ،
وَإِلَيه انْتَهَت مَعْرِفَة الحَدِيْث وَعلُوْمه،
وَالوُقُوْف عَلَى صَحِيْحه مِنْ سَقِيمه، وَكَانَ مِنْ
أَحْسَن النَّاس كَلاَماً، وَأَتمّهم نَظَاماً، وَأَعذبهم
لِسَاناً، وَأَجْوَدهم بيَاناً، تَفَقَّهَ عَلَى
الدِّيْنَوَرِيّ، وَقرَأَ الْوَعْظ عَلَى أَبِي القَاسِمِ
العَلَوِيّ، وَبورك لَهُ فِي عُمُرِه وَعِلْمه، وَحَدَّثَ
بِمُصَنّفَاته مرَاراً، وَأَنْشَدَنِي بِوَاسِط
لِنَفْسِهِ:
يَا سَاكنَ الدُّنْيَا تَأَهَّبْ ... وَانتَظِرْ يَوْمَ
الفِرَاقِ
وَأَعِدَّ زَاداً لِلرَّحيلِ ... فَسَوْفَ يُحدَى
بِالرِّفَاقِ
وَابكِ الذُّنُوبَ بِأَدمُعٍ ... تَنهَلُّ مِنْ سُحُبِ
المآقِي
يَا مَنْ أَضَاعَ زَمَانَهُ ... أَرَضِيْتَ مَا يَفنَى
بِباقِ
وَسَأَلته عَنْ مَوْلِده غَيْرَ مَرَّةٍ، وَيَقُوْلُ:
يَكُوْن تَقَرِيْباً فِي سَنَةِ عَشْرٍ.
وَسَأَلت أَخَاهُ عُمَر، فَقَالَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ
وَخَمْسِ مائَةٍ تَقَرِيْباً.
__________
(1) نفس المصدر السابق: 8 / 824.
(2) (الذيل)، الورقة: 122 - 123 (باريس 5922)، ونقل الذهبي
بتصرف على عادته، ونقل السبط هذا النص في (المرآة) أيضا: 8
/ 482 - 483.
(21/373)
وَمِنْ تَوَالِيْفِهِ (التَّيْسِيْر فِي
التَّفْسِيْر) مُجَلَّد، (فُنُوْن الأَفنَان فِي علُوْم
القُرْآن) مُجَلَّد، (وَرد الأَغصَان فِي معَانِي
القُرْآن) مُجَلَّد، (النّبعَة فِي القِرَاءات السَّبْعَة)
مُجَلَّد، (الإِشَارَة فِي القِرَاءات المُخْتَارَة)
جُزْء، (تذكرَة الْمُنْتَبِه فِي عُيُون الْمُشْتَبه)،
(الصّلف فِي المُؤتلف وَالمُخْتَلِف) مُجَلَّدَان، (الخطَأ
وَالصَّوَاب مِنْ أَحَادِيْث الشِّهَاب) مُجَلَّد،
(الفَوَائِد المنتقَاة) سِتَّة وَخَمْسُوْنَ جُزْءاً،
(أُسود الغَابَة فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَة)، (النقاب فِي
الأَلقَاب) مُجَيْلِيْد، (المُحْتَسب فِي النَّسَبِ)
مُجَلَّد، (المُدَبَّج) مُجَلَّد، (المُسَلْسَلاَت)
مجيليد، (أَخَاير الذّخَاير) مُجَلَّد، (المجتَنى (1))
مُجَلَّد، (آفَة المُحَدِّثِيْنَ) جُزْء، (الْمُقْلِق)
مُجَلَّد، (سلوَة الْمَحْزُون فِي التَّارِيْخ)
مُجَلَّدَان، (الْمجد العضدِي (2)) مُجَلّد، (الفَاخر فِي
أَيَّامِ النَّاصِر) مُجَلَّد، (الْمُضِيء بِفضل
المُسْتَضِيْء (3)) مجيليد، (الأَعَاصر فِي ذَكَرَ
الإِمَام النَّاصِر) مُجَلَّد، (الفَجْر النُّوْرِيّ (4))
مُجَلَّد، (المَجْدُ الصَّلاَحِيُّ (5)) مُجَلَّد،
(فَضَائِل الْعَرَب) مُجَلَّد، (كَفّ التَّشبيه بِأَكَفّ
أَهْل التنزِيه) مجيليد، (البدَايع الدَّالة عَلَى وَجُوْد
الصَّانع) مجيليد، (مُنْتَقَدٌ الْمُعْتَقد) جُزْء، (شَرَف
الإِسْلاَمِ) جُزْء، (مَسْبُوك الذّهب فِي الفِقْه)
مُجَلَّد، (البلغَة فِي الفِقْه) مُجَلَّد، (التَّلْخِيص
فِي الفِقْه) مُجَلَّد، (البَاز الأَشْهَب) مُجَلَّد،
(لقطَة العَجْلاَن) مُجَلَّد، (الضّيَا فِي الرّدّ عَلَى
إِلْكِيَا)
__________
(1) وانظر العلوجي، رقم: 343 حيث أورد الاختلافات في
العنوان، والرقم: 345.
(2) أظنه قصد بذلك: عضد الدين أبو الفرج محمد بن عبد الله
ابن رئيس الرؤساء الوزير الكبير الذي مرت ترجمته في هذا
الكتاب.
(3) هو الكتاب المشهور (المصباح المضئ) الذي حققته الفاضلة
ناجية عبد الله إبراهيم، وطبع ببغداد سنة 1976.
(4) لعله في سيرة السلطان الشهيد نور الدين محمود بن زنكي
المتوفى سنة 569.
(5) لعله في سيرة السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رضي
الله عنه.
(21/374)
مُجَلَّد.
(الجَدَل) ثَلاَث أَجزَاء، (دَرْء الضّيم فِي صَوْم يَوْم
الْغَيْم) جُزْء، (المَنَاسِك) جُزْء، (تَحْرِيْم
الدُّبُر) جُزْء، (تَحْرِيْم المتعَة) جُزْء، (الْعدة فِي
أُصُوْل الفِقْه) جُزْء، (الفَرَائِض) جُزْء، (قيَام
الليَل) ثَلاَثَة أَجزَاء، (منَاجزَة الْعُمر) جُزْء،
(السّتر الرّفِيع) جُزْء، (ذَمّ الْحَسَد) جُزْء، (ذَمّ
الْمُسكر) جُزْء، (ذَكَرَ القصَاص) مُجَلَّد، (الحُفَّاظ)
مُجَلَّد، (الآثَار العَلَوِيَّة) مُجَلَّد، (السهُم
المصِيْب) جُزْآنِ، (حَال الحلاّج) جُزْآنِ، (عطف
الأُمَرَاء عَلَى العُلَمَاء) جُزْآنِ، (فُتُوْح
الفُتُوْح) جُزْآنِ، (إِعلاَم الأَحْيَاء بِأَغلاَط
الإِحيَاء) جُزْآنِ، (الْحَث عَلَى العِلْم) مُجَلَّد،
(المُسْتدرك عَلَى ابْنِ عَقِيْل) جُزْء، (لفتَة الْكبد)
جُزْء، (الْحَث عَلَى طلب الوَلَد) جُزْء، (لقط المنَافِع
فِي الطِّبّ) مُجَلَّدَان، (طب الشُّيُوْخ) جُزْء،
(الْمُرْتَجل فِي الْوَعْظ) مُجَلَّد، (اللطَائِف)
مُجَلَّد، (التّحفه) مُجَلَّد، (المَقَامَات) مُجَلَّد،
(شَاهِد وَمَشْهُوْد) مُجَلَّد، (الأَرج) مُجَلَّد،
(مغَانِي المَعَانِي) مجيليد، (لُقَط الجمَان) جُزْآنِ،
(زوَاهر الجَوَاهِر) مجيليد، (المَجَالِس البدرِية)
مجيليد، (يَوَاقيت الْخطب) جُزْآنِ، (لآلَىء الْخطب)
جُزْآنِ، (خطبَ الْجمع) ثَلاَثَة أَجزَاء، (الموَاعِظ
السُّلْجُوْقِيَّة)، (اللُؤْلُؤة)، (اليَاقُوتَة)،
(تَصديقَات رَمَضَان)، (التعَازِي الملوكيَّة)، (روح
الرّوح)، (كُنُوز الرّموز).
وَقِيْلَ: نَيّفت تَصَانِيْفه عَلَى الثَّلاَثِ مائَةٍ.
وَمِنْ كَلاَمه: مَا اجْتَمَع لامْرِئٍ أَملُهُ، إِلاَّ
وَسَعَى فِي تَفرِيطه أَجَلُهُ.
وَقَالَ عَنْ وَاعِظ: احذرُوا جَاهِل الأَطبَّاء،
فَرُبَّمَا سَمَّى سُمّاً، وَلَمْ يَعرف المُسَمَّى.
وَكَانَ فِي المَجْلِسِ رَجُل يُحسن كَلاَمه، وَيُزَهْزِهُ
لَهُ، فَسَكَتَ يَوْماً، فَالتفت إِلَيْهِ أَبُو الفَرَجِ،
وَقَالَ: هَارُوْنُ لَفْظك معينٌ لِمُوْسَى نطقِي،
فَأَرْسِلْهُ
(21/375)
مَعِي رِدْءاً.
وَقَالَ يَوْماً: أَهْل الكَلاَم يَقُوْلُوْنَ: مَا فِي
السَّمَاءِ رَبّ، وَلاَ فِي المُصْحَف قُرْآن، وَلاَ فِي
القَبْرِ نَبِيّ، ثَلاَث عورَات لَكُم.
وَحضر مَجْلِسَه بَعْض المخَالفِيْن، فَأَنْشَدَ عَلَى
المِنْبَرِ:
مَا لِلْهوَى العُذْرِيّ فِي ديَارنَا ... أَيْنَ
العُذَيْب مِنْ قُصُوْر بَابِلِ (1)
وَقَالَ- وَقَدْ تَوَاجد رَجُل فِي المَجْلِسِ-: وَاعجباً،
كلّنَا فِي إِنشَاد الضَّالة سَوَاء، فَلِمَ وجدْتَ أَنْتَ
وَحْدَكَ (2) :
قَدْ كَتَمْتُ الحبَّ حَتَّى شفَّنِي ... وَإِذَا مَا
كُتِمَ الدَّاء قَتَلْ
بَيْنَ عَيْنَيْكَ علاَلاتُ الكَرَى ... فَدَعِ النَّومَ
لرَبَّاتِ الحَجَلِ
وَقَدْ سُقْتُ مِنْ أَخْبَارِ الشَّيْخ أَبِي الفَرَجِ
كرَّاسَة فِي (تَارِيخ الإِسْلاَم).
وَقَدْ نَالَتْهُ مِحْنَة فِي أَوَاخِرِ عُمُره، وَوَشَوْا
بِهِ إِلَى الخَلِيْفَة النَّاصِر عَنْهُ بِأَمر اخْتُلف
فِي حَقِيْقته، فَجَاءَ مَنْ شَتَمَه، وَأَهَانه،
وَأَخَذَه قبضاً بِاليد، وَختم عَلَى دَاره، وَشتّت
عيَاله، ثُمَّ أُقعد فِي سَفِيْنَة إِلَى مدينَة وَاسِط،
فَحُبس بِهَا فِي بَيْتٍ حرجٍ، وَبَقِيَ هُوَ يغسل ثَوْبه،
وَيطبخ الشَّيْء، فَبقِي عَلَى ذَلِكَ خَمْس سِنِيْنَ مَا
دَخَلَ فِيْهَا حَمَّاماً.
قَامَ عَلَيْهِ الرُّكْن عَبْدُ السَّلاَّم بن عَبْدِ
الوَهَّابِ ابْن الشَّيْخ عَبْد القَادِرِ، وَكَانَ ابْنُ
الجَوْزِيِّ لاَ يُنْصِف الشَّيْخَ عَبْد القَادِرِ،
__________
(1) قال سبطه معلقا على هذه الحكاية وهذا البيت: (قلت:
وهذا البيت يقتضي المدح لهم لأنه شبههم بالهوى العذري وكذا
العذيب وقصور بابل كلها أماكن ممدوحة، وإنما يقال جنس
المعنى من نظائر هذا البيت:
أتظهرون: نهارا بين أظهرنا * أما نهاكم سليمان بن داود
(2) يعني: ثم أنشد هذين البيتين.
(21/376)
وَيَغضّ مِنْ قدره، فَأَبغضه أَوْلاَده،
وَوزر صَاحِبهُم ابْنُ القَصَّاب، وَقَدْ كَانَ الرُّكْن
رَدِيء الْمُعْتَقد، متفلسفاً، فَأُحرقت كتبه بِإِشَارَة
ابْن الجَوْزِيّ، وَأُخِذت مَدْرَسَتهُم، فَأُعْطيت لابْنِ
الجَوْزِيّ، فَانسمّ الرُّكْن، وَقَدْ كَانَ ابْن
القَصَّاب الوَزِيْر يَترفّض، فَأَتَاهُ الرُّكْن،
وَقَالَ: أَيْنَ أَنْتَ عَنِ ابْن الجَوْزِيّ
النَّاصِبِيِّ؟ -وَهُوَ أَيْضاً مِنْ أَوْلاَد أَبِي
بَكْرٍ- فَصرَّف الرُّكْنَ فِي الشَّيْخ، فَجَاءَ،
وَأَهَانه، وَأَخَذَهُ مَعَهُ فِي مركب، وَعَلَى الشَّيْخ
غلاَلَةٌ بِلاَ سرَاويل، وَعَلَى رَأْسه تخفِيفَة، وَقَدْ
كَانَ نَاظر وَاسِط، شِيْعِيّاً أَيْضاً، فَقَالَ لَهُ
الرُّكْن: مكّنِّي مِنْ هَذَا الفَاعِل لأَرمِيه فِي
مطمورَة.
فَزجره، وَقَالَ: يَا زِنْدِيْق، أَفْعَل هَذَا بِمُجَرَّد
قَوْلك؟ هَاتِ خطّ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، وَاللهِ لَوْ
كَانَ عَلَى مَذْهَبِي، لبذلت روحِي فِي خِدْمَته.
فَردَّ الرُّكْنُ إِلَى بَغْدَادَ.
وَكَانَ السَّبَبُ فِي خَلاَص الشَّيْخ: أَن وَلده يُوْسُف
نشَأَ وَاشْتَغَل، وَعَمِلَ فِي هذَة المُدَّة الْوَعْظ
وَهُوَ صَبِيّ، وَتوصّل حَتَّى شفعت أُمُّ الخلِيفة،
وَأَطلقت الشَّيْخ، وَأَتَى إِلَيْهِ ابْنه يُوْسُف،
فَخَرَجَ، وَمَا ردّ مِنْ وَاسِط حَتَّى قرَأَ هُوَ
وَابْنه بِتَلْقِينِهِ بِالعشر عَلَى ابْنُ
البَاقِلاَّنِيّ، وَسنّ الشَّيْخ نَحْو الثَّمَانِيْنَ،
فَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ الهِمَّة العَالِيَة.
نَقَلَ هَذَا: الحَافِظ ابْن نُقْطَةَ، عَنِ القَاضِي
مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ حَسَنٍ (1) .
قَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ فِي تَأْلِيْف لَهُ:
كَانَ ابْن الجَوْزِيّ لطيف الصّورَة، حُلْو الشَّمَائِل،
رَخِيم النّغمَة، مَوْزُون الحَرَكَات وَالنّغمَات، لذِيذ
المفَاكهة، يَحضر مَجْلِسه مائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُوْنَ،
لاَ يَضيّع مِنْ زَمَانه شَيْئاً، يَكتب فِي اليَوْمِ
أَرْبَع كَرَارِيْس، وَلَهُ فِي كُلِّ علم مشَاركَة،
لَكنّه كَانَ فِي التَّفْسِيْر مِنَ الأَعيَان، وَفِي
الحَدِيْثِ مِنَ الحُفَّاظِ، وَفِي التَّارِيْخ مِنَ
المتوسّعين، وَلَدَيْهِ فَقه كَاف، وَأَمَّا السّجع
الوعظِيّ، فَلَهُ فِيْهِ ملكَة قويّة، وَلَهُ
__________
(1) انظر (التقييد)، الورقة: 141
(21/377)
فِي الطِّبّ كِتَابُ (اللقط) مُجَلَّدَان.
