سير أعلام
النبلاء، ط الحديث السنة التاسعة:
قيل: وفي ربيع الأول بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشا إلى القرطاء، عليهم الضحاك بن
سفيان الكلابي، ومعه الأصيد بن سلمة بن قرط، فلقوهم بالزج،
زج لاوة، فدعوهم إلى الإسلام، فأبوا، فقاتلوهم فهزموهم،
فلحق الأصيد أباه سلمة، فدعاه إلى الإسلام وأعطاه الأمان،
فسبه وسب دينه، فعرقب الأصيد عرقوبي فرسه. ثم جاء رجل من
المسلمين فقتل سلمة، ولم يقتله ابنه.
وفي ربيع الآخر، قيل: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلغه أن ناسا من الحبشة تراآهم أهل
جدة.
فبعث النبي صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز المدلجي في
ثلاث مائة، فانتهى إلى جزيرة في البحر، فهربوا منه.
وفي ربيع الآخر سرية علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-
وأرضاه إلى الفلس؛ صنم طيئ، ليهدمه، في خمسين ومائة رجل من
الأنصار، على مائة بعير وخمسين فرسًا، ومعه راية سوداء،
ولواء أبيض. فشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر،
فهدموا الفلس وخربوه، وملأوا أيديهم من السبي والنعم
والشاء، وفي السبي أخت عدي بن حاتم، وهرب عدي إلى الشام.
وفي هذه الأيام كانت سرية عكاشة بن محصن إلى أرض عذرة.
ذكر هذه السرايا شيخنا الدمياطي في "مختصر السيرة"، وأظنه
أخذه من كلام الواقدي.
وفي رجب: صَلَّى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَبْلَ مسيره إلى تبوك على أصحمة النجاشي، صاحب
الحبشة -رضي الله عنه- وأصحمة بالعربي: عطية. وكان قد آمن
بالله ورسوله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد مات أخ
لكم بالحبشة". فخرج بهم إلى المصلى، وصفهم، وصلى عليه.
قال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة،
قالت: لم مات النجاشي كان يتحدث أَنَّهُ لاَ يَزَالُ يُرَى
عَلَى قَبْرِهِ نُوْرٌ.
"ويكتب هنا الخبر الذي في السيرة قبل إسلام عمر".
(2/157)
وفي رجب غزوة تبوك:
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِم بنِ عُمَرَ، وَعَبْدُ
اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلما كان يخرج في غزوة
إلا أظهر أنه يريد غيرها، إلا غزوة تبوك فإنه قال: أيها
الناس، إني أريد الروم. فأعلمهم. وذلك في شدة الحر وجدب من
البلاد، وحين طابت الثمار؛ والناس يحبون المقام في ثمارهم.
فبينا رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَاتَ يوم في جهازه، إذ قال للجد بن قيس: "يا جد، هل لك في
بنات بني الأصفر"؟. فقال: يا رسول الله، لقد علم قومي أنه
ليس أحد أشد عجبا بالنساء مني، وإني أخاف إن رأيت نساء بني
الأصفر أن يفتنني، فائذن لي يا رسول الله. فأعرض عنه
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَقَالَ: "قد أذنت لك". فنزلت: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ
ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ
سَقَطُوا} [التوبة: 49] ، قال: وقال رجل من المنافقين: {لا
تَنْفِرُوا فِي الْحَر} ، فنزلت {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ
أَشَدُّ حَرًّا} [التوبة: 81] .
ولم ينفق أحد أعظم من نفقة عثمان، وحمل على مائتي بعير.
قال عمرو بن مرزوق: حدثنا السكن بن أبي كريمة، عن الوليد
بن أبي هشام، عن فرقد أبي طلحة، عن عبد الرحمن بن خباب،
قَالَ: شَهِدْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وحث على جيش العسرة، قال: فقام عثمان -رضي الله
عنه- فقال: يا رسول الله، علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها
في سبيل الله. قال: ثم حث ثانية، فقام عثمان فقال: يا رسول
الله، علي مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. ثم
حض، أو قال: حث، الثالثة، فقام عثمان فقال: يا رسول الله،
علي ثلاث مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. قال
عبد الرحمن: أنا شَهِدْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول على المنبر: "ما على عثمان ما
عمل بعد اليوم". أو قال: "بعدها". رواه أبو داود الطيالسي
وغيره، عن السكن بن المغيرة.
وقال ضمرة، عن ابن شوذب، عن عبد الله بن القاسم، عن كثير
مولى عبد الرحمن بن سمرة، عن مولاه، قال: جاء عثمان إلى
النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينارحين جهز جيش العسرة،
ففرغها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يقلبها
ويقول: "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم". قالها مرارا.
وقال بُرَيْدٌ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى،
قَالَ: أرسلني أصحابي إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسأله لهم الحملان، إذ هم معه في جيش
العسرة؛ وهي غزوة تبوك. وذكر الحديث. متفق عليه.
(2/158)
وقال: وَرَوَى عُثْمَانُ بنُ عَطَاءٍ
الخُرَاسَانِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عن عكرمة، عن ابن عباس،
في غزوة تبوك، قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين
بالصدقة والنفقة في سبيل الله، فأنفقوا احتسابا، وأنفق
رجال غير محتسبين. وحمل رجال من فقراء المسلمين، وبقي
أناس. وأفضل ما تصدق به يومئذ أحد عبد الرحمن بن عوف؛ تصدق
بمائتي أوقية، وتصدق عمر بمائة أوقية، وتصدق عاصم الأنصاري
بتسعين وسقا من تمر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد
الرحمن: "هل تركت لأهلك شيئا"؟ قال: نعم، أكثر مما أنفقت
وأطيب. قال: كم؟ ما وعد الله ورسوله من الرزق والخير، رضي
الله عنه.
وقال ابن إسحاق: ثم إن رجالا أتوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهم البكاؤون، وهم سبعة منهم من الأنصار، سالم بن
عمير، وعلبة بن زيد، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، وعمرو
بن الحمام بن الجموح، وعبد الله بن المغفل؛ وبعضهم يقول:
عبد الله بن عمرو المزني؛ وهرم بن عبد الله، والعرباض بن
سارية الفزاري. فاستحملوا رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا أهل حاجة فقال: {لا أَجِدُ
مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ
تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلّا يَجِدُوا مَا
يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92] ، فبلغني أن يامين بن عمرو، لقي
أبا ليلى وعبد الله بن مغفل وهما يبكيان، فقال: ما
يبكيكما؟ فقالا: جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليحملنا، فلم نجد عنده ما يحملنا، وليس عندنا ما نتقوى به
على الخروج، فأعطاهما ناضحا له فارتحلاه وزودهما شيئا من
لبن.
وأما علبة بن زيد فخرج من الليل فصلى ما شاء الله، ثم بكى،
وقال: اللهم إنك قد أمرت بالجهاد ورغبت فيه، ثم لم تجعل
عندي ما أتقوى به، ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه،
وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بها في مال أو
جسد أو عرض. ثم أصبح مع النَّاسَ فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "أين المتصدق هذه الليلة"؟
فلم يقم أحد.
ثم قال: "أين المتصدق؟ فليقم". فقام إليه فأخبره. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبشر، فوالذي نفس محمد
بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة". {وَجَاءَ
الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ}
[التوبة: 90] ، فاعتذروا فلم يعذرهم الله. فذكر أنهم نفر
من بني غفار.
قال: وقد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم النية عَنْ
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى
تخلفوا عن غير شك ولا ارتياب، منهم كعب بن مالك أخو بني
سلمة، ومرارة بن الربيع أحد بني عمرو بن عوف، وهلال بن
أمية أخو بني واقف، وأبو خيثمة أخو بني سالم بن عوف.
وكانوا رهط صدق.
(2/159)
ثم خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الخميس، واستخلف على المدينة
محمد بن مسلمة الأنصاري. فلما خرج ضرب عسكره على ثنية
الوداع، ومعه زيادة على ثلاثين ألفا من الناس. وضرب عبد
الله بن أبي بن سلول عسكره على ذي حدة، عسكره أسفل منه،
وما كان فيما يزعمون بأقل العسكرين. فلما سَارَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تخلف عنه ابن
سلول فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب. وخلف رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بن أبي
طالب على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، فأرجف به المنافقون
وقالوا: ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه. فلما قال ذلك
المنافقون، أخذ علي سلاحه ثم خرج حتى
أُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وهو نازل بالجرف، فقال: يا رسول الله، زعم المنافقون أنك
إنما خلفتني تستثقلني وتخفف مني، قال: "كذبوا، ولكن خلفتك
لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، ألا ترضى
أَنْ تَكُوْنَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُوْنَ مِنْ
مُوْسَى، إلا أنه لا نبي بعدي" فرجع إلى المدينة.
وأخرجا في الصحيحين من حديث الحكم بن عتيبة، عن مصعب بن
سعد، عن أبيه، قال: خلف رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليا في غزوة تبوك، فقال: يا رسول
الله، أتخلفني في النساء والصبيان؟ قال: "أما ترضى أَنْ
تَكُوْنَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُوْنَ مِنْ مُوْسَى، غير
أنه لا نبي بعدي".
ورواه عامر، وإبراهيم، ابنا سعد بن أبي وقاص، عن أبيهما.
قال ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بنُ
سُفْيَانَ، عَنْ محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن
مَسْعُوْدٍ، قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوْكٍ، جَعَلَ لاَ
يَزَالُ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ فَيَقُوْلُوْنَ: يَا
رَسُوْلَ اللهِ، تخلف فلان. فيقول: "دعوه، إن يك فيه خير
فسيلحقه الله بكم، وإن يك غَيْرُ ذَلِكَ فَقَدْ
أَرَاحَكُمُ اللهُ مِنْهُ". حَتَّى قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ
اللهِ، تَخَلَّفَ أَبُو ذَرٍّ وأبطأ به بعيره. فقال:
"دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وَإِنْ يَكُنْ
غَيْرُ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللهُ منه"، فتلوم أبو
ذر بعيره فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ أَخَذَ مَتَاعَهُ
فَجَعَلَهُ عَلَى ظهره، ثم خرج يَتْبَعُ رَسُوْلَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماشيا. ونزل رسول الله
صلى الله عليه وسلم في بعض منازله، ونظر ناظر من المسلمين،
فقال: يا رسول الله، إِنَّ هَذَا لَرَجُلٌ يَمْشِي عَلَى
الطَّرِيْقِ. فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كن
أَبَا ذَرٍّ" فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ القَوْمُ قَالُوا: هُوَ
وَاللهِ أَبُو ذَرٍّ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَرْحَمُ اللهُ أَبَا ذَرٍّ،
يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده". فَضَرَبَ الدَّهْرُ
مِنْ ضَرْبِهِ، وَسُيِّرَ أَبُو ذَرٍّ إلى الربذة، فلما
حضره الموت أوصى امرأته وغلامه: إذا مت فاغسلاني
وَكَفِّنَانِي وَضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيْقِ،
فَأَوَّلُ رَكْبٍ يمرون بكم فقولوا: هذا أبو ذر. فلما مات
فعلوا بِهِ ذَلِكَ. فَاطَّلَعَ رَكْبٌ، فَمَا عَلِمُوا
بِهِ حتى كادت ركائبهم توطأ سريره، فإذا ابن مَسْعُوْدٍ
فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ. فَقَالَ:
(2/160)
ما هذا؟ فقيل: جِنَازَةُ أَبِي ذَرٍّ.
فَاسْتَهَلَّ ابْنُ مَسْعُوْدٍ يَبْكِي، فَقَالَ: صَدَقَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"يَرْحَمُ اللهُ أَبَا ذَرٍّ، يَمْشِي وَحْدَهُ،
وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ" فَنَزَلَ،
فَوَلِيَهُ بِنَفْسِهِ حتى أجنه.
وقال ابن إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي
بَكْرٍ، أَنَّ أبا خيثمة، أحد بني سالم، رجع -بعد مسير
رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما- إلى أهله في يوم حار،
فوجد امرأتين له في حائط قد رشت كل واحدة منهما عريشها،
وبردت له فيه ماء، وهيأت له فيه طعاما، فلما دخل قام على
باب العريش، فقال: رسول الله في الضح والريح والحر، وأنا
في ظل بارد وما بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء، في مالي
مقيم؟ ما هذا بالنصف. ثم قال: لا، والله، لا أدخل عريش
واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم،
فهيئا لي زادا. ففعلتا. ثم قد ناضحه فارتحله. ثم خرج في
طلب رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
حَتَّى أدركه بتبوك حين نزلها. وقد كان أدركه عمير بن وهب
في الطريق فترافقا، حتى إذا دنوا من تبوك، قال أبو خيثمة
لعمير: إن لي ذنبا، تخلف عني حتى أُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ففعل. فسار حتى دنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "كن أبا خيثمة". فقالوا: هو والله أبو خيثمة،
فأقبل وسلم، فقال له: "أولى لك أبا خيثمة". ثم أخبر رسول
الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فقال له خيرًا.
وقال ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ
عُرْوَةَ. وقاله موسى بن عقبة فذكرا نحوا من سياق ابن
إسحاق.
وقال معمر، عبد الله بن محمد بن عقيل: في قوله -تعالى:
{اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَة} [التوبة: 117] قال:
خرجوا في غزوة تبوك، الرجلان والثلاثة على بعير، وخرجوا في
حر شديد، فأصابهم يوما عطش حتى جعلوا ينحرون إبلهم ليعصروا
أكراشها ويشربوا ماءها.
وقال مَالِكُ بنُ مِغْوَل، عَنْ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ،
عن أبي صالح، عن أبي هريرة: كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في مسير، فنفدت أزواد القوم،
حتى هم أحدهم بنحر بعض حمائلهم ...
الحديث. رواه مسلم.
وقال الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أو عن أبي سعيد؛ شك الأعمش؛ قال: لما كان يوم
غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة، فقالوا: يا رسول الله، لو
أذنت لنا فننحر نواضحنا، فأكلنا وادهنا. فقال: "أفعل".
فجاء عمر فقال: يا رسول الله، إن فعلت قل الظهر، ولكن ادع
بفضل أزوادهم، وادع الله لهم فيها بالبركة. فقال: نعم.
فدعا بنطع
(2/161)
فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم. فجعل الرجل
يأتي بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة،
حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير. فَدَعَا رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبركة، ثم قال
لهم: "خذوا في أوعيتكم". حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا
ملأوه، وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "أشهد أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ،
وَأَنِّي رَسُوْلُ الله؛ لا يلقى الله بها عبد غير شاك
فيحجب عن الجنة". أخرجه مسلم.
وقال عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي
هلال، عن عتبة بن أبي عتبة، عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أنه قيل لعمر -رضي الله عنه: حدثنا
من شأن العسرة. فقال: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا
منزلا أصابنا فيه عطش، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن
كان الرجل ليذهب يلتمس الرجل، فلا يرجع حتى يظن أن رقبته
ستنقطع، حتى إن كان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه
ويجعل ما بقي على كبده. فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن
الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع الله لنا. قال: "أتحب
ذلك"؟ قال: نعم. فرفع يديه، فلم يرجعهما حتى قالت السماء
فأظلت ثم سكبت، فملأوا ما معهم. ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها
جازت العسكر. حديث حسن قوي.
وقال مالك، وغيره، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم قال لأصحابه: "لا تدخلوا على هؤلاء القوم
المعذبين، إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا
تدخلوا عليهم، لا يصيبكم مثل ما أصابهم"؛ يعني أصحاب
الحجر.
وقال سليمان بن بلال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قال: لما نزل رسول الله صلى
الله عليه وسلم الحجر، أمرهم أن لا يشربوا من بئرها، ولا
يسقوا منها. فقالوا: قد عجنا منها واستقينا. فأمرهم أن
يطرحوا ذلك العجين ويريقوا ذلك الماء. أخرجهما البخاري,
ولمسلم مثل الأول منهما.
وقال عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عبد
الله: أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحجر، فاستقوا من آبارها وعجنوا به. فأمرهم أن يهريقوا
الماء، ويعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر
التي كانت الناقة ترده. أخرجه مسلم.
وقال مالك، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، أن معاذ بن جبل
أخبره أَنَّهُم خَرَجُوا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلم عام تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ وَبَيْنَ
المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ. قال: فأخر الصلاة يوما، ثم خرج
فصلى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيْعاً، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ
خَرَجَ فصلى المغرب والعشاء جميعا، ثم قال: "إنكم ستأتون
غدا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن
(2/162)
تأتوها حتى يضحي النهار، فمن جاءها فلا يمس
من مائها شيئا حتى آتي. قال: فجئناها وقد سبق إليها رجلان،
والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء. فسألهما رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ مسستما من
مائها شيئا"؟ قالا: نعم. فسبهما، وقال لهما ما شاء الله أن
يقول. ثم غرفوا من العين قليلا قليلا، حتى اجتمع في شيء ثم
غسل رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِيْهِ وجهه، ثم أعاده فيها. فجرت العين بماء كثير، فاستقى
الناس. ثم قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "يوشك يا معاذ، إن طالت بك حياة، أن ترى ما
ههنا قد ملئ جنانا". أخرجه مسلم.
وقال سليمان بن بلال، عن عمرو بن يحيى، عن عباس بن سهل، عن
أبي حميد، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في غزوة تبوك فأتينا وادي القرى،
على حديقة لامرأة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أخرصوها". فخرصناها وخرصها رسول الله صلى الله عليه وسلم
عشرة أوسق، وقال: "احصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله".
فانطلقنا حتى قدمنا تبوك، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "ستهب عليكم الليلة ريح شديدة، فلا يقم فيها أحد
منكم فمن كان له بعير فليشد عقاله". فهبت ريح شديدة، فقام
رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيئ، وجاء ابن العلماء
صاحب أيلة إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بكتاب، وأهدى له بغلة بيضاء، فَكَتَبَ إِلَيْهِ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وأهدى له
بردا. ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى، فَسَأَلَ رَسُوْلَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المرآة عن
حديقتها كم بلغ ثمرها، فقالت: بلغ عشرة أوسق. فقال: "إني
مسرع فمن شاء منكم فليسرع". فخرجنا حتى أشرفنا على
المدينة. فقال: "هذه طابة، وهذا أحد، وهو جبل يحبنا ونحبه"
أخرجه مسلم أطول منه؛ وللبخاري نحوه.
وقال ابن إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي
بَكْرٍ، عن عباس بن سهل: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين مر بالحجر استقوا من
بئرها. فلما راحوا قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تشربوا من مائها، ولا توضأوا منه،
وما كان من عجين عجنتموه منه فاعلفوه الإبل، ولا يخرجن أحد
منكم الليلة إلا ومعه صاحب له". ففعل الناس ما أمرهم، إلا
رجلين من بني ساعدة؛ خرج أحدهما لحاجته والآخر لطلب بعير
له. فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه، وأما الآخر
فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيئ. فأخبر بذلك رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "ألم
أنهكم"؟ ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفي. وأما الآخر فإنه
وصل إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حين قدم من تبوك. هذا مرسل منكر.
وقال ابن وهب: أخبرني معاوية، عن سعيد بن غزوان، عن أبيه:
أنه نزل بتبوك وهو حاج، فإذا رجل مقعد، فسألته عن أمره،
فقال: سأحدثك حديثا فلا تحدث به ما سمعت أني
(2/163)
حي: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل بتبوك إلى نخلة، فقال: "هذه
قبلتنا". ثم صلى إليها. فأقبلت، وأنا غلام، أسعى حتى مررت
بينه وبينها، فقال: "قطع صلاتنا، قطع الله أثره". قال: فما
قمت عليها إلى يومي هذا.
وقال سعيد بن عبد العزيز، عن مولى ليزيد بن نمران، عن يزيد
بن نمران، قال: رأيت مقعدا بتبوك. فقال: مررت بَيْنَ
يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا
على حمار وهو يصلي. فقال: "اللهم اقطع أثره". فما مشيت
عليهما بعد. أخرجهما أبو داود.
وقال يزيد بن هارون: أخبرنا العلاء أبو محمد الثقفي، قال:
سمعت أنس بن مالك، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بتبوك، فطلعت الشمس، بضياء وشعاع
ونور لم أرها طلعت فيما مضى، فأتى جبريل رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "يا جبريل، ما
لي أرى الشمس اليوم طلعت بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت
فيما مضى"؟ فقال: ذاك أن معاوية بن معاوية الليثي مات
بالمدينة اليوم، فبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه.
قال: "وفيم ذاك"؟ قال: كان يكثر قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَد} [الإخلاص:1] ، بالليل والنهار، وفي ممشاه وقيامه
وقعوده، فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه؟
قال: "نعم"، قال: فصلى عليه، ثم رجع. العلاء منكر الحديث
واه. ورواه الحسن الزعفراني، عن يزيد.
وقال يونس بن محمد: حدثنا صدقة بن أبي سهل، عن يونس بن
عبيد، عن الحسن، أن معاوية بن معاوية المزني توفي والنبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوْكٍ،
فأتاه جبريل، فقال: هل لك في جنازة معاوية المزني؟ قال:
"نعم". فقال: هكذا؛ ففرج له عن الجبال والآكام. فَقَامَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي
ومعه جبريل في سبعين ألف ملك، فصلى عليه. فقال: "يا جبريل،
بم بلغ هذا؟ " قال: بكثرة قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد}
[الأخلاص: 1] ، كان يقرؤها قائما وقاعدا وراكبا وماشيا.
مرسل.
وقال ابن جوصا، وعلي بن سعيد الرازي، وأبو الدحداح أحمد بن
محمد -واللفظ له- قالوا: حدثنا نوح بن عمرو بن حوى
السكسكي، قال: حدثنا بقية، قال: حدثنا محمد بن زياد
الألهاني، نا أبي أمامة، قال: نزل جبريل عَلَى رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بتبوك، فقال:
احضر جنازة معاوية بن معاوية المزني. فخرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وهبط جبريل في سبعين ألفا من الملائكة،
فوضع جناحة على الجبال فتواضعت حتى نظروا إلى مكة
والمدينة. فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل
والملائكة. فلما قضى صلاته، قال: "يا جبريل، بم أدرك
معاوية بن معاوية هذه المنزلة من الله؟ " قال: بقراءة:
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} قائما وقاعدا وراكبا وماشيا.
(2/164)
قلت: ما عملت في نوح جرحا، ولكن الحديث
منكر جدا، ما أعلم أحدا تابعه عليه أصلا عن بقية. وقد أورد
ابن حبان حديث العلاء، وقال: حديث منكر لا يتابع عليه.
قال: ولا أحفظ في الصحابة من يقال له: معاوية بن معاوية.
وقد سرق هذا الحديث شيخ من أهل الشام، ورواه عن بَقِيَّةُ،
عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
الباهلي.
وقال عثمان بن الهيثم المؤذن: حدثنا محبوب بن هلال، عَنْ
عَطَاءِ بنِ أَبِي مَيْمُوْنَةَ، عَنْ أَنَسِ، قال: جاء
جبريل فقال: يا محمد، مات معاوية بن معاوية المزني، أفتحب
أن تصلي عليه؟ قال: نعم. فضرب بجناحه فلم يبق من شجرة ولا
أكمة إلا تضعضت له. فصلى عليه وخلفه صفان من الملائكة، في
كل صف سبعون ألف ملك. قلت: "يا جبريل، بم نال هذا؟ " قال:
بحبه {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} يقرؤها قائما وقاعدا
وذاهبا وجائيا، وعلى كل حال.
محبوب مجهول، لا يتابع على هذا.
وقال البكائي: قال ابن إسحاق: فلما أصبح الناس، يعني من
يوم الحجر، ولا ماء معهم، دَعَا رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسل الله سحابة فأمطرت حتى
ارتوى الناس. فحدثني عاصم، قال: قلت لمحمود بن لبيد: هل
كان الناس يعرفون النفاق فيهم؟ قال: نعم والله، لقد أخبرني
رجال من قومي، عن رجل من المنافقين؛ لما كان من أمر الحجر
ما كان؛ ودعا رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِيْنَ دعا فأرسل الله السحابة، فأمطرت. قالوا:
أقبلنا عليه نقول: ويحك، هل بعد هذا شيء؟ قال: سحابة
سائرة.
قال ابن إسحاق: ثم أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فضلت ناقته، فخرج أصحابه في طلبها،
وعند رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَجُلٌ من أصحابه يقال له: عمارة بن حزم، وكان عقبيا
بدريا، وكان في رحله زيد بن اللصيت القينقاعي كان منافقا،
فقال زيد، وهو في رحل عمارة: أليس يزعم محمد أنه نبي،
ويخبركم عن خبر السماء، وهو لا يدري أين نَاقَتَهُ؟
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم،
وعمارة عنده: "إن رجلا قال كذا وكذا. وإني والله ما أعلم
إلا ما علمني الله. وقد دلني الله عليها، وهي في هذا
الوادي في شعب كذا، وقد حبستها شجرة بزمامها". فذهبوا
فجاؤوا بها. فذهب عمارة إلى رحلة، فقال: والله عجب من شيئ
حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا، من مقالة قائل
أخبره الله عنه بكذا وكذا، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة،
ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، زيد والله، قال
هذه المقالة قبل أن تأتي. فأقبل عمارة على زيد يجأ في
عنقه، ويقول: أي عباد الله، إن في رحلي لداهية وما أشعر.
اخرج أي عدو الله من رحلي. فزعم بعضهم أن زيدا تاب بعد
ذلك.
(2/165)
قال ابن إسحاق: وقد كان رهط، منهم وديعة بن
ثابت، ومخشن بن حمير؛ يشيرون إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو منطلق إلى تبوك، فقال
بعضهم لبعض: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم
بعضا؟ والله لكأنا بكم غدا مقرنين في الحبال؛ إرجافا
وترهيبا للمؤمنين. فقال مخشن بن حمير: والله لوددت أني
أقاضي على أن يضرب كل منا مائة جلدة، وأنا ننفلت أن ينزل
فينا قرآن لمقالتكم هذه.
وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فِيْمَا بلغني، لعمار بن ياسر: "أدرك القوم،
فإنهم قد احترقوا، فسلهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى،
قلتم كذا وكذا". فانطلق إليهم عمار، فقال ذلك لهم. فأتوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون. فقال وديعة بن
ثابت: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب. فنزلت:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا
نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ
وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65] ،
فقال مخشن بن حمير: يا رسول الله، قعد بي اسمي واسم أبي.
فكان الذى عفي عنه في هذه الآية مخشن؛ يعني {إِنْ نَعْفُ
عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ} [التوبة: 66] ، فتسمى عبد
الرحمن، فسأل الله أن يقتله شهيدا لا يعلم بمكانه. فقتل
يوم اليمامة ولم يوجد له أثر.
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، أتاه
يحنة بن رؤبة صاحب أيلة، فصالح رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأعطاه الجزية. وأتاه أهل جرباء وأذرح فأعطوه الجزية.
وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا، فهو عندهم.
وقال موسى بن عقبة: قال ابن شهاب: بَلَغَ رَسُوْلَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوته تلك تبوكا ولم
يتجاوزها. وأقام بضع عشرة ليلة؛ يعني بتبوك.
وقال يحيى بن أبي كثير، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ ثَوْبَان، عن جابر، قال: أقام رسول الله
صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة. أخرجه
أبو داود. وإسناده صحيح.
فائدة: قال ابن إسحاق: أَعْطَى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلُ أيلة بردة مع كتابه،
فاشتراها منهم أبو العباس عبد الله بن محمد -يعني السفاح-
بثلاث مائة دينار.
وقال يونس، عن ابن إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ
أَبِي بَكْرٍ، ويزيد بن رومان: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث خالد بن الوليد إلى
أكيدر بن عبد الملك؛ رجل من كندة، وكان ملكا على دومة وكان
نصرانيا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد: "إنك
ستجده يصيد البقر". فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه منظر
العين في ليلة مقمرة صافية، وهو على سطح ومعه امرأته، فأتت
البقر تحك بقرونها باب القصر. فقالت له امرأته: هل رأيت
مثل هذا قط؟ قال: لا والله. قالت:
(2/166)
فمن يترك مثل هذا؟ قال: لا أحد. فنزل فأمر
بفرسه فأسرج، وركب معه نفر من أهل بيته، فيهم أخوه حسان.
فتلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذته وقتلوا
أخاه، وقدموا به عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحقن دمه وصالحه على الجزية، وأطلقه.
فائدة: قال عبيد الله بن إياد بن لقيط، عن أبيه، عن قيس بن
النعمان السكوني، قال: خرجت خيل رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ بها أكيدر، فأتى
النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: بلغنا أن خيلك انطلقت
فخفت على أرضي، فاكتب لي كتابا فإني مقر بالذي علي. فكتب
له. فأخرج قباء من ديباج مما كان كسرى يكسوهم، فقال: يا
محمد اقبل عني هذا هدية. قال: "ارجع بقبائك فإنه ليس يلبس
هذا أحد إلا حرمه في الآخرة". فشق عليه أن رده. قال:
"فادفعه إلى عمر". فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رسول الله، أحدث
في أمر؟ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى وضع يده، أو
ثوبه، على فيه ثم قال: "ما بعثت به إليك لتلبسه، ولكن
تبيعه وتستعين بثمنه".
وقال ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ
عُرْوَةَ، قال: ولما تَوَجَّهَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قافلا إلى المدينة، بعث خالدا
في أربع مائة وعشرين فارسا إلى أكيدر دومة الجندل، فلما
عهد إليه عهده، قال خالد: يا رسول الله، كيف بدومة الجندل
وفيها أكيدر، وإنما نأتيها في عصابة من المسلمين؟ فقال:
"لعل الله يكفيكه". فسار خالد، حتى إذا دنا من دومة نزل في
أدبارها.
فبينما هو وأصحابه في منزلهم ليلا، إذ أقبلت البقر حتى
جعلت تحتك بباب الحصن، وأكيدر يشرب ويتغنى بين امرأتيه.
فاطلعت إحداهما فرأت البقر، فقالت: لم أر كالليلة في
اللحم.
فثار وركب فرسه، وركب غلمته وأهله، فطلبها. حتى مر بخالد
وأصحابه فأخذوه ومن معه فأوثقوهم. ثم قال خالد لأكيدر:
أرأيت إن أجرتك تفتح لي دومة؟ قال: نعم. فانطلق حتى دنا
منها، فثار أهلها وأرادوا أن يفتحوا له، فأبى عليهم أخوه.
فلما رأى ذلك قال لخالد: أيها الرجل، حلني، فلك الله
لأفتحنها لك، إن أخي لا يفتحها ما علم أني في وثاقك.
فأطلقه خالد، فلما دخل أوثق أخاه وفتحها لخالد، ثم قال:
اصنع ما شئت. فدخل خالد وأصحابه.
ثم قال: يا خالد، إن شئت حكمتك، وإن شئت حكمتني. فقال
خالد: بل نقبل منك ما أعطيت. فأعطاهم ثمان مائة من السبي
وألف بعير وأربع مائة درع وأربع مائة رمح.
وأقبل خالد بأكيدر إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقبل معه يحنة بن رؤبة عظيم أيلة.
فقدم عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وأشفق أن يبعث إليه كما بعث إلى أكيدر، فاجتمعا
عِنْد رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقاضاهما على قضيته؛ على دومة وعلى تبوك وعلى أيلة وعلى
تيماء، وكتب لهم به كتابا، ورجع قافلا إلى المدينة.
(2/167)
ثم ذكر عروة قصة في شأن جماعة من المنافقين
هموا بأذية رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلعه الله على
كيدهم. وذكر بناء مسجد الضرار.
وذكر ابن إسحاق، عن ثقة من بني عمرو بنُ عَوْفٍ: أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقبل من
تبوك حتى نزل بذي أوان؛ بينه وبين المدينة ساعة من نهار.
وكان مسجد الضرار قد أتوه، وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: قد
بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة، وإنا نحب
أن تأتي فتصلي لنا فيه. فقال: إني على جناح سفر، فلو رجعنا
-إن شاء الله- أتيناكم. فلما نزل رسول الله صلى الله عليه
وسلم بذي أوان، أتاه خبر السماء، فدعا مالك بن الدخشم ومعن
بن عدي، فقال: "انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه
وأحرقاه". فخرجنا سريعين حتى دخلاه وفيه أهله فحرقاه
وهدماه وتفرقوا عنه. ونزل فيه من القرآن ما نزل.
وقال أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى الحراني: حدثنا بن
سلمة، عن ابن إسحاق، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بنِ
مُرَّةَ، عَنْ أبي البختري، عن حذيفة، قال: كنت آخذا بخطام
نَاقَةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أقود به، وعمار يسوقه؛ أو قال: عمار يقوده وأنا أسوقه؛ حتى
إذا كنا بالعقبة، فإذا أنا باثني عشر راكبا قد اعترضوه
فيها، فأنبهت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فصرخ بهم
فولوا مدبرين. فقال لَنَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هل عرفتم القوم"؟ قلنا: لا، قد كانوا
ملثمين. قال: "هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة، أرادوا أن
يزحموني في العقبة لأقع". قلنا: يا رسول الله، أولا تبعث
عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم؟ قال: "لا، أكره
أن يتحدث العرب أن محمدا قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله بهم
أقبل عليهم يقتلهم". ثم قال: "اللهم ارمهم بالدبيلة".
قلنا: يا رسول الله، وما الدبيلة؟ قال: "شهاب من نار يقع
على نياط قلب أحدهم فيهلك".
وقال قتادة، عن أبي نضرة، عن قيس بن عباد، في حديث ذكره عن
عمار بن ياسر، أن حذيفة حدثه، عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال: "في أصحابي اثنا عشر منافقا، منهم ثمانية لا
يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط". أخرجه مسلم.
وقال عبد الله بن صالح المصري: حدثنا مُعَاوِيَةَ بنِ
صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طلحة، عن ابن عباس:
{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا} [التوبة:
107] ، قال: أناس بنوا مسجدا فقال لهم أبو عامر: ابنوا
مسجدكم واستمدوا ما استطعتم من قوة وسلاح، فإني ذاهب إلى
قيصر فآتي بجند من الروم، فأخرج محمدا وأصحابه. فلما فرغوا
من مسجدهم أموا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نحب أن
تصلي فيه. فنزلت: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} [التوبة] .
وقال ابن عيينة، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، قال: أذكر
أنا حين قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ من غزوة تبوك، خرجنا مع الصبيان نتلقاه إلى ثنية
الوداع. أخرجه البخاري1.
وقال غير واحد، عن حميد، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رجع من غزوة
تبوك ودنا مِنَ المَدِيْنَةِ، قَالَ: "إِنَّ
بِالمَدِيْنَةِ لأَقْوَاماً مَا سرتم من مسير ولا قطعتم من
واد، إِلاَّ كَانُوا مَعَكُم فِيْهِ". قَالُوا: يَا
رَسُوْلَ الله، وهم بالمدينة؟ قال: "نعم، حبسهم العذر".
أخرجه البخاري2.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4426" حدثنا علي بن عبد الله،
حدثنا سفيان، عن الزهري، به.
2 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 103"، والبخاري "2839" و "4423"،
وابن ماجه "2764" من طرق عن حميد الطويل، به.
(2/168)
أمر الذين خلفوا:
قال شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ:
أَخْبَرَنِي سعيد بن المسيب، أن بني قريظة كانوا حلفاء
لأبي لبابة، فاطلعوا إليه، وهو يدعوهم إلى حكم النبي صلى
الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا لبابة، أتأمرنا أن ننزل؟
فأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح. فأخبر عنه رسول الله صلى
الله عليه وسلم بذلك فقال له: لم تر عيني؟ فَقَالَ لَهُ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أحسبت
أن الله غفل عن يدك حين تشير إليهم بها إلى حلقك"؟ فلبث
حينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عاتب عليه.
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوكا، فتخلف عنه أبو
لبابة فيمن تخلف. فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم
جاءه أبو لبابة يسلم عليه، فأعرض عنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ففزع أبو لبابة، فارتبط بسارية التوبة، التي
عند باب أم سلمة، سبعا بين يوم وليلة، في حر شديد، لا يأكل
فيهن ولا يشرب قطرة. وقال: لا يزال هذا مكانى حتى أفارق
الدنيا أو يتوب الله علي. فلم يزل كذلك حتى ما يسمع الصوت
من الجهد، وَرَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إليه بكرة وعشية. ثم تاب الله عليه
فنودي: إن الله قد تاب عليك. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ليطلق عنه رباطه، فأبى
أن يطلقه عند أحد إِلاَّ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فجاءه فأطلق عنه بيده. فقال أبو لبابة
حين أفاق: يا رسول الله، إني أهجر دار قومي التي أصبت فيها
الذنب، وأنتقل إليك فأساكنك، وإني أنخلع من مالي صدقة إلى
الله ورسوله. فقال: "يجزئ عنك الثلث". فهجر دار قومه وتصدق
بثلث ماله، ثم تاب فلم ير منه بعد ذلك في الإسلام إلا خير،
حتى فارق الدنيا. مرسل.
وقال وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قوله: {اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة:
102] ، قال: هو أبو لبابة، إذ قال لقريظة ما قال، وأشار
إلى حلقه بأن محمدا
(2/169)
يذبحكم إن نزلتم على حكمه. وزعم محمد بن
إسحاق أن ارتباطه كان حينئذ. ولعله ارتبط مرتين.
وقال عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ
بنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طلحة، عن ابن عباس:
{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: 102] ،
قال: كانوا عشرة رهط تخلفوا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي غزوة تبوك. فلما حضر
رُجُوْعِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد، وكان ممر
النبي صلى الله عليه وسلم عليهم. فلما رآهم قال: "من
هؤلاء"؟ قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا
رسول حتى تطلقهم وتعذرهم. قال: "وأنا أقسم بالله لا أطلقهم
ولا أعذرهم، حتى يكون الله هو الذي يطلقهم، رغبوا عني
وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين". فلما بلغهم ذلك قالوا:
ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا فأنزلت:
{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا
صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ
عَلَيْهِمْ} [التوبة: 102] ، و"عسى" من الله واجب.
فلما نزلت، أرسل إليهم فأطلقهم وعذرهم. ونزلت؛ إذ بذلوا
أموالهم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] ، وروى نحوه عطية
العوفي، عن ابن عباس.
وقال عقيل، عن ابن شهاب، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، أن أباه، قال: سمعت
كعبا يحدث حديثه حين تخلف عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك.
قال كعب: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة غزاها قط، إلا في غزوة
تبوك، غير أني تخلفت عن غزوة بدر، ولم يعاتب الله أحدا
تخلف عنها، إنما خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم
وبين عدوهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم ليلة العقبة، وما أحب أن لي بها مشهد بدر،
وإن كانت بدر، يعني أذكر في الناس منها.
وكان من خبري حين تخلفت عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك، أني لم أكن قط
أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة. والله ما
اجتمعت عندي قبلها راحلتان حتى جمعتهما تلك الغزوة. ولم
يَكُنْ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يريد غزوة إلا ورى بغيرها. حتى كانت تلك الغزوة غزاها في
حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعدوا كثيرا، فجلى
للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم، وأخبرهم بوجهه الذي
يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا
يجمعهم كتاب حافظ؛ يريد الديوان. قال كعب: فمل رجل يريد أن
يتغيب إلا ظن سيخفي له
(2/170)
ما لم ينزل فيه وحي. وغزا رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الغزوة حين طابت
الثمار والظلال، فأنا إليها أصعر. فتجهز والمسلمون معه.
وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم ولم أقض شيئا، وأقول في نفسي:
أنا قادر على ذلك إذا أردته. فلم يزل يتمادى بي حتى أستمر
بالناس الجد. فأصبح رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالمُسْلِمُوْنَ معه، ولم أقض من
جهازي شيئا. فقلت: أتجهز بعده يوما أو يومين ثم ألحقهم.
فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا، ثم غدوت ثم
رجعت ولم أقض شيئا. فلم يزل ذلك يتمادي بي حتى أسرعوا
وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم، وليتني فعلت، فلم
يقدر لي ذلك. فكنت إذا خرجت في الناس أحزنني أني لا أرى
إلا رجلا مغموصا من النفاق1؛ أو رجلا ممن عذر الله من
الضعفاء. فلم يذكرني رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بلغ تبوك، قال وهو جالس في
القوم: "ما فعل كعب"؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله،
حبسه براده ينظر في عطفه. فقال له معاذ بن جبل: بئس ما
قلت، والله يا رسول الله ما علمنا إلا خيرا.
فلما بَلَغَنِي أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد توجه قافلا من تبوك، حضرني همي
فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدا؟ وأستعين
على ذلك بكل ذي رأي من أهلي. فلما قيل: أَنَّ رَسُوْلَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أظل قادما زاح
عني بالباطل، وعرفت أني لا أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب،
فأجمعت صدقه. وأصبح قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ
بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس للناس. فلما فعل ذلك جاء
المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة
وثمانين رجلا. فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله.
فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال: تعال.
فجئت أمشي حتى جلست بين يديه. فقال: " ما خلفك؟ ألم تكن
ابتعت ظهرك" فقلت: بلى، يا رسول الله، إني والله لو جلست
عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر،
ولقد أعطيت جدلا، ولكن والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم
حديثا كاذبا ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخط علي، ولئن
حدثتك حديث صدق تجد علي فيه، إني لأرجو عفو الله. لا،
والله ما كان لي من عذر، ووالله ما كنت قط أقوى ولا أيسر
مني حين تخلفت عنك.
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أما هذا فقد صدق، قم حتى يقضي الله فيك". فقمت، وثار رجال
من بني سلمة فقالوا: لا والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا
قبل هذا، أعجزت أن لا تكون
__________
1 مغموصا من النفاق: أي مطعونا في دينه متهما بالنفاق.
(2/171)
أعتذرت إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما أعتذر إليه المخلفون، قد
كان كافيك لذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك.
فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي. ثم
قلت: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، رجلان قالا مثل ما
قلت. وقيل لهما مثل ما قيل لك. فقلت: من هما؟ فقالوا:
مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي. فذكروا
رجلين صالحين قد شهدا بدرا، فيهما أسوة، فمضيت حين ذكروهما
لي.
وَنَهَى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنِ كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، واجتنبنا
الناس وتغيروا لنا، حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي
أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا
وقعدا في بيتهما، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت
أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق، ولا
يكلمني أحد. وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في
مجلسه بعد الصلاة، فأسلم عليه فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه
برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي فأسارقه النظر، فإذا أقبلت
على صلاتي نظر إلي، فإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال
علي ذلك من جفوة المسلمين تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو
ابن عمي وأحب الناس إلي؛ فسلمت عليه، فوالله ما رد. فقلت:
يا أبا قتادة، أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟
قال: فسكت، فعدت له فسكت، فناشدته الثالثة، فقال: الله
ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار.
قال: فبينا أنا أمشي بسوق المدينة، إذا نبطي من أنباط
الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على
كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له إلي. حتى إذا جاءني دفع
إلي كتابا من ملك غسان؛ وكنت كاتبا؛ فإذا فيه: أما بعد،
فقد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا
مضيعة، فالحق بنا نواسك. وهذا أيضا من البلاء، فتيممت به
التنور فسجرته به، حتى إذا مضى لنا أربعون ليلة من الخميس
إذا رسول رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرك أن تعتزل امرأتك. فقلت: أطلقها أم
ماذا أفعل بها؟ فقال: لا، بل اعتزلها فلا تقربنها. وأرسل
إلي صاحبي بمثل ذلك. فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني
عندهم حتى يقضي الله هذا الأمر.
قال كعب: فجاءت امرأة هلال رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقالت: إن هلالا شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟
فقال: لا، ولكن لا يقربنك. قالت: إنه والله ما به حركة إلى
شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومي
هذا. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله في امرأتك؟
فقلت: لا والله، وما يدريني ما يقول لِي رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ استأذنته فيها،
وأنا رجل شاب. فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون
ليلة. فلما
(2/172)
أن صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا
على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التى ذكر
الله منا؛ قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت؛
سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع: يا كعب بن مالك، أبشر.
فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء الفرج.
وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا، حين
صلى صلاة الفجر. فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي
مبشرون. وركض رجل إلي فرسا، وسعى ساع من أسلم فأوفى على
الجبل، وكان الصوت أسرع إلي من الفرس. فلما جاءني الذي
سمعت صوته يبشرني، نزعت ثوبي فكسوتهما إياه ببشراه، ووالله
ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت
إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة؛ يقولون: ليهنك
توبة الله عليك. حتى دخلت المسجد، فقام إلي طلحة بن عبيد
الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إلي رجل من
المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة. وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يبرق وجهه بالسرور:
"أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك". قلت: أمن عندك يا
رسول الله أم من عند الله؟ قال: "لا، بل من عند الله".
وكان رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِذَا بشر ببشارة يبرق وجهه كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك
منه. فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله: إن من توبتي
أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى الرسول. قال: "أمسك
بعض مالك فهو خير لك". فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر.
وقلت: يا رسول الله، إن الله إنما نجاني بالصدق، وإن من
توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت. فوالله ما أعلم أحدا
من المسلمين ابتلاه الله -تعالى- في صدق الحديث أحسن مما
ابتلاني، ما تعمدت مذ ذكرت ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذبًا، وإني لأرجو أن يحفظني
الله فيما بقي. وأنزل الله -تعالى- على رسوله: {لَقَدْ
تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ} إلى قوله: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا
مَعَ الصَّادِقِين} [التوبة: 117- 119] ، فوالله ما أنعم
الله علي من نعمة، بعد أن هداني للإسلام، أعظم في نفسي من
صدقي رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَئِذٍ، أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوه،
فإن الله -تعالى- قال للذين كذبوه، حين نزل الوحي، شر ما
قال لأحد قال: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا
انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ
فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ
جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، يَحْلِفُونَ
لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ
فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}
[التوبة: 95، 96] .
قال كعب: وكنا خلفنا -أيها الثلاثة- عن أمر أولئك الذين
قبل منهم رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِيْنَ حلفوا له، وأرجأ أمرنا حتى قضى الله فيه.
فبذلك قال -تعالى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ
خُلِّفُوا} [التوبة: 118] ، وليس الذي ذكر الله تخلفنا عن
الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن تخلف
واعتذر، فقبل مِنْهُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. متفق عليه.
(2/173)
موت عبد الله بن أبي:
قال يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ:
حَدَّثَنِي الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد، قال: دَخَلَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
عبد الله بن أبي يعوده في مرضه الذي مات فيه، فلما عرف فيه
الموت، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "أما والله إن كنت لأنهاك عن حب يهود". فقال:
قد أبغضهم أسعد بن زرارة، فمه؟
وقال الواقدي: مرض عبد الله بن أبي بن سلول في أواخر شوال،
ومات في ذي القعدة، وكان مرضه عشرين ليلة. فكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يعوده فيها. فلما كان اليوم الذي مات
فيه، دخل عَلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وهو يجود بنفسه، فقال: "قد نهيتك عن حب يهود".
فقال: قد أبغضهم أسعد فما نفعه؟ ثم قال: يا رسول الله، ليس
هذا بحين عتاب، هو الموت، فإن مت فاحضر غسلي، وأعطني قميصك
أكفن فيه، وصل علي واستغفر لي.
هذا حديث معضل واه، لو أسنده الواقدي لما نفع، فكيف وهو
بلا إسناد؟
وقال ابن عيينة، عن ابن عمرو، عن جابر، قال: أُتِيَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبر عبد
الله بن أبي بعدما أدخل حفرته فأمر به فأخرج، فوضع على
ركبتيه، أو فخذيه، فنفث عليه من ريقه وألبسه قميصه. والله
أعلم. متفق عليه.
وقال أبو أسامة، وغيره: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ
عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابن عمر، قال: لما توفي عبد
الله بن أبي، أتى ابنه عبد الله بن عَبْدَ اللهِ إِلَى
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله
أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه، فأعطاه. ثم سأله أن يصلي عليه؛
فَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُصَلِّي عليه، فقام عمر فأخذ ثوبه، فقال: يا رسول الله،
أتصلي عليه وقد نهاك الله عنه؟ قال: إن ربي خيرني، فقال:
{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ
تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ
اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] ، وسأزيد على السبعين. فقال:
إنه منافق. قال: فصلى عَلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَلا
تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ
عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}
[التوبة: 84] ، متفق عليه.
(2/174)
وفيها: قتل عروة بن مسعود الثقفي، وكان
سيدا شريفا من عقلاء العرب ودهاتهم، دعا قومه إلى الإسلام
فقتلوه. فيروى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: "مثله مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى الله
فقتلوه".
وفيها: توفيت السيدة أم كلثوم بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، زوجة عثمان، رضي الله
عنهما.
وفيها: توفي عبد الله ذو البجادين -رضي الله عنه- ودفن
بتبوك، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليه
ونزل في حفرته، وأسنده في لحده. وقال: "اللهم إني أمسيت
عنه راضيًا، فارض عنه".
وقال محمد بن إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: كان عبد الله ذو
البجادين من مزينة. وكان يتيما في حجر عمه، وكان يحسن
إليه. فلما بلغه أنه قد أسلم، قال: لئن فعلت لأنزعن منك
جميع ما أعطيتك. قال: فإني مسلم. فنزع كل شيء أعطاه، حتى
جرده ثوبه، فأتى أمه، فقطعت بجادا لها باثنين، فاتزر نصفا
وارتدى نصفا، ولزم باب رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ يرفع صوته بالقرآن والذكر.
وتوفي فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
وفيها: قدم وفد ثقيف من الطائف، فأسلموا بعد تبوك، وكتب
لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا.
وفيها بعد مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك، مات
سهيل، أخو سهل بن بيضاء، وهي أمهما، وأسمها دعد بنت جحدم،
وأما أبوه فوهب بن ربيعة الفهري. ولسهيل صحبة ورواية حديث،
وهو حديث يحيى بن أيوب المصري، عَنِ ابْنُ الهَادِ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ سعيد بن الصلت، عن سهيل
بن بيضاء، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: "من مات يشهد أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ". وليحيى بن سعيد الأنصاري، عن
محمد بن إبراهيم، نحوه.
وأما الدراوردي، فقال: عَنِ ابْنُ الهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ
بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ سعيد بن الصلت، عن عبد الله بن
أنيس. وهذا متصل عن سهيل، إذ سعيد بن الصلت تابعي كبير لا
يمكنه أن يسمع من سهيل، ولو سمع منه لسمع من النبي صلى
الله عليه وسلم، ولكان صحابيا، لكن المرسل أشهر.
وكان سهيل بن بيضاء من السابقين الأولين، شهد بدرا وغيرها.
وكذلك أخوه سهل، وقد توفي أيضا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال عبد الوهاب بن عطاء: أخبرنا حميد، عن أنس، قال: كان
أبو عبيدة، وأبي بن كعب، وسهيل بن بيضاء، عند أبي طلحة،
وأنا أسقيهم، حتى كاد الشراب أن يأخذ فيهم.
(2/175)
ثم ذكر تحريم الخمر بطوله.
وقال ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بنِ
عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،
عَنْ عائشة، قالت لما توفي سعد: أدخلوه المسجد حتى أصلي
عليه، فأنكر ذلك عليها، فقالت: والله لقد صَلَّى رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابني بيضاء
في المسجد سهيل وسهل.
وقال فيه غير الضحاك: ما أسرع ما نسوا؛ لقد صلى على سهيل
بن بيضاء في المسجد.
وفيها: توفي زيد بن سعية؛ بالياء، وبالنون أشهر؛ وهو أحد
الأحبار الذين أسلموا.
وكان كثير العلم والمال. وخبر إسلامه رواه الوليد بن مسلم،
عن محمد بن حمزة بن يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
سَلاَمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ،
قَالَ: لما أراد الله هدى زيد بن سعنة، قال: ما من علامات
النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد حين نظرت إليه، إلا
شيئين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل
إلا حلما. وذكر الحديث بطوله. وهو في الطوالات للطبراني،
وآخره: فقال زيد: أشهد أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ،
وَأَنَّ مُحَمَّداً عبده ورسوله. وآمن به وبايعه، وشهد معه
مشاهد، وتوفي في غزوة تبوك مقبلا غير مدبر.
والحديث غريب، من الأفراد.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وفيها قتلت فارس ملكهم
شهرابرز بن شيرويه، وملكوا عليهم بوران بنت كسرى، وبلغ
ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".
وفيها: توفي عبد الله بن سعد بن سفيان الأنصاري، من بني
سالم بن عوف، كنيته أبو سعد. شهد أحدا والمشاهد. وتوفي
منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك، فيقال: إن النبي
صلى الله عليه وسلم كفنه في قميصه.
وفي هذه المدة: توفي زيد بن مهلهل بن زيد أبو مكنف الطائي،
فارس طيئ. وهو أحد المؤلفة قلوبهم، أعطاه النبي صلى الله
عليه وسلم مائة من الإبل، وكتب له بإقطاع. وكان يدعى زيد
الخيل.
فَسَمَّاهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ زيد الخير. ثم إنه رجع إلى قومه فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ ينج
زيد من حمى المدينة". فلما انتهى إلى نجد أصابته الحمى
ومات.
وفيها: حج بالناس أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بعثه
النبي صلى الله عليه وسلم على الموسم في أواخر ذي القعدة
ليقيم للمسلمين حجهم. فنزلت: {بَرَاءَة} [التوبة: 1] ، إثر
خروجه.
وفي أولها نقض ما بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين
المشركين من العهد الذي كانوا عليه.
(2/176)
قال ابن إسحاق: فخرج علي -رضي الله عنه-
على نَاقَةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ العضباء، حتى أدرك أبا بكر -رضي الله عنه-
بالطريق. فلما رآه أبو بكر، قال: أميرا أو مأمور؟ قال: لا،
بل مأمور. ثم مضيا. فأقام أبو بكر للناس حجهم، حتى إذا كان
يوم النحر، قام علي عند الجمرة فأذن في الناس بالذي
أَمَّرَهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أيها الناس، إنه لا يدخل الجنة إلا
نفس مسلمة، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت
عريان، ومن كان له عهد عِنْد رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ له إلى مدته. وأجل
الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم، ليرجع كل قوم إلى
مأمنهم من بلادهم، ثم لا عهد لمشرك".
وقال عقيل، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، أن أبا هريرة، قال: بعثني أبو بكر في تلك
الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج
بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.
قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم
بعلي بن أبي طالب فأمره أن يؤذن ببراءة. قال: فأذن معنا
على في أهل منى يوم النحر ببراءة، أَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ
العَامِ مُشْرِكٌ وَلاَ يطوف بالبيت عريان. أخرجه البخاري.
وأخرجاه من حديث يونس، عن الزهري.
وقال سفيان بن حسين، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أبا بكر وأتبعه عليا. فذكر الحديث.
وفيه: فكان علي ينادي بها، فإذا بح قام أبو هريرة فنادى
بها.
وقال أبو إسحاق السبيعي، عن زيد بن يثيع، قال: سألنا عليا
-رضي الله عنه: بأي شيء بعثت في ذي الحجة؟ قال: بعثت
بأربع: لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت
عريان، ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامه
هذا، ومن كان بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد، فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له
عهد فأجله أربعة أشهر. والله أعلم.
(2/177)
ذكر قدوم وفود العرب:
قال ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ
عُرْوَةَ بن الزبير، قال: فلما صدر أبو بكر وعلي -رضي الله
عنهما- وأقاما للناس الحج، قدم عروة بن مسعود الثقفي عَلَى
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسلما.
وكذا قال موسى بن عقبة، وأما ابن إسحاق فذكر أن قدوم عروة
بن مسعود كان في إثر رحيل النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل
الطائف وعن مكة، وأنه لقيه قبل أن يصل إلى المدينة فأسلم،
وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام، فَقَالَ لَهُ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أنهم قاتلوك".
(2/177)
ثم بعد أشهر، قدم
وفد ثقيف:
وقال حاتم بن إسماعيل، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن
عبد الكريم، عن علقمة بن سفيان بن عبد الله الثقفي، عن
أبيه، قال: كنا في الوفد الذين وفدوا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فضرب لنا قبتين
عند دار المغيرة بن شعبة. قال: وكان بلال يأتينا بفطرنا
فنقول: أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: نعم، ما
جئتكم حتى أفطر، فيضع يده فيأكل ونأكل.
وقال حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ
الحَسَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاصِ الثقفي: أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنزلهم
في قبة في المسجد، ليكون أرق لقلوبهم. واشترطوا عليه حين
أسلموا أن لا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا، فقال رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ خير في دين
ليس فيه ركوع، ولكن أن لا تحشروا ولا تعشروا".
وقال أبو داود في "السنن": حدثنا الحسن بن الصباح، وقال:
حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني إبراهيم، عن
أبيه، عن وهب، قال: سألت جابرًا عن شأن ثقيف إذ بايعت،
قال: اشترطت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ لا صدقة عليها ولا جهاد، وأنه سمع النبي
صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول: "سيتصدقون ويجاهدون إذا
أسلموا".
وقال موسى بن عقبة، عن عروة بمعناه، قال: فأسلم عروة بن
مسعود، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرجع إلى
قومه. فقال: إني أخاف أن يقتلوك. قال: لو وجدوني نائما ما
أيقظوني.
فأذن لَهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فرجع إلى الطائف، وقدم الطائف عشيا فجاءته ثقيف
فحيوه، ودعاهم إلى الإسلام ونصح لهم، فاتهموه وعصوه،
وأسمعوه من الأذى ما لم يكن يخشاهم عليه. فخرجوا من عنده،
حتى إذا أسحر وطلع الفجر، قام على غرفة له في داره فأذن
بالصلاة وتشهد، فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله.
فزعموا أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال حين بلغه قتله: "مثل عروة مثل صاحب ياسين،
دعا قومه إلى الله فقتلوه".
وأقبل -بعد قتله- من وفد ثقيف بضعة عشر رجلا هم أشراف
ثقيف، فيهم كنانة بن عبد ياليل وهو رأسهم يومئذ، وفيه
عثمان بن أبي العاص بن بشر، وهو أصغرهم. حتى قَدِمُوا
عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
المدينة يريدون الصلح، حين رأوا أن قد فتحت مكة وأسلمت
عامة العرب.
(2/178)
فقال المغيرة بن شعبة: يا رسول الله، أنزل
علي قومي فأكرمهم، فإني حديث الجرم فيهم. فقال: لا أمنعك
أن تكرم قومك، ولكن منزلهم حيث يسمعون القرآن. وكان جرم
المغيرة في قومه أنه كان أجيرا لثقيف، وأنهم أقبلوا من
مصر، حتى إذا كانوا ببصاق، عدا عليهم وهم نيام فقتلهم، ثم
أقبل بأموالهم حتى أُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقَالَ: يا رسول الله، خمس مالي هذا.
