سير أعلام النبلاء، ط الحديث

كبار التابعين:
324- مروان بن الحكم 1: "خ"
ابن أَبِي العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، المَلِكُ، أَبُو عَبْدِ المَلِكِ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ.
وَقِيْلَ: يكنَّى أَبَا القَاسِمِ، وَأَبَا الحَكَمِ.
مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، وَهُوَ أَصْغَرُ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ, وَقِيْلَ: لَهُ رُؤْيَةٌ، وَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ.
رَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ.
وَعَنْهُ: سَهْلُ بنُ سَعْدٍ -وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ, وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَعُرْوَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنِ عَبْدِ الله، وَمُجَاهِدُ بنُ جَبْرٍ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ المَلِكِ.
وَكَانَ كَاتِبَ ابْنِ عَمِّهِ عُثْمَانَ، وَإِلَيه الخَاتِمُ، فَخَانَهُ، وَأَجْلَبُوا بِسَبِبِهِ عَلَى عُثْمَانَ، ثُمَّ نَجَا هُوَ، وَسَارَ مَعَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ، فَقَتَلَ طَلْحَةَ يَوْمَ الجَمَلِ، وَنَجَا -لاَ نُجِّيَ, ثُمَّ وَلِي المَدِيْنَةَ غَيْرَ مَرَّةٍ لِمُعَاوِيَةَ.
وَكَانَ أَبُوْهُ قَدْ طَرَدَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الطَّائِفِ، ثُمَّ أَقْدَمَهُ عُثْمَانُ إِلَى المَدِيْنَةِ؛ لأَنَّهُ عَمُّهُ. وَلَمَّا هَلَكَ وَلَدُ يَزِيْدَ؛ أَقْبَلَ مَرْوَانُ وانضمَّ إِلَيْهِ بَنُو أُمَيَّةَ وَغَيْرُهُم، وَحَارَبَ الضَّحَّاكَ الفِهْرِيَّ فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ دِمَشْقَ، ثُمَّ مِصْرَ، وَدَعَا بِالخِلاَفَةِ.
وَكَانَ ذَا شَهَامَةٍ, وَشَجَاعَةٍ، وَمَكْرٍ، وَدَهَاءٍ، أَحْمَرَ الوَجْهِ، قَصِيراً؛ أَوْقَصَ2، دَقِيْقَ العُنُقِ، كَبِيْرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، يلقَّب: خَيْطَ بَاطِلٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمَّا انْهَزَمُوا يَوْمَ الجَمَلِ، سَأَلَ عَلِيٌّ عَنْ مَرْوَانَ، وَقَالَ: يَعْطِفُنِي عَلَيْهِ رَحِمٌ مَاسَّةٌ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ سَيِّدٌ مِنْ شَبَابِ قريش.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 35"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1579"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1238"، الاستيعاب "3/ 1387"، أسد الغابة "5/ 144"، تجريد أسماء الصحابة "2/ ترجمة 764"، الإصابة "3/ ترجمة 7914"، تهذيب التهذيب "10/ ترجمة 166"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 6923".
2 الأوقص: قصير العنق خلقة.

(4/464)


وَقَالَ قَبِيْصَةُ بنُ جَابِرٍ: قُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ: مَنْ تَرَى لِلأَمْرِ بَعْدَكَ؟ فسمَّى رِجَالاً، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا القَارِئُ الفَقِيْهُ الشَّدِيدُ فِي حُدُوْدِ اللهِ، مَرْوَانُ.
قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ مَرْوَانُ يتتبَّع قَضَاءَ عُمَرَ.
وَرَوَى ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ مَرْوَانُ أَمِيْراً عَلَيْنَا، فَكَانَ يَسُبُّ رَجُلاً كُلَّ جُمُعَةٍ، ثُمَّ عُزِلَ بِسَعِيْدِ بنِ العَاصِ، وَكَانَ سَعِيْدٌ لاَ يَسُبُّهُ، ثُمَّ أُعِيْدَ مَرْوَانُ، فَكَانَ يَسُبُّ, فَقِيْلَ لِلْحَسَنِ: أَلاَ تسمع ما يقول؟ فَجَعَلَ لاَ يَرُدُّ شَيْئاً ... ، وَسَاقَ حِكَايَةً.
قَالَ عطاء بن السائب، عن أبي يحبى، قَالَ: كُنْتُ بَيْنَ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ وَمَرْوَانَ, وَالحُسَيْنُ يُسَابُّ مروان، فهناه الحَسَنُ. فَقَالَ مَرْوَانُ: أَنْتُم أَهْلُ بَيتٍ مَلْعُوْنُوْنَ, فَقَالَ الحَسَنُ: وَيْلَكَ, قُلْتَ هَذَا! وَاللهِ لَقَدْ لَعَنَ اللهُ أَبَاكَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ, وَأَنْتَ فِي صُلْبِهِ -يَعْنِي: قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ.
وَأَبُو يَحْيَى هَذَا: نَخَعِيٌّ، لاَ أَعْرِفُهُ.
جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: كَانَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ يُصَلِّيَانِ خَلْفَ مَرْوَانَ، وَلاَ يُعِيدَانِ.
العَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِذَا بَلَغَ بَنُو العَاصِ ثَلاَثِيْنَ رَجُلاً، اتَّخَذُوا مَالَ اللهِ دُوَلاً، وَدِيْنَ اللهِ دَغَلاً، وَعِبَادَ اللهِ خَوَلاً.
جَاءَ هَذَا مَرْفُوعاً، لَكِنْ فِيْهِ عَطِيَّةُ العَوْفِيُّ.
قُلْتُ: اسْتَولَى مَرْوَانُ عَلَى الشَّامِ ومصر تسعة أشهر، ومات خنقًا مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ.
قَالَ مَالِكٌ: تذكَّر مَرْوَانُ، فَقَالَ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ أَصْبَحْتُ فِيمَا أَنَا فِيْهِ مِنْ هرقِ الدِّمَاءِ وَهَذَا الشَّأْنِ؟!
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانُوا يَنْقِمُوْنَ عَلَى عُثْمَانَ تَقْرِيبَ مَرْوَانَ وَتَصَرُّفَهُ. وَقَاتَلَ يَوْمَ الجَمَلِ أشدَّ قِتَالٍ، فَلَمَّا رَأَى الهَزِيْمَةَ رَمَى طَلْحَةَ بسهمٍ فَقَتَلَهُ، وجُرِحَ يَوْمَئِذٍ، فحُمِلَ إِلَى بَيْتِ امْرَأَةٍ، فَدَاوَوْهُ، وَاخْتَفَى، فأمَّنه عَلِيٌّ، فَبَايَعَهُ، وَرُدَّ إِلَى المَدِيْنَةِ. وَكَانَ يَوْمَ الحَرَّةِ مَعَ مُسْرِفِ بنِ عُقْبَةَ يحرِّضه عَلَى قِتَالِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ.
قَالَ: وَعَقَدَ لِوَلَدَيْهِ؛ عَبْدِ المَلِكِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بَعْدَهُ، وزهَّد النَّاسَ فِي خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَوَضَعَ مِنْهُ، وسبَّه يَوْماً، وَكَانَ مُتَزَوِّجاً بِأُمِّهِ، فَأَضْمَرَتْ لَهُ الشَّرَّ، فَنَامَ فَوَثَبَتْ فِي جَوَارِيهَا، وغمَّته بِوِسَادَةٍ, قَعَدْنَ عَلَى جَوَانِبِهَا، فَتَلِفَ وَصَرَخْنَ، وظنَّ أَنَّهُ مَاتَ فُجَاءةً.
وَقِيْلَ: مَاتَ بِالطَّاعُوْنِ.