قَالَ: وَكَانَ يُرَاعِي حِفْظ صحّته، وَتلطيف مِزَاجه،
وَمَا يُفِيد عَقْله قُوَّة، وَذهنه حدَّة.
جلّ غذَائِهِ الفرَارِيج وَالمزَاوير، وَيَعتَاض عَنِ
الفَاكهة بِالأَشرِبَة وَالمعجونَات، وَلباسه أَفْضَل
لِبَاس: الأَبيض النَّاعم المطيّب، وَلَهُ ذِهْن وَقَّاد،
وَجَوَاب حَاضِر، وَمجُوْن وَمدَاعبَة حلوَة، وَلاَ يَنفكّ
مِنْ جَارِيَة حسنَاء، قَرَأْت بِخَطِّ مُحَمَّد بن عَبْدِ
الجَلِيْلِ الموقَانِيّ (1) : أَنَّ ابْنَ الجَوْزِيّ
شَرِبَ البَلاَذُر، فَسَقَطت لِحْيته، فَكَانَتْ قصِيْرَة
جِدّاً، وَكَانَ يَخضبهَا بِالسَّوَاد إِلَى أَنْ مَاتَ.
قَالَ: وَكَانَ كَثِيْرَ الغَلَطِ فِيمَا يُصنّفه،
فَإِنَّهُ كَانَ يَفرغ مِنَ الكِتَاب وَلاَ يَعتبره.
قُلْتُ: هَكَذَا هُوَ لَهُ أَوهَام وَأَلوَان مِنْ ترك
المرَاجعَة، وَأَخَذَ العِلْم مِنْ صحف، وَصَنَّفَ شَيْئاً
لَوْ عَاشَ عُمراً ثَانِياً، لَمَا لحق أَنْ يُحرّره
وَيُتقنه.
قَالَ سِبْطه (2) : جلس جَدِّي تَحْت تربَة أُمّ الخلِيفة
عِنْد مَعْرُوف الكَرْخِيّ، وَكُنْت حَاضِراً، فَأَنْشَدَ
أَبيَاتاً، قطع عَلَيْهَا المَجْلِس، وَهِيَ:
الله أَسْأَلُ أَنْ يُطَوِّلَ مُدَّتِي ... لأَنَالَ
بِالإِنعَامِ مَا فِي نِيَّتِي (3)
__________
(1) في الأصل (الموفاني) وهم من الناسخ.
ومحمد بن عبد الجليل الموقاني هذا ترجم له الذهبي في وفيات
سنة 664 من (تاريخ الإسلام)، وقال: (وكتب بخطه الكثير من
الحديث والآداب..وله مجاميع مفيدة) (الورقة: 263 - 264 أيا
صوفيا 3013) وانظر: (العبر): 5 / 278 و(شذرات) ابن العماد:
5 / 27 والذي نعرفه عن الموقاني هذا أنه لم يعرف له تأليف
والظاهر أن الذهبي كان ينقل من مجاميعه لذلك يقول (قرأت
بخط) كما هو هنا وكما هو في الورقة: 6 من مجلد أيا صوفيا
3011.
وقال الصلاح الصفدي: (وكتب وحدث، وكان يشتري الكتب النفيسة
للانتفاع والمتجر، وكانت له معرفة ويقظة) (الوافي): 3 /
216.
(2) (المرآة): 8 / 499 - 502.
(3) لم يرد في المطبوع من (المرآة) غير هذا البيت، وهذا
يقوي الرأي بأن المطبوع باسم =
(21/378)
لِي هِمَّةٌ فِي العِلْمِ مَا إِنْ
مِثْلُهَا ... وَهِيَ الَّتِي جَنَتِ النُّحُوْلَ هِيَ
الَّتِي
خُلِقَتْ مِنَ العلْقِ العَظِيْمِ إِلَى المُنَى ...
دُعِيَتْ إِلَى نَيْلِ الكَمَالِ فَلبَّتِ
كَمْ كَانَ لِي مِنْ مَجْلِسٍ لَوْ شُبِّهَتْ ...
حَالاَتُه لَتَشَبَّهَتْ بِالجَنَّةِ
أَشتَاقُهُ لَمَّا مَضَتْ أَيَّامُهُ ... عُطْلاً
وَتُعذَرُ نَاقَةٌ إِن حَنَّتِ
يَا هَلْ لِليلاَتٍ بِجَمْعٍ عَوْدَةٌ* ؟ ... أَمْ هَلْ
عَلَى وَادِي مِنَىً مِنْ نَظرَةِ؟
قَدْ كَانَ أَحلَى مِنْ تَصَارِيفِ الصَّبَا ... وَمِنَ
الحَمَامِ مُغَنِّياً فِي الأَيكَةِ
فِيْهِ البَدِيْهَاتُ الَّتِي مَا نَالهَا ... خلقٌ
بِغَيْرِ مُخَمَّرٍ وَمُبَيَّتِ
فِي أَبيَات.
وَنَزَلَ، فَمَرِضَ خَمْسَة أَيَّام، وَتُوُفِّيَ لَيْلَة
الجُمُعَة، بَيْنَ العِشَاءيْنِ، الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ
رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
فِي دَارِهِ بقَطُفْتَا.
وَحكت لِي أُمِّي أَنَّهَا سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ قَبْل
مَوْته: أَيش أَعمل بطوَاويس؟ - يُرَدِّدهَا- قَدْ جبتُم
لِي هَذِهِ الطّوَاويس.
وَحضر غسله شَيْخنَا ابْن سُكَيْنَة وَقت السّحر، وَغلّقت
الأَسواق، وَجَاءَ الْخلق، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنه أَبُو
القَاسِمِ عليّ اتفَاقاً، لأَنَّ الأَعيَان لَمْ يَقدرُوا
مِنَ الوُصُوْل إِلَيْهِ، ثُمَّ ذهبُوا بِهِ إِلَى جَامِع
المَنْصُوْر، فَصلُّوا عَلَيْهِ، وَضَاق بِالنَّاسِ،
وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، فَلَمْ يَصل إِلَى حفرته
بِمَقْبَرَة أَحْمَد إِلَى وَقت صَلاَة الجُمُعَة، وَكَانَ
فِي تَمُّوْز، وَأَفطر خلق، وَرَمَوا نُفُوْسهُم فِي
المَاء...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَمَا وَصل إِلَى حفرته مِنَ الْكَفَن إِلاَّ قَلِيْل-
كَذَا قَالَ- وَالعهدَة عَلَيْهِ (1) ، وَأُنْزِل فِي
الحُفْرَة، وَالمُؤَذِّن يَقُوْلُ: الله أَكْبَر، وَحزن
عَلَيْهِ الْخلق،
__________
= المجلد الثامن من (المرآة) انما هو مختصره، أو أن أحدهم
حذف منه.
وقد أورد الذهبي في (تاريخ الإسلام) بعضها وهي ثلاثة
أبيات: الأول والثاني والرابع (الورقة: 231 أحمد الثالث
2917 / 14).
وأوردها ابن رجب كاملة: 1 / 428 وهي أحد عشر بيتا.
(1) وقال في (تاريخ الإسلام): (وهذا من مجازفة أبي المظفر)
وقد وصف الذهبي =
(21/379)
وَبَاتُوا عِنْد قَبْره طول شَهْر رَمَضَان
يَخْتِمُوْنَ الختمَات، بِالشّمع وَالقَنَادِيْل، وَرَآهُ
فِي تِلْكَ الليَلة المُحَدِّث أَحْمَد بن سَلْمَانَ
السُّكَّرُ (1) فِي النَّوْمِ، وَهُوَ عَلَى مِنْبَر مَنْ
يَاقُوْت، وَهُوَ جَالِس فِي مَقْعَد صدق وَالمَلاَئِكَة
بَيْنَ يَدَيْهِ (2) .
وَأَصْبَحنَا يَوْم السَّبْت عَملنَا العزَاء، وَتَكلّمت
فِيْهِ، وَحضر خلق عَظِيْم، وَعملت فِيْهِ المرَاثِي (3) ،
وَمِنَ العَجَائِب أَنَا كُنَّا بَعْد انْقَضَاء العزَاء
يَوْم السَّبْت عِنْد قَبْره، وَإِذَا بِخَالِي مُحْيِي
الدِّيْنِ قَدْ صعد مِنَ الشّطّ، وَخلفه تَابوت،
فَقُلْنَا: نَرَى مَنْ مَاتَ، وَإِذَا بِهَا خَاتُوْن أُمّ
مُحْيِي الدِّيْنِ، وَعهدِي بِهَا لَيْلَة وَفَاة جَدِّي
فِي عَافِيَة، فَعد النَّاس هَذَا مِنْ كرامَاته، لأَنَّه
كَانَ مغرَىً بِهَا.
وَأَوْصَى جدّه أَنْ يُكتب عَلَى قَبْرَه:
يَا كَثِيْرَ العَفْوِ عَمَّنْ ... كَثُرَ الذَّنْبُ
لَدَيْهِ
جَاءكَ المُذْنِبُ يَرْجُو الـ ... ـصَّفْحَ عَنْ جُرْمِ
يَدَيْهِ
أَنَا ضَيْفٌ، وَجزَاءُ الـ ... ـضَّيْفِ إِحْسَانٌ
إِلَيْهِ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ (4) بنُ بَدْرَانَ،
أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُوَفَّق الدِّيْنِ عَبْد اللهِ بن
أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ
بن عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا
أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ البُرْقَانِيّ،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الوَزَّان، حَدَّثَنَا الحَسَنُ
بنُ عَلِيٍّ الأَزْدِيّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ
__________
= السبط بالمجازفة في غير موضع من كتبه.
(1) توفي سنة 601.
(2) تمام الخبر: والحق سبحانه حاضر يسمع كلامه.
(3) لم يقل السبط (وعملت فيه المراثي) لكنه أورد قصيدة في
رثائه للناصر العلوي الموسوي من أهل مشهد موسى بن جعفر
عليهما السلام، وهي المعروفة بالكاظمية.
(4) عماد الدين أبو محمد عبد الحافظ بن بدران بن شبل بن
طرخان النابلسي الحنبلي الزاهد شيخ الذهبي المتوفى سنة 98
ذكره الذهبي في (معجم شيوخه): 1 / الورقة: 70، وفي وفيات
سنة 698 من (تاريخ الإسلام) (أيا صوفيا 3014).
(21/380)
المَدِيْنِيّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ
حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ الحِمْصِيّ،
حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ
بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (مَنْ قَالَ حِيْنَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ:
اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ،
وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّداً الوَسِيْلَةَ
وَالفَضِيْلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوْداً الَّذِي
وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) (1) .
وَأَنْبَأَنَاهُ عَلِيّاً بدَرَجَات: عَبْد الرَّحْمَانِ
(2) بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ،
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الهَيْثَمِ
البَلَدِيّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ مِثْله،
لَكِن زَادَ فِيْهِ:
(إِلاَّ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ يَوْمَ القِيَامَةِ)،
فَكَأنَّ شَيْخِي سَمِعَهُ مِنْ أَحْمَد بن إِبْرَاهِيْمَ
الإِسْمَاعِيْلِيّ الفَقِيْه.
وَكَتَبَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بنُ طَرْخَان، أَخْبَرَنَا
الإِمَامُ مُوَفَّق الدِّيْنِ، قَالَ:
ابْنُ الجَوْزِيِّ إِمَام أَهْل عصره فِي الْوَعْظ،
وَصَنَّفَ فِي فُنُوْن العِلْم تَصَانِيْف حَسَنَة،
وَكَانَ صَاحِبَ فُنُوْن، كَانَ يَصَنّف فِي الفِقْه،
وَيدرّس، وَكَانَ حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ، إِلاَّ أَننَا
لَمْ نَرض تَصَانِيْفه فِي السُّنَّةِ، وَلاَ طرِيقته
فِيْهَا، وَكَانَتِ العَامَّة يُعظّمونه، وَكَانَتْ
تَنْفلتُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الأَوقَات كَلِمَات تُنكر
عَلَيْهِ فِي السُّنَّةِ، فَيُستفتَى عَلَيْهِ فِيْهَا،
وَيَضيق صَدْره مِنْ أَجَلهَا.
__________
(1) قال شعيب: إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 2 / 77 و78 في
الاذان: باب الدعاء عند النداء، و8 / 303 في تفسير سورة
الاسراء: باب (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) من طريق علي
بن عياش بهذا الإسناد، وأخرجه أبو داود (529)، والترمذي
(211)، وابن ماجه (722) من طرق عن علي بن عياش به، والمقام
المحمود: هو الشفاعة يوم القيامة، لان الخلائق يحمدون ذلك
المقام.
(2) هو عبد الرحمان بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة
المقدسي الصالحي الحنبلي، قاضي القضاة شمس الدين أبو الفرج
(682 597) ذكره الذهبي في (معجم شيوخه): 1 / الورقة: 76،
وفي سنة وفاته من (تاريخ الإسلام) (أيا صوفيا: 3014).
(21/381)
وَقَالَ الحَافِظُ سَيْف الدِّيْنِ ابْن
المَجْدِ (1) : هُوَ كَثِيْر الوَهْمِ جِدّاً، فَإِنَّ فِي
(مَشْيَخته) مَعَ صغرهَا أَوْهَاماً: قَالَ فِي حَدِيْث:
أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُثَنَّى،
عَنِ الفَضْلِ بنِ هِشَامٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَإِنَّمَا
هُوَ: عَنِ الفَضْلِ بنِ مُسَاوِر، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ،
عَنِ الأَعْمَشِ.
وَقَالَ فِي آخَرَ: أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ، عَنْ عَبْدِ
اللهِ بنِ مُنِيْر، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بن عَبْدِ
اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَبَينَهُمَا أَبُو النَّضْرِ،
فَأَسقطه.
وَقَالَ فِي حَدِيْث: أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَثْرَم، وَإِنَّمَا هُوَ
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ.
وَقَالَ فِي آخَرَ: أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ، عَنِ
الأُوَيْسِيّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
وَإِنَّمَا هُوَ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ
صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ فِي آخَرَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا
خَالِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَإِنَّمَا هُوَ: حَدَّثَنَا
حَاتِم.
وَفِي آخَرَ: حَدَّثَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ
عَلِيٍّ العُشَارِيّ، وَإِنَّمَا هُوَ: أَبُو طَالِبٍ.
وَقَالَ: حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ عَفَّانَ بن كَاهِلٍ،
وَإِنَّمَا هُوَ: هِصَّان (2) بن كَاهِلٍ.
وَقَالَ: أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ أَبِي
إِيَاسٍ، وَإِنَّمَا هُوَ: آدَم.
وَفِي وَفَاةِ يَحْيَى بن ثَابِتٍ، وَابْن خُضَيْرٍ،
وَابْن المُقَرّبِ ذكر مَا خُولِفَ فِيْهِ (3) .
قُلْتُ: هذَة عُيُوب وَحشَة فِي جُزْءيْنِ.
قَالَ السَّيْف: سَمِعْتُ ابْنَ نُقْطَةَ يَقُوْلُ:
قِيْلَ لابْنِ الأَخْضَرِ: أَلاَ تُجيب عَنْ بَعْض أَوهَام
ابْن الجَوْزِيّ؟
قَالَ: إِنَّمَا يُتَتَبَّع عَلَى مَنْ قلّ غَلَطه،
فَأَمَّا هَذَا، فَأَوْهَامُهُ كَثِيْرَة.
__________
(1) كان السيف هذا من الحفاظ المتيقظين الأذكياء مع أنه لم
يعش غير ثمان وثلاثين سنة (605 - 643 ه).
(2) بكسر الهاء وتشديد الصاد المهملة وفتحها، قيده المزي
في (تهذيب الكمال) وابن حجر في (التقريب)، والذهبي وغيرهم،
ويقال فيه: ابن كاهن - بالنون أيضا.
(3) وهؤلاء الثلاثة من شيوخه.
(21/382)
ثُمَّ قَالَ السَّيْفُ: مَا رَأَيْتُ
أَحَداً يُعتَمَدُ عَلَيْهِ فِي دِيْنِهِ وَعِلْمِهِ
وَعَقْلِهِ رَاضياً عَنْهُ.
قُلْتُ: إِذَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَلاَ اعْتِبَار
بِهِم.