فقال: "وما نبأه"؟ فأخبره، فقال: "إنا لسنا نغدر". وأبى أن
يخمسه.
وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف في المسجد،
وبنى لهم خياما لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا.
وكان رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِذَا خطب لم يذكر نفسه. فلما سمعه وفد ثقيف قالوا: يأمرنا
أن نشهد أنه رسول الله، ولا يشهد به في خطبته. فلما بلغه
ذلك قال: فإني أول من شهد أني رسول الله.
وكانوا يغدون عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل يوم، ويخلفون عثمان بن أبي العاص
على رحالهم. فكان عثمان، كلما رجعوا وقالوا بالهاجرة، عمد
إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فسأله عن الدين واستقرأه القرآن، حتى فقه في الدين وعلم.
وكان إذا وَجَدَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نائما عمد إلى أبي بكر. وكان يكتم ذلك من
أصحابه. فَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعجب منه وأحبه.
فمكث الوفد يختلفون إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يدعوهم إلى الإسلام، فأسلموا، فقال
كنانة بن عبد ياليل: هل أنت مقاضينا حتى نرجع إلى قومنا؟
قال: "نعم، إن أنتم أقررتم بالإسلام قاضيتكم، وإلا فلا
قضية ولا صلح بيني وبينكم". قالوا: أفرأيت الزنى، فإنا قوم
نغترب لا بد لنا منه؟ قال: "هو عليكم حرام". قالوا:
فالربا؟ قال: "لكم رؤوس أموالكم".
قالوا: فالخمر؟ قال: "حرام". وتلا عليهم الآيات في تحريم
هذه الأشياء. فارتفع القوم وخلا بعضهم ببعض، فقالوا:
ويحكم، إنا نخاف -إن خالفناه- يوما كيوم مكة. انطلقوا
نكاتبه على ما سألنا. فأتوه فقالوا: نعم، لك ما سألت.
أرأيت الربة ماذا نصنع فيها؟ قال: "اهدموها". قالوا:
هيهات، لو تعلم الربة ماذا تصنع فيها أو أنك تريد هدمها
قتلت أهلها. فقال عمر: ويحك يا ابن عبد ياليل، ما أحمقك،
إنما الربة حجر. قال: إنا لم نأتك يا ابن الخطاب.
وقالوا: يا رسول الله، تول أنت هدمها، فأما نحن فإنا لن
نهدمها أبدا. قال: "فسأبعث إليكم من يهدمها". فكاتبوه
وقالوا: يا رسول الله، أمر علينا رجلا يؤمنا. فأمر عليهم
عثمان لما رأى من حرصه على الإسلام. وكان قد تعلم سورا من
القرآن.
(2/179)
وقال ابن عبد ياليل: أنا أعلم الناس بثقيف،
فاكتموهم الإسلام وخوفوهم الحرب، وأخبروا أن محمدا سألنا
أمورا أبيناها.
قال: فخرجت ثقيف يتلقون الوفد. فلما رأوهم قد ساروا العنق،
وقطروا الإبل، وتغشوا ثيابهم، كهيئة القوم قد حزنوا وكربوا
ولم يرجعوا بخير. فلما رأت ثقيف ما في وجوههم، قالوا: ما
وفدكم بخير ولا رجعوا به. فدخل الوفد فعمدوا اللات فنزلوا
عندها. واللات بيت بين ظهري الطائف يستر ويهدى له الهدي،
كما يهدى للكعبة.
فقال ناس من ثقيف حين نزل الوفد إليها: إنه لا عهد لهم
برؤيتها. ثم رجع كل واحد إلى أهله، وجاء كل رجل منهم خاصته
فسألوهم فقالوا: أتينا رجلا فظا غليظا يأخذ من أمره ما
يشاء، قد ظهر بالسيف وأداخ العرب ودانت له الناس. فعرض
علينا أمورا شدادا: هدم اللات، وترك الأموال في الربا إلا
في رؤوس أموالكم، وحرم الخمر والزنى، فقالت ثقيف: والله لا
نقبل هذا أبدا. فقال الوفد: أصلحوا السلاح وتهيأوا للقتال
ورموا حصنكم. فمكثت ثقيف بذلك يومين أو ثلاثة يريدون
القتال. ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب، فقالوا: والله ما
لنا به طاقة، وقد أداخ العرب كلها، فارجعوا إليه فأعطوه ما
سأل. فلما رأى ذلك الوفد أنهم قد رعبوا قالوا: فإنا قد
قاضيناه وفعلنا ووجدناه أتقى الناس وأرحمهم وأصدقهم.
قالوا: لم كتمتمونا وغممتمونا أشد الغم؟ قالوا: أردنا أن
ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان. فأسلموا مكانهم.
ثم قدم عليهم رسل رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَدْ أمر عليهم خالد بن الوليد، وفيهم المغيرة.
فلما قدموا عمدوا للات ليهدموها، واستكفت ثقيف كلها، حتى
خرج العواتق، لا ترى عامة ثقيف أنها مهدومة. فقام المغيرة
فأخذ الكرزين وقال لأصحابه: والله لأضحكنكم منهم.
فضرب بالكرزين، ثم سقط يركض. فارتج أهل الطائف بصيحة
واحدة، وقالوا: أبعد الله المغيرة، قد قتلته الربة.
وفرحوا، وقالوا: من شاء منكم فليقترب وليجتهد على هدمها،
فوالله لا يستطاع أبدا. فوثب المغيرة بن شعبة فقال: قبحكم
الله؛ إنما هي لكاع حجارة ومدر، فاقبلوا عافية الله
واعبدوه. ثم ضرب الباب فكسره، ثم علا على سورها، وعلا
الرجال معه، فهدموها. وجعل صاحب المفتح يقول: ليغضبن
الأساس، فليخسفن بهم، فقال المغيرة لخالد: دعني أحفر
أساسها. فحفره حتى أخرجوا ترابها، وانتزعوا حليتها، وأخذوا
ثيابها.
فبهتت ثقيف، فقالت عجوز منهم: أسلمها الرضاع وتركوا
المصاع، وأقبل الوفد حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم
بحليتها وكسوتها، فقسمه.
(2/180)
وقال ابن إسحاق: أقامت ثقيف، بعد قتل عروة
بن مسعود، أشهرا. ثم ذكر قدومهم على النبي صلى الله عليه
وسلم، وإسلامهم. وذكر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أبا سفيان بن حرب والمغيرة
يهدمان الطاغية.
وقال سَعِيْدُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
اللهِ بنِ عيَاض، عَنْ عُثْمَانَ بنِ أَبِي العاص؛ إن
النبي صلى الله عليه وسلم، أَمرَه أَنْ يَجْعَلَ مَسْجِدَ
الطَّائِف حَيْثُ كَانَتْ طاغيتهم.
رواه أبو همام محمد بن محبب الدلال، عن سعيد، والله أعلم.
ولما فرغ ابن إسحاق من شأن ثقيف، ذكر بعد ذلك حجة أبي بكر
الصديق بالناس.
(2/181)
السنة العاشرة:
ثم قال ابن إسحاق: ولما فتح الله على نبيه مكة، وفرغ من
تبوك، وأسلمت ثقيف، ضربت إليه وفود العرب من كل وجه. وإنما
كان العرب تربص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش، وأمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن قريشا كانوا إمام الناس.
قال: فقدم عطارد بن حاجب في وفد عظيم من بني تميم، منهم
الأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، ومعهم عيينة بن حصن.
فلما دخلوا المسجد، نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من
وراء حجرات: اخرج إلينا يا محمد. وآذى ذَلِكَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صياحهم فخرج
إليهم فقالوا: يا محمد جئناك نفاخرك، فائذن لشاعرنا
وخطيبنا. قال: "قد أذنت لخطيبكم، فليقم". فقام عطارد،
فقال:
الحمد لله الذي له علينا الفضل والمن، وهو أهله، الذي
جعلنا ملوكا، ووهب لنا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف،
وجعلنا أعز أهل المشرق، وأكثره عددا، وأيسره عدة. فمن
مثلنا في الناس؟ ألسنا برؤوس الناس وأولي فضلهم؟ فمن
فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، وإن لو نشأ لأكثرنا الكلام،
ولكن نستحيي من الإكثار. أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا،
وأمر أفضل من أمرنا.
ثم جلس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس
بن الشماس الخزرجي: "قم فأجبه". فقام، فقال:
الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع
كرسيه علمه، ولم يكن شيء قط إلا من فضله. ثم كان من فضله
أن جعلنا ملوكا، واصطفى من خير خلقه رسولا؛ أكرمه نسبا،
وأصدقه حديثا، وأفضله حسبا، فأنزل عليه كتابه، وائتمنه على
خلقه، فكان خيرة الله من العالمين، ثم دعا الناس إلى
الإيمان فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمه، أكرم الناس
أحسابا، وأحسن الناس وجوها، وخير العالمين فعالا، ثم كان
أول الخلق استجابة إذ دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم
نحن، فنحن الأنصار، أنصار الله ووزراء رسوله، نقاتل الناس
حتى يؤمنوا بالله ورسوله. فمن آمن منع ماله ودمه، ومن كفر
جاهدناه في الله أبدا، وكان قتله علينا يسيرا. أقول قولي
هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات، والسلام عليكم.
فقام الزبرقان بن بدر، فقال:
(2/182)
نحن الكرام فلا حي يعادلنا ... منا الملوك
وفينا تنصب البيع
وكم قسرنا من الأحياء كلهم ... عند النهاب، وفضل العز يتبع
ونحن نطعم عند القحط مطعمنا ... من الشواء إذا لم يؤنس
القزع1
بما ترى الناس تأتينا سراتهم ... من كل أرض هويا ثم نصطنع
في أبيات.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قم يا حسان، فأجبه". فقال
حسان:
إن الذوائب من فهر وإخواتهم ... قد بينوا سنة للناس تتبع
يرضى بها كل من كانت سريرته ... تقوى الإله وكل الخير
يصطنع
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم ... أو حاولوا النفع في أشياعهم
نفعوا
سجية تلك منهم غير محدثة ... إن الخلائق فاعلم، شرها البدع
في أبيات.
فقال الأقرع بن حابس: وأبي، إن هذا الرجل لمؤتى له. إن
خطيبه أفصح من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا.
قال: فلما فرغ القوم أسلموا، وأحسن النبي صلى الله عليه
وسلم جوائزهم. وفيهم نزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ
مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}
[الحجرات: 4] .
وقال سليمان بن حرب: حدثنا حماد بن زيد، عن محمد بن الزبير
الحنظلي، قال: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، وعمر
بن الأهتم. فقال لعمرو بن الأهتم: أخبرني عن هذا الزبرقان،
فأما هذا فلست أسألك عنه. قال: وأراه قال قد عرف قيسا.
فقال: مطاع في أدنيه، شديد العارضة، مانع لما وراء ظهره.
فقال الزبرقان: قد قال ما قال وهو يعلم أني أفضل مما قال.
فقال عمرو: ما علمتك إلا زمر المروءة، ضيق العطن، أحمق
الأب، لئيم الخال. ثم قال: يا رسول الله، قد صدقت فيهما
جميعا؛ أرضاني فقلت بأحسن ما أعلم، وأسخطني فقلت بأسوأ ما
فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان
سحرا".
__________
1القزع: السحاب المتفرق واحدتها قزعة.
(2/183)
وقد روى نحوه علي بن حرب الطائي، عن أبي
سعد الهيثم بن محفوظ، عن أبي المقوم الأنصاري يحيى بن
يزيد، عن الحكم بن عتيبتة، عن مقسم، عن ابن عباس؛ متصلا.
وقال مسلم بن إبراهيم: حدثنا الأسود بن شيبان، قال: حدثنا
أبو بكر بن ثمامة بن النعمان الراسبي، عن يزيد بن عبد الله
بن الشخير، قال: وفد أبي في وفد بني عامر إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أنت سيدنا
وذو الطول علينا. فقال: "مه مه، قولوا بقولكم ولا
يستجرئنكم الشيطان، السيد الله، السيد الله".
وقال الزبير بن بكار: حدثتني فاطمة بنت عبد العزيز بن
مؤملة، عن أبيها، عن جدها مؤملة بن جميل، قال: أتى عامر بن
الطفيل رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: يا عامر، أسلم. قال: أسلم على أن الوبر لي ولك
المدر. قال: يا عمر أسلم. فأعاد قوله. قال: لا. فولى وهو
يقول: يا محمد، لأملأنها عليك خيلا جردا ورجالا مردًا،
ولأربطن بكل نخلة فرسا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ اكفني عامرا واهد قومه".
فخرج حتى إذا كان بظهر المدينة صادف امرأة يقال لها:
سلولية، فنزل عن فرسه ونام في بيتها، فأخذته غدة في حلقه،
فوثب على فرسه، وأخذ رمحه، وجعل يجول، ويقول: غدة كغدة
البكر، وموت في بيت سلولية. فلم تزل تلك حاله حتى سقط
ميتا.
وقال ابن إسحاق: قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد بني عامر، فيهم: عامر بن
الطفيل، وأربد بن قيس، وخالد بن جعفر، وحيان بن أسلم،
وكانوا رؤساء القوم وشياطينهم. فقدم عامر عدو الله عَلَى
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو
يريد أن يغدر به. فقال له قومه: إن الناس قد أسلموا. فقال:
قد كنت آليت أن لا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي، فأنا أتبع
عقب هذا الفتى من قريش؟ ثم قال لأربد: إذا قدمنا عليه فإني
شاغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف.
فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عامر: يا محمد، خلني. فقال: "لا
والله، حتى تؤمن بالله وحده"، فقال: "والله لأملأنها عليك
خيلا ورجالا". فلما ولى قال: "اللهم اكفني عامرا". ثم قال
لأربد: أين ما أمرتك به؟ قال: لا أبا لك، والله ما هممت
بالذي أمرتني به من مرة إلا دخلت بيني وبينه، أفأضربك
بالسيف؟ فبعث الله ببعض الطريق على عامر الطاعون في عنقه،
فقتله الله في بيت امرأة من سلول. وأما الآخر فأرسل الله
عليه وعلى جمله صاعقة أحرقتهما.
وقال همام، عَنْ إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي
طَلْحَةَ: حدثني أنس، قال: كان رئيس المشركين عامر بن
الطفيل، وكان أُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أخيرك بين ثلاث خصال؛ يكون لك
أهل السهل ويكون لي أهل المدر، أو أكون خليفتك من بعدك، أو
أغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء.
قال: فطعن في بيت امرأة، فقال: غدوة كغدة البكر في بيت
امرأة من بني فلان، ائتوني بفرسي, فركب فمات على ظهر فرسه.
أخرجه البخاري1.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4091" حدثنا موسى بن إسماعيل،
حدثنا همام، به.
(2/184)
وافد بني سعد:
قال ابن إسحاق، عن محمد بن الوليد، عن كريب، عن ابن عباس:
بعثت بنو سعد بن بكر، ضمام بن ثعلبة وافدا إِلَى رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ جلدا
أشعر ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف فقال: أيكن ابن عبد
المطلب؟ فقال: أنا. فقال: أنت محمد؟ قال: "نعم". قال: إني
سائلك ومغلظ عليك في المسألة، فلا تجدن في نفسك. أنشدك
الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك
أن تأمرنا أن نعبده وحده ولا نشرك به شيئا، وأن نخلع هذه
الأنداد؟ قال: "اللهم نعم". قال: فأنشدك الله إلهك وإله من
قبلك وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات
الخمس؟ قال: "نعم". ثم جعل يذكر فرائض الإسلام ينشده عنده
كل فريضة. ثم قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رسول الله، وسأؤدي هذه
الفرائض، وأجتنب ما نهيتني عنه، ثم لا أزيد ولا أنقص.
ثم انصرف إلى بعيره راجعا، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة". فقدم على قومه
فاجتمعوا إليه فكان أول ما تكلم به أن قال: باست اللات
والعزى. قالوا: مه يا ضمام، اتق البرص، اتق الجنون. قال:
ويلكم، إنهما والله لا يضران ولا ينفعان. إن الله قد بعث
رسولا وأنزل عليه كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني
أشهد أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً
عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به وما نهاكم
عنه.
قال: فوالله ما أمسى ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة
إلا مسلما.
قال: يقول ابن عباس: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من
ضمام.
وقال إسحاق بن أبي إسرائيل المروزي: حدثني حمزة بن الحارث
بن عمير، قال: حدثنا أبي، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد،
عن أبي هريرة، قال: جاء رجل من أهل البادية إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
أنشدك برب من قبلك ورب من بعدك، آلله أرسلك؟ وذكر الحديث،
وفيه:
(2/185)
فإني قد آمنت وصدقت، وأنا ضمام بن ثعلبة،
فلما ولى قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: $"فقه الرجل". قال: فكان عمر يقول: ما رأيت
أحدا أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام بن ثعلبة. الحارث بن
عمير ضعيف، وقصة ضمام في الصحيحين من حديث أنس.
قال ابن إسحاق: وَفَدَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجارود بن عمرو أخو بني عبد
القيس -قال عبد الملك بن هشام: وكان نصرانيا- فدعاه رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام. فقال: يا محمد، تضمن
لي ديني؟ قال: "نعم، قد هداك الله إلى ما هو خير منه".
قال: فأسلم، وأسلم أصحابه.
قال ابن إسحاق: وقدم عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد بني حنيفة، فيهم مسيلمة بن حبيب
الكذاب، فكان منزلتهم في دار بنت الحارث الأنصارية. فحدثني
بعض علمائنا أن بني حنيفة أتت بِهِ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تستره بالثياب، ورسول الله صلى
الله عليه وسلم جالس في أصحابه معه عسيب نخل في رأسه
خوصات. فلما كلم النبي صلى الله عليه وسلم وسأله قال: "لو
سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه".
قال ابن إسحاق: وحدثني شيخ من أهل اليمامة أن حديثه كان
على غير هذا؛ زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى
الله عليه وسلم وخلفوا مسيلمة في رحالهم، فلما أسلموا
ذكروا له مكانه فأمر لَهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل ما أمر به لهم، وقال: "أما إنه
ليس بأشركم مكانا"؛ يعني حفظه ضيعة أصحابه. ثم انصرفوا
وجاؤوه بالذي أعطاه. فلما قدموا اليمامة ارتد عدو الله
وتنبأ، وقال: إني أشركت في الأمر مع محمد، ألم يقل لكم حين
ذكرتموني له أما إنه ليس بأشركم مكانا؟ وما ذاك إلا لما
يعلم أني قد أشركت معه. ثم جعل يسجع السجعات فيقول لهم
فيما يقول مضاهاة للقرآن: لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج
منها نسمة تسعى، من بين صفاق1 وحشى. ووضع عنهم الصلاة وأحل
لهم الزنى والخمر، وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه نبي. فأصفقت2 معه بنو حنيفة على ذلك.
وقال شعيب بن أبي حمزة، عن عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حسين، قال: حدثنا نَافِعِ بنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قدم مسيلمة الكذاب
على عهد الله رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ المَدِيْنَةَ، فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر
من بعده اتبعته. وقدمها في بشر كثير من قومه. فأقبل النبي
صلى الله عليه وسلم، ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد
النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريد، حتى وقف على مسيلمة
في أصحابه، فقال: "إن سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن
تعدو أمر الله فيك،
__________
1 الصفاق: الجلد الأسفل الذي تحت الجلد الذي عليه الشعر.
2 أصفقت معه: اجتمعت معه.
(2/186)
ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني أراك الذي
أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت بن قيس يجيبك عني" ثم انصرف.
قال ابن عباس: فسألت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"إنك الذي أريت فيه ما رأيت"، فأخبرني أَبُو هُرَيْرَةَ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: "بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني
شأنهما، فأوحي إلي في المنام أن أنفخهما، فنفختهما فطارا،
فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي".
قال: فهذا أحدهما العنسي صاحب صنعاء، والآخر مسيلمة صاحب
اليمامة. أخرجاه1.
وقال مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"بينا أنا نائم إذ أتيت بخزائن الأرض، فوضع في يدي سواران
من ذهب. فكبرا علي وأهماني، فأوحي إلي أن أنفخهما،
فنفختهما، فذهبا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما؛
صاحب صنعاء وصاحب اليمامة". متفق عليه2.
وقال البخاري: حدثنا الصلت بن محمد، قال: حدثنا مهدي بن
ميمون، قال: سمع أبا رجاء؛ هو العطاردي؛ يقول: لما بعث
النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا به، لحقنا بمسيلمة
الكذاب؛ لحقنا بالنار؛ وكنا نعبد الحجر في الجاهلية، وإذا
لم نجد حجرا جمعنا حثية من تراب ثم حلبنا عليها اللبن، ثم
نطوف به.
وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: جاء
رجل إلى ابن مسعود، فقال: إني مررت ببعض مساجد بني حنيفة
وهم يقرأون قراءة ما أنزلها الله: الطاحنات طحنا،
والعاجنات عجنا، والخابزات خيزا، والثاردات ثردا،
واللاقمات لقما، فأرسل إليهم عبد الله فأتى بهم، وهم سبعون
رجلا ورأسهم عبد الله بن النواحة. قال: فأمر به عبد الله
فقتل. ثم قال: ما كنا بمحرزين الشيطان من هؤلاء، ولكنا
نحدرهم إلى الشام لعل الله أن يكفيناهم.
وقال المسعودي، عن عاصم، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ
اللهِ، قَالَ: جاء ابن النواحة وابن أثال رسولين لمسيلمة
إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ لهما النبي صلى الله عليه وسلم: "تشهدان أني رسول
الله"؟ فقالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله. فقال: "آمنت
بالله ورسله، ولو كانت قاتلا رسولا لقتلتكما".
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3621"، ومسلم "2274" من طريق أبي
اليمان، أخبرنا شعيب، عن عبد الله بن أبي حسين، حدثنا نافع
بن جبير، عن ابن عباس، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "4375"، ومسلم "2274" "22" من طريق
معمر، عن همام بن منبه، به.
(2/187)
قال عبد الله: فمضت السنة بأن الرسل لا
تقتل.
قال عبد الله: أما ابن أثال فقد كفانا الله، وأما ابن
النواحة فلم يزل في نفسي حتى أمكن الله منه. رواه أبو داود
الطيالسي في "مسنده"، عن المسعودي. وله شاهد.
قال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني سعد بن طارق، عن سلمة بن
نعيم، بن مسعود، عَنْ أَبِيْهِ، سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حين جاءه رسولا مسيلمة الكذاب
بكتابه يقول لهما: "وأنتما تقولان بمثل ما يقول"؟ قالا:
نعم. فقال: "أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت
أعناقكما".
قال ابن إسحاق: وقد كان مسيلمة كتب إِلَى رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آخر سنة عشر:
من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله. سلام عليك، أما
بعد، فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأرض، ولكن
قريشا قوم يعتدون.
فكتب إليه: "من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب. سلام
على من اتبع الهدى، أما بعد، فإن الأرض لله يورثها من يشاء
من عباده، والعاقبة للمتقين".
ثم قد وفد طيئ، عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيهم زيد الخيل سيدهم، فأسلموا،
وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير، وقطع له
فيد وأرضين، وخرج راجعا إلى قومه، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "إن ينج زيد من حمى المدينة". فإنه يقال قد
سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم غير الحمى، فلم
نثبته. فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه، يقال له:
قردة، أصابته الحمى فمات بها. قال: فعمدت امرأته إلى ما
معه من كتب فحرقتها.
وقال شعبة: حدثنا سمك بن حرب، قال سمعت عباد بن حبيش، يحدث
عن عدي بن حاتم، قال: جاءت خيل رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بعقرب، فأخذوا عمتي
وناسا. فلما أتوا بهم رسول الله، قالت: يا رسول الله، غاب
الوافد، وانقطع الولد، وأنا عجوز كبيرة، فمن علي من الله
عليك. قال: "من وافدك"؟ قالت: عدي بن حاتم. قال: "الذي فر
من الله ورسوله"؟ قالت: فمن علي، ورجل إلى جنبه تراه عليا،
فقال: "سليه حملانا"، فأمر لها به.
قال: فأتتني، فقالت: لقد فعلت فعلة ما كان أبوك يفعلها.
إيته راغبا أو راهبا، فقد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان
فأصاب منه.
قال عدي: فأتيته، فإذا عند امرأة وصبيان؛ أو صبي، فذكر
قربهم مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ:
(2/188)
فعرفت أنه ليس ملك كسرى ولا قيصر، فأسلمت.
فرأيت وجهه قد استبشر، وقال: "إن المغضوب عليهم اليهود
والضالين النصارى". وذكر باقي الحديث.
وقال حماد زيد، عن أيوب، عن محمد، قال: قال أبو عبيدة بن
حذيفة، قال رجل:
كنت أسأل عن حديث عدي وهو إلى جنبي لا أسأله، فأتيته،
فقال: بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فكرهته أشد ما
كرهت شيئا قط. فخرجت حتى أقصى أرض العرب مما يلي الروم. ثم
كرهت مكاني فقلت: لو أتيته وسمعت منه. فأتيت إلى المدينة،
فاستشرفني الناس؛ وقالوا: جاء عدي بن حاتم، جاء عدي بن
حاتم. فقال: "يا عدي بن حاتم، أسلم تسلم". فقلت: إني على
دين: قال: "أنا أعلم بدينك منك، ألست ركوسيا"؟ 1 قلت: بلى.
قال: "أَلَسْتَ تَرْأَسُ قَوْمَكَ"؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ:
"أَلَسْتَ تأخذ المِرْبَاعَ" قُلْتُ: بَلَى. قَالَ:
"فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يحل في دينك". قال: فوجدت بها علي
غضاضة. ثم قال: "إنه لعله أن يمنعك أن تسلم أن ترى بمن
عندنا خصاصة، وترى الناس علينا إلبا واحدا. هل رأيت
الحيرة"؟ قلت: لم أرها، وقد علمت مكانها. قال: "فإن
الظعينة سترحل من الحيرة حتى تطوف بالبيت بغير جوار،
ولتفتحن علينا كنوز كسرى بن هرمز". قلت: كنوز كسرى بن
هرمز؟ قال: "نعم، وَلَيَفِيْضَنَّ المَالُ حَتَّى يَهِمَّ
الرَّجُلُ مَنْ يَقْبَلُ ماله منه صدقة". قال: فلقد رأيت
الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار، وكنت في أول خيل أغارت
على المدائن. ووالله لتكونن الثالثة، إنه لِحَدِيْثِ
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَى نحوه هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي
عبيدة.
وقال ابن إسحاق: قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فروة بن مسيك المرادي، مفارقا
لملوك كندة، فاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مراد
وزبيد ومذحج كلها، وبعث معه على الصدقة خالد بن سعيد بن
العاص، فكان معه حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: وقدم عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وفد كندة، ثمانون راكبا فيهم الأشعث بن قيس.
فلما دَخَلُوا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ألم تسلموا"؟ قالوا: بلى. قال:
فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟ قال: فشقوه وألقوه.
قال: وقدم عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صرد بن عبد الله الأزدي فأسلم، في وفد من الأزد.
فأمره على من أسلم من قومه، ليجاهد من يليه.
__________
1 الركوسية: هو دين بين النصاري والصابئين.
(2/189)
إسلام ملوك اليمن:
قال: وقدم عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كتاب ملوك حمير؛ مقدمه من تبوك، ورسولهم إليه
بإسلامهم: الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال،
والنعمان قيل ذي رعين، ومعافر، وهمدان. وبعث إليه ذو يزن،
مالك بن مرة الرهاوي بإسلامهم. فكتب إليهم النبي صلى الله
عليه وسلم كتابا يذكر فيه فريضة الصدقة، وأرسل إليهم معاذ
بن جبل في جماعة، وقال لهم: إني قد أرسلت إليكم من صالحي
أهلي، وأولي دينهم وأولي علمهم، وآمركم بهم خيرا، والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته.
وقال إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق السبيعي، عن أبيه، عن
جده، عن البراء، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَعَثَ خالد بن الوليد إلى أهل اليمن، يدعوهم
إلى الإسلام. قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالد، فأقمنا
ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه. ثُمَّ إِنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عليا
-رضي الله عنه- فأمره أن يقفل خالدا، إلا رجل كان يمم مع
خالد أحب أن يعقب مع علي فليعقب معه. فكنت فيمن عقب مع
علي. فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، فصلى بنا علي، ثم
صفنا صفا واحدا، ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كِتَابُ
رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسلمت
همدان جمعا. فكتب علي إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما قرأ الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه
فقال: "السلام على همدان، السلام على همدان". هذا حديث
صحيح أخرج البخاري بعضه بهذا الإسناد.
وقال الأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي
البختري، عن علي: بعثني النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى اليَمَنِ، فقلت: يا رسول الله،
تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم ولا علم لي بالقضاء؟ فضرب بيده
في صدري، وقال: "اللهم اهد قلبه وثبت لسانه". فما شككت في
قضاء بين اثنين أخرجه ابن ماجه.
وقال محمد بن علي، وعطاء، عن جابر، أن عليا قدم من اليمن
عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في حجة الوداع. متفق عليه. من حديث عطاء.
وقال شعبة، وغيره، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي مُوْسَى؛ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه ومعاذ بن جبل إلى
اليمن، فقال: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا".
متفق عليه، ومن أوجه أخر بأطول من هذا.
وفي "الصحيح" للبخاري، من حديث طارق بن شهاب، عن أبي موسى،
قَالَ: بَعَثَنِي رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إلى أرض قومي. قال: فجئته وهو منيخ بالأبطح.
قال: فسلمت عليه.
(2/190)
فقال: "أحججت يا عبد الله بن قيس"؟ قلت:
نعم. قال: "كيف قلت"، قال: قلت: لبيك إهلالا كإهلالك.
فقال: "أسقت هديا"؟ قلت: لم أسق هديا. قال: "فطف بالبيت
واسع ثم حل". ففعلت. وذكر الحديث.
أما معاذ فالأشبه أنه لم يرجع من اليمن حَتَّى تُوُفِّيَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ ابن إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي
بَكْرٍ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، عن أبيه،
قال: هذا كِتَابُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عِنْدَنَا، الذي كتبه لعمرو بن حزم، حين بعثه
إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم السنة ويأخذ صدقاتهم، فكتب
له كتابا وعهدا وأمره فيه أمره: "بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب من الله ورسوله. يا أيها الذين آمنوا أوفوا
بالعقود. عهدا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن. أمره
بتقوى الله في أمره كله. فإن الله مع الذين اتقوا والذين
هم محسنون. وأمره أن يأخذ الحق كما أمره، وأن يبشر الناس
بالخير، ويأمرهم به، ويعلم الناس القرآن، ويفقههم فيه، ولا
يمس القرآن أحد، إلا وهو طاهر، ويخبر الناس بالذي لهم،
والذي عليهم، ويلين في الحق، ويشتد عليهم في الظلم، فإن
الله كره الظلم ونهى عنه، وقال: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ
عَلَى الظَّالِمِين} [هود: 18] ، ويبشر الناس بالجنة
وبعملها، وينذر الناس من النار وعملها، ويستألف الناس حتى
يفقهوا في الدين، ويعلم الناس معالم الحج وسننه وفرائضه
وما أمر الله به، والحج الأكبر والحج الأصغر، فالحج الأصغر
العمرة. وينهى الناس أن يصلي الرجل في ثوب واحد صغير، إلا
أن يكون واسعا فيخالف بين طرفيه على عاتقيه، وينهى أن
يحتبي الرجل في ثوب واحد ويفضي إلى السماء بفرجه. ولا يعقد
شعر رأسه إذا عفي في قفاه. وينهى الناس إن كان بينهم هيج
أن يدعوا إلى القبال والعشائر، وليكن دعاؤهم إلى الله وحده
لا شريك له. فمن لم يدع إلى الله -عز وجل- ودعا إلى
العشائر والقبائل فليعطفوا بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى
الله وحده لا شريك له، ويأمر بإسباغ الوضوء؛ وجوهم وأيديهم
إلى المرافق، وأرجلهم، إلى الكعبين، وأن يمسحوا رؤوسهم كما
أمر الله، وأمروا بالصلاة لوقتها، وإتمام الركوع والخشوع،
وأن يغلس بالصبح، ويهجر بالهاجرة حين تميل الشمس، وصلاة
العصر والشمس في الأرض مدبرة، والمغرب حين يقبل الليل، لا
تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء، والعشاء أول الليل. وأمره
بالسعي إلى الجمعة إذا نودي بها، والغسل عند الرواح إليها.
وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله -عز وجل- وما كتب على
المؤمنين في الصدقة من العقار فيما سقى الغيل وفيما سقت
السماء العشر، وفيما سقت الغرب فنصف العشر. ثم ذكر زكاة
الإبل والبقر"، مختصرا.
(2/191)
قال: وعلى كل حالم، ذكر أو أنثى، حر أو
عبد، من اليهود والنصاري، دينار واف أو عرضه من الثياب.
فمن أدى ذلك كان له ذمة الله ذمة رسوله، ومن منع ذلك فإنه
عدو الله ورسوله والمؤمنين.
وقد روى سليمان بن داود، عن الزهري، عن أبي بَكْرٍ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، عن أبيه، عن جده، نحو
هذا الحديث موصولا؛ بزيادات كثيرة في الزكاة، ونقص عما
ذكرنا في السنن.
وقال أَبُو اليَمَانِ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو،
عَنْ راشد بن سعد، عن راشد بن حميد السكوني: أن معاذا
لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى اليمن، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم
يُوْصِيْهِ، وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ وَرَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ،
فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: "يَا مُعَاذُ، إِنَّكَ عَسَى أَنْ
لاَ تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، وَلَعَلَّكَ أَنْ
تَمُرَّ بِمَسْجِدِي وَقَبْرِي". فَبَكَى مُعَاذٌ جَشَعاً
لِفِرَاقِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "لا تبك يا معاذ، البكاء من الشيطان".
وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، قال: لما
قدم وقد نجران عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دخلوا عليه مسجده بعد العصر فحانت
صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم. فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوهم". فاستقبلوا المشرق
فصلوا صلاتهم.
وقال ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بنُ
سُفْيَانَ، عَنْ ابن البيلماني، عن كرز بن علقمة، قَالَ:
قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وفد نصارى نجران؛ ستون راكبا، منهم أربعة وعشرون
من أشرافهم، منهم: العاقب أمير القوم وذو رأيهم، صاحب
مشورتهم، والذين لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره؛ واسمه عبد
المسيح. والسيد ثمالهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم؛ واسمه
الأيهم. وأبو حارثة بن علقمة، أحد بكر بن وائل؛ أسقفهم
وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم.
وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في
دينهم. وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه ومولوه
وبنوا له الكنائس. فلما توجهوا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نجران، جلس أبو
حارثة على بغلة له موجها إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلى جنبه أخ له، يقال له:
كرز بن علقمة؛ يسايره، إذ عثرت بغلة أبي حارثة، فقال له
كرز: تعس الأبعد؛ يريد رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ له أبو حارثة: بل أنت تعست.
فقال له: لم يا أخي؟ فقال: والله إنه للنبي الذي كنا
ننتظره. قال له كرز: فما يمنعك وأنت تعلم هذا؟ قال: ما صنع
بنا هؤلاء
(2/192)
القوم؛ شرفونا ومولونا، وقد أبوا إلا
خلافة، ولو فعلت نزعوا منا كل ما ترى. فأضمر عليها أخوه
كرز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك.
قال ابن إسحاق: وحدثني مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مُحَمَّدٍ
مَوْلَى زَيْدِ بنِ ثابت، وقال: حدثني سعيد بن جبير، أو
عكرمة، عن ابن عباس، قال: اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود
عِنْد رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فتنازعوا، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا،
وقالت النصارى: ما كان إلا نصرانيا. فأنزل الله فيهم: {يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ
وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْأِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ
بَعْدِهِ} [آل عمران: 65] .
فقال أبو رافع القرظي: أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما
تعبد النصارى عيسى بن مريم؟ فقال رجل من نجران يقال له
الربيس: وذلك تريد يا محمد وإليه تدعو؟ فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "معاذ الله أن آمر بعبادة غير الله".
فنزلت: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ
الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ} [آل عمران: 79] ، إلى قوله: {مِنَ
الشَّاهِدِين} [آل عمران: 81] .
وقال إسرائيل وغيره، عن أبي إسحاق، عن صلة، عن ابن مسعود؛
ورواه شعبة، وسفيان، عن أبي إسحاق فقالا حذيفة بدل ابن
مسعود: إن السيد والعاقب أتيا رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فأراد أن يلاعنهما، فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه،
فوالله لئن كان نبيا فلاعنته لا نفلح نحن ولا عقبنا من
بعدنا. قالوا له: نعطيك ما سألت، فابعث معنا رجلا أمينا،
ولا تبعث معنا إلا أمينا. فَقَالَ: "لأَبْعَثَنَّ مَعَكُم
رَجُلاً أَمِيْناً حَقَّ أَمِيْنٍ". فاستشرف لها أصحابه:
فقال: "قم يا أبا عبيدة بن الجراح". فلما قام قال: "هذا
أمين هذه الأمة". أخرجه البخاري من حديث حذيفة.
وقال إدريس الأودي، عن سِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، عَنْ
عَلْقَمَةَ بنِ وَائِلٍ، عن المغيرة بن شعبة، قَالَ:
بَعَثَنِي رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إلى نجران، فقالوا فيما قالوا: أرأيت ما تقرأون
{يَا أُخْتَ هَارُون} [مريم: 28] ، وقد كان بين عيسى وموسى
ما قد علمتم؟ قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم
فأخبرته، فقال: "أفلا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأسماء
أنبيائهم والصالحين قبلهم". أخرجه مسلم.
وقال ابن إسحاق: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر، أو
جمادى الأولى، سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران،
وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام، قبل أن يقاتلهم، ثلاثا. فخرج
خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون
(2/193)
إلى الإسلام، ويقولون: أيها الناس، أسلموا
تسلموا. فأسلم الناس، فأقام خالد يعلمهم الإسلام، وكتب
إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بذلك. ثم قدم وفدهم مع خالد إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن أعيانهم: قيس بن الحصين
ذو الغصة، ويزيد بن عبد المدان، ويزيد بن المحجل. قال:
فأمر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قيسا.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بعث إليهم، بعد أن ولى وفدهم، عمرو بن حزم
ليفقههم ويعلمهم السنة، ويأخذ منهم صدقاتهم.
وفي عاشر ربيع الأول: توفي إِبْرَاهِيْمَ ابْنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ابن سنة ونصف،
وغسه الفضل بن العباس، ونزل قبره الفضل وأسامة بن زيد فيما
قيل، وكان أبيض مسمنا، كثير الشبه بوالده صلى الله عليه
وسلم.
وقال ثابت، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ولد لي الليلة غلام فسميته
بأبي إبراهيم"، ففيه دليل على تسمية الولد ليلة مولده. ثم
دفعه إلى أم سيف؛ يعني امرأة قين بالمدينة يقال له أبو
سيف. قال أنس: فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنه
وانطلقت معه، فدخل فدعا بالصبي فضمه إليه، وقال ما شاء
الله أن يقول.
قال أنس: فلقد رأيت إبراهيم بَيْنَ يَدَيْ رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وهو يكيد بنفسه، فدمعت عينا
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ: "تدمع العين ويحزن القَلْبُ وَلاَ نَقُوْل إِلاَّ
مَا يَرضِي الرّبَّ. والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون".
أخرجه مسلم والبخاري تعليقا مجزوما به.
وقال شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء، قال: لما توفي
إبراهيم ابن رسول اللهِ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن له مرضعا تتم رضاعه في
الجنة". أخرجه البخاري.
وقال جعفر بن محمد الصادق، عَنْ أَبِيْهِ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى على
ابنه إبراهيم حين مات.
وفيها: مات أبو عامر الراهب، الذي كان عند هرقل عظيم
الروم.
وفيها: ماتت بوران بنت كسرى ملكة الفرس، وملكوا بعدها
أختها آزرمن. قاله أبو عبيدة.
وفي أواخر ذي القعدة: ولد محمد بن أبي بكر الصديق، ولدته
أسماء بن عميس، بذي الحليفة، وهي مع النبي صلى الله عليه
وسلم.
قال جابر بن عبد الله: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم
حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي
بكر، فأرسلت إليه: كيف أصنع؟ فقال: "اغتسلي واستثفري بثوب
وأحرمي".
وفيها: ولد محمد بن عمرو بن حزم، بنجران، وأبوه بها.
(2/194)
حجة الوداع:
قال جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن جابر، قال: أذن رسول
الله صلى الله عليه وسلم في الناس بالحج، فاجتمع في
المدينة بشر كثير. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس
بقين من ذي القعدة، أو لأربع، فلما كان بذي الحليفة ولدت
أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر الصديق، فأرسلت إِلَى
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف
أصنع؟ فقال: "اغتسلي واستثفري بثوب". وصلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم في المسجد، وركب القصواء حتى استوت به على
البيداء، فنظرت إلى مد بصري، بَيْنَ يَدَيْ رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، من راكب وماش، وعن يمينه
مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك. فأهل رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، وأهل الناس بهذا الذي
يهلون به، فلم يرد عليهم شيئا منه. ولزم رسول الله صلى
الله عليه وسلم تلبيته. ولسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف
العمرة، حتى أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى
أربعا، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ
مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى} [البقرة: 125] ، فجعل
المقام بينه وبين البيت.
قال جعفر: فكان أبي يقول: -لا أعلمه ذكره إلا عَنْ
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كان
يقرأ في الركعتين {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} [الأخلاص] ،
و: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون] ، ثم رجع
إلى البيت فاستلم الركن، ثم خرج من الباب إلى الصفا، حتى
إذا دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ
شَعَائِرِ اللَّه} [البقرة: 158] ، أبدأ بما بدأ الله به،
فبدأ بالصفا فرقي عليه، حتى إذا رأى البيت فكبر وهلل وقال:
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ، لاَ شَرِيْكَ لَهُ،
لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيي وَيُمِيتُ، وهو على
كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده،
وهزم الأحزاب وحده. ثم دعا بين ذلك، فقال مثل ذلك ثلاث
مرات. ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن
الوادي، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة، فعلا عليها وفعل
كما فعل على الصفا. فلما كان آخر الطواف على المروة، قال:
"إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها
عمرة. فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة".
فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن
كان معه الهدي.
(2/195)
فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول
الله ألعامنا هذا أم للأبد؟ قال: فشبك أصابعه وقال: "دخلت
العمرة في الحج هكذا؛ مرتين، لا؛ بل لأبد الأبد".
وقدم علي، رضي الله عنه، من اليمن ببدن إلى النبي صلى الله
عليه وسلم، فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت،
فأنكر عليها. فقالت: أبي أمرني بهذا. فكان علي يقول
بالعراق: فذهبت إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محرشا بالذي صنعته، مستفتيا رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "صدقت،
صدقت. فماذا قلت حين فرضت الحج"؟ قال: قلت: اللهم إني أهل
بما أهل به رسولك. قال: "فإن معي الهدي فلا تحلل". قال:
فكان الهدي الذي جاء معه، والهدي الذي أُتِيَ بِهِ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة
مائة. ثم حل الناس وقصروا، إِلاَّ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن معه هدي.
فلما كان يوم التروية وجهوا إلى منى، أهلوا بالحج، وركب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر
والمغرب والعشاء والصبح. ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس،
وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة، فسار رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ تشك قريش إلا أنه
واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية،
فأجازه رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَتَّى أتى عرفة، فوجد القبة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس
أمر بالقصواء فرحلت له، فركب حتى أتى بطن الوادي، فخطب
الناس فقال: "إن دِمَاءكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ
حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في شهركم هذا في
بلدكم هذا، ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت
قدمي، ودماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أضعه من دمائنا دم
ربيعة بن الحارث؛ كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل.
وربا الجاهلية موضوع كله. فاتقوا الله في النساء، فإنكم
أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن
لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهونه، فإن فعلن ذلك
فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن
بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به؛
كتاب الله تعالى، وأنتم مسؤولون عني، فما أنتم قائلون"؟
قالوا: نشهد أن قد بلغت وأديت ونصحت. فقال: بإصبعه
السبابة، يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس: "اللهم
اشهد"؛ ثلاث مرات. ثم أذن بلال، ثم أقام، فصلى الظهر، ثم
أقام، فصلى العصر، لم يصل بينهما شيئا. ثم ركب حتى أتى
الموقف، فجعل بطن ناقته إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين
يديه، واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت
الصفرة قليلا حين غاب القرص، وأردف أسامة بن زيد خلفه فدفع
وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله،
ويقول بيده: "أيها الناس، السكينة السكينة"، كلما أتى حبلا
من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد. حتى أتى المزدلفة،
فصلى بها
(2/196)
المغرب والعشاء بأذان وإقامتين، ولم يصل
بينهما شيئا. ثم اضطجع حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حتى تبين
له الصبح وبأذان وإقامه. ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر
الحرام فرقي عليه فحمد الله وكبره وهلله. فلم يزل واقفا
حتى أسفر جدا، ثم دفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن
عباس، وكان رجلا حسن الشعر وسيما. فلما دفع رَسُوْلَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ الظعن يجرين،
فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يده على وجه الفضل، فصرف الفضل وجهه من الشق الآخر، فحول
رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل، حتى إذا
أتى محسرا حرك قليلا، ثم سلك الطريق الوسطى التى تخرجك على
الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند المسجد، فرمى بسبع
حصيات، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف رمى من بطن
الوادي. ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثا وستين بدنة،
وأعطى عليا - رضي الله عنه- فنحر ما غبر وأشركه في هديه.
ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر، وطبخت، فأكلا من
لحمها وشربا من مرقها.
ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت، فصلى
بمكة الظهر، فأتى على بني عبد المطلب يسقون من بئر زمزم،
فقال: "انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على
سقايتكم لنزعت معكم". فناولوه دلوا فشرب منه. أخرجه مسلم1،
دون قوله: يحيي ويميت.
وقال شعبة، عن قتادة، عن أبي حَسَّانٍ الأَعْرَجُ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أتى ذا الحليفة أشعر بدنة من جانب
سنامها الأيمن، ثم سلت عنها الدم، وأهل بالحج. أخرجه
مسلم2.
وقال أيمن بن نابل: حدثني قُدَامَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ،
قَالَ: رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يرمي جمرة العقبة على ناقة حمراء؛ وفي رواية؛
صهباء؛ لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك. حديث حسن3.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1218" "147" من طريق حاتم بن إسماعيل
المدني، عن جعفر بن محمد، به. قوله: "الحبال" جمع حبل، وهو
التل اللطيف من الرمل الضخم.
2 صحيح: أخرجه مسلم "1243" "205" من طريق شعبة، عن قتادة،
به.
3 حسن: أخرجه أحمد "3/ 412و 413"، والنسائي في "المجتبى"
"5/ 270"، وفي "الكبرى" "4067"، وابن ماجه "3035"، وابن
أبي عاصم في "الآحاد والمثاني "1449"، والطبراني في
"الكبير" "19/ 78" من طريق أيمن بن نابل، به.
قلت: إسناده حسن، أيمن بن نابل، صدوق يهم كما الحافظ في
"التقريب".
(2/197)
وقال ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد، عن عبد
الله بن لحي، عن عبد الله بن قرط، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "أفضل الأيام عند
الله يوم النحر، ثم يوم القر، يستقر فيه الناس، وهو الذي
يلي يوم النحر". قدم إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدنات، خمس أو ست، فطفقن يزدلفن إليه
بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمة خفية لم أفهمها،
فقلت للذي إلى جنبي: ما قال؟ قال: قال: "من شاء اقتطع".
حديث حسن1.
وقال هشام، عن ابن سيرين، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُوْلَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمى الجمرة، ثم
رجع إلى المنزلة بمنى، فذبح، ثم دعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه
الأيمن، فحلقه، فجعل يقسمه الشعرة والشعرتين، ثم أخذ بشق
رأسه الأيسر فحلقه، ثم قال: ههنا أبو طلحة؟ فدفعه إلى أبي
طلحة. رواه مسلم2.
وقال أبان العطار: حدثنا يحيى، قال: حدثني أبو سلمة، أن
محمد بن عبد الله بن زيد حدثه، أن أباه شهد المنحر عِنْد
رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقسم بين
أصحابه ضحايا، فلم يصبه ولا رفيقه. قال: فحلق رسول الله
صلى الله عليه وسلم رأسه في ثوبه فأعطاه، فقسم منه على
رجال، وقلم أظفاره فأعطى صاحبه، فإنه لمخضوب عندنا بالحناء
والكتم3.
وقال علي بن الجعد: حدثنا الربيع بن صبيح، عن يزيد
الرقاشي، عن أنس، قال: حج رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رحل رث وقطيفة تساوي، أو لا
تساوي، أربعة دراهم، وقال: "اللهم حجة لا رياء فيها ولا
سمعة"4. يزيد ضعيف.
وقال أبو عميس، عن قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بنِ
شِهَابٍ، قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر -رضي الله عنه-
فقال: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، آيَة فِي كِتَابكُم
تَقْرَؤُونهَا لوعلينا معشر اليهود نَزَلَتْ لاَتَّخَذْنَا
ذَلِكَ اليَوْم عيداً. قَالَ: أَيّ آية؟ قال: {الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "4/ 350"، وأبو داود "1765"، والحاكم
"4/ 221" من طريق ثور بن يزيد، به. وصححه الحاكم، ووافقه
الذهبي، وهو كما قالا.
ويوم القر: هو اليوم الذي يلي يوم النحر، سمي بذلك؛ لأن
الناس يقرون فيه بمنى، وقد فرغوا من طواف الإفاضة والنحر،
فاستراحوا وقروا.
2 صحيح: أخرجه مسلم "1305" "324" من طريق حفص بن غياث، عن
هشام، به.
3 صحيح: أخرجه أحمد "4/ 42"، وابن خزيمة "2931" و"2932" من
طريق أبان العطار، به.
4 ضعيف: آفته يزيد بن أبان الرقاشي، قال النسائي وغيره:
متروك.
وقال الدارقطني وغيره: ضعيف. وقال أحمد: كان يزيد منكر
الحديث.
(2/198)
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الْأِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] ، فقال: إني لأعلم اليوم
الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه: نزلت عَلَى
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرفات
في يوم جمعة. متفق عليه1.
وقال حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي
عمار، قال: كنت عند ابن عباس وعنده يهودي، فقرأ:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم} الآية [المائدة:
3] ، فقال اليهودي: لو أنزلت علينا لاتخذنا يومها عيدا.
فقال ابن عباس: فإنها نزلت في يوم عيد، يوم جمعة، يوم
عرفة.
صحيح على شرط مسلم.
وقال ابن جريج، عن أبي الزبير، أخبره، أنه سمع جابرا،
يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَرْمِي الجَمْرَةَ عَلَى راحلته يوم النحر،
ويقول: "خذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي
هذه". أخرجه مسلم2.
وقال إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حَدَّثَنِي أَبِي،
عَنْ ثور بن يزيد، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خطب الناس في حجة الوداع، فقال: "إن الشيطان قد يئس أن
يعبد بأرضكم، ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون
من أعمالكم، فاحذروه. أيها الناس: إني قد تركت فيكم ما إن
اعتصمتم به لن تضلوا أبدا؛ كتاب الله وسنه نبيه. إن كل
مسلم أخو المسلم، المسلمون إخوة، ولا يحل لامرئ من مال
أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس، ولا تظلموا، ولا ترجعوا
بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض".
وقال يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ:
حَدَّثَنِي يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه،
قال: وكان ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي هو الذي يصرخ يوم
عرفة تحت لبة نَاقَةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ له: "اصرخ: أيها الناس" -وكان
صيتا- "هل تدرون أي شهر هذا"؟ فصرخ، فقالوا: نعم، الشهر
الحرام. قال: "فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن
تلقوا ربكم كحرمة شهركم هذا". وذكر الحديث.
وقال الزهري، من حديث الأوزاعي، عنه، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أراد أن ينفر من منى قال:
"إنا نازلون غدا إن شاء بالمحصب بخيف بني
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "45" و"4407" و"4606" و"7268"،
ومسلم "3017" من طريق قيس بن مسلم، به.
2 صحيح: أخرجه مسلم "1297" من طريق عيسى، عن ابن جريج،
أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يَقُوْلُ: رَأَيْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرمي على
راحلته يوم النحر، ويقول: "لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري
لعلي لا أحج بعد حجتي هذه".
(2/199)
"كنانة، حيث تقاسموا على الكفر". وذلك أن
قريشا تقاسموا على بني هاشم وعلى بني عبد المطلب أن لا
يناكحوهم ولا يخالطوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم. اتفقا عليه1.
وقال أَفلح بن حُمَيْدٍ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ،
قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم ليالي الحج. قالت: فلما تفرقنا من منى نزلنا
المحصب. وذكر الحديث. متفق عليه2.
وقال أبو إسحاق السبيعي، عن زيد بنِ أَرْقَمَ: أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزا تسع
عشرة غزوة، وحج بعد ما هاجر حجة الوداع، لم يحج بعدها.
قال أبو إسحاق من قبله: وواحدة بمكة. اتفقا عليه3.
ويروى عن ابن عباس أنه كان يكره أن يقال: حجة الوداع،
ويقول: حجة الإسلام.
وقال زيد بن الحباب: حدثنا سُفْيَانَ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ ثلاث حجج قبل أن
يهاجر، وحجة بعدما هاجر معها عمرة، وساق ستا وثلاثين بدنة،
وجاء علي بتمامها من اليمن، فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة
من فضة، فنحرها رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
تَفَرَّدَ به زيد، وقيل: إنه أخطأ، وإنما يروى عن سفيان،
عن أبي إسحاق، عن مجاهد؛ مرسلا.
قال أبو بكر البيهقي: قوله: "وحجة معها عمرة" فإنما يقول
ذلك أنس -رضي الله عنه- ومن ذهب من الصحابة إلى أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرن.
فأما من ذهب إلى أنه أفرد، فإنه لا يكاد تصح عنده هذه
اللفظة لما في إسناده من الاختلاف وغيره.
وقال وكيع: عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: حج
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَ
حجج؛ حجتين وهو بمكة قبل الهجرة، وحجة الوداع، والله أعلم.
وفي آخر السنة: كان ظهور الأسود العنسي، وسيأتي ذكره.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "1590"، ومسلم "1314" "344" من طريق
الوليد بن مسلم، حدثنا الاوزاعي، حدثني الزُّهْرِيِّ، عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "1560"، ومسلم "1211" "123" من طريق
أفلح بن حميد، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "4404" ومسلم "1254" "218" من طريق
زهير بن حرب، حدثنا أبو إسحاق السبيعي قال: حدثني زيد بن
أرقم، به.
(2/200)
سنة إحدى عشرة:
سرية أسامة:
في يوم الاثنين لأربع بقين من صفر.
ذكر الواقدي أنهم قالوا: أمر النبي صلى الله عليه وسلم
بالتهيؤ لغزو الروم، ودعا أسامة بن زيد، فقال: سر إلى موضع
مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فأغر
صباحا على أهل أبنى، وأسرع السير، تسبق الأخبار. فإن ظفرت
فأقلل اللبث فيهم، وقدم العيون والطلائع أمامك.
فلما كان يوم الأربعاء، بدئ برسول الله صلى الله عليه وسلم
وجعه، فحم وصدع. فلما أصبح يوم الخميس، عقد لأسامة لواء
بيده، فخرج بلوائه معقودا؛ يعني أسامة. فدفعه إلى بريدة بن
الحصيب الأسلمي، وعسكر بالجرف. فلم يبق أحد من وجوه
المهاجرين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة؛ فيهم أبو
بكر، وعمر، وأبو عبيدة.
فتكلم قوم، وقالوا: يستعمل هذا الغلام على هؤلاء؟ فقال ابن
عيينة، وغيره، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، سَمِعَ
ابْنَ عمر يَقُوْلُ: أَمَرَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة، فطعن الناس في إمارته، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنْ يَطْعَنُوا فِي
إِمَارَتِهِ فَقَدْ طَعَنُوا فِي إِمَارَةِ أَبِيْهِ،
وَايمُ اللهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيْقاً للإمارة، وإن كان من
أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ ابْنَهُ هَذَا لَمِنْ
أحب الناس إلي بعده". متفق على صحته.
قال شيبان، عن قتادة: جميع غزوات النبي صلى الله عليه وسلم
وسراياه: ثلاث وأربعون.
ثم دخل شهر ربيع الأول، وبدخوله تكملت عشر سنين من التاريخ
للهجرة النبوية.
والحمد لله وحده.
(2/201)
فصل في معجزاته صلى
الله عليه وسلم:
سوى ما مضى في غضون المغازي:
قال حاتم بن إسماعيل، عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة، عن
عُبَادَةُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ،
قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار،
قبل أن يهلكوا، فكان أول من لقينا أبو اليسر صَاحِبِ
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه
غلام له. فذكر الحديث، ثم قال: حتى أتينا جابر بن عبد الله
في مسجده فقال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
نزلنا واديا أفيح، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي
حاجته واتبعته بإداوة من ماء، فَنَظَرَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ ير شيئا يستتر
به، وإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال:
"انقادي علي بإذن الله". فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي
يصانع قائدة، حتى أتى الشجرة الأخرى، فأخذ بغصن من
أغصانها، فقال: "انقادي علي بإذان الله". فانقادت معه
كذلك، حتى إذا كان بالمنصف1، فيما بينهما، لأم بينهما،
فقال: "التئما علي بإذان الله". فالتأمتا، قال جابر: فخرجت
أحضر مخافة أن يحس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربي
-يعني فيتبعد- فجلست أحدث نفسي، فحانت مني لفتة، فإذا أنا
برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا، وإذا الشجرتان قد
افترقتا، فَرَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقف وقفة فقال برأسه هكذا، يمينا
وشمالا، ثم أقبل، فلما انتهى إلي قال: "يا جابر هل رأيت
مقامي"؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: فانطلق إلى الشجرتين
فاقطع من كل واحدة غصنا فأقبل بهما، حتى إذا قمت مقامي
فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك، قال: فقمت فأخذت حجرا
فكسرته وجشرته، فانذلق2 لي، فأتيت الشجرتين فقطعت من كل
واحدة منهما غصنا، ثم أقبلت أجرهما، حتى إذا قمت مقام رسول
الله صلى الله عليه وسلم أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن
يساري، ثم لحقت، فقلت: قد فعلت يا رسول الله فعم ذاك. قال:
"إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما ما
دام الغصنان رطبين".
__________
1 المنصف: المنتصف.
2 وجشرته: شققته. فانذلق: أي صار له حد يقطع.
