سير أعلام
النبلاء، ط الحديث الطبقة الثالثة
والثلاثون:
5547- ابن راجح 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ الفَقِيْهُ المُنَاظِرُ
شِهَابُ الدِّيْنِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ
خَلَفِ بنِ رَاجِحِ بنِ بِلاَلِ بنِ هِلاَلِ بنِ عِيْسَى
المَقْدِسِيُّ، الجَمَّاعِيْليُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ ظَنّاً
بِجَمَّاعِيْلَ.
وَتربَّى بِالدَّيْرِ بقَاسيُوْنَ، وَأَخَذَهُ الحَافِظُ
عَبْدُ الغَنِيِّ مَعَهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ
إِلَى السِّلَفِيِّ، فَسَمِعَ مِنْهُ كَثِيْراً، وَرجعَ
فَسَارَ إِلَى بَغْدَادَ، فَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ
الخَشَّابِ، وشهدة والطبقة.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ أَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلاَلٍ،
وَجَمَاعَةٍ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَاشْتَغَلَ عَلَى
ابْنِ المَنِّيِّ.
قَالَ الحَافِظُ الضِّيَاءُ: صَارَ أَوحد زَمَانِهِ فِي
عِلْمِ النَّظَرِ، وَكَانَ يَقطعُ الخُصُوْمَ، وَيَذْهَبُ
فَيُنَاظرُ الحَنَفِيَّةَ، وَيَتَأَذَّوْنَ مِنْهُ، وَقَدْ
أَلْبَسَهُ شَيْخُهُ ابْنُ المَنِّيِّ طَرْحَةً، ثُمَّ
إِنَّهُ مَرِضَ وَاصفرَّ حَتَّى قِيْلَ: هُوَ مَسْحُوْرٌ.
وَكَانَ كَثِيْرَ الخَيْرِ وَالصَّلاَةِ، سليم الصدر،
رأيتهم بحماعيل يُعَظِّمُونَهُ، وَلاَ يَشكُّوْنَ فِي
وِلاَيتِهِ وَكَرَامَاتِهِ.
وَسَمِعْتُ الإِمَامَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدِ
بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ، يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ
مِنْ جَمَّاعِيْلَ، مِنْهُم: خَالِي عُمَرُ بنُ عَوَضٍ،
قَالَ: وَقعَتْ فِي جَمَّاعِيْلَ فِتْنَةٌ، فَخَرَجَ
بَعْضُهُم إِلَى بَعْضٍ بِالسُّيوفِ، وَكَانَ ابْنُ
رَاجِحٍ عِنْدنَا. قَالُوا: فَسَجَدَ وَدَعَا، قَالُوا:
فَضَرَبَ بَعْضُهُم بَعْضاً بِالسُّيوفِ فَمَا قطعَتْ
شَيْئاً. قَالَ عُمَرُ: فَلَقَدْ رَأَيتَنِي ضربْتُ بسيفِي
رَجُلاً، وَكَانَ سَيْفاً مَشْهُوْراً فَمَا قطعَ شَيْئاً،
وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا بِبركَةِ دعَائِهِ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ فِي "مُعْجَمِهِ": هُوَ
إِمَامٌ، مُحَدِّثٌ، فَقِيْهٌ، عَابِدٌ، دَائِمُ
الذِّكْرِ، لاَ تَأْخذُهُ فِي اللهِ لُوْمَةُ لاَئِمٍ،
صَاحِبُ نَوَادِرٍ وَحِكَايَاتٍ، عِنْدَهُ وَسْوَسَةٌ
زَائِدَةٌ فِي الطَّهَارَةِ، وَكَانَ يُحَدِّثُ بَعْدَ
الجُمُعَةِ مِنْ حِفْظِهِ، وَكَانَتْ أَعدَاؤُهُ تَشهَدُ
بفضلِهِ.
وَقَالَ المُنْذِرِيُّ: كَانَ كَثِيْرَ المَحْفُوْظِ،
متحرِّياً فِي العِبَادَاتِ، حَسَنَ الأَخْلاَقِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ الضياء، والبرزالي، والمنذري،
والقوصي، وابن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ،
وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَابْنُ الكَمَالِ، وَالتَّقِيُّ
ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَالعِمَادُ عَبْدُ الحَافِظِ،
وَالعزُّ ابْنُ العِمَادِ، وَإِسْمَاعِيْلُ ابْنُ
الفَرَّاءِ، وَخَلْقٌ.
قَرَأْتُ وَفَاتَهُ بِخَطِّ الضِّيَاءِ فِي التَّاسعِ
وَالعِشْرِيْنَ مِنْ صفرٍ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ
وَسِتِّ مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 251"،
وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 82".
(16/144)
صاحب الألموت،
الواسطي، قتادة:
5548- صاحب الألموت 1:
إلكيا جلال الدين حسن ابْنُ الأَمِيْرِ " ... "2 ابْنِ
إِلكيَا حَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ، الإِسْمَاعِيْلِيُّ،
رَأْسُ الإِسْمَاعِيْلِيَّةِ. مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِي
عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ.
وَكَانَ قَدْ أَظهرَ شِعَارَ الإِسْلاَمِ مِنَ الصَّلاَةِ
وَالصِّيَامِ، فَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُهُ شَمْسُ الشُّموسِ،
عَلاَءُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ، فَطَالَتْ
أَيَّامُهُ إِلَى أَنْ أَخَذَهُ هولاَكُو، وهدم الألموت.
5549- الواسطي:
الشَّيْخُ المُقْرِئُ أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
الرحمن بنِ أَبِي العِزِّ الوَاسِطِيُّ، السَّفَّارُ.
شيخٌ مُعَمَّرٌ، يَحْتَمِلُ سنُّهُ السَّمَاعَ مِنِ: ابْنِ
الحُصَيْنِ، وَفَاطِمَةَ الحوزدانية، وَإِنَّمَا سَمِعَ
-وَقَدْ كَبِرَ- مِنْ: أَبِي الوَقْتِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ
العَبَّاسِيِّ، وَأَبِي المُظَفَّرِ ابْنِ التُّرَيْكِيِّ،
وَحَدَّثَ فِي أَسفَارِهِ بِدِمَشْقَ وَحَلَبَ
وَالمَوْصِلِ وَإِرْبِلَ وَبَغْدَادَ. وَلَهُ اعتنَاءٌ
مَا، وَتُعرَفُ سَمَاعَاتُهُ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ خَلِيْلٍ،
وَالبِرْزَالِيُّ، وَالقُوْصِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ
ابْنُ زَينِ الأُمَنَاءِ. وَحَدَّثَ بـ "صَحِيْحِ
البُخَارِيِّ" بِالمَوْصِلِ.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ،
وَلَهُ مائَةُ سَنَةٍ وَسَنَةٌ.
5550- قتادة 3:
ابن إدريس الحسني، صاحب مكة.
امتدَّتْ أَيَّامُهُ، رُبَّمَا جَارَ وَظلَمَ وَعسفَ،
وَأَخَذَ المَدِيْنَةَ عَلَى يدِ ابْنِهِ حسن، فَقتلَ حسنٌ
صَاحِبَهَا عَمَّهُ، ثُمَّ خَنَقَ أَبَاهُ قَتَادَةَ
هَذَا، ثُمَّ قتلَ عَمَّهُ الآخرَ.
وَلِقَتَادَةَ شعرٌ جَيِّدٌ، وعمر تسعين سنة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 84".
2 بياض بالأصل.
3 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 249، 250"، وشذرات الذهب
"5/ 76".
(16/145)
العثماني، ابن
الحمامي:
5551- العثماني:
المحدث الجزال الصَّالِحُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ
بنُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ الغَالِب بنِ نَصْرٍ الأُمَوِيُّ،
العُثْمَانِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
مَوْلِدُهُ بِبَيْتِ لِهْيَا، فِي سَنَةِ تِسْعٍ
وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ ابنِ المَوَازِيْنِيّ،
وَعَبْد الرَّحْمَنِ ابْنِ الخِرَقِيِّ، وَعِدَّةٍ.
وَبِبَغْدَادَ مِنِ: ابْنِ كُلَيْبٍ، وطائفة. بأصبهان مِنْ
خَلِيْلٍ الرَّارَانِيِّ، وَمَسْعُوْدٍ الجَمَّالِ،
وَعِدَّةٍ. وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ أَبِي سَعْدٍ
الصَّفَّارِ، وَبِمِصْرَ، وَالثَّغْرِ.
وَكَانَ دَيِّناً، وَرِعاً، أَمِيناً، كتبَ الكَثِيْرَ،
وَرَوَى أَكْثَرَ مروياته، وله منامات عجيبة.
رَوَى عَنْهُ الحَافِظُ عَبْدُ العَظِيْمِ، وَابْنُ عَبْدِ
الدَّائِمِ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَالكَمَالُ ابْنُ
النَّصِيْبِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ بطيبَةَ، فِي نِصْفِ المُحَرَّمٍ، سَنَةَ ثَمَانِي
عشرة وست مائة.
5552- ابن الحمامي 1:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ المُتْقِنُ الوَاعِظُ الصَّالِحُ
تَقِيُّ الدِّيْنِ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الفَرَجِ
الهَمَذَانِيُّ ابْنُ الحَمَّامِيِّ.
وُلِدَ: فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ أَبِي الوَقْتِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَخَمْسِيْنَ حُضُوْراً. وَسَمِعَ مِنْ أَبِي العَلاَءِ
العَطَّارِ، وَمُحَمَّدِ بنِ بُنَيْمَانَ، وَلحقَ
بِأَصْبَهَانَ أَبَا رشيدٍ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ أَسَعْدَ بنِ يَلْدركَ، وَابْنَ
شَاتيلَ، ثُمَّ قدِمَهَا بُعَيدَ السِّتِّ مائَةٍ،
فَسَمِعَ مِنِ ابْنِ سُكَيْنَةَ، وَعِدَّةٍ. وَكَانَ
مُحَدِّثَ وَقتِهِ بِهَمَذَانَ، وَكَبِيْرَهَا.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: حضَرتُ مَجْلِسَ إِملاَئِهِ،
وَكَانَ لَهُ القبولُ التَّامُّ، وَالصِّيْتُ الشَّائِعُ،
وَيَتبرَّكُوْنَ بِهِ. قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ
الحَدِيْثِ وَحُفَّاظِهِ، وَلَهُ المَعْرِفَةُ بفقْهِ
الحَدِيْثِ، وَلغتِهِ، وَرِجَالِهِ. وَكَانَ فَصِيْحاً
حلوَ العبَارَةِ، منقِّحَ الأَلْفَاظِ، مَعَ تَعبُّدٍ
وَزُهْدٍ، وَكَانَ أَمَّاراً بِالمَعْرُوفِ، نَاصِراً
لِلسُّنَّةِ، مُتَوَاضِعاً، متودِّداً، سَمْحاً، جَوَاداً،
اسْتولَتِ التَّتَارُ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ
ثَمَانِي عَشْرَةَ عَلَى هَمَذَانَ، فَبَرَزَ لقِتَالِهِم
بِابْنِهِ عُبَيْدِ الله، فاستشهدا.
قُلْتُ: أَجَازَ لِشُيُوْخِنَا الشَّرَفِ ابْنِ عَسَاكِرَ،
وَالتَّاجِ بنِ عَصرُوْنَ. وَرَوَى عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ
وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالعِمَادُ عَلِيُّ
ابْنُ عَسَاكِرَ، وَآخَرُوْنَ.
عَاشَ سبعين سنة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 252، 253".
(16/146)
الملاحي، ابن الحصري:
5553- الملاحي 1:
الإِمَامُ الحَافِظُ البَارِعُ المُتْقِنُ الأَوْحَدُ
أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُفَرِّجٍ الغَافِقِيُّ الأَنْدَلُسِيُّ
المَلاَّحِيُّ.
وَالمَلاَّحَةُ: قَرْيَةٌ مِنْ عَمَلِ غَرْنَاطَةَ.
وُلِدَ سَنَةَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ كوثرٍ،
وَأَبِي خَالِدٍ بنِ رِفَاعَةَ، وَعَبْدِ الحَقِّ بنِ
بُونُه، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ سمجُوْنَ، وَطَبَقَتِهِم.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ زَرْقُوْنَ،
وَأَبُو زَيْدٍ السُّهَيْلِيُّ، وَأَبُو الطَّاهِرِ بنُ
عَوْفٍ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، وَالخُشُوْعِيُّ.
قَالَ الأَبَّارُ: كتبَ عَنِ الكِبَارِ وَالصِّغَارِ،
وَبَالَغَ عُمُرَهُ فِي الاسْتكثَارِ، وَكَانَ حَافِظاً
لِلرُّوَاةِ، عَارِفاً بِأَخْبَارِهِم، وَجَمَعَ تَارِيخاً
فِي عُلَمَاءِ إلبيرة، وكتاب "الأنساب"، و"الأربعين
حَدِيْثاً"، بلغَ فِيْهَا غَايَة الاحْتِفَالِ، وَشُهِدَ
لَهُ بحفظِ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ، وَزَادَ عَلَى مَنْ
تَقدَّمَهُ، وله استدراك على ابن عبد البر فِي
الصَّحَابَةِ، وَكَانَ مُكْثِراً عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ
الفَرَسِ، أَخَذَ النَّاسُ عَنْهُ، وَكَانَ أَهْلاً
لِذَلِكَ.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وست
مائة.
5554- ابن الحصري 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ الحَافِظُ المُتْقِنُ
المُقْرِئُ المُجَوِّدُ شَيْخُ الحَرَمِ وَإِمَامُ الحطيمِ
بُرْهَانُ الدِّيْنِ أَبُو الفُتُوْحِ نَصْرُ بنُ أَبِي
الفَرَجِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي الفَرَجِ
البَغْدَادِيُّ الحَنْبَلِيُّ، ابْنُ الحُصْرِيِّ.
وُلِدَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وخمس
مائة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1127"، وشذرات الذهب
لابن العماد "5/ 86".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1114"، والنجوم
الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 253"، وشذرات الذهب لابن
العماد "5/ 83".
(16/147)
وَقرَأَ بِالرِّوَايَاتِ، وَهُوَ حَدَثٌ،
عَلَى أَبِي الكَرَمِ ابْنِ الشَّهْرُزُوْرِيِّ
وَغَيْرِهِ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ ابْنِ
الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، وَأَبِي
طَالِبٍ العلوي، ومحمد بن أحمد ابن التُّرَيْكِيِّ،
وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ المَادِحِ، وَهِبَةِ اللهِ
الشِّبْلِيِّ، وَهِبَةِ اللهِ الدَّقَّاقِ، وَابْنِ
البَطِّيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَمَنْ بَعْدَهُم، وَكَتَبَ
الكَثِيْرَ، وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ. وَكَانَ ثِقَةً،
فَهماً، يَقظاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قرَأَ بِالرِّوَايَاتِ
الكَثِيْرَةِ عَلَى جَمَاعَةٍ كَأَبِي بَكْرٍ ابن
الزَّاغُوْنِيِّ، وَالشَّهْرُزُوْرِيِّ، وَمَسْعُوْدِ بنِ
الحُصَيْنِ، وَسَعْدِ اللهِ ابْنِ الدَّجَاجِيِّ،
وَعَلِيِّ بنِ مَحْمُوَيْه اليَزْدِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ
عَلِيِّ بنِ نَصْرٍ.
وَقَالَ المُنْذِرِيُّ: قرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى ابْنِ
الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي الكَرَمِ، وَأَبِي المَعَالِي
أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ السَّمِينِ وَجَمَاعَةٍ، واشتغل
بالأدب، وسمع من خلق، لم يَزَلْ يسمع وَيَقرَأُ وَيُفِيدُ
إِلَى أَنْ شَاخَ، وَجَاورَ أَزيدَ مِنْ عِشْرِيْنَ
سَنَةً، وَكَانَ كَثِيْرَ العِبَادَةِ، ثُمَّ قصدَ
اليَمَنَ فَأَدْرَكَهُ الأَجْلُ بِالمَهْجَمِ فِي
المُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانِي
عَشْرَةَ.
وَقَالَ الدُّبَيْثِيُّ: كَانَ ذَا مَعْرِفَةٍ بِهَذَا
الشَّأْنِ، خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ
وَتِسْعِيْنَ فَجَاورَ وَأَمَّ الحَنَابِلَةَ، وَنِعْمَ
الشَّيْخُ كَانَ ثِقَةً وَعِبَادَةً.
وَقَالَ الضِّيَاءُ: مَاتَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعَ
عَشْرَةَ شَيْخُنَا الحَافِظُ أَبُو الفُتُوْحِ
بِالمَهْجَمِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ الدُّبَيْثِيُّ، وَالضِّيَاءُ،
وَالبِرْزَالِيُّ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ
عَبْدِ النَّاصِر، اليَمَنِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ
خَلِيْلٍ العَسْقَلاَنِيُّ الفَقِيْهُ، وَتَاجُ الدِّيْنِ
عَلِيُّ ابن القَسْطَلاَنِيِّ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ،
وَقَالَ: كَانَ إِمَاماً فِي القِرَاءاتِ وَالعَرَبِيَّةِ،
وَالشَّيْخُ رَضِيُّ الدِّيْنِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ
الصَّغَانِيُّ، وَنَجِيْبُ الدِّينِ المِقْدَادُ بنُ أَبِي
القَاسِمِ القَيْسِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ حَافِظاً، حُجَّةً،
نبيلاً، جمَّ العِلْمِ، كَثِيْرَ المَحْفُوْظِ، مِنْ
أَعْلاَمِ الدِّينِ وَأَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، كَثِيْرَ
العِبَادَةِ والتهجد والصوم.
قال ابن مسدي: كان أحد الأئمة الأثبات، مشارًا إِلَيْهِ
بِالحِفْظِ وَالإِتْقَانِ، قصدَ اليَمَنَ فَمَاتَ
بِالمهجمِ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ،
وَلَهُ شعرٌ جَيِّدٌ فِي الزُّهْديَّاتِ.
وَعَاشَ وَلدُهُ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ العَزِيْزِ إِلَى
رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ،
وَسَمِعَ مِنْهُ المِصْرِيُّونَ وَالبِرْزَالِيُّ
بِإِجَازَةِ أَبِي رَوْحٍ، وَالمُؤَيَّدُ، وَكَانَ يذكُرُ
أَنَّهُ سَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ أَبِيْهِ، يُقَالُ:
قَارَبَ المائَةَ.
(16/148)
5555- ابن
قدامة 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ القُدْوَةُ العَلاَّمَةُ المُجْتَهِدُ
شَيْخُ الإِسْلاَمِ موفق الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَةَ بنِ
مِقْدَامِ بنِ نَصْرٍ المَقْدِسِيّ، الجَمَّاعِيْلِيّ،
ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ، الصَّالِحيّ، الحَنْبَلِيّ، صاحب
"المُغْنِي".
مَوْلِدُهُ بِجَمَّاعِيْلَ، مِنْ عَملِ نَابُلُسَ، سَنَةَ
إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي شَعْبَانَ.
وَهَاجَرَ مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَقَارِبِهِ، وَلَهُ
عشرُ سِنِيْنَ، وَحفظَ القُرْآنَ، وَلَزِمَ الاشتغَالَ
مِنْ صِغَرِهِ، وَكَتَبَ الخطَّ المَلِيْحَ، وَكَانَ مِنْ
بُحُوْرِ العِلْمِ، وَأَذكيَاءِ العَالَمِ.
وَرَحَلَ هُوَ وَابْنُ خَالِهِ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ
فِي أَوَّلِ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ فِي طَلَبِ
العِلْمِ إِلَى بَغْدَادَ، فَأَدْرَكَا نَحْوَ
أَرْبَعِيْنَ يَوْماً مِنْ جَنَازَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ
القَادِرِ، فَنَزَلاَ عِنْدَهُ بِالمَدْرَسَةِ،
وَاشْتَغَلاَ عَلَيْهِ تِلْكَ الأَيَّامَ، وَسَمِعَا
مِنْهُ، وَمِنْ: هِبَةِ اللهِ بنِ الحَسَنِ الدَّقَّاقِ،
وَأَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ بنِ
طَاهِرٍ، وَأَحْمَدَ بنِ المُقَرّبِ، وَعَلِيِّ ابْنِ
تَاجِ القُرَّاءِ، وَمَعْمَرِ بنِ الفَاخِرِ، وَأَحْمَدَ
بنِ مُحَمَّدٍ الرَّحبِيِّ، وَحَيْدَرَةَ بنِ عُمَرَ
العَلَوِيِّ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الحُسَيْنِ
البَارِزِيِّ، وَخَدِيْجَةَ النَّهْرَوَانِيَّةِ،
وَنفِيسَةَ البَزَّازَةِ، وَشُهْدَةَ الكَاتِبَةِ،
وَالمُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدٍ البَادرَائِيِّ، وَمُحَمَّدِ
بنِ مُحَمَّدِ بنِ السَّكَنِ، وَأَبِي شُجَاعٍ مُحَمَّدِ
بن الحسين المادرائي، وأبي حنيفة مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ
اللهِ الخَطِيْبيِّ، وَيَحْيَى بنِ ثَابِتٍ.
وَتَلاَ بِحرفِ نَافِعٍ عَلَى أَبِي الحَسَنِ
البَطَائِحِيِّ، وَبحرفِ أَبِي عَمْرٍو عَلَى أُسْتَاذِهِ
أَبِي الفتح ابن المنِّيِّ.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلاَلٍ،
وَعِدَّةٍ. وَبِالمَوْصِلِ مِنْ: خَطِيْبِهَا أَبِي
الفَضْلِ الطُّوْسِيِّ. وَبِمَكَّةَ مِنَ: المُبَارَكِ بنِ
الطَّبَّاخِ، وَلَهُ مشيخة سمعناها.
حدث عنه: البهاء عبد الرحمن، وَالجمَالُ أَبُو مُوْسَى
ابْنُ الحَافِظِ، وَابْنُ نُقْطَةَ، وَابْنُ خَلِيْلٍ،
وَالضِّيَاءُ، وَأَبُو شَامَةَ، وَابْنُ النَّجَّارِ،
وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالجمَالُ ابْنُ
الصَّيْرَفِيِّ، وَالعِزُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ
اللهِ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ
الوَاسِطِيِّ، وَالشَّمْسُ ابْنُ الكَمَالِ، وَالتَّاجُ
عَبْدُ الخالق، والعماد، ابن بَدْرَانَ، وَالعِزُّ
إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ الفَرَّاءِ، وَالعزُّ أَحْمَدُ ابن
العماد، وأبو الفهم ابن النّميسِ، وَيُوْسُفُ الغسوْلِيُّ،
وَزَيْنَبُ بِنْتُ الوَاسِطِيِّ، وَخَلْقٌ آخِرُهُم
مَوْتاً التَّقِيُّ أَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، يَرْوِي عنه
بالحضور أحاديث.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "5/ 88-92".
(16/149)
وَكَانَ عَالِمَ أَهْلِ الشَّامِ فِي
زَمَانِهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ إِمَامَ الحَنَابِلَةِ
بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، نبيلاً،
غزِيْرَ الفَضْلِ، نَزِهاً، وَرِعاً، عَابِداً، عَلَى
قَانُوْنِ السَّلَفِ، عَلَيْهِ النُّوْرُ وَالوَقَارُ،
يَنْتفعُ الرَّجُلُ برُؤِيتِهِ قَبْلَ أَنْ يسمع
كَلاَمَهُ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: هُوَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ،
وَمُفْتِي الأُمَّةِ، خصَّهُ اللهُ بِالفَضْلِ الوَافرِ،
وَالخَاطرِ المَاطرِ، وَالعِلْمِ الكَامِلِ، طَنَّتْ
بذِكرِهِ الأَمصَارُ وَضنَّتْ بِمِثْلِهِ الأَعصَارُ،
أَخَذَ بِمجَامِعِ الحَقَائِقِ النَّقْليَّةِ
وَالعقليَّةِ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَهُ المُؤلفَاتُ
الغزِيْرَةُ، وَمَا أَظَنُّ الزَّمَانَ يَسمحُ بِمِثْلِهِ،
مُتَوَاضِعٌ، حسنُ الاعْتِقَادِ، ذُو أَنَاةٍ وَحلمٍ
وَوقَارٍ، مَجْلِسُهُ معمورٌ بالفقهاء والمحدثين، وكان
مثير العِبَادَةِ، دَائِمَ التَّهجُّدِ، لَمْ نَرَ
مِثْلَهُ، وَلَمْ يُرَ مِثْلُ نَفْسِهِ.
وَعَمِلَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ "سيرتَهُ" فِي جُزأَيْنِ،
فَقَالَ: كَانَ تَامَّ القَامَةِ، أَبيضَ، مُشْرِقَ
الوَجْهِ، أَدعجَ، كَأنَّ النُّوْرُ يَخْرُجُ مِنْ وجهه
لحسنه، واسع الجبين، طَوِيْلَ اللِّحْيَةِ قَائِمَ
الأَنفِ، مَقْرُوْنَ الحَاجِبَيْنِ، صَغِيْرَ الرَّأْسِ،
لطيفَ اليَدينِ وَالقدمَينِ، نحيفَ الجِسْمِ، مُمَتَّعاً
بحوَاسِّهِ.
أَقَامَ هُوَ وَالحَافِظُ بِبَغْدَادَ أَرْبَعَ سِنِيْنَ،
فَأَتقنَا الفِقْهَ وَالحَدِيْثَ وَالخلاَفَ، أَقَامَا
عِنْدَ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ خَمْسِيْنَ لَيْلَةً،
وَمَاتَ، ثُمَّ أَقَامَا عِنْدَ ابْنِ الجَوْزِيِّ، ثُمَّ
انتقلاَ إِلَى رِبَاطِ النَّعَّالِ، وَاشْتَغَلاَ عَلَى
ابْنِ المَنِّيِّ. ثُمَّ سَافرَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ
وَسِتِّيْنَ وَمَعَهُ الشَّيْخُ العِمَادُ، وَأَقَامَا
سَنَةً.
صَنَّفَ "المغنِي" عشرَ مُجَلَّدَاتٍ، وَ"الكَافِي"
أَرْبَعَةً، وَ"الْمقنع" مُجَلَّداً، وَ"العُمدَة"
مُجيليداً، وَ"القنعَة فِي الغَرِيْبِ" مجيليدٌ،
وَ"الرَّوْضَة" مُجَلَّدٌ، وَ"الرَّقَّة" مُجَلَّدٌ،
وَ"التَّوَّابينَ" مُجَلَّدٌ، وَ"نسب قُرَيْشٍ" مجيليدٌ،
وَ"نسب الأَنْصَارِ" مُجَلَّدٌ، وَ"مُخْتَصَر الهِدَايَة"
مجيليدٌ، وَ"القدر" جزء، و"مسألة العلو" جزء، و"المتحابين"
جزءٌ، وَ"الاعْتِقَاد" جزءٌ، وَ"البُرْهَان" جزءٌ، وَ"ذمّ
التَّأَْوِيْلِ" جزءٌ، وَ"فَضَائِل الصَّحَابَةِ" مجيليدٌ،
وَ"فضل العشرِ" جزءٌ، وَ"عَاشُورَاء" أجزاء، و"مشيخة"
جُزآنِ، وَ"وصيَّته" جزءٌ، وَ"مُخْتَصَر العللِ لِلْخلالِ"
مُجَلَّدٌ، وَأَشيَاءُ.
قَالَ الحَافِظُ الضِّيَاءُ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ
حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ، فَأَلقَى عليَّ مَسْأَلَةً،
فَقُلْتُ: هَذِهِ فِي الخِرَقِيِّ، فَقَالَ: مَا قصر
صاحبكم الموفق في شرح الخرقي.
قَالَ الضِّيَاءُ: كَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- إِمَاماً فِي
التَّفْسِيْرِ، وَفِي الحَدِيْثِ وَمشكلاَتِهِ، إِمَاماً
فِي الفِقْهِ، بَلْ أَوحد زَمَانِهِ فِيْهِ، إِمَاماً فِي
علمِ الخلاَفِ، أَوحدَ فِي الفَرَائِضِ، إِمَاماً فِي
أُصُوْلِ الفقه، إمام فِي النَّحْوِ وَالحسَابِ وَالأَنجمِ
السَّيَّارَةِ، وَالمَنَازِلِ.
(16/150)
وَسَمِعْتُ دَاوُدَ بنَ صَالِحٍ
المُقْرِئَ، سَمِعْتُ ابْنَ المنِّيِّ يَقُوْلُ
-وَعِنْدَهُ الإِمَامُ المُوَفَّقُ: إِذَا خَرَجَ هَذَا
الفَتَى مِنْ بَغْدَادَ احتَاجَتْ إِلَيْهِ.
وَسَمِعْتُ البهاء عبد الرحمن يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا
ابْنُ المَنِّيِّ يَقُوْلُ للموفَّقِ: إِنْ خَرَجتَ مِنْ
بَغْدَادَ لاَ يَخلُفُ فِيْهَا مِثْلُكَ.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مَحْمُوْدٍ الأَصْبَهَانِيَّ
يَقُوْلُ: مَا رَأَى أَحَدٌ مِثْلَ الشَّيْخِ المُوَفَّقِ.
وَسَمِعْتُ المُفْتِي أَبَا عُبَيْدِ اللهِ عُثْمَانَ بنَ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ عَنِ
المُوَفَّقِ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ، كَانَ مُؤيّداً فِي
فَتَاويهِ.
وَسَمِعْتُ المُفْتِي أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ مَعَالِي
بنِ غَنِيْمَةَ يَقُوْلُ: مَا أَعْرفُ أَحَداً فِي
زَمَانِنَا أَدْرَكَ دَرَجَةَ الاجْتِهَادِ إلَّا
المُوَفَّقَ.
وَسَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا عَبْدِ اللهِ اليُوْنِيْنِيَّ
يَقُوْلُ: أَمَّا مَا علمتُهُ مِنْ أَحْوَالِ شَيْخِنَا
وَسيِّدِنَا مُوَفَّقِ الدِّيْنِ، فَإِنَّنِي إِلَى الآنَ
مَا أَعْتَقِدُ أَنَّ شخصاُ مِمَّنْ رَأَيْتُهُ حصَلَ لَهُ
مِنَ الكَمَالِ فِي العُلُوْمِ وَالصِّفَاتِ الحَمِيْدَةِ
الَّتِي يَحصُلُ بِهَا الكَمَالُ سِوَاهُ، فَإِنَّهُ كَانَ
كَامِلاً فِي صُوْرتِهِ وَمَعْنَاه مِنْ حَيْثُ الحُسْنِ
وَالإِحسَانِ وَالحلمِ وَالسُّؤْدُدِ وَالعُلُوْمِ
المُخْتَلِفَةِ وَالأَخْلاَقِ الجَمِيْلَةِ، رَأَيْتُ
مِنْهُ مَا يَعجزُ عَنْهُ كبار الأَوْلِيَاءِ، فَإِنَّ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: "مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ نَعمَةً أَفْضَلَ
مِنْ أَنْ يُلْهِمَهُ ذِكْرَهُ". فَقُلْتُ بِهَذَا: إِنَّ
إِلهَامَ الذِّكْرِ أَفْضَلُ مِنَ الكَرَامَاتِ،
وَأَفْضَلُ الذِّكْرِ مَا يَتَعَدَّى إِلَى العبَادِ،
وَهُوَ تَعَلِيْمُ العِلْمِ وَالسُّنَّةِ، وَأَعْظَمُ مِنْ
ذَلِكَ وَأَحْسَنُ مَا كَانَ جِبِلَّةً وَطبعاً؛ كَالحلمِ
وَالكرمِ وَالعقلِ وَالحيَاءِ، وَكَانَ اللهُ قَدْ
جَبَلَهُ عَلَى خُلُقٍ شَرِيْفٍ، وَأَفرغَ عَلَيْهِ
المَكَارِمَ إِفرَاغاً، وَأَسبغَ عَلَيْهِ النِّعَمَ،
وَلطفَ بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ.
قَالَ الضِّيَاءُ: كَانَ المُوَفَّقُ لاَ يُنَاظِرُ
أَحَداً إلَّا وهو يبتسم.
قُلْتُ: بَلْ أَكْثَرُ مَنْ عَايَنَّا لاَ يُنَاظرُ
أَحَداً إلَّا وَيَنْسَمُّ.
وَقِيْلَ: إِنَّ المُوَفَّقَ نَاظرَ ابْنَ فَضلاَن
الشَّافِعِيَّ الَّذِي كَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي
المُنَاظَرَةِ، فَقطعَهُ.
وَبَقِيَ المُوَفَّقُ يَجْلِسُ زَمَاناً بَعْد الجُمُعَةِ
لِلمُنَاظَرَةِ، وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ الفُقَهَاءُ،
وَكَانَ يُشغلُ1 إِلَى ارْتفَاعِ النَّهَارِ، وَمِنْ
بَعْدِ الظُّهْرِ إِلَى المَغْرِبِ، وَلاَ يَضجَرُ،
وَيَسَمَعُوْنَ عَلَيْهِ، وكان يقرئ في
__________
1 يشغل: يدرس.
(16/151)
النَّحْوِ، وَكَانَ لاَ يَكَادُ يَرَاهُ
أَحَدٌ إلَّا أَحَبَّهُ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ
الضِّيَاءُ: وَمَا علمتُ أَنَّهُ أَوجعَ قَلْبَ طَالبٍ،
وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ تُؤْذِيْهِ بِخُلُقِهَا فَمَا
يَقُوْلُ لَهَا شَيْئاً، وَأَوْلاَدُهُ يَتضَاربُوْنَ
وَهُوَ لاَ يَتَكَلَّمُ. وَسَمِعْتُ البَهَاءَ يَقُوْلُ:
ما رأيت أكثر احتمالًا منه.
قَالَ الضِّيَاءُ: كَانَ حَسَنَ الأَخْلاَقِ، لاَ يَكَادُ
يراه أحد إلَّا مبتسمًا، يَحكِي الحِكَايَاتِ وَيَمزحُ.
وَسَمِعْتُ البَهَاء يَقُوْلُ: كَانَ الشَّيْخُ فِي
القِرَاءةِ يُمَازِحُنَا، وَيَنبَسِطُ، وَكَلَّمُوْهُ
مرَّةً فِي صبيَانَ يَشتغلُوْنَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هُم
صبيَانٌ وَلاَ بُدَّ لَهُم مِنَ اللَّعِبِ، وَأَنْتُم
كُنْتُم مِثْلَهُم. وَكَانَ لاَ يُنَافِسُ أَهْلَ
الدُّنْيَا، وَلاَ يَكَادُ يَشْكُو، وَرُبَّمَا كَانَ
أَكْثَرَ حَاجَةً مِنْ غَيْرِهِ، وَكَانَ يُؤثِرُ.
وَسَمِعْتُ البَهَاءَ يَصِفُهُ بِالشَّجَاعَةِ، وَقَالَ:
كَانَ يَتقدَّمُ إِلَى العَدُوِّ وَجُرِحَ فِي كفِّهِ،
وَكَانَ يُرَامِي العَدُوَّ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَكَانَ يُصَلِّي بخشوعٍ، وَلاَ يَكَادُ
يُصَلِّي سُنَّةَ الفَجْرِ وَالعِشَاءيْنِ إلَّا فِي
بَيْتِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي بَيْنَ العِشَاءيْنِ أَرْبَعاً
"بِالسَّجْدَةِ"، وَ"يس"، وَ"الدُّخَانِ"، وَ"تبَاركَ"،
لاَ يَكَادُ يُخِلُّ بهنَّ، وَيَقومُ السَّحَرَ بِسُبْعٍ،
وَرُبَّمَا رفعَ صَوْتَهُ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوتِ.
وَسَمِعْتُ الحَافِظَ اليُوْنِيْنِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا
كُنْتُ أَسْمَعُ شنَاعَةَ الخَلْقِ عَلَى الحَنَابِلَةِ
بِالتَّشْبِيْهِ، عزمتُ عَلَى سُؤَالِ الشَّيْخِ
المُوَفَّقِ، وَبقيتُ أَشهراً أُرِيْدُ أن أسأله، فصعدت
معه الجبل، فلما كما عِنْدَ دَارِ ابْنِ مُحَارِبٍ قُلْتُ:
يَا سيِّدِي، وَمَا نطقتُ بِأَكْثَرَ مِنْ سيِّدِي،
فَقَالَ لِي: التشبيه مستحيل، فقلت: لم? قال: لأن من شرطَ
التَّشبيهِ أَنْ نَرَى الشَّيْءَ، ثُمَّ نُشَبِّهُهُ، من
الَّذِي رَأَى اللهَ ثُمَّ شبَّهَهُ لَنَا?!
وَذَكَرَ الضِّيَاءُ حِكَايَاتٍ فِي كَرَامَاتِهِ.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ إِمَاماً عَلَماً فِي
العِلْمِ وَالعَمَلِ، صنف كتبًا كَثِيْرَةً، لَكِنَّ
كَلاَمَهُ فِي العقَائِدِ عَلَى الطَّرِيقَةِ
المَشْهُوْرَةِ عَنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ، فَسُبْحَانَ مَنْ
لَمْ يُوَضِّحْ لَهُ الأَمْرَ فِيْهَا عَلَى جَلاَلَتِهِ
فِي العِلْمِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِمعَانِي الأَخْبَارِ.
قُلْتُ: وَهُوَ وَأَمثَالُهُ متعجِّبٌ مِنْكُم مَعَ
عِلْمِكُم وَذكَائِكُم، كَيْفَ قُلْتُم! وَكَذَا كُلُّ
فِرقَةٍ تَتعجَّبُ مِنَ الأُخْرَى، وَلاَ عجبَ فِي ذَلِكَ،
وَنرجُو لِكُلِّ مَنْ بَذَلَ جُهْدَهُ فِي تَطلُّبِ
الحَقِّ أَنْ يُغفرَ لَهُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ
المَرْحُوْمَةِ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَجَاءهُ مِنْ بِنْتِ عَمَّتِهِ
مَرْيَمَ: المجدُ عِيْسَى، وَمُحَمَّدٌ، وَيَحْيَى،
وَصَفِيَّةُ، وَفَاطِمَةُ، وَلَهُ عقِبٌ مِنَ المجدِ.
ثُمَّ تَسَرَّى بِجَارِيَةٍ، ثُمَّ بِأُخْرَى، ثُمَّ
تَزَوَّجَ عِزِّيَّةَ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ،
(16/152)
وَانْتَقَلَ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ يَوْمَ
السَّبْتِ، يَوْمَ الفِطْرِ، وَدُفِنَ مِنَ الغَدِ، سَنَةَ
عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ الخلقُ لاَ يُحصَوْنَ،
تُوُفِّيَ بِمَنْزِلِهِ بِالبَلَدِ، قَالَ: وَكُنْتُ
فِيْمَنْ غَسَّلَهُ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ قُدَامَةَ: قَرَأْتُ على عبد الله ابن أَحْمَدَ
ابْنِ النَّرْسِيِّ، أَخبركُم الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ
التككي، أخبرنا أبو علي أن شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الأَدَمِيُّ، حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى الشَّطَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بنُ كَثِيْرٍ العَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
المِنْهَالِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ قُسَيْمٍ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لَمَّا أَهبطَ اللهُ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ طَافَ
بِالبَيْتِ سبعًا، ثم صلى خلف المقَامِ رَكْعَتَيْنِ،
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعلَمُ سِرِّي
وَعلاَنِيتِي، فَاقبل معذِرَتِي، وَتَعْلَمُ حَاجَتِي،
فَأَعْطنِي سؤلي ... " الحديث.
(16/153)
5556- ابن
الأنماطي 1:
الشَّيْخُ العَالِمُ الحَافِظُ المُجَوِّدُ البَارِعُ
مُفِيْدُ الشَّامِ تَقِيُّ الدِّيْنِ أَبُو الطَّاهِرِ
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ المُحْسِنِ بنِ
أَبِي بَكْرٍ بنِ هِبَةِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ المِصْرِيُّ
الشَّافِعِيُّ، ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ.
قَالَ: وُلِدْتُ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ: القَاضِي مُحَمَّدَ بنَ عبد الرحمن الحَضْرَمِيَّ،
وَهِبَةَ اللهِ بنَ عَلِيٍّ البُوْصِيْرِيَّ، وَمُحَمَّدَ
بنَ عَلِيٍّ اللَّبَنِيَّ، وَشُجَاعَ بنَ مُحَمَّدٍ
المُدْلِجِيّ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الأَرْتَاحِيَّ،
وَعِدَّةً. وَارْتَحَلَ إِلَى دِمَشْقَ، فَسكنَهَا،
وَأَكْثَرَ عَنْ: أَبِي الطَّاهِرِ الخُشُوْعِيِّ،
وَالقَاسِمِ بنِ عَسَاكِرَ، وَالطَّبَقَةِ. وَسَمِعَ
بِالعِرَاقِ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ المَنْدَائِيِّ، وَأَبِي
أَحْمَدَ بنِ سُكَيْنَةَ، وَحَنْبَلِ بنِ عَبْدِ اللهِ،
وَرجعَ بحَنْبَلٍ، فَأَسمَعَ "المُسْنَدَ" بِدِمَشْقَ،
وَكَتَبَ العَالِي وَالنَّازلَ، بِخَطِّهِ الأَنِيقِ
الرَّشيقِ، وَحصَّلَ الأُصُوْلَ، وَبَالَغَ فِي الطَّلَبِ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: كَانَ ثِقَةً، حَافِظاً،
مبرِّزاً، فَصِيْحاً، وَاسِعَ الرِّوَايَةِ، حصَّلَ مَا
لَمْ يُحَصِّلْهُ غيره من الأجزاء والكتب، وكان سهل
العَارِيَةِ، وَعِنْدَهُ فِقْهٌ وَأَدبٌ وَمَعْرِفَةٌ
بِالشِّعرِ وَأَخْبَارِ النَّاسِ، وَكَانَ يُنْبَزُ
بِالشَّرِّ، سَأَلتُ الحَافِظَ الضِّيَاءَ عَنْهُ،
فَقَالَ: حَافِظٌ ثِقَةٌ، مُفِيْدٌ، إلَّا أَنَّهُ
كَثِيْرُ الدُّعَابَةِ مَعَ المُرْدِ.
قُلْتُ: لَهُ مجَامِيْع مُفِيْدَةٌ، وَآثَارٌ كَثِيْرَةٌ،
وَضبطٌ لأَشيَاءَ، وَكَانَ أشعَرِيّاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ،
وَالقُوْصِيُّ، وَالكَمَالُ الضَّرِيْرُ، وَالصَّدْرُ
البَكْرِيُّ، وَابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ فِي الكُهُوْلَةِ قَبْلَ أَوَانِ الرِّوَايَةِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: اشْتَغَلَ مِنْ صِبَاهُ،
وَتَفَقَّهَ، وَقرَأَ الأَدبَ، وَسَمِعَ الكَثِيْرَ،
وَقَدِمَ دِمَشْقَ، ثُمَّ حَجَّ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّ
مائَةٍ، فَذَهَبَ إِلَى العِرَاقِ، وَكَانَتْ لَهُ هِمَّةٌ
وَافرَةٌ وَجدٌّ وَاجْتِهَادٌ وَسرعَةُ قلمٍ وَاقتدَارٌ
عَلَى النَّظْمِ وَالنَّثرِ، وَلَقَدْ كَانَ عَدِيْمَ
النَّظِيْرِ فِي وَقْتِهِ، كتبَ عَنِّي، وَكَتَبتُ عَنْهُ.
وَقَالَ الضِّيَاءُ: بَاتَ فِي عَافِيَةٍ، فَأَصْبَحَ لاَ
يَقدِرُ عَلَى الكَلاَمِ أَيَّاماً، ثُمَّ مَاتَ فِي
رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيٍّ القُرَشِيُّ،
أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ
اللهِ الشِّيْرَازِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا
هِبَةُ اللهِ بنُ علي البوصيري ... ، فذكر حديثًا.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1128"، والنجوم
الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 254"، وشذرات الذهب لابن
العماد "5/ 84".
(16/153)
ابن أبي الرداد،
الزناتي:
5557- ابن أبي الرداد 1:
الشيخ أبو عبد الله الحسين بن أَبِي الفَخْرِ يَحْيَى بنِ
حُسَيْنِ بنِ عَبْدِ الرحمن بنِ أَبِي الرَّدَّادِ
المِصْرِيُّ، وَيُدعَى مُحَمَّداً.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ
تَبَقَّى بِمِصْرَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ رِفَاعَةَ.
رَوَى عَنْهُ الحَافِظُ عَبْدُ العَظِيْمِ، وَالفَخْرُ
عَلِيٌّ، وَطَائِفَةٌ، آخِرُهُم مَوْتاً عَبْدُ
الرَّحِيْمِ ابْنُ الدَّمِيْرِيِّ.
وَكَانَ فَقِيْهاً، كَاتِباً، صَالِحاً، زَمِنَ وَلَزِمَ
بَيْتَهُ.
مَاتَ فِي ذِي القعدة، سنة عشرين وست مائة.
5558- الزناتي:
شَيْخُ المَالِكِيَّةِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ
إِسْحَاقَ بنِ عَيَّاشٍ الزَّنَاتِيُّ، الغَرْنَاطِيُّ،
وَيُعْرَفُ أَيْضاً بِالكَمَّادِ.
كَانَ إِمَاماً، مُفْتِياً، قَائِماً عَلَى "المدوّنَةِ"،
تخرَّجَ بِهِ فُقَهَاءُ غَرْنَاطَةَ.
قَالَ ابْنُ مَسْدِيّ: نَاظرتُ عَلَيْهِ فِي "المدوّنَةِ"،
وَبحثتُ عَلَيْهِ "المُوَطَّأَ"، سَمِعَ مِنْ: أَبِي
خَالِدٍ بنِ رِفَاعَةَ، وَابْنِ كوثَرٍ.
مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وقد نيف
على السبعين.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 88".
(16/154)
البيع، ابن إدريس:
5559- البيع:
الشيخ أبو بكر زيد بن أَبِي المُعَمَّرِ يَحْيَى بنِ
أَحْمَدَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الأَزَجِيُّ، البَيِّعُ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ تَقَرِيْباً.
وَسَمِعَ مِنْ أَبِي الوَقْتِ عَبْدِ الأَوَّلِ، وَأَبِي
بَكْرٍ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَهِبَةِ اللهِ بنِ الشبلي،
وأحمد ابن قَفَرْجَلَ، وَأَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ.
وَعَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ،
وَالضِّيَاءُ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ،
وَآخَرُوْنَ.
وَقَدْ قَرَأْتُ بِخَطِّ الضِّيَاءِ الحَافِظِ: مَوْلِدَهُ
فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: سَمِعَ "الصَّحِيْحَ"،
وَ"الدَّارِمِيَّ"، وَ"منتخبَ عَبْدٍ" مِنْ أَبِي
الوَقْتِ، وَسَمَاعُهُ صَحِيْحٌ كَثِيْرٌ.
ثُمَّ قَالَ: وَأَلحقَ اسْمُهُ فِي نُسْخَةِ مُحَمَّدِ بنِ
السَّرِيِّ التمار، في طبقة علي ابن الزَّاغُوْنِيِّ،
وَفِي جزءِ لُوَيْن عَلَى فورجَة، وَمَا أعلم أنه حدث بشيء
من ذَلِكَ الملحَقِ، وَتُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ
إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَأَبُوْهُ مِمَّنْ يَرْوِي عَنِ: ابْنِ
الحُصَيْنِ، وَابْنُ عَمِّهِ هُوَ الوَزِيْرُ جلال الدين
بن يونس.
5560- ابن إدريس 1:
الشَّيْخُ القُدْوَةُ الزَّاهِدُ الكَبِيْرُ أَبُو
الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ الرَّوْحَائِيُّ، البَعْقُوْبِيُّ،
صَاحِبُ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ.
سَمِعَ مِنْهُ، وَمِنَ الشَّيْخِ عَلِيِّ ابْنِ
الهِيْتِيِّ.
رَوَى عَنْهُ الشَّيْخُ يَحْيَى بنُ الصَّرْصَرِيِّ،
وَصَحِبَهُ، وَبَالَغَ فِي تَوقِيرِهِ، وَتبجِيلِهِ،
وَأَنَّهُ لَمْ يَرَ مِثْلَهُ، وَالكَمَالُ عَلِيُّ بنُ
وَضَّاحٍ، وَالبدرُ سُنْقُرُ شَاهٍ النَّاصِرِيُّ،
وَالشَّيْخُ عليٌّ الخَبَّازُ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ
بنُ أَبِي الفَرَجِ ابْن الدَّبَّابِ.
وذكره ابن نقطة، لكنه كَنَّاهُ أَبَا مُحَمَّدٍ، وَقَالَ:
كَانَ شَيْخَ وَقتِهِ، صَاحِبَ قُرْآنٍ وَأَدبٍ وَفضلٍ
وَإِيثَارٍ، سَمِعْتُ مِنْهُ، وَسَمَاعُهُ صَحِيْحٌ.
مَاتَ فِي سَلْخِ ذِي القَعْدَةِ بِالرَّوْحَاءِ، وَدُفِنَ
برِبَاطِهِ، وَقبرُهُ يُزَارُ.
وَالرَّوْحَاءُ قَرِيْبَةٌ مِنْ بَعْقُوبَا، عَلَى
مَرْحَلَةٍ مِنْ بَغْدَادَ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، فِي
عَشْرِ التسعين.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 254"،
وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 85".
(16/155)
ابن النبيه، يونس بن
يوسف:
5561- ابن النبيه 1:
الشَّاعِرُ البَلِيْغُ صَاحِبُ "الدِّيْوَانِ" كَمَالُ
الدِّيْنِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
حَسَنِ بنِ يُوْسُفَ بنِ يَحْيَى المِصْرِيُّ.
مدحَ آلَ أَيُّوْبَ، وَسَارَ شعرُهُ، وَانقطعَ إِلَى
الملكِ الأَشْرَفِ، وَسَكَنَ نَصِيْبِيْنَ، وَبِهَا مَاتَ،
فِي الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شهر جمادى الأولى، سن
تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ بَقِيَ
إلى سنة إحدى وعشرين وست مائة.
5562- يونس بن يوسف 2:
ابن مساعد الشيباني المخارقي الجزري القنبي الزاهد، أحد
الأعلام، شيخ البونسية، أُولِي الزَّعَارَةِ، وَالشَّطْحِ،
وَالخَوَاثَةِ، وَخفَّةِ العَقْلِ.
كَانَ ذَا كَشْفٍ وَحَالٍ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ
كَبِيْرُ عِلْمٍ، وَلَهُ شطحٌ، وَشعرٌ ملحُوْنٌ، يَنظمُهُ
عَلَى لِسَانِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَبَعْضُهُ كَأَنَّهُ
كَذِبٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ، فَلاَ يغترُّ
المُسْلِمُ بكشفٍ وَلاَ بحَالٍ وَلاَ بِإِخبَارٍ عَنْ
مُغَيَّبٍ، فَابْنُ صَائِدٍ وَإِخْوَانُهُ الكهنَةُ لَهُم
خَوَارِقُ، وَالرُّهبَانُ فِيهِم مَنْ قَدْ تموق جوعاً
وَخلوَةً وَمرَاقبَةً عَلَى غَيْرِ أَسَاسٍ وَلاَ تَوحيدٍ،
فَصفَتْ كُدُورَاتُ أَنْفُسِهِم وَكَاشفُوا وَفَشَرُوا،
وَلاَ قُدْوَةَ إلَّا فِي أَهْلِ الصَّفْوَةِ، وَأَربَابِ
الوِلاَيَةِ المنوطَةِ بِالعِلْمِ وَالسُّنَنِ، فَنسأَلُ
اللهَ إِيْمَانَ المُتَّقِيْنَ، وَتَأَلُّهَ المخلصينَ،
فَكَثِيْرٌ مِنَ المَشَايِخِ نَتوقَّفُ فِي أَمرِهِم
حَتَّى يَتبرهَنُ لَنَا أَمرُهُم، وَبِاللهِ
الاسْتعَانَةُ.
تُوُفِّيَ الشَّيْخُ يُوْنُسُ بِالقُنَيَّةِ، سَنَة تِسْعَ
عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَالقُنَيَّةُ: قَرْيَةٌ مِنْ أَعْمَالِ دَارَا، من نواحي
ماردين.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 243".
2 ترجمته في وفيات الأعيان "7/ ترجمة 855"، وشذرات الذهب
"5/ 87".
(16/156)
5563- الفارسي
1:
الزَّاهِدُ الكَبِيْرُ فَخْرُ الدِّيْنِ أَبُو عَبْدِ
اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أحمد بن طَاهِرٍ
الشِّيْرَازِيُّ، الخَبْرِيُّ، الفَيروزآبَادِيُّ،
الشَّافِعِيُّ، الصُّوْفِيُّ، نَزِيْلُ مِصْرَ.
لَهُ تَصَانِيْفُ فِي إِشَارَاتِ القَوْمِ، فِيْهَا
انحرَافٌ بَيِّنٌ عَنِ السُّنَّةِ، وَكَانَ حلوَ
الإِيرَادِ، كَثِيْرَ المَحْفُوْظِ، وَافرَ الجَلاَلَةِ.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ الكَثِيْرَ مِنَ السِّلَفِيِّ، وَكَتَبَ
وَحصَّلَ، وَبِدِمَشْقَ مِنِ ابْنِ عَسَاكِرَ.
رَوَى عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ،
وَطَائِفَةٌ، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ أَبُو المَعَالِي
الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ ابْنُ القيِّمِ.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: صَاحِبُ رِيَاضَاتٍ وَمَقَامَاتٍ
وَمعَامِلاَتٍ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ بذِيءَ اللِّسَانِ،
كَثِيْرَ الوَقِيْعَةِ فِي النَّاسِ وَالجرأَةِ، وَكَانَ
عِنْدَهُ دُعَابَةٌ فِي غَالِبِ الوَقْتِ.
قُلْتُ: وَلَهُ مَيْلٌ شَدِيدٌ إِلَى الصُّوَرِ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ حِكَايَةً
لابْنِ مَعِيْنٍ، فَسبَّهُ، وَنَال مِنْهُ، وَصَنَّفَ فِي
الكَلاَمِ، وَلَهُ النَّظْمُ وَالنَّثْرُ، جَاورَ مُدَّةً،
ثُمَّ انْقَطَعَ بِمَعْبَدِ ذِي النُّوْنِ المِصْرِيِّ،
وَعُمِّرَ دَهْراً، إِلَى أَنْ مَاتَ فِي سَادسَ عشرَ ذِي
الحجة، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ مَسْدِيّ: لَهُ تَوَالِيفُ كَثِيْرَةٌ،
وَأَسنَدَ فِيْهَا، وَلَمْ يَسلَمْ مِنْ مزَالِقِ
الأَقدَامِ فِي ذَلِكَ الإِقدَامِ وَحسَّنَ الظَّنَّ
بِأَقْوَامٍ، فَتَبِعَهُم، وَتورَّطَ مَعَهُم.
قُلْتُ: خطبَةُ كِتَابِهِ "برق النّقَاء": الحَمْدُ للهِ
الَّذِي أَودعَ الخُدودَ وَالقُدودَ الحُسْنَ
وَاللَّمَحَاتِ الحُورِيَّةِ السَّالبَةِ إليها أرواح
الأحرار.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 263"،
وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 101".
(16/157)
خزعل، قاضي حران،
القزويني:
5564- خزعل 1:
العَلاَّمَةُ الأَوْحَدُ تَقِيُّ الدِّيْنِ أَبُو المَجْدِ
خَزْعلُ بن عسكر بن خليل النشائي، المِصْرِيُّ،
الشَّافِعِيُّ المُقْرِئُ، النَّحْوِيُّ، اللُّغَوِيُّ،
نَزِيْلُ دِمَشْقَ.
سَمِعَ مِنَ السِّلَفِيِّ، وَقرَأَ بِبَغْدَادَ عَلَى:
الكَمَالِ الأَنْبَارِيِّ أَكْثَرَ تَصَانِيْفِهِ.
وَأَقرَأ بِالقُدْسِ، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ، وَأَمَّ
بِمشهَدِ عَلِيٍّ، وَعَقَدَ الأَنكحَةَ، وَاتَّسْعَتْ
حَلْقَتُهُ بِالعَزِيْزِيَّةِ.
أَخَذَ عَنْهُ أَبُو شَامَةَ، وَالكِبَارُ، وَكَانَ
رَأْساً فِي العَرَبِيَّةِ، وَكَانَ يُعَظِّمُ الحَدِيْثَ،
وَيَحضُّ عَلَى حِفْظِهِ، وَعِنْدَ الطَّلاَقِ لاَ يَأْخذ
مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، وَيُؤثِرُ بِمَا أَمكنَهُ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ، وَلَهُ سِتٌّ
وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
5565- قاضي حران 2:
العَلاَّمَةُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ نَصْرِ بنِ
أَبِي بَكْرٍ بنِ مُحَمَّدٍ الحَرَّانِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَارْتَحَلَ، وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ، وَبَرَعَ، وَسَمِعَ
مِنْ: شُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَعَبْدِ الحَقِّ، وَعِيْسَى
الدُّوْشَابِيِّ، وَتَجَنِّي الوَهْبَانِيَّةِ، وَتَلاَ
بِالرِّوَايَاتِ بِوَاسِطَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ
الكَتَّانِيِّ، وَابْنِ البَاقِلاَنِيِّ.
وَأَقرَأ بِبلدِهِ، وَحكمَ، وَحَدَّثَ، وَصَنَّفَ.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: سِبْطُهُ أَبُو الغَنَائِمِ،
وَالشِّهَابُ الأَبَرْقُوْهِيُّ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وعشرين وست مائة.
5566- القزويني:
الشَّيْخُ الزَّاهِدُ السَّائِحُ أَبُو المَنَاقِبِ
مُحَمَّدُ ابْنُ العَلاَّمَةِ الكَبِيْرِ أَبِي الخَيْرِ
أَحْمَدَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّالْقَانِيُّ،
القَزْوِيْنِيُّ.
أَقَامَ بِبَغْدَادَ مَعَ أَبِيْهِ مُدَّةً، ثُمَّ
بَعدَهُ، وَتزَهَّدَ، وَلَبِسَ الصُّوفَ، وَجَالَ فِي
الجزيرة، والشام،
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 266".
2 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 113".
(16/158)
وَالرُّوْمِ، وَمِصْرَ، وَارتبطَ عَلَيْهِ
مُلُوْكٌ وَكُبَرَاء، وَكَانَ يقول: أَنَا لاَ أَقْبَلُ
مِنْهُم شَيْئاً إلَّا مَا أُنفِقُهُ فِي أَبْوَابِ
الخَيْرِ، وَكَانَ فَقيراً مجرَّداً.
أَخرجَ إِلَى ابْنِ النَّجَّارِ "أَرْبَعينَات" جمعهَا،
رَوَى فِيْهَا عَنْ أَبِي الوَقْتِ سَمَاعاً، وَعَنِ
الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الموسيَابَاذِي صَاحِبِ أَبِي
صَالِحٍ المُؤَذِّنِ، ثم ظهر كذبه وادعاؤه ما لم يسمه،
وَمَزّقُوا مَا كَتَبُوا عَنْهُ، وَافتُضِحَ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: خَرَّجَ عَنْ أَبِي الوَقْتِ
حَدِيْثَ السَّقِيْفَةِ بِطُوْلِهِ، رَكَّبَهُ عَلَى
سَنَدِ بَعْضِ الثّلاَثِيَّاتِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ يَحكِي
أَنَّ أَبَا المَنَاقِبِ كَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ
المُلُوْكُ زائرين، وعرضوا عليه مالًا يَقبلْهُ،
وَيَقُوْلُ: قَدْ عزَمَنَا عَلَى اسْتَعمَالِ بُسْطٍ
لبَيْتِ المَقْدِسِ، فَإِنْ أَردْتُم أَنْ تَبذلُوا
لِذَلِكَ، فَنَعَمْ، فَيُعْطُونَهُ، فَحصَّلَ جُمْلَةً،
وَتَمزَّقَتْ، وَمَا بُورِكَ لَهُ، ثُمَّ كَسَدَتْ
سُوقُهُ، وَاشْتُهِرَ نِفَاقُهُ، سَأَلتُهُ عَنْ
مَوْلِدِهِ. فَقَالَ: يَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنَة ثَمَانٍ
وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ المُنْذِرِيُّ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَعِشْرِيْنَ، أَوْ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ.
(16/159)
أخوه، ابن حوط الله:
5567- أَخُوْهُ:
الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ
الشَّافِعِيُّ، جَعَلَهُ أَبُوْهُ مُعِيدَ
النِّظَامِيَّةِ. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الأَزْهَرِ
مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الوَاسِطِيِّ شَيْئاً من "مسند
مسدد"، ثم زلي قَضَاءَ الرُّوْمِ، ثُمَّ عُزِلَ، وَسَكَنَ
إِرْبِلَ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ رَسُوْلاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ جَمَاعَةً يرمونه
بالكذب، ويذمونه.
مَاتَ بِالرُّوْمِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ
مائَةٍ، وله ستون سنة.
5568- ابن حوط الله 1:
الإِمَامُ العَالِمُ الصَّالِحُ المُحَدِّثُ الحَافِظُ
القَاضِي أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ
دَاوُدَ بنِ عبد الرحمن بنِ سُلَيْمَانَ بنِ عُمَرَ بنِ
حَوْطِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، الحَارِثِيُّ،
البَلَنْسِيُّ، الأُنْدِيُّ.
وَأُنْدَةُ: مِنْ عَملِ بَلَنْسِيَّةَ.
وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ. وَنَزَلَ
مَالقَةَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَخِيْهِ أَبِي مُحَمَّدٍ،
وَأَبِي القَاسِمِ بنِ حُبَيْشٍ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ
بَشْكُوَالَ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ حُمَيْدٍ، وَأَبِي
عَبْدِ اللهِ بنِ زَرْقُوْنَ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ ابْنِ
الفَخَّارِ، وَعَبْدِ الحَقِّ بنِ بُونُه، وَأَبِي
مُحَمَّدٍ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَخَلْقٍ. وَرَحَلَ
وَجَمَعَ وَحصَّلَ، وأجاز له: أبو الطاهر بن عوف من
الإِسْكَنْدَرِيَّةِ.
قَالَ الأَبَّارُ: شُيُوْخُهُ يَزِيدُوْنَ عَلَى
المائَتَيْنِ، وَكَانَتِ الرِّوَايَةُ أَغَلَب عَلَيْهِ
مِنَ الدِّرَايَةِ، وَكَانَ هُوَ وَأَخُوْهُ أَوسعُ أَهْلِ
الأَنْدَلُسِ رِوَايَةً فِي وَقتهِمَا، مَعَ الجَلاَلَةِ
وَالعدَالَةِ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَرِعاً، مُنْقَبِضاً،
وَلِيَ قَضَاءَ الجَزِيْرَةِ الخَضْرَاءَ، ثم قضاء بلنسية،
وبه لَقِيْتُهُ، وَتُوُفِّيَ عَلَى قَضَاءِ مَالقَةَ فِي
سَادسِ رَبِيْعٍ الآخَرِ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْدِي وَرَوَى عَنْهُ: لَمْ أَرَ أَكْثَرَ
بَاكياً مِنْ جِنَازَتِهِ، وَحُمِلَ نَعشُهُ عَلَى الأكف،
رحمه الله.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ 1398، 1399"، وشذرات الذهب
لابن العماد "5/ 94".
(16/159)
5569- ابن عبد
السميع 1:
الإِمَامُ العَدْلُ المَأْمُوْنُ المُقْرِئُ المُجَوِّدُ
المُحَدِّثُ، شَيْخُ واسط، أَبُو طَالِبٍ عَبْد
الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بنِ عبد السميع بن أَبِي
تَمَّامٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ السَّمِيْعِ
القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، الوَاسِطِيُّ، المُعَدَّلُ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وَتَلاَ عَلَى: أَبِي السَّعَادَاتِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ،
وَأَبِي حُمَيدٍ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيٍّ
السُّمَاتِيِّ. وَسَمِعَ مِنْ جدِّهِ، وَمِنْ: مُحَمَّدِ
بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي زَنْبَقَةَ، وَخَلْقٍ بِوَاسِطَ،
وَهِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الشِّبْلِيِّ، وَابْنِ
البَطِّيِّ، وَابْنِ تَاجِ القُرَّاءِ، وَالشَّيْخِ عَبْدِ
القَادِرِ، وَعِدَّةٍ.
وَكَتَبَ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَرَوَى الكَثِيْرَ،
وَكَانَ صَدْراً نبيلاً، عَالِماً، ثِقَةً، حسنَ
النَّقْلِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الطَّاهِرِ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ،
وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ أَبِي الجيش، وَعزُّ الدِّينِ
الفَارُوْثِيُّ، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ وَجَمَاعَةٌ،
وَبِالإِجَازَةِ: أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ.
مَاتَ فِي سَادسِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ إِحْدَى
وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَلَهُ أَرْجُوزَةٌ فِي الاعْتِقَادِ، يَتطرَّقُ إِلَيْهَا
الانتقَادُ، وَيُلَقَّبُ بِالشِّينَاتِيِّ -كَمَا نُظِمَ
فِيْهِ:
شَرَفُ الدِّيْنِ شَيْخُنَا شَافعِيٌّ ... شَاعِرٌ شَاهِدٌ
شَرِيْفٌ شُرُوْطِيّ
وَلَهُ كِتَابُ "لُبَاب المَنْقُوْلِ فِي فَضَائِلِ
الرَّسُولِ"، وَكِتَابُ "فَضَائِل الأَيَّامِ
وَالشُّهورِ"، وَكِتَابُ "تَعبِير الرُّؤيَا"، وَ"النُّخَب
فِي الخُطَبِ"، وَأَشيَاءُ.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيِّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ بنُ عَبْدِ السَّمِيْعِ إِذْناً
-إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعاً- بِوَاسِطَ، وَأَبُو حَفْصٍ
عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ بقِرَاءةِ أَبِي عَلَيْهِ
-وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ
أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ
عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو
الرَّقِّيُّ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: سيَكُوْنُ
أَقْوَامٌ يَخضِبُوْنَ بِالسَّوَادِ كحوَاصِلِ الحَمَامِ،
لاَ يَرِيحُوْنَ رَائِحَةَ الجَنَّةِ.
وَبِهِ: إِلَى البَغَوِيِّ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بنُ
الحَارِثِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ الرَّقِّيُّ،
فَذَكَرَهُ مَرْفُوْعاً إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَبِي
تَوبَةَ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
عُبَيْدِ اللهِ الحلبي، كلاهما عن عبيد الله مرفوعًا.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 260"، وشذرات الذهب "5/
94، 95".
(16/160)
5570- ابن
عساكر 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ القُدْوَةُ المُفْتِي
شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ فخر الدين أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ هِبَةِ اللهِ
بنِ عَبْدِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ عمَّيهِ: الصَّائِنِ، والحافظ، وَعَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الحَسَنِ الدَّارَانِيِّ،
وَحَسَّانِ بنِ تَمِيْمٍ، وَأَبِي المَكَارِمِ بنِ
هِلاَلٍ، وَدَاوُدَ بنِ مُحَمَّدٍ الخَالِدِيِّ،
وَمُحَمَّدِ بنِ أَسْعَدَ العِرَاقِيِّ، وَابْنِ صَابِرٍ،
وَعِدَّةٍ.
وَتَفَقَّهَ بِالقُطْبِ النَّيْسَابُوْرِيِّ، وَتَزَوَّجَ
بِابْنتِهِ، وَجَاءهُ وَلدٌ مِنْهَا سَمَّاهُ مَسْعُوْداً
مَاتَ شَابّاً.
دَرَّسَ بِالجَارُوْخِيَّةِ، ثُمَّ بِالصَّلاَحيَّةِ
بِالقُدْسِ، وَبِالتَّقَوِيَّةِ بِدِمَشْقَ، فَكَانَ
يُقِيْمُ بِالقُدْسِ أَشْهُراً، وَبِدِمَشْقَ أَشهراً،
وكان عنده بالتقوية فضلاء البلد، حَتَّى كَانَتْ تُسمَّى
نِظَامِيَّة الشَّامِ، ثُمَّ درَّسَ بِالعَذْرَاويَّةِ
سَنَةَ 593، وَمَاتَتِ السِّتُّ عذرَاءُ، وَبِهَا دُفِنَت،
وهي أخت الأمير عز الدين فروخشاه.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 366"،
والنجوم الزاهرة "6/ 256"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/
92، 93".
(16/161)
وَكَانَ فَخْرُ الدِّيْنِ لاَ يَمَلُّ
الشَّخْصُ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ، لحُسْنِ سَمْتِهِ،
وَنُورِ وَجهِهِ، وَلطفِهِ وَاقتصَادِهِ فِي ملبَسِهِ،
وَكَانَ لاَ يَفتُرُ مِنَ الذِّكْرِ، وَكَانَ يُسَمِّعُ
الحَدِيْثَ تَحْتَ النّسْرِ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: أَخذتُ عَنْهُ مَسَائِلَ، وَبَعَثَ
إِلَيْهِ المُعَظَّم لِيُوَلِّيَهُ القَضَاءَ، فَأَبَى،
وَطَلَبَهُ ليلاً فَجَاءهُ، فَتلقاهُ وَأَجْلَسَهُ إِلَى
جَنْبِهِ، فَأُحضرَ الطَّعَامُ فَامْتَنَعَ، وَأَلحَّ
عَلَيْهِ فِي القَضَاءِ، فَقَالَ: أَسْتخيرُ اللهَ،
فَأَخْبرنِي مَنْ كَانَ مَعَهُ، قَالَ: وَرجعَ وَدَخَلَ
بَيْتَهُ الصَّغِيْرَ الَّذِي عِنْدَ مِحْرَابِ
الصَّحَابَةِ، وَكَانَ أَكْثَرَ النَّهَارِ فِيْهِ،
فَلَمَّا أصبحَ أَتَوْهُ فَأَصرَّ عَلَى الامتنَاعِ،
وَأَشَارَ بِابْنِ الحَرَسْتَانِيِّ فَوُلِّيَ، وَكَانَ
قَدْ خَافَ أَنْ يُكْرَهَ فَجَهَّزَ أَهْلَهُ لِلسَّفَرِ،
وَخَرَجَتِ المحَابرُ إِلَى نَاحِيَةِ حَلَبَ، فَرَدَّهَا
العَادلُ، وَعَزَّ عَلَيْهِ مَا جَرَى.