قَالَ: وَقَالَ جَدِّي (1) : كَانَ أَبُو المُظَفَّرِ
ابْنُ حَمْدِيٍّ يُنكر عَلَى أَبِي الفَرَجِ كَثِيْراً
كَلِمَات يُخَالِف فِيْهَا السُّنَّة.
قَالَ السَّيْف: وَعَاتَبَه أَبُو الفَتْحِ ابْنُ
المَنِّيِّ فِي أَشيَاء، وَلَمَّا بَان تَخْلِيطه أَخيراً،
رَجَعَ عَنْهُ أَعيَان أَصْحَابنَا وَأَصْحَابه.
وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ العَلْثِيّ يُكَاتِبهُ، وَيُنْكِر
عَلَيْهِ.
أَنْبَأَنِي أَبُو مَعْتُوْقٍ مَحْفُوْظ بن مَعْتُوْق ابْن
البُزُوْرِيّ فِي (تَارِيْخِهِ) فِي تَرْجَمَة ابْن
الجَوْزِيّ يَقُوْلُ:
فَأَصْبَح فِي مَذْهَبِهِ إِمَام يُشَار إِلَيْهِ، وَيَعقد
الخنصرُ فِي وَقْتِهِ عَلَيْهِ، درّس بِمَدْرَسَة ابْن
الشّمحل (2) ، وَبمَدْرَسَة الجهَة بَنَفْشَا (3) ،
وَبمَدْرَسَة الشَّيْخ عَبْد القَادِرِ (4) ، وَبَنَى
لِنَفْسِهِ مدرسَة بِدَرْب دِيْنَار (5) ، وَوَقَفَ
__________
(1) يعني جد السيف ابن المجد، وهو موفق الدين عبد الله بن
أحمد المقدسي العلامة المشهور.
(2) قال ابن الجوزي في ترجمة أبي حكيم إبراهيم بن دينار
النهرواني من (المنتظم).
10 / 201): (وأعطي المدرسة التي بناها ابن الشمحل
بالمأمونية وأعدت درسه فبقي نحو شهرين فيها وسلمت بعده إلي
فجلست فيها للتدريس، وله مدرسة بباب الازج كان مقيما بها
فلما احتضر أسندها إلي) وتوفي أبو حكيم هذا سنة 556 كما هو
مشهور.
(3) ابتدأ التدريس بها في يوم الخميس الخامس والعشرين من
شعبان سنة 570 (انظر التفاصيل في (المنتظم): 10 / 252 -
253.
و(بنفشا) هذه هي حظية الخليفة المستضئ وتكتب أيضا
(بنفشة)).
(4) تسلمها ابن الجوزي بعد حرق كتب عبد السلام ابن الشيخ
عبد القادر على عهد الوزير ابن يونس، وهي قصة مشهورة.
(5) درس فيها في الثالث من محرم سنة 570 (" المنتظم ": 10
/ 250)
(21/383)
عَلَيْهَا كتبه، بَرَعَ فِي العلُوْم،
وَتَفَرَّد بِالمَنْثُوْر وَالمنظوم، وَفَاق عَلَى أُدبَاء
مصره، وَعلاَ عَلَى فُضلاَء عصره، تَصَانِيْفه تَزِيد
عَلَى ثَلاَث مائَة وَأَرْبَعِيْنَ مُصَنّفاً، مَا بَيْنَ
عِشْرِيْنَ مُجَلَّداً إِلَى كرَّاس، وَمَا أَظَنّ
الزَّمَان يَسمح بِمِثْلِهِ، وَلَهُ كِتَاب
(الْمُنْتَظِم)، وَكِتَابُنَا ذَيْلٌ عَلَيْهِ.
قَالَ سِبْطه أَبُو المُظَفَّرِ (1) : خَلَّفَ مِنَ
الوَلَدِ عَلِيّاً، وَهُوَ الَّذِي أَخَذَ مُصَنَّفَات
وَالِده، وَبَاعهَا بيع العبيد، وَلِمَنْ يَزِيْد،
وَلَمَّا أُحْدِر وَالِده إِلَى وَاسِط، تَحَيّل عَلَى
الكُتُب بِاللَّيْلِ، وَأَخَذَ مِنْهَا مَا أَرَادَ،
وَبَاعهَا وَلاَ بِثمن المدَاد، وَكَانَ أَبُوْهُ قَدْ
هَجره مُنْذُ سِنِيْنَ، فَلَمَّا امْتحن، صَارَ أَلَباً
عَلَيْهِ (2) .
وَخلّف يُوْسُف مُحْيِي الدِّيْنِ، فَولِي حسبَة بَغْدَاد
فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَترسّل عَنِ
الخُلَفَاء، إِلَى أَنْ وَلِي فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ
أُسْتَاذ دَارِية الخِلاَفَة (3) .
وَكَانَ لجدِّي وَلد، أَكْبَرُ أَوْلاَده اسْمه عَبْد
العَزِيْزِ، سَمَّعَهُ مِنَ الأُرْمَوِيّ وَابْن نَاصِر،
ثُمَّ سَافر إِلَى المَوْصِل، فَوَعَظ بِهَا، وَبِهَا
مَاتَ شَابّاً (4) ، وَكَانَ لَهُ بنَات: رَابِعَةُ
أُمِّي، وَشَرَف النِّسَاءِ، وَزَيْنَب، وَجَوْهَرَة،
وَسِتّ العُلَمَاءِ الصّغِيرَة.
193 - لُؤْلُؤٌ العَادِلِيُّ *
الحَاجِبُ، مِنْ أَبْطَالِ الإِسْلاَمِ، وَهُوَ كَانَ
المَنْدُوْبُ لِحَرْبِ فِرنج الكَرَك الَّذِيْنَ سَارُوا
لأَخْذِ طيبَة، أَوْ فِرنج سِوَاهُم سَارُوا فِي البَحْر
المَالح، فَلَمْ يَسِرْ
__________
(1) (المرآة): 8 / 502 - 503.
(2) ومات سنة 630 كما ذكر المؤرخون.
(3) قتله هولاكو صبرا عند احتلاله بغداد وتدميره لها سنة
656.
(4) سنة 554.
(*) ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 249 (أحمد
الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 304، والمنذري في التكملة،
الترجمة: 650، وابن الفرات في تاريخه: 8 / الورقة: 99،
وابن العماد في الشذرات: 4 / 336.
(21/384)
لُؤْلُؤ إِلاَّ وَمَعَهُ قُيُود بَعْددهُم،
فَأَدْرَكهُم عِنْد الْفَحْلَتَيْنِ (1) ، فَأَحَاط بِهِم،
فَسلّمُوا نُفُوْسهُم، فَقيّدهُم، وَكَانُوا أَكْثَر مِنْ
ثَلاَث مائَة مقَاتل، وَأَقْبَلَ بِهِم إِلَى القَاهِرَة،
فَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً.
وَكَانَ (2) شَيْخاً أَرمنِيّاً، مِنْ غلمَان العَاضد،
فَخدم مَعَ صَلاَح الدِّيْنِ، وَعُرف بِالشَّجَاعَة
وَالإِقدَام، وَفِي آخِرِ أَيَّامه أَقْبَل عَلَى الخَيْر
وَالإِنفَاق فِي زَمَنِ قَحط مِصْر، وَكَانَ يَتَصَدَّق
فِي كُلِّ يَوْم بِاثْنَيْ عشرَ أَلف رَغِيْف مَعَ عِدَّة
قُدُور مِنَ الطَّعَام.
وَقِيْلَ: إِنَّ الملاعِين (3) التجؤُوا مِنْهُ إِلَى جبل،
فَترَجَّل، وَصعد إِلَيْهِم فِي تِسْعَة أَجنَاد، فَأَلقَى
فِي قُلُوْبهم الرّعب، وَطَلَبُوا مِنْهُ الأَمَان،
وَقُتلُوا بِمِصْرَ، تَولَّى قتلهُم العُلَمَاء
وَالصَّالِحُوْنَ.
تُوُفِّيَ لُؤْلُؤ -رَحِمَهُ الله-: بِمِصْرَ، فِي صَفَرٍ،
سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
194 - حَمَّادُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ حَمَّادِ بنِ
الفَضْلِ الحَرَّانِيُّ * (4)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، أَبُو الثَنَاءِ
__________
(1) ياقوت: (معجم البلدان): 3 / 854
(2) نقل الذهبي هذا الكلام عن عبد اللطيف البغدادي كما نص
على ذلك في (تاريخ الإسلام).
(3) هنا عاد المؤلف إلى الكلام على الصليبيين الذين أرادوا
احتلال المدينة المنورة.
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 90، وابن
الدبيثي في تاريخه، الورقة: 38 (باريس 5922)، وسبط ابن
الجوزي في المرآة: 8 / 511، والمنذري في التكملة، الترجمة:
690، وأبو شامة في الذيل: 29، والذهبي في تاريخ الإسلام،
الورقة: 110 (باريس 1582)، والعبر: 4 / 302، والمختصر
المحتاج إليه: 2 / 51، وابن كثير في البداية: 13 / 33،
وابن رجب في الذيل: 1 / 434، وابن تغري بردي في النجوم: 6
/ 181، وابن الفرات في تاريخه: 8 / الورقة: 98، وابن
العماد في الشذرات: 4 / 335، والقنوجي في التاج: 213.
(4) هذا في النسختين و(الذيل) لابن رجب.
وفي (تكملة) المنذري و(الذيل) لابن الدبيثي و(المختصر
المحتاج إليه) للذهبي: (فضيل) بالتصغير ولعله هو الاصوب
لقول =
(21/385)
الحَرَّانِيُّ، التَّاجِرُ، السَّفَّارُ.
رَحل إِلَى مِصْرَ وَالعِرَاق وَخُرَاسَانَ، وَكَتَبَ،
وَخَرَّجَ، وَأَفَاد، وَلَهُ نَظْمٌ، وَأَدب، وَسيرَة
حمِيدَة.
رَوَى عَنْ: إِسْمَاعِيْل ابْن السَّمَرْقَنْدِيّ -وَهُوَ
أَكْبَر شُيُوْخه- وَأَبِي بَكْرٍ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ،
وَسَعِيْد ابْن البَنَّاءِ، وَأَبِي النَّضْرِ الفَامِيّ،
وَسَالِم بن عَبْدِ اللهِ العُمَرِيّ، وَعَبْد السَّلاَّم
بن أَحْمَدَ الإِسكَاف، وَابْن رِفَاعَةَ، وَالسِّلَفِيّ،
وَابْن البَطِّيِّ، وَخَلْق.
حَدَّثَ عَنْهُ: عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ العُلَيْمِيّ،
وَابْن أُخْته؛ مُحَمَّد بن عِمَاد، وَالتَّاج ابْن أَبِي
جَعْفَرٍ، وَطَائِفَة.
وَأَجَازَ: لأَحْمَدَ بن أَبِي الخَيْرِ.
وَكَانَ لَهُ عَمل جَيِّد فِي الحَدِيْثِ.
قَالَ ابْن النَّجَّارِ: قَرَأْت بِخَطِّ حَمَّاد
الحَرَّانِيّ: مَوْلِدِي بَعْد سِتِّيْنَ يَوْماً مِنْ
سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ
بِحَرَّانَ، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ
وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَحْمَد بن تَزمش الخَيَّاط،
وَأَسَعْد بن أَحْمَدَ بنِ أَبِي غَانِم الثَّقَفِيّ
الفَقِيْه أَخُو زَاهِر، عَنْ ثَلاَث وَثَمَانِيْنَ
سَنَةً، وَأَبُو طَاهِرٍ الخُشُوْعِيّ، وَالمُحَدِّثُ
الشَّرِيْف جَعْفَر بن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ
العَبَّاسِيّ شَابّاً، وَسَعْد بن طَاهِرٍ المزدقَانِيّ
الأَمِيْر، وَأَبُو بَحْرٍ صَفْوَان بن إِدْرِيْسَ
المُرْسِيّ الكَاتِب أَحَد البلغَاء الكِبَار، وَعَبْد
اللهِ بن أَبِي المَجْدِ الحَرْبِيّ رَاوِي (المُسْنَد)،
وَالقَاضِي عَبْد الرَّحْمَانِ بن أَحْمَدَ ابْنِ
العُمَرِيِّ عَنْ بِضْع وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَزَيْن
القُضَاةِ عَبْد
__________
= المنذري في نسبه بعد ذلك (الفضيلي)، علما بأنه قد كتب
بالاجازة للمنذري من حران في رجب سنة 596.
(21/386)
الرَّحْمَانِ بن سُلْطَان القُرَشِيّ
الزكوِيّ، وَعَبْد الرَّحِيْمِ بن أَبِي القَاسِمِ
الجُرْجَانِيّ الشَّعْرِيّ أَخُو زَيْنَب، وَخَطِيْب
دِمَشْق ضِيَاء الدِّيْنِ الدَّوْلَعِيّ، وَعَلِيّ بن
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ يَعِيْش البَغْدَادِيّ،
وَقَاضِي القُضَاةِ مُحْيِي الدِّيْنِ مُحَمَّد بن عَلِيِّ
بنِ مُحَمَّد بن الزَّكِيِّ، وَأَبُو الهمَامِ مَحْمُوْد
بن عَبْدِ المُنْعِمِ التَّمِيْمِيّ، وَهِبَة اللهِ بن
الحَسَنِ ابْنِ السِّبْطِ، وَأَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ
البُوصِيْرِيّ.
195 - الشِّهَابُ الطُّوْسِيُّ مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدِ
بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ
الشَّافِعِيَّةِ، شِهَابُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَتْحِ
مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ مُحَمَّدٍ الخُرَاسَانِيُّ،
الطُّوْسِيُّ، صَاحِبُ الفَقِيْهِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، وَغَيْرِهِ.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ، وَعَظُمَ قَدْرُهُ، وَصَاهر قَاضِي
القُضَاةِ أَبَا البَرَكَاتِ ابْنَ الثَّقَفِيِّ، ثُمَّ
حَجَّ، وَأَتَى مِصْر سَنَة تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَنَزَلَ
بِالخَانقَاه (1) ، وَتردّد إِلَيْهِ الفُقَهَاء.
__________
(*) ترجم له سبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 475، والمنذري
في التكملة، الترجمة: 551، وأبو شامة في الروضتين: 2 /
240، والذيل: 18، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 90
(باريس 1582)، والعبر: 4 / 294، والصفدي في الوافي: 5 / 9،
وابن نباتة في الاكتفاء، الورقة: 100، والسبكي في الطبقات:
6 / 396، وابن كثير في البداية: 13 / 24، وابن الملقن في
العقد المذهب، الورقة: 73، والغساني في العسجد، الورقة:
104، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 245، وابن تغري
بردي في النجوم: 6 / 159، والسخاوي في الألقاب، الورقة:
87، وابن عبد الهادي في معجم الشافعية، الورقة: 59
والسيوطي في حسن المحاضرة: 1 / 189، وابن العماد في
الشذرات: 4 / 327 وغيرهم.
(1) يعني خانقاه سعيد السعداء بالقاهرة.
(21/387)
وَرَوَى عَنْهُ: الإِمَام بَهَاء الدِّيْنِ
ابْن الجُمَّيْزِيِّ، وَشِهَاب الدِّيْنِ القُوْصِيّ.
ثُمَّ درّس بِمَنَازِل العِزّ، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّة،
وَكَانَ جَامِعاً لِلْفنُوْن، غَيْر مُحتفلٍ بِأَبْنَاء
الدُّنْيَا، وَعظ بِجَامِع مِصْر مُدَّة (1) .
قَالَ الإِمَامُ أَبُو شَامَةَ (2) : قِيْلَ: إِنَّهُ
قَدِمَ بَغْدَادَ، فَكَانَ يَرْكُب بِالسّنجق وَالسُّيوف
المسلّلَة وَالغَاشيَة وَالطّوق فِي عُنُق البَغْلَة،
فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، فَسَافر إِلَى مِصْرَ، وَوعظ،
وَأَظهر مَقَالَة الأَشْعَرِيّ، فَثَارت الحنَابلة،
وَكَانَ يَجرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَيْن الدِّيْنِ ابْن
نُجَيَّةَ كَبِيْرهُم العَجَائِب وَالسّبُّ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّمَا أَفْضَلُ دَم
الحُسَيْن، أَوْ دَم الحَلاَّجِ؟
فَاسْتعظم ذَلِكَ، قَالُوا: فَدم الحَلاَّج كتب عَلَى
الأَرْضِ: الله، الله، وَلاَ كَذَلِكَ دَمُ الحُسَيْن؟!