(4/465)


325- مُحَمَّدٌ بنُ أبي حُذَيْفَة 1:
هُوَ الأَمِيْرُ، أَبُو القَاسِمِ العَبْشَمِيُّ، أَحَدُ الأَشْرَافِ، وُلِدَ لأبيه لما هاجر الهِجْرَةَ الأُوْلَى إِلَى الحَبَشَةِ, وَلَهُ رُؤْيَةٌ. وَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ هَذَا ابْنَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ أَكْثَرَ.
وَكَانَ أَبُوْهُ مِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ البَدْرِيِّيْنَ, وَكَانَ جَدُّهُ عُتْبَةُ بنُ رَبِيْعَةَ سَيِّدَ المُشْرِكِيْنَ وَكَبِيْرَهُم، فقُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، واستُشْهِدَ أَبُو حُذَيْفَةَ يَوْمَ اليَمَامَةِ، فَنشَأَ مُحَمَّدٌ فِي حِجْر عُثْمَانَ.
وَأُمُّهُ: هِيَ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ العَامِرِيَّةُ, وتربَّى فِي حِشْمَةٍ وبأوٍ، ثُمَّ كَانَ مِمَّنْ قَامَ عَلَى عُثْمَانَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى إِمْرَةِ مِصْرَ.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُلَيْلٍ البَلَوِيُّ.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: وَانْبَرَى بِمِصْرَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حُذَيْفَةَ عَلَى مُتَوَلِّيهَا عُقْبَةَ بنِ مَالِكٍ، اسْتَعْمَلَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي سَرْحٍ لَمَّا وَفَدَ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَخْرَجَ عُقْبَةَ عَنِ الفُسْطَاطِ، وَخَلَعَ عُثْمَانَ.
وكان يسمَّى: مشئوم قُرَيْشٍ.
وَذَكَرَهُ شَبَابٌ فِي تَسْمِيَةِ عمَّال عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَلَى مِصْرَ، فَقَالَ: ولَّى مُحَمَّداً، ثُمَّ عَزَلَهُ بِقَيْسِ بنِ سَعْدٍ.
ابْنُ المُبَارَكِ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بنُ عِمْرَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مُلَيْلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ جَالِساً بِقُرْبِ المِنْبَرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَخَرَجَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَاسْتَوَى عَلَى المِنْبَرِ، فَخَطَبَ، وَقَرَأَ سُوْرَةً -وَكَانَ مِنْ أَقْرَأِ النَّاسِ, فَقَالَ عُقْبَةَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "ليقرأنَّ القُرْآنَ رِجَالٌ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُم، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّين كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ", فَسَمِعَهَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَقَالَ: وَاللهِ لَئِنْ كُنْتَ صَادِقاً -وَإِنَّكَ مَا عَلِمْتُ لَكَذُوبٌ- إِنَّكَ لَمِنْهُم2.
قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: حَمْلُ هَذَا الحَدِيْثِ أَنَّهُم يُجَمَّعون مَعَهُم، وَيَقُوْلُوْنَ لهم هذه المقالة.
__________
1 ترجمته في أسد الغابة "5/ 87"، الإصابة "3/ ترجمة 7767".
2 ضعيف: في إسناده عبد الملك بن مليل، مجهول، لذا فقد ذكره البخاري في "تاريخه" 3/ 1/ 432"، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. والخبر رواه أحمد في "المسند" "4/ 145" من طريق علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن المبارك، به.

(4/466)


ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي حُذَيْفَةَ بنِ عُتْبَةَ وَكَعْباً رَكِبَا سَفِيْنَةً، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَا كَعْبُ! أَمَا تَجِدُ سَفِيْنَتَنَا هَذِهِ فِي التَّوْرَاةِ كَيْفَ تَجْرِي؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ أَجِدُ فِيْهَا رَجُلاً أَشْقَى الفِتْيَةِ مِنْ قُرَيْشٍ، يَنْزُو فِي الفِتْنَةِ نَزْوَ الحِمَارِ، لاَ تَكُوْنُ أَنْتَ هُوَ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، قَالَ: انْطَلَقَ ابْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، حَتَّى دَخَلَ بِهِمُ الشَّامَ، فَفَرَّقَهُم نِصْفَيْنِ، فَسَجَنَ ابْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ وجماعة دمشق، وَسَجَنَ ابْنَ عُدَيْسٍ وَجَمَاعَةً بِبَعْلَبَكَّ.
وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: قُتِلَ ابْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بِفِلَسْطِيْنَ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ, وَكَانَ مِمَّنْ أَخْرَجَهُ مُعَاوِيَةُ مِنْ مِصْرَ.
قُلْتُ: عامَّة مَنْ سَعَى فِي دَمِ عُثْمَانَ قُتِلُوا، وَعَسَى القَتْلُ خَيْراً لَهُم وَتَمْحِيْصاً.

(4/467)


326- محمد بن أبي بكر الصديق 1:
وَلَدَتْهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ فِي حَجَّة الوَدَاعِ، وَقْتَ الإِحْرَامِ.
وَكَانَ قَدْ ولَّاه عُثْمَانُ إِمْرَةَ مِصْرَ، كَمَا هُوَ مبيَّن فِي سِيْرَةِ عُثْمَانَ، ثُمَّ سَارَ لِحِصَارِ عُثْمَانَ، وَفَعَلَ أَمْراً كَبِيْراً، فَكَانَ أَحَدَ مَنْ توثَّب عَلَى عُثْمَانَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ انضمَّ إِلَى عَلِيٍّ، فَكَانَ مِنْ أُمَرَائِهِ، فَسَيَّرَهُ عَلَى إِمْرَةِ مِصْرَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ فِي رَمَضَانِهَا، فَالْتَقَى هُوَ وَعَسْكَرُ مُعَاوِيَةَ، فَانْهَزَمَ جَمْعُ مُحَمَّدٍ، وَاخْتَفَى هُوَ فِي بَيْتِ مِصْرِيَّةٍ، فَدَلَّتْ عَلَيْهِ. فَقَالَ: احْفَظُونِي فِي أَبِي بَكْرٍ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ حُدَيْجٍ: قَتَلْتَ ثَمَانِيْنَ مِنْ قَوْمِي فِي دَمِ الشَّهِيْدِ عُثْمَانَ، وَأَتْرُكُكَ وَأَنْتَ صَاحِبُهُ! فَقَتَلَهُ ودسَّه فِي بَطْنِ حِمَارٍ مَيِّتٍ، وَأَحْرَقَهُ.
وَقَالَ عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ: أُتِيَ بمحمد أسيرًا إلى عمرو بن العاص، فقلته -يَعْنِي: بِعُثْمَانَ.
قُلْتُ: أَرْسَلَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ القَاسِمُ بن محمد الفقيه.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 369"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 1632"، الاستيعاب "3/ 1366"، أسد الغابة "4/ 3210"، الكاشف "3/ ترجمة 4819"، الإصابة "3/ ترجمة 8294"، تهذيب التهذيب "9/ ترجمة 101"، خلاصة الخزرجي "2/ 6089".

(4/467)


327- عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي طَلْحَةَ 1:
زَيْدُ بنُ سَهْلِ بنِ الأَسْوَدِ بنِ حَرَامِ الأَنْصَارِيُّ، أَخُو أَنَسِ بنِ مالك لأمه.
وُلِدَ فِي حَيَاةِ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحنَّكه2.
وَهُوَ الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ أُمُّ سُلَيْمٍ لَيْلَةَ مَاتَ وَلَدُهَا، فَكَتَمَتْ أَبَا طَلْحَةَ مَوْتَهُ حَتَّى تعشَّى، وتصنَّعت لَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- حَتَّى أَتَاهَا، وَحَمَلَتْ بِهَذَا, فَأَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ غَادِياً عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: "أَعَرَّسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟ بَارَكَ اللهُ لَكُم فِي لَيْلَتِكُم" 3.
وَيُقَالُ: ذَاكَ الصَّبِيُّ المَيِّتُ هُوَ أَبُو عُمَيْرٍ صَاحِبُ النُّغَيْرِ4.
فَنَشَأَ عَبْدُ اللهِ، وَقَرَأَ العِلْمَ، وَجَاءهُ عَشْرَةُ أولاد قرءوا القُرْآنَ، وَرَوَى أَكْثَرُهُم العِلْمَ، مِنْهُم: إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ -شَيْخُ مَالِكٍ, وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ.
حدَّث عَنْهُ: ابْنَاهُ هَذَانِ، وَأَبُو طُوَالَةَ، وَسُلَيْمَانُ مَوْلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، وَغَيْرُهُم.
وَهُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ، يَرْوِي عَنْ أَبِيْهِ، وَعَنْ أَخِيْهِ؛ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ.
وَمَاتَ قَبْلَ أَنَسٍ بمدَّة لَيْسَتْ بِكَثِيْرَةٍ.
رَوَى له مسلم، والنسائي.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 74"، التاريخ الكبير "5/ 262"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 267"، الاستيعاب "3/ 929"، أسد الغابة "3/ 284"، الكاشف "2/ ترجمة رقم 2819"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 337"، الإصابة "2/ ترجمة 6178"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 461"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3579".
2 صحيح: أخرجه البخاري "5470"، ومسلم "2144" من حديث أنس بن مالك قال: ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة الأنصاري إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين وُلِدَ, وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي عباءة يهنأ بعيرا له -أي: يطله بالقطران- فقال: هل معك تمر؟ فقلت: نعم. فناولته تمرات فألقاهنَّ في فيه فلاكهنَّ, ثم فغر فاه الصبي فمَجَّه في فيه، فجعل الصبي يتلمَّظه, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "حب الأنصار التمر"، وسماه عبد الله.
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 433"، وأحمد "3/ 106"، والبخاري "5470"، ومسلم "2144" "23" من طريق محمد بن سيرين، وأنس بن سيرين، كلاهما عن أنس به.
4 فقد ورد عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحسن الناس خلقا, وكان لي أخ يقال له أبو عمير -قال: أحسبه فطيما- وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ نغر كان يلعب به، فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا، فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح، ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا".
أخرجه أحمد "3/ 212"، والبخاري "6203"، ومسلم "659" و"2150"، والبيهقي "5/ 203" من طريق أبي التياح، عن أنس بن مالك، به.

