5770- ابن
الخشوعي 1:
الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّيْنِ أَبُو إِسْحَاقَ
إِبْرَاهِيْمُ ابنُ أبي طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر
الخُشُوْعِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، وَكَانَ
خَاتِمَةَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي
المَكَارِمِ بن هِلاَلِ. وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ
عَسَاكِرَ، وَأَبِي الفَهْمِ بنِ أَبِي العَجَائِزِ،
وَأَبِي المَعَالِي بنِ صَابرٍ، وَعِدَّةٍ، فَأَكْثَر.
وَلَهُ مَشْيَخَةٌ انتقَاهَا زَكِيُّ الدِّيْنِ
البِرْزَالِيُّ.
رَوَى عَنْهُ الحَافِظُ الضِّيَاءُ وَقَالَ: مَا علمتُ
فِيْهِ إلَّا الخَيْرَ، -وَابْنُ الحُلوَانِيَّةِ،
وَالشَّيْخُ تَاجُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ،
وَمُحَمَّدُ بنُ محمد الكَنْجِيُّ، وَأَبُو عَلِيِّ
ابْنُ الخَلاَّلِ، وَأَبُو الفَضْلِ الذَّهَبِيُّ
وَالفَخْرُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَيُوْسُفُ بنُ عُبَادَةَ
البَقلِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَقَّالِ،
وَآخَرُوْنَ، وَلَهُ عِدَّةُ إِخْوَةٍ. مَاتَ فِي
رَجَبٍ، سَنَةَ أربعين وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 346"، وشذرات الذهب
"5/ 207".
(16/339)
ابن سهل، ابن مقبل:
5771- ابن سهل:
العَلاَّمَةُ أَبُو الحَسَنِ سَهْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
سَهْلِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَالِكٍ الأَزْدِيُّ،
الغَرْنَاطِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: خَالِهِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ عَرُوسٍ،
وَخَالِ أُمِّهِ يَحْيَى بن عَروسٍ، وَابْنِ كَوْثَرٍ،
وَأَبِي القَاسِمِ بنِ حُبَيْشٍ، وَابْنِ الجِدِّ،
وَعِدَّةٍ.
قَالَ الأَبَّارُ: كَانَ مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاءِ
والأئمة البلغاء الخطباء، مع التفنن فِي العُلُوْمِ،
وَكَانَ رَئِيْساً مُعَظَّماً جَوَاداً، امتُحِنَ
وَغُرِّبَ إِلَى مُرْسِيةَ، فَسكنهَا مُدَّةً إِلَى
أَنْ هَلَكَ المَلكُ ابْن هَوْدٍ، فَسُرِّحَ إِلَى
بلدهِ. مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ،
عَنْ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَمِمَّا قِيْلَ فِيْهِ:
عجباً لِلنَّاسِ تاهوا ... في بنيات المسالك
وضفوا بِالفَضْلِ قَوْماً ... وَهُمُ لَيْسُوا
هُنَالِكْ
كَثُرَ الوَصْفُ وَلَكِنْ ... صَحَّ عَنْ سَهْلِ بنِ
مَالِكْ
وَهُوَ القَائِلُ:
مُنَغَّصُ العَيشِ لاَ يَأْوِي إِلَى دعةٍ ... مَنْ
كَانَ فِي بَلَدٍ أَوْ كَانَ ذَا وَلَدِ
وَالسَّاكنُ النَّفْسِ مَنْ لَمْ تَرْضَ هِمَّتُهُ ...
سُكْنَى مَكَانٍ وَلَمْ يَسْكُنْ إِلَى أَحَدِ
5772- ابْنُ مقبل 1:
العَلاَّمَةُ قَاضِي القُضَاةِ عِمَادُ الدِّيْنِ
أَبُو المَعَالِي عبد الرحمن بن مقبل بن حسين الواسطي،
الشافعي.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ.
وَتَفَقَّهَ: بِابْنِ البوقِيِّ، وَعَلَى المُجِيْرِ
البَغْدَادِيِّ، وَابْنِ فَضْلاَنَ، وَابْنِ
الرَّبِيْعِ، وَبَرَعَ وَدَرَّسَ وَأَفتَى، وَوَلِيَ
القَضَاءَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَوَلِيَ
تدرِيسَ المُسْتَنْصِرِيَّة سَنَة إِحْدَى
وَثَلاَثِيْنَ، ثُمَّ عُزل مِنَ الكُلّ سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَزِمَ بَيْتَهُ
وَتعبَّدَ، وَتنسّك، ثُمَّ وَلِيَ مَشْيَخَةَ رِبَاطِ
المرزبَانِيَّةِ، إِلَى أَنْ مَاتَ. حَدَّثَ عَنِ
ابْنِ كُلَيْبٍ. وَكَانَ مِنْ عُقَلاَءِ الأَئِمَّةِ.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وثلاثين وست
مائة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 204".
(16/340)
ابن عين الدولة، عبد
الحق:
5773- ابن عين الدولة 1:
قَاضِي القُضَاةِ شَرَفُ الدِّيْنِ أَبُو المَكَارِمِ
مُحَمَّدُ ابن القاضي الرشيد عَبْدِ اللهِ بنِ
الحَسَنِ بن عَلِيِّ بنِ أبي القاسم بن صدقة
الصَّفْرَاوِيِّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، ثُمَّ
المِصْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، عُرِفَ بِابْنِ عَيْنِ
الدَّوْلَةِ.
مَوْلِدُهُ بِالثَّغْرِ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ.
وَقَدِمَ القَاهِرَةَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ،
فَنَابَ عَنِ ابْنِ درْبَاسٍ، وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ
الثَّغْرِ مِنْ أَقَاربهِ ثَمَانِيَةٌ، ثُمَّ
اسْتَقلَّ بِقَضَاءِ القَاهِرَةِ سَنَةَ ثَلاَثَ
عَشْرَةَ، ثُمَّ وَلِي قَضَاءَ الإِقْلِيْمِ سَنَةَ
سَبْعَ عَشْرَةَ، وَلَهُ فَقهٌ وَفَضَائِلُ وَنَظمٌ
وَنَثرٌ مَعَ العِفَّةِ وَالنَّزَاهَةِ.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5774- عَبْدُ الحَقِّ 2:
ابن خلف بن عبد الحق، الفَقِيْهُ، ضِيَاءُ الدِّيْنِ
أَبُو مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيُّ، الصَّالِحيُّ،
الحَنْبَلِيُّ، المُغَسِّلُ، إِمَامَ مَسْجِدِ
الأَرْزَةِ، الَّذِي بِطرِيقِ الصَّالِحيَّةِ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ تَقْرِيْباً.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَهْمِ بنِ أَبِي العَجَائِزِ،
وَأَبِي الغَنَائِمِ بنِ صَصْرَى، وَأَحْمَدَ بن أَبِي
الوَفَاءِ، وَأَبِي المَعَالِي بنِ صَابرٍ، وَعِدَّةٍ.
وَلَهُ "مَشْيَخَةٌ".
رَوَى عَنْهُ: حَفِيْدُهُ العَدْلُ عِزُّ الدِّيْنِ
عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَسِبْطُهُ القَاضِي
كَمَالُ الدِّيْنِ علي ابن أَحْمَدَ الحَنَفِيُّ،
وَالبِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَأَبُو عَلِيٍّ
ابْنُ الخَلاَّلِ، وَالنَّجمُ ابْنُ الخَبَّازِ،
وَالعزُّ أَحْمَدُ ابْنُ العِمَادِ، وَبِالحُضُوْرِ
القَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ.
قَالَ الضِّيَاءُ: دَيِّنٌ خَيِّرٌ.
وَقَالَ المُنْذِرِيّ: مَشْهُوْرٌ بِالصَّلاَحِ
وَالخَيْرِ، عَجَزَ وَانقطَعَ.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وأربعين وست
مائة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 181، 182".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 349"، وشذرات الذهب
لابن العماد "5/ 211".
(16/341)
ابن الحبير، ابن
الناقد، الرفيع:
5775- ابن الحبير 1:
العَلاَّمَةُ المُفْتِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
يَحْيَى بنِ مُظَفَّرِ بن عَلِيِّ بنِ نُعَيمٍ
البَغْدَادِيُّ، الشَّافِعِيُّ، القَاضِي، عُرف
بِابْنِ الحُبَيْرِ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عبد الصمد السلمي،
وشهدة الكاتبة، ومحمد بنِ نَسيمٍ، وَأَبِي الفَتْحِ
بنِ المَنِّيِّ، وَتَفَقَّهَ بِهِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ
شَافِعِيّاً، وَلَزِمَ المُجِيْرَ البَغْدَادِيَّ،
وَتَأَدَّبَ عَلَى أَبِي الحَسَنِ ابْنِ العَصَّارِ.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: تَاجُ الدِّيْنِ الغَرَّافِيُّ،
وَكَانَ بَصِيْراً بِالمَذْهَبِ وَدَقَائِقِه،
دَيِّناً عَابِداً، كَثِيْرَ التِّلاَوَةِ وَالحَجِّ
وَالتَّهجُّدِ، وَلَهُ بَاعٌ مَديدٌ فِي
المُنَاظَرَةِ، وَنَابَ فِي القَضَاءِ عَنِ ابْنِ
فَضْلاَنَ، ثُمَّ دَرَّسَ بِالنِّظَامِيَّةِ، فِي
سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. مَاتَ: فِي
شَوَّالٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ.
5776- ابن الناقد 2:
الوَزِيْرُ المُعَظَّمُ نَصِيْرُ الدِّيْنِ أَبُو
الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ
البَغْدَادِيُّ.
قرَأَ النَّحْوَ وَتَعَانَى الكِتَابَةَ، وَتَنقَّلَ،
وَكَانَ أَخَا الخَلِيْفَةِ الظَّاهِرِ مِنَ
الرَّضَاعِ.
تولَّى أُسْتَاذَ دَارِيَةِ الخِلاَفَةِ، ثُمَّ وزر
سنة يسع وعشرين وست مائة، وَكَانَ فِي مَبْدَئِهِ
كَثِيْرَ التَّعَبُّدِ وَالتِّلاَوَةِ، وَتَعَلَّلَ
بِأَلَمِ المفَاصلِ، فَعَجِزَ عَنِ الحَرَكَةِ،
فَاسْتَنَابَ مَنْ يُعَلِّمُ عَنْهُ، وَحضرَ يَوْم
بَيْعَةِ المُسْتَعْصِمِ فِي مِحَفَّةٍ وَجَلَسَ
لأَخْذِ البَيْعَةِ، وَبَقِيَ عَالِي الرُّتبَةِ إِلَى
أَنْ مَاتَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وست
مائة.
5777- الرفيع 3:
العَلاَّمَةُ الأُصُوْلِيُّ الفَيْلَسُوْفُ رَفِيْعُ
الدِّيْنِ قَاضِي القُضَاةِ أَبُو حَامِدٍ عَبْدُ
العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ
الجِيْلِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
كَانَ قَدْ أَمْعَنَ فِي عِلْمِ الأَوَائِلِ،
وَاظلَمَّ قَلْبُهُ وَقَالبُهُ، وَقَدِمَ دمشق وتصدر،
ثم ولي قضاء
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 205".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 350".
3 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 350، 351"، وشذرات
الذهب "5/ 214، 215".
(16/342)
بَعْلَبَكَّ لِلصَّالحِ إِسْمَاعِيْلَ،
فَنفقَ عَلَيْهِ وَعَلَى وَزِيْرهِ الأَمِيْنِ
المسلمَانِيّ، وَلَمَّا غلَبَ إِسْمَاعِيْلُ عَلَى
دِمَشْقَ وَلاَّهُ قَضَاءهَا، فَكَانَ مَذْمُوْمَ
السِّيْرَةِ، خَبِيثَ السَّرِيرَةِ، وَوَاطَأَهُ
أَمِيْنُ الدَّوْلَةِ عَلَى أَذِيَّةِ النَّاسِ،
وَاسْتَعْمَلَ شُهُوْدَ زُوْرٍ وَوُكَلاَءَ، فَكَانَ
يُطْلَبُ ذُو المَالِ إلى مجلسه فيبث مُدَّعٍ عَلَيْهِ
بِأَلفِ دِيْنَارٍ وَيَحضرُ شُهُوْدُهُ، فَيتحيّر
الرَّجُلُ وَيُبْهَتُ، فَيَقُوْلُ الرّفِيعُ: صَالِحْ
غرِيْمَكَ، فَيُصَالِح عَلَى النِّصْفِ، فَاسْتُبيحت
أَمْوَالُ المُسْلِمِيْنَ، وَعظُمَ الخطبُ، وَتعثّر
خَلقٌ، وَعَظُمَت الشّنَاعَاتُ، وَاسْتغَاثُوا إِلَى
الصَّالِحِ، فَطَلَبَ وَزِيْرَهُ، وَقَالَ: مَا هَذَا?
فَخَافَ، وَكَانَ إسماعيل البَلاَءِ المُوَفَّق
الوَاسِطِيّ فَتحَ أَبْوَابَ الظُّلمِ، فَبَادرَ
الوَزِيْرُ وَأَهْلَكَهُمَا لِئَلاَّ يُقرَّا عَلَيْهِ
وَلِيُرضِيَ النَّاسَ وَيُقَالُ: كَانَ الصَّالِحُ
يَدْرِي أَيْضاً.
ذَكَرَ الصَّدْرُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَسَاكِرَ فِي
"جَرِيْدَتِه": أَنَّ القَاضِيَ الرّفِيعَ دَخَلَ مِنْ
تَوجههِ إِلَى بَغْدَادَ رَسُوْلاً، فَرَكِبَ
لِتلقِّيه الوَزِيْرُ أَمِيْنُ الدَّوْلَةِ،
وَالمَنْصُوْرُ وَلدُ السُّلْطَان، فَدَخَلَ فِي زخمٍ
عَظِيْمٍ، وَعَلَيْهِ خِلْعَةٌ سَوْدَاءُ وَعَلَى
جَمِيْعِ أَصْحَابِهِ، فَقِيْلَ: مَا دخل بغداد ولا
أخذت منه الرسالة، فزد واشترى الخلع لأصحابه من عند،
قَالَ: وَشرعَ الصَّالِحُ فِي مصَادرَةِ النَّاسِ
عَلَى يَدِ الرّفِيعِ، وَكَتَبَ إِلَى نُوَّابهِ فِي
القَضَاءِ يَطلبُ مِنْهُم إِحضَارَ مَا تَحْتَ
أَيَدِيهِم مِنْ أَمْوَالِ اليَتَامَى، وَكَانَ
يَسلُكُ طَرِيْقَ الوُلاَةِ، وَيْحَكمُ بِالرشوَةِ،
وَيَأْخذُ مِنَ الخَصْمَينِ، وَلاَ يُعدّل أَحَداً
إلَّا بِمَالٍ، وَيَأْخذُ جَهراً، وَاسْتعَارَ
أَرْبَعِيْنَ طَبَقاً ليهدِيَ فِيْهَا إِلَى صَاحِبِ
حِمْص فَلَمْ يَردّهَا وغارت المياه في أيامه، ويبست
الشجر وصقعت، وَبطلت الطّوَاحينُ، وَمَاتَ عَجَمِيٌّ
خلّفَ مائَةَ أَلْفٍ فَمَا أَعْطَى بِنْتَه فَلْساً،
وَأَذِنَ لِلنِّسَاءِ فِي عُبورِ جَامِعِ دِمَشْقَ،
وَقَالَ: مَا هُوَ بِأَعْظَمَ مِنَ الحَرَمَيْنِ
فَامتلأَ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لَيْلَةَ
النِّصْفِ.
وَقَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ
أَعيَانٌ: أَنَّ الرّفِيع كَانَ فَاسِدَ العقيدَةِ،
دَهْرِيّاً، يَجِيْءُ إِلَى الجمعة سكرانًا، وأن داره
مثل الحانة.
وَحَكَى لِي جَمَاعَةٌ أَنَّ الوَزِيْرَ السَّامرِيَّ
بَعَثَ بِهِ فِي اللَّيْلِ عَلَى بغلٍ بِأَكَافٍ إِلَى
قَلْعَةِ بَعْلَبَكَّ وَنفذَ بِهِ إِلَى مغَارَةٍ أفقه
فَأَهْلكه بِهَا، وَتُرِكَ أَيَّاماً بِلاَ أَكلٍ،
وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِبَيعِ أَملاَكهِ
لِلسَامرِيّ، وَأَنَّهُ لَمَّا عَاينَ المَوْتَ قَالَ:
دَعُوْنِي أُصَلِّي، فَصَلَّى فَرَفَسه دَاوُدُ مِنْ
رَأْسِ شقيفٍ فَمَا وَصل حَتَّى تَقطّع، وَقِيْلَ:
بَلْ تَعلّقَ ذَيلُهُ بِسنِّ الجبلِ، فَضَرَبوهُ
بِالحجَارَةِ حَتَّى مَاتَ.
وَقَالَ رَئِيْسُ النَّيْرَبِ: سُلِّم الرَّفِيعُ
إِلَيَّ وَإِلَى سَيْفِ النقمَة دَاوُد، فَوصلنَا بِهِ
إِلَى شقيفٍ فِيْهِ عينُ مَاءٍ فَقَالَ: دَعُوْنِي
أَغتسلْ، فَاغتسل وَصَلَّى وَدَعَا فَدَفَعه دَاوُد
فَمَا وَصل إلَّا وَقَدْ تلفَ، وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ
سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
(16/343)
ابن سلام، الكردري:
5778- ابن سلامة 1:
رَئِيْسُ البلدِ نَجْمُ الدِّيْنِ الحَسَنُ بنُ
سَالِمٍ بنِ سَلاَّمٍ الكَاتِبُ.
سَمِعَ: يَحْيَى الثَّقَفِيَّ، وَابْنَ صدقة، وجماعة.
وَعَنْهُ: ابْنُ الخَلاَّلِ، وَشَرَفُ الدِّيْنِ
الفَزَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ ابْنُ خَطِيْبِ بَيْتِ
الأَبَّارِ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ ذَا أَمْوَالٍ وَحِشْمَةٍ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ، وَتَبِعَهُ
وَلدُهُ، وكان كثير البر بالحنابلة.
5779- الكردري 2:
العَلاَّمَةُ فَقِيْهُ المَشْرِقِ شَمْسُ الأَئِمَّةِ
أَبُو الوحدَةِ محمد بن عبد الستار ابن مُحَمَّدٍ
العِمَادِيُّ، الكَرْدرِيُّ، الحَنَفِيُّ،
البرَاتقينِيُّ. وَبرَاتقين: مِنْ أَعْمَالِ كَرْدَرَ،
وَكَرْدَرُ: نَاحِيَةٌ كَبِيْرَةٌ مِنْ بِلاَدِ
خُوَارِزْمَ.
أَنْبَأَنِي بتَرْجَمَتِهِ أَبُو العَلاَءِ
الفَرَضِيُّ، فَقَالَ: هُوَ أُسْتَاذُ الأَئِمَّةِ
عَلَى الإِطلاَقِ، وَالموفودُ عَلَيْهِ مِنَ الآفَاقِ،
قرَأَ بِخُوَارِزْمَ عَلَى بُرْهَانِ الدِّيْنِ
نَاصِرِ بنِ عَبْدِ السَّيِّدِ المُطَرِّزِيِّ،
مُؤلِّفِ "شرحِ المقامات"، وتفقه بسمرقند على شيخ
الإسلام بران الدِّيْنِ عَلِيّ بن أَبِي بَكْرٍ بنِ
عَبْدِ الجَلِيْلِ المَرْغِيْنَانِيِّ وَسَمِعَ
مِنْهُ، وَتَفَقَّهَ بِبُخَارَى عَلَى العَلاَّمَةِ
بدرِ الدِّيْنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ
الورسكِيِّ، وَأَبِي المَحَاسِن حَسَنِ بنِ مَنْصُوْرٍ
قَاضِي خَان، وَجَمَاعَةٍ. وَبَرَعَ فِي المَذْهَبِ
وَأُصُوْلِهِ، وَتَفَقَّهَ على خلق، ورحلوا غليه إِلَى
بُخَارَى، مِنْهُم: ابْنُ أَخِيْهِ العَلاَّمَةُ
مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدٍ الفَقِيْهِيُّ، وَالشَّيْخُ
سَيْفُ الدِّيْنِ البَاخَرْزِيُّ، والعلامة حافظ الدين
محمد بن محمد بن نَصْرٍ البُخَارِيُّ، وَظَهِيْرُ
الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ النوجَابَاذِيُّ،
وَطَائِفَةٌ، سَمَّاهُم الفَرَضِيُّ، ثُمَّ قَالَ:
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
وَتُوُفِّيَ بِبُخَارَى فِي مُحرِّمٍ سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفن
عِنْد الإِمَام عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
يَعْقُوْبَ الحَارِثِيُّ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: المَوْلَى تَاجُ الدِّيْنِ
أَحْمَدَ ابْن القَاضِي أَبِي نَصْرٍ ابْن
الشِّيْرَازِيّ فِي رَمَضَانَ، وَالوَزِيْر الكَبِيْر
نصِيْر الدِّيْنِ أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ ابن الناقد البغدادي، ونجم
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1427".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 351"، وشذرات الذهب
لابن العماد "5/ 216"، ووقع عنده [ابن عبد الغفار] بدل
[ابن عبد الستار] .
(16/344)
الدِّيْنِ الحَسَنُ بنُ سَالِمِ بنِ سَلامٍ
الدِّمَشْقِيُّ الكَاتِبُ، وَالِدُ المُحَدِّثِ
الذَّكيِّ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو طَالِبٍ خَاطبُ بنُ
عَبْدِ الكَرِيْمِ الحَارِثِيُّ المِزِّيُّ،
وَالمُقْرِئُ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ
الأَنْصَارِيُّ، وَالِدُ شَيْخَتِنَا فَاطِمَةَ،
وَأَبُو المَنْصُوْرِ ظَافرُ بنُ طَاهِرٍ المُطَرِّزُ
ابْنُ شَحْمٍ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَشَيْخُ
الشُّيُوْخِ تَاجُ الدِّيْنِ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ
بنِ عَلِيِّ بنِ حَمُّوَيْه الجُوَيْنِيُّ ثُمَّ
الدِّمَشْقِيُّ، وَالمُغِيْثُ جَلاَلُ الدِّيْنِ
عُمَرُ ابْنُ السُّلْطَانِ نَجْمِ الدِّيْنِ أَيُّوْبَ
ابْنِ الكامل، والحافظ أبو القاسم بن محمد بن أحمد ابن
الطَّيْلَسَانِ الأَنْصَارِيُّ القُرْطُبِيُّ، وَأَبُو
الضوءِ قمرُ بنُ هِلاَلِ بنِ بطَاحٍ القَطِيْعِيُّ
البَقَّالُ، وَالنَّفِيْسُ أَبُو البَرَكَاتِ
مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ رَوَاحَةَ الحَمَوِيّ
الضّرِير، وَالأَدِيْب مُهَذَّب الدِّيْنِ مُحَمَّد بن
عَلِيِّ بنِ عَلِيِّ بنِ عَلِيٍّ ابْنُ القَامغَارِ
الحِلِّيُّ الشَّاعِرُ بِمِصْرَ فِي عَشْرِ المائَةِ،
وَصَاحِبُ حَمَاةَ المظفر تقي الدين محمود بن
المَنْصُوْرِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الأَيُّوْبِيُّ،
وَالنَّجِيْبُ نَاصِرُ بنُ مَنْصُوْرٍ العرضِيُّ،
وَجَمَالُ الدِّيْنِ يُوْسُفُ ابْنُ المخيلي.
(16/345)
ابن الطيلسان، ابن
العجمي:
5780- ابن الطيلسان 1:
الحَافِظُ المُفِيْدُ مُحَدِّثُ الأَنْدَلُسِ أَبُو
القَاسِمِ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ
الأَنْصَارِيُّ، القُرْطُبِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ
تَقْرِيْباً.
وَرَوَى عَنْ: جَدِّهِ لأُمِّهِ أَبِي القَاسِمِ ابْنِ
الشَّرَّاطِ، وَأَبِي العَبَّاسِ بنِ مِقْدَامٍ،
وَعَبْدِ الحَقِّ الخَزْرَجِيِّ، وَأَبِي الحَكَمِ بنِ
حَجَّاجٍ، وَخَلْقٍ، وَصَنَّفَ الكُتُبَ وَكَانَ
بَصِيْراً بِالقِرَاءات وَالعَرَبِيَّةِ أَيْضاً.
وَلِيَ خَطَابَةَ مَالَقَةَ بَعْد ذهَابِ قُرْطُبَةَ
وَأَقرَأَ بِهَا، وَحَدَّثَ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ.
كَتَبَ إِلَيَّ ابْنُ هَارُوْنَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنِ
ابْنِ الطَّيْلَسَانِ كِتَابَ "الوَعْد" فِي
العَوَالِي.
5781- ابْنُ العَجَمِيِّ:
مِنْ بَيْتِ عِلمٍ وَسِيَادَةٍ بِحَلَبَ العَلاَّمَةُ
كَمَالُ الدِّيْنِ أَبُو هَاشِمٍ عُمَرُ بنُ عَبْدِ
الرَّحِيْمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَسَنِ
الشَّافِعِيُّ.
تَفَقَّهَ بطَاهِرِ بن جَهْبلٍ، وَسَمِعَ مِنْ يَحْيَى
الثَّقَفِيِّ، وَغَيْرِهِ.
يُقَالُ: أَلقَى "المُهَذَّبَ" دُروساً خَمْساً
وَعِشْرِيْنَ مرَّةً.
وَكَانَ ذَا وَسوَاسٍ فِي المِيَاهِ.
رَوَى عَنْهُ عَبَّاسُ بنُ بَزْوَانَ، وَغَيْرُهُ.
مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ خمس وثمانون سنة.
وَمِنْ وَسْوَاسِهِ أَنَّهُ نَزَلَ فِي قدرِهِ حَمَامٌ
فضاق نفسه ثم مات!
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1139"، وشذرات الذهب "5/
215، 216".
(16/345)
ابن شحم، ابن
المخيلي:
5782- ابْنُ شَحْمٍ 1:
أَبُو المَنْصُوْرِ ظَافِرُ بنُ طَاهِرِ بنِ ظَافر بن
إِسْمَاعِيْلَ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، المَالِكِيُّ،
عُرِفَ: بِابْنِ شحمٍ المُطَرِّزِ.
عَاشَ ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
سَمِعَ مِنَ السِّلَفِيِّ، وَابْنِ عَوْفٍ.
رَوَى عَنْهُ الدِّمْيَاطِيُّ، وَالغَرَّافِيُّ،
وَجَمَاعَةٌ.
مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5783- ابْنُ المَخِيْلِيِّ 2:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ الصَّدْرُ الإِمَامُ الفَقِيْهُ
جَمَالُ الدِّيْنِ أَبُو الفَضْلِ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ
المُعْطِي بنِ مَنْصُوْرِ بنِ نَجَا بنِ مَنْصُوْرٍ
الغَسَّانِيّ، الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، ابن المَخِيلِيِّ
المَالِكِيّ، مِنْ كُبَرَاءِ أَهْلِ الثَّغْرِ.
وَمَخِيلُ: مِنْ بِلاَدِ برقَةَ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ.
وَسَمِعَ مِنَ: الحَافِظِ السِّلَفِيِّ، وَأَبِي
الطَّاهِرِ بنِ عَوْفٍ، وَأَبِي الطَّيِّبِ بنِ
الخَلُوْفِ.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: الضِّيَاءُ السَّبْتِيُّ،
وَالدِّمْيَاطِيُّ، وَالأَبَرْقُوْهِيُّ، وَمُحَمَّدُ
بنُ أَبِي القَاسِمِ الصَّقَلِّيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ
عَلِيُّ بنُ المُنيّرِ، وَالمُفَسِّرُ أَبُو عَبْدِ
اللهِ ابْنُ النَّقِيْبِ، وَغَيْرُهُم.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: قَالَ لِي: إِنَّهُ دَخَلَ
دِمَشْقَ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي سَابعِ جُمَادَى الآخِرَةِ، سنة
اثنتين وأربعين وست مائة.
قرأ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ المُفَسِّرِ
وَعَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ خَلَفٍ الحَافِظِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ المُعْطِي،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ
الأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ،
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ العُكْبَرِيُّ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عُمَرَ
الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَدِّي عَلِيُّ بنُ
حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ
عَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَلِيٍّ،
قَالَ: "أَحَبُّ الكَلاَمِ إِلَى اللهِ -عزَّ وجلَّ-
أَنْ يَقُوْلَ العَبْدُ وَهُوَ سَاجِدٌ: رَبِّ إني
ظلمت، ربي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ إلَّا أنت"3.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 352"، وشذرات الذهب
"5/ 213، 214".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 352"، وشذرات الذهب
"5/ 216".
3 حسن: فيه عاصم بن بهدله صدوق، فالإسناد حسن وهو
موقوف على عليٍّ، رضي الله عنه.
(16/346)
5784- ابن
المجد 1:
الإِمَامُ العَالِمُ الحَافِظُ المُتْقِنُ القُدْوَةُ
الصَّالِحُ سَيْفُ الدِّيْنِ أَبُو العَبَّاسِ
أَحْمَدُ ابْنُ المُحَدِّثِ الفَقِيْهِ مَجْدِ
الدِّيْنِ عِيْسَى ابْن الإِمَامِ العَلاَّمَةُ
مُوَفَّقُ الدِّيْنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَةَ، المَقْدِسِيُّ،
الصَّالِحيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا اليُمْنِ الكِنْدِيَّ، وَابْنَ
الحَرَسْتَانِيِّ، وَابْنَ مُلاعِبٍ، وَجَدَّهُ،
وَجَمَاعَةً وَتَخَرّج بِخَالهِ الحَافِظِ ضِيَاءِ
الدِّيْنِ، وَارْتَحَلَ، وَلَهُ ثَمَانِي عَشْرَةَ
سَنَةً، فَسَمِعَ مِنَ الفَتْحِ بنِ عَبْدِ
السَّلاَمِ، وَعَلِيِّ بنِ بوزندَار، وَأَبِي عَلِيٍّ
ابنِ الجَوَالِيْقِيِّ وَطَبَقَتِهِم، ثُمَّ ارْتَحَلَ
إِلَى بَغْدَادَ أَيْضاً سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ،
وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَبَرَعَ
فِي الحَدِيْثِ.
وَكَانَ ثِقَةً ثَبْتاً، ذكياً، سَلَفِيّاً، تَقيّاً،
ذَا ورعٍ وَتَقوَى، وَمَحَاسِنَ جَمَّةٍ، وَتَعَبُّدٍ
وَتَأَلّهٍ، وَمُروءةٍ تَامَّةٍ، وَقَولٍ بِالْحَقِّ،
وَنَهْيٍ عَنِ المُنْكَرِ، وَلَوْ عَاشَ لَسَادَ فِي
العِلْمِ وَالعَمَلِ -فَرَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وَكَتَبَ لِنَفْسِهِ وَبِالأُجرَةِ وأفاد الطلبة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ
الدَّشْتِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَاشَ ثَمَانِياً
وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ عِنْدِ
آبَائِهِ، وَلَهُ مُصَنَّفٌ فِي السَّمَاعِ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَلِّمُ،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى الحَافِظُ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي المَعَالِي
الصُّوْفِيُّ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ ابْنُ الزَّاغُوْنِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
القَاسِمِ ابْنُ البُسْرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو
طَاهِرٍ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا البَغَوِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ وَالعَيْشِيُّ،
قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حُفَّتِ
الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ
بِالشَّهوَاتِ". غَرِيْبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ حَمَّادٌ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنِ القَعْنَبِيِّ، عَنْهُ،
وَيَرْوِيْهِ حَمَّادٌ أَيْضاً عَنْ خَالِهِ حميد
الطويل عن أنس.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1147"، والنجوم
الزاهرة "6/ 353"، وشذرات الذهب "5/ 217".
1 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 153" و"3/ 254 و284"، ومسلم
"2822"، والترمذي "2559"، والدارمي "2/ 339"، والبغوي
"4114" من طرق عن حماد بن سلمة، عن ثابت، وحميد، عن
أنس، به.
وأخرجه أحمد "2/ 260"، والبخاري "6487"، ومسلم "2823"
من طريق أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، به.
(16/347)
5785- ابن
المقير 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ الصَّالِحُ رحلَةُ الوَقْتِ
أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ ابنُ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ
الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ مَنْصُوْرٍ، ابْنُ
المُقَيَّرِ البَغْدَادِيُّ، الأَزَجِيُّ، المقرئ،
الحنبلي، النجار، نزيل مصر.
وُلدَ لَيْلَةَ الفطرِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَجَازَ لَهُ: نَصْرُ بنُ نَصْرٍ العُكْبَرِيُّ،
وَأَبُو بَكْرٍ ابْنُ الزَّاغُوْنِيِّ، وَالحَافِظُ
ابْنُ نَاصِرٍ، وَسَعِيْدُ ابْنُ البَنَّاءِ، وَأَبُو
الكَرَمِ ابْنُ الشَّهْرُزُوْرِيِّ، وأبو جعفر العباس،
وَعِدَّةٌ. وَقَدْ كَانَ يُمكنه السَّمَاعُ مِنْهُم.
ثُمَّ سَمِعَ بِنَفْسِهِ مِنْ: مَعْمَرِ بنِ
الفَاخِرِ، وَشُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَعَبْدِ الحَقِّ
بنِ يُوْسُفَ، وَأَحْمَدَ بنِ الناعم، وعيس بنِ
أَحْمَدَ الدُّوْشَابِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ
شِيْرَوَيْهِ، وَبِدِمَشْقَ مِنِ ابْنِ صَدَقَةَ
الحَرَّانِيِّ.
وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ فِي
سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، فَحَدّثَ،
وَأَقَامَ بِهَا نَحْواً مِنْ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ
حَجَّ، وَحَدَّثَ بِخَيْبَرَ، وَبِالحرمِ، وَجَاورَ،
ثُمَّ سَارَ إِلَى مِصْرَ، وَرَوَى بِهَا الكَثِيْرَ.
قَالَ الحَافِظُ تَقِيّ الدِّيْنِ عُبيدٌ: كَانَ
شَيْخاً صَالِحاً، كَثِيْرَ التجهد وَالعِبَادَةِ
وَالتِّلاَوَةِ، صَابراً عَلَى أَهْلِ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ الحَافِظُ عِزُّ الدِّيْنِ الحُسَيْنِيّ:
كَانَ مِنْ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ، كَثِيْرَ
التِّلاَوَةِ، مُشْتَغِلاً بِنَفْسِهِ، مَاتَ فِي
نِصْفِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: أَئِمَّةٌ وَحُفَّاظٌ؛
وَحَدَّثَنِي عَنْهُ الدِّمْيَاطِيُّ، وَالسَّبْتِيُّ،
وَأَبُو عَلِيِّ بنُ الخَلاَّلِ، وَالجلاَلُ عَبْدُ
المُنْعِمِ القَاضِي، وَزَيْنَبُ بِنْتُ القَاضِي
مُحيِي الدِّيْنِ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ
الذَّهَبِيُّ، ومحمد بن عبد الكريم المنذري، وَعِيْسَى
المَغَازِي، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الحَنْبَلِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ مُكَرَّمٍ الكَاتِبُ، وَمُحَمَّدُ بنُ
مُظَفَّرٍ المَالِكِيُّ، وَالحَافِظُ أَبُو الحُسَيْنِ
ابْنُ الفَقِيْهِ، وَشِهَابُ بنُ عَلِيٍّ، وَصليحٌ
الصوَابِي، وَبِيْبَرْسُ القيمرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ
بنُ عُمَرَ الجُمَّيْزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ
مُشَرِّفٍ، وَالبَهَاءُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَخَلْقٌ.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عنه بالسماع: يونس العسقلاني.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1432"، والنجوم الزاهرة
لابن تغري بردي "6/ 355"، وشذرات الذهب لابن العماد
"5/ 223".
(16/348)
الغزال، السخاوي:
5786- الغَزَّالُ 1:
حَمْزَةُ بنُ عُمَرَ بنِ عَتِيْقِ بنِ أوس، الفَقِيْهُ
العَالِمُ أَبُو القَاسِمِ الأَنْصَارِيُّ
الإِسْكَنْدَرَانِيُّ المَالِكِيُّ الغَزَّالُ
الدَّلاَّلُ، وَكَانَ لَهُ حَانُوْتٌ بِقَيْسَارِيَّةِ
الغَزْلِ بِالثَّغْرِ.
حَدَّثَ عَنْ: السِّلَفِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الحُلوَانِيَّةِ، وَأَبُو حَامِدٍ
ابْنُ الصَّابُوْنِيِّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدمياطي،
والضياء السبتين، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ فِي ثَالِثِ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ إِحْدَى
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: الصَّرِيْفِيْنِيُّ المُحَدِّثُ،
وَأَعزُّ بنُ كَرَمٍ البَزَّازُ، وَعَبْدُ الحَقِّ بنُ
خَلَفٍ الحَنْبَلِيُّ، وَالمُخَلِّصُ عَبْدُ الوَاحِدِ
بنُ هِلاَلٍ، وَابْنُ القُبَّيْطِيِّ، وَالوَفَاءُ
عَبْدُ المَلِكِ بنُ الحَنْبَلِيِّ، وَعَلِيُّ بنُ
زَيْدٍ التَّسَارَسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي
الفَخَارِ، وَقَيْصَرُ بنُ فَيْرُوْز البَوَّابُ،
وَكَرِيْمَةُ الزبيرية، وكريمة بنت عبد الحق
القُضَاعِيَّةُ بِمِصْرَ، وَكَرِيْمَةُ بِنْتُ
المُحَدِّثِ عَبْد الرَّحْمَنِ بنِ نَسِيمٍ
الدِّمَشْقيَّةُ، وَابْنُ مُحَارِبٍ القَيْسِيُّ،
وَمَحَاسِنُ الجوبري، ويونس السقباني.
5787- السخاوي 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ شَيْخُ القُرَّاءِ
وَالأُدَبَاءِ عَلَمُ الدين أبو الحسن علي بن محمد ابن
عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَطَّاسِ الهَمْدَانِيُّ،
المِصْرِيُّ، السَّخَاوِيُّ، الشَّافِعِيُّ، نَزِيْلُ
دِمَشْقَ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، أو سنة تسع.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1435"، وشذرات الذهب "5/
211".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1432"، والنجوم الزاهرة
"6/ 354"، وشذرات الذهب "5/ 222".
(16/349)
وقد الثَّغْرَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ
وَسَبْعِيْنَ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي طَاهِرٍ
السِّلَفِيِّ، وَمِنْ أَبِي الطَّاهِرِ بنِ عَوْفٍ،
وَبِمِصْرَ مِنْ أَبِي الجُيُوْش عَسَاكِرَ بنِ
عَلِيٍّ، وَأَبِي القَاسِمِ البُوصِيْرِيِّ،
وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ يَاسينَ، وبدمشق من ابن طبرزذ،
وَالكِنْدِيِّ وَحَنْبَلٍ. وَتَلاَ بِالسَّبْعِ عَلَى:
الشَّاطِبِيِّ، وَأَبِي الجُوْدِ، وَالكِنْدِيِّ،
وَالشِّهَابِ الغَزْنَوِيِّ.
وَأَقرَأَ النَّاسَ دَهْراً، وَمَا أَسندَ القِرَاءاتِ
عَنِ الغَزْنَوِيِّ وَالكِنْدِيِّ، وَكَانَا أَعْلَى
إِسْنَاداً مِنَ الآخَرِيْنَ، امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ
لأَنَّه تَلاَ عَلَيْهِمَا بِـ "المُبْهِج"، وَلَمْ
يَكُنْ بِأَخرَةٍ يَرَى الإِقْرَاءَ بِهِ وَلاَ بِمَا
زَادَ عَلَى السَّبْع، فَقِيْلَ: إِنَّهُ اجْتنبَ
ذَلِكَ لِمَنَامٍ رَآهُ.
وَكَانَ إِمَاماً فِي العَرَبِيَّةِ، بَصِيْراً
بِاللُّغَةِ، فَقِيْهاً، مُفْتِياً، عَالِماً
بِالقِرَاءاتِ وَعِلَلِهَا، مُجَوِّداً لَهَا،
بَارِعاً فِي التَّفْسِيْرِ، صَنَّفَ وَأَقرَأَ
وَأَفَاد، وَرَوَى الكَثِيْرَ وَبَعُدَ صِيتُه،
وَتَكَاثَرَ عَلَيْهِ القُرَّاءُ، تَلاَ عَلَيْهِ:
شَمْسُ الدِّيْنِ أَبُو الفَتْحِ الأَنْصَارِيُّ،
وَشِهَابُ الدِّيْنِ أَبُو شَامَةَ، وَرَشِيدُ
الدِّيْنِ ابْنُ أَبِي الدُّرِّ، وَزَيْنُ الدِّيْنِ
الزوَاوِيُّ، وَتَقِيُّ الدِّيْنِ يَعْقُوْبُ
الجَرَائِدِيُّ، وَالشَّيْخُ حسنٌ الصَّقَلِّيّ،
وَجَمَالُ الدِّيْنِ الفَاضِلِيُّ، وَرَضِي الدِّيْنِ
جَعْفَر بن دَنُوقَا، وَشَمْسُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ
ابْن الدِّمْيَاطِيّ، وَنظَامُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ
بنُ عبد الكريم التبرزي، وَالشِّهَابُ ابْن مزهرٍ،
وَعِدَّةٌ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّيْنِ
الفَارِقِيُّ، وَالجَمَالُ ابْنُ كَثِيْرٍ،
وَالرَّشِيْدُ ابن المُعَلِّمِ، وَمُحَمَّدُ بنُ
قَايْمَازَ الدَّقِيْقِيُّ، وَالخَطِيْبُ شَرَفُ
الدِّيْنِ الفَزَارِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ ابْنُ
المُخَرِّمِيِّ، وَأَبُو عَلِيِّ ابْنُ الخَلاَّلِ،
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ النّصِيْرِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ
مَكْتُوْمٍ، وَالزَّيْنُ إِبْرَاهِيْمُ ابْنُ
الشيرَازِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مَعَ سَعَةِ عُلُوْمِهِ وَفَضَائِلِهِ
دَيِّناً، حَسنَ الأَخْلاَقِ، مُحبَّباً إِلَى
النَّاسِ وَافِرَ الحُرْمَةِ، مُطَّرحاً
لِلتَّكَلُّفِ، ليس له شغل إلَّا العلم ونشره.
شَرَحَ "الشَّاطبيَةَ" فِي مُجَلَّدَيْنِ،
وَ"الرَّائِيَةَ" فِي مُجَلَّدٍ، وَلَهُ كِتَابُ
"جَمَالِ القُرَّاءِ"، وَكِتَابُ "مُنِيْر الدّيَاجِي
فِي الآدَابِ"، وَبلغَ فِي التَّفْسِيْرِ إِلَى
الكَهفِ، وَذَلِكَ فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ،
وَشَرَحَ "المُفَصّلَ" فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ،
وَلَهُ النّظمُ وَالنَّثْرُ.
وَكَانَ يَترخّصُ فِي إِقْرَاءِ اثْنَيْنِ فَأَكْثَر
كُلّ واحدٍ فِي سُوْرَةٍ، وَفِي هَذَا خِلاَفُ
السُّنَّةِ، لأَنَّنَا أُمرنَا بِالإِنصَاتِ إِلَى
قَارِئٍ لِنَفْهَمَ وَنعقلَ وَنَتَدَبَّرَ.
وَقَدْ وَفَدَ علَى السُّلْطَان صَلاَحِ الدِّيْنِ
بِظَاهِرِ عَكَّا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ
زَمَنَ المحَاصرَةِ فَامْتَدَحَهُ بِقَصيدَةٍ
طَوِيْلَةٍ، وَاتَّفَقَ أَنَّهُ امْتَدَحَ أَيْضاً
الرَّشِيْدَ الفَارِقِيَّ، وَبَيْنَ المَمْدُوحَيْنِ
فِي المَوْتِ أَزْيَدُ مِنْ مائَةِ عَامٍ.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو شَامَةَ: وَفِي ثَانِي عشرَ
جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ تُوُفِّيَ شَيْخُنَا عَلَمُ الدِّيْنِ
علاَمَةُ زَمَانِهِ وَشَيْخُ أَوَانِهِ بِمَنْزِلِهِ
بِالتُّرْبَةِ الصَّالِحيَّةِ، وَكَانَ عَلَى
جِنَازَتِهِ هَيبَةٌ وَجَلاَلَةٌ وَإِخبَاتٌ، وَمِنْهُ
اسْتَفَدْتُ عُلُوْماً جَمَّةً كَالقِرَاءات،
وَالتَّفْسِيْرِ، وَفُنُوْنِ العَرَبِيَّة.
قُلْتُ: كَانَ يُقْرِئُ بِالتُّرْبَةِ وَلَهُ حَلْقَةٌ
بِالجَامِعِ.
(16/350)
ابن الخازن، ابن أبي
الدم:
5778- ابن الخازن 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ الصَّالِحُ المُسْنِدُ أَبُو
بَكْرٍ مُحَمَّدُ بن سعيد ابن أبي البقاء المُوَفَّق
بنِ عَلِيِّ ابْن الخَازنِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، ثُمَّ
البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا زُرْعَةَ المَقْدِسِيَّ، وَأَبَا
بَكْرٍ أَحْمَدَ بنَ المُقَرَّبِ، وَشُهْدَةَ
الكَاتِبَةَ، وَأَبَا العَلاَءِ بنَ عَقِيْلٍ،
وَجَمَاعَةً، وَهُوَ مِنْ رُوَاةِ "مُسْنَدِ
الشَّافِعِيِّ".
حَدَّثَ عَنْهُ: مَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ العَدِيْمِ،
وَعِزُّ الدِّيْنِ الفَارُوْثِيُّ، وَعَلاَءُ
الدِّيْنِ ابْنُ بَلْبَانَ، وَتَقِيُّ الدِّيْنِ ابْنُ
الوَاسِطِيِّ، وَابْنُ الزين، ومحيي الدين ابن
النَّحَّاسِ، وَابْنُ عَمِّهِ بَهَاءُ الدِّيْنِ
أَيُّوْب، وَجَمَالُ الدِّيْنِ الشَّرِيْشِيُّ،
وَتَاجُ الدِّيْنِ الغَرَّافِيُّ، وَمِنَ القُدَمَاءِ:
ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ وَابْنُ النَّجَّارِ، وَآخِرُ
مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ: بِيْبَرْسُ العَدِيْمِيُّ.
وَكَانَ شَيْخاً صَيِّناً، مُتَدَيِّناً، مُسَمَّتاً،
مِنْ جِلَّةِ الصُّوْفِيَّةِ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ:
بِالإِجَازَةِ المُطَعِّمُ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ
الشِّيْرَازِيِّ، وَالبَهَاءُ ابْنُ عَسَاكِرَ،
وَسِتُّ الفُقَهَاءِ بِنْتُ الوَاسِطِيِّ، وَهَديَّةُ
بِنْتُ مُؤْمِنٍ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ فِي السَّابِعِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي
الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ
مائة، ببغداد.
5789- ابن أبي الدم:
العَلاَّمَةُ شِهَابُ الدِّيْنِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ
عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ عَلِيِّ بنِ
أَبِي الدم الهمداني، الحموي الشافعي.
سَمِعَ: أَبَا أَحْمَدَ بنَ سُكَيْنَةَ.
وَحَدَّثَ بِمِصْرَ وَدِمَشْقَ وَحَمَاةَ بِـ "جُزءِ"
الغِطْرِيْفِ. حَدَّثَنَا عَنْهُ الشِّهَابُ
الدَّشْتِيُّ، وَوَلِيَ القَضَاءَ بِحَمَاةَ وَترسَّلَ
عَنْ مَلِكِهَا، وَصَنَّفَ "أَدبَ القُضَاةِ"
وَ"مُشْكِلَ الوَسِيْطِ"، وَجَمَعَ "تَارِيخاً"،
وَأَلَّفَ فِي الفِرَقِ الإِسلاَمِيَةِ، وَغَيْرِ
ذَلِكَ، وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّدٌ وَفَضَائِلُ
وَشُهْرَةٌ.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سِتُّوْنَ
سَنَةً سِوَى أَشْهُرٍ، رَحِمَهُ الله.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1432"، والنجوم الزاهرة
6/ 355"، وشذرات الذهب "5/ 226".
(16/351)
5790- الضِّيَاءُ المَقْدِسِيُّ 1:
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مَنْصُوْرٍ،
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ،
المُحَقِّقُ، المُجَوِّدُ، الحُجَّةُ، بَقِيَّةُ
السَّلَفِ، ضِيَاءُ الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ
السَّعْدِيُّ، المَقْدِسِيُّ، الجَمَّاعِيْلِيُّ،
ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الصَّالِحيُّ، الحَنْبَلِيُّ،
صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ وَالرِّحْلَةِ الوَاسِعَةِ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
بِالدَّيْرِ المُبَارَكِ، بقَاسِيُوْنَ.
وَأَجَازَ لَهُ: الحَافِظُ السِّلَفِيُّ، وَشُهْدَةُ
الكَاتِبَةُ، وَعَبْدُ الحَقِّ اليُوْسُفِيُّ،
وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَبَعْدَهَا
مِنْ: أَبِي المَعَالِي بنِ صَابرٍ، وَالخَضِرِ بنِ
طَاوُوْسٍ، وَالفَضْلِ بنِ البَانْيَاسِيِّ، وَعُمَرَ
بنِ حَمُّوَيْهِ، وَيَحْيَى الثَّقَفِيِّ، وَأَحْمَدَ
بنِ عَلِيِّ بنِ حَمْزَةَ بنِ المَوَازِيْنِيِّ،
وَمُحَمَّدِ بنِ حمزة بن أبي الصقر، وابن صدقة
الحرانين وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَلِيٍّ
الخِرَقِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ الجَنْزَوِيِّ،
وَبَرَكَاتٍ الخُشُوْعِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ،
بِدِمَشْقَ، وَأَبِي القَاسِمِ البُوْصِيْرِيِّ،
وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ يَاسِيْنَ، وَعِدَّةٍ بِمِصْرَ،
وَأَبِي جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ
أَبِي المُطَهَّرِ الصَّيْدَلاَنِيِّ، وَعَفِيفَةَ
الفَارفَانِيَةِ، وَخَلَفِ بنِ أَحْمَدَ الفَرَّاءِ،
وَأَسَعْدَ بنِ سَعِيْدِ بنِ رَوْحٍ، وَزَاهِرِ بنِ
أَحْمَدَ الثَّقَفِيِّ وَالمُؤَيَّدِ بنِ الإِخْوَةِ،
وَخَلْقٍ بِأَصْبَهَانَ، وَالمُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ،
وَزَيْنَبَ الشَّعْرِيَّةِ، وَعِدَّةٍ
بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبِي رَوْحٍ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ
مُحَمَّدٍ، وَطَائِفَةٍ، بِهَرَاةَ، وَأَبِي
المُظَفَّرِ ابْن السَّمْعَانِيِّ، وَجَمَاعَةٍ،
بِمَرْوَ، وَالافتِخَارِ الهَاشِمِيِّ بِحَلَبَ،
وَعَبْدِ القَادِرِ الرُّهَاوِيِّ وَغَيْرِهِ
بِحَرَّانَ، وَعَلِيِّ بنِ هَبَلٍ بِالمَوْصِلِ،
وَبِهَمَذَانَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَبَقِيَ فِي الرِّحْلَةِ المَشْرِقيَةِ مُدَّةَ
سِنِيْنَ.
نَعَمْ؛ وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنَ: المُبَارَكِ بنِ
المَعْطُوْشِ، وَأَبِي الفَرَجِ ابْنِ الجَوْزِيِّ،
وَابْنِ أَبِي المَجْدِ الحَرْبِيِّ، وَأَبِي أحمد ابن
سُكَيْنَةَ، وَالحُسَيْنِ بنِ أَبِي حَنِيْفَةَ،
وَالحَسَنِ بنِ أشنانة الفرغاني وخلق كثير ببغداد،
وتخر بِالحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ، وَبَرَعَ فِي
هَذَا الشَّأْنِ، وكتب عن أقرانه، ومن هو
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1129"، والنجوم
الزاهرة "6/ 354"، وشذرات الذهب "5/ 224".
(16/352)
دُوْنَهُ، كَخَطِيْبِ مَرْدَا، وَالزَّيْنِ
بنِ عَبْدِ الدَّائِمِ، وحصل الأصول الكثير، وَجَرَّحَ
وَعَدَّلَ، وَصَحَّحَ وَعَلَّلَ، وَقَيَّدَ
وَأَهْمَلَ، مَعَ الدِّيَانَةِ وَالأَمَانَةِ،
وَالتَّقْوَى وَالصِّيَانَةِ، وَالوَرَعِ
وَالتَّوَاضُعِ وَالصِّدْقِ وَالإِخْلاَصِ وَصِحَةِ
النَّقْلِ.
وَمِنْ تَصَانِيفِهِ المَشْهُوْرَةِ كِتَابُ "فَضَائِل
الأَعْمَالِ" مُجَلَّدٌ، كِتَابُ "الأَحكَامِ" وَلَمْ
يَتِمَّ في ثلاث مجلدات، "الأحاديث المختارة" وعمل
تنصفها فِي سِتِّ مُجَلَّدَاتٍ، ""المُوَافقَاتُ" فِي
نَحْوٍ مِنْ ستني جُزْءاً، "مَنَاقِبُ
المُحَدِّثِيْنَ" ثَلاَثَةُ أَجْزَاءٍ، "فَضَائِلُ
الشَّامِ" جُزآنِ، "صِفَةُ الجَنَّةِ" ثَلاَثَةُ
أَجْزَاءٍ، "صِفَةُ النَّارِ" جُزآنِ، "سِيْرَةُ
المَقَادِسَةِ" مُجَلَّدٌ كَبِيْرٌ، "فَضَائِلُ
القُرْآنِ" جُزءٌ، "ذِكْرُ الحَوْضِ" جزءٌ، "النَّهْي
عَنْ سَبِّ الأَصْحَابِ" جُزءٌ، "سِيْرَةُ شَيْخَيْهِ
الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ وَالشَّيْخُ المُوَفَّقُ"
أَرْبَعَةُ أَجزَاءٍ، "قِتَالُ التُّركِ" جُزءٌ،
"فَضْلُ العِلْمِ" جزءٌ.
وَلَمْ يَزَلْ مُلاَزِماً لِلْعِلْمِ وَالرِّوَايَةِ
وَالتَّأْلِيْفِ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَتَصَانِيْفُهُ
نَافِعَةٌ مُهَذَّبَةٌ، أَنشَأَ مَدْرَسَةً إِلَى
جَانِبِ الجَامِعِ المُظَفَّرِيِّ، وَكَانَ يَبنِي
فِيْهَا بِيَدِهِ، وَيَتَقَنَّعُ بِاليَسِيرِ،
وَيَجْتَهِدُ فِي فِعْلِ الخَيْرِ، وَنَشْرِ
السُّنَّةِ، وَفِيْهِ تَعَبُّدٌ وَانْجِمَاعٌ عَنِ
النَّاسِ، وَكَانَ كَثِيْرَ البِرِّ وَالموَاسَاةِ،
دَائِمَ التَّهَجُّدِ، أَمَّاراً بِالمَعْرُوفِ،
بَهِيَّ المَنْظَرِ، مَلِيْحَ الشَيْبَةِ، مُحَبَّباً
إِلَى المُوَافِقِ وَالمُخَالفِ، مُشْتَغِلاً
بِنَفْسِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ فيما قرأ بِخَطِّهِ:
سَأَلتُ زَكِيَّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيَّ عَنْ
شَيْخِنَا الضِّيَاءِ، فَقَالَ: حَافِظٌ ثِقَةٌ،
جَبَلٌ دَيِّنٌ، خَيِّرٌ.
وقرأ بِخَطِّ إِسْمَاعِيْلَ المُؤَدِّبِ أَنَّهُ
سَمِعَ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّيْنِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بنَ العِزِّ يَقُوْلُ: مَا جَاءَ بَعْدَ
الدَّارَقُطْنِيِّ مِثْلُ شَيْخِنَا الضِّيَاءِ، أَوْ
كَمَا قَالَ.