قَالَ: وَكَانَ يَتورَّعُ مِنَ المرُوْرِ فِي زُقَاقِ
الحَنَابِلَةِ لِئَلاَّ يَأْثَمُوا بِالوقيعَةِ فِيْهِ،
وَذَلِكَ لأَنَّ عوَامَّهُم يُبغِضُونَ بنِي عَسَاكِرَ
لِلتَّمَشْعُرِ، وَلَمْ يولِّهِ المُعَظَّم تدرِيسَ
العَادليَّةِ لأَنَّه أَنْكَرَ عَلَيْهِ تَضْمِينَ
الخَمْرِ وَالمكسِ، ثُمَّ لَمَّا حَجَّ أخذَ مِنْهُ
التَّقَوِيَّةَ وَصلاَحيَّةَ القُدْسِ، ولم يبق له سوى
الجاروخية.
قال أَبُو المُظَفَّرِ الجَوْزِيُّ: كَانَ زَاهِداً،
عَابِداً، وَرِعاً، منقطعًا إلى العِلْمِ وَالعِبَادَةِ،
حسنَ الأَخْلاَقِ، قَلِيْلَ الرَّغبَةِ فِي الدُّنْيَا،
تُوُفِّيَ فِي عَاشرِ رَجَبٍ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ، وَقلَّ مَنْ تخلَّفَ عَنْ جِنَازَتِهِ.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: أَخْبَرَنِي مَنْ حضَرَهُ قَالَ:
صَلَّى الظُّهْرَ، وَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنِ العصرِ،
وَتوضَأَ ثُمَّ تَشهَّدَ وَهُوَ جَالِسٌ، وَقَالَ: رضيتُ
بِاللهِ ربّاً، وَبِالإِسْلاَمِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ
نَبِيّاً، لقَّنَنِي اللهُ حُجَّتِي وَأَقَالَنِي
عَثْرَتِي وَرَحِمَ غُرْبَتِي. ثُمَّ قَالَ: وعليك
السَّلاَمُ، فَعلِمْنَا أَنَّهُ حضَرَتِ المَلاَئِكَةُ،
ثُمَّ انْقَلْبَ مَيتاً. غسَّلَهُ الفَخْرُ ابْنُ
المَالِكِيِّ، وَابْنُ أَخِيْهِ تَاجُ الدِّيْنِ، وَكَانَ
مَرَضُهُ بِالإِسهَالِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَخُوْهُ زَينُ
الأُمَنَاءِ، وَمَنِ الَّذِي قَدِرَ عَلَى الوُصُوْلِ
إِلَى سَرِيْرِهِ?
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: هُوَ أَحَدُ الأَئِمَّةِ
المُبرزِينَ، بَلْ وَاحدُهُم فَضْلاً وَقدراً، شَيْخُ
الشَّافِعِيَّةِ، كَانَ زَاهِداً، ثِقَةً، متجهِّداً،
غزِيْرَ الدَّمْعَةِ، حسنَ الأَخْلاَقِ، كَثِيْرَ
التَّوَاضعِ، قَلِيْلَ التَّعَصُّبِ، سلكَ طَرِيْقَ أَهْل
اليَقينِ، وَكَانَ أَكْثَرَ أَوقَاتِهِ فِي بَيْتِهِ فِي
الجَامِعِ يَنشرُ العِلْمَ، وَكَانَ مطَّرِحَ الكَلَفِ،
عُرِضَتْ عَلَيْهِ منَاصبُ فَتركهَا، وُلِدَ فِي رَجَبٍ
وَعَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ الجمعُ لاَ يَنحصرُ
كَثْرَةً فِي جِنَازَتِهِ. حَدَّثَ بِمَكَّةَ، وَدِمَشْقَ،
وَالقُدْسَ، وَصَنَّفَ عِدَّةَ مُصَنَّفَاتٍ، وَسَمِعنَا
منه.
وَقَالَ القُوْصِيُّ: كَانَ كَثِيْرَ البُكَاءِ، سرِيعَ
الدُّمُوعِ، كَثِيْرَ الوَرَعِ وَالخشوعِ، وَافرَ
التَّوَاضعِ وَالخضوعِ، كَثِيْرَ التَّهجُّدِ، قَلِيْلَ
الهجوعِ، مبرزاً فِي عِلْمَي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ،
وَعَلَيْهِ تَفقَّهْتُ، وَعرضتُ عَلَيْهِ "الخُلاَصَة"
لِلْغزَالِيِّ، وَدفنَ عِنْدَ شَيْخِهِ القُطْبِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ البِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ،
وَالزَّيْنُ خَالِدٌ، وَالقُوْصِيُّ، وَابْنُ العَدِيْمِ،
وَالتَّاجُ عَبْدُ الوَهَّابِ ابْنُ زَينِ الأُمَنَاءِ،
وَالقَاضِي كَمَالُ الدِّيْنِ إِسْحَاقُ بنُ خَلِيْلٍ
الشَّيْبَانِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. وَسَمِعنَا بِإِجَازتِهِ
مِنْ عُمَرَ ابْنِ القَوَّاسِ، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ
الشَّيْخُ عِزُّ الدِّيْنِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ،
وَغَيْرُهُ.
وَفِيْهَا مَاتَ: الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ
المَقْدِسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ ظَفَرِ بنِ هُبَيْرَةَ،
وَصَالِحُ بنُ القَاسِمِ بنِ كَوّر، وَالحُسَيْنُ بنُ
يَحْيَى بنِ أَبِي الرَّدَّادِ المِصْرِيُّ، وَأَكْمَلُ
بنُ أَبِي الأَزْهَرِ العَلَوِيُّ الكَرْخِيُّ، وَعَبْدُ
السَّلاَمِ بنُ المُبَارَكِ البَرْدَغولِيُّ، وَصَاحِبُ
الغَرْبِ يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ.
(16/162)
صاحب توريز،
البردغولي:
5571- صاحب توريز:
السُّلْطَانُ مُظَفَّرُ الدِّيْنِ أُزبكُ بنُ مُحَمَّد
البَهْلَوَانِ بنِ إِلْدُكُز.
عَظُمَ أَمرُهُ لَمَّا قُتِلَ طُغْرِل آخرَ سلاَطينِ
السَّلْجُوْقيَّةِ، وَامتدَّتْ أَيَّامُهُ، وَكَانَ
مُنْهَمِكاً فِي الشُّرْبِ وَاللَّذَاتِ، فَنَازَلَتْهُ
المُغلُ، فَصَانَعهُم، وَبَذَلَ لَهُم الأَمْوَالَ،
فَسكتُوا عَنْهُ، ثُمَّ ضَايقُوا الخُوَارِزْمِيَّةَ،
وَقَالُوا لَهُ: اقتُل مَنْ عِنْدَكَ مِنَ
الخُوَارِزْمِيَّةِ، ففعل، وكان قد تزوج ببنت السلطان طغرل
وجرت له أُمُوْرٌ، ثُمَّ دَهَمَهُ خُوَارِزْم شَاه جَلاَلُ
الدِّيْنِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ،
وَاسْتَوْلَى عَلَى أَذْرَبِيْجَانَ، وَعظُمَ سُلْطَانُهُ،
فَهَرَبَ أُزبكُ إِلَى كَنْجَةَ فَتزوَّجَ خُوَارِزْم شَاه
بابْنَةِ السُّلْطَانِ، حَكَمَ لَهُ القَاضِي بوُقُوْعِ
طلاَقِ أُزبكَ لَهَا، ثُمَّ هَرَبَ أُزبكُ مِنْهُ إِلَى
بَعْضِ القِلاعِ، وَهَلَكَ، وَتلاشَى أَمرُهُ، وكان أبوه
ملكًا أيضًا.
5572- البردغولي 1:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ المُعَمَّرُ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ
السَّلاَمِ بنُ المُبَارَكِ بنِ أَبِي الغَنَائِمِ عَبْدِ
الجَبَّارِ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ العَتَّابِيُّ،
وَيُعْرَفُ بِابْنِ البَرْدَغُولِيِّ.
شيخٌ صَدُوْقٌ، مُتَيَقِّظٌ، مُسِنٌّ.
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَحْمَدَ بنِ الطَّلاَّيَةِ الزَّاهِدِ،
وَوَاثقِ بنِ تَمَّامٍ، وَعَبْدِ الخَالِقِ اليُوْسُفِيِّ،
وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ
النَّجَّارِ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَجمَالُ الدِّينِ
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الفَرَجِ ابْن الدَّبَّابِ، عِنْدَهُ
عَنْهُ "جزءُ ابْنِ الطَّلاَّيَةِ".
تُوُفِّيَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ
مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 257".
(16/163)
ابن صرما، الناصر
لدين الله
5573- ابن صرما 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ المُعَمَّرُ أَبُو العَبَّاسِ
أَحْمَدُ بنُ يوسف ابن الشيخ محمد بن أَحْمَدَ بنِ صِرْمَا
الأَزَجِيُّ، المُشْتَرِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ
ظَنّاً.
وَسَمِعَ مِنْ أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيِّ كِتَابَ
"المَصَاحِفِ" وَ"صفَة المُنَافِقِ" وَ"المهروَانِيَّات"
وَالتَّاسعَ مِنْ "فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ"
لِلدَّارَقُطنِيِّ وَالأَوَّلَ مِنْ "صَحِيْحِهِ" وَ"جُزْء
ابْن شَاهِيْنَ" وَالثَّالِثَ مِنَ "الحَرْبيَّاتِ".
وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ الطَّلاَّيَةِ، وَعَبْدِ الخَالِقِ
اليُوْسُفِيِّ، وَابْنِ نَاصِرٍ، وَسَعِيْدِ ابْنِ
البَنَّاءِ، وَأَبِي الوَقْتِ، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَالدُّبَيْثِيُّ، وَمَكِّيُّ
بنُ بَشَرٍ، وَالكَمَالُ الفُوَيْرِه، وَالجمَالُ مُحَمَّد
ابْن الدَّبَّابِ، وَالشِّهَابُ الأَبَرْقُوْهِيُّ،
وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ.
سمِعنَا مِنْ طرِيقِهِ "نُسْخَة" يَحْيَى بن مَعِيْنٍ،
وَخَرَّجَ لَهُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ بُوْرندَاز
"أَرْبَعِيْنَ" سَمِعَهَا مِنْهُ الكَمَالُ الفُوَيْرِه.
5574- النَّاصِرُ لِدِيْنِ الله 2:
الخَلِيْفَةُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابْنُ
المُسْتَضِيْءِ بِأَمْرِ الله أبي مُحَمَّدٍ الحَسَنُ
ابْنُ المُسْتَنْجِدِ بِاللهِ يُوْسُفَ ابْنِ المُقْتَفِي
مُحَمَّدُ ابنُ المُسْتَظْهِر بِاللهِ أَحْمَدَ ابْن
المقتدِي الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
مَوْلِدُهُ فِي عَاشرِ رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَبُوْيِعَ فِي أَوَّلِ ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ
وَسَبْعِيْنَ، وَكَانَ أَبْيَضَ، مُعْتَدِلَ القَامَةِ،
تُرْكِيَّ الوَجْهِ، مليحَ العَينَيْنِ، أَنورَ الجبهَةِ،
أَقنَى الأَنفِ، خفِيفَ العَارضَينِ، أَشقرَ، رقيقَ
المَحَاسِنِ، نَقْشَ خَاتَمِهِ: رجَائِي مِنَ اللهِ
عَفْوُهُ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 260"،
وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 94".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 261، 262"، وشذرات الذهب
لابن العماد "5/ 97-99".
(16/164)
وأَجَاز لَهُ أَبُو الحُسَيْنِ
اليُوْسُفِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَسَاكِرَ البَطَائِحِيُّ،
وَشُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، وَطَائِفَةٌ.
وَقَدْ أَجَازَ لجَمَاعَةٍ مِنَ الأَئِمَّةِ
وَالكُبَرَاءِ، فَكَانُوا يُحَدِّثُونَ عَنْهُ فِي
أَيَّامِهِ، وَيَتنَافسُوْنَ فِي ذَلِكَ، وَيَتفَاخرُوْنَ
بِالوَهْمِ.
وَلَمْ يَلِ الخِلاَفَةَ أَحَدٌ أَطولَ دَوْلَةٍ مِنْهُ،
لكم صَاحِبَ مِصْرَ المُسْتَنْصِرَ العُبَيْدِيِّ وَلِيَ
سِتِّيْنَ سَنَةً، وَكَذَا وَلِيَ الأَنْدَلُسَ النَّاصِرُ
المَرْوَانِيُّ خَمْسِيْنَ سَنَةً.
كَانَ أَبُوْهُ المُسْتَضِيْءُ قَدْ تَخوَّفَ مِنْهُ،
فَحَبَسَهُ، ومال إلى أخيه أبي مَنْصُوْرٍ، وَكَانَ ابْنُ
العَطَّارِ وَكُبَرَاءُ الدَّوْلَةِ مَيْلُهُم إِلَى أَبِي
مَنْصُوْرٍ، وَكَانَتْ حَظِيَّةُ المُسْتَضِيْءِ بَنَفْشَا
وَالمَجْدُ ابْنُ الصَّاحِبِ وَطَائِفَةٌ مَعَ أَبِي
العَبَّاسِ، فَلَمَّا بُوْيِعَ قُبِضَ عَلَى ابْنِ
العَطَّارِ، وَأُهْلِكَ فسحب في الشوارع مَيْتاً، وَطَغَى
ابْنُ الصَّاحِبِ إِلَى أَنْ قُتِلَ.
قَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: كَانَ النَّاصِرُ
شَابّاً مَرِحاً عِنْدَهُ مَيْعَةُ الشَّبَابِ، يَشقُّ
الدُّروبَ وَالأَسواقَ أَكْثَرَ اللَّيْلِ، وَالنَّاسُ
يَتهيَّبُوْنَ لُقيَاهُ، وَظَهرَ الرَّفضُ بِسَبَبِ ابْنِ
الصَّاحبِ ثُمَّ انْطفَأَ بِهَلاَكِه وَظهرَ التَّسَنُّنُ،
ثُمَّ زَالَ، وَظَهرتِ الفُتوّةُ وَالبُندق وَالحَمام
الهادي، وتفنن الناس في ذلك، ودخل في الأَجلاَّء ثُمَّ
المُلُوْكُ، فَأُلْبِسَ العَادلُ وَأَوْلاَده سرَاويل
الفُتوّة، وَشِهَاب الدِّيْنِ الغُوْرِيّ صَاحِب غَزْنَةَ
وَالهِنْد وَالأَتَابَك سَعْد صَاحِب شيرَاز، وَتَخوّف
الدِّيْوَان مِنَ السُّلْطَانِ طُغْرِيْلَ، وَجَرَتْ
مَعَهُ حُرُوْبٌ وَخُطُوبٌ، ثُمَّ اسْتدعُوا
خُوَارِزْمشَاه تُكُش لِحَرْبِهِ، فَالتقَاهُ عَلَى
الرَّيِّ، وَاحتزَّ رَأْسَه، وَنفذه إِلَى بَغْدَادَ،
ثُمَّ تَقدّمَ تُكُشُ نَحْوَ بَغْدَادَ يَطلبُ رُسُومَ
السَّلطنَةِ، فَتحرّكتْ عَلَيْهِ أُمَّةُ الخَطَا، فَردّ
إِلَى خُوَارِزْم وَمَاتَ. وَقَدْ خطبَ النَّاصِر
بِوِلاَيَةِ العَهْد لوَلَده الأَكْبَر أَبِي نَصْرٍ،
ثُمَّ ضيّق عَلَيْهِ لِما اسْتشعر مِنْهُ وَعيّن أَخَاهُ،
وَأُخِذَ خطّ بِاعترَاف أَبِي نَصْرٍ بِالعجز، أفسد مَا
بَيْنهُمَا النّصيْر بن مَهْدِيٍّ الوَزِيْر، وَأَفسد
قُلُوْب الرَّعِيَّة وَالجُنْد عَلَى النَّاصِر وَبغّضه
إِلَى المُلُوْك، وَزَادَ الفسَاد، ثُمَّ قُبِض عَلَى
الوَزِيْر، وَتَمَكَّنَ بِخُرَاسَانَ خُوَارِزْمشَاه
مُحَمَّدُ بنُ تَكِشّ وَتَجبّر وَاسْتَعْبَد المُلُوْك
وَأَبَاد الأُمَم مِنَ التّرك وَالخَطَا، وَظلم وَعسف،
وَقطع خطبَة الناصر من بلاده، ونال منه، وَقصد بَغْدَاد،
وَوصل بوَادره إِلَى حُلْوَان فَأَهْلكهُم بِبَلْخَ، دَام
عِشْرِيْنَ يَوْماً وَاتعظُوا بِذَلِكَ، وَجَمَعَ
النَّاصِر الجَيْش، وَأَنفق الأَمْوَال، وَاسْتعدّ،
فَجَاءتِ الأَخْبَار أَنَّ التّرك قَدْ حشدُوا، وَطمعُوا
فِي البِلاَد، فَكرّ إِلَيْهِم وَقصدهُم فَقصدُوْهُ
وَكثروهُ إِلَى أَنْ مزّقوهُ، وَبلبلُوا لُبّه وَشتّتُوا
شَمله، وَملكُوا الأَقطَار، وَصَارَ أَيْنَ تَوجّه وَجد
سيوفهُم متحكمَةً فِيْهِ، وَتَقَاذفتْ بِهِ البِلاَد،
فَشرّق وَغرّب، وَأَنجد وَأَسهل، وَأَصحر وَأَجبل،
وَالرّعب قَدْ زَلْزَلَ لُبَّهُ، فَعند ذَلِكَ قَضَى
نَحْبَه.
(16/165)
قُلْتُ: جَرَى لَهُ وَلابْنِهِ منكوبرتي
عَجَائِب وَسيرٌ، وَذَلِكَ عِنْدِي فِي مُجَلَّد أَلّفه
النَّسَوِيّ كَاتِب الإِنشَاء.
قَالَ المُوَفَّقُ: وَكَانَ الشَّيْخ شِهَاب الدِّيْنِ
السُّهْرَوَرْدِيّ لَمّا ذهب فِي الرِّسَالَة خَاطب
خُوَارِزْم شَاه مُحَمَّداً بِكُلِّ قَوْل، وَلاَطفه،
وَلاَ يَزدَاد إلَّا عتُوّاً، وَلَمْ يَزَلِ النَّاصِر فِي
عزّ وَقمع الأَعْدَاء، وَلاَ خَرَجَ عَلَيْهِ خَارِجِيّ
إلَّا قمعه، وَلاَ مخَالف إلَّا دَمَغَهُ، وَلاَ عَدو
إلَّا خذل، كَانَ شَدِيد الاهتمَام بِالملك، لاَ يَخفَى
عَلَيْهِ كَبِيْر شَيْء مِنْ أُمُوْر رَعيته، أَصْحَاب
أَخْبَاره فِي البِلاَد، حَتَّى كَأَنَّهُ شَاهِد جَمِيْع
البِلاَد دفعَة وَاحِدَة، كَانَتْ لَهُ حيل لطيفَة، وَخدع
لاَ يَفطُنُ إِلَيْهَا أَحَد، يُوقع صدَاقَة بَيْنَ
مُلُوْك متعَادِيْنَ، وَيوقع عدَاوَة بَيْنَ ملوك متوادين
ولا يفطنون.
إلى أن قال: ولما دخل رسول الله صَاحِب مَازندرَان
بَغْدَادَ كَانَتْ تَأتيه كُلّ صبَاح وَرقَة بِمَا فَعل
فِي اللَّيْلِ فَصَارَ يُبَالِغ فِي التَّكتم، وَاختلَى
لَيْلَة بِامْرَأَة فَصبحته وَرقَة بِذَلِكَ، فَتحيّر،
وَخَرَجَ لاَ يَرتَاب أَنَّ الخَلِيْفَة يَعلم الغِيب.
قُلْتُ: أَظنّه كَانَ مخدوماً مِنَ الجن.
قال: وأتى رسول خوارزم شاه الرسالة مخفِيَّة وَكِتَاب
مختُوْم، فَقِيْل: ارْجِع فَقَدْ عرفنَا مَا جِئْت بِهِ!
فَرَجَعَ وَهُوَ يظنّ أَنَّ النَّاصِر وَلِي للهِ. وَجَاءَ
مرَّة رَسُوْل لخُوَارِزْم شَاه فَحُبِسَ أَشهراً ثُمَّ
أُعْطِي عَشْرَة آلاَف دِيْنَار فَذَهَبَ وَصَارَ منَاصحاً
لِلْخَلِيْفَة. وَبَعَثَ قَاصداً يَكشف لَهُ عَسْكَر
خُوَارِزْم شَاه، فَشوّه وَجهه وَتَجَانَنَ، وَأَنَّهُ
ضَاع حِمَاره، فَسخرُوا مِنْهُ، وَضحكُوا، وَتردد بَيْنهُم
أَرْبَعِيْنَ يَوْماً، ثُمَّ رَدّ إِلَى بَغْدَادَ،
وَقَالَ: القَوْمُ مائَة وَتِسْعُوْنَ أَلْفاً،
يَزِيدُوْنَ أَلْفاً أَوْ يَنقصُوْنَ.
وَكَانَ النَّاصِر إِذَا أَطعم أَشبع، وَإِذَا ضَرَبَ
أَوجع؛ وَصل رَجُل بِبّغَاء تَقرَأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ} هديَّة لِلنَّاصِر، فَأَصْبَحت مِيتَة وَحزن
فَأَتَاهُ فرَاش يَطلب الببّغَاء فَبَكَى، وَقَالَ:
مَاتَتْ. قَالَ: عرفنَا، فَهَاتهَا ميتَة، وَقَالَ: كَمْ
كَانَ أَمَلكَ? قَالَ: خَمْس مائَة دِيْنَارٍ، قَالَ:
خُذهَا فَقَدْ بعثَهَا إِلَيْك أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ،
فَإِنَّهُ عَالِم بِأَمرك مُنْذُ خَرَجت مِنَ الهِنْد!
وَكَانَ صدرجهَان قَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ فِي جَمع مِنَ
الفُقَهَاء، فَقَالَ وَاحِد مِنْهُم عَنْ فَرسه: لاَ يَقدر
الخَلِيْفَة أَنْ يَأْخذهَا مِنِّي؛ قَالَ ذَلِكَ فِي
سَمَرْقَنْد، وَعرف النَّاصِر فَأَمر بَعْض الزّبّالين
أَنْ يَتعرض لَهُ وَيَضربه وَيَأْخذ الْفرس مِنْهُ
بِبَغْدَادَ، وَيهرب بِهَا فِي الزّحمَة، ففعل، فجاءه
الفَقِيْه إِلَى الأَبْوَاب يَسْتَغِيث وَلاَ يُغَاث،
فَلَمَّا رجعوا من الحج خلع على صدرجهان وَأَصْحَابه سِوَى
ذَلِكَ الفَقِيْه، ثُمَّ بَعْد خُلِعَ عَلَيْهِ، وَقدّمت
لَهُ فَرسه وَعَلَيْهَا سرج مُذَهَّب، وَقِيْلَ لَهُ: لَمْ
يَأْخُذْ فَرسك الخَلِيْفَة، إِنَّمَا أَخَذَهَا زبّال،
فَغُشِيَ عَلَيْهِ.
(16/166)
قُلْتُ: مَا تَحْتَ هَذَا الفِعْل طَائِل،
فُكُلُّ مَخْدُومِ وَكَاهن يَتَأَتى لَهُ أَضعَاف ذَلِكَ.
قَالَ المُوَفَّقُ عَبْد اللَّطِيْفِ: وَفِي وَسط وِلاَيته
اشْتَغَل برِوَايَة الحَدِيْث، وَاسْتنَاب نُوَاباً يَروون
عَنْهُ، وَأَجرَى عَلَيْهِم جرَايَات، وَكَتَبَ لِلمُلُوْك
وَالعُلَمَاء إِجَازَات، وَجَمَعَ كِتَاباً سَبْعِيْنَ
حَدِيْثاً وَصل عَلَى يَد السُّهْرَوَرْدِيّ إِلَى حَلَب
فَسَمِعَهُ الظَّاهِر، وَجمَاهير الدَّوْلَة وَشرخته.
وَسَبَب مَيْله إِلَى الرِّوَايَة أَن قَاضِي القُضَاةِ
العَبَّاسِيّ نُسِبَ إِلَيْهِ تَزوير فَأَحضروهُ
وَثَلاَثَة مِنَ الشُّهُود، فَعزّر القَاضِي بتخرِيق
عِمَامَته، وَطيف بِالثَّلاَثَة عَلَى جَمَال بِالذّرة،
فَمَاتَ أَحَدهُم لَيْلَتَئِذٍ وَالآخر لبس لبس الفُسَّاق،
وَالثَّالِث اخْتفَى وَهُوَ المُحَدِّثُ البَنْدَنِيْجِيّ
رفِيقُنَا، وَاحتَاج وَبَاع فِي كُتُبِه فَوَجَد فِي
الجزَاز إِجَازَة لِلنَاصِر مِنْ مَشَايِخ بَغْدَاد،
فَرفعهَا إِلَيْهِ، فَخُلِع عَلَيْهِ وَأعْطي مائَة
دِيْنَارٍ، ثُمَّ جُعِلَ وَكِيْلاً عَنِ النَّاصِر فِي
الإِجَازَة وَالتّسمِيْع.
قُلْتُ: مِمَّنْ يَرْوِي عَنِ النَّاصِر بِالإِجَازَةِ
عَبْد الوَهَّابِ بن سُكَيْنَة، وَابْن الأَخْضَرِ،
وَقَاضِي القُضَاةِ ابْن الدَّامَغَانِيّ، وَوَلِي
العَهْد، وَالملك العَادل، وبنوه، وشيخانا: محمود
الزنجاني، والمقداد القيسي.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: شرّفنِي النَّاصِر
بِالإِجَازَةِ، وَرويت عَنْهُ بِالحَرَمَيْنِ وَدِمَشْق
وَالقُدْس وَحَلَب وَبَغْدَاد وَأَصْبَهَان ونيسابور ومرو
وهمذان.
قال الموفق: وأقم مُدَّة يُرَاسل جَلاَل الدِّيْنِ
الصَّبَّاحِيّ صَاحِب الأَلموت يرَاوده أَنْ يَعيد شعَار
الإِسْلاَم مِنَ الصَّلاَةِ والصيام مما تركوه فيزمان
سنَان، وَيَقُوْلُ لَهُم: إِنَّكُم إِذَا فَعَلتُم ذَلِكَ
كُنَّا يَداً وَاحِدَة. وَاتّفقَ أَنَّ رَسُوْلَ
خُوَارِزْم شَاه قَدِمَ فَزوّر عَلَى لِسَانه كتب فِي حق
الملاَحدَة تَشتمل عَلَى الْوَعيد، وَعَزْم الإِيقَاع
بِهِم، وَأَنَّهُ يَخرّب قلاعهُم وَيطلب مِنَ النَّاصِر
المعونَة، وَأُحضر رَجُل مِنْهُم كَانَ قَاطناً
بِبَغْدَادَ وَوقِّفَ عَلَى الكُتُب، وَأُخْرِج بِهَا
وَبكُتُب مِنَ النَّاصِر عَلَى وَجه النّصح نِصْف اللَّيْل
عَلَى البَرِيْدِ، فَقَدِم الأَلموت فَأَرهبهُم
فَتظَاهِرُوا بِالإِسْلاَمِ وَإِقَامَة الشّعَار، وَبعثَوا
رَسُوْلاً مَعَهُ مائَتَا شَابّ وَدَنَانِيْر كِبَاراً
عَلَيْهَا: "لاَ إِلَهَ إلَّا الله مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ
اللهِ"، وَطَافَ المائَتَانِ بِهَا يَعلنُوْنَ
بِالشهَادتين.
وَكَانَ النَّاصِر قَدْ ملأَ القُلُوْب هَيْبَة وَخيفَة،
حَتَّى كَانَ يَرهبه أَهْل الهِنْد، وَأَهْل مِصْرَ،
فَأَحيَى هَيْبَة الخِلاَفَة. لَقَدْ كُنْت بِمِصْرَ
وَبِالشَّام فِي خلوَات المُلُوْك وَالأَكَابِر إِذَا
جَرَى ذَكَرَهُ خفضُوا أَصوَاتهُم إِجلاَلاَ لَهُ. وَردَ
بَغْدَاد تَاجر مَعَهُ مَتَاع دِمْيَاط المُذَهَّب،
فَسَأَلُوْهُ عَنْهُ فَأَخفَاهُ فَأُعْطِي علاَمَات فِيْهِ
مِنْ عدده وَأَلوَانه وَأَصْنَافه، فَازدَاد إِنْكَاره،
فَقِيْلَ لَهُ: مِنَ العلاَمَات أَنَّك نَقمْت عَلَى
مَمْلُوْكك فُلاَن التُّرْكِيّ فَأَخَذتهُ إِلَى سَيْف
بَحر دِمْيَاط وَقتلته، وَدفنته هُنَاكَ خلوَة.
(16/167)
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: دَانت لِلنَاصِر
السَّلاَطِيْن، وَدَخَلَ تَحْتَ طَاعته المخَالفُوْنَ،
وَذلَّت لَهُ العُتَاة، وَانقهرت بِسَيْفِهِ البُغَاة،
وَاندحض أَضدَاده، وَفتح البِلاَد العَدِيْدَة، وَملك مَا
لَمْ يَملكه غَيْرُه، وَخُطِبَ لَهُ بِالأَنْدَلُسِ
وَبِالصّين، وَكَانَ أَسد بَنِي العَبَّاسِ تَتصدَّع
لِهَيْبَتِهِ الجِبَال، وَتذل لسطوته الأَقيَال، وَكَانَ
حَسَنَ الْخلق أَطيف الخُلق، كَامِل الظّرف، فَصِيْحاً
بَلِيْغاً، لَهُ التَّوقيعَات المُسَدّدَة وَالكَلِمَاتَ
المُؤيدَة، كَانَتْ أَيَّامه غرَّة فِي وَجه الدَّهْر،
وَدرَة فِي تَاج الفَخْر.
حَدَّثَنِي الحَاجِب عَلِيّ بن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ
قَالَ: برزَ مِنْهُ تَوقيع إِلَى صدْر الْمخزن جَلاَل
الدِّيْنِ ابْن يُوْنُسَ: لاَ يَنْبَغِي لأَربَاب هَذَا
المقَام أَنْ يُقْدِمُوا عَلَى أَمْر لَمْ يَنظرُوا فِي
عَاقبته، فَإِنَّ النَّظَر قَبْل الإِقدَام خَيْر مِنَ
النّدم بَعْد الفوَات، وَلاَ يُؤْخَذ البرَآء بِقَوْل
الأَعْدَاء، فَلكل نَاصِح كَاشح، وَلاَ يُطَالب
بِالأَمْوَال مَنْ لَمْ يَخن فِي الأَعْمَال، فَإِنَّ
المصَادرَة مكَافَأَة لِلظَالِمِين، وَليكن العفَاف
وَالتُّقَى رَقِيبَيْنِ عَلَيْك. وَبَرَزَ مِنْهُ تَوقيع:
"قَدْ تَكرّر تَقدّمنَا إِلَيْك مِمَّا افْترضه الله
عَلَيْنَا وَيلزمنَا القِيَام بِهِ كَيْفَ يُهْمَل حَالُ
النَّاس حَتَّى تَم عَلَيْهِم مَا قَدْ بُيِّنَ فِي
باطنهَا، فَتنصْف الرَّجُل وَتقَابل العَامِل إِنْ لَمْ
يَفْلُج بِحجَّة شرعيَة".
قَالَ القَاضِي ابْنُ وَاصِلٍ: كَانَ النَّاصِر شَهْماً
شُجَاعاً ذَا فَكرَة صَائِبَة وَعقل رَصِين وَمكر
وَدَهَاء، وَكَانَتْ هَيْبَته عَظِيْمَة جِدّاً، وَلَهُ
أَصْحَاب أَخْبَار بِالعِرَاقِ وَسَائِر الأَطرَاف
يطالعونه بجزئيات الأمور حتى ذكر أن رجلًا ببغداد عَمل
دَعْوَة وَغسل يَده قَبْل أَضيَافه فَطَالعه صَاحِب
الخَبَر، فَكَتَبَ فِي جَوَاب ذَلِكَ: سوء أَدب مِنْ
صَاحِب الدَّار وَفضول مِنْ كَاتِب المُطَالَعَة.
قَالَ: وَكَانَ رَدِيْءَ السّيرَة فِي الرَّعِيَّةِ،
مَائِلاً إِلَى الظّلم وَالعسف، فَخربت فِي أَيَّامِهِ
العِرَاق وَتَفرَّق أَهْلهَا وَأَخَذَ أَملاَكهُم، وَكَانَ
يَفعل أَفعَالاً متضَادَّة، وَيَتشيع بِخلاَف آبَائِهِ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَرَى صِحَّة
خِلاَفَة يَزِيْد، فَأَحضره ليعَاقبه، فَسَأَلَهُ: مَا
تَقُوْلُ فِي خِلاَفَةِ يَزِيْد? قَالَ: أَنَا أَقُوْل لاَ
يَنعزل بارتكَاب الفِسْق، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَأَمر
بِإِطلاَقه، وَخَافَ مِنَ المحَاققَة.
قَالَ: وَسُئِلَ ابْنُ الجَوْزِيِّ وَالخَلِيْفَة يسمع:
مَنْ أَفْضَلِ النَّاسِ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ? قَالَ: أَفْضَلهُم بَعْدَهُ
مَنْ كَانَتْ بِنْته تَحْته. وَهَذَا جَوَاب جَيِّد يَصدق
عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعَلَى عليّ. قِيْلَ: كَتَبَ إِلَى
النَّاصِر خَادم اسْمه يُمن يَتعتب، فَوَقَعَ فِيْهَا:
بِمَنْ يَمُنّ يُمْن، ثَمَنُ يُمْنٍ ثُمْن".
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: قل بصر النَّاصِر فِي الآخَرِ،
وَقِيْلَ: ذهب جُمْلَةً، وَكَانَ خَادمه رَشِيق قَدِ
اسْتولَى عَلَى الخِلاَفَة، وَبَقِيَ يُوقع عَنْهُ،
وَكَانَ بِالخَلِيْفَة أَمرَاض مِنْهَا عسر الْبَوْل
وَالحصَى، فَشَقَّ ذكرهُ مرَاراً وَمآل أَمره مِنْهُ كَانَ
المَوْت. قَالَ: وَغسّله خَالِي مُحْيِي الدِّيْنِ.
(16/168)
قَالَ المُوَفَّقُ عَبْد اللَّطِيْفِ:
أَمَا مرض مَوْته فَسهوٌ وَنسيَان؛ بَقِيَ بِهِ سِتَّة
أَشْهُرٍ وَلَمْ يَشعر أَحَد مِنَ الرَّعِيَّةِ بكُنه
حَاله حَتَّى خفِي عَلَى الوَزِيْر وَأَهْل الدَّار،
وَكَانَ لَهُ جَارِيَة قَدْ علّمهَا الخطّ بِنَفْسِهِ،
فَكَانَتْ تَكتب مثل خطه، فكانت تكتب على التواقيع بمشهورة
القهرمَانَة، وَفِي أَثْنَاء ذَلِكَ نَزل جَلاَل الدِّيْنِ
مُحَمَّد بن تَكِشّ خُوَارِزْمشَاه عَلَى ضوَاحِي بَغْدَاد
هَارباً منفضّاً مِنَ الرِّجَالِ وَالمَال وَالدّوَاب،
فَأَفسد بِمَا وَصلت يَده إِلَيْهِ، فَكَانُوا
يَدَارُوْنَهُ وَلاَ يمضون فيه أمرًا لغيبَة رَأْي
النَّاصِر، ثُمَّ نهبَ دقوقا، وَرَاح إِلَى
أَذْرَبِيْجَان.
نَقَلَ العَدْل شَمْس الدِّيْنِ الجَزَرِيّ فِي
"تَارِيْخِهِ"، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: سَمِعْتُ المُؤَيَّد
ابْن العَلْقَمِيّ الوَزِيْر لَمَّا كَانَ عَلَى
الأُسْتَاذ دراية يَقُوْلُ: إِنَّ المَاء الَّذِي يَشرَبُه
الإِمَام النَّاصِر كَانَ تَجِيْء بِهِ الدَّوَابّ مِنْ
فَوْقَ بَغْدَاد بِسَبْعَة فَرَاسخ وَيغلَى سَبْع غلوَات
ثُمَّ يحبس فِي الأَوعيَة أُسْبُوْعاً ثُمَّ يَشرب مِنْهُ،
وَمَا مَاتَ حَتَّى سقِي المُرقد ثَلاَث مرَار وَشق
ذَكَرَهُ، وَأُخْرِج مِنْهُ الحصَى.
وَقَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: بقي الناصر ثلاث سنين عاطلا عن
الحركة بِالكليَّة، وَقَدْ ذَهَبت إِحْدَى عينِيه، وَفِي
الآخَرِ أَصَابه دوسنطَارِيَا عِشْرِيْنَ يَوْماً وَمَاتَ،
وَمَا أَطلق فِي مَرَضِهِ شَيْئاً مِمَّا كَانَ أَحَدثه
مِنَ الرّسوم.
قَالَ: وَكَانَ سَيِّئ السّيرَة، خرّب العِرَاق فِي
أَيَّامِهِ، وَتَفرَّق أَهْله فِي البِلاَد، وَأَخَذَ
أَمْوَالهُم وَأَملاَكهُم. إِلَى أَنْ قَالَ: وَجَعَلَ
همّه فِي رمِي الْبُنْدُق وَالطيور المنَاسيب وَسرَاويلاَت
الفتوَّة.
وَنَقَلَ الظّهير الكَازَرُوْنِيّ فِيمَا أَجَاز لَنَا:
إِنَّ النَّاصِر فِي وَسط خِلاَفَته همّ بِترك الخِلاَفَة
وَبِالاَنقطَاع إِلَى التّعبد، وَكَتَبَ عَنْهُ ابْن
الضَّحَّاك تَوقيعَا قُرئ عَلَى الأَعيَان، وَبَنَى
رِبَاطاً لِلْفُقَرَاء، وَاتَّخَذَ إِلَى جَانب الرِّبَاط
دَاراً لِنَفْسِهِ كَانَ يَتردَّد إِلَيْهَا وَيَحَادث
الصُّوْفِيَّة، وَعمِلَ لَهُ ثيَاباً كَبِيْرَة بزِيّ
القَوْم.
قُلْتُ: ثُمَّ نبذ هَذَا وَملّ.
وَمِنَ الحوَادث فِي دَوْلَته قدوم أَسرَى الفِرَنْج إِلَى
بَغْدَادَ وَقَدْ هزمهُم صَلاَح الدِّيْنِ نَوْبَة مَرج
العُيُون، وَمِنَ التّحف ضلع حوت طوله عَشْرَة أَذرع فِي
عرض ذِرَاع، وَجَوَاهر مثمنَة. وَقِيْلَ: بَلْ كَانَ
ذَلِكَ فِي آخِرِ دولة المستضيء.
وَأُهْلِك وَزِيْر العِرَاق ظَهِيْر الدِّيْنِ ابْن
العَطَّار فَعرفت الغوَغَاءُ بجِنَازَته فَرجمُوْهُ،
فَهَرَبَ الحمَّالُوْنَ فَأُخْرِجَ مِنْ تَابوته، وَسُحب،
فَتعرَّى مِنَ الأَكْفَان، وَطَافُوا بِهِ، نَسْأَل اللهَ
السّتر، وَكَانَ جَبَّاراً عنِيْداً.
(16/169)
أَنْبَأَنِي عِزّ الدِّيْنِ ابْن
البُزُوْرِيّ فِي "تَارِيْخِهِ"، قَالَ: حَكَى
التَّيْمِيّ، قَالَ: كُنْتُ بحضرَة ابْن العَطَّار، وَقَدْ
وَرد عَلَيْهِ شَيْخ فَوَعَظَهُ بكَلاَم لطيف وَنَهَاهُ،
فَقَالَ: أَخرجُوهُ الكَلْب سحباً، وَكرر ذَلِكَ،
وَقِيْلَ: هُوَ الَّذِي دسّ البَاطِنِيَّة عَلَى الوَزِيْر
عَضُد الدِّيْنِ ابْن رَئِيْس الرُّؤَسَاء حَتَّى
قتلُوْهُ، وَبَقِيَ النَّاصِر يَرْكَب وَيَتصيّد.
وَفِي سَنَةِ 78: نَازل السُّلْطَان المَوْصِل مُحَاصراً،
فَبَعَثَ إِلَيْهِ الخَلِيْفَة يَلُوْمه.
وَفِيْهَا افْتَتَحَ صَاحِب الرُّوْم مدينَة لِلنَّصَارَى،
وَافتَتَح صَلاَح الدِّيْنِ حَرَّان وَسَرُوج
وَنَصِيْبِيْن وَالرَّقَّة والبيرة.
وَفِيْهَا تَفَتَّى النَّاصِرُ إِلَى عَبْدِ الجَبَّارِ
شَرفَ الفُتوَّةِ، وَكَانَ شُجَاعاً مَشْهُوْراً تَخَافُه
الرِّجَالُ، ثُمَّ تَعبَّدَ وَاشْتهرَ، فَطَلَبَهُ
النَّاصِرُ، وَتَفَتَّى إِلَيْهِ، وَجَعَلَ المُعَوَّل فِي
شَرْعِ الفُتُوَّةِ عَلَيْهِ، وَبَقِيَ النَّاصِرُ
يُلبِّسُ سَرَاويلَ الفُتُوَّةِ لِسلاَطينِ البِلاَدِ.
وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ: وَردَ كِتَابُ
السُّلْطَانِ مِنْ إِنشَاءِ الفَاضِلِ فِيْهِ: "وَكَانَ
الفِرَنْجُ قَدْ رَكِبُوا مِنَ الأَمْرِ نُكراً،
وَافتَضُّوا مِنَ البَحْرِ بكْراً، وَشَحنُوا مَرَاكِبَ،
وَضَرَبُوا بِهَا سوَاحلَ الحِجَازِ، وَظُنَّ أَنَّهَا
السَّاعَةُ، وَانتظرَ المُسْلِمُوْنَ غَضبَ اللهِ
لِبَيْتِه وَمَقَامِ خَلِيْلِه وَضَرِيْحِ نَبِيِّهِ،
فَعَمَّرَ الأَخُ سَيْفُ الدِّيْنِ مَرَاكِبَ"، إِلَى أَنْ
قَالَ: فَوَقَعَ عَلَيْهَا أَصْحَابُنَا فَأُخِذتِ
المَرَاكِبُ بِأَسرِهَا، وَفَرَّ فِرَنْجُهَا، فَسَلَكُوا
فِي الجِبَالِ مَهَاوِيَ المَهَالِكِ، وَمَعَاطِن
المَعَاطِبِ، وَرَكِبَ أَصْحَابُنَا وَرَاءهُم خَيل
العَرَبِ يَقتُلُوْنَ وَيَأْسِرُوْنَ حَتَّى لَمْ
يَترُكُوا مُخبِّراً، {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى
جَهَنَّمَ زُمَرًا} [الزمر: 11] .
وَفِيْهَا تسلّم صَلاَحُ الدِّيْنِ حَلَبَ.
وَفِيْهَا: تَمَكَّنَ شِهَابُ الدِّيْنِ الغُوْرِيُّ،
وَامتدَّ سُلْطَانُه إِلَى لهاور، وَحَاصَرَ بِهَا خسروشاه
مِنْ وَلَدِ مَحْمُوْدِ بنِ سُبُكْتِكِيْنَ، فَنَزَلَ
إِلَيْهِ، فَأَكْرَمَهُ، ثُمَّ غَدرَ بِهِ.
وَبَعَثَ صَلاَحُ الدِّيْنِ تَقدمَةً إِلَى الدِّيْوَانِ
مِنْهَا شمسة يعني الجتر من رِيش الطَّوَاويس عَلَيْهَا
أَلقَابُ المُسْتَنْصِرِ العُبَيْدِيِّ. ثُمَّ نَازَلَ
صَلاَحُ الدِّيْنِ الكَركَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَفتَحَهَا،
ثُمَّ بَلَغَهُ تَحزّبُ الفِرَنْجِ عَلَيْهِ فَتَرَكَهَا،
وَقَصَدَهُم، فَعَرَجُوا عَنْهُ فَأَتَى دِمَشْقَ،
وَوَهَبَ أَخَاهُ العَادِلَ حَلَبَ، ثُمَّ بَعَثَ بَعْدَهُ
عَلَى نِيَابَةِ مِصْرَ ابْنَ أَخِيْهِ المَلِك المُظَفَّر
عَمّ صَاحِبِ حَمَاةَ.
وَفِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ: جَعَلَ الخَلِيْفَةُ مشْهد
وَالجَوَاد أَمناً لِمَنْ لاَذَ بِهِ، فَحصَلَ بِذَلِكَ
بلاء ومفاسد.
(16/170)
وَاستبَاحَ صَلاَحُ الدِّيْنِ نَابُلُسَ
-وَللهِ الحَمْدُ، وَنَازلَ الكَركَ، فَجَاءتْهَا نَجدَاتُ
العَدُوِّ، فَتَرَحَّلَ.
وَفِيْهَا كَانَ خُرُوْجُ عَلِيِّ بنِ غَانِيَةَ
المُلَثَّمِ صَاحِبِ مَيُوْرْقَةَ، فَسَارَ وَتَمَلَّكَ
بَجَايَةَ عِنْدَ مَوْتِ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ المُؤْمِنِ،
وَكثرتْ عَسَاكِرُه، ثُمَّ هَزمَ عَسْكَراً لِلموحدينَ،
ثُمَّ حَاصرَ قُسْطَنْطِيْنِيَّةَ الهوَاءُ أَشْهُراً
ثُمَّ كُشِفَ عَنْهَا المُوحِّدُوْنَ، فَأَقْبَلَ ابْنُ
غَانِيَةَ إِلَى القَيْرَوَانِ، فَحشدَ وَاسْتخدمَ
وَالتفَّتْ عَلَيْهِ بَنُوْ سُلَيْمٍ وَرِيَاحٌ وَالتُّركُ
المِصْرِيّونَ الَّذِيْنَ كَانُوا مَعَ بُوْزَبَا
وَقرَاقوشَ فَتَمَلَّكَ بِهِم أَفرِيقيَةَ سِوَى تُوْنُسَ
وَالمَهْدِيَّةِ حَمَتْهُمَا الموحدُوْنَ، وَانضمَّ إِلَى
ابْنِ غَانِيَةَ كُلُّ فَاسِدٍ وَمجرمٍ، وَعَاثُوا
وَنَهَبُوا القُرَى وَسبَوا، وَأَقَامَ الخطبَةَ لِبَنِي
العَبَّاسِ، وَأَخَذَ قَفْصَةَ، فَتَحَزَّبَ عَلَيْهِ
الموحدُوْنَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ، وَأَقْبَلَ سُلْطَانُهُم
يَعْقُوْبُ بنُ يُوْسُفَ فَخَيَّمَ بِتُوْنُسَ، وَجَهَّزَ
لِلمَصَافِّ سِتَّةَ آلاف فارس مع ابن أَخِيْهِ،
فَهَزمَهُم ابْنُ غَانِيَةَ، ثُمَّ سَارَ يَعْقُوْبُ
بِنَفْسِهِ فَالتَقَوا، فَانْهَزَمَ عَلِيٌّ وَاسْتَحَرَّ
بِهِ وَاسْتردَّ يَعْقُوْبُ البِلاَدَ، وَامتدتْ دَوْلَةُ
ابْنِ غَانِيَةَ خَمْسِيْنَ.
وَجَدَّ صَلاَحُ الدِّيْنِ فِي محَاصرَةِ الكَرَكِ.
وَفِي سَنَةِ 581: نَازلَ صَلاَحُ الدِّيْنِ المَوْصِلَ،
وَجدَّ فِي حصَارِهَا، ثُمَّ سَارَ وَتسلّمَ
مَيَّافَارِقِيْنَ بِالأَمَانِ، ثُمَّ مرضَ بِحَرَّانَ
مرضاً شدِيداً، وَتنَاثرَ شعرُ لِحْيتِه، وَمَاتَ صَاحِبُ
حِمْصَ مُحَمَّدُ بنُ شِيرْكُوْه، فَملَّكَهَا
السُّلْطَانُ وَلدَه أَسَدَ الدِّيْنِ، وَلُقِّبَ بِالملكِ
المُجَاهِدِ.
وَفِي سَنَةِ 82: ابْتدَاءُ فِتْنَةٍ عَظِيْمَةٍ بَيْنَ
الأَكرَادِ وَالتُّرُكْمَانِ بِالمَوْصِلِ وَالجَزِيْرَةِ
وَأَذْرَبِيْجَانَ وَالشَّامِ وَشهرزور، وَدَامتْ
أَعْوَاماً، وَقُتِلَ فِيْهَا مَا لاَ يُحصَى، وَانقطعتِ
السُّبُلُ حَتَّى أَصلحَ بَيْنهُم قَايْمَازُ نَائِبُ
المَوْصِلِ، وَأَصلُهَا عُرسٌ تركمَانِيٌّ.
وَفِيْهَا قَالَ العِمَادُ: أَجْمَعَ المنجّمُوْنَ فِي
جَمِيْعِ البِلاَدِ بِخرَابِ العَالِمِ عِنْدَ اجْتمَاعِ
الكَوَاكِبِ السّتَةِ فِي المِيزَانِ بطوفَانِ الرِّيْحِ
فِي سَائِرِ البُلْدَانِ، فَشرعَ خلقٌ فِي حفرِ مغَائِرَ
وَتوثيقِهَا، وَسُلْطَانُنَا مُتَنَمِّرٌ موقنٌ أَنَّ
قَوْلَهُم مبنِيٌّ عَلَى الكَذِبِ، فَلَمَّا كَانَتِ
اللَّيْلَةُ الَّتِي عيَّنُوْهَا لَمْ تَتحرَّكْ نسمَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ البُزُوْرِيِّ: لَقَدْ تَوقفَ الهوَاءُ فِي
ذَلِكَ الشَّهْرِ عَلَى السواد وما ذروا الغلة.
وَفِيْهَا جرتِ فِتْنَةٌ بِبَغْدَادَ بَيْنَ الرَّافِضَّةِ
وَالسُّنَّةِ قُتِلَ فِيْهَا خلقٌ كَثِيْرٌ، وَغلبُوا
أَهْل الكَرْخِ.
وَكَانَ الخُلْفُ وَالحَرْبُ بَيْنَ الأَرمنِ وَالرُّوْمِ
وَالفِرَنْجِ.
وَقَتَلَ الخَلِيْفَةُ أُسْتَاذَ دَارِه ابْنَ الصَّاحِبِ،
وَوَلِيَهَا قَوَامُ الدِّيْنِ يَحْيَى بنُ زَبَادَةَ،
وَخلَّفَ ابْنُ
(16/171)
الصَّاحبِ مِنَ الذّهبِ الْعين أَزْيدَ
مِنْ أَلفِ أَلفِ دِيْنَارٍ، وَكَانَ عَسُوَفاً فَاجراً
رَافِضِيّاً، وَوزرَ جَلاَل الدِّيْنِ عُبَيْد اللهِ بن
يُوْنُسَ، وَكَانَ شَاهِداً، فَارتقَى إِلَى الوزَارَةِ.
وَفِيْهَا بَعَثَ السُّلْطَانُ طُغْرِلُ بنُ أَرْسَلاَنَ
بنِ طُغْرِلَ السَّلْجُوْقِيُّ أَنْ تُعَمَّرَ لَهُ دَارُ
المَمْلَكَةِ ليَنْزِلَ بِهَا، وَأَنْ يُخْطَبَ لَهُ،
فَهَدَّمَ النَّاصِرُ دَارَه وَردَّ رَسُوْلَه بِلاَ
جَوَابٍ، وَكَانَ ملكاً مُسْتضعفاً مَعَ المُلُوْكِ،
فَمَاتَ البَهْلَوَانُ، فَتمكّنَ، وَطَاشَ.
وَفِيْهَا فُتِحتِ القُدْسُ وَغَيْرُهَا، وَاندكَّتْ
مُلُوْكُ الفِرَنْجِ، وَكُسرُوا وَأُسرُوا، قَالَ
العِمَادُ: فُتحتْ سِتُّ مَدَائِنَ وَقلاعٍ فِي سِتِّ
جُمعٍ: جَبلَةُ وَاللاَّذِقِيَّةُ وَصهيونُ وَالشُّغْرُ
وَبكَاسُ وَسُرْمَانِيَّةُ، ثم أخذ حصن بَرْزَيَةَ
بِالأَمَانِ ثُمَّ رحلَ صَلاَحُ الدِّيْنِ -أَيَّدَهُ
اللهُ- إِلَى دربسَاكَ، فَتسلّمَهَا، ثُمَّ إِلَى
بَغْرَاسَ فَتسلّمَهَا، وَهَادنَ صَاحِبَ أَنطَاكيَةَ،
وَدَامَ الحصَارُ عَلَى الكَرَكِ وَالمطَاولَةُ،
فَسلّمُوهَا لجوعِهم، ثُمَّ أَعْطَوا الشّوبكَ
بِالأَمَانِ، ثُمَّ نَازل السُّلْطَان صَفَدَ.
وَفِي سَنَةِ 84: كَانَ صَلاَحُ الدِّيْنِ لاَ يَفترُ
وَلاَ يقرُّ عَنْ قِتَالِ الفِرَنْجِ.
وَسَارَ عَسْكَرُ النَّاصِرِ عَلَيْهِم الوَزِيْرُ ابْنُ
يُوْنُسَ فَعملَ المَصَافَّ مَعَ السُّلْطَانِ طُغْرِلَ،
فَانْهَزَمَ عَسْكَرُ النَّاصِرِ، وَتَقَاعسُوا، وَثبتَ
ابْنُ يُوْنُسَ فِي نَفَرٍ، بِيَدِهِ مُصحفٌ مَنْشُوْرٌ
وَسيفٌ مَشْهُوْرٌ، فَأَخَذَ رَجُلٌ بعِنَانِ فَرسِهِ
وَقَادَهُ إِلَى مخيَّمٍ فَأَنْزَلَهُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ
السُّلْطَانُ وَوزِيْرُه فَلزمَ مَعَهُم قَانُوْنَ
الوزَارَةِ، وَلَمْ يَقمْ، فَعجبُوا، وَلَمْ يَزَلْ
محترماً حَتَّى ردَّ، وَأَمَّا صَاحِبُ المرَآةِ فَقَالَ:
أُحضرَ ابْنُ يُوْنُسَ بَيْنَ يَدَي طُغْرِلَ، فَأَلْبَسَه
طرطوراً بِجَلَاجِلَ، وَتَمَزَّقَ العَسْكَرُ، وَسَارَ
قُزلُ أَخُو البَهْلَوَانِ فَهَزمَ طُغْرِلَ، وَمَعَهُ
ابْنُ يُوْنُسَ فَسَارَ إِلَى خِلاَطٍ، فَأَنْكَرَ
عَلَيْهِ بُكْتَمُرُ مَا فعله، قال: هم يؤوني، قَالَ:
فَأُطلقَ الوَزِيْرُ، فَمَا قدرَ يُخَالِفُه، فَجَهَّزَهُ
بُكْتَمُرُ بخيلٍ وَمَمَالِيْكٍ، فَردَّ ذَلِكَ، وَأَخَذَ
بغلينِ برجلين، وَسَارَ مَعَهُ غُلاَمُه فِي زِيِّ
صُوْفِيٍّ إِلَى المَوْصِلِ متنكِّراً، ثُمَّ ركبَ إِلَى
بَغْدَادَ فِي سفينة.
وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ: نَفذَ طُغْرِلُ
تُحَفاً وَهدَايَا، وَاعْتَذَرَ وَاسْتَغْفرَ.
وظهرَ ابْنُ يُوْنُسَ، فَولِيَ نَظَرَ المخزنِ، ثُمَّ عزلَ
بَعْدَ أَشهرٍ.
وَفِيْهَا وَفِي المُقْبِلَةِ: كَانَ الحصَارُ الَّذِي
لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ أَبَداً عَلَى عَكَّا، كَانَ
السُّلْطَانُ قَدِ افْتتحَهَا وَأَسكنَهَا المُسْلِمِيْنَ،
فَأَقْبَلتِ الفِرَنْجُ برّاً وَبَحْراً مِنْ كُلِّ فَجٍّ
عمِيْقٍ، فَأَحَاطُوا بِهَا، وَسَارَ صَلاَحُ الدِّيْنِ
فَيدفعُهُم فَمَا تَزعزعُوا وَلاَ فَكَّرُوا بل أنشأوا
سوراً وَخَنْدَقاً عَلَى معَسْكَرِهِم، وَجَرَتْ غَيْرُ
وَقْعَةٍ، وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ يَحتَاجُ بسطُ ذَلِكَ
إِلَى جزءٍ، وَامتدتِ المنَازلَةُ وَالمطَاولَةُ
وَالمُقَاتَلةُ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ شَهْراً، وَكَانَتِ
الأَمْدَادُ تَأْتِي العَدُوَّ مِنْ أَقْصَى البِحَارِ،
وَاسْتنجدَ صَلاَحُ
(16/172)
الدِّيْنِ بِالخَلِيْفَةِ وَغَيْرِهِ
حَتَّى أَنَّهُ نَفذَ رَسُوْلاً إِلَى صَاحِبِ المَغْرِبِ
يَعْقُوْبَ المُؤْمِنِيِّ يَسْتَجِيْشُه، فَمَا نَفعَ،
وَكُلُّ بلاَءِ النَّصَارَى ذهَابُ بَيْتِ المَقْدِسِ
مِنْهُم.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: لبسَ القسوس السَّوَادَ حزناً
عَلَى القُدْسِ، وَأَخَذَهُم بِتركِ القُدْسِ، وَركبَ
بِهِمُ البَحْرَ يَسْتَنفرُوْنَ الفِرَنْجَ، وَصَوَّرُوا
المَسِيْحَ وَقَدْ ضربَه النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجرحَه، فَعظمَ هَذَا المَنْظَرُ
عَلَى النَّصَارَى، وَحشدُوا وَجَمَعُوا مِنَ الرِّجَالِ
وَالأَمْوَالِ مَا لاَ يُحصَى، فَحَدَّثَنِي كردِيٌّ كَانَ
يُغِيرُ مَعَ الفِرَنْجِ بِحصنِ الأَكرَادِ أَنَّهُم
أَخَذُوهُ مَعَهُم فِي البَحْرِ، قَالَ: فَانْتَهَى بِنَا
الطَّوَافُ إِلَى رُوْميةَ، فَخَرَجْنَا مِنْهَا وَقَدْ
ملأْنَا الشّوَانِي الأَرْبَعَةَ فِضَّةً.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: فَخَرَجُوا عَلَى الصّعبِ
وَالذّلولِ برّاً وَبَحْراً، وَلَوْلاَ لطفُ اللهِ
بِإِهَلاَكِ ملكِ الأَلمَانِ، وَإِلاَّ لَكَانَ يُقَالُ:
إِنَّ الشَّامَ وَمِصْرَ كَانَتَا لِلمُسْلِمِيْنَ.
قُلْتُ: كَانَتْ عَسَاكِرُ العَدُوِّ فَوْقَ المائَتَيْ
أَلفٍ، وَلَكِنْ هلكُوا جوعاً وَوبَاءً، وَهلكتْ
دوَابُّهُم وَجَافتِ الأَرْضُ بِهِم، وَكَانُوا قَدْ
سَارُوا فَمرُّوا عَلَى جهَةِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ ثُمَّ
عَلَى مَمَالِكِ الرُّوْمِ تقتلُ وَتَسبِي، وَالتقَاهُ
سُلْطَانُ الرُّوْمِ فَكسرَه ملكُ الأَلمَانِ، وَهجمَ
قُوْنِيَةَ فَاسْتبَاحَهَا، ثُمَّ هَادنَه ابْنُ قِلْجَ
رسلاَنَ وَمَرُّوا عَلَى بلاَدِ سيسَ، وَوَقَعَ فِيهِمُ
الفَنَاءُ فَمَاتَ الملكُ وَقَامَ ابْنُه.
قُلْتُ: قُتلَ مِنَ العَدُوِّ فِي بَعْضِ المَصَافّاتِ
الكَبِيْرَةِ الَّتِي جرتْ فِي حِصَارِ عَكَّا فِي يَوْمٍ
اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً وَخَمْسُ مائَةٍ، وَالتَقَوا
مَرَّةً أُخْرَى، فَقُتِلَ مِنْهُم سِتَّةُ آلاَفٍ،
وَعَمَّرُوا عَلَى عكَّا بُرْجَيْنِ مِنْ أَخشَابٍ
عَاتيَةٍ، البرجُ سَبْعُ طَبَقَاتٍ فِيْهَا مسَامِيْرُ
كِبَارٌ يَكُوْنُ المِسْمَارُ نِصْفَ قنطَارٍ، وَصَفَّحُوا
البُرجَ بِالحديدِ، فَبقِيَ مَنْظَراً مهولاً، وَدَفَعُوا
البُرجَ بِبكرٍ تَحْتَه حَتَّى أَلصقوهُ بِسورِ عَكَّا،
وَبَقِيَ أَعْلَى مِنْهَا بِكَثِيْرٍ، فَسلّطَ عَلَيْهِ
أَهْلُ عكَّا المَجَانِيْقَ حَتَّى خلخلُوْهُ، ثُمَّ
رَمُوْهُ بقدرَةِ نَفطٍ، فَاشتعلَ مَعَ أَنَّهُ كَانَ
عَلَيْهِ لبودٌ منقوعَةٌ بِالخَلِّ تَمنعُ عَملَ النفطِ،
فَأُوْقِدَ، وَجَعَلَ الملاعِينُ يَرمُوْنَ نُفُوْسَهُم
مِنْهُ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، ثُمَّ عَملُوا
كَبْشاً عَظِيْماً، رَأْسُه قنَاطيرُ مقَنْطَرَةٌ مِنْ
حديدٍ؛ ليدفعُوْهُ عَلَى السُّوْرِ فَيخرقَه، فَلَمَّا
دحرجُوهُ وَقَاربَ السُّوْرَ، سَاخَ فِي الرملِ لعظمِه،
وَهدَّ الكِلاَبُ بدنَةً وَبُرجاً فَسدَّ المُسْلِمُوْنَ
ذَلِكَ وَأَحكمُوْهُ فِي لَيْلَةٍ، وَكَانَ السُّلْطَانُ
يَكُوْنُ أَوّلَ رَاكِبٍ وآخر نازل في هذين العَامَيْنِ،
وَمَرِضَ، وَأَشرفَ عَلَى التَّلَفِ، ثُمَّ عُوفِيَ.
قَالَ العِمَادُ: حُزِرَ مَا قُتِلَ مِنَ العَدُوِّ،
فَكَانَ أَكْثَرَ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ.
وَمِنْ إِنشَاءِ الفَاضِلِ إِلَى الدِّيْوَانِ وَهُم عَلَى
عَكَّا: يَمُدُّهُمُ البَحْرُ بِمَرَاكِبَ أَكْثَرَ مِنْ
أَمْوَاجِه، وَيَخْرُجُ لَنَا أَمَرَّ مِنْ أُجَاجِه،
وَقَدْ زَرَّ هَذَا العَدُوُّ عَلَيْهِ مِنَ الخنَادقِ
دُرُوْعاً، وَاسْتجنَّ مِنَ الجنونَاتِ
(16/173)
بِحصُوْنٍ، فَصَارَ مُصحرّاً ممتنِعاً
حَاسِراً مدرَّعاً، وَأَصْحَابُنَا قَدْ أَثَّرَتْ فِيهِمُ
المُدَّةُ الطَّوِيْلَةُ فِي اسْتطَاعتِهِم لاَ فِي
طَاعتِهِم، وَفِي أَجْوَالِهِم لاَ فِي شَجَاعَتِهِم
فَنَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصَابَةُ،
وَنرجُو عَلَى يَدِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ الإِجَابَةَ،
وَقَدْ حرَّمَ بَابَاهُم -لَعَنَهُ اللهُ- كُلَّ مُبَاحٍ،
وَاسْتَخْرَجَ مِنْهُم كُلَّ مَذْخُورٍ، وَأَغلَقَ
دُونَهُمُ الكَنَائِسَ، وَلبسُوا الحِدَادَ، وَحَكَمَ أَنْ
لاَ يَزَالُوا كَذَلِكَ أَوْ يَسْتَخلصُوا المَقْبَرَةَ،
فَيَا عَصَبَةَ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- اخْلُفْهُ فِي أُمَّتِه بِمَا تَطمئنُّ بِهِ
مضَاجِعُه، وَوَفِّهِ الحَقَّ فِيْنَا، فَهَا نَحْنُ
عِنْدَك وَدَائِعُه، وَلَوْلاَ أَنَّ فِي التَّصرِيحِ مَا
يَعُوْدُ عَلَى العدَالَةِ بِالتّجرِيحِ لقَالَ الخَادِمُ
مَا يُبْكِي العُيُونَ وَيُنكِي القُلوبَ، وَلَكِنَّهُ
صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ وَللنّصرِ مُرتقِبٌ، رَبِّ لاَ أَملكُ
إلَّا نَفْسِي وهاهي في سبيلك مبذوله، وأخي وقد هاجر
هِجْرَةً نَرجوهَا مَقْبُوْلَةً، وَوُلْدِي وَقَدْ بذلتُ
لِلْعدوِّ صفحَاتِ وُجُوْهِهِم، وَنقفُ عِنْد هَذَا الحدِّ
وَللهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ".
وَمِنْ كتاب إِلَى الدِّيْوَانِ: قَدْ بُلِيَ الإِسْلاَمُ
مِنْهُم بِقَوْمٍ اسْتطَابُوا المَوْتَ، وَفَارقُوا
الأَهْلَ طَاعَةً لقسيسِهِم، وَغِيرَةً لِمَعْبَدِهِم،
وَتهَالُكاً عَلَى قُمَامتِهِم، حَتَّى لسَارَتْ ملكَةٌ
منهم بخمس مائة مقائل التّزمتْ بنفقَاتِهِم، فَأَخَذَهَا
المُسْلِمُوْنَ برِجَالهَا بِقُرْبِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ،
فَذوَاتُ المقَانِعِ مقنَّعَاتٌ دَارعَاتٌ تحمل الطّوَارقَ
وَالقبطَارِيَاتِ، وَوجدْنَا مِنْهُم عِدَّةً بَيْنَ
القَتْلَى، وَبَابَا روميةَ حَكَمَ بِأَنَّ مَنْ لاَ
يَتوجَّهُ إِلَى القُدْسِ فَهُوَ مُحرَّمٌ لاَ مَنْكِحَ
لَهُ وَلاَ مَطْعَمَ، فَلِهَذَا يَتهَافتُوْنَ عَلَى
الوُرودِ وَيَتهَالكُوْنَ عَلَى يَوْمِهِمُ الموعُوْدِ،
وَقَالَ لَهُم: إِنَّنِي وَاصِلٌ فِي الرَّبِيْعِ جَامِعٌ
عَلَى اسْتنفَارِ الجَمِيْعِ، وَإِذَا نَهَضَ فَلاَ يَقعدُ
عَنْهُ أَحَدٌ، وَيَقْبَلُ مَعَهُ كُلُّ مَنْ قَالَ: للهِ
وَلَدٌ.
وَمِنْ كِتَابٍ: وَمَعَاذَ اللهِ أَنْ يَفتحَ اللهُ
عَلَيْنَا البِلاَدَ ثُمَّ يغلقُهَا، وَأَنْ يُسلمَ عَلَى
يَدَيْنَا القُدْسَ ثُمَّ ننصرَه، ثُمَّ مَعَاذَ اللهِ أَن
نغلبَ عَنِ النَّصْرِ أَوْ أَنْ نُغْلَبَ عَنِ الصَّبْرِ:
{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ
الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد: 35] .
وَلَسْتُ بِقَرْمٍ هَازِمٍ لِنَظِيرِهِ ... وَلَكِنَّهُ
الإِسْلاَمُ لِلشِّرْكِ هَازمُ
إِلَى أَنْ قَالَ: وَالمَشْهُوْرُ الآنَ أَنَّ ملكَ
الأَلمَانِ خَرَجَ فِي مائَتَيْ أَلفٍ، وَأَنَّهُ الآن في
دون خمسة آلاف.
وَخَرَجَ جَيْشُ الخَلِيْفَةِ عَلَيْهِم نَجَاحٌ إِلَى
دقوقَا؛ لِحَرْبِ طُغْرِلَ، فَقَدِمَ بَعْدَ أَيَّامٍ
وَلدُ طُغْرِلَ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ يَطلبُ العفوَ عَنْ
أَبِيْهِ.