(2/202)
ثم ذكر حديثا طويلا، وفيه إعواز الناس
الماء، وأنه أتاه بيسير ماء فوضع يده فيه في قصة، قال:
فرأيت الماء يتفور من بين أصابعه، فاستقى منه الناس حتى
رووا. أخرجه مسلم1.
وقال الأعمش وغيره، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ، قال: بينما نحن فِي سَفَرٍ مَعَ
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إذ حضرت الصلاة،
وليس معنا ماء إلا يسير، فدعا بماء، فصبه في صحفة، ووضع
كفه فيه، فجعل الماء يتفجر من بين أصابعه، فأقبل الناس
فتوضئوا وشربوا.
قال الأعمش: فحدثت به سالم بن أبي الجعد فقال: حدثنيه
جابر، فقلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: خمس عشرة مائة.
أخرجه البخاري2.
وقال عمرو بن مرة، وحصين بن عبد الرحمن، عن سالم بن أبي
الجعد، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم في سفر، فأصابنا عطش، فجهشنا
إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فوضع يده في تور من ماء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه
كأنه العيون، فقال: "خذوا باسم الله"، فشربنا فوسعنا
وكفانا، ولو كنا مائة ألف لكفانا. قلت: كم كنتم؟ قال: ألفا
وخمس مائة3. صحيح.
وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن عمر بن
الخطاب، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ على الحجون لما آذاه المشركون، فقال:
"اللهم أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها". قال:
فأمر فنادى شجرة فأقبلت تخد الأرض، حتى انتهت إليه، ثم
أمرها فرجعت.
وروى الأعمش نحوه، عن أبي سفيان، عن أنس.
وروى المبارك بن فضالة نحوا منه، عن الحسن مرسلا.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "3012"، والبيهقي في "دلائل النبوة"
"6/ 7-10" من طريق حاتم بن إسماعيل، به.
قوله: "البعير المخشوش": قال النووي في "شرحه على مسلم":
هو الذي يجعل في أنفه خشاش -بكسر الخاء- وهو عود يجعل في
أنف البعير إذا كان صعبا، ويشد فيه حبل ليذل وينقاد، وقد
يتمانع لصعوبته، فإذا اشتد عليه وآلمه انقاد شيئا، ولهذا
قال: الذي يصانع قائده.
2 صحيح: أخرجه البخاري "5639" من طريق الأعمش، قال: حدثني
سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3576" و"4152" من طريق حصين، به.
وأخرجه مسلم "2279" من طرق عن أنس، به.
(2/203)
وقال عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ أَبَانٍ:
حَدَّثَنَا محمد بن فضيل، عن أبي حيان، عن عطاء، عن ابن
عمر، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سفر، فأقبل أعرابي، فلما دنا منه
قال: "أين تريد"؟ قال الأعرابي: إلى أهلي. قال: "هل لك إلى
خير"؟ قال: ما هو؟ قال: "تسلم". قال: هل من شاهد؟ قال: هذه
الشجرة، فدعاها فأقبلت تخد الأرض خدا، فقامت بين يديه،
فاستشهد ثلاثا، فشهدت له كما قال، ثم رجعت إلى منبتها،
ورجع الأعرابي إلى قومه، فقال: إن يتبعوني آتك بهم، وإلا
رجعت إليك فكنت معك. غريب جدا، وإسناده جيد. أخرجه الدارمي
في "مسنده" عن محمد بن طريف، عن ابن فضيل.
وقال شريك، عن سماك، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس: جاء
أعرابي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: بم أعرف أنك رسول الله؟ قال: "أرأيت لو
دعوت هذا العذق من هذه النخلة، أتشهد أني رسول الله"؟ قال:
نعم. فدعاه، فجعل ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض. فجعل
ينقز، حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ له: "ارجع". فرجع حتى عاد إلى
مكانه. فقال: أشهد أنك رسول الله، وآمن. رواه البخاري في
"تاريخه" عن محمد بن سعيد ابن الأصبهاني عنه.
وقال يونس بن بكير، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي
الزبير، عن جابر، قَالَ: خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لحاجته، وتبعته بالإداوة، فإذا
شجرتان بينهما أذرع فقال: "انطلق فقل لهذه الشجرة: الحقى
بصاحبتك حتى أجلس خلفهما". ففعلت، فرجعت حتى لحقت
بصاحبتها، فجلس خلفهما حتى قضى حاجته، ثم رجعتا.
وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس،
قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رجل من بني عامر، فقال: إنى أطب الناس، فإن كان
بك جنون داويتك. فقال: "أتحب أن أريك آية"؟ قال: نعم. قال:
"فادع ذاك العذق". فدعاه، فجاءه ينقز على ذنبه، حتى قام
بين يديه، ثم قال: "ارجع" فرجع، فقال: يا لعامر، ما رأيت
رجلا أسحر من هذا.
أخبرنا عمر بن محمد وغيره، قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر،
قال: أخبرنا عبد الأول بن عيسى، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن
محمد الداودي، قال أخبرنا عبد الله بن حمويه، قال: أخبرنا
عيسى بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بسمرقند،
قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن إسماعيل بن عبد الملك،
عن أبي الزبير، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم في سفر، وكان لا
يأتي البراز حتى يتغيب فلا يرى، فنزلنا بفلاة من الأرض ليس
فيها شجر ولا علم، فقال: "يا جابر اجعل في إداوتك ماء ثم
انطلق بنا". قال: فانطلقنا حتى لا
(2/204)
نرى، فإذا هو بشجرتين بينهما أربعة أذرع،
فقال: "انطلق إلى هذه الشجرة فقل: يقول لك: الحقي بصاحبتك
حتى أجلس خلفكما". فرجعت إليها، فجلس رسول الله صلى الله
عليه وسلم خلفهما، ثم رجعتا إلى مكانهما.
فركبنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بيننا كأنما
علينا الطير تظلنا، فعرض له امرأة معها صبي، فقالت: يا
رسول الله إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات.
فتناوله فجعله بينه وبين مقدم الرحل ثم قال: "اخس عدو
الله، أنا رسول الله، اخس عدو الله، أن رسول الله"، ثلاثا،
ثم دفعه إليها. فلما قضينا سفرنا مررنا بذلك المكان، فعرضت
لنا المرأة معها صبيها ومعها كبشان تسوقهما، فقالت: يا
رسول الله اقبل مني هديتي، فوالذي بعثك بالحق ما عاد إليه
بعد، فقال: "خدوا منها واحدا وردوا عليها الآخر". قال: ثم
سرنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا كأنما علينا
الطير تظلنا، فإذا جمل ناد حتى إذا كان بين السماطين خر
ساجدا، فجلس رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَقَالَ على الناس: "من صاحب الجمل"؟ فإذا فتية
من الأنصار قالوا: هو لنا يا رسول الله. قال: "فما شأنه"؟
قالوا: استنينا عليه منذ عشرين سنة، وكانت له شحيمة،
فأردنا أن ننحره فنقسمه بين غلماننا فانفلت منا. قال:
"بيعونيه". قالوا: هو لك يا رسول الله. قال: "أما لي
فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله". فقال المسلمون عند ذلك: يا
رسول الله نحن أحق بالسجود لك من البهائم، قال: "لا ينبغي
لشيء أن يسجد لشيء، ولو كان ذلك كان النساء لأزواجهن".
رواه يونس بن بكير، عن إسماعيل، وعنده: "لا ينبغي لبشر أن
يسجد لبشر" وهو أصح.
وقد رواه بمعناه يونس بن بكير، ووكيع، عن الأعمش، عن
المنهال بن عمرو، عن يعلى بن مرة، عن أبيه، قال: سافرت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت منه أشياء: نزلنا
منزلا فقال: "انطلق إلى هاتين الأشاءتين فقل: إن رسول الله
يقول لكما أن تجتمعا". وذكر الحديث.
مرة: هو ابن أبي مرة الثقفي. وقد رواه وكيع مرة، فقال فيه:
عن يعلى بن مرة، قال: رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم
عجبا ... الحديث. قال البخاري: إنما هو عن يعلى نفسه.
قلت: ورواه البيهقي من وجهين، من حديث عطاء بن السائب، عن
عبد الله بن حفص، ومن حديث عمر بن عبد الله بن يعلى، عن
أبيه، كلاهما عن يعلى نفسه.
وقال مهدي بن ميمون: أخبرنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ، عن الحَسَنِ بنِ سَعْدٍ مَوْلَى
الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ،
قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يوم خلفه،
(2/205)
فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثاً لاَ أُحَدِّثُ
بِهِ أَحَداً، وكان أحب ما استتر به لحاجته هدف أو حائش
نخل، فدخل حائطا لرجل من الأنصار، فإذا فيه جَمَلٌ،
فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حن إليه وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه
وسلم فسمح ذفريه فسكن، فقال: "ألا تتقي الله في هذه
البهيمة التي ملكت الله إياها، فإنه شكا لي أنك تجيعه
وتدئبه". أخرج مسلم1 منه إلى قوله: "حائش نخل".
وباقيه على شرط مسلم.
وقال إسماعيل بن جعفر: حدثنا عمرو بن أبي عمرو، عن رجل من
بني سلمة -ثقة- عن جابر بن عبد الله أن ناضحا لبعض بني
سلمة اغتلم، فصال عليهم وامتنع حتى عطشت نخله، فَانْطَلَقَ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فاشتكى ذلك إليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انطلق.
وذهب النبي صلى الله عليه وسلم معه، فلما بلغ باب النخل
قال: يا رسول الله لا تدخل. قال: "اخلوا لا بأس عليكم".
فلما رآه الجمل أقبل يمشي واضعا رأسه حتى قام بين يديه،
فسجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ائتوا جملكم
فاخطموه وارتحلوه"، ففعلوا، وقالوا: سجد لك يا رسول الله
حين رآك، قال: "لا تقولوا ذلك لي، لا تقولوا ما لم أبلغ،
فلعمري ما سجد لي ولكن الله سخره لي".
وقال عفان: حدثنا حماد بن سلمة، قال: سمعت شيخا من قيس
يحدث عن أبيه قال: جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم وعندنا
بكرة صعبة لا نقدر عليها، فدنا منها رسول الله صلى الله
عليه وسلم فمسح ضرعها فحفل فاحتلب وشرب.
وفي الباب حديث عبد الله بن أبي أوفى، تفرد بن فائد بو
الورقاء، وهو ضعيف، وحديث لجابر آخر تفرد به الأجلح، عن
الذيال بن حرملة عنه. أخرجه الدارمي وغيره.
وقال يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مجَاهِدِ، عَنْ
عائشة، قالت: كان لأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش
فإذا خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لعب وذهب وجاء. فإذا جَاءَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربض فلم يترمرم2، ما
دام رسول الله في البيت. صحيح.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا المسعودي عن الحسن بن سعد،
عن عبد الرحمن بن عبد
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "342" مختصرا من طريق مهدي "وهو ابن
مَيْمُوْنٍ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
أَبِي يعقوب؛ به.
قوله: "هدف أو حائش نخل": الهدف ما ارتفع من الأرض. وحائش
النخل بستان النخل.
2 ربض: يربض في المكان إذا لصق به وأقام ملازما له.
ويترمرم: أي سكن ولم يتحرك.
(2/206)
الله بن مسعود، عن أبيه قَالَ: كُنَّا مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سفر
فدخل رجل غيضة فأخرج بيضة حمرة، فجاءت الحمرة ترفرف على
رأس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال: "أيكم فجمع
هذه".
فقال رجل: أنا أخذت بيضتها. فقال: "رده رده رحمة لها".
عبد الرحمن لم يسمع من أبيه.
وقال أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاري: حدثنا علي بن
قادم، قال: حدثنا أبو العلاء خالد بن طهمان، عن عطية، عن
أبي سعيد، قَالَ: مَرَّ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم بظبية مربوطة إلى خباء، فقالت: يا رسول الله
حلني حتى أذهب فأرضع خشفي، ثم أرجع، فتربطني، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "صيد قوم وربيطة قوم". قال: فأخذ
عليها فحلفت له. فحلها، فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت وقد
نفضت ما في ضرعها، فربطها رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ استوهبها منهم، فوهبوها له،
فحلها، ثم قال: "لو تعلم البهائم من الموت ما تعلمون ما
أكلتم منها سمينا أبدا".
علي، وأبو العلاء صدوقان، وعطية فيه ضعف. وقد روي نحوه عن
زيد بن أرقم.
وقال القاسم بن الفضل الحداني، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد
الخدري قال: بينما راع يرعى بالحرة، إذا عرض ذئب لشاة،
فحال الراعي بين الذئب والشاة، فأقعى الذئب على ذنبه، ثم
قال للراعي: ألا تتقى الله تحول بيني وبين رزق ساقه الله
إلي؟ فقال الراعي: العجب من ذئب مقع على ذنبه يتكلم بكلام
الإنس! فقال الذئب: ألا أحدثك بأعجب مِنِّي: رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الحرتين يحدث
الناس بأنباء ما قد سبق. فساق الراعي شاءه حتى أتى المدينة
فزواها زاوية، ثم دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحدثه بحديث الذئب، فخرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فقال الراعي: "قم
فأخبرهم". قال: فأخبر الناس بما قال الذئب، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "صدق الراعي، ألا أنه من أشراط الساعة
كلام السباع للإنس، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى
تكلم السباع الإنس، ويكلم الرجل شراك نعله وعذبة سوطه،
ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده". أخرجه الترمذي، وقال:
صحيح غريب.
وقال عبد الحميد بن بهرام، ومعقل بن عبيد الله، عَنْ
شَهْرِ بنِ حَوْشَبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أو عن أبي
سعيد الخدري نحوه. وهو حديث حسن صحيح الإسناد.
وقال سفيان بن حمزة: حدثنا عبد الله بن عامر الأسلمي، عن
ربيعة بن أوس، عن أنس
(2/207)
ابن عمرو، عن أهبان بن أوس، أنه كان في غنم
له، فكلمه الذئب، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم.
قال البخاري: ليس إسناده بالقوي.
وقال يوسف بن عدي: حدثنا جعفر بن جسر، قال: أخبرني أبي،
قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَرْمَلَةَ، عَنْ
سَعِيْدِ بن المسيب، قال: قال ابن عمر: كان راع عَلَى
عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في غنم له، إذ جاء الذئب فأخذ شاة، ووثب الراعي حتى
انتزعها من فيه فقال له الذئب: أما تتقي الله أن تمنعني
طعمة أطعمنيها الله تنزعها مني! وذكر الحديث.
وقال مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ونحن نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
البخاري1.
وقال قريش بن أنس: حدثنا صالح بن أبي الاخضر، عن الزهري،
عن رجل، قال: سمعت أبا ذر -رضي الله عنه- يقول: لا أذكر
عثمان إلا بخير بعد شيء رأيته: كنت رجلا أتتبع خلوات رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته وحده، فجلست، فجاء أبو
بكر فسلم وجلس، ثم جاء عمر، ثم عثمان، وبين يدي النبي صلى
الله عليه وسلم سبع حصيات، فأخذهن فوضعهن في كفه، فسبحن
حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم أخذهن
فوضعهن في يد أبي بكر فسبحن، ثم وضعهن فخرسن، ثم وضعهن في
يد عمر فخرسن، ثم وضعهن في يد عثمان فسبحن، ثم وضعهن
فخرسن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه خلافة
النبوة".
صالح لم يكن حافظا، والمحفوظ رواية شُعَيْبُ بنُ أَبِي
حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: ذكر الوليد بن سويد
إن رجلا من بني سليم كبير السن، كان ممن أدرك أبا ذر
بالربذة ذكر له، فذكر هذا الحديث عن أبي ذر.
ويروى مثله عن جبير بن نفير، وعن عاصم بن حميد، عن أبي ذر.
وجاء مثله عن أنس من وجهين منكرين.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3579" حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا
أبو أحمد الزبيري حدثنا إسرائيل، عن منصور، به.
وتمامه "كنا نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفا،
كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
في سفر فقل الماء، فقال: "اطلبوا فضلة من ماء"، فجاءوا
بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الاناء ثم قال: "حي على
الطهور المبارك، والبركة من الله"، فلقد رأيت الماء ينبع
من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كنا نسمع
تسبيح الطعام وهو يؤكل".
(2/208)
وقال عبد الواحد بن أيمن: حدثني أبي، عَنْ
جَابِرٍ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو إلى نخلة،
فقيل: ألا نجعل لك منبرا؟ قال: "إن شئتم". فجعلوا له
منبرا، فلما كان يوم الجمعة ذهب إلى المنبر، فصاحت النخلة
صياح الصبي، فنزل فضمها إليه. كانت تئن أنين الصبي الذي
يسكت قال: "كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها".
البخاري. ورواه جماعة عن جابر.
وقال أبو حفص بن العلاء المازني -واسمه عمر- عَنْ نَافِعٍ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخطب إلى جذع، فلما وضع له المنبر
حن إليه حتى أتاه فمسحه، فسكن.
أخرجه البخاري1 عن ابن مثنى، عن يحيى بن كثير، عنه، وهو من
غرائب الصحيح.
وقال عَبْدُ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، عَنْ
الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه، كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إلى جذع ويخطب إليه،
فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فلما جاوز
النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الجذع خار حتى تصدع وانشق،
فنزل النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الجذع، فمسحه
بيده، ثم رجع إلى المنبر، فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع
أبي فكان عنده في بيته حتى بلي وأكلته الأرضة وعاد رفاتا.
روى من وجهين عن ابن عقيل2.
مالك بن أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال: "هل ترون قبلتي ههنا، فوالله ما يخفى علي
ركوعكم ولا سجودكم، إني لأراكم وراء ظهري". متفق عليه3.
قال الشافعي: هذه كرامة من الله أبانه بها من خلفه.
وقال المختار بن فلفل، عن أنس نحوه، وفيه: "فإني أراكم من
أمامي ومن خلفي، وايم
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3583" حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا
يحيى بن كثير أبو غسان، حدثنا أبو حفص واسمه عمر بن العلاء
أخو أبي عمرو بن العلاء قال سمعت نافعا عن ابن عمر -رضي
الله عنهما- كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع،
فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجذع، فأتاه فمسح يده
عليه".
2 عبد الله بن محمد بن عقيل الباوردي، صاحب النجاد، ضعيف،
قال عبد الرحمن بن مندة: قال لي: من لم يكن معتزليا فليس
بمسلم.
3 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه مالك "1/ 167"، وأحمد "2/
303و 375"، والبخاري "418" و"741"، ومسلم "424"، والبيهقي
في "دلائل النبوة" "6/ 73"، والبغوي "3712" من طريق أَبِي
الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، به.
(2/209)
الذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم
قليلا ولبكيتم كثيرا". قالوا: يا رسول الله وما رأيت؟ قال:
"رأيت الجنة والنار". أخرجه مسلم1.
وقال بشر بن بكر: حدثنا الأوزاعي، عن ابن شهاب، قال:
أخبرني القاسم بن محمد، عن عائشة، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا
مستترة بقرام فيه صورة، فهتكه، ثم قال: "إن أشد الناس
عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله" 2.
قال الأوزاعي: قالت عائشة: أَتَانِي رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببرنس فيه تمثال عقاب، فوضع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه فأذهبه الله -عز
وجل- وهذه الزيادة منقطعة.
وقال عاصم، عن زر، عبد الله، قال: كنت غلاما يافعا في غنم
لعقبة بن أبي معيط أرعاها، فأتى عَلَى رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه أبو بكر، فقال:
"يا غلام هل عندك لبن"؟ قلت: نعم ولكن مؤتمن. قال: "فائتني
بشاة لم ينز عليها الفحل". فأتيته بعناق جذعة، فاعتقلها
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ
دعا ومسح ضرعها حتى أنزلت، فاحتلب في صحفة، وسقى أبا بكر،
وشرب بعده، ثم قال للضرع: "اقلص"، فقلص فعاد كما كان، ثم
أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فقلت: "عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا القَوْلِ"،
فَمَسَحَ رَأْسِي، وَقَالَ: "إنك غلام معلم"، فأخذت عنه
سبعين سورة ما نازعنيها بشر. إسناده حسن قوي.
مالك، عَنْ إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي
طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قال: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد
سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا، أعرف فيه
الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم. فأخرجت أقراصا من
شعير، ثم أخذت خمارا لها فلفته فيه، ودسته تحت ثوبي،
وأرسلتني إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فوجدته جالسا في المسجد ومعه الناس، فقمت
عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسلك أبو
طلحة"؟ قلت: نعم. فقال لمن معه: "قوموا". قال: فانطلق
وانطلقت بين أيديهم، حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال: يا
أم سليم قد جَاءَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "426" "112" من طريق علي بن مسهر، عن
المختار بن فلفل، عن أنس قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يوم، فلما
قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه، فقال: "أيها الناس، إني
إمامكن، فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا
بالانصراف، فإني أراكم أمامي ومن خلفي: ثم قال: "والذي نفس
محمد بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبلكيتم كثيرا".
قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قال: "رأيت الجنة والنار".
2 أخرجه ابن أبي شيبة "8/ 483"، والبخاري "6109"، ومسلم
"2107" "91"، والنسائي "8/ 214"، والطحاوي في "شرح معاني
الآثار" "4/ 283"، والبيهقي "7/ 267" من طرق عن الزهري،
به.
قوله: "وهي مستترة": أي متخذة سترا. والقرام: هو الستر
الرقيق.
(2/210)
وليس عندنا ما نطعمهم. فقالت: الله ورسوله
أعلم. قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فأقبل معه حتى دخل، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "هلمي ما عندك يا أم سليم". فأتت بذلك الخبز،
فأمر بِهِ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ففت، وعصرت عليه أم سليم عكة لها فأدمته، ثم
قَالَ فِيْهِ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا شاء الله أن يقول، ثم قال: "ائذن لعشرة"،
فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، فأكل القوم وشبعوا، وهم سبعون
أو ثمانون رجلا. متفق عليه1. وقد مر مثل هذا في غزوة
الخندق من حديث جابر.
وقال سليمان التيمي، عن أبي العلاء، عن سمرة بن جندب،
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أتي بقصعة، فيها طعام، فتعاقبوها إلى الظهر منذ غدوه، يقوم
قوم ويقعد آخرون، فقال رجل لسمرة: هل كانت تمد؟ قال: فمن
أيش تعجب؟ ما كانت تمد إلا من ههنا، وأشار إلى السماء،
وأشار يزيد بن هارون إلى السماء. هذا حديث صحيح2.
وقال زيد بن الحباب، عن الحسين بنِ وَاقِدٍ: حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، عن أبيه، أن سلمان أتى النبي
صلى الله عليه وسلم بهدية، فقال: "لمن أنت"؟ قال لقوم.
قال: "فاطلب إليهم أن يكاتبوك". قال: فكاتبوني على كذا
وكذا نخلة أغرسها لهم، ويقوم عليها سلمان حتى تطعم، قَالَ
فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فغرس النخل كله، إلا نخلة واحدة غرسها عمر، فأطعم نخله من
سنته إلا تلك النخلة، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ غرسها"؟ قالوا: عمر، فغرسها
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِيَدِهِ، فحملت من عامها3. رواته ثقات.
أخبرنا ابن أبي عمر، وابن أبي الخير كتابة، عن محمد بن
أحمد وجماعة، أن فاطمة بنت عبد الله أخبرتهم، قالت: أخبرنا
ابن ريذة، قال: أخبرنا الطبراني، قال: حدثنا الوليد بن
حماد الرملي، قال: حدثنا عبد الله بن الفضل، قال: حدثني
أبي، عن أبيه عاصم بن عمر،
__________
1 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه مالك "6/ 927-928" ومن
طريقه أخرجه البخاري "422" و"3587" و"5381" و"6688"، ومسلم
"2040"، واللالكائي في "أصول الاعتقاد" "1483"، والبيهقي
في "السنن" "7/ 273"، وفي "دلائل النبوة" " 6/ 88"، وفي
الاعتقاد "ص280"، والبغوي "3721".
2 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه ابن أبي شيبة "11/ 366"،
وأحمد "5/ 12و 18"، والترمذي "3625"، والدارمي "1/ 30"،
والطبراني في "الكبير" "6967"، وأبو نعيم في "دلائل
النبوة" "335"، والبيهقي في "دلائل النبوة" "6/ 93" من
طريق يزيد بن هارون أخبرنا سليمان التيمي، به.
3 حسن: أخرجه أحمد "5/ 354" من طريق زيد بن الحباب، حدثني
حسين بن واقد، به.
قلت: إسناده حسن، زيد بن الحباب، صدوق يخطئ كما قال الحافظ
في "التقريب".
(2/211)
عن أبيه، عن جده قتادة بن النعمان، قال:
أهدي إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قوس، فدفعها إلي يوم أحد، فرميت بها بين يديه
حتى اندقت عن سيتها، ولم أزل عن مقامي نصب وَجْهِ رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْقَى السهام
بوجهي، كلما مال سهم منها إلى وَجْهِ رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميلت رأسي لأقي وجهه،
فكان آخر سهم ندرت منه حدقتي على خدي، وافترق الجمع، فأخذت
حدقتي بكفي، فسعيت بِهَا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رآها في كفي دمعت عيناه
فقال: "اللهم إن قتادة فدى وجه نبيك بوجهه، فاجعلها أحسن
عينيه وأحدهما نظرًا" فكانت أحد عينيه نظرا. غريب وروي من
وجه آخر ذكرناه.
وقال حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا المُهَاجِرُ مَوْلَى
آلِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمَرَاتٍ، فَقُلْتُ: ادْعُ
لِي فِيْهِنَّ بالبركة. قال: فَقَبَضَهُنَّ ثُمَّ دَعَا
فِيْهِنَّ بِالبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: "خُذْهُنَّ
فَاجْعَلْهُنَّ فِي مِزْوَدٍ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ
تَأْخُذَ مِنْهُنَّ، فَأَدْخِلْ يَدَكَ، فَخُذْ وَلاَ
تَنْثُرْهُنَّ نثرا". قال: فَحَمَلْتُ مِنْ ذَلِكَ
التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا وَسْقاً فِي سَبِيْلِ اللهِ،
وَكُنَّا نَأْكُلُ وَنُطْعِمُ، وَكَانَ المِزْوَدُ
مُعَلَّقاً بَحَقْوِي لاَ يُفَارِقُ حَقْوِي، فَلَمَّا قتل
عثمان انقطع، أخرجه الترمذي، وقال: حسن غريب.
وروي في "جزء الحفار" من حديث أبي هريرة، وفيه: فَأَخَذْتُ
مِنْهُ خَمْسِيْنَ وَسْقاً فِي سَبِيْلِ اللهِ، وكان
مُعَلَّقاً خَلْفَ رَحْلِي، فَوَقَعَ فِي زَمَانِ
عُثْمَانَ فذهب. وله طريق أخرى غريبة.
وقال معقل بن عبيد الله، عن أبي الزبير، عن جابر، أَنَّ
رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه
وامرأته ومن ضيفاه حتى كاله، فأتى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: "لو لم تكله
لأكلتم منه وأقام لكم" 1.
وكانت أم مالك تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها
سمنا، فيأتيها بنوها فيسألون الأدم، وليس عندهم شيء، فتعمد
إلى الذي كانت تهدي فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
فتجد فيه سمنا، فما زال يقيم لها أدم بنيها حتى عصرته،
فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "أعصرتيها"؟ قالت:
نعم، قال: "لو تركتيها مازال قائما". أخرجه مسلم2.
__________
1 أخرجه مسلم "2281" حدثني سلمة بن شبيب، حدثنا الحسن بن
أعين، حدثنا معقل بن عبيد الله، به.
2 أخرجه مسلم "2280" حدثني سلمة بن شبيب، حدثنا الحسن بن
أعين، حدثنا معقل، عن أبي الزبير، عن جابر أن أم مالك كانت
تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنا فيأتيها
بنوها فيسألون الأدم.." الحديث.
(2/212)
وقال طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم في مسير. فنفدت
أزواد القوم، حتى هم أحدهم بنحر بعض حمائلهم، فقال عمر: يا
رسول الله لو جمعت ما بقي من الأزواد فدعوت الله عليها.
ففعل، فجاء ذو البر ببره، وذو التمر بتمره، فدعا حتى إنهم
ملأوا أزوادهم، فقال عند ذلك: "أشهد أَنْ لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللهَ وَأَنِّي رَسُوْلُ الله، لا يلقى الله بهما
عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة". أخرجه مسلم1.
وروى نحوه وأطول منه المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن عبد
الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، عن أبيه -رضي الله عنه-
وزاد: فما بقي في الجيش وعاء إلا ملؤوه وبقي مثله، فضحك
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ
نَوَاجِذُه، وقال: "أشهد أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ،
وَأَنِّي رَسُوْلُ الله، لا يلقى الله عبد مؤمن بها إلا
حجب عن النار"، رواه الأوزاعي عنه2.
وقال سلم بن زرير: سمعت أبا رجاء العطاردي يقول: حدثنا
عمران بن حصين أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
مسير فأدلجوا ليلتهم، حتى إذا كان في وجه الصبح عرس رسول
الله فغلبتهم أعينهم حتى ارتفعت الشمس، فكان أول من استيقظ
أبو بكر، فاستيقظ عمر بعده، فقعد عند رَأْس رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يكبر ويرفع
صوته، حتى يستقيظ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَلَمَّا استيقظ والشمس قد بزغت، قال:
"ارتحلوا". فسار بنا حتى ابيضت الشمس، فنزل فصلى بنا
واعتزل رجل فلم يصل، فلما انصرف قال: "يا فلان ما منعك أن
تصلي معنا"؟ قال: يا رسول الله أصابتني جنابة. فأمره أن
يتيمم بالصعيد، ثم صلى، وعجلني رسول الله صلى الله عليه
وسلم في ركوب بين يديه أطلب الماء، وكنا قد عطشنا عطشا
شديدًا، فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين
مزادتين، قلنا لها: أين الماء؟ قالت: أي هاة فقلنا: كم بين
أهلك وبين الماء؟ قالت: يوم وليلة. فقلنا: انطلقي إِلَى
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت:
ما رسول الله؟ فلم نملكها من أمرها شيئا حتى استقبلنا
بِهَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فحدثته أنها موتمة3، فأمر بمزادتيها فمج في
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "27" "44" من طريق عبيد الله الأشجعي،
عن مَالِكُ بنُ مِغْوَل عَنْ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، به.
2 صحيح لغيره: أخرجه أحمد "3/ 417-418" حدثنا علي بن إسحاق
أخبرنا عبد الله يعني ابن المبارك، قال: أخبرنا الأوزاعي
قال: حدثني المطلب بن حنطب المخزومي، به.
قلت: إسناده حسن، المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب
المخزومي، صدوق كثير التدليس، وقد صرح بالتحديث فأمنا شر
تدليسه، وبقية رجاله ثقات، لكن الحديث يرتقي للصحة بما
قبله. والله أعلم.
3 مويمة: أي لها أيتام ترعاهم.
(2/213)
العزلاوين العلياوين، فشربنا عطاشا أربعين
رجلا حتى روينا وملأنا كل قربة معنا وكل إداوة. وغسلنا
صاحبنا، وهي تكاد تضرج من الماء، ثم قال لنا: "هاتوا ما
عندكم". فجمعنا لها من الكسر والتمر، حتى صر لها صرة فقال:
"اذهبي فأطعمي عيالك، واعلمي أنا لم نرزأ من مائك شيئا".
فلما أتت أهلها قالت: لقد أتيت أسحر الناس، أو هو نبي كما
زعموا، فهدى الله ذلك الصرم1 بتلك المرأة، فأسلمت وأسلموا.
اتفقا عليه2.
وقال حماد بن سلمة وغيره، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح،
عن أبي قتادة، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلم في سفر، فقال: "إن لا تدركوا الماء
تعطشوا". فانطلق سرعان الناس تريد الماء، ولزمت رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الليلة،
فمالت به راحلته فنعس، فمال فدعمته فادعم ومال، فدعمته
فادعم، ثم مال حتى كاد أن ينقلب، فدعمته فانتبه، فقال: "من
الرجل"؟ قلت: أبو قتادة. فقال: "حفظك الله بما حفظت به
رسول الله"، ثم قال: "لو عرسنا"، فمال إلى شجرة، فنزل
فقال: "انظر هل ترى أحدا"؟. فقلت: هذا راكب، هذان راكبان،
حتى بلغ سبعة. فقال: "احفظوا علينا صلاتنا"، قال: فنمنا
فما أيقظنا إلا حر الشمس، فانتبهنا فركب رسول الله صلى
الله عليه وسلم وسار وسرنا هنية، ثم نزلنا، فقال: "أمعكم
ماء"؟ قلت: نعم ميضأة فيها شيء من ماء. قال: فأتني بها،
فتوضئوا وبقي في الميضأة جرعة، فقال: "ازدهر 3 بها يا أبا
قتادة، فإنه سيكون لها شأن"، ثم أذن بلال فصلى الركعتين
قبل الفجر، ثم صلى الفجر، ثم ركب وركبنا، فقال بعض لبعض:
فرطنا في صلاتنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما
تقولون؟ إن كان أمر دنياكم فشأنكم، وإن كان أمر دينكم
فإلي". قلنا: فرطنا في صلاتنا. قال: "لا تفريط في النوم
إنما التفريط في اليقظة، فإذا كان ذلك فصلوها من الغد
لوقتها". ثم قال: "ظنوا بالقوم". فقلنا: إنك قلت بالأمس:
"إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا"، فأتى الناس الماء. فقال:
"أصبح الناس وقد فقدوا نبيهم"، فقال بعض القوم: أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالماء،
وفي القوم أبو بكر وعمر، قالا: أيها الناس أَنَّ رَسُوْلَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن ليسبقكم
إلى الماء ويخلفكم سقط، وإن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا
قالها ثلاثا. فلما اشتدت الظهيرة رفع لهم رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يا رسول
الله هلكنا، عطشنا، انقطعت الأعناق. قال: "لا هلك عليكم"،
ثم قال: "يا أبا قتادة ائتني بالميضأة". فأتيته بها فقال:
"حل لي غمري" -يعني قدحه- فحللته، فجعل يصب فيه ويسقي
__________
1 الصرم: الجماعة ينزلون بإبلهم ناحية من الماء.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3571"و"682" من طريق سلم بن وزير،
به.
3 ازدهر: احتفظ بها.
(2/214)
الناس، فقال: "أحسنوا الملء، فكلكم سيصدر
عن ري". فشرب القوم حتى لم يبق غيري ورسول الله صلى الله
عليه وسلم، فصب لي فقال: "اشرب"، قلت: اشرب أنت يا رسول
الله، قال: "إن ساقي القوم آخرهم شربا". فشربت ثم شرب
بعدي، وبقي من الميضأة نحو مما كان فيها، وهو يومئذ ثلاثة
مائة.
قال عبد الله: فسمعني عمران بن حصين وأنا أحدث هذا الحديث
في المسجد، فقال: من الرجل؟ فقلت: أنا عبد الله بن رباح
الأنصاري. فقال: القوم أعلم حديثهم، انظر كيف تحدث فإني
أحد السبعة تلك الليلة، فلما فرغت قال: ما كنت أحب أحسب أن
أحدا يحفظ هذا الحديث غيري. ورواه بكر بن عبد الله المزني
أيضا عن عبد الله بن رباح. رواه مسلم1.
وقال الأوزاعي: حدثني إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
أَبِي طَلْحَةَ، قال: حدثني أنس، قال: أصابت الناس سنة
عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فبينا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى المنبر يوم الجمعة يخطب الناس، فأتاه
أعرابي، فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال، فادع
الله لنا.
فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة، فوالذي نفسي بيده ما
وضعهما حتى ثارت سحابة أمثال الجبال، ثم ينزل عن المنبر
حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته، فمطرنا يومنا ذلك، ومن
الغد، ومن بعد الغد، حتى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي
أو غيره، فقال: يا رسول الله تهدم البناء وجاع العيال فادع
الله لنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال:
"اللهم حوالينا ولا علينا". فما يشير بيديه إلى ناحية من
السحاب إلا انفرجت، حتى صارت المدينة مثل الجوبة، وسال
الوادي، وادي قناة شهرا، ولم يجئ أحد من ناحية من النواحي
إلا حدث بالجود. اتفقا عليه2.
ورواه ثابت وعبد العزيز بن صهيب وغيرهما عن أنس.
وقال عثمان بن عمر: وروح بن عبادة: حدثنا شعبة، عن أبي
جعفر الخطمي، سمع عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث، عن عثمان
بن حنيف، أن رجلا ضريرا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ادع الله أن يعافيني. قال:
"فإن شئت أخرت ذلك فهو خير لك، وإن شئت دعوت
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "681" من طريق سليمان "يعني ابن
المغيرة"، حدثنا ثابت، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "1033"، ومسلم "897" "9" من طريق
الأوزاعي، به.
(2/215)
الله". قال: فادعه. قال: فأمره أن يتوضأ
فيحسن الوضوء، ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: "اللهم إني
أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- نبي
الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه،
فتقضيها لي، اللهم شفعه في وشفعني في نفسي".
ففعل الرجل فبرأ 1.
قال البيهقي: وكذلك رواه حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ
أَبِي جَعْفَرٍ الخَطْمِيّ.
وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي: حدثني أبي، عن روح بن
القاسم، عن أبي جعفر المديني الخطمي، عن أبي أمامة بن سهل
بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجاءه رجل ضرير
فشكا إليه ذهاب بصره، فقال: "ائت الميضأة فتوضأ، ثم صل
ركعتين ثم قل: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد
نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيجلي لي عن
بصري، اللهم شفعه في وشفعني في نفسي". قال عثمان: فوالله
ما تفرقنا ولا طال الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به
ضرر قط. رواه يعقوب الفسوي وغيره، عن أحمد بن شبيب.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: حاب يهودي
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"اللَّهُمَّ جمله"، قال: فاسود شعره حتى صار أشد سوادا من
كذا وكذا2.
ويروى نحوه عن ثمامة، عن أنس، وفيه: "فاسودت لحيته بعد ما
كانت بيضاء".
وقال سعيد بن أبي مريم: أخبرنا محمد بن جعفر بن أبي كثير،
قال: أخبرني سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عاصم بن عمر
بن قتادة، عن جدة قتادة بن النعمان، قال: كانت ليلة شديدة
الظلمة والمطر فقلت: لو أني اغتنمت العتمة مع النبي صلى
الله عليه وسلم ففعلت، فلما انصرف أبصرني ومعه عرجون يمشي
عليه، فقال: "يا قتادة هذه الساعة"؟ قلت: اغتنمت شهود
الصلاة معك. فأعطاني العرجون فقال: "إن الشيطان في خلفك في
أهلك فاذهب بهذا العرجون فاستعن به حتى تأتي بيتك، فتجده
في زاوية البيت فاضربه في أهلك بالعرجون".
فخرجت من المسجد فأضاء العرجون مثل الشمعة نورا، فاستضأت
به فأتيت أهلي فوجدتهم رقودا، فنظرت في الزاوية فإذا فيها
قنفذ، فلم أزل أضربه به، حتى خرج.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "4/ 138"، والترمذي "3578"، وابن ماجه
"1385"، والبيهقي في "دلائل النبوة" "6/ 166" من طريق
عثمان بن عمر، حدثنا شعبة، به.
2 ضعيف: لإرساله. وهو عند البيهقي في "الدلائل" "6/ 210".
(2/216)
عاصم عن جده ليس بمتصل، لكنه قد روي من
وجهين آخرين عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وحديث أبي
سعيد حديث قوي.
وقال حرمي بن عمارة: حدثنا عزرة بن ثابت، عن علباء بن
أحمر، قال: حدثني أبو زيد الأنصاري، قَالَ: قَالَ لِي
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: "ادن مني". قال:
فمسح بيده على رأسي ولحيتي، ثم قال: "اللهم جمله وأدم
جماله". قال: فبلغ بضعا ومائة سنة وما في لحيته بياض إلا
نبذ يسير، ولقد كان منبسط الوجه لم يتقبض وجهه حتى مات.
قال البيهقي: هذا إسناد صحيح موصول، وأبوزيد هو عمرو بن
أخطب.
وقال عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيق: حَدَّثَنَا
الحُسَيْنُ بن واقد، قال: حدثنا أبو نهيك الأزدي عن عمرو
بن أخطب -وهو أبو زيد- قال: استسقى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فأتيته بإناء فيه ماء، وفيه شعرة فرفعتها ثم
ناولته، فقال: "اللهم جمله"، قال: فرأيته ابن ثلاث وتسعين
سنة، وما في رأسه ولحيته طاقة بيضاء.
وقال مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ
أَبِي العلاء، قال: كنت عند قتادة بن ملحان في مرضه، فمر
رجل في مؤخر الدار، قال: فرأيته في وجهه، قال: وكان
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ
وجهه، قال: وكنت قلما رأيته إلا رأيته كأن على وجهه الدهان
رواه عارم، ويحيى بن معين، عن معتمر.
وقال عكرمة بن عمار: حدثنا إياس بن سلمة بن الأكوع، قال:
حدثني أبي أن رجلا أكل عِنْد رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشماله فقال: "كل بيمينك". قال: لا
أستطيع. قال: "لا استطعت، ما منعه إلا الكبر". قال: فما
رفعها إلى فيه بعد. أخرجه مسلم1.
وقال حميد: عن أنس، قال: جاء عبد الله بن سلام إِلَى
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقدمه
المَدِيْنَةِ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ
يعلمهن إِلاَّ نَبِيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ،
وَمَا أول طعام يأكله أهل الجنة، والولد ينزع إلى أبيه
وينزع إلى أمه. قال: "أخبرني بهن جبريل آنفا" -قال عبد
الله: ذاك عدو اليهود من الملائكة- "أما أول أشراط الساعة،
فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام
يَأكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوْتٍ،
وَأَمَّا الولد، فإذا سبق ماء الرجل
__________
1 حسن: أخرجه أحمد "4/ 45-46و 46و 50"، ومسلم "2021" من
طريق عكرمة، به.
قلت: إسناده حسن، عكرمة بن عمار، صدوق كما قال الحافظ في
"التقريب".
(2/217)
نزعه إلى أبيه، وإذا سبق ماء المرأة نزعة
إلى أمه". فأسلم ابن سلام. وذكر الحديث1.
أخرجه البخاري.
وقال يونس بن بكير، عن أبي معشر المدني، عن المقبري مرسلا،
فذكر نحوا منه، وفيه: "فأما الشبه فأي النطفتين سبقت إلى
الرحم فالولد به أشبه".
وقال معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام: أخبرني
أبو أسماء الرحبي أن ثوبان حدثه، قال: كنت قائما عِنْد
رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء
حبر، فقال: السلام عليك يا محمد. فدفعته دفعة كاد يصرع
منها، فقال: لم تدفعني؟ قلت: ألا تقول: يا رسول الله!
قال: إنما سميته باسمه الذي سماه به أهله. فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "إن اسمى الذي سماني به أهلى محمد".
فقال اليهودي: أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ قال:
"في الظلمة دون الجسر"، فمن أول الناس إجازة؟ قال: "فقراء
المهاجرين". قال: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال:
"زيادة كبد نون". قال: فما غذاؤهم على أثره؟ قال: "ينحر
لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها". قال: فما شرابهم
عليه؟ قال: "من عين فيها تسمى سلسبيلا"، قال: صدقت. قال:
وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو
رجل أو رجلان. قال: "ينفعك إن حدثتك"؟. قال: أسمع بأذني.
فقال: "سل". قال: جئت اسألك عن الولد، قال: "ماء الرجل
أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني
المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل
آنثا بإذن الله". فقال اليهودي: صدقت وإنك لنبي. ثم انصرف،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه سألني هذا الذي سألني
عنه، وما أعلم شيئا منه حتى أتاني الله به". رواه مسلم2.
وقال عبد الحميد بن بهرام، عن شهر، قال: حدثني ابن عباس،
قال: حضرت عصابة من اليهود يوما النبي صلى الله عليه وسلم
فقالوا: حدثنا عن خلال نسألك عنها لا يعلمها إلا نبي. قال:
"سلوا عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب
على بنيه، إن أنا حدثتكم بشيء تعرفونه لتبايعني على
الإسلام" قالوا: لك ذلك، قال: "فسلوني عما شئتم". قالوا:
أخبرنا عن أربع خلال نسألك: أخبرنا عن الطعام الذي حرم
إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، وأخبرنا عن ماء
الرجل كيف يكون الذكر منه، حتى يكون ذكرا، وكيف تكون
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3938".
2 صحيح: أخرجه مسلم "315".
(2/218)
الأنثى منه حتى تكون أنثى، ومن وليك من
الملائكة، قال: "فعليكم عهد الله لئن أنا حدثتكم
لتبايعني"، فأعطوه ما شاء الله من عهد وميثاق، قال:
"أنشدكم بالله الذي أنزل التورة على موسى، هل تعلمون أن
إسرائيل يعقوب مرض مرضا شديدا طال سقمه منه، فنذر لله لئن
شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه: ألبان الإبل،
وأحب الطعام إليه لحمانها"؟ قالوا: اللهم نعم. فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اشهد عليهم"، قال:
"أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على
موسى، هل تعلمون أن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة أصفر
رقيق، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله، فإن علا
ماء الرجل ماء المرأة كان ذكرا بإذن الله، وإن علا ماء
المرأة ماء الرجل كانت أنثى بإذن ال له "؟ قالوا: اللهم
نعم. قال: "اللهم اشهد"، قال: "أنشدكم بالله الذي أنزل
التوراة على موسى، هل تعلمون أن هذا النبي تنام عيناه ولا
ينام قلبه"؟ قالوا: اللهم نعم. قال: "اللهم اشهد عليهم".
قالوا: أنت الآن حدثنا من وليك من الملائكة، فعندها نجامعك
أو نفارقك، قال: "وليي جبريل، ولم يبعث الله نبيا قط إلا
وهو وليه"، قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليك غيره من
الملائكة لبايعناك وصدقناك، قال: "ولم"؟ قالوا: إنه عدونا
من الملائكة. فأنزل الله -عز وجل: {قُلْ مَنْ كَانَ
عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ}
الآية [البقرة: 97] ، ونزلت: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى
غَضَبٍ} [البقرة: 90] 1.
__________
1 حسن لغيره: أخرجه أحمد "1/ 278"، وابن سعد في "الطبقات"
"1/ 174-176" والطيالسي "2731"، والطبري "1/ 431- 432"،
والطبراني "13012"، والبيهقي في "دلائل النبوة" "6/
266-267" من طرق عن عبد الحميد بن بهرام، به.
قلت: إسناده ضعيف، في إسناده شهر بن حوشب، وهو ضعيف لسوء
حفظه، لكن رواية عبد الحميد بن بهرام عنه قال فيها أحمد بن
حنبل: عبد الحميد حديثه مقارب من حديث شهر، وكان يحفظها
كأنه يقرأ سورة. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ حَفْصٍ
المَدَائِنِيُّ: سَأَلْتُ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الحَمِيْدِ
بنِ بَهْرَامَ فَقَالَ: صَدُوْقٌ، إلا أنه يحدث عن شهر.
وأخرجه ابن إسحاق -كما في سيرة ابن هشام "2/ 402" ط. دار
الحديث- ومن طريقه الطبري "1/ 432-433" قال: حدثني عَبْدِ
اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حسين المكي، عن
شهر بن حوشب الأشعري أن نفرا من أحبار يهود جاؤوا رَسُوْلَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... "
الحَدِيْثَ، ولم يذكر فيه ابن عباس.
وله طريق آخر أخرجه أحمد "1/ 274" من طريق عبد الله بن
الوليد العجلي، عن بكير بن شهاب، عَنْ سَعِيْدِ بنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، به نحوه.
قلت: في إسناده بكير بن شهاب، مجهول، لذا قال الحافظ في
"التقريب": "مقبول". وقال أبو حاتم: شيخ. وقال الذهبي في
"الميزان": عراقي صدوق.
(2/219)
وقال يزيد بن هارون: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الله بن سلمة، عن
صفوان بن عسال، قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا
النبي فنسأله، فقال الآخر: لا تقل نبي، فإنه إن سمعك تقول:
نبي كانت له أربعة أعين. فانطلقا إلى النبي صلى الله عليه
وسلم، فسألاه عن قول تسع آيات بينات. قال: "لا تشركوا
بالله شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله، ولا تسرقوا،
ولا تزنوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان
فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تفروا من الزحف، ولا تقذفوا
محصنة -شك شعبة- وعليكم خاصة معشر اليهود أن لا تعدوا في
السبت". فقبلا يديه ورجليه، وقالا: نشهد أنك نبي قال: "فما
يمنعكما أن تسلما"؟ قالا: إن داود سأل ربه أنه لا يزال في
ذريته نبي، ونحن نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود1.
وقال عفان: أخبرنا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ
بنِ السَّائِبِ، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبيه، قال:
إن الله ابتعث نبيه لإدخال الرجال الجنة، فدخل النبي صلى
الله عليه وسلم كنيسة فإذا هو بيهود، وإذا يهودي يقرأ
التوراة، فلما أتى على صفته أمسك، وفي ناحيتها رجل مريض،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما لكم أمسكتم"؟ فقال
المريض: إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا. ثم جاء المريض
يحبو حتى أخذ التوراة، وقال: ارفع يدك، فقرأ، حتى أتى على
صفته، فقال: هذه صفتك وصفة أمتك، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّكَ رسول الله، ثم مات. فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: "لوا أخاكم" 2.
وقال يزيد بن هارون: أخبرنا حماد بن سلمة، عن الزبير أبي
عبد السلام، عن أيوب بن عبد الله بن مكرز، عن وابصة -هو
الأسدي- قَالَ: أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أريد أن لا أدع
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 239"، والترمذي "2733"، والنسائي
"7/ 111"، وأبو نعيم في "الحلية" "5/ 97-98" من طرق عن
شعبة، به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: إسناده ضعيف، آفته عبد الله بن سلمة، فإنه ضعيف لسوء
حفظه.
2 ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 416"، والطبراني في "الكبير"
"10295"، والبيهقي في "دلائل النبوة" "6/ 272-273" من طريق
حماد بن سلمة، به.
وأورده الهيثمي في "المجمع" "8/ 231" وقال: "رواه أحمد
والطبراني، وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط".
قلت: قد صحح العلماء سماع حماد بن سلمة من عطاء بن السائب
قبل الاختلاط، فليست هذه علة الحديث، لكن العلة في
الانقطاع بين أبي عبيدة، وأبيه عبد الله بن مسعود، فإنه لم
يسمع منه.
(2/220)
شيئا من البر والإثم إلا سألته عنه، فجعلت
أتخطى الناس، فقالوا: إليك يا وابصة عَنْ رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقلت: دعوني أدنو منه،
فإنه من أحب الناس إلي أن أدنو منه. فقال: "ادن وابصة".
فدنوت حتى مست ركبتي ركبته، فقال: "يا وابصة أخبرك بما جئت
تسألني عنه، أو تسألني "؟ فقلت: أخبرني يا رسول الله. قال:
"جئت تسأل عن البر والإثم"؟ قلت: نعم. قال: فجمع أصابعه
فجعل ينكت بها في صدري ويقول: "يا وابصة استفت قلبلك،
استفت نفسك، البر: ما اطمأن إليه القلب، وأطمأنت إليه
النفس، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك
الناس وأفتوك".
وقال ابن وهب: حدثني معاوية، عن أبي عبد الله محمد الأسدي،
سمع وابصة الأسدي، قال: جِئْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسأله عن البر والإثم، فقال من
قبل أن أسأله: "جئت تسألني عن البر والإثم"؟ قلت: إي والذي
بعثك بالحق، إنه للذي جئت أسألك عنه. فقال: "البر ما انشرح
له صدرك، والإثم ما حاك في نفسك، وإن أفتاك عنه الناس".
وقال محمد بن إسحاق، وروح بن القاسم، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ
بنِ أُمَيَّةَ، عَنْ بُجَيْرِ بنِ أبي بجير، سمع عبد الله
بن عمرو أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
خرجنا إِلَى الطَّائِفِ، فَمَرَرْنَا بِقَبْرٍ، فَقَالَ:
"هَذَا قَبْرُ أبي رغال، وهو أبو ثقيف، وكان من قوم ثمود،
فلما أهلك الله قومه منعه مكانه من الحرم، فَلَمَّا خَرَجَ
مِنْهُ أَصَابَتْهُ النِّقْمَةُ الَّتِي أَصَابَتْ
قَوْمَهُ بِهَذَا المَكَانِ، فَدُفِنَ فِيْهِ، وَآيَةُ
ذَلِكَ أَنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ، إِنْ
أنتم نبشتم عنه أصبتموه".
قال: فابتدرناه فاستخرجنا الغصن1.
__________
1 ضعيف: أخرجه أبو داود "3088"، وإسناده ضعيف؛ آفته بجير
بن أبي بجير قال الحافظ في "التقريب": مجهول.
(2/221)
باب من إخباره بالكوائن بعده فوقعت كما
أخبر:
شعبة، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد، عن حذيفة،
قال: لقد حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يكون حتى
تقوم الساعة، غير أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة منها،
رواه مسلم1.
وقال الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال: قَامَ فِيْنَا
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مقاما ما ترك
فيه شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه، وجهله
من جهله -وفي لفظ: حفظه من حفظه -وإنه ليكون منه الشيء
فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه
عرفه2 رواه الشيخان بمعناه.
وقال عزرة بن ثابت: حدثنا علباء بن أحمر، قال: حدثنا أبو
زيد، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفجر، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت
الظهر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى أظنه قال:
حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد فخطبنا حتى غربت الشمس،
قال: فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأحفظنا أعلمنا رواه
مسلم3.
وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن خباب، قال: شكونا
إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وهو متوسد برده في ظل الكعبة فقلنا: ألا تدعو الله لنا،
ألا تستنصر الله لنا؟ فجلس محمارا وجهه، ثم قال: "والله إن
من كان قبلكم ليؤخذ الرجل فتحفر له الحفرة، فيوضع المنشار
على رأسه فيشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، أو يمشط
بأمشاط الحديد ما بين عصبه ولحمه، ما يصرف عن دينه وليتمن
الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب منكم من صنعاء إلى حضرموت
لا يخشى إلا الله -عز وجل- أو الذئب على غنمه، ولكنكم
تعجلون". متفق عليه4.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2891" "24" من طريق شعبة، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "6604"، ومسلم "2891" "23" من طريق
الأعمش، به.
3 صحيح: أخرجه مسلم "2892" من طريق أبي عاصم، أخبرنا عزرة
بن ثابت، به.
4 صحيح: أخرجه أحمد "5/ 109و 110و 111" و "6/ 395"،
والبخاري "3612" و"3852" و"6943"، وأبو داود "2649"،
والطبراني "4/ 3638-3640"، والبيهقي "6/ 5" من طرق عَنْ
إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، به.
(2/222)
وقال الثوري، عن ابن المندكر، عن جابر
قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
"هل لك من أنماط". قلت: يا رسول الله وأنى يكون لي أنماط؟
قال: أما إنها ستكون. قال: فأنا أقول اليوم لامرأتي: نحي
عني أنماطك، فتقول: أَلَمْ يقلْ رَسُوْل اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إنها ستكون لكم أنماط بعدي،
فأتركها. متفق عليه1.
وقال هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ
الله بن الزبير، عن سفيان بن أبي زهير النميري، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يقول: "تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون
بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم
تفتح الشام، فيأتي قوم فيبسون فيتحملون بأهليهم ومن
أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح
العراق، فيأتي قوم فيبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم،
والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون".
أخرجاه2.
وقال الوليد بن مسلم، عن عبد الله بن العلاء بن زبر: حدثنا
بسر بن عبيد الله، أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول: سمعت
عوف بن مالك الأشجعي يقول: أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك، وهو في قبة من
أدم، فقال لي: "يَا عَوْفُ اعْدُدْ سِتّاً بَيْن يَدَيَّ
السَّاعَةَ: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان، يأخذ فيكم
كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال فيكم، حتى يعطي الرجل مائة
دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا
دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الاصفر، فيغدرون
فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا".
أخرجه البخاري3.
وقال ابن وهب: أخبرني حَرْمَلَةُ بنُ عِمْرَانَ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شماسة، سمع أبا ذر يَقُوْلُ: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنكم
ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا،
فإن لهم ذمة ورحما" رواه مسلم4.
قال الليث وغيره، عن ابن شهاب، عن ابن لكعب بنِ مَالِكٍ،
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: "إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة
ورحما". مرسل مليح الإسناد.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3631"، ومسلم "2083" من طريق
سفيان، به.
وقوله: "أنماط" جمع نمط. وهو ظهارة الفراش. وقيل: ظهر
الفراش.
2 صحيح: أخرجه البخاري "1875"، ومسلم "1388" من طريق هشام
بن عروة، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3176" من طريق الوليد بن مسلم، به.
4 صحيح: أخرجه مسلم "2543" من طريق ابن وهب، به.
(2/223)
وقد رواه موسى بن أعين، عن إسحاق بن راشد،
عن ابن شهاب، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ كَعْبِ بنِ
مَالِكٍ، عن أبيه متصلا.
قال ابن عيينة، من الناس من يقول: هاجر أم إسماعيل كانت
قبطية، ومن الناس من يقول: مارية أم إبراهيم قبطية.
وقال مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم: "يهلك كسرى، ثم لا يكون كسرى بعده، وقيصر ليهلكن، ثم
لا يكون قيصر بعده، ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله". متفق
عليه1.
أما كسرى وقيصر الموجودان عند مقالته صلى الله عليه وسلم
فإنهما هلكا، ولم يكن بعد كسرى كسرى آخر، ولا بعد قيصر
بالشام قيصر آخر ونفقت كنوزهما في سبيل الله في إمرة عمر
-رضي الله عنه- وبقي للقياصرة ملك بالروم وقسطنطينية، بقول
النبي صلى الله عليه وسلم: "ثبت ملكه" حين أكرم كتاب
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ
يقضي الله -تعالى- فتح القسطنطينية، ولم يبق للأكاسرة ملك
لقوله -عليه السلام: "يمزق ملكه" حين مزق كتاب النبي صلى
الله عليه وسلم.
وروى حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن، أن عمر -رضي الله
عنه- أتى بفروة كسرى فوضعت بين يديه، وفي القوم سرافة بن
مالك بن جعشم، قال: فألقى إليه سواري كسرى بن هرمز،
فجعلهما في يديه فبلغا منكبيه، فلما رآهما عمر في يدي
سراقة قال: الحمد لله سوارا كسرى في يد سراقة، أعرابي من
بني مدلج.
وقال ابن عيينة، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ،
عَنْ قَيْسٍ، عن عدي بن حاتم، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مثلت لي الحيرة
كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحونها". فقام رجل فقال: يا رسول
الله هب لي ابنة بقيلة، قال: "هي لك". فأعطوه إياها، فجاء
أبوها فقال: أتبيعها؟ قال: نعم. قال: بكم؟ احكم ما شئت.