(4/468)


328- عبد الرحمن بن الحارث بن هشام 1: "خَ، 4"
ابْنِ المُغِيْرَةِ بنِ عَبْدِ اللهِ، أَبُو مُحَمَّدٍ, مِنْ أَشْرَافِ بَنِي مَخْزُوْمٍ.
كَانَ أَبُوْهُ مِنَ الطُّلَقَاءِ، وَمِمَّنْ حَسُنَ إِسْلاَمُهُ, وَلاَ صُحْبَةَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، بَلْ لَهُ رُؤْيَةٌ، وَتِلْكَ صُحْبَةٌ مُقَيَّدَةٌ.
وَرَوَى عَنْ أَبِيْهِ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَأُمِّ المُؤْمِنِيْنَ حَفْصَةَ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -أَحَدُ الفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ, وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو قِلاَبَةَ، وَهِشَامُ بنُ عَمْرٍو الفَزَارِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَقَدْ أَرْسَلَتْهُ عَائِشَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ يُكَلِّمُهُ فِي حُجْر بنِ الأَدْبَرِ، فَوَجَدَهُ قَدْ قَتَلَهُ، وَفَرَطَ الأَمْرُ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَتْ عَائِشَةُ تقول: لأن أكون قعدت عن مسيري إِلَى البَصْرَةِ أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ يَكُوْنَ لِي عَشْرَةُ أَوْلاَدٍ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ.
قُلْتُ: هُوَ ابْنُ أُخْتِ أَبِي جَهْلٍ, وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ.
تُوُفِّيَ قَبْلَ مُعَاوِيَةَ، ومات أبوه زمن عمر.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 5"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 880"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 1054"، الاستيعاب "2/ 827"، أسد الغابة "3/ 431"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 3651"، الكاشف "2/ ترجمة 3207"، الإصابة "2/ ترجمة 5100" و"3/ ترجمة 6199"، تهذيب التهذيب "6/ ترجمة 318"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4059".

(4/469)


329- محمود بن لبيد 1: "م، 4"
ابن عقبة بن رافع، أَبُو نُعَيْمٍ الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ، الأَشْهَلِيُّ، المَدَنِيُّ.
وُلِدَ بِالمَدِيْنَةِ فِي حَيَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَرَوَى عَنْهُ أَحَادِيْثَ يُرْسِلُهَا.
وَرَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَقَتَادَةَ بنِ النُّعْمَانِ، وَرَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ.
حدَّث عَنْهُ: بُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَاصِمُ بنُ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، وَآخَرُوْنَ.
وَفِي أَبِيْهِ نَزَلَتْ آيَةُ الرُّخْصَةِ، فيمَن لاَ يَسْتَطِيْعُ الصَّوْمَ.
قَالَ البخاري: له صحبة.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: هُوَ أَسَنُّ مِنْ مَحْمُوْدِ بنِ الرَّبِيْعِ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ ابْنُ لَبِيْدٍ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ. وَيُقَالُ: فِي سَنَةِ ست.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 77"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1762"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1329"، الاستيعاب "3/ 1378"، أسد الغابة "5/ 117"، تجريد أسماء الصحابة "2/ ترجمة 687"، الإصابة "3/ ترجمة 7821"، تهذيب التهذيب "10/ ترجمة 110"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 6887".

(4/469)


330- هاشم بن عُتبة 1:
ابن أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ. وَيُعْرَفُ: بِالمِرْقَالِ.
مِنْ أُمَرَاءِ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّيْنَ. وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَشَهِدَ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ؛ فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَئِذٍ، وَشَهِدَ فُتُوحَ دِمَشْقَ. وَكَانَ مَعَهُ رَايَةُ الإِمَامِ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّيْنَ، فقُتِلَ يَوْمَئِذٍ. وَكَانَ مَوْصُوَفاً بِالشَّجَاعَةِ وَالإِقدَامِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وَبَعْضُهُم عدَّه فِي الصَّحَابَةِ بِاعْتِبَارِ إِدْرَاكِ زمن النبوة.
__________
1 ترجمته في أسد الغابة "5/ 377"، الإصابة "3/ ترجمة 8912".

(4/230)


331- طارق بن شهاب 1: "ع"
ابن عبد شمس بن سلمة الأحمسي البجلي، الكوفي.
رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَغَزَا فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَأَرْسَلَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَبِلاَلٍ، وَخَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعِدَّةٍ.
حدَّث عَنْهُ: قَيْسُ بنُ مُسْلِمٍ، وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَعَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ، وَسُلَيمَانُ بنُ مَيْسَرَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَمُخَارِقُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ قَيْسُ بنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَغَزَوتُ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِضْعاً وَثَلاَثِيْنَ -أَوْ قَالَ: بِضْعاً وَأَرْبَعِيْنَ, مِنْ بَيْنِ غَزْوَةٍ وَسَرِيَّةٍ2.
قُلْتُ: وَمَعَ كَثْرَةِ جِهَادِهِ كَانَ مَعْدُوْداً مِنَ العُلَمَاءِ.
مَاتَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ, وَقِيْلَ: بَلْ تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ.
فأمَّا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ؛ مِنْ أَنَّهُ مَاتَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ ومائة، فخطأ بَيِّن، أو سبقُ قَلَمٍ.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "4/ ترجمة 3114"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 2128"، أسد الغابة "3/ 70"، الإصابة "2/ ترجمة 4226".
2 صحيح: أخرجه أحمد "4/ 314-315"، والطبراني "8205" من طريق شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقٍ بنِ شِهَابٍ، به.

(4/470)


332- عبد الله بن شداد 1: "ع"
ابن الهاد الليثي، الفَقِيْهُ، أَبُو الوَلِيْدِ المَدَنِيُّ، ثُمَّ الكُوْفِيُّ.
وَأُمُّهُ هِيَ سُلْمَى أُخْتُ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ, وَكَانَتْ سُلْمَى تَحْتَ حَمْزَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, فلمَّا استُشْهِدَ تزوَّجها شَدَّادٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حدَّث عَنْ أَبِيْهِ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَطَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَجَمَاعَةٍ.
حدَّث عَنْهُ: الحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شُبْرُمَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَذَرٌّ الهَمْدَانِيُّ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ عمَّار الدُّهْنِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
عدَّه خَلِيْفَةُ فِي تَابِعِي أَهْلِ الكُوْفَةِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: فِي الطَّبَقَةِ الأُوْلَى مِنْ تَابِعِي أَهْلِ المَدِيْنَةِ, رَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَكَانَ ثِقَةً، قَلِيْلَ الحَدِيْثِ، شِيْعِيّاً.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ: كَانَ يَأْتِي الكُوْفَةَ كثيرًا، فنزله وخرج مع ابن الأَشْعَثِ، فَقُتِلَ لَيْلَةَ دُجَيْلَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ.
قَالَ عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ شَدَّادٍ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنِّي قُمْتُ عَلَى المِنْبَرِ مِنْ غُدْوَةٍ إِلَى الظُّهْرِ، فَأَذْكُرُ فَضَائِلَ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ثُمَّ أَنْزِلُ، فيُضرَب عُنُقِي.
قُلْتُ: هَذَا غُلُوٌّ وَإِسْرَافٌ. سَمِعَهَا خَالِدٌ الطَّحَّانُ مِنْ عَطَاءٍ.
حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ مخرَّج فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلاَ نزاع في ثقته.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 61" و"6/ 126"، التاريخ الكبير "5/ ترجمته 342"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 373"، تاريخ بغداد "9/ 473"، الاستيعاب "3/ 926", أسد الغابة "3/ 275" الكاشف "2/ ترجمة 2804", الإصابة "3/ ترجمة 6176"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 441"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3560".