سَنَة سَبْعٍ وَثَمَانِيْن اشتدَّتْ مُضَايقَةُ العَدُوِّ
عَكَّا وَأَمْدَادُهُم مُتَوَاتِرَةٌ، فَوَصَلَ مَلِكُ
الإِنْكِيْتَرِ، وَقَدْ مرَّ بقُبْرُصَ، وَغدرَ
بِصَاحِبهَا، وَتَملَّكَهَا كُلَّهَا، ثُمَّ سَارَ إِلَى
عَكَّا فِي خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ قطعَةً، وَكَانَ مَاكراً،
دَاهِيَةً، شُجَاعاً، فَخَارت قُوَى مَنْ بِهَا مِنَ
المُسْلِمِيْنَ، وَضَعُفُوا بِخُرُوْجِ أَمِيْرَيْنِ
(16/174)
مِنْهَا فِي شينِي، وَقَلقُوا، فَبَعَثَ
إِلَيْهِم السُّلْطَانُ: أَنِ اخْرُجُوا كُلُّكُم مِنَ
البَلَدِ عَلَى حَمِيَّةٍ، وَسيرُوا مَعَ البَحْرِ
وَاحْمِلُوا عَلَيْهِم وَأَنَا أَجيئُهُم مِنْ وَرَائِهِم،
وَأَكشِفُ عَنْكُم. فَشرعُوا فِي هَذَا فَمَا تَهَيَّأَ
ثُمَّ خَرَجَ أَمِيْرُ عَكَّا ابْنُ المَشْطُوْب إِلَى
مَلِكِ الفِرَنْجِ وَطلبَ الأَمَانَ فَأَبَى، قَالَ:
فَنَحْنُ لاَ نُسلِّمُ عَكَّا حَتَّى نُقتَلَ جَمِيْعاً
وَرَجِعَ، فَزحفَ العَدُوُّ عَلَيْهَا، وَأَشرفُوا عَلَى
أَخْذِهَا فَطَلبَ المُسْلِمُوْنَ الأَمَانَ عَلَى أَنْ
يُسلّمُوا عَكَّا وَمائَتَيْ أَلْفِ دِيْنَارٍ وَخَمْسَ
مائَةِ أَسيرٍ وَصَليبَ الصَّلبوتِ فَأُجِيبُوا،
وَتَمَلَّكَ العَدُوُّ عَكَّا فِي رَجَبٍ وَوَقَعَ
البُكَاءُ وَالأَسفُ عَلَى المُسْلِمِيْنَ، ثُمَّ سَارَتِ
الفِرَنْجُ تَقصدُ عَسْقَلاَنَ، فَسَارَ السُّلْطَانُ فِي
عرَاضهِم، وَبَقِيَ اليَزَكُ يَقْتَتِلُوْنَ كُلَّ وَقتٍ،
ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ نَهْرِ القَصَبِ، ثُمَّ وَقْعَةُ
أَرْسُوْفَ، فَانْتصرَ المُسْلِمُوْنَ، وَأَتَى صَلاَحُ
الدِّيْنِ عَسْقَلاَنَ فَأَخلاَهَا، وَشرعَ فِي هَدمِهَا،
وَهَدمَ الرَّمْلَةَ وَلُدَّ، وَشرعتِ الفرنج فِي عِمَارَة
يَافَا، وَطَلَبُوا الهدنَةَ، ثُمَّ جرتْ وَقعَاتٌ
صِغَارٌ، وَقصدتِ المَلاعِينُ بَيْتَ المَقْدِسِ وَبِهَا
السُّلْطَانُ، فَبَالغَ فِي تَحْصِيْنِهَا.
وَفِيْهَا وُلِّيَ الأُسْتَاذُ دَارِيَة ابْنُ يُوْنُسَ
الَّذِي كَانَ وَزِيْراً.
وَفِيْهَا ظَهَرَ السُّهْرَوَرْدِيُّ السَّاحرَ بِحَلَبَ،
وَأَفتَى الفُقَهَاءُ بِقَتْلِهِ، فَقتِلَ بِالجوعِ،
وَأُحرقَتْ جثَّتُهُ، وَكَانَ سيمَاوياً فَيلسوَفاً
مُنحلاًّ.
وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ
شَرَعَتِ الفِرَنْجُ فِي بِنَاءِ عَسْقَلاَن.
وَالتَقَى شِهَابُ الدِّيْنِ الغُوْرِيُّ عَسَاكِرَ
الهِنْدِ، فَهَزمَهُم، وَقَتَلَ ملكَهُم فِي الوقعَةِ.
وَكبَسَ الإِنكيتر فِي الرَّملِ عَسْكَراً مِنَ
المِصْرِيّينَ، وَقفلا فَاسْتبَاحَهُم، فَللَّهِ الأَمْرِ،
ثُمَّ انعقدَتِ الهدنَةُ ثَلاَثَ سِنِيْنَ وَثَمَانِيَةَ
أَشهرٍ، وَدَخَلَ فِيْهَا السُّلْطَانُ وَهُوَ يَعضُّ
يَدَهُ حَنَقاً، وَلَكِنْ كَثُرَتْ عَلَيْهِ الفِرَنْجُ
وَملَّ جندَهُ وَحَلَفَ عَلَى الصُّلحِ عِدَّةٌ مِنْ
مُلُوْكِ المُسْلِمِيْنَ مَعَ السُّلْطَانِ، وَعِدَّةٌ
مِنْ مُلُوْكِ الفِرَنْجِ.
وَفِيْهَا قتلَ صَاحِب الرُّوْمِ قِلْج أَرْسَلاَن
السَّلْجُوْقِيّ، وَقُتِلَ بُكْتَمُر صَاحِب خِلاَطٍ عَلَى
يَدِ الإِسْمَاعِيْلِيَّةِ.
وَسَارَ السُّلْطَانُ طُغْرِلَ، فَبَدَّعَ فِي الرَّيِّ،
وَقَتَلَ بِهَا خلقاً مِنَ المُسْلِمِيْنَ، وَعَادَ إِلَى
هَمَذَان، فَبطل نِصْفه.
وَفِيْهَا افْتَتَحَ سُلْطَانُ غَزْنَةَ شِهَابُ الدِّيْنِ
فِي بلاَدِ الهند.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: انْقضَّ كَوْكَبَانِ عَظِيْمَانِ
اضطرمَا، وسمع صوت هزة عَظِيْمَةٍ، وَغلبَ ضوؤهُمَا ضوءَ
القَمَرِ وَالنَّهَارِ، وَذَلِكَ بَعْدَ طُلُوْعِ
الفَجْرِ.
(16/175)
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ السُّلْطَانُ صَلاَحُ
الدِّيْنِ، وَكَانَتْ دَوْلَتُهُ أَزْيَدَ مِنْ
عِشْرِيْنَ.
وَفِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ: كَانَتِ الحَرْبُ تَسْتَعِرُ
بَيْنَ شِهَابِ الدِّيْنِ الغُوْرِيِّ وَبَيْنَ سُلْطَانِ
الهِنْدِ بنَارس، قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: فَالتَقَوا
عَلَى نَهْرِ مَاخُونَ، وَكَانَ مَعَ الهندِيِّ سَبْعُ
مائَةِ فِيلٍ، وَمِنَ العَسْكَرِ عَلَى مَا قِيْلَ: أَلفُ
أَلفِ نَفْسٍ، وَفِيهِم عِدَّةُ أُمَرَاء مُسْلِمِيْن،
فَنُصِرَ شِهَابُ الدِّيْنِ، وَكثُرَ القتلُ فِي
المُشْرِكِيْنَ حَتَّى جَافَتْ مِنْهُمُ الأَرْضُ،
وَقُتِلَ بنَارس، وَعُرِفَ بِشدِّ أَسْنَانِهِ
بِالذَّهَبِ، وَغَنِمَ شِهَابُ الدِّيْنِ تِسْعِيْنَ ألفًا
فِيْهَا فِيلٌ أَبيضُ، وَمِنْ خَزَائِنِ بنَارس أَلْفاً
وَأَرْبَعَ مائَةِ حملٍ.
وَبَعَثَ النَّاصِرُ إِلَى خُوَارِزْم شَاه، ليحَاربَ
طُغْرِلَ، فَبَادرَ وَالتقَاهُ فَهَزمَهُ، وَقتلَهُ وَنهبَ
خزَانتَهُ، وَهَزَمَ جَيْشَهُ، وَنفذَ الرَّأْسَ إِلَى
بَغْدَادَ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: وَسَيَّرَ النَّاصِرُ لخُوَارِزْم
شَاه نَجدَةً وَسيَّرَ لَهُ مَعَ وَزِيْرِهِ المُؤَيَّدِ
ابْنِ القَصَّابِ خِلَعَ السَّلطنَةِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ
المُؤَيَّدُ بَعْدَ الوقعَةِ: احضُرْ إِلَيَّ لِتَلْبِسَ
الخِلْعَةَ، وَتردَّدَتِ الرسل، وقيل لخوارزشاه: إِنَّهَا
حِيْلَةٌ لِتُمْسَكَ، فَأَقْبل ليَأْخذ ابْن القَصَّابِ،
ففر إلى جبل حماه.
وَعُزِلَ مِنَ الأُسْتَاذِ دَارِيَة ابْن يُوْنُسَ،
وَحُبِسَ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَوُلِّيَ مَكَانُهُ التَّاجُ
بنُ رَزِيْنَ.
وَقُتِلَ أَلب غَازِي مُتَوَلِّي الحِلَّةِ.
وَفِيْهَا افْتَتَحَ ابْنُ القَصَّابِ بلاَدَ
خُوْزِسْتَانَ.
وَوَقَعَ الرِّضَى عَنْ بنِي الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ،
وَسُلِّمَ ابْنُ الجَوْزِيِّ إِلَى أَحَدِهِم، فَذَهَبَ
بِهِ إِلَى وَاسِطَ فَسَجَنَهُ بِهَا خَمْسَ سِنِيْنَ.
وَتَمَلَّكَ مِصْرَ بَعْدَ السلطان ابنه عبد العَزِيْزُ،
وَدِمَشْقَ ابْنُهُ الأَفْضَلُ، وَحَلَبَ ابْنُهُ
الظَّاهِرُ، وَالكَرَكَ وَحَرَّانَ وَموَاضِعَ أَخُوْهُ
العَادلُ.
وَفِيْهَا جَاءَ يُحَاصِرُ الأَفْضَلَ بِدِمَشْقَ، ثُمَّ
جَاءَ عمُّهُمَا ليُصْلِحَ بينهما، وكان داهية، فلعب بها
إِلَى أَنْ مَاتَ العَزِيْزُ، فَتَمَلَّكَ هُوَ مِصْرَ،
وَطرَدَ عَنْ دِمَشْقَ الأَفْضَلَ إِلَى سُمَيْسَاطَ
فَقنعَ بِهَا، وَلَوْلاَ أَنَّ الظَّاهِرَ كَانَ زوجَ
بِنْتِهِ لأَخَذَ مِنْهُ حَلَبَ، وَكَانَ الأَفْضَلُ
صَاحِبَ شُرْبٍ وَأَغَانٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَصْبَحَ يَوْماً
تَائِباً أَرَاقَ الخُمُوْرَ وَلَبِسَ الخَشِنَ وَتعبَّدَ
وَصَامَ وَجَالَسَ الصُّلَحَاءَ، ونسخ مصحفٍ، وَلَكِنَّهُ
كَانَ قَلِيْلَ السَّعَادَةِ.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ: اسْتولَى ابْنُ
القَصَّابِ عَلَى هَمَذَانَ فَضُرِبَتِ الطُّبُولُ
بِبَغْدَادَ، وَعظُمَ ابْنُ القَصَّابِ وَنَفَّذَ إليه
خوارزم شاه يتوعد لَمَّا عَاثَ بِأَطرَافِ بلاَدِهِ، ثُمَّ
مَاتَ ابْنُ القَصَّابِ، وَأَقْبَلَ خُوَارِزْم شَاه
فَهَزمَ جَيْشَ الخَلِيْفَةِ وَنبَشَ الوَزِيْر مُوهِماً
أَنَّهُ قُتِلَ فِي المَصَافِّ.
(16/176)
وفيها حدد العَزِيْزُ هُدْنَةً مَعَ
كُنْدَهْرِي طَاغِيَةِ الفِرَنْجِ فَمَا لَبِثَ الكَلْبُ
أَنْ سقطَ مِنْ مَوْضِعٍ بعكَّا، فَمَاتَ، وَاختلَّتْ
أَحْوَالُ الفِرَنْجِ قَلِيْلاً، وَأَقْبَلَ الأَفْضَلُ
عَلَى التَّعبُّدِ وَدبَّرَ ملكَهُ ابْنُ الأَثِيْرِ
ضِيَاءُ الدِّيْنِ، فَاختلَّتْ بِهِ الأَحْوَالُ.
وَكَانَتْ بِالأَنْدَلُسِ المَلْحَمَةُ العُظْمَى،
وَقْعَةُ الزَّلاَّقَةِ بَيْنَ يَعْقُوْبَ وَبَيْنَ
الفُنْشِ الَّذِي اسْتولَى عَلَى بلاَدِ الأَنْدَلُسِ،
فَأَقْبَلَ اللَّعِينُ فِي مائَتَيْ أَلفٍ، وَعرضَ
يَعْقُوْبُ جندَهُ فَكَانُوا مائة ألف مرتزقة، ومئة أَلْفٍ
مطَّوّعَةٍ، عدوا البَحْرَ إِلَى الأَنْدَلُسِ فَنَزَلَ
النَّصْرُ وَنجَا قَلِيْلٌ مِنَ العَدُوِّ؛ قَالَ أَبُو
شَامَةَ: عِدَّةُ القَتْلَى مائَةُ أَلْفٍ وَسِتَّةٌ
وَأَرْبَعُوْنَ أَلْفاً، وَأُسِرَ ثَلاَثُوْنَ أَلْفاً،
وَأُخِذَ مِنْ خِيَامِهِم مائَةُ أَلْفِ خيمَةٍ
وَخَمْسُوْنَ أَلْفاً، وَمِنَ الخيلِ ثَمَانُوْنَ أَلفِ
رَأْسٍ، وَمِنَ البغَالِ مائَةُ أَلْفٍ، وَمِنَ الحمِيْرِ
الَّتِي لأَثقَالِهِم أَرْبَعُ مائَةِ أَلْفٍ، وَبِيْعَ
الأَسيرُ بِدِرْهَمٍ، وَالحصَانُ بخَمْسَةٍ، وَقَسَمَ
السُّلْطَانُ الغَنِيْمَةَ عَلَى الشَّرِيعَةِ،
وَاسْتَغْنَوا. وَكَانَتِ المَلْحَمَةُ يَوْمَ تاسع
شَعْبَانَ.
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ:
فِيْهَا أُطلقَ طَاشتكين أَمِيْر الحَاجّ وَأَعْطَي
خُوْزِسْتَان.
وَفِيْهَا حَاصرَ العَزِيْزُ دِمَشْقَ ثَالِثاً، وَمَعَهُ
عَمُّهُ فَتملَّكَهَا وَذلَّ الأَفْضَلَ. وَأَقْبَلَ
خُوَارِزْم شَاه ليتَمَلَّكَ بغداد.
وَفِيْهَا التَقَى الفُونشُ، وَيَعْقُوْبُ ثَانِياً
فَانْكَسَرَ الفُنش، وساق يعقوب خلفه إلى طليطلة ونازلها
وضربه بِالمِنْجَنِيْق، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَخْذَهَا،
فَخَرَجَ إِلَيْهِ أُمُّ الفُنش وَبنَاتُهُ يَبكينَ
فَرَقَّ لهُنَّ وَمَنَّ عليهِنَّ وَهَادَنَ الفُنش، لأَنَّ
ابْنَ غَانِيَةَ غلبَ عَلَى أَطرَافِ المَغْرِبِ فَتفرَّغَ
يَعْقُوْبُ لَهُ.
وَفِيْهَا كَتَبَ الفَاضِلُ إِلَى القَاضِي مُحْيِي
الدِّيْنِ ابْنِ الزَّكِيِّ:
وَمِمَّا جَرَى بَأْسٌ مِنَ اللهِ طَرَقَ وَنَحْنُ
نِيَامٌ، وَظُنَّ أَنَّهُ السَّاعَة، وَلاَ يَحسبُ
المَجْلِسَ أَنِّي أَرْسَلتُ القلمَ مُحَرَّفاً وَالقَوْلَ
مُجَزَّفاً، فَالأَمْرُ أَعْظَمُ؛ أَتَى عَارضٌ فِيْهِ
ظلمَات متكَاثفَة، وَبرُوْقٌ خَاطفَةٌ، وَرِيَاحٌ
عَاصفَةٌ، قوِي أُلْهُوبُهَا، وَاشتدَّ هُبُوبُهَا،
وَارتفعتْ لَهَا صعقَاتٌ، وَرَجَفَتِ الجُدُرُ،
وَاصطَفَقَتْ وَتلاَقَتْ وَاعتنقَتْ، وَثَارَ عجَاجٌ
فَقِيْلَ: لَعَلَّ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ قَدِ انْطَبَقَتْ،
فَفَرَّ الخلقُ مِنْ دُوْرِهِم يَسْتَغِيثُونَ، قَدِ
انْقَطَعَتْ عُلُقُهُم، وَعمِيَتْ عَنِ النَّجَاةِ
طُرُقُهُم، فَدَامَتْ إِلَى الثُّلُثِ الأَخِيْرِ،
وَتَكسَّرَتْ عِدَّةُ مَرَاكِبَ. إِلَى أَنْ قَالَ:
وَالخطبُ أَشقُّ، وَمَا قضيتُ بِغَيْرِ الحَقِّ.
وَفِيْهَا أَخذتِ الفِرَنْجُ بَيْرُوْتَ، وَهَرَبَ
مُتَوَلِّيهَا سَامَةُ.
(16/177)
وَفِي سَنَةِ 94: تَملَّكَ خُوَارِزْم شَاه
بُخَارَى، أَخَذَهَا مِنْ صَاحِبِ الخَطَا بَعْدَ حُرُوْبٍ
عَظِيْمَةٍ.
وَفِي سَنَةِ 95: حَاصرَ خُوَارِزْم شَاه الرَّيَّ،
وَكَانَ عَصَى عليه نائبه بها، فظفر بِهِ، وَنفذَ إِلَيْهِ
النَّاصِرَ تَقليداً بِالسَّلطنَةِ، فَلَبِسَ الخِلْعَةَ،
وَحَاصَرَ أَلموتَ، فَوَثَبَ باطنِيٌّ عَلَى وَزِيْرِهِ
فَقَتَلَهُ، وَقَتلُوا رَئِيْسَ الشَّافِعِيَّةِ صَدْرَ
الدِّيْنِ ابْنَ الوَزَّانِ.
وَمَاتَ سُلْطَانُ المَغْرِبِ يَعْقُوْبُ، فَتَمَلَّكَ
وَلدُهُ مُحَمَّدٌ.
وَمَاتَ صَاحِبُ مِصْرَ الملكُ العَزِيْزُ صَلاَحُ
الدِّيْنِ، وَأَقْبَلَ الأَفْضَلُ مِنْ صَرْخَدٍ إِلَى
مِصْرَ، فَدبَّرَ دَوْلَةَ عَلِيِّ ابْنِ العَزِيْزِ،
ثُمَّ سَارَ بِالجَيْشِ، وَنَازلَ عَمَّهُ العَادلَ
بِدِمَشْقَ، وَأَحرَقَ الحوَاضِرَ، وَكَادَ أَنْ يَملِكَ،
وَضَايَقَ البلدَ أَشْهُراً، وَجَاءت النجدة العادل فكسبوا
المِصْرِيّينَ، وَضَعفَ أَمرُ الأَفْضَلِ.
سَنَة 96: مَاتَ السُّلْطَانُ عَلاَءُ الدِّيْنِ تُكُشُ
بنُ آتْسِز خُوَارِزْمشَاه، وَتسلْطَنَ بَعْدَهُ ابْنُهُ
مُحَمَّدٌ.
وَاشتدَّ الحصَارُ عَلَى دِمَشْقَ، وَتَمحَّقَتْ خَزَائِنُ
العَادلِ عَلَى العَسْكَرِ، وَاسْتدَانَ، وَاشتدَّ
الغلاَءُ وَالبَلاَءُ بِدِمَشْقَ، وَأَقْبَلَ الشِّتَاءُ،
فَترحَّلَ الأَفْضَلُ وَالظَّاهِرُ، فَبَادَرَ العَادلُ
وَقصدَ الأَفْضَلَ فَأَدْرَكَهُ بِالغُرَابِيِّ، وَدَخَلَ
القَاهِرَةَ وَتَمَكَّنَ وَردَّ الأَفْضَلَ منَحْوساً
إِلَى صَرْخَدٍ بَعْدَ مَصَافٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
عَمِّهِ، ثُمَّ اسْتنَابَ العَادلُ بِمِصْرَ وَلدَهُ
الكَامِلَ، وَعزلَ المَنْصُوْر عَلِيّ ابْن العَزِيْزِ،
وَقَالَ: هَذَا صَبِيٌّ يُرِيْدُ المَكْتَبَ.
وَنقصَ النِّيلُ وَوَقَعَ القَحطُ، وَهَلَكَ أَهْلُ
مِصْرَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الآيَاتِ الكِبَارِ فَإِنَّ
النِّيلَ كسر مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ ذرَاعاً سِوَى
ثَلاَثَة أَصَابع.
وَدَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ، وَالبَلاَءُ شَدِيدٌ، وأكلوا
الجيف، ولجوم الآدميين، وجرى ما لا يعبر عنه.
قَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: وَعُدِمَ البَيْضُ،
وَلَمَّا وُجِدَ بِيْعَتِ البيضَةُ بِدِرْهَمٍ، وَبيعَ
فَرُّوجٌ بِمائَةٍ، وَبيعَ مُدَيدَة بدِيْنَارٍ، وَالَّذِي
دَخَلَ تَحْتَ قَلَمِ الحُشْرِيَّةِ مِنَ الموتَى فِي
اثْنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ شَهْراً مائَةُ أَلْفٍ وَأَحَدَ
عشرَ أَلْفاً إلَّا شَيْئاً يَسيراً وَهُوَ نَزْرٌ فِي
جَنْبِ مَا هَلَكَ بِمِصْرَ وَالحوَاضرِ، وَكلُّهُ نَزرٌ
فِي جَنْبِ مَا هَلَكَ بِالإِقْلِيْمِ، وَسَمِعنَا مِنْ
ثِقَاتٍ عَنِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ أن الإمام صلى يوم
الجمعة عَلَى سَبْعِ مائَةِ جَنَازَةٍ. ثُمَّ سَاقَ
عِدَّةَ حِكَايَاتٍ فِي أَكْلِ لُحُوْمِ بنِي آدَمَ،
وَتَمَّتْ زَلْزَلَةٌ فَكَانَتْ حَرَكَتُهَا
كَالغَرْبَلَةِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، قَالَ: فَصحَّ
عِنْدِي أَنَّهَا حَرَّكَتْ مِنْ قُوصٍ إلى الشام،
(16/178)
وَتعفَّتْ بلاَدٌ كَثِيْرَةٌ، وَهَلَكَ
أُمَمٌ لاَ تُحصَى، وَأَنْكَتْ فِي بلاَدِ الفِرَنْجِ
أَكْثَرَ، وَسَمِعنَا أَنَّهَا وَصلَتْ إِلَى خِلاَطٍ،
وَجَاءنِي كِتَابٌ مِنَ الشَّامِ فِيْهِ: كَادَتْ لَهَا
الأَرْضُ تسيرُ سَيْراً وَالجِبَالُ تَمورُ مَوْراً، وَمَا
ظَنَنَّا إلَّا أَنَّهَا زَلْزَلَةُ السَّاعَةِ، وَأَتَتْ
دُفْعَتَينِ: الأُوْلَى مِقْدَارَ سَاعَةٍ أَوْ أَزْيَدَ،
وَالثَّانِيَةُ دُوْنَ ذَلِكَ لَكِنْ أَشدُّ. وَفِي
كِتَابٍ آخرَ: دَامَتْ بقدَرِ مَا قرَأَ سُوْرَةَ الكهفِ،
وَأَنَّ صَفَدَ لَمْ يَسلَمْ بِهَا سِوَى وَلدِ
صَاحِبِهَا..".
قُلْتُ: فِي هَذَا الكِتَابِ خسفٌ وَإِفكٌ، وَفِيْهِ أَنَّ
عِرقَةَ وَصَافِيثَا خُسِفَ بِهِمَا.
وقال أبو شامة: في شَعْبَانَ جَاءتْ زَلْزَلَةٌ عَمَّتِ
الدُّنْيَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَهدمَتْ نَابُلُسَ،
فَمَاتَ تَحْتَ الهَدْمِ ثَلاَثُوْنَ أَلْفاً، وَهدمَتْ
عكَّا وَصُوْرَ وَجَمِيْعَ قلاعِ السَّاحِلِ.
قُلْتُ: وَهَذِهِ مُجَازفَةٌ ظَاهِرَةٌ.
قَالَ: وَرُمَّتْ بَعْضُ المنارة الشرقية، وأكثر الكلاسة
والمارستان وعامة دورِ دِمَشْقَ، وَهَرَبَ النَّاسُ إِلَى
المِيَادِيْنِ، وَسقطَ مِنَ الجَامِعِ سِتَّةَ عشرَ
شُرْفَةً، وَتشقَّقَتْ قُبَّةُ النَّسْرِ. إِلَى أَنْ
قَالَ -وَالعُهْدَةُ عَلَيْهِ: وَأُحْصِيَ مَنْ هَلَكَ فِي
هَذِهِ السَّنَةِ فَكَانَ أَلفَ أَلفٍ وَمائَةَ أَلْفِ
إِنْسَانٍ. ثُمَّ قَالَ: نقَلْتُ ذَلِكَ مِنْ تَارِيخِ
أَبِي المُظَفَّرِ سِبْطِ ابْنِ الجَوْزِيِّ.
وَكَانَتْ خُرَاسَانُ فِي هَيْجٍ وَحُرُوْبٍ عَلَى
المُلكِ، وَالتَقَى جَيْشُ السُّلْطَانِ غِيَاثِ الدِّيْنِ
الغُوْرِيِّ كفار، فَانْهَزَمَ الكُفَّارُ.
وَأَنْبَأَنِي ابْنُ البُزُوْرِيِّ فِي تَارِيْخِهِ،
قَالَ: زُلْزِلَتِ الجَزِيْرَةُ وَالشَّامُ وَمِصْرُ،
فَتخرَّبَتْ أَمَاكنُ كَثِيْرَةٌ جِدّاً بِدِمَشْقَ
وَحِمْصَ وَحَمَاةَ، وَاسْتَوْلَى الخرَابُ عَلَى صُوْرٍ
وَعكَا وَنَابُلُسَ وَطَرَابُلُسَ، وَانخسفَتْ قَرْيَةٌ،
وَخَرِبَتْ عِدَّةُ قلاعٍ.
وَحَارَبَ المُعِزُّ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ سَيْفِ
الإِسْلاَمِ صَاحِبُ اليَمَنِ عَلَويّاً خَرَجَ عَلَيْهِ
فَهَزمَ العَلَوِيّ وَقتلَ مِنْ جندِهِ سِتَّةَ آلاَفٍ،
وَقهرَ الرَّعِيَّةَ، وَادَّعَى أَنَّهُ أُمَوِيٌّ،
وَتَسَمَّى بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.
وَقَدِمَ مُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ، وَكَانَ قَدْ بُعِثَ
رَسُوْلاً مِنَ النَّاصِرِ إِلَى الغُوْرِيِّ.
وَنُدِبَ طَاشتكين لِلْحَجِّ، وَلمُحَارَبَة المُعِزِّ
بِاليَمَنِ، فَبَعَثَ إِلَى أُمَرَاءَ يُنْذِرُهُم
وَيَحضُّهُم عَلَى طَاعَةِ الإِمَامِ، فَشدُّوا عَلَى
المُعِزِّ فَقتلُوْهُ.
سَنَةُ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ: تَنَاقَصَ الفنَاءُ بِمِصْرَ
لقلَّةِ مَنْ بَقِيَ، فَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ كَبِيْرَةٍ
لَمْ يَبْقَ بِهَا بَشَرٌ، حَتَّى لِنَقَلَ بَعْضُهُم
أَنَّ بَلَداً كَانَ بِهَا أَرْبَعُ مائة نزل للنساجة لم
يبق بها أحد.
(16/179)
وَأَرَّخَ العِزُّ النَّسَّابَةُ خَبَرَ
الزَّلْزَلَةِ فِيْهَا، فَوَهِمَ، وَقَالَ: هِيَ
الزَّلْزَلَةُ العُظْمَى الَّتِي هَدَمَتْ بلاَدَ
السَّاحِلِ صُوْرَ وَطَرَابُلُسَ وَعِرقَةَ، وَرَمتْ
بِدِمَشْقَ رُؤُوْسَ المآذنِ، وَأَهْلكَتِ اثْنَيْنِ
بِالكلاَّسَةِ.
سَنَة 599: قَالَ لَنَا ابْنُ البُزُوْرِيِّ: مَاجَتِ
النُّجُوْمُ، وَتطَايرَتْ كَالجَرَادِ، وَدَامَ ذَلِكَ
إِلَى الفَجْرِ، وَضجَّ الخلقُ إِلَى اللهِ.
وَمَاتَ سُلْطَانُ غَزْنَةَ غِيَاثُ الدِّيْنِ، وَقَامَ
بَعْدَهُ أَخُوْهُ شِهَابُ الدِّيْنِ.
وَأَبعدَ العَادلُ ابْنَ ابْنِ أَخِيْهِ المَنْصُوْرَ
العَزِيْزَ إِلَى الرُّهَا، وَحَاصَرَ مَارْدِيْنَ، ثُمَّ
صَالَحَهُ صَاحِبُهَا عَلَى حملِ مائَةٍ وَخَمْسِيْنَ
أَلْفَ دِيْنَارٍ فِي العَامِ، وَأَنْ يَخطبَ لَهُ،
وَالتَقَى صَاحِبُ حَمَاةَ المَنْصُوْرُ الفِرَنْجَ
مرَّتينِ وَيهزمُهُم.
وَفِي سَنَةِ سِتِّ مائَةٍ: التَقَى الأَشْرَفُ ابْنُ
العَادلِ وَصَاحِبُ المَوْصِلِ نُوْرُ الدِّيْنِ فَكسرَهُ
الأَشْرَفُ، وَأَسَرَ أُمَرَاءهُ ثُمَّ اصطلحَا،
وَتَزَوَّجَ الأَشْرَفُ بِالأَتَابَكيَّةِ أُخْتِ نُوْرِ
الدِّيْنِ.
وَدَخَلَتِ الفِرَنْجُ فِي النِّيلِ فَاسْتبَاحُوا فوّة
يَوْمِ العِيْدِ.
وَنَازلَ صَاحِبُ سيسَ أَنطَاكيَةَ وَجدَّ فِي حصَارِهَا،
ثُمَّ ترحَّلَ خَوْفاً مِنْ عَسْكَرِ حَلَبَ، ثُمَّ بَعْدَ
أَيَّامٍ أَقْبَلَ وَهجمَ أَنطَاكيَةَ بِموَاطَأَةٍ مِنْ
أَهْلِهَا، فَقَابلَهُ البُرْنُسُ سَاعَةً ثُمَّ التَجَأَ
إِلَى القَلْعَةِ، وَنَادَى بشعَارِ صَاحِبِ حَلَبَ
وَسرَّحَ بطَاقَةً، فَسَارعَ لنجدتِهِ صَاحِبُ حَلَبَ،
فَفَرَّ الأَرْمَنِيُّ.
وَأَقْبَلتْ جيوشُ الفِرَنْجِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ إِلَى
عَكَّا عَازمِينَ عَلَى قصدِ القُدْسِ، وَنَزَلَ العَادلُ
تَحْتَ الطُّورِ، وَجَاءتْهُ أَمْدَادُ العَسَاكِرِ،
وَأَغَارتِ الفِرَنْجُ وَعَاثَتْ، وَاسْتمرَّ الخوفُ
شُهوراً.
وَمَا زَالتِ قُسْطَنْطِيْنِيَّةَ لِلرُّومِ، فَتحزَّبَتِ
الفِرَنْجُ وَملوكُهَا فِي هَذَا الوَقْتِ.
وَسَنَةُ إِحْدَى وَسِتِّ مائَةٍ: احترقَتْ دَارُ
الخِلاَفَةِ، وَكَانَ أَمراً مهولاً، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّ
قيمَةَ مَا ذهبَ ثَلاَثَةُ آلاَفِ أَلفِ دِيْنَارٍ
وَسَبْعِ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، قَالَهُ أَبُو شَامَةَ.
وَفِيْهَا وَقعَتِ الهدنَةُ بَيْنَ العَادلِ وَبَيْنَ
الفِرَنْجِ بَعْدَ أَنْ عَاثُوا وَأَغَارُوا عَلَى حِمْصَ
وَعَلَى حَمَاةَ، وَلَوْلاَ ثَبَاتُ المَنْصُوْرِ لرَاحَتْ
حَمَاةُ، ثُمَّ أَغَارُوا عَلَى جبلَةَ وَاللاَّذِقِيَّةَ،
وَاسْتضرُّوا، وَكَانَ العَادلُ قَدْ مَضَى إِلَى مِصْرَ،
فَخَافَ وَأَهَمَّهُ أَمرُ العَدُوِّ، ثُمَّ عَملَ
هِمَّةً، وَأَقْبَلَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ،
فَحَاصَرَ عَكَّا مُدَّةً، فَصَالَحُوْهُ، فَلَمْ
يَغْتَرَّ، وَطلبَ العَسْكَرَ مِنَ النَّوَاحِي، وَأَنفقَ
الأَمْوَالَ، وَعلمَ أَنَّ الفِرَنْجَ لاَ يَنَامُوْنَ،
فَنَازَلَ حصنَ الأَكرَادِ، وَأَخَذَ مِنْهَا بُرْجاً،
ثُمَّ نَازلَ طَرَابُلُسَ مُدَّةً، فَملَّ جندُهُ، وَخضعَ
لَهُ ملكُ طَرَابُلُسَ، وَسَيّرَ لَهُ تُحَفاً وَثَلاَثَ
مائَةِ أَسيرٍ، وَصَالح.
(16/180)
وَاستضرَّتِ الكُرْجُ، وَعَاثُوا
بِأَذْرَبِيْجَانَ، وَقتلُوا خَلْقاً، وَعظُمَ البَلاَءُ،
فَالتقَاهُم صَاحِبُ خِلاَطٍ وَنجدَةُ مِنَ
الرُّومِيِّينَ، فَنَصْرَ اللهُ وَقُتِلَ طَاغِيَةُ
الكُرْجِ.
وَفِي سَنَةِ 602: وَزَرَ النَّصِيْر بن مَهْدِيٍّ
العَلَوِيّ، وَركِبَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ دَوَاةٌ مُحلاَّةٌ
بِأَلفِ مثقَالٍ، وَورَاءهُ المهدُ وألوية الحمد والكوسات
والعهد منشورًا وَالأُمَرَاءُ مشَاةٌ فَعذَّبَ الوَزِيْر
ابْن حديدَة، وَصَادرَهُ، فَهَرَبَ مِنْهُ ثُمَّ ظَهَرَ
بَعْدَ مُدَّةٍ خَبَرُهُ بِمَرَاغَةَ.
وَأَغَارتِ الأَرمنُ عَلَى نوَاحِي حَلَبَ، وَكبسُوا
العَسْكَرَ، وَقَتَلُوا فِيهِم فَسَارعَ الظَّاهِرُ وَقصدَ
ابْنَ لاون، ففر إلى قلاعه.
وسلك خُوَارِزْم شَاه بلدَ تِرْمِذَ إِلَى الخَطَا
مَكِيدَةً ليتمكَّنَ مِنْ تَملُّكِ خُرَاسَانَ.
وَفِيْهَا وُجِدَ بِإِرْبِلَ خروفٌ وَجهُهُ وَجهُ
آدَمِيٍّ.
وَسَارَ صَاحِبُ الرَّيِّ إِيدغمش، فَافْتَتَحَ خَمْسَ
قلاعٍ لِلإسْمَاعِيليَّةِ وَصمَّمَ عَلَى أَخْذِ ألموتَ،
وَاسْتِئصَالهُم. وَكَانَتْ خُرَاسَانُ تَموجُ
بِالحُرُوْبِ.
وفي سنة أربع: قصد خوارزم شَاه الخَطَا فِي جَيْشٍ
عَظِيْمٍ، فَالتَقَوا وَتَمَّتْ بَيْنهُم مصَافَّاتٌ،
ثُمَّ وَقعَتِ الهَزِيْمَةُ عَلَى المُسْلِمِيْنَ،
وَقُتِلَ خَلْقٌ، وَأُسِرَ السُّلْطَانُ وَأَمِيْرٌ مِنْ
أُمَرَائِهِ فَأَظهرَ أَنَّهُ مَمْلُوْكٌ لِلأَمِيْرِ،
فَبقِي الَّذِي أَسَرَهُمَا يَحترمُ الأَمِيْرَ، فَقَالَ:
أُحِبُّ أَنْ تُقَرِّرَ عليَّ مَالاً وَأَبعثُ مَمْلُوْكِي
هَذَا حَتَّى يَحضرُ المَالُ، فانخدع الخطائي وسيب الملوك
وَمَعَهُ مَنْ يَخْفُرُهُ وَيَحفظُهُ إِلَى خُوَارِزْم
فَنجَا السُّلْطَانُ، وَتَمَّتِ الحيلَةُ وَزُيِّنَتِ
البِلاَدُ، ثُمَّ قَالَ الخطائِيُّ لذَاكَ الأَمِيْرِ،
قَدْ عُدِمَ سُلْطَانُكُم قَالَ: أو ما تَعرفُهُ? قَالَ:
لاَ، قَالَ: هُوَ مَمْلُوْكِي الَّذِي رَاحَ. قَالَ
الخطائِيُّ: فَسِرْ بِنَا إِلَى خِدْمَتِهِ وَهلاَّ
عَرَّفْتَنِي حَتَّى كُنْتُ أَخدمُهُ! ? وَكَانَ
خُوَارِزْم شَاه مُحَمَّد قَدْ عَظُمَ جِدّاً، وَدَانَتْ
لَهُ الأمم، وتحت يده ملوك وأقاليم.
وَفِي سَنَةِ 605: كَانَتِ الزَّلْزَلَةُ العُظْمَى
بِنَيْسَابُوْرَ دَامت عَشْرَةُ أَيَّامٍ، وَمَاتَ الخلقُ
تَحْتَ الرَّدْمِ.
وَفِي سَنَةِ 606: حَاصرَ ملكُ الكُرْجِ خِلاَط، وَكَادَ
أَنْ يَأْخذَهَا وَبِهَا الأَوحدُ ابْنُ الملكِ العَادلِ،
فَقَالَ لإِيوَاي الملكِ منجِّمُهُ: مَا تَبِيْتُ
اللَّيْلَةَ إلَّا فِي قَلْعَةِ خِلاَط، فَاتَّفَقَ
أَنَّهُ سَكِرَ وَحَمَلَ فِي جَيْشِهِ، وَخَرَجَ
المُسْلِمُوْنَ، وَالْتَحَمَ الحَرْبُ، وَقُتِلَ خَلْقٌ
وَأُسِرَ إِيوَاي، فَمَا بَاتَ إلَّا فِي القَلْعَةِ،
وَنَازلَتِ الكُرْجُ أَرْجَيْش، وَافْتَتَحوهَا
بِالسَّيْفِ.
وَكَانَ العَادلُ رُبَّمَا تركَ الجِهَادَ، وَقَاتَلَ
عَلَى الدُّنْيَا، فَحَاصَرَ سِنْجَارَ مُدَّةً.
(16/181)
وَقَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: سَارَ
خُوَارِزْم شَاه فَعبَرَ جَيْحُونَ بجيوشِهِ فَالتقَاهُ
طَاينكو طَاغِيَةُ الخَطَا فَانْهَزَمَتِ الخطا وأسر ملكهم
وأتى به خوترزمشاه فَبَعَثَ بِهِ إِلَى خُوَارِزْم. وَعصَى
صَاحِبُ سَمَرْقَنْدَ عَلَى حَمُوْهُ خُوَارِزْمشَاه،
وَظلمَ وَتَمرَّدَ وَقَتَلَ مَنْ عِنْدَهِ مِنَ العَسْكَرِ
الخُوَارِزْمِيَّةِ، فَنَازلَهُ خُوَارِزْم شَاه وَأَخَذَ
مِنْهُ سَمَرْقَنْدَ، وَبَذَلَ فِيْهَا السَّيْفَ،
فَيُقَالُ: قتل بها مئتا أَلف مُسْلِمٍ، ثُمَّ زَحَفَ
عَلَى القَلْعَةِ وَأَسَرَ ملكَهَا فَذبَحَهُ.
وَفِي هَذَا الوَقْتِ أَوَّلُ مَا سُمِعَ بذِكْرِ
التَّتَارِ، فَخَرَجُوا مِنْ أَرَاضيهِم بَادِيَةِ
الصِّينِ، وَرَاءَ بلاَدِ تُرْكُستَانَ، فَحَاربُوا
الخَطَا مَرَّاتٍ وقووا بكسرة خوارزم شاه للخطا، وعاثوا.
وكان رأسهم يدعى كشلوخان، فَكَتَبَ ملكُ الخَطَا إِلَى
خُوَارِزْمشَاه. مَا جَرَى بَيْنَنَا مغفورٌ، فَقَدْ
أَتَانَا عدوٌّ صعبٌ، فَإِنْ نُصِرُوا عَلَيْنَا فَلاَ
دَافع لَهُم عَنْكَ، وَالمصلحَةُ أَنْ تُنْجِدَنَا،
فَكَتَبَ: هَا أَنَا قَادِمٌ لنصرتِكُم، وكاتب كشلوخان:
إنني قادم وأما مَعَكَ عَلَى الخَطَا، فَكَانَ بِئسَ
الرَّأْي، فَأَقْبَلَ، وَالتَقَى الجمعَانِ، وَنَزَلَ
خُوَارِزْم شَاه بِإِزَائِهِمَا يُوهِمُ كُلاًّ مِنَ
الفرقَيْنِ أَنَّهُ مَعَهُ، وَأَنَّهُ كَمِينٌ لَهُ،
فَوَقَعتِ الكَسْرَةُ عَلَى الخَطَا فَمَالَ خُوَارِزْم
شَاه حِيْنَئِذٍ مُعِيناً لَكشلوخَان، وَاسْتَحَرَّ القتلُ
بِالخَطَا، وَلجؤُوا إِلَى رُؤُوْسِ الجِبَالِ، وَانضمَّ
مِنْهُم خلقٌ إِلَى خُوَارِزْم شَاه، وَخضعَ لَهُ
كشلوخَان، وَقَالَ: نَتقَاسمُ مَمْلَكَةَ الخَطَا، فَقَالَ
خُوَارِزْم شَاه: بَلِ البلاد لي، وسار لحربه، ثم سار
لِحَرْبِهِ، ثُمَّ تَبيَّن لَهُ قوَّةَ التَّتَارِ،
فَأَخَذَ يراوغهم، ويكسبهم، فَبَعَثَ إِلَيْهِ كشلو:
مَاذَا فِعلُ ملكٍ، ذَا فِعْلُ اللُّصُوصِ، فَإِنْ كُنْتَ
ملِكاً فَاعملْ مصافاُ، فَلَمْ يُجِبْهُ، وَأَمرَ أَهْلَ
فَرغَانَةَ وَالشَّاشَ وَمَدَائِنَ التُّرْكِ بِالجفلِ
إِلَى بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ، وَخرَّبَ المَدَائِنَ
وَدحَاهَا عجزاً عَنْ حَفِظِهَا مِنْهُم.
ثُمَّ خرج على كشلوخان الطاغية جنكزخان، فتحاربوا مدة،
وظفر جنكزخان، وَطغَى، وَتَمرَّدَ، وَأَبَاد البِلاَدَ
وَالعِبَادَ، وَأَخَذَ أَقَالِيمَ الخَطَا، وَجَعَلَ خَان
بِالق دَارَ مُلْكِهِ، وَأَفنَى الأُمَمَ بِإِقْلِيْمِ
التُّرْكِ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَخُرَاسَانَ، وَهَزَمَ
الجُيُوْشَ، وَمَا جَرَى لَهُ فَسِيرَةٌ مُفْرَدَةٌ، وقد
جود وصفهم الموفق البغدادي، فقال: حَدِيْثُهُم حَدِيْثٌ
يَأْكُلُ الأَحَادِيْثَ، وَخبرٌ يُنسِي التَّوَارِيخَ،
وَنَازلَةٌ تُطْبِقُ الأَرْضَ؛ هَذِهِ أُمَّةٌ لغتُهَا
مَشوبَةٌ بلغة الهند لمجاورتهم، عراض الوجوه، واسعوا
الصدور، خفاف الأعجاز، صغار الأطراف، سمر، سريعوا
الحركَةِ، تَصلُ إِلَيْهِم أَخْبَارُ الأُمَمِ، وَلاَ
تَصلُ أَخْبَارُهَا إِلَيْهِم، وَقَلَّمَا يَقدِرُ جَاسوسٌ
أَنْ يَتمكَّنَ مِنْهُم؛ لأَنَّ الغَرِيْبَ لاَ
يُشْبِهُهُم، وَإِذَا أَرَادُوا وجهة كتموا أمرهم، ونهضوا
دفعة، فتسند لِهَذَا عَلَى النَّاسِ وُجُوهُ الحِيَلِ،
وَتضيقُ طُرُقُ الهربِ، وَيسبقُوْنَ التَأَهُّبَ،
نِسَاؤهُم يقَاتِلْنَ، يَقتلُوْنَ النِّسَاءَ وَالوِلدَانَ
بِغَيْرِ اسْتثنَاءٍ، وَرُبَّمَا أَبقَوا ذَا صنعَةٍ أَوْ
ذَا قُوَّةٍ، وَغَالِبُ سلاَحِهِم النُّشَّابُ،
وَيطعنُوْنَ بِالسُّيوفِ أَكْثَرَ مِمَّا يَضربُوْنَ
بِهَا، جَوَاشنُهُم مِنْ
(16/182)
جُلُودٍ، وَخيلُهُم تَأْكلُ الكلأَ وَمَا
تَجدُ مِنْ وَرقٍ وَخشَبٍ، وَسُرُوجُهُم صِغَارٌ، لَيْسَ
لَهَا قيمَةٌ، وَأَكلُهُم أَيُّ حيوَانٍ وُجِدَ،
وَتَمَسُّهُ النَّارُ تَحِلَّةَ القسمِ، لَيْسَ فِي
قتلِهِم اسْتثنَاءٌ، كَانَ قصدُهُم إِفنَاءُ النَّوعِ، مَا
سَلِمَ مِنْهُم إلَّا غَزْنَةَ وَأَصْبَهَانَ.
قُلْتُ: ثُمَّ اسْتبَاحُوا أَصْبَهَانَ سَنَة 632.
قَالَ: وَهَذِهِ القبيلَةُ الخبيثَةُ تُعْرَفُ
بِالتّمرجِيِّ، سُكانَ برَارِي قَاطع الصَّينِ،
وَمَشتَاهُم بِأَرغونَ، وَهُم مَشْهُوْرُوْنَ بِالشَّرِّ
وَالغَدْرِ، وَالصِّينُ مُتَّسِعٌ وَهُوَ سِتُّ مَمَالِكَ،
قَانُهُمُ الأَكْبَرُ مُقِيْمٌ بطمغَاج، وَكَانَ سُلْطَانُ
أَحَدِ المَمَالِكِ الست دوش خان زوج عمة جنكزخان، فزار
جنكزخان عَمَّتَهُ إِذْ مَاتَ زوجُهَا وَمَعَهُ كشلوخَان،
فَقَالَتْ: زوجِي مَا خلَّفَ ابْناً فَأَرَى أَنْ تَقُوْمَ
مقامه، فقام جنكزخان، وَنفذَ تُحَفاً إِلَى القَانِ
الكَبِيْرِ، فَتنمَّرَ، وَأَنِفَ من تملك تتري، فتعاقد
جنكزخان وكشلوخان على التناصر، وأبدوا الخلاف، وكثر
جمعُهُم، فَالتَقَوا، فَطحنُوا عَسَاكِرَ البِلاَدِ،
وَعلمَ القَانُ قوَّتَهُم، فَأَرْسَلَ يُخَوِّفُهُم، ثُمَّ
التقَوْهُ، فَكسرُوهُ أَقبحَ كسرة، ونجا القان بنفسه
واستولى جنكزخان عَلَى بلاَدِهِ، فَرَاسلَهُ القَانُ
بِالمسَالَمَةِ وَقنعَ بِمَا بَقِيَ فِي يَدِهِ، وَسَارَا
إِلَى سَاقُوْنَ مِنَ الصِّيْنِ، فَملكَاهَا، ثُمَّ مَاتَ
كشلوخَان، فَقَامَ بَعْدَهُ ولده، فلم يكن له مع جنكزخان
كبير أمر، فتألم، وافترقا، وتحاربا، فظفر جنكزخان بِهِ،
وَانْفَرَدَ وَدَانَتْ لَهُ قبَائِلُ المغولِ، وَوَضَعَ
لَهُم يَاسَةً يَتمسَّكُوْنَ بِهَا، لاَ يُخَالِفونَهَا
أَلبتَةَ، وَتعبَّدُوا بطَاعتِهِ وَتعَظِيْمِهِ، ثُمَّ
أَوَّلُ مَصَافٍّ وَقَعَ بَيْنَ خُوَارِزْم شَاه وَبَيْنَ
التَّتَارِ كَانَ قَائِدُهُم ولد جنكزخان دوشِي خَان،
فَانْهَزَمَ دوشِي خَان، وَرجعَ خُوَارِزْم شَاه مِنْ
بلاَدِ التُّرْكِ فِي هَمٍّ وَفِكْرٍ مِنْ هَذَا العَدُوِّ
لما رَأَى مِنْ كثرَتِهِم وَإِقدَامِهِم وَشَجَاعَتِهِم.
وَفِي سَنَةِ 607: اتَّفَقتِ المُلُوْكُ عَلَى العَادلِ:
سُلْطَانُ الرُّوْمِ، وَصَاحِبُ المَوْصِلِ، وَالظَّاهِرُ،
وَمَلِكُ الجَزِيْرَةِ، وَصَاحِبُ إِرْبِلَ، وَعزمُوا
عَلَى إِقَامَةِ الخطبَةِ بِالسَّلطنَةِ لِصَاحِبِ
الرُّوْمِ خسروشاه بنِ قِلْج أَرْسَلاَن، وَحَسَّنُوا
لِلْكُرجِ قصد خِلاَط فَلَمَّا أُسِرَ مُقَدِّمُهُم
تَفرَّقَتِ الآرَاءُ، وَصَالحُوا العَادلَ، وَافتكَّ
إِيوَائِي نَفْسَهُ بألفي أسير وثمانين ألف دينتر وعشرين
قلعة كان قد تغلَّبَ عَلَيْهَا، وَأَنَّ يُزَوِّجَ الملكَ
الأَوحدَ بِابْنتِهِ، فَعَاد إِلَى مُلْكِهِ وَسومِحَ
بِبَعْضِ مَا التزَمَهُ، وَلَمَّا تَملَّكَ الأَشْرَفُ
خِلاَط، تَزَوَّجَ بِابْنَةِ إِيوَائِي، وَتَزَوَّجَ
صَاحِبُ المَوْصِلِ بِبنتِ العَادلِ فَمَاتَ قَبْلَ وصولها
إليها.
وَنقصَتْ دِجْلَةَ إِلَى الغَايَةِ حَتَّى خَاضَهَا
النَّاسُ فَوْقَ بَغْدَادَ.
سَنَة 608: فِيْهَا اسْتبَاحَ ركبَ العراقِ قتادةُ صاحب
مكة، وقُتِلَ عدة، وَخَرَجَ خلقٌ، فَيُقَالُ: ذهبَ
لِلوفْدِ مَا قيمتُهُ أَلْفَا أَلفِ دِيْنَارٍ.
(16/183)
وَزُفَّتْ بِنْتُ العَادلِ ضَيْفَةً إِلَى
صَاحِبِ حَلَبَ الظَّاهِرِ، تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْسِيْنَ
أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَنفّذَ جهَازَهَا عَلَى ثَلاَثِ مائَةِ
جَمَلٍ وَخَمْسِيْنَ بَغْلاً، وَخَمْسُوْنَ جَارِيَةً،
وَخلَعَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ جَوَاهرَ بِثَلاَثِ مائَةِ
أَلْفِ دِرْهَمٍ.
وَتَمَلَّكَ أَلبَانُ صَاحِبُ عَكَّا أَنطَاكيَةَ، فَشنَّ
الغَارَاتِ عَلَى التُّرُكْمَانِ، وَهجمَ عَلَى بُورَةَ
مِنْ إِقْلِيْمِ مِصْرَ، فَاسْتبَاحهَا، فَبَيَّتَهُ
التُّرُكْمَانُ وَقتلُوْهُ، وَقتلُوا فُرْسَانَهُ.
وَفِي سَنَةِ 609: المَلْحَمَةُ الكُبْرَى بِالأَنْدَلُسِ،
وَتُعْرَفُ بوقعَةِ العُقَابِ بَيْنَ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ
بنِ يَعْقُوْبَ المُؤْمِنِيِّ، وَبَيْنَ الفِرَنْجِ،
فَنَزَلَ النَّصْرُ، لَكِنِ اسْتُشْهِدَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ.
سَنَة عشر: قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَفِيْهَا خلصَ
خُوَارِزْم شَاه مِنَ الأَسرِ، خطرَ لَهُ أَنْ يَكشِفَ
التَّتَارَ بِنَفْسِهِ، فَدَخَلَ فِيهِم هُوَ وَثَلاَثَةٌ
بِزِيِّهِم، فَقبضُوا عَلَيْهِم فَضربُوا اثْنَيْنِ
فَمَاتَا تَحْتَ العَذَابِ، وَرَسَمُوا عَلَى خُوَارِزْم
شَاه وَآخرَ فَهَرَبا فِي اللَّيْلِ.
وَقتلَتِ التُّرُكْمَانُ إِيدغمش صَاحِبَ الرَّيِّ
وَهَمَذَانَ فَتَأَلَّمَ الخَلِيْفَةُ. وَتَمَكَّنَ
منْكلِي، وَعظم.
فِي سَنَةِ 611: تَملَّكَ خُوَارِزْم شَاه كِرْمَانَ
وَمُكْرَانَ وَالسِّنْدَ، وَخَطَبَ لَهُ بِهُرْمُزَ
وَهلوَات وَكَانَ يصيفُ بِسَمَرْقَنْدَ، وَإِذَا قصدَ
بَلَداً سبق خبره.
وَفِي سَنَةِ 612: أَغَارتِ الكُرْجُ عَلَى
أَذْرَبِيْجَانَ وَغَنِمُوا الأَمْوَالَ وَأَزْيَدَ مِنْ
مائَةِ أَلْفِ أَسِيْرٍ، قَالَهُ أَبُو شَامَةَ.
وَبَعَثَ الملكُ الكَامِلُ وَلَدَهُ المَسْعُوْدَ فَأَخَذَ
اليَمَنَ بِلاَ كُلْفَةٍ وَظَلَمَ وَعَتَا وَتَمرَّدَ.
وَتَوثَّبَ خُوَارِزْم شَاه عَلَى غَزْنَةَ،
فَتَمَلَّكهَا، وَجَعَلَ بِهَا وَلدَهُ جَلاَلَ الدِّيْنِ
منْكُوبرِي.
وَهَزَمَ صَاحِبُ الرُّوْمِ كيكَاوس الفِرَنْجَ وَأَخَذَ
مِنْهُم أَنطَاكيَةَ، ثُمَّ صَارَت لِبِرِنْسَ
طَرَابُلُسَ.
وَفِيْهَا كُسِرَ مُنْكلِي صَاحِبُ أَصْبَهَانَ وَالرَّيِّ
وَهَمَذَانَ وَقُتِلَ.
وَفِي سَنَةِ 613: أُحْضِرَتْ أَرْبَعَةُ أَوتَارٍ
لِنَسْرِ القُبَّةِ طُولُ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ
ذَرَاعاً أُدْخِلَتْ مِنْ بَابِ الفَرَجِ إِلَى بَابِ
النَّاطِفِيِّينَ، وَأُقِيمَتْ لأَجْلِ القرنَة، ثُمَّ
مُدِّدَتْ. وَحُرِّرَ خَنْدَقُ القَلْعَةِ وَعَمِلَ فِيْهِ
كُلُّ أَحَدٍ، وَالفُقَهَاءُ وَالصُّوْفِيَّةُ
وَالمُعَظَّمُ بِنَفْسِهِ، وَأُنشِئَ المُصلَّى، وَعُمِلَ
بِهِ الخَطْبَةُ.
وَوَقَعَ بِالبَصْرَةِ بَرَدٌ صِغَارُهُ كَالنَّارِنْجِ.
وَفِي سَنَةِ 614: كَانَ الغَرقُ. قَالَ سِبْطُ
الجَوْزِيِّ -بِقِلَّةِ ورع: فَانهدمَتْ بَغْدَادُ
بِأَسْرِهَا، وَلَمْ يَبْقَ أَنْ يَطفحَ المَاءُ عَلَى
رَأْسِ السُّوْرِ إلَّا قَدرَ إِصبعينِ. إِلَى أَنْ قَالَ:
وَبَقِيَتْ بَغْدَادُ مِنَ الجَانِبَينِ تُلُوْلاً لاَ
أَثرَ لَهَا.
(16/184)
قُلْتُ: العجبُ مِنْ أَبِي شَامَةَ يَنقلُ
أَيْضاً هَذَا وَلاَ يُبَالِي بِمَا يَقُوْلُ.
وَقَالَ أَبُو المُظَفَّرِ: نَزلَ خُوَارِزْم شَاه فِي
أَرْبَعِ مائَةِ أَلْفٍ قَاصداً بَغْدَادَ فَاسْتعدَّ
النَّاصِرُ، وَفرَّقَ الأَمْوَالَ وَالعُدَدَ، وَنفَّذَ
إِلَيْهِ رَسُوْلاً السُّهْرَوَرْدِيَّ، فَأَهَانَهُ
فَاسْتوقفَهُ وَلَمْ يُجْلِسْهُ، وَفِي الخِدْمَةِ
مُلُوْكُ العجمِ. قَالَ: وَهُوَ شَابٌّ عَلَى تَخْتٍ،
وَعَلَيْهِ قبَاءٌ يُسَاوِي خَمْسَةَ درَاهِم، وَعَلى
رَأْسِهِ قُبعُ جلدٍ يُسَاوِي دِرْهَماً، فَسَلَّمْتُ
فَمَا ردَّ، فَخطبْتُ وَذكَّرْتُ فَضلَ بَنِي العَبَّاسِ،
وَعَظَّمْتُ الخَلِيْفَةَ وَالتَّرْجَمَانُ يُعيدُ
عَلَيْهِ، فَقَالَ لِلتَّرْجَمَانِ: قُلْ هَذَا الَّذِي
يَصفُهُ: مَا هو في بغداد، بلى أما أُقيمُ خَلِيْفَةً
كَمَا تَصِفُ، وَرَدّنَا بِلاَ جَوَابٍ. وَنَزَلَ ثَلجٌ
عَظِيْمٌ فَهلكَتْ خَيْلُهُم وَجَاعُوا، وَكَانَ مَعَهُ
سَبْعُوْنَ أَلْفاً مِنَ الخَطَا، فَصرَفَهُ اللهُ عَنْ
بَغْدَادَ، وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ: أَنَا مَنْ آذِيتُ
أَحَداً مِنْ بَنِي العَبَّاسِ? بَلْ فِي جَيْشِ
الخَلِيْفَةِ خَلْقٌ مِنْهُم، فَأَعِدْ هَذَا عَلَى
مَسَامِعِ الخَلِيْفَةِ، وَمَنَعَهُ اللهُ بثلوجٍ لاَ
تُوصَفُ.
وَفِيْهَا أَقْبَلتْ جُيوشُ الفِرَنْجِ لِقَصدِ بَيْتِ
المَقْدِسِ وَالأَخْذِ بِالثَّأْرِ، وَوصلُوا إِلَى
بَيْسَانَ، وَتَأَخَّرَ العَادلُ فَتَبِعُوْهُ، وَنَزَلَ
بِمرْجِ الصُّفَّرِ وَاسْتحثَّ العَسَاكِرَ وَالمُلُوْكَ
وَضَجَّ الخَلْقُ بِالدُّعَاءِ وَكَانَتْ هُدنَةٌ
فَانْفسخَتْ وَنَهَبَتِ الفرنج بلاد الشَّامِ وَوصلُوا
إِلَى الخربَةِ، وَحَاصرُوا قَلْعَةَ الطُّورِ الَّتِي
بنَاهَا المُعَظَّمُ مُدَّةً، وَعَجَزُوا عَنْهَا،
وَرَجَعُوا فَجَاءَ المُعَظَّم، وَخَلَعَ عَلَى مَنْ
بِهَا، ثُمَّ اتَّفَقَ هُوَ وَأَبُوْهُ عَلَى هَدْمِهَا،
وَأَخَذَتْ خَمْسُ مائَةٍ مِنَ الفِرَنْجِ جِزِّينَ
وَفَرَّ رِجَالُهَا فِي الجبلِ، ثُمَّ بَيَّتُوا
الفِرَنْجَ، فَاسْتَحَرَّ بِهِمُ القتلُ حَتَّى مَا نَجَا
مِنَ الفِرَنْجِ سِوَى ثَلاَثَةٌ. وَبَادَرَتِ الفِرَنْجُ
إِلَى قَصْدِ مِصْرَ لِخُلُوِّهَا مِنَ العَسَاكِرِ،
وَأَشرفَ النَّاسُ عَلَى التَّلَفِ، وَمَا جَسَرَ العَادلُ
عَلَى المُلْتَقَى لِقِلَّةِ مَنْ عِنْدَهِ مِنَ
العَسَاكِرِ، فَتَقَهْقَرَ.
وَدَخَلتْ سَنَةُ 615: فَنَازَلَتِ الفِرَنْجُ دِمْيَاطَ،
وَأَقْبَلَ الكَامِلُ ليكشِفَ عَنْهَا، فَدَامَ الحصَارُ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَمَاتَ العَادلُ، وَخلصَ
وَاسْترَاحَ.
وَفِيْهَا كَسَرَ الأَشْرَفُ صَاحِبَ الرُّوْمِ، ثُمَّ
أَقْبَلَ وَأَخَذَ مَعَهُ عَسْكَرَ حَلَبَ مُغِيراً عَلَى
سوَاحلِ الفِرَنْجِ.
وَأَخَذتِ الفِرَنْجُ بُرْجَ السِّلْسِلَةِ مِنْ
دِمْيَاطَ، وَهُوَ قُفْلٌ عَلَى مِصْرَ؛ بُرجٌ عَظِيْمٌ
فِي وَسطِ النِّيلِ، فَدِمْيَاطُ بحذَائِهِ، وَالجِيْزَةُ
مِنَ الحَافَّةِ الغربيَّةِ، وَفِيْهِ سِلْسِلَتَانِ
تَمتَدُّ كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى وَجْهِ النِّيلِ إِلَى
سُورِ دِمْيَاطَ، وَإِلَى الجِيْزَةِ، يَمنعَانِ مَرْكَباً
بدخل مِنَ البَحْرِ فِي النِّيلِ، وَعَدَتِ الفِرَنْجُ
إِلَى بَرِّ دِمْيَاطَ، فَفَرَّ العَسَاكِرُ مِنَ
الخِيَامِ، فَطَمِعَ العَدُوُّ، ثُمَّ كَرَّ عَلَيْهِمُ
الكَامِلُ فَطَحَنَهُم، فَعَادُوا إلى دمياط.
(16/185)
وَمَاتَ كِيكَاوسُ صَاحِبُ الرُّوْمِ،
وَكَانَ جَبَّاراً ظَلُوْماً.
وَمَاتَ القَاهِرُ مَسْعُوْدٌ صَاحِبُ المَوْصِلِ.
وَرجعَ مِنْ بلاَدِ بُخَارَى خُوَارِزْم شَاه إِلَى
نَيْسَابُوْرَ، وَقَدْ بلغه أن التتار قاصدوه، وجاءه رسول
جنكزخان يَطلبُ الهدنَةَ يَقُوْلُ: إِنَّ القَانَ
الأَعْظَمَ يُسَلِّمُ عَلَيْكَ وَيَقُوْلُ: مَا يَخفَى
عليَّ عِظَمُ سُلْطَانِكَ وَأَنْت كَأَعزِّ أَوْلاَدِي
وَأَنَا بيدِي مَمَالِكُ الصِّيْنِ، فَاعقِدْ بَيْنَنَا
المَوَدَّةَ، وَتَأَذَّنْ لِلتُّجَّارِ وَتنْعَمِرُ
البِلاَدُ، فَقَالَ السُّلْطَانُ لِمَحْمُوْدٍ
الخُوَارِزْمِيِّ الرَّسُولِ: أَنْتَ مِنَّا وَإِلَينَا،
وَأَعْطَاهُ جَوَاهرَ وَطلبَ أَنْ يَكُوْنَ مُنَاصحاً له
فأجابه، فقال: اصدقني، تملك جنكزخان طمغاخ? قَالَ: نَعَمْ،
قَالَ: فَمَا المصلحَةُ? قَالَ: الصُّلحُ. فأجاب. فأعجب
ذلك جنكزخان وَمَشَى الحَالُ. ثُمَّ جَاءَ مِنْ جِهَةِ
التَّتَارِ تُجَّارٌ فَشَرِهَتْ نَفْسُ خَالِ السُّلْطَانِ
مُتَوَلِّي مَا وَرَاءَ النَّهْرِ إِلَى أَخْذِ
أَمْوَالِهِم، وَقبضَ عَلَيْهِم وَظنَّهُم جَوَاسيسَ
لِلتَّتَارِ، فَجَاءَ رَسُوْلُ جِنْكِزْخَانَ يَقُوْلُ:
إِنَّك أَمَّنْتَ تُجَّارَنَا وَالغَدْرُ قَبِيحٌ، فَإِنْ
قُلْتَ: فَعلَهُ خَالِي فَسلِّمْهُ إِلَيْنَا وَإِلاَّ
سَترَى مِنِّي مَا تَعرِفُنِي بِهِ، فَحَارَتْ نَفْسُ
خُوَارِزْم شَاه، وَتَجَلَّدَ، وَأَمرَ بِقَتْلِ
الرُّسُلِ، -فَيَا بِئسَ مَا صَنَعَ، وَحصَّنَ
سَمَرْقَنْدَ، وَشحنهَا بِالمُقَاتِلَةِ فَمَا نَفعَ،
وَقُضِيَ الأَمْرُ.
وَدَخَلتْ سَنَةُ 616: فَتقهقَرَ خُوَارِزْم شَاه،
وَأَقْبَلتِ المُغْلُ كَاللَّيْلِ المُظْلِمِ، وَمَا زَالَ
أَمرُ خُوَارِزْم شَاه فِي إِدبارٍ، وَسعدُهُ فِي سَفَالٍ،
وَمُلْكُهُ فِي زوَالٍ، وَهُوَ فِي تَقهقُرٍ وَاندفَاعٍ
إِلَى أَنْ قَارَبَ هَمَذَانَ، وَتَفرَّقَ عَنْهُ
جَمْعُهُ، حَتَّى بَقِيَ فِي عِشْرِيْنَ أَلْفاً، فَمَا
بَلَعَ رِيقَهُ إلَّا وَطلاَئِعُ المُغْلِ قَدْ
أَظلَّتْهُ، وَأَحَدقُوا بِهِ، فَنجَا بِنَفْسِهِ،
وَاسْتَحَرَّ القتلُ بِجُندِهِ، وَفَرَّ إِلَى الجبلِ،
ثُمَّ إِلَى مَازَندرَان، وَنَزَلَ بِمسجدٍ عَلَى حَافَّةِ
البَحْرِ يُصَلِّي بِجَمَاعَةٍ وَيَتلُو وَيَبْكِي، ثُمَّ
بَعْدَ أَيَّامٍ كَبَسَهُ العَدُوُّ، فَهَرَبَ فِي مَرْكبٍ
صَغِيْرٍ، فَوَصَلَ إِلَيْهِ نَشَّابُهُم وَخَاضَ وَرَاءهُ
طَائِفَةٌ، فَبقِيَ فِي لُجَّةٍ، وَمَرِضَ بِذَاتِ
الجَنْبِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا بَقِيَ لَنَا
مِنْ مَمْلَكَتِنَا قدرَ ذِرَاعَينِ نُدْفَنُ فِيْهَا،
فَوَصَلَ إِلَى جَزِيْرَةٍ فَأَقَامَ بِهَا طرِيْداً
وَحيداً مجهوداً، وَمَاتَ، فَكَفَّنَهُ فَرَّاشُهُ فِي
عِمَامَتِهِ سَنَة سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِي أَوَّلِ سَنَةِ 616: خرَّبَ أَسوَارَ القُدْسِ
المُعَظَّم خَوْفاً مِنْ تَملُّكِ الفِرَنْجِ، وَهجَّ
النَّاسُ مِنْهُ عَلَى وُجُوْهِهِم، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ
أَحصنَ مَا يَكُوْنُ، وَأَعمرَهُ، وَذَاكَ لأَنَّه كَانَ
فِي نَجدَةِ أَخِيْهِ عَلَى دِمْيَاطَ، وَسَمِعَ أَنَّ
الفِرَنْجَ عَلَى قصْدِهِ، وَكَانَ بِهِ أَخُوْهُ الملكُ
العَزِيْزُ وَعزُّ الدِّينِ أَيْبَكُ صَاحِبُ صَرْخَدَ،
فَشرعُوا فِي هَدْمِهِ، وَتَمَزَّقَ أَهْلُهُ وَتعثَّرُوا
وَنَهَبُوا وَبِيْعَ رَطْلُ النُّحَاسِ بنِصْفٍ
وَالزَّيْتُ عَشْرَةُ أَرطَالٍ بِدِرْهَمٍ، وَنَحْوِ
ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: لَمَّا أَخذَتِ الفِرَنْجُ برجُ
السِّلْسِلَةِ عَمِلَ الكَامِلُ عَلَى النِّيلِ جِسْراً
عظيمًا،
(16/186)
فَالتحَمَ القِتَالُ حَتَّى قطعَتْهُ
الفِرَنْجُ، فَعمدَ الكَامِلُ إِلَى عِدَّةِ مَرَاكِبَ،
وَملأَهَا حجَارَةً وَغَرَّقَهَا فِي المَاءِ ليمنَعَ
مَرْكَباً مِنْ سُلُوْكٍ، فَحَفَرَتِ الفِرَنْجُ خَلِيْجاً
وَأَخَّرُوهُ وَأَدخلُوا مَرَاكِبَهُم مِنْهُ حَتَّى
دَخَلُوا بُورَةً وَحَاذَوُا الكَامِلَ، وَقَاتَلُوْهُ
مَرَّاتٍ فِي المَاءِ وَلَمْ يَتغَيَّرْ عَنْ أَهْلِ
دِمْيَاطَ شَيْءٌ، لأَنَّ المِيْرَةَ وَاصِلَةٌ إِلَيْهِم.