قَالَ: المتَّهم يَحتَاج إِلَى تَزكية!
قُلْتُ: لَمْ يَصحَّ هَذَا عَنْ دَم الحَلاَّج، وَليسَا
سَوَاء: فَالحُسَيْن -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- شَهِيد قُتِلَ
بِسيف أَهْل الشَّرّ، وَالحَلاَّج فَقُتل عَلَى
الزَّنْدَقَة، بِسيف أَهْل الشّرع.
وَقَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ: كَانَ طُوَالاً،
مَهِيْباً، مِقْدَاماً، سَادّ الجَوَاب فِي المحَافل،
أَقْبَل عَلَيْهِ تَقِيّ الدِّيْنِ عُمَر، وَبَنَى لَهُ
مَدْرَسَة، وَكَانَ يُلقِي الدّرس مِنْ كِتَاب، وَكَانَ
يَرتَاعه كُلّ أَحَد، وَهُوَ يَرتَاع مِنَ
الخُبُوْشَانِيّ، وَيَتضَاءل لَهُ، وَكَانَ يَحمق
بظرَافَة، وَيَتيه عَلَى المُلُوْك بلباقَة، وَيُخَاطب
الفُقَهَاء بصرَامَة، عرض لَهُ جُدَرِيّ بَعْد
الثَّمَانِيْنَ عَمّ جَسَده، وَجَاءَ يَوْم عيد،
__________
(1) ذكر الزكي المنذري في (التكملة) أنه شاهده يعظ بهذا
الجامع.
(2) (الذيل على الروضتين): 18
(21/388)
وَالسُّلْطَان بِالمَيْدَان، فَأَقْبَل
الطُّوْسِيّ وَبَيْنَ يَدَيْهِ مُنَادٍ يُنَادِي: هَذَا
ملك العُلَمَاء، وَالغَاشيَة عَلَى الأَصَابع، فَإِذَا
رَآهَا المُجَّان، قرَأَوا : {هَلْ أَتَاكَ حَدِيْثُ
الغَاشِيَةِ } [الغَاشِيَةُ: 1] فَتفرّق الأُمَرَاء غَيظاً
مِنْهُ.
وَجَرَى لَهُ مَعَ العَادل وَمَعَ ابْن شكر قضَايَا
عَجِيْبَة، لما تَعرضُوا لأَوقَاف المدَارس، فَذبّ عَنِ
النَّاس، وَثبت.
قَالَ ابْن النَّجَّارِ: مَاتَ بِمِصْرَ، فِي ذِي
القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
وَحمله أَوْلاَد السُّلْطَان عَلَى رِقَابِهِم -رَحِمَهُ
الله-.
196 - السَّدِيْدُ أَبُو المَنْصُوْرِ عَبْدُ اللهِ بنُ
عَلِيِّ بنِ دَاوُدَ بنِ مُبَارَكٍ *
إِمَامُ الطِّبِّ، بقرَاطُ العَصْرِ، شَرَفُ الدِّيْنِ،
أَبُو المَنْصُوْرِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ دَاوُدَ
بنِ مُبَارَكٍ.
أَخَذَ الفنّ عَنْ: أَبِيْهِ الشَّيْخ السَّدِيْد (1) ،
وَعدلاَنَ بن عَيْن زَرْبِيّ.
وَسَمِعَ بِالثَّغْرِ (2) مِنِ ابْنِ عَوْفٍ، وَصَارَ
رَئِيْس الأَطبَّاء بِمِصْرَ، وَخدم ملوكهَا (3) ،
وَأَخَذَ عَنْهُ الأَطبَّاء، وَأَقْبَلت عَلَيْهِ
الدُّنْيَا، وَخدم العَاضد صَاحِب مِصْر، وَطَالَ
عُمُرُهُ.
أَخَذَ عَنْهُ: شَيْخ الأَطبَّاء النَّفِيْس بن
الزُّبَيْرِ، فَرَوَى عَنْهُ: أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ
أَبِيْهِ عَلَى الْآمِر العُبَيْدِيّ.
وَحَكَى: ابْنُ أَبِي أُصَيْبِعَةَ، عَنْ أَسَعْدِ
الدِّيْنِ: أَنَّ السَّديْد حَصَلَ لَهُ فِي نَهَار
__________
(*) ترجم له ابن أبي أصيبعة في عيون الانباء: 2 / 109،
والذهبي في العبر: 4 / 279، وابن العماد في الشذرات: 4 /
309.
(1) وقد غلب على شرف الدين أبي منصور هذا لقب أبيه
(السديد) فعرف به أيضا.
(2) يعني الإسكندرية.
(3) من الآمر بأحكام الله إلى العاضد آخرهم.
(21/389)
ثَلاَثُوْنَ أَلْفَ دِيْنَار.
وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ خَتَنَ
وَلَدَيِ الحَافِظ لِدِيْنِ اللهِ، فَحصَلَ لَهُ مِنْ
ذَلِكَ نَحْو خَمْسِيْنَ أَلْفَ دِيْنَار.
وَكَانَ السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ يَحترمه، وَيَعتمد
عَلَى طبّه.
مَاتَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: اسْمه دَاوُد.
197 - البُوْصِيْرِيُّ أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ
عَلِيِّ بنِ سُعُوْدٍ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ الدِّيَارِ
المِصْرِيَّة، أَمِيْن الدِّيْنِ، أَبُو القَاسِمِ سَيِّدُ
الأَهْلِ، هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ سعُوْدِ بنِ
ثَابِتِ بنِ هَاشِمِ بنِ غَالِبٍ الأَنْصَارِيُّ،
الخَزْرَجِيُّ، المُنَسْتِيْريُّ (1) الأَصْلِ،
البُوْصِيْرِيُّ (2) ،
__________
(*) ترجم له ياقوت في (بوصير) من معجم البلدان: 1 / 760،
والمنذري في التكملة، الترجمة: 647، وابن خلكان في
الوفيات: 6 / 67، وأبو الفداء في تاريخه: 3 / 107، والذهبي
في تاريخ الإسلام، الورقة: 116 (باريس، 1582)، والعبر: 4 /
306، ودول الإسلام: 2 / 79، والفاسي في ذيل التقييد،
الورقة: 259، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 276،
وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 182، والسيوطي في حسن
المحاضرة: 1 / 176، وابن العماد في الشذرات: 4 / 338، وابن
الغزي في ديوان الإسلام، الورقة: 21 وغيرهم.
(1) منسوب إلى (المنستير) بضم الميم وفتح النون وسكون
السين المهملة وكسر التاء ثالث الحروف، موضع بين المهدية
وسوسة بإفريقية كما في معجم البلدان ووفيات ابن خلكان
وغيرهما، ولكن قال ياقوت في (بوصير) من معجم البلدان: 1 /
760: (كتب إلي أبو الربيع سليمان بن عبد الله التميمي
المكي في جواب كتاب كتبته إلى من حلب أسأله عنه (يعني
البوصيري) فقال: سألت ابن الشيخ البوصيري عن سلفه ونسبه
وأصله وأخبرني أنهم من المغرب من موضع يسمى المنستير، قال:
وبالمغرب موضعان يسميان المنستير أحدهما بالاندلس بين لقنت
وقرطاجنة في شرق الأندلس والآخر بقرب سوسة من أرض إفريقية
بينه وبينها اثنا عشر ميلا، قال: ولم يعرفني والدي من
أيهما نحن).
(2) منسوب إلى بوصير قوريدس من أعمال البهنسا من صعيد مصر
كما ذكر المنذري وابن خلكان وغيرهما.
(21/390)
المِصْرِيُّ، الأَدِيْبُ، الكَاتِبُ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مَعَ السِّلَفِيّ مِنْ: أَبِي صَادِق مُرْشِد بن
يَحْيَى المَدِيْنِيّ، وَمُحَمَّد بن بَرَكَات
السَّعِيْدِيّ، وَأَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ ابْنِ
الفَرَّاءِ، وَالفَقِيْه سُلْطَان بن إِبْرَاهِيْمَ
المَقْدِسِيّ، وَالخفرَة بِنْت فَاتكٍ، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الحَطَّابِ
الرَّازِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ ابْنُ الفَرَّاءِ.
وَسَمِعَ مِنَ الرَّازِيّ أَيْضاً، وَمِنَ السِّلَفِيّ،
وَحَدَّثَ، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَرُحِلَ إِلَيْهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحُفَّاظ: عَبْد الغَنِيِّ، وَابْن
المُفَضَّلِ، وَالضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَأَبُو
الحَسَنِ السَّخَاوِيّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ ابْنُ
الحَافِظِ، وَخَطِيْب مَرْدَا، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ
مَكَارِم، وَأَبُو عَمْرٍو ابْنُ الحَاجِبِ،
وَإِسْمَاعِيْل بن عَزُّوْنَ، وَإِسْمَاعِيْل بن صَارم،
وَعَبْد اللهِ بن علاق، وَعَبْد الغَنِيِّ بن بَنِينَ،
وَعَدَد كَثِيْر.
وَأَجَازَ لِشيخنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، بَلْ
وَأَجَازَ لِمَنْ أَدْرَكَ حيَاته، نَقل ذَلِكَ المُحَدِّث
حَسَن بن عَبْدِ البَاقِي الصَّقَلِّيّ فِيمَا قرَأَه
بِخَطِّهِ المُحَدِّث أَحْمَد بن الجَوْهَرِيّ.
وَقَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاء: كَانَ قَدْ ثقُلَ سَمْعَهُ،
وَكَانَ يَسْمَع بِأُذُنِهِ اليُسْرَى أَجْوَد، وَكَانَ
شرساً، شَاهِدته وَشيخنَا عَبْد الغَنِيِّ يَقرَأُ
عَلَيْهِ مِنَ البُخَارِيّ حَدِيْث (لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ (1)) فَقَالَ: لَيْسَ
فِيْهَا (يُحْيِي وَيُمِيْتُ).
__________
(1) قال شعيب: أخرجه البخاري 2 / 275 في صفة الصلاة: باب
الذكر بعد الصلاة، وفي الدعوات: باب الدعاء بعد الصلاة،
وفي الرقاق: باب ما يكره من قيل وقال، وفي القدر: باب =
(21/391)
تُوُفِّيَ البُوْصِيْرِيُّ، فِي ثَانِي
صفر، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
198 - ابْنُ مُوَقَّى عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ مَكِّيٍّ
الأَنْصَارِيُّ *
الشَّيْخُ، الفَقِيْهُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ
الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ
بنُ مَكِّيٍّ بنِ حَمْزَةَ بنِ مُوَقَّى بنِ عَلِيٍّ
الأَنْصَارِيُّ، السَّعْدِيُّ، الثَّغْرِيُّ،
المَالِكِيُّ، التَّاجِرُ، وَيُعْرَفُ: بِابْنِ عَلاَّسٍ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ الرَّازِيّ
(مَشْيَخته)، وَأَجَازَ لَهُ، وَهُوَ خَاتمَة أَصْحَابه.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المُفَضَّلِ، وَالزَّيْن
مُحَمَّد بن أَحْمَدَ ابْنِ النَّحْوِيِّ، وَأَبُو
الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ اللَّخْمِيّ، وَأَحْمَد
بن عَبْدِ اللهِ ابْنِ النَّحَّاسِ، وَأَخُوْهُ؛
مَنْصُوْر، وَجَعْفَر بن تَمَّام، وَالحُسَيْن وَعَبْد
اللهِ ابْنَا أَحْمَدَ بنِ خُلَيْد الكِنَانِيّ، وَالحَسَن
بن عُثْمَانَ المُحْتَسِب، وَهِبَة اللهِ بن رُوَيْنَ،
وَعُثْمَان بن هِبَةِ اللهِ بنِ عَوْفٍ، وَآخَرُوْنَ،
آخِرُهُم: ابْنُ عَوْفٍ.
__________
= لا مانع لما أعطى الله، وفي الاعتصام: باب ما يكره من
كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه، ومسلم (593) في المساجد:
باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وأبو داود (1505)، والنسائي
3 / 70 من حديث معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: (لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم
لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد
منك الجد)، وقد جاء لفظ (يحيى ويميت) في حديث أبي أيوب عند
أحمد 5 / 420: لكن في القول إذا أصبح، وإذا أمسى، وإسناده
صحيح.
(*) ترجمه المنذري في التكملة، الترجمة: 722، والذهبي في
تاريخ الإسلام، الورقة: 118 (باريس 1582)، والعبر: 4 /
307، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 183، والسيوطي في حسن
المحاضرة: 4 / 307.
(21/392)
قَالَ الحَافِظُ عَبْد العَظِيْمِ
المُنْذِرِيّ (1) : لَمْ يَزَلْ صَحِيْح السَّمْع وَالبصر
وَالجَسَد إِلَى أَنْ مَاتَ، وَتَصدّق مِنْ ثلثه بِأَلف
دِيْنَار بَعْد مَوْته.
تُوُفِّيَ: فِي سَلْخِ رَبِيْع الآخِرِ، سَنَةَ تِسْعٍ
وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعَة
وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ قَحْطَبَة الفَرْغَانِيّ ثُمَّ
البَغْدَادِيّ ابْنُ أُشْنَانَة، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
اللهِ بنُ دَهْبَل بن كَارِهٍ الحَرِيْمِيّ، وَقَاضِي فَاس
أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى
التَّادَلِيّ الفَاسِيّ، وَعَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ
عليَّانَ الحَرْبِيّ، وَالوَاعِظ زَيْن الدِّيْنِ عَلِيّ
بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَجَا الحَنْبَلِيّ بِالشَّارع،
وَعَلِيّ بن حَمْزَةَ الكَاتِب بِمِصْرَ، وَعَلِيّ بن
خَلَف بن مَعْزُوْز بِالمُنْيَةِ، وَالسُّلْطَان غِيَاث
الدِّيْنِ مُحَمَّد بن سَام بن حُسَيْنٍ الغُوْرِيّ،
وَقَاضِي القُضَاةِ بِبَغْدَادَ ضِيَاء الدِّيْنِ القَاسِم
بن يَحْيَى الشّهروزِيّ ثُمَّ قَاضِي حمَاة، وَالزَّاهِد
الكَبِيْر أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ
القُرَشِيّ الأَنْدَلُسِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي
جَمْرَةَ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ (2) ، وَشِهَاب
الدِّيْنِ مُحَمَّد بن يُوْسُفَ الغَزْنَوِيّ
بِالقَاهِرَةِ، وَالمُبَارَك ابْن المَعْطُوْشِ،
وَمَحْمُوْد بن أَحْمَدَ العَبْدَكَوِيّ، وَمَسْعُوْد بن
عَبْدِ اللهِ بنِ غَيْثٍ الدَّقَّاق، وَيُوْسُف بن
الطُّفَيْل الدِّمَشْقِيّ.
199 - ابْنُ نُجَيَّةَ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
نَجَا الأَنْصَارِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، الرَّئِيْسُ الجَلِيْلُ،
الوَاعِظُ، الفَقِيْهُ، زَيْنُ الدِّيْنِ، أَبُو
__________
(1) (التكملة)، الترجمة: 722.
(2) واسمه محمد بن أحمد بن عبد الملك، وسيأتي في الرقم:
202.
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 178، وإكمال
الإكمال، الورقة: 63 ظاهرية،
(21/393)
الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
نَجَا بنِ غَنَائِمَ الأَنْصَارِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ،
الحَنْبَلِيُّ، نَزِيْلُ الشَّارعِ بِمِصْرَ، وَيُعْرَفُ
بِابْنِ نُجَيَّةَ.
وُلِدَ: بِدِمَشْقَ، سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ قُبَيْسٍ
المَالِكِيِّ، وَمِنْ خَالِهِ: شَرَفِ الإِسْلاَمِ عَبْدِ
الوَهَّابِ ابْنِ الشَّيْخِ أَبِي الفَرَجِ عَبْدِ
الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدٍ الحَنْبَلِيِّ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ
الأَشْقَرِ، وَأَبِي سَعِيْدٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ
البَغْدَادِيِّ، وَابْنِ نَاصِرٍ، وَمَوْهُوْبِ بنِ
الجَوَالِيْقِيِّ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ (جَامِعَ أَبِي عِيْسَى) مِنْ:
عَبْدِ الصَّبُوْرِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الهَرَوِيِّ.