(4/471)


333- كَعْب الأَحْبَار 1: "د، ت، س"
هُوَ كَعْبُ بنُ مَاتِعٍ الحِمْيَرِيُّ، اليَمَانِيُّ، العلَّامة، الحَبْر، الَّذِي كَانَ يَهُودِيّاً فَأَسْلَمَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَقَدِمَ المَدِيْنَةَ مِنَ اليَمَنِ فِي أَيَّامِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, فَجَالَسَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَكَانَ يُحَدِّثُهُم عَنِ الكُتُبِ الإِسْرَائِيْليَّةِ، وَيَحْفَظُ عَجَائِبَ، وَيَأْخُذُ السُّنَنَ عَنِ الصحابة, وكان حسن الإسلام، مَتِيْنَ الدّيَانَةِ، مِنْ نُبَلاَءِ العُلَمَاءِ.
حدَّث عَنْ عُمَرَ، وَصُهَيْبٍ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَمُعَاوِيَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ رِوَايَةِ الصَّحَابِيِّ عَنِ التَّابِعِيِّ، وَهُوَ نَادِرٌ عَزِيزٌ.
وحدَّث عَنْهُ أَيْضاً: أَسْلَمُ مَوْلَى عُمَرَ، وَتُبَيْعٌ الحِمْيَرِيُّ ابْنُ امْرَأَةِ كَعْبٍ، وَأَبُو سَلاَّمٍ الأَسْوَدُ, وَرَوَى عَنْهُ: عِدَّةٌ مِنَ التَّابِعِيْنَ؛ كَعَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، وَغَيْرِهِ، مُرْسَلاً.
وَكَانَ خَبِيْراً بِكُتُبِ اليَهُوْدِ، لَهُ ذَوْقٌ فِي مَعْرِفَةِ صَحِيحِهَا مِنْ بَاطِلِهَا فِي الجُمْلَةِ.
وَقَعَ لَهُ رِوَايَةٌ فِي "سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ"، وَ"التِّرْمِذِيِّ"، وَ"النَّسَائِيِّ".
سَكَنَ بِالشَّامِ بِأَخَرَةٍ، وَكَانَ يَغْزُو مَعَ الصَّحَابَةِ.
رَوَى خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ، قَالَ: لأن أبكي من خشية أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِوَزْنِي ذَهَباً.
تُوُفِّيَ كَعْبٌ بِحِمْصَ ذَاهِباً لِلْغَزْوِ فِي أَوَاخِرِ خِلاَفَةِ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, فَلَقَدْ كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: أَبُو الرَّبَابِ مُطَرِّفُ بنُ مَالِكٍ القُشَيْرِيُّ -أَحَدُ مَنْ شَهِدَ فَتْحَ تُسْتَرَ.
فَرَوَى مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي الرَّبَابِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- نَعُوْدُهُ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيْرٌ، وَكُنْتُ أَحَدَ خَمْسَةٍ وَلُوا قَبْضَ السُّوْسِ, فأتاني رجل بكتاب،
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 445"، والتاريخ الكبير "7/ ترجمة 962"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 906"، حلية الأولياء "5/ 364-391" و"6/ 3- 47"، أسد الغابة "4/ 487"، الكاشف "3/ ترجمة 4733"، تجريد أسماء الصحابة "2/ 355"، تهذيب التهذيب "8/ ترجمة 793"، الإصابة "3/ ترجمة 7496"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5964".

(4/472)


فَقَالَ: بِيْعُوْنِيْهِ، فَإِنَّهُ كِتَابُ اللهِ، أُحْسِنُ أَقْرَؤُهُ وَلاَ تُحْسِنُوْنَ, فَنَزَعْنَا دفَّتيه، فَأَخَذَهُ بِدِرْهَمَيْنِ. فلمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ خَرَجْنَا إِلَى الشَّامِ، وَصَحِبَنَا شَيْخٌ عَلَى حِمَارٍ، بَيْنَ يَدَيْهِ مُصْحَفٌ يَقْرَؤُهُ، وَيَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا أَشْبَهَ هَذَا المُصْحَفَ بِمُصْحَفٍ شَأْنُهُ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: إِنَّهُ هُوَ. قُلْتُ: فَأَيْنَ تُرِيْدُ؟ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ كَعْبُ الأَحْبَارِ عَامَ أَوَّلَ، فَأَتَيْتُهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيَّ، فَهَذَا وجهي إليه. قلت: فأنا معك. فانطقلنا حَتَّى قَدِمْنَا الشَّامَ، فَقَعَدْنَا عِنْدَ كَعْبٍ، فَجَاءَ عِشْرُوْنَ مِنَ اليَهُوْدِ، فِيْهِم شَيْخٌ كَبِيْرٌ يَرْفَعُ حَاجِبَيْهِ بِحَرِيْرَةٍ، فَقَالُوا: أَوْسِعُوا أَوْسِعُوا. فَأَوْسَعُوا، وَرَكِبْنَا أَعْنَاقَهُم، فتكلَّموا. فَقَالَ كَعْبٌ: يَا نُعَيْمُ! أَتُجِيْبُ هَؤُلاَءِ، أَوْ أُجِيْبُهُم؟ قَالَ: دَعُوْنِي حَتَّى أفقِّه هَؤُلاَءِ مَا قَالُوا، إِنَّ هَؤُلاَءِ أَثْنَوْا عَلَى أَهْلِ مِلَّتِنَا خَيراً، ثُمَّ قَلَبُوا أَلْسِنَتَهُم، فَزَعَمُوا أنَّا بِعْنَا الآخِرَةَ بِالدُّنْيَا، هلمَّ فَلنُوَاثِقْكُم، فَإِنْ جِئْتُم بِأَهْدَى مِمَّا نَحْنُ عَلَيْهِ اتَّبَعنَاكُم، وَإِلاَّ قاتبعونا إِنْ جِئْنَا بِأَهْدَى مِنْهُ. قَالَ: فَتَوَاثَقُوا. فَقَالَ كَعْبٌ: أَرْسِلْ إِلَيَّ ذَلِكَ المُصْحَفَ, فَجِيْءَ بِهِ، فَقَالَ: أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا بَيْنَنَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، لاَ يُحْسِنُ أَحَدٌ أَنْ يَكْتُبَ مِثْلَهُ اليَوْمَ. فَدَفَعَ إِلَى شَابٍّ مِنْهُم، فَقَرَأَ كَأَسْرَعِ قَارِئٍ، فلمَّا بَلَغَ إِلَى مَكَانٍ مِنْهُ، نَظَرَ إِلَى أَصْحَابِهِ كَالرَّجُلِ يُؤذِنُ صَاحِبَهُ بِالشَّيْءِ، ثُمَّ جَمَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يه. فَنَبَذَهُ. فَقَالَ كَعْبٌ: آهُ. وَأَخَذَهُ فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ، فَقَرَأَ، فَأَتَى عَلَى آيَةٍ مِنْهُ فَخَرُّوا سُجَّداً، وَبَقِيَ الشَّيْخُ يبكي. قيل: ما يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: وَمَا لِي لاَ أَبْكِي، رَجُلٌ عَمِلَ فِي الضَّلاَلَةِ كَذَا وَكَذَا سَنَةً، وَلَمْ أَعْرِفِ الإِسْلاَمَ حَتَّى كَانَ اليَوْمَ.
وَقَالَ هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَصَبْنَا دَانِيَالَ بِالسُّوسِ فِي لَحْدٍ مِنْ صُفْرٍ، وَكَانَ أَهْلُ السُّوسِ إِذَا أَسْنَتُوا اسْتَخْرَجُوهُ فَاسْتَسْقَوْا بِهِ؛ وَأَصَبْنَا مَعَهُ رَبْطَتَيْنِ مِنْ كَتَّانٍ, وَسِتِّيْنَ جَرَّةً مَخْتُوْمَةً، فَفَتَحْنَا وَاحِدَةً فَإِذَا فِيْهَا عَشْرَةُ آلاَفٍ، وَأَصَبْنَا مَعَهُ رَبْعَةً فِيْهَا كِتَابٌ، وَكَانَ مَعَنَا أَجِيْرٌ نَصْرَانِيٌّ يُقَالُ لَهُ: نُعَيْمٌ، فَاشْتَرَاهَا بِدِرْهَمَيْنِ.
ثُمَّ قَالَ قَتَادَةُ: وحدَّثني أَبُو حَسَّانٍ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ حُرْقُوْصٌ، فَأَعْطَاهُ أَبُو مُوْسَى الرَّبْطَتَيْنِ، وَمائَتَيْ دِرْهَمٍ, ثم إنه طلب أن يرد علي الرَّبْطَتَيْنِ، فَأَبَى, فَشَققَهَا عَمَائِمَ، وَكَتَبَ أَبُو مُوْسَى فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَعَا أَنْ لاَ يَرِثَهُ إِلاَّ المُسْلِمُوْنَ، فَصَلِّ عَلَيْهِ وَادْفِنْهُ.
قَالَ هَمَّامُ بنُ يَحْيَى: وَحَدَّثَنَا فَرْقَدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو تَمِيْمَةَ: أَنَّ كِتَابَ عُمَرَ جَاءَ أَنِ اغْسِلْهُ بِالسِّدْرِ وَمَاءِ الرَّيْحَانِ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيْثِ مُطَرِّفِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: فَبَدَا لِي أَنْ آتِيَ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَبَيْنَا أَنَا فِي الطَّرِيْقِ، إِذَا أَنَا براكب شبهته بذلك الأجير النصراني، فقلت: نعم؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: مَا