قال: ألف درهم. قال: أخذتها، قالوا له: لو قلت: ثلاثين
ألفا لأخذها. قال: وهل عدد أكثر من ألف.
وقال سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، ومكحول، عن
أبي إدريس الخولاني، عن عبيد الله بن حوالة الأزدي، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إنكم
ستجندون أجنادا، جندا بالشام، وجندا بالعراق، وجندا
باليمن". فقلت: يا رسول الله خر لي. قال: "عليك
__________
1 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "20815"، ومن طريقه أحمد "2/
313"، والبخاري "3027" ومسلم "2918" "76"، والبغوي "3729"
عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة، به.
(2/224)
بالشام، فمن أبى فليلحق بيمنه ويسق من
غدره، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله"، قال أبو إدريس:
من تكفل الله به فلا ضيعة عليه. صحيح.
وقال مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لاَ تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى تقاتلوا خوز وكرمان -قوما
من الأعاجم- حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين، كأن
وجوههم المجان المطرقة". وقال: "لا تقوم الساعة حتى
تقاتلوا قوما نعالهم الشعر". البخاري1.
وقال هشيم، عن سيار أبي الحكم، عن جبر بن عبيدة، عن أبي
هريرة، قال: وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة
الهند، فإن أدركتها أنفق فيها مالي ونفسي، فإن استشهدت كنت
من أفض الشهداء، وإن رجعت فأنا أبو هريرة المحرر. غريب.
وقال حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٌ،
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"رأيت ذات ليلة كأنا في دار عقبة بن رافع، وأتينا برطب من
رطب ابن طاب، فأولت الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في
الآخرة، وأن ديننا قد طاب". رواه مسلم2.
وقال شعبة، عن فرات القزاز، سمع أبا حازم، يقول: قاعدت أبا
هريرة خمس سنين، فسمعته يقول عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "كانت بنو إسرائيل
تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلف نبي، وإنه لا نبي بعدي،
وستكون خلفاء فتكثر". قالوا: فما تأمرنا؟ قال: "فوا ببيعة
الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما
استرعاهم". اتفقا عليه3.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3590" حدثنا يحيى، حدثنا عبد
الرزاق، عن معمر، به.
قوله: "وجوههم المجان المطرقة": المجان التروس. وهؤلاء هم
الترك. قال الحافظ في "الفتح" "6/ 608": -"قيل: إن بلادهم
ما بين مشارق خراسان إلى مغارب الصين وشمال الهند إلى أقصى
المعمور، قال البيضاوي: شبه وجوههم بالترسة وتدويرها
وبالمطرقة لغلظها وكثرة لحمها".
2 صحيح: أخرجه مسلم "2270" حدثنا عبد الله بن مسلمة بن
قعنب، حدثنا حماد بن سلمة، به.
قوله: "وأن ديننا قد طاب": أي كمل واستقرت أحكامه وتمهدت
قواعده.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3455"، ومسلم "1842" حدثنا محمد بن
بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، به.
قوله: "تسوسهم الأنبياء": أي يتولون أمورهم كما تفعل
الأمراء والولاة بالرعية. والسياسة القيام على الشيء بما
يصلحه.
(2/225)
وقال جرير بن حازم، عن ليث، عن عبد الرحمن
بن سابط، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ، عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ بن الجراح، ومعاذ بنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إن الله بدأ
هذا الأمر نبوة ورحمة، وكائنا خلافة ورحمة، وكائنا ملكا
عضوضا، وكائنا عتوة وجبرية وفسادا في الأمة، يستحلون
الفروج والخمور والحرير وينصرون على ذلك، ويرزقون أبدا حتى
يلقوا الله".
وقال عبد الوارث وغيره، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة،
قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم: "خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك من
يشاء". قال لي سفينة: أمسك أبو بكر سنتين، وعمر عشرا،
وعثمان اثنتي عشرة، وعلي ستا، قلت لسفينة: إن هؤلاء يزعمون
أن عليا لم يكن خليفة؟ قال: كذبت أستاه بني الزرقاء، يعني
بني مروان. كذا قال في على "ستا"، وإنما كانت خلافة علي
خمس سنين إلا شهرين، وإنما تكمل الثلاثون سنة بعشرة أشهر
زائدة عما ذكر لأبي بكر وعمر1. أخرجه أبو داود.
وقال صالح بن كيسان، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ،
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اليوم الذي بدئ فيه،
فقلت: وارأساه. فقال: "وددت أن ذاك كان وأنا حي، فهيأتك
ودفنتك". فقلت غيرى: كأني بك في ذلك اليوم عروسا ببعض
نسائك.
فقال: "بل أنا وارأساه، ادع لي أباك وأخاك، حتى أكتب لأبي
بكر كتابا، فإني أخاف أن يقول قائل ويتمنى متمن: إنا، ولا،
ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر". رواه مسلم2، وعنده:
"فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: إنا، ولا".
__________
1 حسن: أخرجه أحمد "5/ 221"، والطيالسي "1107"، وأبو داود
"4646"و "4647" والترمذي "2226"، والطبراني في "الكبير"
"6442"و "6444"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 341و 342" من
طريق سعيد بن جمهان، عن سفينة، عن النبي صلى الله عليه
وسلم: فذكره.
قلت: إسناده حسن، سعيد بن جمهان، بضم الجيم وإسكان الميم،
الأسلمي، أبو حفص البصري، صدوق كما قال الحافظ في
"التقريب".
وله شاهد من حديث أبي بكره: عند أحمد "5/ 44و 50"، وابن
أبي شيبة "12/ 18"، وأبي داود "6435" وابن أبي عاصم
"1335"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 342و 348" مرفوعا بلفظ:
"خلافة نبوة ثلاثون عاما ثم يؤتي الله الملك من يشاء". وفي
إسناده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف.
قوله: "كذبت أستاه بني الزرقاء": أستاه جمع است، وهو العجز
أو حلقة الدبر. وهذه الجملة التى قالها سفينة الصحابي
قالها للتحقير والإزدراء لمن خالفه.
2 صحيح: أخرجها مسلم "2387" من طريق إبراهيم بن سعد، حدثنا
صالح بن كيسان، به.
(2/226)
وقال سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أنس، قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم
أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فضربه النبي صلى
الله عليه وسلم برجله، وقال: "اثبت عليك نبي وصديق
وشهيدان". أخرجه البخاري1.
وقال أبو حازم، عن سهل بن سعد نحوه، لكنه قال "حراء" بدل
"أحد"، وإسناده صحيح.
وقال سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان على حراء، وَأَبُو بَكْرٍ،
وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ،
وَالزُّبَيْرُ، فتحركت الصخرة، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: "اهْدَأْ فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ
صِدِّيْقٌ، أو شهيد". رواه مسلم2.
أبو بكر صديق، والباقون قد استشهدوا.
وقال إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب: أخبرني إسماعيل بن محمد
بن ثابت الأنصاري، عن أبيه، أَنَّ ثَابِتَ بنَ قَيْسٍ،
قَالَ: يَا رَسُوْلَ الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت.
قال: "ولم؟ " قال: نهانا الله أن نحب أن نحمد بما لم نفعل،
وأجدني أحب الحمد، ونهانا عن الخيلاء، وأجدني أحب الجمال،
ونهانا أن نرفع أصواتنا فوق صوتك، وأنا جهير الصوت.
فقال: "يا ثابت ألا تَرْضَى أَنْ تَعِيْشَ حَمِيْداً،
وَتُقْتَلَ شَهِيْداً، وَتَدْخُلَ الجنة"؟ قال: بلى يا
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ:
فعاش حميدا، وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب. مرسل، وثبت أنه
قتل يوم اليمامة.
وقال الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ،
قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب
ولكن التحريش". رواه مسلم3.
وقال الشعبي، عن مسروق، عن عائشة: حدثني فاطمة: أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسر إلي
أنك أول أهل بيتي لحوقا بي ونعم السلف أنا لك4. متفق عليه.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3686"، وأبو داود "4651"، والنسائي
في "فضائل الصحابة" "32"، وأبو يعلى "2910", "3196" من
طريق سعيد بن أبي عروبة، حدثنا قتادة، عَنْ أَنَسِ بنِ
مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: فذكره.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2417" حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ
سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ "يعني ابن محمد"،
عن سهيل، به.
3 صحيح: أخرجه مسلم "2812" من طريق جرير، عن الأعمش، به.
4 صحيح: أخرجه البخاري "6285" و"6286"، ومسلم "2450" "99".
(2/227)
وقال سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنه كان في الأمم محدثون، فإن يكن في
هذه الأمة فهو عمر بن الخطاب". رواه مسلم1.
وقال شعبة بن عن قيس، عن طارق بن شهاب، قال: كنا نتحدث أن
عمر ينطق على لسان ملك.
ومن وجوه، عن علي: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان
عمر.
وقال يحيى بن أيوب المصري، عن ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بعث جيشا، وأمر
عليهم رجلا يدعى سارية، فبينما عمر يخطب، فجعل يصيح: يا
ساري الجبل، فقدم رسول من ذلك الجيش فقال: يا أمير
المؤمنين لقينا عدونا فهزمونا، فإذا صائح يصيح: يا ساري
الجبل، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله، فقلنا لعمر:
كنت تصيح بذلك.
وقال ابن عجلان: وحدثنا إياس بن معاوية بذلك.
وقال الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أُسَيْرِ
بنِ جابر، فذكر حديث أويس القرني بطوله، وفيه: فوفد أهل
الكوفة إلى عمر، وفيهم رجل يدعى أويسا فقال عمر: أما هنا
من القرنيين أحد؟. قال: فدعي ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ
عُمَرُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم حدثنا أن رجلًا من أهل اليمن يقدم عليكم، ولا يدع بها
إلا أما لَهُ، قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَدَعَا اللهَ أن
يذهبه عنه، فأذهبه عنه إلا مثل موضع الدرهم، يقال له:
أويس، فمن لقيه منكم فليأمره فليستغفر لكم2.
أخرجه مسلم مختصرا عن رجاله عن الجريري، وأخرجه أيضا
مختصرا من وجه آخر3.
وقال حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ
أَبِي نضرة، عن أسير، قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ أَهْلُ
اليَمَنِ جَعَلَ عُمَرُ يَسْتَقْرِئُ الرِّفَاقَ،
فَيَقُوْلُ: هَلْ فِيْكُم أَحَدٌ مِنْ قرن؟ حتى على قرن،
قال: فوقع
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2398" من طريق عبد الله بن وهب، عن
إبراهيم بن سعد، عن أبيه سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن
عائشة، به.
وأخرجه أحمد "2/ 339"، والبخاري "3469" و"3689"، والنسائي
في "فضائل الصحابة" "19"، والبغوي "3873" من طريق إبراهيم
بن سعد، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنه قد كان فيما مضى
قبلكم من الأمم محدثون".
قوله: "محدثون": قال ابن وهب: ملهمون. وقيل: مصيبون، إذا
ظنوا فكأنهم حدثوا بشيء فظنوه. وقيل: تكلمهم. وقال
البخاري: يجري الصواب على ألسنتهم.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2542" "223" من طريق سليمان بن
المغيرة، حدثني سعيد الجريري، به.
3 صحيح: أخرجه مسلم "2542" "224" من طريق حماد بن سلمة، عن
سعيد الجريري، به.
(2/228)
زمام عمر أو زمام أويس، فناوله عمر، فعرفه
بالنعت، فقال عمر: ما اسمك؟ قال: أويس.
قال: هل كانت لك والدة؟ قال: نعم. قال: هل كَانَ بِكَ مِنَ
البَيَاضِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، دعوت اللهَ فَأَذْهَبَهُ
عَنِّي إِلاَّ مَوْضِعَ الدِّرْهَمِ مِنْ سرتي لأذكر به
ربي. فقال لَهُ عُمَرُ: اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: أَنْتَ
أَحَقُّ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِي، أَنْتَ صَاحِبُ رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: إِنِّي
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: "إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِيْنَ رَجُلٌ
يقال له: أويس القرني، وله والدة، وكان به بياض" 1.
الحديث.
وقال هشام الدستوائي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بنِ
أَوْفَى، عَنِ أسير بن جابر، قال: كان عمر إذا أتت عليه
أمداد اليَمَنِ سَأَلَهُم: أَفِيْكُم أُوَيْسُ بنُ
عَامِرٍ؟ حَتَّى أتى أُوَيْسٍ، فَقَالَ: أَنْتَ أويس بنُ
عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ
قَرَنٍ؟ قال: نعم. قال: كان بِكَ بَرَصٌ فَبَرِأْتَ مِنْهُ
إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قال: نعم. قال: ألك والدة؟ قا:
نعم. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: "يَأْتِي عَلَيْكُم أُوَيْسُ
بنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ اليَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ
مِنْ قرن، كان به برص فبرأ منه إلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ،
لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى
اللهِ لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أن يستغفر لك
فافعل". فاستغفر لي. فاستغفر له، ثم قال لَهُ عُمَرُ:
أَيْنَ تُرِيْدُ؟ قَالَ: الكُوْفَةَ.
قَالَ: ألا أكتب إلى عاملها فيستوصوا بك خيرا؟ فقال: لأن
أكون في غبراء الناس أحب إلي.
فلما كان في العام المقبل حج رجل من أشرافهم، فسأله عمر عن
أويس، كيف تركته؟ قال: رث البيت قليل المتاع، قال عُمَرَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يقول: "يأتي عليكم أويس مع أمداد اليمن، كان به
برص فبرأ منه إلا موضع دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ
بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ،
فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يستغفر لك فافعل"، فلما قدم الرجل
أتى أُوَيْساً فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي.
قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عهدا بسفر صالح فاستغفر لي. وقال:
لقيت عمر بن الخطاب؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَاسْتَغْفَرْ لَهُ. قَالَ: فَفَطِنَ لَهُ
النَّاسُ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ. قَالَ أُسَيْرٌ بن
جابر: فكسوته بردا، فكان إذا رآه إنسان، قال: من أين لأويس
هذا. رواه مسلم بطوله2.
وقال شَرِيْكٌ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ
عَبْدِ الرحمن بن أبي ليلى، قال: لما كان يوم صفين، نادى
مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: "أفيكم أويس القرني"؟
قالوا: نعم.
فضرب دابته حتى دخل معهم، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "خير
التابعين أويس القرني".
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2542" "224" من طريق حماد بن سلمة،
به.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2542" "225".
(2/229)
وقال الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة، قال: كنا
جلوسا عند عمر -رضي الله عنه- فقال: أيكم يَحفظُ حَدِيْثَ
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
الفتنة؟ قلت: أنا. قال: هات إنك لجريء.
فقلت: ذكر فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، تكفرها
الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال:
ليس هذا أعني، إنما أعني التى تموج موج البحر. قلت: يا
أمير المؤمنين ليس ينالك من تلك شيء، إن بينك وبينها بابا
مغلقا. قال: أرأيت الباب يفتح أو يكسر؟ قال: لا، بل يكسر.
قال: إذا لا يغلق أبدا. قلت: أجل. فقلنا لحذيفة: أكان عمر
يعلم من الباب؟ قال: نعم، كما يعلم أن غدا دونه الليلة،
وذلك إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط. فسأله مسروق: من
الباب؟ قال: عمر. أخرجاه1.
وقال شريك بن أبي نمر، عن ابن المسيب، عن أبي موسى الأشعري
في حديث القف: فجاء عثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"ائذن له وبشره بالجنة، على بلوى -أبو بلاء- يصيبه". متفق
عليه2.
وقال القطان، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ
قَيْسٍ، عن أبي سهلة مولى عثمان، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
"ادعي لي -أو ليت عندي- رجلا من أصحابي". قالت: قلت: أبو
بكر؟ قال: "لا"، قلت: عمر؟ قال: "لا"، قلت: ابن عمك علي؟
قال: "لا"، قلت فعثمان؟ قال: "نعم". قالت: فجاء عثمان،
فقال: $"قومي". قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يسر
إلى عثمان، ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار قلنا:
ألا تقاتل؟ قال: لا، أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد إلي أمرا، فأنا صابر نفسي عليه.
وقال إسرائيل وغيره، عن منصور، عن ربعي، عن البراء بن
ناجية الكاهلي -فيه جهالة- عن ابن مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "تدور
رحى الإسلام عند رأس خمس أو ست وثلاثين سنة، فإن يهلكوا
فسبيل من هلك، وإلا تروخي عنهم سبعين سنة". فقال عمر: يا
رسول الله من هذا أو من مستقبله؟ قال: "من مستقبله" 3.
وقال إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ،
قَالَ: لما بلغت عائشة بعض ديار بني عامر، نبحث عليها كلاب
الحوأب، فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: الحوأب. قالت: ما أظنني
إلا
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "525"، ومسلم "144" من طريق الأعمش،
به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3674"، ومسلم "2403" "29" من طريق
شريك بن أبي نمر، به.
3 صحيح: أخرجه أبو داود "4254" من طريق سفيان، عن منصور،
به.
(2/230)
راجعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول:
"كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب". فقال الزبير: تقدمي
لعل الله أن يصلح بك بين الناس.
وقال أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "لاَ تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى تقتتل فائتان
عظيمتان، تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة" رواه
البخاري1. وأخرجا من حديث همام، عن أبي هريرة نحوه.
وقال صفوان بن عمرو: كان أهل الشام ستين ألفا، فقتل منهم
عشرون ألفا، وكان أهل العراق مائة ألف وعشرين ألفا، فقتل
منهم أربعون ألفا، وذلك يوم صفين.
وقال شعبة: حدثنا أبو مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ،
عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: حدثني من هو خير مني -يعني
أبا قتادة- أن النبي صلى الله عليه قال لعمار: "تقتلك
الفئة الباغية".
وقال الحسن، عن أمه، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ. رواهما مسلم.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن عيينة، قال: أخبرني عمر بن
دينار، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بنِ
مخرمة، قال: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: أما علمت أنا كنا
نقرأ: جاهدوا في الله حق جهاده في آخر الزمان كما جاهدتم
في أوله! قال: فقال عبد الرحمن: ومتى ذلك يا أمير
المؤمنين؟ قال: إذا كانت بنو أمية الأمراء وبنو المغيرة
الوزراء. رواه الرمادي عنه.
وقال أبو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تمرق مارقة عند
فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق" رواه
مسلم2.
وقال سعيد بن مسروق، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي
نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سعيد، أن عليا -رضي الله عنه- بَعَثَ
إِلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-يعني وهو باليمن- بذهب في تربتها فقسمها رسول الله صلى
الله عليه وسلم بين أربعة: بين عيينة بن بدر الفزاري،
وعلقمة بن علاثة الكلابي، والأقرع بن حابس الحنظلي، وزيد
الخيل الطائي، فغضبت قريش والأنصار، وقالوا: يعطي صناديد
أهل نجد ويدعنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما
أعطيهم أتألفهم"، فقام رجل غائر العينين، محلوق الرأس،
مشرف الوجنتين، ناتئ الجبين، فقال: اتق الله فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "فمن يطع الله إن عصيته أيأمنني
أهل السماء ولا تأمنوني"؟ فاستأذنه رجل في قتله، فأبى ثم
قال:
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "7121" حدثنا أبو اليمان، أخبرنا
شعيب، حدثنا أبو الزناد، به.
2 صحيح: أخرجه مسلم "1065" "150" من طريق القاسم بن الفضل
الحداني، حدثنا أبو نضرة به.
(2/231)
يخرج من ضئضئ هذا قَوْمٌ يَقْرَؤُوْنَ
القُرْآنَ، لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُوْنَ من
الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام،
ويدعون أهل الأوثان، والله لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد".
رواه مسلم1 وللبخاري بمعناه2.
الأوزاعي، عن الزهري: حدثني أبو سلمة، والضحاك، يعني
المشرقي، عن أبي سعيد، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقسم ذات يوم قسما، فقال ذو الخويصرة من بني تميم: يا
رسول الله صلى الله عليه وسلم اعدل! فقال: "ويحك ومن يعدل
إذا لم أعدل" فقام عمر قال: يا رسول الله ائذن لي فأضرب
عنقه قال: "لا، إن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم،
وصيامه مع صيامهم يَمْرُقُوْنَ مِنَ الدِّيْنِ مُرُوْقَ
السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ينظر إلى نصله فلا يوجد في
شيء ثم ينظر إلى رصافة فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه
فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء
آيتهم رجل أدعج إحدى يديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة
تدردر". قال أبو سعيد: أشهد لسمعت هذا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأشهد أني كنت مع علي
-رضي الله عنه- حين قتلهم فالتمس في القتلى وأتى به على
النعت الذي نعت رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. أخرجه البخاري3.
وقال أيوب، عن ابن سيرين، عَنْ عَبِيْدَةَ قَالَ: ذَكَرَ
عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَهْلَ النَّهْرَوَانِ
فَقَالَ: فِيْهِم رَجُلٌ مُوْدَنُ اليد أو مثدون اليَدِ
أَوْ مُخْدَجُ اليَدِ، لَوْلاَ أَنْ تَبْطَرُوا لنبأتكم
بما وعد الله الذين يقاتلونهم عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت: أنت سمعت هذا؟
قال: إي ورب الكعبة. رواه مسلم4.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1064" "143" حدثنا هناد بن السري،
حدثنا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3344" من طريق سفيان عن أبيه عن
ابن أبي نعم، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3610" من طريق شعيب، عن الزهري،
به.
قوله: "الرصاف": هو عقب يلوي على مدخل النصل فيه.
"النضي" نصل السهم وقيل: هو السهم قبل أن ينحت إذا كان
قدحا وهو أولى؛ لأنه قد جاء في الحديث ذكر النصل بعد
النضي.
القذذ: ريش السهم واحدتها: قذة.
البضعة: القطعة من اللحم وقد تكسر و "تدردر" أي ترجرج تجيء
وتذهب، والأصل تتدردر، فحذف إحدى التاءين تخفيفا.
4 صحيح: أخرجه مسلم "1066" "155" من طريق إسماعيل بن علية،
عن أيوب، به.
(2/232)
وقال حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ جَمِيْلِ
بنِ مُرَّةَ، عن أبي الوضي السحيمي قال: كنا مع علي
بالنهروان، فقال لنا: التمسوا المخدج. فالتمسوه فلم يجدوه،
فأتوه فقال: ارجعوا فالتمسوا المخدج، فوالله ما كذبت ولا
كذبت، حتى قال ذلك مرارا. فرجعوا فقالوا: قد وجدناه تحت
القتلى في الطين فكأني أنظر إليه حبشيا، له ثدي كثدي
المرأة، عليه شعيرات كشعيرات التي على ذنب اليربوع، فسر
بذلك علي. رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده".
وقال شريك، عن عثمان بن المغيرة، عن زيد بن وهب، قال: جاء
رأس الخوارج إلى علي، فقال له: اتق الله فإنك ميت. فقال:
لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ولكني مقتول من ضربة على
هذه تخضب هذه -وأشار بيده إلى لحيته- عهد معهود وقضاء
مقضي، وقد خاب من افترى.
وقال أبو النضر: حدثنا محمد بن راشد، عَنْ عَبْدِ اللهِ
بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، عن فضالة بن أبي فضالة
الأنصاري -وكان أبوه بدريا- قال: خرجت مع أبي عائدا لعلي
-رضي الله عنه- من مرض أصابه ثقل منه، فقال له أبي: ما
يقيمك بمنزلك هذا، لو أصابك أجلك لم يلك إلا أعراب جهينة!
حمل إلى المدينة، فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك
فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عهد إلي أني لا أموت حتى أؤمر، ثم تخضب هذه من
دم هذه -يعني لحيته من دم هامته فقتل، وقتل أبو فضالة مع
علي يوم صفين.
وقال الحسن عن أبي بَكْرَةَ: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر، والحسن بن علي
إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا
سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فئتين
من المسلمين عظيمتين" 1 أخرجه البخاري دون "عظيمتين".
وقال ثَوْرَ بنَ يَزِيْدَ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عن
عمير بن الأسود، حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت، وهو بساحل
حمص، وهو في بناء له، ومعه امرأته أم حرام، قال: فحدثتنا
أم حرام أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "أول جيش من أمتي يغزون البحر قد
أوجبوا" قالت أم حرام: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: "أنت
فيهم" قال: ثم قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر
مغفور لهم" قالت أم حرام: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال:
"لا" أخرجه البخاري2 فيه إخباره -عليه السلام- أن أمته
يغزون البحر، ويغزون مدينة
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3629" حدثني عَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ آدم، حدثنا حسين
الجعفي، عن أبي موسى، عن الحسن، عن أبي بكرة، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "2924" من طريق يحيى بن حمزة، قال:
حدثني ثور بن يزيد، به.
(2/233)
قيصر.
وقال شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم: "إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا دجالا كلهم يزعم
أنه نبي" رواه مسلم1، واتفقا عليه من حديث أبي هريرة2.
وقال الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ بنِ
أبي عقرب، عن أسماء بنت أبي بكر، أنها قالت للحجاج: أما
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فقد رأيناه،
وأما المبير فلا إخالك إلا إياه. أخرجه مسلم3 تعني بالكذاب
المختار بن أبي عبيد.
وقال الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مَرْوَانَ بنِ سَالِمٍ
الجزري: حدثنا الأحوص بن حكيم، وعن خالد بن معدان، عن
عبادة بن الصامت: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يكون في أمتي رجل يقال له: وهب، يهب
الله له الحكمة، ورجل يقال له: غيلان، هو أضر على أمتي من
إبليس" مروان ضعيف.
وقال ابن جريج: أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد
الله يَقُوْلُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل موته بشهر يقول: "تسألون عن
الساعة، إنما علمها عند اله فأقسم بالله، ما على ظهر الأرض
من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة" 4. رواه مسلم.
وقال شعيب، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، وأبي بكر بن
سليمان بن أبي حثمة،
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2923" من طريق محمد بن جعفر، حدثنا
شعبة، سماك، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3609"، ومسلم "157" من طريق معمر،
عن همام، عن أبي هريرة، به.
3 حديث حسن: أخرجه مسلم "2545" من طريق يعقوب بن إسحاق
الحضرمي، أخبرنا الأسود بن شيبان، به في حديث طويل.
قلت: إسناده حسن، يعقوب بن إسحاق الحضرمي، صدوق كما قال
الحافظ في "التقريب"، وأبو نوفل ابن أبي عقرب الكناني، ثقة
من رجال البخاري ومسلم.
كذابا: هو المختار بن أبي عبيد الثقفي، كان شديد الكذب.
ومبير: المبير: هو المهلك والمعني به: هو الحجاج بن يوسف
الثقفي كما قالت له أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه.
"إخالك": بفتح الهمزة وكسرها وهو أشهر، ومعناه أظنك.
4 صحيح: أخرجه مسلم "2538" من طريق حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ
قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْج، أخبرني أبو الزبير،
(2/234)
أن ابن عمر، قال: صلى لَنَا رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةُ العشاء ليلة في
آخر حياته، فلما سلم قام فقال: "أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن
على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض
أحد". متفق عليه1.
فقال الجريري: كنت أطوف مع أبي الطفيل، فقال: لم يبق أحد
ممن لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري، قلت: كَيْفَ
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ: كان أبيض مليحا مقصدا. أخرجه مسلم2.
وأصح الأقوال أن أبا الطفيل توفي سنة عشر ومائة.
وقال إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ
الأَلْهَانِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
بُسْرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ له: "يَعِيْشُ هَذَا الغُلاَمُ قَرْناً"،
قَالَ: فَعَاشَ مائَةَ سنة.
وقال بشر بن بكر، والوليد بن مسلم: حدثنا الأوزاعي، قال:
حدثني الزهري، قال: حدثني سعيد بن المسيب، قال: ولد لأخي
أم سلمة غلام، فسموه الوليد، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "تسمون بأسماء فراعنتكم، غيروا اسمه -فسموه عبد
الله- فإنه سيكون فِي هَذِهِ الأُمَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ
لَهُ: الوَلِيْدُ، هو شر لأمتي من فرعون لقومه" 3.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "116"، ومسلم "2537" من طريق
الزهري، به.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2340" "99" من طريق عبد الأعلى بن عبد
الأعلى، عن الجريري، عن أبي الطفيل، به قوله: "مقصدًا": هو
الذي ليس بجسيم ولا نحيف ولا طويل ولا قصير.
3 باطل: أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" "6/ 505" من طريق
بشر بن بكر والوليد بن مسلم كلاهما عن الأوزاعي، به وأخرجه
الحاكم "4/ 494" من طريق نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، عَنِ
الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، به وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه! ووافقه الذهبي كعادته!!.
قلت: نعيم بن حماد كثير الخطأ، والوليد بن مسلم يدلس تدليس
التسوية وقد عنعنه، ومتن الحديث باطل. وأخرجه أحمد "1/
18"، وابن حبان في "المجروحين" "1/ 125"، وابن الجوزي في
"الموضوعات" "2/ 46" عن إسماعيل بن عياش، قال: حَدَّثَنِي
الأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ عمر بن الخطاب، به.
وقال ابن حبان في إثره: "هذا خبر باطل ما قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا، ولا عمر
رواه، ولا سعيد حدث به، ولا الزهري رواه، ولا هو من حديث
الأوزاعي بهذا الإسناد". وقال ابن الجوزي بعد ذكره كلام
ابن حبان: "فلعل هذا قد أدخل على إسماعيل بن عياش في كبره،
وقد رواه وهو مختلط، قال أحمد بن حنبل: كان إسماعيل بن
عياش يروى عن كل ضرب". وهذا الحديث ذكره الحافظ العراقي
فيما أورده على "المسند" على أنه أول الأحاديث التسعة
الموضوعة. وذكره الحافظ ابن حجر في "القول المسدد".
(2/235)
هذا ثابت عن ابن المسيب، ومراسيله حجة على
الصحيح.
وقال سليمان بن بلال، عَنِ العَلاَءُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
"إذا بلغ بنو أبي العاص أربعين رجلا، اتخذوا دين الله
دغلا، وعباد الله خولا، ومال الله دولا". غريب، ورواته
ثقات.
وقد روى الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد مرفوعا مثله، لكنه
قال: "ثلاثين رجلا".
وقال سليمان بن حيان الأحمر: حدثنا داود بن أبي هند، عن
أبي حرب بن أبي الأسود الديلي، عن طلحة النصري قال: قدمت
المدينة مهاجرا، وكان الرجل إذا قدم المدينة، فإن كان له
عريف نزل عليه، وإن لم يكن له عريف نزل الصفة، فنزلت
الصفة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرافق بين
الرجلين، ويقسم بينهما مدا من تمر، فبينا رَسُوْلَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يوم في صلاته، إذ
ناداه رجل قال: يا رسول الله أحرق بطوننا التمر، وتخرقت
عنا الخنف. قال: وَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمد الله وأثنى عليه، وذكر ما لقي من
قومه ثم قال: "لقد رأيتني وصاحبي، مكثنا بضع عشرة ليلة ما
لنا طعام غير البرير -وهو ثمر الأراك- حتى أتينا إخواننا
من الأنصار فآسونا من طعامهم، وكان جل طعامهم التمر، والذي
لا إله إلا هو لو قدرت لكم على الخبز واللحم لأطعمتكموه،
وسيأتي عليكم زمان أو من أدركه منكم، تلبسون أمثال أستار
الكعبة، ويغدى ويراح عليكم بالجفان". قالوا: يا رسول الله
أنحن يومئذ خير أم اليوم؟ قال: "بل أنتم اليوم خير، أنت
اليوم إخوان، وأنتم يومئذ يضرب بعضكم رقاب بعض".
وقال محمد بن يوسف الفريابي: ذكر سيان عن يحيى بن سعيد، عن
أبي موسى يحنس، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم
فارس والروم، سلط بعضهم على ربعض". حديث مرسل.
وقال عثمان بن حكيم، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدِ بنِ أَبِي
وَقَّاصٍ، عن أبيه، قال: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حتى مررنا على مسجد بني
معاوية، فدخل فصلى ركعتين، وصلينا معه، فناجى ربه طويلا،
ثم قال: "سألت ربي ثلاثة: سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق
فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها،
وسألته أن لا يجعل بأسم بينهم فمنعنيها".
رواه مسلم1.
__________
1 صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "10/ 320"، وأحمد "1/ 175،
181-182"، ومسلم "2890"، وأبو يعلى "734"، والبيهقي في
"دلائل النبوة" "6/ 526"، والبغوي "4014" من طرق عن عثمان
بن حكيم به.
(2/236)
وقال أَيُّوْبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ،
عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ ثوبان قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إن الله زوى لي الأرض،
فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي
منها، وأعطيت الكنزين الاحمر والابيض، وإني سألت ربي لامتي
أن لا يهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى
أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال لي: يا محمد إني إذا
قضيت قضاء لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة
بعامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح
بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها حتى يكون بعضهم
يسبي بعضا وبعضهم يقتل بعضا". وقال: "إنما أخاف على أمتي
الأئمة المضلين. وإذا وضع السيف في أمتي لَمْ يُرْفَعْ
عَنْهُم إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَلاَ تقوم الساعة حتى
تلحق قبائل من أمتي بالمشركين حتى يعبدوا الأوثان، وإنه
سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وإني
خاتم النبيين لا نبي بعدي. ولا تزال طَائِفَةٌ مِنْ
أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِيْنَ، لاَ يضرهم من خذلهم
حتى يأتي أمر الله عز وجل". رواه مسلم1.
وقال يونس وغيره، عن الحسن، عن حطان بن عبد الله، عَنْ
أَبِي مُوْسَى، أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "بين يدي الساعة الهرج". قيل: وما
الهرج؟ قال: "القتل" قالوا: أكثر مما نقتل؟ قال: "إنه ليس
بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضا". قالوا: ومعنا
يومئذ عقولنا؟ قال: "إنه تنزع عقول أكثر أهل ذلك الزمان،
ويخلف لهم هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء،
وليسوا على شيء" 2.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "5/ 278، 284"، ومسلم "2889"، وأبو
داود "4254"، والترمذي "2176"، والبيهقي في "دلائل النبوة"
"6/ 526-527"، والبغوي "4015" من طرق عن حماد بن زيد، عن
أيوب به.
قوله: "زوى لي الأرض": أي جمعها وقبضها و"السنة": هي الجدب
والقحط.
"يستبيح بيضتهم": أي مجتمعهم وموضع سلطانهم، ومستقر
دعوتهم. وبيضة الدار: وسطلها ومعظمها أراد عدوا يستأصلهم
ويهلكهم جميعهم.
قيل: أراد إذا أهلك أصل البيضة كان هلاك كل ما فيها من طعم
أو فرخ، وإذا لم يهلك أصل البيضة ربما سلم بعض فراخها.
وقيل: أراد بالبيضة الخوذة، فكأنه شبه مكان اجتماعهم
والتئامهم ببيضة الحديد.
2 صحيح: أخرجه أحمد "4/ 406"، وابن ماجه "3959" من طريق
الحسن، حدثنا أسيد بن المتشمس قال: حدثنا أبو موسى، حدثنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين خلا أسيد، وهو
ثقة كما قال الحافظ في "التقريب".
(2/237)
قال سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صنفان من أهل النار
لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون الناس،
ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت
المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد
من مسيرة كذا وكذا". رواه مسلم1.
وقال أبو عبد السلام، عن ثوبان، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يوشك أن تداعى عليكم
الأمم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها". فقال قائل: من قلة
نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء
السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن
في قلوبكم الوهن". فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟
قال: "حب الدنيا وكراهية الموت". أخرجه أبو داود2 من حديث
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن يَزِيْدَ بنِ جَابِر، قَالَ: حدثنا
أبو عبد السلام.
وقال معمر، عن همام: حدثنا أبو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "والذي نفسي
بيده، ليأتين على أحدكم يوم لأن يراني، ثم لأن يراني، أحب
إليه من مثل أهله وماله معهم". رواه مسلم3.
وللبخاري مثله من حديث أبي هريرة4.
وقال صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو: حَدَّثَنِي أَزْهَرُ بنُ
عَبْدِ الله الحرازي، عن أبي عامر الهوزني، عن معاوية بن
أبي سفيان قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم: "إن أهل الكتاب افترقوا في دينهم على
__________
1 حسن: أخرجه أحمد "2/ 355-356، 440"، ومسلم "2128"،
والبيهقي "2/ 234" والبغوي "2578" من طريق سهيل، به.
قلت: إسناده حسن، سهيل بن أبي صالح، صدوق كما قال الحافظ
في "التقريب".
2 صحيح: أخرجه أبو داود "4297" من طريق عبد الرحمن بن يزيد
بن جابر، به.
قلت: في إسناده أبو عبد السلام، مجهول لكنه لم ينفرد به،
فقد تابعه أبو أسماء الرحبي، عن ثوبان، به.
أخرجه أحمد "5/ 278"، وأبو نعيم في "الحلية" "1/ 182" من
طريق المبارك بن فضالة حدثنا مرزوق أبو عبد الله الحمصي،
أخبرنا أبو أسماء الرحبي، به.
قلت: رجال إسناده ثقات، والمبارك بن فضالة، وإن كان مدلسا
فقد صرح بالتحديث فأمنا شر تدليسه.
3 صحيح: أخرجه مسلم "2364" حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد
الرزاق، أخبرنا معمر، به.
4 صحيح: أخرجه البخاري "3589" حدثنا أبو اليمان، أخبرنا
شعيب، حدثنا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعاً بلفظ: "وليأتين على أحدكم زمان لأن
يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهل وماله".
(2/238)
اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق
على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة وهي
الجماعة".أخرجه أبو داود1.
وقال عبد الوارث، عن أبي التياح، عَنْ أَنَسٍ: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ
مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، ويثبت
الجهل، وتشرب الخمر، ويظهر الزنى". متفق عليه2.
وقال هِشَامٍ، عَنِ أَبِيْه، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ
انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ
العِلْمَ بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالم اتَّخَذَ
النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا
بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا". متفق عليه3.
وقال كثير النواء، عن إبراهيم بن الحسن بنِ الحَسَنِ بنِ
عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جده، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "يكون
في أمتي قوم يسمون الرافضة هم براء من الإسلام". كثير ضعيف
تفرد به.
وقال شعبة: أخبرني أبو جمرة، قال: أخبرنا زهدم أنه سمع
عمران بن حصين قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خيركم قرني، ثُمَّ الَّذِيْنَ
يَلُوْنَهُم، ثُمَّ الَّذِيْنَ يَلُوْنَهُم، ثُمَّ يكون
قوم بعدهم يخونون، ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون،
وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن". رواه مسلم4.
والأحاديث الصحيحة والضعيفة في إخباره بما يكون بعده كثيرة
إلى الغاية، اقتصرنا على هذا القدر منها، ومن لم يجعل الله
له نورا فما له من نور، نسأل الله -تعالى- أن يكتب الإيمان
في قلوبنا، وأن يؤيدنا بروح منه.
__________
1 حسن: أخرجه أحمد "4/ 102"، ومن طريقه أبو داود "4597" عن
أبي المغيرة، حدثنا صفوان بن عمرو، به.
قلت: إسناده حسن، رجاله ثقات خلا أزهر بن عبد الله
الحرازي، فإنه صدوق كما قال الحافظ في "التقريب". وأبو
عامر الهوزني، هو عبد الله بن لحى، بضم اللام وباللام
وبالمهملة مصغرا، وهو ثقة.
2 صحيح: أخرجه البخاري "80"، ومسلم "2671" من طريق عبد
الوارث، به.
3 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 162، 190"، والبخاري "100"، ومسلم
"2673" "13" والترمذي "2652"، وابن ماجه "52"، والدارمي
"1/ 77"، والبغوي "147"، وابن عبد البر في "جامع بيان
العلم وفضله" "1/ 148-149، 150" من طرق عن هشام بن عروة،
به.
4 صحيح: أخرجه مسلم "2535" "214" من طريق غندر، حدثنا محمد
بن جعفر، حدثنا شعبة به.
وأخرجه البخاري "3651" من طريق سفيان، عن منصور، عَنْ
إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ -رضي
الله عنه- به.
(2/239)
باب جامع من دلائل
النبوة:
قال سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: كان منا رجل
من بني النجار قد قرأ البقرة، وآل عمران، كان يَكْتُبُ
لِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب، قال: فرفعوه، قالوا:
هذا كان يكتب لمحمد فأعجبوا به، فما لبث أن قصم الله عنقه
فيهم، فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها،
ثم عادوا فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على
وجهها، فتركوه منبوذا. رواه مسلم1.
وقال عبد الوارث، عن عبد العزيز، عن أنس، قال: كان رجل
نصراني فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي صلى
الله عليه وسلم فعاد نصرانيا، وكان يقول: ما أرى يحسن محمد
إلى ما كنت أكتب له، فأماته الله، فأقبروه، فأصبح وقد
لفظته الأرض، قالوا: هذا عمل محمد وأصحابه. قال: فحفروا له
فأعمقوا، فأصبح وقد لفظته الأرض. فقالوا: عمل محمد وأصحابه
قال: فحفروا وأعمقوا ما استطاعوا، فأصبح وقد لفظته الأرض،
فعلموا أنه من الله عز وجل أخرجه البخاري2.
وقال اللَّيْثُ عَنْ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَمَا من
الأنبياء من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه
البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو
أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة". متفق عليه3.
قلت: هذه هي المعجزة العظمى، وهي القرآن فإن النبي من
الأنبياء -عليهم السلام- كان يأتي بالآية وتنقضي بموته،
فقل لذلك من يتبعه، وكثر أتباع نبينا صلى الله عليه وسلم
لكون معجزته الكبرى باقية بعده، فيؤمن بالله ورسوله كثير
ممن يسمع القرآن على ممر الأزمان، ولهذا قال: فأرجو أن
أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة.
وقال زائدة، عن المختار بن فلفل، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "ما
صدق نبي ما صدقت، إن من الأنبياء من لا يصدقه من أمته إلا
الرجل الواحد". رواه مسلم4.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2781" من طريق سليمان بن المغيرة، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3617" حدثا أبو معمر، حدثنا عبد
الوارث، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "4981"، ومسلم "152" من طريق ليث بن
سعد، به.
4 صحيح: أخرجه مسلم "196" "332" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ
بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حسين بن علي، عن زائدة، عن
المختار بن فلفل، به ولفظه: "أنا أول شفيع في الجنة، لم
يصدق نبي من الأنبياء ما صدقت، وإن من الأنبياء نبيا ما
يصدقه من أمته إلا رجل واحد".
(2/240)
وقال جرير، عن منصور، عَنْ سَعِيْدِ بنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، في قوله -عز وجل: {إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] ، قال:
أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا،
وكان بموقع النجوم فكان الله -عز وجل- ينزل عَلَى رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بعضه في إثر
بعض. قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا
نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ
لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}
[الفرقان: 32] .
(2/241)
باب آخر سور نزلت:
قال أبو العميس، عَنْ عَبْدِ المَجِيْدِ بنِ سُهَيْلٍ،
عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، قا:
قال لي ابن عباس: تعلم آخر سورة من القرآن نزلت جميعا؟
قلت: نعم {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح} [النصر:
1] ، قال: صدقت. رواه مسلم1.
وقال أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ في قوله: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ
وَالْفَتْح} [النصر: 1] قال: أجل رسول الله صلى الله عليه
وسلم أعلمه، إذا فتح الله عليك فذاك علامة أجلك. قال ذلك
لعمر -رضي الله عنه- فقال: ما أعلم منها إلا مثل ما تعلم
يا ابن عباس.
أخرجه البخاري بمعناه2.
وقال شعبة، عن أبي إسحاق، سمع البراء يقول: آخر سورة نزلت
"براءة" وآخر آية أنزلت "يستفتونك". متفق عليه3.
وقال الثوري، عن عاصم الأحول، عن الشعبي عن ابن عباس، قال:
آخر آية أنزلها الله آية الربا.
وقال الحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيْدَ النَّحْوِيِّ،
عَنْ عكرمة عن ابن عباس قال: آخر شيء نزل من القرآن:
{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}
[البَقَرَةُ: 281] .
وقال ابن أبي عروبة، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيْدِ بنِ
المُسَيِّبِ، قَالَ: قال عمر: آخر ما أنزل الله -عز وجل-
آية الربا فدعوا الربا والريبة4. صحيح.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3024" من طريق جعفر بن عون، أخبرنا
أبو عميس، به.
2 صحيح: أخرجه البُخَارِيُّ "4970" حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ
إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عوانة، عن أبي بشر، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "4654"، ومسلم "1618" "11" من طريق
محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، به.
4 حسن: أخرجه أحمد "1/ 36، 50"، وابن ماجه "2276"، والطبري
"3/ 114"، وابن الضريس في "فضائل القرآن" "23" من طريق ابن
أبي عروبة، به.
قلت: رجاله ثقات رجال الشيخين، بيد أن سعيد بن المسيب أدرك
عمر ولم يسمع منه.
وأخرجه ابن أبي شيبة "6/ 563"، والطبري "3/ 114" من طريق
الشعبي، عن عمر، به.
وفي الباب عن ابن عباس: عند البخاري "4544" ولفظه: "آخر
آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم آية الربا".
(2/242)
وقال أبو جعفر، عَنِ الرَّبِيْعِ بنِ
أَنَسٍ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عن أبي، قال: آخر آية
أنزلت {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ}
[التوبة: 129] .
فحاصله أن كلا منهم أخبر بمقتضى ما عنده من العلم.
وقال الحسين بن واقد: حدثني يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن
بن أبي الحسن، قالا: نزل من القرآن بالمدينة: ويل
للمطففين، والبقرة، وآل عمران، والأنفال، والأحزاب،
والمائدة، والممتحنة والنساء وإذا زلزلت والحديد، ومحمد،
والرعد، والرحمن، وهل أتى، والطلاق، ولم يكن، والحشر، وإذا
جاء نصر الله، والنور، والحج، والمنافقون، والمجادلة،
والحجرات، والتحريم، والصف، والجمعة، والتغابن، والفتح،
وبراءة. قالا: ونزل بمكة فذكرا ما بقي من سور القرآن.
(2/243)
باب في النسخ والمحو
من الصدور:
وقال أَبُو حَرْبٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ،
عن أبي موسى، قال: كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول والشدة
ببراءة، فأنسيتها، غير أني حفظت منها: لو كان لابن آدم
واديان من مال لابتغى واديا ثالثا، وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ
ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ وكنا نقرأ سورة نشبهها
بإحدى المسبحات فأنسيتها، غير أني حفظت منها: يا أيها
الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون، فتكتب شهادة في
أعناقكم، فتسألون عنها يوم القيامة. أخرجه مسلم1.
وقال شعيب بن أبي حمزة وغيره، عن الزهري: أخبرني أبو أمامة
بن سهل، أن رهطا من الأنصار مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أخبروه، أن رجلا قام في جوف
الليل يريد أن يفتتح سورة كان قد وعاها، فلم يقدر منها على
شيء إلا: بسم الله الرحمن الرحيم، فأتى باب رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِيْنَ أصبح ليسأله عن
ذلك، ثم جاء آخر حتى اجتمعوا، فسأل بعضهم بعضا ما جمعهم؟
فأخبر بعضهم بعضا بشأن تلك السورة ثم أذن لهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبرهم، وسألوه عن السورة فسكت
ساعة لا يرجع إليهم شيئا، ثم قال: "نسخت البارحة"، فنسخت
من صدورهم، ومن كل شيء كانت فيه. رواه عقيل، عن ابن شهاب،
قال فيه: وابن المسيب جالس لا ينكر ذلك.
نسخ هذه السورة ومحوها من صدورهم من براهين النبوة،
والحديث صحيح.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1050" حدثني سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ،
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، عن داود، عَنْ أَبِي
حَرْبٍ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ أبيه، به.
وقوله: "المسبحات": هي من السور ما افتتح بسبحان، وسبح،
وسبح اسم ربك.
(2/244)
ذكر صفة النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّمَ:
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بن يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن
جده، سمع البراء يَقُوْلُ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أحسن الناس وجها، وأحسنه خلقا، ليس
بالطويل الذاهب، ولا بالقصير.
اتفقا عليه من حديث إبراهيم1.
وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا زهير، عن أبي
إسحاق، قال رجل للبراء: أكان وَجْهِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ السيف؟ قال: لا، مثل
القمر2.
وقال إسرائيل، عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة قال له رجل:
أَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وجهه مثل السيف؟ قال: لا بل مثل الشمس والقمر مستديرا.
رواه مسلم3.
وقال المحاربي وغيره، عن أشعث، عن أبي إسحاق، عن جابر بن
سمرة قَالَ: رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة إضحيان، وعليه حلة حمراء،
فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فلهو كان أحسن في عيني من
القمر4.
وقال عقيل، عن ابن شهاب: أخبرني عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبٍ بنِ مَالِكٍ، عن أبيه، عن جده،
قال: لا أن سلمت عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يبرق وجهه، وكان إذا سر استنار
وجهه كأنه قطعة قمر. أخرجه البخاري5.
وقال ابن جريج، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما
مسرورا وأسارير وجهه تبرق، وذكر الحديث. متفق عليه6.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3549"، ومسلم "2337" "93" من طريق
إسحاق بن منصور، عن إبراهيم بن يوسف، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3552" حدثنا أبو نعيم، به.
3 صحيح: أخرجه مسلم "2344" "109" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ
بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عبيد الله، عن إسرائيل،
به.
4 ضعيف: أخرجه الترمذي "2811"، وفي "الشمائل" "12"، وفي
إسناده علتان:
الأولى: الأشعث بن سوار، ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب"
الثانية: أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي، مدلس،
وقد عنعنه.
5 صحيح: أخرجه البخاري "3556" حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا
الليث، عن عقيل، به.
6 صحيح: أخرجه البخاري "3555"، ومسلم "1459" "40" من طريق
عبد الرزاق حدثنا ابن جريج، قال: أخبرني ابن شهاب، به.
(2/245)
وقال يعقوب الفسوي: حدثا سعيد، قال: حدثنا
يونس بن أبي يعفور العبدي، عن أبي إسحاق الهمداني، عن
امرأة من همدان سماها قالت: حججت مع النبي صلى الله عليه
وسلم، فرأيته على بعير له يطوف بالكعبة، بيده محجن، فقلت
لها: شبهيه. قالت: كالقمر ليلة البدر، لم أر قبله ولا بعده
مثله.
وقال يعقوب بن محمد الزهري: حدثنا عبد الله بن موسى
التيمي، قال: حدثنا أسامة بن زيد، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ
بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ بن ياسر، قال: قلنا للربيع بنت
معوذ: صفي لَنَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَتْ: لو رأيته، لقلت: الشمس طالعة1.
وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: سمعت أنسا وهو يصف رَسُوْلَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كان ربعة
من القوم، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، أزهر اللون،
ليس بأبيض أمهق، ولا آدم، ليس بجعد قطط، ولا بالسبط، بعث
على رأس أربعين سنة، وتوفي وهو ابن سِتِّيْنَ سَنَةً،
وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُوْنَ شعرة
بيضاء. متفق عليه2.
وقال خالد بن عبد الله، عن حميد، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أسمر اللون.
وقال ثابت، عن أنس: كان أزهر اللون.
وقال علي بن عاصم: أخبرنا حميد، قال: سمعت أنسا يقول: كان
صلى الله عليه وسلم أبيض، بياضه إلى السمرة.
وقال سعيد الجريري: كنت أنا وأبو الطفيل نطوف بالبيت،
فقال: ما بقي أحد رأى
__________
1 ضعيف: في إسناده ثلاث علل: الأولى: يعقوب بن محمد، هو
ابن عيسى بن عبد الملك الزهري، ضعيف لسوء حفظه وروايته عن
الضعفاء. الثانية: عبد الله بن موسى هو ابن إبراهيم بن
محمد بن طلحة التيمي ضعيف، سيئ الحفظ الثالثة: جهالة أبي
عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، لذا قال الحافظ في
"التقريب: "مقبول" -أي إذا توبع.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3547"، ومسلم "2347" من طريق ربيعة
بن أبي عبد الرحمن، به.
قوله: "ليس بالطويل البائن": أي المفرط الطول.
وليس بأبيض أمهق: هو الكريه البياض كلون الجص. يرد أنه كان
نير البياض.
ولا آدم: الأدمة: السمرة الشديدة.
القطط: الشديدة الجعودة.
السبط: هو المنبسط المسترسل. والمراد أن شعره كان وسطا
بينهما.
(2/246)
رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري. قلت:
صفه لي. قال: كان أبيض مليحا مقصدا. أخرجه مسلم1، ولفظه:
كان أبيض مليح الوجه.
وقال ابن فضيل، عن إسماعيل، عن أبي جحيفة، قَالَ: رَأَيْتُ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبيض قد
شاب، وكان الحسن بن علي يشبهه. متفق عليه2.
وقال عَبْدُ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، عَنْ محمد
بن الحنفية، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أزهر اللون. رواه عنه
حماد بن سلمة.
وقال المسعودي، عن عثمان بن عبد الله بن هرمز، عن نافع بن
جبير، عن علي: كان صلى الله عليه وسلم مشربا وجهه حمرة.
رواه شريك عن عبد الملك بن عمير، عن نافع مثله.
وقال عبد الله بن إدريس وغيره: حدثنا ابن إسحاق، عن
الزهري، عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم، عن أبيه، أن سراقة
بن جعشم قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما دنوت منه، وهو على ناقته، أنظر
إلى ساقه كأنها جمارة3.
وقال ابن عيينة: أخبرنا إسماعيل بن أمية، عن مزاحم بن أبي
مزاحم، عن عَبْدِ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ
بنِ أَسِيْدٍ، عن محرش الكعبي، قال: اعتمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم من الجعرانة ليلا، فنظرت إلى ظهره كأنه
سبيكة فضة4.
وقال يعقوب الفسوي: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء،
قال: حدثني عمرو بن الحارث قال: حدثني عبد الله بن سالم،
عن الزبيدي، قال: أخبرني محمد بن مسلم، عن سعيد بن المسيب،
أنه سمع أبا هريرة يصف رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كان شديد البياض.
وقال رشدين بن سعد، عَنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، عَنْ
أَبِي يُوْنُسَ مولى أبي هريرة، عن أبي
__________
1 صحيح: مر تخريجنا له قريبا برقم تعليق "274"، وهو عند
مسلم "2340" "99".
وقوله: "مقصدا": هو الذي ليس بجسيم ولا نحيف ولا طويل ولا
قصير.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3544"، ومسلم "2343" من طريق ابن
فضيل، به.
3 ضعيف: آفته محمد بن إسحاق، وهو مدلس، ومشهور بالتدليس،
وقد عنعنه.
وقوله: "جمارة": الجمارة: قلب النخلة وشحمتها، شبه ساقة
ببياضها.
4 ضعيف: أخرجه أحمد "3/ 426" حدثنا سفيان بن عيينة، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته مزاحم بن أبي مزاحم المكي، فإنه
مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": "مقبول" -أي عند
المتابعة.
(2/247)
هريرة، قال: ما رأيت شيئا أحسن من النبي
صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت
أحدا أسرع في مشيته منه صلى الله عليه وسلم، كأن الأرض
تطوى له، إنا لنجتهد، وإنه غير مكترث1.
رواه ابن لهيعة، عن أبي يونس.
وقال شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ
قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
ضليع الفم، أشكل العينين، منهوس الكعبين. أخرجه مسلم2.
ورواه أبو داود، عن شعبة فقال: أشهل العينين، منهوس العقب.
وقال أبو عبيد: الشكلة: كهيئة الحمرة تكون في بياض العين،
والشهلة: حمرة في سواد العين قلت: ومنهوس الكعب: قليل لحم
العقب. كذا فسره سماك بن حرب لشعبة.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عباد عن حجاج عن سماك عن
جابر بن سمرة عن صفَةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كنت إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ
قُلْتَ: أَكْحَلُ العَيْنَيْنِ، وَلَيْسَ بأكحل، وكان في
ساقيه حموشة، وكان لا يضحك إلا تبسما.
وقال عَبْدُ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، عَنْ محمد
بن علي، عَنْ أَبِيْهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عظيم
العينين، أهدب الأشفار، مشرب العين بحمرة، كث اللحية.
__________
1 حسن لغيره: أخرجه ابن سعد "1/ 379-380، 415" من طريق عبد
الله بن المبارك، عن رشدين بن سعد، به.
قلت: قد سقط من الموضع الثاني [رشدين بن سعد] ، والإسناد
ضعيف، آفته رشدين هذا، فإنه ضعيف.
قال ابن معين: ليس بشيء وقال أبو زرعة: ضعيف وقال
الجوزجاني: عنده مناكير كثيرة وقال النسائي: متروك.
وقال الذهبي: كان صالحا عابدا سيئ الحفظ غير معتمد.
قلت: وقد توبع؛ فقد أخرجه أحمد "3/ 350"، والترمذي "3648"،
وابن سعد "1/ 415" من طريق الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة،
عن أبي يونس، به.
وقال الترمذي: "هذا حديث غريب".
قلت: قد أشار الترمذي إلى ضعفه بقوله: "هذا حديث غريب"،
وهذا معروف في اصطلاحه فالإسناد ضعيف آفته ابن لهيعة فإنه
ضعيف لسوء حفظه، لكن الحديث يرتقي إلى درجة الحسن لغيره
بمجموع طريقيه. والله تعالى أعلى وأعلم.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2339"، والترمذي "3646"، "3647" من
طريق شعبه، به قوله: "منهوس الكعبين": أي لحمهما قليل.
(2/248)
وقد خالد بن عبد الله الطحان، عن عبيد
اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ عَلِيٍّ بن أبي طالب،
عن أبيه، عن جده، قال: قيل لعلي -رضي الله عنه: انعت لَنَا
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ: كان أبيض مشربا بياضه حمرة، وكان أسود الحدقة،
أهدب الأشفار.
وقال عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، عن الزهري، عن سعيد بن
المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كان مفاض الجبين،
زهدب الأشفار، أسود اللحية، حسن الثغر، بعيد ما بين
المنكبين، يطأ بقدميه جميعا، ليس له أخمص.
وقال عبد العزيز بن أبي ثابت الزهري: حدثنا إسماعيل بن
إبراهيم بن عقبة، عن مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أفلج الثنيتين، إذا تكلم رؤي كالنور
بين ثناياه. عبد العزيز متروك.
وقال المسعودي، عن عثمان بن عبد الله بن هرمز، عن نافع بن
جبير، عن علي: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس
واللحية، شثن الكفين والقدمين، ضخم الكراديس، طويل
المسربة1.
روى مثله شريك، عن عبد الملك بن عمير، عن نافع بن جبير بن
مطعم، عن علي، ولفظه: كان ضخم الهامة، عظيم اللحية.