وَسَمِعَ مِنَ: الحَافِظِ عَبْدِ الخَالِقِ اليُوْسُفِيِّ،
وَسَعْدِ الخَيْرِ الأَنْصَارِيِّ، وَتَزَوَّجَ بَابْنتِهِ
المُسْنِدَةِ فَاطِمَةَ.
كتب عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ حكَايةً (1) .
وَوعظَ بِجَامِعِ القَرَافَةِ مُدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ خَلِيْلٍ، وَالشَّيْخُ الضِّيَاءُ،
وَمُحَمَّدُ ابْنُ البَهَاءِ، وَأَبُو
__________
= وابن الدبيثي في الذيل، وهو تاريخه، الورقة: 18 (باريس
5922)، وابن النجار في التاريخ المجدد، الورقة: 147 من
مجلد الظاهرية، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 515،
والمنذري في التكملة، الترجمة: 742، وأبو شامة في الذيل:
34، وابن الساعي في الجامع: 9 / 110، وابن الصابوني في
تكملة إكمال الإكمال: 335، والذهبي في تاريخ الإسلام،
الورقة: 119 (باريس، 158)، والمختصر المحتاج إليه: 3 /
118، والعبر: 4 / 307، والمشتبه: 112، وابن كثير في
البداية: 13 / 34، وابن رجب في الذيل: 1 / 436، والغساني
في العسجد، الورقة: 108، وابن ناصر الدين في التوضيح،
الورقة: 141 (سوهاج) وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 183،
والسيوطي في حسن المحاضرة: 1 / 264 وغيرهم.
(1) في (معجم شيوخ بغداد).
(21/394)
سُلَيْمَانَ ابْنُ الحَافِظِ، وَالزَّكِيُّ
المُنْذِرِيُّ، وَعَبْدُ الغَنِيِّ بنُ بَنِينَ،
وَالحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ أَيْضاً.
وَبِالإِجَازَةِ: أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ،
وَغَيْرُهُ.
وَكَانَ صدراً، مُحْتَشِماً، نبيلاً، ذَا جَاهٍ،
وَرِيَاسَةٍ، وَسُؤْدُدٍ، وَأَمْوَالٍ، وَتَجمُّلٍ وَافرٍ،
وَاتِّصَالٍ بِالدَّولةِ.
تَرَسَّلَ لنُوْرِ الدِّيْنِ إِلَى الدِّيْوَانِ
العَزِيْزِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (1) : كَانَ مليحَ الوعظِ، لطيفَ
الطَّبعِ، حلوَ الإِيرَادِ، كَثِيْرَ المَعَانِي،
مُتَدَيِّناً، حَمِيْدَ السِّيرَةِ، ذَا مَنْزِلَةٍ
رفِيعَةٍ، وَهُوَ سِبْطُ الشَّيْخِ أَبِي الفَرَجِ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ (2) : كَانَ كَبِيْرَ القَدْرِ،
مُعَظَّماً عِنْدَ صَلاَحِ الدِّيْنِ، وَهُوَ الَّذِي
نَمَّ عَلَى الفَقِيْهِ عُمَارَةَ اليَمَنِيِّ
وَأَصْحَابِهِ بِمَا كَانُوا عزمُوا عَلَيْهِ مِنْ قَلْبِ
الدَّوْلَةِ، فَشنقَهُم صَلاَحُ الدِّيْنِ، وَكَانَ
صَلاَحُ الدِّيْنِ يُكَاتِبُهُ وَيُحضِرُهُ مَجْلِسَهُ،
وَكَذَلِكَ وَلدُهُ الملكُ العَزِيْزُ مِنْ بَعْدِهِ،
وَكَانَ وَاعِظاً مُفَسِّراً، سَكَنَ مِصْرَ، وَكَانَ لَهُ
جَاهٌ عَظِيْمٌ، وَحُرمَةٌ زَائِدَةٌ، وَكَانَ يَجرِي
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِّهَابِ الطُّوْسِيِّ العَجَائِبُ،
لأَنَّه كَانَ حَنْبَليّاً، وَكَانَ الشِّهَابُ أَشعرِيّاً
وَاعِظاً، جلسَ ابْنُ نُجَيَّةَ يَوْماً فِي جَامِعِ
القرَافَةِ، فَوَقَعَ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمَاعَةٍ سقفٌ،
فَعملَ الطُّوْسِيُّ فَصْلاً ذَكَرَ فِيْهِ : {فَخَرَّ
عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِم } [النَّحْلُ: 26].
جَاءَ يَوْماً كلبٌ يَشقُّ الصُّفوفَ فِي مَجْلِسِ ابْنِ
نُجَيَّةَ، فَقَالَ: هَذَا مِنْ هُنَاكَ، وَأَشَارَ إِلَى
جهَةِ الطُّوْسِيِّ.
__________
(1) (التاريخ المجدد)، الورقة 147 ظاهرية.
(2) (الذيل): 34.
(21/395)
قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ السِّبْطُ (1) :
اقتنَى ابْنُ نُجَيَّةَ أَمْوَالاً عَظِيْمَةً، وَتنعَّمَ
تَنعُّماً زَائِداً، بِحَيْثُ أَنَّهُ كَانَ فِي دَارِهِ
عِشْرُوْنَ جَارِيَةً لِلْفِرَاشِ، تُسَاوِي كُلُّ
وَاحِدَةٍ أَلفَ دِيْنَارٍ وَأَكْثَرَ (2) ، وَكَانَ
يُعمَلُ لَهُ مِنَ الأَطعمَةِ مَا لاَ يُعمَلُ
لِلمُلُوْكِ، أَعْطَاهُ الخُلَفَاءُ وَالمُلُوْكُ
أَمْوَالاً جَزِيْلَةً.
قَالَ: وَمَعَ هَذَا مَاتَ فَقيراً، كفَّنَهُ بَعْضُ
أَصْحَابِهِ.
قَالَ المُنْذِرِيُّ (3) : مَاتَ فِي سَابعِ رَمَضَانَ،
سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَمَاتَتْ
بَعْدَهُ زوجتُهُ فَاطِمَةُ بِسَنَةٍ (4) .
200 - عَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ بن عَلِيِّ بنِ طَلْحَةَ بنِ
عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، أَبُو الحَسَنِ بنُ أَبِي
الفُتُوْحِ الكَاتِبُ، البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ.
وَسَمِعَ مِنْ: هِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ، وَوَلِيَ
الحجَابَةَ بِبَابِ النّوْبِيِّ، وَكَانَ يَكتبُ خَطّاً
بَدِيْعاً، وَسَكَنَ مِصْرَ.
__________
(1) (مرآة الزمان): 8 / 515.
(2) لا يوجد في المطبوع من (المرآة) ما يشير إلى هذا
(الأكثر) بل اكتفى بالقول: تساوي كل جارية ألف دينار.
(3) (التكملة)، الترجمة: 742.
(4) سيأتي ذكرها بعد قليل (الترجمة: 209)
(*) ترجمة ياقوت في إرشاد الاريب: 5 / 204، وابن الدبيثي
في الذيل، الورقة: 139 من مجلد كيمبرج، والمنذري في
التكملة، الترجمة: 739، وابن الساعي في الجامع: 9 / 106،
وابن الفوطي في الملقبين بعلم الدين من تلخيصه: 4 /
الترجمة: 868، والذهبي في المختصر المحتاج إليه: 3 / 124،
وتاريخ الإسلام، الورقة: 119 (باريس 1582)، والعبر: 4 /
308، والصفدي في الوافي: 12 / الورقة: 53، والسيوطي في حسن
المحاضرة: 1 / 176، وابن العماد في الشذرات: 342.
(21/396)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ خَلِيْلٍ،
وَالضِّيَاءُ، وَخَطِيْبُ مَرْدَا، وَجَمَاعَةٌ.
وَكَانَ أَبُوْهُ وَكيلاً لِلمُسْترشدِ بِاللهِ.
مَاتَ عليٌّ فِي: غرَّةِ شَعْبَان، سَنَةَ تِسْعٍ
وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِمِصْرَ.
كَانَ أَبُوْهُ (1) أَخَا المُسْترشدِ مِنَ الرَّضَاعَةِ،
فَبَلَّغَهُ أَعْلَى المَرَاتِبِ، وَبعدَهُ تَزَهَّدَ،
وَلَزِمَ العِبَادَةَ، وَبَنَى مَدْرَسَةً
لِلشَافِعِيَّةِ، وَحَدَّثَ عَنِ ابْنِ بيَانٍ
الرَّزَّازُ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
201 - ابْنُ المَارستَانِيَّةِ أَبُو بَكْرٍ عُبَيْدُ
اللهِ بنُ عَلِيٍّ *
الصَّدْرُ الكَبِيْرُ، الأَدِيْبُ، البَلِيْغُ، أَبُو
بَكْرٍ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ نَصْرِ بنِ
حُمْرَةَ (2) التَّيْمِيُّ (3) .
__________
(1) إضافة إلى ذكره في ترجمة ولده علي فقد ترجم له ابن
الجوزي في المنتظم: 10 / 202، وابن الأثير في الكامل: 11 /
113، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 236، والذهبي في
كتبه، وابن كثير في البداية: 12 / 245، والعيني في عقد
الجمان: 16 / الورقة: 343 وغيرهم.
وكان لقبه كمال الدين، لذا عرفت مدرسته بالكمالية وكانت
بباب العامة.
(*) ترجمه ابن النجار في التاريخ المجدد، الورقة: 99 من
مجلد الظاهرية وحط عليه، والمنذري في التكملة، الترجمة:
754، وأبو شامة في الذيل: 34، وابن الساعي في الجامع: 9 /
112، وابن الفوطي في التلخيص: 4 / الترجمة 2195، والذهبي
في تاريخ الإسلام، الورقة: 118 (باريس 1582)، والمختصر
المحتاج إليه 2 / 187، وابن كثير في البداية: 13 / 35،
وابن رجب في الذيل: 1 / 442، والغساني في العسجد، الورقة:
108، وابن حجر في اللسان: 4 / 108، وابن العماد في
الشذرات: 4 / 339، ومقدمة المجلد الأول من ذيل تاريخ بغداد
لابن الدبيثي (بغداد 1974): 17 - 19.
(2) في الأصل: (حمزة) وهو وهم من الناسخ، قال الزكي
المنذري في التكملة: وحمرة بضم الحاء المهملة وسكون الميم
وبعدها راء مهملة وتاء تأنيث
(3) قال محب الدين ابن النجار في (التاريخ المجدد): (هكذا
كان يذكر نسبه ويوصله إلى أبي بكر الصديق، ورأيت المشايخ
الثقات من أصحاب الحديث وغيرهم ينكرون نسبه هذا =
(21/397)
قرَأَ الفِقْهَ وَالآدَابَ، وَصَنَّفَ
وَسَادَ، إِلاَّ إِنَّهُ زَوَّرَ لِنَفْسِهِ، وَزَعَمَ
أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ الأُرْمَوِيِّ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنِ ابْنِ البَطِّيِّ وَطَبَقَتِهِ،
وَقرَأَ الكَثِيْرَ، وَحصَّلَ، وَقرَأَ الطِّبَّ
وَالفَلْسَفَةَ، وَعَمِلَ الكِتَابَةَ، ثُمَّ نُفِّذَ
رَسُوْلاً إِلَى ابْنِ البَهْلوَانِ، فَمَاتَ بتَفْلِيْسَ،
فِي آخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
عَنْ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ كَذَّاباً.
202 - ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ الأُمَوِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ المَغْرِبِ،
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ
بنِ مُوْسَى بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ وَليدِ بنِ أَبِي
جَمْرَةَ الأُمَوِيُّ، مَوْلاَهُم الأَنْدَلُسِيُّ،
المُرْسِيُّ.
سَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ وَالِدِهِ، مِنْ ذَلِكَ:
(التَّيْسِيْر) لأَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ، بِإِجَازتِهِ
مِنَ الدَّانِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ أَسودَ، وَمِنْ أَبِي
مُحَمَّدٍ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَجَازَ لَهُ أَبُو
بَحْرٍ سُفْيَانُ بنُ العَاصِ، وَالفَقِيْهُ أَبُو
الوَلِيْدِ ابْنُ رُشْدٍ، وَأَبُو الحَسَنِ شُرَيحٌ،
وَخَلْقٌ.
وَقَدْ عرضَ (المُدَوَّنَةَ) عَلَى أَبِيْهِ.
__________
= ويقولون إن أباه وأمه كانا يخدمان المرضى بالمارستان
التتشي في أسفل البلد.
وكان أبوه عاميا مشهورا بفريج - تصغير أبي الفرج - عاميا
لا يفهم شيئا، وأنه سئل عن نسبه فلم يعرفه، وأنكر ذلك)
(الورقة: 99 - 100 من مجلد الظاهرية).
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة ترجمة حافلة: 2 / 561 -
566، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 260 (أحمد الثالث
2917 / 14)، والعبر: 4 / 309، وابن العماد في الشذرات: 4 /
342.
(21/398)
قَالَ الأَبَّارُ (1) : عُنِيَ بِالرَّأْيِ
وَحفظهُ، وَوَلِيَ خُطَّةَ الشُّوْرَى، وَهُوَ ابْنُ
نَيِّفٍ (2) وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ
تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتَقلَّدَ قَضَاءَ
مُرْسِيَةَ وَشَاطِبَةَ مَرَّاتٍ، وَكَانَ بَصِيْراً
بِمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَعَاكفاً عَلَى نشرِهِ، فَصِيْحاً،
حَسَنَ البيَانِ، عدلاً، جزلاً، عرِيقاً فِي النَّباهَةِ
وَالوجَاهَةِ.
صَنَّفَ كِتَابَ (نَتَائِج الأَفكَارِ (3) فِي معَانِي
الآثَارِ) أَلَّفَهُ عِنْدَمَا أَوقعَ السُّلْطَانُ
بِالمَالِكِيَّةِ، وَأَمرَ بِإِحرَاقِ (المُدَوَّنَةِ)،
وَلَهُ (إِقليدُ الإِقليدِ (4) ، المُؤدِّي إِلَى
النَّظَرِ السَّديْدِ).
قرَأَ عَلَيْهِ: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَوْطِ اللهِ
(المُوَطَّأَ) بِسَمَاعِهِ مِنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ
قِرَاءةً، وَتَكلَّمَ فِيْهِ بَعْضُ النَّاسِ بكَلاَمٍ لاَ
يَقدَحُ فِيْهِ (5) .
وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عُمَرَ بنُ عَاتٍ، وَأَبُو
عَلِيٍّ بنُ زُلاَلٍ، وَكَتَبَ إِلَيَّ بِالإِجَازَةِ
وَأَنَا ابْنُ عَامَيْنِ، وَهُوَ أَعْلَى شُيُوْخِي
إِسْنَاداً.
مَاتَ: بِمُرْسِيَةَ، فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ تِسْعٍ
وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ
سَنَةً.
وَقَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ بنُ سَالِمٍ: ظهرَ مِنْهُ فِي
بَابِ الرِّوَايَةِ اضطرَابٌ طَرَّقَ الظِّنَّةَ إِلَيْهِ،
وَأَطلَقَ الأَلسَنَةَ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: وَقَدْ سَمِعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ (التَّيْسِيْرَ)
مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ جوبر بِسَمَاعِهِ مِنْهُ.
__________
(1) (التكملة): 2 / 562
(2) الذي قاله الابار: وسنه لا يزيد على إحدى وعشرين.
(3) هكذا في النسختين، وفي المطبوع من (التكملة):
(الابكار)
(4) هكذا هو، وفي (التكملة الابارية) و(تاريخ الإسلام)
للذهبي: (التقليد)
(5) تكلم ابن الابار في هذا كلاما جيدا يدل على غزارة علم
وفضل فراجعه.
(21/399)
203 - الهَاشِمِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ *
القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ
بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القُرَشِيُّ،
الهَاشِمِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، مِنَ الجَزِيْرَةِ
الخَضْرَاءِ، لَهُ كَرَامَاتٌ فِيمَا يُقَالُ وَأَحْوَالٌ.
نزلَ بَيْتَ المَقْدِسِ، وَصحِبَهُ الصَّالِحُوْنَ.
صحِبَ جَمَاعَةً، وَلَهُ جَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ وَشُهْرَةٌ.
مَاتَ فِي: ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ -رَحِمَهُ الله-.
