سير أعلام النبلاء، ط الحديث

5- سيرة أبي الحسنين علي رضي الله عنه:
عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، أمير المؤمنين، أبو الحسن القرشي الهاشمي.
وأمه فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مناف الهاشمية، وهي بنت عم أبي طالب. كانت من المهاجرات، توفيت فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة.
قال عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، عَنْ علي: قلت لأمي اكفي فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سقاية الماء والذهاب في الحاجة، وتكفيك هي الطحن والعجن. وهذا يدل على أنها توفيت بالمدينة.
روى الكثير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه القرآن وأقرأه.
عرض عليه أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو الأسود الدؤلي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
وروى عن علي: أبو بكر، وعمر، وبنوه: الحسن، والحسين، ومحمد، وعمر، وابن عمه ابن عباس، وابن الزبير، وطائفة من الصحابة، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَعَلْقَمَةُ بنُ قَيْسٍ، وعبيدة السلماني، ومسروق، وأبو رجاء العطاردي، وخلق كثير.
وكان من السابقين الأولين، شهد بدرا وما بعدها، وكان يكنى أبا تراب أيضا.
قال عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عن سهل، أن رجلا من آل مروان استعمل على المدينة، فدعاني وأمرني أن أشتم عليا فأبيت، فقال: أما إذا أبيت فالعن أبا تراب، فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه منه، إن كان ليفرح إذا دعي به، فقال له: أخبرنا عن قصته لم سمي أبا تراب؟ فقال: جَاءَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتٌ فاطمة، فلم يجد عليا في البيت، فقال: "أين ابن عمك"؟ قالت: قد كان بيني وبينه شيء فغاظني، فخرج ولم يقل عندي، فقال لإنسان: "اذهب انظر أين هو". فجاء فقال: يا رسول الله هو راقد في المسجد، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه، فأصابه تراب، فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عنه التراب ويقول: "قم أبا تراب قم أبا تراب". أخرجه مسلم1.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "441"، ومسلم "2409" حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أبي حازم، عن سهل بن سعد، به.

(2/495)


قال أبو رجاء العطاردي: رأيت عليا شيخا أصلع كثير الشعر، كأنما اجتاب1 إهاب شاة، ربعة عظيم البطن، عظيم اللحية.
وقال سوادة بن حنظلة: رأيت عليا أصفر اللحية.
وعن محمد ابن الحنفية، قال: اختضب علي بالحناء مرة ثم تركه.
وعن الشعبي قال: رأيت عليا ورأسه ولحيته بيضاء، كأنهما قطن.
وقال الشعبي: رأيت عليا أبيض اللحية، ما رأيت أعظم لحية منه، وفي رأسه زغيبات2.
وقال أبو إسحاق: رأيته يخطب، وعليه إزار ورداء، أنزع، ضخم البطن، أبيض الرأس واللحية.
وعن أبي جعفر الباقر قال: كان علي آدم شديد الأدمة ثقيل العينين، عظيمهما، وهو إلى القصر أقرب.
قال عروة: أسلم علي وهو ابن ثمان.
وقال الحسن بن زيد بن الحسن: أسلم وهو ابن تسع.
وقال المغيرة: أسلم وله أربع عشرة سنة رواه جرير عنه.
وثبت عن ابن عباس، قال: أول من أسلم علي.
وعن محمد القرظي، قال: أول من أسلم خديجة، وأول رجلين أسلما أبو بكر وعلي، وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام، وكان علي يكتم الإسلام فرقا من أبيه، حتى لقيه أبو طالب، فقال: أسلمت؟ قال: نعم، قال: وازر ابن عمك وانصره وأسلم علي قبل أبي بكر.
وقال قتادة: إن عليا كان صاحب لواء رسول الله صلى الله يوم بدر، وفي كل مشهد.
وقال أبو هريرة وغيره: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم خيبر: "لأعطين الراية رجلا يحب
__________
1 اجتاب: أي لبس. يقال: اجتبت القميص: إذا لبسته.
2 زغيبات: شعيرات قليلة.

(2/496)


الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ويفتح الله على يديه". قال عمر: فما أحببت الإمارة قبل يومئذ قال: فدعا عليا فدفعها إليه، وذكر الحديث1، كما تقدم في غزوة خيبر بطرقه.
وقال محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المنهال، عن عبد الله بن أبي ليلى، قال: كان أبي يسمر مع علي، وكان علي يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف، فقلت لأبي: لو سألته فسأله فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث إلي وأنا أرمد العين يوم خيبر، فقلت: يا رسول الله إني أرمد، فتفل في عيني، وقال: "اللهم أذهب عنه الحر والبرد". فما وجدت حرا ولا بردا منذ يومئذ2.
وقال جرير، عن مغيرة عن أم موسى: سمعت عليا يقول: ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهي وتفل في عيني3.
وقال المطلب بن زياد، عن ليث، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله، أن عليا حمل
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 384-385"، وفي "فضائل الصحابة" "1030"، "1031" والطيالسي "2441"، ومسلم "2405"، وسعيد بن منصور في "سننه" "2474"، والنسائي في "الخصائص" "19"، "20"، "21"، وابن أبي عاصم في "السنة" "1377"، و"1378" من طرق عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عن أبي هريرة، به.
2 ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 99، 133" من طريق ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، به.
قلت: إسناده ضعيف، ابن أبي ليلى، هو محمد بن عبد الرحمن سيئ الحفظ.
وأخرجه ابن ماجه "117" من طريق وكيع، حدثنا ابن أبي ليلى، حدثنا الحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، به.
قلت: إسناده ضيعف فيه ابن أبي ليلى، وهو ضعيف لسوء حفظه كما ذكرنا.
3 ضعيف: أخرجه الطيالسي "189"، وأحمد "1/ 78"، وأبو يعلى "593" من طريق المغيرة، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته أم موسى، سرية علي، قيل: اسمها فاختة، وقيل: حبيبة مجهولة لذا قال الحافظ في "التقريب" مقبولة -أي عند المتابعة-.
لكن يغني عنه ما ورد عند البخاري "2942"، "3009"، "3701"، "4210"، ومسلم "2406" من حديث سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم: أيهم يعطاها؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها. فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: فأرسلوا إليه فأتى به فبصق رسول الله في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية ... " الحديث.

(2/497)


الباب على ظهره يوم خيبر، حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها يعني خيبر، وأنهم جروه بعد ذلك، فلم يحمله أربعون رجلا1. تفرد به إسماعيل ابن بنت السدي، عن المطلب.
وقال ابن إسحاق في "المغازي": حدثني عبد الله بن الحسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: خرجنا مع علي حين بَعَثَهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برايته، فلما دنا من الحصن، خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده، فتناول علي بابا عند الحصن، فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده، وهو يقاتل، حتى فتح الله علينا، ثم ألقاه، فلقد رأيتنا ثمانية نفر، نجهد أن نقلب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلبه.
وقال غندر: حدثنا عوف، عن ميمون أبي عبد الله، عن البراء، وزيد بنِ أَرْقَمَ، أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعلي: "انت مني كهارون من موسى غير أنك لست بنبي" 2.
ميمون صدوق.
وقال بكير بن مسمار، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: أمر معاوية سعدا فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ قال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن لَهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلن أسبه؛ لأن تكون لي واحدا منهن أحب إلي من حمر النعم، سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول، وخلف عليا في بعض مغازيه، فقال: يا رسول الله أتخلفني مع النساء والصبيان!؟ قال: "أما ترضى أَنْ تَكُوْنَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُوْنَ مِنْ مُوْسَى إِلاَّ أَنَّهُ لا نبي بعدي" 3. أخرجه الترمذي وقال: صحيح غريب.
وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فدفعها إليه ففتح الله عليه4.
ولما نزلت هذه الآية: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُم} [آل عمران: 61] ، دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفاطمة، وحسنا وحسينا، فقال: "اللهم هؤلاء أهلي". بكير احتج به مسلم5.
__________
1 ضعيف: آفته ليث، وهو ابن أبي سليم، فإنه ضعيف لسوء حفظه.
2 صحيح: انظر تعليقنا الآتي.
3 صحيح: أخرجه من طرق عن سعد بن أبي وقاص: أحمد "1/ 173، 175، 184، 185"، والبخاري "3706"، ومسلم "2404"، والترمذي "3724"، وابن ماجه "115"، "121"، وابن أبي عاصم "1335"، "1336"، "1338"، "1342"، "1343"، والحاكم "3/ 108-109".
4 صحيح: تقدم تخريجه مرات عدة.
5 صحيح: أخرجه مسلم "2404" "32".

(2/498)


وقال إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مهاجر بن مسمار، عن أبيه، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أما والله أشهد لقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي يوم غدير خم، وأخذ بضبعيه: "أيها الناس من مولاكم"؟ قالوا: الله ورسوله. قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" ... الحديث إبراهيم هذا قال النسائي: ضعيف.
ويروى عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال لابنته فاطمة: "قد زوجتك أعظمهم حلما، وأقدمهم سلما وأكثرهم علما". وروى نحوه جابر الجعفي -وهو متروك- عن ابن بريدة عن أبيه.
وقال الأجلح الكندي، عن عبد الله بن بريدة عَنْ أَبِيْهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَا بريدة لا تقعن في علي فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي".
وقال الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن عبد الله بنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "من كنت وليه فعلي وليه" 1.
وقال غندر: حدثنا شعبة عن ميمون أبي عبد الله، عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ". هَذَا حَدِيْثٌ صحيح2.
وقال أبو الجواب: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن البراء، قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجنبتين على إحداهما علي، وعلى الآخرة خالد بن الوليد، وقال: "إذا كان قتال فعلي على الناس". فافتتح علي حصنا، فأخذ جارية لنفسه، فكتب خالد في ذلك، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب، قال: "ما تقول في رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله"؟.
قلت: أعوذ بالله من غضب الله.
أبو الجواب ثقة، أخرجه الترمذي3 وقال: حديث حسن.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "5/ 350، 358، 361"، وفي "فضائل الصحابة" "947"، "1177"، وابن أبي شيبة "12/ 57"، والنسائي في "فضائل الصحابة" "41"، وفي "الخصائص" "80"، والبزار "2535" والحاكم "2/ 129-130، 130" وابن أبي عاصم في "السنة" "1354" من طريق الأعمش، به.
2 صحيح: أخرجه النسائي في "الخصائص" "79"، والبزار "2538"، والحاكم "3/ 109"، والطبراني "4969" من طريق حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، به.
وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
3 ضعيف: أخرجه الترمذي "1704"، "3725" حدثنا عبد الله بن أبي زياد، حدثنا الأحوص بن جواب ابو الجواب، به. وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
قلت: إسناده ضعيف، فيه أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، عَمْرُو بنُ عَبْدِ اللهِ مدلس، مشهور بالتدليس وقد عنعنه.

(2/499)


قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ: أَخْبَرَكُمُ الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ.
"ح" وأخبرنا يحيى بن أبي منصور، وجماعة إجازة، قالوا: أخبرنا أبو الفتوح محمد بن علي بن الجلاجلي؛ قالا: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحسين الحاسب، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النقور، قال: حدثنا عيسى بن علي بن الجراح إملاء سنة تسع وثمانين وثلاث مائة، قال: حدثنا أبوالقاسم عبد الله بن محمد، قال: حدثنا سويد بن سعيد، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ حُبْشِيِّ بنِ جُنَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: "عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ عَلِيٍّ، لاَ يُؤَدِّي عَنِّي إِلاَّ أنا أو هو"1. رواه ابن ماجه عن سويد ورواه الترمذي، عن إسماعيل بن موسى عن شريك وقال: صحيح غريب.
ورواه يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن جده، أخرجه النسائي في الخصائص.
وقال جعفر بن سليمان الضبعي: حدثنا يزيد الرشك، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَ عليهم عليا، وكان المسلمون إذ قدموا من سفر أو غزو أتوا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أن يأتو رحالهم، فأخبروه بمسيرهم، فأصاب علي جارية، فتعاقد أربعة مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لنخبرنه، قال: فقدمت السرية فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بمسيرهم، فقام إليه أحد الأربعة، فقال: يا رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أصاب علي جارية، فأعرض عنه، ثم قام الثاني، فقال: صنع كذا وكذا، فأعرض عنه، ثم الثالث كذلك، ثم الرابع، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم مغضبا، فقال: "ما تريدون من علي، علي مني وأنامنه، هو ولي كل مؤمن بعدي" 2. أخرجه أحمد في "المسند" والترمذي وحسنه والنسائي.
وقالت زينب بنت كعب بن عجرة، عن أبي سعيد قال: اشتكى الناس عليا، فَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فينا خطيبا فقال: "لا تشكوا عليا فوالله إنه لأخشن في ذات الله -أو في
__________
1 ضعيف: أخرجه الترمذي "3719"، وابن ماجه "119" من طرق عن شريك، عن أبي إسحاق، به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث شريك.
قلت: إسناده ضعيف فيه شريك وهو ابن عبد الله النخعي، ضعيف لسوء حفظه.
2 حسن: أخرجه الطيالسي "829"، وأحمد "4/ 437-438"، وفي "فضائل الصحابة" "1035"، وأبو بكر القطيعي في زياداته على فضائل الصحابة "1060"، والترمذي "3712"، والنسائي في "فضائل الصحابة" "43"، وفي "خصائص علي" "89"، وابن عدي في "الكامل" "2/ 145-146"، والحاكم "3/ 110-111" من طرق عن جعفر بن سليمان الضبعي، به.
قلت: إسناده حسن، جعفر بن سليمان، صدوق كما قال الحافظ في"التقريب".

(2/500)


سبيل الله" 1. رواه سعد بن إسحاق، وابن عمه سليمان بن محمد بنا كعب، عن عمتهما.
ويروى عن عمرو بن شاس الأسلمي: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من آذى عليا فقد آذاني"2.
وقال فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل قال: جمع علي -رضي الله عنه- الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام. فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذه بيده رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ للناس: "أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم"؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: "من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه"، ثم قال لي زيد بن أرقم: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ذلك له3.
__________
1 حسن: أخرجه أحمد "3/ 86" والحاكم "1/ 68" حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال:
فحدثني عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَعْمَرِ بن حزم، عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زنب بنت كعب، به.
قلت: إسناده حسن، محمد إسحاق بن يسار، صدوق، وقد صرح بالتحديث فأمنا شر تدليسه وبقية رجاله ثقات. قوله: "اشتكى عليا الناس": أي اشتكوا شدته في المعاملة.
وقوله: "لأخيشن" تصغير الخشن، أي أن فيه خشونة في الله، لا يراعي فيه أحدا، وهذا لا يوجب الشكاية منه.
2 ضعيف: أخرجه أحمد "3/ 483"، والحاكم "3/ 122" من طريق يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن الفضل بن معقل بن سنان، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نِيَارٍ الأَسْلَمِيِّ، عَنْ عمرو بن شاس الأسلمي، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: محمد بن إسحاق مدلس، وقد عنعنه.
والعلة الثانية: الفضل بن معقل بن سنان مجهول ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" "4/ 1/ 114"، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" "3/ ق2/ 67" ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا.
وأخرجه البخاري في "التاريخ" "3/ 2/ 306-307"، والبيهقي في "الدلائل" "5/ 395" من طريق محمد بن إسحاق، به.
3 حسن: أخرجه أحمد "4/ 370"، وفي "فضائل الصحابة" "1167"، والنسائي في "خصائص علي" "93"، وابن أبي عاصم في "السنة" "1367"، من طرق عن فطر بن خليفة، به.
قلت: إسناده حسن، فطر بن خليفة المخزومي، صدوق كما قال الحافظ في "التقريب". وأبو الطفيل هو عامر بن واثلة، صحابي صغير لد عام أحد، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم وعمر إلى أن مات سنة عشر ومائة على الصحيح، وهو آخر من مات من الصحابة، قاله مسلم وغيره وروى له الجماعة.