وقال سعيد بن منصور: حدثنا نوح بن قيس، قال: حدثنا خالد بن
خالد التميمي، عن يوسف بن مازن الراسبي أن رجلا قال لعلي:
انعت لنا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: كَانَ أبيض مشربا حمرة، ضخم الهامة، أغر أبلج أهدب
الأشفار2.
وقال جرير بن حازم: حدثنا قتادة، قال: سئل أنس عن شعره صلى
الله عليه وسلم، فقال: كان لا سبط ولا جعد بين أذنيه
وعاتقه. متفق عليه3.
__________
1 "شثن الكفين والقدمين" أي أنهما يميلان إلى الغلظ
والقصر. وقيل: هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر، ويحمد ذلك
في الرجال؛ لأنه أشد لقبضهم، ويذم في النساء.
ضخم الكراديس: هي رؤوس العظام، واحدها كردوس. وقيل: هي
ملتقى كل عظمين ضخمين، كالركبتين، والمرفقين، والمنكبين،
أراد أنه ضخم الأعضاء.
المسربة: بضم الراء: ما دق من شعر الصدر سائلا إلى الجوف.
2 أهدب الأشفار: أي طويل شعر الأجفان.
3 صحيح: أخرجه البخاري "5905"، "5906"، ومسلم "2338" "94"
من طريق جرير بن حازم، به.
(2/249)
وقال همام، عن قتادة، عن أنس: كان شَعْرِ
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضرب
منكبيه. البخاري1.
وقال حميد، عن أنس، كان إلى أنصاف أذنيه. مسلم2.
قلت: والجمع بينهما ممكن.
وقال معمر، عن ثابت، عن أنس: كان إلى شحمة أذنيه. أبو داود
في "السنن"3.
وقال شعبة: أخبرنا أبو إسحاق، قال: سمعت البراء يَقُوْلُ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
مربوعًا، بعيد ما بين المنكبين، يبلغ شعره شحمة أذنيه،
عليه حلة حمراء، ما رأيت شيئا أحسن منه. متفق عليه4.
وأخرجه البخاري من حديث إسرائيل، ولفظه: ما رأيت أحدا من
خلق الله في حلة حمراء، أحسن منه، وإن جمته تضرب قريبا من
منكبيه5.
وأخرجه مسلم من حديث الثوري، ولفظه: له شعر يضرب منكبيه،
وفيه: ليس بالطويل ولا بالقصير6.
وقال شريك، عن عبد الملك بن عمير، عن نافع بن جبير، قال:
وصف لنا علي -رضي الله عنه- النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ كثير شعر الرأس رجله.
إسناده حسن.
وقال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ
هِشَامٌ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ
شعر النبي صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة، ودون الجمة.
أخرجه أبو داود7، وإسناده حسن.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "5903"، "5904" من طريق همام، به.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2338" "96" من طريق إسماعيل بن علية،
عن حميد، به.
3 صحيح: أخرجه أبو داود "4185" من طريق عبد الرزاق، أخبرنا
معمر، به.
4 صحيح: أخرجه البخاري "3551"، ومسلم "2337" "91" من طريق
شعبة، به.
وقوله: "مربوعا":أي ليس بالطويل ولا بالقصير.
5 صحيح: أخرجه البخاري "5901" حدثنا مالك بن إسماعيل،
حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول: ما
رأيت أحدا أحسن في حلة حمراء من النبي صلى الله عليه وسلم
... " الحديث.
6 صحيح: أخرجه مسلم "2337" "92" من طريق وكيع عن سفيان،
به.
7 حسن: أخرجه أبو داود "4187" حدثنا ابن نفيل، حدثنا عبد
الرحمن بن أبي الزناد، به. قلت: إسناده حسن، رجاله ثقات
خلا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عبد الله بن ذكوان، صدوق
كما قال الحافظ في "التقريب".
قوله: "فوق الوفرة ودون الجمة": الجمة من شعر الرأس: ما
سقط على المنكبين.
والوفرة: شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الاذن.
(2/250)
وقال ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي
نَجِيْحٍ، عَنْ مُجَاهِد، قال: قالت أم هانئ: قدم النبي
صلى الله علبه السلام مكة قدمة، وله أربع غدائر، تعني
ضفائر. لم يدرك مجاهد أم هانئ، وقيل: سمع منها، وذلك ممكن.
وقال إبراهيم بن سعد: حدثنا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ
اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما
لم يؤمر يه. وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان
المشركون يفرقون رؤوسهم، فسدل ناصيته ثم فرق بعد. البخاري
ومسلم1.
وقال ربيعة الرأي: رأيت شعرا مِنْ شَعْرِ رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هو أحمر،
فسألت، فقيل: من الطيب. أخرجه البخاري ومسلم2.
وقال أيوب، عن ابن سيرين: سألت أنسا: أخضب رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: لم ير من
الشيب إلا قليلا. أخرجاه3، وله طرق في الصحيح بمعناه عن
أنس.
وقال المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن أنسن أن النبي صلى الله
عليه وسلم لم يختضب، إنما كان شمط عند العنفقة يسيرا، وفي
الصدغين يسيرا، وفي الرأس يسيرا. أخرجه مسلم4.
وقال زهير بن معاوية وغيره، عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة:
رَأَيْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هَذِهِ
__________
1 صحيح: أخرجه البخار "3558"، ومسلم "2336" من طرق عن ابن
شهاب، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3547"، ومسلم "2347" -دون زيادة
ربيعة- من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "5894"، ومسلم "2341" "102" من طريق
معلى بن أسد، حدثنا وهيب بن خالد، عن أيوب، به.
4 صحيح: أخرجه مسلم "2341" "104" حدثنا نصر بن علي
الجهضمي، حدثنا أبي، حدثنا المثنى بن سعيد، به.
العنفقة: الشعر الذي في الشفة السفلى.
(2/251)
منه بيضاء، ووضع زهير بعض أصابعه على
عنفقته1. أخرجه مسلم. وأخرجه مسلم من حديث إسرائيل2.
وقال البخاري: حدثنا عاصم بن خالد قال: حدثنا حريز بن
عثمان، قلت: لعبد الله بن بسر: أكان النبي صلى الله عليه
وسلم شَيْخاً؟ قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ
بِيْضٌ3.
وقال شعبة وغيره، عن سماك، عن جابر بن سمرة، وذكر شمط
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
كَانَ إذا ادهن لم ير، وإذا لم يدهن تبين. أخرجه مسلم4.
وقال إسرائيل، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ،
قَالَ: كان قد شمط مقدم رأسه ولحيته، وإذا ادهن ومشطه لم
يستبن. أخرجه مسلم5.
وقال أبو حمزة السكري، عن عثمان بن عبد الله بن موهب
القرشي، قال: دخلنا على أم سلمة، فأخرجت إلينا من شعر رسول
اله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو أحمر مصبوغ بالحناء
والكتم.
صحيح أخرجه البخاري6، ولم يقل: "بالحناء والكتم"، من حديث
سلام بن أبي مطيع، عن عثمان.
وقال إسرائيل، عن عثمان بن موهب قال: كان عند أم سلمة جلجل
من فضة ضخم، فيه مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان إذا أصاب إنسانا الحمى، بعث
إليها فخضخضته فيه، ثم ينضحه الرجل على وجهه، قال: بعثني
أهلي إليها فأخرجته، فإذا هو هكذا -وأشار إسرائيل بثلاث
أصابع- وكان فيه شعرات حمر. البخاري7.
محمد بن أبان المستملي: حدثنا بشر بن السري، قال: حدثنا
أبان العطار، عن يحيى بن
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3545"، ومسلم "2342" من طريق أبي
إسحاق، به.
2 إنما رواه البخاري "3545" وليس مسلما من طريق إسرائيل،
عن أبي إسحاق، عن وهب أبي جحيفة السوائي، به. فمسلم لم
يروه من هذا الطريق.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3546" حدثنا عصام بن خالد، به.
4 حسن: أخرجه مسلم "2344" "108" من طريق شعبة، به.
قلت: إسناده حسن، سماك بن حرب، صدوق كما قال الحافظ في
"التقريب".
5 حسن: أخرجه مسلم "2344" "109" من طريق عبيد الله، عن
إسرائيل، به.
قلت: إسناده حسن، سماك بن حرب، صدوق حسن الحديث.
6 صحيح: أخرجه البخاري "5897" من طريق سلام، عن عثمان بن
عبد الله بن موهب، به.
7 صحيح: أخرجه البخاري "5896" حدثنا مالك بن إسماعيل،
حدثنا إسرائيل، به.
(2/252)
أبي كثير، عن أبي سلمة، أن محمد بن عبد
الله بن زيد حدثه أن أباه شهد النبي صلى الله عليه وسلم في
المنحر، هو ورجل من الأنصار، فقسم ضحايا بين أصحابه، فلم
يصبه شيء هو وصاحبه، فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم
رأسه في ثوبه، وأعطاه إياه، فقسم منه على رجال وقلم
أظفاره، فأعطاه صاحبه قال: فإنه لمخضوب عندنا بالحناء
والكتم، يعني: الشعر. هذا خبر مرسل.
وقال شريك، عَنْ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ،
عَنْ ابن عمر، قال: كان شيب رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْواً من عشرين شعرة، رواه يحيى بن
آدم، عنه.
وقال جعفر بن برقان: حدثنا عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
عَقِيْلٍ، قَالَ: قدم أنس بن مالك المدينة، وعمر بن عبد
العزيز وال عليها، فبعث إليه عمر، وقال للرسول: سله هل خضب
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَإِنِّي قد رأيت شعرا من شعره قد لون؟ فقال أَنَسٍ: أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان قد
متع بالسواد، ولو عددت ما أقبل علي من شيبه في رأسه
ولحيته، ما كنت أزيدهن على إحدى عشرة شيبة، وإنما هذا الذي
لون من الطيب الذي كان يطيب به شَعْرِ رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الذي غير لونه.
وقال أبو حمزة السكري، عن عبد الملك بن عمير، عن إياد بن
لقيط، عن أبي رمثة، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه بردان أخضران، وله شعر
قد علاه الشيب، وشيبه أحمر مخضوب بالحناء.
وقال أبو نعيم: حدثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط، قال:
حدثني أبي، عن أبي رمثة، قال: انطلقت مع أبي نحو رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رأيته
قال لي: هل تدري من هذا؟ قلت: لا.
قال: إن هَذَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فاقشعررت حين قال ذلك، كنت أَظُنُّ رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئاً لا يشبه
الناس، فإذا هو بشر ذو وفرة بها ردع من حناء، وعليه بردان
أخضران.
وقال عمرو بن محمد العنقزي: أخبرنا ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ،
عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يلبس النعال السبتية،
ويصفر لحيته بالورس والزعفران.
وقال النضر بن شميل: حدثنا صالح بن أبي الاخضر، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم كأنما صيغ من فضة، رجل الشعر، مفاض البطن،
عظيم مشاش المنكبين، يطأ بقدميه جميعا، إذا أقبل أقبل
جميعا، وإذا أدبر أدبر جميعا.
وقال جرير بن حازم، عن قتادة، عن أنس: كان صلى الله عليه
وسلم ضخم اليدين، لم أر بعده مثله، وفي لفظ: كان ضخم
الكفين والقدمين، سائل العرق. أخرج البخاري بعضه.
وقال معمر وغير، عن قتادة، عن أنس: كان صلى الله عليه وسلم
شثن الكفين والقدمين.
(2/253)
وقال أبو هلال، عن قتادة، عن أنس -أو عن
جابر بن عبد الله، شك موسى بن إسماعيل فيه- عن أبي هلال،
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
ضخم القدمين والكفين، لم أر بعده شبيها به صلى الله عليه
وسلم. أخرجهما البخاري تعليقا، وهما صحيحان.
وقال شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ،
قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
ضليع الفم، أشكل العينين، منهوس العقبين. قلت لسماك: ما
ضليع الفم؟ قال: عظيم الفم، قلت: ما أشكل العينين؟ قال:
طويل شق العين قلت: ما منهوس العقب؟ قال: قليل لحم العقب.
أخرجه مسلم.
وقال يزيد بن هارون: حدثنا عبد الله بن يزيد بن مقسم بن
ضبة، قال: حدثتني عمتي سارة، عن ميمونة بنت كردم، قَالَتْ:
رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بمكة، وهو على ناقة له، وأنا مع أبي، وبيد النبي صلى الله
عليه وسلم درة كدرة الكباث، فدنا منه أبي، فأخذ بقدمه،
فأقر له رسول الله صلى الله صلى عليه وسلم.
قالت: فما نسيت طول إصبعه السبابة على سائر أصابعه.
وقال عثمان بن عمر بن فارس: حدثنا حرب بن سريج الخلقاني،
قال: حدثني رجل من بلعدوية، قال: حدثني جدي، قال: انطلقت
إلى المدينة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا رجل
حسن الجسم، عظيم الجبهة، دقيق الأنف، دقيق الحاجبين، وإذا
من لدن نحره إلى سرته كالخيط الممدود شعره، ورأيته بين
طمرين فدنا مني فقال: "السلام عليك".
وقال المسعودي، عن عثمان بن عبد الله بن هرمز، وقاله شريك،
عن عبد الملك بن عمير، كلاهما عن نافع بن جبير، واللفظ
لشريك قال: وصف لنا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ لا قصير ولا طويل وكان
يتكفأ في مشيته كأنما يشمي في صبب -ولفظ المسعودي: كأنما
ينحط من صبب- لم أر قبله ولا بعده مثله. أخرجه النسائي.
عَوْنِ بنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: صلى
الله عليه وسلم بالبطحاء، وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه
فيمسحون بهما وجوههم، فأخذت يده فوضعتها على وجهي، فإذا هي
أبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك. أخرجه البخاري
تعليقا.
وقال خالد بن عبد الله، عن عبيد اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
عُمَرَ بنِ عَلِيٍّ بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، قال:
قيل لعلي: انعت لنا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فَقَالَ: كَانَ لا قصير ولا طويل، وهو إلى
الطول أقرب، وكان شثن الكف والقدم، في صدره مسربة، كأن
عرقة لؤلؤ، إذا مشى تكفأ كأنما يمشي في صعد ورؤي نحوه من
وجه آخر عن علي.
(2/254)
وقال حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس، قال:
ما مسست بيدي ديباجا ولا حريرا، ولا شيئا ألين من كف
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ
شممت رائحة قط أطيب من ريح رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أخرجه البخاري.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن ثابت.
وقال حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ،
فذكر مثله وزاد: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر
اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذ مشى تكفأ. أخرجه مسلم.
وقال شعبة، عن يعلى بن عطاء: سمعت جابر بن يزيد بن الأسود،
عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عليه وسلم وهو بمنى فقلت: ناولني يدك، فناولنيها، فإذا هي
من الثلج وأطيب ريحا من المسك.
وقال سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قَالَ: دَخَلَ
عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ عندنا، فعرق وجاءت أمي بقارورة، فجعلت
تسلت العرق، فاستيقظ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: "يَا أم سليم ما هذا الذي تصنعين"؟
قالت: هذا عرق نجعله لطيبنا، وهو أطيب الطيب. أخرجه مسلم.
وقال وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ، عَنْ أَبِي
قِلاَبَةَ، عَنْ أنس فذكره، وفيه: وكان صلى الله عليه وسلم
كثير العرق. رواه مسلم.
(2/255)
خاتم النبوة:
قال حاتم بن إسماعيل: حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن، قال:
سمعت السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي فقالت: يا رسول
الله إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ
فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتمه بين
كتفيه مثل زر الحجلة. أخرجاه1، ووهم من قال: رز الحجلة،
وهو بيضها.
وقال إسرائيل، عن سماك، سمع جابر بن سمرة، قَالَ: كَانَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وجهه مستديرا
مثل الشمس والقمر، ورأيت خاتم النبوة بين كتفيه مثل بيضة
الحمامة، يشبه جسده2. أخرجه مسلم.
وقال حماد بن زيد وغيره: حدثنا عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بنِ سَرْجِسَ قال: درت خلف النبي صلى الله
عليه وسلم، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند نغض كتفه
اليسرى، جمعا، عليه خيلان كأمثال الثآليل3. أخرجه مسلم
أطول من هذا.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا قرة بن خالد، قال:
حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيْهِ،
قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رسول الله أرني الخاتم: قال أدخل
يدك، فأدخلت يدي في جربانة4، فجعلت ألمس أنظر إلى الخاتم،
فإذا هو على نغض كتفه مثل البيضة، فما منعه
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3541"، ومسلم "2345" من طريق حاتم
بن إسماعيل، به.
قوله: "زر الحجلة": المراد بالحجلة واحدة الحجال، وهي بيت
كالقبة لها أزرار كبار وعرى وقيل: المراد بالحجلة الطائر
المعروف وزرها بيضها.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2344" "109" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ
بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عبيد الله، عن إسرائيل،
به.
3 صحيح: أخرجه مسلم "2346" "112" من طريق حماد بن زيد وعلي
بن مسهر، وعبد الواحد بن زياد ثلاثتهم عن عاصم الأحول، به.
نغض كتفه: النغض أعلى الكتف. وقيل: هو العظم الرقيق الذي
على طرفه.
جمعا: معناه أنه تجمع الكف وهو صورته بعد أن تجمع الأصابع
وتضمها.
خيلان: جمع خال، وهو الشامة في الجسد.
الثآليل: جمع ثؤلول. وهي حبيبات تعلو الجسد.
4 الجربان: بالضم وتشديد الباء: جيب القميص، والألف والنون
زائدتان.
(2/256)
ذاك أن جعل يدعو لي، وإن يدي لفي جربانه.
رواه يحيى بن أبي طالب، عن أبي داود، لكن قال: "مثل
السلعة".
قال عبيد الله بن إياد بن لقيط: حدثني أبي، عن أبي رمثة،
قال: انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر
إلى مثل السلعة بين كتفيه، فقال: يا رسول الله إني كأطب
الرجال، أفأعالجها لك؟ قال: "لا، طببها الذي خلقها" رواه
الثوري، عن إياد بن لقيط، وقال: "مثل التفاحة". وإسناده
صحيح.
وقال مسلم بن إبراهيم: حدثنا عبد الله بن ميسرة، قال:
حدثنا عتاب، قال: سمعت أبا سعيد يقول: الخاتم الذي بين
كتفي النفي صلى الله عليه وسلم لحمة نابتة.
وقال قيس بن حفص الدارمي: حدثنا مسلمة بن علقمة، قال:
حدثنا داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب، عن سلامة العجلي،
عن سلمان الفارسي، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فألقى إلي رداءه، وقال: انظر إلى
ما أمرت به. قال: فرأيت الخاتم بين كتفيه مثل بيضة الحمام.
إسناده حسن.
وقال الحميدي: حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن ابن خثيم عن
سعيد بن أبي راشد، قال: لقيت التنوخي رسول هرقل إِلَى
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحمص،
وكان جارا لي شيخا كبيرا قد بلغ الفند1 أو قريبا، فقلت:
ألا تخبرني؟ قال: بلى، قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبوك، فانطلقت بكتاب هرقل، حتى
جئت تبوك، فإذا هو جالس بين ظهري أصحابه محتب على الماء
فقال: "يا أخا تنوخ"، فأقبلت أهوي حتى قمت بين يديه، فحل
حبوته عن ظهره، ثم قال: "ههنا امض لما أمرت به" فجلت في
ظهره، فإذا أنا بخاتم في موضع غضروف الكتف مثل المحجمة
الضخمة.
__________
1 أي: هرم.
(2/257)
باب جامع من صفاته صلى الله عليه وسلم:
قال عيسى بن يونس: حدثنا عمر بن عبد الله مولى غفرة، قال:
حدثني إبراهيم بن محمد من ولد علي، قال: كان علي -رضي الله
عنه- إذا نعت رسول صلى الله عليه وسلم قال: لم يكن بالطويل
الممغط ولا القصير المتردد، كان ربعة من القوم، ولم يكن
بالجعد القطط ولا بالسبط، كان جعدا رجلا، ولم يكن بالمطهم
ولا المكلثم، وكان في وجهه تدوير، أبيض مشرب، أدعج
العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتف -أو قال الكتد-
أجرد ذا مسربة، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع كأنما
يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معا، بين كتفيه خاتم
النبوة، أجود الناس كفا وأجرى الناس صدرا، وأصدقهم لهجة،
وأوفاهم بذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة
هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا
بعده مثله صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو عبيد في "الغريب": حدثنيه أبو إسماعيل المؤدب، عن
عمر مولى غفرة، عن إبراهيم بن محمد ابن الحنفية قال: كان
علي إذا نعت، فذكره.
قوله: ليس بالطويل الممغط: يقول: ليس بالبائن الطول ولا
القصير المتردد: يعني الذي تردد خلقه بعضه على بعض، فهو
مجتمع ليس بسبط الخلق، يقول: ليس هو كذلك ولكنه ربعة.
والمطهم: قال الأصمعي: التام كل شيء منه على حدته، فهو
بارع الجمال، وقال غيره، المكلثم: المدور الوجه، يقول: ليس
هو كذلك ولكنه مسنون.
والدعج: شدة سواد العين.
والجليل: المشاش: العظيم رؤوس العظام مثل الركبتين
والمرفقين والمنكبين.
والكتد: الكاهل وما يليه من الجسد.
وشثن الكفين: يعني أنها إلى الغلظ.
والصبب: الانحدار.
والقطط: مثل شعر الحبشة.
والأزهر: الذي يخالط بياضه شيء من الحمرة.
(2/258)
والأمهق: الشديد البياض.
وشبح الذراعين: يعني عبل الذراعين عريضهما.
والمسربة: الشعر المستدق ما بين اللبة إلى السرة.
وقال الأصمعي: التقلع: المشي بقوة.
وقال يعلى بن عبيد، عن مجمع بن يحيى الأنصاري، عن عبد الله
بن عمران، عن رجل من الأنصار، أنه سأل عليا، عن نعت
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: كان أبيض مشرب حمرة، أدعج، سبط الشعر، ذو وفرة،
دقيق المسربة، كأن عنقه إبريق فضة، من لبته إلى سرته شعر،
يجري كالقضيب، ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، شثن الكف
والقدم، إذا مشى كأنا ينحدر من صبب، وإذا مشى كأنما يتقلع
من صخر، وإذا التفت التفت جميعا، كأن عرقه اللؤلؤ، ولريح
عرقة أطيب من المسك، ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا العاجز
ولا اللئيم، لم أر قبله ولا بعده مثله.
قال البيهقي: أخبرنا أبو علي الروذباري، قال: أخبرنا عبد
الله بن عمر بن شوذب، قال: أخبرنا شعيب بن أيوب الصريفيني
عنه. وقال حفص بن عبد الله النيسابوري: حدثني إبراهيم بن
طهمان، عن حميد، عن أنس، قال: لم يكن النبي صلى الله عليه
وسلم بالآدم، ولا الأبيض الشديد البياض، فوق الربعة ودون
الطويل، كان من أحسن من رأيت من خلق الله، وأطيبه ريحا
وألينه كفا، كان يرسل شعره إلى أنصاف أذنيه، وكان يتوكأ
إذا مشى.
وقال معمر، عن الزهري، قال: سئل أبو هريرة عن صفة
النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
كَانَ أحسن الناس صفة وأجملها، كان ربعة إلى الطول ما هو،
بعيد ما بين المنكبين، أسيل الخدين، شديد سواد الشعر، أكحل
العينين، أهدب، إذا وطئ بقدمه وطئ لكلها، ليس أخمص، إذا
وضع رداءه عن منكبه فكأنه سبيكة فضة، وإذا ضحك يتلألأ، لم
أرق قبله ولا بعده مثله، رواه عبد الرزاق عنه.
وقال أبو هشام محمد بن سليمان بن الحكم بن أيوب بن سليمان
الكعبي الخزاعي: حدثني عمي أيوب بن الحكم، عن حزام بن
هشام، عن أبيه، عن جده حبيش بن خالد -رضي الله عنه- الذي
قتل بالبطحاء يوم الفتح، وهو أخو عاتكة -أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ من مكة هو وأبو
بكر، ومولى لأبي بكر عامر بن فهيرة، ودليلهم عبد الله بن
الأريقط الليثي، فمروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت
برزة جلدة تحتبي بفناء القبة، ثم تسقي وتطعم، فسألوها تمرا
ولحما يشترونه منها، فلم يصيبوا شيئا، وكان القوم مرملين
مسنتين، فَنَظَرَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إلى
(2/259)
شاة في كسر الخيمة، فقال: "ما هذه الشاة يا
أم معبد"؟ قالت: شاة خلفها الجد عن الغنم.
فقال: "هل بها من لبن"؟ قالت: هي أجهد من ذلك قال:
"أتأذنين أن أحلبها"؟ قالت: نعم بأبي وأمي، إن رأيت بها
حلبا فاحلبها. فدعا بها، فمسح بيده ضرعها، وسمى الله، ودعا
لها في شاتها، فتفاجت عليه، ودرت واجترت، ودعا بإناء يربض
الرهط، فحلب ثجا حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، ثم
سقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب آخرهم. ثم حلب ثانيا بعد بدء،
حتى ملأ الإناء، ثم غادر عندها وبايعها، وارتحلوا عنها.
فقل ما لبثت، حتى جاء زوجها أبو معبد، يسوق أعنزا عجافا
تساوكن هزلا مخهن قليل. فلما رأي أبو معبد اللبن عجب،
وقال: من أين لك هذا يا أم معبد؟ والشاء عازب حيال، ولا
حلوب في البيت؟ قالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك
من حاله كذا وكذا، قال: صفيه لي، قالت: رجل ظاهر الوضاءة،
أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة،
وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل،
وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن، إن صمت فعليه
الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من
بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فصل لا نزر ولا
هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة لا يائس من طول،
ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة
منظرًا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا
لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس
ولا مفند.
قال أبو معبد: هذا والله صاح قريش، الذي ذكر لنا من أمه،
ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا.
وأصبح صوت بمكة عال، يسمعون الصوت، ولا يدرون من صاحبه،
وهو يَقُوْلُ:
جَزَى اللهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رفيقين
قالا خيتمي أم معبد
هما نزلاها بالهدى واهتدت به ... فقد فاز من أمسى رفيق
محمد
فيال قصي ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجاري وسؤدد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة
تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت ... عليه صريحا ضرة الشاة مزبد
فغادرها رهنا لديها لحالب ... يرددها في مصدر ثم مورد
(2/260)
فلما سمع بذلك حسان بن ثابت شبب يجاوب
الهاتف، فقال:
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقدس من يسري إليهم ويغتدي
ترحل عن قوم فضلت عقولهم ... وحل على قوم بنور مجدد
هداهم به بعد الضلالة ربهم ... وأرشدهم من يتبع الحق يرشد
وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا ... عمايتهم هاد به كل مهتد
وقد نزلت منه على أهل يثرب ... ركاب هدى حلت عليهم بأسعد
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ... ويتلوا كتاب الله في كل
مسجد
وإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في اليوم أو في
ضحى الغد
ليهن أبا بكر سعادة جده ... بصحبته من يسعد الله يسعد
قوله: إذا مشى تكفأ: يريد أنه يميد في مشيته، ويمشي في رفق
غير مختال.
وقوله: فخما مفخما: قال أبو عبيد: الفخامة في الوجه نبله
وامتلاؤه، مع الجمال والمهابة وقال ابن الأنباري: معناه
أنه كان عظيما معظما في الصدور والعيونن ولم يكن خلقه في
جسمه ضخما.
وأقنى العرنين: مرتفع الأنف قليلا مع تحدب، وهو قريب من
الشمم.
والشنب: ماء ورقة في الثغر.
والفلج: تباعد ما بين الأسنان.
والدمية: الصورة المصورة.
وقد روى حديث أم معبد أبو بكر البيهقي فقال: أخبرنا أبو
نصر بن قتادة، قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر، قال: حدثنا
أبو جعفر محمد بن موسى بن عيسى الحلواني، قال: حدثنا مكرم
بن محرز بن مهدي، قال: حدثنا أبي، عن حزام بن هشام. فذكر
نحوه.
ورواه أبو زيد عبد الواحد بن يوسف بن أيوب بن الحكم
الخزاعي بقديد، إملاء على أبي عمرو بن مطر، قال: حدثنا عمي
سليمان بن الحكم.
وسمعه ابن مطر بقديد أيضا، من محمد بن محمد بن سليمان بن
الحكم، عن أبيه.
(2/261)
ورواه عن مكرم بن محرز الخزاعي -وكنيته أبو
القاسم- يعقوب بن سفيان الفسوي، مع تقدمه، ومحمد بن
جرير الطبري، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وجماعة آخرهم
القطيعي.
وقال الحاكم: سمعت الشيخ الصالح أبا بكر أحمد بن جعفر
القطيعي يقول: حدثنا مكرم بن محرز عن آبائه، فذكر
الحديث، فقلت له: سمعته من مكرم؟ قال: إي والله، حج بي
أبي، وأنا ابن سبع سنين، فأدخلني على مكرم.
ورواه البيهقي أيضا في اجتياز النبي صلى الله عليه
وسلم بخيمتي أم معبد، من حديث الحسن بن مكرم، وعبد
الله بن محمد بن الحسن القيسي، قالا: حدثنا أبو أحمد
بشر بن محمد المروزي السكري، قال: حدثنا عبد الملك بن
وهب المذحجي، قال: حدثنا الحر بن الصياح، عن أبي معبد
الخزاعي، أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما خرج هو، وأبو بكر، وعامر بن
فهيرة، ودليلهم عبد الله بن أريقط الليثي -كذا قال:
الليثي، وهو الديلي- مروا بخيمتي أم معبد، فذكر الحديث
بطوله.
وقولها ظاهر الوضاءة: أي ظاهر الجمال.
ومرملين: أي: قد نفد زادهم. ومسنتين: أي: داخلين في
السنة والجدب.
وكسر الخيمة: جانبها.
وتفاجت: فتحت ما بين رجليها.
ويربض الرهط: يرويهم حتى يثقلوا فيربضوا، والرهط من
الثلاثة إلى العشرة.
والثج: السيل.
والبهاء: وبيض رغوة اللبن، فشربوا حتى أرضوا، أي: رووا
كذا جاء في بعض طرقه.
وتساوكن: تمايلن من الضعيف، ويروى: تشاركن، أي: عمهن
الهزال.
والشاء عازب: بعيد في المرعى.
وأبلج الوجه: مشرق الوجه مضيئه.
والثجلة: عظم البطن مع استرخاء أسفله.
والصعلة: صغر الرأس، ويروى صقلة وهي الدقة والمضرة،
والصقل: منقطع الأضلاع من الخاصرة.
(2/262)
والوسيم: المشهور بالحسن، كأنه صار الحسن
له سمة.
والقسيم: الحسن قسمة الوجه.
والوطف: الطول.
والصحل: شبه البحة.
والسطع: طول العنق.
لا تقتحمه عين من قصر: أي: لا تزدريه لقصره فتجاوزه
إلى غيره، بل تهابه وتقبله.
والمحفود: المخدوم.
والمحشود: الذي يجتمع الناس حوله.
والمفند: المنسوب إلى الجهل وقلة العقل.
والضرة: أصل الضرع.
ومزبد: خفض على المجاورة.
وقوله: فغادرها رهنا لديها لحالب: أي: خلف الشاة عندها
مرتهنة بأن تدر.
قال سفيان بن وكيع بن الجراح: حدثنا جميع بن عمر
العجلي إملاء، قال: حدثنا رجل من بني تميم -من ولد أبي
هالة زوج خديجة، يكنى أبا عبد الله- عن ابن لأبي هالة،
عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- قال: سألت خالي هند
بن أبي هالة -وكان وصافا- عن حلية النبي صلى الله عليه
وسلم، وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به،
فَقَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم فخما مفخما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر،
أطول من المربوع وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل
الشعر، إذا انفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره
شحمة أذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين. أزج
الحواجب: سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب،
أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم،
كث اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب مفلج الأسنان،
دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل
الخلق، بادن، متماسك، سواء البطن والصدر، عريض الصدر،
بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد،
موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري
الثديين والبطن، وما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين
وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، شثن الكفين
والقدمين، سائل -أو سائر- الأطراف، خمصان الأخمصين،
مسيح
(2/263)
القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال
قلعا، يخطو تكفيا، ويمشي هونا، ذريع المشية، إذا مشى
كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت جميعا، خافض الطرف،
نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، جل نظره
الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدر من لقبه بالسلام.
قال: قلت: صف لي منطقه، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم متواصل الأحزان، دائم
الفكرة، ليست له راحة، طويل السكت، لا يتكلم في غير
حاجة، يفتتح الكلام، بأشداقه، ويختمه بأشداقه، ويتكلم
بجوامع الكلم، فصل لا فضول ولا تقصير، دمث ليس بالجافي
ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم شيئا، غير
أنه لم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما
كان لها، فإذا تعدي الحق، لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه
شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا
أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها،
يضرب براحته اليمنى باطن راحته اليسرى، وإذا غضب أعرض
وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن
مثل حب الغمام.
قال الحسن: فكتمتها الحسين زمانا، ثم حدثته فوجدته قد
سبقني إليه، يعني إلى هند بن أبي هالة، فسأله عما
سألته عنه، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه وشكله،
فلم يدع منه شيئا.
قال الحسين: فسألت أبي عن دُخُوْلِ رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كان دخوله
لنفسه مأذونا له في ذلك، وكان إذا آوى إلى منزله جزأ
دخوله ثلاثة أجزاء: جزءا لله، وجزءا لأهله، وجزءا
لنفسه، ثم جزء جزأه بينه وبين الناس، ورد ذلك بالخاصة
على العامة، ولا يدخر عنهم شيئا، فكان من سيرته في جزء
الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في
الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو
الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من
مسألته عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، يقول: ليبلغ
الشاهد الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها،
فغنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ثبت
الله قدميه يوم القيامة، ولا يذكر عنده إلى ذلك ولا
يقبل من أحد غيره، يدخلون روادا، ولا يفترقون إلا عن
ذواق ويخرجون أدلة يعني على الخير.
فسألته عن مخرجه، كيف كان يصنع فيه؟ قال: كان يخزن
لسانه إلا مما يعنيه، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم
كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم، من غير
أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل
الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح
ويوهيه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفلوا مخافة أن
يغفلوا أو
(2/264)
يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن
الحق، ولا يجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم،
وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده أحسنهم
مواساة.
فسألته عن مجلسه كيف كان يصنع فيه؟ فَقَالَ: كَانَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ
يقوم ولا يجلس إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن وينهى عن
إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس
ويأمر بذلك، يعطي كل جلسائه نصيبه، ولا يحسب جليسه أن
أحدا أكرم عليه منه.
من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف.
ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول قد
وسع الناس منه بسطة وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده
في الحق سواء. مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا
ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنثي
فلتاته، متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين
يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا
الحاجة، ويحفظون الغريب. أخرج الترمذي أكثره مقطعا في
"كتاب الشمائل".
ورواه زكريا بن يحيى السجزي، وغيره، عن سفيان بن وكيع.
ورواه إسحاق بن راهوية، وعلي بن محمد بن أبي الخصيب،
عن عمرو بن محمد العنقزي، قال: حدثنا جميع بن عمر
العجلي، عن رجل يقال له: يزيد بن عمر التميمي -من ولد
أبي هالة- عن أبيه، عن الحسن بن علي، وفيه زائد من هذا
الوجه وهو: فسألته عن سيرته في جلسائه، فقال: كان دائم
البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا
سخاب، ولا فحاش، ولا عياب، ولا مزاح، يتغافل عما لا
يشتهيه، ولا يؤيس منه، ولا يحبب في، قد ترك نفسه من
ثلاث: من المراء، والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس
من ثلاث: كان لا يذم أحدا ولا يعيره، ولا يطلب عورته،
ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه. إذا تكلم أطرق جلساؤه
كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا
يتنازعون عنده الحديث، من تكلم أنصتوا له، وكان يضحك
مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون، ويصبر للغريب على
الجفوة في منطقة ومسألته، حتى إن كان أصحابه
ليتسجلبونهم، ويقول: "إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها
فارفدوه"، ولا يقبل الثناء إلا عن مكافئ، ولا يقطع على
أحد حديثه بنهي أو قيام.
فسألته: كيف كان سكوته؟ قال: على أربع: على الحلم،
والحذر، والتدبر، والتفكر، فأما تدبره، ففي تسوية
النظر والاستماع بين الناس، وأما تفكره ففيما يبقى
ويفنى، وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا
يستفزه. وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالخير
(2/265)
ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه،
واجتهاده الرأي فيما يصلح أمته والقيام بهم، والقيام
فيما جمع لهم أمر الدنيا والآخرة صلى الله عليه وسلم.
ورواه بطوله كله يعقوب الفسوي: حدثنا أبو غسان النهدي،
وسعيد بن حماد الأنصاري المصري، قالا: حدثنا جميع بن
عمر، قال: حدثني رجل بمكة، عن ابن لأبي هالة، فذكره.
ورواه الطبراني، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي غسان
النهدي.
قرأت على أبي الهدى عيسى بن يحيى السبتي، أخبركم عبد
الرحيم بن يوسف الدمشقي، قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الحَافِظ، قال: أخبرنا أبو
سعد الحسين بن الحسين الفانيذي، وَأَبُو مُسْلِم
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عمر السِّمْنَانِي، وأبو سعد
محمد بن عبد الملك الأسدي، قالوا: أخبرنا أبو علي
الحسن بن أحمد بن إبراهيم التاجر، قال: أخبرنا أَبُو
مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بن
الحسن بن جعفر بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ
عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالب
العلوي المعروف بابن أخي أبي طاهر، قال: حدثنا إسماعيل
بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي، قال: حدثني
علي بن جعفر بن محمد بن علي، عن أخيه موسى، عَنْ
جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ علي بن
الحسين، قال: قال الحسن بن علي -رضي الله عنهما: سألت
خالي هند بن أبي هالة، عن حلية رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ وصافا، وأنا أرجو
أن يصف لي منه شيئا أتعلق به، فقال: كان فخما مفخما.
فذكر مثل حديث جميع بن عمر بطوله، إلا في ألفاظ: قال
في عريض الصدر: فسيح الصدر، وقال: رحب الجبهة بدل رحب
الراحة، وقال: يبدأ بدل يبدر من لقيه بالسلام، وقال:
طويل السكوت بدل السكت، وقال: لم يكن ذواقا ولا مدحة
بدل لا يذم ذواقا ولا يمدحه، وأشياء سوى هذا بالمعنى.
قوله متماسك: أي ممتلئ البدن غير مسترخ ولا رهل،
والمتجرد: المتعري، واللبة: النحر، والسائر والسائل:
هو الطويل السابغ، والأخمص: ما يلصق من القدم بالأرض،
والممسوح: الأملس الذي ليس فيه شقوق، ولا وسخ، ولا
تكسر، فالماء ينبو عنهما لذلك إذا أصابهما.
وقوله: زال قلعا، المعنى أنه كان يرفع رجليه من الأرض
رفعا بقوة لا كمن يمشي اختيالا ويشحط مداسه دلكا
بالأرض، ويروى: زال قلعا. ومعناه: التثبت، والذريع:
السريع.
يسوق أصحابه: أي يقدمهم أمامه، والجافي: المتكبر،
والمهين: الوضيع، والذوق: الطعام،
(2/266)
وأشاح: أي اجتنب ذاك وأعرض عنه. وحب
الغمام: البرد، والشكل: النحو والمذهب، والعتاد: ما
يعد للأمر مثل السلاح وغيره.
وقوله: لا تؤبن فيه الحرم: أي: لا تذكر بقبيح، ولا
تنثى فلتاته: أي: لا تذاع، أي: لم يكن لمجلسه فلتات
فتذاع، والنثا في الكلام: القبيح والحسن.
وقد مر في حديث الإسراء أنه قال: رأيت إبراهيم وهو
قائم يصلي، فإذا أشبه الناس به صاحبكم، يعني نفسه صلى
الله عليهما.
وقال إِسْرَائِيْلُ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أن قريشا أتوا كاهنة فقالوا لها:
أخبرينا بأقربنا شبها بصاحب هذا المقام، قالت: إن
جررتم كساء على هذه السهلة، ثم مشيتم عليها أنبأتكم
ففعلوا، فأبصرت أثر قدم محمد صلى عليه وسلم قالت: هذا
أقربكم شبها به، فمكثوا بعد ذلك عشرين سنة أو نحوها،
ثم بعث عليه السلام1.
وقال أبو عاصم، عن عمرو بن سعيد بن أبي حسن، عَنِ
ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بنِ الحارث،
قال: صلى بنا أبو بكر -رضي الله عنه- العصر، ثم خرج هو
وعلي يمشيان، فرأى الحسن يلعب مع الغلماء، فأخذه فحمله
على عاتقه ثم قال:
بأبي شبيه النبي ... ليس شبيها بعلي
وعلي يتبسم. أخرجه البخاري2 عن أبي عاصم.
وقال إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ
هَانِئ عَنْ علي -رضي الله عنه- قال: الحسن أَشبَهُ
بِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ، وَالحُسَيْنُ
أَشْبَهُ بِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا كان أسفل من ذلك3.
__________
1 ضعيف: رواية سماك بن حرب، عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد
تغير سماك بأخرة، فكان ربما يلقن.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3750" من طريق عمرو بن سعيد بن
أبي حسين، به.
3 ضعيف: أخرجه الترمذي "3779" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ
بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
موسى، عن إسرائيل، به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الولى: هانئ بن هانئ
الهمداني، بالسكون، الكوفي فإنه مجهول لذا قال الحافظ
في "التقريب": "مستور". والعلة الثانية: أبو إسحاق،
وهو عمرو بن عبد الله السبيعي، فإنه مدلس، مشهور
بالتدليس، وقد عنعنه.
(2/267)
باب قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ
عَظِيم} :
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانا
أحسنهم خلقا" 1.
وقال البخاري ومسلم: مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قالت: ما خير رسول
الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين، إلا أخذ أيسرهما،
ما لم يكن إثما، فإذا كان إثما كان أبعد الناس منه،
وما انتقم لنفسه إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ
اللهِ، فَيَنْتَقِمُ للهِ بها2.
وقال هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده شيئا قط، لا امرأة
ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا نيل منه
شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم
الله، فينتقم لله. رواه مسلم3.
وقال أنس: خدمته صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فوالله
ما قال لي: أف قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلت كذا،
ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا؟.
وقال عبد الوارث، عن أبي التياح، عَنْ أَنَس، قَالَ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
أحسن الناس خلقا. أخرجه مسلم4.
وقال حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس: كان صلى الله عليه
وسلم أجود الناس، وأجمل الناس، وأشجع الناس. متفق
عليه5.
__________
1 حسن: أخرجه أحمد "2/ 250، 472"، ومن طريقه أبو داود
"4682"، والترمذي "1162" والحاكم "1/ 3"، وأبو نعيم في
"الحلية" "9/ 248" والبغوي "3495"، والقضاعي في "مسند
الشهاب "1291" من طرق عَنْ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِوٍ،
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبي هريرة مرفوعا.
قلت: إسناده حسن، محمد بن عمرو، هو ابن علقمة الليثي،
فإنه صدوق كما قال الحافظ في "التقريب".
2 صحيح: أخرجه البخاري "3560"، ومسلم "2327" من طريق
مالك، به.
3 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 31، 32، 229، 281"، ومسلم
"2327"، "2328"، والترمذي في "الشمائل" "341"،
والدارمي "2/ 147"، والبيهقي "10/ 192" من طرق عن هشام
بن عروبة، به.
4 صحيح: أخرجه مسلم "2150" حدثنا أبو الربيع، سليمان
بن داود العتكي، حدثنا عبد الوارث به.
5 صحيح: أخرجه البخاري "2908"، ومسلم "2307" من طريق
حماد بن زيد، به.
(2/268)
وقال فليح، عن هلال بن علي، عن أنس: لَمْ
يَكُنْ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
سبابا ولا فاحشا، ولا لعانا، كان يقول لأحدنا عند
المعتبة: ما له ترب جبينه. أخرجه البخاري1.
وقال الأعمش، عن شقيق، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ
اللهِ بنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فاحشا ولا
متفحشا، وأنه كان يقول: خياركم أحسنكم أخلاقا. متفق
عليه2.
وقال أبو داود: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمع أبا عبد
الله الجدلي يقول: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقالت: لم يكن فاحشًا، ولا متفحشا، ولا
سخابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو
ويصفح3.
وقال شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ
بنَ أبي عتبة، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يَقُوْلُ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا،
وَكَانَ إذا كره شيئا عرفناه في وجهه. متفق عليه4.
وقال ابْنِ عُمَرَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الحياء من الإيمان" 5.
وقال مالك، عَنْ إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي
طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله
عليه وسلم وعليه برد غليظ الحاشية، فأدركها أعرابي
فجبذ بردائه جبذا شديدا، حتى نظرت إلى صفحة عاتقه قد
أثرت بها حاشية البرد، ثم قال: يا محمد مر لي من مال
الله الذي عندك، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم
فضحك، ثم أمر له بعطاء. متفق عليه6.
وقال عبيد الله بن موسى، عن شيبان، عن الأعمش، عن
ثمامة بن عقبة، عن زيد بن أرقم، قال: كان رجل من
الأنصار يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم ويأمنه،
وأنه عقد للنبي صلى الله عليه وسلم عقدا، فألقاه في
بئر فصرع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه ملكان
يعودانه، فأخبراه أن فلانا عقد له عقدا، وهي
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "6031" حدثنا أصبغ، قال: أخبرني
ابن وهب، وأخبرنا أبو يحيى فليح بن سليمان، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "6029"، ومسلم "2321" من طريق
الأعمش، به.
3 صحيح: أخرجه أبو داود الطيالسي "1520" حدثنا شعبة،
به.
قلت: إسناده صحيح رجاله ثقات، وقد صرح أبو إسحاق
السبيعي بالتحديث فأمنا شر تدليسه، وأبو عبد الله
الجدلي، هو عبد الرحمن بن عبد، ثقة.
4 صحيح: أخرجه البخاري "3562"، ومسلم "2320" من طريق
شعبة، به.
5 صحيح: أخرجه البخاري "24"، ومسلم "36" من طريق
الزهري، عن سالم، عن أبيه، به.
6 صحيح: أخرجه البخاري "6088"، ومسلم "1057" من طريق
مالك بن أنس، به.
(2/269)
في بئر فلان، ولقد اصفر الماء من شدة عقده،
فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم فاستخرج العقد، فوجد
الماء قد اصفر، فحل العقد، ونام النبي صلى الله عليه
وسلم فلقد رأيت الرجل بعد ذلك يدخل على النبي صلى الله
عليه وسلم، فما رأيته في وجه النبي صلى الله عليه وسلم
حتى مات.
وقال أبو نعيم: حدثنا عمران بن زيد أبو يحيى الملائي،
قال: حدثني زيد العمى، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إذا صافحه الرجل لا
ينزع يده من يده، حتى يكون الرجل ينزع، وإن استقبله
بوجهه، لا يصرفه عنه، حتى يكون الرجل ينصرف، ولم ير
مقدما ركبته بين يدي جليس له. أخرجهما الفسوي عنهما في
تاريخه.
وقال مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ
أَنَسٍ: ما رأيت رجلا التقم أذن النبي صلى الله عليه
وسلم فينحي رأسه، حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه،
وما رأيت رسول الله أخذ بيد رجل فترك يده، حتى يكون
الرجل هو الذي يدع يده. أخرجه أبو داود1.
وقال سليمان بن يسار، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا
رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مستجمعا ضاحكا، حتى أرى منه لهواته، إنما
كان يتبسم. متفق عليه2.
وقال سماك بن حرب: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ:
نِعْمَ كثيرا، كان لا يقوم من مصلاه حتى تطلع الشمس،
وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون
ويتبسم. رواه مسلم3.
وقال الليث بن سعد، عن الوليد بن أبي الوليد، أن
سليمان بن خارجة أخبره، عن أبيه أن نفرا دخلوا على زيد
بن ثابت أبيه، فقالوا: حدثنا عن بعض أخلاق رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كنت
جاره فكان إذا نزل الوحي بعث إلي فآتيه، فأكتب الوحي
وكنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة
ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا.
__________
1 ضعيف: أخرجه أبوداود "4794" حدثنا أحمد بن منيع،
حدثنا أبو قطن، أخبرنا مبارك بن فضالة، به.
قلت: إسناده ضعيف آفته مبارك بن فضالة فإنه مدلس،
مشهور بالتدليس، وقد عنعنه.
2 صحيح: أخرجه البخاري "6092"، ومسلم "899" "16" من
طريق عبد الله بن وهب أخبرنا عمرو بن الحارث، أن أبا
النضر حدثه عن سليمان بن يسار، عن عائشة، به.
لهواته: اللهوات جمع لهاة وهي اللحمة الحمراء المعلقة
في أعلى الحنك قال الأصمعي.
3 حسن: أخرجه مسلم "2322" حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا
أبو خيثمة عن سماك بن حرب، به.
قلت: إسناده حسن، سماك بن حرب، صدوق كما قال الحافظ في
"التقريب".
(2/270)
وقال إسرائيل: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ
حَارِثَةَ بنِ مُضَرِّبٍ، عن علي قال: لما كان يوم
بدر، اتقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم،
وكان أشد الناس بأسا، وما كان أحد أقرب إلى المشركين
منه.
وقال الثوري، عن محمد بن المنكدر، قال: سمعت جابرا
يقول: لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال:
لا. متفق عليه1.
وقال يونس، عن الزهري، عن عبد الله عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم
أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان. متفق عليه2.
وقال حميد الطويل، عن موسى بن أنس، عن أبيه قال: أتى
رجل النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فأمر له بغنم بين
جبلين، فأتى قومه فقال: أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من
لا يخاف الفاقة. أخرجه مسلم3.
وقال مَعْمر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان
في بيته يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما
يعمل أحدكم في بيته.
وقال أَبُو صَالِحٍ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بنُ
صَالِحٍ، عَنْ يحيى بن سعيد، عن عمرة، قيل لعائشة: مَا
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
يعمل فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ بَشَراً مِنَ
البَشَرِ، يفلي ثوبه، ويحلب شاتهن ويخدم نفسه.
وقال شعبة: حدثني مسلم الأعور أبو عبد الله، سمع أنسا
يَقُوْلُ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم يركب الحمار، ويلبس الصوف، ويجيب دعوة
المملوك، ولقد رأيته يوم خيبر على حمار، خطامه من ليف.
وقال مروان بن محمد الطاطري: حدثنا ابن لهيعة، قال:
حدثني عمار بن غزية، عَنْ إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من أفكه
الناس مع صبي4.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "6034"، ومسلم "2311" من طريق
سفيان الثوري -وليس ابن عيينة فإنه خطأ- عن ابن
المنكدر، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3554"، ومسلم "2308" من طريق
ابن شهاب، به.
3 صحيح: أخرجه مسلم "2312" من طريق خالد بن الحارث
حدثنا حميد الطويل، به.
4 ضعيف: آفته ابن لهيعة، قد ضعف لسوء حفظه.
(2/271)
وفي "الصحيح" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أبا عمير ما فعل
النغير"؟ 1.
وقال حماد بن سلمة: أخبرنا ثابت، عن أنس، أن امرأة كان
في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة،
فقال: "يا أم فلان، انظري، أي طريق شئت قومي فيه، حتى
أقوم معك"، فخلا معها يناجيها، حتى قضت حاجتها. أخرجه
مسلم2.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "6129" من طريق شعبة، حدثنا أبو
التياح، قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول:
إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول
لأخ لي صغير: "يا أبا عمير، ما فعل النغير"؟.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2326" من طريق يزيد بن هارون، عن
حماد بن سلمة، به.
(2/272)
باب هيبته وجلاله وحبه وشجاعته وقوته
وفصاحته:
قال جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عَنْ
إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
أَبِي مسعود، قال: إني لأضرب غلاما لي، إذ سمعت صوتا
من خلفي: "اعلم أبا مسعود"، قال: فجعلت لا ألتفت إليه
من الغضب، حتى غشيني، فإذا هو رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رأيته وقع السوط
من يدي من هيبته، فقال لي: "والله، لله أقدر عليك منك
من هذا"، فقلت: والله يا رسول الله لا أضرب غلاما لي
أبدا1. هذا حديث صحيح.
وقال شعبة، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: "لا
يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس
أجمعين". أخرجه مسلم2.
وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ
وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ
لِبَعْضٍ} [الحجرات: 2] ، فقال أبو بكر وغيره: لا
نكلمك يا رسول الله إلا كأخي السرار.
وقال تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ
بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ
يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ
لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ
أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] .
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ
الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}
[التوبة: 73] .
وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: "نصرت بالرعب، يسير بين يدي مسيرة شهر".
وقال زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنْ حَارِثَةَ بنِ مُضَرِّبٍ، عن علي -رضي الله عنه-
قال: كنا إذا احمر البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا
برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون منا أحد أقرب
إلى القوم منه، وقد ثبت النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ ويوم حنين، كما يأتي
في غزواته.
قال زهير، عن أبي إسحاق، عن البراء، عن يوم حنين،
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بقي على
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1659" "34" من طريق جرير، وسفيان،
وأبو عوانة ثلاثتهم عن الأعمش، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "13"، ومسلم "44" "70" من طريق
شعبة، عن قتادة عن أنس، به.
(2/273)
بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن
عبد المطلب يقود بلجامها، فنزل النبي صلى الله عليه
وسلم واستنصر، ثم قال:
"أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ
المطلب".
ثم تراجع الناس1.
وسيأتي هذا مطولا.
وقال حماد بن زيد، عن ثابت، عَنْ أَنَس، قَالَ: كَانَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أجمل
الناس وجها، وأجودهم كفا، وأشجعهم قلبا، خرج وقد فزع
أهل المدينة، فركب فرسا لأبي طلحة عربا، ثم رجع وهو
يقول: "لن تراعوا، لن تراعوا". متفق عليه2.
وقال حاتم بن الليث الجوهري: حدثنا حماد بن أبي حمزة
السكري، قال: حدثنا علي بن الحسين بن واقد، قال: حدثنا
أبي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن عمر بن
الخطاب، قال: يا رسول الله ما لك أفصحنا ولم تخرج من
بين أظهرنا؟ قال: "كانت لغة إسماعيل قد درست، فجاء بها
جبريل فحفظنيها". هذا من "جزء الغطريف".
وقال عباد بن العوام: حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ
مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ، عن أبيه،
قال رجل: يا رسول الله ما أفصحك، ما رأيت الذي هو أعرب
منك. قال: "حق لي، وإنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين"
3.
وقال هشيم، عن عبد الرحمن بن إسحاق القرشي، عَنْ أَبِي
بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أعطيت فواتح
الكلم وخواتمه وجوامعه". قلنا: علمنا مما علمك الله،
فعلمنا التشهد في الصلاة4.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "2930"، ومسلم "1776" "80" من
طريق أبي خيثمة زهير بن حرب، به.
2 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 185"، والبخاري "2820"،
"2908"، "3040"، "6033" ومسلم "2307" "48" من طريق
حماد بن زيد، به.
3 منكر: في إسناده علتان: الأولى: موسى بن محمد بن
إبراهيم بن الحارث التيمي، منكر الحديث كما قال الحافظ
في "التقريب". الثانية: الإرسال.
4 صحيح لغيره: أخرجه أبو يعلى من طريق هشيم، به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات خلا عبد الرحمن بن
إسحاق، وهو أبو شيبة الواسطي فإنه ضعيف بالاتفاق. لكن
للحديث شاهد عن ابن مسعود قال: =
(2/274)
باب زهده صلى الله عليه وسلم:
وبذلك يوزن الزهد وبه يحد:
قال الله تعالى: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا
مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ
رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131] .
وقال بقية بن الوليد، عن الزبيدي، عن الزهري، عن محمد
بن عبد الله بن عباس، قال: كان ابن عباس يحدث أن الله
-تعالى- أرسل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ملكا من
الملائكة معه جبريل -عليه السلام- فقال الملك: إن الله
يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا، وبين أن تكون ملكا نبيا،
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير
له، فأشار جبريل إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن تواضع، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "بل أكون عبدا نبيا". قال: فما أكل بعد تلك
الكلمة طعاما متكئا حتى لقي ربه تعالى.
وقال عكرمة بن عمار، عن أبي زميل، قال: حدثني ابن
عباس، أن عمر -رضي الله عنهم- قَالَ: دَخَلتُ عَلَى
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
خزانته، فإذا هو مضطجع على حصير، فأدنى عليه إزاره
وجلس، وإذا الحصير قد أثر بجنبه، فقلبت عيني في خزانة
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَإِذَا ليس فيها شيء من الدنيا غير قبضتين -أو قال
قبضة- من شعير، وقبضة من قرظ، نحو الصاعين، وإذا أفيق
معلق أو أفيقان، قال: فابتدرت عيناي، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك يا ابن الخطاب"؟ قلت:
يا رسول الله وما لي لا أبكي وأنت صفوة الله -عز وجل-
ورسوله وخيرته، وهذه خزانتك! وكسرى وقيصر في الثمار
والأنهار، وأنت هكذا. فَقَالَ:
__________
= "إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ علم فواتح الخير وجوامعه، أو جوامع الخير
وفواتحه، وإنا كنا لا ندري ما نقول في صلاتنا حتى
علمنا فقال: قولوا: "التحيات لله ... " إلخ التشهد.
أخرجه أحمد "1/ 408"، وابن ماجه "1792" من طريق أبي
إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، به.
وتابعهما شعبة قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن أبي الأحوص
به بلفظ: "إن محمدا صلى الله عليه وسلم علم فواتح
الخير وجوامعه وخواتمه فقال: "إذا قعدتم في كل ركعتين
فقولوا: التحيات لل هـ ... ثم ليتخير أحدكم من الدعاء
أعجبه إليه فليدع ربه عز وجل". أخرجه أحمد "1/ 437"،
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، فإن شعبة قد سمع من أبي
إسحاق السبيعي قبل الاختلاط.
(2/275)
"يا ابن الخطاب أما ترضى أن تكون لنا
الآخرة ولهم الدنيا"؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال:
"فاحمد الله عز وجل". أخرجه مسلم1.