وَمَاتَ العَادلُ فَهَمَّ جَمَاعَةٌ بِتَملِيكِ الفَائِزِ
بِمِصْرَ، فَبَادرَ الكَامِلُ وَأَصْبَحَ الجَيْشُ في خطبة
وَقَدْ فَقَدُوا الكَامِلَ، فَشدَّتِ الفِرَنْجُ عَلَى
دِمْيَاطَ وأصبح الجيش في خطبة وَقَدْ فَقَدُوا الكَامِلَ،
فَشدَّتِ الفِرَنْجُ عَلَى دِمْيَاطَ وَأَخَذُوا بَرَّهَا
بِلاَ كُلْفَةٍ وَلَوْلاَ لُطْفُ اللهِ وَقُدومُ
المُعَظَّم بَعْدَ يَوْمَيْنِ لَرَاحتْ مِصْرُ، فَفَرحَ
بِهِ الكَامِلُ، وَبعثَوا عِمَادَ الدِّيْنِ أَحْمَدَ بنَ
المَشْطُوْبِ الَّذِي سَعَى لِلْفَائِزِ إِلَى الشَّامِ،
وَتَمَادَى حِصَارُ الفِرَنْجِ لدِمْيَاطَ وَصَبَرَ
أَهْلُهَا صَبْراً عَظِيْماً، وَقُتِلَ مِنْهُم خلقٌ،
وَقَلُّوا وَجَاعُوا فَسلَّمُوهَا بِالأَمَانِ،
فَحَصَّنَهَا العَدُوُّ وَأَشرفَ النَّاسُ عَلَى خِطَّةٍ
صَعْبَةٍ وَهَمَّ أَهْلُ مِصْرَ بِالجلاَءِ، وَأُخِذَتْ
فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَدَامَ الكَامِلُ
مُرَابِطاً إِلَى سنة ثماني عشرة، وأقبل الأشرف منجدًا
لأَخِيهِ وَقَوِيَ المُسْلِمُوْنَ وَحَاربُوا الفِرَنْجَ
مَرَّاتٍ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ فِي هُدنَةٍ وَبَذَلُوا
لِلْفرنجِ القُدْسَ وَعَسْقَلاَنَ وَقِلاَعاً سِوَى
الكَرَكِ، فَأَبَوْا، وَطَلَبُوا ثَلاَثَ مائَةِ أَلْفِ
دِيْنَارٍ عِوَضاً عَنْ تَخرِيبِ سُورِ القُدْسِ، فَاضطرَّ
المُسْلِمُوْنَ إِلَى حَرْبِهِم، فَقَلَّتِ المِيْرَةُ
عَلَى الفِرَنْجِ فَفَجَّرَ المُسْلِمُوْنَ النِّيلَ عَلَى
مَنْزِلَةِ الفِرَنْجِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُم مَسْلَكٌ
غَيْرُ جهَةٍ ضَيِّقَةٍ، فَنَصَبَ الكَامِلُ الجسورَ عَلَى
النِّيلِ وَدَخَلتِ العَسَاكِرُ فَملَكُوا المضِيْقَ
وَسُقِطَ فِي أَيدِي الفِرَنْجِ وَجَاعُوا، فَأَحرقُوا
خِيَامَهُم وَأَثقَالَهُم وَمَجَانِيْقَهُم، وَعزمُوا
عَلَى الزَّحْفِ إِلَى المُسْلِمِيْنَ فَعَجَزُوا وَذلّوا
وَعَزَّ المُسْلِمُوْنَ عَلَيْهِم، فَطَلبُوا مِنَ
الكَامِلِ الأَمَانَ، وَيَتْرُكُوا لَهُ دِمْيَاطَ،
فَبَيْنَمَا هُم فِي ذَلِكَ إِذَا رَهَجٌ عَظِيْمٌ
وَضجَّةٌ مِنْ جِهَةِ دِمْيَاطَ فَظنُّوهَا نَجدَةً
لِلْفرنجِ جَاءت، وَإِذَا بِهِ المَلِكُ المُعَظَّمُ فِي
جُندِهِ، فَخُذِلَتِ الملاعِينُ وَسَلّمُوا دِمْيَاطَ فِي
رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَدخلَهَا
المُسْلِمُوْنَ، وَقَدْ بَالَغَتِ الكِلاَبُ فِي
تَحْصِينِهَا وَللهِ الحَمْدُ.
أَنْبَأَنِي مَسْعُوْدُ بنُ حمويَه، قَالَ: لَمَّا
تَقرَّرَ الصُّلحُ، جلسَ السُّلْطَانُ فِي مُخَيَّمِهِ،
عَنْ يَمِيْنِهِ المُجَاهِدُ شِيرْكُوْهُ، ثُمَّ
الأَشْرَفُ، ثُمَّ المُعَظَّم، ثُمَّ صَاحِبُ حَمَاةَ،
ثُمَّ الحَافِظُ صَاحِبُ جَعْبَرَ، وَمقدَّمُ عَسْكَرِ
حَلَبَ، وَمقدَّمُ المَوَاصِلَةِ وَالمَاردَانِيْنَ،
وَمقدَّمُ جُنْدِ إِرْبِلَ وَمَيَّافَارِقِيْنَ، وَعَنْ
شِمَالِهِ نَائِبُ البَابَا ثُمَّ صَاحِبُ عَكَّا ثُمَّ
صَاحِبُ قُبْرصَ وَصَاحِبُ طَرَابُلُسَ وَصَاحِبُ صَيْدَا
ثُمَّ أَربَابُ القلاعِ وَمقدَّمُ الدّيويَةَ، وَمقدَّمُ
الإِسبتَارِ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، فَأَذِنَ
السُّلْطَانُ بِأَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِم المَأْكولُ فَكَانَ
يَدخلُ إِلَيْهِم كُلَّ يَوْمٍ خَمْسُوْنَ ألف رغيف،
ومائتا أَردب شعير، وَكَانُوا يَبيعُوْنَ سِلاَحَهُم
بِالخبزِ، وَكَانَ السُّلْطَانُ قَدْ أَنشَأَ هُنَاكَ
مدينَةً سَمَّاهَا المَنْصُوْرَةَ، نَزلَهَا بِجَيْشِهِ
وَسَوَّرَهَا.
(16/187)
وَفِي سَنَةِ 617: التقَى مُظَفَّرُ
الدِّيْنِ صَاحِبُ إِرْبِلَ وَبدرُ الدِّينِ لُؤْلُؤ
نَائِبُ المَوْصِلِ، فَانْهَزَمَ لُؤْلُؤٌ، وَنَازَلَ
مُظَفَّرُ الدِّيْنِ المَوْصِلَ، فَنجَدَهَا الأَشْرَفُ
وَاصطلحُوا.
وَفِي رَجَبٍ وَقْعَةُ البَرَلُّسِ بَيْنَ الكَامِلِ
وَالفِرَنْجِ، فَنَصَرَ اللهُ، وَقُتِلَ مِنَ الفِرَنْجِ
عَشْرَةُ آلاَفٍ، وَانْهَزَمُوا، فَاجْتَمَعُوا
بِدِمْيَاطَ.
وَفِيْهَا أَخذَتِ التَّتَارُ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ
بِالسَّيْفِ، وَعَدَوا جَيْحُونَ. قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ:
لَوْ قِيْلَ: إِنَّ العَالِمَ مُنْذُ خُلِقَ إِلَى الآنَ
لَمْ يُبْتَلَوا بِمِثْلِ كَائِنَةِ التَّتَارِ لَكَانَ
صَادِقاً، فَإِنَّ التَّوَارِيخَ لَمْ تَتضمَّنْ مَا
يُقَارِبُهَا؛ قَوْمٌ خَرَجُوا مِنْ أَطرَافِ الصِّينِ
فَقصدُوا بِلاَدَ تركستَانَ، ثُمَّ إِلَى بُخَارَى
وَسَمَرْقَنْدَ فَتملَّكُوهَا، ثُمَّ تَعبُرُ طَائِفَةٌ
مِنْهُم إِلَى خُرَاسَانَ فَيَفْرَغُونَ مِنْهَا تَخرِيباً
وَقَتلاً إِلَى الرَّيِّ وَهَمَذَانَ، ثُمَّ يَقصدُوْنَ
أَذْرَبِيْجَانَ وَنوَاحيهَا وَيستبيحونَهَا فِي أَقلَّ
مِنْ سَنَةٍ، أَمرٌ لَمْ نَسْمَعْ بِمِثْلِهِ، ثُمَّ
سَارُوا إِلَى دَرْبَند شِرْوِينَ، فَملَكُوا مُدنَهُ،
وَعبرُوا إِلَى بلاَدِ اللاَنِ وَاللّكز قتلاً وَأَسراً،
ثُمَّ قصدُوا بلاَدَ قَفْجَاقَ فَقتلُوا مَنْ وَقَفَ
وَهَرَبَ مَنْ بَقِيَ إِلَى الشُّعَرَاءِ وَالجِبَالِ،
وَاسْتولَتِ التَّتَارُ عَلَى بِلاَدِهِم، وَمَضتْ فِرقَةٌ
أُخْرَى إِلَى غَزْنَةَ وَسِجِسْتَان وَكِرمَانَ،
فَفَعلُوا كَذَلِكَ، وَأَشَدَّ. هَذَا مَا لَمْ يَطرقِ
الأَسْمَاعَ مِثْلُهُ، فَإِنَّ الإِسْكَنْدَرَ مَا ملَكَ
الدُّنْيَا بِهَذِهِ السُّرْعَةِ، بَلْ فِي نَحْوِ عَشرِ
سِنِيْنَ وَلَمْ يَقتُلْ أَحَداً.
وَقَالَ: وَخيلُهُم لاَ تَعرِفُ الشَّعيرَ، إِنَّمَا
تَحفُرُ بِحوَافرِهَا وَتَأْكلُ عُرُوْقَ النَّبَاتِ،
وَهُم يَسْجُدُوْنَ لِلشَّمْسِ، وَلاَ يُحَرِّمُوْنَ
شَيْئاً، وَيَأْكلُوْنَ الحيوَانَاتِ وَبنِي آدَمَ، وَلاَ
يَعرفُوْنَ زَوَاجاً. وَهُم صنف من الترك مساكنهم جبال
طغماج. وَبَعَثَ خُوَارِزْم شَاه جَوَاسيسَ فَأَتَوْهُ
فَأَخبرُوهُ أَنَّ التتر يقوفون الإِحصَاءَ، وَأَنَّهُم
أَصبرُ شَيْء عَلَى القِتَالِ، لاَ يَعرفُوْنَ هَزِيْمَةً،
فَندِمَ خُوَارِزْم شَاه عَلَى قَتْلِ تُجَّارِهِم،
وَتَقَسَّمَ فَكَرِهَ، ثُمَّ عَمِلَ مَعَهُم مَصَافّاً ما
سمع مثله، دَامَ ثَلاَثاً، وَقُتِلَ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ
خَلاَئِقُ لاَ يُحصَوْنَ، حَتَّى لَقُتِلَ مِنَ
المُسْلِمِيْنَ عِشْرُوْنَ أَلْفاً، وَقَدْ ذَكَرْنَا
هَذِهِ الوَاقعَةَ، وَأَنَّهَا مَا حَضَرهَا جنكزخان،
وَتَحَاجَزَ الجمعَانِ، وَمَرَّ خُوَارِزْم شَاه فَتركَ
بِبُخَارَى عِشْرِيْنَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَبِسَمَرْقَنْدَ
خَمْسِيْنَ أَلْفاً، وَقَالَ: احْفظُوا البِلاَدَ حَتَّى
أَجْمَعَ الجُيُوْشَ وَأَعُوْدَ، فَعَسْكَرَ عَلَى بَلْخَ،
فَلَمَّا أَحَاطَتِ التَّتَارُ بِبُخَارَى خَرَجَ
عَسْكَرُهَا فِي اللَّيْلِ عَلَى حَمِيَّةٍ وَتركُوهَا،
فَخَرَجَ إِلَى القَانِ بدرُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي خَان
يَطلبُ الأَمَانَ فَأَعْطَاهُم وَدخلوهَا فِي رَابعِ ذِي
الحِجَّةِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَمْ
يَتعرَّضُوا أَوَّلاً إِلَى غَيْرِ الحوَاصِلِ
السُّلطَانِيَّةِ، وَطَلَبُوا مِنْهُم العَوْنَ عَلَى حربِ
مَنْ بِقَلعَتِهَا فَطَمُّوا خَنْدَقهَا بِالتُّرَابِ
وَالأَخشَابِ حَتَّى بِالرَّبعَات، وَأُخِذَتْ
بِالسَّيْفِ، وَصدَقَ أَهْلُهَا اللِّقَاءَ حَتَّى
أُبِيدُوا، ثُمَّ غدَرَ جنكزخان بِالنَّاسِ وَهلكُوا
وَتَمزَّقُوا، وَسَبُوا الذُّرِّيَّةَ، وَبقيَتْ بُخَارَى
كَأَمسِ الذَّاهبِ. ثُمَّ أَحَاطُوا بِسَمَرْقَنْدَ فِي
أَوَّلِ
(16/188)
سَنَةِ 617 فَقِيْلَ: بَرزَ مِنْ أَهْلِهَا
نَحْوُ سَبْعِيْنَ ألفًا، فقاتلوا، فانهزم لهم التتر، ثم
حالوا بنهم وبين البلد وحصدوهم، ثم جهز جنكزخان خَلْفَ
خُوَارِزْم شَاه فَعبَرُوا جَيْحُونَ خوضاً وَسباحَةً،
فَانْهَزَمَ مِنْهُم وَهُم وَرَاءهُ، ثُمَّ عطفُوا
فَأَخذُوا الرَّيَّ، وَمَازَندرَانَ، وَظفرُوا بِأُمِّ
خُوَارِزْم شَاه وَمَعَهَا خَزَائِنُهُ، فَأَسَرُوهَا،
ثُمَّ أَخذُوا قَزْوِيْنَ بِالسَّيْفِ، وَبلغَتِ القَتْلَى
أَرْبَعِيْنَ أَلفاً، ثُمَّ أَخذُوا أَذْرَبِيْجَانَ،
وَصَالَحَهُم ملكُ تَبرِيزَ ابْنُ البَهْلَوَانِ عَلَى
أَمْوَالٍ، فَمضَوْا لِيَشْتُوا بِمُوقَانَ وَهَزمُوا
الكُرْجَ، وَأَخَذُوا مَرَاغَةَ بِالسَّيْفِ، ثُمَّ
قَصدُوا إِرْبِلَ، فَتَحَزَّبَ لَهُم عَسْكَرٌ، فَعَادُوا
إِلَى هَمَذَانَ، وَكَانُوا قَدْ بدعُوا فِيْهَا،
وَقرَّرُوا بِهَا شحنَةً، فَطَالبَهُم بِأَمْوَالٍ
فَقَتَلُوْهُ وَتَمنَّعُوا فَحَاصَرَهُم التتار، فبرزوا
لمحاربتهم، وقتلوا خلقًا مِنَ التَّتَارِ وَجُرِحَ
فَقِيهُهُم جِرَاحَاتٍ، ثُمَّ بَرَزُوا مِنَ الغَدِ
فَالتحمَ القِتَالُ، ثُمَّ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ عَجِزَ
الفَقِيْهُ عَنِ الرُّكوبِ، وَعزمَتِ التَّتَارُ عَلَى
الرَّحيلِ، لِكَثْرَةِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُم، فَمَا رَأَوا
مَنْ خَرَجَ لقِتَالِهِم، فَطمِعُوا وَزَحَفُوا عَلَى
البلَدِ فِي رَجَبٍ سَنَة ثَمَانِي عَشْرَةَ، فَدَخَلُوْهُ
بِالسَّيْفِ، فَاقْتَتَلُوا فِي الأَزِقَّةِ قِتَالَ
المَوْتِ، وَقُتِلَ مَا لاَ يُحصَى، وَأُحرِقَتْ
هَمَذَانُ، وَسَارَتِ التَّتَارُ إِلَى تَبْرِيزَ فَبذلَ
أَهْلُهَا أَمْوَالاً فَسَارُوا إِلَى بَيْلَقَانَ،
فَأَخَذُوهَا عَنْوَةً فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانِي
عَشْرَةَ، وَحَصَدُوا أَهْلَهَا، حَتَّى كَانُوا يَزنُوْنَ
بِالمَرْأَةِ ثُمَّ يَقتلُونَهَا، وَسَارُوا إِلَى كنجَةَ،
وَهِيَ أُمُّ أرَانَ فَصَانَعُوهُم بِالأَمْوَالِ، ثُمَّ
التَقَوُا الكُرْجَ فَطحَنُوهُم، وَقُتِلَ مِنَ الكُرْجِ
ثَلاَثُوْنَ أَلْفاً، ثُمَّ قصدُوا الدَّرْبَنْدَ
فَافْتتحُوا مدينَةَ سَمَاخِي عَنْوَةً، وَلَمْ يَقدرُوا
عَلَى وُلُوجِ الدَّرْبَنْدِ، فَبعثَوا يَطلبُوْنَ مِنْ
شَرْوَانَ شَاه رَسُوْلاً فَبَعَثَ عَشْرَةً فَقتَلُوا
وَاحِداً وَقَالُوا لِمَنْ بَقِيَ: إِنْ لَمْ تَدُلُّونَا
عَلَى طَرِيْقٍ قَتَلْنَاكُم، قَالُوا: لاَ طَرِيْقَ
لَكِنْ هُنَا مَسلَكٌ ضَيِّقٌ، فَمَرُّوا فِيْهِ قتلاً
وَسبياً وَأَسرفُوا فِي قَتْلِ اللاَنِ، ثُمَّ بَيَّتُوا
القَفْجَاقَ، وَأَبَادُوا فِيهِم، وأتوا سوداق فملوكها،
وأقاموا هناك إلى سنة عشرين ست مائة. وأما جنكزخان
فَجَهَّزَ فِرقَةً إِلَى تِرْمِذَ وَطَائِفَةً إِلَى
كلاَثَةَ عَلَى جَانبِ جَيْحُونَ، فَاسْتبَاحُوهَا، ثُمَّ
عَادُوا إِلَيْهِ، وَهُوَ بِسَمَرْقَنْدَ فَجَهَّزَ
جَيْشاً كَثِيفاً مَعَ وَلدِهِ لِحَرْبِ جَلاَلِ الدِّيْنِ
ابْنِ خُوَارِزْم شَاه، وَحَاصرُوا خُوَارِزْم ثَلاَثَةَ
أَشْهُرٍ وَأَخَذوهَا، وَعَلَيْهِم أوكتَاي الَّذِي تملك
بعد جنكزخان، وَقُتِلَ بِهَا أُمَمٌ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ
قَتَلُوا خَلاَئِقَ مِنَ التَّتَارِ، وَأَخَذُوا
بِالسَّيْفِ مَرْوَ، وَبلْخَ، وَنَيْسَابُوْرَ، وَطُوسَ،
وَسَرْخَسَ، وَهرَاةَ، فَلاَ يُحصَى مَنْ رَاحَ تَحْتَ
السَّيْفِ.
وَقَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: قصدَتْ فِرقَةٌ
أَذْرَبِيْجَانَ وَأَرَّانَ وَالكُرْجَ، وَفِرقَةٌ
هَمَذَانَ وَأَصْبَهَانَ وَخَالطَتْ حُلْوَانَ قَاصدَةً
بَغْدَادَ، وَمَاجُوا فِي الدُّنْيَا بِالإِفسَادِ
يَعضُّونَ عَلَى مَنْ سَلَّمَ الأَنَاملَ من الغيط. إِلَى
أَنْ قَالَ: وَعَبرُوا إِلَى أُمَمِ القَفْجَاقِ وَاللاَنِ
فَغسلُوهُم بِالسَّيْفِ، وَخَرَجَ مِنْ رَقِيْقِ التُّرْكِ
خلقٌ حَتَّى فَاضُوا عَلَى البِلاَدِ.
(16/189)
وَأَمَّا الخَلِيْفَةُ فَإِنَّهُ جَمعَ
الجُمُوْعَ وَجَيَّشَ الجُيُوْشَ، وَحشرَ فَنَادَى،
وَأَتتْهُ البُعُوثُ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُوْنَ،
وَلَمَّا جَاءَ رَسُوْلُ التَّتَارِ احْتَفَلَ الجَيْشُ
وَبَالغُوا، حَتَّى امتلأَ قَلْبُهُ رُعْباً، وَدِمَاغُهُ
خيَالاً، فَرَجَعَ مُخَبِّراً.
وَأَمَّا أَهْلُ أَصْبَهَانَ فَفَتَحُوا، وَدَخَلَتِ
التَّتَارُ، فَمَالَ عَلَيْهِمُ النَّاسُ قتلاً، فَقَلَّ
مَنْ نَجَا مِنَ التَّتَارِ، سُئِلَ عَنْهُمُ الملكُ
الأَشْرَفُ، فَقَالَ: مَا أَقُوْلُ فِي قَوْمٍ لَمْ
يُؤسَرْ أَحَدٌ مِنْهُم قَطُّ. وَعَنْ نَيْسَابُوْرِيٍّ
قَالَ: أُحْصِيَ مَنْ قُتِلَ بِنَيْسَابُوْرَ، فَبلَغُوا
أَزْيَدَ مِنْ خَمْسِ مائَةِ أَلْفٍ. وَمِمَّا أَبَادُوْهُ
بلاَدَ فَرغَانَةَ وَهِيَ سَبْعُ مَمَالِكَ، وَمتَى
التَمَسَ الشَّخْصُ رَحمتَهُم، ازدَادُوا عتوًا، وإذا
اجتمعوا على خمر، أحضروا أُسَارَى وَيُمَثِّلُوْنَ بِهِم
بِأَنْ يُقَطِّعُوا أَعضَاءهُم، فَكلَّمَا صَاحَ،
ضَحِكُوا، نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ. وَقَدْ جُمِعَ
فِيهِم مِنْ كُلِّ وَحْشٍ رَدِيءُ خُلُقِهِ.
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: أَحصَيْتُ القَتْلَى بِمَرْوَ
فَكَانُوا سَبْعَ مائَةِ أَلْفٍ.
وَفِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ التقَى خوارزم شاه، وتولي
بن جنكزخان فَانْهَزَمُوا، وَقُتِلَ تُولِّي، وَبلغَ
الخَبَرَ أَبُوْهُ فَجُنَّ وَتنمَّرَ، وَأَسرعَ مُجِدّاً،
فَالتقَاهُ خُوَارِزْم شَاه فِي شوالها، فحمل على قلب
جنكزخان فَمَزَّقَهُ، وَانْهَزَمُوا لَوْلاَ كَمِينٍ لَهُم
خَرَجُوا عَلَى المسلمين، فانكسروا وأسر وَلدَ جَلاَلِ
الدِّيْنِ وَتَقهقَرَ إِلَى نَهْرِ السِّنْدِ فَغَرِقَ
حرمُهُ، وَنجَا فِي نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعَةِ آلاَفٍ حُفَاةً
عُرَاةً لِيختفِي فِي الجِبَالِ وَالآجَامِ يَعِيْشُوْنَ
مِنَ النَّهْبِ، فَحَارَبَهُ ملكٌ مِنْ مُلُوْكِ الهِنْدِ
فَرمَاهُ جَلاَلُ الدِّيْنِ بِسَهْمٍ فِي فؤَادِهِ
فَسَقَطَ وَتَمَزَّقَ جَيْشُهُ، وَحَازَ جَلاَلُ الدِّيْنِ
الغَنَائِمَ، وَعَاشَ، فَسَارَ إِلَى سِجِسْتَان، وَبِهَا
خَزَائِنُ لَهُ فَأَنفقَ فِي جندِهِ.
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: التقَاهُم جَلاَلُ الدِّيْنِ
بكَابُلَ فَهَزمَهُم، ثُمَّ فَارقَهُ شطْرُ جيشه لفتنة
جرت، وفاجأه جنكزخان، فَتحَيَّرَ جَلاَلُ الدِّيْنِ،
وَسَارَ إِلَى نَهْرِ السِّنْدِ، فلم يجد سفنًا تكفيهم،
وضايقه جنكزخان فَالتقَاهُ حَتَّى دَامَ الحَرْبُ
ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ،
وَجَاءت سُفُنٌ فَعَدَوا فِيْهَا، وَنَازلَتِ التَّتَارُ
غَزْنَةَ فَاسْتبَاحوهَا.
قُلْتُ: هَذَا كُلُّهُ وَجَيْشُ مِصْرَ وَالشَّامِ فِي
مُصَابِرَةِ الفِرَنْجِ بدِمْيَاطَ والأمر شديد.
ودخلت سنة تسع عشرة، فتخربت ملوك الهند على جلال الدين
لأذيته لَهُم، فَاسْتنَابَ أَخَاهُ جَهَان عَلَى مَا
فَتحَهُ مِنْ طَرِيْقِ الهِنْدِ، وَقصدَ العِرَاقَ،
وَقَاسَى المشَاقَّ، فَتَوَصَّلَ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفٍ
مِنْهُم مَنْ هُوَ رَاكِبُ البقرِ وَالحُمُرِ فِي سَنَةِ
621 فَقَدِمَ شيرَازَ فأتاه علاء الدين أَتَابَك مُذْعِناً
بِطَاعتِهِ، فَتَزَوَّجَ جَلاَلُ الدِّيْنِ بِابْنتِهِ.
وَقَدِمَ أَصْبَهَانَ فَسَرَّهُم قُدومُهُ، وَكَانَ
أَخُوْهُ غِيَاثُ
(16/190)
الدِّيْنِ فِي ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً،
وَبَينَهُم إِحَنٌ، وَهَرَبَ غِيَاثُ الدِّيْنِ، ثُمَّ
اصطَلَحَا، وَاجتَمَعَا، وَالتفَّتِ العَسَاكِرُ عَلَى
جَلاَلِ الدِّيْنِ، وَعظُمَ شَأْنُهُ.
وَفِي العَامِ: كَانَتِ الوقعَةُ بَيْنَ التَّتَارِ
الدَّاخلينَ مِنَ الدَّرْبَنْد، وَبَيْنَ القفجَاقِ
وَالرُّوْسِ، وَصَبَرُوا أَيَّاماً، ثُمَّ اسْتَحَرَّ
القتلُ بِالرُّوْسِ وَالقفجَاقِ.
وَفِي سَنَةِ 621: أَخَذَ الأَشْرَفُ مِنْ أَخِيْهِ غَازِي
خِلاَطَ، وَأَبقَى عَلَيْهِ مَيَّافَارِقِيْنَ.
وَفِيْهَا سَارَ جَلاَلُ الدِّيْنِ خُوَارِزْم شَاه إِلَى
أَذْرَبِيْجَانَ، فَاسْتولَى عَلَيْهَا، وَرَاسلَهُ
المُعَظَّم لِينصُرَهُ عَلَى أَخِيْهِ الأَشْرَفِ.
وَفِيْهَا خَنَقَ بدرُ الدِّينِ لُؤْلُؤٌ الملكَ القَاهِرَ
سِرّاً، وَتَمَلَّكَ المَوْصِلَ.
وَبُنِيَتْ دَارُ الحَدِيْثِ الكَامِليَّةُ، وَشيخُهَا
ابْنُ دِحْيَةَ.
وَقَدِمَ صَاحِبُ اليَمَنِ أَقسيس ابْنُ الملكِ الكَامِلِ
طَامعاً فِي أَخْذِ الشَّامِ، فَمَاتَ، وَورِثَ مِنْهُ
أَبُوْهُ أَمْوَالاً عَظِيْمَةً.
وَفِيْهَا رَجَعَتِ التَّتَارُ مِنْ بلاَدِ القَفْجَاقِ،
فَاسْتبَاحُوا الرَّيَّ وَسَاوه وَقُمّ، ثُمَّ التَقَوا
الخُوَارِزْمِيَّةَ.
وَفِيْهَا قصدَ غِيَاثُ الدِّيْنِ أَخُو خُوَارِزْم شَاه
بلاَدَ شِيرَازَ، فَأَخَذَهَا مِنْ أَتَابَك سَعْدٍ،
وَعَصَى أتابك في قلعة، تصالحا.
وَفِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ 622: وَصلَ جَلاَلُ
الدِّيْنِ فَأَخَذَ دقوقا بِالسَّيْفِ وَفعلَ كُلَّ قبيحٍ
لِكَوْنِهِم سَبُّوهُ عَلَى الأَسْوَارِ، وَعَزَمَ عَلَى
مُنَازِلَةِ بَغْدَادَ، فَانزعجَ الخَلِيْفَةُ، وَكَانَ
قَدْ فُلِجَ، فَأَنفقَ أَلفَ أَلفِ دِيْنَارٍ، وَفرَّقَ
العُدَدَ وَالأَهرَاءَ.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: قَالَ لِي المُعَظَّم: كَتَبَ
إِلَيَّ جَلاَلُ الدِّيْنِ يَقُوْلُ: تَجِيْءُ أَنْتَ
وَاتَّفِقْ مَعِي حَتَّى نقصد الخليفة، فإنه كان السبب في
هلال أَبِي، وَفِي مَجِيْءِ التَّتَارِ وَجَدْنَا كُتُبَهُ
إِلَى الخَطَا وَتَواقيعَهُ لَهُم بِالبِلاَدِ وَالخِلَعِ
وَالخيلِ. فَكَتَبتُ إِلَيْهِ: أَنَا مَعَكَ إلَّا عَلَى
الخَلِيْفَةِ، فَإِنَّهُ إِمَامُ الإِسْلاَمِ.
قَالَ: وَخَرَجَتْ عَلَيْهِ الكُرْجُ، فَكَرَّ نَحْوَهُم،
وَعَمِلَ مَصَافّاً، فَقتلَ مِنْهُم سَبْعِيْنَ أَلْفاً،
قَالَهُ أَبُو شَامَةَ- وَأَخَذَ تَفلَيْسَ بِالسَّيْفِ،
وَافتَتَحَ مَرَاغَةَ، ثُمَّ حَاصرَ تَبرِيزَ
وَتسلَّمَهَا، وَبدَّعَ وَظلَمَ كعوَائِدِهِ.
وَفِي سَلْخِ رَمَضَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ تُوُفِّيَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ،
فَبُوْيِعَ ابْنُهُ الظَّاهِرُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدٌ
كَهْلاً، فَكَانَتْ دَوْلَةُ النَّاصِرِ سَبْعاً
وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: بقي الناصر ثلاث سنين عاطلا عن
الحركة بالكلية، وَقَدْ ذَهَبَتْ عينُهُ رَحِمَهُ اللهُ،
ثُمَّ مَاتَ وبويع الظاهر ابنه.
(16/191)
جنكز خان، ابن
الجباب:
5575- جِنْكِزْ خَان 1:
ملكُ التَّتَارِ وَسُلْطَانُهُم الأَوّلُ الَّذِي خَرَّبَ
البِلاَدَ وَأَفنَى العِبَادَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى
المَمَالِكِ، وَلَيْسَ لِلتَّتَارِ ذِكرٌ قَبْلَهُ،
إِنَّمَا كَانَتْ طَوَائِفُ المغولِ بَادِيَةً بِأَرَاضِي
الصِّينِ فَقَدَّمُوْهُ عَلَيْهِم، فَهَزمَ جيوش الخطا،
واستولى على ممالكهم، ثم على ترسكتان وَإِقْلِيْمِ مَا
وَرَاءِ النَّهْرِ ثُمَّ إِقْلِيْمِ خُرَاسَانَ وَبلاَدِ
الجبلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَذعَنَتْ بطَاعتِهِ جَمِيْعُ
التَّتَارِ، وَأَطَاعُوْهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَمْ
يَكُنْ يَتقيَّدُ بدينِ الإِسْلاَمِ وَلاَ بِغَيْرِهِ،
وَقَتْلُ المُسْلِمِ أَهوَنُ عِنْدَهُ مِنْ قَتْلِ
البُرْغُوثِ، وَلَهُ شَجَاعَةٌ مُفْرِطَةٌ وَعَقلٌ وَافرٌ
وَدَهَاءٌ وَمَكرٌ. وَأَوَّلُ مَظْهْرِهِ كَانَ فِي سَنَةِ
تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَمَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ، وَاسْمُهُ: تُمرجين،
وَالملكُ فِي عَقِبِهِ إِلَى اليَوْمِ. وَكُرْسِيُّ
مَمْلَكتِهِ خَان بِالق قَاعِدَةُ الخَطَا. وَخلَّفَ
سِتَّةَ بَنِيْنَ، تَملَّكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ أوكتَاي،
ثُمَّ بَعْدَهُ مونكوقَا أَخُو هُولاَكو الطَّاغِيَة،
ثُمَّ وَلِي قُبلاَي أَخُوْهُم، فَبقِي قُبلاَي إِلَى
سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَثَلاَثتُهُم
بنو تولي بن جنكزخان، وقتل تولي في ملحمة بَيْنَهُ
وَبَيْنَ خُوَارِزْم شَاه جَلاَلِ الدِّيْنِ فِي حياة
جنكزخان سَنَة ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5576- ابْنُ الجَبَّابِ 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَدْلُ الكَبِيْرُ فَخرُ
الأَكَابِرِ القَاضِي الأَسْعَدُ صفِيُّ المُلْكِ أَبُو
البَرَكَاتِ عَبْدُ القوِيِّ ابْنُ القَاضِي الجَلِيْسِ
أَبِي المَعَالِي عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ الحُسَيْنُ بنُ
عَبْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ الجَبَّابِ
التَّمِيْمِيُّ السَّعْدِيُّ الأَغْلَبِيُّ المِصْرِيُّ
المَالِكِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ رِفَاعَةَ
الفَرَضِيِّ، وَأَبِي الفُتُوْحِ الخَطِيْبِ المُقْرِئِ،
وَابْنِ العِرْقِيِّ، وَأَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ،
وَأَبِي البقَاءِ عُمَرَ ابنِ المَقْدِسِيِّ وَطَائِفَةٍ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 268"،
وشذرات الذهب "5/ 113".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 259"،
وشذرات الذهب "5/ 95".
(16/192)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ،
وَعُمَرُ بنُ الحَاجِبِ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالفَخْرُ
عَلِيٌّ، وَشَرفُ القُضَاةِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ الجَبَّابِ، وَالنَّجِيْبُ مُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ الهَمَذَانِيُّ، وَأَبُو المَعَالِي
الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ
المُحْتَسِبُ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: مِنْ بَيْتِ السُّؤْدُدِ،
وَالفَضْلِ، وَالكَرمِ، وَالتَّقَدُّمِ، له من الوَقَارِ
وَالهَيْبَةِ مَا لَمْ يُعْرَفُ لغَيْرِهِ، وَكَانَ ذَا
حِلْمٍ وَصمتٍ، وَلِيَ وِلاَيَاتٍ أَبَانَ فِيْهَا عَنْ
أَمَانَةٍ وَنزَاهَةٍ، وَكَانَ كَثِيْرَ اللُّطْفِ.
وَأَصلُهُ مِنَ القَيْرَوَانِ، تَفَرَّدَ بِالسِّيرَةِ
عَنِ ابْنِ رِفَاعَةَ، سَمِعَهَا فِي سَنَةِ سِتٍّ
وَخَمْسِيْنَ، بقِرَاءةِ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ القَيْسِيِّ
وَتَحتَ الطَّبَقَةِ تَصْحِيْح ابْنِ رِفَاعَةَ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: وَكَانَ شَيْخاً، ثِقَةً،
ثَبْتاً، عَارِفاً بِمَا سَمِعَ لاَ يُنْسَبُ فِي ذَلِكَ
إِلَى غرضٍ، قَالَ: وَرَأَيْتُ خطَّ تَقِيِّ الدِّيْنِ
ابْنِ الأَنْمَاطِيِّ وَهُوَ يُثْنِي عَلَى شَيْخِنَا
هَذَا ثنَاءً جَمِيْلاً، وَيذكرُ مِنْ جُمْلَةِ
مَسْمُوْعَاتِهِ السِّيرَةَ، وَكَانَ قَدْ صَارَتِ
السِّيرَةُ عَلَى ذِكْرِ الشَّيْخِ بِمَنْزِلَةِ
الفَاتِحَةِ، يُسَابِقُ القَارِئَ إِلَى قِرَاءتِهَا،
وَكَانَ قَيِّماً بِهَا وَبِمُشْكِلِهَا، وَهُوَ أَنبلُ
شَيْخٍ وَجَدْتُهُ بِمِصْرَ رِوَايَةً وَدرَايَةً، وَكَانَ
لاَ يُحَدِّثُ إلَّا وَأَصلُهُ بِيَدِهِ، وَلاَ يَدعُ
القَارِئَ يُدْغِمُ. وَكَانَ أَبُوْهُ جَلِيْساً
لخَلِيْفَةِ مِصْرَ. قَالَ: وَحَضَرتُهُ يَوْماً وَقَدْ
أَهدَى لَهُ بَعْضُ السَّامعينَ هديَةً فَرَدَّهَا
وَأَثَابَهُ عَلَيْهَا، وَقَالَ: مَاذَا وَقتُ هَدِيَّةٍ.
وَكَانَ طَوِيْلَ الرُّوحِ عَلَى السَّمَاعِ، كُنَّا
نَسْمَعُ عَلَيْهِ مِنَ الصُّبْحِ إِلَى العصرِ. إِلَى
أَنْ قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ فِي رِحلتِي شَيْخاً لَهُ
خَمْسٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً أَحْسَنَ هَدْياً وَسَمْتاً
وَاسْتقَامَةَ قَامَةٍ مِنْهُ، وَلاَ أَحْسَنَ كَلاَماً،
وَلاَ أظرف إيرادًا منه، فلقد كان لِلدِّيَارِ
المِصْرِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: سَمِعْتُ الحَافِظَ عَبْدَ
العَظِيْمِ يَتَكَلَّمُ فِي سَمَاعِهِ لِلسِّيرَةِ،
وَيَقُوْلُ: هُوَ بقِرَاءةِ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ، وَكَانَ
كَذَّاباً، وَكَانَ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ يُثَبِّتُ
سَمَاعَهُ وَيُصَحِّحُهُ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى "العُنوَانَ" فِي القِرَاءاتِ عَنِ
الشَّرِيْفِ أبي الفتوح الخَطِيْبِ، رَوَاهُ عَنْهُ شَيْخٌ
سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. وَقَرَأْتُ
السِّيرَةَ عَلَى الأَبَرْقُوْهِيِّ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ
فِي صَفَرٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ،
وَمَاتَ فِي السَّنَةِ فِي سَلْخِ شَوَّالِهَا.
(16/193)
5577- ابن مكرم
1:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ المُسْنِدُ الزَّاهِدُ أَبُو
جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ المُكَرَّمِ بنِ
عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيِّ،
وَمُحَمَّدِ بنِ نَاصِرٍ، وَالمُعَمَّرِ بنِ أَحْمَدَ
الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ،
وَطَائِفَةٍ. وَكَانَ وَالِدُهُ يَرْوِي عَنْ: نَصْرِ بنِ
البَطِرِ، وَكَانَ أَخُوْهُ المكرَّمُ مِنْ رُوَاةِ "جُزءِ
الأَنْصَارِيِّ". يَرْوِي عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَابْنُ
عَبْدِ الدَّائِمِ.
حَدَّثَ أَبُو جَعْفَرٍ بِـ "صَحِيْحِ البُخَارِيِّ"
بِإِرْبِلَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدبيثي، وابن النجار، والبرزالي،
والجمال محمد بن الدباب، والإمام مجد الدين ابن ظهير،
وَالقَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ خَلِّكَانَ، وَأَخُوْهُ
بَهَاءُ الدين محمد قاضي بعلبك، وآخرون.
مَاتَ بِبَغْدَادَ، فِي خَامِسِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ
إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
أَنبَانَا الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّيْنِ بنُ أَحْمَدَ
الإِرْبِلِيُّ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
بنُ مُكَرَّمٍ بِإِرْبِلَ -فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
وَمَاتَ مَعَهُ: أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي
الفَتْحِ بنِ صِرْمَا الأَزَجِيُّ، وَالحَافِظُ أَبُو
سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ بنِ
حَوْطِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ بِمَالَقَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ
زَيْدُ بنُ يَحْيَى الأزجي البيع، والمقرئ أَبُو طَالِبٍ
عَبْد الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ السَّمِيْعِ
الهَاشِمِيُّ الوَاسِطِيُّ، وَأَبُو البَرَكَاتِ عَبْدُ
القوِيِّ بنُ الجَبَّابِ السَّعْدِيُّ وَأَبُو القَاسِمِ
عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ عَلِيٍّ اللَّخْمِيُّ ابْنُ
البَيْسَانِيِّ أَخُو القَاضِي الفَاضِلِ، -قَالَ
المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: كَانَ عِنْدَهُ زُهَاءُ
مائَتَيْ أَلفِ كِتَابٍ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ
مُعَمَّرِ بنِ عَسْكَرَ، وَالقَاضِي عَلِيُّ بنُ عَبْدِ
الرَّشِيْدِ ابْنُ بُنَيْمَانَ الهَمَذَانِيُّ، وَعَلِيُّ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّبِيْهِ الشَّاعِرُ صَاحِبُ
"الدِّيْوَانِ"، وَعَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ بنِ صَبُوخَا،
وَشَيْخُ الطِّبِّ شَمْسُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدَانَ الدِّمَشْقِيُّ ابْنُ اللّبودِيِّ، وَشَيْخُ
المَالِكِيَّةِ أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي
عَبْدِ اللهِ بنِ زَرْقُوْنَ الإِشْبِيْلِيُّ،
وَالمُقْرِئُ الفَخْرُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الفَرَجِ
المَوْصِلِيُّ، وَالقُدْوَةُ الكَبِيْرُ الشَّيْخُ عليٍّ
الفرنثيِّ بِالجبلِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ بنِ اليتيم الأندرشي المحدث الرحال.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 260"، وشذرات الذهب "5/
96".
(16/194)
5578- ابن
البناء 1:
الشيخ الجليل المسند أبو الحسن علي بن أبي الكرم نصر بن
المبارك ابن أَبِي السَّيِّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الوَاسِطِيُّ
الأَصْلِ البَغْدَادِيُّ ثُمَّ المَكِّيُّ الخَلاَّلُ
ابْنُ البَنَّاءِ.
رَاوِي "الجَامِعِ" عَنْ عَبْدِ المَلِكِ الكَرُوْخِيِّ،
وَمَا علمتُهُ رَوَى شَيْئاً غَيْرَهُ، حَدَّثَ بِهِ
بِمَكَّةَ وَالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَمِصْرَ وَدِمْيَاطَ،
وَقُوصَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَالمُنْذِرِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الحَضْرَمِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ
عُثْمَانَ القَابِسِيُّ، وَذَاكرُ بنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ
مُؤَذِّنُ الحرمِ، وَالبَهَاءُ زُهَيْرٌ المُهَلَّبِيُّ
الشَّاعِرُ، وَإِسْحَاقُ بنُ قُرَيْشٍ المخزومي، وقطب
الدين محمد ابن القَسْطَلاَنِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
الخَالِقِ بنِ طَرْخَانَ الأُمَوِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ
صَالِحٍ الحُسَيْنِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ إِسْحَاقَ
الطَّبَرِيُّ المَكِّيَّانِ، وَمُحَمَّدُ بنُ تَرْجَمَ
المِصْرِيُّ.
مَاتَ بِمَكَّةَ فِي صَفَرٍ، وَقِيْلَ فِي رَبِيْعٍ الأول
سنة اثنتين وعشرين وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 263"، وشذرات الذهب لابن
العماد "5/ 101".
(16/194)
ابن يونس، القزويني:
5579- ابن يونس 1:
العَلاَّمَةُ شَرَفُ الدِّيْنِ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ
ابْنُ الشيخ الكبير كمال الدين مُوْسَى ابنِ الشَّيْخِ
رَضِيِّ الدِّيْنِ يُوْنُسَ بنِ مُحَمَّدٍ الإِرْبِلِيُّ،
ثُمَّ المَوْصِلِيُّ، الشَّافِعِيُّ، صَاحِبُ "شَرْحِ
النبيه".
مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الآخَرِ، سَنَة اثْنَتَيْنِ
وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، كَهْلاً فِي حَيَاةِ
أَبِيْهِ، وَقَدِ اخْتصرَ "الإِحيَاءَ" مَرَّتَينِ، وَلَهُ
مَحْفُوْظَاتٌ كَثِيْرَةٌ وَذِهْنٌ وقاد.
5580- القزويني 2:
القَاضِي الإِمَامُ الفَاضِلُ المُحَدِّثُ الصَّالِحُ
الجَوَّالُ مَجْدُ الدين أبو المجد محمد بن الحسين بن
أَبِي المَكَارِمِ أَحْمَدَ بنِ حُسَيْنِ بنِ بَهْرَامَ
القَزْوِيْنِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ
بقَزْوِيْنَ. وَسَمِعَ أَبَاهُ، وَمُحَمَّدَ بنَ أَسْعَدَ
العَطَّارِيَّ حَفَدَةَ، وَأَحْمَدَ بنَ يَنَالَ
الأَصْبَهَانِيَّ التُّركَ، وَأَبَا الخَيْرِ
القَزْوِيْنِيَّ الوَاعِظَ، وَأَبَا الفَرَجِ ثَابِتَ بنَ
مُحَمَّدٍ المَدِيْنِيَّ، وَأَبَا حَفْصٍ المَيَانَشِيَّ،
وَجَمَاعَةً.
وَحَدَّثَ: بِأَذْرَبِيْجَانَ وَبَغْدَادَ وَالمَوْصِلَ
وَأَصْبَهَانَ وَرَأْسَ عينٍ وَدِمَشْقَ وَبَعْلَبَكَّ
وَحَرَّانَ وَأَقْصَرَا وَنَصِيْبِيْنَ وَأَبهرَ
وَقَزْوِيْنَ وَخَوِي وَإِرْبِلَ وَدُوَيْنَ وَالرَّيَّ
وَمِصْرَ، وَنَزَلَ بِخَانقَاه سعيد السعداء، واشتهر اسمه
وتفرد برواية هَذَيْنِ الكِتَابَينِ "معَالِم
التَّنْزِيلِ" وَ"شرح السُّنَّةِ" للبغوي.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَعزُّ
الدِّينِ عَبْدُ الرازق الرسعني، والسيف عبد الرحمن بن
محفوظ، والفخر عبد الرحمن بنُ يُوْسُفَ، وَالقَاضِي تَاجُ
الدِّيْنِ عَبْدُ الخَالِقِ، وَالبَهَاءُ عَبْدُ اللهِ بنُ
مَحْبُوبٍ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ مَحَاسِنَ
المِعْمَارُ، وَعَبْدُ القَاهِرِ بنُ تَيْمِيَةَ، والفقيه
عباس بن عبدان، وأبو اليمن بن عَسَاكِرَ، وَابْنُ عَمِّهِ
شَرَفُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ، وَالمحيِي يَحْيَى بنُ عَلِيٍّ
ابْنُ القَلاَنسِيِّ، وَالكَمَالُ عَبْدُ اللهِ بنُ
قوَامٍ، وَالجمَالُ عُمَرُ ابنُ العَقِيْمِيِّ، وَالعِزُّ
إِسْمَاعِيْلُ ابنُ الفَرَّاءِ، وَالتَّقِيُّ
إِبْرَاهِيْمُ ابنُ الوَاسِطِيِّ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّدٌ،
وَالتَّقِيُّ أَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَالعِزُّ أَحْمَدُ
ابنُ العِمَادِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي الحَسَنِ
الفَرَّاءُ، وَالعِمَادُ بنُ سَعْدٍ، وَالشَّمْسُ خَضِرُ
بن عبدان، والشهاب الأبرقوهي، والضياء عبد الرحمن
السُّلَمِيُّ خَطِيْبُ بَعْلَبَكَّ، وَبِهِ خُتِمَ
حَدِيْثَهُ.
مَاتَ بِالمَوْصِلِ، فِي ثَالِثَ عَشَرَ شَعْبَانَ،
-وَقِيْلَ: فِي الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْهُ- سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: حَدَّثَ بِأَمَاكنَ، وَحصَلَ
لَهُ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا صَالِحٌ، وَهُوَ شَيْخٌ
مُتَيَقِّظٌ، حسنُ الوَجْهِ، طلَبَ وَكَتَبَ وَحصَّلَ،
وَهُوَ مِنْ بَيْتٍ مَشْهُوْرٍ بِالعِلْمِ وَالرِّوَايَةِ،
وَسَمِعَ مِنْ جدِّهِ أَبِي المَكَارِمِ، حَدَّثَ سَنَةَ
عِشْرِيْنَ بِبَغْدَادَ بـ "أربعين" من جمعه.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 99".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 263"،
وشذرات الذهب "5/ 101".
(16/195)
5581- الأندرشي
1:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ الجَوَّالُ أَبُو عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ،
ابْنُ اليَتيمِ الأَنْدَلُسِيُّ، الأَنْصَارِيُّ،
الأَنْدَرَشِيُّ، وَيُعْرَفُ أَيْضاً: بِابْنِ
البَلَنْسِيِّ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ، وَابْنِ
النِّعْمَةِ بِبَلَنْسِيَّةَ، وَمِنْ أَبِي مَرْوَانَ بنِ
قُزْمَانَ بِأَشبونَةَ، وَمِنْ أَبِي إِسْحَاقَ بنِ
قُرْقُوْلَ بِمَالقَةَ، وَمِنِ ابْنِ حُبَيْشٍ
بِمُرْسِيَةَ، وَمِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ بَشْكُوَالَ
بقُرْطُبَةَ، وَمِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ حُنَيْنٍ بِفَاسَ،
وَمِنْ عَبْدِ الخَالِقِ الحَافِظِ بِبَجَايَةَ، وَمِنَ
السِّلَفِيِّ بِالثَّغْرِ، وَمِنْ عثمان ابن فَرَجٍ
بِمِصْرَ، وَمِنْ شُهْدَةَ الكَاتِبَةِ بِبَغْدَادَ،
وَمِنْ أَبِي الفَضْلِ الخَطِيْبِ بِالمَوْصِلِ، وَمِنِ
ابْنِ عَسَاكِرَ بِدِمَشْقَ، وَمِنَ المَيَانَشِيِّ
بِمَكَّةَ، وَجَمَعَ وَخَرَّجَ، عَلَى لِيْنٍ فِيْهِ.
قَالَ ابْنُ مَسْدِيٍّ: لَمْ يَكُنْ سليماً مِنَ
التَّرْكِيبِ حَتَّى كثُرَتْ سَقَطَاتُهُ، تَتبَّعَ
عثرَاتِهِ أَبُو الرَّبِيْعِ الكَلاَعِيُّ، وَكَانَ
أَبُوْهُ يُعْرَفُ بِالأُسْتَاذِ، فَجَالَ بِهِ فِي
الطَّلَبِ، وَأَسْمَعَهُ فِي سنة اثنتي وَخَمْسِيْنَ مِنْ
جَمَاعَةٍ تَفَرَّدَ عَنْهُم، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ
حَافِظاً، وَكَانَ شَرِهاً يَرْوِي المَوْضُوْعَاتِ.
قَالَ ابْنُ مَسْدِي: سَمِعْتُ مِنْهُ كَثِيْراً،
وَرَأَيْتُ بِخَطِّهِ إِسْنَادَ "صَحِيْحِ البُخَارِيِّ"،
عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ السِّلَفِيِّ عَنِ ابْنِ البَطِر،
عَنِ ابْنِ البَيِّعِ، عَنِ المَحَامِلِيِّ، عَنْهُ.
قُلْتُ: لَيْسَ عِنْدَ أَحَدٍ مَنْ هَؤُلاَءِ بِهَذَا
العُلُوِّ -أَعنِي السِّلَفِيَّ وَشيخَهُ- سِوَى حَدِيْثٍ
وَاحِدٍ وَقَعَ فِي "الدُّعَاءِ" لِلمَحَامِلِيِّ، عَنِ
البُخَارِيِّ.
وَقَدْ وَثَّقَ الأَنْدَرَشِيَّ جَمَاعَةٌ، وَحَمَلُوا
عَنْهُ، وَمَا هُوَ بِمُتْقِنٍ، وَوَلِيَ خِطَابَةَ
المَرِيَّةِ.
قَالَ الأَبَّارُ: كَانَ مُكْثِراً رَحَّالَةً، نَسَبَهُ
بَعْضُ شُيُوْخِنَا إِلَى الاضْطِرَابِ، وَمَعَ ذَلِكَ
انتَابَهُ النَّاسُ، وَأَخَذَ عَنْهُ أَبُو سُلَيْمَانَ
بنُ حَوْطِ اللهِ وَأَكَابِرُ أَصْحَابِنَا، وَأَجَاز لِي،
وَأَوَّلُ رِحلَتِهِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى
وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَلَى ظهر البحر، قاصدًا
مالقة.
وقال ابن الأثير: سَمِعَ "المُوَطَّأَ" مِنِ ابْنِ
حُنَيْنٍ بِفَاسَ، عَنِ ابْنِ الطَّلاَّعِ.
قُلْتُ: عِنْدَهُ مِنْ عَوَالِي مَالِكٍ ما سمعه من شهدة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 95، 96".
(16/196)
5582- الرافعي
1:
شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ عَالِمُ العَجمِ وَالعَربِ إِمَامُ
الدِّينِ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الكَرِيْمِ ابنُ
العَلاَّمَةِ أَبِي الفضل محمد بن عبد الكريم بن الفضل بنِ
الحُسَيْنِ الرَّافِعِيُّ، القَزْوِيْنِيُّ.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقرَأَ عَلَى أَبِيْهِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ.
وَرَوَى عَنْهُ: وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الفُتُوْحِ
بنِ عِمْرَانَ الفَقِيْهِ، وَحَامِدِ بنِ مَحْمُوْدٍ
الخَطِيْبِ الرَّازِيِّ، وَأَبِي الخَيْرِ
الطَّالْقَانِيّ، وَأَبِي الكَرَمِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ
الكَرِيْمِ الهَمَذَانِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ
الرَّازِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ أَحْمَدَ بنِ
حَسْنَوَيْه، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ الخَلِيْلِ
الخَلِيْلِيّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي طَالِبٍ الضَّرِيْرِ،
وَالحَافِظِ أَبِي العَلاَءِ العَطَّارِ -وَأُرَاهُ
بِالإِجَازَةِ- وَبِهَا عَنْ: أَبِي زُرْعَةَ
المَقْدِسِيِّ، وَأَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ.
سَمِعَ مِنْهُ الحَافِظُ عَبْدُ العَظِيْمِ بِالمَوْسِمِ،
وَأَجَازَ لأَبِي الثَّنَاءِ مَحْمُوْدِ بنِ أَبِي
سَعِيْدٍ الطَّاوُوْسِيِّ، وَعَبْدِ الهَادِي بنِ عَبْدِ
الكَرِيْمِ خَطِيْبِ المِقيَاسِ، وَالفَخْرِ عبد العزيز بن
عبد الرحمن ابْنِ السُّكَّرِيِّ.
وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِينَ، يُذْكَرُ عَنْهُ
تَعَبُّدٌ، وَنُسْكٌ، وَأَحْوَالٌ، وَتوَاضعٌ انْتَهَت
إِلَيْهِ
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 266"، وشذرات الذهب لابن
العماد "5/ 108".
(16/197)
مَعْرِفَةُ المَذْهَبِ. لَهُ: "الفَتْحُ
العَزِيْزِ فِي شرحِ الوجِيْزِ"، وَشرحٌ آخرُ صَغِيْرٌ،
وَلَهُ "شرحُ مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ" فِي مُجَلَّدَيْنِ،
تَعِبَ عَلَيْهِ، وَأَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً مَرْوِيَّةً،
وَلَهُ "أَمَالِي عَلَى ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً"،
وَ"كِتَابُ التَّذْنِيبِ" فَوَائِدُ عَلَى الوجِيْزِ.
قَالَ ابْنُ الصلاح: أظن أني لَمْ أَرَ فِي بلاَدِ العجمِ
مِثْلَهُ، كَانَ ذَا فُنُوْنٍ، حَسَنَ السِّيْرَةِ،
جَمِيْلَ الأَمْرِ.
وَقَالَ أبو عبد الله محمد بن مُحَمَّدُ
الإِسْفَرَايِيْنِيُّ الصَّفَّارُ: هُوَ شَيْخُنَا،
إِمَامُ الدِّينِ، نَاصِرُ السُّنَّةِ صِدْقاً، أَبُو
القَاسِمِ، كَانَ أَوحدَ عصرِهِ فِي الأُصُوْلِ
وَالفُرُوْعِ، وَمُجْتَهِدَ زَمَانِهِ، وَفرِيْدَ وَقتِهِ
فِي تَفْسِيْرِ القُرْآنِ وَالمَذْهَبِ، كَانَ لَهُ مجلس
التفسير، وَتَسمِيْعِ الحَدِيْثِ بِجَامِعِ قَزْوِيْنَ،
صَنَّفَ كَثِيْراً، وَكَانَ زَاهِداً، وَرِعاً، سَمِعَ
الكَثِيْرَ.
قَالَ الإِمَامُ النَّوَاوِيُّ: هُوَ مِنَ الصَّالِحِيْنَ
المُتَمَكِّنِيْنَ، كَانَتْ لَهُ كَرَامَاتٌ كَثِيْرَةٌ
ظَاهِرَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: تُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ
سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: سَمِعْتُ مِنْ أَبِي حُضُوْراً فِي
الثَّالِثَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّيْنِ الفَزَارِيُّ:
حَدَّثَنَا ابْنُ خَلِّكَانَ، أَنَّ خُوَارِزْم شَاه غَزَا
الكُرْجَ، وَقَتَلَ بسيفِهِ حَتَّى جَمَدَ الدَّمُ عَلَى
يَدِهِ، فَزَارَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ
الَّتِي جَمَدَ عَلَيْهَا دَمُ الكُرْجِ حَتَّى
أُقَبِّلَهَا، قَالَ: لاَ بَلْ أَنَا أُقَبِّلُ يَدَكَ،
وَقَبَّلَ يَدَ الشَّيْخِ.
قُلْتُ: وَلوَالِدِ الرَّافِعِيِّ رِحلَةٌ لَقِيَ فِيْهَا
عَبْدَ الخَالِقِ ابْنَ الحشامي، وَطَبَقَتَهُ، وَبَقِيَ
إِلَى سَنَةِ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَالَ مُظَفَّرُ الدِّيْنِ قَاضِي قَزْوِيْنَ: عِنْدِي
بِخَطِّ الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ التَّدْوِيْنِ فِي
تَوَارِيخِ قَزْوِيْنَ لَهُ أَنَّهُ مَنْسُوْبٌ إِلَى
رَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ الأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ.
قَالَ لِي أَبُو المَعَالِي بنُ رَافِعٍ: سَمِعْتُ
الإِمَامَ رُكْنَ الدِّيْنِ عَبْدَ الصَّمَدِ بنَ
مُحَمَّدٍ القَزْوِيْنِيَّ الشَّافِعِيَّ يَحكِي ذَلِكَ
سَمَاعاً مِنْ مُظَفَّرِ الدِّيْنِ، ثُمَّ قَالَ
الرُّكْنُ: لَمْ أَسْمَعْ بِبلاَدِ قَزْوِيْنَ بِبلدَةٍ
يقال لها: رافعان.
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المُقْرِئُ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَظِيْمِ الحَافِظُ سَنَةَ خَمْسٍ
وَخَمْسِيْنَ، حَدَّثَنَا الشَّيْخُ أَبُو القَاسِمِ
عَبْدُ الكَرِيْم بنُ مُحَمَّدٍ القَزْوِيْنِيّ لَفْظاً
بِمَسْجِدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ إِذْناً "ح".
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الخَالِقِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا
أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو
زُرْعَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ
المُقَوِّمِيِّ إِجَازَةً -إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعاً،
أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ القَطَّانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ
مَاجَه، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا
زَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ
عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ
جَابِرٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: "صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ
أَلْفِ صَلاَةٍ فِيْمَا سِوَاهُ، إلَّا المَسْجَدَ
الحَرَامَ، وَصَلاَةُ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ أَفْضَلُ
مِنْ مائَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ" 1.
قَالَ عَبْدُ العَظِيْمِ: صوَابُهُ ابن أسد.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 343 و397" من حديث جابر بن عبد
الله، به.
وقد خرجت الحديث بإسهاب واستيعاب لطرقه في كتاب [الجواب
الباهر في زوار المقابر] لابن تيمية ط. دار الجيل بيروت
"ص23" فراجعه ثمت إذا رمت زيادة علم.
(16/198)
5583- البخاري
1:
العَلاَّمَةُ الأُصُوْلِيُّ الشَّمْسُ أَبُو العَبَّاسِ
أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَحْمَدَ المَقْدِسِيُّ
الحَنْبَلِيُّ المُلَقَّبُ بِالبُخَارِيِّ، أَخُو
الحَافِظِ الضِّيَاءِ، وَوَالِدُ الشَّيْخِ الفَخْرِ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ.
وَارْتَحَلَ فَسَمِعَ مِنِ ابْنِ شَاتيلَ، وَالقَزَّازِ،
وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: عَبْدِ المُنْعِمِ ابنِ
الفُرَاوِيِّ، وَبِهَمَذَانَ مِنْ: عَلِيِّ بنِ عَبْدِ
الكَرِيْمِ العَطَّارِ، وَبِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي
المَعَالِي بنِ صَابِرٍ، وَأَبِي الفَهْمِ ابنِ أَبِي
العَجَائِزِ، وَعِدَّةٍ. وَأَقَامَ بِبُخَارَى مُدَّةً
يَشتغلُ عَلَى أَبِي الخَطَّابِ شرفٍ، وَأَخَذَ الخلاَفَ
عَنِ الرَّضِيِّ النَّيْسَابُوْرِيِّ. وَكَانَ ذَكيّاً،
مُفَنَّناً، مُنَاظراً، وَقُوْراً، فَصِيْحاً، نَبيلاً،
حُجَّةً، كُلُّ أَحَدٍ يُثنِي عَلَيْهِ.
رَوَى عَنْهُ أَخُوْهُ، وَوَلَدُهُ، وَابْنُ أَخِيْهِ
شَمْسُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ ابنُ الكَمَالِ، وَابْنُ
خَالِهِ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرحمن،
وَالقُوْصِيُّ، وَالعِزُّ ابنُ العِمَادِ، وَابْنُ
الفَرَّاءِ، وَمُحَمَّدُ ابنُ الوَاسِطِيِّ، وَخَدِيْجَةُ
بِنْتُ الرَّضِيِّ.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، نَزلَ حِمْصَ مُدَّةً.
وَمَاتَ فِي نِصْفِ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 266"،
وشذرات الذهب "5/ 107".
(16/199)
ابن دمدم، المصري:
5584- ابن دمدم:
فَقِيْهُ المَغْرِبِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ
العَلاَّمَةِ عبد الرحمن بنِ أَحْمَدَ الرَّبَعِيُّ،
التُّوْنُسِيُّ، المَالِكِيُّ، مُفْتِي غَرْنَاطَةَ.
قَالَ ابْنُ مَسْدِيٍّ: هُوَ أَحْفَظُ مَنْ لَقِيْتُ
لِمَذْهَبِ مَالِكٍ، تَفَقَّهَ بِأَبِيْهِ دُمْدُمٍ،
وَسَمِعَ مِنَ الحافظ عبد الحق.
مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ
نيف وثمانون سنة.
5585- المصري 1:
العَلاَّمَةُ قَاضِي الشَّامِ جَمَالُ الدِّيْنِ يُوْنُسُ
بنُ بَدْرَانَ بنِ فَيْرُوْزِ بنِ صَاعِدِ بنِ عَالِي
القُرَشِيُّ، الشَّيْبِيُّ، الحِجَازِيُّ، ثُمَّ
المليجِيُّ، المِصْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ تَقَرِيْباً.
وَسَمِعَ مِنَ السِّلَفِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ هِبَةِ اللهِ
الكَامِلِيِّ. وَذَهَبَ رَسُوْلاً إِلَى الخَلِيْفَةِ،
وَوَلِيَ وَكَالَةَ بَيْتِ المَالِ، وَتَدرِيسَ
الأَمِينِيَّةِ، ثُمَّ قَضَاءَ القُضَاةِ، وَأَلقى
بِالعَادليَّةِ جَمِيْعَ تَفْسِيْرِ القُرْآنِ دُروساً،
وَاختصرَ الأُمَّ، وَلَهُ مصَنَّفٌ فِي الفَرَائِضِ،
وَكَانَ شَدِيدَ الأُدْمَةِ، يَلثغُ بِالقَافِ هَمزَةً.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ فِي وِلاَيتِهِ عَفِيْفاً،
نَزِهاً، مَهِيْباً، يَحكمُ بِالجَامِعِ، وَنُقِمَ
عَلَيْهِ أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وِرَاثَةُ شَخْصٍ
يَأْمرُهُ بِمُصَالَحَةِ بَيْتِ المَالِ، وَلكونِهِ
اسْتنَابَ ابْنَ أَخِيْهِ مُحَمَّدٍ. إِلَى أَنْ قَالَ:
وَتُكُلِّمَ فِي نسبِهِ.
قَرَأْتُ بِخَطِّ الحَافِظِ الضِّيَاءِ: تُوُفِّيَ بدمشق،
وقليل من ترحم عليه.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ البِرْزَالِيُّ، وَعُمَرُ بنُ
الحَاجِبِ، وَالقُوْصِيُّ.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: كَانَ يُشَارِكُ فِي عُلُوْمٍ
كَثِيْرَةٍ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بدَارِهِ بقرب
القليجية.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 226"، وشذرات الذهب "5/
112".
(16/200)
ابن باز، الخفيفي:
5586- ابن باز 1:
الحَافِظُ الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ
عُمَرَ بنِ نَصْرِ بنِ حَسَنِ بنِ سَعْدٍ، ابْنُ بَازٍ
المَوْصِلِيُّ، التَّاجِرُ، السَّفَّارُ.
مُحَدِّثٌ، مُتْقِنٌ، مُفِيْدٌ.
سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الحَقِّ اليُوْسُفِيِّ، وَشُهْدَةَ
الكَاتِبَةِ، وَلاَحِقِ بنِ كَارِهٍ، وَأَبِي شَاكِرٍ
السَّقْلاَطُوْنِيِّ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَكَتَبَ عَنْهُ
ابْنُ مَسْدِيٍّ، وَالرَّحَّالَةُ، وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ
مُدَّةً، وَسَافَرَ فِي التَّكَسُّبِ إِلَى مِصْرَ
وَالشَّامِ، ثُمَّ صَارَ شَيْخَ دار الحديث المظفرية
بالموصل.
مولده سن اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ بِالمَوْصِلِ مِنْ خطيبها.
وَبهَا تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الآخَرِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وعشرين وست مائة.
5587- الخفيفي 2:
الإِمَامُ القُدْوَةُ حُجَّةُ الدِّيْنِ أَبُو طَالِبٍ
عَبْدُ المُحْسِنِ بنُ أَبِي العَمِيدِ بنِ خَالِدٍ
الخَفِيْفِيّ، الأَبْهَرِيُّ، الشَّافِعِيُّ،
الصُّوْفِيُّ.
تَفقَّهَ بِهَمَذَانَ عَلَى أَبِي القَاسِمِ بنِ حَيْدَرٍ،
وَعلَّقَ "التَّعْلِيقَةَ" عَنِ الفَخْرِ النَّوْقَانيِّ.
وَسَمِعَ بِأَصْبَهَانَ مِنْ: أَحْمَدَ بنِ يَنَالَ
التُّركِ، وَأَبِي مُوْسَى المَدِيْنِيِّ، وَبِبَغْدَادَ
مِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ شَاتيلَ، وَنَصْرِ اللهِ
القَزَّازِ، وَبأَبَهْرَ مِنْ عَبْدِ الكَافِي الخَطِيْبِ،
وَبِهَمَذَانَ مِنْ: عَبْدِ الرَّزَّاقِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ
القُوْمَسَانِيِّ، وَعَبْدِ المُنْعِمِ بنِ الفُرَاوِيِّ،
وَبِدِمَشْقَ مِنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَلِيٍّ ابْنِ
الخِرَقِيِّ، وَبِمِصْرَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ
البُوْصِيْرِيِّ، وَبِالثَّغْرِ مِنَ: القَاضِي
الحَضْرَمِيِّ، وَبِمَكَّةَ مِنْ: مَحْمُوْدِ بنِ عَبْدِ
المُنْعِمِ القَلاَنسِيِّ، وَبِوَاسِطَ مِنِ: ابْنِ
الباقلاني، وكان كثير الحَجِّ، وَالعِبَادَةِ،
وَالتَّبَتُّلِ، وَالصَّوْمِ، وَالجِهَادِ، وَكَانَ
يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ عَلَى سَبِيْلِ السَّيِّدَةِ.
رَوَى عَنْهُ الضِّيَاءُ، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ
النَّجَّارِ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ، وَقُطْبُ الدِّيْنِ ابْنُ القَسْطَلاَنِيِّ،
وَالشِّهَابُ الأَبَرْقُوْهِيُّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ كَثِيْرَ المُجَاهِدَةِ
وَالعِبَادَةِ، دَائِمَ الصِّيَامِ سفراً وَحضراً،
عَارِفاً بكَلاَمِ المَشَايِخِ وَأَحْوَالِ القَوْمِ،
وَكَانَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَحِفْظٌ وَإِتْقَانٌ، وَكَانَ
ثِقَةً، ثُمَّ صَارَ إِمَامَ المقَامِ، إِلَى أَنْ
تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ، أربع وعشرين وست مائة، بمكة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 100".
2 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 114".
(16/201)
ابن شيرويه، ابن عبد
الحق، ابن عطاء:
5588- ابن شيرويه 1:
الشَّيْخُ أَبُو مُسْلِمٍ أَحْمَدُ بنُ شِيْرَوَيْه بنِ
شَهْرَدَارَ بنِ شِيْرَوَيْه الدَّيْلَمِيُّ،
الهَمَذَانِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: جَدِّهِ، وَنَصْرِ بنِ المُظَفَّرِ
البَرْمَكِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ السجري، وَأَبِي الخَيْرِ
البَاغبَانِ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: الزَّكِيُّ البِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ
المَقْدِسِيُّ، وَأَجَازَ لِلْفخرِ عليٍّ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: مُكْثِرٌ ثِقَةٌ، صَحِيْحُ
السَّمَاعِ، سَمِعْتُ مِنْهُ بهمذان.
مات في شعبان، سنة خمس وعشرون وست مائة، وله ست وسبعون
سنة.
5589- ابن عبد الحق:
العَلاَّمَةُ قَاضِي تِلِمْسَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الحَقِّ بنِ سُلَيْمَانَ
الكُوْفِيُّ، البَرْبَرِيُّ، المَالِكِيُّ.