(2/501)


قال شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة -أو زيد بن أرقم، شك شعبة- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "من كنت مولاه فعلي مولاه". حسنه الترمذي1، ولم يصححه؛ لأن شعبة رواه عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم نحوه، والظاهر أنه عند شعبة من طريقين، والأول رواه بندار، عن غندر، عنه2.
وقال كامل أبو العلاء، عن حبيب بن أبي ثابت، عن يحيى بن جعدة، عن زيد بنِ أَرْقَمَ، أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعلي يوم غدير خم: "من كنت مولاه فعلي مولاه" 3.
وروى نحوه يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي ليلى، أنه سمع عليا ينشد الناس في الرحبة4. وروى نحوه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه، من حديث سماك بن عبيد، عن ابن أبي ليلى. وله طرق أخرى ساقها الحافظ ابن عساكر في ترجمة علي يصدق بعضها بعضا.
وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد وأبي هارون، عن عدي بن ثابت، عن البراء، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم في حجة الوداع فلما أتينا على غدير خم كسح لِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شجرتين، ونودي في الناس: "الصلاة جامعة"، ودعا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيّاً فأخذ بيده، وأقامه عن يمينه، فقال: "ألست أولى بكل مؤمن من نفسه"؟. قالوا: بلى فقال: "فإن هذا
__________
1 صحيح: أخرجه الترمذي "3713" من طريق شعبة به. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
2 بندار، هو محمد بن بشار بن عثمان العبدي، البصري، أبو بكر ثقة، مات سنة اثنتين وخمسين وله بضع وثمانون سنة روى له الجماعة.
وغندر، هو محمد بن جعفر المدني، البصري المعروف بغندر، ثقة صحيح الكتاب، إلا أن فيه غفلة، مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين، روى له الجماعة. وراجع تخريجنا له بتعليقنا السابق رقم "136" في هذا الجزء.
3 صحيح: راجع تخريجنا السابق في هذا الجزء بتعليقنا رقم "136"، وهو عند النسائي في "خصائص علي" "79"، والبزار "2538"، والحاكم "3/ 109" وغيرهم فراجعه ثمت.
4 حسن لغيره: أخرجه أحمد "3/ 119"، وأبو يعلى "567"، والبزار "632" من طريق يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي ليلى، به.
وقرن البزار بيزيد مسلم بن سالم. وأخرجه أحمد "3/ 119" من طريق زيد بن الحباب، حدثنا الوليد بن عقبة بن نزار القيس، حدثنا سماك بن عبيد بن الوليد العبسي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، به.
قلت: إسناده ضعيف لجهالة الوليد بن عقبة، وسماك بن عبيد.

(2/502)


مولى من أنا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه". فلقيه عمر بن الخطاب، فقال: هنيئا لك يا علي، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة1.
ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن علي بن زيد.
وقال عبيد الله بن موسى، وغيره، عن عيسى بن عمر القارئ عن السدي قال: حدثنا أنس بن مالك قال: أهدي إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أطيار، فقسمها، وترك طيرا فقال: "اللهم ائتني بأحب خلقك إليك"، فجاء علي، وذكر حديث الطير2. وله طرق كثيرة عن أنس
__________
1 حسن: رواه أحمد "4/ 281"، وفي "فضائل الصحابة" "1042" وابن ماجه "116"، وابن أبي عاصم في "السنة" "1363" من طريق حماد بن سلمة، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه علي بن زيد بن جدعان، وهو إن كان ضعيفا، فقد تابعه أبو هارون العبدي، وهو ضعيف ضعفه جمع من العلماء، فالحديث حسن بمتابعته.
2 موضوع: أخرجه الترمذي "3721" حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن عيسى بن عمر به.
وأشار الترمذي إلى ضعفه بقوله: "حديث غريب لا نعرفه من حديث السدي إلا من هذا الوجه".
وقال ابن الجوزي: موضوع وأخرجه الحاكم "3/ 130-131" من طريق محمد بن أحمد بن عياض بن أبي طيبة، حدثنا أبي حدثنا يحيى بن حسان، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قالت: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرخ مشوي، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير. قال: فقلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار، فجاء علي -رضي الله عنه- فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة ثم جاء فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة، ثم جاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افتح فدخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حبسك علي؟ فقال: إن هذه آخر ثلاث كرات يردني أنس يزعم أنك على حاجة فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقلت: يا رسول الله سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلا من قومي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل قد يحب قومه". وصححه الحاكم. وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: ابن عياض لا أعرفه ولقد كنت أظن زمانا طويلا أن حديث الطير لم يجسر الحاكم أن يودعه في مستدركه فلما علقت هذا الكتاب رأيت الهول من الموضوعات التي فيه فإذا حديث الطير لم يجسر الحاكم أن يودعه في مستدركه فلما علقت هذا الكتاب رأيت الهول من الموضوعات التي فيه، فإذا حديث الطير بالنسبة إليه سماء قال: وقد رواه عن أنس جماعة أكثر من ثلاثين نفسا، ثم صحت الرواية عن علي وأبي سعيد وسفينة". ا. هـ.
قلت: ما أعظم تساهل الحافظ الذهبي في موافقة الحاكم أبي عبد الله، وقد ضربنا أمثلة على تساهلهما في كتابنا "الأرائك المصنوعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة" ط. مكتبة الدعوة بالأزهر -والحاكم إنما صحح هذا الحديث لتشيعه، فقد كان يميل إلى التشيع كما قال الذهبي نفسه في كتابه هذا "سير أعلام النبلاء" في ترجمة الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد أبو عبد الله بن البيع رقم ترجمة عام "3725" وقد ذك الذهبي هذا الحديث في ترجمته وحديث: "من كنت مولاه فعلي مولاه" دليلا على تشيعه. =

(2/503)


متكلم فيها، وبعضها على شرط السنن، من أجودها حديث قطن بن نسير شيخ مسلم، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، قال: حدثنا عبد الله بن المثنى، عن عبد الله بن أنس بن مالك، عن أنس، قال: أهدى إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجل مشوي، فقال: "اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي". وذكر الحديث1.
وقال جَعْفَرٌ الأَحْمَرُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ أَحَبَّ النِّسَاءِ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاطمة، ومن الرجال علي، أخرجه الترمذي2 وقال: حسن غريب.
__________
= وقال الذهبي في "السير" معقبا عليهما: فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَلْتَفتُوا إلى قوله" يقول محمد أيمن الشبراوي: الحديث موضوع وكذب كما ذكر ابن الجوزي. وقال الذهبي في ترجمته في "السير": قال أَبو نُعَيم الحَدَّاد: سَمِعْتُ الحَسَنَ بن أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيَّ الحَافِظَ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّاذْيَاخِي الحَاكِم يَقُوْلُ: كُنَّا فِي مَجْلِس السَّيِّد أَبِي الحَسَنِ، فسُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ عَنْ حَدِيْثِ الطَّير فَقَالَ: لاَ يصحُّ، وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ أَحدٌ أَفضَلَ مِنْ عَلِيٍّ بَعْدَ النبي صلى الله عليه وسلم، فَهَذِهِ حِكَايَةٌ قويَةٌ، فَمَا بَالُه أَخرجَ حَدِيْث الطَّير فِي "الْمُسْتَدْرك" فَكَأَنَّهُ اخْتلف اجْتِهَادُه، وَقَدْ جمعت طرق حديث الطير في جزء، وطريق حديث: "من كنت مولاه". وهو أصح. ا. هـ. من سير أعلام النبلاء في ترجمة أبي عبد الله الحاكم.
يقول محمد أيمن الشبراوي عفا الله عنه: هذا نص كلام الذهبي نقلا عن الحاكم في "سير أعلام النبلاء" وقد ذهل في "التلخيص" فوافق الحاكم على تصحيحه!! وكثيرا ما يذهل الذهبي ويصحح أحاديث فيا مجروحين، نقل هو تجريح الأئمة لهم في كتابه "ميزان الاعتدال". وجملة القول: فإن الحديث موضوع وكذب لا يصح كما اعترف الحاكم بنفسه ونقله الذهبي عنه في ترجمة الحاكم في "السير" والله تعالى أعلى وأعلم، وبه الهداية ومنه التوفيق، وله الحمد سبحانه على ما أعطاني من علم فهذا التحقيق لن تجده مجموعا في كتاب مطبوع متداول بين الناس، ولم أره في مخطوط فلله الحمد والمنة على توفيقه.
1 موضوع: راجع تعليقنا السابق.
2 منكر: أخرجه الترمذي "3868" من طريق الأسود بن عامر، عن جعفر الأحمر، به.
وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب.
قلت: متنه منكر، ويخالف ما رواه البخاري "3668"، والترمذي "3656" عن عائشة في حديث طويل "أنت سيدنا وخيرنا, وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم". قالها عمر في سقيفة بني ساعدة لأبي بكر أمام جموع من الصحابة وأقروه ووافقوه ثم ماذا؟ "فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس".
وورد عند البخاري "3662"، "4358"، ومسلم "2384" من حديث عمرو بن العاص أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة". فقلت: من الرجال قال: "أبوها". قلت: ثم من: قال: "ثم عمر بن الخطاب". فعد رجالا فالأحاديث في فضائل أبي بكر وعمر تتضافر على أنهما أحب الصحابة، وأقربهم إلى قلبه صلى الله عليه وسلم.

(2/504)


وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت على أم سلمة، فقالت لي: أيسب فِيْكُمْ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قُلْتُ: معاذ الله قالت: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من سب عليا فقد سبني". رواه أحمد في "مسنده"1.
وقال الأَعْمَشُ، عَنْ عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ علي، قال: إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ إِنَّهُ: "لاَ يُحِبَّكَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ وَلاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ مُنَافِقٌ". أخرجه مسلم، والترمذي2 وصححه.
وقال أبو صالح السمان، وغيره، عن أبي سعيد، قال: إن كنا لنعرف المنافقين ببغضهم عليا3.
وقال أبو الزبير، عن جابر، قال: ما كنا نعرف منافقي هذه الأمة إلا ببغضهم عليا4.
قال المختار بن نافع -أحد الضعفاء-: حدثنا أَبُو حَيَّان التَّيْمِيّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَلِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَحِمَ اللهُ أَبَا بكر، زوجني ابنته، وحملني إِلَى دَار الهِجْرَةِ، وَأَعْتَقَ بِلالاً. رَحِمَ اللهُ عُمَرَ، يَقُوْلُ الحَقَّ، وَإِنْ كَانَ مرّاً، تركَه الحق وماله مِنْ صَدِيْقٍ. رَحِمَ اللهُ عُثْمَانَ تَسْتحييه المَلاَئِكَةُ، رَحِمَ اللهُ عَلِيّاً اللَّهُمَّ أَدِر الحَقَّ مَعَهُ حيث دار". أخرجه الترمذي5، وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "6/ 323" من طريق يحيى بن أبي بكير، قال: حدثنا إسرئيل، عن أبي إسحاق، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، مدلس، وقد عنعنه.
2 صحيح: أخرجه الحميدي "58"، وابن أبي شيبة "12/ 56"، وأحمد "1/ 84، 95، 128"، ومسلم "78"، والترمذي "3736"، وابن ماجه "114"، والنسائي "8/ 115-116"، وفي "الكبرى" "8153"، وفي "خصائص علي" "100"، "102"، وابن أبي عاصم "1325"، والبزار "560"، وأبو يعلى "291" وابن حبان "6924"، وابن منده في "الإيمان" "261"، وأبو نعيم في "الحلية" "4/ 185"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "14/ 426"، والبغوي "3909" من طرق عن الأعمش، به.
3 ضعيف: أخرجه الترمذي "3717" من طريق جعفر بن سليمان، عن أبي هارون، عن أبي سعيد الخدري به. وأشار الترمذي إلى ضعف الحديث بقوله: "هذا حديث غريب إنما نعرفه من حديث أبي هارون، وقد تكلم شعبة في أبي هارون".
قلت: إسناده ضعيف، آفته أبو هارون العبدي، واسمه عمارة بن جوين، مجمع على ضعفه.
4 ضعيف: آفته أَبُو الزُّبَيْرِ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ تَدْرُسَ المكي، فإنه مدلس، وقد عنعنه.
5 ضعيف: أخرجه الترمذي "3714" من طريق أبي عتاب سهل بن حماد، حدثنا المختار بن نافع، به وأشار الترمذي إلى ضعفه بقوله: "هذا حديث غريب، لا عرفه إلا من هذا الوجه، والمختار بن نافع شيخ بصري كثير الغرائب، وأبو حيان التيمي اسمه يحيى بن سعيد بن حيان التيمي كوفي، وهو ثقة".
قلت: إسناده ضعيف، مختار بن نافع التميمي، أبو إسحاق التمار الكوفي، ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب".

(2/505)


وقال الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن الحارث، عن علي، قال: يهلك في رجلان، مبغض مفتر، ومحب مطر1.
وقال يحيى الحماني: حدثنا أبو عوانة، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن عائشة، قالت: كنت قاعدة مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أقبل علي فقال: "يا عائشة هذا سيد العرب". قلت: يا رسول الله، ألست سيد العرب؟ قال: "أنا سيد ولد آدم، وهذا سيد العرب"2. وروي من وجهين مثله عن عائشة. وهو غريب.
وقال أبو الجحاف، عن جميع بن عمير التيمي، قال: دخلت مع عمتي على عائشة، فسئلت: أَيُّ النَّاسِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال، فقالت: زَوْجُهَا، وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ صَوَّاماً قَوَّاماً. أخرجه الترمذي3، وقال: حسن غريب.
قلت: جميع كذبه غير واحد.
وقال عَبْدُ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلى نخيل
__________
1 ضعيف: في إسناده الحارث، وهو ابن عبد الله الاعور الهمداني، وهو ضعيف.
2 باطل: أخرجه الحاكم "3/ 124" من طريق أبي حفص عمر بن الحسن الراسبي، حدثنا أبو عوانة، به.
وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وفي إسناده عمر بن الحسن وأرجو أنه صدوق ولولا ذلك لحكمت بصحته على شرط الشيخين!.
وتعقبه الذهبي في "التلخيص" بقوله: "قلت: أظن أنه هو الذي وضع هذا".
قلت: بل إسناده موضوع، آفته عمر بن الحسن الراسبي، ذكره الذهبي في "الميزان" وقال: "لا يكاد يعرف وأتى بخبر باطل؛ متنه: علي سيد العرب". هكذا حكم الذهبي عليه بالبطلان في "الميزان" وحكم عليه بالوضع في "التلخيص" وذهل عنه هنا في "السير" وأخرجه الحاكم "3/ 124" من طريق الحسين بن علوان، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، به.
وسكت الحاكم عليه، وتعقبه الذهبي في "التلخيص" بقوله "قلت: وضعه ابن علوان ورواه عمر بن موسى الوجيهي، عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا. قلت: عمر وضاع.
قلت: وقوله: "أنا سيد ولد آدم" ثابت صحيح.
3 منكر: أخرجه الترمذي "3874". وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
قلت: بل إسناده تالف آفته جميع بن عمير، قال ابن حبان: رافضي يضع الحديث.
وقال ابن نمير: كان من أكذب الناس، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه.

(2/506)


امرأة من الأنصار، فقال: "يطلع عليكم رجل من أهل الجنة". فطلع أبو بكر، فبشرناه، ثم قال: "يطلع عليكم رجل من أهل الجنة". فطلع عمر فبشرناه، ثم قال: "يطلع عليكم رجل من أهل الجنة"، وجعل ينظر من النخل ويقول: "اللهم إن شئت جعلته عليا". فطلع علي رضي الله عنه. حديث حسن1.
وعن سعيد بنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "اثبت حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد"، وعليه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. وذكر بقية العشرة2.
وقال محمد بن كعب القرظي: قال علي: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقة مالي لتبلغ اليوم أربعين ألفا رواه شريك، عن عاصم بن كليب، عنه. أخرجه أحمد في "مسنده"3.
وعن الشعبي: قال: قال علي: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحية، وتعجن فاطمة على ناحية. يعني: ننام على وجه، وتعجن على وجه.
وقال عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، عَنْ علي، قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى اليَمَنِ، وأنا حديث السن، ليس لي علم بالقضاء، فضرب صدري، وقال: "اذهب فإن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك". قال: فما شككت في قضاء بين اثنين بعد4.
__________
1 حسن: أخرجه أحمد "3/ 331، 356، 380، 387" وفي "فضائل الصحابة" "233"، "1038" من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل، به.
قلت: إسناده حسن، عبد الله بن محمد بن عقيل صدوق في حديثه لين.
2 صحيح: أخرجه الطيالسي "235"، والحميدي "84"، وأحمد "1/ 188، 189"، وأبو داود "4648"، والترمذي "3757"، والنسائي في "فضائل الصحابة" "87"، "101"، وابن ماجه "134"، والحاكم "3/ 450-451" والبغوي "3927" من طريق حصين بن عبد الرحمن، عَنْ هِلاَلِ بنِ يِسَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ ظَالِمٍ المَازِنِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ بن عمرو بن نفيل، به.
3 ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 59" من طريق شريك عن عاصم بن كليب، عن محمد بن كعب القرظي، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: شريك، وهو ابن عبد الله النخعي سيئ الحفظ، الثانية: الانقطاع؛ محمد بن كعب القرظي لم يدرك عليا.
4 صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "10/ 176"، "12/ 58"، وعبد بن حميد "94"، وأحمد "1/ 136".
والنسائي في "خصائص علي" "32"، "33"، وابن ماجه "2310"، والبزار "912"، وأبو يعلى "401"، والحاكم "3/ 135"، من طرق عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، به.