وقال مَعْمَرٌ، عَنِ الزُهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ
بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي ثور، عن ابن عباس، عن عمر
في هذه القصة، قال: فما رأيت في البيت شيئا يرد البصر
إلا أهب ثلاثة، فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يوسع
على أمتك، فقد وسع على فارس والروم، وهم لا يعبدون
الله، فاستوى جالسا وقال: "أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟
أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا". فقلت:
أستغفر الله، وكان أقسم أن لا يدخل على نسائه شهرا من
شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله تعالى. اتفقا عليه من
حديث الزهري2.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
المُعَدَّلِ، سنة أربع وتسعين، أخبركم العلامة أبو
محمد بن قدامة، أن شهدة بنت أبي نصر أخبرتهم، قالت:
أخبرنا أبو غالب الباقلاني، قال: أخبرنا أبو علي بن
شاذان، قال: أخبرنا أبو سهل بن زياد، قال: حدثنا
إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال:
حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، عَنِ الحَسَنِ،
عَنِ أنس قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ على سرير مرمول3
بشريط، وتحت رأسه مرفقة حشوها ليف، فدخل عليه ناس من
أصحابه فيهم عمر -رضي الله عنه- فاعوج النبي صلى الله
عليه وسلم اعوجاجة، فرأيى عمر أثر الشريط في جنب النبي
صلى الله عليه وسلم فبكى، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما يبكيك"؟ قال:
كسرى وقيصر يعيثان فيما يعيثان فيه، وأنت على هذا
السرير! فقال: "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا
الآخرة"؟ قال: بلى، فقال: "فهو والله كذلك". إسناده
حسن.
وقال المسعودي، عن عمرو بن مرة، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ،
عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قال:
__________
1 حسن: أخرجه مسلم "1479" من طريق عمر بن يونس الحنفي،
حدثنا عكرمة بن عمار، به في حديث طويل.
قلت: إسناده حسن، عكرمة بن عمار، صدوق كما قال الحافظ
في "التقريب" وأبو زميل، بالتصغير، هو سماك بن الوليد
الحنفي اليمامي ثم الكوفي، ليس به بأس.
2 صحيح: أخرجه البخاري "5191"، ومسلم "1479" "34" من
طريق الزهري به. في حديث طويل.
3 مرمول: أي أن السرير كان قد نسج وجهه بالسعف، ولم
يكن على السرير وطاء سوى الحصير.
(2/276)
اضطجع النبي صلى الله عليه وسلم على حصير،
فأثر بجلده، فجعلت أمسحه عنه وأقول: بأبي وأمي ألا
آذنتنا فنبسط لك؟ قال: "ما لي وللدنيا، إنما أنا
والدنيا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها" 1. هذا
حديث حسن قريب من الصحة.
وقال يونس، عن الزهري، عن عبيد الله، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لو أن لي مثل أحد ذهبا ما
يسرني أن تأتي علي ثلاث ليال، وعندي منه شيء، إلا شيء
أرصده لديني". أخرجه البخاري2.
وقال الأعمش، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا"
3. أخرجه مسلم والبخاري من وجه آخر.
وقال إبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عائشة، قالت: ما
شبع رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَلاَثَةٌ أيام تباعا من خبز بر حتى توفي. أخرجه
مسلم4.
وقال الثوري: حدثنا عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة، عن
أبيه، أن عائشة قالت: كنا نخرج الكراع بعد خمس عشرة
فنأكله، فقلت: ولم تفعلون؟ فضحكت وقالت: ما شبع آل
محمد صلى الله عليه وسلم من خبز مأدوم حتى لحق بالله.
أخرجه البخاري5.
وقال هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
عَائِشَةَ: كنا يمر بنا الهلال والهلال والهلال، ما
نوقد
__________
1 صحيح: أخرجه الطيالسي "277"، وأحمد "1/ 391، 441"،
والترمذي "2377" والحاكم "4/ 310"، وأبو يعلى "5292"،
وأبو نعيم في "الحلية" "2/ 102"، "4/ 234" من طرق عن
المسعودي، به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وقال أبو نعيم: لم يروه عن عمرو بن مرة متصلا مرفوعا
إلا المسعودي.
قلت: إسنده صحيح رجاله ثقات، والمسعودي، هو عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وعمرو بن
مرة، هو الجملي. وإبراهيم النخعي هو إبراهيم بن يزيد،
وعلقمة، هو ابن قيس النخعي وله شاهد من حديث ابن عباس:
عند ابن حبان "2526" موارد، والحاكم "4/ 309-310".
2 صحيح: أخرجه البخاري "6445" من طريق الليث، حدثني
يونس، به.
3 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 232"، والبخاري "6460" ومسلم
"1055" من طريق عمارة بن القعقاع، به.
4 صحيح: أخرجه مسلم "2970" "20" من طريق جرير، عن
منصور، عن إبراهيم النخعي، به.
5 صحيح: أخرجه البخاري "5423" حدثنا خلاد بن يحيى،
حدثنا سفيان، به.
الكراع: ما دون الركبة من الساق.
(2/277)
بنار لطعام، إلا أنه التمر والماء، إلا أن
حولنا أهل دور من الأنصار، فيبعثون بغزيرة الشاة إلى
النبي صلى الله عليه وسلم، فكان للنبي صلى الله عليه
وسلم من ذلك اللبن. متفق عليه1.
وقال همام: حدثنا قتادة: كنا نأتي أنس بن مالك، وخبازه
قائم، فقال: كلوا، فما أعلم رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رغيفا مرققا، حتى
لحق بالله، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط. أخرجه
البخاري2.
وقال هشام الدستوائي، عَنْ يُوْنُسَ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ما أكل النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِوَانٍ وَلا في سكرجة ولا
خبز له مرقق فقلت لأنس: على ما كانوا يأكلون؟ قال: على
السفر. أخرجه البخاري3.
وقال شعبة عن أبي إسحاق: سمعت عبد الرحمن بن يزد يحدث،
عن الأسود، عن عائشة قالت: ما شبع رسول الله صلى الله
عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين، حتى قبض. أخرجه
مسلم4.
وقال هشام بن أبي عبد الله، عن قتادة، عن أنس أنه مشى
إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز شعير، وإهالة سنخة
ولقد رهن درعه عند يهودي، فأخذ لأهله شعيرا، ولقد
سمعته ذات يوم يقول: ما أمسى عند آل محمد صاع تمر ولا
صاع حب، وإنهم يومئذ تسعة أبيات. أخرجه البخاري5.
وقال هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
عَائِشَةَ: كان فِرَاشِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أدم حشوه ليف. متفق عليه6.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "6458"، ومسلم "2972" "26" من
طريق هشام، به.
وأخرجه البخاري "6459"، ومسلم "2972" "28" من طريق
يزيد بن رومان، عن عروة، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "6457" حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بنُ
خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بنُ يحيى، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "5386" من طريق معاذ بن هشام،
قال: حدثني أبي، به.
سكرجة: بضم السين والكف والراء والتشديد: إناء صغير
يؤكل فيه الشيء القليل من الأدم، وهي فارسية.
4 صحيح أخرجه مسلم "2970" "22" من طريق محمد بن جعفر،
حدثنا شعبة، به.
5 صحيح: أخرجه البخاري "2069" من طريق أبي اليسع
البصري، حدثنا هشام الدستوائي، به.
إهالة سنخة: الشحم المتغير الريح.
6 صحيح: أخرجه البخاري "6456"، ومسلم "2082" من طرق عن
هشام، به.
(2/278)
أخبرنا الخضر بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ،
وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَحْمَدُ بنُ
أَبِي الخير، كتابة أن عبد المنعم بن عبد الوهاب بن
كليب أجاز لهم، قال: أخبرنا علي بن بنان، قال: أخبرنا
محمد بن محمد، قال: أخبرنا أبو علي الصفار سنة تسع
وثلاثين وثلاث مائة، قال: حدثنا الحسن بن عرفة، قال:
حدثنا عباد بن عباد المهلبي، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَائِشَةَ،
قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ
الأَنْصَارِ، فَرَأتْ فِرَاشِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبَاءةً مَثْنِيَّةً،
فَانْطَلَقَتْ فَبعثَتْ إِلَيَّ بفِرَاشٍ حشوه الصوف
فدخل عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فقال: "ما هذا يا عائشة"؟ قلت: فلانة رأت
فراشك، فبعثت إلي بهذا. فقال: "رديه يا عائشة".
قالت: فَلَمْ أَرُدَّهُ، وَأَعْجَبَنِي أَنْ يَكُوْنَ
فِي بَيْتِي، حتى قال ذلك ثلاث مرار، قال: فَقَالَ:
"رُدِّيهِ فَوَاللهِ لَوْ شِئْتُ لأَجْرَى اللهُ
مَعِيَ جِبَالَ الذَّهَبِ والفضة" 1.
أخرجه الإمام أحمد في "الزهد"، عن إسماعيل بن محمد، عن
عباد بن عباد -وهو ثقة- عن مجالد، وليس بالقوي.
وأخرجه محمد بن سعد الكاتب، عن سعيد بن سليمان
الواسطي، عن عباد بن عباد.
وقال زائدة: حدثنا عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ
رِبْعِيِّ بنِ حراش، عن أم سلمة، قَالَتْ: دَخَلَ
عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هو ساهم الوجه، فحسبت ذلك من وجع، فقلت: يا
رسول الله ما لي أراك ساهم الوجه؟ قال: من أجل
الدنانير السبعة التي أتتنا أمس، وأمسينا ولم ننفقهن،
فكن في خمل الفراش. هذا حديث صحيح الإسناد.
وقال بكر بن مضر، عن مُوْسَى بنُ جُبَيْر، عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ بن سهل، قال: دخلت علي عائشة أنا وعروة،
فقالت: لو رأيتما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض
له، وكانت عندي ستة دنانير زو سبعة، فأمرني أن أفرقها،
فشغلني وجعه حتى عافاه الله، ثم سألني عنها، ثم دعا
بها فوضعها في كفه فقال: "ما ظن نبي الله لو لقي الله
وهذه عنده".
وقال جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ
أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ لا يدخر شيئا لغد.
وقال بكار بن محمد السيريني: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ،
عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل
على بلال، فوجد عنده صبرا من تمر، فقال: "ما هذا يا
بلال"؟ قال:
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد في "الزهد" "ص20"، وآفته مجالد،
وهو ابن سعيد، ليس بالقوي كما قال الحافظ في
"التقريب".
(2/279)
تمرا أدخره. قال: "ويحك يا بلال، أو ما
تخاف أن يكون لك بخار في النار، أنفق بلال ولا تخش من
ذي العرش إقلالا". بكار ضعيف.
وقال معاوية بن سلام عن زيد، أنه سمع أبا سلام قال:
حدثني عبد الله أبو عامر الهوزني، قال: لقيت بلالا
مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلب، فقلت: حدثني
كيف كانت نفقة النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا كان له شيء من ذلك إلا أنا
الذي كنت ألي ذلك منه، منذ بعثه الله إلى أن توفي،
فكان إذا أتاه الإنسان المسلم، فرآه عاريا يأمرني
فأنطلق فأستقرض فأشتري البردة والشيء فأكسوه وأطعمه،
حتى اعترضني رجل من المشركين، فقال: يا بلال إن عندي
سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني، ففعلت، فلما كان ذات
يوم، توضأت، ثم قمت لأوذن بالصلاة، فإذا المشرك في
عصابة من التجار، فلما رآني قال: يا حبشي! قلت: يا
لبيه، فتجهمني، وقال قولا غليظا، فقال: أتدري كم بينك
وبين الشهر؟ قلت: قريب قال: إنما بينك وبينه أربع
ليال، فآخذك بالذي لي عليك، فإني لم أعطك الذي أعطيتك
من كرامتك، ولا من كرامة صاحبك، ولكن أعطيتك لتجب لي
عبدا، فأردك ترعى الغنم، كما كنت قبل ذلك. فأخذ في
نفسي ما يأخذ في أنفس الناس، فانطلقت ثم أذنت بالصلاة،
حتى إذا صليت العتمة رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أهله، فاستأذنت عليه، فاذن
لي، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إن المشرك قال
لي: كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عني، ولا عندي، وهو
فاضحي، فأذن لي أن آتي بعض هؤلاء الأحياء الذين قد
أسلموا، حتى يرزق الله رسوله ما يقضي عني.
فخرجت، حتى أتيت منزلي، فجعلت سيفي وجرابي ورمحي ونعلي
عند رأسي، واستقبلت بوجهي الأفق، فكلما نمت انتبهت،
فإذا رأيت علي ليلا نمت، حتى انشق عمود الصبح الأول،
فأردت أن أنطلق، فإذا إنسان يسعى، يدعو: يا بلال أجب
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت حتى أتيته،
فغذا أربع ركائب عليهن أحمالهن، فأتيت النبي صلى الله
عليه وسلم، فاستأذنت، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أبشر، فقد جاءك الله
بقضائك". فحمدت الله قال: "ألم تمر على الركائب
المناخات الأربع "؟ قلت: بلى قال: "فإن لك رقابهن وما
عليهن". فإذا عليهن كسوة وطعام أهداهن له عظيم فدك،
فحططت عنهن، ثم عقلتهن، ثم عمدت إلى تأذين صلاة الصبح،
حتى إذا صَلَّى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرجت إلى البقيع، فجعلت إصبعي في
أذني، فناديت وقلت: من كان يطلب رسول الله صلى الله
عليه وسلم دينا فليحضر، فما زلت أبيع وأقضي حتى لم يبق
عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دين في الأرض، حتى فضل عندي أوقيتان، أو
أوقية ونصف، ثم انطلقت إلى المسجد، وقد ذهب عامة
النهار، فَإِذَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعد في المسجد وحده، فسلمت عليه
فقال لي: "ما فعل ما قبلك"؟ قلت: قضى الله كل شيء كان
على رسول
(2/280)
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَلَمْ يَبْقَ شيء فقال: "فضل شيء"؟ قلت: نعم ديناران.
قال: "انظر أن تريحني منهما فلست بداخل على أحد من
أهلي حتى تريحني منهما". فلم يأتنا أحد، فبات في
المسجد حتى أصبح، وظل في المسجد اليوم الثاني، حتى كان
في آخر النهار جاء راكبان، فانطلقت بهما، فكسوتهما
وأطعمتهما، حتى إذا صلى العتمة دعاني فقال: "ما فعل
الذي قبلك"؟ قلت: قد أراحك الله منه فكبر وحمد الله
شفقا من أن يدركه الموت، وعنده ذلك، ثم اتبعته، حتى
جاء أزواجه، فسلم على امرأة امرأة، حتى أتى مبيته.
أخرجه أبو داود1 عن أبي توبة الحلبي، عن معاوية.
وقال أبو الوليد الطيالسي: حدثنا أبو هاشم الزعفراني،
قال: حدثنا محمد بن عبد الله، أن أنس بن مالك حدثه أن
فاطمة -رضي الله عنهما- جاءت بكسرة خبز إِلَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: "مَا هذه"؟ قالت: قرص خبزته فلم تطب نفسي حتى
أتيتك بهذه الكسرة، فقال: "أما إنه أول طعام دخل فم
أبيك منذ ثلاثة أيام".
وقال أبو عاصم، عن زينب بنت أبي طليق، قالت: حدثني
حبان بن جزء -أو بحر- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
يشد صلبه بالحجر من الغرث2.
وقال أبو غسان النهدي: حدثنا إسرائيل، عن مجالد، عن
الشعبي، عن مسروق، قال: بينما عائشة ذات يوم إذ بكت،
فقلت: ما يبكيك؟ قالت: ما ملأت بطني من طعام فشئت أن
أبكي إلا بكيت أذكر رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا كان فيه من الجهد.
وقال خالد بن خداش: حدثنا ابن وهب، قال: حدثني جرير بن
حازم، عن يونس، عن الحسن، قال: خطب رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "والله ما
أمسى في آل محمد صاع من طعام، وإنها لتسعة أبيات".
والله ما قالها استقلال لرزق الله، ولكن أراد أن تتأسى
به أمته. روى الأربعة "ابن سعد" عن هؤلاء.
وقال أبان، عن قتادة، عن أنس، أن يهوديا دعا النبي صلى
الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه.
وقال أنس: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم تمر، فرأيته
يأكل منه مقعيا من الجوع.
وقالت أسماء بنت يزيد: توفي النبي صلى الله عليه وسلم،
ودرعه مرهونة عند يهودي على شعير.
__________
1 صحيح: أخرجه أبو داود "3055".
2 الغرث: الجوع.
(2/281)
فصل من شمائله وأفعاله:
وكان النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه يقول:
"اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع".
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ
الحَلْوَاءَ وَالعَسَلَ واللحم، ولا سيما الذراع. وكان
يأتي النساء، ويأكل اللحم، ويصوم، ويفطر، وينام،
ويتطيب إذا أحرم وإذا حل، وإذا أتى الجمعة، وغير ذلك،
ويقبل الهدية، ويثيب عليها ويأمر بها، ويجيب دعوة من
دعاه، ويأكل ما وجد، ويلبس ما وجد من غير تكلف لقصد ذا
ولا ذا، ويأكل القثاء بالرطب، والبطيخ بالرطب، وإذا
ركب أردف بين يديه الصغير أو يردف وراءه عبده أو من
اتفق، ويلبس الصوف ويلبس البرود الحبرة، وكانت أحب
اللباس إليه، وهي برود يمنية فيها حمرة وبياض، ويتختم
في يمينه بخاتم فضة نقشه "محمد رسول الله" وربما تختم
في يساره.
وكان يواصل في صومه، ويبقى أياما لا يأكل، وينهى عن
الوصال، ويقول: "إني لست مثلكم، إني أبيت عند ربي
يطعمني ويسقيني".
وكان يعصب على بطنه الحجر من الجوع، وقد أتى بمفاتيح
خزائن الأرض كلها، فأبى أن يقبلها، واختار الآخرة
عليها، وكان كثير التبسم، يحب الروائح الطيبة وكان
خلقه القرآن، يرضى لرضاه، ويغضب لغضبه.
وكان لا يكتب ولا يقرأ ولا معلم له من البشر، نشأ في
بلاد جاهلية، وعبادة وثن، ليسوا بأصحاب علم ولا كتب،
فآتاه الله من العلم ما لم يؤت أحدا من العالمين، قال
الله في حقه:
{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3، 4] .
وكل هذه الأطراف من الأحاديث فصحاح مشهورة.
وقال صلى الله عليه وسلم: "حبب إلي النساء والطيب،
وجعل قرة عيني في الصلاة".
وقال أنس: طاف النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه في
ضحوة بغسل واحد.
وكان يحب من النساء عائشة -رضي الله عنها- ومن الرجال
أباها أبا بكر -رضي الله عنه- وزيد بن حارثة، وابنه
أسامة، ويقول: "آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق
بغض الأنصار".
(2/282)
ويحب الحسن والحسين سبطيه، ويقول: "هما
ريحانتاي من الدنيا".
ويحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه.
ويحب التيمن في ترجله وتنعله، وفي شأنه كله.
وكان يقول: "إني أخشاكم الله وأعلمكم بما اتقى".
وقال: "لَو تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ
قَلِيْلاً وَلَبَكَيْتُمْ كثيرا".
وقال: "شيبتني هود وأخواتها".
وكل هذا في الصحاح.
(2/283)
باب من اجتهاده وعبادته صلى الله عليه
وسلم:
قال ابن عيينة، عن زياد بن علاقة: عن المغيرة بن شعبة،
قال: قَامَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى تورمت قدماه، فقيل: يا رسول الله
أليس قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقدَّمَ مِنْ
ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟، قال: "أفلا أكون عبدا
شكورا". متفق عليه1.
وقال منصور، عن إبراهيم، عن علقمة: سألت عائشة: كيف
كان عمل رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، هَلْ كان يخص شيئا من الأيام؟ قالت: لا،
كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع مَا كَانَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يستطيع؟ متفق عليه2.
وقال معمر، عن همام، حدثنا أبو هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
"إياكم والوصال". قَالُوا: فَإِنَّك تُوَاصِلُ يَا
رَسُوْلَ اللهِ، قَالَ: "إني لست مثلكم، إني أبيت
يطعمني ربي ويسقيني، فاكفلوا من العمل ما لكم به
طاقة".
وفي الصحيح مثله من حديث ابن عمر، وعائشة، وأنس،
بمعناه.
وقال مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِوٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إني لأستغفر الله وأتوب
إليه في كل يوم مائة مرة". هذا حديث حسن.
وقال حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ
مُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنْ
أَبِيْهِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي، وفي صدره أزيز كأزيز المرجل
من البكاء.
وقال أبو كريب: حدثنا معاوية بن هشام عن شيبان، عن أبي
إسحاق، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ ابو بكر: يا رسول الله أراك شبت قال: "شيبتني
هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس
كورت".
وأما تهجده، وتلاوته، وتسبيحه، وذكره وصومه، وحجه،
وجهاده، وخوفه، وبكاؤه، وتواضعه، ورقته، ورحمته لليتيم
والمسكين، وصلته للرحم، وتبليغه الرسالة، ونصحه الأمة،
فمسطور في السنن على أبواب العلم.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4836"، ومسلم "2819" "80"،
والنسائي "3/ 219"، وأحمد "4/ 251، 255"، والحميدي
"759" من طريق سفيان بن عيينة، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "1987"، ومسلم "783"، وأبو داود
"1370" من طريق منصور، به.
(2/284)
باب في مزاحه ودماثة أخلاقه الزكية:
قال مبارك بن فضالة، عَنْ بَكْرِ بن عَبْدِ اللهِ
المُزَنِيّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إني لأمزح، ولا
أقول إلا حقا" 1. إسناده قريب من الحسن.
وقال أبو حفص بن شاهين: حدثنا عثمان بن جعفر الكوفي
قال: حدثنا عبد الله بن الحسين، قال: حدثنا آدم بن أبي
إياس، قال: حدثنا الليث، عن ابن عجلان، عن المقبري،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ
إنك تداعبنا قال: "إني لا أقول إلا حقا" 2.
تابعه أبو معشر، عن المقبري، وهو صحيح.
وقال الزبير بن بكار: حدثني حمزة بن عتبة، عن نافع بن
عمر، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة أنها مزحت عِنْد
رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فقالت: إنه بعض دعابات هذا الحي من بني كنانة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل بعض مزحنا هذا
الحي من قريش". حمزة لا أعرفه، والمتن منكر.
وقال زيد بن أبي الزرقاء، عن ابن لهيعة، عن عمارة بن
غزية، عَنْ إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي
طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أفكه الناس. تفرد به
ابن لهيعة، وضعفه معروف.
وجاء من طريق ابن لهيعة: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ أفكه الناس مع صبي.
وقال أبو تميلة يحيى بن واضح، عن أبي طيبة عبد الله بن
مسلم، عن ابن بريدة، عن أبيه قَالَ: كُنْتُ مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
سفر، فثقل على القوم بعض متاعهم، فجعلوا يطرحونه علي،
فَمَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فقال: "أنت زاملة".
__________
1 حسن لغيره: وهذا إسناد ضعيف، آفته مبارك بن فضالة،
مدلس، وقد عنعنه لكن يشهد له حديث أبي هريرة الآتي،
وهو حسن فيرتقي إلى درجة الحسن لغيره.
2 حسن: أخرجه الترمذي "1990" من طريق عبد الله بن
المبارك، عن أسامة بن زيد، عَنْ سَعِيْدٍ المقبرِيُّ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: فذكره.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: إسناده حسن، فيه أسامة بن زيد، وهو الليثي
مولاهم، أبو زيد المدني، صدوق كما قال الحافظ في
"التقريب".
(2/285)
وقال حشرج بن نباتة، عن سعيد بن جمهان:
سمعت سفينة يقول: ثقل على القوم متاعهم، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "ابسط كساءك". فجعلوا فيه
متاعهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احمل
فإنما أنت سفينة". قال: فلو حملت من يومئذ وقر بعير أو
بعيرين أو ثلاثة، حتى بلغ سبعة ما ثقل علي. وهذا يدخل
في معجزاته.
وقال علي بن عاصم، وخالد بن عبد الله: حدثنا حميد، عن
أنس قال: استحمل أعرابي رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أنا أحملك على ولد
الناقة". فقال: وما أصنع بولد ناقة يا رسول الله؟
فقال: "وهل تلد الإبل إلا النوق "؟. صحيح غريب.
وقال الأنصاري: حدثنا حميد، عن أنس قال: كان ابن لأم
سليم، يقال له: أبو عمير، كان النبي صلى الله عليه
وسلم يمازحه ... الحديث.
وقال شريك، عن عاصم، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال له: "يا ذا
الأذنين"1.
وقال مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بنِ عَبْدِ
الرحمن بن حاطب، أن عائشة قالت: أتيت النبي صلى الله
عليه وسلم بخزيرة2 طبختها، فقلت لسودة والنبي صلى الله
عليه وسلم بيني وبينها: كلي فأبت، فقلت: لتأكلي أو
لألطخن وجهك فأبت، فوضعت يدي فيها فلطختها وطليت
وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فمر عمر فقال:
يا عبد الله يا عبد الله، فظن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه سيدخل، فقال: "قوما فاغسلا وجوهكما". فما زلت
أهاب عمر لهيبة رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ.
وقال عبد الله بن إدريس، عَنْ حُسَيْنِ بنِ عَبْدِ
اللهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عن ابن عباس، قَالَ: مَرَّ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بحسان بن
ثابت، وقد رش فناء أطمه3، ومعه أصحابه سماطين، وجارية
يقال لها: سيرين، معها مزهرها تختلف بين السماطين
تغنيهم، فلما مَرَّ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يأمرهم ولم ينههم، وهي تقول
في غنائها:
هل على ويحكم ... إن لهوت من حرج
__________
1 ضعيف: أخرجه أبو داود "5002"، والترمذي "1992" من
طريق شريك، عن عاصم به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته شريك، وهو ابن عبد الله
النخعي، ضعيف لسوء حفظه.
2 الخزيرة: لحم يقطع صغارا ويصب عليه ماء كثير، فإذا
نضبح ذر عليه الدقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة.
وقيل: هي حسا من دقيق ودسم. وقيل: إذا كان من دقيق فهي
حريرة، وإذا كان من نخالة فهو خزيرة.
3 الأطم بالضم: البناء المرتفع، وجمعه آطام.
(2/286)
فتبسم رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: "لا حرج إن شاء الله"1.
حُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ
العباس بن عبد المطلب هذا مدني، تركه ابن المديني
وغيره.
وقال بَكْرُ بنُ مُضَرَ، عَنِ ابْنِ الهَادِ، عَنْ
محمد بن أبي سلمة، عن عائشة قالت: دخلت الحبشة المسجد
يلعبون، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أتحبين أن تنظري إليهم"؟ قلت:
نعم فقالت: "تعالي"، فقام بالباب، وجئت فوضعت ذقني على
عاتقه، وأسندت وجهي إلى خده، قالت: ومن قولهم يومئذ:
"وأبو القاسم طيب"، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "حسبك". قلت: لا تعجل يا رسول الله، قالت: وما
بي حب النظر إليهم، ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه
لي ومكاني منه2.
وفي بعض طرقه: فلا ينصرف حتى أكون أنا الذي
أَنْصَرِفُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الجَارِيَةِ
الحَدِيْثَةِ السِّنِّ، الحَرِيْصَةِ على اللهو3.
وفي رواية: والحبشة في المسجد يلعبون بحرابهم
ويزفنون4.
وقال زيد بن الحباب: أخبرني خارجة بن عبد الله قال:
حدثنا يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة قالت: كُنَّا
مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم،
فسمعنا لغطا وصوت الصبيان، فقام، فإذا حبشية ترقص
والصبيان حولها فقال: "يا عائشة تعالي فانظري" فجئت
فوضعت ذقني على منكبه صلى الله عليه وسلم، فجعلت أنظر،
فقال: "ما شبعت"؟ فجعلت أقول: لا لأنظر منزلتي عنده إذ
طلع عمر -رضي الله عنه فارفض الناس عنها فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأنظر إلى شياطين الجن
والإنس قد فرقوا من عمر".
خارجة بن عبد الله، قال ابن عدي: لا بأس به.
__________
1 منكر: آفته حُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ
اللهِ بنِ عباس الهاشمي، قال ابن معين: ضعيف وقال
أحمد: له أشياء منكرة. وقال البخاري: قال علي: تركت
حديثه وقال النسائي: متروك.
2 صحيح: أخرجه البخاري "949"، "950"، ومسلم "982" "19"
من طريق ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو أن محمد بن عبد
الرحمن الأسدي حدثه عن عروة عن عائشة، به.
3 صحيح: أخرجه مسلم "982" "19" من طريق ابْنُ وَهْبٍ،
أَخْبَرَنِي يُوْنُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عن عروة عن
ابن الزبير، عن عائشة، به.
4 يزفنون: معناه يرقصون. وحمله العلماء على التوثب
بسلاحهم ولعبهم بحرابهم قريبا من هيئة الرقص. وهو في
مسلم "982"، "18"، "20".
(2/287)
وقال النسائي: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَابَقَنِي
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسبقته
ما شاء الله، حَتَّى إِذَا رَهِقَنِي اللَّحْمُ
سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: "هذه بتلك". صحيح.
وأخرجه أبو داود1 من حديث عروة، عن أبي سلمة عنها وقيل
في إسناده غير ذلك.
وقال خالد بن عبد الله الطحان، عَنْ مُحَمَّدُ بنُ
عَمْرِوٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبي هريرة -وغير
خالد يسقط منه أبا هُرَيْرَةَ- قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يدلع لسانه
للحسين، فيرى الصبي حمرة لسانه فيهش إليه، فقال له
عيينة بن بدر: ألا أراك تصنع هذا، فوالله إني ليكون لي
الولد قد خرج وجهه ما قبلته قط. فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لا يرحم لا
يرحم".
وقال جعفر بن عون، عن معاوية بن أبي مزرد، عن أبيه، عن
أبي هريرة، قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيد الحسن أو الحسين، وهو يقول:
"ترق عين بقه". فيضع الغلام قدمه على قدم النبي يرفعه
إلى صدره، ثم قبل فاه وقال: "اللهم إني أحبه فأحبه".
وقال خالد بن الحارث، عن أشعث، عن الحسن، عن أنس،
قَالَ: دَخَلتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مستلق، والحسن بن علي على
ظهره.
وقال محمد بن عمران بن أبي ليلى: حدثني أبي، حدثني ابن
أبي ليلى، عن عيسى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي
لَيْلَى عَنِ أبيه قال: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءه الحسن فأقبل
يتمرغ عليه، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم
قميصه فقبل زبيبته.
وقال أبو أحمد الزبيري: حدثنا زمعة بن صالح عن الزهري،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبِ بنِ زَمْعَةَ، عن أم
سلمة، أن أبا بكر خرج تاجرا إلى بصرى قَبْلَ مَوْتِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعام أو
عامين، ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة، وهما بدريان،
وكان سويبط على زادهم، فجاء نعيمان فقال: أطعمني،
فقال: لا، حتى يأتي أبو بكر وكان نعيمان مزاحا، فقال:
لأبيعنك ثم قال لأناس: ابتاعوا مني غلاما، وهو رجل ذو
لسان، ولعله يقول: أنا حر، فإن كنتم تاركيه إذا قال
ذلك فدعوني ولاتفسدوا علي غلامي قالوا: لا بل نبتاعه
فباعه بعشر قلائص، ثم جاءهم فقال: هو هذا فقال سويبط:
هو كاذب، وأنا رجل حر. قالوا: قد أخبرنا بخبرك وطرحوا
الحبل والعمامة في رقبته، وذهبوا به، فجاء أبو بكر
فأخبروه، فذهب وأصحاب له فردوا القلائص، وأخذوه، فضحك
منها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا2. هذا
حديث حسن.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 39" والحميدي "261" وأبو داود
"2578"، وابن ماجه "1979"، والطحاوي وفي "مشكل الآثار"
"2/ 360" من طريق هشام بن عروة، به.
2 ضعيف: أخرجه ابن ماجه "3719" من طريق زمعة بن صالح،
به.
قلت: إسناده ضعيف آفته زمعة بن صالح الجندي، بفتح
الجيم والنون، اليماني، أبو وهب ضعيف كما قال الحافظ
في "التقريب" وقد روى له مسلم مقرونا بغيره. وقد ضعفه
أحمد وابن معين.
(2/288)
وقال الأسود بنُ عَامِرٍ: حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الخطمي،
أن رجلا كان يكنى أبا عمرة، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا أم عمرة".
فضرب الرجل بيده إلى مذاكيره، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مه". قال: والله
ما ظننت إلا أني امرأة لما قلت لي: يا أم عمرة. فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر مثلكم
أمازحكم"1. حديث مرسل.
وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر، عن ثابت، عن أنس، أن
رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر، فكان يهدي إِلَى
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هدية من البادية، فيجهزه النبي صلى الله عليه وسلم،
وقال: "إن زاهرا باديتنا، ونحن حاضرته". وكان دميما
فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوما، وهو يبيع متاعه،
فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال: أرسلني، من هذا؟
والتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم، وَجَعَلَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول: "من يشتري مني العبد". فقال: يا رسول الله، إذا
والله تجدني كاسدا. فقال: "لكن أنت عند الله غال" 2.
صحيح غريب.
وقال خالد بن عبد الله الواسطي، عن حصين بن عبد
الرحمن، عن ابن أبي ليلى، عن أسيد بن الحضير، قال:
بينا رجل من الأنصار عِنْد رَسُوْل اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتحدث، وكان فيه مزاح يحدث
القوم ويضحكون، فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في
خاصرته، فقال: "اصبر لي". قال: "أصطبر". قال: لأن عليك
قميص، ولم يكن علي قميص. فرفع النبي صلى الله عليه
وسلم قميصه.
فاحتضنه وجعل يقبل كشحه ويقول: إنما أردت هذا يا رسول
الله. رواته ثقات3.
وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير، قال: ما
حجبني رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مُنْذُ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم.
__________
1 منكر: وهو مرسل بل معضل، أبو جعفر الخطمي، هو عمير
بن يزيد بن عمير بن حبيب الأنصاري، وهو من الطبقة
السادسة طبقة صغار التابعين، فبينه وبين رسول الله
مفاوز وبراري تنقطع دونها أعناق المطي، ومتن الحديث
ظاهر النكارة لكل من أمعن نظره في دواوين السنة
المشرفة.
2 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه عبد الرزاق "19688"،
ومن طريقه أخرجه أحمد "3/ 161"، والترمذي في "الشمائل"
"239"، وأبو يعلى "3456"، والبزار "2735"، والبيهقي
"6/ 169"، "10/ 248"، والبغوي "3604".
3 صحيح: أخرجه أبو داود "5224"، وابن أبي ليلى، هو عبد
الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، المدني، ثم الكوفي، ثقة
مخضرم.
(2/289)
باب في ملابسه صلى الله عليه وسلم:
قال خالد بن يزيد: حدثنا عاصم بن سليمان، عَنْ
جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جده،
عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أنه كان يلبس القلانس البيض، والمزرورات،
وذوات الآذان. عاصم هذا بصري متهم بالكذب.
وعن جابر: كان للنبي صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء
يلبسها في العيدين ويرخيها خلفه. تفرد به حاتم بن
إسماعيل، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ
العَرْزَمِيِّ، عَنْ أبي الزبير، عن جابر.
وقال وكيع، عن عبد الرحمن بن الغسيل، عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ الناس وعليه عصابة دسماء1.
حديث صحيح.
وعن ركانة أنه صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه
النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وسمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: "إن فرق ما بيننا وبين المشركين
العمائم على القلانس". أخرجه أبو داود2.
وعن عروة، عن عائشة: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم
كمة3 بيضاء.
وعن جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ
الفَتْحِ وعليه عمامة سوداء. رواته ثقات.
قلت: كانت -لعل- تحت الخوذة، فإنه دخل يوم الفتح وعلى
رأسه المغفر.
__________
1 دسماء: أي سوداء.
2 حسن: أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" "1/ ترجمة
221"، وأبو داود "4078" والترمذي والحاكم "3/ 452" من
طريق أبي الحسن العسقلاني، عن أبي جعفر بن محمد بن علي
بن ركانة، عن أبيه أن ركانة صاع النبي صلى الله عليه
وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم قال ركانة: وسمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "فرق ما بيننا وبين
المشركين العمائم على القلانس".
وضعفه الترمذي بقوله: "حديث غريب، وإسناده ليس
بالقائم، ولا نعرف أبا الحسن العسقلاني ولا ابن
ركانة". وقال ابن حبان: في إسناده نظر.
وللحديث شاهد مرسل صحيح عند البيهقي "10/ 18" من طريق
موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار،
عن سعيد بن جبير، به مرسلا.
وقال البيهقي: "وهو مرسل جيد، وقد روى بإسناد آخر
موصولا، إلا أنه ضعيف. والله أعلم".
3 الكمة: القلنسوة الصغيرة.
(2/290)
وعن بعضهم بإسناد واه: كانت له صلى الله
عليه وسلم عمامة تسمى السحاب، يلبس تحتها القلانس
اللاطئة، ويرتدي.
قال مُسَاوِر الوَرَّاق، عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرِو
بنِ حريث، عن أبيه: رَأَيْتُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ، وعليه،
عمامة سوداء، قد أرخى طرفها بين كتفيه.
وعلى الحسن: كانت راية النبي صلى الله عليه وسلم
سوداء، تسمى العقاب، وعمامته سوداء، وكان إذا اعتم
يرخي عمامته بين كتفيه. مرسل.
وقال عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ
ابْنِ عُمَرُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اعتم يرخي عمامته بين
كتفيه. وكان ابن عمر يفعله. وقال عبيد الله بن عمر:
رأيت القاسم وسالما يفعلان ذلك.
وقال عروة: أُهْدِيَ لِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمامة معلمة، فقطع علمها ولبسها.
مرسل.
وقال المغيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح
على ناصيته وعمامته، وقال: لبس جبة ضيقة الكمين.
ويروى عن أنس: كان قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم
قطنا، قصير الطول قصير الكمين.
وعن بديل بن ميسرة عن شهر عن أسماء بنت يزيد قالت: كان
كمه صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ.
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلم يلبس قميصا قصير اليدين والطول.
وعن عرورة -وهو مرسل- قال: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ طول ردائه أربعة
أذرع، وعرضه ذراعان وشبر.
وقال زكريا بن أبي زائدة، عن مصعب بن شيبة، عن صفية
بنت شيبة، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وعله مرط من شعر أسود.
أخرجه أبو داود.
وذكر الواقدي أن بردة النبي صلى الله عليه وسلم كانت
طول ستة أذرع في ثلاثة وشبر، وإزاره من نسج عمان، طوله
أربعة أذرع وشبر في ذراعين وشبر، كان يلبسهما يوم
الجمعة والعيدين ثم يطويان. حديث معضل.
وقال عروة: إن ثوب رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كان يخرج فيه إلى الوفد
رداء حضرمي طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر، فهو
عند الخلفاء قد خلق، فطروه بثوب، يلبسونه يوم الأضحى
والفطر. رواه ابن المبارك، عن ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ
أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ.
(2/291)
وقال معن بن عيسى: حدثنا محمد بن هلال،
قال: رأيت على هشام بن عبد الملك برد النبي صلى الله
عليه وسلم من حبرة له حاشيتان.
قلت: هذا البرد غير برد النبي صلى الله عليه وسلم الذي
يتداوله الخلفاء من بني العباس، ذاك البرد اشتراه أبو
العباس السفاح بثلاث مائة دينار من صاحب أيلة.
وذكر ابن إسحاق أنه برد كساه النبي صلى الله عليه وسلم
لصاحب أيلة. فالله أعلم.
وقال حميد الطويل: حدثنا بكر بن عبد الله المزني، عن
حمزة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه، قال: تخلفت مع
رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَلَمَّا قضى حاجته أتيته بمطهرة، فغسل كفيه ووجهه، ثم
ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة، فأخرج يديه من
تحتها، وألقى الجبة على منكبيه، فغسل ذراعيه ومسح
ناصيته، وعلى العمامة، ثم ركب وركبنا، وفي لفظ: وعليه
جبة شامية ضيقة الكمين، وفي لفظ: وعليه جبة من صوف.
وقال أيوب، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه إزار يتقعقع1.
وعن عكرمة: رأيت ابن عباس إذا ائتزر أرخى مقدم إزاره
حتى تقع حاشيتاه على ظهر قدميه، ويرفع الإزار مما
وراءه، وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأتزر هذه
الإزرة2.
وعن ابن عباس قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتزر تحت سرته، وتبدو
سرته، ورأيت عمر يأتزر فوق سرته، وقال صلى الله عليه
وسلم: "إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقية" 3.
وعن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، ان النبي
صلى الله عليه وسلم اشترى حلة بسبع وعشرين أوقية.
وعن محمد بن سيرين أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى
حلة بتسع وعشرين ناقة. وهذان ضعيفان لإرسالهما.
وقال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا عمارة
بن زاذان، عن ثابت، عن
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 141، 147".
2 صحيح: أخرجه أبو داود "4096".
3 صحيح: أخرجه الطيالسي "2228"، وأحمد "3/ 5، 6،
30-31-44، 52، 97"، وابن أبي شيبة "8/ 391"، وأبو داود
"4093"، وابن ماجه "3573"، والبيهقي "2/ 244" من طريق
العَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ،
عَنْ أبي سعيد الخدري، به.
(2/292)
أنس، أن ملك ذي يزن أهدى إِلَى رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حلة أخذها
بثلاثة وثلاثين بعيرا فقبلها1.
وقال الحمادان، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن سمرة بن
جندب، أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال: "عليكم بالبياض من الثياب فليلبسها
أحياؤكم، وكفنوا فيها موتاكم". زاد حماد بن زيد في
حديثه: "فإنها من خير ثيابكم" 2.
وروى مثله الثوري، والمسعودي، عن حبيب بن أبي ثابت، عن
ميمون بن أبي شبيب، عن سمرة بن جندب نحوه.
ورواه المسعودي مرة عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ
بنِ خُثَيْمٍ، عن سعد بن جبير، عن ابن عباس رفعه:
"البسوا الثياب البيض، وكفنوا فيها موتاكم" 3.
ورواه أبو بكر الهذلي، عن أبي قلابة، فأرسله.
وقال عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ
أَبِي رَوَّادٍ: حدثنا ابن سالم، قال: حدثنا صفوان بن
عمرو، عن شريح بن عبيد، عن أبي الدرداء، قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن
خير ما زرتم الله به في مصلاكم وقبوركم البياض". رواه
ابن ماجه4.
وقال أبو إسحاق السبيعي، عن البراء: ما رأيت أحدا أحسن
في حلة حمراء مِنْ رَسُوْلِ اللهِ5 صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي لفظ: لقد رأيت عليه حلة حمراء
-فذكره.
__________
1 ضعيف: أخرجه أبو داود "4034"، وأحمد "3/ 221" من
طريق عمارة بن زاذان، به.
قلت: إسناده ضعيف، عمارة بن زاذان، ضعيف لسوء حفظه.
2 صحيح: أخرجه النسائي "8/ 205" من طريق حماد، عن
أيوب، به.
3 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "6200"، "6201" وأحمد "1/
247، 274، 328، 355، 363"، وأبو داود "3878"، والترمذي
"994"، وابن ماجه "1472"، "3566"، والطبراني
"12485-12493"، والحاكم "1/ 354"، والبيهقي "3/ 245"،
"5/ 33"، والبغوي "1477" من طرق عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، به.
4 ضعيف: أخرجه ابن ماجه "3568" من طريق عبد المجيد بن
أبي رواد، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه مروان بن سالم، مجهول، لذا قال
الحافظ في "التقريب" "مقبول" أي عند المتابعة وليس ثم
من تابعه.
5 صحيح: أخرجه البخاري "5848" حدثنا أبو الوليد، حدثنا
شعبة، عن أبي إسحاق سمع البراء -رضي الله عنه-
يَقُوْلُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مربوعا، وقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت
شيئا أحسن منه".
(2/293)
عبد الله بن صالح: حدثنا الليث، قال:
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ
عِرَاكِ بنِ مَالِكٍ، أَنَّ حَكِيْمَ بنَ حِزَامٍ
قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَحَبَّ رجل إلي، فلما نبئ وخرج إلى
المدينة، شهد حكيم الموسم، فوجد حلة لذي يزن فاشتراها،
ثم قدم بها ليهديها إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "لا نقبل من المشركين
شيئا، ولكن بالثمن". قال: فأعطيته إياها حين أبى
الهدية، فَلَبِسَهَا، فَرَأَيْتُهَا عَلَيْهِ عَلَى
المِنْبَرِ، فَلَمْ أَرَ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْهُ
يَوْمَئِذٍ فِيْهَا، ثُمَّ أَعْطَاهَا أُسَامَةَ،
فَرَآهَا حَكِيْمٌ عَلَى أُسَامَةَ، فَقَالَ: يَا
أُسَامَةُ أَتَلْبَسُ حُلَّةَ ذِي يَزَنٍ؟ قَالَ:
نَعَمْ والله لأنا خير من ذي يزن، وَلأَبِي خَيْرٌ
مِنْ أَبِيْهِ. فَانْطَلَقْتُ إِلَى مَكَّةَ فأعجبتهم
بقول أسامة1.
وقال عَوْنِ بنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيْهِ،
قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
بالأبطح وهو في قبة له حمراء، فخرج وعليه حلة حمراء،
فكأني أنظر إلى بريق ساقيه. صحيح الإسناد.
وقال حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي
جعفر، عن جابر بن عبد الله قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يلبس برده الأحمر
في العيدين والجمعة. رواه هشيم، عن حجاج، عن أبي جعفر
محمد بن علي فأرسله.
وقال عبيد الله بن إياد، عن أبيه، عن أبي رمثة، قَالَ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وعليه بردان أخضران2. إسناده صحيح.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 401"، والحاكم "3/ 484-485" من
طريق ليث بن سعد، به.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وهو كما
قالا.
2 صحيح: أخرجه أبو داود "4206"، والترمذي "2812"،
والنسائي "3/ 185"، وأحمد "3/ 227، 228" من طريق إياد
بن لقيط، به.
(2/294)
باب منه:
وقال وكيع: حدثنا ابن أبي ليلى، عن محمد بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ سَعْدِ بنِ زُرَارَةَ، عن محمد بن
عمرو بن شرحبيل، عن قيس بن سعد، قال: أتانا النبي صلى
الله عليه وسلم، فوضعنا له غسلا فاغتسل، ثم أتيته
بملحفة ورسية، فاشتمل بها، فكأني أنظر أثر الورس على
عكنه.
وقال هشام بن سعد، عن يحيى بن عبد الله بنِ مَالِكٍ،
قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم يصبغ ثيابه بالزعفران: قميصه ورداءه وعمامته.
مرسل.
وقال مصعب بن عبد الله بن مصعب الزبيري: سمعت أبي يخبر
عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عليه رداء وعمامة مصبوغين بالعبير. قال
مصعب: العبير عندنا: الزعفران. مصعب فيه لين.
وعن أم سلمة، قالت: ربما صبغ لرسول الله صلى الله عليه
وسلم قميصه ورداؤه بزعفران وورس.
أخرجه محمد بن سعد، عن ابن أبي فديك، عن زكريا بن
إبراهيم، عن ركيح بن أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ عَبْدِ
اللهِ بنِ زَمْعَةَ، عن أبيه، عن أمه، عن أم سلمة.
وهذا إسناد عجيب مدني.
وعن زيد بن أسلم: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصبغ ثيابه حتى العمامة بالزعفران.
وهذه المراسيل لا تقاوم ما في الصحيح من نَهَى
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
التزعفر، وفي لفظ: "نهى أن يتزعفر الرجل" 1 ولعل ذلك
كان جائزا، ثم نهى عنه.
وقال حماد بن سلمة عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدِ بنِ
جُدْعَانَ -وَهُوَ ضعيف- عن أنس بن مالك، قال: أهدى
ملك الروم إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستقة من سندس، فلبسها، فكأني أنظر
إلى يديها تذبذبان من طولهما، فجعل القوم يقولون: يا
رسول الله أنزلت عليك من السماء؟ فقال: "وما تعجبون
منها، فوالذي نفسي بيده إن منديلا من مناديل سعد بن
معاذ في الجنة خير منها". ثم بعث بها إلى جعفر بن أبي
طالب فلبسها، فقال صلى الله عليه وسلم: "إني لم أعطكها
لتلبسها".
قال: فما أصنع بها؟ قال: "ابعث بها إلى أخيك النجاشي".
وقال الليث بن سعد: حدثني يَزِيْدُ بنُ أَبِي
حَبِيْبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عن عقبة بن عامر أنه
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2101" من طريق عبد العزيز بن
صهيب، عن أنس، به.
(2/295)
أهدى إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فروج -يعني قباء حرير- فلبسه، ثم
صلى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له، ثم
قال: "لا ينبغي هذا للمتقين" 1.
وقال مالك، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، عن عائشة:
أهدى أبو الجهم بن حذيفة لرسول الله صلى الله عليه
وسلم خميصة شامية لا علم، فشهد فيها الصلاة، فلما
انصرف قال: "ردوا هذه الخميصة على أبي جهم، فإني نظرت
إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني".
وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمر بن أبي سلمة:
رَأَى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُصَلِّي في بيت أم سلمة مشتملا في ثوب
واحد2.
وصح مثله عن أنس رفعه.
وعن ابن عباس أنه رَأَى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ واحد يتقي
بفضوله حر الأرض وبردها.
وقال جَابِرٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في إزار واحد مؤتزرا به، ليس
عليه غيره.
وقال يونس بن الحارث الثقفي، عن أبي عون محمد بن عبيد
الله بن سعيد الثقفي، عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة:
كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير
والفروة المدبوغة. أخرجه أبو داود3.
وقال شعبة عن حبيب بن أبي ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
يلبس الصوف.
وقال حميد بن هلال، عن أبي بردة، قال: دخلت على عائشة،
فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن، وكساء من
هذه الملبدة، فأقسمت أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبض فيهما.
أخرجه مسلم4.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "375" عن طريق الليث، عن يزيد،
به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "354" حدثنا عبيد الله بن موسى،
قال: حدثنا هشام بن عروة، به.
3 ضعيف: أخرجه أبو داود "659"، وفيه علتان: الأولى:
يونس بن الحارث الثقفي، فإنه ضعيف كما قال الحافظ في
"التقريب". والعلة الثانية: عبيد الله بن سعيد الثقفي،
والد محمد، مجهول وأشار ابن حبان إلى أن حديثه عن
المغيرة منقطع.
4 صحيح: أخرجه مسلم "2080" من طريق سليمان بن المغيرة،
حدثنا حميد، به.
الملبدة: الملبد بفتح الباء هو المرقع.
(2/296)
وقال هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ،
عَنْ عَائِشَةَ، قالت: كان ضجاع النبي صلى الله عليه
وسلم من أدم محشوا ليفا1.
وقد تقدم أحاديث في هذا المعنى في زهده عليه السلام.
وقال غير واحد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يصلي
أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء". أخرجه
البخاري2.
وعند مسلم "على عاتقيه".
وقال عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله مولى أسماء، عن
أسماء بنت أبي بكر، أنها أخرجت جبة طيالسة كسروانية
لها لبنة ديباج وفرجيها مكفوفين بالديباج، فقالت: هذه
جبة رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يلبسها، فنحن نغسلها
للمريض يستشفي بها3. أخرجه مسلم.
ورواه أحمد في "مسنده" وفيه: جبة طيالسة عليها لبنة
شبر من ديباج كسرواني.
__________
1 صحيح: أخرجه ابن ماجه "4151" من طريق عبد الله بن
نمير وأبي خالد، عن هشام بن عروة، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "359"، ومسلم "516" من طريق أبي
الزناد، به.
3 صحيح: أخرجه مسلم "2069" من طريق عبد الله مولى
أسماء بنت أبي بكر، به.
لبنة: بكسر اللام وإسكان الباء هي رقعة في جيب القميص.
(2/297)
باب خواتيم النبي صلى الله عليه وسلم:
قال عبيد الله وغيره، عن نافع، عن ابن عمر، قال:
اتَّخَذَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خاتما من ذهب، فكان يجعل فصه في بطن كفه إذا
لبسه في يده اليمنى، فصنع الناس خواتيم من ذهب، فجلس
على المنبر، ونزعه ورمى به وقال: "والله لا ألبسه
أبدا". فنبذ الناس خواتيمهم1.
وروي نحوه عن مجاهد، وعن محمد بن علي مرسلين. وكان هذا
قبل تحريم الذهب.
وفي "الصحيح" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن خاتم الذهب2.
وصح عن أنس، قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى قيصر ولم يختمه، فقيل له: إن كتابك لا يقرأ إلا أن
يكون مختوما. فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من
فضة فنقشه "محمد رسول الله"، فكأني أنظر إلى بياضه في
يَدَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ3، وَكَانَ من فضة، ونهى أن ينقش الناس على
خواتيمهم نقشته4، وقال: "كان من فضة، فصه منه" 5.
وصح عنه، قال: اتَّخَذَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتما من ورق، فصه حبشي، ونقشه
"محمد رسول الله"6.
وصح عن ابن عمر، قال: اتَّخَذَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتما من ورق، فكان في
يده، ثم كان
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "5866" من طريق أبي أسامة حدثنا
عبيد الله، به.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2087" من طريق إبراهيم بن عبد
الله بن حنين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "5872" من طريق يزيد بن زريع،
حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، به.
4 صحيح: أخرجه البخاري "5874" من طريق عَبْدِ
العَزِيْزِ بنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ الله
عنه- قال: صنع النبي صلى الله عليه وسلم خاتما قال:
"إنا اتخذنا خاتما ونقشنا فيه نقشا، فلا ينقش عليه
أحد". قال: فإني لأرى بريقة في خنصره".
5 صحيح: أخرجه البخاري "5870" من طريق حُمَيْدٌ، عَنْ
أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ خاتمه من فضه، وكان
فصه مه.
6 صحيح: أخرجه مسلم "2094" من طريق يونس بن يزيد، عن
ابن شهاب، حدثني أنس بن مالك قال: كان خاتم رسول الله
صلى الله عليه وسلم من ورق، وكان فصه حبشيا".
(2/298)
في يد أبي بكر، ثم كان في يد عمر، ثم كان
في يد عثمان، حتى وقع بئر أريس، نقشه "محمد رسول
الله"1.
وفي رواية عن ابن عمر: فجعل فصه في بطن كفه2.
وعن مكحول، وإبراهيم النخعي من وجهين عنهما أن خاتم
النبي صلى الله عليه وسلم كان حديدا ملوي عليه فضة.
وروى مثله أبو نعيم، عن إسحاق، عن سعيد، عن خالد بن
سعيد، ولم يدرك سعيد خالدا، وقال أحمد بن محمد
الأزرقي: حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد القرشي، عن جده،
قال: دخل عمرو بن سعيد بن العاص، حين قدم من
الحَبَشَةِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "ما هذا الخاتم في يدك يا
عمرو"؟ قال: هذه حلقة. قال: "فما نقشها"؟ قال: "محمد
رسول الله" فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فتختمه، فكان في يده حتى قبض، ثم في يد أبي بكر، ثم في
يد عمر، ثم عثمان، فبينا هو يحفر بئرا لأهل المدينة،
يقال له: بئر أريس، وهوجالس على شفتها، يأمر بحفرها،
سقط الخاتم في البئر، وكان عثمان يخرج خاتمه من يده
كثيرا، فالتمسوه فلم يقدروا عليه.
وقال أنس: كان نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم
ثلاثة أسطر: "محمد" سطر، و"رسول" سطر، و"الله" سطر3.
وقال: فكان في يد عثمان ست سنين، فكنا معه على بئر
أريس، وهو يحول الخاتم في يده، فوقع في البئر فطلبناه
مع عثمان ثلاثة أيام، فلم نقدر عليه.
وعن عبد الله بنِ جَعْفَرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يتختم في يمينه.
وعن أَبِي سَعِيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يلبس خاتمه في يساره. وعن
ابن عمر مثله.
وصح أن ابن عمر كان يتختم في يساره.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "5873"، ومسلم "2091" من طريق
عبد الله بن نمير، عَنْ عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، به.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2091" من طريق سفيان بن عيينة، عن
أيوب بنُ مُوْسَى، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "5878"، والترمذي "1747"،
"1748" من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثني
أبي، عن ثمامة، عن أنس أن أبا بكر -رضي الله عنه- لما
استخلف كتب له، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر،
ورسول سطر، والله سطر".
(2/299)
باب نعل النبي صلى الله عليه وسلم وخفه:
قال همام، عن قتادة، عن أنس: كان لنعل النبي صلى الله
عليه وسلم قبالان. صحيح.
وعن عبد الله بن الحارث، قال: كانت نعل رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا زمامان
شراكهما مثني في العقد.
وقال هشام بن عروة: رأيت نعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم مخصرة معقبة ملسنة لها قبالان.
وقال أبو عوانة، عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد، سألت
أنسا: أكان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي نعليه؟ قال: نعم1. وروى مثله
من غير وجه.
وقال حماد بن سلمة، عن أبي نعامة السعدي، عن أبي نضرة،
عن أبي سعيد الخدري، قال: بينما رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إذ وضع نعله على
يساره، فألقى الناس نعالهم، فلما قضى صلاته قال: "ما
حملكم على إلقاء نعالكم"؟ قالوا: رأيناك ألقيت
فألقينا. فقال: "إن جبريل أخبرني أن فيهما قذرا -أو
أذى- فمن رأى ذلك فليمسحهما، ثم ليصل فيهما" 2.
وعن عبيد بن جريج، قلت لابن عمر: أراك تستحب هذه
النعال السبتية، قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُوْلَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبسها
ويتوضأ فيها3.
السبت: بالكسر، جلود البقر المدبوغة بالقرظ.
وعن عبد الله بن بريدة أن النجاشي أُهْدِيَ لِرَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خفين أسودين
ساذجين، فلبسهما ومسح عليهما.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "5850" حدثنا سليمان بن حرب،
حدثنا حماد، عن سعيد أبي مسلمة، به.
2 صحيح: أخرجه أبو داود "650" من طريق حماد بن زيد
-وليس ابن سلمة- عن أبي نعامة السعدي، به.
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، وأبو نضرة العبدي، هو
المنذر بن مالك بن قطعة، ثقة روى له البخاري تعليقا،
ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
3 صحيح: أخرجه البخاري "5851" حدثنا عبد الله بن
مسلمة، عن مالك، عن سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج،
به.
(2/300)
باب مشطه ومكحلته صلى الله عليه وسلم مرآته
وقدحه وغير ذلك:
قال أبو نعيم: حدثنا مندل، عَنْ ثَوْرَ بنَ يَزِيْدَ،
عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسافر بالمشط،
والمرآة، والمدهن، والسواك، والكحل. مرسل.
وعن ابن عباس، قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه
وسلم مكحلة يكتحل بها عند النوم ثلاثا في كل عين1.
وقال حبان بن علي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ
بنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ،
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كان يكتحل بالإثمد وهو صائم2. إسناده لين.
وقال الزُهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ
اللهِ، أن المقوقس أهدى إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدح زجاج كان يشرب فيه.
وقال حميد: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند
أنس، فيه فضه قد شده بها. حديث صحيح.
وقال عاصم الأحول: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم
عند أنس، وكان قد انصدع فسلسله بفضة.
قال عاصم: وهو قدح جيد عريض من نضار، فقال أنس: قد
سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القدح أكثر
من كذا وكذا. قال: وقال ابن سيرين: إنه كان فيه حلقة
من حديد، فأراد أن يجعل مكانها أنس حلقة من فضة أو
ذهب، فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فتركه. أخرجه البخاري3.