تفقَّهَ بِأَبِيْهِ، وَأَخَذَ القِرَاءاتِ وَالنَّحْوِ فِي
سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ عَنْ أَبِي
عَلِيٍّ بنِ الخَرَّازِ النَّحْوِيِّ. وَسَمِعَ مِنْ:
أَبِي الحَسَنِ بنِ حُنَيْنٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ
خَلِيْلٍ. وَأَجَازَ لَهُ ابْنُ هُذَيْلٍ، وَالسِّلَفِيُّ.
وَكَانَ إِمَاماً مُعَظَّماً، كَثِيْرَ التَّصَانِيْفِ،
مِنْ ذَلِكَ: غَرِيْبُ "المُوَطَّأِ"، وَكِتَابُ
"المُخْتَارِ فِي الجمعِ بَيْنَ المُنْتَقَى
وَالاستذكَارِ" فِي عَشْرِ مُجَلَّدَاتٍ.
مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ،
وَهُوَ فِي عَشْرِ التسعين.
5590- ابن عطاء 2:
الشَّيْخُ أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ النَّفِيْسِ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَطَاءٍ البَغْدَادِيُّ،
الصُّوْفِيُّ.
لبِسَ مِنْ أَبِي الوَقْتِ، وَسَمِعَ مِنْهُ جَمِيْعَ
"الصحيح".
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ، وَالسَّيْفُ، وَابْنُ
نُقْطَةَ، وَشيخُنَا الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَكَانَ صَالِحاً.
مَاتَ فِي ذِي القعدة، سنة خمس وعشرين.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 116".
2 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 117".
(16/202)
البيع، ابن أبي
الجود:
5591- البيع 1:
الشيخ الجليل المسند أبو المحاسن محمد بن أَبِي الفَرَجِ
هِبَةِ اللهِ ابنِ أَبِي حَامِدٍ عبد العزيز ابن عَلِيِّ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُمَرَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعِيْدِ
بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ نَجَا بنِ مُوْسَى
ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ القُرَشِيُّ،
الزُّهْرِيُّ، السَّعْدِيُّ، الدِّيْنَوَرِيُّ، ثُمَّ
البَغْدَادِيُّ، المَرَاتِبِيُّ، البَيِّعُ.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَمِّهِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَامِدٍ،
وَمُحَمَّدِ بنِ طِرَادٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَعَبْدِ
الخَالِقِ اليُوْسُفِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ،
وَتَفَرَّدَ فِي وَقْتِهِ، وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ حُجَّابِ
الخِلاَفَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابن الدبيثي، وابن النجار، وأبو إسحاق ابن
الواسطي، وأبو الفرج ابن الزَّيْنِ، وَأَبُو المَعَالِي
الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَطَائِفَةٌ. قَدِمَ الشَّامَ مَرَّاتٍ
فِي التِّجَارَةِ، وَكَانَ ذَا ثَروَةٍ وَصلاَحٍ وحسن
طريقة، وأضر في أواخر العمر.
مَاتَ فِي سَادسَ عشرَ شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ بِضْعٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَقَعَ لَنَا مِنْ طرِيقِهِ الخَامِسِ مِنْ
"المَحَامِلِيَّاتِ".
5592- ابْنُ أبي الجود 2:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ المُعَمَّرُ أَبُو القَاسِمِ
المُبَارَكُ بنُ علي بن أَبِي القَاسِمِ المُبَارَكِ بنِ
عَلِيِّ بنِ أَبِي الجود البغدادي، العتابي، نسبة إلى
العَتَّابِيِّينَ، الوَرَّاقُ، خَاتمُ الرُّوَاةِ عَنْ
أَبِي العَبَّاسِ بنِ الطَّلاَّيَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الدُّبَيْثِيُّ، وَابْنُ النَّجَّارِ،
والجمال محمد بن الدَّبَّابِ، وَأَبُو المَعَالِي
الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَطَائِفَةٌ. وَقَدْ حَدَّثَ
بِالمَوْصِلِ أَيْضاً.
مَاتَ فِي سَلْخِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
رَوَى لَنَا عَنْهُ الأَبَرْقُوْهِيُّ التَّاسِعَ مِنْ
حَدِيْثِ المُخَلِّصِ، عَنْ خَالِ أُمِّهِ أَحْمَدَ بنِ
الطَّلاَّيَةِ، وَرَوَى أَيْضاً عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ
الحَرْبِيُّ، وَكَانَ جَدُّهُ مِنْ شيوخ الحافظ ابن عساكر.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 110".
2 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 110".
(16/203)
عبد البر، الظاهر
بأمر الله:
5593- عبد البر:
ابْنُ الحَافِظِ الكَبِيْرِ أَبِي العَلاَءِ الحَسَنِ بنِ
أحمد بن الحسن، الشيخ، المُسْنِدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ
الهَمَذَانِيُّ، العَطَّارُ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَعَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ المُشْكَانِيَّ؛
الَّذِي رَوَى "التَّارِيْخَ الصَّغِيْرَ" لِلْبُخَارِيِّ،
وَنَصْرَ بنَ المُظَفَّرِ البَرْمَكِيَّ، وَأَبَا الوَقْتِ
السِّجْزِيَّ، وَأَبَا الخَيْرِ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ
البَاغبَانِ.
حَدَّثَ عَنْهُ البِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَالصَّدْرُ
البَكْرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، وَسَمِعنَا بِإِجَازَتِهِ مِنَ
الشَّرَفِ ابْنِ عَسَاكِرَ.
قَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ نُقْطَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ
المُشْكَانِيِّ "تَارِيخَ البُخَارِيِّ". قَالَ: وَذَكَرَ
لِي إِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُؤَيَّدِ المِصْرِيُّ
أَنَّ عَبْدَ البَرِّ تَغَيَّرَ بَعْدَ سَنَةِ عَشْرٍ
وَسِتِّ مائَةٍ وَبَلَغَنَا أَنَّهُ ثَابَ إِلَيْهِ
عَقْلُهُ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِقَلِيْلٍ، وَحَدَّثَ،
وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ بِرُوذَرَاورَ، فِي شَعْبَانَ سَنَةَ
أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5594- الظَّاهِرُ بِأَمْرِ اللهِ 1:
الخَلِيْفَةُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ ابنُ النَّاصِر
لِدِيْنِ اللهِ أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ ابنِ
المُسْتَضِيْءِ حَسَنٍ ابْنِ المُسْتَنْجِدِ يُوْسُفَ
ابْنِ المُقْتَفِي، الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ،
البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائة.
وَبُوْيِعَ بِوِلاَيَةِ العَهْدِ، وَخُطِبَ لَهُ وَهُوَ
مُرَاهِقٌ، وَاسْتمرَّ ذَلِكَ سِنِيْنَ، ثُمَّ خَلَعَهُ
أَبُوْهُ، وَوَلَّى عَلِيّاً أَخَاهُ العَهْدَ، فَدَامَ
ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ عَلِيٌّ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ،
فَاحتَاجَ أَبُوْهُ أَنْ يعيده إلى العهد، وقام الأمير
بَعْدَ النَّاصِرِ، وَلَمْ يُطوِّلْ، وَقُرِئَ عَلَيْهِ
فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ" بِإِجَازتِهِ مِنْ وَالِدِهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ
الجِيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا الظَّاهِرُ بِقِرَاءتِي،
أَخْبَرَنَا أَبِي كِتَابَةً، عَنْ عَبْدِ المُغِيْثِ بنِ
زُهَيْرٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الحُصَيْنِ -فَذَكَرَ
حَدِيْثاً.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 265"،
وشذرات الذهب "5/ 109، 110".
(16/204)
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: وَلِيَ، فَأَظهرَ
العَدْلَ وَالإِحسَانَ، وَأَعَادَ سُنَّةَ العُمَرَيْنِ،
فَإِنَّهُ لَوْ قِيْلَ: مَا وَلِيَ بَعْدَ عُمَرَ بنِ
عَبْدِ العَزِيْزِ مِثْلَهُ لَكَانَ القَائِلُ صَادِقاً؛
فَإِنَّهُ أَعَادَ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَملاَكِ
المغصوبَةِ شَيْئاً كَثِيْراً، وَأَطلقَ المُكُوسَ فِي
البِلاَدِ جَمِيْعِهَا، وَأَمرَ بِإِعَادَةِ الخَرَاجِ
القَدِيْمِ فِي جَمِيْعِ العِرَاقِ، وَبإِسقَاطِ مَا
جدَّدَهُ أَبُوْهُ وَكَانَ لاَ يُحصَى؛ فَمِنْ ذَلِكَ
بَعْقُوبَا خرَاجهَا القَدِيْم عَشْرَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ،
فَأُخِذَ مِنْهَا زَمَنَ أَبِيْهِ ثَمَانُوْنَ أَلفَ
دِيْنَارٍ، فَرَدَّهَا، وَكَانَ سَنْجَةَ الخزَانَةِ
تَرْجح نِصْفَ قِيْرَاطٍ فِي المثقَالِ يَأْخذُوْنَ بِهَا
ويعطون العادة، فأبطله، ووقع: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}
[المطففين: 1] ، وَقَدِمَ صَاحِبُ الدِّيْوَانِ مِنْ
وَاسِطَ بِأَكْثَرَ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ ظُلْماً فَرَدَّهَا
عَلَى أَربَابِهَا، وَنفَّذَ إِلَى الحَاكِمِ عَشْرَةَ
آلاَفِ دِيْنَارٍ لِيُوَفِّيَهَا عَنِ المحبوسينَ، وَكَانَ
يَقُوْلُ: أَنَا قَدْ فَتحْتُ الدُّكَّانَ بَعْدَ العصرِ
فَذرُوْنِي أَفْعَلِ الخَيْرَ، فَكم بَقِيْتُ أَعيشُ.
وَقَدْ أَنفقَ وَتَصدَّقَ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ مائة ألف
دينار، وَكَانَ نِعْمَ الخَلِيْفَةِ خُشوعاً وَخُضوعاً،
لرَبِّهِ، وَعدلاً فِي رعيَّتِهِ، وَازديَاداً فِي وَقتٍ
مِنَ الخَيْرِ، وَرغبَةً فِي الإِحسَانِ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ أبيض جميل الصورة، مشربًا
حمرة، حلو المسائل، شَدِيدَ القوَى، اسْتُخْلِفَ وَلَهُ
اثْنَتَانِ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً، فَقِيْلَ لَهُ: ألَّا
تَتَنَزَّهُ؟ قَالَ: قَدْ لَقَسَ الزَّرْعُ، ثُمَّ إِنَّهُ
أَحْسَنَ وَفرَّقَ الأَمْوَالَ، وَأَبطلَ المُكُوسَ،
وَأَزَالَ المظَالِمَ.
وَقَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ دَخَلَ
إِلَى الخَزَائِنِ، فَقَالَ لَهُ خَادمٌ: فِي أَيَّامِكَ
تَمتلَئُ، قَالَ: مَا عُمِلَتِ الخَزَائِنُ لِتُمْلأَ،
بَلْ لِتُفْرَغَ وَتُنفَقَ فِي سَبِيْلِ اللهِ، إِنَّ
الجمعَ شُغْلُ التُّجَّارِ!
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: أَظهرَ الظَّاهِرُ العَدْلَ،
وَأَزَالَ المَكْسَ، وَظهرَ لِلنَّاسِ، وَكَانَ أَبُوْهُ
لاَ يظهرُ إلَّا نَادراً.
قَالَ ابْنُ السَّاعِي: بَايَعَهُ أَوَّلاً أَهْلُهُ،
وَأَوْلاَدُ الخُلَفَاءِ، ثُمَّ نَائِبُ الوزَارَةِ
مُؤَيَّدُ الدِّيْنِ القُمِّيُّ، وَعضدُ الدَّوْلَةِ ابْنُ
الضَّحَّاكِ أُسْتَاذُ الدَّارِ، وَقَاضِي القُضَاةِ
مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُ فَضلاَنَ، وَنقيبُ الأَشْرَافِ
القَوَّامُ المُوْسَوِيُّ، وَجَلَسَ يَوْمَ الفطرِ
لِلبَيْعَةِ بثِيَابٍ بِيْضٍ بِطَرْحَةٍ وَعَلَى كَتِفِهِ
البُرْدُ النَّبَوِيُّ، وَلفظُ البَيْعَةِ: أُبَايِعُ
مَوْلاَنَا الإِمَامُ المُفْتَرَضُ الطَّاعَة أَبَا نَصْرٍ
مُحَمَّداً الظَّاهِرَ بِأَمْرِ اللهِ عَلَى كِتَابِ اللهِ
وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَاجْتِهَادِ أَمِيْرِ
المُؤْمِنِيْنَ، وَأَنْ لا خليفة سواه. وبعد أيام عُزِلَ
مِنَ القَضَاءِ ابْنَ فَضلاَنَ بِأَبِي صَالِحٍ نَصْرِ بنِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ الجِيْلِيِّ، وَكَانَ القَحطُ
الشَّدِيدُ بِالجَزِيْرَةِ وَالفنَاء.
وَفِيْهَا نُفِّذَتْ خِلَعُ المُلْكِ إِلَى الكَامِلِ
وَالمُعَظَّم وَالأَشْرَفِ، وَكَانَ المُعَظَّم قَدْ
صَافَى خُوَارِزْم شَاه، وَجَاءتْهُ خِلْعَتُهُ
فَلَبِسَهَا.
(16/205)
وَفِي سَنَةِ 623: بلغَ خُوَارِزْم شَاه
أَنَّ نَائِبَهُ عَلَى كِرْمَانَ خلعَهُ، فَسَارَ يَطوِي
الأَرْضَ إِلَى كِرْمَان، فَتحصَّنَ نَائِبُهُ بِقَلْعَةٍ
وَذَلَّ، فَنفَّذَ إِلَيْهِ بِالأَمَانِ، فَبَلَغَهُ أَنّ
عَسْكَرَ الأَشْرَف هَزَمَ بَعْضَ عَسْكَرِهِ، فَكرَّ
رَاجِعاً، حَتَّى قَدِمَ منَازكرد، ثُمَّ نَازلَ خِلاَط،
وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ بَيْنَ الفَرِيْقَيْنِ، ثُمَّ
بلغَهُ عبَثُ التُّرُكْمَانِ، فَسَارعَ وَكَبَسَهُم
وَبدَّعَ فِيهِم.
وَفِي شَعْبَانَ سَارَ كَيْقُبَاذَ، فَأَخَذَ عِدَّةَ
حصُوْنٍ لِصَاحِبِ آمد.
وَفِيْهَا حَاربَ البِرْنسُ بلاَدَ الأَرمنِ.
وَفِيْهَا قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: اصطَادَ صَدِيْقٌ لَنَا
أَرنباً لَهَا ذَكَرٌ وَأُنْثيَانِ، وَلَهَا فَرْجُ
أُنثَى، فَلَمَّا شَقُّوْهَا وَجَدُوا فِيْهَا جَرْوَيْنِ،
سَمِعْتُ هذا من جماعة كانوا معه، وقالوا: مازلنا نَسْمَعُ
أَنَّ الأَرنبَ تَكُوْنُ سَنَةً ذَكَراً وَسَنَةً أُنْثَى.
وَزُلِزْلَت المَوْصِل وَشهرزور، وَترددت الزَّلْزَلَة
عَلَيْهِم نَيِّفاً وَثَلاَثِيْنَ يَوْماً، وَخرب أَكْثَر
قرَى تِلْكَ النَّاحيَة، وَانخسف القَمَر فِي السَّنَةِ
مرَّتين، وَبرد مَاء القَيَّارَةِ كَثِيْراً، وَمَا زَالت
حَارة، وَجَاءَ الموصل بَرَد عَظِيْم، زنَة الوَاحِدَة
مائَتَا دِرْهَم وَأَقلّ فأهلك الدواب.
وَفِي رَجَبٍ مِنْهَا تُوُفِّيَ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ
الظَّاهِر، فَكَانَتْ خِلاَفَته تِسْعَة أَشهر وَنِصْفاً
-رَحِمَهُ اللهُ- وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ
سَنَةً، وَبَايعُوا وَلده المُسْتَنْصِر بالله أبا جعفر.
(16/206)
عامر، داود بن معمر:
5595- عامر:
بن أبي الوليد هشام، شَيْخُ الأَدب أَبُو القَاسِمِ
الأَزْدِيُّ القُرْطُبِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَابْنِ بَشْكُوَالَ، وَأَبِي
مُحَمَّدٍ بنِ مُغِيْث. وَكَانَ كَاتِباً، أَديباً،
كَثِيْرَ النَّظم، تَنَسَّكَ وَلَزِمَ الخَيْرَ، فَحملُوا
عَنْهُ.
قرَأَ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَارُوْنَ الطَّائِيّ
"مَقَامَاتَ" الحَرِيْرِيّ، وَبَعْض "مَقَامَاته"،
وَلاَزمه، وَتَخَرَّجَ بِهِ، وَأَخَذَ عَنْهُ "مقصُوْرته"،
وَقَدْ أَبدع وَأَجَادَ فِي مَقَامَاته.
تُوُفِّيَ فِيمَا قَالَهُ الأَبَّار سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5596- دَاوُدُ بنُ مَعْمَرِ 1:
بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الفاخر الشَّيْخُ الإِمَامُ
المُسْنِدُ المُعَمَّرُ أَبُو الفُتُوْحِ القُرَشِيُّ
العَبْشَمِيّ الأَصْبَهَانِيُّ. وُلِدَ فِي رَمَضَانَ
سَنَةَ أَرْبَعٍ وثلاثين.
وَسَمِعَ حُضُوْراً فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَبعد
ذَلِكَ، فَمِنْ ذَلِكَ "جُزْء البَيْتوتَة" مِنْ فَاطِمَة
بِنْت مُحَمَّد البَغْدَادِيّ. وَسَمِعَ مِنْ غَانِم بن
خَالِدٍ التَّاجِر، وَغَانِم بن أَحْمَدَ الجُلُوْدِيِّ،
وَإِسْمَاعِيْل بن عَلِيٍّ الحَمَّامِيّ، وَأَبِي الخَيْرِ
البَاغبَانِ، وَسَمِعَ بِهَمَذَانَ مِنْ: نَصْر بن
المُظَفَّر البَرْمَكِيّ، وَبِالكُوْفَةِ مِنْ أَبِي
الحَسَنِ بنِ غَبْرَة، وَبِبَغْدَادَ مِنْ أَبِي الفَتْحِ
بنِ البَطِّيِّ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَة -وَقرَأْته بِخَطِّهِ: ذكر لِي غَيْر
وَاحِد أَنَّهُ سَمِعَ "صَحِيْح البُخَارِيِّ" مِنْ:
غَانِم بن أَحْمَدَ، وَفَاطِمَة بِسَمَاعِهِمَا مِنْ
سَعِيْدٍ العَيَّارِ، وَسَمِعَهُ مِنْ أَبِي الوَقْت،
وَسَمِعَ الدُّعَاء لابْنِ فُضَيْل مِنِ ابْنِ غَبْرَة.
سَمِعْتُ مِنْهُ بِأَصْبَهَانَ، وَحَكَى لِي عَنْ شَيْخه
أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد القَادِرِ الجِيْلِيِّ: وَهُوَ
شَيْخ النَّاس بِأَصْبَهَانَ، وَاسِع الجَاه، رفِيع
المَنْزِلَة، مُكرم لأَهْل العِلْمِ، بَلَغَنَا مَوْته
بِأَصْبَهَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ الزَّكِيّ البِرْزَالِيّ،
وَالصَّدْر البَكْرِيّ وَابْن النَّجَّارِ، وَالحَافِظ
الضِّيَاء.
قَالَ المُنْذِرِيّ: مَاتَ فِي رَجَبٍ أَوْ شَعْبَان.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 269".
(16/206)
5597- البهاء
1:
لشيخ الإِمَامُ العَالِمُ المُفْتِي المُحَدِّث بَهَاءُ
الدِّيْنِ أَبُو محمد عبد الرحمن ابن إِبْرَاهِيْمَ بنِ
أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ
مَنْصُوْرٍ المَقْدِسِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، شَارِحُ
"المُقْنِعِ"، وَابْن عَمِّ الحَافِظ الضِّيَاء،
وَالشَّمْس أَحْمَد وَالِد الفَخْر بن البُخَارِيِّ.
وُلِدَ بقَرْيَة السَّاويَا -وَكَانَ أَبُوْهُ يُؤم بِهَا-
فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَوْ فِي
سَنَةِ سِتّ.
هَاجَرَ أَبُوْهُ مِنْ حُكم الفِرَنْج، فَسَافَر تَاجراً
إِلَى مصر -أعني الأب- ثم ماتت الأم فكلفته عَمَّتُهُ
فَاطِمَة زَوْجَة الشَّيْخ أَبِي عُمَرَ، وَخَتَمَ القرآن
سنة سبعين، وتنبه بالحفظ عَبْد الغَنِيِّ، ثُمَّ ارْتَحَلَ
فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ فِي صُحْبَة الشَّيْخ
العِمَاد فَسَمِعَ بِحَرَّانَ مِنْ أَحْمَد بن أَبِي
الوَفَاء، وَجَرَّدَ بِهَا الخَتْمَة، وَصَلَّى
التّرَاويح، فَجمعُوا لَهُ فطرَة وَاشتَرَوا لَهُ بهيمَة
وَسَارَ إِلَى بَغْدَادَ، وَقَدْ سَبَقَهُ العِمَاد
وَمَعَهُ ابْنُ رَاجِح وَعَبْد اللهِ بن عُمَرَ بنِ أَبِي
بَكْرٍ. وَسَمِعَ بِالمَوْصِلِ مِنْ خَطِيْبهَا، فَسَمِعَ
بِبَغْدَادَ مِنْ شُهْدَة الكَاتِبَة كَثِيْراً، وَمِنْ
عَبْدِ الحَقِّ وَأَبِي هَاشِمٍ الدُّوْشَابِيّ،
وَمُحَمَّد بن نَسِيم، وَأَحْمَد بن النَّاعم، وَأَبِي
الفَتْحِ بن شاتيل، وعبد المحسن بن تريك
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 269"، وشذرات الذهب لابن
العماد "5/ 114".
(16/207)
وَطَبَقَتهُم، وَنسخ الأَجزَاء، وَحَصَّلَ،
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ محمد بن بركة الصلحي، وعبد
الرحمن بن أَبِي العَجَائِزِ، وَالقَاضِي كَمَال الدِّيْنِ
الشَّهْرُزُوْرِيّ وَجَمَاعَة، وَرَوَى الكَثِيْر
بِدِمَشْقَ وَبنَابُلُس وَبَعْلَبَكَّ، وَكَانَ بصيرًا
بالمذهب.
قَالَ الضِّيَاء: كَانَ فَقِيْهاً، إِمَاماً، مُنَاظِراً،
اشْتَغَل عَلَى ابْنِ المَنِّيِّ، وَسَمِعَ الكَثِيْر،
وَكتبه، وَأَقَامَ سِنِيْنَ بِنَابُلُسَ بَعْد الفُتُوْح
بِجَامِعِهَا الغربِي، وَانتفع بِهِ خَلْق، وَكَانَ سمحاً،
كَرِيْماً، جَوَاداً، حَسَنَ الأخلاق، متوضعًا، رَجَعَ
إِلَى دِمَشْقَ قَبْل وَفَاته بِيَسِيْرٍ، وَاجتهَدَ فِي
كِتَابَة الحَدِيْث وَتسمِيْعه، وَشرحَ كِتَاب
"المُقْنِعِ"، وَكِتَاب "العُمْدَة" لِشيخنَا مُوَفَّق
الدِّيْنِ وَوَقَفَ مَسْمُوْعَاته.
وَقَالَ الحَاجِب: كَانَ مليحَ المَنْظَر، مطرحاً
لِلتَّكَلُّفِ، كثير الفائدة، قوالًا للحق، ذَا دين
وَخَيْرٍ لاَ يَخَاف فِي اللهِ لَوْمَة لاَئِم، رَاغِباً
فِي الحَدِيْثِ، كَانَ يَنْزِل مِنَ الْجَبَل قَاصداً
لِمَنْ يسمع عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا أَطعم غدَاءهُ لِمَنْ
يَقرَأُ عَلَيْهِ، وَانقطع بِمَوْته حَدِيْث كَثِيْر
-يَعْنِي مِنْ دِمَشْقَ.
وَمَاتَ فِي سَابع ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء، وَابْن
المَجْدِ، وَالشَّرَف ابْن النَّابُلُسِيِّ، وَالجمَال
ابْن الصَّابُوْنِيّ، وَالشَّمْس ابْن الكَمَالِ،
وَالتَّاج عَبْد الخَالِقِ، وَمُحَمَّد بن بلغزَا،
وَدَاوُد بن مَحْفُوْظ، وَعَبْد الكَرِيْمِ بن زَيْدٍ،
وَالعِزُّ ابْن الفَرَّاءِ، وَالعِزُّ ابْن العِمَاد،
وَالعِمَاد عَبْد الحَافِظِ، وَالتَّقِيّ بن مُؤْمِنٍ، وست
الأهل بنت الصالح، وَإِسْحَاق بن سُلْطَان، وَأَبُو
جَعْفَرٍ ابْن الموَازِينِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَقَدْ سُقْتُ
مِنْ تَفَاصيل أَحْوَاله فِي "تَارِيْخ الإِسْلاَم".
وَأَقدم شَيْء سَمِعَهُ بِدِمَشْقَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ
وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ
الوَاحِدِ الكِنَانِيّ، سَمِعْتُ الكَثِيْرَ عَلَى
أَصْحَابه.
وَفِيْهَا مَاتَ: القُدْوَة أَبُو أَحْمَدَ جَعْفَر بن
عَبْدِ اللهِ بنِ سَيِّد بُونه الخُزَاعِيُّ صَاحِب ابْن
هُذَيْلٍ، وَدَاوُد بن الفَاخِرِ، وطاغية التتار حنكزخان،
وقاضي حَرَّان، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ نَصْرٍ
الحَنْبَلِيّ، وَعَبْد البَرِّ بن أَبِي العَلاَءِ
الهَمَذَانِيُّ، وَعَبْد الجَبَّارِ ابْن
الحَرَسْتَانِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ
عَلِيٍّ السُّمَاتِيّ، وَالحُجَّة عَبْد المُحْسِنِ بن
أَبِي العَمِيد الخَفِيْفِيّ، وَالمُعَظَّم عِيْسَى ابْن
العَادِلِ، وَالمُسْنِدُ الفَتْح بن عَبْدِ السَّلاَمِ،
وَأَبُو هُرَيْرَةَ مُحَمَّدُ بنُ اللَّيْثِ الوسْطَانِيّ.
(16/208)
5598- ابن عبد
السلام 1:
لشيخ الجَلِيْلُ المُعَمَّرُ مُسْنِدُ العِرَاقِ عَمِيْدُ
الدِّيْنِ أَبُو الفَرَجِ الفَتْحُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ
عَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدِ ابْنِ الشَّيْخِ أَبِي الحَسَنِ
عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ
يَحْيَى البَغْدَادِيُّ، الكَاتِبُ.
مِنْ بَيْت كِتَابَة وَرِوَايَة.
وَلد يَوْم عَاشُورَاء، سَنَة سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: جدّه أَبِي الفَتْحِ، وَالقَاضِي مُحَمَّدُ
بنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ
الطَّرَائِفِيّ، وَأَبِي غَالِبٍ مُحَمَّد بن الدَّايَةِ،
وَأَحْمَد بن طَاهِرٍ المِيْهَنِيّ، وَهِبَة اللهِ بن
أَبِي شَرِيْكٍ، وَأَبِي بَكْرٍ ابْن الزَّاغُوْنِيّ،
وَقَاضِي القُضَاةِ عَلِيّ بن الحُسَيْنِ الزَّيْنَبِيّ،
وَنُوشْتِكِيْن الرَّضْوَانِيّ، وَأَبِي الكَرَمِ
الشَّهْرُزُوْرِيّ، وَسَعِيْد ابْن البَنَّاءِ، وَأَحْمَد
بن مُحَمَّدِ ابْنِ الإِخْوَةِ، وَجَمَاعَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَعُمَر بن الحَاجِب،
وَابْن المَجْدِ، وَالقَاضِي شَمْس الدِّيْنِ مُحَمَّد بن
العِمَادِ، وَتَقِيّ الدِّيْنِ ابْن الوَاسِطِيّ،
وَالجمَال ابْن الدَّبَّابِ، وَالكَمَال الفُوَيْرِه،
وَالشَّمْس ابْن الزَّيْنِ، وَالشِّهَاب الأَبَرْقُوْهِيّ،
وَجَمَاعَةٌ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ على الإِسْنَادِ.
قَالَ المُنْذِرِيّ: كَانَ شَيْخاً حَسَناً، كَاتِباً
أَديباً، لَهُ شعر وَتَصرف فِي الأَعْمَال
الدِّيْوَانِيَة، أَضرَّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَانْفَرَدَ
بِأَكْثَر شُيُوْخه وَمَرْوِيَّاته، وَهُوَ مِنْ بَيْت
الحَدِيْث، حَدَّثَ هُوَ وَأَبُوْهُ وَجدّه وَجدّ
أَبِيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: هُوَ مِنْ محلَّة
الدِّينَارِيَّة بِبَابِ الأَزَج، وَكَانَ قَدِيْماً يَسكن
بِدَارِ الخِلاَفَة. صَارَت إِلَيْهِ الرّحلَة. وَتَكَاثر
عَلَيْهِ الطّلبَة، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَكَانَ مِنْ
ذَوِي المنَاصب وَالولاَيَات، فَهماً بِصَنْعَتِهِ، ترك
الخِدمَة، وَبَقِيَ قَانِعاً بِالكفَاف، وَأضَرَّ
بِأَخَرَةٍ، وَتَعَلَّل حَتَّى أُقعد. وَكَانَ مَجْلِسُه
مَجْلِسَ هَيْبَةٍ وَوَقَارٍ، لاَ يَكَاد يَشَذُّ عَنْهُ
حرف مُحَقّق لِسَمَاعه، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُحبّ
الرِّوَايَة لِمَرَضِهِ وَاشتِغَالِه بِنَفْسِهِ، وَكَانَ
كَثِيْرَ الذِّكْرِ، وَكَانَ يَتَوَالَى، وَلَمْ يظهرْ
لَنَا مِنْهُ مَا نُنكِرُه، بَلْ كَانَ يَترحَّمُ عَلَى
الصَّحَابَة وَيلعنُ مَنْ يَسُبُّهُم، وَكَانَ يَقُوْلُ
الشّعر فِي الزُّهْد وَالنَّدَم، وَكَانَ ثِقَةً صَحِيْح
السَّمَاع، وَمَا كَانَ مُكْثِراً. إِلَى أَنْ قَالَ:
وَتُوُفِّيَ فِي الرَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنَ
المُحَرَّم، سَنَة أربع وعشرين وست مائة.
وَحَدَّثَ عَنْهُ الدُّبَيْثِيّ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ
أَهْلِ بيت حديث كلهم ثقات.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 296"، وشذرات الذهب "5/
116".
(16/209)
قُلْتُ: وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ
بِالإِجَازَةِ فَاطِمَة بنْت سُلَيْمَان الدِّمَشْقِيِّ.
وَقَالَ المُبَارَك ابْنُ الشَّعَّارِ: كَانَ الفَتْح
يَرْجِع إِلَى أَدبٍ وَسَلاَمَة قَرِيحَة، وَكَانَ
مُشتهراً بِالتَّشَيُّعِ وَالغُلوِّ فِيْهِ عَلَى مَذْهَب
الإِمَامِيَّة.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ صَدُوْقاً جَلِيْلاً
أَديباً فَاضِلاً حَسَنَ الأَخْلاَقِ نَبِيلاً.
أَنْشَدَنِي أَبُو الحَسَنِ ابْنُ القَطِيْعِيِّ،
أَنْشَدَنَا الفَتْحُ لِنَفْسِهِ، وَكَتَبَ بِهَا إِلَى
المُسْتَضِيْءِ بِأَمْرِ اللهِ يَسْتَقيلُ مِنْ خِدْمَتِهِ
بِالبَرَكَاتِ:
يَا ابْنَ الخَلاَئِفِ مِنْ آلِ النَّبِيِّ وَمَنْ ...
يَفُوقُ عِلْماً وَنُسْكاً سَائِرَ النَّاسِ
يَا مُسْتَضِيئاً بِأَمْرِ اللهِ مُقْتَدياً ... يَا
خَيْرَ مُسْتَخْلَفٍ مِنْ آلِ عَبَّاسِ
أَشْكُو إِلَيْكَ مَعَاشِي إِنَّهُ كَدَرٌ ... مَا بَيْنَ
باغٍ وَحَفَّارٍ لأَرْمَاسِ
تَأْتِي إِلَيَّ صَبَاحاً كُلّ عَانِيَةٍ ... يَضِيقُ مِنْ
كَرْبِهَا صَدْرِي وَأَنْفَاسِي
فآهِ مِنْ حَالَتَيْ ضُرٍّ بُلِيتُ بِهَا ... سَوَادِ
بَخْتِي وَشَيْبٍ حَلَّ فِي راسي
(16/210)
5599- ابن بقي
1:
لإمام العَلاَّمَةُ المُحَدِّثُ المُسْنِدُ قَاضِي
الجَمَاعَة أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ ابنُ أَبِي
الوَلِيْدِ يَزِيْد بنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ
بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مخلد بن عبد الرحمن بن
أحمد ابن شيخ الأندلس الحاف بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ
الأُمَوِيّ، مَوْلاَهُمُ، البَقَوِيُّ، القُرْطُبِيُّ،
المَالِكِيُّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَجده؛ أَبَا الحَسَنِ، وَمُحَمَّد بن
عَبْدِ الحَقِّ الخَزْرَجِيَّ صَاحِبَ مُحَمَّد بن
الفَرَجِ الطَّلاَّعِيِّ، وَخَلَفَ بنَ بَشْكُوَالَ،
وَأَبَا زَيْدٍ السُّهَيْلِيَّ، وَطَائِفَةً. وَأَجَاز
لَهُ: المُقْرِئُ أَبُو الحَسَنِ شُرَيْح بن مُحَمَّدٍ،
وَعَبْد المَلِكِ بن مَسَرَّةَ. وَتَفَرَّد بِأَشيَاءَ،
مِنْهَا "مُوَطَّأُ يَحْيَى بن يَحْيَى"، عن الخزرجي. وقد
روى الحديث هو وجيمع آبَائِهِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبَّارُ: هُوَ مِنْ
رِجَالاَتِ الأَنْدَلُس جَلاَلاً وَكمَالاً، لاَ نَعلمُ
بَيْتاً أَعرق مِنْ بَيْته فِي العِلْمِ والنَّباهَةِ
إلَّا بَيْتَ بَنِي مُغِيْثٍ بِقُرْطُبَةَ، وَبَنِي
البَاجِي بِإِشْبِيْلِيَة، وَلَهُ التَّقَدُّم عَلَى
هَؤُلاَءِ، وَلِيَ قَضَاءَ الجَمَاعَةِ بِمَرَّاكُش
مُضَافاً إِلَى خُطَّتَي المَظَالِمِ وَالكِتَابَةِ
العُليَا، فَحُمِدَت سِيرتُهُ، وَلَمْ تَزِده الرّفعَة
إلَّا تَوَاضُعاً، ثُمَّ عُزل، وَأَقَامَ بَطَّالاً إِلَى
أَن قُلِّد قَضَاء بَلَده، وَذَهَبَ إِلَيْهِ، ثُمَّ
عُزِلَ قبل موته، فازدحم الطلبة عليه، وكان ذلك أهلًا.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 270، 271"، وشذرات الذهب
"5/ 116، 117".
(16/210)
وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ -أَوْ غَيْره:
كَانَ لَهُ بَاع مَدِيد فِي النَّحْوِ وَالأَدب، تَنَافس
النَّاسُ فِي الأَخْذِ عَنْهُ، وَقرَأَ جَمِيْع "كِتَاب
سِيْبَوَيْه" عَلَى أَبِي العَبَّاسِ ابْن مَضَاء،
وَقَرَأَ عَلَيْهِ "المَقَامَات".
وَقَالَ ابْنُ مَسْدِيّ: رَأَسَ شَيْخُنَا هَذَا
بِالمَغْرِبَيْنِ، وَوَلِيَ القَضَاءَ بِالعُدْوَتَيْنِ،
وَلَمَّا أَسنّ اسْتَعفَى، وَرجع إِلَى بَلَده، فَأَقَامَ
قَاضِياً بِهَا إِلَى أن غَلَبَ عَلَيْهِ الكِبَر، فَلزمَ
مَنْزِلَهُ، وَكَانَ عَارِفاً بِالإِجْمَاعِ وَالخِلاَف،
مَائِلاً إِلَى التَّرجيح وَالإِنصَاف.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ المُعَمَّرُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ
هَارُوْنَ الَّذِي كَتَبَ إِلَيْنَا بِالإِجَازَةِ مِنَ
المَغْرِب، وَجَمَاعَة.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ مُحَمَّد بن عَيَّاشٍ
الخَزْرَجِيّ، وَالخَطِيْب أَبُو القَاسِمِ بن الأَيسر
الجُذَامِيُّ، وَأَبُو الحَكَمِ مَالِك بن المُرَحّلِ
الأَدِيْب، وَآخَرُوْنَ. وَقَدْ كَانَ -رَحِمَهُ اللهُ-
يَغْلِبُ عَلَيْهِ المَيْلُ إِلَى مَذْهَبِ أَهْلِ
الأَثَرِ وَالظَّاهِرِ فِي أُموره وَأَحكَامِهِ.
وَمِنَ الرُّوَاة عَنْهُ العَلاَّمَةُ أَبُو الحُسَيْنِ
بنُ أَبِي الرَّبِيْعِ، وَبِالإِجَازَةِ: مُحَمَّد بن
مُحَمَّدٍ المومنَائِيّ الفَاسِيُّ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ
الطَّائِيُّ الفَقِيْه إِذْناً، قَالَ: أَنْبَأَنَا
أَحْمَدُ ابن يَزِيْدَ القَاضِي، عَنْ شُرَيْحِ بنِ
مُحَمَّدٍ المُقْرِئِ، عَنِ الفَقِيْهِ أَبِي مُحَمَّدٍ
بنِ حَزْم، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
أَخْبَرَنَا قَاسم بن أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ
بنُ عَبْدِ اللهِ العَبْسِي، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنِ
الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "الصَّوْمُ جُنَّةٌ".
وُلد ابْن بَقِيٍّ سَنَة سَبْعٍ وَثَلاَثيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
وَمَاتَ يَوْمَ الجُمُعَةِ بَعْد الصَّلاَةِ مُنْتَصَف
رَمَضَان سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ
بِقُرْطُبَة، وَقَدْ تَجَاوز ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ
سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ، وَهُوَ آخر من حَدَّثَ
"بِالمُوَطَّأ" فِي الدُّنْيَا عَالِياً بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الإِمَام مَالِكٍ، فِيْهِ سِتَّةُ رِجَال بِالسَّمَاع
المُتَّصِل، وَهَكَذَا الْعدَد فِي "المُوَطَّأِ"
لِيَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ لِمُكْرَم بن أَبِي الصَّقْرِ
البَزَّاز، وَفِي "مُوَطَّأِ القَعْنَبِيّ"
لِلمُوَفَّقَيْنِ: ابْنِ قُدَامَةَ وَعَبْدِ اللَّطِيْفِ،
وَابْن الخَيِّرِ، وَفِي "مُوَطَّأِ أَبِي مُصْعَبٍ"
لأَبِي نَصْرٍ ابْن الشِّيْرَازِيِّ وَابْن البُرْهَان،
وَفِي "مُوطَّأِ سُوَيْد بن سَعِيْدٍ" لِلبهَاء عَبْد
الرَّحْمَنِ.
(16/211)
ابن البراج، ابن
الجواليقي:
5600- ابن البراج 1:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ الخَيِّرُ الثِّقَةُ أَبُو
مَنْصُوْرٍ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ
ابْن البَرَّاجِ البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ، الوَكِيْل.
سَمِعَ "سُنَنَ النَّسَائِيِّ" كُلَّه -أَعنِي
"المُجْتَنَى"- مِنْ أَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيّ،
وَسَمِعَ "جُزءَ البَانْيَاسِيِّ" مِنْ أَبِي الفَتْحِ
ابْنِ البَطِّيِّ، وَكِتَابَ "أَخْبَارِ مَكَّةَ"
لِلأَزْرَقِيِّ مِنْ أَحْمَد بن المُقَرّبِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّيْف ابْن المَجْدِ، وَعُمَرُ بنُ
الحَاجِبِ، وَتَقِيُّ الدِّيْنِ ابْنُ الوَاسِطِيِّ،
وَشَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الزَّيْنِ،
وَالجمَال مُحَمَّد ابْن الدَّبَّابِ، وَطَائِفَةٌ.
وَأَخْبَرَتْنَا عَنْهُ فَاطِمَة بِنْت سُلَيْمَان
إِجَازَة.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: رَجُلٌ صَالِحٌ كَثِيْرُ
التِّلاَوَةِ وَالصَّمْتِ، لاَ يَكَادُ يَتَكَلَّمُ إلَّا
جوابًا، سمعت منه معظم "السنن".
مَاتَ فِي رَابع المُحَرَّمِ، سَنَة خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ
وست مائة.
5601- ابن الجواليقي 2:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ العَالِم العَدْل أَبُو عَلِيٍّ
الحَسَنُ بنُ إِسْحَاقَ ابْن العَلاَّمَة أَبِي مَنْصُوْرٍ
مَوْهُوْبِ بن أحمد الجَوَالِيْقِيِّ البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ: ابْنَ نَاصِرٍ، وَنَصْر بن نَصْرٍ، وَابْن
الزَّاغُوْنِيّ، وَأَبَا الوَقْت، وَجَمَاعَةً.
تَفَرَّد بِالعَاشرِ مِنَ "المُخَلِّصِيَّاتِ"
وَبِثَالِثهَا الصَّغِيْر وَبِالأَوّل مِنَ السَّادِسِ،
وَببَعْض الثَّانِي، وَ"بِدِيْوَان المُتَنَبِّي"،
وَسَمِعَ "الصَّحِيْح" كُلّه، وَ"مُنْتَخَبَ عَبْدٍ" كُلّه
مِنْ أَبِي الوَقْت.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن النجار، وابن
الواسطين وَابْن الزَّيْنِ، وَالأَبَرْقُوْهِيُّ،
وَالمَجْدُ ابْنُ الخَلِيْلِيِّ، وَعِدَّةٌ.
مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ
مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 270"، وشذرات الذهب "5/
116".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 271"،
وشذرات الذهب "5/ 117".
(16/212)
5602- ابن البن
1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ الثِّقَة المُسْنِدُ الصَّالِح
بَقِيَّة المَشَايِخ نفيس الدين أبو مُحَمَّدٍ الحَسَن بن
عَلِيٍّ ابْن الشَّيْخ أَبِي القَاسِمِ الحُسَيْن بن
الحَسَنِ بنِ البُنِّ الأَسَدِيّ الدِّمَشْقِيّ الخَشَّاب.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وَسَمِعَ الكَثِيْر مِنْ جدّه، وَتَفَرَّد، وَعُمِّر،
وتأدب على الأمير المحمود بن نعمة الشيرازي وَصحبَهُ،
وَلَهُ أُصُوْل وَأَجزَاء.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: كَانَ دَائِم السُّكُوت، وَإِذَا
نَفر مِنْ شَيْءٍ لاَ يَعُوْد إِلَيْهِ، وَكَانَ ثِقَةً،
ثَبْتاً، سَأَلتُ العَدْلَ عَلِيَّ ابْن الشَّيْرَجِيِّ
عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ عَلَى خَيْرٍ، كَثِيْرَ الصَّدَقَة
وَالإِحسَان.
وَقَالَ الضِّيَاء: شَيْخٌ حَسَنٌ، مَوْصُوْفٌ بِالخَيْرِ،
قَلِيْلُ الكَلاَمِ وَالفُضُولِ.
وَقَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: أَجَازَ لَهُ نَصْر بن نَصْرٍ
العُكْبَرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْن الزَّاغُوْنِيّ.
تُوُفِّيَ فِي ثَامِنَ عَشَرَ شَعْبَان، سَنَةَ خَمْسٍ
وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ بَابِ
الفَرَادِيْسِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ الضِّيَاءُ، وَالبِرْزَالِيُّ،
وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالشَّرَفُ ابْن النَّابُلُسِيُّ،
وَالجمَالُ ابْنُ الصَّابُوْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ
إِلَيَاس، وَمُحَمَّدُ بنُ سَالِمٍ النَّابُلُسِيُّ،
وَالعِزُّ ابْنُ الفَرَّاء، وَالشَّمْسُ ابْنُ الكَمَال،
وَالشِّهَابُ الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَسَعْدُ الخَيْر،
وَأَخُوْهُ؛ نَصْرُ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَابْنَا
الوَاسِطِيّ، والخضر بن عبدان، وعدة.
ومات معه: المحب أحمد بن تميم اللبي الأَنْدَلُسِيّ
المُحَدِّث، وَأَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ الخَضِرِ بنِ
طَاوُوْسٍ الدِّمَشْقِيُّ. يَرْوِي عَنْ: حَمْزَةَ بنِ
كَرَوَّسٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ أَحْمَد بن شِيْرَوَيْه بن
شَهْرَدَار الدَّيْلَمِيّ، وَأَحْمَد بن السَّرَّاجِ،
وَأَبُو القَاسِمِ أحمد بن بقي، وأبو علي ابن
الجَوَالِيْقِيِّ، وَصَاعِد بن عَلِيٍّ الوَاسِطِيّ
الوَاعِظُ، وَكَاتِب المُعَظَّم جَمَال الدِّيْنِ عَبْد
الرَّحْمَنِ بن شِيث القُوْصِيّ، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ
بنِ مَسْعُوْدٍ الشَّاطِبِيّ ابن صاحب الصلاة، وأبو منصور
محمد ابن عَبْدِ اللهِ البَنْدَنِيْجِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ
مُحَمَّدُ بنُ النَّفِيْس بن عَطَاءٍ الصُّوْفِيّ، وَأَبُو
الوَقْتِ مَحَاسِن بن عمر الخزائني.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 271"، وشذرات الذهب لابن
العماد "5/ 117".
(16/213)
ابن عفيجة، والد
الأبرقوهي:
5603- ابن عفيجة 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ المُسْنِدُ أَبُو مَنْصُوْرٍ
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ بنِ كَرَمٍ
البَنْدَنِيْجِيّ ثُمَّ البَغْدَادِيّ، البَيِّع،
المَعْرُوف: بِابْنِ عُفَيْجَةَ الحَمَّامِيّ.
أَجَاز لَهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ
بنِ خَيْرُوْنَ المُقْرِئ، وَسِبْط الخَيَّاط أَبُو
مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ ابْن
الآبُنُوْسِيِّ، وَطَائِفَة. وَسَمِعَ مِنَ الحَافِظ ابْن
نَاصِر، وَأَبِي طَالِبٍ بن خُضَيْرٍ. وَلَيْسَ هُوَ
بِالمُكْثِرِ. خَرَّجَ لَهُ ابْنُ النَّجَّارِ "جُزءاً"،
وَابْنُ الخَيِّرِ "جُزءاً"، وَحَصَلَ لَهُ فِي سَمْعِهِ
ثقل.
وَعُفَيْجَةُ: هُوَ لَقَبٌ لوالده عبد الله.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: كَانَ يَأْوِي إِلَى بَعْضِ
أَقَارِبه، وَكُنَّا نُقَاسِي مِنَ الوُصُوْل إِلَيْهِ
مَشَقَّة وَيَمْنَعونَا.
قُلْتُ: تَعَلَّل وَافتقرَ، وَكَانَ عِنْدَهُ شَيْء مِنْ
حَدِيْثِ أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ، سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ
نَاصِر.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن النَّجَّارِ،
وَابْن المَجْدِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ ابْن الوَاسِطِيّ،
وَطَائِفَة آخرهُم بِالحُضُوْر فِي الرَّابِعَةِ العِمَاد
إِسْمَاعِيْل ابْن الطَّبَّالِ. وَقَرَأْتُ بِإِجَازتِهِ
عَلَى أَبِي الحُسَيْنِ ابْنِ اليُوْنِيْنِيِّ،
وَفَاطِمَةَ بِنْتِ سُلَيْمَان.
تُوُفِّيَ فِي ثَانِيَ عَشَرَ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ
خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمِنْ مَسْمُوْعِهِ خَمْسَةُ أَجزَاءَ مِنَ "الحِلْيَةِ"،
مِنْهَا السَّابِعُ وَالسَّبْعُوْنَ، وَتِلْوُهُ مِنِ
ابْنِ ناصر.
5604- والد الأبرقوهي:
القَاضِي المُحَدِّثُ المُفِيْدُ رَفِيْع الدِّيْنِ
إِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُؤَيَّدِ الهَمَذَانِيّ،
ثُمَّ المِصْرِيّ، الشَّافِعِيّ.
وُلِدَ بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ الغزنوي، والأرتاحي. وبدمشق من ابن
طَبَرْزَد، وَبِوَاسِط مِنَ: المَنْدَائِيّ،
وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ عَفِيفَةَ، وَبَشِيْرَاز،
وَهَمَذَان، وَبَغْدَاد. وَوَلِيَ قَضَاءَ أَبَرْقُوْه،
وَجَاءته الأَوْلاَد، فَرحل بِابْنَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقر
بِمِصْرَ وَكَانَ عَالِماً وَقُوْراً، مُقْرِئاً
فَقِيْهاً.
مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
حَدَّثَنَا عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو المعالي.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 271"، وشذرات الذهب لابن
العماد "5/ 117".
(16/214)
5605- ابن صصرى
1:
الشيخ الجليل مُسْنِدُ الشَّام شَمْسُ الدِّيْنِ أَبُو
القَاسِمِ الحُسَيْنُ ابنُ أَبِي الغَنَائِمِ هِبَة اللهِ
بن مَحْفُوْظ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ
أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ صَصْرَى الرَّبَعِيّ،
التَّغْلِبِيّ، الجَزَرِيّ، البَلَدِيّ، الدِّمَشْقِيّ،
أَخُو الحَافِظ أَبِي المَوَاهِب.
وُلِدَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَجَدِّهِ، وَجَدِّهِ لأُمِّهِ
أَبِي المَكَارِمِ بن هلال، وعبدان ابن رزين،، وَأَبِي
القَاسِمِ بنِ البُنِّ، وَنَصْر بن مُقَاتِل، وأبي طالب بن
حيدرة وحمزة بن الحُبُوْبِيِّ، وَحَمْزَة بن كَرُّوْس،
وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ الحَرَسْتَانِيّ، وَالفَلَكِيّ،
وَالصَّائِن وَأَخِيْهِ الحَافِظ، وَحَسَّان بن تَمِيْمٍ،
وَعَبْد الوَاحِدِ بن قَزَّةَ، وَعَلِيّ بن عَسَاكِرَ بن
سُرُوْر المَقْدِسِيّ، وَعَدَد كَثِيْر. وَسَمِعَ بمكة من:
أبي حنيفة بن عُبَيْدِ اللهِ الخَطِيْبيّ، وَبِحَلَبَ مِنْ
أَبِي طَالِبٍ ابْن العَجَمِيّ.
وَأَجَاز لَهُ عَلِيُّ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَمُحَمَّد بن
السَّلاَّل، وَأَبُو مُحَمَّدٍ سِبْط الخياط، وأحمد ابن
الآبُنُوْسِيِّ، وَمُحَمَّد بن طِرَاد، وَأَبُو الفَضْلِ
الأُرْمَوِيُّ، وَالفَقِيْه نَصْر اللهِ بن مُحَمَّدٍ
المَصِّيْصِيّ، وَخَلْق. وَخَرَّج لَهُ البِرْزَالِيّ
"مَشْيَخَة" فِي مُجَلَّد.
حَدَّثَ عَنْهُ الضِّيَاء، وَالقُوْصِيّ، وَالمُنْذِرِيّ،
وَالجمَال ابْن الصَّابُوْنِيّ، وَالزَّيْن خَالِد،
وَأَبُو بَكْرٍ بنُ طَرْخَان، وَإِبْرَاهِيْم بن عثمان
اللتموني، وَالشَّرَف أَحْمَد بن أَحْمَدَ الفَرَضِيّ،
وَالجمَال أَحْمَد بن أَبِي مُحَمَّدٍ المَغَارِيّ،
وَالتَّقِيّ ابْن الوَاسِطِيّ وَأَخُوْهُ، وَالتَّقِيّ بن
مُؤْمِنٍ، وَالعِزّ بن الفَرَّاءِ، وعبد الحميد بن حوران،
وَنَصْر اللهِ بن عَيَّاشٍ، وَأَبُو المَعَالِي
الأَبَرْقُوْهِيُّ، وأبو جعفر ابن الموازيني، وَخَلْق.
تَفقه قَلِيْلاً عَلَى أَبِي سَعْدٍ بنِ عصرُوْنَ.
قَالَ البِرْزَالِيّ: كَانَ يَسْأَل مِنْ غَيْرِ حَاجَة،
وَهُوَ مُسْنِد الشَّام فِي زَمَانِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: رُبَّمَا كَانَ يَأْخذ مِنْ
آحَاد الأَغنِيَاء عَلَى التّسمِيْع.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ سَلاَّمٍ: كَانَ فِيْهِ
شُحٌّ بِالتسمِيْع إلَّا بعرض من الدُّنْيَا، وَهُوَ مِنْ
بَيْت حَدِيْثٍ وَأَمَانَةٍ وَصِيَانَة. كَانَ أَخُوْهُ
مِنْ عُلَمَاء الحَدِيْث، وَقَرَأْت عَلَيْهِ "عُلُوْم
الحَدِيْث" لِلْحَاكِمِ فِي مِيْعَادَيْنِ، وَكَانَ
مُتَمَوِّلاً، لَهُ مَال وَأَملاَك، رُزِئَ فِي مَالِهِ
مَرَّات.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 272"، وشذرات الذهب "5/
118، 119".
(16/215)
وَقَالَ ابْنُ الحَاجِبِ أَيْضاً: كَانَ
صَاحِبَ أُصُوْل، لَيِّن الجَانب، بَهيّاً، سَهْل
الانْقِيَادِ، مُوَاظباً عَلَى أَوقَات الصَّلَوَات،
مُتَجَنِّباً لِمُخَالَطَة النَّاسِ، وَهُوَ مِنْ
رَبِيْعَة الفَرَس.
مَاتَ فِي الثَّالِث وَالعِشْرِيْنَ مِنَ المُحَرَّم سَنَة
سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ وَصَلَّى عَلَيْهِ
الخَطِيْب الدَّوْلَعِيّ بِالجَامِع، وَالقَاضِي شَمْس
الدِّيْنِ الخُوئِيّ بِظَاهِرِ البَلَدِ، وَالتَّاجُ
القُرْطُبِيُّ بِمَقبَرَتِهِ بِسَفحِ قَاسِيُوْنَ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ مُحَدِّثُ مِصْرَ عَبْد الوَهَّابِ بن
عَتِيقِ بنِ وَرْدَانَ العَامِرِيُّ، وَشَرَف النِّسَاءِ
بنت أحمد ابن الآبنوسي، والرشيف البَهَاء الفَضْل بن
عَقِيْلٍ العَبَّاسِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حربٍ النَّرْسِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ
المُهَذَّبُ بنُ عَلِيِّ بنِ قُنَيْدَةَ الأَزَجِيُّ،
وَالشِّهَابُ يَاقُوْت الحَمَوِيّ الرُّوْمِيّ صَاحِب
التَّوَالِيفِ، وَأَبُو البَقَاءِ يَعِيْشُ بنُ عَلِيِّ
بنِ يَعِيْشَ ابْنِ القَدِيْم الشِّلْبِيُّ، وَصَاحِب
اليَمَن الْملك المَسْعُوْد أقسيس ابن الكامل.
(16/216)
5606- زين
الأمناء 1:
الشيخ العالم الجلي المسند العابد الخبر زين الأمناء أبو
البركات الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ هِبَةِ
اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَسَاكِرَ الدِّمَشْقِيّ،
الشَّافِعِيّ.
وُلِدَ فِي سَلْخِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي العشَائِر مُحَمَّد بن الخَلِيْلِ
القَيْسِيّ فِي الخَامِسَة، وأبي المظفر الفلكي، وعبد
الرحمن بن أَبِي الحَسَنِ الدَّارَانِيّ، وَأَبِي
القَاسِمِ بنِ الأَسَدِيّ، وَعَبْد الوَاحِدِ بن
إِبْرَاهِيْمَ بنِ القُزَّةِ، وَالخَضِر بن عَبْدِ
الحَارِثِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن الحَسَنِ الحصنِيّ،
وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِل السُّوْسِيّ،
وَمُحَمَّد بن أَسْعَد العِرَاقِيّ، وَحَسَّان بن تَمِيْم
الزَّيَّات، وَأَبِي النَّجِيْبِ السُّهْرَوَرْدِيِّ،
وَمُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ ابْن المَوَازِيْنِيِّ، وَعَلِيّ
بن مَهْدِيٍّ الهِلاَلِي، وَمُحَمَّد بن بَرَكَةَ
الصِّلْحِيّ، وَالحَسَن بن عَلِيٍّ البَطَلْيَوْسِيّ،
وَعَبْد الرَّشِيْد بن عَبْدِ الجَبَّارِ الخُوَارِيّ،
وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ الكُشْمِيْهَنِيّ، وَأَخِيْهِ؛
مَحْمُوْد، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: الإِمَام عِزّ الدِّيْنِ ابْن الأَثِيْرِ،
وَكَمَال الدِّيْنِ ابْن العَدِيْم، وَابْنه؛ أَبُو
المَجْدِ، وَزَكِيّ الدِّيْنِ المُنْذِرِيّ، وَالزَّيْن
خَالِد، وَالشَّرَفُ ابْنُ النَّابُلُسِيِّ، وَالجمَال
ابْن الصَّابُوْنِيّ، وَالشَّمْس ابْن الكَمَال، وَسَعْد
الخَيْر بن أَبِي القَاسِمِ وَأَخُوْهُ؛ نَصْر اللهِ،
والعماد عبد الحافظ
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 273"،
وشذرات الذهب "5/ 123".
(16/216)
النَّابُلُسِيُّون، وَالشِّهَاب
الأَبَرْقُوْهِيّ، وَالشَّرَف ابْن عَسَاكِرَ، وَأَمِيْن
الدين أبو اليمن حفيده، وآخرون.
وَكَانَ شَيْخاً جَلِيْلاً، نبيلاً، عَابِداً سَاجِداً،
مُتَأَلِّهاً، حَسنَ السّمت، كيِّس المحَاضَرَة، مِنْ
سروَات البَلَد. تفق عَلَى جَمَال الأَئِمَّة عَلِيّ بن
المَاسحِ، وَتَلاَ بِحرفِ ابْن عَامِرٍ عَلَى أَبِي
القَاسِمِ العُمَرِيّ وَتَأَدَّب عَلَى عَلِيِّ بنِ
عُثْمَانَ السُّلَمِيّ، وَوَلِيَ نَظَرَ الخزَانَة، وَنظرَ
الأَوقَافِ، وَأَقْبَلَ عَلَى شَأْنِه، وَكَانَ كَثِيْرَ
الصَّلاَةِ، حَتَّى إِنَّهُ لُقِّب بِالسَّجَّاد، وَلَقَدْ
بَالغ ابْن الحَاجِب فِي تَقرِيظه بِأَشيَاء تَركتُهَا،
وَلأَنَّ ابْن المَجْدِ ضَرَبَ عَلَى بَعْضهَا.
وقال السيف بن المَجْدِ: سَمِعْنَا مِنْهُ، إلَّا أَنَّهُ
كَانَ كَثِيْرَ الالتفَات فِي الصَّلاَةِ، وَيُقَالُ:
كَانَ يُشَارِي فِي الصَّلاَةِ وَيُشِيْر بِيَدِهِ لِمَنْ
يَبتَاع مِنْهُ.
وَقَالَ البِرْزَالِيّ: ثِقَةٌ، نبيلٌ، كَرِيْمٌ، صَيِّنٌ.
مَاتَ زَين الأُمَنَاءِ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي سحر يَوْمَ
الجُمُعَةِ، سَادِسَ عَشَرَ صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعٍ
وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَشيَّعه الخلقُ، وَدُفن
إِلَى جَانب أَخِيْهِ المفتي فخر الدين عبد الرحمن، وَطَاب
الثّنَاء عَلَيْهِ، وَقِيْلَ: أَصَابته زَمَانَةٌ فِي
الآخِرِ، فَكَانَ يُحْمَلُ فِي مِحَفَّةٍ إِلَى الجَامِع
وَإِلَى دَارِ الحَدِيْثِ النُّورِيَّة، فَيُسَمِّع،
وَعَاشَ ثَلاَثاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
قَالَ القُوْصِيّ: سَمِعْتُ مِنْهُ "سُنَن
الدَّارَقُطْنِيّ".
قُلْتُ: قَدْ حَدَّثَ بِهِ عَنِ الضِّيَاء بن هِبَةِ اللهِ
بنِ عَسَاكِرَ عَمِّه.
وَفِيْهَا مات عبد الرحمن بن عَتِيق بن صِيْلاَ، وَعَبْد
السَّلاَم بن عبد الرحمن بن عَلِيِّ بنِ سُكَيْنَة،
وَأَبُو زَيْد عَبْد الرحمن بن يَخلَقِيْنَ بن أَحْمَدَ
الفَازَازِيُّ القُرْطُبِيّ، وَأَبُو المَعَالِي مُحَمَّد
بن أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ بنِ شافع الجيلي البَغْدَادِيّ،
وَفَخْر الدِّيْنِ مُحَمَّد بن عَبْدِ الوَهَّابِ ابْن
الشِّيْرَجِيّ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو غَانِم مُحَمَّد بن
هِبَةِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ العَدِيْم العُقَيْلِيُّ،
وَأَبُو الفَتْحِ نَصْر بن جرْو السَّعْدِيّ الحَنَفِيّ.
(16/217)
5607- عمر بن
بدر 1:
ابن سعيد، الإِمَامُ المُحَدِّثُ المُفِيْدُ الفَقِيْهُ
أَبُو حَفْصٍ الكُرْدِيّ المَوْصِلِيّ الحَنَفِيّ ضِيَاء
الدِّيْنِ.
سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَمُحَمَّد
بن المُبَارَكِ ابْن الحَلاَوِيّ، وَأَبِي الفَرَجِ ابْن
الجَوْزِيِّ وَطَبَقَتِهِم. وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ،
وَحَدَّثَ بِحَلَبَ وَدِمَشْق.
رَوَى عَنْهُ: الشِّهَاب القُوْصِيّ، وَالفَخْر ابْن
البُخَارِيِّ، وَمَجْد الدِّيْنِ ابْن العَدِيْمِ وَأُخْته
شُهْدَةُ، فَكَانَتْ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ. وَقَدْ
حَدَّثَ أَيْضاً بِبَيْتِ المَقْدِس. وَلَهُ تَوَالِيفُ
مُفِيْدَةٌ، وَعَمَلٌ فِي هَذَا الفنِّ، عَاشَ نَيِّفاً
وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، بِالبيمَارستَان النُّوْرِيّ بِدِمَشْقَ.
لَمْ يَرْوِ لَنَا عَنْهُ سِوَى شُهْدَةُ بِنْت العَدِيْم.
أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ بِنْتُ عُمَر الكَاتِبَة،
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ بَدْرٍ قِرَاءةً عَلَيْهِ فِي
سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ وَأَنَا
حَاضِرَة قَالَ: قرأت على عبد المنعم بن كُلَيْب،
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ إِمْلاَءً،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ سَهْلٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بنُ سَالِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى سكَّةَ الحَرْثِ فَقَالَ: "لاَ
تَدْخُلُ هَذِهِ عَلَى قَوْمٍ إلَّا أَذَلَّهُمُ اللهُ".
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ يُوْسُفَ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: النَّاصِر لِدِيْنِ الله، والشرف
أحمد بن الكَمَالِ مُوْسَى بن يُوْنُسَ المَوْصِلِيّ شَارح
"التَّنْبِيْهِ"، وإبراهيم بن عبد الرحمن القَطِيْعِيّ،
وَالمُحَدِّث إِبْرَاهِيْم بن عُثْمَانَ بنِ دِرْبَاسٍ،
وَأَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُظَفَّر
البَرْنِيُّ، وَالأَمِيْر مَجْد الدِّيْنِ جَعْفَر ابْن
شَمْسِ الخِلاَفَةِ، وَالحُسَيْن بن عمر بن بار
المَوْصِلِيّ، وَظَفَرُ بنُ سَالِمٍ ابْن البَيْطَار،
وَالوَزِيْر صفي الدين عبد الله بن علي بن شكر
الدَّمِيْرِيّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ عَبْد اللهِ بن نَصْرِ بن
شَرِيْف الرّحبَة، وَعَبْد السَّلاَمِ العَبَرْتِيّ
الخَطِيْب، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
حَرِيْقٍ البَلَنْسِيُّ أَحَد الشُّعَرَاءِ، وَعَلِيُّ بنُ
البَنَّاءِ المكي، وقاضي مصر زين الدين علي ابن يُوْسُفَ
الدِّمَشْقِيُّ، وَالأَفْضَلُ عَلِيُّ بنُ صَلاَحِ
الدِّيْنِ، وَالفَخْرُ الفَارِسِيُّ، وَالمَجْدُ
القَزْوِيْنِيُّ، وَالفَخْرُ بنُ تَيْمِيَةَ، والنفس بن
جبارة، والزكي بن رواحة واقف الراحية، وَيَعِيْشُ بنُ
الحَارِثِ الأَنْبَارِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ زرقون
شيخ المالكية.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 101".
(16/218)
5608- ابن
تيمية 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ المُفْتِي المُفَسِّرُ
الخَطِيْبُ البَارِعُ عالم حران وخطيبا وَوَاعِظُهَا،
فَخْرُ الدِّيْنِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي
القَاسِمِ الخَضِرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الخَضِرِ بنِ
عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ ابْن تَيْمِيَةَ الحَرَّانِيُّ،
الحَنْبَلِيُّ، صَاحِبُ "الدِّيْوَانِ"، الخُطَبِ،
وَ"التَّفْسِيْر الكَبِيْر".
وُلِدَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ،
بِحَرَّانَ، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ أَبِي
الوَفَاء، وَحَامِد بن أَبِي الْحجر، وَتَفَقَّهَ
بِبَغْدَادَ عَلَى: نَاصِح الإِسْلاَم ابْن المَنِّيِّ،
وَأَحْمَد بن بَكْروس، وَبَرَعَ فِي المَذْهَب، وَسَاد.
وَأَخَذَ العَرَبِيَّة عَنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ
الخَشَّابِ، وَسَمِعَ الحَدِيْث مِنْ: أبي بن البطي، ويحيى
ابن ثَابِتٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ النَّقُّوْرِ، وَسَعْدِ
اللهِ ابْنِ الدَّجَاجِيِّ، وَجَعْفَرِ ابْنِ
الدَّامَغَانِيِّ، وَشُهْدَةَ، وَجَمَاعَةٍ. وَصَنَّفَ
"مُخْتَصَراً" فِي المَذْهَب، وَلَهُ النّظم وَالنَّثْر.
قِيْلَ: إِنَّ جدَّه حَجَّ عَلَى دربِ تَيْمَاءَ، فَرَأَى
هُنَاكَ طِفْلَةً، فَلَمَّا رَجَعَ، وَجدَ امْرَأَتَه قَدْ
وَلَدَتْ لَهُ بِنْتاً، فَقَالَ: يَا تَيْمِيَةُ! يَا
تَيْمِيَةُ! فَلقِّبَ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا ابْن النَّجَّارِ، فَقَالَ: ذكرَ لَنَا أَنَّ
جَدَّه مُحَمَّداً كَانَتْ أُمُّهُ تُسَمَّى تَيْمِيَةَ،
وَكَانَتْ وَاعِظَةً.
نَعَمْ، وَسَمِعَ الشَّيْخ فَخْرُ الدِّيْنِ بِحَرَّانَ
مِنْ أَبِي النَّجِيْب السهروردي، قدم عليهم.
حَدَّثَ عَنْهُ: الشِّهَاب القُوْصِيّ، وَقَالَ: قَرَأْت
عَلَيْهِ خطبه بِحَرَّانَ. وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُ
أَخِيْهِ؛ الإِمَام مجد الدين، والجمال يحيى ابن
الصَّيْرَفِيّ، وَعَبْد اللهِ بن أَبِي العِزّ، وَأَبُو
بَكْرٍ بنُ إِلَيَاس الرَّسْعَنِيّ، وَالسَّيْف بن
مَحْفُوْظ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ،
وَالرَّشِيْد الفَارِقِيّ، وَجَمَاعَة.
تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، له ثَمَانُوْنَ سَنَةً. وَكَانَ صَاحِبَ
فُنُوْنٍ وَجَلاَلَةٍ بِبَلَدِهِ، سمعت من طريقه "جزء
البانياسي".
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 657"،
والنجوم الزاهرة "6/ 262، 263"، وشذرات الذهب "5/ 102،
103".
(16/218)
5609- ابن
درباس:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ جَلاَل الدِّيْنِ أَبُو إِسْحَاقَ
إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ بنِ عِيْسَى بنِ دِرْبَاسٍ
المَارَانِيُّ، الكُرْدِيُّ، المِصْرِيُّ.
أَجَاز لَهُ السِّلَفِيُّ. وَسَمِعَ: فَاطِمَة بِنْت
سَعْدِ الخَيْرِ، وَالأَرْتَاحِيّ، وَابْن طَبَرْزَدَ،
وَالمُؤَيَّد الطُّوْسِيّ، وَأَبَا روح، وَزَيْنَب
الشَّعْرِيَّة، وَخَلْقاً، وَكَتَبَ الكَثِيْر.
رَوَى عَنْهُ: الحَافِظ عَبْد العَظِيْمِ، وَغَيْرهُ،
وَكَانَ عَارِفاً بِمَذْهَب الشَّافِعِيّ، تَفَقَّهَ
بِأَبِيْهِ، وَكَانَ خَيِّراً، صَالِحاً، زَاهِداً،
قَانِعاً، مُقلاًّ، مُقْبِلاً عَلَى شَأْنه.
تُوُفِّيَ بَيْنَ الهِنْد وَاليَمَن، سَنَة اثْنَتَيْنِ
وعشرين وست مائة، وله خمسون سنة.