(2/507)


وقال الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبي، قال: خطبنا علي، فقال: من زعم أن عندنا شيئا نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة، وفيها أسنان الإبل وشيء من الجراحات، فقد كذب.
وعن سليمان الأحمسي، عن أبيه، قال: قال علي: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت، وعلى من نزلت، وإن ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا ناطقا.
وقال محمد بن سيرين: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبطأ علي عن بيعة أبي بكر، فلقيه أبو بكر، فقال: أكهت إمارتي؟! فقال: لا، ولكن آليت لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة، حتى أجمع القرآن، فزعموا أنه كتبه على تنزيله. قال محمد: لو أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم.
وقال سعيد بن المسيب: لم يكن أحد من الصحابة يقول: "سلوني" إلا علي.
وقال ابن عباس: قال عمر: علي أقضانا، وأبى أقرؤنا.
وقال ابن مسعود: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي.
وقال ابن المسيب، عن عمر، قال: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن.
وقال ابن عباس: إذا حدثنا ثقة بفتيا عن علي لم نتجاوزها.
وقال سفيان، عن كليب، عن جسرة، قالت: ذكر عند عائشة صوم عاشوراء، فقالت: من يأمركم بصومه؟ قالوا: علي قالت: أما إنه أعلم من بقي بالسنة.
وقال مسروق: انتهى علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر، وعلي، وعبد الله.
وقال محمد بن منصور الطوسي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما ورد لأحد مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من الفضائل ما ورد لعلي رضي الله عنه.
وقال أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، قَالَ: شهدت عمر يوم طعن، فذكر قصة الشورى، فلما خرجوا من عنده قال عمر: إن يولوها الأجيلح يسلك بهم الطريق المستقيم.
فقال له ابنه عبد الله: فما يمنعك؟! -يعني أن توليه- قال: أكره أن أتحملها حيا وميتا.
وقال سفيان الثوري، عن الأسود بن قيس، عن سعيد بن عمرو، قال: خطبنا علي فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعهد إلينا في الإمارة شيئا، ولكن رأي رأيناه، فاستخلف أبو بكر، فقام واستقام، ثم استخلف عمر، فقام واستقام، ثم ضرب الدين بجرانه، وإن أقواما طلبوا الدنيا، فمن شاء الله أن يعذب منهم عذب، ومن شاء أن يرحم رحم.

(2/508)


وقال علي بن زيد بن جدعان، عن الحسن، عن قيس بن عباد، قال: سمعت عليا يقول: والله ما عهد إلي رسول الله عهدا إلا شيئا عهده إلى الناس، ولكن الناس وقعوا في عثمان فقتلوه، فكان غيري فيه أسوأ حالا وفعلا مني، ثم إني رأيت أني أحقهم بهذا الأمر، فوثبت عليه، فالله أعلم أصبنا أم أخطأنا1.
قرأ على أبي الفهم بن أحمد السلمي: أَخْبَرَكُم أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سَنَةَ سَبْعَ عشرة وست مائة، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، قال: أخبرنا مالك بن أحمد سنة أربع وثمانين وأربع مائة، قال: حدثنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل إملاء سنة ست وأربع مائة، قال: حدثنا أبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة، قال: حدثنا عبد الله بن روح قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن الحسن، قال: لما قدم علي رضي الله عنه- البصرة قام إليه ابن الكواء، وقيس بن عباد، فقالا له: ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه، تتولى على الأمة، تضرب بعضهم ببعض، أعهد من رسول الله عهده إليك، فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت. فقال: أما أن يكون عندي عهد من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا، والله إن كنت أول من صدق به، فلا أكون أول من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك، ما تركت أخا بني تيم بن مرة، وعمر بن الخطاب يقومان على منبره، ولقاتلتهما بيدي، ولو لم أجد إلا بردي هذا. وَلَكِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يقتل قتلا، ولم يمت فجاءة، مكث في مرضه أياما وليالي، يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، هو يرى مكاني، ثم يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب، وقال: "أنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر يصلي بالناس" 2.
فلما قبض الله نبيه، نظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله لديننا، وكانت الصلاة أصل الإسلام، وهي عظم الأمر، قوام الدين. فبايعنا أبا بكر، وكان لذلك أهلا، لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزوا إذا
__________
1 ضعيف: فيه علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف.
2 صحيح لغيره: وهذا الإسناد ضعيف جدا، آفته أبو بكر الهذلي، وهو متروك.
وقد ورد من حديث عائشة: أخرجه ابن أبي شيبة "2/ 329"، وأحمد "6/ 210"، والبخاري "664"، "712" ومسلم "418" "95"، "96"، وأبو عوانة "2/ 115، 116"، والبيهقي "3/ 82" من طرق عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، به.

(2/509)


أغزاني، وأضرب بين يديه بسوطي، فلما قبض، ولاها عمر، فأخذ بسنة صاحبه، وما يعرف من أمره، فبايعنا عمر، ولم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة. فأديت إلى عمر حقه، وعرفت طاعته، وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي.
فلا قبض تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي، وأنا أظن أن لا يعدل بي، ولكن خشي أن لا يعمل الخليفة بعده ذنبا إلا لحقه في قبره، فأخرج منها نفسه وولده، ولو كانت محاباة منه لآثر بها ولده فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة، أنا أحدهم.
فلما اجتمع الرهط تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي، وأنا أظن أن لا يعدلوا بي، فأخذ عبد الرحمن مواثيقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا، ثم أخذ بيد ابن عفان فضرب بيده على يده، فنظرت في أمري، فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي، وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري، فبايعنا عثمان فأديت له حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي.
فلما أصيب نظرت في أمري، فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما بالصلاة قد مضيا1، وهذا الذي قد أخذ له الميثاق، قد أصيب، فبايعني أهل الحرمين، وأهل هذين المصرين.
روى إسحاق بن راهويه نحوه، عن عبده سليمان، قال: حدثنا أبو العلاء سالم المرادي2، سمعت الحسن، روى نحوه وزاد في آخره: فوثب فيها من ليس مثلي، ولا قرابته كقرابتي، ولا علمه كعلمي، ولا سابقته كسابقتي، وكنت أحق بها منه.
قالا: فأخبرنا عن قتالك هذين الرجلين -يعنيان: طلحة والزبير- قال: بايعاني بالمدينة، وخلعاني بالبصرة، ولو أن رجلا ممن بايع أبا بكر وعمر خلعه لقاتلناه.
وروى نحوه الجريري، عن أبي نضرة.
وقال أبو عتاب الدلال: حدثنا مختار بن نافع التيمي، قال: حدثنا أَبُو حَيَّان التَّيْمِيّ، عَنْ أَبِيْهِ عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَحِمَ اللهُ أَبَا بكر، زوجني
__________
1 هذا لا يصح، فلقد أَمْرُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ يصلي أبو بكر وحده بالناس ولم يأمر أبا بكر وعمر. وهذا الخبر مداره على أبي بكر الهذلي، وهو متروك.
2 سالم بن عبد الواحد المرادي، ضعيف.

(2/510)


ابنته، وحملني إِلَى دَار الهِجْرَةِ، وَأَعْتَقَ بِلالاً. رَحِمَ اللهُ عُمَرَ، يَقُوْلُ الحَقَّ، وَإِنْ كَانَ مرّاً، تركَه الحق وماله مِنْ صَدِيْقٍ. رَحِمَ اللهُ عُثْمَانَ تَسْتحييه المَلاَئِكَةُ. رَحِمَ اللهُ عَلِيّاً، اللَّهُمَّ أَدِر الحَقَّ مَعَهُ حيث دار"1.
وقال إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد، سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله". فقال أبو بكر: أنا هو؟ قال: "لا". قال عمر: أنا هو؟ قال: "لا، ولكنه خاصف النعل"، وكان أعطى عليا نعله يخصفها2.
قلت: فقاتل الخوارج الذين أولوا القرآن برأيهم وجهلهم.
وقال خارجة بن مصعب، عن سلام بن أبي القاسم، عن عثمان بن أبي عثمان، قال: جاء أناس إلى علي، فقالوا: أنت هو، قال: من أنا! قالوا: أنت هو، قال: ويلكم من أنا؟ قالوا: أنت ربنا، قال: ارجعوا فأبوا، فضرب أعناقهم، ثم خد لهم في الأرض، ثم قال: يا قنبر ائتني بحزم الحطب، فحرقهم بالنار، وقال:
لما رأيت الأمر أمرا منكرا ... أوقدت ناري ودعوت قنبرا
وقال أبو حيان التيمي: حدثني مجمع، أن عليا -رضي الله عنه- كان يكنس بيت المال ثم يصلي فيه، رجاء أن يشهد له أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين.
وقال أبو عمرو بن العلاء، عن أبيه، قال: خطب علي -رضي الله عنه- فقال: أيها الناس، والله الذي لا إله إلا هو، ما رزأت من مالكم قليلا ولا كثيرا، إلا هذه القارورة، وأخرج قارورة فيها طيب، ثم قال: أهداها إلي دهقان.
وقال ابن لهيعة: حدثنا عبد الله بن هبيرة، عن عبد الله بن زرير الغافقي، قال: دخلت على علي يوم الأضحى فقرب إلينا خزيرة، فقلت: لو قربت إلينا من هذا الوز، فإن الله قد أكثر الخير قَالَ: إِنِّيْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا يحل للخيفة من مال الله إلا قصعتان، قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يضعها بين يدي الناس".
__________
1 ضعيف: سبق تخريجنا له قريبا برقم "155"، وهو عند الترمذي "3714".
2 حسن: أخرجه أحمد "3/ 31، 33، 82" من طرق عن فطر بن خليفة، عن إسماعيل بن رجاء، به.
قلت: إسناده حسن، فيه فطر بن خليفة، صدوق كما قال الحافظ في "التقريب"، وكذلك رجاء بن ربيعة الزبيدي، أبو إسماعيل الكوفي، صدوق.

(2/511)


وقال سفيان الثوري: إذا جاءك عن علي شيء فخذ به، ما بنى لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، ولقد كان يجاء بجيوبه في جراب.
وقال عباد بن العوام، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، قال: دخلت على علي بالخورنق، وعليه سمل قطيفة، فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال نصيبا، وأنت تفعل هذا بنفسك! فقال: إني والله ما أرزؤكم شيئا، وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من بيتي.
وعن علي أنه اشترى قميصا بأربعة دراهم فلبسه، وقطع ما فضل عن أصابعه من الكم.
عن جرموز، قال: رأيت عليا وهو يخرج من القصر، وعليه إزار إلى نصف الساق، ورداء مشمر، ومعه درة له يمشي بها في الأسواق، وأمرهم بتقوى الله وحسن البيع، ويقول: أوفوا الكيل والميزان، ولا تنفخوا اللحم.
وقال الحسن بن صالح بن حي: تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فقال: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب.
وعن رجل أنه رأى عليا قد ركب حمارا ودلى جليه إلى موضع واحد، ثم قال: أنا الذي أهنت الدنيا.
وقال هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن عمار الحضرمي، عن أبي عمر زاذان، أن رجلا حدث عليا بحديث، فقال: ما أراك إلا قد كذبتني. قال: لم أفعل. قال: إن كنت كذبت أدعو عليك. قال: ادع. فدعا، فما برح حتى عمي.
وقال عطاء بن السائب، عن أبي البختري، عن علي، قال: وأبردها على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول: الله أعلم.
وقال خيثمة بن عبد الرحمن: قال علي: من أراد أن ينصف الناس من نفسه فليحب لهم ما يحب لنفسه.
وقال عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، قَالَ: جاء رجل إلى علي فأثنى عليه، وكان قد بلغه عنه أمر، فقال: إني لست كما تقول، وأنا فوق ما في نفسك.
وقال محمد بن بشر الأسدي -وهو صدوق-: حدثنا موسى بن مطير -وهو واه- عن

(2/512)


أبيه، عن صعصعة بن صوحان، قال: لا ضرب علي أتيناه، فقلنا: استخلف، قال: إن يرد الله بكم خيرًا استعمل عليكم خيركم، كما أراد بنا خيرا واستعمل علينا أبا بكر.
وروى الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن أبي وائل، قال: قيل لعلي: ألا توصي؟ قال: ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوصي، ولكن إن يرد الله بالناس خيرًا سيجمعهم على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم.
وروي بإسناد آخر، عن الشعبي، عن أبي وائل.
وروى عبد الملك بن سلع الهمداني، عن عبد خير، عن علي، قال: استخلف أبو بكر، فعمل بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته ... الحديث.
وقال الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ عَبْدِ الله بن سبع، سمع عليا يقول: لتخضبن هذه من هذه، فما ينتظرني إلا شقي. قالوا: يا أمير المؤمنين، فأخبرنا عنه لنبيرن عترته، قال: أنشدكم بالله أن يقتل غير قاتلي. قالوا: فاستخلف علينا قال: لا، ولكني أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: فما تقول لربك إذا أتيته؟ قال: أقول: اللهم تركتني فيهم ما بدا لك، ثم قبضتني إليك، وأنت فيهم، إن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم.
وقال الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة بن يزيد الحماني، قال: سمعت عليا يقول: أشهد أنه كان يسر إلي النبي صلى الله عليه وسلم: "لتخضبن هذه من هذه -يعني لحيته من رأسه- فما يحبس أشقاها".
وقال شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، عن زيد بن وهب، قال: قدم على علي قوم من البصرة من الخوارج، فقال منهم الجعد بن بعجة: اتق الله يا علي فإنك ميت، فقال علي: بل مقتول؛ ضربة على هذه تخضب هذه، عهد معهود وقضاء مقضي، وقد خاب من افترى.
قال: وعاتبه في لباسه، فقال: ما لكم ولباسي، هو أبعد من الكثير، وأجدر أن يقتدى بي المسلم.
وقال فطر، عن أبي الطفيل؛ أن عليا -رضي الله عنه- تمثل:
اشدد حيازيمك للموت ... فإن الموت لاقيكا
ولا تجزع من القتل ... إذا حل بواديكا

(2/513)


وقال ابن عيينة، عن عبد الملك بن أعين، عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي، عن أبيه، عن علي، قال: أتاني عبد الله بن سلام، وقد وضعت قدمي في الغرز، فقال لي، لا تقدم العراق فإني أخشى أن يصيبك بها ذباب السيف. قلت: وايم الله لقد أخبرني بِهِ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أبو الأسود: فما رأيت كاليوم قط محاربا يخبر بذا عن نفسه.
قال ابن عيينة: كان عبد الملك رافضيًّا.
وقال يونس بن بكير: حدثني علي بن أبي فاطمة قال: حدثني الأصبغ الحنظلي، قال: لما كانت الليلة التي أصيب فيها علي -رضي الله عنه- أتاه ابن النباح حين طلع الفجر، يؤذنه بالصلاة، فقام يشمي، فلما بلغ الباب الصغير، شد عليه عبد الرحمن بن ملجم، فضربه، فخرجت أم كلثوم فجعلت تقول: ما لي ولصلاة الصبح، قتل زوجي عمر صلاة الغداة، وقتل أبي صلاة الغداة.
وقال أبو جناب الكلبي: حدثني أبو عون الثقفي، عن ليلة قتل علي، قال: قال الحسن بن علي: خرجت البارحة أمير المؤمنين يصلي، فقال لي: يا بني إني بت البارحة أوقظ أهلي؛ لأنها ليلة الجمعة صبيحة بدر، لسبع عشرة من رمضان، فملكتني عيناي، فسنح لِي رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ الله، ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ ! فقال: "ادع عليهم". فقلت: اللهم أبدلني بهم من هو خير منهم، وأبدلهم بي من هو شر مني. فجاء ابن النباح فآذنه بالصلاة، فخرج، وخرجت خلفه، فاعتوره رجلان: أما أحدها فوقعت ضربته في السدة، وأما الآخر فأثبتها في رأسه.
وقال جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليا -رضي الله عنه- كان يخرج إلى الصلاة، وفي يده درة يوقظ الناس بها، فضربه ابن ملجم، فقال علي: أطعموه واسقوه فإن عشت فأنا ولي دمي.
رواه غيره، وزاد: فإن بقيت قتلت أو عفوت، وإن مت فاقتلوه قتلتي، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.
وقال محمد بن سعد: لقي ابن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي، فأعلمه بما عزم عليه من قتل علي، فوافقه، قال: وجلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي. قال الحسن: وأتيته سحرا فجلست إليه، فقال: إني ملكتني عيناي وأنا جالس، فسنح لي النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر المنام المذكور قال: وخرج وأنا خلفه، وابن النباح بن يديه، فلما خرج من الباب نادى: أيها الناس

(2/514)


الصلاة الصلاة، وكذلك كان يصنع في كل يوم، ومعه درته يوقظ الناس، فاعترضه الرجلان، فضربه ابن ملجم على دماغه، وأما سيف شبيب فوقع في الطاق، وسمع الناس عليا يقول: لا يفوتنكم الرجل. فشد الناس عليهما من كل ناحية، فهرب شبيب، وأخذ عبد الرحمن، وكان سم سيفه.
ومكث علي يوم الجمعة والسبت، وتوفي ليلة الأحد، لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان. فلما دفن أحضروا ابن ملجم، فاجتمع الناس، وجاؤوا بالنفط والبواري، فقال محمد ابن الحنفية والحسين وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب: دعونا نشتف منه، فقطع عبد الله يديه ورجليه، فلم يجزع ولم يتكلم، فكحل عينيه، فلم يجزع، وجعل يقول: إنك لتكحل عيني عمك، وجعل يقرأ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق} [العلق: 1] ، حتى ختمها، وإن عينيه لتسيلان، ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطع، فجزع، فقيل له في ذلك.
فقال: ما ذاك بجزع، ولكني أكره أن أبقى في الدنيا فواقا لا أذكر الله، فقطعوا لسانه، ثم أحرقوه في قوصرة. وكان أسمر، حسن الوجه، أفلج، شعره مع شحمة أذنيه، وفي جبهته أثر السجود.
ويروى أن عليا -رضي الله عنه- أمرهم أن يحرقوه بعد القتل.
وقال جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: صلى الحسن على علي، ودفن بالكوفة، عند قصر الإمارة، وعمي قبره.
وعن أبي بكر بن عياش، قال: عموه لئلا تنبشه الخوارج.
وقال شريك، وغيره: نقله الحسن بن علي إلى المدينة.
وذكر المبرد، عن محمد بن حبيب، قال: أول من حول من قبر إلى قبر علي.
وقال صالح بن أحد النحوي: حدثنا صالح بن شعيب، عن الحسن بن شعيب الفروي، أن عليا -رضي الله عنه- صير في صندوق، وكثروا عليه الكافور، وحمل على بعير، يريدون به المدينة، فلما كان ببلاد طيئ، أضلوا البعير ليلا، فأخذته طيئ وهم يظنون أن في الصندوق مالا، فلما رأوه خافوا أن يطلبوا، فدفنوه ونحروا البعير فأكلوه.
وقال مطين: لو علمت الرافضة قبر من هذا الذي يزار بظاهر الكوفة لرجمته، هذا قبر المغيرة بن شعبة.