وَقَالَ الحَافِظُ شَرَفُ الدِّيْنِ يُوْسُفُ بنُ
بَدْرٍ: رَحِمَ اللهُ شَيْخَنَا ابْنَ عَبْدِ
الوَاحِدِ، كَانَ عَظِيْمَ الشَّأْنِ فِي الحِفْظِ
وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ، هُوَ كَانَ المُشَارَ
إِلَيْهِ فِي عِلْمِ صَحِيْحِ الحَدِيْثِ
وَسَقِيْمِهِ، مَا رَأَتْ عَيْنِي مِثْلَهُ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: شَيْخُنَا الضِّيَاءُ
شَيْخُ وَقتِهِ، وَنَسِيجُ وَحْدِهِ عِلْماً وَحِفْظاً
وَثِقَةً وَدِيْناً، مِنَ العُلَمَاءِ
الرَّبَّانِيِّينَ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَدلَّ
عَلَيْهِ مِثْلِي.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: ابْنُ
نُقْطَةٍ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَسَيْفُ الدِّيْنِ
ابْنُ المجدِ، وَابْنُ الأَزْهَرِ الصَّرِيْفِيْنِيُّ،
وَزَكِيُّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيُّ، وَمَجْدُ
الدِّيْنِ ابْنُ الحُلوَانِيَّةِ، وَشَرَفُ الدِّيْنِ
ابْنُ النَّابلسِيِّ، وَابْنَا أَخَوَيْهِ الشَّيْخُ
فَخْرُ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ البُخَارِيِّ،
وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ الكَمَالِ
عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَالحَافِظُ أَبُو العَبَّاسِ
ابْنُ الظَّاهِرِيِّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ
بن حازم، والعز
(16/353)
ابن الفَرَّاءِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ ابْنُ
المَوَازِيْنِيِّ، وَنَجْمُ الدِّيْنِ مُوْسَى
الشَّقْرَاوِيُّ، وَالقَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ
سُلَيْمَانُ بنُ حَمْزَةَ، وَأَخوَاهُ مُحَمَّدٌ
وَدَاوُدُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
الخَبَّازِ، وَعُثْمَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
الحِمْصِيُّ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الهيجَاءِ القَاضِي،
وَمُحَمَّدُ بنُ خَطِيْبِ بيت الأبار، وأبو علي ابن
الخَلاَّلِ، وَعَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ المُلَقِّنُ،
وَأَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ جَعْوَانَ، وَعِيْسَى بنُ
مَعَالِي السِّمْسَارُ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ
العَطَّارُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الطَّاهِرِ
المَقْدِسِيُّ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ ابْنِ
الرَّضِيِّ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ الحَافِظُ مُحِبُ الدِّيْنِ ابْنُ النَّجَّارِ
فِي "تَارِيْخِهِ": كَتَبَ أَبُو عَبْدِ اللهِ
بِخَطِّهِ، وَحَصَّلَ الأُصُوْلَ، وَسَمِعنَا مِنْهُ
وَبِقِرَاءتِهِ كَثِيْراً، ثُمَّ إِنَّهُ سَافَرَ
إِلَى أَصْبَهَانَ فَسَمِعَ بِهَا مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ
الصَّيْدَلاَنِيِّ، وَمِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ
فَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةَ.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَقَامَ بِهَرَاةَ وَمَرْوَ
مُدَّةً، وَكَتَبَ الكُتُبَ الكِبَارَ بِخَطِّهِ،
وَحَصَّلَ النُّسَخَ بِبَعْضِهَا بِهِمَّةٍ عَالِيَةٍ،
وجد واجتهاد وتحقيق وإتقان، كتب عَنْهُ بِبَغْدَادَ
وَنَيْسَابُوْرَ وَدِمَشْقَ، وَهُوَ حَافِظٌ مُتْقِنٌ
ثَبْتٌ صَدُوْقٌ نبيلٌ حجَّةٌ عَالِمٌ بِالحَدِيْثِ
وَأَحْوَالِ الرِّجَالِ، لَهُ مَجموعَاتٌ
وَتَخرِيجَاتٌ، وَهوَ وَرِعٌ تَقِيٌ زَاهِدٌ عَابِدٌ
مُحتَاطٌ فِي أَكلِ الحَلاَلِ، مُجَاهِدٌ فِي سَبِيْلِ
اللهِ، وَلَعَمرِي مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَهُ فِي
نَزَاهَتِهِ وَعِفَّتِهِ وَحُسْنِ طَرِيْقَتِهِ فِي
طَلَبِ العِلْمِ.
ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيُّ، أَخْبَرْنَا أَبُو
عَلِيٍّ الحَدَّادُ -يَعْنِي حُضُوْراً- أَخْبَرَنَا
أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا ابْنُ خَلاَّدٍ،
حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا
يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ
الطَّوِيْلُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سقط عن فرسيه
فَجُحِشَ شَقُّهُ أَوْ فَخذُهُ وَآلَى مِنْ نسَائِهِ
شَهْراً، فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ دَرَجُهَا مِنْ
جُذُوْعٍ فَأَتَاهُ أَصْحَابهُ يَعُوْدُوْنَهُ
فَصَلَّى بِهِم جَالِساً وَهُم قِيَامٌ، فَلَمَّا
سَلَّمَ، قَالَ: "إِنَّمَا جُعَلَ الإِمَامُ
لِيُؤتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا،
وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ
فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى قَائِماً فَصَلُّوا
قيَاماً، وَإِن صَلَّى قَاعِداً فَصلُّوا قُعُوْدَا"،
وَنَزَلَ التِّسْعَ وَعِشْرِيْنَ. قَالُوا: يَا
رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّكَ آليْتَ شَهْراً. قَالَ:
"إِنَّ الشَهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُوْنَ" 1.
أَخْبَرَنِي بِهَذَا القَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ
سُلَيْمَانُ بنُ حَمْزَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْخنَا
الحَافِظُ ضياء الدين محمد، فذكره.
__________
1 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "4078" و"4079"، والحميدي
"1189"، وابن أبي شيبة "2/ 325" وأحمد "3/ 110 و162"،
والبخاري "805" و"1114"، ومسلم "411" "77" و"79"
و"81"، والنسائي "2/ 195، 196"، وابن ماجة "1238"،
والطحاوي في "شرح معاني الآثار" "1/ 403"، وأبو عوانة
"2/ 105 و106"، وابن الجارود "229"، والبيهقي "3/ 78"،
والبغوي "850" من طرق عن الزهري، عن أنس به.
قوله: "جحش": أي انخدش جلده.
(16/354)
5791- ابن
النجار 1:
الإمام العالم الحَافِظُ البَارِعُ مُحَدِّثُ
العِرَاقِ مُؤرِّخُ العَصرِ، مُحِبُّ الدِّيْنِ، أَبُو
عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ حَسَنِ بنِ
هِبَةِ اللهِ بنِ مَحَاسِنَ البَغْدَادِيُّ، ابْنُ
النَّجَّارِ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
أَوَّلُ سَمَاعِهِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ
وَهُوَ قَلِيْلٌ، وَأَوَّلُ دُخُوْلِهِ فِي الطَّلَبِ
وَهُوَ حَدَثٌ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ؛ فَسَمِعَ
مِنْ: أَبِي الفَرَجِ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ،
وَيَحْيَى بنِ بَوْشٍ، وَذَاكِرِ بنِ كَامِلٍ،
وَالمُبَارَكِ بنِ المَعْطُوشِ، وَأَبِي الفَرَجِ
ابْنِ الجَوْزِيِّ، وَأَصْحَابِ ابْنِ الحُصَيْنِ،
وَقَاضِي المَرَسْتَانِ، ثُمَّ أَصْحَابِ ابْنِ
نَاصِرٍ، وَأَبِي الوَقْتِ، ثُمَّ يَنْزِلُ إِلَى
أَصْحَابِ ابْنِ البَطِّيِّ، وَشُهْدَةَ، وَتَلاَ
بِالعَشْرَةِ وَغَيْرهَا عَلَى: أَبِي أَحْمَدَ عَبْدِ
الوَهَّابِ ابْنِ سُكَيْنَةَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَارْتَحَلَ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَسَمِعَ بِهَا مِنْ
عَينِ الشَّمْسِ الثَّقَفِيَّةِ، وَالمَوْجُوْدين،
وَإِلَى هَرَاةَ، فَسَمِعَ مِنْ أَبِي رَوْحٍ عَبْدِ
المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، وَإِلَى نَيْسَابُوْر؛
فَسَمِعَ مِنَ المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيّ، وَزَيْنَبَ
بِنْتِ الشَّعْرِيِّ، وَبِمِصْرَ مِنَ الحَافِظِ
عَلِيّ بن المُفَضَّلِ، وَخَلْقٍ، وَبِدِمَشْقَ مِنْ
أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، وَابْنِ
الحَرَسْتَانِيِّ.
قَالَ فِي أَوَّلِ "تَارِيْخِهِ": كُنْتُ وَأَنَا
صَبِيٌّ عزمتُ عَلَى تَذيِيلِ "الذَّيلِ" لابْنِ
السَّمْعَانِيّ، فَجمعتُ فِي ذَلِكَ مسودَةً، وَرحلتُ
وَأَنَا ابْنُ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، فَدَخَلتُ
الحِجَازَ وَالشَّامَ وَمِصْرَ والثغر وبلاد الجزيرة
والعراق والجبال وخراسان، وقرأ الكُتُبَ المطوّلاَتِ،
وَرَأَيْتُ الحُفَّاظَ، وَكُنْتُ كَثِيْرَ
التَّتَبُّعِ لأَخْبَارِ فُضَلاَءِ بَغْدَادَ وَمَنْ
دَخَلَهَا.
قُلْتُ: سَادَ فِي هَذَا العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَامِدٍ ابْنُ الصَّابُوْنِيّ،
وَأَبُو العَبَّاسِ الفَارُوْثِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ
الشَّرِيْشِيّ، وَالغَرَّافِيّ، وَابْنُ بَلْبَانَ
النَّاصِرِيُّ، وَالفَتْحُ مُحَمَّدٌ القَزَّازُ،
وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَةِ جَمَاعَةٌ.
وَاشتهَرَ، وَكَتَبَ عَمَّنْ دَبَّ وَدَرَجَ مِنْ عالٍ
وَنَازلٍ، وَمَرْفُوْعٍ وَأَثرٍ، وَنَظْمٍ وَنثْرٍ،
وَبَرَعَ وَتَقَدَّمَ، وَصَارَ المُشَارَ إِلَيْهِ
بِبَلَدِهِ، وَرَحَلَ ثَانِياً إِلَى أَصْبَهَانَ فِي
حُدُوْدِ العشرين، وحج وجاور،
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1140"، والنجوم
الزاهرة "6/ 355"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 226".
(16/355)
وَعَمِلَ "تَارِيْخاً" حَافلاً لِبَغْدَادَ
ذَيَّل بِهِ وَاسْتدركَ عَلَى الخَطِيْبِ، وَهُوَ فِي
مائَتَيْ جُزءٍ يُنْبِئ بِحِفظِهِ وَمَعْرِفَتِهِ،
وَكَانَ مَعَ حِفْظِهِ فِيْهِ دِيْنٌ وصيانة ونسك.
قَالَ ابْنُ السَّاعِيِّ: اشتَمَلَتْ مَشْيَخَتُهُ
عَلَى ثَلاَثَةِ آلاَفِ شَيْخٍ وَأَرْبَع مائَةِ
امْرَأَةٍ. عَرَضُوا عَلَيْهِ السَّكْنَى فِي رِبَاطِ
شَيْخِ الشُّيُوْخِ فَأَبَى، وَقَالَ: مَعِي ثَلاَثُ
مائَةِ دِيْنَارٍ فَلاَ يَحلّ لِي أَنْ أَرتفقَ مِنْ
وَقْفٍ، فَلَمَّا فُتِحت المُسْتَنْصِرِيَّةُ، كَانَ
قَدِ افْتقر فَجُعِلَ مُشغلاً بِهَا فِي علم
الحَدِيْث.
أَلَّفَ كِتَابَ "القَمَرِ المُنِيْرِ فِي المُسْنَدِ
الكَبِيْرِ"، فَذَكَر كُلّ صَحَابِيٍّ وَمَا لَهُ مِنَ
الحَدِيْثِ، وَكِتَابَ "كَنْزِ الإِمَام فِي السُّنَن
وَالأَحكَام"، وَكِتَابَ "المُؤتلفِ وَالمُخْتَلِف"
ذَيَّل بِهِ عَلَى الأَمِيْرِ ابْن مَاكُوْلاَ،
وَكِتَابَ "الْمُتَّفق وَالمفترق"، وَكِتَابَ "انتسَاب
المُحَدِّثِيْنَ إِلَى الآبَاء وَالبُلْدَان"،
وَكِتَابَ عَوَالِيهِ، وَكِتَابَ "جَنَّةِ
النَّاظرِيْنَ فِي مَعْرِفَةِ التَّابِعِيْنَ"،
وَكِتَابَ "العَقدِ الفَائِقِ"، وَكِتَابَ "الكَمَالِ
فِي الرِّجَالِ"، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ "ذَيلَ
التَّارِيْخِ"، وَلَهُ كِتَابُ "الدُّرَرِ
الثَّمِينَةِ فِي أَخْبَارِ المَدِيْنَةِ"، وَكِتَابُ
"رَوْضَةِ الأَوْلِيَاءِ فِي مَسْجِدِ إِيليَاءَ"،
وَكِتَابُ "نُزهَةِ القِرَى فِي ذكر أُمِّ القُرَى"،
وَكِتَابُ "الأَزهَارِ فِي أَنْوَاع الأَشعَار"،
وَكِتَابُ "عُيونِ الفَوَائِدِ" سِتَّةُ أَسفَارٍ،
وَكِتَابُ "مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ"، وَغَيْرُ
ذَلِكَ، وَأَوْصَى إِلَيَّ، وَوَقَفَ كُتُبَهُ
بِالنِّظَامِيَةِ، فَنفذ إِلَيَّ الشَّرَابِيُّ مائَةَ
دينارٍ لِتجهِيزِ جِنَازَتِهِ. وَرثَاهُ جَمَاعَةٌ
مِنَ الشُّعَرَاءِ، وَكَانَ مِنْ مَحَاسِنِ
الدُّنْيَا.
تُوُفِّيَ فِي خَامِسِ شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ فِي تَرْجَمَة ابْنِ
دِحْيَةَ: لَمَّا دَخَلتُ مِصْرَ طلبني السُّلْطَانُ
-يَعْنِي الكَامِلَ- فَحَضَرتُ عِنْدَهُ، وَكَانَ
يَسْأَلنِي عَنْ أَشيَاء مِنَ الحَدِيْثِ وَأَيَّامِ
النَّاسِ، وَأَمرنِي بِمُلاَزِمَةِ القَلْعَةِ،
فَكُنْت أَحضرُ فِيْهَا كُلَّ يَوْمٍ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدٍ الحَافِظُ،
أَخْبَرَنَا عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بنُ عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا حَبِيْبُ بنُ
الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَيُّوْبَ،
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، أَخْبَرَنَا
حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الحَكَمِ، عَنْ عَطَاءٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "من كَتَمَ عِلْماً
عَلِمَه، أَلْجَمَهُ اللهُ -تَعَالَى- بِلِجَامٍ مِنْ
نَارٍ" 1.
وَأَخْبَرْنَاهُ عَالِياً أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ،
عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ.
وَفِي تَارِيخِ ابْن النَّجَّارِ أَنَّ وَالِدَهُ
مَاتَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانٍ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً،
وَكَانَ مُقَدَّمَ النّجَارِيْنَ بِدَارِ الخِلاَفَةِ،
وكان من العوام.
__________
1 صحيح: أخرجه الطيالسي "2534"، وابن أبي شيبة "9/
55"، وأحمد "2/ 263 و305 و344 و353 و495 و499 و508"،
وَأَبُو داود "3658"، والترمذي "2649"، وابن ماجه
"261"، والطبراني في "الصغير" "1/ 60 و114 و162"،
والبغوي "140" من طرق عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ،
عَنْ أَبِي هريرة، به مرفوعا.
(16/356)
5792- أبو
الربيع بن سالم 1:
الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الحَافِظُ المُجَوِّدُ
الأَدِيْبُ البَلِيْغُ شَيْخُ الحديث والبلاغة
بِالأَنْدَلُسِ أَبُو الرَّبِيْعِ سُلَيْمَانُ بنُ
مُوْسَى بنِ سَالِمِ بن حَسَّانٍ الحِمْيَرِيُّ
الكَلاَعِيُّ البَلَنْسِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ.
ذكرَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنً الأَبَّارِ فِي
"تَارِيْخِهِ" فَقَالَ: سَمِعَ بِبَلَنْسِيَةَ مِنْ
أَبِي العَطَاءِ بنِ نَذيْرٍ، وَأَبِي الحَجَّاجِ بنِ
أَيُّوْبَ، وَارْتَحَلَ فَسَمِعَ: أَبَا بَكْرِ بنَ
الجَدِّ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ حُبَيْش، وَأَبَا
عَبْدِ اللهِ بنِ زَرْقُوْنَ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ
بُوْنُهْ، وَأَبَا الوَلِيْدِ بنَ رُشْدٍ، وَأَبَا
مُحَمَّدٍ بنَ الفَرَسِ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنِ
عَرُوسٍ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ جَهورٍ، وَأَبَا
الحَسَنِ نَجبَة بن يَحْيَى، وَخَلْقاً سِوَاهُم.
وَأَجَاز لَهُ أَبُو العَبَّاسِ بنُ مضَاء، وَأَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ الحَقِّ الأَزْدِيُّ مُؤلِّفُ
"الأَحكَامِ"، وَعُنِي كُلَّ العِنَايَةِ
بِالتَّقْيِيدِ وَالرِّوَايَةِ.
قَالَ: وَكَانَ إِمَاماً فِي صِنَاعَةِ الحَدِيْثِ،
بَصِيْراً به، حافظًا حافلًا، عَارِفاً بِالجَرْحِ
وَالتَّعديلِ، ذَاكراً لِلمَوَاليدِ وَالوَفِيَّاتِ،
يَتقدّمُ أَهْلَ زَمَانِهِ فِي ذَلِكَ، وَفِي حِفْظِ
أَسْمَاءِ الرِّجَالِ، خُصُوْصاً مَنْ تَأَخَّرَ
زَمَانُهُ وَعَاصَرَهُ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ وَكَانَ
خطُّه لاَ نَظِيْرَ لَهُ فِي الإِتْقَانِ وَالضَّبْطِ،
مَعَ الاسْتِبحَارِ فِي الأَدبِ وَالاشتهَارِ
بِالبَلاغَةِ، فَرداً فِي إِنشَاءِ الرَّسَائِلِ،
مُجِيْداً فِي النَّظْم، خَطِيْباً، فَصِيْحاً،
مُفَوَّهاً، مُدْرِكاً، حَسنَ السَّرْدِ وَالمَسَاقِ
لِمَا يَقولُهُ، مَعَ الشَّارَةِ الأَنِيقَةِ،
وَالزِّيِّ الحَسَنِ، وَهُوَ كَانَ المُتَكَلِّمَ عَنِ
المُلُوْكِ فِي المَجَالِسِ، وَالمُبينَ عَنْهُم لَمَا
يُرِيْدُوْنَهُ عَلَى المِنْبَرِ فِي المَحَافلِ.
وَلِيَ خَطَابَةَ بَلَنْسِيَةَ فِي أَوقَاتٍ، وَلَهُ
تَصَانِيْفُ مُفِيْدَةٌ فِي فُنُوْنٍ عَدِيْدَةٍ،
أَلَّفَ كِتَابَ "الاكتفَا فِي مَغَازِي المُصْطَفَى
وَالثَّلاَثَةِ الخُلفَا" وَهُوَ فِي أَرْبَعِ
مُجَلَّدَاتٍ، وَلَهُ كِتَابٌ حَافلٌ فِي مَعْرِفَةِ
الصَّحَابَة وَالتَّابِعِيْنَ لَمْ يُكْمِلْهُ،
وَكِتَابُ "مِصْبَاحِ الظُّلَمِ" يُشبِهُ كِتَابَ
"الشِّهَابِ"، وَكِتَابُ "أَخْبَارِ البُخَارِيِّ"،
وَكِتَابُ "الأَرْبَعِيْنَ"، وَغَيْرُ ذَلِكَ،
وَإِلَيه كَانَتِ الرحلة للأخذ عنه.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1135"، والنجوم
الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 298"، وشذرات الذهب لابن
العماد "5/ 164".
(16/357)
إِلَى أَنْ قَالَ: انتفعتُ بِهِ فِي
الحَدِيْثِ كُلَّ الانتفَاعِ، وَأَخَذتُ عَنْهُ
كَثِيْراً.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الأَبَّار، وَالقَاضِي
أَبُو العَبَّاسِ ابْنُ الغمَازِ، وَطَائِفَةٌ مِنَ
المَشَايِخِ لاَ أَعْرِفُهُم. وَرَأَيْتُ لَهُ
إِجَازَةً كَتَبَهَا الكَمَالُ بنُ شَاذِي
الفَاضِلِيُّ وَطَوَّلَهَا، وَذَكَرَ شُيُوْخَهُ وَمَا
رَوَى عَنْهُم، مِنْهُم: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
مغَاور، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ بنِ سُكَّرَةَ،
وَأَجَازَ لَهُ مِنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ أَبُو
الطَّاهِرِ بنُ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو
عبد الله ابن الحضرمي.
قَالَ: وَمِنْ تَصَانِيْفِي كِتَابُِ "الاكتِفَا فِي
مَغَازِي رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَالثَّلاَثَة الخُلفَا"، وَكِتَابُ
"الصَّحَابَةِ"، إِذَا كمل يَكُوْن ضعفَ كِتَابِ ابْنِ
عَبْدِ البَرِّ وَكِتَابُ "المِصْبَاح" عَلَى نَحْوِ
"الشِّهَابِ"، وَ"سِيْرَةُ البُخَارِيِّ" أَرْبَعَةُ
أَجزَاءٍ، وَ"حِليَة الأَمَالِي فِي المُوَافِقَات
العَوَالِي" أَرْبَعَةُ أَجزَاءٍ، وَ"الأَبْدَال"
أَرْبَعَة أَجزَاء، وَ"مَشْيَخَة" خَرَّجهَا لِشَيخهِ
ابْنِ حُبَيْشٍ ثَلاَثَة أَجزَاء، وَ"المُسَلْسَلاَت"
جُزء، وَعِدَّةُ تَوَالِيْف صِغَارٍ، وَ"الخطبُ" لَهُ
نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِيْنَ خُطبَةً.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ مَسْدِي: لَمْ أَلقَ مِثْلَه
جَلاَلَةً وَنُبْلاً، وَرِيَاسَةً وَفَضْلاً، كَانَ
إِمَاماً مُبرِّزاً فِي فُنُوْنٍ مِنْ مَنْقُوْلٍ
وَمَعْقُوْلٍ وَمَنْثُوْرٍ وَمَوزونٍ، جَامِعاً
لِلْفَضَائِل، بَرعَ فِي عُلُوْمِ القُرْآنِ
وَالتَّجوِيدِ. وَأَمَّا الأَدبُ فكان ابن بجديه،
وَأَبَا نَجْدَتِهِ، وَهُوَ خِتَامُ الحُفَّاظِ،
نُدِبَ لِدِيْوَانِ الإِنشَاءِ فَاسْتعفَى، أَخَذَ
القِرَاءاتِ عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ هذيل، وارتحل، واختص
بالحفاظ أَبِي القَاسِمِ بنِ حُبَيْشٍ بِمُرْسِيَةَ،
أَكْثَرتُ عَنْهُ.
وَقَالَ الكَلاَعِيُّ فِي إِجَازتِه لِلْقَاضِي
الأَشْرَفِ وَآله: قَرَأْتُ جَمِيْعَ "صَحِيْحِ
البُخَارِيِّ" عَلَى ابْنِ حُبَيْشٍ بِسَمَاعه مَنْ
يُوْنُس بن مُغِيْث سَنَة 503، قَالَ سَمِعتُه فِي
سَنَةِ 465 بقِرَاءة الغَسَّانِيِّ عَلَى أَبِي عُمَرَ
ابْنِ الحَذَّاء، حَدَّثَنَا بِهِ عَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ أَسَدٍ الجُهَنِيّ البَزَّازُ الثِّقَةُ
سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ،
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ السَّكن بِمِصْرَ
سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ عَنِ
الفَرَبْرِيّ عَنْهُ. وَقَرَأْتُ "مصَنّف
النَّسَائِيّ" عَلَى ابْنِ حُبَيْشٍ، وَسَمِعَهُ مِنِ
ابْنِ مُغِيْثٍ، قَالَ: قَرَأْتُه عَلَى مَوْلَى
الطّلاعِ، قَالَ: سَمِعتُه عَلَى يُوْنُسَ بنِ عَبْدِ
اللهِ، قَالَ: قرأته على ابن الأحمر عنه.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنُ الأَبَّارِ: كَانَ
-رَحِمَهُ اللهُ- أَبَداً يُحَدِّثنَا أَنَّ
السَّبْعِيْنَ منتهَى عُمُرِهِ لِرُؤْيَا رَآهَا،
وَهُوَ آخِرُ الحُفَّاظِ وَالبُلغَاءِ بِالأَنْدَلُسِ،
اسْتُشْهِدَ فِي كَائِنَةٍ أنيشَةَ، عَلَى ثَلاَث
فَرَاسِخَ مِنْ مُرْسِيَةَ، مُقْبِلاً غَيْر مُدْبر،
فِي العِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيّ:
تُوُفِّيَ شهيداً بِيَدِ العَدُوّ. قَالَ: وَكَانَ
مَوْلِدُهُ بِظَاهِرِ مُرْسِيَةَ، فِي مُسْتهلِّ
رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ، وَسَمِعَ
بِبَلَنْسِيَةَ وَمُرْسِيَةَ وَشَاطِبَةَ
وَإِشْبِيْلِيَةَ
(16/358)
وَغَرْنَاطَةَ وَمَالَقَةَ وَدَانِيَةَ
وَسَبْتَةَ، وَجَمَعَ مَجَامِيْعَ تَدُلُّ عَلَى
غَزَارَةِ علمِهِ وَكَثْرَةِ حِفْظِهِ وَمَعْرِفَتِهِ
بِهَذَا الشَّأْنِ، كَتَبَ إِلَيَّ بِالإِجَازَةِ فِي
سَنَةِ أَرْبَعَ عشرة وَسِتِّ مائَة.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ جَابِرٍ
القَيْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ
الحَاكِمُ بتُونسَ، أَخْبَرَنَا العَلاَّمَة أَبُو
الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ الكَلاَعِيّ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَجْرِيّ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ زُغَيْبَة،
أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ
العُذْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ
الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى،
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا
مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
مسلمَة، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بنُ حُمَيْدٍ، عَنِ
القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: "طَيَّبْتُ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِيَدِي لِحُرْمِهِ حِيْنَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ
حِيْنَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوْفَ بِالبَيْتِ"1.
أَخْبَرْنَاهُ عَالِياً أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ،
وَزَيْنَبُ بِنْتُ كِنْدِيٍّ، عَنِ المُؤَيَّدِ بنِ
مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَافِرِ الفَارِسِيُّ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ عَمْرويه
فَذَكَره.
مَاتَ مَعَ ابْنِ سَالِمٍ فِي العَامِ: المُحَدِّثُ
العَالِمُ الْملك المُحْسِنُ أَحْمَدُ ابنُ
السُّلْطَانِ صَلاَحِ الدِّيْنِ يُوْسُفَ بنِ
أَيُّوْبَ، وَلَهُ سَبْعٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً،
وَالشَّيْخُ إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ غَانِمٍ
العَلْثيُّ زَاهِدُ بَغْدَادَ، وَمُحَدِّثُ مِصْرَ
المُفِيْدُ وَجِيْهُ الدِّيْنِ بَرَكَاتُ بنُ ظَافرِ
بنِ عَسَاكِرَ، وَالفَقِيْهُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ
حَمْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ صُدَيْقٍ
الحَرَّانِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ الخَلِيْلُ بنُ
أَحْمَدَ الجَوْسَقِيُّ، وَالمُعَمَّرُ سَعِيْدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ يَاسِيْنَ السَّفَّارُ، وَالإِمَامُ
النَّاصِحُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْم ابْن
الحَنْبَلِيِّ، وَمُفْتِي حَرَّانَ النَّاصحُ عَبْدُ
القَادِرِ بن عبد القاهر بن بعد المُنْعِمِ،
وَالمُفْتِي شَرَفُ الدِّيْنِ عَبْدُ القَادِرِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ ابْن البَغْدَادِيُّ
المِصْرِيُّ، وَخَطِيْبُ بَلَنْسِيَةَ أَبُو الحَسَنِ
عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَيْرَةَ المُقْرِئُ،
وَالمُسْنِدُ أَبُو نِزَارٍ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ
أَبِي نِزَارٍ البَغْدَادِيُّ الجَمَالُ، وَالمُسْنِدُ
أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بن كُبَّةَ
بِبَغْدَادَ، والحافظ المؤرخ أبو الحسن محمد ابْن
أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ القَطِيْعِيُّ، وَالمُسْنِدُ
المُحَدِّثُ أَبُو الحَسَنِ مُرْتَضَى بنُ حَاتِمٍ
الحَارِثِيُّ المِصْرِيُّ، وَالمُسْنِدُ أَبُو بَكْرٍ
هِبَةُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ حَسَنِ بنِ كَمَالٍ
الحلاّجُ، وَالمُعَمَّرَةُ يَاسَمِينُ بنت سالم بن علي
ابن البيطار.
__________
1 صحيح: أخرجه الشافعي "1/ 297 و298"، والطيالسي
"1418" و"1553"، والحميدي "210" و"211" و"212"، وأحمد
"6/ 39 و107 و181 و186 و214 و237 و238 و258"، البخاري
"1754" و"5922"، ومسلم "1189" "38"، والنسائي "5/ 137،
138"، وابن ماجه "2926" وابن خزيمة "2580" و"2581"،
والطحاوي "2/ 130"، وابن الجارود "414"، والبيهقي "5/
34" من طرق عن عائشة، به.
(16/359)
5793- ابن
الصلاح 1:
الإِمَامُ الحَافِظُ العَلاَّمَةُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ
تَقِيُّ الدِّيْنِ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ ابْنُ
المُفْتِي صَلاَحِ الدِّيْنِ عبد الرحمن بن عثمان بن
موسى الكردي، الشهزوري، المَوْصِلِيُّ، الشَّافِعِيُّ،
صَاحِبُ "عُلُوْمِ الحَدِيْثِ".
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ عَلَى والده بشهزور، ثُمَّ اشْتَغَلَ
بِالمَوْصِلِ مُدَّةً، وَسَمِعَ مِنْ: عُبَيْدِ اللهِ
ابْنِ السَّمِينِ، وَنَصْرِ بن سَلاَمَةَ الهِيْتِيِّ،
وَمَحْمُوْدِ بنِ عَلِيٍّ المَوْصِلِيِّ، وَأَبِي
المُظَفَّرِ بنِ البَرْنِيِّ، وَعَبْدِ المُحْسِنِ
ابْنِ الطُّوْسِيِّ، وَعِدَّةٍ، بِالمَوْصِلِ. ومن:
أبي أحمد ابن سُكَيْنَةَ، وَأَبِي حَفْصِ بنِ
طَبَرْزَذَ وَطَبَقَتِهِمَا بِبَغْدَادَ، وَمِنْ:
أَبِي الفَضْلِ بنِ المُعَزّمِ بِهَمَذَانَ. وَمِنْ:
أبي الفتح منصور بن عَبْدِ المُنْعِمِ ابْنِ
الفُرَاوِيِّ، وَالمُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
عَلِيٍّ الطُّوْسِيِّ، وَزَيْنَب بِنْتِ أَبِي
القَاسِمِ الشَّعْرِيَّةِ، وَالقَاسِمِ بن أَبِي
سَعْدٍ الصَّفَّارِ، وَمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ
الصَّرَّامِ، وَأَبِي المَعَالِي بنِ نَاصِرٍ
الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي النَّجِيْبِ إِسْمَاعِيْلَ
القَارِئ، وَطَائِفَةٍ بِنَيْسَابُوْرَ. وَمِنْ: أَبِي
المُظَفَّرِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ بِمَرْوَ، وَمِنْ:
أَبِي مُحَمَّدٍ ابنِ الأُسْتَاذِ وَغَيْرهِ بِحَلَبَ،
وَمِنَ الإِمَامَيْنِ فَخْرِ الدِّيْنِ ابْنِ
عَسَاكِرَ وَمُوفَّقِ الدِّيْنِ ابْنِ قُدَامَةَ
وَعِدَّةٍ بِدِمَشْقَ، وَمِنَ: الحَافِظِ عَبْدِ
القَادِرِ الرُّهَاوِيِّ بِحَرَّانَ.
نَعَمْ، وَبِدِمَشْقَ أَيْضاً مِنَ القَاضِي أَبِي
القَاسِمِ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
الحَرَسْتَانِيِّ، ثُمَّ دَرّسَ بِالمَدْرَسَةِ
الصَّلاَحيَةِ بِبَيْتِ المَقْدِسِ مُديدَةً، فَلَمَّا
أَمَرَ المُعَظَّمُ بِهدمِ سُورِ المَدِيْنَةِ نَزحَ
إِلَى دِمَشْقَ فَدَرَّسَ بِالروَاحيَةِ مُدَّةً عندما
نشأها الوَاقفُ، فَلَمَّا أُنشِئْتِ الدَّارُ
الأَشْرَفِيَةُ صَارَ شَيْخَهَا، ثُمَّ وَلِي تَدرِيسَ
الشَّامِيّةِ الصُّغْرَى.
وَأَشْغَلَ، وَأَفتَى، وجمع وألف، وتخرج بِهِ
الأَصْحَابُ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الإِمَامُ شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ
نُوْحٍ المَقْدِسِيُّ، وَالإِمَامُ كَمَالُ الدِّيْنِ
سَلاّرُ، وَالإِمَامُ كَمَالُ الدِّيْنِ إِسْحَاقُ،
وَالقَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ بنُ رَزِيْن،
وَتَفَقَّهوا بِهِ. وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً
العَلاَّمَةُ تَاجُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ،
وَأَخُوْهُ الخَطِيْبُ شَرَفُ الدِّيْنِ، وَمَجْدُ
الدِّيْنِ ابْنُ المهتَارِ، وَفَخْرُ الدِّيْنِ عُمَرُ
الكَرَجِيُّ، وَالقَاضِي شِهَابُ الدِّيْنِ ابْنُ
الخُوَيِّيّ، وَالمُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى
الجَزَائِرِيُّ، وَالمُفْتِي جَمَالُ الدِّيْنِ
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الشَّرِيْشِيُّ، وَالمُفْتِي
فَخْرُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يُوْسُفَ
البَعْلَبَكِّيّ، وَنَاصِرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ
عَرَبْشَاه، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي الذِّكْرِ، والشيخ
أحمد بن عبد
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1141"، والنجوم الزاهرة
"6/ 354"، وشذرات الذهب "5/ 221".
(16/360)
الرَّحْمَنِ الشَّهْرُزُوْرِيُّ
النَّاسِخُ، وَكَمَالُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي
الفَتْحِ الشَّيْبَانِيُّ، وَالشِّهَابُ مُحَمَّدُ بنُ
مُشَرِّفٍ، وَالصَّدْرُ مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ
الأُرْمَوِيُّ، وَالشَّرَفُ مُحَمَّدُ ابْنُ خَطِيْبِ
بَيْتِ الأَبَّارِ، وَنَاصِرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ
ابْنُ المَجْدِ بنِ المهتَارِ، وَالقَاضِي أَحْمَدُ
بنُ عَلِيٍّ الجِيْلِيُّ، وَالشِّهَابُ أَحْمَد ابْنُ
العَفِيْفِ الحَنَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ خَلِّكَانَ:
بَلَغَنِي أَنَّهُ كَرَّرَ عَلَى جَمِيْعِ المُهَذَّبِ
قَبْلَ أَنْ يَطرَّ شَارِبهُ، ثُمَّ أَنَّهُ صَارَ
مُعيداً عِنْد العَلاَّمَةِ عِمَادِ الدِّيْنِ بنِ
يُوْنُسَ. وَكَانَ تَقِيُّ الدِّيْنِ أَحَدَ فُضلاَءِ
عصرِهِ فِي التَّفْسِيْرِ وَالحَدِيْثِ وَالفِقْهِ،
وَلَهُ مُشَاركَةٌ فِي عِدَّةِ فُنُوْنٍ، وَكَانَتْ
فَتَاويهِ مُسدّدَةً، وَهُوَ أَحَدُ شُيُوْخِي
الَّذِيْنَ انتفعْتُ بِهِم، أَقَمْتُ عِنْدَهُ
لِلاشتغَالِ، وَلاَزمتُهُ سَنَةً، وَهِيَ سَنَةُ
اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، وَلَهُ إِشكَالاَتٌ عَلَى
"الْوَسِيط".
وَذَكَرَهُ المُحَدِّثُ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ فِي
"مُعْجَمِهِ" فَقَالَ: إِمَامٌ وَرِعٌ، وَافرُ
العَقْلِ، حَسَنُ السَّمتِ، مُتبحِّرٌ فِي الأُصُوْلِ
وَالفُرُوْعِ، بِالغَ فِي الطَّلَبِ حَتَّى صَارَ
يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ، وَأَجهَدَ نَفْسَهُ فِي
الطَّاعَةِ وَالعِبَادَةِ.
قُلْتُ: كَانَ ذَا جَلاَلَةٍ عَجِيْبَةٍ، وَوقَارٍ
وَهَيْبَةٍ وَفَصَاحَةٍ وَعلمٍ نَافِعٍ، وَكَانَ
مَتينَ الدّيَانَةِ، سَلفِيَّ الجُمْلَةِ، صَحِيْحَ
النِّحْلَةِ، كَافّاً عَنِ الخوضِ فِي مَزلاَّتِ
الأَقدَامِ، مُؤْمِناً بِاللهِ، وَبِمَا جَاءَ عَنِ
اللهِ مِنْ أَسمَائِهِ وَنُعوتهِ، حَسَنَ البِزَّةِ،
وَافِرَ الحُرْمَةِ، مُعَظَّماً عِنْدَ السُّلْطَانِ،
وَقَدْ سَمِعَ الكَثِيْرَ بِمَرْوَ مِنْ مُحَمَّدِ ابن
إِسْمَاعِيْلَ المُوْسَوِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ
مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ السنجي، ومحمد ابن عُمَرَ
المَسْعُوْدِيِّ، وَكَانَ قُدُومُهُ دِمَشْقَ فِي
حُدُوْدِ سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ بَعْدَ أَنْ فَرغَ
مِنْ خُرَاسَانَ وَالعِرَاقِ وَالجَزِيْرَةِ، وَكَانَ
مَعَ تَبحُّرِهِ فِي الفِقْهِ مُجَوِّداً لِمَا
يَنقُلُه، قَوِيَّ المَادَّةِ مِنَ اللغة والعربية،
متفننًا في الحديث، مُتَصَوِّناً، مُكِبّاً عَلَى
العِلْمِ، عَدِيْمَ النَّظِيْرِ فِي زَمَانِهِ، وَلَهُ
مَسْأَلَةٌ لَيْسَتْ مِنْ قَوَاعِدِهِ شَذَّ فِيْهَا،
وَهِيَ صَلاَةُ الرَّغَائِبِ قَوَّاهَا وَنَصَرهَا
مَعَ أن حديثها باطلًا بِلاَ تَرَدُّدٍ، وَلَكِنَّ
لَهُ إِصَابَات وَفَضَائِل.
وَمِنْ فَتَاويه أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ يَشتغلُ
بِالمنطقِ وَالفَلْسَفَةِ، فَأَجَابَ: الفَلْسَفَةُ
أُسُّ السَّفَهِ وَالانحَلاَلِ، وَمَادَةُ الحيرَة
وَالضَّلاَلِ، وَمثَارُ الزَّيْغ وَالزَّنْدَقَة،
وَمَنْ تَفلسَفَ، عَمِيَتْ بَصِيْرتُهُ عَنْ مَحَاسِن
الشرِيعَة المُؤيّدَة بِالبرَاهينِ، وَمَنْ تَلبَّس
بِهَا، قَارَنَهُ الخِذلاَنُ وَالحِرمَانُ، وَاسْتحوذَ
عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، وَأَظلم قَلْبُه عَنْ
نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَاسْتعمَالُ
الاصطلاَحَاتِ المنطقيَّةِ فِي مبَاحثِ الأَحكَامِ
الشَّرْعِيَّةِ مِنَ المنكرَاتِ المُسْتبشعَةِ،
وَالرقَاعَاتِ المُسْتحدثَةِ، وَلَيْسَ بِالأَحكَامِ
الشَّرْعِيَّةِ -وَللهِ الحَمْدُ- افْتِقَارٌ إِلَى
المنطقِ أَصلاً، هُوَ قعَاقعُ قَدْ أَغنَى الله
عَنْهَا كُلَّ صَحِيْحِ
(16/361)
الذِّهْنِ، فَالوَاجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ
-أَعزَّهُ اللهُ- أَنْ يدفع عن المسلمين شر هؤلاء
المشائيم، ويخرجها مِنَ المدَارسِ وَيُبعدَهُم.
تُوُفِّيَ الشَّيْخُ تَقِيّ الدِّيْنِ -رَحِمَهُ
اللهُ- فِي سَنَةِ الخُوَارِزْمِيَّة، فِي سَحَرِ
يَوْمِ الأَرْبعَاء الخَامِسِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ
شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَحُملَ عَلَى
الرُّؤُوسِ، وَازدحم الخلقُ عَلَى سَرِيْرِهِ، وَكَانَ
عَلَى جِنَازَتِهِ هَيبَةٌ وَخُشوعٌ، فَصُلِيَّ
عَلَيْهِ بِجَامِعِ دمشق، وشيوعه إِلَى دَاخِلِ بَابِ
الفَرَجِ فَصَلَّوْا عَلَيْهِ بِدَاخِلهِ ثَانِي
مرَّةٍ، وَرجعَ النَّاسُ لِمَكَانِ حِصَارِ دِمَشْقَ
بِالخُوَارِزْمِيَّةِ وَبعَسْكَرِ الملكِ الصَّالِحِ
نَجْمِ الدِّيْنِ أَيُّوْب لعَمِّه الملكِ الصَّالِحِ
عِمَادِ الدِّيْنِ إِسْمَاعِيْل، فَخَرَجَ بِنَعشِهِ
نَحْوُ العَشْرَةِ مُشمِّرِيْنَ، وَدَفنوهُ بِمقَابرِ
الصُّوْفِيَّةِ! وَقَبْرُه ظَاهِرٌ يُزَارُ فِي طَرفِ
المَقْبَرَةِ مِنْ غَربِيِّهَا عَلَى الطَّرِيْقِ،
وَعَاشَ سِتّاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ "عُلُوْمَ الحَدِيْثِ" لَهُ
الشَّيْخُ تاج الدين وأخوه، فخر الكَرَجِيّ،
وَالزَّيْنُ الفَارِقِيُّ، وَالمَجْدُ ابْنُ
المهتَارِ، وَالمَجْدُ ابْنُ الظهيرِ، وَظَهِيْرُ
الدِّيْنِ مَحْمُوْدٌ الزَّنْجَانِيُّ، وَابْنُ
عربشَاه، وَالفَخْرُ البعلِيُّ، وَالشَّرِيْشِيُّ،
وَالجَزَائِرِيُّ، وَمُحَمَّدُ ابْنُ الخرقي، ومحمد بن
أبي الذكر، وابن الخوبي، وَالشَّيْخُ أَحْمَدُ
الشَّهْرُزُوْرِيُّ، وَالصَّدْرُ الأُرْمَوِيُّ،
وَالصَّدْرُ خَطِيْبُ بَعْلَبَكَّ، وَالعِمَادُ
مُحَمَّدُ ابْن الصَّائِغِ، وَالكَمَالُ ابْنُ
العَطَّارِ، وَأَبُو اليُمْنِ ابْنُ عَسَاكِرَ،
وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ المُعَدَّلُ، وَكُلُّهُم
أَجَازُوا لِي سِوَى الأَوَّلِ.
(16/362)
5794- يعيش
1:
ابن عَلِيِّ بنِ يَعِيْشَ بنِ أَبِي السَّرَايَا
مُحَمَّدٍ بن عَلِيِّ بنِ المُفَضَّلِ بنِ عَبْدِ
الكَرِيْمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بن حَيَّانَ
ابْنِ القَاضِي بِشْرِ بن حَيَّانَ، العَلاَّمَةُ
مُوَفَّقُ الدِّيْنِ أَبُو البَقَاءِ الأَسَدِيُّ
المَوْصِلِيُّ، ثُمَّ الحَلَبِيُّ النَّحْوِيُّ،
وَيُعرَفُ قديمًا بابن الصائغ.
مَوْلِدُهُ بِحَلَبَ، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: القَاضِي أَبِي سَعْدٍ بنِ أَبِي
عَصْرُوْنَ، وَأَبِي الحَسَنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ
بن الطوسوسي، وَيَحْيَى الثَّقَفِيّ. وَسَمِعَ
بِالمَوْصِلِ مِنْ: خَطِيْبهَا أَبِي الفَضْلِ
الطُّوْسِيّ "مَشْيَخَتَه" وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَأَخَذَ
النَّحْوَ عَنْ: أَبِي السّخَاءِ الحَلَبِيِّ، وَأَبِي
العَبَّاسِ المَغْرِبِيّ، وَجَالَسَ الكِنْدِيَّ
بِدِمَشْقَ، وَبَرَعَ فِي النَّحْوِ، وَصَنَّفَ
التصانيف، وبعد صيته، وتخرج به أئمة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ 46-53"،
وتذكرة الحفاظ "4/ 1433"، والنجوم الزاهرة لابن تغري
بردي "6/ 355"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 228".
(16/362)
رَوَى عَنْهُ الصَّاحِبُ ابْنُ العَدِيْمِ،
وَابْنُه مَجْدُ الدِّيْنِ. وَابْنُ هَامل، وَأَبُو
العَبَّاسِ ابْنُ الظَّاهِرِيّ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ
العُنَيِّقَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ
الدَّشْتِيّ، وَإِسْحَاقُ النَّحَاس وَأَخُوْهُ
بَهَاءُ الدِّيْنِ، وَسُنْقُر القَضَائِيُّ،
وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ طَوِيْلَ الرُّوحِ، حَسَنَ
التَّفَهُّمِ، طَوِيْلَ البَاعِ فِي النَّقْلِ، ثِقَةً
عَلاَّمَةً كَيِّساً، طَيِّبَ المزَاحِ، حُلْوَ
النَّادِرَةِ، مَعَ وَقَارٍ وَرَزَانَةٍ.
صَنَّفَ شَرْحاً "لِلتَّصرِيفِ" لابْنِ جِنِّيٍّ،
وَشَرحاً "لِلمُفَصَّلِ" وَغَيْر ذَلِكَ.
عَاشَ تِسْعِيْنَ سَنَةً. وَتُوُفِّيَ فِي الخَامِسِ
وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ
ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ بِحَلَبَ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ -وَتُعرفُ بِسَنَةِ
الخُوَارِزْمِيَّةِ: القَاضِي الأَشْرَفُ أَحْمَدُ
ابْنُ القَاضِي الفَاضِلِ عَنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً،
وَالمُحَدِّثُ صَفِيُّ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
الخَالِقِ بن أَبِي هِشَامٍ القُرَشِيُّ عَنْ
ثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَالعَلاَّمَةُ كَمَالُ الدِّيْنِ
أَحْمَدُ بنُ كَشَاسْبَ الدِّزْمَارِيُّ
الشَّافِعِيُّ، والعلامة تقي الدين أحمد ابن العز
مُحَمَّد ابْن الحَافِظِ الحَنْبَلِيِّ، وَمُحَدِّثُ
وَقتِهِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مَحْمُوْدِ
ابْنِ الجَوْهَرِيِّ الدِّمَشْقِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ
أَبِي القَاسِمِ بنِ صَصْرَى التَّغْلِبِيُّ،
وَمُقَدَّمُ الجُيُوْشِ مُعينُ الدِّيْنِ حَسَنُ ابْن
الشَّيْخِ ابْن حَمُّوَيْهِ، وَخَطِيْبُ عَقْرَبا
السَّدِيْد سَالِمُ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ،
وَشَعْبَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّارَانِيُّ،
وَالأَمِيْرُ سَيْفُ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ قليج
وَدُفِنَ بِالقليجيَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ
بنُ عُمَرَ ابْنُ النَّخَّالِ، وَخَطِيْبُ
الصَّالِحيَةِ الشَّرَفُ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي
عُمَرَ، وَمُفِيْدُ بَغْدَادَ أَبُو مَنْصُوْرِ بنُ
الوَلِيْدِ كَهْلاً، وَحَافِظُ بَغْدَادَ مُحِبّ
الدِّيْنِ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ النَّجَّارِ،
وَالمُفْتِي أَبُو سُلَيْمَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
ابْنُ الحَافِظِ، وَمُحَدِّث الجَزِيْرَةِ السَّرَّاج
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن شُحَانَة، وَمُحَدِّثُ
الإِسْكَنْدَرِيَّةِ أَسْعَدُ الدِّيْنِ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ مُقَرَّبٍ الكِنْدِيّ، وَالعَلاَّمَةُ
الوَجِيْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ
القُوْصِيُّ الحَنَفِيُّ المُفْتِي عَنْ ثَمَانٍ
وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَالأَدِيْبُ العَلاَّمَةُ
أَمِيْنُ الدِّيْنِ عَبْدُ المُحْسِنِ بن حَمُّودٍ
التَّنُوْخِيُّ، والعدل عتيق بن أبي الفضل السلماني،
وهل تِسْعُوْنَ سَنَةً، وَالإِمَامُ تَقِيّ الدِّيْنِ
أَبُو عَمْرٍو ابن الصلاح، والمعمر أبو الحسن ابن
المقبر، وَقَاضِي كفر بَطنَا عَلِيُّ بنُ مَحَاسِنَ بن
عَوَانَةَ النُّمَيْرِيُّ، وَالعَلاَّمَةُ عَلَمُ
الدِّيْنِ السَّخَاوِيُّ، وَعِيْسَى بن حَامِدٍ
الدَّارَانِيُّ، وَالفَلَكُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن
هِبَةِ اللهِ المسيرِيُّ الوَزِيْرُ، وَالنَسَّابَةُ
عِزّ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَسَاكِرَ،
وَالمُحَدِّثُ تَاجُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي
جَعْفَرٍ القُرْطُبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ
زُهَيْرٍ بِدَارَيَّا، وَمُحَمَّدُ بنُ تَمِيْمٍ
البَنْدَنِيْجِيُّ، وَالمُعَمَّرُ أَبُو بَكرٍ
مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ ابْن الخَازنِ، وَالظهيرُ
أَبُو إِبْرَاهِيْمَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
ابْنُ الجَبَّابِ، وَمُفِيْدُ مِصْرَ أَبُو بَكْرٍ
ابْنُ الحَافِظِ زَكِيّ الدِّيْنِ المُنْذِرِيّ وَلَهُ
ثَلاَثُوْنَ سَنَة، وَحَافِظُ دِمَشْقَ ضِيَاءُ
الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ
المَقْدِسِيّ، وَالفَخْر مُحَمَّد بن عُمَرَ ابْن
المَالِكِيّ الدِّمَشْقِيّ، وَالفَخْر مُحَمَّد بن
عَمْرِو بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعْدٍ المَقْدِسِيّ،
وَشَيْخ الحَنَابِلَةِ الزَّاهِدُ القُدْوَةُ
الضِّيَاءُ مَحَاسِن
(16/363)
ابن عَبْدِ المَلِكِ التَّنُوْخِيّ
الحَمَوِيّ، وَمُحَمَّد بن حُمَيْدٍ الدَّارَانَي مِنْ
أَصْحَابِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَالإِمَامُ معينُ
الدِّيْنِ مَحْمُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأُرْمَوِيّ
الشَّافِعِيُّ، وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً،
وَالمُفِيْدُ أَبُو العِزّ مُفَضَّل بن عَلِيٍّ
القُرَشِيّ، وَالمُقْرِئ النَّحْوِيّ المُنْتَجبُ بنُ
أَبِي العِزّ الهَمَذَانِيُّ، وَالمُعَمَّرُ أَبُو
غَالِبٍ مَنْصُوْر بن أَحْمَدَ بنِ السَّكَن
المَرَاتِبِيّ ابْن المُعَوَّجِ لقِيَ مُحَمَّد بن
إِسْحَاقَ ابْن الصَّابِي، وَالصَّلاَح مُوْسَى بن
مُحَمَّدِ بنِ خَلَفِ بن رَاجِحٍ، وَالنَّجم نَبَأُ بن
أَبِي المَكَارِمِ بن هَجَّامٍ الحَنَفِيُّ
المِصْرِيُّ، وَابْنُ خَطِيْب عَقْرَبا يَحْيَى بن عبد
الرزاق، الشهاب يَعْقُوْب بن مُحَمَّدِ ابْنِ
المُجَاوِر الوَزِيْر، وَيُوْسُف بن يُوْنُسَ
المُقْرِئ البَغْدَادِيّ سِبْط ابْن مدَاح، وخلق
سواهم.
(16/364)
العامري، الكاشغري:
5795- العامري 1:
المُحَدِّثُ الإِمَامُ صَائِنُ الدِّيْنِ مُحَمَّد بن
حَسَّان بن رَافِعٍ العَامِرِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ،
المُعَدَّلُ، خَطِيْب المُصَلَّى.
سَمِعَ مِنَ: الخُشُوْعِيّ فَمَنْ بَعْدَهُ، وَكَتَبَ
الكَثِيْرَ.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ ابْنُ خَطِيْبِ بَيْت
الأَبَّارِ، وَخَطِيْبُ دِمَشْقَ شَرَف الدِّيْنِ
الفُرَاوِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: القُدْوَة الشَّيْخ أَبُو السُّعُوْد
البَاذبينِي بِمِصْرَ، وَالكَبِيْر الزَّاهِد الشَّيْخ
أَبُو الحَجَّاجِ الأَقْصُرِيّ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ
الرَّحِيْمِ بن غُزي القُرَشِيّ بِالصَّعيدِ،
وَالشَّيْخ أَبُو اللَّيْثِ بِحَمَاةَ، وَالنَّجْم
عَلِيّ بن عَبْدِ الكَافِي بن عَلِيٍّ الصَّقَلِّيّ
ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ، وَالرُّكْن عَبْد الرَّحْمَنِ بن
سُلْطَان التَّمِيْمِيّ الحنفي، والشيخ حسن بن عيد
شَيْخُ الأَكْرَادِ، وَالملك المَنْصُوْر إِبْرَاهِيْم
بن شِيرْكُوْه صَاحِب حِمْص، وَالعِزّ أَحْمَدُ بنُ
مَعْقِلٍ شَيْخُ الرافضة، وكبير الخوارزمية بركة خان.
5796- الكاشغري 2:
الشَّيْخُ المُعَمَّرُ مُسْنِدُ العِرَاق أَبُو
إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ بنِ يُوْسُفَ
بن أُزَرْتُق التُّرْكِيّ، الكَاشْغَرِيّ، ثُمَّ
البَغْدَادِيّ، الزركشِيّ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وخمسين.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ،
وَأَحْمَدَ بن محمد الكاغدي، وعلي ابن تاج القراء،
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 357"، وشذرات الذهب
"5/ 230".
2 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 230، 231".
(16/364)
وَأَحْمَدَ بن عَبْدِ الغَنِيِّ
البَاجِسْرَائِيّ، وَيَحْيَى بن ثَابِتٍ، وَأَبِي
بَكْرٍ بنِ النَّقُّوْرِ، وَنَفِيسَةَ البَزَّازَةِ،
وَهِبَةِ اللهِ بن يَحْيَى البُوقِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَطَالَ عُمُرُهُ، وَبَعُدَ صِيْتُهُ، وَقَدْ حَدَّثَ
بِدِمَشْقَ وَحَلَبَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، وَرَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ وَبَقِيَ
إِلَى هَذَا الوَقْت، وَتَكَاثر عَلَيْهِ الطلبَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَالبِرْزَالِيُّ،
وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالمحبّ عَبْد
اللهِ وَمُوْسَى ابن أبي الفتح، وعبد الرحمن ابْن
الزَّجَّاج، وَمُحْيِي الدِّيْنِ يَحْيَى ابْن
القَلاَنسِيّ، وَالمُدَرِّس كَمَال الدِّيْنِ
إِبْرَاهِيْم ابْن أَمِيْن الدَّوْلَة، وَتَقِيُّ
الدِّيْنِ ابْن الوَاسِطِيّ وَأَخُوْهُ، وَعزُّ
الدِّيْنِ ابْنُ الفَرَّاء، وَالتَّقِيّ بن مُؤْمِنٍ،
وَمَجْد الدِّيْنِ ابْن العَدِيْم، وَفتَاهُ
بَيْبَرْسُ، وَمُحْيِي الدِّيْنِ ابْن النَّحَّاسِ،
وَابْنُ عَمِّهِ أَيُّوْب، وَمَجْد الدِّيْنِ ابْن
الظَّهِير، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدِ ابْنِ العِمَاد،
وَعَبْد الكَرِيْمِ بن المُعَذَّل، وَعَلِيُّ بنُ
عَبْدِ الدَّائِمِ، وَعَلِيُّ بنُ عُثْمَانَ
الطِّيْبِيّ، وَعَدَد كَثِيْر.
وَبِالإِجَازَةِ عِدَّة.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: سَمَاعُهُ صَحِيْحٌ.
وَقَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: كَانَ شَيْخاً سَهْلاً
سَمحاً، ضَحُوكَ السِّنِّ، لَهُ أُصُوْلٌ يُحَدِّثُ
مِنْهَا، وَكَانَ سَلِيمَ البَاطِنِ، مُشْتَغِلاً
بِصَنْعَتهِ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَتشيَّعُ، وَلَمْ
يَظهر مِنْهُ إلَّا الجَمِيْل.
وَقَالَ ابْنُ السَّاعِي: رُتّب مُسْمِعاً
بِمَشْيَخَةِ المُسْتَنْصِرِيَّةِ فِي ذِي القَعْدَةِ،
سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ
-يَعْنِي بَعْدَ ابْنِ القُبَّيْطِيّ.