وكان:
(16/219)
أبوه، عمه، ابن
النرسي:
5610- أَبُوْهُ 1:
الشَّيْخُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ مِنْ كِبَارِ
الشَّافِعِيَّةِ، تَفَقَّهَ بِإِرْبِلَ عَلَى الخَضِرِ بنِ
عَقِيْلٍ، وَبِدِمَشْقَ عَلَى ابْنِ أَبِي عَصْرُوْنَ،
وَشَرَحَ "المُهَذَّبَ" فِي عِشْرِيْنَ مُجَلَّداً،
وَشَرحَ "اللُّمَعَ" فِي الأُصُوْلِ فِي مُجَلَّدَيْنِ.
وَنَاب عَنْ أَخِيْهِ فِي القَضَاءِ، مَاتَ في سنة اثنتين
وست مائة.
5611- عمه 2:
قَاضِي الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ صَدْرُ الدِّيْنِ أَبُو
القَاسِمِ عَبْدُ المَلِكِ، وُلِدَ بِأَرَاضِي المَوْصِلِ،
سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ، تَفَقَّهَ
بِحَلَبَ عَلَى أَبِي الحسن المرادي، وسمع بدمشق من لأبي
القَاسِمِ بنِ البُنِّ، وَبِمِصْرَ مِنْ عَلِيِّ ابْنِ
بِنْت أَبِي سَعْدٍ الزَّاهِدِ، وَكَانَ صَالِحاً، مِنْ
خيَار القُضَاة، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
5612- ابن النرسي 3:
الشَّيْخُ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أبي
حرب بن عبد الصمد ابن النَّرْسِيّ الأَدِيْب، أَحَد
الشُّعَرَاء، بِبَغْدَادَ.
وُلِدَ سَنَةَ 544، وَسَمِعَ الأَوّل مِنْ حَدِيْثِ ابْن
زُنْبُوْر الوَرَّاق، من أبي محمد بن المَادِحِ:
أَخْبَرَنَا الزَّيْنَبِيّ عَنْهُ. وَالثَّانِي مِنْ
حَدِيْثِ ابْن صَاعِد بِالإِسْنَادِ. وَسَمِعَ مِنْ هِبَة
اللهِ ابْن الشِّبْلِيّ، وَأَبِي الفَتْحِ ابْن
البَطِّيِّ، فَسَمِعَ مِنِ ابْنِ البَطِّيِّ "مُسْنَدَ
حُمَيْد" عَنْ أَنَسٍ، لأَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيّ،
وَكِتَابَ "الاسْتيعَاب" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ عَنِ
الحُمَيْدِيّ، إِجَازَةً عَنِ المُؤلف؛ أَجَازَهُ بِفَوْت.
وَسَمِعَ مِنْ صَالِحِ بنِ الرّخلَة، وَتركنَاز بِنْت
الدَّامَغَانِيّ رَابع "المَحَامِلِيَّات"، بِسَمَاعِهِمَا
مِنَ النِّعَالِيّ.
رَوَى عَنْهُ ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَالجمَال ابْن
الصَّيْرَفِيّ، وَالتَّقِيّ ابْن الوَاسِطِيّ.
وَبِالإِجَازَةِ: فَاطِمَة بِنْت سُلَيْمَان، وَطَائِفَة.
وَكَانَ كَاتِباً سَيِّئَ التَّصرُّفِ، ظَرِيفاً،
نَدِيْماً.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ
وست مائة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 410"،
وشذرات الذهب "5/ 7".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 196".
3 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 273"، وشذرات الذهب "5/
119".
(16/220)
ابن النرسي،
الهمذاني:
5613- ابن النرسي:
الشَّيْخُ العَالِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّطِيْف
بنُ المُبَارَكِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ هِبَة
اللهِ النَّرْسِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
رَوَى عَنْ أَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ وَغَيْرِهِ
بِالأَنْدَلُسِ، وَلَهُ تَوَالِيف فِي التصريف، وَرَوَى
كتباً كَثِيْرَة عَنْ مُصَنّفهَا ابْن الجَوْزِيِّ،
ضَعَّفه مُحَمَّد بن سَعِيْدٍ الطّرَاز الأَنْدَلُسِيّ،
وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ بنُ مَسْدِيّ فَرَوَى عَنْهُ
وَقَالَ: رَأَيْتُ "ثَبته" وَعَلَيْهِ خطّ أَبِي الوَقْت.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنِ: ابْنِ البَطِّيِّ، وَلَبِسَ مِنَ
الشَّيْخ عَبْد القَادِرِ. قَدِمَ غَرْنَاطَة، وَأَدخل
البِلاَد تَوَالِيف لابْنِ الجَوْزِيّ، تَحَامِل عَلَيْهِ
ابْن الرومِيَّة، وَلَيْسَ لأَبِي مُحَمَّدٍ فِي بَاب
الرِّوَايَة كَبِيْر عنَايَة.
وَمَاتَ بِمَرَّاكُش، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ، وَلَهُ
نَيِّفٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: وَادَّعَى أَنَّهُ هَاشِمِيّ.
5614- الهَمَذَانِيُّ:
العَلاَّمَةُ المُفْتِي الخَطِيْب أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ الهَمَذَانِيّ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَسَمِعَ مِنْ:
أَحْمَد بن سَعْدٍ البيع، وَأَبِي الوَقْت عَبْد الأَوَّل.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ، وَبَرَعَ فِي المَذْهَب -مَذْهَب
الشَّافِعِيّ- عَلَى أَبِي الخَيْرِ القَزْوِيْنِيّ،
وَأَبِي طَالِبٍ صَاحِب ابْنِ الخَلِّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: بَرَعَ فِي المَذْهَب، وَأَفتَى.
وكان متقشفًا على منهاج السلف.
قُلْتُ: كَانَ بَصِيْراً بِالمَذْهَبِ وَالخلاَف وَأُصُوْل
الفِقْه، مُتَأَلِّهاً.
رَوَى عَنْهُ: ابْن النَّجَّارِ، وَعَلِيّ بن الأَخْضَر،
وَالجمَال يَحْيَى بن الصَّيْرَفِيّ؛ سَمِعُوا مِنْهُ
"جُزءَ عَلِيِّ بنِ حَرْبٍ" رِوَايَةَ العَبَّادَانِيِّ
بِسَمَاعِهِ مِنْ أَحْمَدَ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيْرَازِيّ، أَخْبَرْنَا
أَبُو عَلِيٍّ ابْن شَاذَانَ. وَقَدْ خطبَ بِبَعْض
أَعْمَال هَمَذَان.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ.
(16/221)
ابن شكر، ابن حريق:
5615- ابن شكر 1:
الوَزِيْر الكَبِيْر صَفِيُّ الدِّيْنِ عَبْدُ اللهِ بنُ
عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ الشَّيْبِيّ، الدَّمِيْرِيُّ،
المَالِكِيُّ، ابْنُ شُكْرٍ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَتَفَقَّهَ،
وَسَمِعَ بِالثَّغْرِ يَسيراً: مِنَ السِّلَفِيِّ، وَابْن
عَوْف، وَجَمَاعَة. وَتَفَقَّهَ: بِمَخْلُوْف بن جَارَة.
رَوَى عَنْهُ: المُنْذِرِيّ، وَالقُوْصِيّ، وَأَثنَيَا
عَلَيْهِ بِالبر وَالإِيثَار وَالتفقد لِلْعُلَمَاء
وَالصُّلَحَاء. أَنشَأَ بِالقَاهِرَةِ مَدْرَسَة، وَوزر،
وَعظم، ثُمَّ غضب عَلَيْهِ العَادل، وَنَفَاهُ، فَبقِي
بِآمِدَ، فَلَمَّا توفي العادل، أقدمه الكامل.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ خليقاً لِلوزَارَة، لَمْ
يَلهَا بَعْدَهُ مِثْله، وَكَانَ مُتَوَاضِعاً يُسلِّم
عَلَى النَّاسِ وَهُوَ رَاكِب، وَيُكرم العُلَمَاء.
قَالَ القُوْصِيّ: هُوَ كَانَ السَّبَب فِيمَا وَليته
وَأَوليته، أَنْشَأَنِي وَأَنسَانِي الوَطَن، وَعَمَّرَ
جَامِعَ المِزَّةَ، وَجَامِعَ حَرَسْتَا، وَبَلَّطَ
جَامِعَ دِمَشْقَ، وَأَنْشَأَ الفَوَّارَة، وَبَنَى
المصلَى.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّطِيْف: هُوَ دري اللَّوْنِ، طلق
المحيَا، طُوَال، حُلْو اللِّسَان، ذُو دَهَاء فِي هوج،
وَخبث فِي طَيْش مَعَ رعونَة مفرطَة وَحقد، يَنْتقم وَلاَ
يَقبل مَعْذِرَة اسْتولَى عَلَى العَادل جِدّاً، قرب
أَرَاذل كَالجمَال المِصْرِيّ وَالمَجْد البَهْنَسِيّ،
فَكَانُوا يُوهِمُونه أَنَّهُ أَكْتَبُ مِنَ القَاضِي
الفَاضِل وَابْن العَمِيد، وَفِي الفِقْه كَمَالِكٍ، وَفِي
الشّعرِ أَكمل مِنَ المُتَنَبِّي، وَيَحلِفُوْنَ عَلَى
ذَلِكَ، وَكَانَ يظْهر أَمَانَة مُفرطَةً، فَإِذَا لاَح
لَهُ مَال عَظِيْم احتجَنَهُ، إِلَى أَن ذَكَرَ أَنَّ لهمن
القُرَى مَا يغل أَزْيَد مِنْ مائَة أَلْف دِيْنَار،
وَقَدْ نُفِي ثُمَّ اسْتوزره الكَامِل، وَقَدْ عَمِيَ
فَصَادر النَّاس، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَتَحَسَّرُ أَنَّ
ابْنَ البَيْسَانِيِّ مَا تَمرَّغَ عَلَى عتبتِي -يَعْنِي:
القَاضِي الفَاضِل، وَرُبَّمَا مَرَّ بِحَضْرَةِ ابْنِهِ
وَكَانَ مُعجَباً تَيَّاهاً.
مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، عفَا الله عَنْهُ.
5616- ابْنُ حريق:
فَحلُ الشُّعَرَاءِ العَلاَّمَةُ اللُّغَوِيّ النَّحْوِيُّ
أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بن
حَرِيْق المَخْزُوْمِيّ، البَلَنْسِيّ.
قَالَ الأَبَّارُ: هُوَ شَاعِرُ بَلَنْسِيَةَ، مُسْتبحر
فِي الْآدَاب وَاللغَات، حَافِظ لأَشعَار الْعَرَب
وَأَيَّامهَا، شَاعِر مُفلق، "دِيْوَانه" مُجلَّدَانِ.
مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ،
عَنْ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ مَسْدِيّ: كَانَ إِن نَظم أَعجز وَأَبدع،
وَإِن نثر أوجز وأبلغ، سمعت من تواليفه.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 263"،
وشذرات الذهب "5/ 100".
(16/222)
القاضي، ابن نورنداز:
5617- القاضي 1:
قَاضِي الدِّيَار المِصْرِيَّةِ زَيْنُ الدِّيْنِ أَبُو
الحَسَنِ علي بن يوسف بن عبد الله ابن بُنْدَار
الدِّمَشْقِيّ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ، رَاوِي "مُسْنَد
الشَّافِعِيّ" عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بن طَاهِر.
تَفقه عَلَى أَبِيْهِ، وَتَمَيَّزَ فِي المَذْهَب.
رَوَى عَنْهُ: الزَّكِيَّانِ: البِرْزَالِيّ
وَالمُنْذِرِيّ، وَابْنه أَحْمَد، وَأَخْبَرَنَا عَنْهُ:
الأَبَرْقُوْهِيّ.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَعِشْرِيْنَ وست مائة، بِالقَاهِرَةِ، وَلَهُ اثْنَتَانِ
وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
5618- ابْنُ بُوْرندَازَ 2:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ المُسْنِدُ الحَاجِب أَبُو الحَسَنِ
عَلِيُّ بنُ النَّفِيْس بن بُوْرندَازَ بن حُسَامٍ
البَغْدَادِيّ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ من: أبي محمد بن المَادِحِ، وَأَبِي المُظَفَّرِ
بن التُّرَيْكِيّ، وَمَحْمُوْد فُورجه، وَأَبِي الوَقْت
السِّجْزِيّ، وَعُمَر بن عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيّ، وَأَبِي
المَعَالِي ابْن اللَّحَّاس، وَابْن البَطِّيِّ
وَجَمَاعَة، وَخَرَّج لَهُ مَشْيَخَة وَلده المُحَدِّثُ
المُفِيْد عَبْد اللَّطِيْفِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَالسَّيْف ابْن المَجْدِ،
وَالتَّقِيّ ابْن الوَاسِطِيّ، وَالشَّمْس ابْن الزَّيْنِ،
وَعَبْد الرَّحِيْمِ ابْن الزجَاج، وَمُحَمَّد بن المُريح
النَّجَّار. وَبِالإِجَازَةِ: أَبُو المَعَالِي
الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ ابْن
الوَاسِطِيّ.
تُوُفِّيَ فِي السَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي
القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قال ابن النجار: هو من أولاد، حفظ القرآن، وتفقه
لأَحْمَدَ، وَصَحِبَ مَكِّيّ بن الغَرَّاد، وَبإِفَادته
سَمِعَ، قَالَ: وَكَانَ مُتَدَيِّناً، صَالِحاً،
مُنْقَطِعاً عَنِ النَّاس، كَثِيْر العِبَادَة، حَسَن
السّمت، دُفِنَ بِمَقْبَرَة بَاب حَرْب، رَحِمَهُ اللهُ.
وَفِيْهَا مَاتَ: العَلاَّمَة شَمْس الدِّيْنِ أَحْمَد بن
عَبْدِ الوَاحِدِ المَقْدِسِيّ المُلَقَّب بِالبُخَارِيّ،
وَالمُحَدِّث رَفِيْع الدِّيْنِ إِسْحَاق وَالِد
الأَبَرْقُوْهِيّ، وَالتَّقِيّ خزعل بن عَسْكَر
النَّحْوِيّ بِدِمَشْقَ، وَأَبُو محمد ابن الأُسْتَاذ،
وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبِي العِزّ ابْن الخَبَّازَة
البَغْدَادِيّ، وَشَيْخ الشَّافِعِيَّة إِمَام الدِّيْنِ
عَبْد الكَرِيْمِ الرَّافِعِيّ، وَشبل الدَّوْلَة كَافُوْر
وَاقف الشِّبليَّةِ، وَالظَّاهِر بِأَمْرِ اللهِ، وَابْن
أَبِي لُقْمَةَ، وَمُحَمَّد بن عُمَرَ بنِ خَلِيْفَةَ
الحَرْبِيُّ، وَأَبُو المَحَاسِنِ المراتبي، والمبارك بن
أبي الجود، وقاضي دِمَشْق الجمَال يُوْنُس بن بَدْرَانَ
الشَّيْبِيّ المِصْرِيّ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 263"،
وشذرات الذهب "5/ 101".
2 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 109".
(16/223)
5619- ابن لقمة 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ المُعَمَّر الصَّالِح بَقِيَّة
السَّلَف أَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ السَّيِّدِ بن
فَارِس بن سَعْدِ بنِ حَمْزَةَ ابْن أَبِي لُقْمَةَ
الأَنْصَارِيّ الدِّمَشْقِيّ الصَّفَّار النَّحَاس.
مَوْلِدُهُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَبعدهَا
مِنَ: الفَقِيْه أَبِي الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيُّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ طاووس
المقرئ، والقاضي المنتخب أبي المعالي محمد بن علي القرشي،
وعبدان ابن رزين الملقن، والبهجة علي ابن عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الصُّوْرِيُّ، وَأَبِي القَاسِمِ الخَضِرِ بنِ
عبدان الأزدي، ونصر ابن أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِلٍ،
وَتَفَرَّدَ فِي وَقْتِهِ.
وَأَجَاز لَهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنُ السَّلاَّلِ،
وَعَلِيُّ بن الصَّبَّاغِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ سِبْط
الخَيَّاط، وَأَبُو الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ
بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ
الكَرُوْخِيّ، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ،
وَالضِّيَاء مُحَمَّد، وَالسَّيْف ابْن المَجْدِ،
وَالزَّكِيّ البِرْزَالِيّ، وَأَحْمَد بن يُوْسُفَ
الفَاضِلِي، وَالشَّمْس ابْن الكَمَال، وَالتَّقِيّ ابْن
الوَاسِطِيّ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّد، وَالعِزّ ابْن
الفَرَّاء، وَالعِزّ ابْن العِمَاد، وَالتَّقِيّ بن
مُؤْمِنٍ، وَالخَضِر بن عَبْدَان، -وَجَدْنَا سَمَاعه
مِنْهُ- وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: كَانَ رَجُلاً صَالِحاً،
كَثِيْر الخَيْرِ وَالتِّلاَوَة، رطب اللِّسَان بِالذّكر،
مُحِبّاً لِلطَّلبَة، كَرِيْم النَّفْس، وَمُتِّعَ
بِحَوَاسِّه، ثُمَّ انْحَطَمَ لِمَوْتِ ابْنِهِ، وَأُقعد
وَثَقُلَ سَمْعُهُ قَلِيْلاً، وَكَانَ بِالمِزَّةِ.
مَاتَ فِي ثَالِثِ رَبِيْع الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمَاتَ أَخُوْهُ أَبُو يَعْلَى حَمْزَةَ بنِ أَبِي
لُقْمَةَ الفَقِيْه فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ،
مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ، كَانَ الأَصْغَرَ، رَوَى
عَنْهُ: الزَّكِيّ البِرْزَالِيّ، وَمُحَمَّد وَعُمَر
ابْنَا القَوَّاس، حَدَّثَ عَنِ: الخضر بن عبدان، وغيره.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 266"،
وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 110".
(16/224)
ابن شمس الخلافة،
اللبلي:
5620- ابن شمس الخلافة 1:
الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ مَجْدُ المُلْكِ أَبُو الفَضْلِ
جَعْفَرُ ابْن شَمْس الخِلاَفَة أَبِي عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدِ بنِ مُخْتَارٍ الأَفْضَلِيُّ، المِصْرِيّ،
القُوْصِيّ، سَيِّد الشُّعَرَاء.
وُلِدَ فِي المُحَرَّم، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَكَانَ ذَكِيّاً، أَدِيباً، بَارِعاً، بَدِيْع
الكِتَابَة، وَلَهُ "دِيْوَان"، وَتَصَانِيف، وَامْتَدَح
الكِبَار.
رَوَى عَنْهُ: القُوْصِيّ وَالمُنْذِرِيّ فِي
مُعْجَمَيْهِمَا.
وَقِيْلَ: بَلْ هُوَ جَعْفَر بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ
عَلِيٍّ، وَخدم مَعَ السُّلْطَان صَلاَحِ الدِّيْنِ
أَمِيْراً، ثُمَّ مَعَ ابْنِهِ العَزِيْزِ، ثُمَّ خدم
بِحَلَبَ مَعَ الظَّاهِرِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِصْرَ،
وَلَهُ هَجْو فِي العَادل وَفِي القَاضِي الفَاضِل. ثُمَّ
قَالَ ابْن الشَّعَّارِ: مَاتَ سَنَةَ عشر، فَغَلِطَ، بَلْ
قَالَ المُنْذِرِيّ: مَاتَ فِي المحرم، سنة اثنتين وعشرين
وست مائة.
5621- اللبلي 2:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ مُحِبّ الدِّيْنِ أَحْمَدَ بن
تَمِيْم بن هِشَامِ بنِ حَيُّوْنَ البَهْرَانِيّ
اللَّبْلِيّ.
وُلِدَ بِلَبْلَةَ مِنْ قرَى إِشْبِيْلِيَة سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَسَبْعِيْنَ.
وَرَوَى عَنْ: أَبِيْهِ وَابْن الجَدِّ، وَأَبِي عَبْدِ
اللهِ بنِ زَرْقُوْنَ، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنِ: ابْنِ
طَبَرْزَذَ، وَبِهَرَاةَ مِنْ: أَبِي رَوْح،
وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنَ: المُؤَيَّد، وَزَيْنَب
الشَّعْرِيَّة.
وَعُنِي بِالرِّوَايَة، وَكَتَبَ الكَثِيْر، وَتَفَقَّهَ
لِلشَّافِعِيِّ. وَقِيْلَ: كَانَ ظَاهِرِياً.
رَوَى عَنْهُ: مَجْد الدِّيْنِ ابْن العَدِيْم، وَتَاج
الدِّيْنِ عَبْد الخَالِقِ.
مَاتَ بِدِمَشْقَ، سَنَة خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ
مائة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 100".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 270"، وشذرات الذهب "5/
116".
(16/225)
ابن شيث، السنجاري:
5622- ابن شيث 1:
العَلاَّمَةُ المنشِئُ البَلِيْغُ جَمَال الدِّيْنِ عَبْد
الرَّحِيْمِ بن عَلِيِّ بنِ حُسَيْنِ بنِ شِيث
القُرَشِيُّ، الأموي، الأشنائي، القوصي، كاتب السر للمعظم.
وُلِدَ سَنَةَ 557. وَتَفنن فِي الآدَاب بِقُوْص مَعَ
الدِّيْنِ وَالوَرَع وَالبَاع الأَطول فِي النّظم
وَالنَّثْر، وَحسن التَّأْلِيْف وَالرصف. وَلِي
الدِّيْوَان بِقُوْص، ثُمَّ الثَّغْر، ثُمَّ القُدْس،
ثُمَّ كتب لِصَاحِب مِصْر. وَكَانَ قَاضِياً لِحوَائِج
النَّاس، كيِّساً كَبِيْرَ القَدْرِ.
أَنْشَدَنِي رَشِيدٌ الأَدِيْب، أَنْشَدَنَا الشِّهَاب
القُوْصِيّ، قَالَ: أَنْشَدَنَا الوَزِيْر جَمَال
الدِّيْنِ ابْن شِيْث لِنَفْسِهِ:
كُنْ مَعَ الدَّهْرِ كَيْفَ قَلَّبَكَ الدَّهْـ ... ـرُ
بِقَلْبٍ رَاضٍ وَصَدْرٍ رَحِيبِ
وَتَيَقَّنْ أَنَّ اللَّيَالِي سَتَأْتِي ... كُلَّ يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ بِعَجِيبِ
مَاتَ فِي المُحَرَّم، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ.
5623- السِّنْجَارِيُّ 2:
أَبُو السَّعَادَاتِ أَسَعْد بن يَحْيَى بنِ مُوْسَى
السُّلَمِيّ السِّنْجَارِي الشَّافِعِيّ المنَاظر.
شَاعِر مُحسِنٌ، لَهُ "دِيْوَان". مدح المُلُوْكَ
وَالكِبَارَ، وَطَافَ البِلاَدَ، وَهُوَ القَائِلُ:
للهِ أَيَّامِي عَلَى رَامَةٍ ... وَطِيبُ أَوْقَاتِي على
حاجر
تكاد للسرعة فيمرها ... أولها يعثلا بالآخر
وَقَالَ فِي أُمِّ الخبَائِثِ:
كَادَتْ تَطِيْرُ وَقَدْ طِرْنَا بِهَا طَرَباً ...
لَوْلاَ الشِّبَاكُ الَّتِي صِيْغَتْ مِنَ الحَبَبِ
مَاتَ بِسِنْجَارَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ نَيِّف وَثَمَانِيْنَ سَنَةً،
سَامَحَهُ الله.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 270"، وشذرات الذهب "5/
117".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 92"،
وشذرات الذهب "5/ 104".
(16/226)
ابن الأستاذ،
الداهري:
5624- ابن الأستاذ 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُحَدِّثُ الزَّاهِدُ أَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
عُلْوَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ ابْن الأُسْتَاذِ الأَسَدِيّ،
الحَلَبِيّ.
وُلِدَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
وَسَمِعَ بِبلده مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد اللهِ بن
مُحَمَّدِ الأَشِيْرِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ يَاسِرٍ
الجَيَّانِيّ، وعبد الله بن محمد النوقاتي، وَأَبِي حَامِد
مُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحِيْمِ الغَرْنَاطِي، وَأَبِي
طَالِبٍ ابْن العَجَمِيّ، وَمُحَمَّد بن بَرَكَةَ
الصِّلْحِيِّ، وَارْتَحَلَ فَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ:
أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ العَبَّاسِيّ،
-وَهَذَا أَكْبَر شَيْخ لقِيه- وَبِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي
المَكَارِمِ بن هِلاَلٍ، وأبي القاسم بن عساكر، وأبي
المواهب بن صَصْرَى. وَأَجَاز لَهُ خلق مِنْ مِصْرَ،
وَأَصْبَهَان، وَخُرَاسَان. وَكَانَ لَهُ فَهْم
وَمَعْرِفَة وَعِنَايَة تَامَّة بِالحَدِيْثِ، وَفِيْهِ
دِينٌ وَصلاَحٌ وَمَعْرِفَةٌ بِفِقْهِ الشَّافِعِيّ، سمع
أولاده: قاضي زين الدين، وقاضي القُضَاةِ جَمَالَ
الدِّيْنِ مُحَمَّداً. وَكَتَبَ الكَثِيْر.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء، وَالسَّيْف
أَحْمَد بن المَجْدِ، وَابْن العَدِيْم، وَابْنه؛ مَجْد
الدِّيْنِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ ابْن الوَاسِطِيّ،
وَالشَّمْس ابْن الزَّيْنِ، وَالأَمِيْن أَحْمَدَ بن
الأَشْتَرِي، وَالكَمَال أَحْمَد ابْن النَّصِيْبِيِّ،
وَالشَّمْس أَحْمَد الخَابُورِي، وَجَمَاعَة.
تُوُفِّيَ فِي عَاشر جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعٌ وَثَمَانُوْنَ
سَنَةً. لَمْ أَلقَ أَحَداً سَمِعَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا
أَجَازَ لِي طَائِفَة مِنْ أَصْحَابِهِ.
5625- الداهري 2:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ الأُمِّي أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ
السَّلاَمِ ابْن الإِمَام عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ
بَكْرَان الدَّاهِرِيُّ، البَغْدَادِيّ، الخَفَّاف،
الخَرَّاز، كَانَ يَخرز بِالحَرِيْر عَلَى الخَفَّاف.
وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ تَقَرِيْباً.
وَسَمِعَ مِنْ: نَصْر بن نَصْرٍ العُكْبَرِيّ، وَأَبِي
بَكْرٍ ابْن الزَّاغُوْنِيّ، وَأَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ،
وَأَبِي القَاسِمِ أَحْمَد بن قَفَرْجَلَ، وَالوَزِيْر
عَوْن الدِّيْنِ يَحْيَى بن هُبَيْرَةَ، وَهِبَة اللهِ
الشِّبْلِيّ، وَأَبِي العَبَّاسِ بن نَاقَة، وَهِبَة اللهِ
الدَّقَّاق، وجماعة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "5/ 108".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 277"، وتذكرة الحفاظ "4/
1408"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 128".
(16/227)
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَابْن
الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن نُقْطَة، وَابْن المَجْدِ، وَأَبُو
المُظَفَّرِ ابْن النَّابُلُسِيّ، وَأَبُو إسحاق ابن
الواسطي، وأبو الفرج ابن الزين، وَالمَجْد ابْن
الخَلِيْلِيّ، وَأَحْمَد ابْن العِمَادِ، وَالفَخْر
عَلِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَمَحْفُوْظ بن
الحَامض. وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ:
فَاطِمَة بِنْت سُلَيْمَان.
وَكَانَ أُمِّيّاً لاَ يَكتب، فِيْهِ تَوَاضع وَحسن
انْقِيَاد. سَمِعَ "صَحِيْحَ البُخَارِيِّ"، وَ"عَبْدٍ"
وَ"الدَّارِمِيَّ"، وَ"اللُّمَعَ" لِلسرَّاج، وَ"شَمَائِل
الزُّهَّاد" مِنْ أَبِي الوَقْت، وَالأَوّل مِنَ
"المُخَلِّصِيَّات" وَبَعْض الخَامِس وَالشطر الثَّانِي
مِنَ السَّادِس مِنْهَا، وَالثَّامن مِنْ "حَدِيْثِ
المِصْرِيّ"، وَ"جُزء بِيْبِي"، وَمَجْلِساً لِشيخ
الإِسْلاَم، وَكِتَابَ "فَعَلت وَأَفْعَلت" لِلزجَّاج،
وَكِتَاب "الوِلاَيَة" لابْنِ عقدَة نَازل.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: تُوُفِّيَ فِي تَاسِعِ رَبِيْعٍ
الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ،
رَحِمَهُ اللهُ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ
بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَسنُوْنَ، والنرسي
البيع، وَالأَمْجَدُ صَاحِبُ بَعْلَبَكَّ، وَخُوَارِزْم
شَاه جَلاَل الدِّيْنِ، وَالمُهَذَّب، عَبْد الرَّحِيْمِ
بن عَلِيٍّ الطَّبِيْب الدّخوَار، وَالحَافِظُ أَبُو
الحَسَنِ ابْن القَطَّان، وَالنَّظَام علي بن محمد بن رحال
المصري، أبو الرضا محمد بن المُبَارَك بن عصيَة، قَالَ
ابْنُ نُقْطَة: أَخْطَأَ مِنْ ضَمِّهِ، وَشَيْخ النَّحْو
زَيْن الدِّيْنِ يَحْيَى بن معطِي الزُّوَاوِي، وَالبَدْر
يُوْنُس بن مُحَمَّدٍ الفارقي.
(16/228)
5626- ابن
القطان 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الحَافِظُ النَّاقِد
المُجَوِّدُ القَاضِي أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِك بنِ يَحْيَى بنِ
إِبْرَاهِيْمَ الحِمْيَرِيّ الكُتَامِيّ المَغْرِبِيّ
الفَاسِي المَالِكِيّ المَعْرُوف بِابْنِ القَطَّان.
قَالَ الحَافِظُ جَمَال الدِّيْنِ ابْنُ مَسْدِيّ: كَانَ
مِنْ أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن، قَصْرِي الأَصْل،
مَرَّاكُشي الدَّار، كان شيخ من شُيُوْخ أَهْل العِلْمِ
فِي الدَّوْلَة المُؤْمِنِيَة، فَتمكن مِنَ الكُتُبِ وَبلغ
غَايَة الأُمنِيَة، وَوَلِيَ قَضَاء الجَمَاعَة فِي
أَثْنَاء تَقَلُّبِ تِلْكَ الدُّوَلِ فَنسخت أَوَاخِره
الأُول، وَنُقِمَت عَلَيْهِ أَغرَاض اُنْتُهِكَتْ فِيْهَا
أَعْرَاض ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: سَمِعَ: أَبَا عَبْدِ
اللهِ بنَ زَرْقُوْنَ، وَأَبَا بَكْرٍ بن الجَدِّ،
وَخَلْقاً، عَاقت الفِتَن المُدْلَهِمَّة عَنْ لِقَائِهِ،
وَأَجَاز لي.
قلت: وسمع أبا عبد الله بن الفَخَّارِ، وَأَكْثَر عَنْهُ،
وَأَبَا الحَسَنِ بنِ النقرَات، وَالخَطِيْب أَبَا
جَعْفَرٍ بنَ يَحْيَى، وَأَبَا ذَرٍّ الخُشَنِيّ.
وَقَالَ الأَبَّارُ: كَانَ مِنْ أَبصرِ النَّاسِ بصناعة
الحديث، وأحفظهم لأَسْمَاءِ رِجَالِهِ، وَأَشدِّهِم
عِنَايَةً بِالرِّوَايَةِ، رَأَسَ طَلَبَةَ العِلْمِ
بِمَرَّاكُش، وَنَال بِخدمَة السُّلْطَان دُنْيَا
عرِيضَةً، وله تصانيف، درس وحدث. وقال: وَتُوُفِّيَ فِي
رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ، وَهُوَ عَلَى قَضَاء سِجِلْمَاسَةَ.
قُلْتُ: عَلَّقت مِنْ تَأْلِيْفِه كِتَابَ "الوَهْمِ
وَالإِيهَامِ" فَوَائِد تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ ذَكَائِهِ،
وَسَيَلاَنِ ذِهْنِهِ، وَبصره بِالعلل، لَكنَّه تَعَنَّتَ
فِي أَمَاكنَ، وَلَيَّنَ هِشَام بن عُرْوَةَ، وَسُهَيْل بن
أَبِي صَالِحٍ، وَنَحْوهُمَا.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1130"، وشذرات الذهب
لابن العماد "5/ 128".
(16/228)
5627- ابن
النرسي 1:
الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ ابْنِ
الشَّيْخ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد اللهِ ابْن أَبِي نَصْرٍ
أَحْمَد بن هِبَةِ اللهِ ابنِ أَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ
بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حسنُوْنَ
النَّرْسِيّ، البَغْدَادِيّ، البيع.
وُلِدَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ جدّه؛ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَأَبِي الوَقْت
السِّجْزِيّ.
وَعَنْهُ: ابْنُ نُقْطَة، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَأَبُو
إِسْحَاقَ ابْن الوَاسِطِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي
مَنْصُوْرٍ بن مُعَلَّى الدباهي، وآخرون.
وَبِالإِجَازَةِ فَاطِمَة بِنْت سُلَيْمَان.
وَكَانَ دَيِّناً، صَالِحاً، مِنْ بَيْت الرِّوَايَة
وَالعدَالَة، أَضَرَّ بِأَخَرَةٍ.
وَهُوَ مَنْسُوْب إِلَى النرس؛ وَهُوَ نَهْر بَيْنَ
الحِلَّةِ وَالكُوْفَةِ، وَمِنْهُ أُبَيٌّ النَّرْسِيّ.
مَاتَ فِي ثَالِث رَجَبٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ.
فَأَمَّا العَبَّاس بن الوَلِيْدِ النَّرْسِيُّ
وَقَرَابَتُهُ، فَنَسَبَهُ إِلَى الجد نصر، فعجم، وقيل
فيه: نَرْس.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 277"،
وشذرات الذهب "5/ 126".
(16/229)
ياقوت، المنجنيقي:
5628- ياقوت 1:
الأَدِيْب البَارِع مُهَذَّب الدِّيْنِ الرُّوْمِيّ
الشَّاعِرُ مَوْلَى التَّاجِرِ أَبِي مَنْصُوْرٍ
الجِيْلِيِّ.
كَانَ مِنْ أَهْلِ النظامية، وسمى نفسه عبد الرحمن، وَحفظ
القُرْآن، وَتَأَدَّب، وَتَقدَّم فِي النّظم، وَهُوَ
القائل:
خَلِيْلَيَّ لاَ وَاللهِ مَا جَنَّ غَاسِقٌ ... وَأَظْلَمَ
إلَّا حَنَّ أَوْ جُنَّ عَاشِقُ
وَمِنْ شِعْرِهِ:
جَسَدِي لِبُعدِكَ يَا مُثِيرُ بَلاَبِلِي ... دَنِفٌ
بِحُبِّك مَا أَبلَّ بَلَى بَلِي
يَا مَنْ إِذَا مَا لاَم فِيْهِ لَوَائِمِي ... أَوْضَحْتُ
عُذرِي بِالعذَارِ السَّائِل
أَأُجِيْز قتلِي فِي "الوجِيْزِ" لِقَاتلِي ... أَمْ حَلَّ
فِي "التَّهْذِيبِ" أَوْ فِي "الشَّامِلِ"
أَمْ طَرْفُك القَتَّالُ قَدْ أَفْتَاكَ فِي ... تَلَفِ
النُّفُوْسِ بِسِحْرِ طَرْفٍ بَابِلِي
وَلأَبِي الدُّرِّ هَذَا "دِيْوَانٌ" صَغِيْر، وَنظمُهُ
سَائِر بِالعِرَاقِ وَالشَّام فِي ذَلِكَ الوَقْتِ.
وَجَدُوْهُ مَيتاً فِي بَيْتِهِ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى،
سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. أَمَا
يَاقُوْت الملكِي: فَقَدْ مرّ فِي المُجَلَّد، وَسَيَأْتِي
ياقوت الحموي المؤرخ.
5629- المنجنيقي 2:
الأَجَلُّ الأَدِيْبُ نَجْمُ الدِّيْنِ أَبُو يُوْسُفَ
يَعْقُوْبُ بن صابر بن بكات الحَرَّانِيُّ، ثُمَّ
البَغْدَادِيُّ، الشَّاعِرُ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَرَوَى عَنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ ابن الشطرنجي، وأبي المظفر
ابن السمرقندي.
ذَكَرَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ، فَطوَّلَ تَرْجَمَتَهُ،
وَقَالَ: كَانَ جُندِيّاً مُقَدَّماً عَلَى
المِنْجَنِيْقيِّينَ، مُغرَى بِآدَابِ السَّيْفِ
وَالسِّلاَحِ، بَرعَ فِي ذَلِكَ، وَصَنَّفَ فِي سَيَاسَةِ
المَمَالِكِ كِتَابَهُ فِي الحُرُوْبِ وَتَعْبِئَتِهَا،
وَفَتحِ الثُّغُوْرِ، وَبِنَاءِ المعَاقلِ،
وَالفُروسيَّةِ، وَالحيلِ، وَكَانَ كَيِّساً، طَيِّبَ
المحاورة،
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 789"،
والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 283"، وشذرات الذهب
"5/ 105، 106".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ ترجمة 832"،
وشذرات الذهب "5/ 120".
(16/230)
مُتودِّداً، سَائِرَ النّظمِ، مَدحَ
الخُلَفَاءَ، وَكَانَ ذَا رُتْبَةٍ عِنْدَ النَّاصِرِ
لِدِيْنِ اللهِ. إِلَى أنْ قَالَ القَاضِي: مَا زِلْتُ
مَشغُوَفاً بِشِعرِهِ، مُسْتَعذِباً أُسلوبَهُ، وَلَمْ
أَرَهُ، وَهُوَ القَائِلُ:
كَلِفْتُ بِعِلْمِ المِنْجَنِيْقِ وَرَمْيِهِ ... لِهَدْمِ
الصَّيَاصِي وَافْتِتَاحِ المَرَابِطِ
وَعُدْتُ إِلَى فَنِّ القَرِيضِ لِشَقْوَتِي ... فَلَمْ
أَخْلُ فِي الحَالَيْنِ مِنْ قَصْدِ حَائِطِ
وَلَهُ:
وَجَارِيَةٍ مِنْ بَنَاتِ الحبوش ... بِذَاتِ جُفُوْنٍ
صِحَاحٍ مِرَاضِ
تَعَشَّقْتُهَا لِلتَّصَابِي فَشِبْتُ ... غَرَاماً وَمَا
كُنْتُ بِالشَّيْبِ رَاضِي
وكنت أعيرها لاسواد ... فَصَارَتْ تُعَيِّرُنِي
بِالبَيَاضِ
وَلَهُ:
قَدْ لَبِسَ الصُّوْفَ لِتَرْكِ الصَّفَا ... مَشَايِخُ
الوَقْتِ لِشُرْبِ العَصِيرْ
الرَّقْصُ وَالأَمْرَدُ مِنْ شَأْنِهِم ... شَرٌّ طَوِيْلٌ
تَحْتَ ذَيْلٍ قَصِيرْ
تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وست
مائة.
(16/231)
5630- ابن
زرقون 1:
شَيْخُ المَالِكِيَّةِ أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ ابْنُ
الإِمَامِ الكبير أبي عبد الله محمد ابن سعيد بن أحمد
لأنصاري، الإِشْبِيْلِيُّ، ابْنُ زَرْقُوْنَ.
حَمَلَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَابْنِ الجَدِّ، وَأَبِي
العَبَّاسِ بن مَضَاءَ، وَطَائِفَةٍ. وَبَرَعَ في الفقه،
وصنف كتاب "المعلى في الرج على المحلى". وقيل: لَهُ
إِجَازَةٌ مِنْ أَبِي مَرْوَانَ بنِ قُزْمَانَ، وَقَدِ
امتُحِنَ وَقُيِّدَ وَسُجِنَ بَعْدَ أَنْ عَزَمُوا عَلَى
قَتْلِهِ لِكَوْنِهِ مُنِعَ مِنْ إِقْرَاءِ الفِقْهِ؛
فَإِنَّ صَاحِبَ الغَرْبِ يُوْسُفَ بنَ يَعْقُوْبَ مَنَعَ
مِنْ قِرَاءةِ الفُرُوْعِ جُمْلَةً، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ،
وَأَلْزَمَ النَّاسَ بِأَخْذِ الفِقْهِ مِنَ الكِتَابِ
وَالسُّنَنِ عَلَى طرِيقَةِ أَهْلِ الظَّاهِرِ، فَنَشَأَ
الطَّلَبَةُ عَلَى هَذَا بِالمَغْرِبِ مِنْ بَعْدِ سَنَةِ
ثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ أَدِيْباً، لَهُ
النَّظْمُ وَالنَّثْرُ، وَكَانَ كَامِلَ العَقْلِ، رَيِّضَ
المِزَاجِ، قَلَّ أَنْ تَرَى العُيُونُ مِثْلَهُ، ظَفِرَ
السُّلْطَانُ بِهِ وَبِعَالِمٍ آخَرَ يُقْرِئَانِ
الفُرُوْعَ، فَأُخِذَا وَأُجْلِسَا لِلْقَتْلِ صَبْراً،
ثُمَّ قُيِّدا وَسُجِنَا بَعْدَ سَنَةِ تِسْعِيْنَ، ثُمَّ
مَاتَ رَفِيْقُهُ، وَطَالَ هُوَ حَبْسُهُ، وَشَدَّدَ ابْنُ
عَبْدِ المُؤْمِنِ فِي ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ
عِنْدَهُ وَرقَةً مِنَ الفُرُوْعِ قُتِلَ دُوْنَ
مُرَاجَعَتِهِ، وَخُطِبَ بِذَلِكَ خُطَباً، فَانْظُرْ
إِلَى هَذِهِ البَليَّةِ، وَأُحْرِقَتْ كُتُبُ
المَذْكُوْرَيْنِ.
وَلأَبِي الحسين كتاب "فقه حديث بربرة"، وَكِتَابُ "قطب
الشَّرِيعَةِ".
رَوَى عَنْهُ عَدَدٌ كَثِيْرٌ.
وَتُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ، وَلَهُ نَحْوُ التِّسْعِيْنَ، فَإِنَّهُ كَانَ
يَقُوْلُ: رَأَيْتُ شُرَيْحَ بن محمد.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 96".
(16/231)
5631- ياقوت
1:
الأَدِيْبُ الأَوحدُ شِهَابُ الدِّيْنِ الرُّوْمِيُّ
مَوْلَى عَسْكَرٍ الحَمَوِيِّ، السَّفَّارُ، النَّحْوِيُّ،
الأَخْبَارِيُّ، المُؤَرِّخُّ.
أَعتقَهُ مَوْلاَهُ، فَنسخَ بِالأُجرَةِ، وَكَانَ
ذَكِيّاً، ثُمَّ سَافرَ مضَاربَةً إِلَى كيش، وَكَانَ مِنَ
المُطَالَعَةِ قَدْ عَرفَ أَشيَاءَ، وَتَكلَّمَ فِي بَعْضِ
الصَّحَابَةِ فَأُهِينَ، وَهَرَبَ إِلَى حَلَبَ، ثُمَّ
إِلَى إِرْبِلَ وَخُرَاسَانَ، وَتَجرَ بِمَرْوَ
وَبِخُوَارِزْمَ، فَابْتُلِيَ بِخُرُوْجِ التَّتَارِ
فَنَجَا بِرَقَبَتِهِ، وَتوصَّلَ فَقيراً إِلَى حَلَبَ،
وَقَاسَى شَدَائِدَ، وَلَهُ كِتَابُ "الأُدَبَاءِ" فِي
أَرْبَعَةِ أَسفَارٍ، وَكِتَابُ "الشُّعَرَاء
المُتَأَخِّرِيْنَ وَالقُدَمَاءِ"، وَكِتَابُ "مُعْجَم
البُلْدَانِ"، وَكِتَابُ "الْمُشْتَرك وضعا، والمختلف
صعقًا" كَبِيْرٌ مُفِيْدٌ، وَكِتَابُ "المَبدَأِ وَالمآلِ
فِي التَّارِيْخِ"، وَكِتَابُ "الدُّوَلِ"، وَكِتَابُ
"الأَنسَابِ"، وَكَانَ شَاعِراً مُتَفَنِّناً جيد الإنشاء،
يقول في خراسان:
وَكَانَتْ -لَعَمْرُ اللهِ- ذَاتَ رِيَاضٍ أَرِيضَةٍ،
وَأَهويَةٍ صَحِيْحَةٍ مَرِيْضةٍ، غَنَّتْ أَطْيَارُهَا،
وَتَمَايلَتْ أَشجَارُهَا، وَبكَتْ أَنْهَارُهَا،
وَضحِكَتْ أَزهَارُهَا، وَطَابَ نَسِيمُهَا، فَصحَّ
مِزَاجُ إِقليمِهَا، أَطفَالُهُم رِجَالٌ، وَشبَابُهُم
أَبْطَالٌ، وَشُيُوْخُهُم أَبْدَالٌ، فَهَانَ عَلَى
مَلِكِهِم ترك تِلْكَ المَمَالِكِ.
وَقَالَ: يَا نَفْسُ الهَوَا لَكِ، وَإِلاَّ فَأَنْتِ فِي
الهَوَالِكِ.
إِلَى أَنْ قَالَ: فَمررتُ بَيْنَ سُيوفٍ مَسْلُوْلَةٍ،
وَعَسَاكِرَ مغلولَةٍ، وَنظَامِ عقودٍ مَحْلُوْلَةٍ،
وَدِمَاءٍ مَسكُوبَةٍ مطلولَةٍ، وَلَوْلاَ الأَجَلُ
لأُلْحِقْتُ بِالأَلفِ أَلفٌ أَوْ يَزِيدُوْنَ.
تُوُفِّيَ فِي العِشْرِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ
وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ
سَنَةً، وَوَقَفَ كتبَهُ بِبَغْدَادَ عَلَى مَشهدِ
الزَّيْدِيِّ. وَتوَالِيفُهُ حَاكمَةٌ لَهُ بِالبَلاغَةِ.
وَالتَّبحُّرِ فِي العلم، استوفى ابن خلكان ترجمته
وفضائله.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 790"،
وشذرات الذهب "5/ 121، 122".
(16/232)
ابن قنيدة، ابن
وردان:
5632- ابن قنيدة 1:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ الثِّقَةُ أَبُو نَصْرٍ المُهَذَّبُ
بنُ علي بن أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ،
ابْنُ قُنَيْدَةَ الأَزَجِيُّ، الخَيَّاطُ، المُقْرِئُ.
سَمِعَ "صَحِيْحَ البُخَارِيِّ" وَكِتَابَي "عَبْدٍ"
وَ"الدَّارِمِيِّ" وَ"جُزءَ أَبِي الجَهْمِ" مِنْ أَبِي
الوَقْتِ. وَسَمِعَ: "مُسْنَدَ الشافعي" من أبي زرعة،
وسمع: الجُزْءَ الثَّالِثَ مِنْ "مُسْنَدِ مَالِكٍ"
لِلنَّسَائِيِّ مِنَ القاضي عبد القاهر.
أخبرنا أبي البَرَكَاتِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
الوَكِيْلُ، أَخْبَرْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا
الأَسيوطِيُّ، عَنْهُ.
وَسَمِعَ كِتَابَ "القنَاعَة" لابْنِ أَبِي الدُّنْيَا
مِنْ أَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ، بِفوتٍ مِنْ آخِرِهِ،
وَسَمِعَ مِنَ العَوْنِ الوَزِيْرِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النجار،
والسيف بن المَجْدِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ ابْنُ
الوَاسِطِيِّ، وَأَبُو الفَرَجِ ابْنُ الزَّيْنِ،
وَالعِمَادُ ابْنُ الطَّبَّالِ، وَآخَرُوْنَ،
وَأَسْمِعَتُهُ صَحِيْحَةٌ.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ، وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى الثَّمَانِيْنَ.
5633- ابْنُ وردان:
مُفِيْدُ المِصْرِيِّينَ الإِمَامُ أَبُو المَيْمُوْنِ
عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَتِيقِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ
وَرْدَانَ العَامِرِيُّ، المِصْرِيُّ، المَالِكِيُّ.
تَلاَ بِالسَّبْعِ عَلَى جَمَاعَةٍ. وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ
بَرِّيٍّ النَّحْوِيِّ، وَخَلْقٍ.
مَاتَ سنة ست وعشرين وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 273"، وشذرات الذهب لابن
العماد "5/ 121".
(16/233)
ابن عيسى، الحسن ابن
الزبيدي:
5634- ابن عيسى 1:
شيخ القرء بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، هُوَ مُطولٌ فِي
"طَبَقَاتِ القُرَّاءِ"، الإِمَامُ، أَبُو القَاسِمِ
عِيْسَى ابنُ المُحَدِّثِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عِيْسَى
بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الشَّرِيْشِيُّ.
مَوْلِدُهُ بِالثَّغْرِ، سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَسَمِعَ الكَثِيْرَ مِنَ السِّلَفِيِّ وَغَيْرِهِ،
وَتَلاَ عَلَى جَمَاعَةٍ بِالمُتَوَاتِرِ وَالشَّاذِّ،
وَصَنَّفَ فِي القِرَاءاتِ، وَهُوَ مُتَّهَمٌ لَيْسَ
بِثِقَةٍ، وَسَمَاعُهُ مِنَ السِّلَفِيِّ صَحِيْحٌ،
وَأَمَّا فِي القِرَاءاتِ فَكَثِيْرُ الدَّعَاوِي.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: حسنٌ سِبْطُ زِيَادَةَ.
مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
5635- الحَسَنُ ابن الزبيدي 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الفَقِيْهُ العَابِدُ أَبُو عَلِيٍّ
الحَسَنُ بنُ المُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ
الزبيدي البغدادي الحنفي، أخو سراج الدين.
وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ أَوْ قَبْلَهَا.
وَسَمِعَ "الصَّحِيْحَ" مِنْ أَبِي الوَقْتِ، وَسَمِعَ
مِنْ: أَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ
أَحْمَدَ بنِ الخَرَّازِ، وَمَعْمَرِ بنِ الفَاخِرِ،
وَأَبِي الفُتُوْحِ الطَّائِيِّ، وَعِدَّةٍ.
وَحَدَّثَ بِمَكَّةَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَكَانَ أَوَّلاً
حَنْبَليّاً، ثُمَّ تَحَوَّلَ شَافِعِيّاً، ثُمَّ
حَنَفِيّاً، وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ الفُقَهَاءِ، ذَا دِينٍ
وَورَعٍ وَبَصَرٍ بِالعَرَبِيَّةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَالسَّيْفُ ابْنُ
المَجْدِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ خَطِيْبُ
المُصَلَّى، وَالمَجْدُ عَبْدُ العَزِيْزِ ابْنُ
الخَلِيْلِيّ، وَالضِّيَاءُ عَلِيُّ ابن البَالِسِيِّ،
وَالخَطِيْبُ عِزُّ الدِّيْنِ أَحْمَدُ الفَارُوْثِيُّ،
وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ عَالِماً مُتَدَيِّناً،
حسنَ الطَّرِيقَةِ، لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالنَّحْوِ، كَتَبَ
الكَثِيْرَ مِنَ التَّفَاسِيْرِ وَالحَدِيْثِ
وَالتَّارِيْخِ، وَكَانَتْ أوقاته محفوظة.
وقال ابْنُ الحَاجِبِ: رَأَيتُهُم يَرمونَهُ بِالاعتزَالِ.
فَكَتَبَ تَحْتَهُ ابن المجد: قصر ابن الحاجب فيوصف
شَيْخِنَا هَذَا فَإِنَّهُ كَانَ إِمَاماً عَالِماً، لَمْ
نَرَ فِي المَشَايِخِ مِثْلَهُ إلَّا يَسيراً.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي سَلْخِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ
تِسْعٍ وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 279"،
وشذرات الذهب "5/ 132".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1413"، وشذرات الذهب لابن
العماد الحنبلي "5/ 130".
(16/234)
الدخوار، أبو موسى
ابن الحافظ:
5636- الدخوار 1:
شَيْخُ الطِّبِّ الأُسْتَاذُ مُهَذَّبُ الدِّيْنِ عَبْدُ
الرَّحِيْمِ بن علي بن حامد الدِّمَشْقِيُّ وَاقفُ
مَدْرَسَةِ الأَطبَّاء بِدَرْبِ العَمِيدِ.
وُلِدَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَلَهُ تَصَانِيْفُ وَمَقَالَةٌ فِي الاسْتفرَاغِ. انتهَتْ
إِلَيْهِ رِئَاسَةُ الصِّنَاعَةِ، وَحَظِيَ عِنْدَ
المُلُوْكِ، وَنَالَ دُنْيَا عَرِيضَةً، وَنَسخَ بِخَطِّهِ
"المَنْسُوْبَ" أَزْيَدَ مِنْ مائَةِ مُجَلَّدٍ، وَأَخَذَ
العَرَبِيَّةَ عَنِ الكِنْدِيِّ، وَالعلاجَ عَنِ
الرَّضِيِّ الرَّحْبِيِّ، وَالمُوَفَّقِ ابْنِ المَطَرَانِ
وَالفَخْرِ المَارْدِيْنِيِّ، وَخدمَ العَادلَ،
وَالوَزِيْرَ ابْنَ شُكْرٍ، وَحصَّلَ مِنَ العَادلِ فِي
مرضَةٍ حَادَّةٍ سَبْعَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ مِصْرِيَّةٍ،
وَحَصَلَ لَهُ مِنْ وَلدِهِ الكَامِلِ أزْيَدَ مِنْ
عَشْرَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ سِوَى الخِلَعِ وَالبغلاَتِ،
وَوَلِيَ رِئَاسَةَ الإِقْلِيْمَيْنِ. وَكَانَ خَبِيْراً
بِكُلِّ مَا يُشرَحُ عَلَيْهِ. وَلاَزَمَ السَّيْفَ
الآمِدِيَّ فِي العَقْلِيَّاتِ، وَنظرَ فِي الرِّيَاضِي،
ثُمَّ عرضَ لَهُ اسْترخَاءٌ وَثِقَلُ لِسَانٍ، فَسَاس
نَفْسَهُ، وَاسْتَعْمَلَ المَعَاجِينَ، فَعَرضَتْ لَهُ
حُمَّى قوية، زلزت قوَاهُ، وَأُسْكِتَ أَشهُراً،
وَذَهَبَتْ عَينُهُ، ثُمَّ مَاتَ فيصفر سَنَةَ ثَمَانٍ
وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِقَاسِيُوْنَ.
5637- أبو موسى ابن الحافظ 2:
الشيخ الإمام العالم المحدث الحافظ المفيد الذكر جَمَالُ
الدِّيْنِ أَبُو مُوْسَى عَبْدُ اللهِ ابْنُ الحَافِظِ
الكَبِيْرِ عَبْدِ الغَنِيِّ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ
عَلِيِّ بنِ سُرُوْرٍ الجَمَّاعِيْليُّ المَقْدِسِيُّ
ثُمَّ الدمشقي الصالحي الحنبلي.
وُلِدَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ
الخِرَقِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلِ الجَنْزَوِيِّ، وَبَرَكَاتٍ
الخُشُوْعِيِّ. وَرَحَلَ بِهِ أَخُوْهُ عِزُّ الدِّيْنِ
مُحَمَّدٌ، فَسَمِعَ بِبَغْدَادَ من: عبد المنعم بن كليب،
والمبارك بن
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 277"،
وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 127".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1131"، والنجوم
الزاهرة "6/ 279"، وشذرات الذهب "5/ 131".
(16/235)
المعطوش، وعدة. وسع "المُسْنَدَ" مِنْ
عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي المَجْدِ، وَسَارَ إِلَى
أَصْبَهَانَ، فَسمِعَا مِنْ خَلِيْلِ بنِ بَدْرٍ،
وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوْسِيِّ،
وَمَسْعُوْدٍ الجَمَّالِ، وَأَبِي المَكَارِمِ اللَّبَّانِ
وَطَبَقَتِهِم، وَسَمِعَ بِمِصْرَ مِنَ: الأَرْتَاحِيِّ،
وَفَاطِمَةَ بِنْتِ سَعْدِ الخَيْرِ، وَوَالِدِهِ. ثُمَّ
ارْتَحَلاَ ثَانِياً إِلَى العِرَاقِ، فَسَمِعَ مِنْ:
أَبِي الفَتْحِ المَنْدَائِيِّ بِوَاسِطَ، وَسَمِعَ
بِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: مَنْصُوْرٍ الفُرَاوِيِّ،
وَالمُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ. وَعُنِيَ بِالفَنِّ، وَكَتَبَ
بِخَطِّهِ الكُتُبَ، وَجَمَعَ وَخَرَّجَ وَأَفَادَ،
وَتَفَقَّهَ بِالشَّيْخِ المُوَفَّقِ، وَأَخَذَ النَّحْوَ
بِبَغْدَادَ عَنْ أَبِي البَقَاءِ، وَقَرَأَ القُرْآنَ
عَلَى عَمِّهِ العِمَادِ.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: سَأَلتُ الضِّيَاءَ عَنْهُ،
فَقَالَ: حَافِظٌ مُتْقِنٌ، دَيِّنٌ ثِقَةٌ.
وَقَالَ البِرْزَالِيُّ: حَافِظٌ، دَيِّنٌ، مُتَمَيِّزٌ.
وَقَالَ الضِّيَاءُ: كَانَتْ قِرَاءتُهُ صَحِيْحَةً،
سرِيعَةً، مليحَةً.
وَقَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِثْلَهُ فِي
عصرِهِ فِي الحِفْظِ وَالمَعْرِفَةِ وَالأَمَانَةِ، وَافرَ
العَقْلِ، كَثِيْرَ الفَضْلِ، مُتَوَاضِعاً، مَهِيْباً،
وَقُوْراً، جَوَاداً، سَخِيّاً، لَهُ القبولُ التَّامُّ،
مَعَ العِبَادَةِ وَالوَرَعِ وَالمُجَاهِدَةِ.
وَقَالَ الضِّيَاءُ: اشْتَغَلَ بِالفِقْهِ وَالحَدِيْثِ
وَصَارَ عَلَماً فِي وَقْتِهِ، وَرَحَلَ إِلَى أَصْبَهَانَ
ثَانِياً، وَمَشَى عَلَى رِجْلَيْهِ كَثِيْراً وَصَارَ
قُدْوَةً وَانتَفَعَ النَّاسُ بِمَجَالِسِهِ الَّتِي لَمْ
يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهَا، وَكَانَ كَرِيْماً، وَاسِعَ
النَّفْسِ، سَاعِياً فِي مَصَالِحِ أَصْحَابِنَا حَتَّى
كَانَ يَضِيقُ صَدْرِي عَلَيْهِ مِمَّا يَتَحَمَّلُ مِنَ
الدُّيُونِ، وَكَثِيْرٌ مِنْهُم لاَ يُوَفِّيهِ، ثُمَّ شاق
لَهُ الضِّيَاءُ مرَاثيَ حَسَنَةً، وَأَنَّهُ فِي نَعيمٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ،
وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ ابْنِ
الوَاسِطِيِّ، وَنَصْرُ اللهِ بنُ عَيَّاشٍ وَالشَّمْسُ
مُحَمَّدُ بنُ حَازِمٍ، وَنَصْرُ اللهِ بنُ أَبِي الفَرَجِ
النَّابُلُسِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. وَتَفَرَّدَ بِإِجَازتِهِ
القَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ، وَقَدْ رثَاهُ
غَيْرُ وَاحِدٍ بقصَائِدَ.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ المُحَدِّثِ ابْنِ سَلاَمٍ، قَالَ:
عقدَ أَبُو مُوْسَى مَجْلِسَ التَّذْكِيرِ، وَقِرَاءةِ
الجمعِ، وَرغبَ النَّاسُ فِي حُضُوْرِ مَجْلِسِهِ، وَكَانَ
جمَّ الفَوَائِدِ، وَيَبْكِي وَيَخشعُ.
وَقَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: لَوِ اشْتَغَلَ أَبُو مُوْسَى
حقَّ الاشتغَالِ، مَا سبقَهُ أَحَدٌ.
وَسَمِعْتُ أَبَا الفَرَجِ بنَ أَبِي العَلاَءِ يَقُوْلُ:
كَانَ كَثِيْرَ المَيْلِ إِلَى الدَّوْلَةِ.
وَقَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: كَانَتْ أَحْوَالُ أَبِي
مُوْسَى مُسْتقيمَةً، حَتَّى خَالطَ الصَّالِحَ
إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبْنَاءَ الدُّنْيَا، فَتغَيَّرَ.
قَالَ: وَمَرِضَ فِي بُستَانِ الصَّالِحِ عَلَى ثَوْرَا،
وَمَاتَ فِيْهِ، فَكَفَّنَهُ الصَّالِحُ.
(16/236)
وَذَكَرَ غَيْرُهُ: أَنَّ الملكَ
الأَشْرَفَ وَقَفَ دَارَ الحَدِيْثِ بِالبَلَدِ، وَجَعَلَ
لِلْجمَالِ أَبِي مُوْسَى وَذُرِّيَّتِهِ رِزْقاً
مَعْلُوْماً بِهَا، وَسَكَناً.
قَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ: تُوُفِّيَ يَوْمَ الجُمُعَةِ
-رَحِمَهُ اللهُ- خَامِسَ رَمَضَانَ، سنة تسع وعشرين وست
مائة.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ
أَحْمَدَ بنِ أَبِي غَالِبٍ ابْنِ السِّمِّذِيِّ، وَأَبُو
المَعَالِي أحمد ابن عُمَرَ بنِ بكرُوْنَ إِمَامُ
النِّظَامِيَّةِ، وَالقَاضِي شَرَفُ الدِّيْنِ
إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المَوْصِلِيِّ
الشَّيْبَانِيُّ الحَنَفِيُّ بِدِمَشْقَ، وَالفَقِيْهُ
زِيَادَةُ بنُ عِمْرَانَ المِصْرِيُّ الضَّرِيْرُ،
وَعَبْدُ الغَفَّارِ بنُ شُجَاعٍ المَحَلِّيُّ، وَأَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ الطَّبَرِيِّ، وَمُقْرِئُ الثَّغْرِ أَبُو
القَاسِمِ عِيْسَى بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عِيْسَى،
وَآخَرُوْنَ.
(16/237)
5638- الموفق
1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الفَقِيْهُ النَّحْوِيُّ
اللُّغَوِيُّ الطَّبِيْبُ ذُو الفُنُوْنِ مُوَفَّقُ
الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّطِيْفِ ابْنُ
الفَقِيْهِ يُوْسُفَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي
سَعْدٍ المَوْصِلِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ،
الشَّافِعِيُّ، نَزِيْلُ حَلَبَ، وَيُعْرَفُ قَدِيْماً
بِابْنِ اللَّبَّادِ.
وُلِدَ بِبَغْدَادَ، فِي أَحَدِ الرَّبِيْعَينِ، سَنَةَ
سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمَّعَهُ أَبُوْهُ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ
البَطِّيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيِّ، وَالحَسَنِ
ابْنِ عَلِيٍّ البَطَلْيَوْسِيِّ، وَيَحْيَى بنِ ثَابِتٍ،
وَشُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ عَبْدِ
الحَقِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بن النقور، وجماعة.
حَدَّثَ عَنْهُ الزَّكِيَّانِ: البِرْزَالِيُّ،
وَالمُنْذِرِيُّ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَالتَّاجُ
عَبْدُ الوَهَّابِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَالكَمَالُ
العَدِيْمِيُّ وَابْنُهُ القَاضِي أَبُو المَجْدِ،
وَالأَمِيْنُ أَحْمَدُ بنُ الأَشْتَرِيِّ، وَالكَمَالُ
أَحْمَدُ ابْنُ النَّصِيْبِيِّ، وَالجمَالُ ابْنُ
الصَّابُوْنِيِّ، وَالعِزُّ عُمَرُ بنُ الأُسْتَاذِ،
وَخُطلبَا وَسُنْقُرُ مَوْلَيَا ابْنِ الأُسْتَاذِ،
وَعَلِيُّ بنُ السَّيْفِ التَّيْمِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ
فَضَائِلَ، وَسِتُّ الدَّارِ بِنْتُ مَجْدِ الدِّيْنِ
ابْنِ تَيْمِيَةَ، وَآخَرُوْنَ.
وَحَدَّثَ: بِدِمَشْقَ، وَمِصْرَ، وَالقُدْسِ، وَحَلَبَ،
وَحَرَّانَ، وَبَغْدَادَ. وَصَنَّفَ: فِي اللُّغَةِ، وَفِي
الطِّبِّ، وَالتَّوَارِيخِ، وَكَانَ يُوْصَفُ بِالذّكَاءِ
وَسَعَةِ العلم.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 279"، وشذرات الذهب "5/
132".
(16/237)
ذكره الجمَالُ القِفْطِيُّ فِي "تَارِيخِ
النُّحَاةِ" فَمَا أَنْصَفَهُ، فَقَالَ:
المُوَفَّقُ النَّحْوِيُّ الطَّبِيْبُ المُلَقَّبُ
بِالمَطْحن، كَانَ يَدَّعِي النَّحْوَ، وَاللُّغَةَ،
وَعِلْمَ الكَلاَمِ، وَالعُلُوْمَ القَدِيْمَةَ،
وَالطِّبَّ، وَدَخَلَ مِصْرَ وَادَّعَى مَا ادَّعَاهُ،
فَمَشَى إِلَيْهِ الطَّلَبَةُ، فَقَصَّرَ، فَجفَوهُ، ثُمَّ
نَفَقَ عَلَى وَلدَي إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي الحَجَّاجِ
الكَاتِبِ، فَنقلاَهُ إليهما، وكان ذميم الخِلْقَةِ
نَحِيلَها.
وَيظهرُ الهَوَى مِنْ كَلاَمِ القِفْطِيِّ، حَتَّى نَسبَهُ
إِلَى قِلَّةِ الغَيرَةِ.
وَقَالَ الدُّبَيْثِيُّ: غَلَبَ عَلَيْهِ عِلْمُ الطِّبِّ
وَالأَدبِ، وَبَرَعَ فِيْهِمَا.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ حَسَنَ الخلقِ، جَمِيْلَ
الأمر، عالمًا بالنحو وَالغَرِيبينِ، لَهُ يَدٌ فِي
الطِّبِّ، سَمِعَ "سُنَنَ ابْنِ مَاجَه"، وَ"مُسْنَدَ
الشَّافِعِيِّ" مِنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَسَمِعَ "صَحِيْحَ
الإِسْمَاعِيْلِيِّ" جَمِيْعَهُ مِنْ يَحْيَى بنِ ثَابِتٍ،
إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ يَنْتقلُ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى
حَلَبَ، وَمرَّةً سَكَنَ بِأَرزنكَانَ وَغَيْرِهَا.
قَالَ المُوَفَّقُ عَنْ نَفْسِهِ: سَمِعْتُ الكَثِيْرَ،
وَكُنْتُ أَتلَقَّنُ وَأَتعلَّمُ الخطَّ، وَأَحْفَظُ
المَقَامَاتِ، وَالفَصِيْحَ، وَ"دِيْوَانَ المُتَنَبِّي"،
وَمُخْتَصَراً فِي الفِقْهِ، وَمُخْتَصَراً فِي النَّحْوِ،
فَلَمَّا ترعرَعْتُ حَمَلَنِي أَبِي إِلَى كَمَالِ
الدِّيْنِ الأَنْبَارِيِّ، وَذَكَرَ فَصلاً، إِلَى أَنْ
قَالَ: وَصِرْتُ أَتكلَّمُ عَلَى كُلِّ بَيْتٍ
كَرَارِيْسَ، ثُمَّ حَفِظتُ "أَدبَ الكَاتِبِ" لابْنِ
قُتَيْبَةَ، وَ"مُشْكِلَ القُرْآنِ" لَهُ، وَ"اللُّمَعَ"،
ثُمَّ انْتَقَلْتُ إِلَى كِتَابِ "الإِيضَاحِ"
فَحَفِظتُهُ، وَطَالعتُ شُروحَهُ. قَالَ: وَحفظتُ
"التَّكملَةَ" فِي أَيَّامٍ يَسِيْرَةٍ، كُلُّ يَوْمٍ
كُرَّاساً، وَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ لَا أُغْفِلُ سَمَاعَ
الحَدِيْثِ، وَالتَّفَقُّهَ عَلَى ابْنِ فَضلاَنَ.
وَمِنْ وَصَايَاهُ، قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُوْنَ
سِيرتُكَ سِيرَةَ الصَّدْرِ الأَوَّلِ، فَاقرَأِ
السِّيرَةَ النَّبَوِيَّةَ، وَتَتَبَّعْ أَفعَالَهُ،
وَاقتَفِ آثَارَهُ، وَتَشَبَّهْ بِهِ مَا أَمكنَكَ. مَنْ
لَمْ يَحْتَمِلْ أَلَمَ التَّعَلُّمِ لَمْ يَذُقْ لَذَّةَ
العِلْمِ، وَمَنْ لَمْ يَكدَحْ لَمْ يُفْلِحْ. إِذَا خلوتَ
مِنَ التَّعَلُّمِ وَالتَّفَكُّرِ فَحرِّكْ لِسَانَكَ
بِالذِّكْرِ، وَخَاصَّةً عِنْد النَّوْمِ، وَإِذَا حَدَثَ
لَكَ فَرحٌ بِالدُّنْيَا فَاذْكُرِ المَوْتَ، وَسُرْعَةَ
الزَّوَالِ، وَكَثْرَةَ المُنَغِّصَاتِ. إِذَا حزَبَكَ
أَمرٌ فَاسْترْجِعْ، وَإِذَا اعترَتْكَ غَفلَةٌ
فَاسْتَغْفِرْ. واعلم أن للدين عبقة وعرفًا يُنَادِي عَلَى
صَاحِبِهِ، وَنوراً وَضيئاً يُشرِفُ عَلَيْهِ وَيدلُّ
عَلَيْهِ، يَا مُحيِي القُلُوْبِ المَيْتَةِ بِالإِيْمَانِ
خُذْ بِأَيدينَا مِنْ مَهوَاةِ الهَلَكَةِ، وَطَهِّرْنَا
مِنْ درن الدنيا بالإخلاص لك.