(2/515)


قال أبو جعفر الباقر: قتل علي -رضي الله عنه- هو ابن ثمان وخمسين.
وعنه رواية أخرى أنه عاش ثلاثا وستين سنة، وكذا روي عن ابن الحنفية، وقاله أبو إسحاق السبيعي، وأبو بكر بن عياش، وينصر ذلك ما رواه ابن جريج، عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، أنه أخبره أن عليا توفي لثلاث أو أربع وستين سنة.
وعن جعفر الصادق، عن أبيه، قال: كان لعلي سبع عشرة سرية.
وقال أبو إسحاق السبيعي، عن هبيرة بن يريم، قال: خطبنا الحسن بن علي، فقال: لقد فارقكم بالأمس رجل ما سبقه إلا الأولون بعلم، ولا يدركه الآخرون، كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيه الراية، فلا ينصرف حتى يفتح له، ما ترك بيضاء ولا صفراء، إلا سبع مائة درهم فضلت من عطائه، كان أرصدها، لا خادم لأهله.
وقال أبو إسحاق، عن عمرو الأصم، قال: قلت للحسن بن علي: إن الشيعة يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة. فقال: كذبوا والله ما هؤلاء بشيعة، لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَبْعُوْثٌ مَا زَوَّجْنَا نِسَاءهُ، ولا قسمنا ميراثه. ورواه شريك عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ ضَمْرَةَ، بدل عمرو.
ولو استوعبنا أخبار أمير المؤمنين -رضي الله عنه- لطال الكتاب.

(2/516)


الحوادث في خلافة علي رضي الله عنه:
سنة ست وثلاثين وقعة الجمل:
لما قتل عثمان صبرا، سقط في أيدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبايعوا عليا، ثم إن طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَالزُّبَيْرُ بنُ العَوَّامِ، وأم المؤمنين عائشة، ومن تبعهم رأوا أنهم لا يخلصهم مما وقعوا فيه من توانيهم في نصرة عثمان، إلا أن يقوموا في الطلب بدمه، والأخذ بثأره من قتلته، فساروا من المدينة بغير مشورة من أمير المؤمنين علي، وطلبوا البصرة.
قال خليفة: قدم طلحة، والزبر، وعائشة البصرة، وبها عثمان بن حنيف الأنصاري واليا لعلي، فخاف وخرج عنها. ثم سار علي من المدينة، بعد أن استعمل عليها سهل بن حنيف أخا عثمان، وبعث ابنه الحسن، وعمار بن ياسر إلى الكوفة بين يديه يستنفران الناس، ثم إنه وصل إلى البصرة.
وكان قد خرج منها قبل قدومه إليها حكيم بن جبلة العبدي في سبع مائة، وهو أحد الرؤوس الذن خرجوا على عثمان كما سلف، فالتقى هو وجيش طلحة والزبير، فقتل الله حكيما في طائفة من قومه، وقتل مقدم جيش الآخرين أيضا مجاشع بن مسعود السلمي.
ثم اصطلحت الفئتان، وكفوا عن القتال، على أن يكون لعثمان بن حنيف دار الإمارة والصلاة، وأن ينزل طلحة والزبير حيث شاءا من البصرة، حتى يقدم علي رضي الله عنه.
وقال عمار لأهل الكوفة: أما والله إني لأعمل أنها -يعني عائشة- زوجة نبيكم فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللهَ ابْتَلاَكُمْ بِهَا لينظر أتتبعونه أو إياها.
قال سعد بن إبراهيم الزهري: حدثني رجل من أسلم، قال: كنا مع علي أربعة آلاف من أهل المدينة.
وقال سعيد بن جبير: كان مع علي يوم وقعة الجمل ثمان مائة من الأنصار، وأربع مائة ممن شهد بيعة الرضوان. رواه جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد.
وقال المطلب بن زياد، عن السدي: شهد مع علي يوم الجمل مائة وثلاثون بدرا وسبع مائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقتل بينهما ثلاثون ألفا، لم تكن مقتلة أعظم منها.
وكان الشعبي يبالغ ويقول: لم يشهدها إلى علي، وعمار، وطلحة، والزبير من الصحابة.

(2/517)


وقال سلمة بن كهيل: فخرج من الكوفة ستة آلاف، فقدموا على علي بذي قار، فسار في نحو عشرة آلاف، حتى أتى البصرة.
وقال أبو عبيدة: كان على خيل علي يوم الجمل عمار، وعلى الرجالة محمد بن أبي بكر الصديق، وعلى الميمنة علباء بن الهيثم السدوسي، ويقال: عبد الله بن جعفر، ويقال: الحسن بن علي، وعلى الميسرة الحسين بن علي، وعلى المقدمة عبد الله بن عباس، ودفع اللواء إلى ابنه محمد ابن الحنفية. وكان لواء طلحة والزبير مع عبد الله بن حكيم بن حزام، وعلى الخيل طلحة، وعلى الرجالة عبد الله بن الزبير، وعلى الميمنة عَبْدَ اللهِ بنَ عَامِرِ بنِ كُرَيْزٍ، وَعَلَى الميسرة مروان بن الحكم. وكانت الوقعة يوم الجمعة، خارج البصرة، عند قصر عبيد الله بن زياد.
قال الليث بن سعد، وغيره: كانت وقعة الجمل في جمادى الأولى.
وقال أبو اليقظان: خرج يومئذ كعب بن سور الأزدي في عنقه المصحف، ومعه ترس، فأخذ بخطام جمل عائشة، فجاءه سهم غرب فقتله.
قال محمد بن سعد: وكان كعب قد طين عليه بيتا، وجعل فيه كوة يتناول منها طعامه وشرابه اعتزالا للفتنة، فقيل لعائشة: إن خرج معك لم يتخلف من الأزد أحد، فركبت إليه فنادته وكلمته فلم يجبها، فقالت: ألست أمك؟ ولي عليك حق، فكلمها، فقالت: إنما أريد أن اصلح بين الناس، ذلك حين خرج ونشر المصحف، ومشى بين الصفين يدعوهم إلى ما فيه، فجاءه سهم فقتله.
وقال حصين بن عبد الرحمن: قام كعب بن سور فنشر مصحفا بين الفريقين، ونشدهم الله والإسلام في دمائهم فما زال حتى قتل.
وقال غيره: اصطف الفريقان، وليس لطلحة ولا لعلي رأسي الفريقين قصد في القتال، بل ليتكلموا في اجتماع الكلمة، فترامى أوباش الطائفتين بالنبل، وشبت نار الحرب، وثارت النفوس، وبقي طلحة يقول: "أيها الناس أنصتوا"، والفتنة تغلي، فقال: أف فراش النار، وذئاب طمع، وقال: اللهم خذ لعثمان مني اليوم حتى ترضى، إنا داهنا في أمر عثمان، كنا أمس يدا على من سوانا، وأصبحنا اليوم جبلين من حديد، يزحف أحدنا إلى صاحبه، ولكنه كان مني في أمر عثمان ما لا أرى كفارته، إلا بسفك دمي، وبطلب دمه.
فروى قتادة، عن الجارود بن أبي سبرة الهذلي، قال: نظر مروان بن الحكم إلى طلحة يوم الجمل، فقال: لا أطلب ثأري بعد اليوم، فرمى طلحة بسهم فقتله.

(2/518)


وقال قيس بن أبي حازم: رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم، فوقع في ركبته، فما زال يسح1 حتى مات. وفي بعض طرقه: رماه بسهم، وقال: هذا ممن أعان على عثمان.
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمه، أن مروان رمى طلحة، والتفت إلى أبان بن عثمان وقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك.
وروى زيد بن أبي أنيسة، عن رجل، أن عليا قال: بشروا قاتل طلحة بالنار.
وعن عكرمة، عن ابن عباس، قال: خرجنا مع علي إلى الجمل في ست مائة رجل، فسلكنا على طريق الربذة، فقام إليه ابنه الحسن، فبكى بين يديه وقال: ائذ لي فأتكلم، فقال: تَكلَّمْ، وَدَعْ عَنْكَ أَنْ تَحِنَّ حَنِينَ الجَارِيَةِ قال: لقد كنت أشرت عليك بالمقام، وأنا أشيره عليك الآنَ، إِنَّ لِلْعَرَبِ جَولَةً، وَلَوْ قَدْ رَجَعَتْ إليها غوازب أحلامها، لضربوا إِلَيْكَ آبَاطَ الإِبِلِ، حَتَّى يَسْتَخْرِجُوكَ، وَلَوْ كُنْتَ في مثل جحر الضب. فقال علي: أتراني لا أبا لك كنت منتظر كما ينتظر الضبع اللدم. وروى نحوه من وجهين آخرين.
روح بن عبادة، قال: حدثنا أبو نعامة العدوي، قال: حدثنا حميد بن هلال، عن حجيز بن الربيع أن عمران بن حصين أرسله إلى بني عدي أن ائتهم، فأتاه فقال: يقرأ عليكم السلام، ويقول: إني لكم ناصح، ويحلف بالله لأن يكون بعدا مجدعا يرعى في رأس جبل حتى يموت أحب إليه من أن يرمى في واحد من الفريقين بسهم، فأمسكوا فداكم أبي وأمي.
فقالوا: دعنا منك، فإنا والله لا ندع ثَقُلَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فغزوا يوم الجمل، فقتل خلق حول عائشة يومئذ سبعون كلهم قد جمعوا القرآن، ومن لم يجمع القرآن أكثر.
روى الواقدي عن رجاله، قال: كان يعلى بن منية التميمي حليف بني نوفل بن عبد مناف عاملا لعثمان على الجند، فوافى الموسم عام قتل عثمان.
وعن ابن أبي مليكة، قال: جاء يعلى بن أمية إلى عائشة وهي في الحج، فقال: قد قتل خليفتك الذي كنت تحرضين عليه. قالت: برئت إلى الله من قاتله.
وعن الواقدي، عن الوليد بن عبد الله، قال: قال يعلى بن أمية: أيها الناس، من خرج يطلب بدم عثمان فعلي جهازه.
__________
1 أي يسيل.

(2/519)


وعن علي بن أبي سارة، قال: قدم يعلى بأربع مائة ألف فأنفقها في جهازهم إلى البصرة.
وعن غيره، قال: حمل يعلى بن أمية عائشة على جملة عسكر، وقال: هذه عشرة آلاف دينار من غر مالي أقوي بها من طلب بدم عثمان. فبلغ عليا، فقال: من أين له؟ سرق اليمن ثم جاء! والله لئن قدرت عليه لآخذن ما أقر به.
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عم له، قال: لما كان يوم الجمل نادى علي في الناس: لا ترموا أحدا بسهم، وكلموا القوم، فإن هذا مقام من فلح فيه، فلح يوم القيامة، قال: فتوافينا حتى أتانا حر الحديد، ثم إن القوم نادوا بأجعهم: "يا لثارات عثمان"، قال: وابن الحنفية أمامنا رتوة1 معه اللواء، فمد علي يديه، وقال: اللهم أكب قتلة عثمان على وجوههم. ثم إن الزبير قال لأساورة معه: ارموهم ولا تبلغوا، وكأنه إنما أراد أن ينشب القتال. فلما نظر أصحابنا إلى النشاب لم ينتظروا أن يقع إلى الأرض، وحملوا عليهم فهزمهم الله. ورمى مروان طلحة بسهم فشك ساقه بجنب فرسه.
وعن أبي جرو المازني، قال: شهدت عليا والزبير حين تواقفا، فقال له علي: يا زبير أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنك تقاتلني وأنت ظالم لي"؟ قال: نعم ولم أذك إلا في موقفي هذا، ثم انصرف.
وقال الحسن البصري، عن قيس بن عباد قال: قال علي يوم الجمل: يا حسن، ليت أباك مات منذ عشرين سنة. فقال له: يا أبت قد كنت أنهاك عن هذا. قال: يا بني لم أر أن الأمر يبلغ هذا.
وقال ابن سعد: إن محمد بن طلحة تقدم فأخذ بخطام الجمل، فحمل عليه رجل، فقال محمد: أذكركم "حم" فطعنه فقتله، ثم قال في محمد:
وأشعت قوام بآيات ربه ... قليل الأذى فيما ترى العين مسلم
هتكت له بالرمح جيب قميصه ... فخر صريعا لليدين وللفم
يذكرني "حم" والرمح شاجر ... فهلا تلا "حم" قبل التقدم
على غير شيء غير أن ليس تابعا ... عليا ومن لا يتبع الحق يندم
__________
1 الرتوة: الخطوة.

(2/520)


فسار علي ليلته في القتلى، معه النيران، فمر بمحمد بن طلحة قتيلا، فقال: يا حسن، محمد السجاد ورب الكعبة، ثم قال: أبوه صرعه هذا المصرع، ولولا بره بأبيه ما خرج. فقال الحسن: ما كان أغناك عن هذا! فقال: ما لي وما لك يا حسن.
وقال شريك، عن الأسود بن قيس: حدثني من رأى الزبير يوم الجمل، وناداه علي: يا أبا عبد الله، فأقبل حتى التقت أعناق دوابهما، فقال: أنشدك بالله، أتذكر يوم كنت أناجيك، فأتانا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "تناجيه فوالله ليقاتلنك وهو لك ظالم"1. قال: فلم يعد أن سمع الحديث، فضرب وجه دابته وانصرف.
وقال هلال بن خباب، فيما رواه عنه أبو شهاب الحناط، وغيره، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ يوم الجمل للزبير: يا ابن صفية، هذه عائشة تملك طلحة، فأنت على ماذا تُقَاتِلُ قَرِيْبَكَ عَلِيّاً؟ فَرَجَعَ الزُّبَيْرُ، فَلَقِيَهُ ابْنُ جرموز فقتله.
وقال يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي ليلى، قال: انصرف الزبير يوم الجمل عن علي، وهم في المصاف، فقال له ابنه عبد الله: جبنًا جبنًا، فقال: قد علم الناس أني لست بجبان، ولكن ذكرني علي شيئا سمعته مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحلفت أن لا أقاتله، ثم قال:
ترك الأمور التي أخشى عواقبها ... في الله أحسن في الدنيا وفي الدين
وكيع، عن عصام بن قدامة -وهو ثقة- عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيَّتُكُنَّ صاحبة الجمل الأدبب، يقتل حواليها قتلى كثيرون، وتنجوا بعد ما كادت" 2.
وقيل: إن أول قتيل كان يومئذ مسلم الجهني، أمره علي فحمل مصحفا، فطاف به على القوم يدعوهم إلى كتاب الله، فقتل. وقطعت يومئذ سبعون يدا من بني ضبة بالسيوف، صار كلما أخذ رجل بخطام الجمل الذي لعائشة، قطعت يده، فيقوم آخر مكانه ويرتجز، إلى أن صرخ صارخ اعقروا الجمل، فعقره رجل مختلف في اسمه، وبقي الجمل والهودج الذي عليه، كأنه قنفذ من النبل، وكان الهودج ملبسا بالدروع، وداخله أم المؤمنين، وهي تشجع الذين حول الجمل، فما شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يكن.
__________
1 ضعيف: فيه شريك، وهو ابن عبد الله النخعي القاضي، وهو سيئ الحفظ. وفيه جهالة من رأى الزبير.
2 حديث: صحيح.