(4/473)


فَعَلْتَ بِنَصْرَانِيَّتِكَ؟ قَالَ: تحنَّفت بَعْدَكَ, ثُمَّ أَتَيْنَا دِمَشْقَ، فَلَقِيْتُ كَعْباً، فَقَالَ: إِذَا أَتَيْتُم بَيْتَ المَقْدِسِ فَاجْعَلُوا الصَّخْرَةَ بَيْنَكُم وَبَيْنَ القِبْلَةِ, ثُمَّ انْطَلَقْنَا ثَلاَثَتُنَا حَتَّى أَتَيْنَا أَبَا الدَّرْدَاءِ, فَقَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ لِكَعْبٍ: ألَا تُعْدِنِي عَلَى أَخِيْكَ؟ يَقُوْمُ اللَّيْلَ وَيَصُوْمُ النَّهَارَ. قَالَ: فَجَعَلَ لَهَا مِنْ كُلِّ ثَلاَثِ ليالٍٍ لَيْلَةً. ثُمَّ أَتَيْنَا بَيْتَ المَقْدِسِ، فَسَمِعَتْ يَهُوْدُ بِنُعَيْمٍ وَكَعْبٍ، فَاجْتَمَعُوا, فَقَالَ كَعْبٌ: هَذَا كِتَابٌ قَدِيْمٌ وَإِنَّهُ بلُغَتِكم فاقرءوه. فَقَرَأَهُ قَارِئُهُم حَتَّى أَتَى عَلَى ذَلِكَ المَكَانِ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آلُ عِمْرَانَ: 85] . فَأَسْلَمَ مِنْهُم اثْنَانِ وَأَرْبَعُوْنَ حَبْراً، فَفَرَضَ لَهُم مُعَاوِيَةُ وَأَعْطَاهُم.
ثُمَّ قَالَ هَمَّامٌ: وحدَّثني بِسْطَامُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ, أَنَّهُم تَذَاكَرُوا ذَلِكَ الكِتَابَ، فمَرَّ بِهِم شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، فَقَالَ: عَلَى الخَبِيْرِ سَقَطْتُم؛ إِنَّ كَعْباً لَمَّا احتُضِرَ قَالَ: ألَا رَجُلٌ أَأْتَمِنُهُ عَلَى أَمَانَةٍ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا. فَدَفَعَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الكِتَابَ، وَقَالَ: ارْكَبِ البُحَيْرَةَ، فَإِذَا بَلَغْتَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَاقْذِفْهُ. فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ كَعْبٍ، فَقَالَ: كِتَابٌ فِيْهِ عِلْمٌ، وَيَمُوْتُ كَعْبٌ لاَ أفرِّط بِهِ. فَأَتَى كَعْباً، وَقَالَ: فَعَلْتُ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ. قَالَ: فَمَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: لَمْ أَرَ شَيْئاً, فَعَلِمَ كَذِبَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ وَيَطْلُبُ إِلَيْهِ حَتَّى ردَّه عَلَيْهِ، فَقَالَ: ألَا مَنْ يُؤَدِّي أَمَانَةً؟ قَالَ رَجُلٌ: أَنَا. فَرَكِبَ سَفِيْنَةً، فلمَّا أَتَى ذَلِكَ المَكَانَ ذَهَبَ لِيَقْذِفَهُ، فَانْفَرَجَ لَهُ البَحْرُ، حَتَّى رَأَى الأَرْضَ، فَقَذَفَهُ وَأَتَاهُ، فَأَخْبَرَهُ, فَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّهَا التَّوْرَاةُ كما أنزلها الله على موسى، مَا غُيِّرَتْ وَلاَ بدَّلت، وَلَكِنْ خَشِيْتُ أَنْ يتَّكل عَلَى مَا فِيْهَا، وَلَكِن قُوْلُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، ولقِّنوها مَوْتَاكُم.
هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي "تَارِيْخِهِ"، عَنْ هُدْبَةَ، عَنْ همَّام. وَشَهْرٌ لَمْ يَلْحَقْ كَعْباً.
وَهَذَا القَوْلُ مِنْ كَعْبٍ دالٌّ عَلَى أَنَّ تِيْكَ النُّسْخَةَ مَا غُيِّرَتْ وَلاَ بُدِّلَتْ، وأنَّ مَا عَدَاهَا بِخِلاَفِ ذَلِكَ. فَمَنِ الَّذِي يَسْتَحِلُّ أَنْ يُورِدَ اليَوْمَ مِنَ التَّوْرَاةِ شَيْئاً عَلَى وَجْهِ الاحْتِجَاجِ مُعْتَقِداً أَنَّهَا التَّوْرَاةُ المنزَّلة؟ كلَّا وَاللهِ.