204 - ابْنُ المَعْطُوْشِ أَبُو طَاهِرٍ المُبَارَكُ بنُ
المُبَارَكِ الحَرِيْمِيُّ **
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الثِّقَةُ، المُعَمَّرُ، أَبُو
طَاهِرٍ المُبَارَكُ بنُ المُبَارَكِ بنِ هِبَةِ اللهِ
ابْنِ المَعْطُوْشِ (1) الحَرِيْمِيُّ، البَغْدَادِيُّ،
العَطَّارُ، أَخُو أَبِي القَاسِمِ المُبَارَكِ.
وُلِدَ فِي: رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(*) ترجمه المنذري في التكملة، الترجمة: 752، وابن خلكان
في الوفيات: 4 / 305، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة:
122 (باريس 1582)، والعبر: 4 / 309، والصفدي في الوافي: 2
/ 78، والعليمي في الانس الجليل: 2 / 488، والمناوي في
الكواكب: 2 / 98، وابن العماد في الشذرات: 4 / 342.
(* *) ترجمه ابن نقطة في التقييد، الورقة: 198، والمنذري
في التكملة، الترجمة: 726، والذهبي في تاريخ الإسلام،
الورقة: 122، (باريس 1582)، والعبر: 4 / 310، والمختصر
المحتاج إليه: 3 / 178، وابن تغري بردي في النجوم: 6 /
184، وابن العماد في الشذرات: 4 / 343.
(1) قيده الزكي المنذري فقال في (التكملة): (بفتح الميم
وسكون العين المهملة وضم الطاء المهملة وبعد الواو الساكنة
شين معجمة)
(21/400)
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ
بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ المَهْدِيِّ، وَأَبِي الغَنَائِمِ
مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ المُهْتَدِيّ بِاللهِ،
وَهِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ، وَحَدَّثَ عَنْهُ
بِجَمِيْعِ (المُسْنَدِ)، وَأَبِي المَوَاهِبِ أَحْمَدَ
بنِ مُلُوْكٍ، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ آخرُ مَنْ
سَمِعَ مِنِ ابْنِ المَهْدِيِّ، وَابْنِ المُهْتَدِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ خَلِيْلٍ،
وَابْنُ النَّجَّارِ، وَأَبُو مُوْسَى ابْنُ الحَافِظِ،
وَاليَلْدَانِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ،
وَالنَّجِيْبُ (1) ، وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَةِ: ابْنُ أَبِي الخَيْرِ، وَالفَخْرُ ابْنُ
البُخَارِيِّ.
قَالَ ابْن الدُّبَيْثِيِّ (2) : سَمَاعُهُ فِي سَنَةِ
أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَكَانَ يَقِظاً، فَطِناً، صَحِيْحَ
السَّمَاعِ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ (3) : تُوُفِّيَ فِي عَاشرِ
جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ، وَكَانَ سَمَاعُهُ صَحِيْحاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ كَثِيْراً،
وَكَانَ شَيْخاً مُتيقِّظاً، لطيفَ الطَّبعِ، مليحَ
النَّادرَةِ، سرِيعَ الجَوَابِ، مِنْ مَحَاسِنِ النَّاسِ،
قَرَأَ القُرْآنَ، وَطَلَبَ الحَدِيْثَ بِنَفْسِهِ،
وَقرَأَ عَلَى المَشَايِخِ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ، وَعُمِّرَ
حَتَّى تَفَرَّدَ بِأَكْثَر مَرْوِيَّاتِهِ، وَحَدَّثَ بـ
(مُسْنَدِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ) مَرَّاتٍ، وَكَانَتِ
الرِّحلةُ إِلَيْهِ، وَمتَّعَهُ اللهُ بِسَمْعِهِ وَبصرِهِ
وَعقلِهِ إِلَى حِيْنِ وَفَاتِهِ، وَكَانَ مُكْرِماً
لِمَنْ يَقصدُهُ مِنَ الطَّلبَةِ، بَسَّاماً، مزَّاحاً.
__________
(1) يعني النجيب عبد اللطيف بن عبد المنعم الحراني وقد
ذكره في (مشيخته).
(2) انظر (المختصر المحتاج إليه): 3 / 178.
(3) (التقييد)، الورقة: 198.
(21/401)
205 - العِجْلِيُّ أَبُو الفُتُوْحِ
أَسَعْدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ خَلَفٍ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، مُفْتِي العَجَمِ، مُنْتَخَبُ
الدِّينِ، أَبُو الفُتُوْحِ أَسَعْدُ بنُ أَبِي
الفَضَائِلِ مَحْمُوْدِ بنِ خَلَفِ بنِ أَحْمَدَ
العِجْلِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، الفَقِيْهُ،
الشَّافِعِيُّ، الوَاعِظُ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسمِعَ مِنْ: فَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةَ (المُعْجَمَ
الصَّغِيْرَ) وَبَعْضَ (الكَبِيْرِ) أَوْ جَمِيْعَهُ (1) ،
وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ الحَافِظِ،
وَغَانِمِ بنِ أَحْمَدَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ فِي الكُهُوْلَة مِنِ: ابْنِ
البَطِّيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو نِزَارٍ رَبِيْعَةُ اليَمَنِيُّ،
وَالحَافِظُ الضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَأَجَازَ لابْنِ أَبِي الخَيْرِ، وَابْنِ البُخَارِيِّ.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، لَهُ
تَصَانِيْفُ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ (2) : كَانَ زَاهِداً، لَهُ
مَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ بِالمَذْهَبِ، وَكَانَ يَأْكُلُ
__________
(*) ترجمه ابن نقطة في التقييد، الورقة: 64، وابن الأثير
في الكامل: 12 / 83، وابن الدبيثي في الذيل، الورقة: 213
(شهيد علي)، المنذري في التكملة، الترجمة: 770، وابن
الفوطي في الملقبين بمنتخب الدين من تلخيصه: 5 / الترجمة:
1713 من الميم، والذهبي في المختر المحتاج إليه: 1 / 251
والعبر: 4 / 311، وتاريخ الإسلام، الورقة: 124 (باريس
1582)، والسبكي في الطبقات: 8 / 126، وابن خلكان في
الوفيات: 1 / 208، وابن كثير في البداية: 13 / 39، وابن
الملقن في العقد المذهب، الورقة: 78، والغساني في العسجد،
الورقة: 110، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 186، وابن
الفرات في تاريخه: 9 / الورقة: 9، والمصنف في الطبقات: 82،
وحاجي خليفة في سلم الوصول: الورقة: 182، وابن العماد في
الشذرات: 4 / 344.
(1) وهما اللذان للحافظ أبي القاسم الطبراني.
(2) (الذيل)، الورقة: 213، من مجلد شهيد علي.
(21/402)
مِنَ النَّسْخِ، وَعَلَيْهِ كَانَ
المعتمَدُ فِي الفَتْوَى بِأَصْبَهَانَ.
وَقَالَ القَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : هُوَ أَحَدُ
الفُقَهَاءِ الأَعيَانِ، لَهُ كِتَابٌ فِي شَرْحِ
مُشكلاَتِ (الوجِيْزِ)، وَ(الوسيطِ) لِلْغزَالِيِّ،
وَكِتَابُ (تَتمَّة التَّتِمَّة)، تُوُفِّيَ
بِأَصْبَهَانَ، فِي الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ صفرٍ،
سَنَةَ سِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ الحَافِظُ الضِّيَاءُ: شَيْخُنَا هَذَا كَانَ
إِمَاماً، مُصَنِّفاً، أَملَى وَوعظَ، ثُمَّ تَرَكَ
الوعظَ، جمعَ كِتَاباً سَمَّاهُ (آفَاتِ الوُعَّاظِ)،
سَمِعْتُ مِنْهُ (المُعْجَمَ الصَّغِيْرَ)
لِلطَّبَرَانِيِّ.
206 - الصَّفَّارُ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ
بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُعَمَّرُ، فَخرُ
الإِسْلاَمِ، أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ ابْنُ
العَلاَّمَةِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ بنِ
مَنْصُوْرٍ ابْنِ فَقِيْهِ خُرَاسَانَ مُحَمَّدِ بنِ
القَاسِمِ بنِ حَبِيْبِ ابْنِ الصَّفَّارِ
النَّيْسَابُوْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: جدِّهِ لأُمِّهِ الإِمَامِ أَبِي نَصْرٍ
ابْن القُشَيْرِيّ، فَكَانَ آخِرَ مَنْ رَوَى عَنْهُ.
وَسَمِعَ مِنَ: الفُرَاوِيِّ (2) (صَحِيْحَ مُسْلِمٍ)،
وَمِنْ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ
__________
(1) (وفيات): 1 / 209.
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 130، والمنذري
في التكملة، الترجمة: 817، وابن الساعي في الجامع: 9 /
133، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 266 أحمد الثالث
2917 / 14)، والعبر: 4 / 312، ودول الإسلام: 2 / 80،
والسبكي في الطبقات: 8 / 156، وابن الملقن في العقد،
الورقة: 162، والغساني في العسجد، الورقة: 110، وابن تغري
بردي في النجوم: 6 / 187، وابن العماد في الشذرات: 4 /
345.
(2) يعني محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي.
(21/403)
مُحَمَّدٍ الخُوَارِيِّ، وَزَاهِرِ بنِ
طَاهِرٍ، وَالحَافِظِ عَبْدِ الغَافِرِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ،
وَسَهْلِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَالفَضْلِ
الأَبِيْوَرْدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ صَاعِدٍ،
وَمِنْ أَبِيْهِ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: بَدَلٌ التِّبْرِيْزِيُّ، وَنجمُ الدِّينِ
أَبُو الجَنَّابِ الخَيْوَقِيُّ، وَأَبُو رَشِيْدٍ
الغَزَّالُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ ظَفَرٍ، وَالقَاسِمُ بنُ
أَبِي سَعْدٍ الصَّفَّارُ وَلَدُهُ، وَجَمَاعَةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ
الرَّحْمَانِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَابْنُ البُخَارِيِّ،
وَطَائِفَةٌ.
وَكَانَ مِنَ الأَئِمَّةِ العُلَمَاءِ الأَثْبَاتِ.
وَمِنْ مَسْمُوْعَاتِهِ: (سُنَنُ الدَّارَقُطْنِيِّ)
بفُوَيْتٍ مَعْلُوْمٍ عَلَى أَبِي القَاسِمِ الفَضْلِ بنِ
مُحَمَّدٍ الأَبِيْوَرْدِيِّ، بِسَمَاعِهِ مِنْ أَبِي
مَنْصُوْرٍ النّوْقَانِيِّ، بِسَمَاعِهِ مِنْهُ.
وَسَمِعَ (السُّنَنَ الكَبِيْرَ) مِنْ زَاهِرِ بنِ
طَاهِرٍ.
وَسَمِعَ (سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ) مِنْ عَبْدِ الغَافِرِ:
أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الحَاكمِيُّ، وَسَمِعَ
(السُّنَنَ)، وَ(الآثَارَ) مِنْ عَبْدِ الجَبَّارِ.
أَنْبَأَنِي أَبُو العَلاَءِ الفَرَضِيُّ، قَالَ: مَجْدُ
الدِّيْنِ أَبُو سَعْدٍ ابْنُ الصَّفَّارُ إِمَامٌ عَالِمٌ
بِالأُصُوْلِ، فَقِيْهٌ ثقَةٌ، سَمِعَ: أَبَاهُ،
وَعَمَّتَهُ عَائِشَةَ، وَجَدَّتَهُ دُرْدَانَةَ أُخْتَ
عَبْدِ الغَافِرِ، وَهِبَةَ اللهِ السَّيِّدِيَّ، وَسَهْلَ
بنَ إِبْرَاهِيْمَ المَسْجِدِيَّ، وَعِدَّةً.
قَالَ المُنْذِرِيُّ (1) : مَاتَ فِي سَابِع عَشَرَ
رَمَضَان (2) ، سَنَةَ سِتِّ مائَةٍ.
__________
(1) (التكملة)، الترجمة: 817.
(2) هكذا ورد في النسخة وهو وهم إن كان المؤلف يريد دقة
النقل، فالذي في (التكملة): (شعبان) وليس فيه اجتهاد لان
(التكملة) مرتبة حسب قدم الوفاة. ولم يذكر =
(21/404)
207 - القَاسِمُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ،
ابْنُ عَسَاكِرَ الدِّمَشْقِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، العَالِمُ،
الرَّئِيْسُ، بَهَاءُ الدِّيْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ
القَاسِمُ ابْنُ الحَافِظِ الكَبِيْرِ مُحَدِّثِ العَصْرِ
ثِقَةِ الدِّيْنِ أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ
بنِ هِبَة اللهِ الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ،
المَعْرُوفُ بِابْنِ عَسَاكِرَ، وَمَا علمتُ هَذَا الاسْم
(1) فِي أَجدَادِهِ، وَلاَ مَنْ لُقِّبَ بِهِ مِنْهُم.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
وَأَجَازَ لَهُ: الفُرَاوِيّ، وَزَاهِر، وَقَاضِي
المَارستَان، وَالحُسَيْن بن عَبْدِ المَلِكِ، وَعَبْد
المُنْعِمِ ابْن القُشَيْرِيّ، وَابْنُ
السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ الطَّبَرِ،
وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيّ، وَهِبَة اللهِ
بن سَهْلٍ السَّيِّدِيّ، وَعبد
__________
= المؤلف تحديدا لوفاته في (تاريخ الإسلام)، لكنه قال في
(العبر): (توفي في شعبان أو رمضان). والذي وقفت عليه في
النسخة الخطية من (التقييد لابن نقطة وهي نسخة الأزهر:
(السابع) من شعبان، وفي (الجامع المختصر) لابن الساعي:
السادس عشر من شعبان.
وعليه فإن الذي جاء أعلاه وهم بلا ريب.
(*) ترجمه ابن نقطة في التقييد، الورقة: 194، والمنذري في
التكملة، الترجمة: 767، وابن أبي الدم الحموي في التاريخ
المظفري، الورقة: 230، وأبو شامة في الذيل: 47، وابن
الساعي في الجامع: 9 / 128، والذهبي في تاريخ الإسلام،
الورقة: 278 (أحمد الثالث 2917 / 14)، وتذكرة الحفاظ: 4 /
1368، والعبر: 4 / 314، ودول الإسلام: 2 / 80، والسبكي في
الطبقات: 8 / 352، وابن كثير في البداية: 13 / 38، وابن
الملقن في العقد، الورقة: 163، والفاسي في ذيل التقييد،
الورقة: 250، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 186، وابن
العماد في الشذرات: 4 / 347، والكتاني في الرسالة: 48.
وترجم له ابن خلكان في ترجمة والده الحافظ أبي القاسم من
الوفيات: 3 / 311.
(1) يعني: (عساكر)، والقدماء المعاصرون له لم يذكروا لهم
هذا فكانوا يقولون عن والده (علي بن الحسن بن هبة الله
الدمشقي) أو الشافعي، منهم رفيقه أبو سعد السمعاني والزكي
المنذري وابن الدبيثي وغيرهم.
(21/405)
الجَبَّار الخُوَارِيّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ
مِنَ البِلاَد، لقيهُم وَالِده، وَلَمْ أَجِدْ لَهُ
حُضُوْراً، وَلاَ لأَبِيْهِ وَعَمِّهِ الصَّائِن.
سَمِعَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ مِنْ: جَمَال
الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ السُّلَمِيّ، وَجدّ أَبِيْهِ
القَاضِي الزَّكِيّ يَحْيَى بن عَلِيٍّ القُرَشِيّ،
وَيَحْيَى بن بِطْرِيْقٍ، وَنَصْر اللهِ بن مُحَمَّدٍ
المصِّيْصِيِّ، وَأَبِي الدُّرّ يَاقُوْت الرُّوْمِيّ،
وَهِبَة اللهِ بن طَاوُوْس، وَأَبِي طَالِبٍ عَلِيّ بن
أَبِي عَقِيْلٍ، وَأَبِي الفُتُوْح أُسَامَة بن مُحَمَّدِ
بنِ زَيْدٍ العَلَوِيِّ، وَأَبِي الكَرَمِ يَحْيَى بن
عَبْدِ الغَفَّارِ عَنْ رِزْق اللهِ، وَخَال أَبِيْهِ
أَبِي المَعَالِي مُحَمَّد بن يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ،
وَنَاصِر بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيّ، وَأَبِي
القَاسِمِ بنِ البُنِّ الأَسَدِيّ، وَالخَضِر بن
الحُسَيْنِ بنِ عَبْدَان، وَعَبْدَان بن زَرِّيْنَ (1)
الدُّوِيْنِيّ، وَيَحْيَى بن سعدُوْنَ القُرْطُبِيّ،
وَالحَافِظ أَبِي سَعْدٍ ابْنِ السَّمَّان، وَأَبِيْهِ؛
أَبِي القَاسِمِ الحَافِظ، فَأَكْثَر إِلَى الغَايَة،
فَإِنَّنِي مَا علمت أَحَداً سَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ أَكْثَر
مِنْ هَذَا الابْنِ، حَتَّى وَلاَ ابْن الإِمَامِ أَحْمَد،
لَعَلَّ القَاسِم سَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ ثَلاَثَة آلاَف
جُزْء.