(2/521)


ثم إنها -رضي الله عنها- ندمت، وندم علي -رضي الله عنه- لأجل ما وقع.
سنة سبع وثلاثين وقعة صفين:
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عمر، قال: لما قتل عثمان -رضي الله عنه، كتبت نائلة زوجته إلى الشام إلى معاوية كتابا تصف فيه كيف دخل على عثمان -رضي الله عنه- وقتل، وبعثت إليه بقميصه بالدماء، فقرأ معاوية الكتاب على أهل الشام، وَطِيْفَ بِالقَمِيْصِ فِي أَجْنَادِ الشَّامِ، وَحَرَّضَهُمْ عَلَى الطلب بدمه، فبايعوا معاوية على الطلب بدمه.
ولما بويع علي بالخلافة قال له ابنه الحسن وابن عباس: اكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَأَقِرَّهُ عَلَى الشَّامِ، وَأَطْمِعْهُ فإنه سيطمع ويكفيك نَفْسَهُ وَنَاحِيَتَهُ، فَإِذَا بَايَعَ لَكَ النَّاسُ أَقْرَرْتَهُ أو عزلته، قال: فإنه لا يرضى حتى أعطيه عهد الله تعالى وميثاقه أن لا أعزله قالا: لا تعطه ذلك وبلغ ذلك مُعَاوِيَةَ. فَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَلِي لَهُ شَيْئاً ولا أبايعه، وأظهر بالشام أن الزبير بن العوام قادم عليهم، وأنه مبايع له، فلما بلغه أمر الجمل أمسك، فلما بلغه قتل الزبير ترحم عليه، وقال: لو قدم علينا لبايعناه وكان أهلا.
فلما انصرف علي من البصرة، أرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية، فكلم معاوية، وعظم أمر علي ومبايعته واجتماع الناس عليه، فأبى أن يبايعه، وجرى بينه وبين جرير كلام كثير، فانصرف جرير إلى علي فأخبره، فأجمع على المسير إلى الشام، وبعث مُعَاوِيَةُ أَبَا مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيَّ إِلَى عَلِيٍّ بِأَشْيَاءَ يطلبها منه، منها أن يدفع إليه قتلة عثمان، فأبى علي، وجرت بينهما رسائل.
ثم سار كل منهما يريد الآخر، فالتقوا بصفين لسبع بقين من المحرم، وشبت الحرب بينهم في أول صفر، فاقتتلوا أياما.
فحدثني ابن أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ المَجِيْدِ بنِ سُهَيْلٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عُثْمَانُ عَلَى الحَجِّ، فأقمت للناس الحج، ثم قدمت وقد قتل وبويع لعلي، فقال: سِرْ إِلَى الشَّامِ فَقَدْ وَلَّيْتُكَهَا. قُلْتُ: مَا هذا برأي، معاوية ابْنُ عَمِّ عُثْمَانَ وَعَامِلُهُ عَلَى الشَّامِ، وَلَسْتُ آمن أن يضرب عنقي بعثمان، وأدنى مَا هُوَ صَانِعٌ أَنْ يَحْبِسَنِي. قَالَ عَلِيٌّ: ولم؟ قلت: لقرابتي منك، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ حَمَلَ عَلَيْكَ حَمَلَ عَلَيَّ، ولكن اكتب إلى معاوية فَمَنِّهِ وَعِدْهُ. فَأَبَى عَلِيٌّ وَقَالَ: لاَ وَاللهِ لا كان هذا أبدا.
روى أبو عبيد القاسم بن سلام، عمن حدثه، عن أبي سنان العجلي، قال: قال ابن

(2/522)


عباس لعلي: ابعثني إلى معاوية، فوالله لأفتلن له حبلا لا ينقطع وسطه، قال: لست من مكرك ومكره في شيء، ولا أعطيه إلا السيف، حتى يغلب الحق الباطل، فقال ابن عباس: أو غير هذا؟ قال: كيف؟ قال: لأنه يطاع ولا يعصى، وأنت عن قليل تعصى ولا تطاع. قال: فلما جعل أهل العراق يختلفون على علي -رضي الله عنه- قال: لله در ابن عباس، إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق.
وقال مجالد، عن الشعبي، قال: لما قتل عثمان، أرسلت أم حبيبة بنت أبي سفيان إِلَى أَهْلِ عُثْمَانَ: أَرْسِلُوا إِلَيَّ بِثِيَابِ عُثْمَانَ التي قتل فيها، فبعثوا إليها بقميصه مضرجا بالدم، وخصلة الشعر التي نتفت من لحيته، ثم دعت النعمان بن بشير، فبعثته إلى معاوية، فمضى بذلك وبكتابها، فصعد معاوية المنبر، وجمع الناس، ونشر القميص عليهم، وذكر ما صنع بعثمان، وَدَعَا إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِهِ. فَقَامَ أَهْلُ الشَّامِ فقالوا: هُوَ ابْنُ عَمِّكَ وَأَنْتَ وَلِيُّهُ، وَنَحْنُ الطَّالِبُوْنَ معك بدمه، وبايعوا له.
وقال يونس، عن الزهري قال: لما بلغ معاوية قتل طلحة والزبير، وَظُهُوْرُ عَلِيٍّ، دَعَا أَهْلَ الشَّامِ لِلْقِتَالِ مَعَهُ عَلَى الشُّوْرَى وَالطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ، فَبَايَعُوْهُ عَلَى ذلك أميرا غير خليفة.
وذكر يحيى الجعفي في "كتاب صفين" بإسناد أن معاوية قال لجرير بن عبد الله: اكْتُبْ إِلَى عَلِيٍّ أَنْ يَجْعَلَ لِيَ الشَّامَ، وأنا أبايع له، قال: وبعث الوليد بن عقبة إليه يقول:
مُعَاوِيُ إِنَّ الشَّامَ شَامُكَ فَاعْتَصِمْ ... بِشَامِكَ لاَ تُدْخِلْ عَلَيْكَ الأَفَاعِيَا
وَحَامِ عَلَيْهَا بِالقَنَابِلِ وَالقَنَا ... وَلاَ تَكُ مَخْشُوْشَ الذِّرَاعَيْنِ وَانِيَا
فَإِنَّ عَلِيّاً نَاظِرٌ مَا تُجِيْبُهُ ... فَأَهْدِ لَهُ حَرْباً تُشِيْبُ النواصيا
وحدثني يعلى بن عبيد، قال: حدثنا أبي، قال: قال أبو مسلم الخولاني وجماعة لمعاوية: أَنْتَ تُنَازِعُ عَلِيّاً! أَمْ أَنْتَ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ: لا والله إني لأعلم أن عليا أَفْضَلُ مِنِّي وَأَحَقُّ بِالأَمْرِ مِنِّي، وَلَكِنْ أَلَسْتُم تَعْلَمُوْنَ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُوْماً، وَأَنَا ابْنُ عمه، وإنما أطلب بدمه، فأتوا عليا فَقُوْلُوا لَهُ، فَلْيَدْفَعْ إِلَيَّ قَتَلَةَ عُثْمَانَ وَأُسْلِمَ له. فأتوا عليا فكلموه بذلك، فلم يدفعهم إليه.
وحدثني خلاد بن يزيد الجعفي قال: حدثنا عَمْرُو بنُ شَمِرٍ، عَنْ جَابِرٍ الجُعْفِيِّ، عَنِ الشعبي -أو أبي جعفر الباقر شك خلاد- قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ أَمْرُ مُعَاوِيَةَ دَعَا عَلِيٌّ -رضي الله عنه- رجلا، أمره أَنْ يَسِيْرَ إِلَى دِمَشْقَ، فَيَعْقِلَ رَاحِلَتَهُ عَلَى باب المسجد، ويدخل بهيئة السفر، ففعل الرجل، وكان قد وصاه بما يقول، فسألوه: من أين جئت؟ قال: من العراق، قالوا: ما

(2/523)


وَرَاءكَ؟ قَالَ: تَرَكْتُ عَلِيّاً قَدْ حَشَدَ إِلَيْكُم، ونهد في أهل العراق. فبلغ معاوية، فأرسل أبا الأعور السلمي يحقق أمره، فأتاه فسأله، فأخبره بالأمر الذي شاع، فنودي: الصلاة جامعة.
وامتلأ الناس في المسجد، فصعد معاوية المنبر وَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ عَلِيّاً قَدْ نَهَدَ إليكم في أهل العراق، فَمَا الرَّأْيُ؟ فَضَرَبَ النَّاسُ بِأَذْقَانِهِم عَلَى صُدُوْرِهِم، ولم يرفع إليه أحد طَرْفَهُ، فَقَامَ ذُو الكَلاَعِ الحِمْيَرِيُّ، فَقَالَ: عَلَيْكَ الرَّأْيُ وَعَلَيْنَا أَمْ فِعَالُ -يَعْنِي الفِعَالَ- فَنَزَلَ معاوية ونودي في الناس: اخرجوا إلى معسكركم، ومن تخلف بعد ثلاث أحل بنفسه. فخرج رسول علي حتى وافاه، فأخبره بذلك، فأمر علي فنودي: الصلاة جامعة. فاجتمع الناس، وصعد المِنْبَرِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إن رسولي الذي أرسلته إلى الشام قد قدم علي، وأخبرني أن معاوية قد نهد إليكم في أهل الشام، فما الرأي؟ قال: فأضب أهل المسجد يقولون: يا أمير المؤمنين الرَّأْيُ كَذَا، الرَّأْيُ كَذَا، فَلَمْ يَفْهَمْ عَلِيٌّ كلامهم من كثرة من تكلم، وكثر اللغط، فَنَزَلَ وَهُوَ يَقُوْلُ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون، ذهب بها ابن أكالة الأكباد، يعني معاوية.
وقال الأعمش: حدثني من رَأَى عَلِيّاً يَوْمَ صِفِّيْنَ يُصَفِّقُ بِيَدَيْهِ، وَيَعَضُّ عليها، ويقول: واعجبًا! أعصى ويطاع معاوية.
وقال الواقدي: اقتتلوا أياما حتى قتل خَلْقٌ وَضَجِرُوا، فَرَفَعَ أَهْلُ الشَّامِ المَصَاحِفَ، وَقَالُوا: نَدْعُوْكُم إِلَى كِتَابِ اللهِ وَالحُكْمِ بِمَا فِيْهِ. وكان ذلك مكيدة من عمرو بن العاص، يعني لما رأى ظهور جيش علي، فاصطلحوا كما يأتي.
وقال الزهري: اقتتلوا قتالا لم تقتتل هذه الأمة مثله قط، وغلب أهل العراق على قتلى أهل حمص، وغلب أهل الشام على قتلى أهل العالية، وكان على ميمنة علي الأشعث بن قيس الكندي، وعلى الميسرة عبد الله بن عباس، وعلى الرجالة عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، فقتل يومئذ. ومن أمراء علي يومئذ: الأحنف بن قيس التميمي، وعمار بن ياسر العنسي، وسليمان بن صرد الخزاعي، وعدي بن حاتم الطائي، والأشتر النخعي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وشبث بن ربعي الرياحي، وسعيد بن قيس الهمداني، وكان رئيس همدان المهاجر بن خالد بن الوليد المخزومي، وقيس بن مكشوح المرادي، وخزيمة بن ثابت الأنصاري، وغيرهم.
وكان علي في خمسين ألفا، وقيل: في تسعين ألفا، وقيل: كانوا مائة ألف.
وكان معاوية في سبعين ألفا، وكان لواؤه مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي، وعلى ميمنته عمرو بن العاص، وقيل: ابنه عبد الله بن عمرو، وعلى الميسرة حبيب بن مسلمة

(2/524)


الفهري، وعلى الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب، ومن أمرائه يومئذ: أبو الأعور السلمي، وزفر بن الحارث، وذو الكلاع الحميري، ومسلمة بن مخلد، وبسر بن أرطأة العامري، وحابس بن سعد الطائي، ويزيد بن هبيرة السكوي، وغيرهم.
قال عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سلمة قال: رأيت عمار بن ياسر بصفين، ورأى راية معاوية، فقال: إن هذه راية قاتلتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مرات ثم قاتل حتى قتل.
وقال غيره: برز الأشعث بن قيس في ألفين، فبرز لهم أبو الأعور في خمسة آلاف، فاقتتلوا: ثم غلب الأشعث على الماء وأزالهم عنه.
ثم التقوا يوم الأربعاء سابع صفر، ثم يوم الخميس والجمعة وليلة السبت، ثم رفع أهل الشام لما رأوا الكسرة المصاحف بإشارة عمرو، ودعوا إلى الصلح والتحكيم، فأجاب علي إلى تحكيم الحكمين، فاختلف عليه حينئذ جيشه وقالت طائفة، لا حكم إلا لله. وخرجوا عليه فهم "الخوارج".
وقال ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه، قال: قتل مع علي بصفين خمسة وعشرون بدريا.
ثوير متروك.
قال الشعبي: كان عبد الله بن بديل يوم صفين عليه درعان ومعه سيفان، فكان يضرب أهل الشام ويقول:
لم يبق إلا الصبر والتوكل ... ثم التمشي في الرعيل الأول
مشي الجمال في حياض المنهل ... والله يقضي ما يشا ويفعل
فلم يزل يضرب بسيفه حتى انتهى إلى معاوية فأزاله عن موقفه، وأقبل أصحاب معاوية يرمونه بالحجارة حتى أثخنوه وقتل، فأقبل إليه معاوية، وألقى عبد الله بن عامر عليه عمامته غطاه بها وترحم عليه، فقال معاوية لعبد الله: قد وهبناه لك، هذا كبش القوم ورب الكعبة، اللهم أظفر بالأشتر والأشعث، والله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر:
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها ... وإن شمرت يوما به الحرب شمرا
كليث هزبر كان يحمي ذماره ... رمته المنايا قصدها فتقصرا
ثم قال: لو قدرت نساء خزاعة أن تقاتلني فضلا عن رجالها لفعلت.
وفي "الطبقات" لابن سعد، من حديث عمرو بن شراحيل، عن حنش بن عبد الله

(2/525)


الصنعاني، عن عبد الله بن زرير الغافقي، قال: لقد رأيتنا يوم صفين، فاقتتلنا نحن وأهل الشام، حتى ظننت أنه لا يبقى أحد، فأسمع صائحا يصيح: معشر الناس، الله الله في النساء والولدان، من للروم ومن للترك، الله الله، والتقينا، فأسمع حركة من خلفي، فإذا علي يعدو بالراية حتى أقامها، ولحقه ابنه محمد ابن الحنفية، فسمعته يقول: يا بني الزم رايتك، فإني متقدم في القوم، فأنظر إليه يضرب بالسيف حتى يفرج له، ثم يرجع فيهم.
وقال خليفة: شهد مع علي من البدريين: عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف، وخوات بن جبير، وأبو سعد الساعدي، وأبو اليسر، ورفاعة بن رافع الأنصاري، وأبو أيوب الأنصاري بخلف فيه. قال: وشهد معه من الصحابة ممن لم يشهد بدرا، خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وقيس بن سعد بن عبادة، وأبو قتادة، وسهل بن سعد الساعدي، وقرظة بن كعب، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، والحسن، والحسين، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأبو مسعود عقبة بن عمرو، وأبو عياش الزرقي، وعدي بن حاتم، والأشعث بن قيس، وسليمان بن صرد، وجندب بن عبد الله، وجارية بن قدامة السعدي.
وعن ابن سيرين، قال: قتل يوم صفين سبعون ألفا يعدون بالقصب.
وقال خليفة وغيره: افترقوا عن ستين ألف قتيل، وقيل: عن سبعين ألفا، منهم خمسة وأربعون ألفا من أهل الشام.
وقال عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن عبد الرحمن، عن جعفر -أظنه ابن أبي المغيرة- عن عبد الله بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: شهدنا مع علي ثمان مائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منهم ثلاثة وستون رجلا، منهم عمار.
وقال أبو عبيدة وغيره: كانت راية علي مع هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وكان على الخيل عمار بن ياسر.
وقال غيره: حيل بين علي وبين الفرات؛ لأن معاوية سبق إلى الماء، فأزالهم الأشعث عن الماء.
قلت: ثم افترقوا وتواعدوا ليوم الحكمين.
وقتل مع علي: خزيمة بن ثابت، وعمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة، وعبد الله بن بديل، وعبد الله بن كعب المرادي، وعبد الرحمن بن كلدة الجمحي، وقيس بن مكشوح المرادي، وأبي بن قيس النخعي أخو علقمة، وسعد بن الحارث بن الصمة الأنصاري، وجندب بن زهير الغامدي، وأبو ليلى الأنصاري.