(4/474)


334- زياد بن أبيه 1:
وهو زيد بنُ عُبَيْدٍ الثَّقَفِيُّ، وَهُوَ زِيَاد ابْنُ سُمَيَّةَ، وَهِيَ أُمُّهُ، وَهُوَ زِيَادُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ الَّذِي اسْتَلْحَقَهُ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ أَخُوْهُ.
كَانَتْ سُمَيَّةُ مَوْلاَةً لِلْحَارِثِ بنِ كَلَدة الثَّقَفِيِّ طَبِيبِ العَرَبِ.
يكنَّى أَبَا المُغِيْرَةِ.
لَهُ إِدْرَاكٌ، وُلِدَ عَامَ الهِجْرَةِ، وَأَسْلَمَ زَمَنَ الصِّدِّيْقِ وَهُوَ مُرَاهِقٌ. وَهُوَ أَخُو أَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ الصَّحَابِيِّ لأُمِّهِ. ثُمَّ كَانَ كَاتِباً لأَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ زَمَنَ إِمْرَتِهِ على البصرة.
سَمِعَ مِنَ عُمَرَ، وَغَيْرِهِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ سيرين، وعبد الله بنُ عُمَيْرٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ رَأْياً وَعَقْلاً، وَحَزْماً وَدَهَاءً وَفِطْنَةً, كَانَ يُضْرَب بِهِ المَثَلُ فِي النُّبْلِ وَالسُّؤْدُدِ.
وَكَانَ كَاتِباً بَلِيْغاً. كَتَبَ أَيْضاً لِلْمُغِيْرَةِ، وَلابْنِ عَبَّاسٍ، وَنَابَ عَنْهُ بِالبَصْرَةِ.
يُقَالُ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى الطَّائِفَ, فَسَكِرَ فَطَلَبَ بَغِيّاً، فَوَاقَعَ سُمَيَّةَ، وَكَانَتْ مزوَّجة بِعُبَيْدٍ، فَوَلَدَتْ مِنْ جِمَاعِهِ زِيَاداً. فلمَّا رَآهُ مُعَاوِيَةُ مِنْ أَفْرَادِ الدَّهْرِ، اسْتَعْطَفَهُ وَادَّعَاهُ، وَقَالَ: نَزَلَ مِنْ ظَهْرِ أَبِي.
وَلَمَّا مَاتَ عَلِيٌّ كَانَ زِيَادٌ نَائِباً لَهُ عَلَى إِقْلِيْمِ فَارِسٍ.
قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: قَالَ زِيَادٌ لأَبِي بَكْرَةَ: أَلَمْ تَرَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يُرِيْدُنِي عَلَى كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ وُلِدْتُ عَلَى فِرَاشِ عُبَيْدٍ، وَأَشْبَهْتُهُ؟ وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنِ ادَّعى إِلَى غير أبيه فليتبوأ مقعده من النار" 2, ثُمَّ أَتَى فِي العَامِ المُقْبِلِ، وَقَدِ ادَّعاه.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 99"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 1201"، أسد الغابة "2/ 271"، الإصابة "1/ ترجمة 2987".
2 صحيح بغير هذا اللفظ: أخرجه البخاري "6766" و"6767"، والبيهقي "7/ 403" من طريق مسدد، حدثنا خالد -وهو ابن عبد الله, حدثنا خالد، عن أبي عثمان، عن سعد -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "مَنْ ادَّعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه, فالجنة عليه حرام" فذكرته لأبي بكرة فقال: وأنا سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وأخرجه أحمد "5/ 46"، ومسلم "63" "114"، والبيهقي "7/ 403" من طرق عن هشيم بن بشير أخبرنا خالد، عن أبي عثمان قال: لما ادَّعى زياد، لقيت أبا بكرة فقلت له: ما هذا الذي صنعتم؟ إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: سمع أذناي مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يقول: "من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه، يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام" فقال أبو بكرة: وأنا سمعته مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأخرجه الطيالسي "199"، وأحمد "1/ 174 و179" و"5/ 38"، والبخاري "4326" و"4327" ومسلم "63" "115"، وأبو داود "5113"، وابن ماجه "2610"، والدارمي "2/ 244 و343", وأبو عوانة "1/ 28 و29"، والبغوي "2376" من طرق عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سعد وأبي بكرة, كلاهما يقول: سمعته أذناي، ووعاه قلبي محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام".

(4/475)


قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَخْطَبَ مِنْ زِيَادٍ.
وَقَالَ قَبِيْصَةُ بنُ جَابِرٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَخْصَبَ نَادِياً، وَلاَ أَكْرَمَ جَلِيْساً، وَلاَ أَشْبَهَ سَرِيرَةً بِعَلاَنِيَةٍ مِنْ زِيَادٍ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ خَيْراً مِنْ زِيَادٍ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ "الفِصَلِ": لَقَدِ امْتَنَعَ زِيَادٌ وَهُوَ فِقَعَةُ1 القَاعِ، لاَ نَسَبَ لَهُ وَلاَ سَابِقَةً، فَمَا أَطَاقَهُ مُعَاوِيَةُ إِلاَّ بِالمُدَارَاةِ، ثُمَّ اسْتَرْضَاهُ، وولَّاه.
قَالَ أَبُو الشَّعْثَاءِ: كَانَ زِيَادٌ أَفْتَكَ مِنَ الحجَّاج لِمَنْ يُخَالِفُ هَوَاهُ.
وَقَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: بَلَغَ ابْنَ عُمَرَ أنَّ زِيَاداً كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: إني قد ضبط العِرَاقَ بِيَمِيْنِي، وَشِمَالِي فَارِغَةٌ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ الحِجَازَ, فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: اللهمَّ إِنَّكَ إِنْ تَجْعَلْ فِي القَتْلِ كفَّارة، فَمَوْتاً لابْنِ سُمَيَّةَ لاَ قَتْلاً. فَخَرَجَ فِي أُصْبُعِهِ طَاعُوْنٌ، فَمَاتَ.
قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: بَلَغَ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ أَنَّ زِيَاداً يتتبَّع شِيْعَةَ عَلِيٍّ بِالبَصْرَةِ فَيَقْتُلُهُم، فَدَعَا عَلَيْهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ جَمَعَ أَهْلَ الكُوْفَةِ لِيَعْرِضَهُم عَلَى البَرَاءةِ مِنْ أَبِي الحَسَنِ، فَأَصَابَهُ حِيْنَئِذٍ طَاعُوْنٌ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَلَهُ أَخْبَارٌ طَوِيْلَةٌ. وَليَ المِصْرَيْنِ؛ فَكَانَ يَشْتُو بِالبَصْرَةِ، ويصيّف بالكوفة.
دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أُتِيَ زِيَادٌ فِي مَيِّتٍ تَرَكَ عَمَّةً وَخَالَةً، فَقَالَ: قَضَى فِيْهَا عُمَرُ أَنْ جَعَلَ الخَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الأُخْتِ، والعمَّة بِمَنْزِلَةِ الأخ، فأعطاهما المال.
__________
1 الفِقَعَة: جمع فِقْع: وهو ضرب من أردأ الكمأة, قاله ابن الأثير. وقال أبو حنيفة: الفقع: يطلع من الأرض فيظهر أبيض وهو رديء، الجيد ما حفر عنه واستخرج. والجمع أفقع وفقوع وفقعة. ويشبه به الرجل الذليل فيقال: هو فَقْعٌ قَرْقَر. ويقال أيضًا: أذلّ من فقع بقرقر؛ لأن الدوابَّ تنجله بأرجلها.

(4/476)