قُلْتُ: وَقَدْ عُمِّرَ، وَسَاءَ خُلقُه، وَبَقِيَ
يُحَدِّث بِالأُجرَةِ، وَيَتعَاسرُ، وَحِكَايَة
المُحِبِّ مَعَهُ اشْتهرت، فَإِنَّهُ رَحل وَبَادَرَ
إِلَيْهِ بِـ "جُزء البَانْيَاسِيّ" وَهُوَ عَلَى
حَانُوْت، فَقَالَ: مَا لِي فَرَاغ السَّاعَة،
فَأَلَحَّ عَلَيْهِ فَتركه وَقَامَ فتبعه، وابتدأ في
الجز، فَقَرَأَ وَرقَةً، وَوصلَ الشَّيْخ إِلَى بَيْته
فَضَرَبَه بِالعَصَا ضربتَيْنِ وَقعت الوَاحِدَة فِي
الجُزْءِ وَدَخَلَ وَأَغلق البَاب.
قَرَأْتُ هَذَا بِخَطِّ المُحبِّ، فَالذَّنْب مركّب
مِنْهُمَا!.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: هُوَ صَحِيْحُ السَّمَاع،
إلَّا أَنَّهُ عَسِرٌ جِدّاً، يَذْهَب إِلَى
الاعتزَال. قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّهُ يَرَى رَأْي
الفلاسفَةِ، وَيَتهَاون بِالأُمُوْر الدّينِيَّةِ،
مَعَ حُمقٍ ظَاهِرٍ فِيْهِ، وَقِلَّةِ عِلْمٍ.
قُلْتُ: ثُمَّ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ
اندَكّ وَتَعَلَّلَ، وَوَقَعَ فِي الْهَرم، وَلَزِمَ
بَيْته، وَهُوَ مِنْ آخر مَنْ رَوَى حَدِيْث مَالِك
الإِمَامَ بِعُلُوٍّ، كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ
خَمْسَةُ أَنْفُسٍ.
مَاتَ فِي حَادِي عَشَرَ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ
خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو مَدْيَن شُعَيْب بن يَحْيَى
الزَّعْفَرَانِيّ بِمَكَّةَ، والشيخ عبد الرحمن بن
أَبِي حَرَمِي المَكِّيّ النَّاسخ، وَإِمَام النَّحْو
أَبُو عَلِيٍّ عُمَر بن مُحَمَّدٍ الأَزْدِيّ
الشَّلَوْبِيْن، وَالمُنْشِئ جَلاَل الدِّيْنِ
مُكَرَّم بن أَبِي الحَسَنِ الأَنْصَارِيّ، وَالصَّاحب
هِبَة اللهِ بن الحَسَنِ ابْن الدَّوَامِيّ،
وَالأَمِيْرُ شَرَفُ الدِّيْنِ يَعْقُوْب بن مُحَمَّدٍ
الهَذَبَانِيّ، وَصَاحِبُ مَيَّافَارِقِيْن المُظَفَّر
غَازِي ابْن العَادل، وشيخ الفقراء علي الحريري.
(16/365)
5797- يوسف بن
خليل 1:
ابن قراجا عبد الله الإِمَامُ المُحَدِّثُ الصَّادِقُ،
الرَّحَّال النَّقَال، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ،
راوِيَة الإِسْلاَم، أَبُو الحَجَّاجِ شَمْس الدِّيْنِ
الدِّمَشْقِيّ الأَدَمِيّ الإِسكَاف، نَزِيْلُ حَلَب
وَشيخُهَا.
وُلِدَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
وَتشَاغل بِالسَّبَب حَتَّى كَبِرَ وَقَاربَ
الثَّلاَثِيْنَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ حُبِّب إِلَيْهِ
الحَدِيْثُ، وَعُنِيَ بِالرِّوَايَةِ، وَسَمِعَ
الكَثِيْرَ، وَارْتَحَلَ إِلَى النَّوَاحِي، وَكَتَبَ
بِخَطِّهِ المُتْقنِ الحُلو شَيْئاً كَثِيْراً،
وَجَلَب الأُصُوْل الكِبَار، وَكَانَ ذَا عِلْمٍ حسنٍ
وَمَعْرِفَةٍ جَيِّدَةٍ وَمشَاركَةٍ قويَّةٍ فِي
الإِسْنَادِ وَالمَتْنِ وَالعَالِي وَالنَّازلِ
وَالانتخَابِ.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ بَعْد الثَّمَانِيْنَ مِنْ:
يَحْيَى الثَّقَفِيّ، وَمُحَمَّدِ بن علي بن صدقة،
وعبد الرحمن ابن عَلِيٍّ الخِرَقِيّ، وَأَحْمَدَ بن
حَمْزَةَ بن عَلِيٍّ ابْن المَوَازِيْنِيّ،
وَإِسْمَاعِيْل الجَنْزَوِيّ، وَأَبِي طَاهِرٍ
الخُشُوْعِيّ، وَأَقرَانِهِم.
وَصحبَ الحَافِظَ عَبْد الغَنِيِّ، وَتَخَرَّجَ بِهِ
مُدَّة، فَنَشَّطه لِلارتِحَالِ فَمَضَى إِلَى
بَغْدَادَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ، وَسَمِعَ مِنْ
أَبِي مَنْصُوْرٍ عَبْد الله بن عبد السلام، وَذَاكِرِ
بنِ كَامِلٍ، وَيَحْيَى بن بَوْشٍ، وَعَبْد المُنْعِمِ
بن كُلَيْبٍ، وَأَبِي طَاهِرٍ المُبَارَك بن
المَعْطُوشِ، وَرَجَبِ بنِ مَذْكُوْرٍ، وَعَدَدٍ
كَثِيْرٍ بِبَغْدَادَ، وَمِنْ: هِبَة اللهِ بن عَلِيٍّ
البُوْصِيْرِيّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ يَاسِيْنَ،
وَجَمَاعَةٍ بِمِصْرَ. وَمِنْ: خَلِيْلِ بن بَدْرٍ
الرَّارَانِيّ، وَمَسْعُوْدِ بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ
الخَيَّاطِ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ
الطَّرَسُوْسِيِّ، وَأَبِي الفَضَائِلِ عَبْدِ
الرَّحِيْمِ الكَاغَدِيِّ، وَأَبِي المَكَارِمِ
اللَّبَّانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي زَيْدٍ
الكَرَّانِيِّ، وَنَاصِرِ بنِ مُحَمَّدٍ الويرج،
وَعَلِيِّ بنِ سَعِيْدِ بنِ فَاذشَاه، وَغَانِم بن
مُحَمَّدٍ الصَّفَّار، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ
مُحَمَّدٍ المَهَّادِ المُقْرِئِ، وَأَبِي المَحَاسِنِ
مُحَمَّد بن الحَسَنِ الأصبهبد،
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1132"، والنجوم
الزاهرة "7/ 22"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 243،
244".
(16/366)
وَمَسْعُوْدِ بنِ مَحْمُوْدٍ العِجْلِيِّ،
وَأَبِي نُعَيْمٍ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الفَضْلِ
الكَرَّانِيّ بِأَصْبَهَانَ، وَطَاهِرِ بنِ مَكَارِم
المَوْصِلِيِّ المُؤَدِّبِ، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدِ
اللهِ ابْنِ الطُّوْسِيِّ بِالمَوْصِلِ.
وَ"مَشْيَختُهُ" نَحْو الخَمْس مائَة، سَمِعتهَا مِنْ
أَصْحَابِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: جَمَاعَةٌ مِنَ القُدَمَاءِ. وَكَتَبَ
عَنْهُ الحَافِظُ إِسْمَاعِيْلُ ابْن الأَنْمَاطِيّ،
وَزَكِيُّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيُّ، وَشِهَابُ
الدِّيْنِ القُوْصِيّ، وَمَجْدُ الدِّيْنِ ابْن
الحُلوَانِيَّةِ، وَكَمَالُ الدِّيْنِ ابْنُ
العَدِيْمِ وَابْنُهُ مَجْدُ الدِّيْنِ.
وَرَوَى لَنَا عَنْهُ: الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ
الدِّمْيَاطِيُّ، وَالحَافِظُ أَبُو العَبَّاسِ ابْن
الظَّاهِرِيّ، وَشَرَفُ الدِّيْنِ مَحْمُوْد
التَّادفِي، وَمُحَمَّدُ بنُ جَوْهَر التَّلعفرِيّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ ابْن المَغْرِبِيّ،
وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الغَرَّافِيّ،
وَطَاهِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ ابْن العَجَمِيّ، وَعَبْدُ
المَلِكِ ابْن العُنَيِّقَة، وَسُنْقُرُ بنُ عَبْدِ
اللهِ الأُسْتَاذِيّ، وَالصَّاحِبُ فَتح الدِّيْنِ
عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ الخَالِدِيّ، وَأَمِيْنُ
الدِّيْنِ عَبْد اللهِ بن شُقير، وَتَاجُ الدِّيْنِ
صَالِح الفَرَضِيّ، وَالقَاضِي عَبْد العزيز ابْن
أَبِي جَرَادَة، وَأَخُوْهُ عَبْدُ المُحْسِنِ،
وَإِسْحَاقُ، وَأَيُّوْبُ، وَمُحَمَّدٌ بَنُوْ ابْنِ
النَّحَّاسِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَإِسْمَاعِيْلُ،
وَإِبْرَاهِيْمُ أَوْلاَدُ ابْن العَجَمِيّ
وَنَسِيْبهُم أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ النَّصِيْبِيّ وَعَمَّتُهُ نَخْوَةُ،
وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَلِّمُ، وَالعَفِيْفُ
إِسْحَاق الآمِدِيّ، وَأَبُو حَامِدٍ المُؤَذِّن
وَغَيْرُهُم، وَكَانَ خَاتِمَتُهُم إِبْرَاهِيْم ابْن
العَجَمِيّ بِحَلَبَ، وَإِجَازتُه مَوْجُوْدَة
لِزَيْنَبَ بِنْتِ الكَمَال بِدِمَشْقَ.
وَكَانَ حَسَنَ الأَخْلاَقِ، مَرضِيَّ السِّيرَةِ،
خَرَّجَ لِنَفْسِهِ "الثّمانِيَّات"، وَأَجزَاء
عَوَالِي كعَوَالِي "هِشَام بن عُرْوَةَ"، وَ"عَوَالِي
الأَعْمَش"، وَ"عوالي أبي حنيفة"، وَ"عَوَالِي أَبِي
عَاصِمٍ النَّبِيْل"، وَ"مَا اجْتَمَع فِيْهِ
أَرْبَعَة مِنَ الصَّحَابَةِ"، وَغَيْر ذَلِكَ.
سَمِعْتُ مِنْ حَدِيْثِهِ شَيْئاً كَثِيْراً، وَمَا
سَمِعْتُ العُشْرَ مِنْهُ، وَهُوَ يَدخل فِي شَرط
الصَّحِيْح لِفَضِيْلتِهِ وَجَوْدَة مَعْرِفَته
وَقُوَّة فَهْمه وَإِتْقَان كتبه وَصِدْقَه
وَخَيْرِهِ، أَحَبَّه الحَلَبِيُّوْنَ وَأَكرمُوْهُ،
وَأَكْثَرُوا عَنْهُ، وَوَقَفَ كُتُبَهُ، لَكِنَّهَا
تَفَرَّقَت وَنُهِبت فِي كَائِنَة حَلَب سَنَةَ
ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، وَقُتِلَ فِيْهَا أَخُوْهُ
المُسْنِدُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ خَلِيْلٍ، وَكَانَ قَدْ
سَمَّعَهُ مِنْ جَمَاعَةٍ، وَتَفَرَّدَ بِأَجزَاءَ كَـ
"مُعْجَم الطَّبَرَانِيِّ"، عَنْ يَحْيَى الثَّقَفِيّ
وَغَيْر ذَلِكَ. وَأَخُوْهُمَا الثَّالِث يُوْنُس بن
خَلِيْل الأَدَمِيّ مَاتَ مَعَ أَخِيْهِ الحَافِظ،
وَقَدْ حَدَّثَ عَنِ البُوْصِيْرِيّ وَجَمَاعَة؛
حَدَّثَنَا عَنْهُ ابْن الخَلاَّل وَغَيْرُهُ.
وَكَانَ أَبُو الحَجَّاجِ -رَحِمَهُ اللهُ- يَنطوِي
عَلَى سُنَّة وَخَيْرٍ. بَلَغَنِي أنه أنكر عَلَى
ابْنِ رَوَاحَة أَخْذه علَى الرِّوَايَةِ، فَاعْتذر
بِالحَاجَة، وَكَذَا بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يذمُّ
الحَرِيْرِيّ وَطرِيقَةَ أَصْحَابه، وَلَمْ يَزَلْ
يُسْمِع، وَيطوّل روحه عَلَى الطلبَة وَالرّحَّالين
وَيَكْتُب لَهُم الطِّباق، وَإِلَى أن مات.
(16/367)
رَوَى كتباً كِبَاراً "كَالحلْيَةِ"،
وَ"المُعْجَم الكَبِيْر"، وَ"الطَّبَقَات" لابْنِ
سَعْد، وَ"سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيّ"، وكتاب "الآثار"
للحطاوي، وَ"مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيّ"، وَ"السُّنَنِ
لأَبِي قُرَّةَ"، وَ"الدُّعَاءِ" لِلطَّبَرَانِيِّ،
وَجُملَة مِنْ تَصَانِيْفِ ابْنِ أبي عاصم، وكثيرً
مِنْ تَصَانِيْفِ أَبِي الشَّيْخِ وَالطَّبَرَانِيِّ،
وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَانقطعَ بِمَوْتِهِ سَمَاعُ
أَشيَاءَ كَثِيْرَةٍ لِخرَاب أَصْبَهَانَ.
تُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَةِ الله فِي عَاشر جُمَادَى
الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
وَمَاتَ أَخُوْهُ يُوْنُسُ قَبْله فِي المُحَرَّم،
وَكَانَ قَدْ أَخَذَه وَسَمَّعَهُ مِنَ البُوْصِيْرِيّ
وَابْن يَاسين وَلَزِمَ الصَّنْعَة، رَوَى عَنْهُ
أَبُو الفَضْلِ الإِرْبِلِيّ وَابْن الخَلاَّل،
وَالعِمَاد ابْن البَالِسِيّ، وَجَمَاعَة.
وَفِيْهَا مَاتَ: مُسْنَد الإِسْكَنْدَرِيَّة أَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ ابْن رَوَاج وَلَهُ
أَرْبَعٌ وتسعون سنة، والعذل فَخر القُضَاة أَبُو
الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ ابْن الجَبَّاب السَّعْدِيّ بِمِصْرَ،
وَمُسْنِدُ بَغْدَادَ أَبُو مُحَمَّدٍ إِبْرَاهِيْم بن
مَحْمُوْدٍ ابْن الخَيِّر الأَزَجِيّ، وَلَهُ خَمْسٌ
وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَالمُسْنِدُ مُظَفَّر بن
عَبْدِ المَلِكِ ابْن الفُوِّيّ بِالثَّغْرِ، وَعَلِيّ
بن سَالِمِ بنِ أَبِي بَكْرٍ البَعْقُوبِيّ
وَالمُفْتِي مُحَمَّد بن أَبِي السَّعَادَاتِ
الدَّبَّاس الحنبلي، حدثا عن ابن شاتيل.
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرْنَا
ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْح نَاصِر بن
مُحَمَّدٍ القطان وغيره ابن جَعْفَر بن عَبْدِ
الوَاحِدِ الثَّقَفِيّ أَخْبَرَهُم: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ سَنَة ثَمَانٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا
سُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَرَّة بِصَنْعَاءَ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجِيْحٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، عَنِ أَبِي مَعْمَر، عَنِ ابْنِ
مَسْعُوْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ الكَعْبَةَ يَوْم الفَتْحِ
وَحَوْلَ الكَعْبَة ثَلاَثُ مائَة وَسِتُّوْنَ
صَنَماً، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُوْدٍ وَيَقُوْلُ:
{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ
كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] ، فَتَسَّاقَطُ
لِوُجُوهِهَا"1.
قَرَأْتُ عَلَى مَحْمُودِ بنِ مُحَمَّدٍ المُقْرِئ:
أَخْبَرْنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ
بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ
الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ
أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ هَاشِمٍ،
حَدَّثَنَا هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ
بِنْتِ المُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاء قَالَتْ: "ذَبَحنَا
فَرساً عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَكَلنَا مِنْ لَحمِهِ"2
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ من حديث هشام ابن عروة.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "1/ 377"، والبخاري "2478" و"4287"
و"4720"، ومسلم "1781"، والترمذي "3138"، وابن جرير
الطبري في "جامع البيان" "15/ 152"، والطبراني في
"الكبير" "10427" و"10435"، وفي "الصغير" "210"،
والبيهقي "6/ 101"، والبغوي "3813" من طريق أَبِي
نَجِيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَر، عن عبد
الله قال: فذكره.
قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وابن أبي نجيح، هو
عبد الله، وأبو معمر: هو عبد الله بن سخبرة.
2 صحيح: أخرجه البخاري "5519"، ومسلم "1942"، والنسائي
"7/ 231"، وابن ماجه "3190".
(16/368)
5798- المستنصر بِاللهِ 1:
أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَبُو جَعْفَرٍ مَنْصُوْر
ابنُ الظَّاهِر بأمر الله مُحَمَّد ابْنِ النَّاصِرِ
لِدِيْنِ اللهِ أَحْمَد ابْن المستضيئ بِأَمْرِ اللهِ
حسن ابْن المُسْتَنْجِد بِاللهِ يُوْسُف ابْن
المُقْتَفِي العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ، وَاقفُ
المُسْتَنْصِرِيَّة الَّتِي لاَ نَظِير لَهَا.
مَوْلِدُه سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
وَأُمّه تُركيَّة، وَكَانَ أَبْيَضَ أَشقر، سَمِيناً،
رَبْعَة، مَليح الصُّوْرَة، عَاقِلاً حَازِماً
سَائِساً، ذَا رَأْيٍ وَدَهَاءٍ وَنُهُوْض بِأَعبَاءِ
المُلْك، وَكَانَ جَدُّهُ النَّاصِرُ يُحِبُّه
وَيُسمِّيه القَاضِي لِحُبِّه لِلْحقِّ وعقله.
بويع عِنْدَ مَوْتِ وَالِده يَوْمَ الجُمُعَةِ،
ثَالِثَ عَشَرَ رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ البَيْعَةَ الخَاصَّة مِنْ إِخْوَته
وَبنِي عَمِّهِ وَأُسرتِه، وَبَايَعَهُ مِنَ الغَدِ
الكُبَرَاء وَالعُلَمَاء وَالأُمَرَاء.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: فَنشرَ العَدْلَ، وَبثَّ
المَعْرُوفَ، وَقَرَّبَ العُلَمَاء وَالصُّلَحَاء،
وَبَنَى المَسَاجِد وَالمدَارس وَالرُّبط، وَدُورَ
الضِّيَافَة وَالمَارستَانَات، وَأَجرَى العطيَات،
وَقمعَ المُتمرِّدَةَ، وَحَمَلَ النَّاسَ عَلَى أَقوم
سَنَنٍ، وَعَمَّرَ طُرُقَ الحَاجِّ، وَعَمَّرَ
بالحرمين دورًا للمرضى، وبعث إليها الأدوية:
تَخْشَى الإِلَهَ فَمَا تَنَامُ عِنَايَةً ...
بِالمُسْلِمِيْنَ وَكُلُّهُم بِكَ نَائِمُ
إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ قَامَ بِأَمر الجِهَاد
أَحْسَن قيَامٍ، وَجَمَعَ العَسَاكِر، وَقمع الطغَام،
وَبَذَلَ الأَمْوَالَ، وَحفظَ الثُّغُوْر، وَافتَتَح
الحُصُون، وَأَطَاعَهُ المُلُوْك.
قَالَ: وَبيعت كُتب العِلْم فِي أَيَّامِهِ بِأَغلَى
الأَثَمَان لِرَغبته فِيْهَا، وَلوَقفِهَا. وَخَطَهُ
الشيب، فخضب بالحناء، ثم تركه.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 345،
346"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 209".
(16/369)
قلت: كان دَوْلَتُه جيِّدَةَ التّمكن،
وَفِيْهِ عدلٌ فِي الجُمْلَةِ، وَوَقْعٌ فِي
النُّفُوْس. اسْتَجَدَّ عَسْكَراً كَثِيْراً لَمَّا
عَلِمَ بِظُهُوْرِ التَّتَارِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ
يُقَالَ: بَلغَ عِدَّةُ عَسْكَرِهِ مائَةَ أَلْفٍ،
وَفِيْهِ بُعْدٌ، فَلَعَلَّ ذَلِكَ نَمَى فِي
طَاعَتِهِ مِنْ مُلُوْكِ مِصْر وَالشَّام
وَالجَزِيْرَة، وَكَانَ يُخْطَبُ لَهُ بِالأَندلسِ
وَالبِلاَدِ البعيدةِ.
قَالَ السَّاعِي: حَضَرتُ بَيعَتَهُ فَلَمَّا رُفِعَ
السَّتر شَاهَدتُه وَقَدْ كَمَّل اللهُ صُوْرَتَه
وَمَعْنَاهُ، كَانَ أَبْيَضَ بِحُمْرَةٍ، أَزَجَّ
الحَاجِبَيْن، أَدعَجَ الْعين، سَهْلَ الخَدَّيْنِ،
أَقْنَى، رَحْبَ الصَّدْرِ، عَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبيَضُ
وَبَقيَار أَبيض، وَطَرْحَةُ قَصَب بيضَاء، فَجَلَسَ
إِلَى الظُّهْر.
قَالَ: فَبَلَغَنِي أَن عِدَّة الخِلَع بلغتْ
ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَخَمْسَ مائَةٍ وَسَبْعِيْنَ
خِلْعَةًَ.
قُلْتُ: بلغَ مَغَلُّ وَقْفِ المُسْتَنْصِرِيَّة
مَرَّةً نَيِّفاً وَسَبْعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَار فِي
العَامِ، وَاتَّفَقَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي
أَيَّامِهِ مَعَهُ سُلْطَانٌ يَحكمُ عَلَيْهِ، بَلْ
مُلُوْك الأَطرَاف خَاضِعُوْنَ لَهُ، وَفِكْرُهُم
مُتَقَسِّم بِأَمر التَّتَار وَاسْتيلاَئِهِم عَلَى
خُرَاسَانَ.
تُوُفِّيَ فِي بُكرَة الجُمُعَة، عَاشرَ جُمَادَى
الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَكَانَتْ دَوْلَتُهُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَعَاشَ
اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
وَفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ: التقَى
خُوَارِزْم شَاه التَّتَار بِبلاَد أَصْبَهَانَ
فَهَزمَهُم وَمَزَّقَهُم، ثُمَّ تَنَاخَوْا وَكرُّوا
عَلَيْهِ، فَانْفلَّ جَمعُه، وَبَقِيَ فِي أَرْبَعَةَ
عَشَرَ فَارِساً وَأُحِيْطَ بِهِ، فَخَرَقهُم عَلَى
حَمِيَّة، فَكَانَتْ وقعت مُنْكئَة لِلْفَرِيقَينِ،
فَتَحَصَّنَ بِأَصْبَهَانَ.
وَقتلت الإِسْمَاعِيْلِيَّةُ أَمِيْرَ كنجَة،
فَتَأَلَّمَ جَلاَلُ الدِّيْنِ، وَقَصدَ بِلاَدَ
الإِسْمَاعِيْلِيَّةِ، فَقتَلَ وَسَبَى، ثُمَّ
تَحَزَّبُوا لَهُ، وَسَارَ جَيْشُ الأَشْرَفِ مَعَ
الحَاجِبِ عَلِيٍّ فَافْتَتَحَ مِرَند وَخُوَي،
وَرَدُّوا إِلَى خِلاَط، وَأَخَذُوا زَوْجَةَ
خُوَارِزْم شَاه، وَهِيَ بِنْتُ السُّلْطَان طُغْرِل
بن رسلاَن السَّلْجُوْقِيّ، وَكَانَ تَزَوَّجَ بِهَا
بَعْد أزبك ابْن البَهْلَوَان صَاحِب تِبْرِيْز،
فَأَهملهَا فَكَاتَبَتِ الحَاجِبَ، وَسَلَّمت إِلَيْهِ
البِلاَدَ.
وَمَرِضَ المُعَظَّم، فَتصدَّق بِأَلف غرَارَة
وَثَمَانِيْنَ أَلْفَ دِرْهَم، وَحَلَّفَ الأُمَرَاء
لوَلَده النَّاصِر دَاوُد، وَمَاتَ فِي ذِي
القَعْدَةِ.
وَفِيْهَا مَاتَ القَان جنكزجان المَغُلي، طَاغِيَةُ
التَّتَار، فِي رَمَضَانَ، وَكَانَتْ أَيَّامُهُ
المشؤومَةُ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
وَقِيْلَ: كَانَ أَوّلُ أَمره حَدَّاداً يُدعَى
تَمرجين وَتسلطن بَعْدَهُ ابْنه أوكتاي.
(16/370)
وَعَاشَ المُعَظَّم تِسْعاً وَأَرْبَعِيْنَ
سَنَةً، وَكَانَ يَعْرِفُ مذهب أبي حنيفة وَالقُرْآن
وَالنَّحْو، وَشَرَحَ "الجَامِع" فِي عِدَّةِ
مُجَلَّدَاتٍ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ.
وَفِي سَنَة خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ: جَاءَ المَنْشُوْرُ
مِنَ الكَامِلِ لابْنِ أَخِيْهِ النَّاصِرِ
بِسَلطَنَةِ دِمَشْقَ، ثُمَّ بَعْدَ أَشْهُرٍ قَدِمَ
الكَامِلَ لِيَأْخُذَ دِمَشْقَ، وَأَتَاهُ صَاحِبُ
حِمْص وَالعَزِيْزُ أَخُوْهُ فَاسْتنجدَ النَّاصِرُ
بعَمِّهِ الأَشْرَفِ، فَسَارَ وَنَزَلَ بالدّهشَة،
فَرَجَعَ الكَامِل، وَقَالَ: لاَ أُقَاتِل أَخِي،
فَقَالَ الأَشْرَفُ: المَصْلَحَةُ أَنْ أُدْركَ
السُّلْطَانَ وَأُلاَطِفَهُ، فَاجْتَمَعَ بِهِ
بِالقُدْس، وَاتَّفَقَا عَلَى النَّاصِرِ وَأَنَّ
تَكُوْنَ دِمَشْقُ لِلأَشْرَفِ، وَتبْقَى الكركُ
لِلنَّاصِرِ، فَلَمَّا سَمِعَ النَّاصِر، حَصَّن
البَلَدَ.
وَفِيْهَا عُزِلَ الصَّدْرُ البَكْرِيُّ عَنْ حسبة
دمشق، ومشيخة الشيوخ.
فيها جَرَى الكُوَيز السَّاعِي مِنْ وَاسِطَ إِلَى
بَغْدَادَ فِي يَوْمٍ وَليلَةٍ، وَرُزِقَ قَبُولاً،
وَحَصَلَ لَهُ سِتَّةُ آلاَفِ دِيْنَارٍ وَنَيِّفٌ
وَعِشْرُوْنَ فَرساً.
وَشَرَعُوا فِي أَسَاسِ المُسْتَنْصِرِيَّة، وَدَامَ
البِنَاءُ خَمْس سِنِيْنَ، وَكَانَ مشدّ العمَارَةِ
أُسْتَاذ دَارِ الخَلِيْفَةِ.
وَكَانَتْ فرقة في التتار قد بعدهم جَنْكِز خَان،
وَغَضِبَ عَلَيْهِم فَأَتَوا خُرَاسَان، فَوَجَدُوهَا
بلاَقع، فَقصدُوا الرَّيَّ فَالتقَاهُم خُوَارِزْم
شَاه مَرَّتين وَيَنهزِمُ، فَنَازلُوا أَصْبَهَان،
ثُمَّ أَقْبَلَ خُوَارِزْم شَاه، وَخرق التَّتَار،
وَدَخَلَ إِلَى أَصْبَهَانَ وَأَهْلُهَا مِنْ أَشجعِ
الرِّجَالِ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِم فَهَزم التَّتَارَ
وَطَحَنَهُم، وَسَاقَ خَلْفَهُم إِلَى الرَّيِّ
قَتْلاً وَأَسْراً، ثُمَّ أَتَتْهُ رسلٌ مِنَ القَانِ
بِأَنَّ هَؤُلاَءِ أبعدناهم، فاطمأن لذلك ودعا إِلَى
تِبْرِيْز.
وَاستولَى الفِرَنْج عَلَى صَيْدَا، وَقَوِيَت نفوسهم،
وجاءهم ملك الألمان الأَنبرُوْرُ وَقَدِ اسْتولَى
عَلَى قُبرس، فَكَاتَبَهُ الكَامِلُ لِيعينه عَلَى
النَّاصِرِ، وَخَافَتْهُ مُلُوْكُ السّوَاحلِ
وَالمُسْلِمُوْنَ، فَكَاتَبَ مُلُوْكُ الفِرَنْجِ
الكَامِلَ بِأَنَّهُم يُمْسِكُوْن الأَنبرُوْر،
فَبَعَثَ وَأَوْقَفَهُ عَلَى عَزْمِهِم فَعَرفَهَا
لِلكَامِلِ، وَأَجَابَهُ إِلَى هَوَاهُ، وَتردَّدتِ
المرَاسلاَت، وَخضع الأَنبرُوْر، وَقَالَ: أَنَا
عَتِيْقُكَ وَإِنْ أَنَا رَجَعت خَائِباً انْكَسَرت
حُرمتِي، وَهَذِهِ القُدْس أَصلُ دِيْنِنَا وَهِيَ
خرَابَةٌ، وَلاَ دَخَلَ لَهَا، فَتَصَدَّقْ عَلَيَّ
بِقصبَةِ البَلَدِ وَأَنَا أَحْمِلُ مَحْصُوْلَهَا
إِلَى خزَانَتِكَ، فَلاَنَ لِذَلِكَ.
وَفِي سَنَةِ 626: سلّم الكَامِل القُدْسَ إِلَى
الفِرَنْجِ -فَواغوثَاهُ بِاللهِ، وَأَتبعَ ذَلِكَ
بِحصَارِ دِمَشْقَ، وَأَذِيَّة الرَّعِيَّة، وَجَرَتْ
بَيْنهُم وَقعَاتٌ، مِنْهَا وَقْعَةٌ قُتِلَ فيها خلق
من الفريقين، وأحرقت الحواضر، زحفوا عَلَى دِمَشْقَ
مرَاراً، وَاشتدَّ الغلاَء، وَدَام البَلاَء
أَشْهُراً، ثُمَّ قَنِعَ النَّاصِر بِالكَرَك
وَنَابُلُس وَالغُوْر، وَسلّم الكَامِل دِمَشْق
لِلأَشْرَف، وَعُوِّضَ عَنْهَا بِحَرَّانَ والرقة ورأس
(16/371)
عين، ثُمَّ حَاصرُوا الأَمْجَدَ
بِبَعْلَبَكَّ، وَرَمَوْهَا بِالمَجَانِيْقِ،
وَأُخِذَت، فَتحوَّلَ الأَمْجَدُ إِلَى دَارِهِ
بِدِمَشْقَ.
وَنَازل خُوَارِزْم شَاه خِلاَطَ بِأَوبَاشه وَبَدَّعَ
وَأَخَذَ حَيْنَةَ وقتل أهلها ثم أخذ خلاط.
وَفِي سَنَةِ 627: هَزمَ الأَشْرَفُ وَصَاحِبُ
الرُّوْمِ جَلاَلَ الدِّيْنِ خُوَارِزْم شَاه،
وَتَمَزَّقَ جَمْعُهُ، وَاسْتردَّ الأَشْرَفُ خلاط.
وقدم رسول محمد بن هود الأندلس بِأَنَّهُ تَمَلَّكَ
أَكْثَر المَغْرِب وَخَطَبَ بِهَا لِلمُسْتَنْصِر،
فَكُتِبَ لَهُ تَقليدٌ بِسلطنَةِ تِلْكَ الدِّيَار،
وَنفذت إِلَيْهِ الخِلَعُ وَاللِّوَاء.
وَبَعَثَ خُوَارِزْم شَاه يَطلُبُ مِنَ الخَلِيْفَةِ
لِبَاسَ الفُتَوَّةِ فَأُجِيبَ.
وَقَدْ أَخذتِ الْعَرَب مِنْ مُخَيَّم خُوَارِزْم شَاه
يَوْمَ كَسْرَتِهِ باطيَةً1 مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهَا
رُبُعُ قِنطَارٍ، وَالعجب أَنّ هَذِهِ المَلْحَمَة مَا
قُتل فِيْهَا مِنْ عَسْكَر الشَّامِ سِوَى وَاحِد
جُرِحَ، لَكِنْ قُتِلَ مِنَ الرُّوْمِيِّيْنَ أُلُوف،
وَأَمَّا الخُوَارِزْمِيَّةِ فَاسْتَحَرَّ بِهِمُ
القَتلُ وَزَالت هَيْبَتُهُم مِنَ القُلُوْبِ،
وَوَلَّتْ سَعَادَتُهُم، وَالوَقْعَةُ فِي رَمَضَانَ.
وَفِي سَنَةِ 628: فِيْهَا خَرَجَ عَلَى ابْنِ عَبْدِ
المُؤْمِنِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ وَظَفِرَ بِالمُلْكِ،
وَقتله، وَقتلَ مِنَ البَرْبَر خَلاَئِق.
وَفِي رَجَبٍ بَلَغَنَا كسرَة التَّتَار لِخُوَارِزْم
شَاه وتفرق جمعه وذاق الذُّلّ؛ وَذَاكَ أَن خُوَارِزْم
شَاه لَمَّا انْهَزَم فِي العَامِ المَاضِي، بعثَت
الإِسْمَاعِيْلِيَّة تُعَرِّف التَّتَار ضَعْفه،
فَسَارعت طَائِفَةٌ تَقصدهُ بتورِيز فَلَمْ يَقدم
عَلَى الملتقَى، وَأَخَذُوا مَرَاغَة وَعَاثُوا،
وَتَقَهْقَرَ هُوَ إِلَى آمد فَكبَسَته التَّتَار،
وَتَفرَّقَ جَمْعُهُ فِي كُلِّ جهَة، وَطَمِعَ فِيهِم
الفَلاَّحُوْنَ وَالكُرْد، وَأَخَذت التَّتَار إِسعَرد
بِالأَمَان، ثُمَّ غَدَرُوا كَعوَائِدِهِم، ثُمَّ
طَنْزَة2 وَبلاَد نَصِيْبِيْن.
وَفِيْهَا: سَجَنَ الأَشْرَفُ بِعَزَّتَا عَلِيّاً
الحَرِيْرِيَّ، وَأَفتَى جَمَاعَةٌ بِقَتْلِهِ.
وَأُسِّسَتْ دَارُ الحَدِيْثِ الأَشْرفِيَّةِ
بِدِمَشْقَ.
وَفِيْهَا ظُفِرَ بِالتَاجِ الكَحَّالِ، وَقَدْ قَتَلَ
جَمَاعَةً ختلاً فِي بَيْتِهِ، فَفَاح الدرب، فسمروه.
__________
1 الباطية: إناء من الزجاج عظيمة تملأ من الشراب وتوضع
بين الشرب يغرفون منها ويشربون، إذا وضع فيها القدح
سحت به ورقصت من عظمها وكثرة ما فيها من الشراب، وهي
معربة.
2 طنزة: بلدة بجزيرة ابن عمر، من ديار بكر قاله ياقوت
في "معجم البلدان".
(16/372)
وَفِي سَنَةِ 629: انْهَزَمَ جَلاَلُ
الدِّيْنِ خُوَارِزْم شَاه ابْن عَلاَء الدِّيْنِ فِي
جِبَالٍ، فَقَتَلَهُ كُرْدِيٌّ بِأَخٍ لَهُ. وَقصدتْ
عَسَاكِرُ الخَلِيْفَةِ مَعَ صَاحِبِ إِرْبِل
التَّتَارَ، فَهَرَبُوا.
وَأُمسك الوَزِيْر مُؤَيَّد الدِّيْنِ القُمِّيّ
وَابْنه، وَكَانَتْ دَوْلَته ثَلاَثاً وَعِشْرِيْنَ
سَنَةً باسم نِيَابَة الوزَارَة، لَكِن لَمْ يَكُنْ
مَعَهُ وَزِيْر، فَولِّيَ مَكَانه شَمْس الدِّيْنِ
ابْن النَّاقِد، وَجُعِلَ مَكَان ابْن النَّاقِد فِي
الأُسْتَاذ دَارِيَّةِ ابْنُ العَلْقَمِيّ.
وَفِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ: حَاصرَ الكَامِلُ آمد،
فأخذها من الملك المسعود الأَتَابَكِي، وَكَانَ
فَاسِقاً يَأْخذ بنَاتِ النَّاسِ قَهْراً.
وَفِيْهَا: عَاثَ الرُّومِيُّونَ بِحَرَّانَ
وَمَارْدِيْنَ، وَفَعَلُوا شَرّاً مِنَ التَّتَار
وَبَدَّعُوا.
وَمَاتَ مُظَفَّر الدِّيْنِ صَاحِب إِرْبِل،
فَوُلِّيهَا بَاتكينُ نَائِب البَصْرَة.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ: سَارَ الكَامِلُ
لِيفتحَ الرُّوْم، فَالتَقَى صوَاب مُقَدَّم طلاَئِعه
وَعَسْكَر الرُّوْم، فَأُسِرَ صوَاب، وَتَمَزَّقَ
جندُهُ، وَرجعَ الكَامِل.
وَأُديرت المُسْتَنْصِرِيَّة بِبَغْدَادَ، وَلاَ
نَظيرَ لَهَا فِي الحُسْنِ وَالسَّعَة، وَكَثْرَةِ
الأوقاف، بها مئتان وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ
فَقِيْهاً، وَأَرْبَعَةُ مُدَّرِسِيْنَ، وَشَيْخٌ
لِلْحَدِيْثِ، وَشَيْخٌ لِلطِبِّ، وَشَيْخٌ
لِلنَّحْوِ، وَشَيْخٌ لِلْفَرَائِضِ، وَإِذَا أَقْبَلَ
وَقْفُهَا، غَلَّ أَزيدَ مِنْ سَبْعِيْنَ أَلْفَ
مِثْقَالٍ، وَلَعَلَّ قِيمَةَ مَا وَقَفَ عَلَيْهَا
يُسَاوِي أَلفَ أَلفِ دِيْنَارٍ.
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ: عمل جامع
العقيبة، كان حَانَةً.
وَقَدِمَت هديَة مَلِك اليَمَن عُمَر بن رَسُوْل
التُّرُكْمَانِيّ، فَالمُلك فِي نَسْلِهِ إِلَى
اليَوْمِ.
وَفِيْهَا: تُرِكَتِ المُعَامِلَة بِبَغْدَادَ
بِقرَاضَة الذَّهبِ، وَضُرِبَت لَهُم دَرَاهِمُ كُلّ
عَشْرَة مِنْهَا بدِيْنَارٍ إِمَامِيٍّ.
وَعَاثتِ التَّتَار بِأَرْضِ إِرْبِل وَالمَوْصِل،
وَقَتلُوا، وَأَخَذُوا أَصْبَهَان بِالسَّيْف
-فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ.
فَاهتمَّ الخَلِيْفَةُ، وَبَذَلَ الأَمْوَال.
وَعُزِلَ ابْنُ مقبلٍ عَنْ قَضَاء العِرَاق وَتَدرِيس
المُسْتَنْصِرِيَّة، وَدَرَّس أَبُو المَنَاقِب
الزَّنْجَانِيّ، وَقضَى عَبْد الرَّحْمَنِ ابْن
اللَّمَغَانِيّ.
وَفِيْهَا: سَارَ الكَامِل وَالأَشْرَف وَاسْتعَادُوا
حَرَّان وَالرُّهَا مِنْ صَاحِب الرُّوْم.
وَوصلت التَّتَار إِلَى سِنْجَار قَتْلاً وَأَسْراً
وَسَبْياً.
(16/373)
ثُمَّ فِي آخِرِ العَامِ حَشَدَ صَاحِبُ
الرُّوْم، وَحَاصَرَ حَرَّان، وَتعثَّر أَهْلُهَا.
وَاستبَاحت الفِرَنْج قُرْطُبَة بِالسَّيْف، وَهِيَ
أُمُّ الأَنْدَلُس، مَا زَالت دَار إِسْلاَم مُنْذُ
افْتَتَحَهَا المُسْلِمُوْنَ فِي دَوْلَةِ الوَلِيْدِ.
وَفِي سَنَةِ 634: مَاتَ صَاحِبُ حَلَبَ الملكُ
العَزِيْزُ ابْنُ الظَّاهِرِ ابْن صَلاَح الدِّيْنِ،
وَصَاحِبُ الرُّوْمِ عَلاَءُ الدِّيْنِ كيقبَاد،
وَأَخَذتِ التَّتَارُ إِرْبِلَ بِالسَّيْفِ.
وَفِي سَنَةِ 635: مَاتَ بِدِمَشْقَ السُّلْطَان
الْملك الأَشْرَف، وَتَمَلَّكَهَا بَعْدَهُ أَخُوْهُ
الكَامِل، فَمَاتَ بَعْدَهُ بِهَا، وَذَلِكَ بَعْدَ
أَنِ اقْتتلَ بِهَا الكَامِل وَأَخُوْهُ الصَّالِح
عِمَاد الدِّيْنِ عَلَى المُلْك، وَتعبت الرَّعِيَّة.
وَبعده تَمَلَّكَهَا الجَوَاد، ثُمَّ ضَعُفَتْ
هِمَّتُهُ وَأَعْطَاهَا الصَّالِح نَجْم الدِّيْنِ
أَيُّوْب ابْن الكَامِل، وَتسلطنَ بِمِصْرَ العَادلُ
أَبُو بَكْرٍ ابْن الكَامِل، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ
طَوِيْلَة آخرهَا أَنَّ الصَّالِح تَمَلَّكَ الدِّيَار
المِصْرِيَّة، وَاعْتَقَلَ أَخَاهُ، وَغلبَ عَلَى
دِمَشْقَ عَمُّه الصَّالِح، فَتحَاربا عَلَى المُلْك
مُدَّة طَوِيْلَةً، ثُمَّ اسْتَقرَّت مِصْرُ
وَالشَّامُ لِنَجمِ الدِّيْنِ أَيُّوْب.
وَفِي سَنَة سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ: أَخذت الفِرَنْجُ
بَلَنْسِيَةَ وَغَيْرهَا مِنْ جَزِيْرَة الأَنْدَلُس.
وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ: هَجَمَ الصَّالِحُ عِمَاد
الدِّيْنِ دِمَشْقَ، وَتَمَلَّكَهَا، وَأَخَذَ
القَلْعَةَ بِالأَمَانِ، وَنَكثَ، فَحبسَ المُغِيْث
عُمَر ابْن الصَّالِح، وَتَفَلَّلَ الأُمَرَاء عَنِ
الصَّالِح نَجْم الدِّيْنِ، وَجَاؤُوا وَحلفُوا
لعَمِّه، وَبَقِيَ هُوَ فِي مَمَالِيكِه بِالغُوْرِ،
ثُمَّ أَخَذَه ابْن عَمِّهِ النَّاصِر صَاحِب الكَرَك،
وَاعْتَقَلَهُ مُكَرَّماً، ثُمَّ أَخَذَه وَمَضَى بِهِ
إِلَى مِصْرَ، فَتَمَلَّكَ، فَكَانَ يَقُوْلُ: خلفنِي
النَّاصِر عَلَى أَشيَاء يَعْجِزُ عَنْهَا كُلّ أَحَد،
وَهِيَ أَنْ آخذ لَهُ دِمَشْق وَحِمْص وَحَمَاةُ
وَحَلَبَ أَوِ الجَزِيْرَة وَالمَوْصِل وَدِيَار
بَكْرٍ وَنِصْف ديَار مِصْر، وَأَنْ أُعْطيه نِصْف مَا
فِي الخَزَائِنِ بِمِصْرَ، فَحلفت لَهُ مِنْ تَحْتَ
قَهره.
وَوَلِيَ خطَابة دِمَشْق بَعْد الدَّوْلَعِيِّ
الشَّيْخُ عِزّ الدِّيْنِ ابْن عَبْدِ السَّلاَمِ
فَأَزَال العَلَمَين المُذَهَّبَيْنِ، وَأَقَامَ
عوضهَا سُوداً بِكِتَابَة بَيضَاءَ، وَلَمْ يُؤذِّن
قُدَّامه سِوَى وَاحِد، وَأَمرَ الصَّالِحُ
إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبَاءَ أَنْ يَخطبُوا لِصَاحِب
الرُّوْم مَعَهُ.
وَفِي العِيْد خلعَ المُسْتَنْصِر عَلَى أَربَاب
دَوْلَته؛ قَالَ ابْنُ السَّاعِي: حُزِرت الخلع بثلاثة
عشر ألفًا.
وَفِي سَنَةِ 638: فِيْهَا سَلَّم الصَّالِحُ
إِسْمَاعِيْلُ قَلْعَةَ الشقيف إلى الفرنج لينجدوه على
المصريين، فنكر عَلَيْهِ ابْنُ الحَاجِب وَابْنُ
عَبْدِ السَّلاَمِ، فَسَجَنَهُمَا مُدَّة.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: قَدِمَ رَسُوْل التَّتَار
إِلَى شِهَاب الدِّيْنِ غَازِي ابْن العَادل، وَإِلَى
الملوك
(16/374)
عنوَان الكِتَاب: مِنْ نَائِبِ رَبِّ
السَّمَاءِ مَاسِحِ وَجهِ الأَرْضِ مَلِكِ الشَّرْق
وَالغرب يَأْمر مُلُوْكَ الإِسْلاَم بِالدُّخُوْل فِي
طَاعَةِ القَانِ الأَعْظَمِ، وَقَالَ الرَّسُولُ
لِغَازِي: قَدْ جَعَلك سلحدَاره، وَأَمَرَكَ أَنْ
تُخَرِّبَ أَسوارَ بِلاَدِكِ.
وَفِيْهَا كَسَرَ النَّاصِر دَاوُد الفِرَنْجَ
بِغَزَّةَ.
وَأُخِذَ الرَّكْبُ الشَّامِيُّ بِقُرْبِ تَيمَاءَ.
وَالتَقَى صَاحِب حِمْصَ وَمَعَهُ عَسْكَر حَلَب
الخُوَارِزْمِيَّةَ، فكسرهم بأرض حران، وخذ حَرَّان،
وَأَخَذَ صَاحِبُ الرُّوْمِ آمد بَعْدَ حِصَار
طَوِيْل، وَكَانَتِ التَّتَارُ تعيثُ فِي البِلاَد
قَتْلاً وَسَبياً، وَقَلَّتِ الخُوَارِزْمِيَّة،
فَكَانُوا بِالجَزِيْرَةِ يَعيثُونَ.
وَفِي سَنَةِ 639: دَخَلتِ التَّتَار مَعَ
بايجونَوِينَ بِلاَد الرُّوْم، وعاثوا ونهبوا القرى،
فهرب منهم صاحبها.
وَفِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ: التقَى صَاحِبُ
مَيَّارفَارقين غَازِي وَالحَلَبِيُّوْنَ، فَظَهَرَ
الحَلَبِيُّوْنَ، وَاسْتَحَرَّ القَتْل
بِالخُوَارِزْمِيَّةِ، وَنُهِبَتْ نصيبين وغيرها،
واستوى غَازِي عَلَى مدينَة خِلاَطَ.
وَفِي المُحَرَّم أَخذتِ التَّتَار أَرْزنَ الرُّوْمِ،
وَاسْتَبَاحُوهَا، وَعَنْ رَجُلٍ قَالَ: نُهِبت
نَصِيْبِيْنُ فِي هَذِهِ السّنَة سَبْعَ عَشْرَةَ
مرَّةً مِنَ الموَاصِلَة وَالمَاردَانِيين
وَالفَارِقِيِّيْنَ، وَلَوْلاَ بَسَاتِينُهَا لَجَلاَ
أَهْلُهَا.
وَكَانَ لِلمُسْتَنْصِرِ مَنْظَرَةٌ يَجْلِسُ فِيْهَا
يَسْمَعُ دُروسَ المُسْتَنْصِرِيَّة، وَاسْتخدمَ
جَيْشاً عَظِيْماً، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُم بَلَغُوا
أَزْيَدَ مِنْ مائَة أَلْف، وَكَانَ ذَا شَجَاعَةٍ
وَإِقْدَامٍ، وَكَانَ أَخُوْهُ الخَفَاجِيّ مِنَ
الأَبْطَال يَقُوْلُ: إِنْ وَليتُ، لأَعبُرنَّ
بِالجَيْش جَيْحُونَ، وَأَسْترد البِلاَد، وَاسْتَأْصل
التَّتَار، فَلَمَّا مَاتَ المُسْتَنْصِر زَوَاهُ عَنِ
الخِلاَفَةِ الدُّوَيْدَار وَالشَّرَابِيّ خَوْفاً
مِنْ بَأْسِه.
أَنْبَأَنِي ابْن البُزُوْرِيّ أَنَّ المُسْتَنْصِر
توفي يوم الجمعة بكرة عاشر جمادى الآخرة.
وَقَالَ المُنْذِرِيُّ: جُمَادَى الأُوْلَى، فَوَهِمَ.
عَاشَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ سَنَةً وَأَشْهُراً،
وَخُطِبَ يَوْمَ مَوْتِهِ لَهُ، كتمُوا ذَلِكَ،
فَأَتَى إِقبال الشَّرَابِيّ وَالخدم إِلَى وَلَدِه
المُسْتَعْصِمِ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ
المُؤْمِنِيْنَ وَأَقعدُوْهُ فِي سُدَّة الخِلاَفَةِ،
وَأُعْلِمَ الوَزِيْر وَأُسْتَاذ الدَّار في الليل،
فبايعاه.
وَلِلنَّاصِر دَاوُدَ يَرْثِي المُسْتَنْصِرَ:
أَيَا رَنَّة النَّاعِي عَبَثْتِ بِمَسْمِعَي ...
وَأَجَّجْتِ نَارَ الحُزْنِ مَا بَيْنَ أضلعي
(16/375)
وَأَخْرَسْتِ مِنِّي مِقولاً ذَا براعةٍ
... يَصُوغُ أَفَانِيْنَ القَرِيضِ المُوشَّعِ
نَعَيْتِ إِلَيَّ البَأْسَ وَالجُودَ وَالحِجَى ...
فَأَوْقَفتِ آمَالِي وَأَجرَيتِ أَدمُعِي
وَقَالَ صَفِيُّ الدِّيْنِ ابْنُ جَمِيْلٍ:
عزٌ العَزَاءُ وَأَعْوَزَ الإِلْمَامُ ...
وَاسْترجَعَتْ مَا أَعْطَتِ الأَيَّامُ
فَدَعِ العُيُونَ تَسُحُّ يَوْمَ فِرَاقِهِم ...
عِوَضَ الدُّمُوعِ دَماً فَلَيْسَ تُلاَمُ
بَانُوا فَلاَ قَلْبِي يَقِرُّ قَرَارُهُ ... أَسفاً
وَلاَ جفنِي القَرِيحُ يَنَامُ
فَعَلَى الَّذِيْنَ فَقَدتُهُم وَعَدِمْتُهُم ...
مِنِّي تَحِيَّةُ مَوْجَعٍ وَسَلاَمُ
وَكَانَتْ دَوْلَتُه سَبْعَ عَشْرَةَ سنة، رحمه الله
وسامحه.
(16/376)
5799- المستنصر
1:
الخَلِيْفَةُ الإِمَامُ أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ ابنُ
الظَّاهِر بِأَمْرِ اللهِ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّد ابْنِ
النَّاصِرِ لدين الله أحمد ابن المستضيئ الهَاشِمِيُّ،
العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ، أَخُو الخَلِيْفَةِ
المُسْتَنْصِرِ بِاللهِ مَنْصُوْرٍ وَاقِفِ
المُسْتَنْصِرِيَّة.
بُوْيِعَ بِالخِلاَفَةِ أَحْمَدُ بَعْدَ خُلوِّ
الوَقْت مِنْ خَلِيْفَةٍ عَبَّاسِيٍّ ثَلاَث سِنِيْنَ
وَنِصْفَ سَنَةٍ، وَكَانَ هَذَا مُعْتَقَلاً
بِبَغْدَادَ مَعَ غيره من أولاد الخلفاء، فلما
اسْتولَى هُوْلاَكُو عَلَى بَغْدَادَ، نَجَا هَذَا،
وَانضمَّ إلى غرب العِرَاقِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِسلطنَة
الْملك الظَّاهِر وَفَدَ عَلَيْهِ فِي رَجَبٍ سَنَةَ
تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ فِي عَشْرَة مِنْ آلِ مهَارش،
فَرَكِبَ السُّلْطَان لِلْقَائِهِ وَالقُضَاة
وَالدَّوْلَة، وَشَقَّ قصبَةَ القَاهِرَة، ثُمَّ
أَثْبَتَ نَسَبَهُ عَلَى القُضَاة، وَبُوْيِعَ
فَرَكِبَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنَ القَلْعَةِ فِي
السَّوَادِ حَتَّى أَتَى جَامِعَ القَلْعَةِ، فَصَعِدَ
المِنْبَرَ وَخَطَبَ وَلَوَّحَ بِشَرفِ آلِ
العَبَّاسِ، وَدَعَا لِلسُّلْطَانِ وَلِلرَّعيَّةِ،
وَصَلَّى بِالنَّاسِ.
قَالَ القَاضِي جَمَال الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ سُومرَ
المَالِكِيُّ: حَدَّثَنِي شَيْخُنَا ابْنُ عَبْدِ
السَّلاَمِ قَالَ: لَمَّا أَخذنَا فِي بَيْعَةِ
المُسْتَنْصِر قُلْتُ لِلملكِ الظَّاهِر: بَايِعْهُ.
فَقَالَ: مَا أُحْسِنُ، لَكِن بَايِعْهُ أَنْتَ
أَوَّلاً وَأَنَا بَعْدَكَ. فَلَمَّا عقدنَا
البَيْعَةَ، حَضَرنَا مِنَ الغَدِ عِنْد السُّلْطَان،
فَأَثْنَى عَلَى الخَلِيْفَة، وَقَالَ: مِنْ جُمْلَةِ
بَرَكَتِهِ أَنَّنِي دَخَلتُ أَمسِ الدَّارَ، فَقصدتُ
مَسْجِداً فِيْهَا لِلصَّلاَةِ، فَأَرَى مصطبَة
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "7/
109-107 و206".
(16/376)
نَافرَة، فَقُلْتُ لِلْغلمَان أَخرِبُوا
هَذِهِ. فَلَمَّا هَدَمُوهَا، انفتَحَ تَحْتهَا سَرب،
فَنَزَلُوا، فَإِذَا فِيْهِ صنَادِيق كَثِيْرَة
مَمْلُوْءة ذهباً وَفِضَّة مِنْ ذخَائِر الْملك
الكَامِل، رَحِمَهُ اللهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الخَلِيْفَةُ الثَّامنُ
وَالثَّلاَثُونَ مِنْ بَنِي العَبَّاسِ، بُوْيِعَ
بِقَلْعَةِ الجبلِ فِي ثَالِثَ عَشَرَ رَجَبٍ سَنَةَ
تِسْعٍ. وَكَانَ أَسْمَرَ آدَمَ، شُجَاعاً، مَهِيْباً،
ضَخْماً، عَالِي الهِمَّةِ، وَرَتَّبَ لَهُ
السُّلْطَان أَتَابَكاً وَأُسْتَاذَ دَار، وَشرَابياً
وَخَزْنَدَاراً وَحَاجِباً وَكَاتِباً، وَعيَّن لَهُ
خزَانَةً وعدة مماليك، ومئة فَرَسٍ وَعشر قطَارَاتِ
جمالٍ وَعشرَ قطَارَاتِ بغَالٍ إِلَى أَمثَالِ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: قُرِئَ بالعادلية كتاب السلطان
إلى قاضي القضاة نَجْم الدِّيْنِ ابْن سنِيِّ
الدَّوْلَة بِأَنَّهُ قَدِمَ عَلَيْهِم أَبُو
القَاسِمِ أَحْمَدُ ابْنُ الظَّاهِر وَهُوَ أَخُو
المُسْتَنْصِر، وَجَمَعَ لَهُ النَّاس، وَأَثْبَت فِي
المَجْلِسِ نَسَبَه عِنْد قَاضِي القُضَاةِ، وَبَدَأَ
بِالبَيْعَةِ السُّلْطَانُ، ثُمَّ الكِبَارُ عَلَى
مَرَاتِبِهِم، وَنُقِشَ اسْمُهُ عَلَى السِّكَّةِ،
وَلُقِّبَ بِلَقَبِ أَخِيْهِ.
قَالَ قُطْب الدِّيْنِ البَعْلِيُّ: وَفِي شَعْبَانَ
رَسَمَ الخَلِيْفَةُ بِعَمَلِ خِلْعَةٍ لِلسُّلطَانِ
وَبِكِتَابَة تَقليدٍ، وَنُصِبَتْ خَيْمَةٌ بِظَاهِرِ
مِصْر، وَركب المُسْتَنْصِر وَالظَّاهِر إِلَيْهَا فِي
رَابع شَعْبَان، وَحضرَ القُضَاة وَالأُمَرَاء
وَالوَزِيْر، فَأَلبسَ الخَلِيْفَةُ السُّلْطَانَ
الخِلْعَة بِيَدِهِ، وَطَوَّقَهُ وَقَيَّدَهُ،
وَنُصِبَ مِنْبَرٌ صعد عليه فخر الدين ابن لقمن كَاتِب
السِّرِ، فَقَرَأَ التَّقْلِيد الَّذِي أَنشَأَه،
ثُمَّ ركب السُّلْطَانُ بِالخِلْعَة وَدَخَلَ مِنْ
بَاب النَّصْر، وَزُيِّنَت القَاهِرَة، وَحَمَلَ
الصَّاحِبُ التّقليد عَلَى رَأْسه رَاكِباً
وَالأُمَرَاءُ مشَاةٌ.