(2/526)


وقتل مع معاوية: ذو الكلاع، وحوشب ذو ظليم، وحابس بن سعد الطائي قاضي حمص، وعمرو بن الحضرمي، وعبيد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، وعروة بن داود، وكريب بن الصباح الحميري أحد الأبطال، قتل يومئذ جماعة، ثم بارزه علي فقتله.
قال نصر بن مزاحم الكوفي الرافضي: حدثنا عمر بن سعد، عن الحارث بن حصيرة، أن ولد ذي الكلاع أرسل إلى الأشعث بن قيس يقول: إن ذا الكلاع قد أصيب، وهو في الميسرة، أفتأذن لنا في دفنه؟ فقال: الأشعث لرسوله أقرئه السلام، وقل إني أخاف أن يتهمني أمير المؤمنين، فاطلبوا ذلك إلى سعيد بن قيس الهمداني فإنه في الميمنة، فذهب إلى معاوية فأخبره، فقال: ما عسيت أن أصنع، وقد كانوا منعوا أهل الشام أن يدخلوا عسكر علي، خافوا أن يفسدوا أهل العسكر، فقال معاوية لأصحابه: لأنا أشد فرحا بقتل ذي الكلاع مني بفتح مصر لو افتتحتها؛ لأن ذا الكلاع كان يعرض لمعاوية في أشياء كان يأمر بها، فخرج ابن ذي الكلاع إلى سعيد بن قيس، فاستأذنه في أبيه فأذن له، فحملوه على بغل وقد انتفخ.
وشهد صفين مع معاوية من الصحابة: عمرو بن العاص السهمي، وابنه عبد الله، وفضالة بن عبيد الأنصاري، ومسلمة بن مخلد، والنعمان بن بشير، ومعاوية بن حديج الكندي، وأبو غادية الجهني قاتل عمار، وحبيب بن مسلمة الفهري، وأبو الأعور السلمي، وبسر بن أرطأة العامري.
تحكيم الحكمين:
عن عكرمة قال: حكم معاوية عمرو بن العاص، فقال الأحنف بن قيس لعلي: حكم أنت ابْنَ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ مُجَرَّبٌ. قَالَ: أَفْعَلُ. فأبت اليمانية، وقالوا: لا، حَتَّى يَكُوْنَ مِنَّا رَجُلٌ. فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلى علي لما رآه قد هم أن يحكم أبا موسى الأشعري، فقال له: علام تحكم أبا موسى، فوالله لَقَدْ عَرَفْتَ رَأْيَهُ فِيْنَا، فَوَاللهِ مَا نَصَرَنَا، وَهُوَ يَرْجُو مَا نَحْنُ فِيْهِ، فَتُدْخِلُهُ الآنَ فِي مَعَاقِدِ أَمْرِنَا، مَعَ أَنَّه لَيْسَ بِصَاحِبِ ذاك، فإذ أَبَيْتَ أَنْ تَجْعَلَنِي مَعَ عَمْرٍو، فَاجْعَلِ الأَحْنَفَ بنَ قَيْسٍ، فَإِنَّهُ مُجَرَّبٌ مِنَ العَرَبِ، وَهُوَ، قرن لعمرو. فقال علي: أفعل. فَأَبَتِ اليَمَانِيَةُ أَيْضاً. فَلَمَّا غُلِبَ جَعَلَ أَبَا موسى، فسمعت ابن عباس يقول: قلت لعلي يوم الحكمين: لاَ تُحَكِّمْ أَبَا مُوْسَى، فَإِنَّ مَعَهُ رَجُلاً حذرًا مرسًا قارحًا، فلزني إلى جَنْبِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَحُلُّ عُقْدَةً إِلاَّ عَقَدْتُهَا وَلاَ يَعْقِدُ عُقْدَةً إِلاَّ حَلَلْتُهَا. قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا أَصْنَعُ؟ إِنَّمَا أُوْتَى مِنْ أصحابي، قد ضعفت نيتهم وكلوا في الحرب، هذا الاشعث بن قيس يَقُوْلُ: لاَ يَكُوْنُ فِيْهَا مُضَرِيَّانِ أَبَداً حَتَّى يكون أحدهما يمانٍ، قال: فعذرته وعرفت أنه مضطهد، وأن أصحابه لا نية لهم.

(2/527)


وقال أبو صالح السمان: قال علي لأبي موسى: احكم ولو على حز عنقي.
وقال غيره: حكم معاوية عمرا، وحكم علي أبا موسى، على أن من ولياه الخلافة فهو الخليفة، ومن اتفقا على خلعه خلع. وتواعدا أن يأتيا في رمضان، وأن يأتي مع كل واحد جمع من وجوه العرب. فلما كان الموعد سار هذا من الشام، وسار هذا من العراق، إلى أن التقى الطائفتان بدومة الجندل، وهي طرف الشام من جهة زاوية الجنوب والشرق.
فعن عمر بن الحكم، قال: قال ابن عباس لأبي موسى الأشعري: احذر عمرا، فإنما يريد أن يقدمك ويقول: أَنْتَ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسن مني فتكلم حتى أتكلم، وإنما يريد أن يقدمك في الكلام لتخلع عليا. قال: فاجتمعا على إمرة، فأدار عمرو أبا موسى، وذكر له معاوية فأبى، وقال أبو موسى: بل عبد الله بن عمر، فقال عمرو: أخبرني عن رأيك؟ فقال أبو موسى: أرى أن نخلع هذين الرجلين، ونجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين، فيختاروا لأنفسهم من أحبوا قال عمرو: الرأي ما رأيت.
قال: فأقبلا على الناس وهم مجتمعون بدومة الجندل، فقال عمرو: يا أبا موسى أعلمهم أن رأينا قد اجتمع، فقال: نعم، إن رأينا قد اجتمع على أمر نرجو أن يصلح الله به أمر الأمة.
فقال عمرو: صدق وبر، ونعم الناظر للإسلام وأهله، فتكلم يا أبا موسى. فأتاه ابن عباس، فخلا به، فقال: أنت في خدعة، ألم أقل لك لا تبدأه وتعقبه، فإني أخشى أن يكون أعطاك أمرا خاليا، ثم ينزع عنه على ملأ من الناس، فقال: لا تخش ذلك فقد اجتمعنا واصطلحنا.
ثم قام أبو موسى فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا الناس، قد نظرنا في هذا الأمر وأمر هذه الأمة، فلم نر شيئا هو أصلح لأمرها ولا ألم لشعثها من أن لا نثير أمرها ولا بعضه، حتى يكون ذلك عن رضا منها وتشاور، وقد اجتمعت أنا وصاحبي على أمر واحد: على خلع علي ومعاوية، وتستقيل الأمة هذا الأمر فيكون شورى بينهم يولون من أحبوا، وإني قد خلعت عليا ومعاوية، فولوا أمركم من رأيتم. ثم تأخر.
وأقبل عمرو فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هذا قد قال ما سمعتم، وخلع صاحبه، وإني خلعت صاحبه وأثبت صاحبي معاوية، فإنه ولي عثمان، والطالب بدمه، وأحق الناس بمقامه، فقال سعد بن أبي وقاص: ويحك يا أبا موسى ما أضعفك عن عمرو ومكايده، قال: ما أصنع به، جامعني على أمر، ثم نزع عنه. فقال ابن عباس: لا ذنب لك، الذنب للذي قدمك، فقال: رحمك الله غدر بي، فما أصنع؟ وقال أبو موسى: يا عمرو إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث. أو تتركه يلهث. فقال عمرو: إنما مثلك كمثل الحمار يحمل

(2/528)


أسفارا. فقال ابن عمر: إلى ما صير أمر هذه الأمة! إلى رجل لا يبالي ما صنع، وآخر ضعيف.
قال المسعودي في "المروج": كان لقاء الحكمين بدومة الجندل في رمضان، سنة ثمان وثلاثين، فقال عمرو لأبي موسى: تكلم. فقال: بل تكلم أنت فقال: ما كنت لأفعل، ولك حقوق كلها واجبة. فحمد الله أبو موسى وأثنى عليه، ثم قال: هلم يا عمرو إلى أمر يجمع الله به الأمة، ودعا عمرو بصحيفة، وقال للكاتب: اكتب وهو غلام لعمرو، وقال: إن للكلام أولا وآخرًا، ومتى تنازعنا الكلام لم نبلغ آخره حتى ينسى أوله، فاكتب ما نقول.
قال: لا تكتب شيئا يأمرك به أحدنا حتى تستأمر الآخر، فإذا أمرك فاكتب، فكتب: هذا ما تقاضي عليه فلان وفلان. إلى أن قال عمرو: وإن عثمان كان مؤمنا، فقال أبو موسى: ليس لهذا قعدنا. قال عمرو: لا بد أن يكون مؤمنا أو كافرا. قال: بل كان مؤمنا. قال: فمر أن يكتب، فكتب. قال عمرو: ظالما قتل أو مظلومًا؟ قال أبو موسى: بل قتل مظلومًا. قال عمرو: أفليس قد جعل الله لوليه سلطانا يطلب بدمه؟ قال أبو موسى: نعم قال عمرو: فعلى قاتله القتل، قال: بلى قال: أفليس لمعاوية أن يطلب بدمه حتى يعجز؟ قال: بلى قال عمرو: فإنا نقيم البينة على أن عليا قتله.
قال أبو موسى: إنما اجتمعنا لله، فهلم إلى ما يصلح الله به أمر الأمة. قال: وما هو؟ قال: قد علمت أن أهل العراق لا يحبون معاوية أبدًا، وأهل الشام لا يحبون عليا أبدا، فهلم نخلعهما معا، ونستخلف ابن عمر -وكان ابن عمر على بنت أبي موسى- قال عمرو: أيفعل ذلك عبد الله؟ قال: نعم إذا حمله الناس على ذلك. فصوبه عمرو، وقال: فهل لك في سعد؟ وعدد له جماعة، وأبو موسى يأبى إلا ابن عمر، ثم قال: قم حتى نخلع صاحبينا جميعا، واذكر اسم من تستخلف، فقام أبو موسى وخطب وقال: إنا نظرنا في أمرنا، فرأينا أقرب ما نحقن به الدماء، ونلم به الشعث خلعنا معاوية وعليًّا، فقد خلعتهما كما خلعت عمامتي هذه، واستخلفنا رجلا قد صَحِبَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ، وله سابقة: عبد الله بن عمر، فأطراه ورغب الناس فيه.
ثم قام عمرو فقال: أيها الناس، إن أبا موسى قد خلع عليا، وهو أعلم، وقد خلعته معه، وأثبت معاوية علي وعليكم، وإن أبا موسى كتب في هذه الصحيفة أن عثمان قتل مظلوما، وأن لوليه أن يطلب بدمه، فقام أبو موسى، فقال: كذب عمرو، ولم نستخلف معاوية، ولكنا خلعنا معاوية وعليا معا.

(2/529)


قال المسعودي: ووجدت في رواية أنهما اتفقا وخلعا عليا ومعاوية، وجعلا الأمر شورى، فقام عمرو بعده، فوافقه على خلع علي، وعلى إثبات معاوية، فقال له: لا وفقك الله، غدرت وقنع شريح بن هانئ الهمداني عمرا بالسوط. وانخذل أبو موسى، فلحق بمكة، ولم يعد إلى الكوفة، وحلف لا ينظر في وجه علي ما بقي. ولحق سعد بن أبي وقاص وابن عمر ببيت المقدس فأحرما، وانصرف عمرو، فلم يأت معاوية، فأتاه وهيأ طعاما كثيرا، وجرى بينهما كلام كثير، وطلب الأطعمة، فأكل عبيد عمرو، ثم قاموا ليأكل عبيد معاوية، وأمر من أغلق الباب وقت أكل عبيده، فقال عمرو: فعلتها؟ قال: إي والله بايع وإلا قتلتك.
قال: فمصر، قال: هي لك ما عشت.
وقال الواقدي: رفع أَهْلُ الشَّامِ المَصَاحِفَ وَقَالُوا: نَدْعُوْكُم إِلَى كِتَابِ الله والحكم بما فيه فاصطلحوا، وكتبوا بينهما كتابا على أن يوافوا رأس الحول أذرح ويحكموا حكمين، ففعلوا ذلك فلم يقع اتفاق، ورجع علي بالاختلاف والدغل من أصحابه، فَخَرَجَ مِنْهُم الخَوَارِجُ، وَأَنْكَرُوا تَحْكِيْمَهُ، وَقَالُوا: لاَ حكم إلا لله، ورجع معاوية بالألفة واجتماع الكلمة عليه. ثم بايع أهل الشام معاوية بِالخِلاَفَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ. كذا قال.
وقال خليفة وغيره: إنهم بايعوه في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين، وهو أشبه؛ لأن ذلك كان إثر رجوع عمرو بن العاص من التحكيم.
وقال مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ الحِزَامِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قام علي على منبر الكوفة، فقال، حين اختلف الحكمان: لقد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة فعصيتموني. فقام إليه شاب آدم، فقال: إنك والله ما نهيتنا ولكن أمرتا ودمرتنا، فلما كان منها ما تكره برأت نفسك ونحلتنا ذنبك. فقال علي: ما أنت وهذا الكلام قبحك الله، والله لقد كانت الجماعة فكنت فيها خاملا، فلما ظهرت الفتنة نجمت فيها نجوم الماغرة. ثم قال: لله منزل نزله سعد بن مالك وعبد الله بن عمر، والله لئن كان ذنبا إنه لصغير مغفور، وإن كان حسنا إنه لعظيم مشكور.
قلت: ما أحسنها لولا أنها منقطعة السند.
وقال الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: دخلت على حفصة، فقلت: قد كان بين النَّاسِ مَا تَرَيْنَ، وَلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ. قَالَتْ: فَالْحَقْ بِهِم، فَإِنَّهُم يَنتظِرُوْنَكَ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُوْنَ فِي احْتِبَاسِكَ عَنْهُم فرقة، فذهب.
فَلَمَّا تَفرَّقَ الحَكمَانِ خَطَبَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيْدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الأَمْرِ فليطلع إلي قرنه فلنحن أحق بهذا الأمر مِنْهُ وَمِنْ أَبِيْهِ -يُعَرِّضُ بِابْنِ عُمَرَ- قَالَ ابن عمر: فحللت

(2/530)


حبوتي وهممت أن أقول: أحق به مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الإِسْلاَمِ. فَخَشِيتُ أَنْ أقول كلمة تفرق الجمع وتسفك الدَّمُ، فَذَكَرتُ مَا أَعَدَّ اللهُ فِي الجنَانِ.
قال جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ، عَنْ يَعْلَى، عَنْ نَافِعٍ، قال: قال أبو موسى: لا أرى لها غير ابن عمر، فقال عمرو لابن عمر: أما تريد أَنْ نُبَايِعَكَ؟ فَهلْ لَكَ أَنْ تُعطَى مَالاً عظيما على أن تدع هَذَا الأَمْرَ لِمَنْ هُوَ أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْكَ. فغضب ابن عمر وقام. رواه معمر. عن الزهري.
وفيها أخرج علي سهل بن حنيف على أهل فارس، فمانعوه، فوجه علي زيادا، فصالحوه وأدوا الخراج.
وفيها قال أبو عبيدة: خرج أهل حروراء في عشرين ألفا، عليهم شبث بن ربعي، فكلمهم علي فحاجهم، فرجعوا.
وقال سليمان التيمي، عن أنس، قال: قال شبث بن ربعي: أنا أول من حرر الحرورية، فقال رجل: ما في هذا ما تمتدح به.
وعن مغيرة قال: أول من حكم ابن الكواء، وشبث.
قلت: معنى قوله: "حكم" هذه كلمة قد صارت سمة للخوارج، يقال: "حكم" إذا خرج وقال: لا حكم إلا الله.
وتوفي فيها:
جهجاه بن قيس -وقيل بن سعيد- الغفاري، مدني، له صحبة شهد بيعة الرضوان، وكان في غزوة المريسع أجيرا لعمر، ووقع بينه وبين سنان الجهني، فنادى: يا للمهاجرين: ونادى سنا: يا للأنصار.
وعن عطاء بن يسار، عن جهجاه أنه هو الذي شرب حلاب سبع شياه قبل أن يسلم، فلما أسلم لم يتم حلاب شاة.
وقال ابن عبد البر: هو الذي تناول العصا من يد عثمان -رضي الله عنه- وهو يخطب، فكسرها على ركبته، فوقعت فيها الآكلة، وكانت عصَا رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. تُوُفِّيَ بعد عثمان بسنة.
حابس بن سعد الطائي: ولي قضاء حمص زمن عمر، وكان أبو بكر قد وجهه إلى الشام، وكان من العباد. روى عنه: جبير بن نفير. قتل يوم صفين مع معاوية.

(2/531)


ذو الكلاع الحميري، اسمه السميفع، ويقال: سميفع بن ناكور. وقيل: اسمه أيفح، كنيته أبو شرحبيل.
أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل: له صحبة، فروى ابن لهيعة، عن كعب بن علقمة، عن حسان بن كليب، سمع ذا الكلاع، يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: "اتركوا الترك ما تركوكم".
كان ذو الكلاع سيد قومه، شهد يوم اليرموك، وفتح دمشق، وكان على ميمنة معاوية يوم صفين. روى عن: عمر، وغير واحد روى عنه: أبو أزهر بن سعيد، وزامل بن عمرو، وأبو نوح الحميري.
والدليل على أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ما روى إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير، قال: كنت باليمن، فلقيت رجلين من أهل اليمن: ذا الكلاع، وذا عمرو، فجعلت أحدثهم عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقبلا معي، حتى إذا كنا في بعض الطريق، رفع لنا ركب من قبل المدينة، فسألناهم، فقالوا: قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أبو بكر. الحديث رواه مسلم.
وروى علوان بن داود، عن رجل، قال: بعثني أهلي بهدية إلى ذي الكلاع، فلبثت على بابه حولا لا أصل إليه، ثم إنه أشرف من القصر، فلم يبق حوله أحد إلا سجد له، فأمر بهديتي فقبلت، ثم رأيته بعد في الإسلام، وقد اشترى لحما بدرهم فسمطه على فرسه.
وروى أن ذا الكلاع لما قدم مكة كان يتلثم خشية أن يفتتن أحد بحسنه. وكان عظيم الخطر عند معاوية، وربما كان يعارض معاوية، فيطيعه معاوية.
عبد الله بن بديل بن ورقاء بن عبد العزى الخزاعي، كنيته أبو عمرو.
روى البخاري في "تاريخه" أنه ممن دخل على عثمان، فطعن عثمان في ودجه، وعلا التنوخي عثمان بالسيف.
أسلم مع أبيه قبل الفتح، وشهد الفتح وما بعدها، وكان شريفا وجليلا. قتل هو وأخوه عبد الرحمن يوم صفين مع علي، وكان على الرجالة.
قال الشعبي: كان على عبد الله يومئذ درعان وسيفان، فأقبل يضرب أهل الشام حتى انتهى إلى معاوية، فتكاثروا عليه فقتلوه، فلما رآه معاوية صريعا قال: والله لو استطاعت نساء خزاعة لقاتلتنا فضلا عن رجالها.
عبد الله بن كعب المرادي، من كبار عسكر علي. قتل يوم صفين، ويقال: إن له صحبة.