335- صلة بن أشيم 1:
الزَّاهِدُ، العَابِدُ، القُدْوَةُ، أَبُو الصَّهْبَاءِ العَدَوِيُّ، البَصْرِيُّ، زَوْجُ العَالِمَةِ مُعَاذَةَ العَدَوِيَّةِ.
مَا عَلِمْتُهُ رَوَى سِوَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
حدَّث عَنْهُ: أَهْلُهُ؛ مُعَاذَةُ، وَالحَسَنُ، وَحُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَغَيْرُهُم.
ابْنُ المُبَارَكِ فِي "الزُّهْدِ": عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَكُوْنُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: صِلَةُ، يَدْخُلُ الجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ كَذَا وَكَذَا"2.
هَذَا حَدِيْثٌ مُعْضَلٌ.
جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَزِيْدِ الرِّشْكِ، عَنْ معاذ، قَالَتْ: كَانَ أَبُو الصَّهْبَاءِ يُصَلِّي حَتَّى مَا يستطيع أن يأتي فراشه إلّا زحفًا3.
وَقَالَتْ مُعَاذَةُ: كَانَ أَصْحَابُهُ -تَعْنِي: صِلَةَ- إِذَا الْتَقَوْا عَانَقَ بَعْضُهُم بَعْضاً.
وَقَالَ ثَابِتٌ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى صِلَةَ بِنَعْيِ أَخِيْهِ، فَقَالَ لَهُ: ادْنُ، فَكُلْ، فَقَدْ نُعِيَ إِلَيَّ أَخِي مُنْذُ حِيْنٍ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزُّمَرُ: 30] .
وَقَالَ حمَّاد بنُ سَلَمَةَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ: أنَّ صِلَةَ كَانَ فِي الغَزْوِ وَمَعَهُ ابْنُهُ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ! تقدَّم، فَقَاتِلْ حَتَّى أَحْتَسِبَكَ, فَحَمَلَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ تقدَّم صِلَةُ فَقُتِلَ، فَاجْتَمَعَ النِّسَاءُ عِنْدَ امْرَأَتِهِ مُعَاذَةَ، فَقَالَتْ: مَرْحَباً إِنْ كنتنَّ جئتنَّ لتهنِّئنَّنِي، وَإِنْ كنتنَّ جئتنَّ لِغَيْرِ ذَلِكَ فارجعنَ.
جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ, عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، عَنْ صِلَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا فِي قَرْيَةٍ وَأَنَا عَلَى دَابَّتِي فِي زَمَانِ فُيُوضِ المَاءِ، فَأَنَا أَسِيْرُ عَلَى مُسَنَّاةٍ5، فَسِرْتُ يَوْماً لاَ أَجِدُ مَا آكُلُ، فَلَقِيَنِي عِلْجٌ4 يَحْمِلُ عَلَى عَاتِقِهِ شَيْئاً، فَقُلْتُ: ضَعْهُ, فَإِذَا هُوَ خُبْزٌ، قُلْتُ: أَطْعِمْنِي. فَقَالَ: إِنْ شئت, ولكن
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 134"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2987"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 1965"، الحلية "2/ 237"، أسد الغابة "4/ 34"، الإصابة "2/ ترجمة 4132".
2 ضعيف: أخرجه أبو نعيم في "الحلية" "2/ 241" من طريق ابن المبارك، به. وهو معضل. والمعضل: هو ما سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي.
3 حسن: أخرجه ابن سعد "7/ 136" قال: أخبرنا عفّان وغيره، عن جعفر بن سليمان، عن يزيد الرشك، به.
قلت: إسناده حسن، جعفر بن سليمان هو الضبعي، أبو سليمان البصري، صدوق -كما قال الحافظ في "التقريب", ويزيد الرشك هو يزيد بن أبي يزيد الضبعي, أبو الأزهري البصري, يعرف بالرشك -بكسر الراء وسكون المعجمة، ثقة عابد, وهم من لينه، من الطبقة السادسة، مات سنة ثلاثين، وهو ابن مائة سنة, روى له الجماعة.
4 المسناة: ضفيرة تُبْنَى للسيل لتردَّ الماء، سميت مسناة لأنَّ فيها مفاتح للماء بقدر ما تحتاج إليه مما لا يغلب، مأخوذ من قولك: سنيت الشيء والأمر إذا فتحت وجهه.
5 علج: الرجل الشديد الغليظ، والجمع أعلاج وعلوج.

(4/477)


فِيْهِ شَحْمُ خِنْزِيْرٍ، فَتَرَكْتُهُ، ثُمَّ لَقِيْتُ آخَرَ فقلت: أطمعني. قَالَ: هُوَ زَادِي لأَيَّامٍ، فَإِنْ نَقصتَهُ أَجَعْتَنِي. فَتَرَكْتُهُ، فَوَاللهِ إِنِّيْ لأَسِيْرُ؛ إِذْ سَمِعْتُ خَلْفِي وجبة كوجبة الطير، فالتفت، فإن هُوَ شَيْءٌ مَلْفُوفٌ فِي سِبٍّ1 أَبْيَضَ، فَنَزَلْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا دَوْخَلَةٌ2 مِنْ رُطَبٍ فِي زَمَانٍ لَيْسَ فِي الأَرْضِ رُطبَةٌ، فَأَكَلْتُ مِنْهُ، ثُمَّ لَفَفْتُ مَا بَقِيَ، وَرَكِبْتُ الفَرَسَ، وَحَمَلْتُ مَعِي نواهُنَّ.
قَالَ جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: فَحَدَّثَنِي أَوْفَى بنُ دِلْهَمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ذَلِكَ السِّبَّ مَعَ امْرَأَتِهِ، فِيْهِ مُصْحَفٌ، ثُمَّ فُقِدَ بَعْدُ3.
وَرَوَى نَحْوَهُ عَوْفٌ، عَنْ أَبِي السَّلِيْلِ، عَنْ صِلَةَ.
فَهَذِهِ كَرَامَةٌ ثَابِتَةٌ.
ابْنُ المُبَارَكِ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بنُ جَعْفَرِ بنِ زَيْدٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، قَالَ: خَرَجْنَا فِي غَزَاةٍ إِلَى كَابُلَ، وَفِي الجَيْشِ صِلَةُ، فَنَزَلُوا، فَقُلْتُ: لأرمقنَّ عَمَلَهُ. فَصَلَّى، ثُمَّ اضطَجَعَ، فَالْتَمَسَ غَفْلَةَ النَّاسِ، ثُمَّ وَثَبَ، فَدَخَلَ غَيْضَةً فَدَخَلْتُ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ أَسَدٌ حَتَّى دَنَا مِنْهُ، فَصَعدْتُ شَجَرَةً، أَفَتَرَاهُ الْتَفَتَ إِلَيْهِ حَتَّى سَجَدَ؟ فَقُلْتُ: الآنَ يَفْتَرِسُهُ فَلاَ شَيْءَ, فَجَلَسَ، ثُمَّ سلَّم، فَقَالَ: يَا سَبْعُ! اطْلُبِ الرِّزْقَ بِمَكَانٍ آخَرَ, فولَّى وَإِنَّ لَهُ زَئِيْراً أَقُوْلُ؛ تَصَدَّعَ مِنْهُ الجَبَلُ، فلمَّا كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ, جَلَسَ فَحَمِدَ اللهَ بِمَحَامِدَ لَمْ أَسْمَعْ بِمِثْلِهَا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّيْ أَسْأَلُكَ أَنْ تُجِيْرَنِي مِنَ النار، أَوَمثلي يَجْتَرِئُ أَنْ يَسْأَلَكَ الجَنَّةَ؟! 4.
ابْنُ المُبَارَكِ, عَنِ السَّرِيِّ بنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ هِلاَلٍ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِصِلَةَ: يَا أَبَا الصَّهْبَاءِ! رأيت أني أعطيت شهدةً، وأعطيتَ شهدتين. ففال: تَسْتَشْهِدُ وَأَنَا وَابْنِي. فلمَّا كَانَ يَوْمُ يَزِيْدَ بنِ زِيَادٍ لَقِيَتْهُمُ التُّرْكُ بِسِجِسْتَانَ، فَانْهَزَمُوا. وَقَالَ صِلَةُ: يَا بُنَيَّ! ارْجِعْ إِلَى أُمِّكَ. قَالَ: يَا أَبَه؛ تُرِيْدُ الخَيْرَ لِنَفْسِكَ وَتَأْمُرُنِي بِالرُّجُوْعِ! قال: فتقدَّمْ. فتقدَّمَ فقاتل حتى أُصِيْبَ، فَرَمَى صِلَةُ عَنْ جَسَدِهِ، وَكَانَ رَامِياً، حتى تفقوا عَنْهُ، وَأَقْبَلَ حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ فَدَعَا لَهُ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
قُلْتُ: وَكَانَتْ هَذِهِ المَلْحَمَةُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ -رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى.
__________
1 السِّّبُّ: الحبل، والخمار.
2 دوخلّة -بتشديد اللام: سفيفة من خوص كالزبيل، والقوصرة يترك فيها التمر وغيره.
3 صحيح: أخرجه أبو نعيم في "الحلية" "2/ 239" من طريق عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا جرير بن حازم، به.
4 صحيح: أخرجه أبو نعيم في "الحلية" "2/ 240" من طريق عبد الله بن المبارك قال: حدثنا المسلم بن سعيد الواسطي قال: أخبرنا حماد بن جعفر بن زيد، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه حماد بن جعفر بن زيد، ليِّن الحديث -كما قال الحافظ في التقريب.