وَسَمِعَ مِنْ: عَمّه الصَّائِن، وَمِنْ: أَبِي يَعْلَى
ابْنِ الحُبُوْبِيِّ، وَحَمْزَة بن كَرُّوْسٍ، وَعَبْد
الرَّحْمَانِ بن أَبِي الحَسَنِ الدَّارَانِيّ،
وَإِبْرَاهِيْم بن طَاهِرٍ الخُشُوْعِيّ، وَعَبْد
الرَّحْمَانِ بن عَبْدِ اللهِ بنِ الحَسَنِ بنِ أَبِي
الْحَدِيد، وَأَبِي البَرَكَاتِ الخَضِر بن عَبْدٍ
الحَارِثِيّ، وَنَصْر بن أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِل،
وَأَخِيْهِ؛ عَلِيّ بن أَحْمَدَ، وَمُحَمَّد بن
إِبْرَاهِيْمَ بنِ جَعْفَرٍ، وَفَضَائِل بن الحَسَنِ،
وَأَبِي العشَائِر مُحَمَّد بن خَلِيْل، وَالوَزِيْر
الفَلَكِيّ، وَأَبِي نَصْرٍ غَالِب بن أَحْمَدَ، وَنَصْر
بن قَاسم المَقْدِسِيّ المُلَقِّن، وَحُفَّاظ بن الحَسَنِ
الغَسَّانِيّ، وَمَحْفُوْظ بن صَصْرَى التَّغْلِبِيّ،
وَمُحَمَّد بن كَامِلٍ بن دَيْسَمٍ، وَعَلِيّ بن
__________
(1) قال الذهبي في (المشتبه): (رزين - جماعة. وبزاي مفتوحة
ثم مشددة..وعبدان بن زرين الدويني شيخ ابن أبي لقمة) (ص:
315 - 316).
(21/406)
الحُسَيْن بن أَشلِيهَا، وَحَمْزَة بن
الحَسَنِ بنِ مُفَرِّجٍ الأَزْدِيّ، وَأَبِي طَاهِرٍ
رَاشِد بن مُحَمَّدٍ، وَأَبِي الحَسَنِ مُحَمَّد بن عَبْدِ
اللهِ ابْنِ النَّبِيْهِ، وَعَلِيّ بن زَيْدٍ، وَعَلِيّ بن
هِبَةِ اللهِ بنِ خَلْدُوْنَ، وَهِبَة اللهِ بن الْمُسلم
الرَّحَبِيّ، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ الحَرَسْتَانِيّ،
وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
وَهُوَ أَوسع رِوَايَة وَسَمَاعاً مِنْ أَبِي الفَرَجِ
ابْنِ الجَوْزِيِّ، وَلَهُ عَمل جَيِّد، وَلَكِن ابْن
الجَوْزِيّ أَعْلَم مِنْهُ بِكَثِيْر بِالرِّجَال
وَالمتُوْن وَبعدَة فُنُوْن، وَكُلّ مِنْهُمَا لَمْ
يَرْحَلْ، بَلْ قنع أَبُو مُحَمَّد بِبلده وَوَالِده،
وَنَاهيك بِذَلِكَ، وَقنع أَبُو الفَرَجِ بِبَغْدَادَ.
نعم (1) ، وَحَجّ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي سَنَةِ 555،
فَسَمِعَ بِمَكَّةَ مِنْ: مَسْعُوْد بن الحُصَيْنِ،
وَأَحْمَد بن المُقَرِّبِ، وَأَبِي النَّجِيْب
السُّهْرَوَرْدِيّ، وَفَخْرِ النِّسَاءِ شُهْدَة.
وَسَمِعَ بِمِصْرَ، وَحَدَّثَ بِهَا، وَبِالحِجَاز،
وَبَيْت المَقْدِسِ، وَدِمَشْق.
وَكَتَبَ مَا لاَ يُوْصَف كَثْرَة بِخَطِّهِ العَدِيْم
الجوْدَة، وَأَملَى، وَصَنَّفَ، وَنُعِتَ بِالحِفْظ
وَالفهمِ، وَلَكِنّ خطّه نَادر النَّقْط وَالشّكل.
جمع كِتَاباً كَبِيْراً فِي الجِهَادِ، وَمَا قَصَّر
فِيْهِ، وَمُجَلَّداً فِي فَضَائِل القُدْس، وَمُجَلَّداً
فِي المَنَاسِك، وَكِتَاباً فِي مَنْ حَدَّثَ بِمَدَائِنِ
الشَّامِ وَقُرَاهَا، وَخَرَّجَ لِنَفْسِهِ مُوَافقَات
وَأَبَدَالاً وَسُبَاعِيَات، وَأَملَى عِدَّة مَجَالِس،
وَرَوَى الكَثِيْر، وَتَفَرَّد بِأَشيَاء عَالية.
ذكره العِزُّ النَّسَّابَةُ، فَقَالَ: كَانَ أَحَبَّ مَا
إِلَيْهِ المُزَاحُ.
__________
(1) هذا من أسلوب الذهبي الشائع ويريد به استدراكا على
قوله أولا إنه لم يرحل وإنه قنع ببلده ووالده.
(21/407)
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ (1) : هُوَ ثِقَةٌ،
لَكِنّ خطّه لاَ يُشبِه خطّ أَهْل الضَّبْط.
وَذَكَرَ المُحَدِّث عَبْد الرَّحْمَانِ بن مُقَرّبٍ، عَنْ
نَدَى العُرضِيّ، قَالَ:
قَرَأْتُ عَلَى بَهَاء الدِّيْنِ القَاسِمِ، فَقُلْتُ:
عَنِ ابْنِ لَهِيْعَة، فَردّ عليّ بِالضمِّ (2) !
قُلْتُ: ذكر مُحَدِّث (3) أَنَّهُ اجْتَمَع بِالمَدِيْنَةِ
بِبَهَاء الدِّيْنِ القَاسِم، فَسَأَلَهُ أَنْ يُحَدِّثهُ،
فَرَوَى لَهُ مِنْ حِفْظِهِ أَحَادِيْث، ثُمَّ ذَكَرَ
أَنَّهُ قَابل تِلْكَ الأَحَادِيْث بِأَصلهَا، فَوَافَقت،
وَبمثل هَذَا يُوْصَف المُحَدِّث فِي زَمَانِنَا
بِالحِفْظ.
وَبَلَغَنِي: أَنَّ الحَافِظ بَهَاء الدِّيْنِ وَلِي بَعْد
أَبِيْهِ مَشْيَخة النّورِيَّة، فَمَا تَنَاول مِنَ
الجَامكيَّة شَيْئاً، بَلْ كَانَ يُعْطِيه لِمَنْ يَرحل
فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى، وَأَبُو
الحَسَنِ بنُ المُفَضَّلِ، وَعَبْد القَادِرِ
الرُّهَاوِيّ، وَيُوْسُف بن خَلِيْل، وَوَلَده؛ عِمَاد
الدِّيْنِ عَلِيّ بن القَاسِمِ، وَأَبُو الطَّاهِرِ ابْنُ
الأَنْمَاطِيِّ، وَالتَّاج القُرْطُبِيّ، وَفتَاهُ فَرَج،
وَالتَّقِيّ اليَلْدَانِيّ، وَالشِّهَاب القُوْصِيّ،
وَعَبْد الغَنِيِّ بن بَنِينَ، وَبَدَل بن أَبِي
المُعَمَّر التَّبْرِيْزِيّ، وَالزَّيْن خَالِد بن
يُوْسُفَ، وَالمَجْد مُحَمَّد بن عَسَاكِرَ، وَالتَّقِيّ
__________
(1) (التقييد)، الورقة: 194 وأصل العبارة فيه: (وكان ثقة
في الحديث مكرما للفقراء، وكتب كثيرا إلا أن خطه لا يشبه
خط أهل الضبط والإتقان)
(2) يعني ضم اللام من لهيعة.
(3) هذا المحدث هو أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي
المتوفى سنة 611، وقد روى هذه الحكاية لتلميذه الحافظ أبي
محمد عبد العظيم المنذري حينما سأله: أقول حدثنا القاسم بن
علي الحافظ بالكسر نسبة إلى والده ؟ فقال له أبو الحسن
المقدسي: بالضم فإني اجتمعت به بالمدينة فأملى علي..الخ
(تاريخ الإسلام، الورقة: 278 أحمد الثالث 2917 / 14).
وقال المنذري في ترجمته من (التكملة): (ولقيه شيخنا الحافظ
أبو الحسن المقدسي بالحجاز وكان يذكره بالحفظ وكان القاسم
أيضا يثني على شيخنا)
(21/408)
إِسْمَاعِيْل بن أَبِي اليُسْرِ،
وَالنُّشْبِيّ، وَوَلَده (1) أَبُو بَكْرٍ، وَالكَمَال
عَبْد العَزِيْزِ بن عَبْدِ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن زَين
الأُمَنَاءِ، وَفرَاس بن عَلِيٍّ العَسْقَلاَنِيّ،
وَعِمَاد الدِّيْنِ عَبْد الكَرِيْمِ بن الحرستَانِيُّ،
وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَة: أَحْمَد بن سَلاَمَةَ الحَدَّاد، وَأَبُو
الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَطَائِفَة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، وَابْن سَلاَمَةَ كِتَابَةً،
عَنِ القَاسِمِ بن عَلِيٍّ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا أَبُو
المُفَضَّل يَحْيَى بن عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا حَيْدَرَة بن
عَلِيٍّ المُعَبِّر، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ
حَذْلَم، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنِي عُقْبَة
بن مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
عَنِ الحَكَمِ، عَنْ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ، عَنْ مَرْوَانَ
بنِ الحَكَمِ:
شَهِدت عَلِيّاً وَعُثْمَان بَيْنَ مَكَّة وَالمَدِيْنَة،
وَعُثْمَان يَنْهَى عَنِ المتعَة، وَأَنْ لاَ يُجْمَع
بَيْنهُمَا، وَأَبَى عَلِيٌّ ذَلِكَ، أَهَلَّ بِهِمَا،
فَقَالَ: لبّيك بعُمْرَة وَحجَّة مَعاً.
فَقَالَ عُثْمَانُ: أَنْهَى النَّاسَ، وَأَنْت تَفْعَلُه؟!
فَقَالَ: لَمْ أَكن أَدع سُنَّة رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِقَوْل أَحَد مِنَ النَّاس.
أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ (2) ، وَفِيْهِ: أَن مَذْهَب
الإِمَام عَلِيّ كَانَ يَرَى مُخَالَفَة وَلِيّ
__________
(1) يعني ولد النشبي، وهو أبو بكر محمد بن علي بن المظفر
بن القاسم النشبي الدمشقي، وقد تكلمنا عليهم فيما مر.
(2) قال شعيب: 5 / 148 في الحج: باب القران، من طريق إسحاق
بن إبراهيم، عن أبي عامر، عن شعبة بهذا الإسناد، ورجاله
ثقات.
وأخرج أحمد 1 / 92 بإسناد قوي عن عبد الله بن الزبير، قال:
والله إنا لمع عثمان بن عفان بالجحفة ومعه رهط من أهل
الشام فيهم حبيب بن مسلمة الفهري إذ قال عثمان - وذكر له
التمتع بالعمرة إلى الحج -: إن أتم للحج والعمرة أن لا
يكونا في أشهر الحج، فلو أخرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا
البيت زورتين، كان أفضل، فإن الله تعالى قد وسع في الخير،
وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في بطن الوادي يعلف بعيرا،
قال: فبلغه الذي قال عثمان، فأقبل حتى وقف على عثمان،
فقال: أعمدت إلى سنة سنها رسول الله صلى الله عليه =
(21/409)
الأَمْر لأَجْل متَابعَة السُّنَّة،
وَهَذَا حسن لِمَنْ قَوِيَ، وَلَمْ يُؤْذِهِ إِمَامه،
فَإِنْ آذَاهُ، فَلَهُ ترك السّنَّة، وَلَيْسَ لَهُ ترك
الْفَرْض، إِلاَّ أَنْ يَخَافَ السَّيْفَ.
أَخْبَرَنِي ابْنُ رَافِعٍ: أَنَّهُ قرَأَ بِخَطِّ عِمَاد
الدِّيْنِ عَلِيّ بن القَاسِمِ الحَافِظ تَرْجَمَة
لأَبِيْهِ (1) ، فَقَالَ:
كَانَ وَالِدِي بَهَاء الدِّيْنِ مِنَ الأَئِمَّةِ
وَالعُلَمَاء حِيْنَ بلغَ حدّ السَّمْعِ، سَمَّعَهُ
عَمَّاهُ الحَافِظُ أَبُو الحُسَيْنِ، وَأَبُو عَبْدِ
اللهِ مُحَمَّدُ مِنَ المَشَايِخ الأَعيَان، ثُمَّ قَدِمَ
أَبُوْهُ -يَعْنِي مِنَ الرّحلَة- سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَثَلاَثِيْنَ (2) ، فَأَسْمَعَهُ...، إِلَى أَنْ قَالَ:
فَتَقْرُبُ عِدَّةُ مَشَايِخه مِنْ مائَة شَيْخ، تَفَرَّد
بِالرِّوَايَة عَنْ أَكْثَرِهِم، وَلَمْ يَزَلْ يَسْمَعُ،
وَيَكْتُب، وَيُؤَلِّف.
قَالَ: وَحَجّ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ، فَسَمِعَ
بِمَكَّةَ...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَلَوْلاَ تَبييضُه لِكِتَابِ التَّارِيْخ، وَنقله مِنَ
المسوّدَة، لَمَّا قدر الشَّيْخ الكَبِيْر -يَعْنِي
وَالِده- عَلَى إِتقَانه، وَلاَ جَوَّده، فَإِنَّهُ حِيْنَ
فَرغ مِنْ تَسْوِيده، عجز عَنْ نَقله، وَتَجديده، وَضَبْطِ
مَا فِيْهِ مِنَ المشْكِلِ، وَتَحدِيده، كَأنَّ نَظره قَدْ
كَلَّ، وَبصره قَدْ قلّ، فَلَمْ يَزَلْ وَالِدِي يَكتب،
وَيَنْقله مِنَ الأَورَاق الصّغَار وَالظُهُوْر، وَيهذّب
إِلَى أَنْ نَجز مِنْهُ نَحْو مائَة وَخَمْسِيْنَ جُزْءاً،
وَكَأنَّ بَيْنَهُمَا نَفرَة، فَكَانَ لاَ يَحضر السَّمَاع
تِلْكَ المُدَّة، فَحكَى لِي وَالِدِي، قَالَ:
ضَاق صَدْرِي، فَأَتَيْتُ الوَالِد لَيْلَة النِّصْف فِي
المنَارَة الشَّرْقِيَّة، وَزَال مَا فِي قَلْبه.
وَسَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ القُرْطُبِيّ كَثِيْراً
يَقُوْلُ: عِنْد غَيبَة وَالِدك عَنْهُ: جزَاهُ الله
عَنِّي خَيراً، فَلولاَهُ مَا تَمّ التَّارِيْخ، هَذَا
أَوْ مَعْنَاهُ.
__________
= وسلم ورخصة رخص الله تعالى بها للعباد في كتابه، تضيق
عليهم فيها، وتنهى عنها، وقد كانت لذي الحاجة ولنائي
الدار، ثم أهل بحجة وعمرة معا، فأقبل عثمان على الناس رضي
الله عنه، فقال: وهل نهيت عنها ؟ إني لم أنه عنها، إنما
كان رأيا أشرت به، فمن شاء أخذ به، ومن شاء تركه.