قُلْتُ: ثُمَّ عَزَمَ المُسْتَنْصِر عَلَى التَّوجّه
إِلَى بَغْدَادَ بِإِشَارَةِ السُّلْطَان وَإِعَانته،
فَذَكَر ابْنُ عَبْدِ الظَّاهِر فِي "سِيْرَةِ
المَلِكِ الظَّاهِرِ" أَنَّ السُّلْطَانَ قَالَ لَهُ:
أَنفقت علَى الخَلِيْفَة وَالمُلُوْك الموَاصِلَة
أَلفَ أَلفٍ وَسِتَّ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ.
قَالَ قُطْب الدِّيْنِ البَعْلِيُّ: ثُمَّ سَارَ هُوَ
وَالسُّلْطَان مِنْ مِصْرَ فِي تَاسِعَ عَشَرَ
رَمَضَان، وَدخلاَ دِمَشْقَ فِي سَابعِ ذِي
القَعْدَةِ، ثُمَّ سَارَ الخَلِيْفَةُ وَمَعَهُ صَاحِب
المَوْصِل وَصَاحِب سِنْجَارَ بَعْد أَيَّام.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: نَزَلَ الخَلِيْفَة
بِالتُّرْبَةِ النَّاصِرِيَّةِ، وَدَخَلَ يَوْمَ
الجُمُعَةِ إِلَى جَامِع دِمَشْقَ، إِلَى
المَقْصُوْرَةِ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُ السُّلْطَان
فَصَلَّيَا وَخَرَجَا، وَمشيَا إِلَى نَحْو مَرْكُوب
الخَلِيْفَة بِبَابِ البَرِيْد، ثُمَّ رَجَعَ
السُّلْطَان إِلَى بَابِ الزِّيَادَة.
قَالَ القُطْب: فَسَافر الخَلِيْفَة، وَصَاحِبُ
المَوْصِلِ إِلَى الرّحبَة، ثُمَّ افْترقَا، ثُمَّ
وَصل الخَلِيْفَة بِمَنْ مَعَهُ إِلَى مشْهد عَلِيّ،
وَلَمَّا أَتُوا عَانَة وَجَدُوا بِهَا الحَاكِم فِي
سَبْع مائَة نَفْسٍ، فَأَتَى إِلَى المُسْتَنْصِر
وَبَايع، وَنَزَلَ فِي مُخيَّمِه مَعَهُ وَتَسَلَّمَ
الخَلِيْفَة عَانَة، وَأَقطعهَا جَمَاعَةً، ثُمَّ وَصل
إِلَى الحَدِيْثَة، فَفَتَحهَا أَهْلُهَا لَهُ،
فَلَمَّا اتَّصل الخَبَرُ بِمقدمِ المَغُوْلِ
بِالعِرَاقِ، وَبشحنَة بَغْدَاد سَارُوا فِي
(16/377)
خَمْسَة آلاَف، وَعَسْكَرُوا بِالأَنْبَار،
وَنَهبُوا أَهْلَهَا وَقتلُوا وَسَارَ الخَلِيْفَة
إِلَى هيت فَحَاصَرَهَا، ثُمَّ دخلهَا فِي آخِرِ ذِي
الحِجَّةِ، وَنَهب ذِمَّتهَا، ثُمَّ نَزَلَ الدُّور،
وَبَعَثَ طلاَئِعه فَأَتَوُا الأَنْبَارَ فِي ثَالِثِ
المُحَرَّمِ سنَةَ سِتِّينَ، فَعَبَرَتِ التَّتَارُ
فِي اللَّيْلِ فِي المَرَاكِبِ وَفِي المَخَائِضِ،
وَالتَقَى مِنَ الغَدِ الجَمْعَانِ، فَانْكَسَرَ
أَوَّلاً الشِّحنَةُ، وَوَقَعَ مُعْظَمُ أَصْحَابِهِ
فِي الفُرَاتِ، ثُمَّ خَرَجَ كَمِيْنٌ لَهُم،
فَهَرَبَتِ الأَعرَابُ وَالتُّرُكْمَانُ، فَأَحَاطَ
الكَمِيْنُ بِعَسْكَرِ الخَلِيْفَةِ، فَحَمَلَ
الخَلِيْفَةُ بِهِم، فَأَفرجَ لَهُم التَّتَار،
وَنَجَا جَمَاعَة مِنْهُم الحَاكِم فِي نَحْو
الخَمْسِيْنَ، وَقُتِلَ عِدَّةٌ، وَالظَّاهِر أَنَّ
الخَلِيْفَة قُتِلَ، وَيُقَالُ: بَلْ سَلِمَ،
وَأَضمرته البِلاَد، وَلَمْ يَصِحَّ، وَقِيْلَ: بَلْ
قُتِلَ يَوْمَئِذٍ ثَلاَثَة مِنَ التَّتَار وَقُتِلَ
-رَحِمَهُ اللهُ- فِي أَوَائِل المُحَرَّم كَهْلاً،
وَبعدَ سَنَتَيْنِ بويع الحاكم بأمر الله أحمد.
(16/378)
5800- المخزومي:
الإِمَامُ العَدْلُ المُحَدِّثُ ظَهِيْرُ الدِّيْنِ
وَيُلَقَّبُ بِالقَاضِي المكرم أبو المعالي عبد الرحمن
بن عَلِيِّ بنِ عُثْمَانَ بنِ يُوْسُفَ
المَخْزُوْمِيُّ، المُغِيرِيُّ، المِصْرِيُّ،
الشَّافِعِيُّ، الشَّاهدُ.
وُلِدَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ.
وَأَجَازَ لَهُ مِنْ بَغْدَادَ فَخْر النِّسَاءِ
شُهْدَةُ، وَعَبْدُ الحَقِّ اليُوْسُفِيّ، وَمِنَ
المَوْصِلِ خَطِيْبُهَا أَبُو الفَضْلِ الطُّوْسِيّ،
وَمِنْ دِمَشْق الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ، وَمِنَ
الثَّغْر أَبُو الطَّاهِرِ السلفي، وطائفة سواهم، كعيس
الدُّوْشَابِيّ وَابْن شَاتيلَ، وَمُسْلِم بن ثَابِتٍ،
وَأَبِي شَاكِر السَّقْلاَطُوْنِيّ. وَسَمِعَ مِنْ:
عَبْدِ اللهِ بنِ بَرِّي، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ
الرَّحْبِيّ، وَالبُوْصِيْرِيّ، وَالقَاسِمِ بن عساكر،
والأثير ابن بُنَانٍ، وَعِدَّةٍ.
وَرَوَى الكَثِيْرَ، وَهُوَ مِنْ بَيْت رِيَاسَة
وَجَلاَلَة.
رَوَى عَنْهُ: المُنْذِرِيُّ وَالدِّمْيَاطِيُّ،
وَرُكْن الدِّيْنِ بَيْبَرْس القيمرِي، وَابْنُ
العِمَادِيَّة، وَالتَّاج إِسْمَاعِيْل بن قُرَيْش،
وَطَائِفَة.
وَبِالإِجَازَةِ المُعَمَّرَة وَجيهيَة بِنْتُ أَبِي
الحَسَنِ المُؤَدِّبِ.
وَكَانَ دَيِّناً، كَثِيْرَ التِّلاَوَة، متنزهًا عن
الخدم.
وَهُوَ أَخُو القَاضِي حَمْزَةَ بنِ عَلِيٍّ
الأَشْرَفِ.
مَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِتُربَة آبَائِهِ
بِالقرَافَةِ.
(16/378)
صاحب اليمن،
المستعصم بالله:
5801- صاحب اليمن:
السُّلْطَانُ المَلِكُ المَنْصُوْرُ نُوْرِ الدِّيْنِ
عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ رَسُوْل بن هَارُوْنَ بن أَبِي
الفَتْحِ.
قِيْلَ: إِنَّهُ مِنْ وَلدِ جَبَلَة بن الأَيْهَمِ
الغَسَّانِيّ.
تَملّك بِزَبِيْد، وَجَرَتْ لَهُ حُرُوْب وَسِيَرٌ،
وَتَمَكَّنَ، وَكَانَ شُجَاعاً سَائِساً جَوَاداً
مَهِيْباً، لَهُ نَحْوٌ مِنْ أَلف مَمْلُوْك. وَقَدْ
كَانَ الكَامِل جَهَّز مِنْ مِصْرَ عَسْكَراً فَقصدهُم
المَنْصُوْر فَفَرُوا مِنْهُ، وَقِيْلَ: بَلْ كَتَبَ
إِلَى أُمَرَاءِ العَسْكَر أَجوبَة فَظَفِرَ بِهَا
مقدمهُم جغرِيل، فَخَافَ وَقفز أَمِيْرَانِ: فَيْرُوْز
وَابْن بُرطاس إِلَى المَنْصُوْرِ.
حَدَّثَنِي تَاج الدِّيْنِ عَبْد البَاقِي أَن
مَمَالِيْك المَنْصُوْر قَتلُوْهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَسَلطنُوا ابْنَ
أَخِيْهِ فَخْرَ الدِّيْنِ أَبَا بكر بن حسن، ولقبوه.
بِالمُعَظَّمِ، فَلَمْ يَسْتَمرَّ ذَلِكَ، وَتَمَلَّكَ
المُظَفَّرُ ابْنُ المقتول.
5802- المستعصم بالله 1:
الخَلِيْفَةُ الشَّهِيْدُ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ
ابْنُ المُسْتَنْصِرِ بِاللهِ مَنْصُوْرٍُ ابْنِ
الظَّاهِرِ مُحَمَّدٍ ابْنِ النَّاصِرِ أَحْمَد ابْنِ
المُسْتَضِيْءِ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ،
البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَاستخلف سَنَة أَرْبَعِيْنَ يَوْم مَوْت أَبِيْهِ فِي
عَاشر جُمَادَى الآخِرَة، وَكَانَ فَاضِلاً، تَالياً
لِكِتَابِ اللهِ، مليح الكِتَابَة. خَتَمَ عَلَى ابْنِ
النَّيَّار، فَأَكْرَمَهُ يَوْم الْخَتْم سِتَّة آلاَف
دِيْنَار، وَبلغت الخِلَعُ يَوْمَ بيعته أزيد من ثلاث
عَشَرَ أَلفَ خِلْعَةٍ.
استَجَازَ لَهُ ابْنُ النَّجَّارِ المُؤَيَّد
الطُّوْسِيَّ وَعَبْد المُعِزِّ الهَرَوِيّ، وَسَمِعَ
مِنْهُ بِهَا شَيْخُه أَبُو الحَسَنِ ابْن النَّيَّار،
وَحَدَّثَ عَنْهُ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: بِهَذِهِ الإِجَازَة فِي حيَاته
الباذرائي، ومحيي الدين ابن الجوزي.
وَكَانَ كَرِيْماً، حَلِيماً، دَيِّناً، سَلِيمَ
البَاطِنِ، حَسَنَ الهَيْئَةِ.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ بِمَرَاغَةَ وَلَدُه الأَمِيْرُ
مُبَارَكٌ.
قَالَ قُطْبُ الدِّيْنِ اليُوْنِيْنِيُّ: كَانَ
مُتَدَيِّناً مُتمسِّكاً بالسُّنَّةِ كَأَبِيْهِ
وَجَدِّهِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ في حزم
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "7/ 63"، وشذرات الذهب "5/
270-272".
(16/379)
أَبِيْهِ، وَتيقّظه، وَعُلُوِّ هِمْتِهِ،
وَإِقدَامِهِ، وَإِنَّمَا قَدَّمُوْهُ عَلَى عَمِّهِ
الخَفَاجِيّ لِمَا يَعلمُوْنَ مِنْ لِينهِ
وَانْقِيَادِهِ وَضَعفِ رَأْيِه لِيَستَبِدُّوا
بِالأُمُوْر.
ثُمَّ إِنَّهُ اسْتَوْزَر المُؤَيَّد ابْنَ
العَلْقَمِيّ الرَّافضِيّ، فَأَهْلك الحَرْثَ
وَالنَّسْلَ، وَحَسَّن لَهُ جَمعَ الأَمْوَال، وَأَنَّ
يَقتصِرَ على بعض العساكر، فقطع أكثرهم، وكان يعلب
بِالحَمَّامِ، وَفِيْهِ حرص وَتوَانٍ.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ:
عَاثت الخُوَارِزْمِيَّةُ بقُرَى الشَّامِ.
وَصَالَحَتِ التَّتَارُ صَاحِبَ الرُّوْمِ عَلَى أَلفِ
دِيْنَارٍ، وَفرس وَمَمْلُوْك وَجَارِيَة فِي كُلِّ
نَهَارٍ، بَعْدَ أَنِ اسْتبَاحُوا قَيْصَرِيَّةَ.
وَأُهْلِكَ قَاضِي القُضَاةِ بِدِمَشْقَ الرّفِيع
الجِيْلِيّ.
وَدَخَلت الفِرَنْج القُدْس، وَرشُّوا الخَمْرَ عَلَى
الصَّخْرَةِ، وَذَبَحُوا عِنْدَهَا خِنْزِيْراً،
وَكَسَرُوا مِنْهَا شقفة.
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ: كَانَ
حِصَارُ الخُوَارِزْمِيَّةِ عَلَى دِمَشْقَ فِي خدمَةِ
صَاحِب مِصْر، وَاشتدَّ القَحط بِدِمَشْقَ ثُمَّ
التَقَى الشَّامِيُّوْنَ وَمَعَهُم عَسْكَر مِنَ
الفِرَنْج وَالمِصْرِيّون وَمَعَهُمُ
الخُوَارِزْمِيَّةُ بَيْنَ عَسْقَلاَنَ وَغَزَّةَ،
فَانْهَزَم الجمعَانِ، وَلَكِن حَصَدَتِ
الخُوَارِزْمِيَّةُ الفِرَنْجَ فِي سَاعَةٍ ثُمَّ
أَسرُوا مِنْهُم ثَمَانِي مائَةٍ. وَيُقَالُ: زَادت
القَتْلَى عَلَى ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً. وَاندكَّ صَاحِب
حِمْص، وَنُهِبَتْ خَزَائِنُه وَبَكَى، وَقَالَ: قَدْ
علمت بِأَنَّا لاَ نُفلح لَمَّا سِرْنَا تَحْتَ
الصُّلبَانِ، وَاشتدَّ الحصَارُ عَلَى دِمَشْقَ.
وَجَاءت مِنَ الحَجّ أُمُّ المُسْتَعْصِم وَمُجَاهِد
الدِّيْنِ الدُّوَيْدَار وَقيرَان، وَكَانَ وَفداً
عَظِيْماً.
وَمَاتَ الوَزِيْرُ ابْنُ النَّاقِدِ، فَوزرَ
المُؤَيَّدُ ابْنُ العَلْقَمِيّ وَالأُسْتَاذُ
دَارِيَة لِمُحْيِي الدِّيْنِ ابْنِ الجَوْزِيِّ.
وَدَخَلت سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ: وَالحصَار
عَلَى دِمَشْقَ وَتَعَثَّرت الرَّعِيَّة وَخَربت
الحوَاضرُ، وَكَثُرَ الفنَاءُ، وَفِي الآخَرِ ترك
البَلَدَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيْلُ، وَصَاحِبُ حِمْص،
وَتَرَحَّلاَ إِلَى بَعْلَبَكَّ، وَدَخَلَ البَلَدَ
مُعِيْنُ الدِّيْنِ حَسَنٌ ابْنُ الشَّيْخِ، وَحَكَمَ
وَعَزل مِنَ القَضَاء مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنَ
الزَّكِيّ، وَوَلَّى صَدْر الدِّيْنِ ابْنَ سَنِيِّ
الدَّوْلَة.
وَجَاءَ رَسُوْلُ الخِلاَفَةِ ابْنُ الجَوْزِيِّ
بِخِلَعِ السَّلْطَنَةِ لِلملكِ الصالح نجم الدين.
وَفِيْهَا جَاءت فِرقَة مِنَ التَّتَار إِلَى بعقوبَا
فَالتقَاهُم الدُّوَيْدَار، فَكسرهُم.
(16/380)
وَفِي ذِي القَعْدَةِ بلغت غرَارَة
الْقَمْح بِدِمَشْقَ أَلْفاً وَمائتَيْ دِرْهَمٍ.
وَفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ: عَاثَت
الخُوَارِزْمِيَّة وَتَخَرّبت القُرَى، فَالتقَاهُم
عَسْكَرُ حَلَبَ وَحِمْصَ، فَكُسرُوا شَرَّ كَسْرَةٍ
عَلَى بُحَيْرَةِ حِمْصَ، وَقُتِلَ مُقَدَّمُهُم
بَرَكَة خَان، وَحَار الصَّالِح إِسْمَاعِيْل فِي
نَفْسِهِ، وَالْتَجَأَ إِلَى صَاحِبِ حَلَبَ.
وَفِيْهَا خِتَانُ أَحْمَدَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ
وَلَدِيِ الخَلِيْفَة وَأَخِيْهِ عليّ، فَمَنِ
الوليمَة أَلفٌ وَخَمْسُ مائَةِ رَأْسِ شوَاءٍ.
وَقَدِمَ رَسُوْلاَنِ مِنَ التَّتَار أَحَدهُمَا مِنْ
بَركَة، وَالآخرِ مِنْ بايجُو، فَاجْتَمَعُوا بِابْنِ
العَلْقَمِيّ، وَتعمّت الأَخْبَار.
وَفِيْهَا أَخذتِ الفِرَنْجُ شَاطِبَةَ.
وَفِي سَنَة خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ: رَاح الصَّالِح
إِلَى مِصْرَ، وَخلّف جَيْشَهُ يُحَاصِرُوْنَ
عَسْقَلاَن وَطَبَرِيَة فَافْتَتَحُوهُمَا، وَحَاصَرَ
الحَلَبِيُّوْنَ حِمْص أَشْهُراً، وتَعِبَ صَاحِبهَا
الأَشْرَف فَسلَّمهَا، وَعُوِّضَ عَنْهَا بِتَلِّ
بَاشِرَ فِي سَنَةِ سِتّ.
وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ: هَجَمت الفِرَنْج دِمْيَاط فِي
ربيع الأول، فهرب النَّاسُ مِنَ البَابِ الآخرِ،
وَتَمَلَّكَهَا الفِرَنْج صَفْواً عَفْواً -نَعُوذ
بِاللهِ مِنَ الخِذْلاَنِ، وَكَانَ السُّلْطَان
بِالمَنْصُوْرَةِ، فَغَضِبَ عَلَى أَهْلِهَا، وَشَنَقَ
سِتِّيْنَ مِنْ أَعيَانِ أَهْلهَا، وَذَاقُوا ذُلاً
وَجوعاً، وَاسْتوحشَ العَسْكَر مِنَ السُّلْطَانِ،
-وَقِيْلَ: هَمَّ مَمَالِيْكُه بِقَتْلِهِ، فَقَالَ
نَائِبه فَخْرُ الدِّيْنِ ابْن الشَّيْخ: اصبِرُوا
فَهُوَ عَلَى شفَا، فَمَاتَ فِي نِصْفِ شَعْبَانَ،
وَأُخْفِيَ مَوْتُهُ إِلَى أَنْ أُحْضِرَ ابْنُهُ
المُعَظَّمُ تُوْرَانْشَاه مِنْ حِصنِ كَيْفَا، فَلَمْ
يَبْقَ إلَّا قَلِيْلاً وَقَتَلُوْهُ، وَكَانَتْ
وَقْعَةُ المَنْصُوْرَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، فَسَاقت
الفِرَنْج إِلَى الدِّهْلِيْز، فَخَرَجَ نَائِب
السّلطنَةِ فَخْرُ الدِّيْنِ ابْن الشَّيْخ وَقَاتَلَ
فَقُتِلَ، وَانْهَزَم المُسْلِمُوْنَ وَعَظُمَ
الخَطْبُ، ثُمَّ تَنَاخَى العَسْكَر وَكَرُّوا عَلَى
العَدُوِّ فَطَحَنُوهُم، وَقَتَلُوا خَلْقاً، وَنَزَلَ
النَّصْرُ.
ثُمَّ فِي ذِي الحِجَّةِ كَانَ وُصُوْل المُعَظَّمِ،
وَكَانَ نَوَى أَنْ يَفتك بِفَخْرِ الدِّيْنِ، لأَنَّه
بَلَغَهُ أَنَّهُ رَامَ السَّلْطَنَةَ.
وَاستهلّت سَنَةَ ثَمَانٍ: وَالفِرَنْج عَلَى
المَنْصُوْرَةِ بِإِزَاء المُسْلِمِيْنَ، وَلَكِنهُم
فِي ضَعْفٍ وَجُوْعٍ، وَمَاتَتْ خَيلهُم، فَعزم
الفَرنسِيسُ عَلَى الرُّكوبِ ليلاً إِلَى دِمْيَاط،
فَعَلِمَ المُسْلِمُوْنَ، وَكَانَتِ الفِرَنْج قَدْ
عَملُوا جِسْراً عَظِيْماً عَلَى النِّيلِ، فَذَهلُوا
عَنْ قطعه، فَدَخَلَ مِنْهُ المُسْلِمُوْنَ
فَكَبَسُوهُم، فَالتَجَأَتِ الفِرَنْج إِلَى مُنْيَةِ
أَبِي عَبْدِ اللهِ، فأحاط بهم الجيش، وظفر أسطول
المسلمين
(16/381)
بأسطولهم، وَغنمُوا مَرَاكِبَهُم، وَبَقِيَ
الفَرنسيس فِي خَمْس مائَة فَارِسٍ وَخُذِلَ، فَطَلبَ
الطّوَاشِي رشيد وَسَيْف الدِّيْنِ القيمرِي،
فَأَتَوْهُ، فَطَلبَ أَمَاناً، فَأَمَّنَاهُ عَلَى
أَنْ لاَ يَمرُّوا بِهِ بَيْنَ النَّاس، وَهَرَبَ
جُمْهُوْرِ الفِرَنْج، وَتَبِعَهُم العَسْكَر، وَبقوا
جُمْلَةً وَجُملَةً حَتَّى أُبِيْدت خَضْرَاؤُهُم،
حَتَّى قِيْلَ: نَجَا مِنْهُم فَارِسَانِ، ثُمَّ
غَرِقَا فِي البَحْر! وَغنم المُسْلِمُوْنَ مَا لا
يعبر عنه.
أَنْبَأَنِي الخَضِرُ بنُ حَمُّوَيْه، قَالَ: لَوْ
أَرَادَ ملكهُم لنجَا عَلَى فَرَسِهِ وَلَكِنَّهُ
حَمَى سَاقيه، فَأُسر هُوَ وَجَمَاعَة مُلُوْك
وَكُنُوْد، فَأُحْصِي الأَسرَى فَكَانُوا نَيِّفاً
وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَغَرِقَ وَقُتِلَ سَبْعَة
آلاَف، وَكَانَ يَوْماً مَا سَمِعَ المُسْلِمُوْنَ
بِمِثْلِهِ، وَمَا قُتِلَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ نَحْو
المائَة، وَاشْتَرَى الفرنسيسُ نَفْسه بِرَدِّ
دِمْيَاط وَبِخَمْس مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ.
وَجَاءَ كِتَابُ المُعَظَّم، وَفِيْهِ فِي أَول
السّنَة ترك العَدُوّ خِيَامهُم، وَقَصَدُوا
دِمْيَاطَ، فَعملَ السَّيْفُ فِيهِم عَامَّةَ
اللَّيْلِ، وَإِلَى النَّهَار، فَقَتَلنَا مِنْهُم
ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً غَيْرَ مَنْ أَلقَى نَفْسَهُ فِي
المَاء، وَأَمَّا الأَسرَى فَحَدِّثْ عَنِ البَحْرِ
وَلاَ حَرَجَ.
وَفِي أَوَاخِرِ المُحَرَّم قتلُوا المُعَظَّم.
وَفِيْهَا اسْتولَى صَاحِب حَلَب عَلَى دِمَشْقَ،
ثُمَّ سَارَ ليَأْخُذَ مِصْرَ، وَهَزَمَ
المِصْرِيّينَ، ثُمَّ تَنَاخَوْا وَهَزَمُوْهُ
وَقتلُوا نَائِبَهُ.
وَاستولَى لُؤْلُؤٌ عَلَى جَزِيْرَةِ ابْنِ عُمَرَ،
وَقُتِلَ مَلِكُهَا فِي سَنَةِ تِسْعٍ.
وَفِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ: أَغَارتِ التَّتَارُ عَلَى
مَيَّافَارِقِيْنَ وَسروج، وَعَلَيْهِم كشلوخَان
المَغُلِي.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ: أَخَذَ
المُسْلِمُوْنَ صَيْدَا، وَهَرَبَ أَهْلُهَا إِلَى
قَلعَتِهَا.
وَفِيْهَا قَدَمت بِنْتُ عَلاَءِ الدِّيْنِ صَاحِب
الرُّوْم، فَدَخَلَ بِهَا صَاحِبُ دِمَشْقَ الْملك
النَّاصِرُ، فَكَانَ عُرْساً مَشْهُوْداً وَعُملت
القِبَابُ، وَكَانَ الخُلْفُ وَاقِعاً بَيْنَ
النَّاصِرِ وَبَيْنَ صَاحِبِ مِصْرَ المُعِزِّ، ثم بعد
مدة وقع الصلح.
وَفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ: كَانَ ظُهُوْرُ
الآيَةِ الكُبْرَى -وَهِيَ النَّارُ- بِظَاهِرِ
المَدِيْنَةِ النَّبَوِيَّةِ وَدَامت أَيَّاماً
تَأْكُل الحجَارَةِ، وَاسْتغَاثَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ
إِلَى اللهِ وَتَابُوا، وَبَكَوْا، وَرَأَى أَهْلُ
مَكَّةَ ضَوْءهَا مِنْ مَكَّةَ، وَأَضَاءتْ لَهَا
أَعْنَاقُ الإِبِل بِبُصْرَى، كَمَا وَعَدَ بِهَا
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِيْمَا صَحَّ عَنْهُ، وَكُسِفَ فِيْهَا الشَّمْسُ
وَالقَمَرُ، وَكَانَ فِيْهَا الغَرَقُ العَظِيْمُ
بِبَغْدَادَ، وَهَلَكَ خَلْقٌ مِنْ أَهْلِهَا،
وَتَهدَّمتِ البُيُوْتُ، وَطَفَحَ المَاء عَلَى
السُّوْر.
وَفِيْهَا: سَارَ الطَّاغِيَة هُوْلاَكُو بنُ تولي بن
جنكزخَان فِي مائَةِ أَلْفٍ، وافتتح حصن
(16/382)
الأَلموت، وَأَبَادَ الإِسْمَاعِيْلِيَّة،
وَبَعَثَ جَيْشاً عَلَيْهِم باجونَوِين، فَأَخذُوا
مَدَائِنَ الرُّوْمِ، وَذلَّ لَهُم صَاحِبهَا،
وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَفِيْهَا: كَانَ حَرِيْق مَسْجِدِ النَّبِيّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمِيْعِهِ فِي أَوَّلِ
رَمَضَانَ مِنْ مسرجَة القَيِّمِ، فَلله الأَمْرُ
كُلُّهُ.
وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ: مَاتَ صَاحِبُ
مِصْرَ الملك المعز أيبك التركماني، قتلته زوجته شجر
الدُّرِّ فِي الغِيْرَةِ، فَوُسِّطَت.
وَجَرَتْ فِتْنَةٌ مَهُولَةٌ بِبَغْدَادَ بَيْنَ
النَّاس وَبَيْنَ الرَّافِضَّةِ، وَقُتِلَ عِدَّة مِنَ
الفَرِيْقَيْنِ، وَعَظُمَ البَلاَءُ، وَنُهِبَ
الكَرْخُ، فَحنقَ ابْن العَلْقَمِيّ الوَزِيْرُ
الرَّافضِيُّ، وَكَاتَبَ هُوْلاَكُو، وَطَمَّعَهُ فِي
العِرَاق، فَجَاءت رُسُل هُوْلاَكُو إِلَى بَغْدَادَ،
وَفِي البَاطِنِ مَعَهُم فَرمَانَات لِغَيْرِ وَاحِدٍ،
وَالخَلِيْفَةُ لاَ يَدْرِي مَا يَتُم، وَأَيَّامُه
قَدْ وَلّت، وَصَاحِب دِمَشْق شَابٌّ غرٌّ جبَانٌ،
فَبَعَثَ وَلَدَهُ الطِّفْلَ مَعَ الحَافِظِيِّ
بِتقَادمٍ وَتُحَفٍ إِلَى هُوْلاَكُو، فَخَضَعَ لَهُ،
وَمِصْرُ فِي اضْطِرَابٍ بَعْدَ قَتلِ المُعِزِّ،
وَصَاحِبُ الرُّوْمِ قَدْ هَرَبَ إِلَى بِلاَدِ
الأَشكرِيِّ، فَتَمَرَّدَ هُوْلاَكُو وَتَجَبَّرَ،
وَاسْتَوْلَى عَلَى المَمَالِكِ، وَعَاثَ جُندُه
الكَفرَةُ يَقْتُلُوْنَ وَيَأْسرُوْنَ وَيَحرِقُوْنَ.
وَدَخَلتْ سَنَةُ سِتٍّ: فَسَارَ عَسْكَرُ النَّاصِرِ
وَعَلَيْهِم المُغِيْثُ ابْنُ صَاحِبِ الكَرَكِ
لِيَأْخذُوا مِصْرَ، فَالتقَاهُمُ المُظَفَّرُ قُطُزُ،
وَهُوَ نَائِبٌ لِلْمَنْصُوْرِ عَلِيٍّ وَلَدِ
المُعِزّ بِالرَّملِ، فَكَسَرهُم، وَأَسَرَ جَمَاعَةَ
أُمَرَاءَ، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُم.
وَأَمَّا هُوْلاَكُو، فَقصدَ بَغْدَادَ فَخَرَجَ
عَسْكَرُهَا إِلَيْهِ فَانكَسَرُوا، وَكَاتَبَ
لُؤْلُؤٌ صَاحِبُ المَوْصِلِ وَابْنُ صلاَيَا متولي
إربل والخليفة سِرّاً يَنْصَحَانِه، فَمَا أَفَادَ،
وَقُضِيَ الأَمْرُ، وَأَقْبَلَ هُوْلاَكُو فِي
المَغُوْلِ وَالتُّركِ وَالكُرْجِ وَمَددٍ مِنِ ابْنِ
عَمِّهِ بَرَكَةَ وَمَددٍ مِنْ عَسْكَرِ لُؤْلُؤٍ
عَلَيْهِم ابْنُه الملكُ الصَّالِحُ، فَنَزَلُوا
بِالجَانبِ الغَربِيِّ، وَأَنشَأَوا عَلَيْهِم سُوراً،
وَقِيْلَ: بَلْ أَتَى هُوْلاَكُو البلدَ مِنَ الجَانبِ
الشَّرْقِيِّ، فَأَشَارَ الوَزِيْرُ عَلَى
الخَلِيْفَةِ بِالمدَارَاةِ، وَقَالَ: أَخرُجُ
إِلَيْهِ أَنَا، فَخَرَجَ، وَاسْتوثَقَ لِنَفْسِهِ
وَردَّ، فَقَالَ: القَانُ رَاغِبٌ فِي أَنْ يُزوِّج
بِنْتَهُ بِابْنِكَ أَبِي بَكْرٍ، وَيُبْقَي لَكَ
مَنصِبَك كَمَا أَبْقَى صَاحِبَ الرُّوْم فِي
مَمْلَكتِه مِنْ تَحْتِ أَوَامرِ القَانِ، فَاخرُجْ
إِلَيْهِ، فَخَرَجَ فِي كُبَرَاءِ دَوْلَتِه
لِلنِّكَاحِ يَعْنِي، فَضَرَبَ أَعْنَاق الكُلِّ
بِهَذِهِ الخَديعَةِ، وَرُفِسَ المُسْتَعْصِمُ حَتَّى
تلف، وَبَقِيَ السَّيْفُ فِي بَغْدَادَ بَضْعَةً
وَثَلاَثِيْنَ يَوْماً، فَأَقلُّ مَا قِيْلَ: قُتلَ
بِهَا ثَمَانُ مائَةِ أَلْفِ نَفْسٍ، وَأَكْثَرُ مَا
قِيْلَ: بَلَغُوا أَلفَ أَلفٍ وَثَمَانِ مائَةِ
أَلْفٍ، وَجَرَتِ السُّيُولُ مِنَ الدِّمَاءِ،
فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ.
(16/383)
ثُمَّ بَعْدَ ذَهَابِ البلدِ وَمَنْ فِيْهِ
إلَّا اليَسِيْرَ، نُودِيَ بِالأَمَانِ، وَانعكسَ
عَلَى الوَزِيْرِ مَرَامُه، وَذَاقَ ذُلاًّ وَوَيلاً،
وَمَا أَمهلَهُ اللهُ.
وَمِنَ القَتْلَى مُجَاهِدُ الدِّيْنِ الدُّوَيْدَارُ
وَالشَّرَابِيُّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ أُسْتَاذُ
الدَّارِ، وَبَنُوهُ، وَقُتِلَ بَايْجُو نَوِيْنَ
نَائِبُ هولاكو، اتهمه بمكاتبة الخليفة، وَرجع
هُوْلاَكُو بِالسَّبْيِ وَالأَمْوَال إِلَى
أَذْرَبِيْجَانَ، فَنَزَلَ إِلَى خِدْمَتِه لُؤْلُؤٌ،
فَخلعَ عَلَيْهِ، وَردَّه إِلَى المَوْصِلِ، وَنَزَلَ
إِلَيْهِ ابْنُ صلاَيَا، فَضَرَبَ عُنُقَه، وَبَعَثَ
عَسْكَراً حَاصرُوا مَيَّافَارِقِيْنَ، وَبَعَثَ
رَسُوْلاً إِلَى النَّاصِرِ وَكِتَابُه: خِدْمَة ملك
نَاصِر طَالَ عُمُرُهُ إِنَّا فَتحنَا بَغْدَادَ،
وَاسْتَأْصلنَا مَلِكَهَا وَمُلْكَهَا وَكَانَ ظَنَّ
إِذْ ضنَّ بِالأَمْوَالِ وَلَمْ يُنَافس فِي
الرِّجَالِ أَن ملكه يَبْقَى عَلَى ذَلِكَ الحَال،
وَقَدْ علاَ قدرُه وَنَمَى ذِكْرُهُ، فَخُسف فِي
الكَمَال بَدرُه:
إِذَا تَمَّ أَمرٌ بَدَا نَقصُهُ ... تَوقَّعْ
زَوَالاً إِذَا قِيْلَ تَمّ
وَنَحْنُ فِي طَلَبِ الازْدِيَادِ عَلَى مَمرِّ
الآبَادِ، فَأَبدِ مَا فِي نَفْسِك، وَأَجِبْ دَعْوَةَ
ملكِ البَسيطَةِ تَأْمنْ شَرَّه، وَتَنَلْ بِرَّهُ،
وَاسْعَ إِلَيْهِ وَلاَ تُعوِّقْ رَسُوْلنَا
وَالسَّلاَمُ.
ذَكرَ جَمَالُ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ بنُ رَطْلَيْن
الحَنْبَلِيُّ، قَالَ: جَاءَ هُوْلاَكُو فِي نَحْوِ
مائَتَيْ أَلْفٍ، ثُمَّ طَلبَ الخَلِيْفَةَ، فَطَلَعَ
مَعَهُ القُضَاةُ وَالأَعيَانُ فِي نَحْوٍ مِنْ سَبْعِ
مائَةِ نَفْسٍ، فَمُنعُوا، وَأُحضرَ الخَلِيْفَةُ
وَمَعَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ كَانَ أَبِي مِنْهُم،
وَضَرَبَ رِقَابَ سَائِرِ أُوْلَئِكَ، فَأُنْزِلَ
الخَلِيْفَةُ فِي خَيمَةٍ وَالسَّبْعَةَ عَشَرَ فِي
خَيمَةٍ، قَالَ أَبِي: فَكَانَ الخَلِيْفَةُ يَجِيْءُ
إِلَيْنَا فِي اللَّيْلِ، وَيَقُوْلُ: ادعُوا لِي،
قَالَ: فَنَزَلَ عَلَى خَيمَتِه طَائِرٌ، فَطَلَبَهُ
هُوْلاَكُو، فَقَالَ: أَيش عَملُ هَذَا الطَّائِرِ؟
وَمَا قَالَ لَكَ? ثُمَّ جَرَتْ لَهُ مُحَاوَرَةٌ
مَعَهُ، وَأَمرَ بِهِ وَبِابْنِه أَبِي بَكْرٍ،
فَرُفِسَا حَتَّى مَاتَا، وَأَطلَقُوا السَّبْعَةَ عشر
وأعطوهم نشابة، فقتل منهم اثنان، وَأَتَى البَاقُوْنَ
دُورَهُم فَوَجَدُوهَا بَلاَقعَ، فَأَتيتُ أَبِي
المغيثية، فَوَجَدتُه مَعَ رِفَاقِه، فَلَمْ
يَعرِفْنِي أَحَدٌ مِنْهُم، وَقَالُوا: مَا تُرِيْدُ?
قُلْتُ: أُرِيْدُ فَخْرَ الدِّيْنِ ابْنَ رَطْلَيْن،
وَقَدْ عَرَفْتُهُ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَقَالَ: مَا
تُرِيْدُ مِنْهُ? قُلْتُ: أَنَا وَلدُهُ، فَنَظَرَ
فَلَمَّا تَحَقَّقنِي، بَكَى وَكَانَ مَعِي قَلِيْلُ
سِمْسِمٍ فَتركتُه بَيْنَهُم.
وَعَمِلَ ابْنُ العَلْقَمِيِّ عَلَى تَركِ
الجُمُعَاتِ، وَأَنْ يَبنِيَ مَدْرَسَةً عَلَى
مَذْهَبِ الرَّافِضَّةِ، فما بلغ أمله، وأقيمت
الجمعيات.
وَحَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: كَانَ قَدْ مَشَى حَالُ
الخَلِيْفَةِ بِأَنْ يَكُوْنَ لِلتَّتَارِ نِصْفُ
دَخْلِ العِرَاقِ، وَمَا بَقِيَ شَيْءٌ، أَنْ يَتم
ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ العَلْقَمِيّ: بَلِ المَصْلحَةُ
قَتْلُه، وَإِلاَّ فَمَا يَتم لَكُم مُلك العِرَاق.
(16/384)
قُلْتُ: قَتلُوْهُ خنقاً. وَقِيْلَ:
رَفساً. وَقِيْلَ: غمّاً فِي بِسَاطٍ، وَكَانُوا
يُسمُّونَهُ: الأَبْلَهَ.
وَأَنْبَأَنِي الظَّهِيْرُ الكَازَرُوْنِيُّ فِي
"تَارِيْخِهِ": أَنَّ المُسْتَعْصِمَ دَخَلَ بَغْدَادَ
بَعْدَ أَنْ خَرَجَ إِلَى هُوْلاَكُو، فَأَخَرَجَ لَهُ
الأَمْوَالَ، ثُمَّ خَرَجَ فِي رَابِعِ صَفَرٍ،
وَبُذِلَ السَّيْفُ فِي خَامِسِ صَفَرٍ.
قَالَ: وَقُتِلَ المُسْتَعْصِمُ بِاللهِ يَوْم
الأَرْبعَاء رَابِعَ عَشَرَ صَفَرٍ، فَقِيْلَ: جُعِلَ
فِي غرَارَةٍ وَرُفس إِلَى أَنْ مَاتَ -رَحِمَهُ
اللهُ، وَدُفِنَ وَعُفِي أَثره، وَقَدْ بلغَ سِتّاً
وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
قَالَ: وَقُتِلَ ابْنَاهُ أَحْمَدُ وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ، وَبَقِيَ وَلدُهُ مُبَارَكٌ، وفاطمة،
وخديجة، ومريم في أسر التتار.
قُلْتُ: وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ إِلَى اليَوْمِ
بِأَذْرَبِيْجَانَ، وَانقطعتِ الإِمَامَةُ
العَبَّاسِيَّةُ ثَلاَثَ سِنِيْنَ وَأَشْهُراً
بِمَوْتِ المُسْتَعْصِمِ، فَكَانَتْ دَوْلَتُهُم مِنْ
سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، إِلَى
سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، فَذَلِكَ
خَمْسُ مائَةٍ وَأَرْبَعٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً، وَللهِ
الأَمْرُ.
(16/385)
5803- الجواد
1:
السُّلْطَانُ المَلِكُ الجَوَادُ مُظَفَّرُ الدِّيْنِ
يُوْنُسُ بنُ مَمْدُوْدٍ ابْنِ السُّلْطَانِ المَلِكِ
العَادِلِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَيُّوْبَ الأَيُّوْبِيُّ.
نَشَأَ فِي خِدمَةِ عَمِّهِ الكَامِلِ، فَوَقَعَ
بَيْنَهُمَا، فَتَأَلَّمَ، وَجَاءَ إِلَى عَمِّهِ
المعظم، فأكرمه، ثم عاد إلى مصر، وأصلح هُوَ
وَالكَامِلُ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ الأَشْرَفُ، جَاءَ
الكَامِلُ وَمَعَهُ هَذَا، ثُمَّ مَاتَ الكَامِلُ،
فَمَلَّكُوا الجَوَادَ دِمَشْقَ.
وَكَانَ جَوَاداً مُبَذِّراً لِلْخَزَائِن، قَلِيْلَ
الحَزْمِ، وَفِيْهِ مَحبَّةٌ لِلصَّالحينَ، وَالتفَّ
حَوْلَهُ ظَلَمَةٌ، ثُمَّ تَزَلْزَلَ أَمرُهُ،
فَكَاتَبَ الملكَ الصَّالِحَ أَيُّوْبَ ابْنَ
الكَامِلِ صَاحِبَ سِنْجَارَ وَغَيْرَهَا، فَبَادَرَ
إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُ دِمَشْقَ وَعَوَّضَهُ
بِسِنْجَارَ وَعَانَةَ فَخَابَ البَيْعُ، فَذَهَبَ
إِلَى الجَزِيْرَةِ، فَلَمْ يَتِمَّ لَهُ أَمرٌ،
وَأُخِذت منه سِنْجَارُ، وَبَقِيَ فِي عَانَة
حَزِيناً، فَتركهَا وَمَضَى إِلَى بَغْدَادَ فَبَاع
عَانَةَ لِلمُسْتَنْصِر بِمَالٍ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى
الملكِ الصَّالِح أَيُّوْبَ فَمَا أَقْبَل عَلَيْهِ،
وَهَمَّ بِاعْتقَالِه فَفَرَّ إِلَى الكَرَكِ،
فَقَبَضَ عَلَيْهِ النَّاصِرُ، ثُمَّ هَرَبَ مِنْ
مَخَالِيبِهِ، فَقَدم على صاحب دمشق يومئذ الصلاح
إِسْمَاعِيْلَ عَمِّه، فَمَا بشَّر بِهِ،
وَتَرَاجَمَتْهُ الأَحْوَالُ، فَقصدَ الفِرَنْجِيَّ
ملكَ بَيْرُوْتَ، فَأَكرمُوْهُ وَحضر مَعَهُم وَقْعَةَ
قلنسوَةَ مِنْ عَملِ نَابُلُسَ، قتلُوا بِهَا أَلفَ
مُسْلِم -نَعُوذ بِاللهِ مِنَ الْمَكْر وَالخزي، ثُمَّ
تَحَيَّل عَمُّه الصَّالِح إِسْمَاعِيْل عَلَيْهِ،
وَذَهَبَ إِلَيْهِ ابْن يغمور، فَخدعه، وَجَاءَ
فَقَبَضَ عَلَيْهِ الصَّالِح، فَسَجَنَهُ بِعَزّتَا.
وَقِيْلَ: إِنَّ الجَوَادَ لَمَّا تَسَلطنَ، التَقَى
هُوَ وَالنَّاصِرُ دَاوُدُ بِظهْر حِمَار، فَانْهَزَم
دَاوُدُ، وَأَخَذَ الجَوَادُ خَزَائِنه، وَدَخَلَ
دَارَ المُعَظَّم الَّتِي بِنَابُلُسَ، فَاحتَوَى
عَلَى مَا فِيْهَا، وَكَانَ بِمِصْرَ قَدْ تَمَلَّكَ
العَادلُ وَلدُ الكَامِلِ، فَنفذ يَأْمر الجَوَادَ
بِردِّ بِلاَده إِلَيْهِ، وَأَنْ يردّ إِلَى دِمَشْقَ،
فَرَدَّ إِلَيْهَا، وَدَخَلَهَا فِي تَجمُّلٍ زَائِدٍ،
وَزَيَّنُوا البَلَد، وَكَانَ يُخطبُ لَهُ بَعْد
ذِكْرِ العَادلِ ابْنِ عَمِّهِ، مَضَى هَذَا، ثُمَّ
إِنَّ الفِرَنْج أَلَحُّوا عَلَى الصَّالِحِ، وَكَانَ
مُصَافِياً لَهُم، فِي إِطلاَقِ الجَوَادِ، وَقَالُوا:
لاَ بُدَّ لَنَا مِنْهُ، وَكَانَتْ أُمُّه
إِفرَنْجيَةً -فِيْمَا قِيْلَ، فَأَظهر لَهُم أَنَّهُ
قَدْ تُوُفِّيَ، فَقِيْلَ: خَنَقهُ فِي شَوَّالٍ
سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ،
وَحُمِلَ، فَدُفِنَ عِنْدَ المُعَظَّمِ بِسَفحِ
قَاسِيُوْنَ، سامحه الله تعالى.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 348"، وشذرات الذهب
"5/ 212".
(16/385)
صاحب تونس، صاحب
الغرب:
5804- صاحب تونس:
المَلِكُ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى ابْنُ الأَمِيْرِ
عَبْدِ الواحد ابن الشيخ عمر الهنتاني، الموحدي.
كَانَ أَبُوْهُ متولِّياً لِمَدَائِنِ إِفْرِيْقِيَةَ
لآلِ عَبْدِ المُؤْمِنِ، فَمَاتَ وَوَلِيَ بَعْدَهُ
الأَمِيْرُ عَبُّو، فَولِي مُدَّةً، ثُمَّ تَوثَّب
عَلَيْهِ يَحْيَى هَذَا، وَاسْتَوْلَى عَلَى
إِفْرِيْقِيَة وَتَمَكَّنَ، وَامتدت دَوْلَته بِضْعاً
وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَاشْتَغَل عَنْهُ بَنُوْ عَبْد
المُؤْمِنِ بِأَنْفُسِهِم، وَقَوِيَ أَيْضاً عَلَيْهِم
يَغَمْرَاسَنُ صَاحِبُ تِلِمْسَانَ.
مَاتَ الْملك يَحْيَى بِمدينَةِ بُوْنَةَ مِنْ
إِفْرِيْقِيَة، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. وَقِيْلَ: بَعْدَ
ذَلِكَ سَنَةَ تِسْعٍ.
وَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ ابْنه. وَهِيَ مَمْلَكَةٌ
كَبِيْرَةٌ فِي قدرِ مَمْلَكَةِ اليَمَن بَلْ أَكْبَر،
وَعَسْكَره نَحْوٌ مِنْ سَبْعَةِ آلاَفِ فَارِسٍ،
وَسُلْطَانهَا اليَوْمَ هُوَ أَبُو بَكْرٍ
الهَنْتَانِيُّ أَحَد الشُّجعَانِ مُصَالِحٌ
لِلسُّلْطَانِ أَبِي الحَسَنِ المريني ومصاهر له.
5805-صاحب الغرب 1:
السُّلْطَانُ السَّعِيْدُ، وَيُقَالُ لَهُ:
المُعْتَضِدُ بِاللهِ، -عَلِيُّ ابن المأمون إدريس بن
يعقوب المؤمني. تَملَّكَ المَغْرِبَ سَنَةَ
أَرْبَعِيْنَ بَعْدَ أَخِيْهِ الرَّشِيْدِ عَبْدِ
الوَاحِدِ، وَكَانَ أَسوَدَ الجِلدَةِ.
قُتِلَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، فَقَامَ بَعْدَهُ المُرْتَضَى عُمَرُ
بنُ أَبِي إِبْرَاهِيْمَ بنِ يُوْسُفَ الَّذِي خَرَجَ
عَلَيْهِ أَبُو دَبوس، وَقتلَه سنة خمس وسين وست مائة.
قال ابن خالكان: سَارَ السَّعِيْدُ، وَحَاصَرَ
قَلْعَةً بِقُرْبِ تِلِمْسَانَ، وَقُتِلَ هناك على ظهر
جواده.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ 17، 18"،
وشذرات الذهب "5/ 236".
(16/386)
5806- الملك
الصالح 1:
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ المَلِكُ الصَّالِحُ نَجْمُ
الدِّيْنِ أَبُو الفُتُوْحِ أَيُّوْبُ ابْنُ
السُّلْطَانِ المَلِكِ الكَامِلِ مُحَمَّدِ ابْنِ
العَادِلِ، وَأُمُّه جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ اسْمهَا
"وَرْدُ المنى".
مَوْلِدُه سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ،
بِالقَاهِرَةِ.
وَنَاب عَنْ أَبِيْهِ لَمَّا جَاءَ لِحصَارِ
النَّاصِرِ دَاوُدَ، فَلَمَّا رَجَعَ انتقدَ أَبُوْهُ
عَلَيْهِ أَشيَاءَ، وَمَالَ عَنْهُ إِلَى وَلَدِهِ
الآخِر العَادلِ، فَلَمَّا اسْتولَى الكَامِل عَلَى
آمدَ وَحصنِ كَيْفَا وَسِنْجَارَ سَلْطَنَ نَجْمَ
الدِّيْنِ، وَجَعَلَهُ عَلَى هَذِهِ البِلاَد،
فَبَقِيَ بِهَا إِلَى أَنْ جَاءَ وَتَمَلَّكَ
دِمَشْقَ، ثُمَّ ساق إلى الغور فَوَثَبَ عَلَى
دِمَشْقَ عَمُّه إِسْمَاعِيْل فَأَخَذَهَا، وَنَزَلَ
عَسْكَر الكَرَكِ، فَأَحَاطُوا بِالصَّالِحِ،
وَأَخَذوهُ إِلَى الكَرَكِ، ثُمَّ ذهب بِهِ النَّاصِرُ
لَمَّا كَاتَبَهُ الأُمَرَاءُ الكَامِليَّةُ
فَعَزَلُوا أَخَاهُ العَادلَ وَمَلَّكُوهُ، وَرَجَعَ
النَّاصِر بِخُفَّي حُنَيْنٍ.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: كَانَ لاَ يَجتمعُ بِالفُضَلاَءِ
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُشَاركَةٌ، بِخلاَفِ أَبِيْهِ،
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ اصطَلَحَ
الصَّالِحُ وَعَمُّه الصَّالِحُ عَلَى أَنَّ دِمَشْقَ
لِعَمِّه، وَأَنْ يُقيم هُوَ وَالحَلَبِيُّوْنَ
وَالحِمْصيون الخُطبَة لِلصَّالح نَجْمِ الدِّيْنِ،
وَأَنْ يُبعَثَ إِلَيْهِ وَلدُهُ الملكُ المُغِيْثُ
وَابْنُ أَبِي عَلِيٍّ وَمُجِيْرُ الدِّيْنِ ابْنُ
أَبِي زكرِي، فَأَطلَقهُم عَمُّه، وَاتَّفَقتِ
المُلُوْكُ عَلَى عَدَاوَةِ صَاحِبِ الكَرَكِ،
وَبَعَثَ إِسْمَاعِيْلُ جَيْشاً يُحَاصرُوْنَ
عَجلُوْنَ، وَهِيَ بِيَدِ النَّاصِرِ، ثُمَّ انْحلَّ
ذَلِكَ لِورقَةٍ وَجَدَهَا إِسْمَاعِيْلُ مِنْ
أَيُّوْبَ إِلَى الخُوَارِزْمِيَّةِ يَحَثُّهُم علَى
المَجِيْءِ لِيُحَاصرُوا عَمَّه، فَحَبَسَ حِيْنَئِذٍ
المُغِيْثَ وَصَالَحَ صَاحِبَ الكَرَكِ، وَاتَّفَقَ
مَعَ صَاحِبِ حِمْصَ وَصَاحِبِ حَلَبَ وَاعتضدَ
بِالفِرَنْجِ، فَأَقْبَلَ المِصْرِيُّونَ عَلَيْهِم
بِيْبَرْسُ الصَّالِحيُّ البُنْدُقْدَارُ الكَبِيْرُ
الَّذِي قَتلَه أُسْتَاذُه، وأعطى إسماعيل الفرنج بيت
المقدس، وعمروا طبريا وَعَسْقَلاَنَ، وَوضَعَتِ
الرُّهبَانُ قَنَانِي الخَمْرِ عَلَى الصَّخْرَةِ،
وأبطل الأذان بِالحَرَمِ، وَعَدَّت الخُوَارِزْمِيَّةُ
الفُرَاتَ فِي عَشْرَةِ آلاَفٍ، فَمَا مَرُّوا
بِشَيْءٍ إلَّا نَهبُوْهُ، وَأَقْبَلُوا، فَهَرَبتِ
الفِرَنْجُ مِنْهُم مِنَ القُدْسِ، فَقَتلُوا عِدَّةً
مِنَ النَّصَارَى، وَهَدمُوا قُمَامَةَ، وَنَبشُوا
عِظَامَ الموتَى، وَجَاءتْهُ الخِلَعُ وَالنَّفقَةُ
مِنْ مِصْرَ، ثُمَّ سَارَ عَلَى الشَّامِيّينَ
المَنْصُوْرُ صَاحِبُ حِمْصَ، وَوَافَتْهُ الفِرَنْجُ.
قَالَ المَنْصُوْرُ: لَقَدْ قَصَّرتُ يَوْمَئِذٍ،
وَعرفتُ أَنَّنَا لاَ نُفلِحُ بِالنَّصَارَى،
فالَتَقَوْا. قَالَ: فَانْهَزَمَ الشَّامِيُّوْنَ،
ثُمَّ جَاءَ جَيْشُ السُّلْطَانِ نَجْمِ الدِّيْنِ،
وَعَلَيْهِم مُعِيْنُ الدين ابن
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 361"، وشذرات الذهب
لابن العماد "5/ 237".
(16/387)
الشَّيْخِ، وَمَعَهُ خِزَانَةُ مَالٍ
فَنَازَلُوا دِمَشْقَ مُدَّةً، ثُمَّ أُخِذَتْ
بِالأَمَانِ لِقلِّةِ مَنْ مَعَ صَاحِبِهَا،
وَلِمُفَارقَةِ الحَلَبِيِّينَ لَهُ، فَتَرَكَهَا
وَذَهَبَ إِلَى بَعْلَبَكَّ، وَحَصلَ
لِلْخُوَارِزْمِيَةِ إِدلاَلٌ، وَطَمِعُوا فِي كِبَارِ
الأَخبَازِ، فَلَمْ يَصِحَّ مَرَامُهُم، فَغَضِبُوا،
وَنَابَذُوا، ثُمَّ حَلَفُوا لإِسْمَاعِيْلَ، وَجَاءَ
تَقلِيدُ الخِلاَفَةِ لِلسُّلْطَانِ بِمِصْرَ
وَالشَّامِ وَالشَّرْقِ وَلَبِسَ العِمَامَةَ
وَالجُبَّةَ السَّوْدَاءَ. ثُمَّ إِنَّ الصَّالِحَ
إِسْمَاعِيْلَ كَرَّ بِالخُوَارِزْمِيَّةِ إِلَى
دِمَشْقَ وَنَازَلَهَا وما بها كبير عسكر، فكان
بالقلعة رشد الخَادِمُ، وَبِالمَدِيْنَةِ حُسَامُ
الدِّيْنِ ابْنُ أَبِي عَلِيٍّ، فَقَامَ بِحِفظِهَا
وَاشتَدَّ بِهَا القَحطُ حَتَّى أَكَلُوا الجِيَفَ،
حَتَّى قِيْلَ: إِنَّ رَجُلاً مَاتَ فِي الحَبْسِ،
فَأَكلُوْهُ. وَجَرَتْ أُمُوْرٌ مُزعجَةٌ، ثُمَّ
التَقَى الحَلَبِيُّوْنَ وَالخُوَارِزْمِيَّةُ،
فَكُسرَتِ الخُوَارِزْمِيَّةُ، وَقُتِلَ خَلْقٌ
مِنْهُم، وَفَرَّ إِسْمَاعِيْلُ إِلَى حَلَبَ،
فَبَعَثَ السُّلْطَانُ يَطلبُهُ مِنْ صَاحِبِهَا
الملكِ النَّاصِرِ يُوْسُفَ، فَقَالَ: كَيْفَ يَلِيقُ
أَنْ يَلتَجِئَ إِلَيَّ خَالُ أَبِي؟! فَأَسلمَه،
سَارَ عَسْكَرٌ، فَأَخذُوا بَعْلَبَكَّ مِنْ أَوْلاَدِ
إِسْمَاعِيْلَ، وَبُعِثَوا تَحْتَ الحَوطَةِ إِلَى
مِصْرَ وَأَمِيْنُ الدَّوْلَةِ الوَزِيْرُ وَابْنُ
يَغْمُوْرَ، فَحُبِسُوا، وَصَفتِ البِلاَدُ
لِلسُّلْطَانِ، وَبَقِيَ صَاحِبُ الكَرَكِ
كَالمَحْصُوْرِ، ثُمَّ رَضِي السُّلْطَانُ عَنْ فَخْرِ
الدِّيْنِ ابْنِ الشَّيْخِ، وَأَطلَقَه وَجَهَّزَه فِي
جَيْشٍ، فَاسْتولَى عَلَى بِلاَدِ النَّاصِرِ،
وَخَرَّبَ قُرَى الكَرَكِ وَحَاصَرَه، وَقَلَّ نَاصِرُ
النَّاصِرِ، فَعَمِلَ تِيْكَ القَصيدَةَ البَدِيْعَةَ
يُعَاتِبُ السُّلْطَانَ:
قُلْ لِلَّذِي قَاسَمْتُهُ مُلْكَ اليَدِ ...