(2/532)


عبيد اللهِ ابْنِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ القرشي العدوي المدني.
ولد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع أباه، وعثمان، وَأَرْسَلَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كنيته أبو عيسى، غزا في أيام أبيه. وأمه أم كلثوم الخزاعية.
وعن أسلم، أن عمر ضرب ابنه عبيد الله بالدرة، وقال: أتكتني بأبي عيسى، أو كان لعيسى أب!
وقد ذكرنا أن عبيد الله لما قتل عمر أخذ سيفه وشد على الهرمزان فقتله، وقتل جفينة، ولؤلؤة بنت أبي لؤلؤة، فلما بويع عثمان هم بقتله، ثم عفا عنه. وكان قد أشار علي على عثمان بقتله، فلما بويع ذهب عبيد الله هاربا منه إلى الشام. وكان مقدم جيش معاوية يوم صفين، فقتل يومئذ. ويقال: قتله عمار بن ياسر، وقيل: رجل من همدان، ورثاه بعضهم بقصيدة مليحة.
أبو فضالة الأنصاري، بدري، قتل مع علي يوم صفين انفرد بهذا القول محمد بن راشد، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وليسا بحجة.
أبو عمرة الأنصاري، بشير بن عمرو بن محصن الخزرجي النجاري، وقيل اسم أبي عمرة: بشير، وقيل: ثعلبة، وقيل: عمرو.
بدري كبير، له رواية في النسائي، روى عنه: ابنه عبد الرحمن بن أبي عمرة، ومحمد ابن الحنفية، وقتل يوم صفين مع علي، قاله ابن سعد.
سنة ثمان وثلاثين:
فيها: وجه معاوية من الشام عبد الله بن الحضرمي في جيش إلى البصرة ليأخذها، وبها زياد بن أبيه من جهة علي، فنزل ابن الحضرمي في بني تميم، وتحول زياد إلى الأزد، فنزل على صبرة بن شيمان الحداني، وكتب إلى علي فوجه علي أعين بن ضبيعة المجاشعي، فقتل أعين غيلة على فراشه. فندب علي جارية بن قدامة السعدي، فحاصر ابن الحضرمي في الدار التي هو فيها، ثم حرق عليه.

(2/533)


أمر الخوارج:
وفي شعبان: ثارت الخوارج وخرجوا على علي رضي الله عنه، وأنكروا عليه كونه حكم الحكمين، وقالوا: حكمت في دين الله الرجال، والله يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّه} [الأنعام: 57] ، وكفروه، واحتجوا بقوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] ، فناظرهم، ثم أرسل إليهم عبد الله بن عباس، فبين لهم فساد شبههم، وفسر لهم، واحتج بقوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُم} [المائدة: 95] ، وبقوله: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] ، فرجع إلى الصواب منهم خلق، وسار الآخرون، فلقوا عبد الله بن خباب بن الأرت، ومعه امرأته، فقالوا: من أنت؟ فانتسب لهم، فسألوه عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فأثنى عليهم كلهم، فذبحوه وقتلوا امرأته، وكانت حبلى، فبقروا بطنها، وكان من سادات أبناء الصحابة.
وفيها: سارت الخوارج لحرب علي، فكانت بينهم "وقعة النهروان"، وكان على الخوارج عبد الله بن وهب السبئي، فهزمهم علي وقتل أكثرهم، وقتل ابن وهب. وقتل من أصحاب علي اثنا عشر رجلا.
وقيل في تسميتهم "الحرورية"؛ لأنهم خرجوا على علي من الكوفة، وعسكروا بقرية قريب من الكوفة يقال لها: "حروراء"، واستحل علي قتلهم لما فعلوا بابن خباب وزوجته.
وكانت الوقعة في شعبان سنة ثمان، وقيل: في صفر.
قال عكرمة بن عمار: حدثني أبو زميل أن ابن عباس قال: لما اجتمعت الخوارج في دارها، وهم ستة آلاف أو نحوها، قلت لعلي: يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة لعلي ألقى هؤلاء، فإني أخافهم عليك، قال: كلا. قال: فلبس ابن عباس حلتين من أحسن الحلل، وكان جهيرا جميلا، قال: فأتيت القوم، فلما رأوني، قالوا: مرحبا بابن عباس وما هذه الحلة؟ قلت: وما تنكرون من ذلك؟ لقد رأيت عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حلة من أحسن الحلل، قال: ثم تلوت عليهم: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32] .
قالوا: فما جاء بك؟ قلت: جئتكم من عند أمير المؤمنين، ومن عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أرى فيكم أحدا منهم، ولأبلغنكم ما قالوا، ولأبلغنهم ما تقولون، فما تنقمون من ابْنِ عَمِّ رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصهره؟ فأقبل بعضهم على بعض، فقالوا: لا تكلموه فإن الله يقول: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُون} [الزخرف: 58] ، وقال بعضهم: ما يمنعنا من كلامه،

(2/534)


ابْنِ عَمِّ رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويدعونا إلى كتاب الله. قال: فقالوا: ننقم عليه ثلاث خلال: إحداهن أنه حكم الرجال في دين الله، وما للرجال ولحكم الله، والثانية: أنه قاتل فلم يسب ولم يغنم، فإن كان قد حل قتالهم فقد حل سبيهم، وإلا فلا، والثالثة: محا نفسه من "أمير المؤمنين"، فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير المشركين. قلت: هل غير هذا؟ قالوا: حسبنا هذا.
قلت: أرأيتم إن خرجت لكم من كتاب الله وسنة رسوله أراجعون أنتم؟ قالوا: وما يمنعنا، قلت: أما قولكم أما قولكم إنه حكم الرجال في أمر الله، فإني سمعت الله تعالى يقول في كتابه: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُم} [المائدة: 95] ، وذلك في ثمن صيد أرنب أو نحوه قيمته ربع درهم فوض الله الحكم فيه إلى الرجال، ولو شاء أن يحكم لحكم، وقال: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ} [النساء: 35] ، أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم.
قلت: وأما قولكم: قاتل فلم يسب، فغنه قاتل أمكم؛ لأن الله يقول: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم} [الأحزاب: 6] ، فإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم، وإن زعمتم أنها أمكم فما حل سباؤها، فأنتم بين ضلالتين، أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم.
قلت: وأما قولكم: إنه محا اسمه من أمير المؤمنين، فإني أنبئكم عن ذلك: أما تعلمون أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الحديبية جرى الكتاب بينه وبين سهيل بن عمرو، فقال: "يا علي اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الل هـ -صلى الله عليه وسلم "، فقالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال: "اللهم إنك تعلم أني رسولك"، ثم أخذ الصحيفة فمحاها بيده، ثم قال: "يا علي اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله"، فوالله ما أخرجه ذلك من النبوة، أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم.
قال: فرجع ثلثهم، وانصرف ثلثهم، وقتل سائرهم على ضلالة.
قال عوف: حدثنا أبو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "تفترق أمتي فرقتين، تمرق بينهما مارقة تقتلهم أولى الطائفتين بالحق" 1. وكذا رواه قتادة، وسليمان التيمي، عن أبي نضرة.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1065"، وأبو داود "4667".

(2/535)


وقال ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بنِ سَعِيْدٍ، عن عبيد الله بن أبي رافع، أن الحرورية لما خرجت على علي، قالوا: لا حكم إلا لله، فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل، أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء الذين يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم -وأشار إلى حلقه- من أبغ خلق الله إليه، منهم أسود إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي، فلما قاتلهم علي، قال: انظروا فلم يجدوا شيئا، قال: ارجعوا، فوالله ما كذبت ولا كذبت، ثم وجدوه في خربة، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه. قال عبيد الله: وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي فيهم.
وقال يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عبيد الله بن عياض، أن عبد الله بن شداد بن الهاد دخل على عائشة ونحن عندها ليالي قتل علي، فقالت: حدثني عن هؤلاء الذين قاتلهم علي، قال: إن عليا لما كاتب معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس -يعني عبادهم- فنزلوا بأرض حروراء من جانب الكوفة، وقالوا: انسلخت من قميص ألبسك الله وحكمت في دين الله الرجال، ولا حكم إلا لله. فلما بلغ عليا ما عتبوا عليه، جمع أهل القرآن، ثم دعا بالمصحف إماما عظيما، فوضع بين يديه، فطفق يحركه بيده ويقول: أيها المصحف حدث الناس. فناداه الناس ما تسأل؟ إنما هو مداد وورق، ونحن نتكلم با روينا منه، فماذا تريد؟ فقال: أصحابكم الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله تعالى، يقول في كتابه: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] ، فأمة محمد أعظم حقا وحرمة من رجل وامرأة، وذكر الحديث شبه ما تقدم، قال: فرجع منهم أربعة آلاف، فيهم ابن الكواء، ومضى الآخرون. قالت عائشة: فلم قتلهم؟ قال قطعوا السبيل، واستحلوا أهل الذمة، وسفكوا الدم.
سنة تسع وثلاثين:
فيها: كانت وقعة الخوارج بحروراء بالنخيلة، قاتلهم علي -رضي الله عنه- فكسرهم، وقتل رؤوسهم، وسجد شكرا لله تعالى لما أتى بالمخدج إليه مقتولا. وكان رؤوس الخوارج زيد بن حصن الطائي، وشريح بن أوفى العبسي، وكانا على المجنبتين، وكان رأسهم عبد الله بن وهب السبئي، وكان على رجالتهم حرقوص بن زهير.
وفيها: بعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي ليقيم الحج، فنازعه قثم بن العباس ومانعه،

(2/536)


وكان من جهة علي، فتوسط بينهما أبو سعيد الخدري وغيره، فاصطلحا، على أن يقيم الموسم شيبة بن عثمان العبدري حاجب الكعبة.
وقيل: توفي فيها أم المؤمنين ميمونة، وحسان بن ثابت الأنصاري، وسيأتيان.
وكان علي قد تجهز يريد معاوية، فرد من عانات، واشتغل بحرب الخوارج الحرورية، وهم العباد والقراء من أصحاب علي الذين مرقوا من الإسلام، وأوقعهم الغلو في الدين إلى تكفير العصاة بالذنوب، وإلى قتل النساء والرجال، إلا من اعترف لهم بالكفر وجدد إسلامه.
ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، سمع محمد ابن الحنفية يقول: كان أبي يريد الشام، فجعل يعقد لواءه، ثم يحلف لا يحله حتى يسير فيأبى عليه الناس، وينتشر عليه رأيهم، ويجبنون فيحله ويكفر عن يمينه، فعل ذلك أربع مرات، وكنت أرى حالهم فأرى ما لا يسرني، فكلمت المسور بن مخرمة يومئذ، وقلت: ألا تكلمه أين يسير بقوم لا والله ما أرى عندهم طائلا. قال: يا أبا القاسم يسير لأمر قد حم، قد كلمته فرأيته يأبى إلا المسير. قال ابن الحنفية: فلما رأى منهم ما رأى، قال: اللَّهُمَّ إِنِّيْ قَدْ مَلِلْتُهُم وَمَلُّوْنِي، وَأَبْغَضْتُهُم وَأَبْغَضُوْنِي، فأبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا مني.
سنة أربعين:
فيهاك بعث معاوية إلى اليمن بسر بن أبي أرطاة القرشي العامري في جنود، فتنحى عنها عامل علي عبيد الله بن عباس، وبلغ عليا فجهز إلى اليمن جارية بن قدامة السعدي فوثب بسر على ولدي عبيد الله بن عباس صبيين، فذبحهما بالسكين وهرب، ثم رجع عبيد الله على اليمن.
قال ابن سعد: قالوا: انتدب ثلاثة من الخوارج، وهم: عبد الرحمن بن ملجم المرادي، والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكير التميمي، فاجتمعوا بمكة، فتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، ويريحوا العباد منهم فقال ابن ملجم: أنا لعلي، وقال البرك: أنا لكم لمعاوية، وقال الآخر: أنا أكفيكم عمرا. فتواثقوا أن لا ينكصوا، واتعدوا بينهم أن يقع ذلك ليلة سبع عشرة من رمضان، ثم توجه كل رجل منهم إلى بلد بها صاحبه، فقدم ابن ملجم الكوفة،

(2/537)


فاجتمع بأصحابه من الخوارج، فأسر إليهم، وكان يزورهم ويزورونه. فرأى قطام بنت شجنة من بني تيم الرباب، وكان علي قتل أباها وأخاها يوم النهروان، فأعجبته، فقالت: لا أتزوجك حتى تعطيني ثلاثة آلاف درهم، وتقتل عليا، فقال: لك ذلك. ولقي شبيب بن بجرة الأشجعي، فأعلمه ودعاه إلى أن يكون معه، فأجابه.
وبقي ابن ملجم في الليلة التي عزم فيها على قتل علي يناجي الأشعث بن قيس في مسجده حتى كاد يطلع الفجر، فقال له الأشعث: فضحك الصبح، فقام هو وشبيب، فأخذوا أسيافهما، ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي، فذكر مقتل علي رضي الله عنه، فلما قتل أخذوا عبد الرحمن بن ملجم، وعذبوه وقتلوه.
وقال حَجَّاجُ بنُ أَبِي مَنِيْعٍ: حَدَّثَنَا جَدِّي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: تَعَاهَدَ ثَلاَثَةٌ مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ عَلَى قَتْلِ مُعَاوِيَةَ، وَعَمْرِو بنِ العاص، وحبيب بن مسلمة، وأقبلوا بعد ما بويع معاوية.
من توفي فيها: الحارث بن خزمة بن عدي، أبو بشير الأنصاري الأشهلي.
شهد بدرا والمشاهد كلها، وهو من حلفاء بني عبد الأشهل. توفي بالمدينة سنة أربعين وله سبع وستون سنة. وخزمة: بفتحتين، قيده ابن ماكولا.
خارجة بن حذافة بن غانم.
قال ابن ماكولا: له صحبة، وشهد فتح مصر، وكان أمير ربع المدد الذين أمد بهم عمر بن الخطاب عمرو بن العاص، وكان على شرطة مصر في خلافة عمر، وفي خلافة معاوية، قتله عمرو بن بكير الخارجي بمصر، وهو يعتقد أنه عمر بن العاص.
روى عنه عبد الله بن أبي مرة حديثا.
شرحبيل بن السمط بن الأسود الكندي، أبو يزيد، ويقال: أبو السمط.
له صحبة ورواية. وروى أيضا عن عمر، وسلمان الفارسي. وعنه: جبير بن نفير، وكثير بن مرة، وجماعة.
قال البخاري: كان على حمص، وهو الذي افتتحها وكان فارسا بطلا شجاعا، قيل: إنه شهد القادسية. وكان قد غلب الأشعث بن قيس على شرف كندة، واستقدمه معاوية قبل صفين يستشيره.