(1) نقل منها أيضا ابن نقطة في (التقييد).
(2) هذه هي رحلته الثانية وكانت مخصصة لمشرق العالم
الإسلامي وقد مر ببغداد عند رجوعه فمكث فيها قليلا (انظر:
ابن عساكر في بغداد، للدكتور بشار عواد معروف).
(21/410)
قُلْتُ: يُقَالُ: إِنَّ الحَافِظ أَبَا
القَاسِمِ حَلَفَ أَنَّهُ لاَيُكَلِّم ابْنَهُ حَتَّى
يَكتبَ التَّارِيْخَ، فَكَتَبَهُ، وَلَمَّا عَمل بَهَاءُ
الدِّيْنِ كِتَاب (الجِهَاد) سَمِعَهُ مِنْهُ كُلّه
السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ فِي سَنَةِ سِتٍّ
وَسَبْعِيْنَ.
قَالَ: فَدعوت فِي أَوله وَآخره بِفَتح بَيْت المَقْدِسِ،
فَاسْتجَاب الله ذَلِكَ، وَلَهُ الْحَمد، وَفتح بَيْت
المَقْدِسِ فِي السَّادِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَجَب،
سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَأَنَا
حَاضِرٌ فَتحه.
تُوُفِّيَ الحَافِظ بَهَاء الدِّيْنِ: فِي تَاسع صفر،
سَنَة سِتّ مائَة، وَكَانَتْ جِنَازَته مَشْهُوْدَة.
208
- شُمَيْمٌ * أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ (1) بنُ الحَسَنِ بنِ
عَنْتَرَ الحِلِّيُّ
الأَدِيْبُ.
شَاعِرٌ، لغوِيٌّ، مُتَقَعِّرٌ، رقيعٌ، أَحْمَقُ، قَلِيْلُ
الخَيْر.
لَهُ عِدَّةُ تَوَالِيف أَدبيَّة، فِيْهَا الغثُّ
وَالسَّمِينُ.
__________
(*) ترجمه ياقوت في إرشاد الاريب: 5 / 129، وابن الدبيثي
في تاريخه، الورقة: 137 من مجلد كيمبرج، وابن النجار في
التاريخ المجدد، الورقة: 102 - 112 ظاهرية، والقفطي في
إنباه الرواة: 2 / 243، والمنذري في التكملة، الترجمة:
883، وأبو شامة في الذيل: 52، وابن الساعي في الجامع: 9 /
157، وابن خلكان في الوفيات: 3 / 339، وابن سعيد في
الغصون: 5، والذهبي في تاريخ الإسلام: م 18 ق 1 ص: 68
(تحقيق الدكتور بشار)، والعبر: 5 / 2، وابن مكتوم في
التلخيص، الورقة: 133، والصفدي في الوافي: 12 / الورقة:
30، وابن كثير في البداية: 13 / 41، والدلجي في الفلاكة:
90، وابن قاضي شهبة في طبقات النحاة، الورقة: 208، وابن
الفرات في تاريخه: 9 / الورقة: 14، والسيوطي في البغية: 2
/ 156، وابن العماد في الشذرات: 5 / 4 وغيرهم.
(1) في الأصل (الحسن بن علي) وهو وهم جدواضح من الناسخ
صححناه من كتب الذهبي الأخرى ومصادر ترجمته المذكورة.
(21/411)
كَانَ كَثِيْرَ الدّعَاوَى، مُقيم الفُشَار
(1) ، يَشتم أَبَا تَمَّامٍ وَأَبَا العَلاَءِ، وَيزرِي
بِامْرِئِ القَيْسِ، فَهُوَ فِي عدَاد مَجَانِيْنِ
الفُضَلاَءِ.
حطّ عَلَيْهِ ابْن المُسْتوفِي وَابْن النَّجَّارِ
وَغَيْرهُمَا، وَأَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّم فِي
الأَنْبِيَاء، وَيستخفّ بِمعجزَاتِهِم، وَأَنَّهُ عَارض
القُرْآن، وَكَانَ إِذَا تلاَهُ، يَخشع وَيسجد فِيْهِ.
أَخَذَ عَنْ: ملك النُّحَاة أَبِي نزَار، وَعَنِ ابْنِ
الخَشَّاب.
وَأَلّفَ (حمَاسَة) مِنْ أَشعَاره خَاصَّة، وَيَنْدُرُ
لَهُ المَعْنَى الجيّد، وَلَعلَّهُ تَابَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتّ مائَةٍ بِالمَوْصِل،
عَنْ أَزْيَدَ مِنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً.
209 - بِنْتُ سَعْدِ الخَيْرِ، فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي
الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيِّ *
الشَّيْخَةُ، الجَلِيْلَةُ، المُسْنِدَةُ، أُمُّ عَبْدِ
الكَرِيْمِ فَاطِمَةُ بِنْتُ المُحَدِّثِ التَّاجِرِ أَبِي
الحَسَنِ سَعْدِ الخَيْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَهْلٍ
الأَنْصَارِيِّ، البَلَنْسِيِّ.
مَوْلِدهَا: بِأَصْبَهَانَ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ
وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَتْ (2) حُضُوْراً فِي الثَّالِثَة مِنْ فَاطِمَة
الجُوْزْدَانِيَّة جُمْلَةً مِنْ
__________
(1) في الأصل: (مقم الفشا) ولعل ما أثبتناه هو الصواب أو
قريب منه * مرت ترجمة زوجها ابن نجية قبل قليل (الترجمة:
199).
وقد ترجم لها ابن الدبيثي في الذيل بدلالة المختصر المحتاج
إليه: 3 / 269، والمنذري في التكملة، الترجمة: 773،
والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 277 (أحمد الثالث 2917
/ 14)، والعبر: 4 / 314 وابن تغري بردي في النجوم: 6 /
187، وابن العماد في الشذرات: 4 / 347، ولها ذكر في تذكرة
الحفاظ للذهبي: 4 / 1369، وتكملة ابن الصابوني: 338.
(2) قال أفقر العباد بشار بن عواد: رأيت سماعها لكتاب
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي مثبتا
بخط والدها الحافظ سعد الخير على نسخة مكتبة البلدية عند
رحلتي إليها سنة 1385، وكان تاريخ السماع سنة 529، ظنا إن
لم يكن يقينا.
(21/412)
(المُعْجَم الكَبِيْر)، وَحَضَرت
بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ عَلَى: هِبَة
اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَزَاهِر بن طَاهِر، وَأَبِي غَالِبٍ
ابْنِ البَنَّاءِ.
وَسَمِعَتْ بَعْدُ مِنْ: أَبِيْهَا، وَمِنْ: هِبَة اللهِ
بن الطَّبَرِ، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَيَحْيَى بن
حُبَيْشٍ الفَارِقِيّ، وَيَحْيَى ابْن البَنَّاءِ، وَأَبِي
مَنْصُوْرٍ القَزَّاز، وَإِسْمَاعِيْل السَّمَرْقَنْدِيّ
(1) ، وَعِدَّة.
وَأَجَازَ لَهَا خلق.
وَحدّثت بِدِمَشْقَ، وَبِمِصْرَ.
تَزوَّج بِهَا الرَّئِيْس زَيْن الدِّيْنِ ابْن نُجَيَّةَ
الوَاعِظ، وَسَكَنَ بِهَا بِدِمَشْقَ، ثُمَّ بِمِصْرَ،
وَرَأَت عِزّاً وَجَاهاً.
حَدَّثَ عَنْهَا: أَبُو مُوْسَى ابْنُ الحَافِظِ، وَعَبْد
الرَّحْمَانِ بن مُقَرّبٍ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ ابْنِ
الوَزَّان الحَنَفِيّ، وَمُحَمَّد ابْن الشَّيْخِ
الشَّاطِبِيّ، وَالحَافِظ الضِّيَاء، وَخَطِيْب مَرْدَا،
وَعَبْد اللهِ بن عَلاَّنَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَرَوَى عَنْهَا بِالإِجَازَةِ: الحَافِظ زَكِيّ الدِّيْنِ
عَبْد العَظِيْمِ، وَقَالَ: تُوُفِّيَت فِي ثَامن رَبِيْع
الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: عَاشت ثَمَانِياً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَأَجَازت
لِشيخنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ سلامَة (2) .
210 - النَّوْقَانِيُّ، أَبُو المَكَارِمِ فَضْلُ اللهِ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو
المَكَارِمِ فَضْلُ اللهِ ابْنُ المُحَدِّثِ
__________
(1) هكذا ولعل الاصح قوله: ابن السمرقندي.
(2) وهو آخر من روى عنها بالاجازة في الدنيا.
صرح الذهبي بذلك في زياداته على (المختصر المحتاج إليه).
(*) ترجمه الذهبي في (تاريخ الإسلام)، الورقة: 277 (أحمد
الثالث 2917 / 14)، والسبكي في (الطبقات): 8 / 348.
(21/413)
العَالِمِ أَبِي سَعِيْدٍ مُحَمَّدِ بنِ
أَحْمَدَ النَّوْقَانِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وَنَوْقَانُ -بِالفَتْح-: وَهِيَ مدينَة صغِيرَة هِيَ
قصبَة طُوْس.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، وَقِيْلَ: سَنَةَ
أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَبَادر أَبُوْهُ، فَأَخَذَ لَهُ الإِجَازَة مِنْ مُحْيِي
السُّنَّةِ أَبِي مُحَمَّدٍ البَغَوِيِّ بِمَرْوِيَّاته.
وَسَمِعَ (الأَرْبَعِيْنَ الصُّغْرَى) لِلْبَيْهَقِيِّ
مِنْ عَبْدِ الجَبَّارِ بن مُحَمَّدٍ الخُوَارِيّ،
وَسَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ (مُسْنَد الشَّافِعِيّ).
وَتَفَقَّهَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى صَاحِب
الغَزَالِيّ، حَتَّى بَرَعَ فِي المَذْهَب، وَدرّس،
وَأَفتَى، وَسَاد، وَتَقدَّمَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو رَشِيْدٍ الغَزَّال، وَغَيْرهُ.
وَأَجَازَ لِلإِمَامِ شَمْس الدِّيْنِ عَبْد الرَّحْمَانِ
بن أَبِي عُمَرَ، وَلِلْفَخْرِ عليّ مَرْوِيَّاته.
قَالَ لَنَا أَبُو العَلاَءِ الفَرَضِيّ: مرِض
بِنَيْسَابُوْرَ، فَحُمِلَ إِلَى نَوْقَانَ، فَمَاتَ
بِهَا، فِي سَنَةِ سِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: نَروِي تَوَالِيف مُحْيِي السُّنَّةِ، عَنِ ابْنِ
أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْر إِجَازَة، عَنْهُ، عَنْ مُحْيِي
السُّنَّةِ.
وَفِيْهَا مَاتَ: العَلاَّمَة أَسَعْد بن مَحْمُوْدٍ
العِجْلِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن عَلِيِّ بنِ وَكَّاسٍ
القَطَّان، وَبقَاء بن عُمَرَ بنِ حُنَّدٍ الأَزَجِيّ،
وَأَبُو الفَرَجِ جَابِر بن مُحَمَّدِ بنِ اللِّحْيَة
الحَمْوِيّ، وَصَاحِب الرُّوْم رُكْن الدِّيْنِ سُلَيْمَان
بن قلج أَرْسَلاَن السَّلْجُوْقِيّ، وَشُجَاع بن مَعَالِي
بن شدقينِي الغَرَّاد، وَالإِمَامُ أَبُو سَعْدٍ ابْنُ
(21/414)
الصَّفَّارِ، وَأَبُو حَامِدٍ عَبْد اللهِ
بن مُسْلِمِ بنِ ثَابِتٍ النَّخَّاس، وَالحَافِظ عَبْد
الغَنِيِّ، وَعَبْد المَلِكِ بن مَوَاهِب الوَرَّاق،
وَالرُّكْن الطَّاوُوْسِيّ صَاحِب الطّرِيقَة بقَزْوِيْن،
وَفَاطِمَة بِنْت سَعْد الخَيْر، وَبَهَاء الدِّيْنِ
القَاسِم ابْن الحَافِظِ، وَمُحَمَّد بن صَافِي
النَّقَّاش، وَضِيَاء الدِّيْنِ مُحَمَّد بن يُوْسُفَ
الآمُلِيّ المُقْرِئ، وَصنعَة الْملك هِبَة اللهِ بن
حَيْدَرَةَ.
211 - الأَرْتَاحِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ
حَمْدِ بنِ حَامِدٍ *
الشَّيْخُ الثِّقَةُ، الصَّالِحُ، الخَيِّرُ، المُسْنِدُ،
أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ ابْنُ الشَّيْخِ الصَّالِحِ
أَبِي الثَّنَاءِ (1) حَمْدِ بنِ حَامِدِ بنِ مُفَرِّجِ
بنِ غِيَاثٍ الأَنْصَارِيُّ، الشَّامِيُّ، الأَرْتَاحِيُّ
(2) ، ثُمَّ المِصْرِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، الأَدَمِيُّ.
وُلِدَ تَقَرِيْباً: سَنَة سَبْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَجَازَ لَهُ مَرْوِيَّاته: أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ
الحُسَيْنِ الفَرَّا سَنَة ثمَانِي عَشْرَةَ، فَرَوَى
بِهَا كَثِيْراً، وَتَفَرَّد بِهَا، وَسَمِعَ فِي كبره
مِنْ: عَلِيِّ بنِ نَصْرٍ الأَرْتَاحِيّ، وَالمُبَارَك
ابْن الطَّبَّاخِ بِمَكَّةَ.
وَهُوَ مِنْ بَيْت القُرْآن، وَالحَدِيْث، وَالصَّلاَح.
__________
(*) ترجم له ياقوت في (أرتاح) من معجم البلدان: 1 / 190،
والمنذري في التكملة، الترجمة: 900، والذهبي في تاريخ
الإسلام: م 18 ق 1 ص: 79 (بتحقيق الدكتور بشار وهو الذي
سنعتمده للمتوفين بين 601 و610)، والعبر: 5 / 2، ودول
الإسلام: 2 / 81، وابن رجب في الذيل: 2 / 38، وابن تغري
بردي في النجوم: 6 / 188، وابن العماد في الشذرات: 5 / 46،
والقنوجي في التاج: 218.
(1) في الأصل: (البناء) وهو وهم ظاهر جدا.
(2) نسبة إلى (أرتاح) حصن من أعمال حلب.
(21/415)
حَدَّثَ عَنْهُ: الحُفَّاظ: عَبْدُ
الغَنِيِّ، وَابْنُ المُفَضَّلِ، وَابْنُ خَلِيْلٍ،
وَالضِّيَاءُ، وَأَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ صَدْر
الدِّيْنِ ابْن دِرْبَاس، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مَكَارِم،
وَالكَمَال الضّرِير، وَالنَّظام عُثْمَان بن عَبْدِ
الرَّحْمَانِ بن رَشِيق، وَالمعين أَحْمَدَ بن زَيْن
الدِّيْنِ، وَالخَطِيْب عَبْد الهَادِي القَيْسِيّ،
وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ مُهَلْهل، وَأَحْمَد بن
حَامِدٍ الأَرْتَاحِيّ، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ إِلَى ابْن بِنْتِهِ وَقَرَابَته لاَحقِ بنِ
عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ قَاسم بن أَحْمَدَ بنِ حَمْدٍ
الأَرْتَاحِيّ، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ لأَحْمَدَ بن أَبِي الخَيْرِ.
قَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاء: كَانَ ثِقَةً، ديِّناً،
ثَبْتاً، حَسَن السِّيْرَةِ، لَمْ نَعلم لَهُ شَيْئاً
عَالِياً سِوَى إِجَازَة الفَرَّاءِ، وَكَانَ لاَ يَمَلُّ
مِنَ التَّسْمِيْعِ -رَحِمَهُ الله-.
قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ (1) : سَمِعْتُ مِنْهُ
بِإِفَادَة أَبِي (2) ، تُوُفِّيَ: فِي العِشْرِيْنَ مِنْ
شَعْبَان، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
(1) (التكملة)، الترجمة: 900
(2) الذي في (التكملة): (وهو أول شيخ سمعت منه الحديث
بإفادة والدي).
(21/416)
|