وَنَهَضْتُ فِيْهِ نَهْضَةَ المُتَأَسِّدِ
عَاصَيْتُ فِيْهِ ذَوِي الحجَى مِنْ أُسرتِي ...
وَأَطَعْتُ فِيْهِ مَكَارِمِي وَتَوَدُّدِي
يَا قَاطِعَ الرَّحِمِ الَّتِي صِلَتِي بِهَا ...
كُتِبَتْ عَلَى الفَلَكِ الأَثِيْرِ بِعَسْجَدِ
إِنْ كُنْتَ تَقدَحُ فِي صرِيح منَاسبِي ... فَاصْبِرْ
بِعرضكِ لِلَّهِيبِ المُرصَدِ
عَمِّي أَبُوْكَ وَوَالِدِي عَمٌّ بِهِ ... يَعلو
انتسَابُك كُلّ ملْك أَصْيدِ
صَالاَ وَجَالاَ كَالأُسْوَدِ ضَوَارِياً ... وَارتد
تيَّارُ الفُرَاتِ المُزْبِدِ
دَعْ سَيْفَ مِقولِيَ البَلِيْغَ يَذُبُّ عَنْ ...
أَعْرَاضِكُم بِفِرَنْدِهِ المُتَوَقِّدِ
فَهُوَ الَّذِي قَدْ صَاغَ تَاجَ فَخَارِكُم ...
بِمُفصَّلٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدِ
يَا مُحرجِي بِالقَوْلِ وَاللهِ الَّذِي ... خضعتْ
لِعزَّتِه جِباهُ السُّجَّدِ
لَوْلاَ مَقَالُ الهُجْرِ مِنْكَ لَمَا بَدَا ...
مِنِّي افْتخَارٌ بِالقرِيضِ المُنْشَدِ
إِنْ كُنْتُ قُلْتُ خِلاَفَ مَا هُوَ شِيمتَي ...
فَالحَاكِمُوْنَ بِمَسْمَعٍ وَبِمَشْهَدِ
(16/388)
ثُمَّ طَلبَ السُّلْطَانُ حُسَامَ
الدِّيْنِ، وَاسْتنَابَه بِمِصْرَ، وَبَعَثَ عَلَى
دِمَشْقَ جَمَالَ الدِّيْنِ ابْنَ مَطْرُوْحٍ،
وَقَدِمَ الشَّامَ، فَجَاءَ إِلَى خِدْمَتِه صَاحِبُ
حَمَاةَ المَنْصُوْرُ صَبِيٌّ وَصَاحِبُ حِمْصَ،
وَرَجعَ إِلَى مِصْرَ مُتَمرِّضاً، وَأَعدمَ العَادِلُ
أَخَاهُ سِرّاً، وَلَهُ ثَمَانٍ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً،
وَحَصلَ لَهُ قَرحَةٌ، وَمَرِضَ فِي أُنْثَيَيْهِ،
ثُمَّ جَاءَ إِلَى دِمَشْقَ عَلِيلاً فِي مِحَفَّةٍ
لَمَّا بَلَغه أَنَّ الحَلَبيينَ أَخَذُوا حِمْصَ،
فَبَلَغَهُ حَركَةُ الفِرَنْجِ لِقَصدِ دِمْيَاطَ،
فَرُدَّ فِي المحفة، ثم خيم بِأَشْمُوْنَ، وَأَقْبَلتِ
الفِرَنْجُ مَعَ ريْذَا فرنس، فَأُملِيَتْ دِمْيَاطُ
بِالذَّخَائِرِ، وَأُتْقِنت الشَّوَانِي، وَنَزَلَ
فَخْرُ الدِّيْنِ ابْنُ الشَّيْخِ بِالجَيْشِ عَلَى
جِيْزَةِ دِمْيَاطَ وَأَرسَتْ مَرَاكِبُ الفِرَنْجِ
تلقَاءهُم فِي صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ،
ثُمَّ طَلعُوا وَنَزَلُوا فِي البِرِّ مَعَ
المُسْلِمِيْنَ وَوَقَعَ قِتَالٌ، فَقُتِلَ الأَمِيْرُ
ابْنُ شَيْخِ الإِسْلاَمِ، وَالأَمِيْرُ
الوَزِيْرِيُّ، فَتحوَّلَ الجَيْشُ إِلَى البَرِّ
الشَّرْقِيِّ الَّذِي فِيْهِ دِمْيَاطُ، ثُمَّ
تَقَهقَرُوا وَوَقَعَ عَلَى أَهْلِ دِمْيَاطَ خِذلاَنٌ
عَجِيبٌ، فَهَرَبُوا مِنْهَا طُولَ اللَّيْلِ، حَتَّى
لَمْ يَبْقَ بِهَا آدَمِيٌّ، وَذَلِكَ بِسُوءِ
تَدبِيْرِ ابْنِ الشَّيْخِ، هَرَبُوا لَمَّا رَأَوْا
هَرَبَ العَسْكَرِ، وَعَرفُوا مَرضَ السُّلْطَانِ،
فَدَخَلَتْهَا الفِرَنْجُ بِلاَ كُلفَةٍ، مَمْلُوْءةً
خَيْرَاتٍ وَعُدَّةً وَمَجَانِيْقَ، فَلَمَّا عَلِمَ
السُّلْطَانُ غَضبَ وَانزعجَ وَشَنقَ مِنْ
مُقَاتِلِيهَا سِتِّيْنَ، وَردَّ فَنَزَلَ
بِالمَنْصُوْرَةِ فِي قَصْرِ أَبِيْهِ وَنُودِيَ
بِالنَّفِيرِ العَامِ، فَأَقْبَلَ خَلاَئِقُ مِنَ
المُطوّعَةِ، وَنَاوَشُوا الفِرَنْجَ، وَأُيِسَ مِنَ
السُّلْطَانِ. وَأَمَّا الكَرَكُ فَذَهَبَ النَّاصِرُ
إِلَى بَغْدَادَ فَسَارَ وَلدُه الأَمْجَدُ إِلَى
بَابِ السُّلْطَانِ وَسَلَّمَ الكَرَكَ إِلَيْهِ
فَبَالغَ السُّلْطَانُ فِي إِكرَامِ أَوْلاَدِ
النَّاصِرِ وَأَقطَعَهُم بِمِصْرَ.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: كَانَ الملكُ الصَّالِحُ نجم
الدين عزيز النفس أبيها، عفيفًا، حيبًا، طَاهِرَ
اللِّسَانِ وَالذَّيْلِ، لاَ يَرَى الهَزلَ وَلاَ
العَبَثَ، وَقُوْراً، كَثِيْرَ الصَّمْتِ، اقْتَنَى
مِنَ التُّركِ ما لم يشتره ملك، حتى صاروا مُعْظَمَ
عَسْكَرِهِ، وَرَجَّحَهُم عَلَى الأَكرَادِ وَأَمَّرَ
مِنْهُم، وَجَعَلَهُم بِطَانَتَه وَالمُحِيطِيْنَ
بِدِهلِيزِه، وَسَمَّاهُمُ البَحْرِيَّةَ.
قُلْتُ: لِكَوْنِ التُّجَّارِ جَلَبُوهُم فِي البَحْرِ
مِنْ بِلاَدِ القَفْجَاقِ.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: حَكَى لِي حُسَامُ الدِّيْنِ
ابْنُ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّ هَؤُلاَءِ المَمَالِيْكَ
مَعَ فَرطِ جَبَروتِهِم وَسَطوتِهِم، كَانُوا أَبلغَ
مَنْ يَهَابُ السُّلْطَانَ، وَإِذَا خَرَجَ يُرعدُوْنَ
مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقعْ مِنْهُ فِي حَالِ
غَضِبِه كَلمَةٌ قَبِيحَةٌ قَطُّ، وَأَكْثَرُ مَا
يَقُوْلُ: يَا مُتَخَلِّفُ، وَكَانَ كَثِيْرَ البَاهِ
بِجَوَارِيه، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِي الآخِرِ
سِوَى زَوْجَتَينِ الوَاحِدَةُ شَجَرُ الدُّرِّ،
وَالأُخْرَى بِنْتُ العَالِمَةِ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ
مَمْلُوْكِهِ الجُوْكَنْدَارِ، وَكَانَ إِذَا سَمِعَ
الغِنَاءَ لَمْ يَتَزعزَعْ، لاَ هُوَ وَلاَ مَنْ فِي
مَجْلِسِهِ، وَكَانَ لاَ يَسْتَقلُّ أَحَدٌ مِنَ
الكِبَارِ فِي دَوْلَتِه بِأَمرٍ، بَلْ يُرَاجع مَعَ
الخُدَّامِ بِالقصص، فَيوقِّعُ هُوَ مَا يَعتمِدُهُ
كُتَّابُ الإِنشَاءِ، وَكَانَ يُحبُّ أَهْلَ الفَضْلِ
وَالدِّيْنِ، يُؤثرُ العُزلَةَ وَالانْفِرَادَ، لَكِنْ
لَهُ نهمَةٌ فِي لَعِبِ الكُرَةِ، وَفِي
(16/389)
إنشاء البنية العَظِيْمَةِ. وَقِيْلَ:
كَانَ لاَ يَجْسُرُ أَحَدٌ أَنْ يُخَاطِبَه ابْتدَاءً.
وَقِيْلَ: كَانَ فَصِيْحاً، حَسَنَ المُحَاوَرَةِ
عَظِيْمَ السَّطوَةِ، تَعَلَّلَ وَوقَعَتِ الآكلَةُ
فِي فَخِذِه، ثُمَّ اعتَرَاهُ إسهالٌ، فَتُوُفِّيَ
لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ بقَصْرِ المَنْصُوْرَة
مُرَابِطاً، فَأَخفَوْا مَوْتَه، وَأَنَّهُ عَليلٌ
حَتَّى أَقدمُوا ابْنَه المَلِكَ المُعَظَّمَ
تُوْرَانْشَاهَ مِنْ حِصْنِ كَيْفَا، ثُمَّ نُقلَ،
فَدُفِنَ بِتُربَتِهِ بِالقَاهِرَةِ، وَكَانَ بَنُوْ
شَيْخِ الشُّيُوْخِ قَدْ تَرقَّوا لَدَيه، وَشَارَكوهُ
فِي المَمْلَكَةِ، وَقَدْ غَضِبَ مُدَّةً عَلَى فَخْرِ
الدِّيْنِ يُوْسُفَ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ وَصَيَّرَهُ
نَائِبَ السَّلْطنَةِ؛ لِنُبلِهِ، وَكَمَالِ
سُؤْدُدِهِ، وَكَانَ جَوَاداً مُحَبَّباً إِلَى
النَّاسِ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَتَنَاوَلُ
النَّبِيذَ.
وَلَمَّا مَاتَ السُّلْطَانُ عُيِّنَ فَخْرُ الدِّيْنِ
لِلسَّلطنَةِ فَجَبُنَ ونهض بأعباء الأُمُوْرِ،
وَسَاسَ الجَيْشَ، وَأَنفقَ فِيهِم مائَتَيْ أَلْفِ
دينار، وأحضر توارنشاه، وسلطنه. ويقال: إن تورانشاه هم
بقتله. واتفق حَركَةُ الفِرَنْجِ وَتَأَخُّرُ
العَسَاكِرِ، فَرَكِبَ فَخْرُ الدِّيْنِ فِي
السَّحَرِ، وَبَعَثَ خَلفَ الأُمَرَاءِ لِيَركَبُوا،
فَسَاقَ في طلبه فدهمه طلب الداوية، فَحَملُوا
عَلَيْهِ فَتفلَّلَ عَنْهُ أَجنَادُه، وَطُعنَ،
وَقُتِلَ، وَنَهبتْ غِلمَانُه أَمْوَالَه وَخَيلَه،
فَرَاحَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ.
قَالَ ابْنُ عَمِّهِ سَعْدُ الدِّيْنِ: كَانَ
الضَّبَابُ شَدِيداً فَطُعنَ وَجَاءتْه ضَربَةُ سَيْفٍ
فِي وَجْهِهِ، وَقُتِلَ مَعَهُ جَمْدَارُه وَعِدَّةٌ،
وَتَرَاجَعَ المُسْلِمُوْنَ فَأَوقَعُوا بِالفِرَنْجِ،
وَقَتَلُوا مِنْهُم أَلْفاً وَسِتَّ مائَةِ فَارِسٍ،
ثُمَّ خَنْدَقَتِ الفِرَنْجُ عَلَى نُفُوْسِهِم.
قَالَ: وَأُخربَتْ دَارُ فَخْرِ الدِّيْنِ
لِيَوْمِهَا، وَبِالأَمسِ كَانَ يَصطفُّ عَلَى
بَابِهَا عصَائِبُ سَبْعِيْنَ أَمِيْراً. قُتِلَ: فِي
رَابِعِ ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ، وَلَهُ خمس
وستون سنة.
(16/390)
5807- المعظم
1:
السلطان الملك المعظم غياث الدين توارنشاه ابْنُ
السُّلْطَانِ المَلِكِ الصَّالِحِ أَيُّوْبَ ابْنِ
الكَامِلِ ابن العادل.
وُلِدَ بِمِصْرَ، وَعَمِلَ نِيَابَةَ أَبِيْهِ، ثُمَّ
تَمَلَّكَ بِحِصنِ كَيْفَا، وَآمدَ، وَتِلْكَ
البِلاَدِ، وَكَانَ أَبُوْهُ لاَ يَختَارُ أَنْ
يَجِيْءَ لَمَّا مَلكَ مِصْرَ، كَانَ لاَ يُعجبُه
هَوَجُهُ وَلاَ طَيشُه، سَارَ لإِقدَامِه الأَمِيْرُ
الفَارِسُ أَقْطَاي، وَسَافَرَ بِهِ يَتحَايدُ
مُلُوْكَ الأَطرَافِ فِي نَحْوٍ مِنْ خَمْسِيْنَ
فَارِساً عَلَى الفُرَاتِ وَعَانَةَ، ثُمَّ عَلَى
أَطرَافِ السَّمَاوَةِ، وَعَطِشُوا فَدَخَلَ دِمَشْقَ،
وَزُيِّنتْ لَهُ، ثُمَّ سَارَ مِنْهَا بَعْدَ شَهرٍ،
فَاتَّفَقتْ كَسرَةُ الفِرَنْجِ عِنْدَ وُصُوْلِه،
وَتَيمَّنَ النَّاسُ بِهِ، فَبدَا مِنْهُ حَركَاتٌ
منفرة، وترك بحصن كيفا ابنه
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 364-372"، وشذرات
الذهب "5/ 241، 242".
(16/390)
الملكَ المُوَحِّدَ صَبِيّاً، فَطَالَ
عُمُرُه، وَاسْتَولَتِ التَّتَارُ عَلَى الحصنِ،
فَبقِيَ فِي مَمْلَكَةٍ صَغِيرَةٍ حَقِيرَةٍ مِنْ
تَحْتِ يَدِ التَّتَارِ إِلَى بَعْدَ السَّبْعِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ لِي تَاجُ الدِّيْنِ الفَارِقِيُّ: عَاشَ
إِلَى بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ، وَتُوُفِّيَ بَعْدَهُ
ابْنُه -يَعْنِي الملكَ الكَامِلَ ابْنَ المُوَحِّدِ-
الَّذِي قَتلَه قَازَانُ سَنَةَ سَبْعِ مائَةٍ،
وَأُقيمَ بَعْدَهُ ابْنُه الصَّالِحُ فِي رُتْبَةِ
جُندِيٍّ، وَكَانَ السُّلْطَانُ يَقُوْلُ: توارنشاه
مَا يَصلُحُ لِلمُلكِ. وَكَانَ حُسَامُ الدِّيْنِ
ابْنُ أَبِي عَلِيٍّ يَلحُّ عَلَيْهِ فِي إِحضَارِه،
فَيَقُوْلُ: أُحضِرُه لِيَقتلُوْهُ، فَكَانَ كَمَا
قَالَ.
قَالَ ابْنُ حَمُّوَيْه سَعْدُ الدِّيْنِ: لَمَّا
قَدِمَ، طَالَ لِسَانُ كل خامل. وَوجدُوْهُ خَفِيفَ
العَقْلِ سَيِّئَ التَّدْبِيْرِ، وَقَعَ بِخُبزِ
فَخْرِ الدِّيْنِ لِلاَلاَهُ جَوْهَرٍ، وَتطلَّع
الأُمَرَاء إِلَى أَنْ يُنفق فِيهِم كَمَا فَعلَ
بِدِمَشْقَ، فَمَا أَعْطَاهُم شَيْئاً، وَكَانَ لاَ
يَزَالُ يَتحرَّكُ كتفُه الأَيْمَنُ مَعَ نِصْفِ
وَجهِه، وَيُكثر الولَعَ بِلِحيتِهِ، ومتى سكر ضرب
الشموع بسيف، ويقال: هَكَذَا أَفْعَلُ بِمَمَالِيْكِ
أَبِي، وَيَتَهَدَّدُ الأُمَرَاءَ بِالقَتلِ،
فَتَنكَّرُوا لَهُ، وَكَانَ ذَكيّاً، قَوِيَّ
المُشَاركَةِ، يَبحثُ، وَيَنْقلُ.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: كَانَ يَكُوْنُ عَلَى
السِّمَاطِ بِدِمَشْقَ، فَإِذَا سَمِعَ فَقِيْهاً
يَنقلُ مَسْأَلَةً صَاحَ: لاَ نُسَلِّمْ. وَاحتجبَ
عَنْ أُمُوْرِ النَّاسِ وَانْهَمَكَ فِي الفَسَادِ
بِالغِلمَانِ وَمَا كَانَ أَبُوْهُ كَذَلِكَ،
وَيُقَالُ: تَعرَّضَ لِسرَارِي أَبِيْهِ، وَقَدَّمَ
أَرذَال، وَوعد أَقطَاي بِالإِمْرَةِ فَمَا أَمَّرَه،
فَغَضِبَ، وَكَانَتْ شَجَرُ الدُّرِّ قَدْ ذَهَبتْ
مِنَ المَنْصُوْرَةِ إِلَى القَاهِرَةِ، فَمَا وَصلَ
بَقِيَ يَتهدَّدُهَا وَيُطَالبُهَا بِالأَمْوَالِ،
فَعَامَلتْ عَلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ فِي المُحَرَّمِ
سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَبَ عَلَيْهِ بَعْضُ
البَحرِيَّةِ عَلَى السماط فضربه على يديه، قطع
أَصَابعَه، فَقَامَ إِلَى البُرْجِ الخَشَبِ، وَصَاحَ:
مَنْ فَعَلَ هَذَا? قَالُوا: إِسْمَاعِيْلِيٌّ، قَالَ:
لاَ وَاللهِ بَلْ مِنَ البَحْرِيَّةِ، وَاللهِ
لأُفْنِيَنَّهُم، وَخَاطَ المُزَيِّنُ يَدَه
فَقَالُوا: بُتُّوهُ وَإِلاَّ رُحنَا، فَشدُّوا
عَلَيْهِ فَطَلَعَ إِلَى أَعْلَى البُرجِ، فَرَمَوُا
البُرجَ بِالنفطِ وبالنشاب فَرمَى المِسْكِيْنُ
بِنَفْسِهِ، وَعدَا إِلَى النِّيلِ وَهُوَ يَصيحُ: مَا
أُرِيْدُ المُلكَ خَلُّونِي أَرجعْ إِلَى الحِصْنِ يَا
مُسْلِمِيْنَ أَمَا فِيْكُم مَنْ يَصْطَنِعُنِي؟!
فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَد، وَتعلّقَ بِذَيلِ أَقطَاي
فَمَا أَجَارَه وَعَجِزَ، فَنَزَلَ فِي المَاءِ إِلَى
حَلقِهِ، فَقُتِلَ فِي المَاءِ.
وَكَانَ قَدْ نَزَلَ بِحِصْنِ كيفا ولده.
(16/391)
الملك الموحد عبد
الله، الملك الصالح، الفارس أقطاي، المعز:
5808- المَلِكُ المُوَحِّدُ عَبْدُ اللهِ:
وَهُوَ مُرَاهِقٌ فَتَمَلَّكَ حِصنَ كَيْفَا مُدَّةً،
وَجَاءهُ عِدَّةُ أَوْلاَدٍ.
قَالَ لِي تَاجُ الدِّيْنِ الفَارِقِيُّ: رَأَيْتهُ
مَربُوعاً، وَكَانَ شُجَاعاً، وَهُوَ تَحْتَ أَوَامرِ
التَّتَارِ، تُوُفِّيَ بَعْدَ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ ابْنٌ تَمَلَّكَ بَعْدَهُ
بِالحِصنِ.
قُلْتُ: وَلقَّبُوهُ بِالمَلِكِ الكَامِلِ، وَبَقِيَ
إلى حدود سنة سبع مائة، ومات.
ابْنُهُ:
5809- المَلِكُ الصَّالِحُ:
فِي رُتْبَةِ جُندِيٍّ وَالأَمْرُ لِلتَّتَارِ، ثُمَّ
إِنَّ هَذَا قَدِمَ الشَّامَ، وَذَهَبَ إِلَى خدمَةِ
السُّلْطَانِ، فَمَا أُكرِمَ، ثُمَّ ردَّ إِلَى حِصنِ
كَيْفَا فَتلقَّاهُ أَخٌ لَهُ ثُمَّ جَهَّزَ عَلَيْهِ
مَنْ قَتَلَه، وَقُتِلَ وَلدُه، وَأَخَذَ مَوْضِعَه
فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَسَبْعِ مائَةٍ، نعم.
وَأَمَّا المُعَظَّمُ المَقْتُولُ فَأُخْرِجَ مِنَ
المَاءِ وَتُرِكَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مُلقَىً حَتَّى
انتفخَ. بَاشرَ قَتْلَهُ أَرْبَعَةٌ، ثُمَّ خطبُوا
لأُمِّ خَلِيْلٍ شَجَرِ الدُّرِّ. وَقِيْلَ: ضَربَه
البُنْدُقْدَارِيُّ بِالسَّيْفِ، وَقِيْلَ: اسْتغَاثَ
بِرَسُوْلِ الخَلِيْفَةِ: يَا عَمِّي عِزَّ الدِّيْنِ
أَدْرِكْنِي. فَجَاءَ، وَكَلَّمَهُم فِيْهِ،
فَقَالُوا: ارْجِعْ، وَتَهَدَّدُوْهُ، ثُمَّ بَعْد
أَيَّامٍ سَلطَنُوا المُعِزَّ التُّرُكْمَانِيَّ.
وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ أَيْضاً قُتلَ صَاحِبُ اليَمَنِ
السُّلْطَانُ نُوْرُ الدِّيْنِ عُمَرُ بنُ رَسُوْلٍ
التُّرُكْمَانِيُّ؛ قَتلَه غِلمَانُه، وَسَلطَنُوا
ابْنَه الملكَ المُظَفَّرَ يُوْسُفَ بنَ عُمَرَ،
فَدَام فِي الملكِ بِضْعاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً،
وَفِي شَعْبَانِهَا: هُدِمتْ أَسوَارُ دِمْيَاطَ
وَعَادتْ كَقَرْيَةٍ.
وَأَمَّا:
5810- الفَارِسُ أَقْطَايُ:
فَعظم، وَصَارَ نَائِبَ المَمْلَكَة لِلمعزِّ وَكَانَ
بطلًا شجاعًا جوادًا، ملح الشَّكلِ، كَثِيْرَ
التَّجَمُّلِ، أُبيعَ بِأَلفِ دِيْنَارٍ، وَأَقطع مِنْ
جُمْلَة إِقطَاعِهِ الإِسْكَنْدَرِيَّة، وَكَانَ
طَيَّاشاً، ظلُوْماً، عَمَّالاً عَلَى السّلطنَةِ،
بَقِيَ يَرْكُب فِي دست الْملك، وَلاَ يَلتفت عَلَى
المُعِزّ، وَيَأْخذ مَا شَاءَ مِنَ الخَزَائِن،
بِحَيْثُ إِنَّهُ قَالَ: اخْلُوا لِي القَلْعَة حَتَّى
أَعمل عُرسَ بِنْت صَاحِب حَمَاة بِهَا، فَهَيَّأَ
لَهُ المُعِزّ مَمْلُوْكَه قُطُزَ فَقَتَلَهُ، فَرَكبت
حَاشيته نَحْو السَّبْع مائَة فَأُلْقِيَ إِلَيْهِمُ
الرَّأْس وَذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ
وَخَمْسِيْنَ وست مائة.
5811- المعز 1:
السُّلطَانُ الملكُ المُعِزُّ عِزُّ الدُّنْيَا
وَالدِّيْنِ أَيْبَكُ التركماني، الصالحي، الجاشنكير،
صاحب مصر.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "7/ 3-41"، وشذرات الذهب
لابن العماد "5/ 267".
(16/392)
لَمَّا قَتلُوا المُعَظَّم، وَخطبُوا
لأُمِّ خَلِيْل أَيَّاماً، وَكَانَتْ تُعَلِّم عَلَى
المنَاشير، وَتَأْمُر وَتَنْهَى، وَيُخطَبُ لها
بالسلطنة.
وكان المعز أكبر الصالحة، وكان دينًا، وعاقلًا،
سَاكِناً، كَرِيْماً، تَارِكاً لِلشرب. مَلَّكوهُ فِي
أَواخِرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ ثَمَانٍ،
وَتَزَوَّجَ بِأُمِّ خَلِيْلٍ، فَأَنِفَ مِنْ
سَلطَنَتِه جَمَاعَةٌ، فَأَقَامُوا فِي الاسْم الملك
الأشرف موسى ابن النَّاصِرِ يُوْسُفَ ابْنِ
المَسْعُوْدِ أَطسزَ ابْنِ السُّلْطَانِ الملكِ
الكَامِلِ وَلَهُ عشر سِنِيْنَ، وَذَلِكَ بَعْد
خَمْسَة أَيَّام، فَكَانَ التَّوقيع يَبرزُ
وَصُوْرتُه: رُسِمَ بِالأَمْرِ العَالِي السُّلطَانِي
الأَشْرَفِيِّ وَالمَلِكِيِّ المُعِزِّيِّ.
وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ وَالأُمُوْر بِيَدِ المُعِزِّ،
وَكَاتَبَ عِدَّةٌ المُغِيْثَ الَّذِي بِالكَرَكِ،
وَأَخَذُوا فِي الخُطبَة لَهُ، فَقَالَ المُعِزّ:
نَادُوا أَنَّ الدِّيَار المِصْرِيَّة لِمَوْلاَنَا
المُسْتَعْصِمِ بِاللهِ، وَأَنَّ المَلِكَ المُعِزَّ
نَائِبُهُ، ثُمَّ جُدِّدَتِ الأَيْمَانُ، وَفَاجَأَهُم
صَاحِبُ الشَّام الْملك النَّاصِرُ الحَلَبِيّ،
فَالتَقَوا، وَكَادَ النَّاصِر أَنْ يَملِكَ،
فَتنَاختِ الصَّالِحيَّةُ، وَحَمَلُوا فَكَسَرُوهُ،
وَذَبَحُوا نَائِبَه لُؤْلُؤاً وَجَمَاعَةً.
وَكَانَ فِي المُعِزِّ تَؤُدَةٌ وَمُدَارَاةٌ، بَنَى
مَدْرَسَةً كَبِيْرَة، ثم إنه خطب ابنة بَدْرِ
الدِّيْنِ صَاحِبِ المَوْصِلِ، فَغَارتْ أُمُّ
خَلِيْلٍ فَقَتَلَتْهُ فِي حَمَّامٍ، وَثَبَ عَلَيْهِ
سَنْجَرُ الجوجرِي وَخدَّام، فَأَمسكُوا عَلَى بيضِهِ
فَتَلِفَ، وَقُطعتْ هِيَ نِصْفَيْنِ، وَقِيْلَ: بَلْ
خُنِقَت وَلَمْ تُوسط، وَرُمِيت مَهتُوكَةً، وَصُلِب
الجوجرِي وَالخدَام وَمَلَّكُوا وَلده الْملك
المَنْصُوْر عَلِيَّ بنَ أَيْبَكَ وَلَهُ خَمْسَ
عَشْرَةَ سَنَةً، وَصَيَّرُوا أَتَابَكَهُ عَلَمَ
الدِّيْنِ الحَلَبِيَّ.
عَاشَ المعز نيفًا وخمسين، سنة وَقُتِلَ فِي رَبِيْعٍ
الأَوَّلِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ.
وَكَانَتْ شَجَرُ الدُّرِّ أُمُّ خَلِيْلٍ أُمَّ
وَلَدٍ لِلصَّالِحِ ذَاتُ حُسنٍ وَظَرْفٍ وَدَهَاء
وَعَقْلٍ، وَنَالت مِنَ العِزِّ وَالجَاهِ مَا لَمْ
تَنَلْه امْرَأَةٌ فِي عَصرهَا، وَكَانَ مَمَالِيْك
الصَّالِح يَخضعُوْنَ لَهَا وَيَرَوْنَ لَهَا،
فَملَّكُوهَا بَعْد قَتْلِ المُعَظَّمِ أَزْيَدَ مِنْ
شَهْرَيْنِ، وَكَانَ المُعِزُّ لاَ يقطع أمرًا دونها
ولها عليه صولة، كانت جرِيئَةً وَقِحَةً قَتَلَت
وَزِيْرَهَا الأَسْعَدَ وَقَدْ وَلَدَت بِالكَرَكِ
مِنَ الصَّالِحِ خَلِيْلاً، فَمَاتَ صَغِيراً، وَكَانَ
الصَّالِحُ يُحبُّهَا كَثِيْراً، وَكَانَتْ تَحْتجِرُ
عَلَى المُعِزِّ فَأَنِفَ مِنْ ذَلِكَ. قِيْلَ: لَمَّا
تَيقَّنَتِ الهَلاَكَ، أَخَذَتْ جَوَاهرَ مُثمَّنَةً
وَدَقَّتْهَا فِي الهَاونِ.
وَلَمَّا قَتلُوا الفَارِسَ أَقطَاياً، تَمَكَّنَ
المُعِزُّ، وَاسْتقَلَّ بِالسَّلطنَةِ، وعزل الملك
الأشرف، وأبطل ذكره، وبعث به إِلَى عَمَّاتِه
القُطبِيَّاتِ، وَدَافَعَ مَمَالِيْكُ الصَّالِحِ عَنْ
شَجَرِ الدُّرِّ، فَلَمْ تُقتَلْ إلَّا بَعْدَ
اثْنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ يَوْماً، فَقُتِلَتْ وَرُمِيتْ
مَهتُوكَةً. وَقِيْلَ: خُطِبَ لَهَا ثَلاَثَةُ
أَشْهُرٍ، وَكَانَ المَنْصُوْرُ وَأُمُّه يُحرِّضَانِ
عَلَى قَتلِهَا، فَقُتِلتْ فِي حَادِي عَشَرَ رَبِيْعٍ
الآخِرِ، بَعْد مَقْتَلِ المُعِزِّ بِدُوْنِ
الشَّهْرِ، وَدُفِنتْ بتربتها، بقرب قبر السيد نفيسة.
وقيل: إنها أودعت أَمْوَالاً كَثِيْرَةً فَذَهَبت.
وَكَانَتْ حَسَنَةَ السِّيْرَةِ، لَكِن هَلَكتْ
بِالغِيرَةِ، وَكَانَ الخُطَبَاءُ يَقُوْلُوْنَ:
وَاحفَظِ اللَّهُمَّ الحُرمَةَ الصَّالِحَةَ مَلِكَةَ
المُسْلِمِيْنَ عِصْمَةَ الدُّنْيَا وَالدِّيْنِ أُمَّ
خَلِيْلٍ المُسْتَعْصِمِيَّةَ صَاحِبَةَ السُّلْطَانِ
الملكِ الصَّالِحِ.
وَأَمَّا المَنْصُوْرُ عَلِيٌّ فَعُزلَ وَتَمَلَّكَ
قُطزُ الَّذِي كسر التتار، فبعث بعلي وبأخيه قليج إلى
بِلاَد الأَشكرِي، فَحَدَّثَنِي سَيْف الدِّيْنِ قليج
هَذَا أَنْ أَخَاهُ تَنصَّرَ بِقُسْطَنْطِيْنِيَّةَ
وَتَزَوَّجَ وَجَاءته أَوْلاَدٌ نَصَارَى، وَعَاشَ
إِلَى نَحْوِ سَنَةِ سَبْعِ مائَةٍ، وسمي نفسه
ميخائيل.
قلت: نعوذ باله مِنَ الشَّقَاءِ، فَهَذَا بَعْدَ
سَلْطَنَةِ مِصْرَ كَفَرَ وتعثر.
(16/393)
المظفر، الكامل:
5812- المظفر 1:
السُّلْطَانُ الشَّهِيْدُ المَلِكُ المُظَفَّرُ سَيْف
الدِّيْنِ قُطُزُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُعِزِّيُّ.
كَانَ أَنبل مَمَالِيْك المُعِزّ، ثُمَّ صَارَ نَائِب
السّلطنَة لوَلَده المَنْصُوْر. وَكَانَ فَارِساً
شُجَاعاً، سَائِساً، دَيِّناً، مُحبَّباً إِلَى
الرَّعِيَّةِ. هَزَمَ التَّتَار، وَطَهَّرَ الشَّام
مِنْهُم يَوْم عَينِ جَالُوت، وَهُوَ الَّذِي كَانَ
قَتَلَ الفَارِس أَقطَاي فَقُتل بِهِ، وَيَسْلَمُ لَهُ
إِنْ شَاءَ اللهُ جِهَادُهُ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ ابْنُ
أُخْتِ خُوَارِزْم شَاه جَلاَلِ الدِّيْنِ، وَإِنَّهُ
حُرٌّ وَاسْمُهُ مَحْمُوْد بن ممدود.
وَيُذكر عَنْهُ أَنَّهُ يَوْم عين جَالُوت لَمَّا أَن
رَأَى انكشَافاً فِي المُسْلِمِيْنَ رَمَى عَلَى رأسه
الخوذة وحمل، ونزل النصر.
وكان شبًا أشقر، وافر الحية، تَامّ الشّكل، وَثَبَ
عَلَيْهِ بَعْض الأُمَرَاء وَهُوَ رَاجع إِلَى مِصْرَ
بَيْنَ الغُرَابِي وَالصَّالِحيَّة، فَقُتل فِي
سَادِسَ عَشَرَ ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ
وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَمْ يَكملْ سَنَةً
فِي السلطنة رحمه الله.
5813- الكامل:
المَلِكُ الكَامِلُ الشَّهِيْدُ نَاصِرُ الدِّيْنِ
مُحَمَّدُ ابنُ المَلِكِ المُظَفَّرِ شِهَابِ
الدِّيْنِ غَازِي ابْنِ السُّلْطَانِ الملكِ العَادلِ
أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ.
تَملَّكَ مَيَّافَارِقِيْنَ وَغَيْرهَا بَعْد أَبِيْهِ
سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَكَانَ شَابّاً،
عَاقِلاً شُجَاعاً، مَهِيْباً، مُحسناً إِلَى
رَعيَّتِهِ مُجَاهِداً، غَازِياً دَيِّناً تَقيّاً
حَمِيْدَ الطريقة، حاصره عسكر
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "7/ 72-89"، وشذرات الذهب
لابن العماد "5/ 293".
(16/394)
هُولاَكو نَحْواً مِنْ عِشْرِيْنَ شَهْراً
حَتَّى فَنِي النَّاسُ جُوعاً وَوبَاء، حَتَّى لَمْ
يَبْقَ بِالبَلَدِ سِوَى سَبْعِيْنَ رَجُلاً -فِيْمَا
قِيْلَ، فَحَدَّثَنِي الشَّيْخ مَحْمُوْد بن عَبْدِ
الكَرِيْمِ الفَارِقِيّ، قَالَ:
سَار الكَامِل إِلَى قِلاعٍ بِنوَاحِي آمدَ
فَأَخَذَهَا، ثُمَّ نَقل إِلَيْهَا أَهْلَه، وَكَانَ
أَبِي فِي خِدْمَتِه، فَرحلَ بِنَا إِلَى قَلْعَةٍ
مِنْهَا، فَعبرتِ التَّتَار عَلَيْنَا، فَاسْتَنْزلُوا
أَهْل الْملك الكَامِل بِالأَمَان مِنْ قَلْعَة
أُخْرَى، وَردُّوا بِهِم عَلَيْنَا، وَأَنَا صَبِيّ
مُمِيِّز، وَحَاصرُوا مَيَّافَارِقِيْن أَشْهُراً،
فَنَزَلَ عَلَيْهِم الثَّلج، وَهَلَكَ بَعْضهُم،
وَكَانَ الكَامِل يَبرزُ إِلَيْهِم وَيُقَاتِلهُم،
وَيُنْكِي فِيهِم فَهَابُوهُ، ثُمَّ بَنَوا عَلَيْهِم
سُوراً بإزاء البلد، بأبرجة، ونفذت الأَقوَات، حَتَّى
كَانَ الرَّجُلُ يَموت فَيُؤكل، وَوَقَعَ فِيهِمُ
المَوْتُ، وَفتر عَنْهُم التَّتَارُ وَصَابَرُوهُم،
فَخَرَجَ إِلَيْهِم غُلاَم أَوْ أَكْثَر وَجَلَوْا
لِلتَّتَارِ أَمرَ البَلَدِ، فَمَا صَدَقُوا، ثُمَّ
قَربُوا مِنْ السُّورِ وَبَقوا أَيَّاماً لاَ
يَجسرُوْنَ عَلَى الْهُجُوم، فَدلَى إِلَيْهِم
مَمْلُوْك لِلْكَامِل حِبالاً، فَطَلعُوا إِلَى
السُّوْرِ فَبَقُوا أُسبوعاً لاَ يَجسرُوْنَ، وَبَقِيَ
بِالبَلَدِ نَحْوُ التِّسْعِيْنَ بَعْد أُلوف مِنَ
النَّاسِ، فَدَخَلتِ التَّتَارُ دَارَ الكَامِل
وَأَمَّنوهُ، وَأَتَوا بِهِ هُولاَكو بِالرُّهَا،
فَإِذَا هُوَ يَشرب الخَمْر، فَنَاول الكَامِلَ
كَأْساً فَأَبَى وَقَالَ هَذَا حَرَامٌ، فَقَالَ
لامْرَأَتِهِ: نَاوِلِيهِ فناولته فأبى وشتم وبصق
-فيما قبل- فِي وَجهِ هُولاَكو. وَكَانَ الكَامِل
مِمَّنْ سَارَ قَبْل ذَلِكَ وَرَأَى القَانَ
الكَبِيْرَ، وَفِي اصطِلاَحِهِم مَنْ رَأَى وَجه
القَان لاَ يُقتل، فَلَمَّا وَاجه هُولاَكو بِهَذَا
اسْتشَاط غضباً وَقَتَلَهُ.
ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ الكَامِلُ شَدِيدَ البَأْسِ،
قَوِيَّ النَّفْسِ، لَمْ يَنقهر لِلتَّتَارِ بِحَيْثُ
إِنَّهُم أَخَذُوا أَوْلاَده مِنْ حِصنِهِم، وَأَتَوهُ
بِهِم إِلَى تَحْتَ سُورِ مَيَّافَارِقِيْنَ،
وَكلَّمُوْهُ أَنْ يُسلِّم البَلَد بِالأَمَان
فَقَالَ: مَا لَكُم عِنْدِي إلَّا السَّيْف.
قُلْتُ: طِيفَ بِرَأْسِهِ بِدِمَشْقَ بِالطُّبولِ،
وَعُلِّق عَلَى بَابِ الفَرَادِيْسِ، فلما انقلعوا،
وجاء المظفر دفن الرَّأْس. وَكَانَ فِي سَنَةِ سِتٍّ
وَخَمْسِيْنَ قَدِمَ دِمَشْق مُسْتنجداً بِالنَاصِر
فَبَالغ فِي إِكرَامه وَاحترَامِه، وَوعدَه
بِالإِنجَادِ، وَرجع إِلَى مَيَّافَارِقِيْنَ وَقُتِلَ
فِي سنة ثمان وخمسين رحمه الله.
(16/395)
العزيز، الملك
المحسن، الناصر:
5814- العزيز 1:
السُّلْطَانُ الْملك العَزِيْز غِيَاث الدِّيْنِ
مُحَمَّد ابْنُ السُّلْطَانِ الملكِ الظَّاهِرِ ابْنِ
السُّلْطَانِ الكَبِيْرِ صَلاَحِ الدين.
ملَّكوهُ حَلَب بَعْد أَبِيْهِ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَع
سِنِيْنَ، وَجَعَلَ أَتَابَكَهُ الطّوَاشِيَّ
طُغْرِيْلَ، فَأَجَاز ذَلِكَ السُّلْطَان الْملك
العَادل، لِمَكَانِ بِنْتِهِ الصَّاحبَةِ ضيفَة أُمّ
العَزِيْز، وَكَانَ شَابّاً عَادِلاً شَفوقاً عَلَى
الرَّعِيَّةِ مُتودِّداً لاَ بَأْسَ بِهِ.
تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَملكُوا بَعْدَهُ
ابْنَةَ النَّاصِر.
وَفِيْهَا مَاتَ بِحَلَبَ عمه:
5815- الملك المحسن 2:
المُحَدِّثُ الزَّاهِدُ العَالِم يَمِيْن الدِّيْنِ
أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ السُّلْطَان يُوْسُف
بن أَيُّوْبَ.
حَدَّثَ عَنْ ابْنِ صَدَقَة الحَرَّانِيّ، وَهِبَة
اللهِ البُوْصِيْرِيّ، وَحَنْبَل، وَخَلْق، وَنسخ
وَقَرَأَ وَحصل، وَكَانَ صَحِيْح- النَّقْل،
مُتَوَاضِعاً، مفضلاً عَلَى أَهْلِ الحَدِيْثِ وَعَلَى
الرواية يَتجمَّل بِهِ المُحَدِّثُونَ، وَقَدِ
ارْتَحَلَ وَسَمِعَ بِمَكَّةَ من ابْن الحُصَرِيّ
وَابْنِ البَنَّاء، وَبِبَغْدَادَ مِنْ عَبْدِ
السَّلاَمِ الدَّاهِرِيِّ وَطَائِفَة.
قَالَ الضِّيَاء: حصل المُحْسِنُ الكَثِيْرَ، وَانتفعَ
الخَلقُ بِإِفَادَتِهِ، وَطَلَبَ الحَدِيْثَ عَلَى
وَجهِهِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ
ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ أَحَد شُيُوْخِهِ، وَمَجْد
الدِّيْنِ ابْن العَدِيْم، وَشيخُنَا سُنْقُر
الزَّيْنِي.
مَاتَ فِي المُحَرَّم، سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَبَقِيَ
أَخُوْهُ الصَّالِح أَحْمَد صَاحِب عَيْنتَابَ حيّاً
إِلَى سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، وَأُمُّه أم ولد.
5816- الناصر 3:
السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلاَحُ الدُّنْيَا
وَالدِّينِ يُوْسُفُ ابْنُ الملكِ العَزِيْزِ
مُحَمَّدِ ابنِ الملكِ الظَّاهِر غَازِي ابْنِ
السُّلْطَانِ صَلاَحِ الدِّيْنِ يُوْسُفَ بنِ
أَيُّوْبَ صَاحِبُ حَلَبَ وَدِمَشْقَ.
مَوْلِدُهُ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ.
وَملكه خالُه السُّلْطَان الْملك الكَامِل فِي سَنَةِ
أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ رِعَايَةً لأُخْتِهِ
الصَّاحِبَةِ جَدَّةِ النَّاصِرِ، فَدَبَّرَ
دَوْلَتَهُ المقر شمس الدين لؤلؤ الأميني، وإقبال،
والجمال القفطي الوزير،
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 297"، وشذرات الذهب
"5/ 168".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 298"، وشذرات الذهب
"5/ 162".
3 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1452"، والنجوم الزاهرة
"7/ 203"، وشذرات الذهب "5/ 299".
(16/396)
وَالأُمُوْرُ كُلَّهَا مَنُوطَة
بِالصَّاحبَةِ، وَتَوَجَّه رَسُوْلاً قَاضِي حَلَب
زَيْن الدِّيْنِ ابْن الأُسْتَاذ إِلَى الكَامِل
وَمَعَهُ سلاَح العَزِيْز وَعدته، فَحزن عَلَيْهِ
الكَامِل.
وَفِي سَنَة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ فِي رَبِيْعٍ
الآخِرِ نَازل السُّلْطَان دِمَشْق، فَفُتِحت لَهُ،
وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَجَعَلهَا دَار مُلكه، ثُمَّ
سَارع لِيَأْخذ مِصْر فَانْكَسَرَ، وَقُتِلَ نَائِبُه
لُؤْلُؤ.
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ: كَانَ عُرسُه
عَلَى بِنْت صَاحِب الرُّوْم وَأَولَدَهَا.
وَكَانَ جَوَاداً مُمَدَّحاً، حَسَنَ الأَخلاَقِ،
مَزَّاحاً، لَعَّاباً، كَثِيْر الحِلمِ، مُحِبّاً
لِلأَدبِ وَالعِلْم، وَفِي دَوْلَته انْحَلاَل
وَانخنَاث، لِعدمِ سَطوتِه، وَكَانَ يَمدُّ سِمَاطه
بَاهِراً مِنَ الدَّجَاج المحشِي وَيُذبح لَهُ فِي
اليَوْمِ أَرْبَعُ مائَة رَأْس، فَيَبِيعُ الفراشُوْنَ
مِنَ الزبَادِي الكِبَار الفَاخِرَة الأَطعمَة شَيْئاً
كَثِيْراً، بِحَيْثُ إِنَّ النَّاصِر زَار يَوْماً
العِزّ المُطَرِّز فَمدَّ لَهُ أَطعمَة فَاخِرَة
فَتعجب وَكَيْفَ تَهَيَّأَ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا خُوند
لاَ تَعجبْ فَكله مِنْ فَضلة سِمَاط السُّلْطَان أَيده
الله.
وَكَانَ السُّلْطَان يَحْفَظ كَثِيْراً مِنَ
النَّوَادر وَالأَشعَار، وَيُبَاسِط جُلَسَاءهُ،
وَقِيْلَ: رُبَّمَا غرم عَلَى السِّمَاط عِشْرِيْنَ
أَلْفاً. أَنْشَأَ مَدْرَسَتَهُ بِدِمَشْقَ،
وَحَضَرَهَا يَوْم التَّدرِيسِ، وَأَنشَأَ الرِّبَاط
الكَبِيْر، وَأَنشَأَ خَان الطّعْم، وَلَمَّا أَقْبَلت
التَّتَارُ، تَأَخَّر إِلَى قطيَا، ثُمَّ خَاف مِنَ
المِصْرِيّين، فَشرَّقَ نَحْو التِّيهِ، وَردَّ إِلَى
البلقَاء فَكَبَستْهُ التَّتَار فَهَرَبَ ثُمَّ
انْخَدَعَ وَاغترَّ بِأَمَانِهِم، فَذَهَبَ وَنَدِمَ،
وَبَقِيَ فِي هوَانٍ وَغُربَة، وهو وَأَخُوْهُ الْملك
الظَّاهِر. وَقِيْلَ: لَمَّا كَبسوهُ دَخَلَ البرِيَة
فَضَايقوهُ حَتَّى عَطش فَسَلَّمَ نَفْسه، فَأَتَوا
بِهِ إِلَى كَتْبُغَا وَهُوَ يُحَاصر عَجلُوْنَ
فَوَعَده وَكذبه وَسقَاهُ خَمراً، -وَقِيْلَ: أَكرمه
هولاَوَو مُدَّة، فَلَمَّا جَاءهُ قَتْلُ كتبغَا
انْزَعَجَ، وَأَخْرَج غَيْظه فِي النَّاصِر
وَأَخِيْهِ، فَيُقَالُ: قُتِلَ بِالسَّيْف بِتِبْرِيْز
رَمَاهُ بِسَهمٍ، وَضُربت عُنُق أَخِيْهِ وَجَمَاعَة
مِمَّنْ مَعَهُ فِي أَوَاخِرِ سَنَة ثَمَانٍ
وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَعَاشَ إِحْدَى
وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ. وَقِيْلَ:
إِنَّهُ مَا سلَّم نَفْسه إِلَى التَّتَارِ حَتَّى
بلغت عِنْدَهُ الشربَة مائَةَ دِيْنَارٍ.
ذكر قُطْب الدِّيْنِ: إِنَّ هُولاَكو لَمَّا سَمِعَ
بِهَزِيْمَةِ عَيْنِ جَالُوتَ غَضِبَ وَتَنَكَّرَ
لِلنَّاصِرِ، وَلَمَّا بَلَغَهُ وَقْعَةُ حِمْصَ
انزعجَ، وَقَتَلَهُ، وَقِيْلَ: خَصَّه بِعَذَابٍ
دُوْنَ رِفَاقه، وَلَهُ شعر جَيِّد.
قَالَ ابْنُ وَاصِل: عُمل عَزَاؤُه بِدِمَشْقَ فِي
جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ تِسْع، قَالَ: وَصُوْرَة
ذَلِكَ مَا تَوَاتر أَن هُوْلاَكُو لمَا بلغه كسرَة
جَيْشه بِعَيْنِ جَالُوتَ وَحِمْص، أَحضر النَّاصِرَ
وَأَخَاهُ وَقَالَ لِلتَّرْجَمَان: قل أَنْتَ زعمت
البِلاَد مَا فِيْهَا أَحَد وَهُم فِي طَاعتك حَتَّى
غَررت بِي، فَقَالَ النَّاصِر: هُم فِي طَاعتِي لَوْ
كُنْتُ هُنَاكَ، وَمَا كَانَ يشهر أَحَدٌ سَيْفاً،
أَمَّا مَنْ هُوَ بِتورِيز كَيْفَ
(16/397)
يَحكم عَلَى الشَّامِ? فَرمَاهُ هُولاَكو
بِسَهْمٍ أَصَابه، فَاسْتغَاث، فَقَالَ أَخُوْهُ:
اسكُتْ وَلاَ تَطلُبْ مِنْ هَذَا الكَلْبِ عَفْواً،
فَقَدْ حضرت، ثُمَّ رَمَاهُ بِسَهْمٍ آخرَ أَتلفَه،
وَضُربت عُنُق الظَّاهِر وَأَتْبَاعُهُمَا.
وَفِيْهَا قُتل السُّلْطَان قُطز بَعْد المَصَافّ
مائَة وصاحب الصُّبيبَة الْملك السَّعِيْد حَسَن ابْن
العَزِيْز عُثْمَان ابْن السُّلْطَان الْملك العَادل
تَملك الصُّبيبة بَعْد أَخِيْهِ الْملك الظَّاهِر
سَنَة إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْهُ
السُّلْطَان الْملك الصَّالِح بَعْد سِنِيْنَ،
وَأَعْطَاهُ خُبزاً بِمِصْرَ، فَلَمَّا قتلُوا
المُعَظَّم سَاق إِلَى غَزَّة، وَأَخَذَ مَا فِيْهَا،
ثُمَّ تَسَلَّمَ الصُّبَيبةَ، فَلَمَّا تَملَّك
النَّاصِرُ دِمَشْقَ، أَخَذَ السَّعِيْدَ، وَسَجَنَهُ
بِقَلْعَةِ إِلبِيْرَةَ، فَلَمَّا أَخَذَ أَصْحَابُ
هُولاَكُو إِلْبِيْرَةَ أَحضَرُوهُ مُقَيَّداً عِنْد
القَانِ، فَأَطلقه، وَخلعَ عَلَيْهِ بِسرَاقوج وَصَارَ
تَتَرِيّاً، فَردُّوا إِلَيْهِ الصُّبيبةَ، وَلاَزَمَ
خدمَة كَتبُغَا وَقَاتَلَ مَعَهُ يَوْم عَينِ جَالُوت،
ثُمَّ جَاءَ بِوَجْه بَسِيط إِلَى بَيْنَ يَدِي
قُطُزَ، فَأَمر بِضربِ عُنُقه فِي آخِرِ رمضان. وكان
بطلًا شجاعًا.
(16/398)
5817- الشلوبين
1:
الأُسْتَاذ العَلاَّمَة إِمَام النَّحْو أَبُو عَلِيٍّ
عُمَر بن مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الأَزْدِيّ
الإِشْبِيْلِيّ، الأَنْدَلُسِيّ، النحوي، الملقب
بالشلوبين.
وَالشَّلَوْبِيْنُ فِي لُغَة الأَنْدَلُسِيّين: هُوَ
الأَبيض الأَشْقَر.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ بإشبيلية.
سمع من: أبي بكر ابن الجلد، وأبي عبد الله بن زرقون،
وأبي محمد ابن بُوْنُهْ، وَأَبِي زَيْدٍ السُّهَيْلِي،
وَعَبْد المُنْعِمِ بن الفَرَسِ، وَطَائِفَة.
وَلَهُ إِجَازَة خَاصَّة مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ
السِّلَفِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ خَيْر، وَأَبِي
القَاسِمِ بنِ حُبَيْش.
اخْتصَّ بِابْن الجَدِّ، وَرُبِّي فِي حَجْرِهِ،
لأَنَّ أَبَاهُ كَانَ خَادِماً لابْنِ الجَدِّ، وَلَهُ
سَمَاع كَثِيْر. وَأَخَذَ النَّحْو عَنِ ابْنِ
مُلكُوْن، وَأَبِي الحَسَنِ نَجبَةَ.
وَكَانَ إِمَاماً فِي العَرَبِيَّة لاَ يُشَقُّ
غُبَارُهُ وَلاَ يُجَارَى. تَصَدَّرَ لإِقْرَائِهَا
سِتِّيْنَ سَنَةً، ثُمَّ فِي أَوَاخِرِ عُمُرِهِ
تَرَكَ الإِقْرَاءَ لإِطباقِ الفِتَنِ وَاسْتيلاَءِ
العَدُوِّ.
وَلَهُ تَصَانِيْفُ مُفِيْدَةٌ، وَعَمِلَ لِنَفْسِهِ
مَشْيَخَةً نصَّ فِيْهَا عَلَى اتِّسَاعِ
مَسْمُوْعَاتِهِ، فَقَالَ الأَبَّارُ: سَمِعْتُ مَنْ
يُنكِرُ ذَلِكَ وَيَدفَعُهُ -يَعْنِي الاتِّسَاعَ-
وَكَانَ أَنِيقَ الكِتَابَةِ، أَخَذَ عَنْهُ عَالِمٌ
لاَ يُحْصَوْنَ.
قل ابْنُ خَلِّكَانَ: قَدْ رَأَيْت جَمَاعَة مِنْ
أَصْحَابِهِ، وَكُلّ مِنْهُم يَقُوْلُ: مَا يَتقَاصر
أَبُو عَلِيٍّ شَيْخنَا عَنِ الشَّيْخ أَبِي عَلِيٍّ
الفَارِسِيّ، وَقَالُوا: كَانَ فِيْهِ مَعَ فَضِيْلتِه
غَفلَة وَصُوْرَة بلهٍ حَتَّى قَالُوا: كَانَ إِلَى
جَانب نَهْرٍ، وَبِيَدِهِ كُرَّاس، فَوَقَعَ فِي
المَاءِ فَاغتَرَفَهُ بِكُرَّاسٍ آخرَ فَتَلِفَا.
وَلَهُ عَلَى الجزوليَة شرحَان. عَاشَ ثَلاَثاً
وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَة خَمْسٍ وأربعين وست مائة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 498"،
والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 358"، وشذرات
الذهب لابن العماد "5/ 232".
(16/398)
5818- الدباج
1:
العَلاَّمَةُ شَيْخُ القُرَّاءِ وَالنُّحَاةِ
بِالأَنْدَلُسِ.
أَخَذَ القِرَاءات عَنْ أَبِي الحَسَنِ نَجبَة بن
يَحْيَى، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ صَاف، وَأَخَذَ
العَرَبِيَّة عَنْ أَبِي ذَرٍّ بن أَبِي رُكبٍ
الخُشَنِيّ، وَابْن خَرُوْف، وَتَصَدَّرَ
لِلْعِلْمَينِ خَمْسِيْنَ عَاماً.
قَالَ الأَبَّارُ: أَمَّ بِجَامِعِ العَدَبَّسِ.
وَهُوَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ جابر ابن عَلِيٍّ
الإِشْبِيْلِيّ الدَّبَّاجُ، مِنْ أَهْلِ الفَضْلِ
وَالصَّلاَحِ. وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ بِإِشْبِيْلِيَة فِي
شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ
بَعْد دُخُوْلِ الرُّوْمِ -لَعَنَهُم الله- صُلحاً
بِأَيَّام، فَإِنَّهُ تَأَسَّفَ، وَهَالَهُ نطق
النَّوَاقِيسِ، وَخَرَس الآذَان، فَاضْطَرَب
وَارتَمَضَ لِذَلِكَ، إِلَى أَنْ قَضَى نَحْبَه،
وَقِيْلَ: بَلْ مَاتَ يَوْمَ دُخُوْلِهِم.