(2/538)


وقد قال الشعبي: إن عمر استعمل شرحبيل بن السمط على المدائن، واستعمل أباه بالشام، فكتب إلى عمر: إنك تأمر أن لا يفرق بين السبايا وأولادهن، فإنك قد فرقت بيني وبين ابني، قال: فألحقه بابنه.
قال يزيد بن عبد ربه الحمصي: توفي شرحبيل سنة أربعين.
عبد الرحمن بن ملجم المرادي، قاتل علي رضي الله عنه.
خارجي مفتر، ذكره ابن يونس في "تاريخ مصر" فقال: شهد فتح مصر، واختط بها مع الأشراف، وكان ممن قرأ القرآن، والفقه، وهوأحد بني تدول وكان فارسهم بمصر. قرأ القرآن على معاذ بن جبل، وكان من العباد، ويقال: هو الذي أرسل صبيغا التميمي إلى عمر، فسأله عما سأله من مستعجم القرآن.
وقيل: إن عمر كتب إلى عمرو بن العاص: أن قرب دار عبد الرحمن بن ملجم من المسجد ليعلم الناس القرآن والفقه، فوسع له مكان داره، وكانت إلى جانب دار عبد الرحمن بن عديس البلوي، يعني أحد من أعان على قتل عثمان. ثم كان ابن ملجم من شيعة علي بالكوفة سار إليه إلى الكوفة، وشهد معه صفين.
قلت: ثم أدركه الكتاب، وفعل ما فعل، وهو عند الخوارج من أفضل الأمة، وكذلك تعظمه النصيرية.
قال الفقيه أبو محمد بن حزم: يقولون: إن ابن ملجم أفضل أهل الأرض، خلص روح اللاهوت من ظلمة الجسد وكدره.
فاعجبوا يا مسلمون لهذا الجنون.
وفي ابن ملجم يقول عمران بن حطان الخارجي.
يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا ... إِلاَّ لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي العَرْشِ رِضْوَانَا
إِنِّي لأَذْكُرُهُ حِيْناً فَأَحْسِبُهُ ... أَوْفَى البَرِيَّةِ عِنْدَ اللهِ ميزانا
وابن ملجم عند الروافض أشقى الخلق في الآخرة. وهو عندنا أهل السنة ممن نرجو له النار، ونجوز أن الله يتجاوز عنه، لا كما يقول الخوارج والروافض فيه، وحكمه حكم قاتل عثمان، وقاتل الزبير، وقاتل طلحة، وقاتل سعيد بن جبير، وقاتل عمار، وقاتل خارجة، وقاتل الحسين، فكل هؤلاء نبرأ منهم ونبغضهم في الله، ونكل أمورهم إلى الله عز وجل.

(2/539)


المتوفون في خلافة علي تحديدا وتقريبا على الحروف:
رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان، أبو معاذ الأنصاري الزرقي، أخو مالك وخلاد.
شهد بدرا هو وأخوه خلاد، وكان أبوه من نقباء الأنصار، له أحاديث. روى عنه ابناه: عبيد ومعاذ، وابن أخيه يحيى بن خلاد، وغيرهم. وله عقب كثير بالمدينة، وبغداد.
توفي في حدود سنة أربعين.
وقال ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ.
صفوان بن عسال المرادي: غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة، وله أحاديث. روى عنه: زر بن حبيش، وعبد الله بن مسلمة المرادي، وأبو الغريف عبيد الله بن خليفة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن. وسكن الكوفة.
قرظة بن كعب الأنصاري الخزرجي: أحد فقهاء الصحابة، وهو أحد العشرة الذين وجههم عمر إلى الكوفة ليعلموا الناس، ثم شهد فتح الري زمن عمر، وولاه علي على الكوفة، ثم سار إلى الجمل مع علي، ثم شهد صفين.
توفي بالكوفة، وصلى عليه علي على الصحيح، وهو أول من نيح عليه بالكوفة، وقيل: توفي بعد علي.
القعقاع بن عمرو التميمي: قيل: إنه شهد وَفَاةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وله أثر عظيم في قتال الفرس في القادسية وغيرها، وكان أحد الأبطال المذكورين، يقال: إن أبا بكر قال: صوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل. وشهد الجمل مع علي وكان الرسول في الصلح يومئذ بين الفريقين، وسكن الكوفة.
سحيم عبد بني الحسحاس: شاعر مفلق، بديع القول، لا صحبة له.
روى معمر، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن السائب، قال: قيل لعمر -رضي الله عنه: هذا عبد بني الحسحاس يقول الشعر، دعاه فقال: كيف قلت؟ فقال:
ودع سليمى إن تجهزت غاديا ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
قال: حسبك، صدقت صدقت. هذا حديث صحيح.
وهذه قصيدة طنانة يقول بها:

(2/540)


جنونا بها فيما اعتلقنا علاقة ... علاقة حب ما استسر وباديا
ليالي تصطاد الرجال بفاحم ... تراه أثيثا ناعم النبت عافيا
وجيد كجيد الريم ليس بعاطل ... من الدر والياقوت أصبح حاليا
كأن الثريا علقت فوق نحرها ... وجمر غضى هبت له الريح زاكيا
إذا اندفعت في ريطة وخميصة ... وألقت بأعلى الرأس سبا يمانيا
تريك غداة البين كفا ومعصما ... ووجها كدينار الأعزة صافيا
فلو كنت وردا لونه لعشقتني ... ولكن ربي شانني بسواديا
أتكتم حييتم على الناي تكتما ... تحية من أمسى بحبك مغرما
وماشية مشي القطاة اتبعتها ... من السر تخشى أهلها أن تكلما
فقالت له: يا ويح غيرك إنني ... سمعت كلاما بينهم يقطر الدما
وله من قصيدة:
وإن لا تلاقي الموت في اليوم فاعلمن ... بأنك رهن أن تلاقيه غدا
رأيت المنايا لم يدعن محمدا ... ولا أحدا إلا له الموت أرصدا
وقيل: إن سحيما لما أكثر التشبيب بنساء الحي عزموا على قتله، فبكت امرأة كان يرمى بها فقال:
أمن سمية دمع العين مذروف ... لو أن ذا منك قبل اليوم معروف
المال مالكم والعبد عبدكم ... فهل عذابك عني اليوم مصروف
كأنها يوم صدت ما تكلمنا ... ظبي بعسفان ساجي الطرف مطروف
ثم قتل عفا الله عنه.
تم الجزء الثاني ويليه: الجزء الثالث
وأوله: أبو عبيدة بن الجراح

(2/541)


فهرس الموضوعات
الصفحة الموضوع
5 سنة ست من الهجرة
5 غزوة ذي قرد
9 مقتل أبي رافع اليهودي
12 قتل ابن نبيح الهذلي
13 غزوة بني المصطلق كما أرخها ابن إسحاق، وتقدمت سنة خمس
14 سرية نجد
15 سرية عكاشة بن محصن
15 سرية أبي عبيدة إلى ذي القصة
15 سرية زيد بن حارثة بالجموم
15 سريد زيد بن حارثة إلى الطرف
15 سرية زيد بن حارثة إلى العيص
15 سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى
16 سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دُومة الجندل
16 سرية كُرز بن جابر الفهري إلى العُرنيين
17 إسلام أبي العاص بن الربيع
19 سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير بن زارم.
20 قصة غزوة الحديبية
39 نزول سورة الفتح
43 بعض الحودث في سنة ست
44 السنة السابعة
44 غزوة خيبر
46 حديث الراية
50 فصل: فيمن ذكر أن مرحبا قتله محمد بن مسلمة
52 ذكر صفية رضي الله عنها
57 ذكر من استشهد على خيبر
57 قدوم جعفر بن أبي طالب ومن معه
60 شأن الشاة المسمومة
63 غزوة وادي القرى
65 قدوم حاطب بن أبي بلتعة من الرسلية إلى المقوقس
65 وفاة ثوبية مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم

(2/545)


65 سرية أبي بكر -رضي الله عنه- إلى نجد
66 سرية عمر -رضي الله عنه- إلى عجز هوازن
66 سرية بشير بن سعد
67 سرية غالب بن عبد الله الليثي
68 سرية حنان
69 سرية أبي حدرد إلى الغابة
69 سرية محلم بن جثامة
71 سرية عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي
71 عمرة القضية
74 تزويجه صلى الله عليه وسلم بميمونة
76 سنة ثمان من الهجرة
76 إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد
79 سرية شجاع بن وهب الأسدي
80 سرية نجد
80 سرية كعب بن عمير
80 غزوة مؤتة
88 ترجمة جعفر بن أبي طالب
88 ترجمة زيد بن حارثة
90 ترجمة عبد الله بن رواحة
92 شهداء مؤنة
92 ذكر رسل النبي صلى الله عليه وسلم
99 غزوة ذات السلاسل
102 غزوة سيف البحر
103 سرية أبي قتادة إلى خضرة
103 وفاة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم
104 فتح مكة شرفها الله وعظمها
128 غزوة بني جذيمة
130 غزوة حنين
138 غزوة أوطاس
139 غزوة الطائف
143 قسم غنائم حنين وغير ذلك
150 عمرة الجعرانة
151 قصة كعب بن زهير
157 السنة التاسعة
157 ذكر بعض أحداثها
158 غزوة تبوك في رجب
169 أمر الذين خلفوا
174 موت عبد الله بن أبي
177 ذكر قدوم وفود العرب
178 وفد ثقيف
182 السنة العاشرة
182 وفد بني تميم
184 وفد بني عامر
185 وافد بني سعد
186 وفد بني حنيفة
188 وفد طيئ

(2/546)


189 قدوم فروة بن مسيك المرادي
189 وفد كندة
190 إسلام ملوك اليمن
190 بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن
194 وفاة إِبْرَاهِيْمَ ابْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
195 حجة الوداع
201 سنة إحدى عشرة
201 سرية أسامة
202 فصل: في معجزاته صلى الله عليه وسلم
222 باب: من إخباره بالكوائن بعده، فوقعت كما أخبر.
240 باب: جامع من دلائل النبوة
242 باب: آخر سورة نزلت
244 باب: في النسخ والمحو من الصدور
245 ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم
256 خاتم النبوة
258 باب: جامع من صفاته صلى الله عليه وسلم
268 باب: قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم}
273 باب: هيبته وجلاله وحبه وشجاعته وقوته وفصاحته
275 باب: زهده صلى الله عليه وسلم
282 فصل: من شمائله وأفعاله صلى الله عليه وسلم
282 باب: من اجتهاده وعبادته صلى الله عليه وسلم
285 باب: في مزاحه ودماثة أخلاقه الزكية
290 باب: في ملابسه صلى الله عليه وسلم
295 باب: منه
298 باب: خواتيم النبي صلى الله عليه وسلم
300 باب: نعل النبي صلى الله عليه وسلم وخفه
301 باب: مشطه ومكحلته صلى الله عليه وسلم ومرآته وقدحه وغير ذلك
302 باب: سلاح النبي صلى الله عليه وسلم ودوابه وعدته
308 وقد سحر النبي صلى الله عليه وسلم وسم في شواء
310 باب: ما وجد من صورة نبينا وصور الأنبياء عند أهل الكتاب بالشام
316 باب: في خصائصه صلى الله عليه وسلم وتحديثه أمته بها
321 باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم
327 باب: حال النبي صلى الله عليه وسلم لما احتضر
329 باب: وفاته صلى الله عليه وسلم
333 تاريخ وفاته صلى الله عليه وسلم
336 باب: عمر النبي صلى الله عليه وسلم والخلف فيه
338 باب: غسله وكفنه ودفنه صلى الله عليه وسلم
343 صفة قبره صلى الله عليه وسلم
344 باب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف ولم يوص إلى أحد بعينه بل نبه على الخلافة بأمر الصلاة
347 باب: تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم
355 ترجمة أبي بكر الصديق ومناقبه
365 ذكر عمال أبي بكر

(2/547)


366 خلافة الصديق
371 قصة الأسود العنسي
374 جيش أسامة بن زيد رضي الله عنها
375 شأن أبي بكر وفاطمة رضي الله عنهما
381 خبر الردة
378 مقتل مالك بن نويرة التميمي الحنظلي اليربوعي
381 قتال مسيلمة الكذاب
383 وفاة فاطمة رضي الله عنها
385 وفاة عبد الله بن أبي بكر الصديق
389 سنة اثنتي عشرة وقعة اليمامة
389 من استشهد من الصحابة يوم اليمامة وقعة جواثا
393 أبو بكر يبعث خالد بن الوليد إلى أرض البصرة
393 أبو بكر يأمر بكتابة القرآن
394 مسير خالد إلى الشام
394 سنة ثلاث عشرة أبو بكر يوجه الجنود إلى الشام
395 وقعة مرج الصفر
396 وقعة فحل
396 وفاة أبي بكر رضي الله عنه
397 سيرة عمر الفاروق رضي الله عنه
397 ترجمة عمر الفاروق ومناقبه
713 ذكر نسائه وأولاده
713 الفتح في عهده
713 استشهاده رضي الله عنه
419 الحوادث في خلافة عمر الفاروق
419 سنة أربع عشرة
419 فتح دمشق
419 توجيه الجيوش إلى العراق
420 وقعة الجسر
421 حمص
422 البصرة
423 شهداء موقعة الجسر وغيرها
425 بعض حوادث السنة
425 سنة خمس عشرة
425 فتح الأردن
425 يوم اليرموك
426 وقعة القادسية
428 بعض من توفي في هذه السنة
429 سنة ست عشرة
429 فتح الأهواز
430 دخول المسلمين مدينة بهرشير
431 وقعة جلولاء
432 قنسرين
432 بعض حوادث النسة
432 سنة سبع عشرة
433 عام الرمادة

(2/548)


433 عمر يولي أبا موسى إمرة البصرة
433 تزويج عمر بأم كلثوم بنت فاطمة الزهراء رضي الله عنهم
433 سنة ثمان عشرة
433 فتح حلوان
433 طاعون عمواس
434 فتح حران ونصيبين وغيرها
434 سنة تسع عشرة
434 فتح قيسارية
434 بعض حوادث السنة
434 سنة عشرين
434 فتح مصر
435 غزوة تستر
436 عمر يجلي اليهود من جزيرة العرب
436 سنة إحدى وعشرين
437 نهاوند
438 فتح برقة وأنطاكية وملقية وغيرها
439 سنة اثنتين وعشرين
439 فتح أذربيجان والدينور وهمذان وغيرها
439 فتح جرجان والري وغيرهما
440 خبر السد
442 سنة ثلاث وعشرين
442 عمر ينادي: يا سارية الجبل
443 فتح كرمان وسجستان ومكران وأصبهان وغيرها
433 ذكر بعض من توفي في خلافة عمر -رضي الله عنه- مجملا
449 سيرة ذي النورين عثمان رضي الله عنه
449 ترجمة ذي النورين عثمان ومناقبه
459 الحودث في خلافة ذي النورين عثمان
459 سنة أربع وعشرين
459 بيعة عثمان
461 بعض حوادث السنة
462 سنة خمس وعشرين
462 عَزَلَ سَعْدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الكُوْفَةِ
462 انتقاض أهل الإسكندرية
462 بعض حوادث السنة
462 سنة ست وعشرين
462 عثمان يوسع المسجد الحرام
462 فتح سابور
463 سنة سبع وعشرين
463 معاوية يغزو قبرس
463 عزل عمرو بن العاص عن مصر
463 عبد الله بن سعد يفتح إفريقية
465 سنة ثمان وعشرين وبعض حوادثها
465 سنة تسع وعشرين
465 عثان يعزل أبا موسى الأشعري عن البصرة بعبد الله بن عامر
465 فتح إصطخر

(2/549)


465 فتح فارس
466 عثمان يوسع المسجد النبوي
466 بعض حوادث السنة
467 سنة ثلاثين
467 عزل الوليد بن عقبة عن الكوفة
467 غزوة طبرستان وفتح جور من بلاد الفرس
467 فتح نيسابور
467 فتوح الأحنف بن قيس على عهد عثمان
468 كثرة الخراج على عهد عثمان
468 بعض من توفي في سنة ثلاثين
468 سنة إحدى وثلاثين
469 فتح نيسابور على قول الحاكم
469 عبد الله بن سعد يغزو في البحر
469 سنة اثنتين وثلاثين بعض حوادثها ومن توفي فيها
469 سنة ثلاث وثلاثين
470 سنة أربع وثلاثين
470 سنة خمس وثلاثين
470 مقتل عثمان رضي الله عنه
470 رد عثمان على منتقديه
471 أهل الكوفة تطلب إمرة أبي موسى
742 أهل مصر يطلبو عزل عمرو
473 عمار ين ياسر غاضب على عثمان
473 معاوية يطلب من عثمان الخروج إلى الشام
474 دور السبئية
476 عثمان يستمد أهل الأمصار
477 غلام عثمان في رسالة لوالي مصر.
478 حصار عثمان في داره
480 عثمان يرسل إلى علي
481 عثمان ينهى عن القتال الخارجين عليه
482 رؤيا عثمان
484 اقتحام دار عثمان
487 من مراثي عثمان
488 ذكر من توفي في خلافة عثمان تقريبا
495 سيرة أبي الحسنين رضي الله عنه
495 ترجمة أبي الحسنين علي ومناقبه
496 وصف علي رضي الله عنه
496 علي يوم خيبر
499 ولاية علي
502 حديث غدير خم
507 حديث أثبت حراء
507 بعث علي على القضاء
510 البيعة لعلي -رضي الله عنه- بعد مقتل عثمان
517 الحوادث في خلافة علي
517 سنة ست وثلاثين

(2/550)


517 وقعة الجمل
522 سنة سبع وثلاثين
522 وقعة صفين
527 تحكيم الحكمين
531 بعض من توفي فيها
533 سنة ثمان وثلاثين
534 أمر الخوارج
536 سنة تسع وثلاثين
537 سنة أربعين
537 معاوية يبعث بسر بن أبي أرطأة إلى اليمن
537 انتداب ثلاثة من الخوارج لقتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص
537 بعض من توفي هذه السنة
539 ترجمة المفتري عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي رضي الله عنه
540 المتوفون في خلافة علي تحديدا وتقريبا
543 فهرس الموضوعات

(2/551)