يروى عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُوْلَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكثر
تسريح لحيته. إسناده واه.
__________
1 ضعيف: أخرجه الترمذي "1757"، وابن ماجه "3499" من
طريق عَبَّادُ بنُ مَنْصُوْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عباس، به.
وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه على هذا اللفظ
إلا من حديث عباد بن منصور".
قلت: إسناده ضعيف، آفته عباد بن منصور، فإنه مدلس، وقد
عنعنه.
2 ضعيف: في إسناده علتان: الأولى: حبان بن علي العنزي،
قال الدارقطني: متروك وقال مرة: ضعيف. وقال أبو زرعة:
لين. وقال النسائي وغيره: ضعيف.
والعلة الثانية: مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ
أَبِي رَافِعٍ، ضعفوه. قال ابن معين: ليس حديثه بشيء
وقال أبو حاتم: منكر الحديث جدا.
3 صحيح: أخرجه البخاري "5638" من طريق أبي عوانة، عن
عاصم الأحول، به.
(2/301)
باب سلاح النبي صلى الله عليه وسلم ودوابه
وعدته:
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ قِرَاءةً،
عَنْ أبي القاسم عبد الصمد بن محمد القاضي، عن أبي
القاسم إسماعيل بن محمد الحافظ، قال: أخبرنا سليمان بن
إبراهيم الحافظ، وعبد الله بن محمد النيلي، قالا:
أخبرنا علي بن القاسم المقرئ، قال: أخبرنا أبو الحسين
أحمد بن فارس اللغوي، قال: كان سلاح رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ذا الفقار، وكان سيفا أصابه يوم بدر.
وكان له سيف ورثه من أبيه، وأعطاه سعد بن عبادة سيفا
يقال له: العضب وأصاب من سلاح بني قينقاع سيفا قلعيا،
وفي رواية كان يقال له: البتار واللخيف1، وكان له
المخذم2، والرسوب، وكانت ثمانية أسياف.
وقال شيخنا شرف الدين الدمياطي: أول سيف ملكه سيف يقال
له: المأثور، وهو الذي يقال: إنه من عمل الجن، ورثه من
أبيه، فقدم به في هجرته إلى المدينة وأرسل إليه سعد بن
عبادة بسيف يدعى "القضب" حين سار إلى بدر وكان له ذو
الفقار؛ لأنه كان في وسطه مثل فقرات الظهر، صار إليه
يوم بدر، وكان للعاص بن منبه أخي نبيه ابني الحجاج بن
عامر السهمي -قتل العاص، وأبوه، وعمه كفارا يوم بدر-
وكانت قبيعته، وقائمته وحلقته، وذؤابته، وبكراته،
ونعله، من فضة والقائمة هي الخشبة التي يمسك بها، وهي
القبضة.
وروى الترمذي من حديث هود بن عبد الله بن سعد بن
مزيدة، عن جده مزيدة، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الفتح، وعلى سيفه ذهب
وفضة.
وهو -بالكسر جمع فقرة، وبالفتح جمع فقارة- سمى بذلك
لفقرات كانت فيه، وهي حفر كانت في متنه حسنة، ويقال:
كان أصله من حديدة وجدت مدفونة عند الكعبة من دفن
جرهم، فصنع منها ذو الفقار وصمصامة عمرو بن معدي كرب
الزبيدي، التي وهبا لخالد بن سعيد بن العاص.
وأخذ من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف: سيفا قلعيا،
منسوب إلى مرج القلعة -بالفتح- موضع بالبادية، والبار،
والحنف، وكان عنده بعد ذلك الرسوب -من رسب في الماء
إذا
__________
1 اللخيف: اسم فرسه عليه الصلاة والسلام.
2 المخذم: السريع القطع.
(2/302)
سفل -والمخذم وهو القاطع، أصابهما من
الفلس: صنم كان لطيئ، وسيف يقال له القضيب، وهو فعيل
بمعنى فاعل، والقضب: القطع.
وذكر الترمذي، عن ابن سيرين قال: صنعت سيفي على سيف
سمرة، وزعم سمرة أنه صنعه على سَيْفَ رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ حنفيا1.
رواه عثمان بن سعد، عن ابن سيرين، وليس بالقوي، وهو
الذي روى عن أنس أن قبيعة سيف النبي صلى الله عليه
وسلم كانت من فضة.
والحنف: الاعوجاج.
قال شيخنا: وكانت له صلى الله عليه وسلم درع يقال لها:
ذات الفضول، لطولها، أرسل بها إليه سعد بن عبادة حين
سار إلى بدر. وذات الوشاح وهي الموشحة، وذات الحواشي،
ودرعان من بني قينقاع، وهما السغدية وفضة، وكانت
السغدية درع عكير القينقاعي، وهي درع داود -عليه
الصلاة والسلام- التي لبسها حين قتل جالوت.
ودرع يقال لها: البتراء، ودرع يقال لها: الخرنق،
والخرنق ولد الأرنب. ولبس يوم أحد درعين ذرات الفضول
وفضة. وكان عليه يوم خيبر: ذات الفضول والسغدية.
وقد توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة بثلاثين
صاعا من شعير، أخذها قوتا لأهله.
وقال عبيس بن مرحوم العطار: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ محمد، عن أبيه، قال:
كان في درع رسول الله صلى الله عليه وسلم حلقتان من
فضة في موضع الصدر، وحلقتان من خلف ظهره، قال محمد بن
علي: فلبستها فجعلت أخطها في الأرض.
قال شيخنا: وكان له خمسة أقواس: ثلاث من سلاح بني
قينقاع، وقوس تدعى الزوراء، وقوس تدعى الكتوم، وكانت
جعبته تدعى الكافور.
وكانت له منطقة من أديم مبشور، فيها ثلاث حلق من فضة،
وترس يقال له: الزلوق،
__________
1 ضعيف: أخرجه الترمذي "1683" من طريق أبي عبيدة
الحداد، عن عثمان بن سعد، عن ابن سيرين، به.
وأشار الترمذي إلى ضعفه بقوله: هذا حديث غريب لا نعرفه
إلا من هذا الوجه.
قلت: إسناده ضعيف، آفته عثمان بن سعد، أبو بكر البصري،
وهو ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب".
(2/303)
يزلق عنه السلاح، وترس يقال له: العنق،
وأهدى له ترس فيه تمثال عقاب أو كبش، فوضع يده عليه
فأذهب الله ذلك التمثال.
وأصاب ثلاثة أرماح من سلاح بني قينقاع. وكان له رمح
يقال له: المثوى، وآخر يقال له: المتثنى، وحربة اسمها
البيضاء، وأخرى صغيرة كالعكاز.
وكان له مغفر من سلاح بني قينقاع، وآخر يقال له:
السبوغ.
وكانت له راية سوداء مربعة من نمرة مخملة، تدعى:
العقاب.
وأخرج أبو داود، من حديث سماك بن حرب، عن رجل من قومه
عن آخر قال: رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم
صفراء1، وكانت ألويته بيضا2. وربما جعل فيها الأسود،
وربما كانت من خمر بعض أزواجه.
وكان فسطاطه يسمى الكن.
وكان له محجن قدر ذراع أو أكثر، يمشي ويركب به، ويعلقه
بين يديه على بعيره.
وكانت له مخصرة تسمى: العرجون، وقيب يسمى: الممشوق.
واسم قدحه: الريان. وكان له قدح مضبب غير الريان، يقدر
أكثر من نصف المد.
وقال ابن سيرين، عن أنس: إن قدح النبي صلى الله عليه
وسلم انكسر، واتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة. أخرجه
البخاري3.
__________
1 ضعيف: أخرجه أبو داود "2593" من طريق شعبة، عن سماك،
عن رجل من قومه، عن آخر منهم قال: فذكره.
قلت: إسناده ضعيف لإبهام الرجلين.
2 حسن: أخرجه الترمذي "1681"، وابن ماجه "2818" من
طريق يحيى بن إسحاق وهو السالحاني، حدثنا يزيد بن حبان
قال: سمعت أبا مجلز لاحق بن حميد يحدث عن ابن عباس
قال: كَانَتْ رَايَةُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم سوداء ولواؤه أبيض".
وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من
حديث ابن عباس".
قلت: إسناده حسن، يحيى بن إسحاق السالحاني، صدوق، وكذا
يزيد بن حبان، صدوق أيضا كما قال الحافظ في "التقريب".
3 صحيح: أخرجه البخاري "5638" من طريق يحيى بن حماد،
أخبرنا أبو عوانة، عن عاصم الأحول، عن أنس، به.
(2/304)
وكان له قدح من زجاج، وتور من حجارة، يتوضأ
منه كثيرا، ومخضب من شبه.
وركوة تسمى: الصادرة، ومغسل من صفر، وربعة أهداها له
المقوقس، يجعل فيها المرآة ومطا من عاج، والمكحلة،
والمقص، والسواك.
وكانت له نعلان سبتيتان، وقصعة، وسرير، قطيفة. وكان
يتبخر بالعود والكافور.
وقال ابن فارس بإسنادي الماضي إليه: يقال: ترك يوم
توفي صلى الله عليه وسلم ثوبي حبرة، وإزارا عمانيا،
وثوبين صحاريين، وقميصا صحاريا وقميصا سحوليا، وجبة
يمنية، وخميصة، وكساء أبيض، وقلانس صغارا ثلاثا أو
أربعا، وإزارا طوله خمسة أشبار، وملحفة يمنية مورسة.
وأكثر هذا الباب كما ترى بلا إسناد، نقله هكذا ابن
فارس، وشيخنا الدمياطي، فالله أعلم هل هو صحيح أم لا؟
وأما دوابه فروى البخاري من حديث عباس بن سهل بن سعد،
عن أبيه، كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حائطنا فرس
يقال له: اللحيف.
وروى عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد -وهو ضعيف- عن
أبيه، عن جده قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ثلاثة أفراس يعلفهن عند أبي سعد بن سعد الساعدي، فسمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يسميهن: اللزاز، والظرب،
واللحيف. رواه الواقدي عنه، وزاد في الحديث بالسند:
فأما لزاز فأهداه له المقوقس، وأما اللحيف فأهداه له
ربيعة بن أبي البراء، فأثابه عليه فرائض من نعم بني
كلاب، وأما الظرب فأهداه له فروة بن عمرو الجذامي.
واللزاز من قولهم: لازرته أي: لاصقته، والملزز:
المجتمع الخلق.
والظرب: واحد الظراب، وهي الروابي الصغار، سمي به
لكبره وسمنه، وقيل: لقوته، وقاله الواقدي بطاء مهملة،
وقال: سمي الطرب لتشوفه وحسن صهيله.
واللحيف: بمعنى لاحف، كأنه يلحف الأرض بذنبه لطوله،
وقيل: اللحيف، مصغرا.
وأول فرس ملكه: السكب، وكان اسمه عند الأعرابي: الضرس،
فاشتراه منه بعشر أواقي، أول ما غزا عليه أحدا، ليس مع
المسلمين غيره، وفرس لأبي بردة بن نيار. وكان له فرس
يدعى: المرتجز، سمي به لحسن صهيله، وكان أبيض. والفرس
وإذا كان خفيف الجري فهو سكب وفيض كانسكاب الماء.
وأهدى له تميم الداري فرسا يدعى الورد، فأعطاه عمر.
(2/305)
والورد: بين الكميت والأشقر.
وكانت له فرس تدعى سبحة، من قولهم: طرف سابح، إذا كان
حسن مد اليدين في الجري.
قال الدمياطي: فهذه سبعة أفراس متفق عليها، وذكر بعدها
خمسة عشر فرسا مختلف فيها، وقال: قد شرحناها في "كتاب
الخيل".
قال: وكان سرجه دفتاه من ليف.
وكانت له بغلة أهداها له المقوقس، شهباء يقال لها:
دلدل، مع حمار يقال له: عفير، وبغلة يقال لها: فضة،
أهداها له فروة الجذامى، مع حمار يقال له: يعفور، فوهب
البغلة لأبي بكر، وبغلة أخرى.
قال أبو حميد الساعدي: غزونا تبوك، فجاء رسول ابن
العلماء صاحب أيلة إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتاب، وأهدى له بغلة
بيضاء، فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأهدى له بردة، وكتب له ببحرهم.
والحديث في الصحاح.
وقال ابن سعد: وبعث صاحب دومة الجندل إِلَى رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببغلة وجبة
سندس.
وفي إسناد عبد الله بن ميمون القداح، وهو ضعيف
ويقال: إن كسرى أهدى له بغلة، وهذا بعيد؛ لأنه -لعنه
الله- مزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وكانت له الناقة التي هاجر عليها من مكة، تسمى
القصواء، والعضباء، والجدعاء، وكانت شهباء.
وقال أَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، عَنْ قُدَامَةَ بنِ عَبْدِ
الله، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ناقة صهباء يرمي الجمرة، لا
ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك. حديث حسن.
الصهباء: الشقراء.
وكانت له صلى الله عليه وسلم لقاح أغارت عليها غطفان
وفزارة، فاستنقذها سلمة ابن الأكوع وجاء بها يسوقها.
أخرجه البخاري1. وهو من الثلاثيات.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3041"، ومسلم "1806" من طريق
يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع، به.
(2/306)
وجاء أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهدِيَ يوم الحديبية جملا في أنفه
برة من فضة، كان غنمه من أبي جهل يوم بدر، أهداه ليغيظ
بذلك المشركين إذا رأوه، وكان مهريا يغزو عليه ويضرب
في لقاحه.
وقيل: كان له صلى الله عليه وسلم عشرون لقحة بالغابة،
يراح إليه منها كل ليلة بقربتين من لبن.
وكانت له خمس عشرة لقحة، يرعاها يسار مولاه الذي قتله
العرنيون واستاقوا اللقاح، فجيء بهم فسملهم.
وكان له من الغنم مائة شاة، لا يريد أن تزيد، كلما ولد
الراعي بهمة ذبح مكانها شاة.
(2/307)
وقد سحر النبي صلى الله عليه وسلم وسم في
شواء:
قال وهيب، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيْهِ،
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سحر، حتى كان يخيل إليه أنه يصنع
الشيء ولم يصنعه، حتى إذا كان ذات يوم رأيته يدعو،
فقال: "أشعرت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته: أتاني
رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال
أحدهما: ما وجع الرجل؟ قال الآخر: مطبوب، قال: من طبه؟
قال: لبيد بن الأعصم، قال: فبم؟ قال: في مشط ومشاطة
وجف طلعه ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في ذي أروان".
فانطلق رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رجع أخبر عائشة، فقال: كأن نخلها
رؤوس الشياطين، وكأن ماءوها نقاعة الحناء فقلت: يا
رسول الله أخرجه للناس. قال: أما أنا فقد شفاني الله،
وخشيت أن أثور على الناس منه شرا1. في لفظ: في بئر ذي
أروان2.
روى عمر مولى غفرة -وهو تابعي- أن لبيد بن أعصم سحر
النبي صلى الله عليه وسلم حتى التبس بصره وعاده
أصحابه، ثم إن جبريل وميكائيل أخبراه، فأخذه النبي صلى
الله عليه وسلم فاعترف، فاستخرج السحر من الجب، ثم
نزعه فحله، فكشف عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعفا عنه.
وروى يونس، عن الزهري قال في ساحر أهل العهد: لا يقتل،
قد سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي، فلم
يقتله. وعن عكرمة أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عفا عنه.
قال الواقدي: هذا أثبت عندنا ممن روى أنه قتله.
وقال أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ
إِبْرَاهِيْمَ قَالَ: كانوا يقولون: إن اليهود سمت
رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمت أبا بكر. وفي
الصحيح عن ابن عباس أن امرأة من يهود خيبر أهدت
لِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شَاةً مسمومة3.
وعن جابر، وأبي هريرة، وغيرهما أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما افتتح خيبر
واطمأن جعلت
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "5763"، ومسلم "2189" من طريق
هشام بن عروة، به.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2189" "43"، وهي بئر في المدينة
في بستان بني زريق.
3 صحيح: أخرجه أحمد "1/ 305" حدثنا سريج، حدثنا عباد،
عن هلال، عن عكرمة، عن ابن عباس به. وإسنده صحيح رجاله
ثقات رجال الصحيح خلا هلال، وهو ابن خباب، وهو ثقة
وأخرجه البخاري "2617"، ومسلم "2190" من طريق خالد بن
الحارث، حدثنا شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس بن مالك،
به.
(2/308)
زينب بنت الحارث -وهي بنت أخي مرحب وامرأة
سلام بن مشكم- سما قاتلا في عنز لها ذبحتها وصلتها،
وأكثرت السم في الذراعين والكتف، فلما صلى النبي صلى
الله عليه وسلم المغرب انصرف وهي جالسة عند رحلة،
فقالت: يا أبا القاسم هدية أهديتها لك. فأمر بها النبي
صلى الله عليه وسلم فأخذت منها، ثم وضعت بين يديه
وأصحابه حضور، منهم بشر بن البراء بن معرور، وتناول
رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهش من الذراع،
وتناول بشر عظما آخر، فانتهش منه، وأكل القوم منها
فلما أَكَلَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لقمة قال: "ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع
تخبرني أنها مسمومة".
فقال بشر: والذي أكرمك، لقد وجدت ذلك من أكلتي، فما
منعني أن ألفظها إلا أني كرهت أن أبغض إليك طعامك،
فلما أكلت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن
لا تكون ادردتها وفيها بغي فلم يقم بشر حتى تغير لونه،
وما طله وجعه سنة ومات1.
وقال بعضهم: لم يرم بشر من مكانه حتى توفي، فدعاها
فقال: ما حملك؟ قالت: نلت من قومي، وقتلت أبي وعمي
وزوجي، فقلت: غن كان نبيا فستخبره الذراع، وإن كان
ملكا استرحنا منه، فدفعها إلى أولياء بشر يقتلونها.
وهو الثبت.
وقال أبو هريرة: لم يعرض لها واحتجم النبي صلى الله
عليه وسلم على كاهله. حجمه أبو هند بقرن وشفرة، وأمر
أصحابه فاحتجموا أوساط رؤوسهم، وعاش بعد ذلك ثلاث
سنين.
وكان في مرض موته يقول: "ما زلت أجد من الأكلة التي
أكلتها بخيبر، وهذا أوان انقطاع أبهري"، وفي لفظ: "ما
زالت أكلة خيبر يعاودني ألم سمها" -والأبهري عرق في
الظهر- وهذا سياق غريب. وأصل الحديث في "الصحيح".
وروى أبو الأحوص، عن أبي مسعود، قال: لأن أحلف بالله
تسعا أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة، يعني
أنه مات موتا، وذلك بأن الله اتخذه نبيا وجعله شهيدا.
__________
1 حسن من حديث أبي هريرة: وهو عند أبي داود "4512"
حدثنا وهب بن بقية عن خالد، عَنْ مُحَمَّدُ بنُ
عَمْرِوٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبي هريرة، به.
قلت: إسناده حسن، محمد بن عمرو، هو ابن علقمة بن وقاص
الليثي، صدوق كما قال الحافظ في "التقريب" وبقية رجاله
ثقات. وأبو سلمة، هو ابن عبد الرحمن بن عوف القرشي
المدني. وخالد، هو ابن عبد الله الواسطي وأما حديث
جابر: فأخرجه أبو داود "4510" حدثنا سليمان بن داود
المهري، حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن
شهاب، عن جابر، به.
قلت: إسناده ضعيف لانقطاعه بين ابن شهاب وجابر بن عبد
الله. وبقية رجاله ثقات يونس، هو ابن يزيد الأيلي وابن
وهب، هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، أبو محمد
المصري.
(2/309)
باب ما وجد من صورة نبينا:
وصور الأنبياء عند أهل الكتاب بالشام:
قال عبد الله بن شبيب الربعي وهو ضعيف بمرة: حدثنا
محمد بن عمر بن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم، قال:
حدثتني أم عثمان عمتي، عن أبيها سعيد، عن أبيه، أنه
سمع أباه جبير بن مطعم يقول: لما بعث الله نبيه صلى
الله عليه وسلم، وظهر أمره بمكة، خرجت إلى الشام، فلما
كنت ببصرى أتتني جماعة من النصارى فقالوا لي: أمن
الحرم أنت؟ قلت: نعم قالوا: فتعرف هذا الذي تنبأ فيكم؟
قلت: نعم. فأدخلوني ديرا لهم فيه صور فقالوا: انظر هل
ترى صورته؟ فنظرت فلم أر صورته، قلت: لا أرى صورته،
فأدخلوني ديرا أكبر من ذاك فنظرت، وإذا بصفة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وصورته وبصفة أبي بكر وصورته، وهو
آخذ بعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا لي: هل
ترى صفته؟ قلت: نعم قالوا: أهو هذا؟ قلت: اللهم نعم،
أشهد أنه هو. قالوا: أتعرف هذا الذي أخذ بعقبه؟ قلت:
نعم قالوا: نشهد أن هذا صاحبكم وأن هذا الخليفة من
بعده.
رواه البخاري في "تاريخه" عن محمد، غير منسوب عن محمد
بن عمر بن سعيد، أخصر من هذا.
وقال إبراهيم بن الهيثم البلدي: حدثنا عبد العزيز بن
مسلم بن إدريس، قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن
شرحبيل بن مسلم، عن أبي أمامة الباهلي، عن هشام بن
العاص الأموي، قال: بعثت أنا ورجل من قريش إلى هرقل
ندعوه إلى الإسلام، فنزلنا على جبلة بن الأيهم
الغساني، فدخلنا عليه، وإذا هو على سرير له، فأرسل
إلينا برسول نكلمه، فقلنا: والله لا نكلم رسولا، إنما
بعثنا إلى الملك، فأذن لنا وقال: تكلموا فكلمته ودعوته
إلى الإسلام وإذا عليه ثياب سواد قلنا: ما هذه؟ قال:
لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام قلنا:
ومجلسك هذا، فوالله لنأخذنه منك، ولنأخذن ملك الملك
الأعظم إن شاء الله، أخبرنا بذلك نبينا قال: لستم بهم،
بل هم قوم يصومون بالنهار فكيف صومكم؟ فأخبرناه، فملأ
وجهه سوادا وقال: قوموا، وبعث معنا رسولا إلى الملك،
فخرجنا حتى إذا كنا قريبا من المدينة، قال الذي معنا:
إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك، فإن شئتم
(2/310)
حلمناكم على براذين وبغال؟ قلنا: والله لا
ندخل إلا عليها، فأرسلوا إلى الملك أنهم يأبون، فدخلنا
على رواحلنا متقلدين سيوفنا، حتى انتهينا إلى غرفة له،
فأنخنا في أصلها، وهو ينظر إلينا، فقلنا: لا إله إلا
الله والله أكبر، والله يعلم لقد تنقضت الغرفة حتى
صارت كأنها عذق تصفقه الرياح، فأرسل إلينا: ليس لكم أن
تجهروا علينا بدينكم، وأرسل إلينا أن أدخلوا، فدخلنا
عليه، وهو على فراش له، عنده بطارقته من الروم، وكل
شيء في مجلسه أحمد، وما حوله حمرة، وعليه ثياب من
الحمرة، فدنوا منه، فضحك وقال: ما كان عليكم لو
حييتموني بتحيتكم. فإذا عنده رجل فصيح بالعربية، كثير
الكلام، فقلنا: إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك،
وتحيتك التي تحيا بها لا يحل لنا أن نحييك بها قال:
كيف تحيتكم فيما بينكم؟ قلنا: السلام عليكم قال: فبم
تحيون ملككم؟ قلنا: بها قال: وكيف يرد عليكم؟ قلنا:
بها قال: فما أعظم كلامكم؟ قلنا: لا إله إلا الله
والله أكبر. فلما تكلمنا با قال: والله يعلم لقد تنقضت
الغرفة، حتى رفع رأسه إلينا فقال: هذه الكلمة التي
قلتموها حيث تنقضت الغرفة كلما قلتموها في بيوتكم تنقض
بيوتكم عليكم؟ قلنا: لا، ما رأيناها فعلت هذه قط إلا
عندك قال: لوددت أنكم كلما قلتم تنقض كل شيء عليكم،
وأني خرجت من نصف ملكي قلنا: لم؟ قال: لأنه كان أيسر
لشأنها، وأجدر ألا يكون من أمر النبوة، وأن يكون من
حيل الناس ثم سألنا عما أراد، فأخبرناه، ثم قال: كيف
صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه، فقال: قوموا، فقما، فأمر لنا
بمنزل حسن ونزل كثير، فأقمنا ثلاثا، فأرسل إلينا ليلا
فدخلنا عليه، فاستعاد قولنا، ثم دعا بشيء كهيئة الربعة
العظيمة، مذهبة فيها بيوت صغار، عليها أبواب، ففتح
بيتا وقفلا، واستخرج حريرة سوداء فنشرها فإذا فيها
صورة حمراء، وإذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الأليتين،
لم أر مثل طول عنقه، وإذا ليست له لحية، وإذا ضفيرتان
أحسن ما خلق الله، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال
هذا آدم عليه السلام ثم فتح لنا بابا آخر، فاستخرج منه
حريرة سوداء، وإذا فيها صورة بيضاء، وإذا له شعر كشعر
القطط، أحمر العينين ضخم الهامة حسن اللحية، فقال: هل
تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا نوح عليه السلام ثم فتح
بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها رجل شديد
البياض حسن العينين صلت الجبين طويل الخد أبيض اللحية
كأنه يتبسم، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا
إبراهيم عليه السلام، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه
حريرة سوداء، فإذا فيها صورة بيضاء وإذا والله
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: أتعرفون هذا؟ قلنا: نعم محمد رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وبكينا قال: والله يعلم أنه قام قائما
ثم جلس وقال: والله إنه لهو؟ قلنا: نعم إنه لهو، كأنما
تنظر إليه، فأمسك ساعة ينظر إليها، ثم قال: أما إنه
كان آخر البيوت، ولكني
(2/311)
عجلته لكم لأنظر ما عندكم، ثم فتح بابا آخر
فاستخرج منه حريرة سوداء، فإذا فيها صورة أدماء سحماء
وإذا رجل جعد قطط، غائر العينين، حديد النظر، عابس،
متراكب الأسنان، مقلص الشفة، كأنه غضبان، فقال: هل
تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا موسى عليه السلام وإلى
جنبه صورة تشبهه إلا أنه مدهان الرأس، عريض الجبين، في
عينه قبل، فقال: هل عرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا
هارون بن عمران، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة
بيضاء، فإذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة كأنه غضبان،
فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا لوط عليه
السلام ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء،
فإذا فيها صورة رجل أبيض مشرب حمرة، أقنى، خفيف
العارضين، حسن الوجه، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا
قال هذا إسحاق عليه السلام، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج
منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة تشبه إسحاق إلا أنه
على شفته السفلى خال، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا
قال: هذا يعقوب عليه السلام، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج
منه حريرة سوداء، فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه أقنى
الأنف حسن القامة يعلو وجهه نور يعرف في وجه الخشوع
يضرب إلى الحمرة فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال:
هذا إسماعيل جد نبيكم، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة
بيضاء فيها صورة كأنها صورة آدم، كأنه وجهه الشمس،
فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا يوسف عليه
السلام، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء، فيها
صورة رجل أحمر، حمش الساقين، أخفش العينين، ضخم البطن،
ربعة متقلد سيفا، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال:
هذا داود عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة
بيضاء، فيها صورة رجل ضخم الأليتين، طويل الرجلين،
راكب فرس، فقال: هذا سليمان عليه السلام، ثم فتح بابا
آخر، فاستخرج صورة، وإذا شاب أبيض، شديد سواد اللحية،
كثير الشعر، حسن العينين، حسن الوجه فقال: هذا عيسى
عليه السلام فقلنا: من أين لك هذه الصور؟ لأنا نعلم
أنها على ما صورت؛ لأنا رأينا نبينا صلى الله عليه
وسلم وصورته مثله، فقال: إن آدم سأل ربه تعالى أن يريه
الأنبياء من ولده، فأنزل عليه صورهم وكانت في خزانة
آدم عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين من مغرب
الشمسن فدفعها إلى دانيال عليه السلام، يعني فصورها
دانيال في خرق من حرير، فهذه بأعيانها التي صورها
دانيال، ثم قال: أما والله لوددت أن نفسي طابت بالخروج
من ملكي، وأني كنت عبدا لشركم ملكة حتى أموت، ثم
أجازنا بأحسن جائزة وسرحنا.
فلما قدمنا على أبي بكر رضي الله عنه، حدثناه بما
رأيناه، وما قال لنا، فبكى أبو بكر
(2/312)
وقال: مسكين، لو أراد الله بن خيرا لفعل،
ثم قَالَ: أَخْبَرَنَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى
الله عليه وسلم عندهم.
روى هذه القصة أبو عبد الله بن مندة، عن إسماعيل بن
يعقوب. ورواها أبو عبد الله الحاكم، عن عبد الله بن
إسحاق الخراساني، كلاهما عن البلدي، عن عبد العزيز،
ففي رواية الحاكم كما ذكرت من السند وعند ابن مندة،
قال: حدثنا عبيد الله عن شرحبيل، وهو سند غريب.
وهذه القصة قد رواها الزبير بن بكار، عن عمه مصعب بن
عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن أبيه مصعب، عن عبادة بن
الصامت: بعثني أبو بكر الصديق في نفر مِنْ أَصْحَابِ
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلى هرقل
ملك الروم لندعوه إلى الإسلام، فخرجنا نسير على
رواحلنا حتى قدمنا دمشق، فذكره بمعناه.
وقد رواه بطوله: علي بن حرب الطائي فقال: حدثنا دلهم
بن يزيد، قال: حدثنا القاسم ان سويد، قال: حدثنا محمد
بن أبي بكر الأنصاري، عن أيوب بن موسى قال: كان عبادة
بن الصامت يحدث، فذكر نحوه.
أنبأنا الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر
وجماعة، عن عبد الوهاب بن علي الصوفي، قال: أخبرتنا
فاطمة بنت أبي حكيم الخبري، قال: أخبرنا علي بن الحسن
بن الفضل الكاتب، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد
الكاتب من لفظه سنة ثلاث عشرة وأربع مائة، قال: أخبرنا
عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ بنِ المغيرة
الجوهري، قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي،
قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني عمي مصعب بن
عبد الله، عن جدي عبد الله بن مصعب، عن أبيه، عن جده،
عن عبادة بن الصامت قال: بعثني أبو بكر في نفر من
الصحابة إلى ملك الروم لأدعوه إلى الإسلام، فخرجنا
نسير على رواحلنا حتى قدمنا دمشق، فإذا على الشام
لهرقل جبلة، فاستأذنا عليه، فأذن لنا، فلما نظر إلينا
كره مكاننا وأمر بنا فأجلسنا ناحية، وإذا هو جالس على
فرش له مع السقف، وأرسل إلينا رسولا يكلمنا ويبلغه
عنها، فقلنا: والله لا نكلمه برسول أبدا. فانطلق
الرسول فأعلمه ذلك، فنزل عن تلك الفرش إلى فرش دونها،
فأذن لنا فدنونا منه، فدعوناه إلى الله وإلى الإسلام،
فلم يجب إلى خير، وإذا عليه ثياب سود، فقلنا: ما هذه
المسوح؟ قال: لبستها نذرا لا أنزعها حتى أخرجكم من
بلادي. قال: قلنا له: تيدك لا تعجل، أتمنع منا مجلسك
هذا! فوالله لنأخذنه وملك الملك الأعظم، خبرنا بذلك
نبينا صلى الله عليه وسلم قال: أنتم إذا السمراء قلنا:
وما السمراء؟ قال: لستم بهم.
(2/313)
قلنا: ومن هم؟ قال: قوم يقومون الليل
ويصومون النهار. قلنا: فنحن والله نصوم النهار ونقوم
الليل، قال: فكيف صلاتكم؟ فوصفناها له، قال: فكيف
صومكم؟ فأخبرناه به.
وسألنا عن أشياء فأخبرناه، فيعلم الله لعلا وجهه سواد
حتى كأنه مسح أسود، فانتهرنا وقال لنا: قوموا فخرجنا
وبعث معنا أدلاء إلى ملك الروم، فسرنا فلما دنونا من
القسطنطينية قالت الرسل الذين معنا: إن دوابكم هذه لا
تدخل مدينة الملك، فأقيموا حتى نأتيكم ببغال وبراذين.
قلنا: والله لا ندخل إلا على دوابنا، فأرسلوا إليه
يعلمونه، فأرسل: أن خلوا عنهم فتقلدنا سيوفنا وركبنا
رواحلنا، فاستشرف أهل القسطنطينية لنا، وتعجبوا، فلما
دنونا إذا الملك في غرفة له، ومعه بطارقة الروم، فلما
انتهينا إلى أصل الغرفة أنخنا ونزلنا وقلنا: "لا إله
إلا الله" فيعلم الله لنقضت الغرفة حتى كأنها عذق نخلة
تصفقها الرياح، فإذا رسول يسعى إلينا يقول: ليس لكم أن
تجهروا بدينكم على بابي. فصعدنا فإذا رجل شاب قد وخطه
الشيب، وإذا هو فصيح بالعربية، وعليه ثياب حمر، وكل
شيء في البيت أحمر، فدخلنا ولم نسلم، فتبسم وقال: ما
منعكم أن تحيوني بتحيتكم؟ قلنا: إنها لا تحل لكم قال:
فكيف هي؟ قلنا: السلام عليكم، قال: فما تحيون به
ملككم؟ قلنا: بها.
قال: فما كنتم تحيون به نبيكم؟ قلنا: با قال: فماذا
كان يحييكم به؟ قلنا: كذالك قال: فهل كان نبيكم يرث
منكم شيئا؟ قلنا: لا، يموت الرجل فيدع وارثا أو قريبا
فيرثه القريب، وأما نبينا فلم يكن يرث منها شيئا قال:
فكذلك ملككم؟ قلنا: نعم قال: فما أعظم كلامكم عندكم؟
قلنا: لا إله إلا الله فانتفض وفتح عينيه، فنظر إلينا
وقال: هذه الكلمة التي قلتموها فنقضت لها الغرفة؟
قلنا: نعم قال: وكذلك إذا قلتموها في بلادكم نقضت لها
سقوفكم؟ قلنا: لا وما رأيناها صنعت هذا قط، وما هو إلا
شيء وعظت به. قال: فالتفت إلى جلسائه فقال: ما أحسن
الصدق، ثم أقبل علينا فقال: والله لوددت أني خرجت من
نصف ملكي وأنكم لا تقولونها على شيء إلا نقض لها قلنا:
ولم ذاك؟ قال: ذلك أيسر لشأنها وأحرى أن لا تكون من
النبوة، وأن تكون من حيلة الناس ثم قال لنا: فما
كلامكم الذي تقولونه حين تفتتحون المدائن؟ قلنا: "لا
إله إلا الله والله أكبر". قال: تقولون: "لا إله إلا
الله" ليس معه شريك؟ قلنا: نعم قال: وتقولون: "الله
أكبر" أي: ليس شيء أعظم منه ليس في العرض والطول؟
قلنا: نعم وسألنا عن أشياء فأخبرناه، فأمر لنا بنزل
كثير ومنزل، فقمنا، ثم أرسل إلينا بعد ثلاث في جوف
الليل فأتيناه، وهو جالس وحده ليس معه أحد، فأمرنا
فجلسنا، فاستعادنا كلامنا، فأعدناه عليه، فدعا بشيء
كهيئة الربعة العظيمة مذهبة، ففتحها فإذا فيها بيوت
مقفلة، ففتح بيتا منها، ثم استخرج خرقة حرير سوداء.
(2/314)
فذكر الحديث نحو ما تقدم وفيه: فاستخرج
صورة بيضاء، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما
ننظر إليه حيا، فقال: أتدرون من هذا؟ قلنا: هذه صوة
نبينا عليه السلام فقال: آلله بدينكم إنه لهو هو؟
قلنا: نعم، آلله بديننا إنه لهو هو، فوثب قائما، فلبث
مليا قائما، ثم جلس مطرقا طويلا، ثم أقبل علينا فقال:
أما إنه في آخر البيوت، ولكني عجلته لأخبركم وأنظر ما
عندكم، ثم فتح بيتا، فاستخرج خرقة من حرير سوداء
فنشرها، فإذا فيها صورة سوداء شديدة السواد، وإذا رجل
جعد قطط، كث اللحية، غائر العينين، مقلص الشفتين،
مختلف الأسنان، حديد النظر كالغضبان، فقال: أتدرون من
هذا؟ قلنا: لا. قال: هذه صورة موسى عليه السلام.
وذكر الصور إلى أن قال: قلنا: أخبرنا عن هذه الصور،
قال: إن آدم سأل ربه أن يريه أنبياء ولده، فأنزل الله
صورهم، فاستخرجها ذو القرنين من خزانة آدم من مغرب
الشمس، فصورها دانيال في خرق الحرير، فلم يزل يتوارثها
ملك بعد ملك، حتى وصلت إلي، فهذه هي بعينها. فدعوناه
إلى الإسلام فقال: أما والله لوددت أن نفسي سخنت
بالخروج من ملكي واتباعكم، وأني مملوك لأسوإ رجل منكم
خلقا وأشده ملكة، ولكن نفسي لا تسخو بذلك.
فوصلنا وأجازنا، وانصرفنا.
(2/315)
باب: في خصائصه صلى الله عليه وسلم وتحديثه
أمته بها امتثالا لأمر الله تعالى، بقوله تعالى:
{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث}
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ
الهاشمي بالإسكندرية، أخبركم محمد بن أحمد بن عمر
ببغداد، قال: أخبرنا أحمد بن محمد الهاشمي سنة إحدى
وخمسين وخمس مائة، قال: أخبرنا الحسن بن عبد الرحمن
الشافعي، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم العبقسي، قال:
حدثنا محمد بن إبراهيم الديبلي سنة إحدى وعشرين وثلاث
مائة، قال: حدثنا محمد بن أبي الأزهر قال: حدثنا
إسماعيل بن جعفر، قال: أخبرنا عَبْدِ اللهِ بنِ
دِيْنَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السمان، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: "مثلي ومثل الأنبياء قبلي، كمثل رجل
بنى بنيانا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من
زواياه، فجعل من مر من الناس ينظرون إليه ويتعجبون منه
ويقولون: هلا وضع هذه اللبنة؟ قال: أنا اللبنة، وأنا
خاتم النبيين". صلى الله عليه وسلم.
البخاري1 البخاري عن قتيبة، عن إسماعيل.
قال الزهري، عن ابن المسيب وأبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "نصرت بالرعب وأعطيت جوامع
الكلم، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض،
فوضعت بين يدي". أخرجه مسلم والبخاري2.
وقال العَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فضلت على
الأنبياء بستك أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت
لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى
الخلق كافة، وختم بي النبيون". أخرجه مسلم3.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 398"، والبخاري "3535"، ومسلم
"2286" "22"، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 366"، والبغوي
"3621" من طرق عن إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ،
أَخْبَرَنِي عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ السمان، عن أبي هريرة، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "2977"، ومسلم "523" "6" من
طريق ابن شهاب، به.
3 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 411-412"، ومسلم "523" "5"،
والترمذي في إثر حديث رقم "1553"، "2/ 433"، "9/ 5"،
والبيهقي "3617" من طريق العلاء بن عبد الرحمن بن
يعقوب الحرقي، به.
(2/316)
وقال مالك بن مغول، عن الزبير بن عدي، عن
مرة الهمداني، عن عبد الله قال: لما أسري برسول الله
صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى أعطي
ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة،
وغفر لمن كان من أمته لا يشرك بالله المقحمات. تقحم:
أي: تلقى في النار1. والحديث صحيح.
وقال أبو عوانة: حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ
رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "فضلت على الناس
بثلاث: جعلت الأرض كلها لنا مسجدا، وجعلت تربتها لنا
طهورا، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وأوتيت هؤلاء
الآيات، من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش" 2.
صحيح.
وقال بشر بن بكر، عن الأوزاعي: قال: حدثني أبوعمار، عن
عبد الله بن فروخ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
"أنا سيد بني آدم يوم القيامة، وأول من تنشق عنه
الأرض، وأول شافع وأول مشفع" 3.
اسم أبي عمار: شداد. أخرجه مسلم.
وقال أبو حيان التيمي، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة،
قال: أُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بلحم، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهس
منها، فقال: "أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بم
ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم
الداني وينفذهم البصر". -فذكر حديث الشفاعة بطوله.
متفق عليه4.
وقال ليث بن سعد، عن ابن الهاد، عن عمرو بن أبي عمرو،
عن أنس: سمعت
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "173" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ
أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أبو أسامة، حدثنا مالك بن
مغول، به.
2 صحيح: أخرجه مسلم "522" من طريق محمد بن فضيل، عن
أبي مالك الاشجعي، عن ربعي، به.
3 صحيح: أخرجه مسلم "2278" من طريق هقل بن زياد، عن
الأوزاعي، به.
4 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه ابن أبي شيبة "11/
444"، وأحمد "2/ 435-436"، والبخاري "3340" و"3361"
و"4712"، ومسلم "194"، والترمذي "2434"، وابن أبي عاصم
في "السنة" "811"، وابن خزيمة في "التوحيد"
"ص242-244"، وابن منده "879"، "880"، "881" وأبو عوانة
"1/ 170-173، 173، 174"، والبيهقي في "الأسماء
والصفات" "ص315"، والبغوي "4332" من طرق عن أبي حيان
يحيى بن سعيد، عن أبي زرعة، به.
(2/317)
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا أول
من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، ولا فخر، وأعطيت لواء
الحمد، ولا فخر، وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر".
-وساق الحديث بطوله في الشفاعة1.
وفي الباب حديث ابن عباس.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وفي القرآن آيات
متعددة في شرف المصطفى عليه السلام.
وعن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، قال: ما خلق الله خلقا
أحب إليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله
أقسم بحياة أحد إلا بحياته فقال: {لَعَمْرُكَ
إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:
72] .
وفي "الصحيح" من حديث قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"بينا أنا نائم أريت أني أسير في الجنة، فإذا أنا بنهر
حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا
جِبْرِيْلُ؟ قَالَ: هَذَا الكوثر الذي أعطاك الله،
قال: فضرب الملك بيده فإذا طينه مسك أذفر".
وقال الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "حوضي كما
بين صنعاء وأيلة، وفيه من الأباريق عدد نجوم السماء"
2.
وقال يزيد بن أبي حبيب: حدثنا أبو الخير، أنه سمع عقبة
بن عامر، يقول: آخر ما خَطَبَنَا رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صلى على
شهداء أحد، ثم رقي المنبر وقال: "إني لكم فرط وأنا
شهيد عليكم، وأنا أنظر إلى حوضي الآن، وأنا في مقامي
هذا، وإني والله ما أخاف أن تشركوا
__________
1 صحيح: وإسناده صحيح رجاله ثقات رجال البخاري ومسلم.
وابن الهاد، هو يزيد بن عبد الله بن الهاد الليثي، أبو
عبد الله المدني الأعرج. روى له الجماعة.
وورد عن أبي سعيد: أخرجه أحمد "3/ 2"، والترمذي
"3148"، وابن ماجه "4308" من طريق علي بن زيد بن
جدعان، عن أبي نضرة، عنه، به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: إسناده ضعيف، آفته علي بن زيد بن جدعان، فإنه
ضعيف، لكنه يرتقي للصحة بشاهد أنس الصحيح والله تعالى
أعلى وأعلم.
2 صحيح: أخرجه البخاري "6580"، ومسلم "2303" من طريق
ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُوْنُسُ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، به.
(2/318)
بعدي، ولكني أريت أني أعطيت مفاتيح خزائن
الأرض، فأخاف عليكم أن تنافسوا فيها" 1.
وروى "مسلم" من حديث جابر بن سمرة، قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إني
فرطكم على الحوض، وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء
وأيلة، كأن الأباريق فيه النجوم" 2.
وقال مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ سُلَيْمِ بنِ
عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إن الله
يدخل من أمتي يوم القيامة سبعين ألفا بغير حساب". فقال
رجل: يا رسول الله فما سعة حوضك؟ قال: ما بين عدن
وعمان وأوسع، وفيه مثعبان من ذهب وفضة، شرابه أبيض من
اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك، من شرب
منه لا يظمأ بعدها أبدا، ولن يسود وجهه أبدا". هذا
حديث حسن.
وروى ابن ماجه من حديث عطية -وهو ضعيف- عَنْ أَبِي
سَعِيْدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: "لي حوض طوله ما بين الكعبة إلى بيت
المقدس أشد بياضا من اللبن، آنيته عدد النجوم، وإني
أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة".
وقال عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ عَنْ مُحَارِبِ بنِ
دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "الكوثر نهر في
الجنة حافتاه الذهب، ومجراه على الدر والياقوت، تربته
أطيب من المسك وأشد بياضا من الثلج".
وثبت أن ابن عباس قال: الكوثر: الخير الكثير الذي
أعطاه الله إياه رواه سعيد بن جبير، وقال: النهر: الذي
في الجنة من الخير الكثير.
وصح من حديث عائشة قالت: الكوثر نهر في الجنة أعطيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم، شاطئه در مجوف.
وروي عن عائشة قالت: من أحب أن يسمع خرير الكوثر فليضع
إصبعيه في أذنيه.
وصح عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم
القيامة، وأول من يشفع".
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "6590"، ومسلم "2296" من طريق
ليث، عن يزيد بن أبي حبيب، به.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2305" من طريق زياد بن خيثمة، عن
سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، به.
(2/319)
وصح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما من
نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر،
وكان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون
أكثرهم تابعا يوم القيامة".
وقال سليمان التيمي، عن سيار، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ،
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: "إن
الله فضلني على الأنبياء، أو قال: أمتي على الأمم
-بأربع: أرسلني إلى الناس كافة، وجعل الأرض كلها لي
لأمتي مسجدا وطهورا فأينما أدرك الرجل من أمتي الصلاة
فعنده مسجده وطهوره، ونصرت بالرعب، يسير بين يدي مسيرة
شهر يقذف في قلوب أعدائي، وأحلت لنا الغنائم". إسناده
حسن، وسيار صدوق. أخرجه أحمد في "مسنده".
وقال سَعِيْدُ بنُ بَشِيْرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم: "فضلت على الناس بأربع: بالشجاعة،
والسماحة، وكثرة الجماع، وشدة البطش".
(2/320)
باب: مرض النبي صلى
الله عليه وسلم
قال يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ:
حَدَّثَنِي عبد الله بن عمر بن ربيعة، عن عبيد مولى
الحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ،
عن أبي مويهبة مولى رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أنبهني رسول الله صلى الله
عليه وسلم من الليل فقال: "يا أبا مويهبة إني قد أمرت
أن أستغفر لأهل هذا البقيع".
فخرجت معه حتى أتينا البقيع، فرفع يديه فاستغفر لهم
طويلا ثم قال: "ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس
فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولا،
للآخرة شر من الأولى، يا أبا مويهبة إني قد أعطيت
مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة، فخيرت بين
ذلك وبين لقاء ربي والجنة". فقلت: يا رسول الله، بأبي
أنت وأمي، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم
الجنة، فقال: "والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي
والجنة". ثم انصرف، فلا أصبح ابتدئ بوجعه الذي قبضه
الله فيه".
رواه إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، وعبيد بن جبير
مولى الحكم بن أبي العاص.
وقال معمر، عن ابن طاوس، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "خيرت
بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل،
فاخترت التعجيل".
وقال الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: اجتمع نساء
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عِنْدَ رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، لم تغادر منهن امرأة، فَجَاءتْ فَاطِمَةُ
تَمْشِي مَا تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا مِشْيَةَ رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
"مرحبا بابنتي"، فأجلسها عن يمينه أو شماله، فسارها
بشيء، فبكت، ثم سارها فضحكت، فقلت لها: خصك رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالسرار وتبكين! فلما أن قام قلت
لها: أخبريني بما سارك؟ قالت: ما كنت لأفشي سره. فلما
توفي قلت لها: أسألك بما لي عليك من الحق لما أخبرتيني
قالت: أما الآن فنعم، سارني فقال: "إن جبريل -عليه
السلام- كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة، وإنه
عارضني العام مرتين، ولا أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي،
فاتقي الله واصبري فنعم السلف أنا لك". فبكيت، ثم
سارني فقال: "أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين
-أو سيدة نساء هذه الأمة- ". يعني فضحكت. متفق عليه.
وروى نحو عروة، عن عائشة، وفيه أنها ضحكت؛ لأنه أخبرها
أنها أول أهله يتبعه. رواه مسلم.
وقال عباد بن العوام، عَنْ هِلاَلِ بنِ خَبَّابٍ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نزلت
(2/321)
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح}
[النصر: 1] ، دَعَا رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةُ فقال: "إنه قد نعيت إلي
نفسي". فبكت ثم ضحكت، قالت: "أخبرني أنه نعي إليه نفسه
فبكيت"، فقال لي: "اصبري فإنك أول أهلي لاحقا بي"،
فضحكت.
وقال سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن
محمد، قال: قالت عائشة: وارأساه. فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو
لك". فقالت: واثكلاه والله إني لأظنك تحب موتي، ولو
كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك. فقال: "بل
أنا وارأساه لقد هممت -أو أردت- أن أرسل إلى أبي بكر
وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون، ثم
قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون، أو يدفع الله ويأبى
المؤمنون". رواه البخاري هكذا.
وقال يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ:
حَدَّثَنِي يعقوب بن عتبة، عن الزهري، عن عبيد الله،
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصدع وأنا
أشتكي رأسي، فقلت: وارأساه. فقال: "بل أنا والله
وارأساه، وما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك وصليت عليك
وواريتك". فقلت: والله إني لأحسب أن لو كان ذلك، لقد
خلوت ببعض نسائك في بيتي في آخر النهار فأعرست بها،
فَضَحِكَ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ثُمَّ تمادى به وجعه، فاستعز برسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة،
فاجتمع إليه أهله، فقال العباس: إنا لنرى برسول الله
صلى الله عليه وسلم ذات الجنب فهلموا فلنلده، قلدوه،
وأفاق رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: "من فعل هذا"؟ قالوا: عمك العباس،
تخوف أن يكون بك ذات الجنب، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "إنها من الشيطان، وما كان الله تعالى
ليسلطه علي، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي
العباس"، فلد أهل البيت كلهم، حتى ميمونة، وإنها
لصائمة يومئذ، وذلك بعين رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ استأذن نساءه أن
يمرض في بيتي، فخرج صلى الله عليه وسلم إلى بيتي، وهو
بين العباس وبين رجل آخر، تخط قدماه الأرض إلى بيت
عائشة، قال عبيد الله: فحدثت بهذا الحديث ابن عباس
فقال: تدري من الرجل الآخر الذي لم تسمه عائشة؟ قلت:
لا قال: هو علي رضي الله عنه.
وقال البخاري: قال يونس، عن ابن شهاب، قال عروة: كانت
عائشة تقول: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُوْلُ في مرضه الذي توفي فيه: "يا عائشة
لم أزل أجد ألم الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان
انقطاع أبهري من ذلك السم".
وقال الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب: أخبرني عبيد الله
بن عبد الله، أن عائشة
(2/322)
قالت: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم
واشتد به الوجع استأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة،
فأذن له، فخرج بين رجلين تخط رجلاه في الأرض، قالت:
لما أدخل بيتي اشتد وجعه فقال: "أهرقن علي من سبع قرب
لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس". فأجلسناه في
مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسم، ثم طفقنا نصب
عليه، حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن، فخرج إلى الناس
فصلى بهم ثم خطبهم. متفق عليه.
وقال سالم أبو النضر، عن بسر بن سعيد وعبيد بن حنين،
عن أبي سعيد قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم
الناس فقال: "إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما
عند الله، فاختار ما عند الله". فبكى أبو بكر، فعجبنا
لبكائه، فكان المخير رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أبو بكر أعلمنا به، فقال:
"لا تبك يا أبا بكر، إن أمن الناس علي في صحبته وماله
أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذته خليلا، ولكن
أخوة الإسلام ومودته، لا يبقى في المسجد باب إلا سد
إلا باب أبي بكر". متفق عليه.
وقال أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ
عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أبي المعلى، عن أبيه أحد
الأنصار، فذكر قريبا من حديث أبي سعيد الذي قبله.
وقال جرير بن حازم: سمعت يَعْلَى بنِ حَكِيْمٍ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في مرضه
الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة، فصعد المِنْبَرِ
فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إنه
ليس من الناس أحد أمن علي بنفسه وماله من أبي بكر، ولو
كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن
خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في المسجد غير
خوخة أبي بكر". أخرجه البخاري.
وقال زيد بن أبي أنيسة، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بن الحارث: حدثني جندب أَنَّهُ
سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قبل أن يتوفى بخمس يقول: "قد كان لي منكم إخوة وأصدقاء
وإني أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيْلٍ مِن خُلَّتِهِ،
وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيْلاً لاَتَّخَذْتُ
أَبَا بَكْرٍ خَلِيْلاً، وإن ربي اتخذني خليلا كما
اتخذ إبراهيم خليلا، وإن قوما ممن كانوا قبلكم يتخذون
قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد، فلا تتخذوا القبور
مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك". رواه مسلم.
مؤمل بن إسماعيل، عن نافع بن عمر، عَنِ ابْنِ أَبِي
مُلَيكَة، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مرضه الذي قبض فيه أغمي عليه، فلما أفاق قال: "ادعي لي
أبا بكر فلأكتب له لا يطمع طامع في أمر أبي بكر ولا
يتمنى متمن"، ثم قال: "يأبى الله ذلك والمؤمنون"
-ثلاثا- قالت: فأبى الله إلا أن يكون أبي.
(2/323)
قال أبو حاتم الرازي: حدثناه يسرة بن
صفوان، عن نافع، عن ابن أبي مليكة مرسلا، وهو أشبه.
وقال عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُوْلَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من مرضه
الذي مات فيه عاصبا رأسه بعصابة دسماء ملتحفا بملحفة
على منكبيه، فجلس على المنبر وأوصى بالأنصار، فكان آخر
مجلس جلسه. رواه البخاري. ودسماء: سوداء.
وقال ابن عيينة: سمعت سليمان يذكر عن سعيد بن جبير،
قال: قال ابن عباس: يوم الخميس، وما يوم الخميس، ثم
بكى حتى بل دمعه الحصى قلت: يا أبا عباس: وما يوم
الخميس؟ قال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه
فقال: "ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا".
قال: فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا: ما
شأنه، أهجر؟! استفهموه، قال: فذهبوا يعيدون عليه، قال:
"دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه" قال:
وأوصاهم عند موته بثلاث فقال: أخرجوا المشركين من
جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، قال:
وسكت عن الثالثة، أو قالها فنسيتها. متفق عليه.
وقال الزُهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ
اللهِ، عن ابن عباس، قال: لما حضر رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وفي البيت رجال فيهم عمر، فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: "أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا".
فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن،
حسبنا كتاب الله.
فاختلف أهل البيت فاختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب
لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول ما
قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عِنْد رَسُوْل
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ النبي
صلى الله عليه وسلم: "قوموا". فكان ابن عباس يقول: إن
الرزية كل الرزية ما حال بين رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أن يكتب لهم ذلك
الكتاب لاختلافهم ولغطهم. متفق عليه.
وإنما أراد عمر -رضي الله عنه- التخفيف عَنْ رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حين رآه
شديد الوجع، لعلمه أن الله قد أكمل ديننا، ولو كان ذلك
الكتاب واجبا لكتبه النبي صلى الله عليه وسلم لهم،
ولما أخل به.
وقال يونس، عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله، عن أبيه،
قال: لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه
قال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس". فقالت له عائشة: يا
رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قام مقامك لم يسمع
الناس من البكاء. فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس".
فعاودته مثل مقالتها فقال: "أنتن صواحبات يوسف مروا
أبا بكر فليصل بالناس". أخرجه البخاري.
وقال محمد بن إسحاق، عَنِ الزُهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ
اللهِ بنِ عَبْدِ الله، عن ابن عباس، عن
(2/324)
أمه أم الفضل قالت: خرج إِلَيْنَا رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عاصب
رأسه في مرضه، فصلى بنا المغرب، فقرأ بالمرسلات، فما
صلى بعدها حتى لقي الله، يعني فما صلى بعدها بالناس.
وإسناده حسن.
ورواه عقيل، عن الزهري، ولفظه أَنَّهَا سَمِعَتْ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقرأ في المغرب بالمرسلات، ما صلى لنا بعدها. البخاري.
وقال موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله،
حدثتني عائشة قالت: ثَقُلَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أصلي الناس"؟
فقلنا: لا، هم ينتظرونك. قال: "ضعوا لي ماء في
المخضب". ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء، فأغمي عليه،
ثم أفاق فقال: "أصلى الناس"؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك
يا رسول الله فقال: "ضعوا لي ماء في المخضب". قالت:
ففعلنا، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: "أصلى
الناس"؟ فقلنا: لا، وهم ينتظرونك، والناس عكوف في
المجسد ينتظرون رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةُ العشاء. قالت: فأرسل رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر يصلي بالناس،
فأتاه الرسول بذلك، فقال أبو بكر وكان رجلا رقيقا: يا
عمر صل بالناس فقال له عمر: أنت أحق بذلك مني قالت:
فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام، ثم أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجد من نفسه خفة،
فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر، وأبو بكر
يصلي بالناس، قالت: فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر،
فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر،
وقال لهما: أجلساني إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي
بكر، فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بِصَلاَةِ رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والناس
يصلون بصلاة أبي بكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد.
قال عبيد الله: فعرضته على ابن عباس ما أنكر منه حرفا.
متفق عليه.
وكذلك رواه الأسود بن يزيد، وعروة، أن أبا بكر علق
صلاته بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك روى الأرقم بن شرحبيل، عن ابن عباس. وكذلك روى
غيرهم.
وأما صلاته خلف أبي بكر فقال شعبة، عَنْ نُعَيْمِ بنِ
أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي وائل، عن مسروق، عن عائشة،
قالت: صَلَّى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في مرضه الذي مات فيه خلف أبي بكر قاعدا.
وروى شعبة، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ
الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خلف أبي بكر.
وروى هشيم، ومحمد بن جعفر بن أبي كثر، واللفظ لهشيم،
عن حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ
(2/325)
النبي صلى الله عليه وسلم خرج وأبو بكر
يصلي بالناس، فجلس إلى جنبه وهو في بردة قد خالف بين
طرفيها، فصلى بصلاته.
وروى سَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بنِ
أيوب، قال: حدثني حميد الطويلن عن ثابت، حدثه عَنْ
أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَلَّى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد، مخالفا
بين طرفيه، فلما أراد أن يقوم قال: "ادعوا لي أسامة بن
زيد"، فجاء فأسند ظهره إلى نحره، فكانت آخر صلاة
صلاها. وكذلك رواه سليمان بن بلال بزيادة ثابت البناني
فيه.