وَلَهُ مُصَنّفَاتٌ كَثِيْرَةٌ مِنْهَا: "غَرِيْبُ
الحَدِيْثِ"، وَ"الوَاضحَةُ فِي إِعرَابِ الفَاتِحَةِ"،
"شَرحُ خطبِ ابْنِ نُبَاتَةَ"، "الرَّدُّ عَلَى الفَخْرِ
الرَّازِيِّ فِي تَفْسِيْرِ سُوْرَةِ الإِخْلاَصِ"،
"مَسْأَلَةُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرٍ قَبْلَ مَا بَعْدَ
قَبْلِهِ رَمَضَان"، "شرحُ فُصُولِ بُقرَاطَ"، كِتَابُ
"أَخْبَارِ مِصْرَ الكَبِيْرُ"، كِتَابُ
(16/238)
"الإِفَادَةِ فِي أَخْبَارِ مِصْرَ"،
"مَقَالَةٌ فِي النَّفْسِ"، "مَقَالَةٌ فِي العطشِ"،
"مَقَالَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَى اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى"،
وَأَشيَاءُ كَثِيْرَةٌ ذَكَرْتُهَا فِي "تَارِيخِ
الإِسْلاَمِ".
وَقَدْ سَافرَ مِنْ حَلَبَ لِيَحُجَّ مِنَ العِرَاقِ،
فَدَخَلَ حَرَّانَ، وَحَدَّثَ بِهَا، وَسَارَ فَدَخَلَ
بَغْدَادَ مَرِيْضاً، ثُمَّ حَضَرَتِ المَنِيَّةُ
بِبَغْدَادَ، فِي ثَانِي عَشَرَ المُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعٍ
وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ
السُّهْرَوَرْدِيُّ.
قَالَ المُوَفَّقُ أَحْمَدُ بنُ أَبِي أُصَيْبِعَةَ: كَانَ
أَبِي وَعَمِّي يَشتغلاَنِ عَلَيْهِ، وَقَلَمُهُ أَجْوَدُ
مِنْ لَفظِهِ، وَكَانَ يَنْتقِصُ بِالفُضَلاَءِ الَّذِيْنَ
فِي زَمَانِهِ، وَيَحطُّ عَلَى ابْنِ سِينَا.
قَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: أَقَمْتُ
بِالمَوْصِلِ سَنَةً أَشتغِلُ، وَسَمِعْتُ النَّاسَ
يَهرجُوْنَ فِي حَدِيْثِ السُّهْرَوَرْدِيِّ
الفَيْلَسُوْفِ، وَيَعْتَقِدُوْنَ أَنَّهُ قَدْ فَاقَ
الكُلَّ، فَطَلبتُ مِنَ الكَمَالِ ابْنِ يُوْنُسَ شَيْئاً
مِنْ تَصَانِيْفِهِ، فَوَقَفْتُ عَلَى "التَّلْوِيْحَاتِ"،
وَ"المعَارجِ"، وَفِي أَثْنَاءِ كَلاَمِهِ يُثْبِتُ
حُرُوَفاً مُقَطَّعَةً يُوهِمُ بِهَا أَنَّهَا أَسرَارٌ
إِلَهِيَّةٌ، وَقَالَ: أَعربتُ الفَاتِحَةَ فِي نحو عشرين
كراسًا.
(16/239)
5639- ابن معطي
1:
العَلاَّمَةُ شَيْخُ النَّحْوِ زَيْنُ الدِّيْنِ أَبُو
الحُسَيْنِ يَحْيَى بنُ عَبْدِ المُعْطِي بنِ عَبْدِ
النُّوْرِ الزَّوَاوِيُّ، المَغْرِبِيُّ، النَّحْوِيُّ،
الفَقِيْهُ، الحَنَفِيُّ.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: القَاسِمِ بنِ عَسَاكِرَ، وَصَنَّفَ
"الأَلْفَيَّةَ"، وَ"الفصولَ". وَلَهُ النَّظْمُ
وَالنَّثْرُ، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّةٌ بِمِصْرَ
وَبِدِمَشْقَ، وَكَانَ يَشْهَدُ، فَحضرَ عِنْدَ الكَامِلِ
مَعَ العُلَمَاءِ فَسَأَلَهُم: زَيدٌ ذهبَ بِهِ، هَلْ
يَجوزُ فِي زَيدٍ النَّصْبُ? فَقَالُوا: لاَ. فَقَالَ
ابْنُ معطٍ: يَجوزُ عَلَى أَنْ يَكُوْنَ المُرْتَفِعُ
يُذْهَبُ بِهِ المصدرُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ ذَهبَ بِهِ
وَهُوَ الذَّهَابُ، وَيَكُوْنُ مَوْضِعٌ بِهِ النَّصْبُ،
فَيَكُوْنُ مِنْ بَابِ زَيدٌ مَرَرْتُ بِهِ، فَأَعْجَبَ
الكَامِلَ، وَقَرَّرَ لَهُ مَعْلُوْماً، وَقَدْ أَخَذَ
عَنْ: أَبِي مُوْسَى الجُزُوْلِيِّ.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ
وست مائة، بمصر.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "6/ ترجمة 801"، والنجوم
الزاهرة "6/ 278"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "5/
129".
(16/239)
5640- عمر بن
كرم 1:
ابن علي بن عمر، الشَّيْخُ المُسْنِدُ الأَمِيْنُ أَبُو
حَفْصٍ بنُ أَبِي المَجْدِ الدِّيْنَوَرِيُّ، ثُمَّ
البَغْدَادِيُّ، الحَمَّامِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ: جَدِّهِ لأُمِّهِ الإِمَامِ عَبْدِ
الوَهَّابِ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّابُوْنِيِّ، وَنَصْرِ بنِ
نَصْرٍ العُكْبَرِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ،
وَالمُبَارَكِ ابْنِ التَّعَاوِيْذِيِّ، وَفَاطِمَةَ
بِنْتِ سَعْدِ اللهِ المِيْهَنِيِّ.
وَأَجَازَ لَهُ أَبُو الفَتْحِ الكَرُوْخِيُّ، فَرَوَى
عَنْهُ "جَامِعَ التِّرْمِذِيِّ". وَأَجَاز لَهُ: عُمَرُ
بنُ أحمد ابن الصَّفَّارِ، وَأَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ المَذَارِيِّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ
اليُوْسُفِيُّ وَجَمَاعَةٌ.
وَرَوَى الكَثِيْرَ، وَتَفَرَّدَ، وَكَانَ شَيْخاً
مُبَارَكاً، صَحِيْحَ السَّمَاعِ وَالإِجَازَاتِ،
وَتَفَرَّدَ بِأَجزَاءَ عَنْ أَبِي الوَقْتِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَالدُّبَيْثِيُّ،
وَالبِرْزَالِيُّ، وَابْنُ المَجْدِ، وَأَبُو المُظَفَّرِ
ابْنُ النَّابُلُسِيِّ، وَالفَخْرُ عَلِيُّ ابْنُ
البُخَارِيِّ، والتقي ابن الواسطي، وَالشَّمْسُ ابْنُ
الزَّيْنِ، وَالعِزُّ الفَارُوْثِيُّ، وَالعِمَادُ
إِسْمَاعِيْلُ ابن البطال، وَالرَّشِيْدُ مُحَمَّدُ بنُ
أَبِي القَاسِمِ، وَالمَجْدُ ابْنُ الخَلِيْلِيِّ،
وَالشِّهَابُ الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَعِدَّةٌ. وَآخِرُ مَنْ
رَوَى عنه بالإجازة القاضي تقي الدين سليمان بن حَمْزَةَ
الحَنْبَلِيُّ.
وَفِي "مُعْجَمِ الأَبَرْقُوْهِيِّ" قَالَ مُخَرِّجُهُ:
كَانَ عُمَرُ بنُ كَرَمٍ مِنْ أَهْلِ العِبَادَةِ
وَالعِفَافِ، مُنْقَطِعاً عَنِ النَّاسِ، خَاشِعاً عِنْدَ
قِرَاءةِ الحَدِيْثِ. تُوُفِّيَ: فِي سَادسِ رَجَبٍ سَنَةَ
تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ صَالِحاً، وَرِعاً،
مُتَدَيِّناً، مُتَعَفِّفاً، مُتَعَبِّداً، وَمِنْ
مَرْوِيَّاتِهِ: الخَامِسُ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ مَخْلَدٍ،
عَنْ طَاهِرِ بنِ خَالِدِ بنِ نِزَارٍ، وَابْنِ كَرَامَةَ،
سَمِعَهُ مِنْ نَصْرِ بنِ نَصْرٍ العُكْبَرِيِّ،
وَالأَوَّلُ الكَبِيْرُ مِنَ "المُخَلِّصِيَّاتِ"،
وَكِتَابُ "الاعتبَارِ" لابْنِ أَبِي الدُّنْيَا، سَمِعَهُ
مِنْ نَصْرِ بنِ نَصْرٍ، وَالتَّاسعُ مِنَ
"الجَعْدِيَّاتِ"، سَمِعَهُ مِنْ أَبِي الوَقْتِ، وَ"جُزءُ
النَّحَّاسِ وَالأَطعِمَةِ" لِلدَّارِمِيِّ، وَ"مُسْنَدُ
عَبْدٍ"، وَ"دَرَجَاتُ التَّائِبينَ"، وَ"صَحِيْحُ
البُخَارِيِّ"، وَالخَامِسُ وَالسَّادِسُ مِنْ حَدِيْثِ
ابْنِ صَاعِدٍ.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ السَّيْفِ أَحْمَدَ أَنَّ عُمَرَ بنَ
كَرَمٍ لَمْ يُعْقِبْ، وَأَنَّهُ كَانَ لَهُم حَمَّامٌ
فَصُودِرُوا، وَكَانَ يُزَيِّنُ، ثُمَّ عَجِزَ وَانقطعَ
فِي دُوَيْرَةٍ، وَكَانَ لاَ يَرُدُّ شَيْئاً، وَرُبَّمَا
عَرَّضَ، وَكَانَ يَتَزَهَّدُ وَيَتقَشَّفُ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 279"،
وشذرات الذهب "5/ 132".
(16/240)
5641-
خوارزمشاه 1:
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ جَلاَلُ الدِّيْنِ مَنْكوبرِي
ابْنُ السُّلْطَانِ الكبير علاء الدين مُحَمَّدِ ابْن
السُّلْطَانِ خُوَارِزْمشَاه تَكِشّ ابْنِ خُوَارِزْمشَاه
أَرْسَلاَن ابْنِ الملكِ آتْسِز بنِ مُحَمَّدِ بنِ
نُوشْتِكِيْنَ الخُوَارِزْمِيُّ.
تَمَلَّكَ البِلاَدَ، وَدَانَتْ لَهُ الأُمَمُ، وَجَرَتْ
لَهُ عَجَائِبُ وَعِنْدِي سِيْرَتُهُ فِي مُجَلَّدٍ.
وَلَمَّا دَهَمَتِ التَّتَارُ البِلاَدَ المَاورَاءَ
النَّهْرِيَّةِ بَادرَ والده علاء الدين وجعل جالشيه
وَلدَهُ جَلاَلَ الدِّيْنِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً،
فَتوَغَّلَ فِي البِلاَدِ، وَأَحَاطَتْ بِهِ المغولُ،
فَالتقَاهُم، فَانْكَسَرَ، وَتَخلَّصَ بَعْدَ الجهدِ،
وَتوصَّلَ. وَأَمَّا أَبُوْهُ فَمَا زَالَ مُتقهقِراً
بَيْنَ يَدَي العَدُوِّ حَتَّى مَاتَ غرِيباً سَنَةَ
سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ فِي جَزِيْرَةٍ مِنَ
البَحْرِ.
قَالَ الشِّهَابُ النَّسَوِيُّ المُوَقِّعُ:
كَانَ جَلاَلُ الدِّيْنِ أَسْمَرَ تُركيّاً قصِيْراً
مُنعجمَ العبَارَةِ، يَتَكَلَّمُ بِالتُرْكيَّةِ
وَبِالفَارِسيَّةِ. وَأَمَّا شَجَاعَتُهُ فَحسبُكَ مَا
أَوْرَدتُهُ مِنْ وَقعَاتِهِ، فَكَانَ أَسداً ضِرغَاماً،
وَأَشجعَ فُرْسَانِهِ إِقدَاماً، لاَ غَضوباً وَلاَ
شَتَّاماً، وَقُوراً، لاَ يَضحكُ إلَّا تَبسُّماً، وَلاَ
يُكثِرُ كَلاَماً، وَكَانَ يَختَارُ العَدْلَ غَيْرَ
أَنَّهُ صَادفَ أَيَّامَ الفِتْنَةِ فَغُلِبَ.
وَقَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: كَانَ أَسْمَرَ
أَصْفَرَ نَحِيْفاً سَمْجاً لأَنَّ أمه هِنديَّةٌ، وَكَانَ
يَلبسُ طَرْطُوراً فِيْهِ مِنْ شِعرِ الخيلِ مُصَبَّغاً
بِأَلوَانٍ، وَكَانَ أَخُوْهُ غِيَاثُ الدِّيْنِ أَجْمَلَ
النَّاسِ صُوْرَةً وَأَرقَّهُم بَشَرَةً، لَكنَّهُ
ظَلُوْمٌ وَأُمُّهُ تُركِيَّةٌ.
قُلْتُ: وَكَانَ عَسْكَرُهُ أَوبَاشاً فِيهِم شَرٌّ
وَفِسْقٌ وَعُتُوٌّ.
قَالَ المُوَفَّقُ: الزِّنَى فِيهِم فَاشٍ وَاللِّوَاطُ
غَيْرُ مَعْذُوقٍ بِكِبَرٍ وَلاَ صِغَرٍ وَالغَدْرُ خُلُقٌ
لَهُم، أَخذُوا تَفلَيْسَ بِالأَمَانِ، ثُمَّ غدرُوا
وَقتلُوا وَسَبَوا.
قُلْتُ: كَانَ يُضْرَبُ بِهِمُ المصل فِي النَّهْبِ
وَالقَتلِ، وَعَمِلُوا كُلَّ قَبِيحٍ، وَهُم جياع مجمعة،
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 130".
(16/241)
ضِعَافُ العُدَدِ وَالخيلِ. التقَى جَلاَلُ
الدِّيْنِ التَّتَارَ، فهزمهم، وهلك مقدمهم ابن جنكزخان،
فَعظُمَ عَلَى أَبِيْهِ وَقصدَهُ فَالتَقَى الجمعَانِ
عَلَى نهر السند، فانهزم جنكزخان ثُمَّ خَرَجَ لَهُ
كَمِينٌ فَتفلَّلَ جَمعُ جَلاَلِ الدِّيْنِ وَفَرَّ إِلَى
نَاحِيَةِ غَزْنَةَ فِي حَالٍ وَاهيَةٍ، وَمَعَهُ
أَرْبَعَةُ آلاَفٍ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، فَتوجَّهَ نَحْو
كِرْمَانَ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِ مَلِكُهَا، فَلَمَّا
تَقَوَّى غدَرَ بِهِ وَقتلَهُ، وَسَارَ إِلَى شِيْرَازَ
وَعَسْكَرُهُ عَلَى بَقَرٍ وَحَمِيْرٍ وَمشَاةٌ فَفَرَّ
مِنْهُ صَاحِبُهَا، وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْرٌ يَطولُ
شَرحُهَا مَا بَيْنَ ارْتقَاءٍ وَانخفَاضٍ، وَهَابَتْهُ
التَّتَارُ، وَلَولاَهُ لَدَاسُوا الدُّنْيَا. وَقَدْ
ذَهَبَ إِلَيْهِ مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُ الجَوْزِيِّ
رَسُوْلاً فَوَجَدَهُ يَقرَأُ فِي مُصحَفٍ وَيَبْكِي،
ثُمَّ اعتذَرَ عَمَّا يَفعلُهُ جُندُهُ بِكَثرَتِهِم،
وَعَدَمِ طاعتهم، وقد تَقَاذَفَتْ بِهِ البِلاَدُ إِلَى
الهِنْدِ ثُمَّ إِلَى كِرْمَانَ ثُمَّ إِلَى أَعْمَالِ
العِرَاقِ، وَسَاقَ إِلَى أَذْرَبِيْجَانَ، فَاسْتولَى
عَلَى كَثِيْرٍ مِنْهَا، وَغدَرَ بِأَتَابَك أُزبكَ،
وَأَخْرَجَهُ مِنْ بلاَدِهِ، وَأَخَذَ زَوجَهُ ابْنَةَ
السُّلْطَانِ طُغْرِلَ، فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ عمِلَ
مَصَافّاً مَعَ الكُرْجِ فَطَحَنَهُم، وَقَتَلَ مُلوكَهُم،
وَقوِيَ مُلكُهُ، وَكثُرَتْ جُمُوْعُهُ، ثُمَّ فِي الآخِرِ
تَلاَشَى أَمرُهُ لَمَّا كَسرَهُ الملكُ الأَشْرَفُ
مُوْسَى وَصَاحِبُ الرُّوْمِ بِنَاحيَةِ أَرْمِيْنِيَةَ،
ثُمَّ كَبَسَتْهُ التَّتَارُ لَيْلَةً، فَنَجَا فِي نَحْوٍ
مِنْ مائَةِ فَارِسٍ، ثُمَّ تَفرَّقُوا عَنْهُ إِلَى أَنْ
بَقِيَ وَحْدَهُ، فَأَلَحَّ فِي طَلَبِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ
مِنَ التَّتَارِ فَثَبَتَ لَهُم وَقَتَلَ اثْنَيْنِ
فَأَحجَمُوا عَنْهُ، وَصعِدَ فِي جَبلٍ بِنَاحيَةِ آمدَ
يَنْزِلُهُ أَكرَادٌ فَأَجَارَهُ كَبِيْرٌ مِنْهُم،
وَعرَفَ أَنَّهُ السُّلْطَانُ، فَوَعَدَهُ بِكُلِّ خَيْرٍ،
فَفَرحَ الكُرْدِيُّ، وَذَهَبَ لِيُحضِرَ خَيلاً لَهُ
وَيُعلِمَ بنِي عَمِّهِ، وَتركَهُ عِنْدَ أُمِّهِ، فَجَاءَ
كردِيٌّ فِيْهِ جُرَأَةٌ فَقَالَ: ليش تخلُّوا هَذَا
الخُوَارِزْمِيَّ عِنْدَكُم? قِيْلَ: اسكُتْ هَذَا هُوَ
السُّلْطَانُ، فَقَالَ: لأَقتُلَنَّهُ فَقَدْ قتل أخي
بخلاط، ثم شد عليه بحرية، قَتَلَهُ فِي الحَالِ فِي نِصْفِ
شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
(16/242)
5642- أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّوَابطِيُّ:
مِنْ كِبَارِ الزُّهَّادِ بِالأَنْدَلُسِ.
أَخَذَ عَنْهُ ابْنُ مَسْدِيٍّ. وَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ
سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، كَانَ يَسيحُ
بِثُغُورِ الأَنْدَلُسِ، يَأْوِي فِي مَسَاجِدِ البِرِّ،
لَهُ كَرَامَاتٌ، أُسِرَ إِلَى طرطوشَةَ وَقَيَّدُوْهُ،
فَقَامَ النَّصْرَانِيُّ لَيْلَةً فَرَآهُ يُصَلِّي،
وَقَيْدُهُ إِلَى جَنْبِهِ، فَتَعَجَّبَ، فَلَمَّا
أَصْبَحَ رَآهُ فِي رِجْلِهِ، فَرقَبَهُ ثَانِي لَيْلَةٍ
فكذلك، فذهب فأخبر القسيس، فَقَالُوا: أَحضِرْهُ، فَجَاءَ
بِهِ، وَجَرَتْ بَيْنَهُ وَبَينهُم مُحَاوَرَةٌ، ثُمَّ
قَالُوا: لاَ يَحِلُّ أَنْ نَأْسُرَكَ، فَاذهبْ،
وَلطرطوشَةَ نَهْرٌ تُعْمَلُ فِيْهِ السُّفُنَ، فَلَقِيَهُ
أَسيرٌ، فَقَالَ: بِاللهِ خُذنِي. فَأَخَذَ بِيَدِهِ،
وَخَاضَ إلى نصف الساق، فتعجب النصارى وشاعت القصة.
(16/242)
الأمجد، المسعود:
5643- الأمجد 1:
الملكُ الأَمجدُ مَجْدُ الدِّيْنِ أَبُو المُظَفَّرِ
بَهْرَام شَاه ابْنُ نَائِبِ دِمَشْقَ فَرُّوخشَاه ابْنِ
الملكِ شَاهنشَاه بنِ أَيُّوْبَ صَاحِبِ بَعْلَبَكَّ
بَعْدَ وَالِدِهِ، ملَّكَهُ إِيَّاهَا عَمُّ أَبِيْهِ
السُّلْطَانُ صَلاَحُ الدِّيْنِ فَدَامَتْ دَوْلَتُهُ
خَمْسِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ جَوَاداً كَرِيْماً، شَاعِراً
مُحْسِناً، لَهُ نَظْمٌ رَائِقٌ، وَلَهُ "دِيْوَانٌ".
قَهرَهُ السُّلْطَانُ الملكُ الأَشْرَفُ مُوْسَى، وَأَخَذَ
مِنْهُ بَعْلَبَكَّ قَبْلَ مَوْتِهِ بعَامٍ، وَملَّكَهَا
لأَخِيهِ الصَّالِحِ، فَتحوَّلَ الأَمجدُ المَذْكُوْرُ
إِلَى دِمَشْقَ، وَنَزَلَ بدَارِهِ داخل باب النصر.
قتله مملوك مَليحٌ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ
وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، فَدُفِنَ عِنْدَ وَالِدِهِ
بِالمَدْرَسَةِ الفَرُّوخشَاهيَّةِ، وَهُوَ جدُّ الملكِ
الحَافِظِ مُحَمَّدِ بنِ شَاهنشَاه صَاحِبِ أَرَاضِي
جِسْرِيْنَ، وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ بِهَا، وَفَرَّ قَاتِلُهُ
إلى السطح، وخاف فألقى نفسه فهلك.
5644- المسعود 2:
صَاحِبُ اليَمَنِ الملكُ المَسْعُوْدُ أَقسيسُ ابْنُ
السُّلْطَانِ الملكِ الكَامِلِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ
بنِ أَيُّوْبَ.
جَهَّزَهُ أَبُوْهُ فَافْتَتَحَ اليَمَنَ فِي أَوَّلِ
سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَقبضَ عَلَى سُلَيْمَانَ
الَّذِي كَانَ مِنْ بَنِي عَمِّهِم، وَتَزَوَّجَ بِابْنَةِ
جوزَا من بنات الإِسْلاَمِ وَأَحَبَّهَا، وَحَارَبَ
إِمَامَ الزَّيْدِيَّةِ مَرَّاتٍ، وَتَمَكَّنَ وَعَمِلَ
نِيَابَةَ الأَمِيْرِ عُمَرَ بنِ رَسُوْلٍ الَّذِي
تَمَلَّكَ اليَمَنَ مِنْ بَعْدِهِ، وَتَمَلَّكَ مَكَّةَ.
وَكَانَ شَهْماً، شُجَاعاً، زَعِراً، ظَلُوْماً، وَقمعَ
الزَّيْدِيَّةَ وَالخَوَارِجَ. وَلَمَّا سَمِعَ بِمَوْتِ
عَمِّهِ المُعَظَّمِ عَزَمَ عَلَى أَخْذِ دِمَشْقَ.
وَكَانَتْ أَثقَالُهُ -عَلَى مَا نَقَلَ أَبُو
المُظَفَّرِ- فِي خَمْسِ مائَةِ مركبٍ وَمَعَهُ أَلفُ
خَادمٍ وَمائَةُ قنطَارِ عنبرٍ وَعُوْدٍ، وَمائَةُ أَلْفِ
ثَوْبٍ، وَمائَةُ صُنْدُوْقٍ مَالاً، فَقَدِمَ مَكَّةَ،
وَقَدْ أَصَابَهُ فَالِجٌ، وَلَمَّا احتُضِرَ، قَالَ:
وَاللهِ مَا أَرْضَى مِنْ مَالِي كَفَناً، ثُمَّ بَعَثَ
إِلَى فَقِيْرٍ فَقَالَ: تَصدَّقْ عليَّ بِكَفَنٍ،
وَدُفِنَ بِالمُعَلَّى.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ أَبَاهُ سُرَّ بِمَوْتِهِ،
وَكَانَ يَعسفُ التُّجَّارَ، وَيَشربُ الخَمْرَ بِمَكَّةَ،
وَيَرمِي بِالبُنْدُقِ عِنْدَ البَيْتِ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: سَارَ آتسِزُ إِلَى مَكَّةَ
وَهِيَ لِحَسَنِ بنِ قَتَادَةَ العلوي من بَعْدِ أَبِيْهِ،
فَأَسَاءَ إِلَى أَهْلِهَا، فَحَارَبَهُ بِبطنِ مَكَّةَ،
فَانْهَزَمَ حسنٌ، وَنَهبَ آتسِز مَكَّةَ وَتعثَّرُوا.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، وَخلَّفَ وَلداً، وَهُوَ الملكُ
الصَّالِحُ يُوْسُفُ، عَاشَ إِلَى بَعْدِ الأَرْبَعِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: أَطْسِيس، وَالعَامَّةُ
تَقُوْلُهُ: أَقسيس، وَهِيَ كلمَةٌ مُركَّبَةٌ تَفسيرُهَا
مَا لَهُ اسْم، وَيَقُوْلُوْنَ: مَنْ لاَ يَعِيْشُ لَهُ
وَلدٌ، فَسَمَّى ولده أطسيس عاش.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ 453"، والنجوم
الزاهرة "6/ 275"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 126".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 82"، والنجوم
الزاهرة "6/ 272"، وشذرات الذهب "5/ 120".
(16/243)
ابن صيلا، ابن سكينة:
5645- ابن صيلا 1:
الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بنُ عَتِيْقُ بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ بنِ عَلِيِّ بنِ صِيْلاَ الحَرْبِيُّ،
المُؤَدِّبُ.
رَوَى عَنْ: أَبِي الوَقْتِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
زَيْدٍ الوَرَّاقِ.
وَعَنْهُ: السَّيْفُ ابْنُ المَجْدِ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ
الوَاسِطِيِّ، وَالشِّهَابُ الأَبَرْقُوْهِيُّ،
وَآخَرُوْنَ.
وَمِنْ سَمَاعِ ابْنِ الوَاسِطِيِّ مِنْهُ كِتَابُ "ذَمِّ
الكَلاَمِ".
تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سنة ست وعشرين وست
مائة.
5646- ابن سكينة 2:
الشَّيْخُ العَالِمُ المُسْنِدُ عَلاَءُ الدِّيْنِ أَبُو
الحَسَنِ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ
الأَمِيْنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ عَلِيِّ بنِ عَلِيِّ ابْنِ
سُكَيْنَةَ البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا الوَقْتِ السِّجْزِيَّ، وَمَحْمُوْداً
فورجَة، وَأَبَا المُظَفَّرِ مُحَمَّدَ بنَ
التُّرَيْكِيِّ، ويحيى ابن تَاجِ القُرَّاءِ، وَالوَزِيْرَ
الفَلَكِيَّ. وَسَمِعَ حُضُوْراً مِنْ: نَصْرِ بنِ نَصْرٍ
العُكْبَرِيِّ، وَسَعِيْدِ ابْنِ البَنَّاءِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ،
وَابْنُ الحَاجِبِ، وَأَبُو المُظَفَّرِ ابْنُ
النَّابُلُسِيِّ، وَالمَجْدُ عَبْدُ العَزِيْزِ ابْنُ
الخَلِيْلِيِّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ ابْنُ الوَاسِطِيِّ،
وَابْنُ الزَّيْنِ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ ابْنُ النَّجَّارِ، نَسخَ الكَثِيْرَ، وَكَانَ
إِنْسَاناً مُتَوَاضِعاً، رَوَى لَنَا عَنْهُ
بِالإِجَازَةِ: فَاطِمَةُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وعشرين وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 275"، وشذرات الذهب لابن
العماد "5/ 124".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 275"، وشذرات الذهب "5/
124، 125".
(16/244)
اين برجان، صاحب
إربل:
5647- ابن برجان 1:
العَلاَّمَةُ لُغوِي الْعَصْر أَبُو الحَكَمِ عَبْدُ
السَّلاَمِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ شَيْخِ
الصُّوْفِيَّة أَبِي الحَكَمِ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابنِ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ اللَّخْمِيُّ الإِفْرِيْقِيّ ثُمَّ
الإِشْبِيْلِيّ المُقْرِئ. وَيُقَالُ لَهُ: ابْنُ
بَرَّجَان، وَذَلِكَ مُخَفَّف مِنْ أَبِي الرَّجَّالِ.
أَخَذَ القراءات عن جماعة، والعربية عن: إِسْحَاقَ بنِ
مُلْكُوْنَ.
قَالَ الأَبَّارُ: كَانَ مِنْ أَحْفَظِ أَهْلِ زَمَانِهِ
لِلُّغَةِ، مُسَلَّماً ذَلِكَ لَهُ، ثِقَةً، صَدُوْقاً،
لَهُ ردّ عَلَى ابْنِ سَيّده، وَكَانَ صَالِحاً، مُقْبِلاً
عَلَى شَأْنه.
مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ،
رَحِمَهُ اللهُ.
5648- صَاحِبُ إربل 2:
السُّلْطَانُ الدَّيِّنُ المَلِك المُعَظَّمُ مُظَفَّر
الدِّيْنِ أَبُو سَعِيْدٍ كُوْكْبُرِي بن عَلِيِّ بن
بكتكين بن مُحَمَّدٍ التُّرُكْمَانِيّ صَاحِب إِرْبِل
وَابْن صَاحِبهَا وَمُمَصِّرِهَا الملك زين الدين علي
كوجك، وكرجك هُوَ اللَّطِيْف القدّ، كَانَ كُوجك شَهْماً
شُجَاعاً مَهِيْباً، تَملَّك بلاَداً كَثِيْرَة، ثُمَّ
وَهبهَا لأَوْلاَد صاحب المَوْصِل، وَكَانَ يُوْصَف
بِقُوَّةٍ مُفْرِطَةٍ، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَحَجَّ هُوَ
وَالأَمِيْرُ أَسَدُ الدِّيْنِ شِيرْكُوْهُ بنُ شَاذِي،
وَتُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ، وَلَهُ أَوقَافٌ وَبِرٌّ وَمَدْرَسَة
بِالمَوْصِلِ. فَلَمَّا مَاتَ تَملك إِرْبِل ابْنه هَذَا
وَهُوَ مُرَاهِق، وَصَارَ أَتَابَكه مُجَاهِد الدِّيْنِ
قَيْمَاز، فَعمل عَلَيْهِ قَيْمَاز وَكَتَبَ مَحضراً
بِأَنَّهُ لاَ يَصلُح لِلمُلْك وَقبضَ عَلَيْهِ وَمَلَّكَ
أَخَاهُ زَيْن الدِّيْنِ يُوْسُف، فتوجه مظفر الدين إلى
بغداد فما التقوا عَلَيْهِ، فَقَدِمَ المَوْصِلَ عَلَى
صَاحِبِهَا سَيْفِ الدِّيْنِ غَازِي بنِ مَوْدُوْدٍ،
فَأَقطعه حَرَّان، فَبقِي بِهَا مُدَيْدَة، ثُمَّ اتَّصل
بِخدمَة السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ، وغزا معه، وتكمن
مِنْهُ، وَأَحَبّه، وَزَاده الرُّهَا، وَزَوَّجَهُ
بِأُخْته رَبِيْعَةَ وَاقِفَةِ الصَّاحبيَّةِ. وَأَبَان
مُظَفَّر الدِّيْنِ عَنْ شجَاعَة يَوْم حِطِّين،
وَبَيَّنَ، فَوَفَدَ أَخُوْهُ صَاحِب إِرْبِل على صلاح
الدين
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 124".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 547"،
والنجوم الزاهرة "6/ 282"، وشذرات الذهب "5/ 138-140".
(16/245)
نَجدَة، فَتمرض، وَمَاتَ عَلَى عَكَّا،
فَأَعْطَى السُّلْطَان مُظَفَّر الدِّيْنِ إِرْبِل
وَشهرزور، وَاسْترد مِنْهُ حَرَّان وَالرُّهَا.
وَكَانَ مُحِبّاً لِلصَّدقَة، لَهُ كُلّ يَوْم قنَاطير
خُبْز يُفرِّقهَا، وَيَكسو فِي العَامِ خلقاً وَيُعْطِيهُم
دِيْنَاراً وَدِيْنَارَيْنِ، وَبَنَى أَرْبَع خَوَانك
لِلزَّمْنَى وَالأَضرَّاء، وَكَانَ يَأْتيهِم كُلّ
اثْنَيْنِ وَخَمِيْس وَيَسْأَل كل واحد عن حاله ويتفقده
ويبساطه وَيَمزح مَعَهُ. وَبَنَى دَاراً لِلنِّسَاءِ،
وَدَاراً لِلأَيتَامِ، ودارًا للقطاء، ورتب بها وَارد،
وَيُعْطَى كُلّ مَا يَنْبَغِي لَهُ. وَبَنَى مَدْرَسَةً
لِلشَّافِعِيَّة وَالحَنَفِيَّة وَكَانَ يَمدّ بِهَا
السِّمَاط، وَيَحضر السَّمَاع كَثِيْراً، لَمْ يَكُنْ لَهُ
لَذَّة فِي شَيْءٍ غَيْره. وَكَانَ يَمْنَع مِنْ دُخُوْلِ
مُنْكَرٍ بَلَدَهُ، وَبَنَى لِلصُّوْفِيَة رِبَاطَينِ،
وَكَانَ يَنْزِل إِلَيْهِم لأَجْل السَّمَاعَات. وَكَانَ
فِي السَّنَةِ يَفْتَكُّ أَسرَى بِجُملَةٍ وَيُخْرِجُ
سَبِيلاً لِلْحَجِّ، وَيَبعثَ لِلمُجَاوِرِيْنَ بِخَمْسَةِ
آلاَف دِيْنَارٍ، وَأَجرَى المَاء إِلَى عرفَات.
وَأَمَّا احتفَاله بِالمَوْلِدِ فَيَقْصُر التَّعْبِيْر
عَنْهُ؛ كَانَ الْخلق يَقصدُوْنَهُ مِنَ العِرَاقِ
وَالجَزِيْرَة وَتُنْصَب قِبَاب خَشَب لَهُ وَلأَمرَائِهِ
وَتُزَيَّن، وَفِيْهَا جوق المغَانِي وَاللّعب، وَيَنْزِل
كُلّ يَوْمٍ العَصرَ فَيَقِف عَلَى كُلّ قُبَّة وَيَتفرج،
وَيَعْمَل ذَلِكَ أَيَّاماً، وَيُخْرِجُ من البقر والإبل
الغنم شَيْئاً كَثِيْراً فَتُنْحَر وَتُطْبَخ الأَلوَان،
وَيَعْمَل عِدَّة خِلَع لِلصُّوْفِيَة، وَيَتكلَّم
الوُعَّاظ فِي المَيْدَان، فَيُنفق أَمْوَالاً جَزِيْلَة.
وَقَدْ جَمَعَ لَهُ ابْن دِحْيَة "كِتَاب المَوْلِد"،
فَأَعْطَاهُ أَلف دِيْنَار.
وَكَانَ مُتَوَاضِعاً، خَيِّراً، سُنِّيّاً، يُحبّ
الفُقَهَاء وَالمُحَدِّثِيْنَ، وَرُبَّمَا أَعْطَى
الشُّعَرَاء، وَمَا نُقِلَ أَنَّهُ انْهَزَم فِي حَرْب،
وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا وَأَمثَاله ابْنُ خَلِّكَانَ
وَاعْتَذَرَ مِنَ التَّقْصِير.
مَوْلِدُهُ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ
وَخَمْس مائَة بِإِرْبِل.
قَالَ ابْنُ السَّاعِي: طَالت عَلَيْهِ مُدَارَاة أَوْلاَد
العَادل، فَأَخَذَ مَفَاتيح إِرْبِل وَقِلاعهَا، وَسَلَّم
ذَلِكَ إِلَى المُسْتَنْصِر، فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ
وَعِشْرِيْنَ. قَالَ: فَاحتفلُوا لَهُ، وَاجْتَمَعَ
بِالخَلِيْفَةِ، وَأَكْرَمَهُ، وَقلَّدهُ سَيْفَيْنِ
وَرَايَاتٍ وَخِلَعاً وَسِتِّيْنَ أَلْفَ دِيْنَار.
وَقَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: كَانَ مُظَفَّر الدِّيْنِ
يُنفق فِي السَّنَةِ عَلَى المَوْلِد ثَلاَث مائَة أَلْف
دِيْنَار، وَعَلَى الخَانْقَاه مائَتَيْ أَلفِ دِيْنَار،
وَعَلَى دَار الْمضيف مائَة أَلْف. وعد من هذا الخسف
أشياء.
وَقَالَ: قَالَ مَنْ حضَر المَوْلِد مرَّة: عددت عَلَى
سِمَاطه مائَة فَرَس قشلمِيش، وَخَمْسَة آلاَف رأس مشوي،
وَعَشْرَة آلاَف دَجَاجَة، وَمائَة أَلْف زُبديَة،
وَثَلاَثِيْنَ أَلْفَ صحْن حلوَاء.
قُلْتُ: مَا أَعْتَقِد وُقُوع هَذَا، فَعُشر ذَلِكَ
كَثِيْر جِدّاً.
وَقَدْ حَدَّثَ عن حنيل المُكَبِّر.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: مَاتَ لَيْلَةَ الجُمُعَة،
رَابِعَ عَشَرَ رَمَضَان، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ، وَعُمِلَ فِي تَابوت، وَحُمِلَ مَعَ الحُجَّاج
إِلَى مَكَّةَ، فَاتَّفَقَ أَنَّ الوَفْد رَجَعُوا تِلْكَ
السّنَة لِعدم المَاء، فَدُفِنَ بِالكُوْفَةِ -رَحِمَهُ
اللهُ تَعَالَى، وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ
سَنَةً.
وَعَاشَ أَبُوْهُ فَوْقَ المائَةِ، وَعَمِي وَأَصَمّ،
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الدَّوْلَة الأَتَابَكيَة، مَا
انْهَزَم قَطُّ. وَمَدَحَهُ الحَيْصَ بَيْصَ، فَقَالَ: مَا
أَعْرفُ مَا تَقُوْلُ، وَلَكِنِّي أَدْرِي أَنَّك تُرِيْدُ
شَيْئاً! وَأَمَرَ لَهُ بِخِلْعَةٍ وَفَرَسٍ وخمس مائة
دينار.
(16/246)
5649- صاحب
الغرب:
السُّلْطَانُ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَلِكُ النَّاصِرُ
مُحَمَّدُ ابن السلطان يعقوب ابن السُّلْطَانِ يُوْسُفَ
بنِ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ عَلِيٍّ القَيْسِيُّ. وَأُمُّه،
رُومِيَّة اسْمهَا زهر.
تَمَلَّكَ البِلاَد بِعَهْدٍ مِنْ أَبِيْهِ مُتَقَدِّم.
وَكَانَ أَشقر، أَشهل، أَسِيْل الخدّ، مليح الشّكل،
كَثِيْر الصَّمْت وَالإِطْرَاق، شُجَاعاً، مَهِيْباً، بعيد
الغَوْر، حليماً، عَفِيْفاً عَنِ الدِّمَاء، وَفِي لِسَانه
لثغَة، وَكَانَ يُبَخَّل، وَلَهُ عِدَّةُ أَوْلاَد.
اسْتَوْزَر أَبَا زَيْد بن يُوجَّان، ثُمَّ عَزَلَهُ
وَاسْتَوْزَرَ الأَمِيْر إِبْرَاهِيْم أَخَاهُ، وَكَتَبَ
سرَّه ابْنُ عَيَّاشٍ، وَابْن يَخْلَفتنَ الفَازَازِي،
وَوَلِيَ قَضَاءهُ غَيْر وَاحِد. حَارَبَه ابْن غَانِيَة،
وَاسْتَوْلَى عَلَى فَاس. وَخَرَجَ عَلَيْهِ بِالسُّوس
الأَقْصَى يَحْيَى بن الجَزَّارَة، وَاسْتفحل أَمره،
وَهَزَمَ الموحِّدين، مَرَّات، وَكَادَ أَنْ يَملك
المَغْرِب، ثُمَّ قتل. وَيُلَقَّبُ بِأَبِي قصبَة.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتّ مائَةٍ: سَارَ السُّلْطَان
وَحَاصَرَ المَهْدِيَّة أَشْهُراً، وَأَخَذَهَا بِالأَمَان
مِنْ نُوَّاب ابْن غَانِيَة، وَانْحَازَ إِلَى
السُّلْطَانِ أَخُو ابْن غَانِيَة سِيْر، فَاحْتَرَمه.
قَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَلِيٍّ فِي تَارِيْخِهِ:
بَلَغَنِي أَن جُمْلَةَ مَا أَنفقه أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي
هَذِهِ السَّفرَة مائَة وَعِشْرُوْنَ حِمْلاً مِنَ
الذَّهب، وَردّ إِلَى مَرَّاكُش سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ
مائَةٍ، وَفرغت هُدنَة الفِرَنْج، فَعبر السُّلْطَان
بِجُيوشه إِلَى إِشْبِيْلِيَة.
ثُمَّ تَحَرَّك فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائة لجهاد
العدو، فنازل حصنًا لهم، فَأَخَذَهُ، فَسَارَ الفُنْشُ،
فِي أَقَاصي المَمَالِك يَسْتَنفر عُبَّاد الصَّلِيب،
فَاجتمعت لَهُ جُيُوش مَا سُمِعَ بِمِثْلِهَا، وَنجدته
فِرَنْج الشَّام، وَعَسَاكِر قُسْطَنْطِيْنِيَّة، وَملك
أَرغُن البَرْشَلُوْنِيّ، وَاسْتنفر السُّلْطَان أَيْضاً
النَّاس، وَالتَقَى الجَمْعَان، وَتعرف بوقعَة العِقَاب،
فَتحمَّل الفُنْشُ حَملَةً شَدِيْدَة، فَهَزم
المُسْلِمِيْنَ، وَاسْتُشْهِدَ خلق كَثِيْر. وَكَانَ
أَكْبَر أَسبَاب الكسرَة غَضَب الجُنْد مِنْ تَأَخُّرِ
عَطَائِهِم، وَثبت السُّلْطَان ثبَاتاً كُلِّياً، لولاَهُ
لاَستُؤصل جَيْشُه، وَكَانَتِ المَلْحَمَة فِي صَفَرٍ
سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَرجع العَدُوّ بغَنَائِم
لاَ تُوصَفُ، وَأَخَذُوا بيَّاسَة عَنْوَةً، فَإِنَّا للهِ
وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ.
مرض السُّلْطَان أَيَّاماً بِالسكتَة، وَمَاتَ فِي
شَعْبَانَ سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَتْ
أَيَّامه خَمْسَةَ عَشَرَ عَاماً، وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنه
المُسْتَنْصِر يُوْسُف عَشْرَة أَعْوَام. وَيُقَالُ:
تَنَكَّر مُحَمَّد ليلاً، فوقع بع العَسَسُ،
فَانْتظمُوْهُ، بِرمَاحهِم، وَهُوَ يَصيح: أَنَا
الخَلِيْفَة، أنا الخليفة.
(16/247)
ابنه، عبد الواحد:
5650- ابنه:
السُّلْطَانُ المُسْتَنْصِرُ بِاللهِ أَبُو يَعْقُوْبَ
يُوْسُفُ بنُ محمد بن يعقوب المؤمني.
تَمَلَّكَ المَغْرِبَ سَنَةَ عَشْرٍ، وَكَانَ بَدِيْعَ
الحُسْنِ، بليغ المنطق، عارفًا فِي وَادِي اللَّهْو
وَالبطَالَة.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، فَملَّكوهُ وَلَهُ
سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً فَضيَّعُوا أَمر الأُمَّة، وَأُمّه
أُمّ وَلَدٍ، اسْمهَا قَمَر الرُّوْمِيَّة، وَكَانَ
يُشَبَّه بِجدِّه. قَامَ بِبَيعته عِيْسَى بن عَبْدِ
المُؤْمِنِ، فَهُوَ عَمّ جدّه، وَآخِرُ مَنْ تَبقَّى مِنْ
أَوْلاَدِ السُّلْطَانِ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَقَدْ حَيّ
إِلَى حُدُوْدِ العِشْرِيْنَ، فَقَامَ يَوْم البَيْعَة
كَاتِبُ سِرِّهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ عَيَّاشٍ،
وَبَقِيَ يَقُوْلُ لِلأَعيَانِ: تُبَايعُوْنَ أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ ابن أمير المؤمنين على ما بايع
الصَّحَابَةُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِنَ السَّمْعِ وَالطَّاعَة فِي اليُسْرِ
وَالعُسْرِ.
وَخَرَجَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلد العَاضد
بِاللهِ العُبَيْدِيّ المِصْرِيّ الَّذِي هَرَبَ مِنْ
بَنِي أَيُّوْبَ إِلَى المَغْرِب، فَقَامَتْ مَعَهُ
صِنْهَاجَةُ، وَعَظُم البَلاَء بِهِ، وَكثرت جُمُوْعه،
وَكَانَ ذَا سَمْت وَصَمْت وَتَعَبُّد، فَقصَد
سِجِلْمَاسَةَ، فَالتقَاهُ مُتَوَلِّيهَا حَفِيْد عَبْد
المُؤْمِنِ، فانتصر ابن العاضد، ولم يزل ينتقل وَتَكثر
جُمُوْعه، وَلاَ يَتُمّ لَهُ أَمر لِغُربَة بَلَدِهِ،
وَعدم عَشِيرَته، وَلأَنَّ لِسَانَهُ غَيْر لِسَان
البَرْبَرِ، ثُمَّ أَمسكَهُ مُتَوَلِّي فَاسَ وَصَلَبَه.
مَاتَ المُسْتَنْصِر فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، ولم يخلف ولدًا، فملكت الموحدون بعده عن
أبيه عبد الواحد.
5651- عَبْدُ الوَاحِدِ 1:
ابْنُ السُّلْطَانِ يُوْسُفَ ابْنِ السُّلْطَانِ عَبْدِ
المُؤْمِنِ صَاحِب المَغْرِب.
كَانَ شَيْخاً عَاقِلاً، لَكنَّه لَمْ يُدَار القُوَّاد،
فَقَامُوا عَلَيْهِ، وَخَلَعُوْهُ، وَخَنقُوهُ فِي سَنَةِ
إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، فَكَانَتْ دَوْلَته تسعة أشهر.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 95".
(16/248)
عبد الله، صاحب
المغرب:
5652- عَبْدُ اللهِ:
ابْنُ السُّلْطَانِ يَعْقُوْبَ بنِ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ
المُؤْمِنِ القَيْسِيُّ المُلَقَّب بِالملك العَادل.
كَانَ نَائِباً عَلَى الأَنْدَلُس، فَلَمَّا خُنِقَ عَمُّه
عَبْد الوَاحِدِ، ثَارت الفِرَنْج بِالأَنْدَلُسِ،
فَالتقَاهُم العَادلُ، فَانْهَزَمَ جَيْشُهُ، وَفَرَّ هُوَ
إِلَى مَرَّاكُش فِي حَال نَحْسِهِ، فَقَبَضَ الموحدُوْنَ
عَلَيْهِ ثُمَّ بَايَعُوا بالسلطنة يحيى ابن السلطان محمد
ابن يُوْسُفَ لَمَّا بَقَلَ وَجهُهُ، فَجَاءت الأَخْبَار
بِأَنَّ إِدْرِيْس ابْن السُّلْطَان يَعْقُوْب قَدِ
ادَّعَى الخِلاَفَة بإشبيلية، فآل الأمير بيَحْيَى إِلَى
أَنْ طَمِعت فِيْهِ الأَعرَاب وَحَاصرته بِمَرَّاكُش،
وَضجر مِنْهُ أَهْلُهَا، وَأَخْرَجُوهُ فَهَرَبَ
المِسْكِيْن إلى جبل درن، ثُمَّ نَهَضَ مَعَهُ طَائِفَة،
وَأَقْبَلَ وَتَمَكَّنَ، وَطَرَدَ نُوَّاب إِدْرِيْس،
وَقَتَلَ مِنْهُم، وَتَوَثَّب بِالأَنْدَلُسِ ابْن هُوْدٍ
الجُذَامِيُّ، وَدَعَا إِلَى بَنِي العَبَّاسِ، فَمَالَ
إِلَيْهِ النَّاس، فَهَرَبَ إِدْرِيْس، وَعبر إِلَى
مَرَّاكُش، فَالتَقَى هُوَ وَيَحْيَى فَهَزم يَحْيَى،
فَفَر يَحْيَى إِلَى الجَبَلِ، وَكَانَتْ وِلاَيَة العَادل
فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ. وَفِي دَوْلَته كَانَتِ
المَلْحَمَة عِنْد طليطلَة، فَاندكَّ فِيْهَا
المُسْلِمُوْنَ، ثُمَّ فِي الآخَرِ خُنِقَ العَادل،
وَنُهِبَ قَصْرُهُ بِمَرَّاكُش، وَتَمَلَّكَ يَحْيَى بن
مُحَمَّد بنِ يَعْقُوْبَ، فَحَارَبَهُ عَمّه -كَمَا ذكرنا،
ثم قتل.
5653- صاحب المغرب 1:
السُّلْطَانُ الْملك المَأْمُوْنُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ
-كَمَا زَعَمَ- أَبُو العُلَى إِدْرِيْسُ ابْنُ
السُّلْطَانِ المَنْصُوْرِ يَعْقُوْبَ بنِ يُوْسُفَ بنِ
عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ عَلِيٍّ القَيْسِيُّ.
كَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، مَهِيْباً، دَاهِيَةً،
فَقِيْهاً، عَلاَّمَةً، أُصُوْليّاً، نَاظماً، نَاثراً،
وَافر الجَلاَلَة، كَانَ بِالأَنْدَلُسِ مَعَ أَخِيْهِ
العَادل عَبْد اللهِ، فَلَمَّا ثَارت الفِرَنْج عَلَيْهِ
تركَ الأَنْدَلُسَ العَادلُ، وَاسْتخلفَ عَلَى
إِشْبِيْلِيَة إِدْرِيْس هَذَا، وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْر
طَوِيْلَة، ثُمَّ خُطِبَ لَهُ بِالخِلاَفَةِ
بِالأَنْدَلُسِ، ثُمَّ عَدَّى وَغلبَ عَلَى مَرَّاكُش
وَانتزع المُلك مِنْ يَحْيَى بنِ مُحَمَّد ابْنِ عَمِّهِ،
وَالتَقَوا غَيْرَ مَرَّةٍ، ثُمَّ ضَعُف أَمر يَحْيَى،
وَاسْتجَار بِقَوْمٍ فِي حصن مِنْ عَمل تِلِمْسَانَ
فَقُتِلَ غِيْلَةً، وَتَمَكَّنَ إِدْرِيْس، وَكَانَ
جَبَّاراً جَرِيئاً عَلَى الدِّمَاءِ، وأزال ذكر ابن تومرت
من الخطبة.
مَاتَ فِي الغَزْو، فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ، فَملَّكُوا بَعْدَهُ ابْنه الرَّشِيْد، فَبقِي عشر
سِنِيْنَ.
وَلإِدْرِيْس رِسَالَةٌ طَوِيْلَةٌ، أَفصحَ فِيْهَا
بِتَكذِيبِ مَهْدِيِّهم وَضَلاَلِه، نَقلَ ذَلِكَ
المُؤَيَّد فِي تَارِيْخِهِ.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 135".
(16/249)
ابنه، الحاجري:
5654- ابنه 1:
السلطان المقلب بالرشيد عبد الواحد بن المَأْمُوْنِ
إِدْرِيْسَ المُؤْمِنِيُّ.
تَمَلَّكَ، وَتَمَكَّنَ، ثُمَّ أَعَاد الخطبَة بذَكَرَ
المَهْدِيّ المَعْصُوْم ابْن تُوْمَرْت، يَسْتَمِيْل
بِذَلِكَ قُلُوْب الموحِّدين. وَكَانَتْ أَيَّامه عَشْرَة
أَعْوَام. تُوُفِّيَ: غرِيقاً، فِي صهرِيج بُستَان لَهُ
بِمَرَّاكُش، وَكتمُوا مَوْته شَهْراً، ثُمَّ ملَّكوا
أَخَاهُ السَّعِيْد عَلِيّ بن إِدْرِيْسَ؛ الَّذِي قُتل.
غَرِقَ الرَّشِيْد في سنة أربعين وست مائة.
5655- الحاجري 2:
سام الدِّيْنِ عِيْسَى بن سَنْجَر بن بَهْرَامَ بن
جِبْرِيْل الإِرْبِلِيُّ، الشَّاعِر، المُلَقَّب:
بِالحَاجِرِيِّ؛ لإِكثَاره مِنْ ذِكْرِ الحَاجِرِ فِي
شِعْرِهِ، وَ"دِيْوَانُه" مَشْهُوْر.
كَانَ مِنْ أَوْلاَد الجُنْد، وَنَظْمُهُ فَائِقٌ، أَخَذَ
عنه كثيرًا ابن خلكان، وهو القائل:
حَيَّا وَسَقَى الحِمَى سَحَابٌ هَامِي ... مَا كَانَ
أَلذَّ عَامَهُ مِنْ عَامِ
يَا عَلْوَةُ مَا ذَكَرْتُ أَيَّامَكُم ... إِلاَّ
وَتَظَلَّمتُ عَلَى الأَيَّامِ
وَثَبَ عَلَيْهِ شَخْصٌ بَدَّدَ مَصَارِينهُ فِي شَوَّالٍ،
سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ،
بِإِرْبِلَ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِيْنَ سَنَةً.
وَلَهُ:
أَيُّ طَرْفٍ أُحَيْورٍ ... لِلْغَزَالِ الأُسَيْمِرِ
أَيُّهَذَا الأُرَيْبِلِي ... هَامَ فِيكَ الحُوَيْجِرَي
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 208".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 518"،
والنجوم الزاهرة "6/ 290، 291"، وشذرات الذهب "5/ 156".
(16/250)
الأمير السيد،
العبادي:
5656- الأمير السيد 1:
المُسْنِدُ السَّيِّد الأَمِيْر أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَن
ابْن الأَمِيْر السَّيِّد عَلِيِّ ابْنِ المُرْتَضَى أَبِي
الحُسَيْنِ ابن عَلِيِّ العَلَوِيُّ، الحَسَنِيُّ،
البَغْدَادَيُّ.
حَدَّثَ عَنِ: الحَافِظِ مُحَمَّدِ بنِ نَاصِرٍ بِكِتَابِ
"الذُّرِّيَّة الطَّاهرَةِ" وَمَا مَعَهُ
لِلدُّوْلاَبِيِّ. وَكَانَ صَدْراً مُكَرَّماً،
وَسَرِيّاً، مُحْتَشِماً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّد بنُ المُبَارَكِ
المخرمَي شَيْخ لِلْفرضِي، وَالشَّيْخ عِزّ الدِّيْنِ
الفَاروثَيُّ، وَظَهِيْر الدِّيْنِ عَلَي ابْنِ
الكَازرونِيِّ المُؤَرِّخ، وَالعِمَاد إِسْمَاعِيْل ابْن
الطَّبَّالِ، وَالرَّشِيْد بن أَبِي القَاسِمِ. وَآخر
أَصْحَابه بِالإِجَازَةِ: تَقِيّ الدِّيْنِ سُلَيْمَان
الحَاكِم.
وسماعه من ابن ناصر في الخامسة.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ، وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ هِبَة اللهِ بن هِلاَلٍ الدَّقَّاق.
وَهُوَ مِنْ ذُرِّيَّة جَعْفَر بن حَسَنِ ابْنِ السَّيِّد
الحَسَنِ ابنِ الإِمَامِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ
-رَضِيَ الله عنه.
5657- العبادي 2:
شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ العَلاَّمَةُ جَمَالُ الدِّيْنِ
أَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
أَحْمَدَ بنِ عبد الملك ابن عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ
بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ هَارُوْنَ بنِ مُحَمَّدِ
بنِ أَحْمَدَ بنِ مَحْبُوْبِ بنُ الوَلِيْدِ بنِ عُبَادَةَ
بنِ الصَّامِتِ الأَنْصَارِيُّ، العَبَّادِيّ،
المَحْبُوبِيّ، البُخَارِيّ، الحَنَفِيّ.
انْتَهَت إِلَيْهِ مَعْرِفَة المَذْهَبِ، وَكَانَ ذَا
هَيْبَةٍ وَتعبُّدٍ.
تَفقَّه بِالعَلاَّمَة عِمَاد الدِّيْنِ عُمَر بن بَكْرٍ
الزَّرَنْجَرِيّ، عَنْ أَبِيْهِ وَابْنِ مَازَة،
كِلاَهُمَا عَنْ شَمْس الأَئِمَّة السَّرْخَسِيّ، عَنْ
شَمْس الأَئِمَّة الحَلْوَائِيِّ، عَنِ الحُسَيْنِ بنِ
الخَضِرِ النَّسَفِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الكُمَارِيّ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ
الأُسْتَاذ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ
أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ البُخَارِيّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
مُحَمَّد بنِ الحَسَنِ، عَنِ الإِمَامِ أَبِي حَنِيْفَةَ.
نَعَمْ، وَتَفَقَّهَ أَيْضاً بِفَخْرِ الدِّيْنِ حَسَنِ
بنِ مَنْصُوْرٍ قَاضِي خَان، وَسَمِعَ مِنْهُ ومن أبي
المظفر ابن السمعاني.
تَفقه بِهِ خلق، وَسَمِعَ مِنْهُ: سَيْف الدِّيْنِ سَعِيْد
بن مُطَهَّرٍ البَاخَرْزِيّ، وَشَرَف الدِّيْنِ مُحَمَّد
بن مُحَمَّد العَدَوِيّ، وَجَمَال الدِّيْنِ مُحَمَّد بن
مُحَمَّد الحُسَيْنِيّ، وَالعَلاَّمَة حَافِظ الدِّيْنِ
مُحَمَّد بن محمد بن صر البُخَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
تَرْجَمَه لَنَا الفَرَضِيُّ، وَقَالَ: مَاتَ فِي جُمَادَى
الأُوْلَى سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ وله أربع
وثمانون سنة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 281"، وشذرات الذهب لابن
العماد "5/ 135".
2 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 137".
(16/251)
القمي، ابن نقطة:
5658- القمي:
الوَزِيْر الكَبِيْر مُؤَيَّدُ الدِّيْنِ مُحَمَّد بن
مُحَمَّد بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ الكَاتِب.
قَدِمَ بَغْدَادَ وَصَحِبَ ابْنَ القَصَّابِ، ثُمَّ ابْن
مَهْدِيٍّ، فَلَمَّا مَاتَ كَاتِبُ السِّرِّ ابْنُ زبَادَة
رُتِّبَ القُمِّيّ مَكَانه، فَلَمْ يُغَيِّر زِيَّه؛
القَمِيْصَ وَالشَّربوشَ، عَلَى قَاعِدَة العجم، ثم ناب في
الوزَارَة، وَلَمْ يَزَلْ فِي ارْتقَاء حَتَّى إِنَّ
النَّاصِر كتب بِخَطِّهِ: القُمِّيّ نَائِبُنَا فِي
البِلاَد وَالعبَادِ، فَقُرِئَ ذَلِكَ عَاماً، فَلَمَّا
اسْتُخْلِفَ الظَّاهِرُ، رَفَعَهُ، وَحكمه فِي العبَاد.
وَكَانَ كَاتِباً، بَلِيْغاً، مُرتَجلاً، سَائِساً،
وَقُوْراً، جَبَّاراً، شَدِيد الوَطْأَةِ.
نُكِبَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ،
وَسُجِنَ هو وابنه فهلكا سنة ثلاثين.
5659- ابن نقطة 1:
الإِمَامُ العَالِمُ الحَافِظُ المُتْقِنُ الرَّحَّالُ
مُعِيْنُ الدِّيْنِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّد بنُ عَبْدِ
الغَنِيِّ بن أَبِي بَكْرٍ بنِ شُجَاعِ بنِ أَبِي نَصْرٍ
البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ بَعْدَ السَّبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ أَبُوْهُ مِنَ الزُّهَّادِ، فَعُنِيَ أَبُو بَكْرٍ
بِالحَدِيْثِ، وَجَمَعَ، وَأَلَّفَ.
سَمِعَ مِنْ يَحْيَى بنِ بَوْشٍ، وَفَاتَهُ ابْنُ
كُلَيْبٍ، ثُمَّ طَلَبَ فِي سَنَةِ سِتِّ مائَةٍ وَبعدهَا.
وَسَمِعَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ بنِ سُكَيْنَةَ، وَأَبِي
الفَتْحِ المَنْدَائِيِّ، وَابْن طبرزد، وعبد الرزاق
الجيلي، وابن
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 660"،
وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1133"، والنجوم الزاهرة لابن تغرى
بردى "6/ 279"، وشذرات الذهب "5/ 133، 134".
(16/252)
الأَخْضَرِ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ
القُبَّيْطِيّ، وَعِدَّة. وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ عفِيفَة
الفَارفَانِيَة، وَزَاهِر الثَّقَفِيّ، وَالمُؤَيَّد بن
الإِخْوَة، وَأَسَعْد بن رَوْحٍ، وَمَحْمُوْد بن أَحْمَدَ
المُضَرِيّ، وَعَائِشَة بِنْت مُعَمَّر، وَعِدَّة.
وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ مَنْصُوْر الفُرَاوِيّ،
وَالمُؤَيَّد الطُّوْسِيّ، وَزَيْنَب، وَبِحَرَّانَ مِنْ
عَبْدِ القَادِرِ الحَافِظ، وَبِدِمَشْقَ مِنَ الكِنْدِيّ
وَابْن الحَرَسْتَانِيّ، وَبِحَلَبَ مِنَ الافْتِخَار
الهَاشِمِيّ، وَبِمِصْرَ مِنَ الحُسَيْن بنِ أَبِي
الفَخْرِ، وَعَبْدِ القوِيّ بن الجَبَّابِ، وَبِالثَّغْرِ
مِنْ مُحَمَّد بنِ عِمَاد، وَبدَمَنْهُورَ، وَدُنَيْسَرَ،
وَمَكَّة.
وَكَانَ ثِقَةً، حَسَنَ القِرَاءةِ، جَيِّدَ الكتابة،
متثبتًا فيما يقوله، له سمت ووقار، وفيه روع وَصلاَح
وَعِفَّةٌ وَقَنَاعَةٌ.
سُئِلَ عَنْهُ الضِّيَاءُ، فَقَالَ: حَافِظ، ديِّن،
ثِقَةٌ، ذُو مُروءة وَكَرَم.
وَقَالَ البِرْزَالِيُّ: ثِقَةٌ، دَيِّنٌ، مُفِيْدٌ.
قُلْتُ: أَخَذَ عَنْهُ السَّيْف أَحْمَد ابْن المَجْدِ،
وَالمُنْذِرِيّ، وَعَبْد الكَرِيْمِ ابن مَنْصُوْرٍ
الأَثَرِيّ، وَالشَّرَف حُسَيْن الإِرْبِلِيّ، وَأَبُو
الفَتْحِ بنُ عُمَرَ الحَاجِب، وَأَخُوْهُ؛ عُثْمَان،
وَعِزُّ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ
الحَافِظِ، وَابْنه أَبُو مُوْسَى لَيْث، وَالشَّيْخ عِزّ
الدِّيْنِ الفَارُوْثِيّ.
وَأَجَاز لِجَمَاعَة مِنْ مَشَايِخِنَا، مِنْهُم: فَاطِمَة
بِنْت سُلَيْمَان.
وَصَنَّفَ كِتَاب "التَّقييد فِي مَعْرِفَة رُوَاة الكُتُب
وَالمسَانِيْد". وَأَلَّفَ "مُسْتدركاً" عَلَى "الإِكمَال"
لابْنِ مَاكُوْلاَ يَدلّ عَلَى سَعَة مَعْرِفَتِه، قَالَ
فِيْهِ فِي المُبَارَكِي: هُوَ سُلَيْمَان بن مُحَمَّد،
سَمِعَ أَبَا شِهَابٍ الحَنَّاط، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ
الأَمِيْر: هُوَ سُلَيْمَان بن دَاوُدَ فَأَخْطَأَ،
وَأَظُنُّ أَنَّهُ نَقَله مِنْ "تَارِيْخِ الخَطِيْبِ"،
فَإِنَّ الخَطِيْب ذَكَرَهُ فِي "تَارِيْخِهِ" عَلَى
الوَهْمِ أَيْضاً، لَكِن ذَكَرَهُ عَلَى الصَّوَاب فِي
تَرْجَمَةِ أَبِي شِهَابٍ عَبْدِ رَبِّهِ. وَقَالَ
الحَاكِمُ فِي "الكُنَى": أَبُو دَاوُدَ المُبَارَكُ
سُلَيْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ كَنَّاهُ وَسَمَّاهُ لَنَا
عَبْد اللهِ بن مُحَمَّد الإِسْفَرَايِيْنِيّ، سَمِعَ
أَبَا شِهَابٍ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ نُقْطَة: حَدَّثَ عَنِ
المُبَارَك جَمَاعَةٌ فَسَمّوا أَبَاهُ مُحَمَّداً مِنْهُم
خَلَفُ البَزَّار -وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَمُوْسَى بن
هَارُوْنَ، وَعَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ، وَالمَعْمَرِيُّ،
وَإِسْحَاقُ بنُ موسى، وأبو يعلى، وأحمد الصوفي. ثم قال:
وقد أوردنا لكلك رَجُل مِنْهُم حَدِيْثاً فِي كِتَابِنا
الْمَوْسُوم بِـ "الْمُلْتَقط مِمَّا فِي كتب الخَطِيْبِ
وَغَيْرِهِ مِنَ الوَهْمِ وَالغلط".
قُلْتُ: سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ نُقْطَة، فَقَالَ: هِيَ
جَارِيَة عُرفنَا بِهَا، رَبَّت شُجَاعاً جَدَّنَا.
تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ فِي الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ
صَفَرٍ، سَنَة تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائة، كهلًا.
(16/253)
5660- الإوقي
1:
الشَّيْخُ العَالِمُ الزَّاهِدُ العَابِدُ القُدْوَةُ
أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ بنِ
بَدَلٍ العَجَمِيُّ، الإِوَقِيُّ.
أَكْثَر عَنِ: الحَافِظ السِّلَفِيّ، وَعَنْ عَبْدِ
الوَاحِدِ بنِ عَسْكَرٍ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ
الرَّحْبِيّ، وَمُشَرَّف بن المُؤَيَّدِ الهَمَذَانِيّ،
وَالمُفَضَّل بن عَلِيٍّ المَقْدِسِيّ، وَأَقَامَ بِبَيْتِ
المَقْدِس أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ صَاحِبَ
مُجَاهِدَة وَأَحْوَال وَتَأَلُّه وَانقطَاع.
رَوَى عَنْهُ: الضِّيَاء، وَالبِرْزَالِيّ، وَالكَمَال
ابْن الدُّخميسِيّ، وَالكَمَال العَدِيْمِيّ، وَابْنُه
أَبُو المَجْدِ، وَقَاضِي نَابُلُس مُحَمَّد بن محمد بن
صاعد، وَرَضِيّ الدِّيْنِ أَبُو بَكْرٍ القُسَنْطِيْنِيّ،
وَأَبُو المَعَالِي الأبرقوهي.
والإوقي -بِكَسرِ الهمزَةِ: مِنْ أَهْلِ إِوَه بُليدَة
مِنْ أَعْمَالِ العَجَم بِقُرْبِ مَرَاغَةَ، وَأُدْخِلَتِ
القَاف فِي النَّسَبِ بَدلاً مِنَ الهَاء.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ
البِرْزَالِيّ عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ زَاهِد أَهْل
زَمَانِهِ، كَثِيْر التِّلاَوَة وَالعِبَادَة
وَالاجْتِهَاد، مُعرِض عَنِ الدُّنْيَا، صَلِيب فِي
دِيْنِهِ.
قُلْتُ: كَانَ لَهُ أُصُوْل يُحَدِّث مِنْهَا، وَلَهُ
فَهْم وَمَعْرِفَة يَسِيْرَة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَاكِمُ،
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا
السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بنُ مُحَمَّدٍ
المَدِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ القَاضِي إِمْلاَءً سَنَة تِسْعٍ وَأَرْبَع
مائَة، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ العَسْكَرِيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بنُ عُبَيْدٍ
الكُوْفِيّ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا
هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ عَائِشَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: "إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً" 2. تُوُفِّيَ فِي
صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وست مائة، وله ست وثمانون سنة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 135".
2 صحيح: أخرجه البزار "2101" و"2102" كشف الأستار،
والطبراني في "الأوسط" "1475" و"2481"، وأبو نعيم في
"الحلية" "7/ 269"، من حديث عائشة، به.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" "8/ 123"، وقال في إثره:
"رواه البزار، والطبراني في "الأوسط" بأسانيد، وأحد أسانيد
البزار رجاله رجال الصحيح غير علي بن حرب الموصلي، وهو
ثقة".
وورد عن ابن عباس: أخرجه ابن أبي شيبة "8/ 691، 692"،
وأحمد "1/ 269 و272 و303 و309 و313 و327 و332"، وَأَبُو
داود "5011"، والترمذي "2845"، وابن ماجه "3756".=
(16/254)
5661- ابن باقا
1:
الشَّيْخُ الأَمِيْن المُرْتَضَى المُسْنِدُ صَفِيّ
الدِّيْنِ أَبُو بكر عبد العزيز بن أَبِي الفَتْحِ أَحْمَد
بن عُمَرَ بنِ سَالِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ بَاقَا
البَغْدَادِيّ السِّيْبِيُّ الأَصْل الحنبلي التاجر
نَزِيْلُ مِصْر.
وُلِدَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيّ عِدَّة كُتبٍ،
وَأَبِي بَكْرٍ بنِ النَّقُّوْرِ، وعلي ابن عَسَاكِرَ
البَطَائِحِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ أَبِي سَعْدٍ، وَيَحْيَى
بنِ ثَابِتٍ، وَعَبْدِ الحَقِّ اليُوْسُفِيِّ،
وَجَمَاعَةٍ.