قُلْتُ: كَانَ حُجَّة فِي النَّقل مُسدداً فِي
الْبَحْث، يُقْرِئُ "كِتَاب سِيْبَوَيْه". أَخَذَ
عَنْهُ: أَبُو الحَسَنِ بنُ عُصْفُور وَغَيْرُهُ،
تَسَلَّمَ صَاحِبُ قَشتَالَة البَلَدَ بَعْدَ حِصَارٍ
سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْراً وَاسْتقلَّ بِهَا، وَمَاتَ
زَمَنَ الحصَارِ الحَافِظ المُحَدِّثُ الأَدِيْب
الشَّاعِر أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ القَاسِمِ
اللَّخْمِيّ الإِشْبِيْلِيّ الحَرِيْرِيّ كَهْلاً؛
سَمِعَ "صَحِيْحَ البُخَارِيِّ" مِنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ عَلِيٍّ الزُّهْرِيِّ. وَلَهُ كِتَابٌ
فِي النَّسَبِ، وَآخَرُ فِي تَارِيْخِ عُلَمَاءِ
الأَنْدَلُسِ، وغير ذلك.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 361"،
وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 235".
(16/399)
صاحب حماة، ابن
الفاضل:
5819- صاحب حماة:
المَلِكُ المُظَفَّرُ تَقِيُّ الدِّيْنِ مَحْمُوْدُ
ابنُ المَنْصُوْرِ مُحَمَّدِ ابن المُظَفَّرِ تَقِيِّ
الدِّيْنِ عُمَرَ بنِ شَاهِنْشَاه الأَيُّوْبِيُّ،
الحَمَوِيُّ.
كَانَتْ دَوْلَته خَمْساً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
تَمَلَّكَ بَعْدَ أَخِيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ عَاماً
وَأَشْهُراً، وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً إِلَى
الغَايَة، وَكَانَ دَائِماً يَرْكُب بِاللتّ عَلَى
كَتِفِهِ، قل مَنْ يَقدر أَنْ يَحمله، وَلَهُ موَاقف
مَشْهُوْدَة.
ذكره ابْن وَاصِل، وَبَالَغَ.
وَكَانَ فَطناً قَوِيّ الفرَاسَة، طَيِّب المُفَاكهَة،
وَكَانَ نَاقص الْحَظ مَعَ جِيرَانه المُلُوْك، وَحرص
جِدّاً عَلَى قيَام مُلْكِ الْملك الصَّالِح نَجْم
الدين، وَخَطَبَ لَهُ بِحَمَاةَ، ثُمَّ تَعلَّل
طَوِيْلاً أَزْيَد مِنْ سَنَتَيْنِ، وَفُلِجَ، ثُمَّ
مَرِضَ بِحُمَّى، وَمَاتَ، وَقَامَتِ بِالأُمُوْر
زَوجتُه أُخْتُ الْملك الصَّالِح، وَحزن الصَّالِح
لِمَوْتِهِ كَثِيْراً، وَجَلَسَ لِلْعزَاء ثَلاَثَة
أَيَّام.
مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة اثْنَتَيْنِ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَعَاشَ ثَلاَثاً
وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ ابْنه
المَنْصُوْر مُحَمَّد، وَلَهُ عشر سِنِيْنَ وأيام.
5820- ابن الفاضل 1:
الوَزِيْرُ القَاضِي الأَشْرَف أَحْمَد ابْن القَاضِي
الفَاضِل عَبْد الرَّحِيْمِ بن عَلِيٍّ المِصْرِيّ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنَ: القَاسِمِ ابْن عَسَاكِرَ، وَالأَثِيْر
بن بُنَانٍ، وَبنت سَعْد الخَيْرِ، وَأَبِيْهِ،
وَأَقْبَلَ عَلَى طلب الحَدِيْث فِي كُهولته إِلَى
الغَايَة، وَاجتهد، وَكَتَبَ العَالِي وَالنَّازل،
وَأَنفق عَلَى المُحَدِّثِيْنَ.
وَكَانَ سَرِيع القِرَاءة، صَدْراً عَالِماً
مُعَظَّماً، وَزرَ لِلْعَادل، فَلَمَّا مَاتَ عُرضت
عَلَيْهِ الوَزَارَة فَأَبَى، وَدرَّس بِمَدْرَسَة
أَبِيْهِ.
مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وأربعين وست مائة، وله سبعون
سنة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 218".
(16/400)
ابن العز، ابن
النخال:
5821- ابن العز 1:
شَيْخُ الحَنَابِلَة تَقِيّ الدِّيْنِ أَبُو
العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابْنُ المُحَدِّث عِزّ الدِّيْنِ
مُحَمَّد ابْنِ الحَافِظِ عَبْد الغَنِيِّ
المَقْدِسِيّ، الصَّالِحيّ.
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ الخُشُوْعِيّ وَعِدَّةٍ،
وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ أَسَعْد بن رَوْحٍ، وَعفِيفَةَ،
وَخَلْق، وَلَزِمَ جدّه لأُمِّهِ الشَّيْخ مُوَفَّق
الدِّيْنِ حَتَّى بَرَعَ وَحفظ "الكَافِي" لَهُ،
وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى الفَخْر غُلاَم ابْن
المَنِّي، وَدرَّس وَأَفتَى، وَتَخَرَّجَ بِهِ
الفُقَهَاء.
رَوَى عَنْهُ: العِزُّ ابْنُ العِمَادِ، وَالشَّمْسُ
ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَالقَاضِي تَقِيّ الدِّيْنِ،
وَمُحَمَّد بن مُشْرِق.
وَكَانَ دَيِّناً مُؤثراً فَصِيْحاً مَهِيْباً،
مَلِيحَ الشّكل، وَافِرَ الحُرْمَةِ عِنْد الدَّوْلَة،
أَمَر زَمَنَ الخُوَارِزْمِيَة بِتَدرِيبِ الطُّرقِ
فِي الصَّالِحيَّةِ، وَتَحْصِيْلِ الْعدَد
وَالرِّجَال، وَبِالاحْتِرَاز، وَلَمَّا قربت
الخُوَارِزْمِيَّة مِنَ الميطور برز بِالرِّجَالِ
إِلَيْهِم، فَجَاءَ رَسُوْلُهُم يُبَشِّرُ
بِالأَمَانِ، وَأَنَّهُم لاَ يَمُرُّوْنَ بِهِم إلَّا
بِأَمْرِ الشَّيْخِ، وَلَمَّا رَأَوُا الشَّيْخَ،
نَزَلَ الخَانَات عَنْ خيلهِم وَرحَّبُوا بِالشَّيْخ،
وَقبَّلُوا يَده، وَمَرُّوا بِسَفْحِ الْجَبَل إِلَى
العقبَة، ثُمَّ إِلَى المِزَّة، وَلَمْ يُؤذُوا، لَكِن
حسن غُلاَم ابْن المُعْتَمِد قَاتلهُم فَقتلُوْهُ.
ثُمَّ مَاتَ الشَّيْخ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سنة ثلاث
وأربعين.
5822- ابن النخال 2:
الصَّالِح المُسْنِدُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ
عُمَرَ بنِ أَبِي بَكْرٍ ابْن النخَال البوَابُ.
سَمِعَ "مُصَافحَة" لِلبرقَانِي، وَرَابع
"المَحَامِلِيَّات" مِنْ شُهْدَة.
رَوَى عَنْهُ: مَجْد الدِّيْنِ ابْن العَدِيْم،
وَمَوْلاَهُ؛ بِيْبَرْس، وَالشَّيْخ مُحَمَّد ابْن
القَزَّاز.
وَبِالإِجَازَةِ مُحَمَّد البِجَّدِيّ، وَفَقْهَاءُ
بِنْت الوَاسِطِيّ.
بَقِيَ إِلَى سَنَةِ ثلاث وأربعين وست مائة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1431"، والنجوم الزاهرة
"6/ 354، 355"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 217".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1432".
(16/401)
ابن الوليد، ابن
شحانة، ابن مقرب:
5823- ابن الوليد 1:
مُفِيْد بَغْدَاد المُحَدِّثُ أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْد
اللهِ بن أبي الفضل محمد بن أبي مُحَمَّدٍ بن
الوَلِيْدِ البَغْدَادِيّ، أَحَد الرَّحَّالِيْنَ
وَالمُكْثِرِيْنَ.
سَمِعَ: عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ الأَخْضَرِ، وَابْنَ
مَنِيْنَا، وَمَسْعُوْد بن بَرَكَةَ، وَعَبْد
القَادِرِ الرُّهَاوِيّ، وَأَبَا اليَمَنِ
الكِنْدِيَّ، وَالافتخَار الهَاشِمِيّ، وَخَلْقاً.
وَكَانَ يُوْصَف بِسرعَة القِرَاءة وَجُوْدتِهَا،
وَخطه رَدِيء الْوَضع، وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ
السُّنَّة، لَهُ تَوَالِيف.
تُوُفِّيَ كَهْلاً فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ
ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5824- ابن شحانة 2:
محدث خراسان سراج الدين عبد الرحمن بنُ عُمَرَ بنِ
بَرَكَاتِ بنِ شُحَانَةَ.
رَحَلَ وَتَعِبَ وَتَمَيَّزَ فِي الحَدِيْثِ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ ابْنِ
الحَرَسْتَانِيِّ، وَالافتخَارِ الحَلَبِيِّ،
وَدَاوُدَ بنِ ملاعب، ومسمار ابن العُوَيْسِ. وَكَانَ
ثِقَةً فَهماً.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، بِمَيَّافَارقين.
5825- ابن مقرب 3:
مُحَدِّثُ الإِسْكَنْدَرِيَّة المُجَوِّدُ أَسْعَد
الدِّيْنِ أَبُو القَاسِمِ عبد الرحمن بن مُقرَّبِ بنِ
عَبْدِ الكَرِيْمِ الكِنْدِيّ الإِسْكَنْدَرَانِي،
المُعَدَّل.
مَوْلِده سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ.
كَتَبَ عَنِ: البُوْصِيْرِيِّ، وَابْنِ مُوقَا، وَبنتِ
سَعْدِ الخَيْرِ، وَالأَرتَاحِيِّ. وَتَخَرَّجَ
بِابْنِ المُفَضَّلِ، وَخَرَّجَ لِنَفْسِهِ، وَكَانَ
مِنْ نُبهَاء الطَّلَبَةِ.
رَوَى عَنْهُ: الدِّمْيَاطِيّ، وَمُحَمَّد بن
مَنْصُوْرٍ الوَرَّاق، وَابْنه مُقرَّبٌ.
تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
قَالَ ابْنُ العِمَادِيَّةِ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً،
ذَا حِفْظٍ وَإِتْقَانٍ وَمُرُوءةٍ وَإِحسَانٍ. وقيل:
كان يدري الأنساب.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1432"، وشذرات الذهب "5/
219".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1432".
3 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1432"، والنجوم الزاهرة
لابن تغري بردي "6/ 354"، وشذرات الذهب "5/ 220".
(16/402)
ابن حمود، النسابة:
5826- ابن حمود 1:
المَوْلَى الإِمَام البَلِيْغُ البَارِع أَمِيْن
الدِّيْنِ أَبُو الفضل عبد المحسن بن حمود بن المحسن
ابن عَلِيٍّ التَّنُوْخِيّ، الحَلَبِيّ، ثُمَّ
الدِّمَشْقِيّ.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ سَبْعِيْنَ.
وَسَمِعَ فِي كبره مِنْ: حَنْبَل، وَابْن طَبَرْزَذَ،
وَالكِنْدِيّ، وَعِدَّة. وَأَلَّف كِتَاباً فِي
الأَخْبَار وَالنَّوَادر عِشْرِيْنَ سِفراً
بِأَسَانِيْده، وَلَهُ "دِيْوَان" وَكِتَاب فِي
التَّرسُّل.
رَوَى عَنْهُ: القُوْصِيّ، وَابْن الجلاَل، وزين الدين
الفارقي، والعمادي ابْن البَالِسِيُّ وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ كَاتِب الإِنشَاء لِصَاحِب صرخدَ الأَمِيْرِ
عِزِّ الدِّيْنِ أَيبكَ.
تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ.
5827- النَسَّابَةُ 2:
الإِمَامُ الفَاضِل النَسَّابَة عِزّ الدِّيْنِ أَبُو
عَبْدِ الله ابن تاج الدين الأمناء أحمد بن محمد ابن
الحَسَنِ بنِ هِبَةِ اللهِ الدِّمَشْقِيّ، ابْن
عَسَاكِرَ.
سَمِعَ مِنْ: عَمّ أَبِيْهِ؛ الحَافِظِ أَبِي
القَاسِمِ، وأبي المعالي بن صابر، وعبد الصَّمَدِ
النَّسَوِيِّ، وَأَبِي الفَهْمِ العَجَائِزِيِّ،
وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: الشَّيْخُ تَاجُ الدِّيْنِ، وَأَخُوْهُ؛
الخَطِيْبُ، وَرَشِيدُ الدِّيْنِ ابْنُ المُعَلِّمِ،
وَالفَخْرُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُ عَمِّهِ
البَهَاءُ، وَالزَّيْنُ ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ،
وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مِنْ رُؤسَاءِ البَلَدِ، لَهُ بَغْلَةٌ
وَبزَّةٌ فَاخِرَةٌ، وَلَهُ "تَارِيْخٌ" فِيْهِ بوَارد
وَلَهُ نَظْمٌ وَسيط.
مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ
أَيْضاً.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1432"، والنجوم الزاهرة
"6/ 353"، وشذرات الذهب "5/ 220".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1432"، والنجوم الزاهرة
لابن تغري بردي "6/ 355"، وشذرات الذهب "5/ 226".
(16/403)
ابن أبي جعفر، ابن
المنذري:
5828- ابن أبي جعفر 1:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ الجَلِيْل العَدْل تَاج
الدِّيْنِ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ ابنُ العَلاَّمَة
أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَد بن عَلِيٍّ القُرْطُبِيّ،
ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ، إِمَام الكَلاَّسَة، وَابْن
إِمَامهَا.
وُلِدَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ.
وَحَجَّ مَعَ أَبِيْهِ سَنَةَ تِسْعٍ، فَسَمِعَ فِي
آخِرِ الخَامِسَة مِنْ: عَبْدِ المُنْعِمِ
الفُرَاوِيِّ، وَمِنْ عَبْدِ الوَهَّاب بنِ سُكَيْنَة،
وَزُهَيْرٍ شعرَانَة، وَمُحَمَّد بن المُطَهَّر
الفَاطِمِي. وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنِ: ابن أبي عصرون،
وأحمد بن الموازيني، وَالفَضْلِ ابْنِ
البَانْيَاسِيِّ، وَيَحْيَى الثَّقَفِيِّ، وَعِدَّةٍ.
فَلَمَّا تَكهَّلَ أَقْبَلَ عَلَى الحَدِيْث،
وَبَالَغَ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ. وَكَانَ دَيِّناً،
خَيِّراً، مُحبَّباً إِلَى النَّاسِ، ثِقَةً.
رَوَى عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَأَبُو المُظَفَّرِ
ابْنُ النَّابُلُسِيِّ، وَالشَّيْخُ تَاجُ الدِّيْنِ
وَأَخُوْهُ، وَابْنُ الجَلاَلِ، وَمُحَمَّد بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ ابْن الدِّمْيَاطِيّ، وَزَيْن الدِّيْنِ
الفَارِقِيّ، وَعِدَّة، وَبِالحُضُوْر: العِمَاد ابْن
البَالِسِيّ.
مَاتَ في جمادى، سَنَةَ ثَلاَثٍ، وَحُمِلَ عَلَى
الرُّؤُوس، وَدُفن بقَاسِيُوْن.
5829- ابن المنذري:
الحَافِظُ الذّكيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابنُ
العَلاَّمَة الحَافِظ زَكِيّ الدِّيْنِ عَبْد
العَظِيْمِ بن عَبْدِ القوِيّ المُنْذِرِيّ، رَشِيدُ
الدِّيْنِ المِصْرِيُّ، أَحَدُ الشَّبَابِ
الفُضَلاَءِ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ القَوِيِّ ابْنِ الجَبَّابِ،
وَالفَخْرِ الفَارِسِيِّ، وَأَبِي طَالِبٍ بنِ
حَدِيدٍ، وَعِدَّةٍ.
وَارْتَحَلَ، وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ، وَكَتَبَ
الكَثِيْرَ.
رَوَى عَنْهُ: رَفِيقُهُ؛ أَبُو مُحَمَّدٍ
الدِّمْيَاطِيُّ.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَأَرْبَعِيْنَ، ولو عاش لساد.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1432"، والنجوم الزاهرة
"6/ 335"، وشذرات الذهب "5/ 226".
(16/404)
المنتجب، ابن
المعوج، صاحب حمص:
5830- المنتجب 1:
شيخ القراء منتجب الدين منتجب بن أَبِي العِزّ بن رشيد
الهَمَذَانِيّ نَزِيْلُ دِمَشْقَ، وَشَيْخ القِرَاءة
بِالزّنجيليَة.
صَنّف لِلشَّاطِبِيَّةِ شَرحاً مُفِيْداً، وَشرح
المُفصَّل فَجَوَّدَهُ، وَأَعربَ القُرْآن.
وَرَوَى عَنِ ابْنِ طَبَرْزَذَ، وَالكِنْدِيِّ،
وَتَلاَ عَلَى أَبِي الجود.
وتلا عَلَيْهِ الصَّائِن الوَاسِطِيُّ نَزِيْلُ
قُوْنِيَةَ، وَالنّظَامُ التِّبْرِيْزِيّ شيخنا.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ مُقْرِئاً مُجَوِّداً،
قرَأَ عَلَى: الكِنْدِيِّ، وَأَبِي الجُوْدِ، وَانتفعَ
بِشَيخِنَا السَّخَاوِيّ فِي مَعْرِفَةِ
"الشَّاطِبِيَّةِ".
مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5831- ابْنُ المُعَوَّجِ 2:
الشيخ أبو غالب المنصور بن أَحْمَدَ بنِ أَبِي غَالِبٍ
مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ السكن
البَغْدَادِيّ، المَرَاتِبِيّ، الخَلاَّل، ابْن
المُعَوَّجِ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ ابْن الصَّابِيِّ،
وَابْنَ الخَشَّابِ، وَالمُبَارَكَ بنَ خُضَيْرٍ،
وَعِدَّة.
رَوَى عَنْهُ: مَجْد الدِّيْنِ ابْن العَدِيْم.
وَبِالإِجَازَةِ: الفَخْر ابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو
المَعَالِي ابْنُ البَالِسِيِّ، وَالقَاضِي
الحَنْبَلِيُّ، وعيسى المطعم، وابن سعد، وأحمد بن
الشِّحْنَةِ، وَسِتّ الفُقَهَاء الوَاسطيَةُ.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5832- صاحب حمص 3:
الْملك المَنْصُوْر نَاصِرُ الدِّيْنِ إِبْرَاهِيْمُ
ابْنُ المَلِكِ المُجَاهِدِ شِيْرْكُوْه.
مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ
بِدِمَشْقَ، وَحُمِلَ إِلَى حِمْصَ، وَكَانَتْ
دَوْلَتُهُ سِتّ سِنِيْنَ وَنِصْفَ سَنَةٍ.
وَكَانَ فَارِساً شُجَاعاً وَافر الهَيْبَة، سَارَ
بِعَسْكَره وَعَسْكَر حَلَب، وَعَمِلَ المصاف مع
الخورازمية وَالمُظَفَّر صَاحِب مَيَّافَارِقِيْن،
فَالتَقَوا فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ فَهَزمهُم
صَاحِب حِمْص أَقبح هَزِيْمَة، وَتعثَّرت
الخُوَارِزْمِيَة، وَنَزَلَ صَاحِب حِمْص فِي مُخيَّم
المُظَفَّر، وَاحتوَى عَلَى خَزَائِنِه وَقَامَ
بَعْدَهُ ابْنه الأَشْرَف.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1432"، وشذرات الذهب "5/
227".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1433"، والنجوم الزاهرة
"6/ 355"، وشذرات الذهب "5/ 227".
3 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 356"، وشذرات الذهب
"5/ 229".
(16/405)
عتيق، ابن الجبان،
ابن معقل:
5833- عتيق 1:
ابن أبي الفضل بن سلامة العَدْلُ، أَبُو بَكْرٍ
السَّلْمَانِيّ، مِنْ كِبَارِ شُهُوْد دِمَشْق.
بلغ التِّسْعِيْنَ، وَحَدَّثَ عَنِ الحَافِظ ابْن
عساكر وأبي المعالي بن خَلْدُوْنَ. وَكَانَ مُلاَزِماً
لِلْجَمَاعَة كَثِيْر التِّلاَوَة، عِنْدَهُ دُعَابَة.
رَوَى عَنْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الحرَائِرِيُّ، وَأَبُو
الفَضْلِ الذَّهَبِيُّ، وَابْن الخَلاَّلِ، وَالفَخْرُ
بنُ عَسَاكِرَ، وَالعَلاَءُ بنُ البَقَّالِ،
وَعِدَّةٌ.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5834- ابْنُ الجباب 2:
الرَّئِيْسُ ظَهِيْرُ الدِّيْنِ أَبُو إِبْرَاهِيْمَ
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ
بنِ عَبْدِ الرحمن السَّعْدِيُّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ
المَالِكِيُّ.
سَمِعَ مِنَ السِّلَفِيِّ، وَالعُثْمَانِيِّ.
وَعَنْهُ الدِّمْيَاطِيُّ، وَالتَّقِيُّ
الإِسعَردِيُّ، وَالضِّيَاءُ السَّبْتِيُّ، وَنَصْرُ
اللهِ بنُ عَيَّاشٍ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ فِي خَامِسِ المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَأَرْبَعِيْنَ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَثَمَانُوْنَ سنة.
5835- ابن معقل 3:
كَبِيْرُ الرَّافِضَّةِ النَّحْوِيّ العَلاَّمَة عِزّ
الدِّيْنِ أَحْمَدَ بن علي بن معقل المهلبي الحمصي.
أَخَذَ التَّشَيُّع بِالحِلَّةِ، وَالنَّحْو عَنِ
الكِنْدِيِّ، وَأَبِي البَقَاء، وَلَهُ النَّظم
البَدِيْع، وَالنثر الصَّنِيع، وَكَانَ أَحْوَلَ
قصِيْراً ثَخِيْنَ الرَّفضِ.
نَظَمَ "الإِيضَاحَ"، وَ"التَّكملَة".
وَسَكَنَ بَعْلَبَكَّ فِي صُحْبَة الْملك الأَمْجَد،
وَقرَّر لَهُ جَامكيَّة، وَتَخَرَّجُوا بِهِ فِي
المَذْهَب.
تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ
أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ سَبْعٍ
وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1432".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1432".
3 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 299".
(16/406)
ابن عدي، الحريري:
5836- ابن عدي 1:
الشَّيْخُ الكَبِيْرُ المَدْعُو بِتَاجِ العَارِفِيْنَ
حَسَنُ بنُ عَدِيِّ بنِ أَبِي البَرَكَاتِ بنِ صَخْرِ
بنِ مُسَافِرٍ شَيْخُ الأَكْرَادِ، وَجَدُّهُ هُوَ
أَخُو الشَّيْخ الكَبِيْر عَدِيّ.
كَانَ هَذَا مِنْ رِجَالِ العَالَم دَهَاءً وَهِمَّةٍ
وَسُمُوّاً، لَهُ فَضِيْلَةٌ وَأَدَبٌ وَتَوَالِيْفُ
فِي التَّصَوُّفِ الفَاسِدِ، وَلَهُ أَتْبَاعٌ لاَ
يَنْحَصِرُوْنَ وَجَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ. بَلَغَ مِنْ
تَعْظِيْمِهِم لَهُ أَنَّ وَاعِظاً أَتَاهُ
فَتَكَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَبَكَى تَاجُ العارفين
وغشي عليه. فَوَثَبَ كُرْدِيٌّ، وَذَبَحَ الوَاعِظَ،
فَأَفَاقَ الشَّيْخُ فَرَأَى الوَاعِظَ يَخْتَبِطُ فِي
دَمِهِ، فَقَالَ: أَيشٍ هَذَا? فَقَالُوا: أَيُّ
شَيْءٍ هَذَا مِنَ الكِلاَبِ حَتَّى يُبْكِي سَيْدِي
الشَّيْخ.
وَزَادَ تَمَكُّنُ الشَّيْخ حَتَّى خَافَ مِنْهُ بدر
الدِّيْنِ صَاحِب المَوْصِل، فَتَحَيَّلَ عَلَيْهِ
حَتَّى اصْطَادَهُ، وَخَنَقَهُ بِالمَوْصِلِ؛ خَوْفاً
مِنْ غَائِلَتِهِ.
وَهُنَاكَ جَهَلَةٌ يَعْتَقِدُوْنَ أَنَّ الشَّيْخَ
حَسَناً لاَ بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا،
وَكَانَ يُلَوِّحُ فِي نَظمِه بِالإِلْحَادِ،
وَيَزْعُمُ أَنَّهُ رَأَى رَبَّ العِزَّةِ عَيَاناً،
وَاعْتِقَادُهُ ضَلاَلَة.
قُتِلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَخَمْسُوْنَ سنة.
5837- الحريري 2:
كَبِيْر الفُقَرَاء البَطَلَةِ، الشَّيْخ عَلِيُّ بنُ
أَبِي الحَسَنِ بنِ مَنْصُوْرٍ ابْنُ الحَرِيْرِيِّ
الحَوْرَانِيُّ، مِنْ عَشِيرٍ يُقَالُ لَهُم: بَنُوْ
الرُّمَانِ.
مَوْلِدُهُ بِبُسْرَ، وَبِهَا مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائة، في رمضان، وقد قارب
التسعين.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 299".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 359
و306" ووقع عنده في الموضع الثاني [أبي الجن] بدل [أبي
الحسن] .
(16/407)
قَدِمَ دِمَشْق صَبِيّاً، فَتعلم نَسجَ
المَرْوَزِيّ وَبَرَعَ، ثُمَّ وَقَفَ عَلَيْهِ دينٌ
فَحُبِسَ، وَأُمُّهُ دِمَشْقيَة مِنْ ذُرِّيَّة
الأَمِيْر مُسَيب العُقَيْلِيّ، وَكَانَ خَالُه
صائغًا، وَرُبِي الشَّيْخ يَتيماً، ثُمَّ عَمل
العَتَّابِيّ، ثُمَّ تَزَهَّد، وَصَحِبَ أَبَا عَلِيٍّ
المُغَرْبَل خَادمَ الشَّيْخِ رسلاَنَ.
قَرَأْت بِخَطّ السَّيْف الحَافِظ: كَانَ الحَرِيْرِيّ
مِنْ أَفتن شَيْء وَأَضرِّهِ عَلَى الإِسْلاَمِ،
تَظهرُ مِنْهُ الزَّنْدَقَة وَالاستهزَاء بِالشرع،
بَلَغَنِي مِنَ الثِّقَاتِ أَشيَاءُ يُسْتَعظم
ذِكرُهَا مِنَ الزَّنْدَقَةِ وَالجُرْأَةِ عَلَى
اللهِ، وَكَانَ مُسْتَخِفّاً بِأَمر الصَّلَوَاتِ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ الصَّرِيْفِيْنِيُّ،
قَالَ: قُلْتُ لِلْحَرِيْرِيِّ: مَا الحُجَّةُ فِي
الرَّقصِ? قَالَ: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ
زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1] . وَكَانَ يُطعِمُ
وَيُنفِقُ وَيَتبعه كُلّ مُرِيب. شَهِدَ عَلَيْهِ
خَلقٌ كَثِيْر بِمَا يُوجب القتلَ، وَلَمْ يُقْدِم
السُّلْطَانُ عَلَى قَتْلِهِ، بَلْ سَجَنَهُ
مَرَّتَيْنِ.
أَنْبَأَنَا العَلاَّمَة ابْن دَقِيق العِيْد، عَنِ
ابْنِ عَبْد السَّلاَمِ سَمِعَهُ يَقُوْلُ فِي ابْن
العَرَبِيِّ: شَيْخُ سُوءٍ كَذَّاب.
وَعِنْدِي مَجمُوعٌ مِنْ كَلاَمِ الشَّيْخِ
الحَرِيْرِيِّ فِيْهِ: إِذَا دَخَلَ مرِيْدِي بِلاَد
الرُّوْم، وَتنصَّر وَأَكل الخِنْزِيْر، وَشرب الخَمْر
كَانَ فِي شغلِي! وَسَأَله رَجُل: أَيُّ الطّرق
أَقْرَب إِلَى اللهِ? قَالَ: اترك السَّيرَ وَقَدْ
وَصلتَ!.
وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: بَايِعُونِي عَلَى أَنَّ
نَمُوْت يَهُوْدَ وَنُحْشَرَ إِلَى النَّارِ حَتَّى
لاَ يَصْحَبنِي أَحَدٌ لعلة.
وَقَالَ: لَوْ قَدِمَ عَلَيَّ مَنْ قَتَلَ وَلَدِي
وَهُوَ بِذَلِكَ طَيِّبٌ وَجَدَنِي أَطيَبَ مِنْهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: أَمردُ يُقدِّمُ مدَاسِي
أَخْيَرُ مِنْ رِضْوَانِكُم، وَربع قَحبَةٍ عِنْدِي
أَحْسَنُ مِنَ الولدَان. أَودُّ أَشتهِي قَبْلَ
مَوْتِي أَعشق وَلَوْ صُوْرَة حَجر. أَنَا مُتَّكِل
مُحَيّر وَالعشق بِي مَشْغُوْل!!
قَالَ ابْنُ إِسْرَائِيْل: قَالَ لِي الشَّيْخ: مَا
مَعْنَى قَوْلَهُ تَعَالَى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا
نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: 64]
، قُلْتُ: يَقُوْلُ سَيْدِي، قَالَ: وَيْحَكَ مِنِ
المُوْقِدُ وَمَنِ المُطْفِئُ، لاَ يَسْمَعُ للهِ
كَلاَماً إلَّا مِنْكَ فِيْكَ، فَامْحُ إِنِّيَتَكَ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ أَنْجَبَ فِي تَارِيْخِهِ:
الفَقِيْرُ الحَرِيْرِيُّ شَيْخٌ عَجِيْبٌ، كَانَ
يُعَاشِرُ الأَحدَاثَ، كَانَ يُقَالُ عَنْهُ: إِنَّهُ
مبَاحِيٌّ وَلَمْ تَكن لَهُ مُرَاقبَة، كَانَ يُخرِّب،
وَالفُقَهَاءُ يُنكِرُوْنَ فِعلَهُ، وَكَانَ لَهُ
قَبُولٌ عَظِيْمٌ.
(16/408)
وَرُوِيَ عَنِ الحَرِيْرِيِّ: لَوْ
ضَرَبنَا عُنُقَكَ عَلَى هَذَا القَوْلِ وَلَعَنَّاكَ
لاَعتَقَدْنَا أَنَّا مُصِيْبُوْنَ.
وَمِمَّنِ انْتَصر لَهُ وَخضع لِكشفه الإِمَامُ أَبُو
شَامَةَ، فَقَالَ: كَانَ عِنْدَهُ مِنَ القِيَام
بوَاجِب الشرِيعَة مَا لَمْ يَعرفه أَحَد مِنَ
الْمُتَشَرِّعِينَ ظَاهِراً وَبَاطِناً، وَأَكْثَرُ
النَّاس يَغلطُوْنَ فِيْهِ، كَانَ مُكَاشَفاً لمَا فِي
الصُّدُوْرِ بِحَيْثُ قَدْ أَطلعه الله على سرائر
أوليائه.
قُلْتُ: مَا هَذَا? اتَّقِ اللهَ؛ فَالكهنَةُ وَابْنُ
صَائِدٍ مُكَاشَفُوْنَ لِمَا فِي الضَّمَائِرِ.
كَانَ الحَرِيْرِيُّ يَلْبَسُ مَا اتَّفَقَ
وَالمُطَرِّزُ وَالمُلَوَّنُ، وَقَالَ عَنْ نَفْسِهِ:
فَقِيْرٌ وَلَكِنْ مِنْ صَلاَحٍ وَمِنْ تُقَىً ...
وَشَيْخٌ وَلَكِن لِلْفُسُوْقِ إِمَامُ
وَبَاقِي سِيْرَتِهِ فِي "تاريخ الإسلام".
(16/409)
القفطي، الخونجي:
5838- القفطي 1:
لقاضي الأَكْرَمُ الوَزِيْرُ الأَوْحَدُ جَمَالُ
الدِّيْنِ أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ الشَّيْبَانِيُّ، القِفْطِيُّ،
المِصْرِيُّ، صَاحِبُ "تَارِيْخ النُّحَاةِ".
وَلَهُ "أَخْبَار المُصَنّفِيْن وَمَا صَنَّفُوهُ"،
وَ"أَخْبَار السَّلْجُوْقِيَّة"، وَ"تَارِيْخ مِصْر".
وَكَانَ عَالِماً مُتَفَنِّناً، جَمَعَ مِنَ الكُتُبِ
شَيْئاً كَثِيْراً يَتَجَاوَزُ الوَصْف. وَوَزَرَ
بِحَلَبَ.
مَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ.
5839- الخونجي 2:
لقاضي المُتَكَلِّمُ البَاهِرُ أَفْضَلُ الدِّيْنِ
أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ نَامَاورَ بنِ
عَبْدِ المَلِكِ، الخُوْنَجِيُّ، الشَّافِعِيُّ،
نَزِيْلُ مِصْر. وُلِدَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
وَوَلِيَ القَضَاءَ بِمِصْرَ وَأَعْمَالهَا، وَدَرَّسَ
بِالصَّالِحِيَّةِ، وَأَفْتَى، وَصَنَّفَ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ حَكِيْماً مَنْطِقِيّاً،
وَكَانَ قَاضِي القُضَاةِ بِمِصْرَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي أُصَيْبِعَة: تَمَيَّزَ فِي
العُلُوْمِ الحكمِيَّة، وَأَتْقَنَ الأُمُوْرَ
الشَّرْعِيَّةَ فَوَجَدته لَمَّا رَأَيْتُهُ الغَايَةَ
القُصْوَى فِي سَائِرِ العُلُوْمِ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ
فِي الطِّبِّ وَالمَنْطِقِ.
مَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ
وَسِتِّ مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 361"،
وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 236".
2 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 236".
(16/409)
مهنا، ابن رئيس
الرؤساء، ابن الدوامي:
5840- مُهَنَّا:
بنُ مَانِعِ بنِ حُدَيْثَةَ بنِ فَضْلِ بنِ
رَبِيْعَةَ، أَمِيْر عَربِ الشَّامِ، وَابْنُ
أُمَرَائِهِم، وَأَبُو الأَمِيْر عِيْسَى، وَجَدُّ
مَلِكِ العَرَبِ مُهَنَّا بنِ عِيْسَى.
مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائة.
5841- ابن رئيس الرؤساء:
لعلامة الفَيْلَسُوْف أَبُو الفَتْحِ المُبَارَك ابْنُ
الوَزِيْرِ أَبِي الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ هِبَة الله ابن المُظَفَّرِ ابْن رَئِيْس
الرُّؤَسَاء ابْن المُسْلِمَةِ البَغْدَادِيّ.
وُلِدَ فِي رَجَبٍ، سَنَة سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: يَحْيَى بن ثَابِتٍ، وَتَجَنِّي
الوَهْبَانِيَّةِ.
رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: أَبُو نَصْرٍ ابْنُ
الشِّيْرَازِيِّ، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ البِجَّدِيّ.
وَأَقرَأَ علم الأَوَائِل فِي دَارِهِ، وَكَانَ
بَارِعاً فِي الهَنْدَسَةِ وَالطِّبِّ وَالشِّعرِ
وَالآدَابِ. وَلِي صَدْرِيَّةَ المَخزَنِ سَنَةَ
خَمْسٍ وست مائة أشهرًا، وعزل، وَكَانَ وَافِرَ
الحِشْمَةِ، وَقَفَ رِبَاطاً عَلَى الفُقَرَاءِ.
وَتُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة خَمْسٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وست مائة.
5842- ابن الدوامي 1:
لصاحب عِزُّ الكُفَاةِ أَبُو المَعَالِي هِبَةُ اللهِ
ابْنُ الصَّاحبِ أَبِي عَلِيٍّ الحَسَنِ بن هِبَةِ
اللهِ بنِ الحَسَنِ ابْن الدَّوَامِيّ البَغْدَادِيّ،
حَاجِب الحُجَّاب.
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ: تَجَنِّي الوَهْبَانِيَّة، "حَدِيْث
الحَفَّار"، وَمِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ شَاتيل.
وَكَانَ وَالِدُهُ وَكِيْل النَّاصِر.
وَوَلِيَ هِبَة اللهِ وَاسِط، ثُمَّ صُرف لِلِينِهِ
وَجَوْدَتِه، فَكَتَبَ فِيْهِ الخَلِيْفَةُ: "يُلحق
الثِّقَة العَاجز بِالخَائِن الجَلَدِ"، فَلَزِمَ
دَاره فِي تَعبُّدٍ وَخَيْرٍ وبر.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ العَدِيْمِ، وَفَتَاهُ؛
بِيْبَرْسُ التُّرْكِيُّ.
وَبِالإِجَازَةِ الفَخْرُ ابْنُ عَسَاكِرَ،
وَطَائِفَةٌ.
وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ النَّجَّارِ، وَقَالَ: تُوُفِّيَ
فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَمَاتَ ابنه.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 233".
(16/410)
الصدر تاج الدين علي
الحاجب، الهذباني، عجيبة:
5843- الصدر تاج الدين علي الحاجب:
ي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ فِي عَشْرِ
السَّبْعِيْنَ، رَوَى عَنِ ابْنِ كُلَيْبٍ. أَخَذَ
عَنْهُ الدِّمْيَاطِيّ، وَهُوَ أخو محمد بن هبة الله.
5844- الهذباني 1:
الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ الإِمَام العَالِم شَرَف
الدِّيْنِ يَعْقُوْب بن محمد بن الحسن بن عيسى الكردي،
الموصلي، من أعيان أمراء مصر.
قرَأَ عَلَى أَبِي السَّعَادَاتِ ابْنِ الأَثِيْرِ
تَصَانِيْفَهُ.
وَسَمِعَ مِنْ: يَحْيَى الثَّقَفِيِّ، وَمَنْصُوْرٍ
الطَّبَرِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ عَسَاكِرَ، وَعِدَّةٍ.
وَحَدَّثَ "بِمُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى" وَ"بِجَامِعِ
الأُصُوْلِ".
وَكَانَ بَيْتُه مَأْوَى الفُضَلاَء.
رَوَى عَنْهُ: الصَّدْرُ القُوْنوِيّ،
وَالدِّمْيَاطِيّ، وَنَاصِر الدِّيْنِ
المَاكِسِيْنِيّ، وَالعِمَادُ خَطِيْبُ المُصَلَّى.
تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ خَمْسٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ اثنتان وثمانون
سنة.
5845- عجيبة 2:
الشَّيْخَة المُعَمَّرَةُ المُسْنَدَة ضَوْءُ
الصَّبَاحِ بِنْتُ الحَافِظ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدُ
بنُ أَبِي غَالِب بنِ أَحْمَدَ ابن مَرْزُوْقٍ
البَاقِدَارِيُّ، البَغْدَادِيَّة.
سَمِعَتْ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْصُوْرٍ
المَوْصِلِيّ، وَعَبْد الحَقِّ اليُوْسُفِيّ. وَأَجَاز
لها أبو عبد الله
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 233".
2 ترجمتها في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 238".
(16/411)
الرُّسْتَمِيّ، وَمَسْعُوْد الثَّقَفِيُّ،
وَأَبُو الخَيْرِ البَاغْبَان، وَابْن عَمِّهِ؛ أَبُو
رَشِيْدٍ، وَهِبَة اللهِ بن أَحْمَدَ الشبلي، ورجاء بن
حامد المعداني، وَعِدَّة. وَتفرَّدت فِي الدُّنْيَا،
وَخَرَّجُوا لَهَا "مَشْيَخَةً" فِي عَشْرَةِ
أَجزَاءَ.
مَوْلِدُهَا فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَالعَجَبُ مِنْ وَالِدِهَا كَيْفَ لَمْ يُسْمِعْهَا
مِنْ أَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ وَطَبَقَتِه؟!
وَكَانَتِ امْرَأَة صَالِحَة.
حَدَّثَ عَنْهَا: المُحِبّ عَبْد اللهِ وَمُوْسَى بن
أَبِي الفَتْحِ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ ابْن
عَبْدِ الهَادِي، وَالشَّيْخ عَبْد الصَّمَدِ
المُقْرِئ، وَمُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ الجَعْفَرِيّ،
وَعَبْد الرَّحِيْمِ ابْن الزَّجَّاج، وَمُحَمَّد بن
عَبْدِ الْمُحسن الوَاعِظ، وَجَمَاعَة. وَتفرَّدت
زَيْنَب بِنْت الكَمَال بِإِجَازَتِهَا.
تُوُفِّيَت فِي صَفَرٍ، سَنَة سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمِنْ مَسْمُوْعِهَا: الثَّانِي مِنْ حَدِيْثِ أَبِي
أَحْمَدَ حُسَيْنَك مِنْ يَحْيَى بنِ ثَابِتٍ البقال،
و"مختلف الحديث" الشافعي مِنْ عَبْدِ الحَقِّ
اليُوْسُفِيّ، وَ"تَارِيْخ البُخَارِيّ الكَبِيْر"
مِنْ عَبْدِ الحَقِّ أَيْضاً.
وَفِيْهَا مَاتَ: صَاحِبُ مِصْرَ الْملك الصَّالِح
نَجْم الدِّيْنِ أَيُّوْب ابْن الكَامِل
بِالمَنْصُوْرَةِ مُرَابِطاً، وَالرَّشِيْدُ عَبْدُ
العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ أَبِي الطَّاهِر
بنِ عَوْفٍ، وَالصَّفِيُّ عُمَرُ بنُ عَبْدِ
الوَهَّابِ ابْن البرَاذع، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ
بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ ابْن السَّيِّدِيِّ، وَمَلِكُ
الأُمَرَاءِ فَخْرُ الدِّيْنِ يُوْسُفُ ابْنُ شَيْخِ
الشُّيُوْخِ الجُوَيْنِيُّ، وَالشَّمْسُ يُوْسُفُ بنُ
محمود الساوي.
(16/412)
5846- الساوي
1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ الصَّالِح شَمْس الدِّيْنِ أَبُو
يَعْقُوْبَ يوسف بن محمود بن الحسين بن الحسن ابن
أَحْمَدَ السَّاوِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ المَوْلِد،
المِصْرِيّ الدَّار، الصُّوْفِيّ، وَيُعْرَف
قَدِيْماً: بِابْنِ المُخَلِّصِ.
وُلِدَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةِ ثَمَانٍ
وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ عِدَّة
أَجزَاءَ، وَمِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ بَرِّي، وَهِبَةِ
اللهِ البُوْصِيْرِيِّ، وَالتَّاجِ المَسْعُوْدِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ الدِّمْيَاطِيّ،
وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَأَبُو
الفَتْحِ ابْنُ القَيْسَرَانِيِّ، وَشَرَفُ الدِّيْنِ
حَسَن ابْن الصَّيْرَفِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ
النّشو، وَالأَمِيْن الصَّفَّار، وَجَمَاعَة. وَكَانَ
مِنْ صُوْفِيَّةِ خَانْقَاه سَعِيْدِ السُّعَدَاءِ.
تُوُفِّيَ فِي حَادِي عَشَرَ رَجَب، سَنَةَ سَبْعٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائة، وقد تفرد بأجزاء عالية.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 363"،
وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 239".
(16/412)
ابن الجباب، ابن
الخير:
5847- ابن الجباب 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ فَخر القُضَاة أَبُو الفَضْلِ،
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ
الحُسَيْنِ ابْن الجَبَّابِ التَّمِيْمِيّ
السَّعْدِيُّ المِصْرِيُّ المَالِكِيّ العَدْل، ناظر
الأوقاف.
ولد سنة إحدى وستين.
وَسَمِعَ: أَبَا طَاهِرٍ السِّلَفِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ
بنَ بَرِّيٍّ، وَأَبَا المَفَاخِرِ المَأْمُوْنِيَّ.
وَحَدَّثَ "بِصَحِيْحِ مُسْلِمٍ" غَيْرَ مَرَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: المُنْذِرِيُّ، وَالدِّمْيَاطِيُّ،
وَابْنُ الظَّاهِرِيِّ، وَفَتْحُ الدِّيْنِ ابْنُ
القَيْسَرَانِيِّ، وَالشَّيْخُ مُحَمَّدٌ القَزَّازُ،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ "صَحِيْحَ
مُسْلِمٍ" مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ مُحسِناً إِلَيَّ،
بَارّاً بِي.
تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائة.
5848- ابن الخير 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُقْرِئ الفَقِيْهُ المُحَدِّثُ
مُسْنِدُ بَغْدَادَ أَبُو إِسْحَاقَ، وَأَبُو
مُحَمَّد، إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ سَالِمِ
بنِ مَهْدِيٍّ البَغْدَادِيُّ الأَزَجِيُّ
الحَنْبَلِيّ المَشْهُوْرُ بِابْنِ الخَيِّرِ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ الكَثِيْر مِنْ: فَخْر النِّسَاءِ شُهْدَة،
وَأَبِي الحُسَيْنِ اليُوْسُفِيّ، وَخَدِيْجَة بِنْت
النُّهْرُوَانِيّ، وَأَبِي الفَتْحِ بنِ شَاتيلَ،
وَالحَسَن بن شِيْرَوَيْه، وطائفة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1411"، ووقع عنده
[الحباب] بالحاء المهملة بدلا من [الجباب] بالجيم
المعجمة، والنجوم الزاهرة "7/ 22"، ووقع عنده أيضا
[الحباب] بالحاء المهملة. وشذرات الذهب لابن العماد
"5/ 240".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1411"، والنجوم الزاهرة
لابن تغري بردي "7/ 22"، وشذرات الذهب "5/ 240".
(16/413)
وَأَجَاز لَهُ أَبُو الفَتْحِ بنُ
البَطِّيِّ، وَجَمَاعَةٌ.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَاتِ، وَأَقرَأَ مُدَّةً
طَوِيْلَةً، وَكَانَ صَالِحاً، دَيِّناً، فَاضِلاً،
دَائِمَ البِشْرِ، عَالِيَ الرِّوَايَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الحُلْوَانِيَّةِ،
وَالدِّمْيَاطِيُّ، وَمَجْدُ الدِّيْنِ العُقَيْلِيُّ،
وَجَمَالُ الدِّيْنِ الشَّرِيْشِيُّ، وَعِزّ الدِّيْنِ
الفَارُوْثِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ القَزَّاز،
وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن المُقَيَّرِ، وَتَاج الدِّيْنِ
الغَرَّافِيّ، وَعَفِيْف الدِّيْنِ ابْن
الدوَالِيبِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كتب بِخَطِّهِ كَثِيْراً
مِنَ الكُتُبِ المُطَوَّلاَتِ، وَلَقَّنَ خَلْقاً،
كَتَبْتُ عَنْهُ شَيْئاً يَسِيْراً عَلَى ضَعْفٍ
فِيْهِ.
وَقَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: تُوُفِّيَ فِي سَابِعَ
عَشَرَ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَتْ جِنَازَتُهُ
مَشْهُوْدَةً.
قُلْتُ: تَفَرَّدَت بِإِجَازتِه زَيْنَب بِنْت
الكَمَال، وَقَدْ رَوَت عَنْهُ مَرَّات جُزء الحَفَّار
وَ"مَشْيَخَة شُهْدَة"، وَثَانِي "المَحَامِلِيَّات"،
وَ"جُزء حَنْبَل"، وَ"أَمَالِي الدَّقِيْقِيِّ"،
وَ"جُزء ابْن علم"، وَ"قَصْر الأَمل"، وَ"الشُّكر"،
وَ"القَنَاعَةَ"، وَ"المُوَطَّأ" لِلْقَعْنَبِيِّ،
وَ"المُوَطَّأَ" لِسُوْيَدٍ، وَأَشيَاءَ.
وَكَانَ أَبُوْهُ الشَّيْخ مَحْمُوْدٌ الضَّرِيرُ
مُقْرِئاً خَيِّراً مِنْ أَهْلِ بَابِ الأَزجِ. سَمِعَ
الكَثِيْر مِنْ أَبِي الوقت وابن ناصر. روى عَنْهُ
ابْنُ النَّجَّارِ وَقَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ
وست مائة.
(16/414)
5849- ابن رواج
1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُحَدِّثُ مُسنِدُ
الإِسْكَنْدَرِيَّةِ رَشِيدُ الدِّيْنِ أَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ رَوَاجٍ وَاسْمُهُ:
ظَافرٌ بنِ عَلِيِّ بنِ فُتُوْح بن حُسَيْنٍ
الأَزْدِيّ القُرَشِيُّ، حَلِيفُهُمُ،
الإِسْكَنْدَرَانِيُّ المَالِكِيّ الجَوْشَنِي.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَطلب بِنَفْسِهِ -فَأَكْثَر- عَنِ السِّلَفِيّ،
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الطَّاهِر بن عَوْف، وَمَخْلُوْف
بن جَارة، وَأَبِي طَالِبٍ أَحْمَد بن المُسَلَّم،
وَمشرف بن عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيّ، وَمُحَمَّد بن
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَضْرَمِيّ، وَأَخِيْهِ؛
أَحْمَد، وَمُقَاتِل بن عَبْدِ العَزِيْزِ البَرْقِيّ،
وَظَافر بن عَطِيَّةَ، وَيَحْيَى بن قلُنبا،
وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ الكِرْكنتِي، وَعَبْد
الوَاحِدِ بن عَسْكَر، وَطَائِفَة.
وَنسخَ الأَجزَاء، وَخَرَّجَ لِنَفْسِهِ
"الأَرْبَعِيْنَ". وَكَانَ فَقِيْهاً فَطناً، دينًا،
متواضًا، صحيح السماع، انقطع بِمَوْتِهِ شَيْءٌ
كَثِيْرٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَة، وَابْنُ النَّجَّارِ،
وَالمُنْذِرِيُّ، وَالرَّشِيْدُ العَطَّارُ،
وَالضِّيَاءُ السَّبْتِيّ، وَالدِّمْيَاطِيّ،
وَالشَّرَفُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَالتَّاجُ
الغَرَّافِيُّ، وَبِلاَلٌ المُغِيْثِيُّ، وَشِهَابُ
بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ
الصَّقَلِّيُّ، وَعَبْدُ القَادِرِ ابْنُ
الخَطِيْرِيِّ، وَأَبُو الفتح بن النشور، ويوسف بن عمر
الختني، وعدة.
توفي في ثامن عشر ذي القعدة، سنة ثَمَانٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، بِالثَّغْرِ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: فَخر القُضَاة أَحْمَد بن
مُحَمَّدِ ابْن الجَبَّابِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ
إِبْرَاهِيْم بن مَحْمُوْدٍ ابْن الخَيِّر الأَزَجِيّ،
وَالعَدْل مُظَفَّر بن عَبْدِ المَلِكِ بنِ الفُوِّيّ،
وَالمُحَدِّثُ أَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُف بن خَلِيْل،
وَصَاحِبُ اليَمَنِ نُوْر الدِّيْنِ عُمَرُ بنُ
رَسُوْلٍ التُّرُكْمَانِيُّ قُتِلَ، وَصَاحِبُ مِصْرَ
المُعَظَّمُ ابْن الصَّالِح قُتِل، وَصَاحِب دِمَشْق
الصَّالِح إِسْمَاعِيْل أَبُو الخِيش قُتِلَ.
وَفِي سَنَة سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَسَبْع مائَة شَيْخ
مُعَمَّرٌ يَرْوِي عَنْهُ بِالإِجَازَةِ. وَهُوَ أَخُو
محيي الدين المقدسي.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1411"، والنجوم الزاهرة
لابن تغري بردي "7/ 22"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/
242"، ووقع عندهم [ابن رواح] بالحاء المهملة بدل [ابن
رواج] بالجيم المعجمة.
(16/414)
5850- ابن
العليق 1:
الشَّيْخُ العَالِمُ الصَّالِح المُعَمَّرُ أَبُو
نَصْرٍ أَعزُّ بنُ فَضَائِلَ بن أَبِي نَصْرٍ بنِ
عَبَّاسوهُ ابْن العُلَّيْقِ البَغْدَادِيّ
البَابَصْرِيّ. وَيُعْرَفُ أَيْضاً: بِابْنِ
بُنْدُقَةَ.
سَمِعَ مِنْ: شُهْدَةَ الكَاتِبَةِ "مُوَطَّأَ
القَعْنَبِيِّ" وَ"القَنَاعَةَ" لابْنِ أَبِي
الدُّنْيَا، وَ"الكَرَامَاتِ" للخلال، و"مجالي
الدَّعوَةِ" وَالرَّابِعَ مِنْ "حَدِيْثِ
الصَّفَّارِ". وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الحَقِّ بنِ
يُوْسُفَ، وَأَبِي المُظَفَّرِ بنِ حَمْدِي، وَعَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ يَعِيْشَ القَوَارِيْرِيِّ،
وَالمُبَارَكِ بنِ الزَّبَيْدِيّ.
وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِالإِجَازَةِ أَبُو طَاهِرٍ
السِّلَفِيُّ.
وَكَانَ دَيِّناً خَيِّراً، فَاضِلاً، يَقظاً، كَثِيْر
التلاوة، عَالِيَ الرِّوَايَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الحُلْوَانِيَّةِ،
وَالدِّمْيَاطِيُّ، وَمَجْد الدِّيْنِ العَدِيْمِي،
وَجَمَال الدِّيْنِ الشَّرِيْشِيّ، وَالفَقِيْه
سُلَيْمَان بن رَطْلَيْن وَجَمَاعَة.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: بِالإِجَازَةِ عَبْد المَلِكِ بن
تَيْمِيَةَ، وَابْنُ عَمِّهِ، وَعَلاَء الدِّيْنِ
ابْنُ السَّكَاكِرِيِّ، وَعِدَّة.
تُوُفِّيَ فِي سَادِسَ عَشَرَ رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. وَآخِرُ مَنْ رَوَى
عَنْهُ بِالسَّمَاعِ: مُحَمَّدٌ ابنُ الدَّوَالِيبِيِّ
الوَاعِظ، وَتَفرَّدَتْ بِنْتُ الكَمَالِ
بِإِجَازَتِهِ فِي وقتنا.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "7/ 24"، وشذرات الذهب "5/
244".
(16/415)
5851- النشتبري
1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الفَقِيْهُ الجَلِيْل المُحَدِّثُ
المُعَمَّرُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
الخَالِقِ بنُ الأَنْجَبِ ابن مُعَمَّرِ بنِ حَسَنٍ
العِرَاقِيّ النِّشْتِبْرِيّ ثُمَّ المَارْدِيْني
الشَّافِعِيّ، وَيُعْرَفُ بِالحَافِظ.
رَحل، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ
شَاتيل، وَأَبِي بَكْرٍ الحَازِمِيِّ الحَافِظِ،
وَعَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَأَبِي الفَرَجِ
ابن الجوزي، وطائفة. وَبِمِصْرَ مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ
بنِ يَاسِيْنَ، وَطَائِفَةٍ، وَبِدِمَشْقَ من: إسماعيل
الجنززوي، وَالخُشُوْعِيِّ.
وَرَأَيْت إِجَازَةً صَحِيْحَةً فِي قطع لطيف فِيْهَا
اسْمُ عَبْد الخَالِقِ هَذَا مِنْ وَجيه
الشَّحَّامِيّ، وَعَبْد اللهِ ابْن الفُرَاوِيِّ،
وَعَبْد الخَالِقِ بن زَاهِر، وَأَبِي الأَسْعَدِ
القُشَيْرِيِّ، وَالحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ
الشَّحَّامِيِّ، وَشَهْرَدَارَ بنِ شِيْرَوَيْه،
وَعبدُ الخَالِق اليوسفِي، وَنَصْرُ بنِ نَصْرٍ
العُكْبَرِيّ، وَهِبَةِ اللهِ ابْنِ أُخْتِ
الطَّوِيْلِ، وَمَوْهُوْبِ ابْنِ الجَوَالِيْقِيِّ،
وَعَبْدِ المَلِكِ الكَرُوْخِيِّ، وَطَبَقَتِهِم،
فَاسْتبعدتُ ذَلِكَ وَلَمْ أَحتفل بِأَمرِهَا إِذْ
ذَاكَ، وَتَوقَّفْنَا فِي شَأْنِهَا.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: سَأَلتُ الحَافِظ الضِّيَاءَ
عَنْهُ، فَقَالَ: صَحِبنَا فِي السَّمَاعِ بِبَغْدَادَ
وَمَا رَأَينَا مِنْهُ إلَّا الخير، وبلغنا أنه فقيه
حافظ.
وقل غَيْرُهُ: كَانَ مُنَاظِراً، مُتَفَنِّناً،
كَثِيْرَ الموَاد.
وَقَالَ الحَافِظُ عِزّ الدِّيْنِ الشَّرِيْفُ: كَانَ
يذكر أَنَّهُ وُلِدَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ، وَأَنَّهُ أَجَاز لَهُ جَمَاعَةٌ
مِنْهُم أَبُو الفَتْحِ الكَرُوْخِيّ.