وفي هذا دلالة على أن هذه الصلاة كانت الصبح، فإنها
آخر صلاة صلاها، وهي التي دعا أسامة عند فراغه منها،
فأوصاه في مسيره بما ذكر أهل المغازي. وهذه الصلاة غير
تلك الصلاة التي ائتم فيها أبو بكر به، وتلك كانت صلاة
الظهر من يوم السبت أو يوم الأحد.
وعلى هذا يجمع بين الأحاديث، وقد استوفاها الحافظ
الإمام الحبر أبو بكر البيهقي. رحمه الله.
وقال موسى بن عقبة: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم في
صفر، فوعك أشد الوعك؛ واجتمع إليه نساؤه يمرضنه أياما،
وهو في ذلك ينحاز إلى الصلوات حتى غلب، فجاءه المؤذن
فآذنه بالصلاة، فنهض فلم يستطع من الضعف فقال للمؤذن:
"اذهب إلى أبي بكر فمره فليصل". فقالت عائشة: إن أبا
بكر رجل رقيق، وإنه إن قام مقامك بكى، فأمر عمر فليصل
بالناس فقال: "مروا أبا بكر"، فأعادت عليه، فقال:
"إنكن صواحب يوسف". فلم يزل أبو بكر يصلي بالناس حتى
كان ليلة الاثنين من ربيع الأول، فأقلع عَنْ رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الوعك وأصبح مفيقا، فغدا إلى صلاة الصبح يتوكأ على
الفضل وغلام له يدعى نوبا ورسول الله صلى الله عليه
وسلم بينهما، وقد سجد الناس مع أبي بكر من صلاة الصبح،
وهو قائم في الأخرى، فتخلص رسول الله صلى الله عليه
وسلم الصفوف يفرجون له، حتى قام إلى جنب أبي بكر
فاستأخر أبو بكر، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
بثوبه فقدمه في مصلاه فصفا جميعا، ورسول الله صلى الله
عليه وسلم جالس، وأبو بكر قائم يقرأ، فلما قضى قراءته
قَامَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فركع معه الركعة الآخرة، ثم جلس أبو بكر
يتشهد والناس معه، فلما سلم أتم رسول الله صلى الله
عليه وسلم الركعة الآخرة، ثم انصرف إلى جذع من جذوع
المسجد، والمسجد يومئذ سقفه من جريد وخوص، ليس على
السقف كبير طين، إذا كان المطر امتلأ المسجد طينا،
إنما هو كهيئة العريش، وكان أسامة قد تجهز للغزو.
(2/326)
باب: حال النبي صلى الله عليه وسلم لما
احتضر
قال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، أن عائشة،
وابن عباس قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه
وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن
وجهه، فقال وهو كذلك: "لعنة الله على اليهود والنصارى
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". يحذر ما صنعوا. متفق
عليه1.
حدثنا أحمد بن إسحاق بمصر قال: أخبرنا عمر بن كرم
ببغداد، قال: أخبرنا عبد الأول بن عيسى، قال: أخبرنا
عبد الوهاب بن أحمد الثقفي من لفظه سنة سبعين وأربع
مائة، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن حسين السلمي
إملاء، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال:
حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي، قال: حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ
أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل
موته بثلاث يقول: "أحسنوا الظن بالله عز وجل" 2. هذا
حديث صحيح من العوالي.
وقال سليمان التيمي، عن قتادة، عن أنس، قال: كانت عامة
وصية النبي صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت:
"الصلاة وما ملكت أيمانكم"، حتى جعل يغرغر بها في
صدره، وما يفيض بها لسانه3. كذا قال سليمان.
وقال همام: حدثنا قتادة، عن أبي الخليل، عن سفينة،
عَنْ أُمِّ سَلَمَة، قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول في مرضه: "الله
الله، الصلاة وما ملكت أيمانكم". قالت: فجعل يتكلم به
وما يكاد يفيض. وهذا أصح.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3453"، "3454"، "4443"،
"4444"، ومسلم "531"، والنسائي "2/ 41"، والدارمي "1/
326"، وأحمد "1/ 218"، "6/ 34، 229، 275"، وابن
الجارود "175" والبيهقي "2/ 435"، "4/ 80" من طرق عن
الزهري، به.
وقد خرجته في كتاب [الجواب الباهر في زوار المقابر]
لابن تيمية ط. دار الجبل بيروت "ص24-25" بأوسع من هنا
فراجعه ثمت تفد علما جما كثيرا فالحمد لله على أن
حباني بنعمة العلم حمدا كثيرا طيبا نقوله من باب
التحدث بنعمة الله علينا كما قال: {وَأَمَّا
بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث} [الضحى: 11] .
2 صحيح: أخرجه مسلم "2877" من طريق يحيى بن زكريا، عن
الأعمش، به ولفظه مرفوعا: "لا يموتن أحدكم إلا وهو
يحسن بالله الظن".
3 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 117"، وابن ماجه "2697".
(2/327)
وقال الليث، عن يزيد بن الهاد، عن موسى بن
سرجس، عن القاسم، عن عائشة، قَالَتْ: رَأَيتُ رَسُوْلَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يموت وعنده
قدح فيه ماء، يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء،
ثم يقول: "اللهم أعني على سكرة الموت".
وقال سعد بن إبراهيم، عن عروة، عن عائشة، قالت: كنا
نتحدث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ
يَمُوتُ حَتَّى يخير بين الدنيا والآخرة، فلما مرض
عرضت له بحة، فسمعته يقول: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ
وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ
وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النِّسَاءُ: 69] ،
فظننا أنه كان يخير. متفق عليه1.
وقال نحوه الزهري، عن ابن المسيب وغيره، عن عائشة.
وفيه زيادة: قالت عائشة: كانت تلك الكلمة آخر كلمة
تكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم: "الرفيق الأعلى".
البخاري2.
وقال مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ
أَنَسٍ قال: لما قالت فاطمة عليهما السلام: "واكرباه"
قال لها رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ قد حضر من أبيك ما ليس بتارك منه
أحدا الموافاة يوم القيامة" 3. وبعضهم يقول: مبارك، عن
الحسن، ويرسله.
وقال حماد بن زيد بن ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما
ثقل جعل يتغشاه -يعني الكرب- فقالت فاطمة: "واكرب
أبتاه". فقال رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "لاَ كرب على أبيك بعد اليوم". أخرجه
البخاري4.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4435"، ومسلم "2444" "86" من
طريق محمد بن جعفر حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "4436" من طريق شعبة، عن عروة،
عن عائشة قالت: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم
المرض الذي مات فيه جعل يقول: " في الرفيق الأعلى".
3 حسن لغيره: أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" من طريق
مبارك بن فضالة، به.
قلت: إسناده ضعيف، مبارك بن فضالة، مدلس، مشهور
بالتدليس، وقد عنعنه. لكن لم ينفرد به فقد تابعه عبد
الله بن الزبير الباهلي أبو الزبير، قال حدثنا ثابت
البناني، به.
أخرجه ابن ماجه "1629"، وإسناده ضعيف لجهالة عبد الله
بن الزبير الباهلي، قال أبو حاتم: مجهول لا يعرف. وقال
الحافظ في "التقريب": "مقبول" -أي عند المتابعة- وقد
توبع من مبارك بن فضالة، فالحديث بمجموع طريقيهما حسن.
والله أعلم.
4 صحيح: أخرجه البخاري "4462" من طريق سليمان بن حرب،
حدثنا حماد، به.
(2/328)
باب: وفاته صلى الله عليه وسلم
قال أيوب، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَة، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتي ويومي وبين سحري ونحري،
وكان جبريل يعوذه بدعاء إذا مرض، فذهبت أدعو به، فرفع
بصره إلى السماء وقال: "في الرفيق الأعلى، في الرفيق
الأعلى". ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده جريدة
رطبة، فنظر إليها، فظننت أن له بها حاجة، فأخذتها
فنفضتها ودفعتها إليه، فاستن بها أحسن ما كان مستنا،
ثم ذهب يناولنيها، فسقطت من يده، فجمع الله بَيْنَ
رِيْقِي وَرِيْقِهِ فِي آخرِ يَوْمٍ مِنَ الدنيا. رواه
البخاري1 هكذا. لم يسمعه ابن أبي مليكة، من عائشة؛ لأن
عيسى بن يونس قال: عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي
حُسَيْنٍ، قال: أخبرني ابن أبي مليكة، أن ذكوان مولى
عائشة أخبره، أن عائشة كانت تقول: إن من نعمة الله
عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ توفي فِي بَيْتِي، وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ
سَحرِي وَنَحْرِي، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند
الموت، دخل علي أخي بسواك وأنا مسندة رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى صدري، فرأيته ينظر إليه، وقد عرفت
أنه يحب السواك ويألفه، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن
نعم، فلينته له، فأمره على فيه، وبين يديه ركوة -أو
علبة- فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء فيمسح وجهه،
ثم يقول: "لا إله إلا الله، إن للموت سكرات"، ثم نصب
إصبعه اليسرى فجعل يقول: "في الرفيق الأعلى، في الرفيق
الأعلى". حتى قبض، ومالت يده. رواه البخاري2.
وقال حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: قالت فاطمة:
لما مات النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي: يا أبتاه
من ربه ما أدناه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، يا
أبتاه إلى جبريل ننعاه، يا أباه أجاب ربا دعاه. قال:
وقالت: يا أنس، كيف طابت أنفسكم أن تحسوا عَلَى
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
التراب؟ البخاري3.
وقال يونس، عن ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى
بنُ عَبَّادٍ، عَنْ أبيه، عن عائشة، قالت: مَاتَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو
بين سحري ونحري، في بيتي وفي يومي، لم أظلم فيه أحدا،
فمن سفاهة رأيي وحداثة سني أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مات في حجري، فأخذت
وسادة فوسدتها رأسه ووضعته من حجري، ثم قمت مع النساء
أبكي وألتدم. الالتدام: اللطم.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4451" من طريق سليمان بن حرب،
حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "4449" من طريق عمر بن سعيد،
قال: أخبرني ابن أبي مليكة، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "4462" حدثنا سليمان، بن حرب،
حدثنا حماد، به.
(2/329)
وقال مَرْحُوْمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ
العَطَّارُ: حَدَّثَنَا أَبُو عمران الجوني، عن يزيد
بن بابنوس1 أنه أتى عائشة، فَقَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا مر بحجرتي
ألقى إلي الكلمة تقر بها عيني، فمر ولم يتكلم، فعصبت
رأسي ونمت على فراشي، فمر رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "ما لك"؟ قلت:
رأسي فقال: "بل أنا وارأساه، أنا الذي أشتكي رأسي".
وذلك حين أخبره جبريل أنه مقبوض، فلبثت أياما، ثم جيء
به يحمل في كساء بين أربعة، فأدخل علي، فقال: يا عائشة
أرسلي إلى النسوة، فلما جئن قال: "إني لا أستطيع أن
أختلف بينكن، فأذن لي فأكون في بيت عائشة". قلن: نعم،
فرأيته يحمر وجهه يعرق، ولم أكن رأيت ميتا قط، فقال:
"أقعديني"، فأسندته إلي، ووضعت يدي عليه، فقلب رأسه
فرفعت يدي وظننت أنه يريد أن يصيب من رأسي، فوقعت من
فيه نقطة باردة على ترقوتي أو صدري، ثم مال فسقط على
الفراش، فسجيته بثوب، ولم أكن رأيت ميتا قط، فأعرف
الموت بغيره، فجاء عمر يستأذن ومعه المغيرة بن شعبة،
فأذنت لهما، ومددت الحجاب، فقال عمر: يا عائشة ما لنبي
الله؟ قلت: غشي عليه منذ ساعة، فكشف عن وجهه فقال:
واغماه، إن هذا لهو الغم، ثم غطاه، ولم يتكلم المغيرة،
فلما بلغ عتبة الباب، قال المغيرة: مَاتَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عمر،
فقال: كذبت، ما مات رسول الله، ولا يموت حتى يأمر
بقتال المنافقين، بل أنت تحوسك فتنة2.
فجاء أبو بكر فقال: ما لرسول الله؟ قلت: غشي عليه،
فكشف عن وجهه، فوضع فمه بين عينيه، ووضع يديه على
صدغيه ثم قال: وانبياه واصفياه واخليلاه، صدق الله
ورسوله {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون}
[الزمر: 30] ، {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ
قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ
الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: 34] ، {كُلُّ نَفْسٍ
ذَائِقَةُ الْمَوْت} [آل عمران: 185] ، ثم غطاه وخرج
إلى الناس فقال: أيها الناس، هل مع أحد منكم عهد مِنْ
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قالوا: لا.
قال: من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ومن كان
يعبد محمد فإن محمدا قد مات، وقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ
وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون} والآيات.
فقال عمر: أفي كتاب الله هذا يا أبا بكر؟ قال: نعم قال
عمر: هذا أبو بكر صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغار، وثاني اثنين
فبايعوه، فحينئذ بايعوه.
__________
1 يزيد بن بابنوس، بصري مجهول لذا قال الحافظ في
"التقريب": مقبول -أي عند المتابعة.
2 تحوسك فتنة: أي تخالطك وتحثك على ركوبها وكل موضع
خالطته ووطئته فقد حسته وجسته.
(2/330)
رواه محمد بن أبي بكر المقدمي عنه. ورواه
أحمد في "مسنده" بطوله عن بهز بن أسد، عن حماد بن
سلمة، قال: أخبرنا أبو عمران الجوني، فذكره بمعناه.
وقال عقيل، عن الزهري، عن أبي سلمة قال: أخبرتني عائشة
أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح1 حتى نزل،
فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على، فتيمم رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وهو مغشي ببرد حبرة، فكشف عن
وجهه، ثم أكب عليه يقبله، ثم بكى، ثم قال: بأبي أنت
وأمي يا رسول الله، والله لا يجمع الله عليك موتتين
أبدا، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها2.
وحدثني أبو سلمة عن ابن عباس، أن أبا بكر خرج وعمر
يكلم الناس فقال: اجلس يا عمر، فأبى، فقال: اجلس فأبى
فتشهد أبو بكر، فأقبل الناس إليه، وتركوا عمر فقال أبو
بكر: أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمدا فإنه قد مات،
ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال الله
تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ
مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144] ، فكأن
الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو
بكر، فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشرا من الناس
إلا يتلوها.
وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال: والله ما هو إلا
أن سمعت أبا بكر تلاها ففرقت، أو قال: فعقرت حتى ما
تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض، وعرفت حين تلاها
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قد مات3. أخرجه البخاري.
وقال يزيد بن الهاد: أخبرني عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
القَاسِمِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عائشة قالت: تُوُفِّيَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين
حاقنتي وذاقنتي4، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا، بعد
مَا رَأَيْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حديث صحيح.
وقال ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ
عُرْوَةَ قال: كان أسامة بن زيد قد تجهز للغزو وخرج
ثقلة إلى الجرف فأقام تلك الأيام لوجع النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قَدْ أمره
على جيش عامتهم المهاجرون، وفيهم عمر، وأمره أن يغير
على أهل مؤتة، وعلى جانب فلسطين، حيث أصيب
__________
1 السنح: مسكن زوجة أبي بكر الصديق.
2 صحيح: أخرجه البخاري "4452"، "4453" من طريق الليث،
عن عقيل، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "4453"، "4454" من طريق الليث،
عن عقيل، عن ابن شهاب، به.
4 الحاقنة: الوهدة المنخفضة بين الترقوتين من الحلق.
والذاقنة: الذقن.
(2/331)
أبوه زيد، فجلس رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى جذع في المسجد، يعني صبيحة الاثنين، واجتمع
المسلمون يسلمون عليه ويدعون له بالعافية، فدعا أسامة
فقال: "اغد على بركة الله والنصر والعافية". قال: بأبي
أنت يا رسول الله، قد أصبحت مفيقا، وأرجو أن يكون الله
قد شفاك، فأذن لي أن أمكث حتى يشفيك الله، فإن أنا
خرجت على هذا الحال خرجت في قلبي قرحة من شأنك، وأكره
أن أسأل عنك الناس، فسكت رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يراجعه، وقام فدخل
بيت عائشة، وهو يومها، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة،
فقال: قد أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقا،
وأرجو أن يكون الله قد شفاه، ثم ركب أبو بكر فلحق
بأهله بالسنح، هنالك امرأته حبيبة بنت خارجة بن زيد
الأنصاري، وانقلبت كل امرأة مِنْ نسَاء النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بيتها، وذلك
يوم الاثنين.
ولما استقر صلى الله عليه وسلم ببيت عائشة وعك أشد
الوعك، واجتمع إليه نساؤه، واشتد وجعه، فلم يزل بذلك
حتى زاغت الشمس، وزعموا أنه كان يغشى عليه، ثم شخص
بصره إلى السماء فيقول: "نعم في الرفيق الأعلى"، وذكر
الحديث إلى أن قال: فأرسلت عائشة إلى أبي بكر، وأرسلت
حفصة إلى عمر، وارسلت فاطمة إلى علي، فلم يجتمعوا
حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صدر عائشة، وفي يومها يوم
الاثنين، وجزع الناس، وظن عامتهم أنه غير ميت، منهم من
يقول: كيف يكون شهيدا علينا ونحن شهداء على الناس،
فيموت، ولم يظهر على الناس، ولكنه رفع كما فعل بعيسى
بن مريم، فأوعدوا من سمعوا يقول: إنه قد مات، ونادوا
على الباب "لا تدفنوه فإنه حي". وقام عمر يخطب الناس
ويوعد بالقتل والقطع ويقول: إنه لم يمت وتواعد
المنافقين والناس قد ملأوا المسجد يبكون ويموجون، حتى
أقبل أبو بكر من السنح.
وقال يونس بن بكير، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، عن
أم سلمة قالت: وضعت يدي على صَدْرِ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مات، فمر بي
جمع آكل وأتوضأ، ما يذهب ريح المسك من يدي.
وقال ابن عون، عن إبراهيم بن يزيد -هو التيمي- عن
الأسود، قال: قيل لعائشة: إنهم يقولون: إن النبي صلى
الله عليه وسلم أوصى إلى علي وقد رأيته دعا بطست ليبول
فيها، وأنا مسندته إلى صدري، فانحنث فمات، ولم أشعر
فيم يقول هؤلاء: إنه أوصى إلى علي. متفق عليه1.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4459"، ومسلم "1636" من طريق
ابن عون، به.
وقوله: "انحنث": أي مال وسقط.
(2/332)
تاريخ وفاته صلى الله عليه وسلم:
قال الثَّوْرِيِّ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قالت: قال لي أبو بكر: أي
يوم تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: يوم الاثنين، قال: إني أرجو أن
أموت فيه، فمات فيه1.
وقال ابْنِ لَهِيْعَةَ، عَنْ خَالِدِ بنِ أَبِي
عِمْرَانَ، عن حنش، عن ابن عباس، قال: ولد نبيكم صلى
الله عليه وسلم يوم الاثنين، ونبئ يوم الاثنين، وخرج
من مكة يوم الاثنين، وفتح مكة يوم الاثنين، ونزلت سورة
المائدة يوم الاثنين {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُم} [المائدة: 3] ، وتوفي يوم الاثنين.
قد خولف في بعضه، فإن عمر -رضي الله عنه- قال: نزلت
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم} يوم عرفة يوم
جمعة2.
وكذلك قال عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ.
وقال موسى بن عقبة: توفي يوم الاثنين حين زاغت الشمس
لهلال شهر ربيع الأول.
وقال سليمان التيمي: تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اليَوْمُ العاشر من مرضه،
وذلك يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول. رواه
معتمر، عن أبيه.
وقال الواقدي: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ قال: اشتكى النبي صلى الله عليه
وسلم ثلاثة عشر يوما وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلا من
ربيع الأول سنة إحدى عشرة.
وذكر الطبري، عن ابن الكلبي، وأبي مخنف وفاته في ثاني
ربيع الأول.
وقال محمد بن إسحاق: توفي لاثنتي عشرة ليلة مضت من
ربيع الأول، في اليوم الذي قدم المدينة مهاجرا،
فاستكمل في هجرته عشر سنين كوامل.
وقال الواقدي، عن عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
عُمَرَ بنِ علي، عن أبيه، عن جده قال: اشتكى رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الأربعاء لليلة بقيت من صفر، وتوفي يوم الاثنين لاثنتي
عشرة مضت من ربيع الأول.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "1387" من طريق وهيب، عن هشام،
به.
2 أخرجه البخاري "4606".
(2/333)
ويروى نحو هذا في وفاته، عن عائشة، وابن
عباس إن صح، وعليه اعتمد سعيد بن عفير، ومحمد بن سعد
الكاتب، وغيرهما.
أخبرنا الخضر بن عبد الرحمن الأزدي، قال: أخبرنا أبو
محمد بن البن، قال: أخبرنا جدي، قال: أخبرنا علي بن
محمد الفقيه، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي نصر، قال:
أخبرنا علي بن أبي العقب قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم،
قال: حدثنا محمد بن عائذ، قال: حدثنا الهيثم بن حميد،
قال: أخبرني النعمان، عن مكحول، قَالَ: وُلِدَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم يَوْم
الاثنين، وأوحى إليه يوم الاثنين، وهاجر يوم الاثنين،
وتوفي يوم الاثنين لاثنتين وستين سنة وأشهر، وكان له
قبل أن يوحى إليه اثنتان وأربعون سنة، واستخفى عشر
سنين وهو يوحى إليه، ثم هاجر إلى المدينة، فمكث يقاتل
عشر سنين ونصفا، وكان الوحي إليه عشرين سنة ونصفا،
وتوفي، فمكث ثلاثة أيام لا يدفن، يدخل الناس عليه رسلا
رسلا يصلون عليه، والنساء مثل ذلك.
وطهره الفضل بن العباس، وعلي بن أبي طالب، وكان
يناولهم العباس الماء، وكفن في ثلاثة رياط1 بيض
يمانية، فلما طهر وكفن دخل عليه الناس في تلك الأيام
الثلاثة يصلون عليه عصبا عصبا، تدخل العصبة فتصلي عليه
ويسلمون، ولا يصفون ولا يصلي بين أيديهم مصل، حتى فرغ
من يريد ذلك، ثم دفن، فأنزله في القبر العباس وعلي
والفضل، وقال عند ذلك رجل من الأنصار: أشركونا في موت
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَإِنَّهُ قد أشركنا في حياته، فنزل عهم في القبر وولى
ذلك معهم.
ورواه محمد بن شعيب بن شابور، عن النعمان.
وعن عثمان بن محمد الأخنسي قال: تُوُفِّيَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الاثنين حين زاغت الشمس، ودفن يوم الأربعاء.
وعن عروة أنه توفي يوم الاثنين، ودفن من آخر ليلة
الأربعاء.
وعن الحسن قال: كان موته في شهر أيلول.
قلت: إذا تقرر أن كل دور في ثلاث وثلاثين سنة كان في
ست مائة وستين عاما عشرون دورا، فإلى سنة ثلاث وسبع
مائة من وقت موته أحد وعشرون دورا في ربيع الأول منها
كان
__________
1 رياط: جمع ريطة، وهي كل ملاءة ليست بلفقين. وقيل: كل
ثوب رقيق لين.
(2/334)
وقوع تشرين الأول وبعض أيلول في صفر، وكان
آب في المحرم، وكان أكثر تموز في ذي الحجة فحجة الوداع
كانت في تموز.
قال أبو اليمن ابن عساكر وغيره: لا يمكن أن يكون موته
يوم الاثنين من ربيع الأول إلا يوم ثاني الشهر أو نحو
ذلك، فلا يتهيأ أن يكون ثاني عشر الشهر للإجماع أن
عرفة في حجة الوداع كان يوم الجمعة، فالمحرم بيقين
أوله الجمعة أو السبت، وصفر أوله على هذا السبت أو
الأحد أو الاثنين، فدخل ربع الأول الأحد، وهو بعيد، إذ
يندر وقوع ثلاثة أشهر نواقص، فترجح أن يكون أوله
الاثنين، وجاز أن يكون الثلاثاء، فإن كان استهل
الاثنين فهو ما قال موسى بن عقبة من وفاته يوم الاثنين
لهلال ربيع الأول، فعلى هذا يكون الاثنين الثاني منه
ثامنه، وإن جوزنا أن أوله الثلاثاء فيوم الاثنين سابعه
أو رابع عشره، ولكن بقي بحث آخر:
كان يوم عرفة الجمعة بمكة، فيحتمل أن يكون كان يوم
عرفة بالمدينة يوم الخميس مثلا أو يوم السبت، فيبنى
على حساب ذلك.
وعن مالك: قال بلغني أنه توفي يوم الاثنين، ودفن يوم
الثلاثاء.
(2/335)
باب: عمر النبي صلى الله عليه وسلم والخلف
فيه
قال ربيعة، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ الله عَلَى
رَأْسِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، فَأَقَامَ بمكة عشرا
وبالمدينة عشرا، وتوفي على رأس ستين سنة. البخاري
ومسلم1.
وقال عُثْمَانُ بنُ زَائِدَة، عَنِ الزُّبَيْر بن
عَدِيٍّ، عن أنس قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم
وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقبض أبو بكر وهو ابن ثلاث
وستين، وقبض عمر وهو ابن ثلاث وستين. رواه مسلم2.
قوله في الأول على رأس ستين سنة، على سبيل حذف الكسور
القليلة، لا على سبيل التحرير، ومثل ذلك موجود في كثير
من كلام العرب.
وقال عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ،
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة. قال
ابن شهاب: وأخبرني ابن المسيب بذلك. متفق عليه3.
وقال زَكَرِيَّا بنِ إِسْحَاقَ: عَنْ عَمْرِو بنِ
دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ
النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين
سنة. متفق عليه4. ولمسلم مثله من حديث أبي جمرة عن ابن
عباس.
وللبخاري مثله من حديث عكرمة، عن ابن عباس.
وأما ما رواه هشيم، قال: حدثنا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ،
عَنْ يُوْسُفَ بنِ مِهْرَانَ، عن ابن عباس، قال: قبض
النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة فعلي
ضعيف الحديث ولا سيما وقد خالفه غيره.
وقد قال شبابة، حدثنا شعبة، عن يونس بن عبيد، عن عمار
مولى بن هاشم، سمع ابن عباس يقول: توفي وهو ابن خمس
وستين.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3547"، ومسلم "2347" من طريق
ربيعة بن أبي عبد الرحمن، به.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2348" من طريق حَكَّامُ بنُ
سَلْم، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ زَائِدَة، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3536"، ومسلم "2349" من طريق
الليث، عن عقيل، به.
4 صحيح: أخرجه البخاري "3903"، ومسلم "2351" من طريق
روح بن عبادة، من طريق زكريا بن إسحاق، به.
(2/336)
وهذا حديث غريب لكن تقويه رواية هشام، عن
قتادة، عن الحسن، عن دغفل بن حنظلة أن النبي صلى الله
عليه وسلم قبض وهو ابن خمس وستين.
وهو غسناد صحيح مع أن الحسن لم يعتمد على ما روى عن
دغفل بل قال: توفي وهو ابن ثلاث وستين. قاله أشعث عنه.
وقال هشام بن حسان عنه: توفي وهو ابن ستين سنة.
وقال شعبة، عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد، عن جرير بن
عبد الله، عن معاوية، قال: قبض النبي صلى الله عليه
وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وكذلك أبو بكر وعمر. أخرجه
مسلم1.
وكذلك قال سعيد بن المسيب، والشعبي، وأبو جعفر الباقر،
وغيرهم. وهو الصحيح الذي قطع به المحققون، وقال قتادة:
توفي وهو ابن اثنتين وستين سنة.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2353" "120" من طريق شعبة سمعت
أبا إسحاق يحدث عن عامر بن سعد البجلي، عن جرير، به.
(2/337)
باب: غسله وكفنه ودفنه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حدثني يحيى بن عباد بن عبد
الله، عن أبيه، سمع عائشة تقول: لما أرادوا غسل النبي
صلى الله عليه وسلم قالوا: والله ما ندري أنجرد
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَمْ نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم
النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صده، ثم كلمهم
مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: أن اغسلوا النبي
صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه، فقاموا إِلَى
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فغسلوه وعليه قميص، يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه
بالقميص دون أيديهم، فكانت عائشة تقول: لَوْ
اسْتَقبلتُ مِنْ أَمرِي مَا اسْتدبرتُ مَا غسله إلا
نساؤه. صحيح أخرجه أبو داود.
وقال أبو معاوية: حدثنا بريد بن عبد الله أبو بردة، عن
علقمة بن مرثد، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيْهِ، قَالَ: لما أخذوا في غسل رسول الله صلى الله
عليه وسلم ناداهم مناد من الداخل: "لا تخرجوا عَنْ
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قميصه".
وقال ابن فضيل، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ
عَبْدِ الله بن الحارث، قال: غسل رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى، وعليه قميصه
وعلى يد علي -رضي الله عنه- خرقة يغسله بها، فأدخل يده
تحت القميص وغسله والقميص عليه فيه ضعف.
وقال إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم غسله علي، وأسامة، والفضل بن العباس،
وأدخلوه قبره، وكان علي يقول وهو يغسله: بأبي وأمي،
طبت حيا وميتا.
مرسل جيد.
وقال عبد الواحد بن زياد: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المسيب: قال: قال
علي: غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبت أنظر
ما يكون من الميت فلم أر شيئا، وكان طيبا حيا وميتا.
وولى دفنه وإجنانه دون الناس أربعة: علي، والعباس،
والفضل، وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحدا، ونصب عليه
اللبن نصبا.
وقال عبد الصمد بن النعمان: حدثنا أبو عمر كيسان، عن
مولاه يزيد بن بلال قال:
(2/338)
سمعت عليا -رضي الله عنه- يقول: أوصى النبي
صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري، فإنه "لا
يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه". قال علي: فكان العباس،
وأسامة، يناولاني الماء، وراء الستر، وما تناولت عضوا
إلا كأنما يقلبه معي ثلاثون رجلا، حتى فرغت من غسله.
كيسان القصار يروى عنه أيضا القاسم بن مالك، وأسباط،
ومولاه كأنه مجهول، وهو ضعيف.
وقال أبو معشر: عن محمد بن قيس، قال: كان الذي غسل
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَى، والفضل بن عباس يصب عليه، قال: فما كنا نريد أن
نرفع منه عضوا لنغسله إلا رفع لنا، حتى انتهينا إلى
عورته فسمعنا من جانب البيت صوت: "لا تكشفوا عن عورة
نبيكم". مرسل ضعيف.
وقال ابن جريج: سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول: غسل
النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا بالسدر، وغسل من بئر
بقباء كان يشرب منها.
وقال هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
عَائِشَةَ: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة
أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة. متفق
عليه1.
ولمسلم فيه زيادة وهي: سحولية من كرسف.
فأما الحلة فإنما شبه على الناس فيها أنها اشتريت له
حلة ليكفن فيها، فتركت الحلة، فأخذها عبد الله بن أبي
بكر فقال: لأحبسنها لنفسي حتى أكفن فيها، ثم قال: لو
رضيها الله لنبيه لكفنه فيها، فباعها وتصدق بثمنها.
رواه مسلم2.
وروى علي بن مسهر، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قالت: أدرج النبي صلى الله
عليه وسلم في حلة يمانية، ثم نزعت عنه، وكفن في ثلاثة
أثواب.
وروى نحوه القاسم عن عائشة.
واما ما روى شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفن في ثلاثة أثواب أحدها
برد حبرة، وروى نحو ذا عن مقسم، عن ابن عباس، فلعله قد
اشتبه على من قال ذلك، بكونه صلى الله عليه وسلم أدرج
في حلة يمانية، ثم نزعت عنه.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "1264"، ومسلم "941" من طريق
هشام بن عروة، به.
2 صحيح: أخرجه مسلم "941" "45" من طريق هِشَامِ بنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، به.
(2/339)
وقال زكريا عن الشعبي، قال: كفن رسول الله
صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية برود يمنية
غلاظ: إزار ورداء ولفافة.
وقال الحسن بن صالح بن حي، عن هارون بن سعد، عن أبي
وائل قال: كان عند علي -رضي الله عنه- مسك فأوصى أن
يحنط به. وقال علي: هو فضل حنوط رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ ابن إسحاق: حدثني الحُسَيْنِ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عباس، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدخل الرجال فصلوا
عليه بغير إمام أرسالا حتى فرغوا، ثم أدخل النساء
فصلين عليه، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه ثم أدخل
العبيد، لم يؤمهم أحد.
وقال الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ مُحَمَّدِ
بنِ إِبْرَاهِيْمَ التيمي، قال: وجدت بخط أبي، قال:
لما كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع على سريره،
دخل أبو بكر، وعمر، ونفر من المهاجرين والأنصار فقالا:
السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ
اللهِ وَبَرَكَاتُهِ، وسلم المهاجرون والأنصار كذلك،
ثم صفوا صفوفا لا يؤمهم أحد، فقال أبو بكر وعمر وهما
في الصف الأول: اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل
إليه، ونصح لأمته، وجاهد في سبيل الله، حتى أعز الله
دينه، وتمت كلمته وأومن به وحده لا شريك له، فاجعلنا
إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه، واجمع بيننا
وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا به، فإنه كان بالمؤمنين
رؤوفا رحيما، لا نبغي بالإيمان بدلا، ولا نشتري به
ثمنا أبدا، فيقول الناس: آمين آمين، فيخرجون ويدخل
آخرون، حتى صلى عليه الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان.
مرسل ضعيف لكنه حسن المتن.
وقال سلمة بن نبيط بن شريط، عن أبيه، عن سالم بن عبيد
-وكان من أصحاب الصفة- قال: قالوا: هل ندفن رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وأين يدفن؟ فقال أبو بكر: حيث
قبضه الله، فإنه لم يقبض روح إلا في مكان طيب، فعلموا
أنه كما قال.
زاد بعضهم بعد سلمة "نعيم بن أبي هند".
وقال يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ:
حَدَّثَنِي حُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا
أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان
أبوعبيدة بن الجراح يضرح لأهل مكة، وكان أبو طلحة يلحد
لأهل المدينة، فأرسل العباس خلفهما رجلين، وقال: اللهم
خر لرسولك، أيهما جاء حفر له، فجاء أبو طالحة فلحد
لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2/340)
وقال الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عثمان بن محمد الأخنسي،
عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع، قال: لما توفي النبي
صلى الله عليه وسلم اختلفوا في موضع قبره، فقال قائل:
في البقيع، فقد كان يكثر الاستغفار لهم. وقال قائل:
عند منبره، وقال قائل: في مصلاه، فجاء أبو بكر فقال:
إن عندي من هذا خبرا وعلما، سَمِعْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: "ما قبض
نبي إلا دفن حيث توفي".
وقال ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ،
عَنِ سعيد بن المسيب، قال: عرضت عائشة على أبيها رؤيا
-وكان من أعبر الناس- قالت: رأيت ثلاثة أقمار وقعن في
حجرتي، فقال: إن صدقت رؤياك دفن في بيتك من خير أهل
الأرض ثلاثة، فلما قبض النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا عائشة هذا خير أقمارك.
وقال الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة، عن عباس بن عبد
الله بن معبد، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم موضوعًا على سريره من حين زاغت الشمس يوم
الثلاثاء يصلون الناس عليه، وسريره على شفير قبره،
فلما أرادوا أن يقبروه، نحوا السرير قبل رجليه، فأدخل
من هناك، ونزل حفرته العباس وعلي، وقثم بن العباس،
والفضل بن العباس، وشقران.
وقال ابن إسحاق: حدثني الحسين بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عباس، قال: كان الذين نزلوا
القبر، فذكرهم سوى العباس، وقد كان شقران حين وَضَعَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
حفرته أخذ قطيفة حمراء قد كأن رسول الله صلى الله عليه
وسلم يلبسها ويفترشها، فدفنها معه في القبر، وقال:
والله لا يلبسها أحد بعدك، فدفنت معه.
وقال أبو جمرة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا توفي ألقى
في قبره قطيفة حمراء.
أخرجه مسلم.
وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي: حدثني أبو مرحب
قال: كأني أنظر إليهم في قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ أحدهم عبد
الرحمن بن عوف.
وقال سليمان التيمي: لما فرغوا من غسل رسول الله صلى
الله عليه وسلم وتكفينه، صلى الناس عليه يوم الاثنين
والثلاثاء، ودفن يوم الأربعاء.
وقال أبو جعفر محمد بن علي: لبث يوم الاثنين ويوم
الثلاثاء إلى آخر النهار.
(2/341)
وقال ابن جريج: مات في الضحى يوم الاثنين.
ودفن من الغد في الضحى. هذا قول شاذ، وإسناده صحيح.
وقال ابن إسحاق: حدثتني فاطمة بنت محمد، عن عمرة، عن
عائشة أنها قالت: ما علمنا بدفن رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سمعنا صوت المساحي
في جوف ليلة الأربعاء.
قال ابن إسحاق: وكان المغيرة بن شعبة يدعى قال: أخذت
خاتمي فألقيته في قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقلت حين خرج القوم: إن
خاتمي قد سقط في القبر، وإنما طرحته عمدا لأمس رسول
الله، فأكون آخر الناس عهدا به. هذا حديث منقطع.
وقال الشافعي في "مسنده": أخبرنا القاسم بن عبد الله
بن عمر بن حفص، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ علي بن الحسين، قَالَ: لَمَّا
تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ جاءت التعزية، وسمعوا قائلا يقول: "إن في
الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك، ودركا من كل
فائت، فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم
الثواب".
وأخرج الحاكم في "مستدركه" لأبي ضمرة، عَنْ جَعْفَرِ
بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جابر قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عزتهم الملائكة يسمعون الحس، ولا
يرون الشخص، فذكر نحوه.
وقد تقدم صلاتهم عليه من غير أن يؤمهم أحد، فالله
أعلم.
(2/342)
صفة قبره صلى الله عليه وسلم:
قال عمرو بن عثمان بن هانئ، عن القاسم، قال: قلت
لعائشة: اكشفي لي عن قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحبيه، فكشفت لي عن
ثلاثة قبور، لا مشرفة ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة
الحمراء. أخرجه أبو داود هكذا1.
وقال أبو بكر بن عياش، عن سفيان التمار أنه رأى قبر
النبي صلى الله عليه وسلم مسنما. أخرجه البخاري2.
وقال الواقدي: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عَنْ
جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: جعل قبر
النبي صلى الله عليه وسلم مسطوحا. هذا ضعيف.
وقال عروة عن عائشة قالت: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ في مرضه الذي لم
يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور
أنبيائهم مساجد".
قالت: ولال ذلك لأبرز قبره، غير أنه خاف أو خيف أن
يتخذ مسجدا. أخرجه البخاري3.
__________
1 ضعيف: أخرجه أبو داود "3220"، وآفته عمرو بن عثمان
بن هانئ، فهو مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب":
مستور.
2 صحيح: أخرجه البخاري "1390" حدثنا محمد بن مقاتل،
أخبرنا عبد الله، أخبرنا أبو بكر بن عياش، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "1390" من طريق أبي عوانة، عن
هلال، عن عروة، به.
(2/343)
باب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم
يستخلف ولم يوص إلى أحد بعينه بل نبه على الخلافة بأمر
الصلاة
قال هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ، قَالَ: حَضَرْتُ أبي حين أصيب فأثنوا عليه،
وقالوا: جزاك الله خيرا، فقال: راغب، راهب. قالوا:
استخلف. فقال: أتحمل أمركم حيا وميتا؟ لوددت أن حظي
منكم الكفاف لا علي ولا لي، إن أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ
اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي -يعني أبا بكر-
وإن أترككم فقد ترككم مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ عبد الله: فعرفت أنه غير مستخلف حين ذكر رَسُوْل
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. متفق عليه1.
واتفقا عليه من حديث سالم بن عبد الله، عن أبيه.
وقال الثوري، عن الأسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان،
قال: لما ظهر علي يوم الجمل قال: أيها الناس أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم
يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا حتى رأينا من الرأي أن
تستخلف أبا بكر، فأقام واستقام حتى مضى لسبيله، ثم إن
أبا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عمر، فأقام واستقام
حتى ضرب الدين بجرانه، ثم إن أقواما طلبوا الدنيا
فكانت أمور يقضي الله فيها. إسناده حسن.
وقال أحمد في "مسنده": حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا
عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، عَنِ ابْنِ أَبِي
مُلَيكَة، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ لعبد الرحمن بن أبي بكر: ائتني بكتف أو لوح حتى
أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه. فلما ذه عبد
الرحمن ليقوم قال: أبي الله والمؤمنون أن يختلف عليك
يا أبا بكر.
ويروى عن أنس نحوه.
وقال شعيب بن ميمون، عن حصين بن عبد الرحمن عن الشعبي،
عن أبي وائل، قال: قيل لعلي: ألا تستخلف علينا؟ قال:
ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستخلف. تفرد
به شعيب، وله مناكير.
وقال شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن عبد الله بن كعب
بن مالك، أن ابن عباس أخبره، أن عليا خرج مِنْ عِنْد
رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
وجعه الذي توفى فيه، فقال الناس: يا أبا
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "7218"، ومسلم "1823" من طريق
هشام بن عروة، به.
(2/344)
حسن كيف أصبح رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أصبح بحمد الله
بارئا. فأخذ بيده العباس فقال: أنت والله بعد ثلاث عبد
العصا، وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم
سوف يتوفاه الله من وجعه هذا، إني أعرف وجوه بني عبد
المطلب عند الموت، فاذهب بنا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلنسأله فيمن هذا
الأمر، فإن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا
كلمناه فاوصى بنا، قال علي: إنا والله لئن سألناها
رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها
الناس بعده أبدا، وإني والله لا أسألها رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ البخاري1
ورواه معمر وغيره.
وقال أبو حمزة السكري، عن إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي
خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قال العباس لعلي
-رضي الله عنهما-: إني أكاد أعرف فِي وَجْهِ رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الموت، فانطلق بنا
نسأله، فإن يستخلف منا فذاك، وإلا أوصى بنا فقال علي
للعباس كلمة فيها جفاء، فلما قبض النبي صلى الله عليه
وسلم قال العباس لعلي: ابسط يدك فلنبايعك قال: فقبض
يده قال الشعبي: لو أن عليا أطاع العباس -في أحد
الرأيين- كان خيرا من حمر النعم. وقال: لو أن العباس
شهد بدرا ما فضله أحد من الناس رأيا ولا عقلا.
وقال أبو إسحاق عن أرقم بن شرحبيل: سمعت ابن عباس
يقول: مَاتَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلَمْ يوص.
وقال طلحة بن مصرف: سألت عبد الله بن أبي أوفى: هل
أوصى رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟
قَالَ: لا. قلت: فلم أمر بالوصية؟ قال: أوصى بكتاب
الله. قال طلحة: قال هزيل بن شرحبيل: أبو بكر يتأمر
على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ود أبو بكر أنه
وجد عهدا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فخزم أنفه بخزام. متفق عليه2.
وقال همام عن قتادة عن أبي حسان أن عليا قال: ما عهد
إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ شيئا خاصة دون الناس إلا ما في هذه الصحيفة
... الحديث.
وأما الحديث الذي فيه وصية النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عليُّ إن للمؤمن ثلاث
علامات: الصلاة، والصيام، والزكاة"، فذكر حديثا طويلا
موضوعا، تفرد به حماد بن عمرو -وكان يكذب- عن السري بن
خالد عن جعفر الصادق عن آبائه. وعند الرافضة أباطيل في
أن عليا عهد إليه.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "6266" من طريق شعيب، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "2740"، ومسلم "1634" من طريق
مَالِكُ بنُ مِغْوَل عَنْ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ. به.
(2/345)
وقال ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان، عَنِ
الزُهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الله
قال: لم يوص رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عِنْدَ موته إلا بثلاث: أوصى للرهاويين بجاد
مائة وسق، وللداريين بجاد مائة وسق، وللشنيين بجاد
مائة وسق، للأشعريين بجاد مائة وسق من خيبر، وأوصى
بتنفيذ بعث أسامة، وأوصى أن لا يترك بجزيرة العرب
دينان. مرسل.
وقال إسماعيل بن أبي خالد، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيْرِ
بنِ عَبْدِ اللهِ قال: كنت باليمن فلقيت رجلين من أهل
اليمن ذا كلاع وذا عمرو، فجعلت أحدثهم عَنْ رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالا لي: إن
كان ما تقول حقا مضى صاحبك على أجله منذ ثلاث. قال:
فأقبلت وأقبلا معي، حتى إذا كنا في بعض الطريق رفع لنا
ركب من قبل المدينة، فسألناهم فقالوا: قُبِضَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ والناس صالحون، فقالا لي:
أخبر صاحبك أنا قد جئنا ولعلنا إن شاء الله سنعود،
ورجعا إلى اليمن، وذكر الحديث. أخرجه البخاري1.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4359" من طريق ابن إدريس، عن
إسماعيل بن أبي خالد، به.
(2/346)
باب: تركة رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ أبو إسحاق، عن عمرو بن الحارث الخزاعي أَخِي
جُوَيْرِيَّة، قَالَ: وَاللهِ مَا تَرَكَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ
مَوْتِهِ دِيْنَاراً وَلاَ دِرْهَماً وَلاَ عَبْداً
وَلاَ أَمَةً، وَلاَ شَيْئاً إِلاَّ بغلته البيضَاء
وَسلاَحه وَأَرْضاً تركها صدقة. أخرجه البخاري1.
وقال الأعمش، عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: مَا
تَرَكَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء.
مسلم2.
وقال مسعر، عن عاصم، عن زر، قالت عائشة: تسألوني عن
ميراث رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟
مَا تَرَكَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا وليدة.
وقال عروة عن عائشة قالت: لقد مَاتَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا في بيتي إلا
شطر شعير، فأكلت منه حتى ضجرت، فكلته ففني، وليتني لم
أكله. متفق عليه3.
وقال الأسود، عن عَائِشَةُ: تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ودرعه مرهونة بثلاثين
صاعا من شعير. أخرجه البخاري4.
وأما البرد الذي عند الخلفاء آل العباس، فقد قال يونس
بن بكير، عن ابن إسحاق في قصة غزوة تبوك أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى
أهل أيلة برده مع كتابه الذي كتب لهم أمانا لهم،
فاشتراه أبو العباس عبد الله بن محمد -يعني السفاح-
بثلاث مائة دينار.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "2739" من طريق زهير بن معاوية
الجعفي، حدثنا أبو إسحاق، به.
2 صحيح: أخرجه مسلم "1635" من طريق الأعمش، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "6451"، ومسلم "2973" من طريق
أبي أسامة، حدثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة، به.
4 صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "6/ 16"، وعبد الرزاق
"14094"، وأحمد "6/ 42، 160، 230"، والبخاري "2200"،
"2251"، "2513"، "2916"، "4467"، ومسلم "1603"،
والنسائي "7/ 288"، وابن ماجه "2436"، والبيهقي "6/
36"، والبغوي "2129"، "2130" من طرق عَنِ الأَعْمَشِ،
عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ،
به.
قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وإبراهيم هو ابن
يزيد النخعي، والأسود، هو ابن يزيد النخعي.
(2/347)
وقال ابن عيينة، عن الوليد بن كثير، عن حسن
بن حسين عن فاطمة بنت الحُسَيْنِ، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبض وله بردان في
الحف يعملان. هذا مرسل، والحف هي الخشبة التي يلف
عليها الحائك وتسمى المطواة.
وقال زمعة بن صالح، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ
بنِ سَعْدٍ قال: تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وله جبة صوف في الحياكة.
إسناده صالح.
وقال الزهري: حدثني عروة، أن عائشة أخبرته أن
فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها
مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مما أفاء الله على رسوله، وفاطمة حينئذ تطلب
صدقة النبي صلى الله عليه وسلم التي بالمدينة وفدك،
وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: أَنَّ رَسُوْلَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا
نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال
-يعني مال الله- ليس لهم أن يزيدوا على المأكل"، وإني
والله لا أغير صدقات النبي صلى الله عليه وسلم عن
حالها التي كانت عليه فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولأعملن فيها بما عمل
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِيْهَا، وأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا،
فوجدت فاطمة على أبي بكر من ذلك، وذكر الحديث. رواه
البخاري1.
وقال أبو بردة: دخلت على عائشة فأخرجت إلينا إزارا
غليظا مما يصنع باليمن، وكساء من هذه التي تدعونها
الملبدة، فأقسمت بالله لقد قُبِضَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذين الثوبين.
متفق عليه2.
وقال الزهري: حدثني علي بن الحسين أنهم حين قدموا
المدينة مقتل الحسين لقيه المسور بن مخرمة، فقال له:
هَلْ لَكَ إِلَيَّ مِنْ حَاجَةٍ تَأْمُرُنِي بِهَا؟
قُلْتُ: لاَ. قَالَ: هَلْ أَنْتَ مُعْطِيَّ سَيْفَ
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ القَوْمُ عَلَيْهِ،
وَايْمُ اللهِ لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أحد حتى يبلغ
نفسي. اتفقا عليه3.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3092"، ومسلم "1759" من طريق
ابن شهاب، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "5818"، ومسلم "2080" "35" من
طريق إسماعيل، عن أَيُّوْبُ عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ
عَنْ أَبِي بردة، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3110"، ومسلم "2449" "95" من
طريق يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي أن الوليد بن كثير،
حدثه عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي، عن ابن شهاب،
به.
(2/348)
وقال عيسى بن طهمان: أخرج إلينا أنس نعلين
جرداوين لهما قبالان، فحدثني ثابت بعد عن أنس أنهما
نعلا النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري1.
وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قَتَادَةَ أَنَّ رَسُوْلَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج خمس
عشرة امرأة، ودخل بثلاث عشرة، واجتمع عنده منهن إحدى
عشرة، وقبض عن تسع.
فأما اللتان لم يدخل بهن فأفسدهما النساء فطلقهما،
وذلك أن النساء قلن لإحداهما: إذا دنا منك فتمنعي،
فتمنعت، فطلقها، وأما الأخرى فلما مات ابنه إبراهيم
قالت: لو كان نبيا ما مات ابنه، فطلقها.
وخمس منهن من قريش: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة، وأم
سلمة، وسودة بنت زمعة.
وميمونة بنت الحارث الهلالية، وجويرية بنت الحارث
الخزاعية، وزينب بنت جحش الأسدية، وصفية بنت حيي بن
أخطب الخيبرية.
قبض صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء رضي الله عنهن2.
روى داود بن أبي هند، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم تزوج قتيلة أخت الأشعث بن قيس، فمات قبل أن
يخبرها فبرأها الله منه.
وقال إبراهيم بن الفضل: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ
سَلَمَةَ عَنْ دَاوُدَ بنِ أبي هند، عن الشعبي أن
عكرمة بن أبي جهل تزوج قتيلة بنت قيس، فأراد أبو بكر
أن يضرب عنقه، فقال له عُمَرُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لم يعرض لها ولم يدخل
بها، وارتدت مع أخيها فبرئت من الله ورسوله، فلم يزل
به حتى كف عنه.
وأما الواقدي فروى عن ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ
هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، أن الوليد بن عبد الملك كتب
إليه يسأله: هل تزوج النبي قتيلة أخت الأشعث؟ فقال: ما
تزوجها قط، ولا تزوج كندية إلا أخت بني الجون، فلما
أتي بها وقدمت المدينة نظر إليها فطلقها ولم يبن بها3.
ويقال: إنها فاطمة بنت الضحاك: فحدثني مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِ اللهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: هي
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3107" من طريق محمد بن عبد
الله الأسدي، حدثنا عيسى بن طهمان، به.
جرداوين: أي لا شعر لهما.
2 ضعيف: لإرساله.
3 ضعيف جدا: آفته الواقدي، فإنه متروك.
(2/349)
فاطمة بنت الضحاك، استعاذت منه فطلقها،
فكانت تلقط البعر وتقول: أنا الشقية. تزوجها في سنة
ثمان وتوفيت سنة ستين.
وقال ابن إسحاق: تَزَوَّجَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسماء بنت كعب الجونية،
فلم يدخل بها حتى طلقها.
وتزوج عمرة بنت يزيد، وكانت قبله عند الفضل بن العباس
بن عبد المطلب.
كذا قال، وهذا شيء منكر. فإن الفضل يصغر عن ذلك.
وعن قتادة قَالَ: تَزَوَّجَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من اليمن
أسماء بنت النعمان الجونية، فَلَمَّا دَخَلَ بِهَا
دَعَاهَا، فَقَالَتْ: تَعَالَ أَنْتَ، فطلقها1.
وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر، عن عمرو بن
صالح، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، قال: استعاذت
الجونية منه، وقيل لها: "هو أحظى لك عنده"، وإنما خدعت
لما روي من جمالها وهيئتها، ولقد ذكر له من حملها على
ما قالت له، فقال: "إنهن صواحب يوسف". وذلك سنة تسع.
وقال هشام بن الكلبي، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن
عباس، قال: لما استعاذت أسماء بنت النعمان من النبي
صلى الله عليه وسلم خرج مغضبا، فقال له الأشعث بن قيس:
لا يسوؤك الله يا رسول الله، ألا أزوجك من ليس دونها
في الجمال والحسب؟ فقال: "من"؟ قال: أختي قتيلة قال:
"قد تزوجتها" فانصرف الأشعث إلى حضرموت ثم حملها،
فبلغه وَفَاةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فردها وارتدت معه.
ويروى عن قتادة وغيره، أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج سناء بنت الصلت
السلمية، فماتت قبل أن يصل إليها.
وعن ابن عمر من وجه لا يصح قال: كان فِي نِسَاءِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سناء
بنت سفيان الكلابية، وبعث أبا أسيد الساعدي يخطب عليه
امرأة من بني عامر، يقال لها: عمرة بنت يزيد، فتزوجها،
ثم بلغه أن بها بياضا فطلقها.
قال الواقدي: وحدثني أبو معشر أن النبي صلى الله عليه
وسلم تزوج مليكة بنت كعب، وكانت تذكر بجمال بارع،
فدخلت عليها عائشة فقالت: أما تستحين أن تنكحي قاتل
أبيك؟ فاستعاذت
__________
1 ضعيف: لإرساله.
(2/350)
منه، فطلقها فجاء قومها فقالوا: يا رسول
الله صلى الله عليه وسلم إنها صغيرة، ولا رأى لها،
وإنها خدعت فارتجعها. فأبى عليهم، فاستأذنوه أن
يزوجوها، فأذن لهم. وأبوها قتله خالد يوم الفتح1.
وهذا حديث ساقط كالذي قبله.
وأوهى منهما ما روى الواقدي، عن عبد العزيز الجندعي،
عن أبيه، عن عطاء الجندعي، قال: تزوج رسول اله صلى
الله عليه وسلم مليكة بنت كعب الليثي في رمضان سنة
ثمان، ودخل بها، فماتت عنده. قال الواقدي: وأصحابنا
ينكرون ذلك.
وقال عقيل، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم تزوج امرأة من بني كلاب، ثم
فارقها. قال أحمد ابن أبي خيثمة: هي العالية بنت ظبيان
فيما بلغني.
وقال هشام بن الكلبي: تزوج بالعالية بنت ظبيان، فمكثت
عنده دهرا، ثم طلقها، حدثني ذلك رجل من بني كلاب.
وروى المفضل الغلابي، عن علي بن صالح، عن علي بن
مجاهد، قال: نَكَحَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خولة بنت هذيل الثعلبية، فحملت
إليه من الشام، فماتت في الطريق، فنكح خالتها شراف بنت
فضالة، فماتت في الطريق أيضا.
ويروى عن سهل بن زيد الأنصاري قَالَ: تَزَوَّجَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
امْرَأَةً من بني غفار، فدخل بها، فرأى بها بياضا من
برص، فقال: الحقي بأهلك، وأكمل لها صداقها.
هذا ونحوه إنما أوردته للتعجب لا للتقرير.
ومن سراريه: مارية أم إبراهيم.
وقال الواقدي: حدثني ابن أبي ذئب، عن الزهرين قال:
كانت ريحانة أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فأعتقها وتزوجها، فكانت تحتجب في أهلها، وتقول: لا
يراني أحد بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2.
قَالَ الواقدي: وهذا أثبت عندنا، وكان زوج ريحانة قبل
النبي صلى الله عليه وسلم الحكم، وهي من بني النضير،
فحدثنا عاصم بن عبد الله بن الحكم، عن عمر بن الحكم
قَالَ: أَعْتَقَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم
__________
1 ضعيف جدا: آفته الواقدي، وهو متروك.
2 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 129-130"، وفيه
الواقدي، وهو متروك.
(2/351)
ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة، وكانت
ذات جمال، قالت: فتزوجني وأصدقني اثنتي عشرة أوقية
ونشا1 وأعرس بي وقسم لي. وكان معجبا بها، توفيت مرجعه
من حجة الوداع، وكان تزويجه بها في المحرم سنة ست.
وأخبرني عبد الله بن جعفر، عن ابن الهاد، عن ثعلبة بن
أبي مالك، قال: كانت ريحانة من بني النضير، فسباها
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقها وتزوجها وماتت
عنده.
وقال ابن وهب: أخبرنا يونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
استسر ريحانة، ثم أعتقها فلحقت بأهلها قلت: هذا أشبه
وأصح.
قال أبو عبيدة: كان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع
ولائد: مارية، وريحانة من بني قريظة، وجميلة فكادها
نساؤه، وكانت له جارية نفيسة وهبتها له زينب بنت جحش.
وقال زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي {تُرْجِي مَنْ
تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 51] ، قال: كان نساء
وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم، فدخل ببعضهن
وأرجى بعضهن، فلم يُنْكَحْنَ بعده، منهن أم شريك، يعني
الدوسية.
وقال هشام بن عروة عن أبيه قال: كنا نتحدث أن أمر شريك
كانت وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت امرأة صالحة.
وقال هشام بن الكلبي، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن
عباس: أقبلت ليلى بنت الخطيم إلى النبي صلى الله عليه
وسلم تعرض نفسها عليه، قال: قد فعلت فرجعت إلى قومها،
فقالت: قد تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالوا: أنت امرأة غيري تغارين من نسائه فيدعو عليك.
فرجعت، فقالت: أقلني. قال: "قد أقلتك" 2.
وقد خطب صلى الله عليه وسلم أم هانئ بنت أبي طالب،
وضباعة بنت عامر، وصفية بنت بشامة ولم يقض له أن يتزوج
بهن.
آخر الترجمة النبوية.
__________
1 النش: نصف الأوقية، وهو عشرون درهما والأوقية:
أربعون، فيكون الجميع خمسمائة درهم.
2 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 150"، وفيه هشام بن
محمد بن السائب، وأبوه وهما متروكان.
(2/352)
|