(4/478)


336- أُمُّ كُلْثُوْمٍ 1:
بِنْتُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ بن عبد الملطب بنِ هَاشِمٍ, الهَاشِمِيَّةُ، شَقِيْقَةُ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ, وُلِدَتْ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الهِجْرَةِ، وَرَأَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَلَمْ تروِ عَنْهُ شَيْئاً.
خَطَبَهَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وَهِيَ صَغِيْرَةٌ، فَقِيْلَ لَهُ: مَا تُرِيْدُ إِلَيْهَا؟ قَالَ: إِنِّيْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ القِيَامَةِ إلّا سببي ونسبي" 2.
وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ عُمَرَ تَزَوَّجَهَا، فَأَصْدَقَهَا أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً.
قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: قَالَ عُمَرُ لِعَلِيٍّ: زَوِّجْنِيْهَا أَبَا حَسَنٍ، فَإِنِّي أَرْصُدُ مِنْ كَرَامَتِهَا مَا لاَ يَرْصُدُ أَحَدٌ. قَالَ: فَأَنَا أَبْعَثُهَا إِلَيْكَ، فَإِنْ رَضِيْتَهَا فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا -يَعْتَلُّ بِصِغَرِهَا, قَالَ: فَبَعَثَهَا إِلَيْهِ بِبُرْدٍ, وَقَالَ لَهَا: قُوْلِي لَهُ: هَذَا البُرْدُ الَّذِي قُلْتُ لَكَ. فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فقال: قولي
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 463"، أسد الغابة "7/ 378"، الإصابة "4/ ترجمة 1481".
2 صحيح بشواهده: أخرجه ابن سعد "8/ 463" من طريق أنس بن عياض الليثي، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، أنَّ عمر بن الخطاب خطب إلى علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم.....".
قلت: إسناده ضعيف؛ لانقطاعه, بل إعضاله بين محمد بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالب، وعمر بن الخطاب. وأخرجه الحاكم "3/ 142" من طريق السري بن خزيمة، عن معلَّى بن راشد، حدثنا وهيب بن خالد, عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ علي بن الحسين, أن عمر بن الخطاب..........." فذكره.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد, وتعقَّبه الذهبي بقوله: منقطع.
قلت: هو منقطع بين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وعمر. وله شاهد.
أخرجه أحمد "4/ 323" حدَّثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدَّثنا عبد الله بن جعفر, حدثنا أم بكر بنت المسور بن مخرمة، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن المسور بن مخرمة به مرفوعًا بلفظ: "إن الأنساب يوم القيامة تتقطَّع غير نسبي وسبى وصهري".
قلت: إسناده ضعيف؛ لجهالة أم بكر بنت المسور بن مخرمة، مجهولة، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبولة, أي: إذا توبعت.
وأورده الهيثمي في "المجمع" "9/ 173" وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير، ورجالهما رجال الصحيح, غير الحسن بن سهل، وهو ثقة".

(4/479)


لَهُ: قَدْ رَضِيْتُ -رَضِيَ اللهُ عَنْكَ, وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى سَاقِهَا، فَكَشَفَهَا، فَقَالَتْ: أَتَفْعَلُ هَذَا؟ لَوْلاَ أَنَّكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ لَكَسَرْتُ أَنْفَكَ. ثُمَّ مضت إلى أبيها فأخبرته، وقال: بَعَثْتَنِي إِلَى شَيخِ سُوءٍ! قَالَ: يَا بُنِيَّةُ! إِنَّهُ زَوْجُكِ1.
وَرَوَى نَحْوَهَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، مُرْسَلاً.
وَنَقَلَ الزُّهْرِيُّ، وَغَيْرُه: أَنَّهَا وَلَدَتْ لِعُمَرَ زَيْداً, وَقِيْلَ: وَلَدَتْ لَهُ رُقَيَّةَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: تُوُفِّيَ عَنْهَا عُمَرُ، فَتَزَوَّجَهَا عَوْن بنُ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ, فحدَّثني أَبِي قَالَ: دَخَلَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ عَلَيْهَا لَمَّا مَاتَ عُمَرُ، فَقَالاَ: إِنْ مَكَّنْتِ أَبَاكِ مِنْ رُمَّتِكِ، أَنْكَحَكِ بَعْضَ أَيْتَامِهِ، وَإِنْ أَرَدْتِ أَنْ تُصِيْبِي بِنَفْسِكِ مالًا عظيمًا لتصيبنه.
فَلَمْ يَزَلْ بِهَا عَلِيٌّ حَتَّى زوَّجها بِعَوْنٍ فأحبَّته، ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فزوَّجها أَبُوْهَا بِمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، فَمَاتَ، ثُمَّ زَوَّجَهَا أَبُوْهَا بِعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، فَمَاتَتْ عِنْدَهُ.
قُلْتُ: فَلَمْ يُولِدْهَا أَحَدٌ مِنَ الإِخْوَةِ الثَّلاَثَةِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَدَتْ جَارِيَةً لِمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ اسْمُهَا بَثْنَةُ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: جِئْتُ وَقَدْ صلَّى ابْنُ عُمَرَ عَلَى أَخِيْهِ زَيْدِ بنِ عُمَرَ، وَأُمُّهُ أُمُّ كُلْثُوْم بِنْتُ عَلِيٍّ.
وَرَوَى حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ: أنَّ أُمَّ كُلْثُوْمَ وَزَيْدَ بنَ عُمَرَ مَاتَا، فكفِّنا، وَصَلَّى عَلَيْهِمَا سَعِيْدُ بنُ العَاصِ -يَعْنِي: أَمِيْرَ المَدِيْنَةِ.
وَكَانَ ابْنُهَا زَيْدٌ مِنْ سَادَةِ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، تُوُفِّيَ شَابّاً، وَلَمْ يُعْقِبْ.
وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: وَفَدْنَا مَعَ زَيْدٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ، وَكَانَ زَيْدٌ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ، فَأسْمَعَهُ بُسْرٌ كَلِمَةً؛ فَنَزَلَ إِلَيْهِ زَيْدٌ فَصَرَعَهُ وَخَنَقَهُ، وَبَرَكَ عَلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ: إِنِّيْ لأَعْلَمُ أنَّ هَذَا عَنْ رَأْيِكَ، وَأَنَا ابْنُ الخَلِيفَتَيْنِ, ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا قَدْ تَشَعَّثَ رَأْسُهُ وَعِمَامَتُهُ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ، وَأَمَرَ لَهُ بِمائَةِ أَلْفٍ، وَلِعَشْرٍ مِنْ أَتْبَاعِهِ بِمَبْلَغٍ.
يُقَالُ: وَقَعَتْ هَوسَةٌ بِاللَّيْلِ، فَرَكِبَ زَيْدٌ فِيْهَا، فَأَصَابَهُ حَجَرٌ فَمَاتَ مِنْهُ، وَذَلِكَ فِي أَوَائِلِ دَوْلَةِ مُعَاوِيَةَ -رَحِمَهُ الله.
__________
1 صحيح بشواهده: راجع تخريجنا السابق.

(4/480)


337- عبد الله بن ثعلبة 1: "خ، د، س"
ابن صُعَير الشَّيْخُ، أَبُو مُحَمَّدٍ العُذْرِيُّ، المَدَنِيُّ، حَلِيْفُ بَنِي زُهْرَةَ, مَسَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأْسَهُ، فَوَعَى ذَلِكَ.
وَقِيْلَ: بَلْ وُلِدَ عَامَ الفَتْحِ، وَقَدْ شَهِدَ الجَابِيَةَ. فَلَوْ كَانَ مَوْلِدُهُ عَامَ الفَتْحِ لصَبَا عَنْ شُهُودِ الجَابِيَةِ.
حدَّث عَنْ أَبِيْهِ، وَعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَجَابِرٍ, وَلَيْسَ هُوَ بالمكْثِر.
حدَّث عَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَأَخُوْهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ زُهْرَةَ.
وَكَانَ شَاعِراً، فَصِيْحاً، نسَّابة.
رَوَى مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أنَّه كَانَ يُجَالِسُ عَبْدَ اللهِ بنَ ثَعْلَبَةَ، وَكَانَ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ النَّسَبَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الفِقْهِ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ هَذَا، فَعَلَيْكَ بِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى أَيْضاً عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
وحدَّث عَنْهُ: سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ قَاضِي المَدِيْنَةِ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ رَوَى عَنْهُ.
قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تسع وثمانين.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 64"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 88"، والاستيعاب "3/ 876" أسد الغابة "3/ 190"، تجريد أسماء الصحابة "! / 3182"، الكاشف "2/ ترجمة 2681"، الإصابة "2/ ترجمة 4576"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 284", خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 3416".

(4/481)