قُلْتُ: التَّردُّدُ مَوْجُوْدٌ فِي هَذِهِ
الإِجَازَةِ هَلْ هِيَ لَهُ أَوْ لأَخٍ لَهُ بِاسْمِهِ
مَاتَ قَدِيْماً؛ فَإِنِّي رَأَيْت شُيُوْخنَا
كَالدِّمْيَاطِيّ وَابْن الظَّاهِرِي، فَقَدِ
ارْتحلُوا إِلَيْهِ، وَسَمِعُوا مِنْهُ مِنْ روايته عن
ابن شاتيل،
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "7/ 24"، وشذرات الذهب
لابن العماد "5/ 244، 245".
(16/416)
وَغَيْرِهِ، وَسَمِعُوا بِهَذِهِ
الإِجَازَة، وَرَأَيْت "جَامِع أَبِي عِيْسَى" قَدْ
قرَأَه شَيْخنَا ابْنُ الظَّاهِرِي عَلَيْهِ،
وَلَوْلاَ صِحَّة الإِجَازَة عِنْدَهُ لَمَا أَتعب
نَفْسه، وقد قال الدمياطي: إنه جاوز المئة، وَقَالَ:
كَانَ فَقِيْهاً عَالِماً، ثُمَّ ضبط النِّشْتِبْرِيَّ
بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ
النَّجَّارِ: بَلَغَنِي أَنَّهُ ادَّعَى الإِجَازَةَ
مِنْ مَوْهُوْب ابْن الجواليقي والكروخي وجماعة، وروى
عَنْهُم، وَمَا أَظُنُّ سِنَّهُ تَحْتملُ ذَلِكَ.
قُلْتُ: قَرَأَ عَلَيْهِ السَّرَّاج عُمَر بن شُحَانَة
"الأَرْبَعِيْنَ" لِعَبْدِ الخَالِقِ الشَّحَّامِيِّ
فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ
بِآمِدَ بِإِجَازَتِهِ مِنْهُ، -فَاللهُ أَعْلَمُ؛
وَلاَ رَيْب أَنَّهُ رَجُل فَقِيْه النَّفْس يَدْرِي
مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَانَ أَدْرَكَ ذَلِكَ
الزَّمَانَ أولًا، وَقَدِ ادَّعَى أَنَّهُ وُلِدَ
سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ، فَعَلَى هَذَا يَكُوْن
قَدْ عَاشَ مائَة وَاثْنَيْ عَشَرَ عَاماً.
حَدَّثَ عَنْهُ: مَجْد الدِّيْنِ ابْن العَدِيْم،
وَشَمْس الدِّيْنِ ابْن الزَّين، وَشَمْس الدِّيْنِ
مُحَمَّد بن التِّيْتِيِّ الآمِدِيّ، وَالحَافِظَان
الدِّمْيَاطِيّ وَابْن الظَّاهِرِي، وَطَائِفَة.
وَمِنَ القُدَمَاء: أَبُو عَبْدِ اللهِ البِرْزَالِيّ،
وَبِالإِجَازَةِ: أَبُو المَعَالِي ابْن البَالِسِيّ،
وَأَبُو عَبْدِ اللهِ ابْن الدَّباهِيّ، وَزَيْنَب
بِنْت الكَمَالِ، وآخرون.
وقد توفي في سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ، فِي الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي
الحِجَّةِ.
وَرَأَيْت شُيُوْخنَا كَالدِّمْيَاطِيّ وَابْن
الظَّاهِرِي قَدِ ارْتحلُوا إِلَيْهِ، وَسَمِعُوا
مِنْهُ مِنْ رِوَايَته عَنِ ابْنِ شَاتيل وَغَيْرِهِ،
وَسَمِعُوا بِهَذِهِ الإِجَازَة؛ فَمِنَ المُجِيْزِينَ
لَهُ كِبَارٌ مِنْهُم:
نَصْر بن نَصْرٍ العُكْبَرِيّ عِنْدَهُ عوَال، مِنْ
ذَلِكَ: الأَوّل الكَبِيْر مِنْ حَدِيث المُخَلِّص،
وَ"مَشْيَخَة" أَبِي الغَنَائِم بن أَبِي عُثْمَانَ
مِنْهُ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
العَلاَّمَة أَبُو مَنْصُوْرٍ مَوْهُوْب بن أَحْمَدَ
بنِ الجَوَالِيْقِيّ، سَمِعَ الكَثِيْر مِنِ: ابْنِ
البُسْرِيّ، وَأَبِي طَاهِرٍ بنِ أَبِي الصَّقْرِ،
وَخَطِيْب الأَنْبَار عَلِيّ بن مُحَمَّد، مَاتَ
سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ المَلِكِ ابنُ أَبِي القَاسِمِ
عَبْد اللهِ بن أَبِي سَهْل الكَرُوْخِيّ الصُّوْفِيّ
رَاوِي "الجَامِع"، وَكَانَ ثِقَةً صَالِحاً،
يَتبلَّغُ مِنَ النَّسْخَ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
أَبُو بَكْرٍ هِبَةُ اللهِ بنُ الفَرَجِ ابْن أُخْت
الطَّوِيْل شَيْخ هَمَذَان، سَمِعَ "سُنَن أَبِي
دَاوُدَ" من علي ابن مُحَمَّدٍ البَجَلِيّ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ لاَل، أَخْبَرْنَا ابْنُ
دَاسَة، وَسَمِعَ مِنْ جَمَاعَة، مَاتَ سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ عَنْ
تِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَمِنَ المُحَدِّثِيْنَ: أَبُو المَعَالِي ابْنُ
السَّمِيْنِ، وَعَبْد الكَرِيْمِ بن الحَسَنِ
الكَاتِب، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ مُحَمَّدٍ
الطُّوْسِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ
بنِ مُحَمَّدِ الطُّوْسِيّ الَّذِي حَدَّثَ عَنْهُ:
عبد القادر
(16/417)
الحافظ، وظاهر بن زَاهِر بن طَاهِرٍ
الشَّحَّامِيّ، وَأَخُوْهُ؛ الفَضْل، وَابْن
عَمِّهِمَا؛ مُحَمَّد بن وَجيه، وَاللهِ سُبْحَانه
أَعْلَم.
وَقَدْ كَانَ النِّشْتِبْرِيّ بَعَثَ الإِجَازَةَ
إِلَى ابْنِ الوَلِيْدِ فِي سَنَةِ سِتٍّ
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، فَتكلّم لَهُ عَلَى
أَكْثَرهِم وَمَا رَأَينَاهُ أنكر ذلك، وكان عالمًا
صاحب حَدِيْث، وَكَانَ النِّشْتِبْرِيّ مِنْ كِبَارِ
العُلَمَاءِ مَعْرُوْفاً بِالسَّتْر وَالصِّيَانَة،
وَمَا كَانَ لِيستحل مَعَ ذَكَائِهِ وَفَهمه
وَطَلَبِهِ لِلْحَدِيْثِ وَرِحلَتِه فِيْهِ أَنْ
تَكُوْن الإِجَازَةُ لأَخٍ لَهُ بِاسْمِهِ قَدْ مَاتَ
صَغِيْراً وَسُمِّيَ الضِّيَاء بِاسْمِهِ
فَيَدَّعِيهَا، وَيُؤكِّد ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّنِي
وُلِدْت سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَيُحَدِّث
بِهَا مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ وَإِلَى أَنْ مَاتَ، وَهَذَا عُلُوّ مُفْرِط
يُقتصَرُ مِنْهُ العَجَبُ، وَيَهَابُهُ صَاحِب
الحَدِيْث فِي البَدِيْهَةِ، ثُمَّ يَترجَّحُ عِنْدَهُ
بِالقرَائِنِ صِحَّة ذَلِكَ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَرَأْت بِهَذِهِ الإِجَازَةِ أَنَا فِي
حُدُوْدِ سَنَةِ سَبعٍ مائَة عَلَى شَيْخِنَا أَبِي
عَبْدِ اللهِ الدُّباهِي بِإِجَازَتِهِ مِنَ
النِّشْتِبْرِيِّ أَنَّ الكَرُوْخِيّ أَنبَأَهُم،
وَالآنَ، -وَهُوَ سَنَة سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسَبْع
مائَة، تَرْوِي عَنْهُ بِالإِجَازَةِ بِنْتُ الكَمَالِ
الَّتِي كَتَبَ بِهَا إِلَيْهَا فِي سَنَةِ سَبْعٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، فَمَنْ أَرَادَ
الْعُلُوّ الَّذِي لاَ نَظِيْرَ لَهُ فَليَسْمِعْ
بِهَا، فَلَو ارْتَحَلَ الطَّالب لسَمَاع جُزْء وَاحِد
مِنْ ذَلِكَ شَهْراً لَمَا ضَاعت رحلته،
فَالمُجِيْزُونَ لَهُ:
وَجيه الشَّحَّامِيّ سَمَّعَهُ أَبُوْهُ الكَثِيْر
وَارْتَحَلَ هُوَ إِلَى هَرَاةَ وَبَغْدَادَ، وَسَمِعَ
"الصَّحِيْح" مِنْ أَبِي سَهْلٍ مُحَمَّدِ بنِ
أَحْمَدَ الحَفْصِيِّ بِسَمَاعِهِ مِنَ الكشْمهينِي،
وَسَمِعَ "فَوَائِد المَخْلَدين" سِتَّة وَعِشْرِيْنَ
جُزْءاً مِنْ أَبِي حَامِد الأَزْهَرِيّ، وَسَمِعَ
"مُسْنَد السَّرَّاجِ" مِنَ القُشَيْرِيّ
وَ"رِسَالَته"، وَحَدَّثَ بِهَا، قَالَهُ أَبُو
مُحَمَّدٍ بنُ الوَلِيْدِ، قَالَ: وَسَمِعَ
"الزُّهرِيَات" لِلذهلِي مِنَ الأَزْهَرِيّ عَنِ ابْنِ
حَمْدُوْنَ عَنِ ابْنِ الشَّرْقِيّ عَنْهُ، وَسَمِعَ
"سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ" مِنْ أَبِي الفَتْحِ نَصْرِ
بنِ عَلِيٍّ الحَاكمِي: أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ
الرُّوذبارِي، أَخْبَرْنَا ابْنُ دَاسَة قَالَ:
وَكَانَ ثِقَةً إِمَاماً، وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ
وَخَمْسِيْنَ وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ،
سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
هبَة الرَّحْمَن عَبْد الوَاحِدِ ابْن القُشَيْرِيِّ
أَبُو الأَسْعَد، خَطِيْب نَيْسَابُوْر، سَمِعَ "سُنَن
أَبِي دَاوُدَ" مِنَ الحَاكمِي أَيْضاً، وَسَمِعَ مِنْ
جدّه حُضُوْراً فِي الخَامِسَة، وَسَمِعَ "صَحِيْح
أَبِي عَوَانَة" مِنْ عَبْدِ الحَمِيْدِ بن عَبْدِ
الرَّحْمَنِ البحيْرِيّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ
المَهْرَجَانِي عَنْهُ، قَالَهُ ابْنُ الوَلِيْدِ.
قُلْتُ: وَلَهُ "أَرْبَعُوْنَ" عوالٍ، تُوُفِّيَ
سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَمِنْهُم: الحُسَيْن بن عَلِيٍّ الشحامي.
(16/418)
قُلْتُ: هَذَا مَا عرفه ابْن الوَلِيْدِ،
وَهُوَ ابْنُ ابْن عَمِّ وَجيه صدر رَئِيْس، سَمِعَ
الثَّالِث مِنَ "المُسْنَد" لِلسرَاج مِنِ ابْنِ
المُحِبِّ وَ"صَلاَة الضُّحَى" لِلْحَاكِمِ يَرْوِيْهِ
عَنِ ابْنِ خَلَفٍ عَنْهُ. مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ
وَأَرْبَعِيْنَ.
عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ خَلَفِ بنِ طَاهِرٍ
الشَّحَّامِيّ المُعَدَّل، أَبُو المُظَفَّرِ سَمِعَ
مِنِ ابْنِ المُحِبّ وَأَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ، مَاتَ
سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
عَبْدُ الخَالِقِ بنُ زَاهِرٍ الشَّحَّامِيُّ، قَالَ
ابْنُ الوَلِيْدِ: عَالِمٌ ثِقَةٌ اسْتملَى سِنِيْنَ
علَى الشُّيُوْخِ وَأَملَى وَحَدَّثَ. قُلْتُ: لَهُ
"أَرْبَعُوْنَ" وَ"أَرْبَعُوْنَ" سَمِعْنَاهُمَا، عدم
فِي الكَائِنَة سَنَة تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
أَبُو البَرَكَاتِ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ ابْن
الفُرَاوِيّ، ثِقَة عَالِم، سَمِعَ مِنْ جَدَّيه،
وَسَمِعَ "صَحِيْح أَبِي عَوَانَة"، مُلَفَّقاً عَلَى
ثَلاَثَة.
أَبُو مَنْصُوْرٍ شَهْرَدَار بن شِيْرَوَيْه
الدَّيْلَمِيّ الهَمَذَانِيّ، سَمِعَ أَبَاهُ أَبَا
شُجَاع، وَأَبَا الفَتْح بن عَبْدُوْس، وَابْن حَمْدٍ
الدُّوْنِيَّ، مَاتَ سَنَةَ ثمان وخمسين وخمس مائة.
أَبُو العَلاَءِ الحَسَن بن أَحْمَدَ الهَمَذَانِيّ
العَطَّار المُقْرِئ صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، إِمَام.
أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَحْمَدَ
اليُوْسُفِيّ المُحَدِّث، سَمِعَ مِنْ أَبِي نَصْرٍ
الزَّيْنَبِيِّ، وَعَاصِمِ بنِ الحَسَنِ، وَخَلْقٍ،
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَلَهُ
أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
أَبُو القَاسِمِ نَصْر بن نَصْرٍ العُكْبَرِيّ
الوَاعِظ سَمِعَ أَبَا القَاسِمِ بن البُسْرِيِّ.
وَقَرَأْت تَرْجَمَة طَوِيْلَة لِلنِّشتبرِي بِخَطِّ
أَبِي الفَتْحِ الحَافِظِ، فَقَالَ: عَبْدُ الخَالِقِ
بنُ أَنْجَب بن المُعَمَّرِ بنِ حَسَنِ بنِ عُبَيْدِ
اللهِ بنِ يُوْسُفَ بنِ رُوحين النِّشْتِبْرِيّ
المَوْلِد؛ -قرِيَة بِقُرْبِ شهرَابَان- قَالَ فِيْهِ
ابْن مَسدِي: شَيْخٌ مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ
مِمَّنْ رُحِلَ فِيْهِ إِلَى البُلْدَانِ مَعَ
الحِفْظِ وَالإِتْقَانِ. سَمِعَ بِأَمَاكِنَ وَكَانَ
كَثِيْرَ السَّمَاعِ مُتَّسِعَ الرِّوَايَاتِ، لَمْ
أَقِفْ لَهُ عَلَى سَمَاعٍ قَبْلَ عَشْرِ
الثَّمَانِيْنَ وَلَهُ إِجَازَاتٌ مِنْ جَمَاعَةٍ
انفَرَدَ عَنْهُم، مِنْهُم: أَسَعْدُ بنُ عَبْدِ
الوَاحِدِ ابْن القُشَيْرِيِّ، وَوَجِيْه
الشَّحَّامِيّ وَالكَرُوْخِيّ وَابْن الجَوَالِيْقِيّ،
وَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَجه الأَرْضِ سَنَةَ
أَرْبَعِيْنَ مَنْ يُحَدِّثُ عَنْهُم سِوَاهُ.
وَاخْتَلَف الحُفَّاظ فِي هَذِهِ الإِجَازَةِ بَيْنَ
التَّوقف وَالإِجَازَةِ فَمِنْ قَائِلٍ: دُلّسَ
عَلَيْهِ فِيْهَا فَتلقَاهَا بِالقَبُولِ، وَمِنْ
قائل: هي صحيحة، وطرق الظنة إلها اضْطِرَابُهُ فِي
تَارِيْخ مَوْلِدِهِ، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ
أَنَّهُ قَبْلَ الأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ
بِسَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، سَكَنَ دُنَيْسر مُدَّةً
ثُمَّ مَارْدِيْن.
(16/419)
قَالَ أَبُو الفَتْحِ: أَخرج إِلَيْنَا
الأَمِيْر ابْن التِّيْتِيّ إِجَازَة عَبْدِ الخَالِقِ
فَنَقَلَهَا وَخطُّ الكَرُوْخِيّ فِيْهَا فِي الورقَةِ
المَكْتُوْبِ فِيْهَا الاسْتِدْعَاء وَهُوَ: إِنْ
رَأَى السَّادَةُ أَنْ يُجِيْزُوا لِعَبْدِ العَزِيْزِ
بنِ عَبْدِ اللهِ التُّوْنُسِيّ وَللأَنْجَبِ بن
المُعَمَّر بن الحَسَنِ وَلِوَلَدَيه يَحْيَى وَعَبْد
الخَالِقِ جَمِيْع صَحَّ وَيَصح عِنْدَهُم مِنْ
جَمِيْع مَا تسوَغ رِوَايَته عَنْهُم فَعلُوا
مُنْعِمِين فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ ثَمَانٍ
وَثَلاَثِيْنَ. قَالَ: وَعَلَى التَّارِيْخ ضَرْبَ،
فَكَتَبَ الشُّيُوْخ: أَجزت لَهُم أَدَام الله عزهُم
فيما استجازوه، وكتب وجيه ابن طَاهِر كَذَلِكَ: أَجزت
لَهُم، وَكَتَبَ الحُسَيْن بن عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ
الشَّحَّامِيّ، وَسردَ أَبُو الفَتْحِ سَائِرهُم،
ثُمَّ قَالَ:
وَرَأَيْت خطّ الصَّاحب شَرَف الدِّيْنِ ابْن
التِّيْتِيّ: عَبْد الخَالِقِ النِّشْتِبْرِيّ
المَعْرُوف بِالحَافِظ، فَقِيْه أَديب بَارِع، لَهُ
الذّهن الحَاضِر وَالخَاطر العَاطر، كَانَ يَحْفَظ
مِنْ أَشعَار الْعَرَب جُمْلَةً وَافرَة. سَمِعَ
بِالعِرَاقِ ابْن شَاتيل، وَبِدِمَشْقَ، وَمِصْر،
وَبلاَد كَثِيْرَة، سَمِعْتُ عَلَيْهِ وَابْنِي
مُحَمَّد، وَحَدَّثَ بِـ "جَامِع التِّرْمِذِيِّ" عَنِ
الكَرُوْخِيِّ إِجَازَة، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الخَالِقِ، وَهُوَ أَوّلُ حَدِيْثٍ سَمِعتُه
مِنْهُ، وَسَاقَ الحَدِيْث فَزَادَ فِي إِسْنَادِه
رَجُلاً فَصَلَهُ بَيْنَ زَاهِر وَبَيْنَ المُؤَذِّنِ.
ثم قال: وسمع منم الحَازِمِي "النَّاسخ
وَالمَنْسُوْخ"، وَمِنِ ابْنِ كُلَيْبٍ كِتَاب "أَدب
الكَاتِب" عَنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ الكَاتِب سِوَى
الخُطْبَةِ عَنْ أَبِي القَاسِمِ التَّنُوْخِيّ،
وَسَمِعَ مِنْ درَّة بِنْت عُثْمَان عَنِ ابْنِ
الطّبر، وَمِنْ أَحْمَد ابْن خَطِيْب المَوْصِل
وَطُغْدِي الأَمِيْرِي، وَالخُشُوْعِيُّ؛ سَمِعَ
مِنْهُ "المَقَامَات"، وَ"سُنَن أَبِي دَاوُدَ"، منصور
بن أَبِي الحَسَنِ الطَّبَرِيّ، وَمُسْلِم بن عَلِيٍّ
السِّيْحِيّ الشَّاهد، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ شدقينِي،
وَعَبْد الغني ابن عليان، وَعَبْد اللهِ بن أَبِي
المَجْدِ، وَعَبْد القَادِرِ الرُّهَاوِيِّ، وَأَبِي
الفَرَجِ ابْن البَنْدَنِيْجِيّ، وَحَمَّاد
الحَرَّانِيّ، وَابْن هَبَلٍ، وَمُحَمَّد بن
المُبَارَكِ بن مَيْمُوْنٍ، وَعَبْد العَزِيْزِ بن
النَّاقِد، وَعَبْد اللهِ ابْن الطَّوِيْلَة، وَعَبْد
اللهِ بن أَبِي غَالِبٍ بنِ نزال، وَمُحَمَّد بن أَبِي
المُعَمَّر، وَابْن الخُرَيف، وَعَبْد العَزِيْزِ بن
مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عِيْسَى لقِيه بِبعقوبَا،
وَالعِمَاد الكَاتِب، وَأَبِي تُرَاب يَحْيَى بن
إِبْرَاهِيْمَ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن حَمَّادٍ،
وَالتَّاج الكِنْدِيّ، وَنَصْر اللهِ بن أَبِي
سُرَاقَة، وَالحَسَن بن مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيّ،
وَهِبَة اللهِ البُوْصِيْرِيّ، وَعَبْد اللهِ بن
سرَايَا البَلَدِيّ بِالمَوْصِلِ وَمَكِّيّ بن رَيَّان
المَاكِسِيْنِيّ، وَالمُبَارَك ابْن المَعْطُوْشِ،
وَإِسْمَاعِيْل بن عَلِيِّ بنِ عُبَيْدٍ بِالمَوْصِلِ،
وَيَحْيَى بن المُظَفَّرِ المَوْصِلِيّ، وَأَحْمَد بن
عُثْمَانَ الزرزَارِي الزَّاهِد، وَعَبْد اللهِ بن
مُحَمَّدِ بنِ حَسَنٍ الصِّلْحِيّ سَمِعَ منه بسنجار
في سنة خمس وثمنين، وَالزَّاهِد أَبِي أَحْمَدَ عَبْد
اللهِ بن الحَسَنِ بنِ البَنَّاءِ بِنِيْنَوَى وَمَاتَ
فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمَا رَأَيْتُ
مِثْلَه، وَعَبْد اللهِ بن نَصْرٍ المَوْصِلِيّ،
وَأَبِي الفَتْحِ نَصْرِ بنِ عَلِيٍّ بدُنَيْسِر،
وَمُسْلِم بن أَحْمَدَ بنِ مُسْلِمٍ بِسِنْجَار،
وَقَاضِي نَصِيْبِيْن القوَام مَحْمُوْد بن أَبِي
مَنْصُوْرٍ رَوَى عَنِ التَّاج المَسْعُوْدِيّ،
وَعَلِيّ بن أَبِي مَنْصُوْرٍ بن مَكَارِم،
وَسُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ الشِّيْرَجِيّ
بِالمَوْصِلِ، وَإِسْمَاعِيْل بن يَاسِيْنَ بِمِصْرَ،
وَمُحَمَّد بن غَنِيْمَة بن العَاقِ، وَأَبِي
البَرَكَاتِ بنِ جيزون الماكسيني، وابراهيم بن نصر
ومحمد بن عَسْكَر بِالمَوْصِلِ، وَمُحَمَّد ابْن
الدُّبَيْثِيّ، وَعَبْد الكَرِيْمِ بن يَحْيَى
القَيْسِيّ، وَالبَهَاء ابْن عَسَاكِرَ، سَمِعَ مِنْهُ
"تَفْسِيْر سليم"، وَأَبِي الفُتُوْح البَكْرِيّ، وأبي
القَاسِمِ الدَّوْلَعِيّ، وَمَكِّيّ بن عَلِيٍّ
الحَرْبِيِّ، وَأَبِي الفتح بن شاتيل، ونصر بنِ
مَنْصُوْرٍ النُّمَيْرِيِّ، سَمِعَ مِنْهُ خُطَبَ
ابْنِ نباتة: أخبرنا ابن نبهان.
(16/420)
الكمال، ابن سعد:
5852- الكَمَالُ 1:
إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ المَعَرِيُّ المُفْتِي
الأَوْحَدُ مُعِيدُ الرَّوَاحِيَّةِ عِنْد ابْنِ
الصَّلاَحِ، مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ عَالِماً، زَاهِداً،
مُتَوَاضِعاً، مُؤثراً.
قُلْتُ: تَصَدَّرَ لِلإِفَادَة وَالفَتْوَى مُدَّة،
وَتَفَقَّهَ بِهِ جَمَاعَة، وَكَانَ قُدْوَة فِي
الوَرَع، عُرِضَتْ عَلَيْهِ مَنَاصبُ، فَامْتَنَعَ،
وَقَالَ: فِي البَلَد مَنْ يَقوم مَقَامِي، وَكَانَ
يُدمن الصَّوْمَ، وَيَتصدَّق بِثُلُثِ جَامكيَّتِهِ،
وَيُؤثر رَحِمَهُ، وَكَانَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ يَكتبُ
ختمَةً وَيُوقفهَا. مَرِضَ بِالبطنِ أَرْبَعِيْنَ
يَوْماً، وَتُوُفِّيَ وَلَهُ نَيِّفٌ وَسِتُّوْنَ
سَنَةً، وَكَانَ أَسْمَر طَوِيْلاً. كَانَ شَيْخنَا
البُرْهَان الإِسْكَنْدَرَانِي يُعظِّمه وَيَصف
شَمَائِله.
وَمَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَة خمسين وست مائة،
فمات يومئذ كبير الشرفَاء ابْنُ عَدْنَان الشِّيْعِيّ،
بِدِمَشْقَ، فَرَآهُ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقَالَ: مَا
فَعَلَ اللهُ بِكَ? قَالَ: غَفَر لِي، وَلِمَنْ مَاتَ
ذَلِكَ اليَوْمَ بِبَرَكَةِ الكمال إسحاق المعري.
5853- ابن سعد 2:
الصَّدْر الأَدِيْب البَلِيْغُ شَمْس الدِّيْنِ أَبُو
عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ
بن سعد ابن مُفلح بن نُمَيْرٍ الأَنْصَارِيّ،
المَقْدِسِيّ، ثُمَّ الصَّالِحيّ، الحَنْبَلِيّ،
الكَاتِب.
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ يَحْيَى الثَّقَفِيِّ، وَأَبِي
الحُسَيْنِ ابنِ المَوَازِيْنِيّ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ
ابْن الخِرَقِيّ، وَابْنِ صَدَقَةَ، وَإِسْمَاعِيْل
الجَنْزَوِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ يَنَالَ التُّرك،
وَابْنِ شَاتِيلَ، وَأَبِي مُوْسَى المَدِيْنِيِّ،
وَلَهُ النَّظمُ وَالتَّرسُّل وَالفَضَائِلُ
وَالسُّؤْدُدُ، كتبَ الإِنشَاء لِلصَّالِحِ عِمَادِ
الدِّيْنِ إِسْمَاعِيْلَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ سَعْدُ الدِّيْنِ يحيى،
والحافظ الضياء، وَالدِّمْيَاطِيّ، وَالقَاضِي تَقِيّ
الدِّيْنِ، وَالعَفِيْفُ إِسْحَاقُ وَآخَرُوْنَ،
تُوُفِّيَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 249، 250".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "7/ 26، 27"، وشذرات الذهب
"5/ 251".
(16/421)
اللمغاني، الرندي،
ابن عمرون:
5854- اللمغاني:
قَاضِي القُضَاةِ كَمَالُ الدِّيْنِ أَبُو الفَضْلِ
عَبْدُ الرحمن بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بن إِسْمَاعِيْلَ
اللَّمْغَانِيّ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ الحَنَفِيّ،
مُدَرِّس المُسْتَنْصِرِيَّةِ.
حَدَّثَ عَنْ أَبِيْهِ القَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ.
رَوَى عَنْهُ: الدِّمْيَاطِيّ فِي "مُعْجَمِهِ"،
فَقَالَ: أَخْبَرَنَا قَاضِي القُضَاةِ شرقاً وَغرباً
كَمَال الدِّيْنِ.
قُلْتُ: تَخرَّج بِهِ أَئِمَّة فِي مَذْهَب أَبِي
حَنِيْفَةَ، وَعَاشَ خَمْساً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ فِي حَادِي عَشَرَ رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ
وأربعين وست مائة.
5855- الرندي 1:
العَلاَّمَةُ خَطِيْبُ رُنْدَةَ -مَدِينَةٍ
بِالأَنْدَلُسِ- أَبُو الحُسَيْنِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ
عَاصِمِ بنِ عِيْسَى الأَسَدِيُّ.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ الجَدِّ، وَأَبِي
عَبْدِ اللهِ بنِ زَرْقُوْنَ، وَأَبِي القَاسِمِ ابْنِ
حُبَيْشٍ، وَأَبِي زَيْدٍ السُّهَيْلِيِّ،
وَجَمَاعَةٍ. وَتَفَرَّد، وَرَوَى الكَثِيْرَ، وعني
بِالرِّوَايَةِ، مَعَ الفِقْهِ وَالجَلاَلَةِ
وَالأَصَالَةِ.
مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ برندة.
5856- ابن عمرون:
إِمَامُ النَّحْوِ بِحَلَبَ جَمَالُ الدِّيْنِ
مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَلِيٍّ بنِ أَبِي
سَعْدٍ بنِ عَمْرُوْنَ الحَلَبِيُّ، تِلْمِيْذُ
المُوَفَّقِ بنِ يَعِيْشَ.
سَمِعَ مِنْ: عُمَرَ بنِ طَبَرْزَذَ، وَغَيْرِهِ.
وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّة كَشَيخِنَا بَهَاءِ
الدِّيْنِ ابْنِ النَّحَّاسِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ المُؤْمِنِ الحَافِظُ.
مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "7/ 24".
(16/422)
ابن الزبيدي، ابن
المنى:
5857- ابن الزبيدي 1:
الشَّيْخُ المُعَمَّر مُسْند بَغْدَادَ فِي وَقْتِهِ
أَبُو نَصْرٍ عَبْد العَزِيْزِ بن يَحْيَى بنِ
المُبَارَكِ بن محمد ابن الزُّبَيْدِيِّ الرَّبَعِيّ،
اليَمَانِيّ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ.
وُلِدَ سَنَةَ ستين وخمس مائة.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ
الرَّحَبِيِّ، وَأَبِي المَكَارِمِ مُحَمَّد بن
أَحْمَدَ الظَّاهِرِي، وَشُهْدَة الكَاتِبَة؛ سَمِعَ
مِنْهَا "مَصَارع العُشَّاق" فِي مُجَلَّدَيْنِ،
وَغَيْر ذَلِكَ، وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي نَصْرٍ
يَحْيَى بنِ السَّدَنك، وَحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ
السَّمَّاكِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ
الدِّمْيَاطِيّ، وَقَالَ: تُوُفِّيَ فِي سَلْخِ
جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ.
وَأَجَازَ لأَبِي نَصْرٍ ابْن الشِّيْرَازِيّ،
وَعَلِيّ ابْن السكَاكرِيِّ وَعَبْدِ المَلِكِ بن
تيمية، وطائفة.
5858- ابن المني 2:
المُفْتِي المُعَمَّر المُسْنِدُ سَيْف الدِّيْنِ
أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّد بن مُقبلِ بنِ فِتْيَانَ
بنِ مَطَرٍ النهرواني، ابْنُ المَنِّيِّ
الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: شُهْدَةَ الكَاتِبَةِ "مَشْيَخَتِهَا"،
وَأَبِي الحُسَيْنِ عَبْدِ الحَقِّ، وَأَسَعْدَ بن
يَلدَرك، وَالحَيْصَ بَيْصَ الشَّاعِر وَتَلاَ
بِالعشرِ عَلَى ابْنِ البَاقِلاَنِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الحُلوَانِيَّة،
وَالشَّرِيْشِيُّ، وَالدِّمْيَاطِيّ، وَمُحَمَّد بن
بَرَكَةَ الشَّمْعِيُّ، وَالشَّيْخ مُحَمَّدٌ
القَزَّاز، وعدة.
وَأَجَازَ لِخَلْقٍ، وَكَانَ عَدْلاً، رَئِيْساً،
إِمَاماً، فَقِيْهاً، بَصِيْراً بِالاخْتِلاَفِ،
أَعَاد بِالمُسْتَنْصِرِيَّة، وَخضبَ مُدَّةً
بِالسَّوَادِ، ثُمَّ تركَ.
وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاءِ، خدمَ فِي دِيْوَانِ
التَّشرِيفَاتِ، وَأَمَّ بِمَسجِدِ المَأْمُوْنِيَّةِ،
وَعُمِّرَ دَهْراً.
مَاتَ فِي سَابع جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ تسع
وأربعين.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "7/ 24"، وشذرات الذهب "5/
245".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "7/ 24"، وشذرات الذهب "5/
246".
(16/423)
5859- ابن
الجميزي 1:
شَيْخ الدِّيَار المِصْرِيَّة العَلاَّمَة المُفْتِي
المُقْرِئ بَهَاء الدِّيْنِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ
بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ سَلاَمَةَ بن المُسَلَّمِ
اللَّخْمِيُّ المِصْرِيُّ الشَّافِعِيّ الخَطِيْب
المُدَرِّس، ابْنُ بِنْتِ الشَّيْخِ أَبِي الفَوَارِسِ
الجُمَّيْزِيِّ.
وُلِدَ يَوْمَ النَّحْرِ، سَنَة تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ، بِمِصْرَ.
وَحفظ القُرْآن صَغِيراً وَارْتَحَلَ بِهِ أَبُوْهُ،
فَسَمِعَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ مِنَ
الحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَبِبَغْدَادَ مِنْ
شُهْدَةَ الكَاتِبَةِ. وَتَلاَ بِالعشرِ عَلَى: أَبِي
الحَسَنِ البَطَائِحِيِّ، وَعَلَى القَاضِي شَرَفِ
الدِّيْنِ ابْنِ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَتَفَقَّهَ
عَلَيْهِ، وَأَكْثَر عَنْهُ. وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ:
عَبْدِ الحَقِّ اليُوْسُفِيّ، وَيَحْيَى ابنِ
السَّقْلاَطُوْنِيّ وَمُحَمَّد بن نَسيمٍ، وَبَادرَ
فَسَمِعَ مِنْ أَبِي الطَّاهِر السِّلَفِيّ، وَأَبِي
طَالِبٍ اللَّخْمِيّ، وَابْن عَوْفٍ، وَابْن بري
النحوي، وتلا على الشاطبي ختمَات. وَتَفَقَّهَ أَيْضاً
عَلَى: العِرَاقِيِّ، وَالشِّهَاب الطُّوْسِيّ،
وَبَرَعَ فِي المَذْهَبِ، وَخَطَبَ بِجَامِع
القَاهِرَةِ، وَانتهتْ إِلَيْهِ مَشْيَخَة العِلْم.
وَرَوَى الكَثِيْر بِدِمَشْقَ وَبِمَكَّةَ
وَالقَاهِرَة وَقُوصَ؛ رَوَى عَنْهُ: البِرْزَالِيّ،
وَالمُنْذِرِيّ، وَابْن النَّجَّار، وَالدِّمْيَاطِيّ،
وَابْن الصَّيْرَفِيّ، وَالفَخْر التَّوزرِيُّ،
وَالأَمِيْنُ مُحَمَّدُ ابنُ النَّحَّاسِ،
وَالرَّضِيُّ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ الشِّيْرَازِيِّ،
وَأَبُو الفَتْحِ القُرَشِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنْ
شُيُوْخِنَا، وَعَاشَ أَرجحَ مِنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً
وَأَيَّاماً.
تُوُفِّيَ فِي الرَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي
الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ، رَحِمَهُ اللهُ.
وَهُوَ مُسَدَّد الفَتَاوى، وَافِرُ الجَلاَلَةِ،
حَسَنُ التَّصَوُّنِ، مُسْنَدُ زَمَانِه.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ
قُمَيْرَةَ التَّاجِر، وَمُدَرِّس المُسْتَنْصِرِيَّة
أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ الأَنْصَارِيّ
الحَلَبِيّ الحَنَفِيّ وَقَدْ درَّس بِحَلَبَ، وَأَبُو
نَصْرٍ الأَعزُّ بنُ العُلَّيْقِ البَابَصْرِيّ،
وَالمُحَدِّث سَالِمُ بنُ ثمَالِي بن عِنَان
العُرْضِيُّ، وَأَبُو حَامِدٍ عَبْد اللهِ بن عَبْدِ
المُنْعِمِ بنِ عشَائِر الحَلَبِيّ، وَالصَالِح عَبْد
الجَلِيْل بن مُحَمَّدٍ الطَّحَاوِيُّ، وَضِيَاء
الدِّيْنِ عَبْدُ الخَالِقِ بن أنجب
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 246".
(16/424)
النِّشْتِبْرِيُّ، وَعَبْد الدَّائِمِ بن
عَبْدِ المحسنِ ابْن الدَّجَاجِيّ المِصْرِيّ عِمَادُ
الدِّيْنِ، وَمُدَرِّس المُسْتَنْصِرِيَّة القَاضِي
أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَبْدِ
السَّلاَمِ اللَّمْغَانِيّ الحَنَفِيّ كَمَال
الدِّيْنِ قَاضِي القُضَاةِ، وَالرَّشِيْد عَبْد
الظَّاهِر بن نشوَان الجُذَامِيّ المُقْرِئ الضّرِير،
وَأَبُو نَصْرٍ عَبْد العَزِيْزِ بن يَحْيَى ابْنِ
الزَّبَيْدِيّ، وَلَهُ تِسْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً،
وَخَطِيْب رُنْدَة المُحَدِّثُ أَبُو الحُسَيْنِ
عُبَيْد اللهِ بن عَاصِمٍ الأَسَدِيّ الرُّنْدِيّ
وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَالحَافِظ أبو
الحسن علي بن محمد ابن عَلِيٍّ الغَافِقِيُّ
الشَّارِيُّ، وَالسَّدِيْد عِيْسَى بن مَكِّيٍّ
العَامِرِيّ المُقْرِئ إِمَام جَامِع الحَاكِم،
وَالعِلْم قَيْصَر بن أَبِي القَاسِمِ السُّلَمِيّ،
الكَاتِب تَعَاسيف، وَمُدَرِّس الأَمِينِيَّة شَمْس
الدِّيْنِ مُحَمَّد بن عَبْدِ الكَافِي بن عَلِيٍّ
الرَّبَعِيّ الصَّقَلِّيّ، وَنَحْوِيُّ حَلَب جَمَال
الدِّيْنِ مُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ عَمْرُوْنَ،
وَمُفْتِي العِرَاق سَيْف الدِّيْنِ مُحَمَّد بن مُقبل
ابْن المَنِّيِّ، وَالأَمِيْر الصَّاحب جَمَال
الدِّيْنِ يَحْيَى بن عيسى بن مطروح المصري الشاعر.
(16/425)
5860- بشير:
ابن حامد بن سليمان بن يوسف، العَلاَّمَةُ ذُو
الفُنُوْنِ، نَجْم الدِّيْنِ، أَبُو النُّعْمَانِ
الهَاشِمِيّ، الجَعْفَرِيّ، الشَّافِعِيّ،
التِّبْرِيْزِيّ، الصُّوْفِيّ، صَاحِب "التَّفْسِيْر
الكَبِيْر"، كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ المَذْهَب.
مَوْلِدُهُ بِأَرْدَبِيْلَ، سَنَة سَبْعِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: يَحْيَى الثَّقَفِيّ، وَابْن كُلَيْبٍ،
وَأَبِي الفَتْحِ المَنْدَائِيِّ، وَعِدَّة.
وَعَنْهُ: الدِّمْيَاطِيّ، وَالمُحِبّ الطَّبَرِيّ،
وَأَبُو العَبَّاسِ ابْن الظاهري، والضياء السبتي،
وغيرهم.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: تَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى
ابْنِ فَضلاَن، وَيَحْيَى بن الرَّبِيْعِ، وَحفظ
المَذْهَب وَالأُصُوْل وَالخلاَف، وَأَفتَى وَنَاظر،
وَأَعَاد بِالنِّظَامِيَّةِ، ثُمَّ وَلِي نَظَرَ
الْحرم وَعمَارته.
مَاتَ بِمَكَّةَ، فِي صَفَرٍ، سَنَة سِتٍّ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
أَنبَأنِي قُطْبُ الدِّيْنِ الحَافِظ، حَدَّثَنِي
قُطْب الدِّيْنِ ابْن القَسْطَلاَنِيِّ، قَالَ: حَكَى
لِي أَبُو النُّعْمَانِ بَشِيْر، قَالَ: دَخَلْتُ
عَلَى ابْنِ الخوَافِي بِبَغْدَادَ، فَسُرِقَت
مشَّايتي، فَكَتَبتُ إِلَيْهِ:
دَخَلتُ إِلَيْكَ يَا أَملِي بَشِيْراً ... فَلَمَّا
أَنْ خَرَجتُ بَقِيت بِشْرَا
أَعِدْ يَائِي الَّتِي سَقَطَتْ مِنِ اسْمِي ...
فَيَائِي فِي الحِسَابِ تُعَدُّ عَشْرَا
فَسَيَّرَ لِي نِصْف مِثْقَالٍ.
(16/425)
ابن البيطار،
اللاردي، الإسفراييني:
5861- ابن البيطار 1:
العَلاَّمَةُ ضِيَاء الدِّيْنِ عَبْد اللهِ بن
أَحْمَدَ المَالَقِيّ النَّبَاتِيّ الطَّبِيْب، ابْن
البَيْطَار، مُصَنِّفُ كِتَابِ "الأَدويَة المفردَة"،
وَمَا صُنِّفَ فِي مَعْنَاهُ مِثْله.
انْتَهَت إِلَيْهِ مَعْرِفَة الحشَائِش، وَسَافَرَ
إِلَى أَقَاصي بِلاَد الرُّوْمِ، وَحرر شَأْن
النّبَاتِ، وَكَانَ أَحَدَ الأَذكيَاء، وَخدم الْملك
الكَامِل، وَابْنه الْملك الصَّالِح.
تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ سَنَة سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ.
5862- اللاردي:
العَلاَّمَةُ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ
بنُ عَتِيْقِ بن عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
حُمَيْدٍ التُّجِيْبِيّ، الأَنْدَلُسِيّ الغَرْنَاطِي
المَالِكِيّ المَعْرُوف بِاللاَّرَدِيّ، صَاحِبُ
التَّصَانِيْفِ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي عَبْدِ
اللهِ بنِ حَمِيْدٍ، وَطَائِفَة، وَعَاشَ ثَلاَثاً
وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبَّارُ: وَلِيَ
القَضَاءَ، وَمِنْ تَوَالِيفه "أَنوَار الصبَاح، فِي
الْجمع بَيْنَ الكُتُب السِّتَّة الصِّحَاح"، وَكِتَاب
"شَمَائِل المُخْتَار"، وَكِتَاب "النّكت الكَافِيَة
فِي أَحَادِيْث مَسَائِل الخلاَف"، وَكِتَاب "مِنْهَاج
الْعَمَل فِي صِنَاعَة الجَدَل"، وَكِتَاب "المسَالك
النورِيَة إِلَى المَقَامَاتَ الصدفِيَة".
مَاتَ سَنَةَ سِتّ أَوْ سَبْع وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ
مائة.
5863- الإسفراييني 2:
المُحَدِّثُ الزَّاهِدُ مَجْدُ الدِّيْنِ مُحَمَّد بن
مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ أَبِي بَكْرٍ الصُّوْفِيّ،
الإِسْفَرَايِيْنِيّ، ابْنُ الصَّفَّارُ، نَزِيْلُ
دِمَشْقَ.
حَدَّثَ عَنْ: المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ بِـ "صَحِيْحِ
مُسْلِمٍ"، وَعَنْ زَيْنَبَ الشَّعْرِيَّة،
وَجَمَاعَة.
وَكَانَ قَارِئ دَار الحَدِيْث عَلَى ابْنِ الصَّلاَح،
مليح القِرَاءة، خَيِّراً، كَثِيْر السُّكُوْنِ.
رَوَى عنه: زين الدين الفارفي، وَشَرَف الدِّيْنِ
الفَزَارِيُّ، وَبَهَاء الدِّيْنِ ابْن المَقْدِسِيّ،
وَجَلاَل الدِّيْنِ النَّابلسِي القَاضِي، وَعَلاَء
الدِّيْنِ ابْن الشَّاطِبِيّ.
تُوُفِّيَ بِالسُّمَيْسَاطِيَّةِ، فِي ذِي القَعْدَةِ،
سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَهُوَ وَالِدُ الفَقِيْهِ مَجْد الدِّيْنِ عَبْد
الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيّ أَحَدِ شُيُوْخنَا.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 234".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1412"، وشذرات الذهب
لابن العماد "5/ 243".
(16/426)
5864- الطراز:
الإِمَامُ العَلاَّمَةُ المُقْرِئُ المُجَوِّدُ
الحَافِظُ المُحَدِّثُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ
بنُ سَعِيْدِ بنِ عَلِيٍّ بنِ يُوْسُفَ الأَنْصَارِيّ
الأَنْدَلُسِيّ الغَرْنَاطِي المُقْرِئ.
قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: كَانَ مُقْرِئاً جَلِيْلاً،
وَمُحَدِّثاً حَافلاً، خُتم بِهِ هَذَا البَاب
ألبَتَّةَ. رَوَى عَنِ القَاضِي أَبِي القَاسِمِ ابْنِ
سَمْجُوْنَ؛ أَكْثَرَ عَنْهُ، وَلاَزَمه، وَعَنْ أَبِي
جَعْفَرٍ بن شرَاحيلَ، وَمُحَمَّد بن يُوْسُفَ ابْن
صَاحِب "الأَحكَامِ"، وَعَبْد المُنْعِمِ بن
الضَّحَّاكِ، وَعَلِيّ بن جَابِرٍ الأَنْصَارِيِّ،
وَأَبِي زَكَرِيَّا الأَصْبَهَانِيّ، وَعَبْد
الصَّمَدِ بن أَبِي رَجَاءٍ البَلَوِيّ، وَأَبِي
القَاسِمِ المَلاَحِي، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الكَوَّاب،
وَسَعْد الحَفَّار، وَسَهْل بنِ مَالِكٍ بغَرْنَاطَة،
وَأَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَد بن يَحْيَى الحِمْيَرِيّ،
وَعَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الغَافِقِيِّ الشَّقُوْرِيِّ
بقُرْطُبَةَ، وَالحَافِظ أَبِي مُحَمَّدٍ القُرْطُبِيّ
بِمَالقةَ وَلاَزمه وَانتفع بِهِ فِي صِنَاعَة
الحَدِيْث، وَعَتِيْق بن خَلَفٍ، وَأَبِي عَلِيٍّ
الرُّنْدِيّ، وَابْني حَوْطِ اللهِ بِهَا، وَعَنْ
أَبِي الحُسَيْنِ بنِ زَرْقُوْنَ بِإِشْبِيْلِيَةَ،
وَأَبِي الصَّبْرِ أَيُّوْب الفِهْرِيّ، وأبي العباس
الغرفي، وَلاَزَمَهُ بِسَبتَةَ، وَتَلاَ بِالسَّبْعِ
عَلَى: أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ إِدْرِيْسَ الأُمَوِيّ، وَأَخَذَ
بفَاس عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ الفتُوتِ، وَتَلاَ
عَلَيْهِ بِالسَّبْع، وَيَعِيْشَ بنِ القَدِيْمِ.
وَأَخَذَ عِلمَ الكَلاَم عَنْ أَبِي العَبَّاسِ ابْن
البَقَّال. وَأَجَاز لَهُ: ابْن نُوْح، وَابْن عَوْنِ
اللهِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، وَأَبُو
عُمَرَ ابْنُ عاتٍ، وَخَلْق مِنْ أَهْلِ المَشْرِقِ.
قَالَ: وَكَانَ ضَابطاً مُتْقِناً، وَمُفِيْداً
حَافلاً، بَارِع الْخط، حَسَن الورَاقَةِ، عَارِفاً
بِالأَسَانِيْد وَالطّرق وَالرِّجَال وَطَبَقَاتِهِم،
مُقدَّماً عَارِفاً بِالقِرَاءاتِ، مُشَاركاً فِي
عُلُوْم العَرَبِيَّة وَالفِقْه وَالأُصُوْلِ،
كَاتِباً نَبِيلاً مَجْمُوعاً فَاضِلاً مُتَخَلِّقاً،
ثِقَة عَدلاً، كَتَبَ بِخَطِّهِ كَثِيْراً
وَأُمَّهَات، وَأَوضح كَثِيْراً مِنْ كِتَاب "مَشَارِق
الأَنوَار" لعيَاض، وَجَمَعَ عَلَيْهِ أُصُوْلاً
حَافلَة وَأُمَّهَاتٍ هَائِلَةً مِنَ الأَغربَة
وَكُتُبِ اللُّغَات، وَعَكَف عَلَى ذَلِكَ مُدَّة،
وَبَالَغَ فِي الْبَحْث وَالتفتيش، حَتَّى تَخلَّص
الكِتَابُ عَلَى أَتَمِّ وَجه، وَبَرَزَتْ
مَحَاسِنُهُ، ثُمَّ يُبَالِغ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي
مَدحِ هَذَا الكِتَابِ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الطّنّجَالِيّ،
وَحُمَيْدٌ القُرْطُبِيّ، وَالكَاتِب أَبُو الحَسَنِ
بنُ فَرجٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ البَلَّفِيقِيُّ،
اخْتلفتُ إِلَيْهِ فِي مَرَضِهِ، وَحَضَرتُ مَعَهُ فِي
بَعْضِ تَصرُّفَاتِهِ، وَانتفعتُ بِهِ إلَّا أَنَّنِي
لَمْ آخذْ عَنْهُ بِقِرَاءةٍ وَلاَ بِغَيْرِ ذَلِكَ
تَفرِيطاً مِنِّي.
تُوُفِّيَ فِي ثَالِث شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ جِنَازَتُه
مِنْ أَحْفَلِ جَنَازَةٍ شَاهدتُهَا، وَوصَّى أَنْ لاَ
يُقرَأَ عَلَى قَبْرِهِ وَلاَ يُبنَى عَلَيْهِ،
وَكَانَ مِمَّنْ وَضَع الله لَهُ ودّاً فِي قُلُوْب
عِبَاده، مُعَظَّماً عِنْد جَمِيْع النَّاس خُصُوْصاً
فِي غَيْر بلدِه، وَلَقَدْ كَانَ مِنْ أَشدّ النَّاس
غيرَةً عَلَى السّنَة وَأَهْلهَا وَأَبغَضِهِم فِي
أَهْلِ الأَهوَاء وَالبِدَع.
قُلْتُ: أَظنّه مَاتَ كَهْلاً أَوْ فِي أَوِّلِ
الشيخوخَة.
كَتَبَ إِلَيْنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَارُوْنَ
بِمَرْوِيَّاته، فَمَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ سَمِعَ كِتَاب
"الشَّمَائِل" مِنَ الحَافِظ الطّرَّاز، وَأَجَاز لَهُ
مَرْوِيَّاته.
(16/427)
5865- ابن
رواحة 1:
الشَّيْخُ العَالِمُ المُسْنِدُ المُعَمَّرُ عِزُّ
الدِّيْنِ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ
الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ
عَبْدِ اللهِ بن رَوَاحَةَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
عَبْدِ اللهِ بنِ رواحة ابن عُبَيْدِ بنُ مُحَمَّدِ
ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ بنِ
ثَعْلَبَةَ بنِ امْرِئ الْقَيْس بن عَمْرٍو
الأَنْصَارِيّ، الخَزْرَجِيّ، الشَّامِيّ، الحَمَوِيّ،
الشَّافِعِيّ، الشَّاهد.
وُلِدَ بِجَزِيْرَةٍ فِي بَحْرِ المَغْرِبِ -وَهِيَ
صَقِلِّيَّة- وأبوه فِي الأَسر فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ، فَإِنَّهُمَا أُسرَا وَأُمُّه حَامِل
بِهِ، ثُمَّ خَلَّصَهُمَا الله.
ارْتَحَلَ بِهِ أَبُوْهُ إِلَى الثَّغْرِ بَعْدَ
السَّبْعِيْنَ فَأَسْمَعَهُ الكَثِيْرَ مِنْ أَبِي
طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، مِنْ ذَلِكَ "السِّيْرَةُ
النَّبَوِيَّةُ" بِكَمَالِهَا، وَقَدْ رَوَاهَا
بِبَعْلَبَكَّ وَسَمِعَهَا مِنْهُ شَيْخُنَا تَاجُ
الدِّيْنِ عَبْدُ الخَالِقِ، وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ
اللهِ بنِ بَرِّيّ، وَعَلِيِّ بنِ هِبَةِ اللهِ
الكَامِلِيِّ، وَأَبِي الجُيُوْشِ عَسَاكِر بنِ
عَلِيٍّ، وَأَبِي سَعْدٍ بنِ أَبِي عصرون، وَأَبِي
الطَّاهِرِ بنِ عَوْفٍ، وَسَمِعَ مِنْ تَقيَة
الأَرمنَازِيَة كَثِيْراً مِنْ نَظْمِهَا وَكَذَا مِنْ
وَالِدِهِ، وَتَأَدَّبَ عَلَى أَبِيْهِ، وَعَلَى ابْنِ
بَرِّيٍّ، وَتَفَقَّهَ وَعَالَجَ الشُّرُوْط،
وَسَمَاعَاتُه صَحِيْحَةٌ، وَكَانَ يَطلبُ عَلَى
الرِّوَايَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَالمُنْذِرِيّ،
وَابْن الصَّابُوْنِيّ وَالدِّمْيَاطِيّ، وَابْن
الظَّاهِرِيِّ، وَالشَّرَفُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو
الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنِيُّ، وَإِدْرِيْسُ بنُ
مُزَيْزٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ، وَبَهَاءُ
الدِّيْنِ ابْنُ النَّحَّاسِ، وَأَخُوْهُ إِسْحَاقُ،
وَالشِّهَابُ الدَّشْتِيُّ، وَعَبْدُ الأَحَدِ بنُ
تَيْمِيَةَ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ جَوْهَرٍ، وَأَحْمَدُ
بنُ مُحَمَّدِ ابنِ العَجَمِيّ، وست الدار بنت مزيز،
وعدد كثير.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 361"، وشذرات الذهب
لابن العماد "5/ 234".
(16/428)
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الصَّفَّارُ، قَالَ:
بَعَثَ شَيْخُنَا ابْنُ خَلِيْلٍ إِلَى ابْنِ
رَوَاحَةَ، يَعتبُ عَلَيْهِ فِي أَخْذِهِ عَلَى
الرِّوَايَةِ، فَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ فَقِيْرٌ.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ الحَاجِبِ: قَالَ لِي
الحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، قَالَ: ذَكَرَ لِي
أَخِي الشَّمْس أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِحِمْصَ وَردَ
عَلَيْهِ ابْنُ رَوَاحَةَ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْمَع
مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ جَمَاعَة حِمْصيُّون: إِنَّ
ابْنَ رَوَاحَة يَشْهَد بِالزُّور، قَالَ: فَتركته.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: وَقَالَ لِي تَقِيّ
الدِّيْنِ ابْن العِزّ: كُلّ مَا سَمِعتُه عَلَى ابْنِ
رَوَاحَة، فَقَدْ تركتُه للهِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البِرْزَالِيّ: كَانَ
عِنْدَهُ تَسَامح.
قُلْتُ: وَلَهُ شعر كَانَ يَمتدِحُ بِهِ، وَيَأْخذ
الصِّلاَت، وَقَدْ حَدَّثَ بِأَمَاكن، وَرَوَى عَنْهُ
حُفَّاظ.
قَالَ المُنْذِرِيّ: قَالَ لِي: وُلِدَتْ فِي جزيرة
مسينة بالمغرب، سنة سِتِّيْنَ، كَانَ أَبِي قَدْ سَافر
إِلَى المَغْرِب، فَأُسر.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ بَيْنَ حَمَاةَ وَحَلَب، فَحُمِلَ
إِلَى حَمَاةَ، فَدُفِنَ بِهَا فِي ثَامِنِ جُمَادَى
الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ.
وَمَاتَ النَّفِيْسُ أَبُو البَرَكَاتِ مُحَمَّد بن
دَاوُدَ أَخُو العِزّ قَبْله فِي آخِرِ سَنَةِ
اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ، عَنْ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ
سَنَةً، رَوَى عَن عَبْد المُنْعِمِ ابْنِ
الفُرَاوِيّ، وَأَبِي الطَّاهِر بن عَوْف، وَأَضَرَّ
بِأَخَرَةٍ، حَدَّثَنَا عَنْهُ الشِّهَاب الدَّشْتِيّ،
وَسُنْقُر الزينبي.
(16/429)
5866- ابن
البراذعي 1:
العَدْل صَفِيُّ الدَّيْنِ أَبُو البَرَكَاتِ عُمَرُ
بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ طَاهِرٍ
القُرَشِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
سَمِعَ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبَا سَعْد بن أَبِي
عَصْرُوْنَ، وَجَمَاعَة.
خَرَّجَ لَهُ البِرْزَالِيُّ، وَرَوَى عَنْهُ: هُوَ
وَحَفِيْدُهُ بَهَاءُ الدِّيْنِ، وَالدِّمْيَاطِيّ،
وَمُحَمَّد ابن خَطِيْب بَيْت الأَبَّار، وَمُحَمَّد
بن عَتِيق، وَمُحَمَّد بن البَالِسِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعَ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ بِضْعٌ
وَثَمَانُوْنَ سنة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 363"،
وشذرات الذهب "5/ 238".
(16/429)
ابن الجوهري، ابن
الحاجب:
5867- ابن الجوهري 1:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ مُفِيْد الشَّامِ شَرَف
الدِّيْنِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مَحْمُوْدِ
بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَبْهَانَ الدِّمَشْقِيّ، ابْنُ
الجَوْهَرِيِّ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي المَجْدِ القَزْوِيْنِيِّ،
وَالمُسَلَّمِ المَازِنِيِّ، وَعُمَرَ بنِ كَرَمٍ،
وَالقَطِيْعِيِّ، وَابْنِ الزَّبِيْدِيِّ،
وَالصَّفْرَاوِيِّ، وَابْنِ الجَمَلِ، وَخَلاَئِق.
وَكَتَبَ العَالِي وَالنَّازِلَ.
وَكَانَ صَدُوْقاً، فَهماً، غَزِيْرَ الإِفَادَةِ،
نَظِيفَ الأَجزَاءِ، أَنفقَ مِيْرَاثه فِي الطَّلَب.
وَتُوُفِّيَ قَبْل أَوَان الرِّوَايَة فِي صَفَرٍ،
سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ،
وَوَقَفَ أَجزَاءهُ وَانتفعنَا بِهَا -رَحِمَهُ اللهُ-
مَا أَظنّه تَكهل.
5868- ابْنُ الحاجب 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ المُقْرِئُ
الأُصُوْلِي الفَقِيْه النَّحْوِيّ جمال الدين الأئمة
وَالملَة وَالدّين أَبُو عَمْرٍو عُثْمَان بن عُمَرَ
بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ يُوْنُسَ الكُرْدِيّ،
الدُّوِيْنِيّ الأَصْل، الإِسنَائِي المَوْلِد،
المَالِكِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَوْ سَنَة
إِحْدَى -هُوَ يَشك- بِإِسْنَا مِنْ بِلاَدِ
الصَّعِيْدِ، وَكَانَ أَبُوْهُ حَاجِباً لِلأَمِيْرِ
عِزِّ الدِّيْنِ مُوْسَكَ الصَّلاَحِيِّ.
اشْتَغَل أَبُو عَمْرٍو بِالقَاهِرَةِ، وَحَفِظَ
القُرْآنَ، وَأَخَذَ بَعْض القِرَاءات عَنِ
الشَّاطِبِيِّ، وَسَمِعَ مِنْهُ "التَّيْسِيْرَ"،
وَقَرَأَ بِطرقِ "المُبْهِجِ" عَلَى الشِّهَاب
الغَزْنَوِيِّ، وَتَلاَ بِالسَّبْع عَلَى أَبِي
الجُوْدِ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ
البُوْصِيْرِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن يَاسِيْنَ،
وَبَهَاء الدِّيْنِ القَاسِمِ ابْنِ عَسَاكِرَ،
وَفَاطِمَةَ بِنْت سَعْدِ الخَيْرِ، وَطَائِفَةٍ،
وَتَفَقَّهَ عَلَى: أَبِي المَنْصُوْر الأَبيَارِيِّ
وَغَيْرِهِ.
وَكَانَ مِنْ أَذكيَاء العَالِم، رَأْساً فِي
العَرَبِيَّة وَعلم النَّظَرِ دَرَّسَ بِجَامِع
دِمَشْقَ، وَبِالنُّورِيَّةِ المَالِكِيَّةِ،
وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَابُ، وَسَارَتْ
بِمُصَنَّفَاتِهِ الرُّكبَانُ، وَخَالَفَ النُّحَاةَ
فِي مَسَائِلَ دَقِيقَةٍ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِم
إِشكَالاَتٍ مُفحِمَةً.
قَالَ أَبُو الفَتْحِ ابْنُ الحَاجِبِ فِي ترجمة أبي
عمرو بن الحاجب: هو فَقِيْهٌ، مُفْتٍ، مُنَاظر،
مُبَرِّز فِي عِدَّة عُلُوْمٍ، مُتَبَحِّرٌ، مَعَ دينٍ
وَوَرَعٍ وَتَوَاضُعٍ وَاحتمَالٍ وَاطِّرَاحٍ للتكلف.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1155"، والنجوم الزاهرة
"6/ 354"، وشذرات الذهب "5/ 218".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 413"،
وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 234".
(16/430)
قُلْتُ: ثُمَّ نَزَح عَنْ دِمَشْق هُوَ
وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّيْنِ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ
عِنْدَمَا أَعْطَى صَاحِبُهَا بلدَ الشّقيفِ لِلْفرنج،
فَدَخَلَ مِصْر وَتَصَدَّرَ بِالفَاضِليَة.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ مِنْ أَحْسَن خلق الله
ذِهْناً، جَاءنِي مرَاراً لأَدَاء شهَادَات، وَسَأَلته
عَنْ موَاضِع مِنَ العَرَبِيَّة، فَأَجَابَ أَبلغ
إِجَابَة بِسكُوْن كَثِيْر وَتثبُّت تَامّ، ثُمَّ
انْتقل إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّة، فَلَمْ تَطل مُدَّته
هُنَاكَ: وَبِهَا تُوُفِّيَ فِي السَّادِس
وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَوَّال سَنَةَ سِتٍّ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: تَلاَ عَلَيْهِ بِالسَّبْع شَيْخنَا
المُوَفَّق ابْن أَبِي العَلاَءِ، وَحَدَّثَ عَنْهُ
المُنْذِرِيّ، وَالدِّمْيَاطِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ
الجَزَائِرِيّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَاضِلِيُّ،
وَأَبُو عَلِيٍّ ابنُ الخَلاَّل، وَأَبُو الحَسَنِ
ابْن البَقَّال، وَجَمَاعَة. وَأَخَذَ عَنْهُ
العَرَبِيَّة جَمَاعَةٌ، مِنْهُم شَيْخنَا رضِي
الدِّيْنِ القسُرطينِي، وَقَدْ رُزقت كُتُبُهُ
الْقبُول التَّام لجزَالتهَا وَحُسنِهَا. وَمِمَّنْ
رَوَى عَنْهُ يَاقُوْت الحَمَوِيّ فَقَالَ: حَدَّثَنِي
عُثْمَانُ بنىعمر النحوي المالكي، حدثنا عَلِيُّ بنُ
المُفَضَّلِ حَدَّثَنَا السِّلَفِيُّ أَنَّ النسبَة
إلى دوين دبيلي.
(16/431)
5869- السيدي
1:
المُسْنِدُ الأَجَلُّ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِ الكريم بن محمد ابن السيدي الأَصْبَهَانِيّ،
ثُمَّ البَغْدَادِيّ، الحَاجِب.
وُلِدَ سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ تَجَنِّي الوَهْبَانِيَّة "جُزْء
الحَفَّار"، وَالثَّانِي وَالرَّابِع مِنْ
"المَحَامِلِيَّات"، وَ"الصَّمْت"، وَ"جُزْء
المَرْوَزِيّ"، وَ"المُخَرِّمِيّ". وَسَمِعَ مِنِ:
ابْنِ يُوْسُفَ "مَشْيَخته"، وَ"التَّصْدِيق"
لِلآجُرِّيّ. وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ شَاتيل الثَّانِي
مِنْ "حَدِيْثِ سعدَان" وَالثَّامن مِنْ "حَدِيْثِ
ابْن السَّمَّاكِ"، وَسَمِعَ مِنَ: القَزَّاز، وَأَبِي
العَلاَءِ بنِ عَقِيْلٍ، وَعِدَّة وَتَفَرَّد.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ، وَالمُحِبّ
وَالشَّرِيْشِيّ، وعبد الرحمن ابن المُقَيَّرِ،
وَأَجَاز لِلبِجَّدِيِّ، وَسِتّ الفُقَهَاء بِنْت
الوَاسِطِيّ، وَبنت الكَمَال.
مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَدْ ذَمه ابْن النَّجَّار، وَالمُحِبّ،
وَاتَّهمَاهُ، فَلاَ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ إلَّا مِنْ
أَصلٍ.
قُلْتُ: لأَنَّه أَخرجَ إِجَازَةً مِنْ سَنَةِ
أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ كانت لأخ له اسمه بِاسْمِهِ
وَكُنْيَتُهُ بِكُنْيَتِهِ، وَقَدْ وُلِدَ سَنَةَ
أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ، فَزَعَمَ أَنَّهُ هُوَ.
فَعَنَّفُوهُ عَلَى ذَلِكَ، وخوفه المحب من الله،
فانكسر وخجل.
__________
1 ترجمته في لسان الميزان "5/ ترجمة 908"، وشذرات
الذهب "5/ 238".
(16/431)
مظفر، شعيب، ابن أبي
حرمي:
5870- مظفر 1:
ابن عبد الملك بن عتيق، العَدْل، أَبُو مَنْصُوْرٍ
ابْنُ الفُوِّيِّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. وَسَمِعَ مِنَ
السِّلَفِيِّ.
وَعَنْهُ: الدِّمْيَاطِيّ، وَابْن بَلْبَان،
وَالضِّيَاء السَّبْتِيّ، وَالحَسَن ابْن
الصَّيْرَفِيّ، وَعِدَّة.
تُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وست مائة.
5871- شعيب 2:
ابن يَحْيَى بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
عَطِيَّةَ، الشَّيْخُ المُسْنِدُ الصَّالِح أَبُو
مَدْيَنَ القَيْرَوَانِي ثُمَّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ
التَّاجِر، ابْنُ الزَّعْفَرَانِيِّ التَّاجِر
المُجَاوِر بِمَكَّةَ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَجَاور
مُدَّة، وَكَانَ سَمْحاً ذَا بِرٍّ وَصدقَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: المُنْذِرِيّ، وَالدِّمْيَاطِيّ،
وَابْن الظَّاهِرِي، وَالمُحِبّ مُؤلف الأَحكَام،
وَرضِيُّ الدِّيْنِ إِمَامُ المقَامِ، وَأَخُوْهُ؛
الصفِيُّ أَحْمَد، وَبَهَاء الدِّيْنِ أَيُّوْب ابْن
النَّحَّاسِ، وَأَخُوْهُ الأَمِيْنُ مُحَمَّدٌ،
وَجَمَاعَة.
تُوُفِّيَ فِي الثَّالِثِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي
القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ.
رَوَى "الأربعينين" حسب.
5872- ابن أبي حرمي:
الشَّيْخُ المُعَمَّر العَالِم المُسْنِدُ أَبُو
القَاسِمِ عَبْدُ الرحمن بنُ أَبِي حَرَمِيٍّ فُتُوْحِ
بنِ بَنِيْنَ المَكِّيُّ، الكَاتِبُ، العَطَّارُ.
وُلِدَ سَنَةَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ وَهُوَ شَابّ "صَحِيْح البُخَارِيِّ" مِنْ
طرِيقِ أَبِي ذَرٍّ عَلَى المُقْرِئ عَلِيِّ بنِ
عَمَّارٍ بِسَمَاعِهِ مِنْ أَبِي مَكْتُوْم عِيْسَى
بنِ أَبِي ذَرٍّ، ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ،
فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ شَاتيلَ، وَنَصْرِ
اللهِ القزاز، وبدمشق من أبي الفضل ابن الحُسَيْنِ
البَانْيَاسِيّ، وَالقَاضِي أَبِي سَعْدٍ بنِ أَبِي
عَصْرُوْنَ، وَأَجَاز لَهُ السِّلَفِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مَجْد الدِّيْنِ العُقَيْلِيّ،
وَمُحِبُّ الدِّيْنِ الطَّبَرِيّ، وَالحَافِظُ أَبُو
مُحَمَّدٍ الدِّمْيَاطِيّ، وَرَضِيُّ الدِّيْنِ
إِمَامُ المَقَامِ، وَأَخُوْهُ؛ صَفِيُّ الدِّيْنِ.
تُوُفِّيَ فِي نِصْفِ رَجَبٍ، سَنَةَ خمس وأربعين وست
مائة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1411"، والنجوم الزاهرة
"7/ 22"، وشذرات الذهب "5/ 243".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 359"، وشذرات الذهب
"5/ 231".
(16/432)
5873- صَفِيَّةُ 1:
بِنْتُ العَدْلِ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ عَلِيِّ بن
الخضر، المعمر الجَلِيْلَةُ، أُمُّ حَمْزَةَ
الأَسَدِيَّةُ، الزُّبَيْرِيَّةُ الدِّمَشْقيَّةُ،
ثُمَّ الحَمَوِيَّةُ، أُخْتُ الشَّيخَةِ كَرِيْمَةَ.
تَهَاونَ أَبُوْهَا وَلَمْ يُسْمِعْهَا شَيْئاً،
وَلَكِن عمَّهَا الحَافِظَ عُمَرَ بنَ عَلِيٍّ
اسْتَجَازَ لَهَا، فَرَوَتْ عَنْ مَسْعُوْدٍ
الثَّقَفِيِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الرُّسْتَمِيِّ،
والقاسم ابن الفَضْلِ الصَّيْدَلاَنِيِّ، وَرَجَاءِ
بنِ حَامِدٍ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ
تَاجِ القُرَّاءِ، وَعِدَّةٍ. وَطَال عُمُرُهَا،
وَاحتِيجَ إِلَيْهَا، وَرَوَتْ أَشيَاءَ.
حَدَّثَ عَنْهَا: مَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ
الحُلْوَانِيَّةِ، وَالدِّمْيَاطِيُّ، وَتَقِيُّ
الدِّيْنِ ابْنُ مُزَيْزٍ، وَالأَمِيْنُ مُحَمَّدُ بنُ
النَّحَّاسِ، وَأَبُو بَكْرٍ الدَّشْتِيُّ، وَأَبُو
العَبَّاسِ ابْنُ الظَّاهِرِيِّ، وَطَائِفَةٌ،
وَبِالحُضُوْرِ حَفِيْدُهَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ
الوَهَّابِ الشَّاهِدُ، وَالتَّاجُ أَحْمَدُ بنُ
مُزَيْزٍ، وَقَدْ سَمِعَ التَّقِيُّ ابْنُ
الأَنْمَاطِيِّ مِنْهَا قَدِيماً.
قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: حَضَرتُ جنَازتَهَا بِحَمَاةَ،
فِي خَامِسِ رَجَبٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: قَارَبتْ تِسْعِيْنَ سنة.
وفيها مَاتَ: الصَّالِحُ أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ
النَّجَّارُ مُحَدِّثُ حران، وأبو النعمان بشير بن
حامد ابن سُلَيْمَانَ الهَاشِمِيُّ التِّبْرِيْزِيُّ
بِمَكَّةَ، وَشَيْخُ الأَطِبَّاءِ ضِيَاءُ الدِّيْنِ
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَيْطَارِ
المَالَقِيُّ العَشَّابُ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ
رَوَاحَةَ الأَنْصَارِيُّ شَيْخُ الحَدِيْثِ، وَأَبُو
عَمْرٍو بنُ الحَاجِبِ شَيْخُ العَرَبِيَّةِ
وَالأُصُوْلِ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ الدَّبَّاجِ
النَّحْوِيُّ شيخ القراء وصاحب الغرب السعيد علي ابن
المَأْمُوْنِ القَيْسِيُّ، وَوزِيْرُ حَلَبَ
الأَكْرَمُ عَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ القِفْطِيُّ، وَأَبُو
الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ يَاقُوْتٍ
بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَأَبُو عَلِيٍّ مَنْصُوْرُ
بنُ سَنَدِ ابْنِ الدِّمَاغِ، وَشَيْخُ
المُتَكَلِّمِينَ الأَفْضَلُ مُحَمَّدُ بن ناماور
الخونجي الشافعي الحكيم بمصر.
__________
1 ترجمتها في النجوم الزاهرة "6/ 361"، وشذرات الذهب
"5/ 234".
(16/433)
سليمان بن داود، ابن
أبي السعادات:
5874- سليمان بن داود:
ابْنِ آخِرِ الفَاطَمِيَّةِ العَاضِدِ بِاللهِ عَبْدِ
اللهِ ابْنِ الأَمِيْرِ يُوْسُفَ ابْنِ الحَافِظِ
العُبَيْدِيِّ.
كَانَتِ الدَّعوَةُ بَيْنَ الإِسْمَاعِيْلِيَّةِ لَهُ،
وَكَانَ مُعتَقلاً بِقَلْعَةِ الجَبَلِ، وَلهُم فِيْهِ
مَعَ فَرطِ جَهلِه وَغَبَاوتِه اعْتِقَادٌ زَائِدٌ،
وَلَمَّا هَلكَ العَاضِدُ خلَّفَ صَبِيّاً حَبَسَه
السُّلْطَانُ صَلاَحُ الدِّيْنِ، ثُمَّ كَبِرَ
وَتَحيَّلُوا، فَأَدخَلُوا إِلَيْهِ سُرَيَّةً
بِهَيْئَةِ غُلاَمٍ فَأَحْبَلَهَا، وَأُخْرِجَتْ
فَوَلَدَتْهُ بِالصَّعِيدِ، -أَعنِي: سُلَيْمَانَ بنَ
دَاوُدَ، وَأُخفِيَ، وَلُقِّبَ الحَامِدَ للهِ،
فَوَقَعَ بِهِ الملكُ الكَامِلُ، فَاعْتقَلَه حَتَّى
مَاتَ فِي الحَبْسِ بِلاَ عَقِبٍ، وَتَقُوْلُ
الجَهَلَةُ: لَهُ وَلدٌ مَخْفِيٌّ.
مَاتَ سُلَيْمَانُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وبقي بعده شيخ من بين
عَمِّه اسْمُه قَاسِمٌ، وَهُوَ مَحْبُوسٌ، وَنَسَبُهُم
مَطعُوْنٌ فِيْهِ، وَأَمَّا دَاوُدُ فَمَاتَ فِي
أَيَّامِ العَادِلِ.
5875- ابن أبي السعادات 1:
العَلاَّمَةُ المُفْتِي أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ
بنُ أَبِي بَكْرٍ عبد الله بن أَبِي السَّعَادَاتِ
مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ، الدَّبَّاسُ، المُقْرِئُ،
الحَنْبَلِيُّ.
مُقْرِئٌ، مُجَوِّدٌ، وَفَقِيْهٌ مُحَقِّقٌ. وُلِدَ
فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ شَاتِيْلَ،
وَنَصْرِ اللهِ القَزَّازِ، وَعِدَّةٍ.
وَطَلبَ بِنَفْسِهِ، فَقَرَأَ عَلَى أَصْحَابِ ابْنِ
الحُصَيْنِ، وَقَاضِي المَرَسْتَانِ. وتفقه على أبي
الفتح بن المَنِّيِّ، وَعَلِيٍّ النُّوْقَانِيِّ
الشَّافِعِيِّ.
وَبَرَعَ فِي الجَدَلِ، وَالخلاَفِ، وَنَاظَرَ،
وَنَظَرَ فِي وَقْفِ المَارستَانِ، وَأَعَادَ
بِالمُسْتَنْصِرِيَّةِ، وَكَانَ ذَا دِينٍ وَتَعَبُّدٍ
وَزُهْدٍ مُتَصَدِّياً لِلإِفَادَةِ، لَمْ تُعْرَفْ
لَهُ صَبوَةٌ، وَكَانَ حَسَنَ النَّوَادِرِ، فَصِيْحاً
مُعرِباً، مُنْقَطِعاً عَنِ الرُّؤَسَاءِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ وَأَثْنَى
عَلَيْهِ، وَعَظَّمَه.
قَرَأْتُ وَفَاتَه بِخَطِّ الشَّيْخِ كَمَالِ
الدِّيْنِ ابْنِ الفُوَطِيِّ: فِي لَيْلَةِ
الجُمُعَةِ، الحَادِيَ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ،
سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ،
وَدُفِنَ بِبَابِ حرب وقد ناهز الثمانين أو بلغها.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 242، 243".
(16/434)
الريغي، ابن مطروح:
5876- الريغي:
قَاضِي الإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَخَطِيْبُهَا
العَلاَّمَةُ الصَّالِحُ المُفْتِي جَمَالُ الدين
أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
سَعِيْدِ بنِ قَايِدٍ -بِقَافٍ- الهِلاَلِيُّ
المَغْرِبِيُّ المَالِكِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ تَقْرِيْباً
بِالرِّيْغِ، وَهِيَ نَاحِيَةٌ جَنوبيَّةٌ مِنَ
المَغْرِبِ، وَقَدِمَ مِصْرَ شَابّاً، فَتَفَقَّهَ،
وَأَجَاز لَهُ السِّلَفِيُّ، وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ
بَرِّيٍّ، وَابْنِ عَوْفٍ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ
الشَّاطِبِيِّ؛ سَمِعَ مِنْهُ "المُوَطَّأَ".
وَقِيْلَ: الرِّيْغُ: مِنْ عَمِلِ قسطيليَةَ؛ مِنْ
بِلاَدِ الجرِيْدِ. وَلَهُ مصَنَّفٌ جَلِيْلٌ فِي
عِلمِ اللُّغَةِ، وَكَانَ يَكتبُ طرِيقَةَ المغَاربَةِ
وَطرِيقَةَ المَشَارقَةِ.
رَوَى عَنْهُ: المُنْذِرِيُّ، وَابْنُ العِمَادِيَّةِ،
وَالدِّمْيَاطِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
تَفقَّهَ: بِأَبِي القَاسِمِ بنِ جَارَةَ، وَبَعْلِيٍّ
الطُّوْسِيِّ، وَابْنِ أَبِي المَنْصُوْرِ، وَكَانَ
تَقِيّاً وَرِعاً عَادِلاً لاَ تَأْخذُهُ فِي اللهِ
لُوْمَةَ لاَئِمٍ، كَانَ الكَامِلُ يَفتخِرُ بِهِ
وَيَعتقِدُ بَرَكَتَه. وَلِيَ الخطَابَةَ وَالقَضَاءَ
مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ، ثُمَّ بَعْدَ دَهْرٍ عَزلَ
نَفْسَه مِنَ الخطَابَةِ، ثُمَّ تَركَ القَضَاءَ
وَقَالَ: دَعُوْنِي أَخدمُ رَبِّي، وَقِيْلَ: إِنَّهُ
أَطبقَ الدَّوَاةَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ
تَعلمُ أَنِّي دَاجَيْتُ فِي حُكمٍ فَأَحرِقْنِي بِهِ
فِي جَهَنَّمَ، وَإِنْ كُنْتَ تَعلمُ أَنَّهُ عُمل
عَلَيَّ فِي حُكمٍ فَأَنْتَ أَوْلَى مَنْ عَذَرَ.
وَبَقِيَ فِي القَضَاءِ أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعِيْنَ
سَنَةً.
وَتُوُفِّيَ فِي الثَّامنِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ
رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، بَعْد تَركِهِ القَضَاءَ بسنة.
5877- ابن مطروح 1:
الإِمَامُ الكَبِيْرُ صَاحِبُ النَّظْمِ الفَائِقِ،
جَمَالُ الدِّيْنِ يحيى بن عيسى بن إبراهيم بن الحسين
ابن مَطْرُوْحٍ الصَّعِيْدِيُّ.
خدمَ مَعَ الملكِ الصَّالِحِ نَجْمِ الدِّيْنِ بِآمِدَ
وَحرَّانَ وَحصنِ كَيْفَا، فَلَمَّا تَسَلْطنَ
بِمِصْرَ، وَلاَّهُ نَظَرَ الخِزَانَةِ، ثُمَّ وَزَرَ
لَهُ بِدِمَشْقَ، ثُمَّ عَزَلَهُ وَتغَيَّرَ عَلَيْهِ.
وَلَهُ "دِيْوَانٌ" مَشْهُوْرٌ.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ
وست مائة، وقد قارب الستين.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 811"،
والنجوم الزاهرة "7/ 24"، وشذرات الذهب لابن العماد
"5/ 247، 248".
(16/435)
الموفق، الشاري:
5878- المُوَفَّقُ 1:
قَاسِمُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ بن محمد بن
أبي الحديد المدائني، ثم البَغْدَادِيُّ،
الأُصُوْلِيُّ، الأَدِيْبُ، صَاحِبُ الإِنشَاءِ،
وَيُدعَى: أَحْمَدَ.
أجاز له عبد الله بن أبي المجد.
أَخَذَ عَنْهُ الدِّمْيَاطِيُّ شِعراً.
مَاتَ فِي وَسطِ سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، فَرثَاهُ
أَخُوْهُ عِزُّ الدِّيْنِ عَبْدُ الحَمِيْدِ، ثُمَّ
مَاتَ بَعْدَهُ بِقَلِيْلٍ فَي العام، وكان مِنْ
كِبَارِ الفُضَلاَءِ وَأَربَابِ الكَلاَمِ وَالنَّظمِ
وَالنَّثرِ وَالبَلاغَةِ، وَالمُوَفَّقُ أَحْسَنُهُمَا
عَقِيدَةً، فَإِنَّ العِزَّ مُعْتَزِلِيٌّ، أجارنا
الله!
5879- الشاري:
الإِمَامُ الحَافِظُ المُقْرِئُ المُحَدِّثُ الأَنبَلُ
الأَمْجَدُ شَيْخُ المَغْرِبِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى
بنِ يَحْيَى الغَافِقِيُّ، الشَّارِيُّ، ثُمَّ
السَّبْتِيُّ.
وَشَارَةُ: بُليدَةٌ مِنْ عمل مرسية، وهي محتده، وسبتة
مولده.
قَالَ تِلْمِيْذُهُ أَبُو جَعْفَرٍ ابْنُ الزُّبَيْرِ:
وُلِدَ فِي خَامِسِ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى
وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَأَخَذَ عَنْ أَبِي
مُحَمَّدٍ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الحَجْرِيِّ
وَلاَزَمَهُ، فَتَلاَ عَلَيْهِ ختمَةً بِالسَّبْعِ،
وَأَخَذَ القِرَاءاتِ أَيْضاً: عَنْ أَبِي بَكْرٍ
يَحْيَى بنِ مُحَمَّدٍ الهَوْزَنِيِّ فِي خَتمَاتٍ،
وَالمُقْرِئِ مُحَمَّدِ بن حسن ابن الكَمَّادِ، إلَّا
أَنَّهُ اعتمدَ عَلَى ابْنِ عُبَيْدِ اللهِ؛ لِعُلُوِّ
سَندِه، وَقَرَأَ عَلَيْهِ "المُوَطَّأَ"، وَسَمِعَ
عَلَيْهِ الكُتُبَ الخَمْسَةَ سِوَى يَسيرٍ مِنْ آخرِ
"كِتَابِ مُسْلِمٍ"، وَسَمِعَ مِنْهُ أَيْضاً
"مُسْنَدَ أَبِي بَكْرٍ البَزَّارِ الكَبِيْرَ"
وَ"السِّيَرَ" تَهْذِيْبَ ابْنِ هِشَامٍ. وَحَمَلَ
عَنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ غَازِي السَّبْتِيِّ،
وَأَبِي ذَرٍّ الخُشَنِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ عَبْدِ
اللهِ الفِهْرِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَقَرَأَ عَلَى
أَبِيْهِ أَشيَاءَ، وَتَلاَ عَلَيْهِ بِالسَّبْعِ،
وَلاَزَمَ بِفَاسَ الأُصُوْلِيَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الفَنْدَلاَوِيَّ
الكَتَّانِيَّ، وَتَفَقَّهَ عِنْدَهُ فِي عِلمِ
الكَلاَمِ وَفِي أُصُوْلِ الفِقْهِ وَعَلَى جَمَاعَةٍ
بفَاسَ، وَسَمِعَ بِهَا مِنْ: عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ
المَلْجُوْمِ، وَلاَزَمَ فِي
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 392"،
وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 280، 281".
(16/436)
العَرَبِيَّة: ابْنَ خَرُوْفٍ، وَأَبَا
عَمْرٍو مُرَجَّىً المرجيقِيَّ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ
عَاشِرٍ الخُزَاعِيَّ، وَأَجَازَ لَهُ أَبُو القَاسِمِ
بنُ حُبَيْشٍ، وَأَبُو زَيْدٍ السُّهَيْلِيُّ، وَأَبُو
عَبْدِ اللهِ ابْنُ الفَخَّارِ، وَنَجَبَةُ بنُ
يَحْيَى، وَعِدَّةٌ. وَكَانَ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ عَنِ
ابْنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَآخِرَ مَنْ أَسندَ عَنْهُ
السَّبْعَ تِلاَوَةً بِالأَنْدَلُسِ وَبِالعَدْوَةِ.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، متحرِّياً، ضَابطاً
عَارِفاً بِالأَسَانِيْدِ، وَالرِّجَالِ وَالطُّرقِ،
بَقِيَّةً صَالِحَةً وَذَخيرَةً نَافِعَةً، رَحلتُ
إِلَيْهِ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَتَلوتُ
عَلَيْهِ، وَكَانَ مُنَافِراً لأَهْل البِدَعِ
وَالأَهوَاءِ، مَعْرُوْفاً بِذَلِكَ، حَسنَ
النِّيَّةِ، مِنْ أَهْلِ المُرُوْءَةِ وَالفَضْلِ
التَّامِّ وَالدِّينِ القَوِيمِ، مُنْصِفاً،
مُتَوَاضِعاً، حَسنَ الظَّنِّ بِالمُسْلِمِيْنَ،
مُحِبّاً فِي الحَدِيْثِ وَأَهْلِه، كَانَ يَجلسُ
لَنَا بِمَالَقَةَ نَهَارَه كُلَّه إلَّا القَلِيْلَ،
وَكُنْتُ أَتلُو عَلَيْهِ فِي الليل لاستغراق نهار،
وكان شديد التيقظ مَعَ شَاختِه وَهَرَمِه، مَا
امْتَنَعَ قَطُّ عَمَّنْ قَصَدهُ وَلاَ اعتذرَ إلَّا
مِنْ ضرُوْرَةٍ بَيِّنَةٍ، وكان قد تحصل عند مِنَ
الأَعلاَقِ النَّفِيسَةِ وَأُمَّهَاتِ الدَّوَاوِيْنِ
مَا لَمْ يكن عند أحد من أبناء عصره وبين مَدْرَسَةً
بِسَبتَةَ، وَوَقَفَ عَلَيْهَا الكُتُبَ، وَشرعَ فِي
تَكمِيْلِ ذَلِكَ عَلَى السَّنَنِ الجَارِي
بِالمدَارسِ الَّتِي بِبلاَدِ المَشْرِقِ، فَعَاقَ
عَنْ ذَلِكَ قوَاطعُ الفِتَنِ المُوجِبَةِ لإِخرَاجِه
عَنْ سَبْتَةَ وَتَغرِيبِه، فَدَخَلَ الأَنْدَلُسَ فِي
سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ
فَنَزَلَ المرِّيَّةَ فَبَقِيَ إِلَى سَنَةِ ثَمَانٍ
وَأَرْبَعِيْنَ، وَأَخَذَ عَنْهُ بِهَا عَالَمٌ
كَثِيْرٌ، وَأَقرَأَ بِهَا القُرْآنَ، ثُمَّ قَدِمَ
مَالَقَةَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ. وَحَدَّثَ
بِغَرْنَاطَةَ، وَأَخَذَ عَنْهُ بِمَالَقَةَ جِلَّةٌ،
كَأَبِي عَبْدِ اللهِ الطّنّجَالِيِّ، وَالأُسْتَاذِ
حُمَيْدٍ القُرْطُبِيِّ، وَأَبِي الزّهْرِ بنِ
رَبِيْعٍ.
وَكَذَلِكَ عَظَّمَهُ وَفَخَّمَه أَبُو عَبْدِ اللهِ
الأَبَّارُ، وَقَالَ: شَاركَ فِي عِدَّةِ فُنُوْنٍ،
مَعَ الشَّرَفِ وَالحِشْمَةِ وَالمُرُوْءَةِ
الظَّاهِرَةِ، وَاقتَنَى مِنَ الكُتُبِ شَيْئاً
كَثِيْراً، وَحصَّلَ الأُصُوْلَ العَتِيْقَةَ، وروى
الكثير، وكان ومحدث تِلْكَ النَّاحيَةِ.
حَكَى لِي أَبُو القَاسِمِ بنُ عِمْرَانَ
الحَضْرَمِيُّ عَنْ سَبَبِ إِخرَاجِ الشَّارِيِّ مِنْ
سَبْتَةَ أَنَّ ابْنَ خلاَصٍ وَكُبَرَاءَ أَهْلِ
سَبْتَةَ عزمُوا عَلَى تَمليكِ سَبْتَةَ لِصَاحِبِ
إِفْرِيْقِيَةَ يَحْيَى بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، فَقَالَ
لَهُم الشَّارِيُّ: يَا قَوْمِ! خَيْرُ إِفْرِيْقِيَة
بَعِيدٌ عَنَّا وَشرُّهَا بَعيدٌ، وَالرَّأْيُ
مُدَارَاةُ مَلِكِ مَرَّاكُشَ. فَمَا هَانَ عَلَى
ابْنِ خلاَصٍ، وَكَانَ فِيهِم مُطَاعاً، فَهَيَّأَ
مَركباً، وَأَنْزَلَ فِيْهِ أَبَا الحَسَنِ
الشَّارِيَّ، وَغَرَّبَه إِلَى مَالَقَةَ، وَبَقِيَ
بِسبتَةَ أَهْلُه وَمَالُه، وَلَهُ بِسبتَةَ
مَدْرَسَةٌ مليحَةٌ كَبِيْرَةٌ.
قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: تُوُفِّيَ أَبُو الحَسَنِ
-رَحِمَهُ اللهُ- بِمَالَقَةَ، فِي التَّاسِعِ
وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائة.
وَمِنْ مَسْمُوْعِ ابْنِ الزُّبَيْرِ كِتَابُ
"السُّنَنِ الكَبِيْرِ" لِلنَّسَائِيِّ مِنْ أَبِي
الحَسَنِ الشَّارِيِّ، بِسَمَاعِه لِجَمِيْعِه مِنِ
ابْنِ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
البِطْرَوْجِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الطَّلاَّعِ،
أَخْبَرْنَا ابْنُ مُغِيْثٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بنُ مُعَاوِيَةَ ابْنِ الأَحْمَرِ، عَنِ
النَّسَائِيِّ.
قَالَ ابْنُ رشيدٍ: أَحيَا الشَّارِيُّ بِسَبْتَةَ
العِلْمَ حَيّاً وَمَيِّتاً، وَحَصَّلَ الكُتُبَ
بِأَغلَى الأَثْمَانِ، وَكَانَ لَهُ عَظَمَةٌ فِي
النُّفُوْسِ، رَحِمَهُ اللهُ.
قَالَ ابْنُ رشيد: حَدَّثَ عَنْهُ شَيْخُنَا أَبُو
فَارِسٍ عَبْد العَزِيْزِ بن إِبْرَاهِيْمَ بِـ
"البُخَارِيِّ" سَمَاعاً عَنْ رِجَالِهِ مِنْهُم:
ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ سَمَاعاً سَنَة تِسْعِيْنَ عَنْ
شُرَيْحٍ قَالَ: وَرَوَاهُ شَيْخُنَا أَبُو فَارِسٍ
عَنْ أَبِي نَصْرٍ الشِّيْرَازِيِّ إجازة عن أبي
الوقت.
(16/427)
5880- السبط
1:
الشيخ المسند المعمر أبو القاسم عبد الرحمن ابن الحاسب
مكي بن عبد الرحمن بنِ أَبِي سَعِيْدٍ بنِ عَتِيْقٍ
جَمَالُ الدِّيْنِ الطَّرَابُلُسِيُّ، ثُمَّ
الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، سِبْطُ الحَافِظِ أَبِي
طَاهِرٍ.
سَمِعَ مِنْ جَدِّهِ كَثِيْراً، وَحَضَرَ عَلَيْهِ فِي
الرَّابِعَةِ كَثِيْراً، وَمَا رَأَيْتُهُ حضَرَ
شَيْئاً قَبْلَهَا.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ سَبْعِيْنَ. وَسَمِعَ جُزْءاً مِنِ
ابْنِ موقا، ومن بدر الحذاداذي، وَعَبْدِ المَجِيْدِ
بنِ دُلَيْلٍ، وَبِمِصْرَ مِنَ البُوْصِيْرِيِّ.
وأجاز لَهُ: جدُّه، وَالكَاتِبَةُ شُهْدَةُ، وَعَبْدُ
الحَقِّ بنُ يُوْسُفَ، وَمِنْ مَكَّةَ: أَبُو الحَسَنِ
عَلِيُّ بنُ حُمَيْد بنِ عَمَّار رَاوِي
"الصَّحِيْحِ"، وَمِنَ المَوْصِلِ: خَطِيْبُهَا أَبُو
الفَضْلِ، وَمِنَ الشَّامِ: أَبُو سَعْدٍ بنُ أَبِي
عَصْرُوْنَ، وَمِنَ الأَنْدَلُسِ: الحَافِظُ خَلَفُ
بنُ بَشْكُوَالَ، وَمِنْ مِصْرَ: ابْنُ بَرِّيٍّ،
وَعَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ الكَامِلِيُّ، وَعِدَّةٌ.
وَتَفَرَّدَ، وَرَحَلَ إِلَيْهِ الطلبَةُ، وَرَوَى
الكَثِيْرَ بِالقَاهِرَةِ، وَلَهُ سَمَاعَاتٌ
كَثِيْرَةٌ مَا قُرِئتْ عَلَيْهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: المُنْذِرِيُّ، وَالدِّمْيَاطِيُّ،
وَابْنُ دَقِيْقِ العِيْدِ، وَالتَّقِيُّ عُبَيْدٌ،
وَالضِّيَاءُ السَّبْتِيُّ، وَالفَخْرُ
التَّوْزَرِيُّ، وَمِثْقَالٌ الأَشْرَفِيُّ،
وَالشِّهَابُ القَرَافِيُّ، وَالعِمَادُ مُحَمَّدُ
ابْنُ الجَرَائِدِيِّ، وَالخَطِيْبُ عَبْدُ
الرَّحِيْمِ الحَنْبَلِيُّ، وَالفَخْرُ أَحْمَدُ بنُ
الجَبَّابِ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَظِيْمِ
الرَّسِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ ابْنِ
الدِّمَاغِ، وَالنُّوْرُ عَلِيُّ بنُ عُمَرَ
الوَانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَبِالإِجَازَةِ خَطِيْبُ حَمَاةَ مُعِيْن الدِّيْنِ
أَبُو بَكْرٍ ابْن المُغَيْزِلِ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْنُ
الرَّضِيِّ، وَالقَاضِي شَرَفُ الدِّيْنِ ابْنُ
الحَافِظِ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ اللهِ
ابْنُ العَفِيْفِ، وَعِدَّةٌ. وَكَانَ قَلِيْلَ
العِلْمِ.
تُوُفِّيَ فِي دَارِ ابْنِ القَسْطَلاَنِيِّ بِمِصْرَ
لَيْلَةَ رَابِعِ شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى
وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو التُّقَى صَالِحُ بنُ شُجَاعٍ
المُدْلِجِيّ المَالِكِيُّ بِمِصْرَ، رَاوِي "صَحِيْحِ
مُسْلِمٍ"، وَعَبْدُ القَادِرِ بنُ الحُسَيْنِ
البَنْدَنِيْجِيُّ البَوَّابُ آخِرُ أَصْحَابِ عَبْدِ
الحَقِّ اليُوْسُفِيِّ، وَالزَّاهِدُ عُثْمَانُ شَيْخُ
دَيْرِ نَاعِسَ، وَالزَّاهِدُ مُحَمَّدُ ابْنُ
الشَّيْخِ عَبْدِ اللهِ اليُوْنِيْنِيُّ،
وَالمُحَدِّثُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الطنجالي.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "7/ 31"،
وشذرات الذهب "5/ 253، 254".
(16/438)
عبد القادر، عيسى بن
سلامة:
5881- عبد القادر 1:
ابن الحسين بن جميل، الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ
البَنْدَنِيْجِيّ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ، البَوَّابُ.
سَمِعَ: عَبْد الحَقِّ اليُوْسُفِيّ، وَتَفَرَّد
عَنْهُ، وَعُبَيْد اللهِ بن شَاتيل.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الكَنْجِيُّ،
وَشيخنَا الدِّمْيَاطِيّ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة إِحْدَى
وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5882- عيسى بن سلامة 2:
ابن سالم بن ثابت الشَّيْخُ المُعَمَّرُ مُسْنَد
حرَان، أَبُو الفَضْلِ، وَأَبُو العزَائِم
الحَرَّانِيّ، الخَيَّاط.
وُلِدَ فِي سَلْخِ شَوَّال سَنَة إِحْدَى
وَخَمْسِيْنَ، وَفَاتته الإِجَازَة العَامَّة مِنْ
أَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ. وَأَجَاز لَهُ: أَبُو
الفَتْحِ ابْن البَطِّيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ
النَّقُّوْرِ، وَالمُبَارَك بن مُحَمَّدٍ
البَاذَرَائِيّ، وَأَحْمَد بن عَلِيٍّ العَلَوِيّ،
وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ السكن، وَأَبُو عَلِيٍّ
بنُ الرَّحَبِيِّ، وَيَحْيَى بن ثَابِتٍ، وَأَحْمَد
المُرَقَّعَاتِيُّ، وَشُهْدَة، وَعِدَّةٌ، هُوَ آخِرُ
مِنْ رَوَى عَنْهُم في الدنيا. وسمع من: أبي الفتح
أَحْمَد بن أَبِي الوَفَاء، وَمِنَ المُحَدِّث
حَمَّاد، وَرَوَى الكَثِيْر، وَحَدَّثَ بِدِمَشْقَ
قَدِيْماً وَبِحَرَّانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الدِّمْيَاطِيّ، وَابْن الظَّاهِرِي،
وَجَمَال الدِّيْنِ عَبْد الغَنِيِّ، وَمُحَمَّد بن
زباط، وَأَمِيْن الدِّيْنِ ابْن شُقَيْرٍ، وَعَبْد
الأَحَدِ بن تَيْمِيَةَ، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدٍ
الدَّشْتِيّ، وَمُحَمَّد بن دِرباس الحَاكِي،
وَطَائِفَةٌ خَاتِمُهُم القَاسِم بن عَلِيٍّ ابْن
الحُبيشِيِّ.
وَكَانَ شَيْخاً دَيِّناً سَاكناً.
مَاتَ فِي أَوَاخِرِ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ مائَةِ عَامٍ وَعَامٍ وَشُهورٍ.
وَمَاتَ مَعَهُ: أَبُو المَكَارِمِ أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ بنِ نَقَّاش السكَّةِ
بِمِصْرَ، وَالرَّشِيْد إِسْمَاعِيْل ابْن الفَقِيْه
المُقْرِئ أَحْمَد بن الحُسَيْنِ العِرَاقِيّ
الجَابِي، وَالمُعَمَّر عَبْد اللهِ بن الحَسَنِ
الهكَارِي، عَنْ مائَة وَخَمْس سِنِيْنَ، قرَأَ
عَلَيْهِ الدِّمْيَاطِيّ "الصَّحِيْح" عَنْ أَبِي
الوَقْت، والمتكلم شمس الدين عبد الحميد ابن عِيْسَى
الخُسْرُوْشَاهِي، وَابْن تَيْمِيَةَ مُؤلف
"الأَحكَام"، وَالنَّاصح فَرج الحَبَشِيّ خَادم أَبِي
جَعْفَرٍ القُرْطُبِيّ، وَأَبُو الخَطَّابِ مُحَمَّد
بن أَحْمَدَ بنِ خَلِيْل الأَنْدَلُسِيّ، وَكَمَال
الدِّيْنِ مُحَمَّد بن طَلْحَةَ النَّصِيْبِيّ،
وَمُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ بقَاءِ ابْنِ السَّبَّاكِ،
وَالشَّدِيد بن علان.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "7/ 31".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "7/ 33"،
وشذرات الذهب "5/ 259".
(16/439)
5883- ابن
مسلمة 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ العَدْلُ المُعَمَّرُ مُسْنِدُ
دِمَشْق رَشِيدُ الدين أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ
المُفَرَّجِ بنِ عَلِيٍّ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ
مَسْلَمَةَ الدِّمَشْقِيُّ، نَاظِرُ الأَيْتَامِ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: الحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَأَبِي
اليُسْرِ شَاكِرٍ التَّنُوْخِيِّ، وَعَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدَانَ، وَأَجَاز لَهُ هِبَةُ
اللهِ بنُ هِلاَلٍ الدَّقَّاقُ، وَأَبُو الحسن ابن تاج
القراء، وأبو الفتح بن البَطِّيِّ، وَالشَّيْخ أَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ القَادِرِ الجِيْلِيّ، وَأَحْمَد بن
المُقَرَّبِ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بن العباس
الحراني، وعبد الرحمن ابن يَحْيَى الزُّهْرِيّ،
وَمُحَمَّد بن إِسْحَاقَ الصَّابِي، وَمَعْمَر بن
الفاخر، وخريفة ابن الهَاطرَا، وَعَدَد كَثِيْر
تَفَرَّد بِالرِّوَايَة عَنْ طَائِفَة مِنْهُم،
وَرَوَى الكَثِيْر، وَكَانَ عدلاً وَقُوْراً مَهِيْباً
حَمِيْد السِّيْرَةِ، لَهُ "مَشْيَخَة" فِي ثَلاَثَةِ
أَجزَاء سَمِعْنَاهَا.
حَدَّثَ عَنْهُ: الدِّمْيَاطِيّ، وَالفَارِقِيّ شَيْخ
دَار الحَدِيْث، وَكَمَال الدِّيْنِ ابْن العَطَّار،
وَالعِمَاد ابْن البَالِسِيّ، وَشَمْس الدِّيْنِ ابْن
التَّاج، وَابْنُ ابْنِ أَخِيْهِ؛ عَبْد الرَّحِيْمِ
بن مَسْلَمَةَ، وَبَهَاءُ الدِّيْنِ ابْنُ نُوْح،
وَمَحْمُوْدُ ابْنُ المَرَاتِبِيِّ، وَمُحَمَّدُ ابنُ
المحب، والشمس محمد ابن الصلاح، ومحمد ابن أَبِي
بَكْرٍ السَّكَاكينِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ فِي ثَامِنَ عَشَرَ ذِي القَعْدَةِ، سَنَة
خَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "7/ 30"، وشذرات الذهب
لابن العماد "5/ 249".
(16/440)
5884- الصاغاني
1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ المُحَدِّثُ إِمَامُ
اللُّغَةِ رَضِيُّ الدين أَبُو الفَضَائِلِ الحَسَنُ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ حَيْدرِ بنِ عَلِيٍّ
القُرَشِيّ، العَدَوِيّ، العُمَرِيّ، الصَّاغَانِيّ
الأَصْل، الهندِي، اللُّهَوْرِي المَوْلِد،
البَغْدَادِيّ الوَفَاة، المَكِّيّ الْمَدْفن،
الفَقِيْه، الحَنَفِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ بِلُهَوْرَ، فِي صَفَرٍ، سَنَة سَبْعٍ
وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَنَشَأَ بغَزْنَة، وَقَدِمَ بَغْدَادَ، ثُمَّ ذهب
رَسُوْلاً مِنَ الخَلِيْفَة إِلَى ملك الهِنْد سَنَة
سَبْعَ عَشْرَةَ، فَبقِي مُدَّة، ثُمَّ قَدِمَ سَنَةَ
أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ، ثُمَّ أُعِيْد إِلَيْهَا
رَسُوْلاً لِسَنَتِهِ، فَمَا رَجَعَ إِلَى سَنَةِ
سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وَقَدْ سَمِعَ بِمَكَّةَ مِنْ أَبِي الفُتُوْح نَصْرِ
ابْنِ الحُصَرِيّ. وَسَمِعَ بِاليَمَنِ مِنَ: القَاضِي
خَلَفِ بنِ مُحَمَّدٍ الحسنَابَاذِي، وَالنّظَام
مُحَمَّد بن حَسَنٍ المَرْغِيْنَانِيّ. وببغداد من:
سعيد بن محمد ابن الرَّزَّاز.
وَكَانَ إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي مَعْرِفَةِ
اللِّسَان العربِي؛ لَهُ كِتَاب "مَجْمَعِ
البَحْرَيْنِ" فِي اللُّغَة اثْنَا عَشرَ مُجَلَّداً،
وَكِتَابُ "العُبَابِ الزَّاخرِ" فِي اللُّغَة
عِشْرُوْنَ مُجَلَّداً، وَ"الشَّوَارد" فِي اللُّغَة
مُجَلَّد، وَكُتُبٌ عِدَّةٌ فِي اللُّغَةِ، وَكِتَابٌ
فِي عِلمِ الحَدِيْثِ، وَكِتَابُ "مَشَارِق الأَنوَار
فِي الْجمع بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ"، وَكِتَاب فِي
الضُّعَفَاءِ، وَمُؤلف فِي الفَرَائِضِ، وَأَشيَاء.
قَالَ الدِّمْيَاطِيّ: كَانَ شَيْخاً صَالِحاً
صَدُوْقاً صموتاً إِمَاماً فِي اللُّغَة وَالفِقْه
وَالحَدِيْث، قرأت عليه الكثير.
تُوُفِّيَ فِي تَاسِعَ عَشَرَ شَعْبَان، سَنَة
خَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَحَضَرت دَفنه بدَاره
بِالحرِيْم الطَّاهِرِيّ، ثُمَّ نُقل بَعْد خُرُوْجِي
مِنْ بَغْدَادَ إِلَى مَكَّةَ فَدُفِنَ بِهَا، كَانَ
أَوْصَى بِذَلِكَ، وَأَعدَّ لِمَنْ يَحمله خَمْسِيْنَ
دِيْنَاراً.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ الحَافِظُ
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ القُرَشِيّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو الفُتُوْحِ النُّهَاوَنْدِي
بِمَكَّةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ
مُحَمَّدٍ العَلَوِيّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ
أَحْمَدَ التُّسْتَرِيّ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ
جَعْفَرٍ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُؤْلُؤَيّ،
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ
أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا،
وَيَزِيْد بن هَارُوْنَ، عَنْ هشام بن حسان، عن محمد،
عن
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "7/ 26"، وشذرات الذهب "5/
250".
(16/441)
عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ رَسُوْلَ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ
يَوْم الخَنْدَقِ: "حَبَسُوْنَا عَنْ صَلاَةِ
الوُسْطَى صَلاَةِ العَصْرِ، مَلأَ اللهُ بُيُوْتَهُم
وَقُبُوْرَهُم نَاراً" 1.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، مَا عَارضه شَيْء فِي
صِحَّتِهِ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: الرَّشِيْد بن مَسْلَمَةَ،
وَالمُؤْتَمَن بن قُمَيْرَةَ، وَالكَمَال إِسْحَاق بن
أَحْمَدَ المَعَرِيّ الشَّافِعِيّ أَحَدُ الأَئِمَّةِ،
وَالكَاتِب البَارِع شَمْس الدِّيْنِ مُحَمَّد بن
سَعْدٍ المَقْدِسِيّ الحَنْبَلِيّ، وَأَبُو الفَضْلِ
مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي السَّهْل، وَالجَمَال
مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ مَحْمُوْد ابْن
العَسْقَلاَنِيّ، وَالتَّاج مُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ
سَعْدِ اللهِ ابْن الوَزَّان الحَنَفِيّ، وَالشَّيْخ
سعد الدين محمد بن المؤيد ابن حَمُّوَيْه
الجُوَيْنِيّ، وَجَمَال الدِّيْنِ هِبَة اللهِ بن
مُحَمَّدِ بنِ مُفَرِّجٍ المَقْدِسِيّ ثُمَّ
الإِسْكَنْدَرَانِي عِنْدَهُ عَنِ السِّلَفِيّ، وَفخرُ
القُضَاةِ نَصْر اللهِ بن أبي العز بن قصافة الكاتب.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4111"، ومسلم "627" من طريق
هشام، عن محمد عن عبيدة، به.
(16/442)
5885- ابن
قميرة 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ مُسْنَدُ الوَقْتِ مُؤْتَمَنُ
الدِّيْنِ أَبُو القَاسِمِ يَحْيَى ابنُ أَبِي
السُّعُوْدِ نَصْرِ ابنِ أَبِي القَاسِمِ بنِ أَبِي
الحَسَنِ ابْنُ قُمَيْرَةَ التَّمِيْمِيُّ
اليَرْبُوْعِيُّ الحَنْظَلِيُّ البَغْدَادِيُّ
الأَزَجِيُّ التَّاجِرُ السَّفَّارُ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: شُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَتَجَنِّي
الوَهْبَانِيَّةِ، وَعَبْدِ الحَقِّ اليُوْسُفِيِّ،
وَمُحَمَّدِ بنِ بَدْرٍ الشِّيْحِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ
شِيْرَوَيْه.
وَحَدَّثَ فِي أَسْفَارِهِ بِمِصْرَ، وَدِمَشْقَ،
وَحَلَبَ، وَبَغْدَادَ، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَجَلَسَ
بَيْنَ يَدَيْهِ الحُفَّاظُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ
الحُلوَانِيَّةِ، وَالدِّمْيَاطِيُّ، وَابْنُ
الظَّاهِرِيِّ، وَالبَهَاءُ أَيُّوْبُ الأَسَدِيُّ،
وَأَخُوْهُ؛ إِسْحَاقُ، وَالقَاضِي الحَنْبَلِيُّ،
وَبِيْبَرْسُ العَدِيْمِيُّ، وَالعِمَادُ ابْنُ
البَالِسِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي اليُسْرِ،
وَأَبُو جَعْفَرٍ ابْنُ المُقَيَّرِ، وَعَلِيُّ بنُ
جَعْفَرٍ المُؤَذِّن، وَعَبْدُ اللهِ ابْنُ الشَّيْخِ،
وَمُحَمَّدُ ابنُ الصَّلاَحِ، وَالتَّقِيُّ بنُ
تَمَّامٍ، وَخَلْقٌ آخِرُهُم: ابْنُ الخَرَّاط،
وَأَبُو نَصْرٍ ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ.
مَاتَ بِبَغْدَادَ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ
خَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: شيخ حسن، لا بأس به.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 253".
(16/442)
أخوه المعمر المسند
أبو العباس أحمد، ابن علان:
5886- أخوه المعمر المسند أبو العباس أحمد:
ابن نصر، التَّاجر شَيْخ كَبِيْر.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، وَلَمْ يظْهر
لَهُ سِوَى نِصْفِ جُزْء الترَاجم، سَمِعَهُ مِنْ
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ ابْن
النَّرْسِيّ، فَكَانَ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ.
رَوَى عَنْهُ: القَاضِي مَجْد الدِّيْنِ ابْن
العَدِيْم، وَالحَافِظُ شَرَف الدِّيْنِ ابْن
الدِّمْيَاطِيّ، وَابْن الدوَالِيبِيِّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: شَيْخٌ مُتَيَقِّظٌ، حَسَنُ
الطّرِيقَةِ، مُتَمَوِّلٌ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي أَوَائِل سَنَةِ تِسْعٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5887- ابْنُ عَلاَّنَ 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ العَدْلُ المُعَمَّرُ سَدِيْدُ
الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيُّ بنُ المُسَلَّم
بنِ مَكِّيِّ بنِ خَلَفِ بنِ المُسَلَّمِ بنِ أَحْمَدَ
بنِ مُحَمَّدِ بنِ حِصْنِ بنِ صَقْرِ بنِ عَبْدِ
الوَاحِدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَلاَّنَ القَيْسِيُّ،
العَلاَّنِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، المِسْكِيُّ،
الطِّيْبِيُّ.
وُلِدَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ.
وَسَمِعَ مِنَ: الحَافِظ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَأَبِي
الفَهْمِ بنِ أَبِي العَجَائِزِ، وعلي ابْن
خَلْدُوْنَ، وَتَفَرَّد بِهِم، وَمِنَ المَجْدِ ابْن
البَانْيَاسِيّ. وَأَجَاز لَهُ أَبُو طَاهِرٍ
السِّلَفِيُّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ الرَّحَبِيّ.
وَرَوَى الكَثِيْر، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَبعُدَ
صِيْتُهُ، وَكَانَ شَيْخاً معتبراً متودداً، وَافِرَ
الحُرْمَةِ، مِنْ بَيْت تَقدمٍ وَرِوَايَةٍ،
وَرِوَايَاته صَحِيْحَة، وَقَدْ سَمِعَ أَخَوَاهُ
أَسْعَدُ وَمُحَمَّدٌ مِنِ ابْنِ عَسَاكِر أَيْضاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: الدِّمْيَاطِيّ، وَابْن الظَّاهِرِي،
وَزَيْن الدِّيْنِ الفَارِقِيّ، وَالعِمَاد ابْنُ
البَالِسِيّ، وَأَخُوْهُ عَبْدُ اللهِ، وَطَلْحَةُ
القُرَشِيُّ، وَمُحْيِي الدِّيْنِ يَحْيَى بنُ
المَقْدِسِيِّ، وَالقَاضِي شَرَفُ الدِّيْنِ ابْنُ
الحَافِظِ، وَإِسْمَاعِيْلُ وَعَبْدُ اللهِ ابْنَا
أَبِي النَّائِبِ، وَأَمِيْنُ الدِّيْنِ سَالِمُ بنُ
صَصْرَى، وَأُخْتُهُ؛ أَسْمَاءُ، وَتَاج الدِّيْنِ
أَحْمَدَ بن مُزَيْزٍ، وَخَلْق.
تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ، فِي العِشْرِيْنَ مِنْ صفر،
سَنَة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ
-رَحِمَهُ اللهُ، وَأَجَاز لِجَمِيْعِ مَنْ أدرك حياته
من المسلمين.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "7/ 33"، وشذرات الذهب "5/
260".
(16/443)