وَشَهِدَ عِنْد القُضَاة، وَكَانَ تَالياً لِكِتَابِ
اللهِ، صَدُوْقاً، جَلِيْلاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَة، وَالمُنْذِرِيّ
وَالرَّشِيْد عمر الفارقي، وَدَاوُد بن عَبْدِ القوِيّ،
وَمُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ المَيْدُوْمِيّ، وَمُحَمَّد
بن عَبْدِ المُنْعِمِ الخِيَمِيّ، وَأَخُوْهُ؛
إِسْمَاعِيْل، وَالخَطِيْب عَلِيّ بن نَصْرٍ اللهِ
الصَّوَّاف، ومحمد ابن عبد المنعم بن شهاب المؤدي
وَأَخُوْهُ عِيْسَى، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ القوِيّ بنِ
عَزُّوْنَ، وَمُحَمَّد بن صَالِحٍ الجُهَنِيّ، وَغَازِي
المَشْطُوْبِيّ، وَأَحْمَد ابْنُ الأَغْلاَقِيِّ،
وَإِسْحَاق بن دِرْبَاسٍ، وَوَهْبَان بن عَلِيٍّ
المُؤَذِّن، وَجِبْرِيْل بن الخَطَّابِ، وَجَعْفَر بن
مُحَمَّد الإِدْرِيْسِيّ، وَالبَهَاء عَلِيّ بنِ
القَيِّمِ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ. وَآخِرُ
مَنْ رَوَى عَنْهُ بالإجازة: القاضي تقي الدين سليمان.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَتَبتُ بِخَطِّي عَنْهُ "سُنَنَ
ابْنِ مَاجَه"، وَكَانَ صَدُوْقاً جَلِيْلاً، قرَأَ فِي
الفقه على أبي الفتح بن المَنِّيِّ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فُجَاءةً فِي تَاسِعَ عَشَرَ رمضان، سنة
ثلاثين وست مائة.
__________
=وأبو يعلى "2332" و"2581"، والطبراني "11758-11763"،
والطحاوي "4/ 299"، وأبو الشيخ في "الأمثال" "6" و"7"،
وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" "1/ 355"، والبيهقي "10/
237"، من طرق عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، به.
قلت: سماك في روايته عن عكرمة اضطراب، وورد عن أبي بن كعب:
عند ابن أبي شيبة "8/ 691"، وأحمد "5/ 125"، وابنه في
"زوائد المسند" "5/ 126"، والشافعي "2/ 188"، وعبد الرزاق
"20499"، والطيالسي "556" و"557" والبخاري "6145"، وفي
"الأدب المفرد" "858" و"864"، وأبو داود "5010"، وابن ماجه
"3755"، والدارمي "2/ 296، 297"، والبيهقي "10/ 237".
وورد عن أبي هريرة: عند أبي نعيم في "الحلية" "8/ 309".
وورد عن أبي بكرة: عند الطبراني في "الكبير"، وفي "الأوسط"
وفيه النضر بن طاهر، وهو كذاب.
وورد عن عمرو بن عوف: عند الطبراني في "الكبير"، وفي
"الأوسط"، وفيه كثير بن عبد الله بن عوف، وقد ضعفه
الجمهور، وحسن الترمذي حديثه، وبقية رجاله ثقات.
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1456"، وشذرات الذهب لابن
العماد "5/ 135، 136".
(16/255)
5662- ابن
الجوزي 1:
الشَّيْخُ الفَاضِلُ المُسْنِدُ بَدْرُ الدِّيْنِ أَبُو
القَاسِمِ عَلِيُّ ابْنُ الشَّيْخِ الإِمَامِ أَبِي
الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ
بنِ عَلِيِّ ابْنِ الجَوْزِيِّ البَكْرِيُّ،
البَغْدَادِيُّ، النَّاسخُ.
وُلِدَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ من: أبي الفتح ابن البطي، ويحيى بن ثَابِتٍ،
وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ المُقَرَّبِ،
وَالوَزِيْرِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، وَشُهْدَةَ. وَعَمِلَ
الوعظَ وَقتاً، ثُمَّ تَركَ. وَكَانَ كَثِيْرَ
النَّوَادرِ، حُلوَ الدُّعَابَةِ، لَزِمَ البَطَالَةَ
وَالنَّذَالَةَ مُدَّةً، ثُمَّ لَزِمَ النَّسْخَ وَلَيْسَ
خَطُّهُ جَيِّداً، وَكَانَ مُتَعَفِّفاً يَخدُمُ نَفْسَهُ،
وَيَنَالُ مِنْ أَبِيْهِ، وَرُبَّمَا غلَّ مِنْ كُتُبِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّيْفُ، وَالعِزُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
الحَافِظُ، وَالتَّقِيُّ ابن الوَاسِطِيِّ، وَالكَمَالُ
عَلِيُّ بنُ وَضَّاحٍ، وَأَبُو الفَرَجِ ابْنُ الزَّيْنِ،
وَأَبُو العَبَّاسِ الفَارُوْثِيُّ، وَشَمْسُ الدِّيْنِ
مُحَمَّدُ بنُ هُبَيْرَةَ نَزِيْلُ بِلْبِيْسَ،
وَبِالإِجَازَةِ أَبُو نَصْرٍ ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ،
وَالقَاضِي الحَنْبَلِيُّ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: هُوَ صَحِيْحُ السَّمَاعِ، ثِقَةٌ،
كَثِيْرُ المَحْفُوْظِ، حَسَنُ الإِيرَادِ، سَمِعَ
"صَحِيْحَ الإِسْمَاعِيْلِيِّ" مِنْ يَحْيَى بنِ ثَابِتٍ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَعظَ فِي صِبَاهُ، وَكَانَ
كَثِيْرَ المَيْلِ إِلَى اللَّهْوِ وَالخَلاَعَةِ، فَتركَ
الوعظَ وَاشْتَغَلَ بِمَا لاَ يَجوزُ، وَصَاحَبَ
المُفسدِينَ.
سَمِعْتُ أَبَاهُ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَدْعُو عَلَيْهِ
كُلَّ لَيْلَةٍ وَقتَ السَّحَرِ. وَلَمْ يَزَلْ عَلَى
طَرِيقتِهِ إِلَى آخرِ عُمُرِهِ، وَكَانَ لاَ يقبلُ
صِلَةً، وَيَكْتُبُ فِي اليَوْمِ عَشْرَةَ كَرَارِيْسَ،
وَهُوَ قَلِيْلُ المَعْرِفَةِ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي سَلْخِ رَمَضَانَ، سنة ثلاثين وست مائة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1456"، وشذرات الذهب "5/
137".
(16/256)
5663- ابن
الأثير 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ المُحَدِّثُ الأَدِيْبُ
النَّسَّابَةُ عِزُّ الدِّيْنِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ عَبْدِ
الوَاحِدِ الجَزَرِيُّ الشَّيْبَانِيُّ، ابْنُ الشَّيْخِ
الأَثِيْرِ أَبِي الكَرَمِ، مُصَنِّفِ التَّارِيْخِ
الكَبِيْرِ المُلَقَّبِ بِـ "الكَامِلِ"، وَمُصَنِّفِ
كِتَابِ "مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ".
مَوْلِدُهُ بِجَزِيْرَةِ ابْنِ عُمَرَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ
وَخَمْسِيْنَ، وَنَشَأَ هُوَ بِهَا وَأَخَوَاهُ
العَلاَّمَةُ مَجْدُ الدِّيْنِ وَالوَزِيْرُ ضِيَاءُ
الدِّيْنِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ بِهِم أَبُوْهُم إِلَى
المَوْصِلِ، فَسَمِعُوا بِهَا، وَاشْتَغَلُوا، وَبَرَعُوا،
وَسَادُوا.
سَمِعَ مِنَ: الخَطِيْبِ أَبِي الفَضْلِ الطُّوْسِيِّ،
وَيَحْيَى بنِ مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيِّ، وَمُسْلِمِ بنِ
عَلِيٍّ السِّيْحِيِّ، وَبِبَغْدَادَ، لَمَّا قدِمَهَا
رَسُوْلاً، مِنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ،
وَيَعِيْشَ بنِ صَدَقَةَ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بنِ
سُكَيْنَةَ، وَبِدِمَشْقَ مِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ
صَصْرَى، وَزَينِ الأُمَنَاءِ.
وَكَانَ إِمَاماً، عَلاَّمَةً، أَخْبَارِيّاً، أَديباً،
مُتَفَنِّناً، رَئِيْساً، مُحْتَشِماً، كَانَ مَنْزِلُهُ
مَأْوَى طَلَبَةِ العِلْمِ، وَلَقَدْ أَقْبَلَ فِي آخِرِ
عُمُرِهِ عَلَى الحَدِيْثِ إِقبالاً تَامّاً، وَسَمِعَ
العَالِي وَالنَّازلَ.
وَمِنْ تَصَانِيْفِهِ: "تَارِيخُ المَوْصِلِ" وَلَمْ
يُتِمَّهُ، وَاختَصَرَ "الأَنسَابَ" لِلسمِعَانِيِّ،
وَهَذَّبَهُ.
وقدم الشام رسولاً، فحدث بدمشق وبحلب.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ بَيْتُهُ بِالمَوْصِلِ
مَجْمَعَ الفُضَلاَءِ، اجْتَمَعْتُ بِهِ بِحَلَبَ،
فَوَجَدتُهُ مُكَمَّلاً فِي الفَضَائِلِ وَالتَّوَاضُعِ
وَكرَمِ الأَخْلاَقِ، فَتردَّدْتُ إِلَيْهِ، وَكَانَ
الخَادِمُ أَتَابَك طُغْرِل قَدْ أَكرمَهُ وَأَقْبَلَ
عَلَيْهِ بِحَلَبَ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ،
وَالقُوْصِيُّ، وَمَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ العَدِيْمِ،
وَأَبُوْهُ فِي "تَارِيخِ حَلَبَ"، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ:
أَبُو الفَضْلِ بنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ
القضَائِيُّ.
وَكَانَ يَكتبُ اسْمَهُ كَثِيْراً: "عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدِ
بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ"، وَكَذَا ذَكَرَهُ المُنْذِرِيُّ،
وَالقُوْصِيُّ، وَابْنُ الحَاجِبِ، وَشيخُنَا ابْنُ
الظَّاهِرِيِّ فِي تَخرِيجِهِ لابْنِ العَدِيْمِ،
وَإِنَّمَا هُوَ بِلاَ رَيْبٍ: "عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ" كَمَا هُوَ فِي نسبِ
أَخَوَيْهِ وَابْنِ أَخِيْهِ شَرَفِ الدِّيْنِ، وَكَمَا
ذَكَرَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ، وَابْنُ السَّاعِي، وَشَمْسُ
الدِّيْنِ يُوْسُفُ بن الجوزي.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 460"،
وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1124"، والنجوم الزاهرة لابن تغري
بردي "6/ 281، 282"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 137".
(16/257)
فَأَمَّا الجَزِيْرَةُ المَذْكُوْرَةُ
فَهِيَ مدينَةٌ بَنَاهَا ابْنُ عُمَرَ، وَهُوَ الأَمِيْرُ
عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عُمَرَ البَرْقَعِيدِيُّ، قَالَهُ
ابْنُ خَلِّكَانَ، وَقَالَ أَيْضاً: رَأَيْتُ فِي
"تَارِيخِ ابْنِ المُسْتوفِي" فِي تَرْجَمَةِ أَبِي
السعادات المبارك بن الأَثِيْرِ -يَعْنِي: مَجْدَ
الدِّيْنِ- أَنَّهُ مِنْ جَزِيْرَةِ أَوسٍ وَكَامِلٍ
ابْنَيْ عُمَرَ بنِ أَوْسٍ التَّغْلِبِيِّ.
وَقِيْلَ: بَلْ هِيَ مَنْسُوْبَةٌ إِلَى أَمِيْرِ
العِرَاقِ يُوْسُفَ بنِ عُمَرَ الثَّقَفِيِّ، فَاللهُ
أَعْلَمُ.
قَالَ القَاضِي سَعْدُ الدِّيْنِ الحَارِثِيُّ: تُوُفِّيَ
عِزُّ الدِّيْنِ في الخامس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ،
سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ الجَوْهَرِيِّ:
مَاتَ فِي رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ.
وَقَالَ المُنْذِرِيُّ وَابْنُ خَلِّكَانَ، وَأَبُو
المُظَفَّرِ سِبْطُ الجَوْزِيِّ، وَابْنُ السَّاعِي،
وَابْنُ الظَّاهِرِيِّ: مَاتَ فِي شَعْبَانَ، لَمْ
يُعَيِّنُوا اليَوْمَ، وَقَدْ عَيَّنَهُ الحَارِثِيُّ.
وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَا خطَّهُ تَصْحِيْحاً عَلَى طَبَقَةِ
سَمَاعٍ تَارِيخُهَا فِي نِصْفِ شَعْبَانَ مِنَ السَّنَةِ.
وَفِيْهَا مَاتَ: بَهَاءُ الدِّيْنِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ
أَبِي اليُسْرِ شَاكِرٍِ التَّنُوْخِيُّ الفَقِيْهُ
الكَاتِبُ، وَالحَسَنُ ابْنُ الأَمِيْرِ السَّيِّدِ
عَلِيِّ بنِ المُرْتَضَى العَلَوِيُّ، وَالمُحَدِّثُ
عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَاجِبِ الأَمِينِيُّ،
وَصَاحِبُ إِرْبِلَ مُظَفَّرُ الدِّيْنِ، وَالكَاتِبُ
الشَّاعِرُ شَرَفُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرِ اللهِ
بنِ عُنَيْنٍ، وَالفَقِيْهُ المُعَافَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ
بنِ أَبِي السِّنَانِ المَوْصِلِيُّ، وَالظَّهِيْرُ
يَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ ابْن الدَّامَغَانِيِّ، وَيُوْنُسُ
بنُ سَعِيْدِ بنِ مسافر القطان.
(16/258)
5664- ابن
باتكين 1:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ المُسْنِدُ أَبُو مُحَمَّدٍ
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيِّ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ بَاتكينَ
الجَوْهَرِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: هِبَة اللهِ بنِ هِلاَلٍ، وَأَبِي
المَعَالِي عُمَرَ بنِ علي الصيرفي، وَأَبِي الفَتْحِ ابنِ
البَطِّيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ
المُقَرَّبِ، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ الجَوْهَرِيِّ، وَعُمَرُ بنُ
الحَاجِبِ، وَعِزُّ الدِّيْنِ الفَارُوْثِيُّ، وَابْنُ
النَّجَّارِ، وَجَمَاعَةٌ.
وَأَجَازَ لِلْفَخْرِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَالقَاضِي
الحَنْبَلِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ ابْنِ الشِّيْرَازِيِّ،
وَغَيْرِهِم.
وَمِنْ مَسْمُوْعه "المَغَازِي" لِمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ،
وَ"المَغَازِي" لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: سَمِعْتُ مِنْهُ، وَسَمَاعُه
صَحِيْحٌ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ ثِقَةٌ، صَالِحٌ.
مَاتَ فِي الرَّابِعِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي القعدة، سنة
إحدى وثلاثين وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 286"،
وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 144".
(16/258)
5665- ابن
الزبيدي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الفَقِيْهُ الكَبِيْرُ مُسْنِدُ
الشَّام سِرَاجُ الدِّيْنِ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ
ابنُ أَبِي بَكْرٍ المُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى
بنِ مسلم الربعي، الزَّبِيْدِيُّ الأَصْلِ البَغْدَادِيّ،
البَابْصرِيّ الحَنْبَلِيّ مُدَرِّس مَدْرَسَة الوَزِيْر
عَوْن الدِّيْنِ ابْن هُبَيْرَةَ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ -أَوْ سَنَةَ سِتٍّ- وَأَرْبَعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: جَدِّهِ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ،
وَأَبِي الفُتُوْحِ الطَّائِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ
المَقْدِسِيِّ، وَجَعْفَرِ بنِ زَيْدٍ الحَمَوِيِّ،
وَأَبِي حَامِدٍ الغَرْنَاطِيِّ.
وَأَجَاز لَهُ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ
الخَرَّازُ.
وَرَوَى بِبَغْدَادَ، وَدِمَشْق، وَحَلَبَ. وَكَانَ
إِمَاماً، دَيِّناً، خَيِّراً، مُتَوَاضِعاً، صَادِقاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَالضِّيَاء،
وَالبِرْزَالِيّ، وَسَالِم بن ركَاب، وَنَصْر بن عُبَيْدٍ،
وَابْن أَبِي عُمَرَ، وَالشِّهَاب ابْن الخرزِيّ،
وَالشَّيْخ إِبْرَاهِيْم الأُرْمَوِيّ، وَالمَلِكُ
الحَافِظُ مُحَمَّدٌ الأَيُّوْبِيُّ، وَالشَّيْخ تاج الدين
عبد الرحمن، وَالخَطِيْبانِ: مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُ
الحَرَسْتَانِيِّ وَابْنُ عَبْدِ الكَافِي، وَالمَجْدُ بنُ
المهتَار، وَالفَخْر الكَرَجِيُّ، وَبَدْرٌ الأَتَابَكيُّ،
وَأَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنِيُّ، وَالكَمَال بن قوَام،
وَالعزُّ ابْن الفَرَّاءِ، وَالعِمَاد ابْن السّقَارِيّ،
وَالشَّرَف ابْن عَسَاكِرَ، وَالعِمَاد بن سَعْدٍ،
وَعَلِيّ وَعُمَر وَأَبُو بَكْرٍ؛ بَنُو ابْنِ عَبْدِ
الدَّائِمِ، وَالشَّمْسُ بنُ حَازِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ
أَبِي الذِّكْرِ، وَمُحَمَّد بنُ قَايْمَازَ، وَمُحَمَّدُ
بنُ الطُّبَيْلِ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَعَلِيّ
بن مُحَمَّد الثَّعْلَبِيّ، وَالشِّهَاب بنُ مُشَرِّفٍ،
وَرَشِيْدُ الدِّيْنِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ المُعَلِّمِ،
وَالشِّهَابُ أَحْمَدُ بنُ الشِّحْنَةِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ
الإِسْعَرْدِيِّ، وفاطمة بنت جوهر، وهدية بنت عَسْكَرٍ،
وَسِتُّ الوُزَرَاءِ بِنْتُ المُنَجَّى، وَخَلْقٌ
كَثِيْرٌ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 286"، وشذرات الذهب "5/
144".
(16/259)
قَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ المَجْدِ، قَالَ:
بَقِيَ فِي نَفْسِي عِنْد سَفَرِي مِنْ بَغْدَادَ سَنَةَ
ثَلاَثِيْنَ أنني قادم بِلاَ شَيْخٍ يَرْوِي "صَحِيْح
البُخَارِيِّ" ... ، ثُمَّ إِنَّهُ ذَكَرَ قِصَّةَ ابْنِ
رُوْزْبَةَ، وَأَنَّهُ سَفَّرَهُ سَنَة 626، وَأَعْطَوْهُ
خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً مِنْ عِنْد الْملك الصَّالِح،
فَلَمَّا وَصلَ إِلَى رَأْسِ عَيْنٍ أَرغبُوهُ فَقعدَ
وَحدَّثَهُم بِـ "الصَّحِيْحِ"، ثُمَّ أَرغبوهُ فِي
حَرَّانَ، فَرَوَاهُ لَهُم، ثُمَّ بِحَلَبَ كَذَلِكَ،
وَخوَّفُوهُ مِنْ حِصَار دِمَشْق، فَرَجَعَ إِلَى
بَغْدَادَ، قَالَ: فَأَتَيْتُه وَقَدْ ذَاق الكَسْبَ
فَاشتَطَّ وَاشترطَ أُمُوْراً، فَكَلَّمْنَا ابْنَ
القَطِيْعِيِّ فَاشترطَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَمضيتُ إِلَى
أَبِي عَبْدِ اللهِ ابْنِ الزَّبِيْدِيِّ، وَأَنَا لاَ
أَطمعُ بِهِ، فَقَالَ: نَستخيرُ اللهَ، ثُمَّ قَالَ: لاَ
تُعْلِمْ أَحَداً، وَحَرَّضَهُ عَلَى التَّوَجُّهِ ابْنُهُ
عُمَرُ، وَكَانَ عَلَى الشَّيْخ دَينٌ نَحْوُ سَبْعِيْنَ
دِيْنَاراً، فَرَافقنَاهُ فَكَانَ خَفِيفَ المَؤُوْنَةِ
كَثِيْرَ الاحْتِمَال، حَسَن الصُّحْبَةِ، كَثِيْرَ
الذِّكْرِ، فَنِعْمَ الصَّاحِبُ كَانَ.
قُلْتُ: فَرِحَ الأَشْرَفُ صَاحِبُ دِمَشْقَ بِقُدُوْمِهِ،
وَأَخَذَه إِلَى عِنْدِهِ فِي أَثْنَاء رَمَضَانَ مِنَ
العَامِ، وَسَمِعَ مِنْهُ "الصَّحِيْح" فِي أَيَّامِ
مَعْدُوْدَةٍ، وَأَنْزَله إِلَى دَار الحَدِيْث، وَقَدْ
فُتحت مِنْ نَحْو شَهْر، فَحشدَ النَّاس وَازْدَحَمُوا،
وَسَمِعُوا الكِتَاب، ثُمَّ أَخَذَه أَهْل الْجَبَل،
وَسَمِعُوا مِنْهُ الكِتَاب وَ"مُسْنَد الشَّافِعِيِّ"،
وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَرَدَّ إِلَى بَلَده، فَقَدِمَ
مُتَعَلِّلاً، وَتُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ فِي
الثَّالِثِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ صَفَرٍ، سَنَةَ إِحْدَى
وَثَلاَثِيْنَ وست مائة.
(16/260)
5666- العلبي
1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ الكَبِيْرُ أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا
بن علي بن حسان بن علي بن حُسَيْنٍ البَغْدَادِيُّ
السَّقْلاَطُوْنِيُّ، الحَرِيْمِيُّ، ابْن العُلْبِيِّ
الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ،
وَأَبِي المَعَالِي ابْنِ اللَّحَّاسِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن النَّجَّارِ، وَابْنُ المَجْدِ،
وَأَبُو المُظَفَّرِ ابْنُ النَّابُلُسِيِّ، وَالمَجْدُ
عَبْدُ العَزِيْزِ الخَلِيْلِيّ، وَالتَّقِيّ ابْنُ
الوَاسِطِيِّ، وَالشَّمْسُ ابْنُ الزَّيْنِ، وَالعِمَادُ
إِسْمَاعِيْل ابْن الطَّبَّالِ، وَالشِّهَابُ
الأَبَرْقُوْهِيّ، وَطَائِفَةٌ. وَبِالإِجَازَةِ: الفَخْر
ابْن عَسَاكِرَ، وَالقَاضِي تَقِيّ الدِّيْنِ
الحَنْبَلِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ ابْن الشِّيْرَازِيِّ.
وَكَانَ مِنْ صُوْفِيَّةِ رِبَاطِ الشَّيْخِ أَبِي
النَّجِيْبِ، وَكَانَ سَاكِتاً، لاَ يَكَاد يَتَكَلَّم
إلَّا جَوَاباً.
قَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ المَجْدِ، قَالَ: رَأَيْتُ اسْمَهُ
قَدْ أُلْحِقَ فِي طَبَقَةِ "مُسْنَدِ عَبْدٍ"، وَقَدْ
كَانَ في الآخر يطب عَلَى السَّمَاع أَجراً، وَيُصرِّح
بِهِ، فَسَمِعَ عَلَيْهِ جَمَاعَة كِتَابَ "الدَّارِمِيّ"،
وَكِتَاب "ذَمِّ الكَلاَمِ"، وَعِنْد إِنْهَائِهِ،
قَالُوا: قَدْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَى غَدٍ
وَنُعْطِيَكَ، ثُمَّ لَمْ يَعُوْدُوا إِلَيْهِ! فَكَانَ
يَشتمهُم، وَيَنَال مِنْهُم.
قُلْتُ: مَاتَ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ،
سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائة.
ومن مسموعاته "المائَةُ الشُّرَيْحِيَّةُ" وَالثَّانِي
مِنْ حَدِيْثِ مَجَّاعَة، سَمِعَهُ من ابن اللحاس.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 286"، وشذرات الذهب "5/
144".
(16/260)
همام، وابنه، وحفيده:
5667- همام:
ابن راجي الله بن سرايا بن فتوح، المُحَدِّثُ الفَقِيْهُ
جَلاَل الدِّيْنِ أَبُو العزَائِم العَسْقَلاَنِيّ ثُمَّ
المِصْرِيّ الشَّافِعِيّ النَّحْوِيّ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ، بِصَعِيدِ مِصْرَ.
وَتَأَدب بِابْنِ بَرِّيٍّ، وَقرَأَ عِلمَ الأَصْلَيْنِ
عَلَى: ظَافِرِ بنِ الحُسَيْنِ، وَتَفَقَّهَ ببغداد على:
ابن فضلان، ومحمود ابن المُبَارَكِ. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي
سَعْدٍ بنِ حمويَه، وَابْن كُلَيْبٍ. وَدرس، وَأَفتَى،
وَاشْتُهِرَ.
رَوَى عَنْهُ الزَّكِيّ المُنْذِرِيّ، وَابْن النَّجَّارِ،
وَالأَبَرْقُوْهِيّ، وَغَيْرهُم.
تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ.
5668- وابنه:
هُوَ الشَّيْخُ نُوْر الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ هُمَامٍ
إِمَام جَامِع الصَّالِحِ بنِ رُزِّيْكٍ بِالشَّارعِ، مِنْ
أعيان العلماء.
5669- وحفيده:
هُوَ العَلاَّمَةُ تَاج الدِّيْنِ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ،
حَدَّثَ عَنِ النَّجِيْب الحَرَّانِيّ: أَخَذَ عَنْهُ
القُطْب، وَغَيْرهُ. وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي سَنَةِ
ثَلاَثَ عَشْرَةَ وسبع مائة.
(16/261)
ونافلته، المازني،
ابن عنين:
5670- ونافلته 1:
هُوَ الإِمَامُ البَارِعُ تَقِيّ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ مُصَنِّفُ كِتَابِ سِلاَحِ
المُؤْمِنِ فِي الدُّعَاءِ كَهْلٌ يَؤُمُّ -كَأَبِيْهِ-
بِالجَامِعِ المَذْكُوْرِ. حَدَّثَ عَنِ
الأَبَرْقُوْهِيِّ، وَغَيْرِهِ وَهُوَ بَاقٍ.
5671- المَازِنِيُّ 2:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ المُعَمَّرُ أَبُو الغَنَائِمِ
المُسَلَّمُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ
المَازِنِيُّ النَّصِيْبِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ،
وَيَعْرِف فِي وَقْتِهِ بِخَطِيْب الكتَانِ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الحَسَنِ
الدَّارَانِيِّ، وَالصَّائِنِ هِبَةِ اللهِ وَأَخِيْهِ
الحَافِظِ أَبِي القَاسِمِ. وَسَمِعَ بِالثَّغْرِ مِنْ
أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ فِيْمَا ذُكِرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء،
وَالقُوْصِيّ، وَأَبُو المُظَفَّرِ ابْن النَّابُلُسِيّ،
وَأَبُو حَامِدٍ ابْن الصَّابُوْنِيّ، وَأَبُو الفَضْلِ
ابْن عَسَاكِرَ، وَالخَضِرُ بن عَبْدَان، وَمُحَمَّد بن
يُوْسُفَ الذَّهَبِيّ، وَفَاطِمَة بِنْت سُلَيْمَان،
والشيخ علي بن هَارُوْنَ، وَعِدَّة. وَبِالإِجَازَةِ
القَاضِي الحَنْبَلِيّ، وَالفَخْر ابْن عَسَاكِرَ، وَأَبُو
نَصْرٍ ابْن الشِّيْرَازِيّ المِزِّيّ.
وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يَخدمُ فِي المَكْسِ، ثُمَّ
تَرَكَ ذَلِكَ، وَحَسُنَتْ حَالُهُ، وَلَزِمَ البَيْت
وَالجَامِعَ، وَبَاع ملكه، وَافتقر. حَدَّثَ بِالكَثِيْرِ.
وَقَدْ سَمِعَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ،
وَتَفَرَّد.
تُوُفِّيَ فِي الثَّامن وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ
الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وست مائة.
5672- ابن عنين 3:
الصَّاحب الرَّئِيْس الأَدِيْب شَاعِر وَقته شَرَف
الدِّيْنِ مُحَمَّد بن نَصْرِ اللهِ بن مَكَارِمَ بن
حَسَنِ بنِ عُنَيْنٍ الأَنْصَارِيّ، الدِّمَشْقِيّ،
الزُّرَعِيُّ.
مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ عَنْ إِحْدَى
وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَسَمِعَ مِنَ: الحَافِظ ابْن عَسَاكِرَ، وَكَانَ مِنْ
فُحُوْل الشُّعَرَاء وَلا سِيمَا فِي الهَجْوِ، وَكَانَ
علاَمَةً يَسْتَحضِرُ "الجَمْهَرَة". وَقَدْ دَخَلَ إِلَى
العَجَمِ وَاليَمَن، وَمدح المُلُوْك، وَكَانَ قَلِيْلَ
الدِّينِ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "10/ 146"، وشذرات الذهب "6/
144".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 287"، وشذرات الذهب "5/
147".
3 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 282 و292، 293"، وشذرات
الذهب "5/ 140-143".
(16/262)
5673- السيف
1:
العَلاَّمَةُ المُصَنِّفُ فَارِسُ الكَلاَمِ سَيْفُ
الدِّيْنِ عَلِيُّ بن أبي علي بن محمد بن سالم
التَّغْلِبِيُّ، الآمِدِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، ثُمَّ
الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقرَأَ بِآمِدَ القِرَاءاتِ عَلَى عَمَّارٍ الآمِدِيِّ،
وَمُحَمَّدٍ الصَّفَّارِ. وَتَلاَ بِبَغْدَادَ عَلَى ابْنِ
عَبِيْدَةَ. وَحَفِظَ "الهِدَايَةَ"، وَتَفَقَّهَ عَلَى
ابْنِ المَنِّيِّ. وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ شَاتيل،
وَغَيْرِهِ، ثُمَّ صَحِبَ ابْن فَضْلاَنَ، وَاشْتَغَل
عَلَيْهِ فِي الخلاَف. وَبَرَعَ، وَحَفِظَ طَرِيقَةَ
الشَّرِيْفِ، وَنظرَ فِي طَرِيقَةِ أَسْعَدَ
المِيْهَنِيِّ، وَتَفنَّنَ فِي حِكْمَةِ الأَوَائِلِ،
فَرقَّ دِينُه وَاظلَمَّ، وَكَانَ يَتَوَقَّدُ ذَكَاءً.
قَالَ عَلِيُّ بنُ أَنْجَبَ فِي "أَسْمَاءِ
المُصَنِّفِيْنَ": اشْتَغَل بِالشَّامِ عَلَى المُجِيْرِ
البَغْدَادِيِّ، ثُمَّ وَردَ إِلَى بَغْدَادَ وَاشْتَغَل
بِـ "الشِّفَاءِ" وَبِـ "الشَّامِلِ" لأَبِي المَعَالِي،
وَحَفِظَ عِدَّةَ كُتُبٍ وَكرَّر عَلَى "المُسْتَصْفَى"،
وَتَبَحَّرَ فِي العُلُوْمِ، وَتَفَرَّدَ بِعِلْمِ
المَعْقُوْلاَتِ وَالمَنْطِقِ وَالكَلاَمِ، وَقَصَدَهُ
الطُّلاَّبُ مِنَ البِلاَد، وَكَانَ يُوَاسيهِم بِمَا
يَقدرُ، ويفهم الطلاب، ويطول روحه.
قُلْتُ: ثُمَّ أَقرَأ الفَلْسَفَة وَالمَنْطِقَ بِمِصْرَ
بِالجَامِعِ الظَّافرِيِّ، وَأَعَادَ بِقُبَّةِ
الشَّافِعِيِّ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، ثُمَّ قَامُوا
عَلَيْهِ، وَرَمَوْهُ بِالانْحِلاَلِ، وَكتبُوا مَحضراً
بِذَلِكَ.
قَالَ القَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ: وَضَعُوا خُطُوطَهُم
بِمَا يُسْتَباح بِهِ الدَّمُ، فَخَرَجَ مُستخفِياً،
وَنَزَلَ حَمَاةَ. وَأَلَّف فِي الأَصْلَيْنِ،
وَالحِكْمَةِ المشؤومَةِ، وَالمَنْطِقِ، وَالخلاَفِ،
وَلَهُ كِتَابُ "أَبكَارِ الأَفكَارِ" فِي الكَلاَمِ،
وَ"مُنتهَى السُّولِ فِي الأُصُوْلِ" وَ"طرِيقَةٌ" فِي
الخلاَفِ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِيْنَ تَصنِيفاً. ثُمَّ
تَحَوَّلَ إِلَى دِمَشْقَ، وَدرَّس بِالعَزِيْزِيَّةِ
مُدَّة، ثُمَّ عُزِلَ عَنْهَا لِسَبَبٍ اتَّهُم فِيْهِ،
وَأَقَامَ بَطَالاً فِي بَيْته.
قَالَ: وَمَاتَ فِي رَابِعِ صَفَرٍ، سَنَةَ إِحْدَى
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَقَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ
مَنْ يُجَارِيه فِي الأَصْلَيْنِ وَعِلمِ الكَلاَمِ،
وَكَانَ يَظهرُ مِنْهُ رِقَّةُ قَلْبٍ وَسُرعَةُ دَمعَةٍ،
أَقَامَ بِحَمَاةَ، ثُمَّ بِدِمَشْقَ. وَمِنْ عَجِيبِ مَا
يُحَكَى عَنْهُ أَنَّهُ مَاتَتْ لَهُ قِطَّةٌ بِحَمَاةَ،
فَدَفَنَهَا، فَلَمَّا سَكَنَ دِمَشْقَ بَعَثَ، وَنَقَلَ
عِظَامَهَا في كيس، ودفنها بقاسيون.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 432"،
والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 285" وشذرات الذهب
لابن العماد "5/ 144، 145".
(16/263)
قَالَ: وَكَانَ أَوْلاَدُ العَادِلِ
كَلُّهُم يَكْرَهُوْنَه؛ لِمَا اشْتُهِرَ عَنْهُ مِنْ
عِلْمِ الأَوَائِلِ وَالمَنطِقِ، وَكَانَ يَدخُلُ عَلَى
المُعَظَّمِ فَلاَ يَتَحَرَّكُ لَهُ، فَقُلْتُ: قُمْ لَهُ
عِوضاً عَنِّي، فَقَالَ: مَا يَقبَلُه قَلْبِي. وَمَعَ ذَا
وَلاَّهُ تَدرِيس العَزِيْزِيَّةِ، فَلَمَّا مات
أَخْرَجَهُ مِنْهَا الأَشْرَفُ، وَنَادَى فِي المَدَارِسِ:
مَنْ ذَكَرَ غَيْرَ التَّفْسِيْرِ وَالفِقْهِ، أَوْ
تَعرَّض لِكَلاَمِ الفَلاَسِفَةِ نَفَيْتُهُ، فَأَقَامَ
السَّيْف خَامِلاً فِي بَيْتِه إِلَى أَنْ مَاتَ، وَدُفِنَ
بِتُربته بِقَاسِيُوْن.
قُلْتُ: أَخَذَ عَنْهُ القَاضِيَان ابْن سَنِيِّ
الدَّوْلَة صَدْر الدِّيْنِ، وَمُحْيِي الدِّيْنِ ابْن
الزَّكِيِّ.
وَكَانَ القَاضِي تَقِيّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ بنُ
حَمْزَةَ يَحكِي عَنْ شَيْخه ابْنِ أَبِي عُمَرَ، قَالَ:
كُنَّا نَتردَّدُ إِلَى السَّيْفِ، فَشَكَكنَا هَلْ
يُصَلِّي أَمْ لاَ? فَنَام، فَعَلَّمْنَا عَلَى رِجْلِهِ
بِالحِبْرِ فَبَقِيَتِ العَلاَمَةُ يَوْمَيْنِ مَكَانَهَا،
فَعَلِمْنَا أَنَّهُ مَا تَوَضَّأَ، نَسْأَلُ اللهَ
السَّلاَمَةَ فِي الدِّيْنِ!
وَقَدْ حَدَّثَ السَّيْفُ بِـ "الغَرِيْبِ" لأَبِي
عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي الفَتْحِ بنِ شَاتيل.
قَالَ لِي شَيْخنَا ابْنُ تَيمِيَةَ: يَغلِبُ عَلَى
الآمِدِيِّ الحِيرَةُ وَالوَقف، حَتَّى إِنَّهُ أَوْرَدَ
عَلَى نَفْسِهِ سُؤَالاً فِي تَسَلسُلِ العِلَلِ، وَزَعَمَ
أَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ عَنْهُ جَوَاباً، وَبَنَى إِثْبَاتَ
الصَّانعِ عَلَى ذَلِكَ، فَلاَ يُقَرِّرُ فِي كُتُبِه
إِثْبَاتَ الصَّانعِ، وَلاَ حُدوثَ العَالَمِ، وَلاَ
وجدانية الله، وَلاَ النّبوَات، وَلاَ شَيْئاً مِنَ
الأُصُوْل الكِبَارِ.
قُلْتُ: هَذَا يَدلّ عَلَى كَمَال ذِهنِه، إِذْ تَقرِير
ذَلِكَ بِالنَّظَرِ لاَ يَنهض، وَإِنَّمَا يَنهض
بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَبِكُلٍّ قَدْ كَانَ السَّيْفُ
غَايَةً، وَمَعْرِفَتُه بِالمَعْقُوْل نِهَايَةً، وَكَانَ
الفُضَلاَءُ يَزْدَحِمُوْنَ فِي حَلْقَتِهِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبْدِ السَّلاَمِ
يَقُوْلُ: مَا سَمِعْتُ مَنْ يُلقِي الدرس أحن من السيف،
كأنه يخطب، وكان يعظمه.
وَمَاتَ فِي السَّنَةِ أَكَابِر مِنْهُم: الأَمِيْرُ
الكَبِيْرُ صَلاَحُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
السَّيِّدِ الإِرْبِلِيُّ الحَاجِبُ، وَلَهُ نَظْمٌ
رَائِقٌ. وَالشَّرَفُ أَحْمَدُ بنُ محمد ابن
الصَّابُوْنِيِّ، وَنَجْمُ الدِّيْنُ ثَابِتُ بنُ تَاوَانَ
التّفْلِيْسِيُّ، وَزَكَرِيَّا بنُ عَلِيٍّ العُلْبِيُّ،
وَالمُصَنِّفُ رَضِيُّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ بنُ
مُظَفَّرٍ الجِيْلِيُّ الشَّافِعِيُّ بِبَغْدَادَ،
وَالقُدْوَةُ الشيخ عبد الله بن يونس الارموي الزاهد
بِسَفْحِ قَاسِيُوْنَ، وَأَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَسَاكِرَ، وَشَيْخُ القُرَّاءِ
الزَّاهِدُ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ يُوْسُفَ
القُرْطُبِيُّ صَاحِبُ الشَّاطِبِيِّ، وَمُحَدِّثُ
بُخَارَى أَبُو رَشِيْدٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ
الغَزَّالُ الأَصْبَهَانِيُّ، وَمُدَرِّسُ
المُسْتَنْصِرِيَّةِ مُحْيِي الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ
يَحْيَى بنِ فَضْلاَنَ الشَّافِعِيُّ -وَقَدْ وَلِيَ
قَضَاءَ القُضَاةِ قَلِيْلاً، وَأَبُو الفُتُوْحِ نَاصِرُ
بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الأَغْمَاتِيُّ، وَشَيْخُ الطِّبِّ
رَضِيُّ الدِّيْنِ يُوْسُفُ بنُ حَيْدَرَةَ الرَّحْبِيُّ
أَحَدُ المُصَنِّفِيْنَ، -وَلَهُ سَبْعٌ وَتِسْعُوْنَ
سَنَةً، وَمُسْنِدُ الوَقْتِ أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنُ
الزَّبِيْدِيِّ، وَالمُسَلَّمُ بنُ أَحْمَدَ المازني.
(16/264)
رتن، ابن الفارض:
5674- رتن 1 م:
الهِنْدِيُّ، شَيْخٌ كَبِيْرٌ مِنْ أَبْنَاءِ
التِّسْعِيْنَ.
تَجَرَّأَ عَلَى اللهِ، وَزَعَمَ بِقِلَّةِ حَيَاءِ
أَنَّهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّهُ ابْن سِتِّ مائَةِ
سَنَةٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، فَرَاجَ أَمرُهُ عَلَى مَنْ
لاَ يَدْرِي.
وقد أفردته في "جزء"، وهتكت باطله.
بَلَغَنِي أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ
اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَأَنَّ ابْنَه
مَحْمُوْداً بَقِيَ إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِ مائَةٍ،
فَمَا أَكْثَر الكذب وأروجه!
5675- ابن الفارض 2:
شَاعِرُ الوَقْتِ شَرَفُ الدِّيْنِ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ
مُرْشِدٍ الحَمَوِيُّ ثُمَّ المِصْرِيُّ، صَاحِب
الاتِّحَادِ الَّذِي قَدْ مَلأَ بِهِ التَّائِيَّةَ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، وَلَهُ سِتٌّ
وَخَمْسُوْنَ سَنَةً.
رَوَى عن القاسم بن عَسَاكِرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: المُنْذِرِيّ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي
تِلْكَ القصيدَة صرِيح الاتِّحَاد الَّذِي لاَ حِيْلَة فِي
وُجُوْدِه، فَمَا فِي العَالِمِ زَنْدَقَةٌ وَلاَ ضَلاَلٌ،
اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا التَّقْوَى، وَأَعِذْنَا مِنَ
الهوى فيا أئمة الدين إلَّا تغضبون الله?! فلا حول ولا قوة
إلَّا بالله.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، وَقَدْ حَجَّ وَجَاورَ،
وَكَانَ بِزَنق الفَقْر. وَشعره فِي الذِّرْوَةِ، لاَ يلحق
شأوه.
__________
1 ترجمته في ميزان الاعتدال "2/ ترجمة 2759"، ولسان
الميزان "2/ ترجمة 1838".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 500"،
والنجوم الزاهرة "6/ 288-290"، وشذرات الذهب "5/ 149-153".
(16/265)
ابن زينة، ابن
غانية، الرضي الجيلي:
5676- ابن زينة:
الحَافِظُ مُفِيْد أَصْبَهَان أَبُو غَانِمٍ مُهَذَّبُ بنُ
حُسَيْنِ ابنِ أَبِي غَانِمٍ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بن
الحسن ابن زِينَة.
كَهل، عَالِم، مُحَدِّث. سَمِعَ: أَبَاهُ؛ أَبَا ثَابِتٍ،
وَأَبَا مُوْسَى الحَافِظ، وَأَبَا الفَتْح الخِرَقِيّ،
وَأَحْمَد بن يَنَالَ، وَأَكْثَر عَنْ أَصْحَابِ
الحَدَّادِ.
رَوَى عَنْهُ البِرْزَالِيّ، وَغَيْرهُ.
وَأَجَاز لِلْقَاضِي الحَنْبَلِيّ، فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ.
5677- ابْنُ غَانِيَةَ:
صَاحِبُ المَغْرِبِ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ
إِسْحَاقَ بن حمو الصنهاجي الميورقي أخو علي ابن غَانِيَة
المُتَوَثِّبِ عَلَى آلِ عَبْد المُؤْمِنِ بِمَيُوْرْقَةَ
فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. ثُمَّ خَلفه
أَبُو زَكَرِيَّا، فَامتدت أَيَّامه. وَكَانَ فَارِساً
شُجَاعاً سائسًا، استولى على عدة مَدَائِن، وَخَطَبَ
لِبَنِي العَبَّاسِ، وَبَعَثَ لَهُ النَّاصِر الخِلَعَ
وَالتَّقليد، وَعَاشَ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ
وست مائة عن سن عالية.
5678- الرضي الجيلي:
الإِمَامُ العَلاَّمَةُ رَضِيّ الدِّيْنِ أَبُو دَاوُدَ
سُلَيْمَانُ بنُ مُظَفَّرِ بنِ غَنَائِمَ الجِيْلِيُّ،
الشَّافِعِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
تَفقَّه بِالنِّظَامِيَّةِ، وَدرَّسَ، وَأَفتَى،
وَصَنَّفَ، وَبَرَعَ فِي المَذْهَب وَغوَامضِه،
وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَاب، نُدِبَ إِلَى مَشْيَخَةِ
الرِّبَاطِ الكَبِيْر، فَامْتَنَعَ، وَكَانَ مُلاَزِماً
لِبَيْتِه، مُقْبِلاً عَلَى شَأْنه، وَقِيْلَ: إِنَّهُ
طُلِبَ لِلْقَضَاء، فَامْتَنَعَ.
قَالَ القَاضِي شَمْس الدِّيْنِ ابْنُ خلكان: كان من أكابر
فضلاء عصره، صف فِي الفِقْهِ كِتَاباً يَكُوْنُ خَمْسَ
عَشْرَةَ مُجَلَّدَةً، وَعُرِضَتْ عَلَيْهِ المَنَاصِبُ
فَلَمْ يَفْعَلْ، وَكَانَ دَيِّناً، نَيَّفَ عَلَى
السِّتِّيْنَ.
تُوُفِّيَ فِي ثَانِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ
إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، رحمه الله.
(16/266)
ابن الحاجب، الرحبي:
5679- ابن الحاجب 1:
المُحَدِّثُ البَارِعُ مُفِيْدُ الطَّلَبَةِ عِزُّ
الدِّيْنِ عُمَرُ بن محمد بن منصور الأميني،
الدِّمَشْقِيّ، ابْنُ الحَاجِبِ الجُنْدِيُّ، صَاحِبُ
"المُعْجَمِ الكَبِيْرِ"، مِنْ أَذْكِيَاءِ الطَّلَبَةِ،
وَأَشَدِّهِم عِنَايَةً.
سَمِعَ: هِبَةَ اللهِ بنَ طَاوُوْسٍ، وَمُوْسَى بنَ عَبْدِ
القَادِرِ، وَالمُوَفَّقَ، وَالفَتْحَ، وَطَبَقَتَهُم،
وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَصَنَّفَ وَلَمْ يَبلُغِ
الأَرْبَعِيْنَ.
سَمِعَ مِنْهُ أَبُو حَامِدٍ ابْنُ الصَّابُوْنِيِّ
وَجَمَاعَة.
قَرَأْتُ بِخَطِّ الحَافِظِ الضِّيَاءِ: وَفِي شَعْبَانَ
سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ تُوُفِّيَ صَاحِبُنَا
الشَّابُّ الحَافِظُ ابْنُ الحَاجِبِ. قَالَ: وَكَانَ
دَيِّناً، خيرًا، ثبتًا، متيقظًا.
5680- الرحبي:
البَارِعُ العَلاَّمَةُ إِمَامُ الطِّبِّ رَضِيُّ
الدِّيْنِ يُوْسُفُ بنُ حَيْدَرَةَ بنِ حَسَنٍ
الرَّحْبِيُّ، الحَكِيْمُ.
كَانَ أَبُوْهُ كَحَّالاً مِنْ أَهْلِ الرَّحبَةِ،
فَوُلِدَ لَهُ يُوْسُفُ بِالجَزِيْرَةِ العُمَرِيَّةِ،
وَأَقَامَ بِنَصِيْبِيْنَ مُدَّة وَبِالرَّحْبَة، ثُمَّ
قَدِمَا دِمَشْقَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ يُوْسُفُ عَلَى الدَّرسِ
وَالنَّسخِ وَمُعَالَجَةِ المَرْضَى، وَلاَزَمَ
المُهَذَّبَ ابْنَ النَّقَّاشِ، وَبَرَعَ، فَنَوَّهَ
المُهَذَّبُ بِاسْمِهِ، وَحَسُنَ مَوقِعُهُ عِنْدَ
السُّلْطَان صَلاَحِ الدِّيْنِ، وَقَرَّرَ لَهُ
ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً عَلَى القَلْعَةِ
وَالبيمَارستَانِ، وَاسْتمرَّتْ عَلَيْهِ حَتَّى
نَقَّصَهَا المُعَظَّمُ، وَلَمْ يَزَلْ مُبَجَّلاً فِي
الدَّوْلَةِ. وَكَانَ رَئِيْساً عَالِيَ الهِمَّةِ،
كَثِيْرَ التَّحْقِيْقِ، فِيْهِ خَيْرٌ وَعدمُ شَرٍّ
تَصَدَّرَ لِلإِفَادَةِ، وَخَرَّجَ لَهُ عِدَّةُ أطباء
كبار.
وَمِمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ المُهَذَّبُ الدّخوَار.
قَالَ ابْنُ أَبِي أُصَيْبِعَةَ فِي "تَارِيْخِهِ":
حَدَّثَنِي رَضِيُّ الدِّيْنِ الرَّحْبِيُّ، قَالَ:
جَمِيْع مَنْ قرَأَ عَلَيَّ سُعِدُوا، وَانتفعَ النَّاسُ
بِهِم، وَكَانَ لاَ يُقرِئُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ
الذِّمَّةِ. بَلَى، قرَأَ عَلَيْهِ مِنْهُم عِمْرَانُ
اليَهُوْدِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ السَّامِرِيُّ تَشَفَّعَا
إِلَيْهِ، وَكُلّ مِنْهُمَا بَرَعَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي أُصَيْبِعَةَ: قَرَأْت عَلَيْهِ فِي
سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ كُتُباً،
وَانتَفَعتُ بِهِ، وَكَانَ مُحِبّاً لِلتِّجَارَةِ
مُغْرَىً بِهَا، وَيُرَاعِي مِزَاجَهُ، وَلاَ يَصعَدُ فِي
سُلَّمٍ، وَلَهُ بُستَانٌ، وَكَانَ الوَزِيْرُ ابْنُ
شُكْرٍ يَلزمُ أَكلَ الدَّجَاجِ حَتَّى شَحَبَ لَونُه،
فَقَالَ لَهُ الرَّضِيُّ: الزمْ لَحمَ الضَأْنِ. فَفَعَل،
فَظَهَرَ دَمُهُ.
مَاتَ يَوْم عَاشُورَاءَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً،
وَخَلَّف ابْنَيْنِ طَبِيْبَيْنِ شرف الدين عليًا، وجمال
الدين عثمان.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 137، 138".
(16/267)
5681- ابن صباح
1:
الشَّيْخُ العَالِمُ الجَلِيْلُ المُسْنِدُ الأَمِيْنُ
نُشوءُ الْملك أَبُو صَادِقٍ الحَسَنُ بنُ يَحْيَى بنِ
صَبَّاحِ بنِ حُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ المَخْزُوْمِيُّ،
المِصْرِيُّ، الكَاتِبُ، أَحَدُ شُهُوْدِ الخزَانَةِ
بِدِمَشْقَ.
مَوْلِدُهُ بِمِصْرَ فِي زُقَاقِ بَنِي جُمَحَ فِي عَاشرِ
جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
وسمع من: عَبْدِ اللهِ بنِ رِفَاعَة الفَرَضِيّ أَرْبَعَةَ
عَشَرَ جُزْءاً مِنَ "الخِلَعِيَّاتِ"، وَأَجَاز لَهُ،
وَهُوَ خَاتِمَة أَصْحَابِهِ، وَمَا سَمِعَ مِنْ غَيْرِه.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ،
وَالبِرْزَالِيّ، وَابْن النَّابُلُسِيّ، وَوَلَده عَلِيّ
بن صَبَّاحٍ، وَالخَطِيْبُ مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُ
الحَرَسْتَانِيِّ، وَأَبُو اليُمْنِ ابْنُ عَسَاكِرَ،
وَابْنُ عَمِّهِ أَبُو الفَضْلِ، وَشَيْخُ العَرَبِيَّة
جَمَالُ الدِّيْنِ ابْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو الحُسَيْنِ
ابْنُ اليُوْنِيْنِيِّ، وَالعِزُّ ابْنُ الفَرَّاءِ،
وَالعِزُّ ابْنُ العِمَادِ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَايْمَازَ
الدَّقِيْقِيُّ، وَالعِمَادُ بنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ
أَبِي الذِّكْرِ، وَعَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ
سُلْطَانَ الحنفي، وخلق، آخرهم موتًا الشهاب بن شرف
البَزَّازُ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: هُوَ شَيْخٌ ثِقَةٌ، وَقُورٌ،
مُكْرِمٌ لأَهْلِ الحَدِيْثِ، كَثِيْرُ التَّوَاضُعِ.
قَالَ لِي: إِنَّهُ يَبْقَى سِتَّةَ أَشْهُرٍ لاَ يشرب
ماء. قلت: فتركته لمعنى? لاَ أَشتَهِيهِ.
قَرَأْتُ بِخَطِّ الضِّيَاءِ الحَافِظِ: تُوُفِّيَ شيخنا
أبو صادق، وحمل إلى الجبل الجُمُعَةِ، سَادِسَ عَشَرَ
رَجَبٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ: وَكَانَ خَيِّراً، قَلَّ مَنْ رَأَيْتُ إلَّا
وَيَشكُرُه، وَيُثنِي عَلَيْهِ، رَحِمَهُ اللهُ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 292"، وشذرات الذهب لابن
العماد "5/ 148".
(16/268)
5682-
السهروردي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِم القُدْوَة الزَّاهِد
العَارِف المُحَدِّث شيخ الإسلام أوحد الصُّوْفِيَّة
شِهَابُ الدِّيْنِ أَبُو حَفْصٍ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ
عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
عَبْدِ اللهِ -وَهُوَ عمويه- بن سَعْدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ
القَاسِمِ بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله ابن فقي
المَدِيْنَةِ وَابْنِ فَقِيْهِهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ
القُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ البَكْرِيُّ السُّهْرَوَرْدِيّ
الصُّوْفِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ، وَقَدِمَ مِنْ سُهْرَوَرْدَ وَهُوَ شَابٌّ أَمردُ،
فَصحِبَ عَمَّه الشَّيْخَ أَبَا النَّجِيْبِ وَلاَزَمَه
وَأَخَذَ عَنْهُ الفِقْهَ وَالوَعظَ وَالتَصَوُّفَ،
وَصَحِبَ قَلِيْلاً الشَّيْخَ عَبْدَ القَادِرِ،
وَبِالبَصْرَةِ الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ بنَ عَبْدٍ.
وَسَمِعَ مِنْ هِبَة اللهِ بنِ أَحْمَدَ الشِّبْلِيِّ،
-وَهُوَ أَعْلَى شَيْخٍ لَهُ، وَأَبِي الفَتْحِ ابْنِ
البَطِّيِّ، وَخُزَيْفَةَ بنِ الهَاطرَا، وَأَبِي
الفُتُوْحِ الطَّائِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيِّ،
وَمَعْمَرِ بنِ الفَاخِرِ، وَأَحْمَدَ بنِ المُقَرَّبِ،
وَيَحْيَى بنِ ثَابِتٍ، وَطَائِفَةٍ لَهُ عَنْهُم جُزءٌ
سَمِعْنَاهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ،
وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالضِّيَاءُ، وَالقُوْصِيُّ، وَابْن
النَّابُلُسِيِّ، وَظَهِيْرُ الدِّيْنِ مَحْمُوْدٌ
الزَّنْجَانِيُّ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ،
وَأَبُو الفَرَجِ ابْنُ الزَّيْنِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ
ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَأَبُو المَعَالِي
الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَالرَّشِيْدُ بن أبي القاسم، وآخرون.
وبالإجازة الفخر بن عَسَاكِرَ، وَالشَّمْسُ ابْنُ
الشِّيْرَازِيِّ، وَالقَاضِي الحَنْبَلِيُّ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: قَدِمَ بَغْدَادَ، وَكَانَ
لَهُ فِي الطَّرِيقَةِ قَدَمٌ ثَابِتٌ وَلِسَانٌ نَاطِقٌ،
وَوَلِيَ عِدَّةَ رُبُطٍ لِلصُّوْفِيَّةِ، وَنُفِّذَ
رَسُوْلاً إِلَى عِدَّةِ جِهَاتٍ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ أَبُوْهُ أَبُو جَعْفَرٍ
تَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى أَسْعَدَ المِيْهَنِيِّ
وَوَعَظَ، قَالَ لِي ابْنُهُ: قُتلَ أَبِي بِسُهْرَوَرْدَ،
وَلِي سِتَّةُ أَشْهُرٍ، كَانَ بِبَلَدِنَا شحنَة ظَالِم،
فَاغتَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَادَّعَوْا أَنَّ أَبِي
أَمَرَهُم، فَجَاءَ غِلمَانُ المَقْتُولِ فَفَتَكُوا
بِأَبِي، فَوَثَبَ العوَامُّ عَلَى الغِلمَانِ
فَقَتلُوهُم، وَهَاجتِ الفِتْنَةُ فَصلَبَ السُّلْطَانُ
أَرْبَعَةً مِنَ العَوَامِّ، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى عَمِّي
أَبِي النَّجِيْبِ، وَلَبِسَ القبَاء وَقَالَ: لَا أُرِيْد
التَّصَوُّفَ، حَتَّى اسْتُرْضِيَ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَكَانَ شِهَاب الدِّيْنِ
شَيْخَ وَقتِه فِي عِلمِ الحَقِيْقَةِ، وَانتهتْ إِلَيْهِ
الرِّيَاسَةُ فِي تَربِيَةِ المُرِيْدِينَ، وَدُعَاء
الْخلق إِلَى اللهِ، وَالتَّسْلِيْك. صَحِبَ عَمَّه،
وَسلكَ طَرِيْق الرياضات
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "3/ ترجمة 496"، وتذكرة الحفاظ
"4/ ص1458"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 283-285"،
وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "5/ 153، 154".
(16/269)
وَالمُجَاهِدَات، وَقرَأَ الفِقْه
وَالخلاَف وَالعَرَبِيَّة، وَسَمِعَ، ثُمَّ لازم الخلوة
والذكر والصوم إلى أن خط لَهُ عِنْدَ عُلُوِّ سِنِّهِ أَنْ
يَظهَرَ لِلنَّاسِ وَيَتَكَلَّمَ، فَعَقَدَ مَجْلِسَ
الوَعظِ بِمَدْرَسَة عَمِّهِ، فَكَانَ يَتَكَلَّمُ
بِكَلاَمٍ مُفِيْدٍ مِنْ غَيْرِ تَزْويقٍ، وَيَحضر
عِنْدَهُ خَلقٌ عَظِيْمٌ، وَظَهرَ لَهُ القَبُولُ مِنَ
الخَاصِّ وَالعَامِّ وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَقُصِدَ مِنَ
الأَقطَارِ، وَظهرت بَرَكَات أَنفَاسِه عَلَى خَلقٍ مِنَ
العُصَاةِ فَتَابُوا، وَوصلَ بِهِ خلقٌ إِلَى اللهِ،
وَصَارَ أَصْحَابُه كَالنُّجُوْم، وَنُفِّذَ رَسُوْلاً
إِلَى الشَّامِ مَرَّاتٍ، وَإِلَى السُّلْطَانِ خُوَارِزْم
شَاه، وَرَأَى مِنَ الجَاهِ وَالحُرمَةِ مَا لَمْ يَرَهُ
أَحَدٌ، ثُمَّ رُتِّب بِالرِّبَاط النَّاصِرِيِّ،
وَبِرِبَاطِ المَأْمُوْنِيَّةِ، وَرِبَاطِ البِسْطَامِيِّ،
ثُمَّ إِنَّهُ أَضرَّ وَأُقْعِدَ، وَمَعَ هَذَا فَمَا
أَخلَّ بالأوراد وَدَوَامِ الذِّكرِ وَحُضُوْرِ الجُمَعِ
فِي مِحَفَّةٍ، وَالمُضِيِّ إِلَى الحَجِّ، إِلَى أَنْ
دَخَلَ فِي عَشْرِ المئة وَضَعُفَ فَانقطَعَ.
قَالَ: وَكَانَ تَامَّ المُرُوْءَةِ، كَبِيْرَ النَّفْسِ،
لَيْسَ لِلمَالِ عِنْدَهُ قَدرٌ، لَقَدْ حصل لَهُ أُلُوفٌ
كَثِيْرَةٌ، فَلَمْ يَدَّخِرْ شَيْئاً، وَمَاتَ وَلَمْ
يُخلِّفْ كَفَناً. وَكَانَ مَلِيْحَ الخَلقِ وَالخُلُقِ،
مُتَوَاضِعاً كَامِلَ الأَوْصَافِ الجَمِيْلَةِ. قَرَأْت
عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَصَحِبتُه مُدَّة، وَكَانَ صَدُوْقاً
نَبِيلاً، صَنَّفَ فِي التَّصَوُّفِ كِتَاباً شَرحَ فِيْهِ
أَحْوَال القَوْمِ، وَحَدَّثَ بِهِ مِرَاراً -يَعْنِي:
"عوَارف المعَارِف".
قَالَ: وَأَملَى فِي آخِرِ عُمُرِهِ كِتَاباً فِي الرَّدِّ
عَلَى الفَلاَسِفَةِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَدِمَ بَغْدَادَ
بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي الوَقْتِ المُحَدِّثِ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ شَيْخَ العِرَاقِ فِي
وَقْتِهِ، صَاحِبَ مُجَاهِدَةٍ وَإِيثَارٍ وَطَرِيقٍ
حَمِيدَةٍ وَمُرُوءةٍ تَامَّة، وَأَورَادٍ عَلَى كِبَرِ
سِنِّه.
قَالَ يُوْسُفُ الدِّمَشْقِيُّ: سَمِعْتُ وَعْظَ أَبِي
جَعْفَرٍ وَالِدِ السُّهْرَوَرْدِيِّ بِبَغْدَادَ فِي
جَامِعِ القَصْرِ زفي النِّظَامِيَّةِ، تَولَى قَضَاءَ
سُهْرَوَرْدَ، وَقُتِلَ.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: يَلتَقِي السُّهْرَوَرْدِيُّ
وَابْنُ الجَوْزِيِّ فِي النَّسَبِ فِي القَاسِمِ بنِ
النَّضْرِ.
أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ بنُ حَمُّوْيَه إِجَازَةً، أَنَّ
قَاضِي القُضَاةِ بَدْرَ الدِّيْنِ يُوْسُفَ
السِّنْجَارِيَّ حَكَى عَنِ الملكِ الأَشْرَفِ مُوْسَى:
أَنَّ السُّهْرَوَرْدِيَّ جَاءهُ رَسُوْلاً، فَقَالَ فِي
بَعْضِ حَدِيْثِهِ: يَا مَوْلاَنَا تَطلبتُ كِتَابَ
"الشِّفَاءِ" لابْنِ سِيْنَا مِنْ خَزَائِنِ الكُتُبِ
بِبَغْدَادَ وَغَسَلْتُ جَمِيْعَ النُّسَخِ، ثُمَّ فِي
أَثْنَاءِ الحَدِيْثِ قَالَ: كَانَ السنة بِبَغْدَادَ
مَرَضٌ عَظِيْمٌ وَمَوتٌ. قُلْتُ: كَيْفَ لاَ يَكُوْنُ
وَأَنْتَ قَدْ أَذهبتَ "الشِّفَاءَ" مِنْهَا?!
أَلْبَسَنِي خِرَقَ التَّصَوُّفِ شَيْخُنَا المُحَدِّثُ
الزَّاهِدُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ عِيْسَى بنُ يَحْيَى
الأَنْصَارِيُّ بِالقَاهِرَةِ، وَقَالَ: أَلْبَسَنِيهَا
الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّيْنِ السُّهْرَوَرْدِيُّ بِمَكَّةَ
عَنْ عَمِّهِ أبي النجيب.
(16/270)
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي
الأَبَرْقُوْهِيِّ: أَخْبَرَكُم أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ
مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ
الشِّبْلِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ
الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو
نَصْرٍ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ،
عَنْ أَبِي الوَرْقَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي
أَوْفَى، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم: "من قَالَ إِحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً: لاَ
إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ أَحَداً
صَمَداً لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
كُفُوُاً أَحَدٌ، كَتَبَ اللهُ لَهُ أَلْفَي أَلْفِ
حَسَنَةٍ"1.
تُوُفِّيَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-
بِبَغْدَادَ، فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ سَنَةِ
اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. وَفِي
ذُرِّيَته فُضلاَءُ وَكُبَرَاءُ، وَمَاتَ وَلدُهُ
العِمَادُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ سَنَةَ
خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، رَوَى عن ابن الجوزي،
والقاسم بن عَسَاكِرَ، حَدَّثَنَا عَنْهُ إِسْحَاقُ ابْنُ
النَّحَّاسِ، وَسَافَرَ رَسُوْلاً.
وَفِيْهَا مَاتَ: صَاحِب إِلبيرَة المَلِكُ الزَّاهِرُ
دَاوُدُ ابْنُ السُّلْطَانِ صَلاَحِ الدِّيْنِ يُوْسُفَ
بنِ أَيُّوْبَ، -وله نظم وفضيلة، والطواشي صواب العاجلي
مقدم الجُيُوْشِ، وَالشِّهَابُ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ
المُطَهِّرِ بن أبي عصرون، والشرف علي ابن إِسْمَاعِيْلَ
بنِ جُبَارَةَ الكِنْدِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ
الحَسَنِ بنِ رُشَيْدٍ البَغْدَادِيُّ، وَالمُقْرِئُ
تَقِيُّ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ بَاسُوَيْه الوَاسِطِيُّ،
وَشَاعِرُ زَمَانِهِ شَرَفُ الدِّيْنِ عُمَرُ بنُ عَلِيّ
ابْن الفَارِضِ الحَمَوِيّ بِمِصْرَ، وَشَيْخُ بَيْتِ
المَقْدِسِ غَانِمُ بنُ عَلِيٍّ الزَّاهِدُ، وَالشَّاعِرُ
حُسَامُ الدِّيْنِ عِيْسَى بنُ سَنْجَرَ الحَاجِرِيُّ
الإِرْبِلِيُّ الجُنْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ
شعرَانَة صَاحِبُ أَبِي الوَقْتِ، وَخَلْقٌ بِسَيْفِ
التَّتَارِ بِأَصْبَهَانَ، وَوَاثِلَةُ بنُ بَقَاءِ بنِ
كَرَّازٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ
المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو الوَفَاءِ مَحْمُوْدُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَنْدَةَ، وَأَبُو صَادِقٍ بن صباح،
ومحمد بن عماد.
__________
1 ضعيف جدا: آفته أبو الورقاء، فائد بن عبد الرحمن الكوفي
العطار، تركه أحمد والناس. وقال يحيى: ضعيف.
وقال البخاري: فائد منكر الحديث.
(16/271)
المديني، شعرانة،
ابن عماد:
5683- المديني 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُحَدِّثُ المُفْتِي الوَاعِظُ
بَقِيَّةُ المَشَايِخِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي سَعْدٍ المَدِيْنِيُّ
الأَصْبَهَانِيُّ الشَّافِعِيُّ المُذَكِّرُ.
مَوْلِدُهُ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِمَدِيْنَةِ جَيٍّ.
وَسَمِعَ "جُزْءَ مَأْمُوْنٍ" وَمَا مَعَهُ مِنَ
المُعَمَّرِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَلِيٍّ الحَمَّامِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ أَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ "جُزْءَ
بِيْبَى"، وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الخَيْرِ
محمد بن أحمد الباغان، وَغَيْرِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَابْنُ النَّجَّارِ،
وَطَائِفَةٌ.
وَسَمِعْنَا بِإِجَازتِه عَلَى: أَبِي الفَضْلِ بنِ
عَسَاكِرَ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ، وَالأَمِيْنِ
ابْنِ رِسْلاَنَ البَعْلِيِّ، وَالقَاضِي تَقِيِّ
الدِّيْنِ سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِم. وَكَانَ أَسندَ أَهْلِ
زَمَانِهِ بِأَصْبَهَانَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: هُوَ وَاعِظٌ، مُفْتِي،
شَافعِيُّ المَذْهَبِ، لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ،
وَلَهُ قَبولٌ عِنْدَ أَهْلِ بَلدِه، حَدَّثَنِي "بِجُزءِ
بِيْبَى" عَنْ أَبِي الوَقْت، وَفِيْهِ ضَعْفٌ،
وَبَلَغَنَا أَنَّهُ قُتِلَ بِأَصْبَهَانَ شهيداً عَلَى
يَد التَّتَارِ فِي أَواخِرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: سَلِمَتْ أَصْبَهَانُ مِنَ الكَفَرَةِ إِلَى هَذَا
التَّارِيْخِ، فَاسْتبَاحُوهَا، وَرَاحَ تَحْتَ السَّيْفِ
خَلقٌ لا يحصون، منهم عدة من الوراة.
5684- شعرانة 2:
الزاهد وجيه الدين محمد بن أَبِي غَالِبٍ زُهَيْرِ بنِ
مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ.
سَمِعَ "الصَّحِيْحَ" بِأَصْبَهَانَ مِنْ أَبِي الوَقْت،
وَأَجَاز فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ لِفَاطِمَةَ
بِنْتِ سُلَيْمَانَ، وَإِبْرَاهِيْمَ المخرمي، والقاضي
الحنبلي.
5685- ابن عماد 3:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ المُسْنِدُ الثِّقَةُ أَبُو عَبْدِ
اللهِ محمد بن عماد بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ
عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْلَى الجَزَرِيّ، الحَرَّانِيّ،
التَّاجِر.
وُلِدَ بِحَرَّانَ، يَوْم النَّحْر، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ بِمِصْرَ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ رِفَاعَةَ
"الخِلَعِيَّاتِ" العِشْرِيْنَ.
وَسَمِعَ بِالثَّغْرِ مِنَ السِّلَفِيّ، وَسَمِعَ
بِبَغْدَادَ مِنِ: ابن البطي، وأبي حنيفة الخطيبي، وأحمد
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1458"، والنجوم الزاهرة لابن
تغري بردي "6/ 292"، وشذرات الذهب "5/ 155".
2 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 155".
3 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1258"، وفي النجوم الزاهرة
لابن تغري بردي "6/ 292"، وشذرات الذهب "5/ 155".
(16/272)
ابن المقرب، ويحيى بن ثابت، وأبي بكر بن
النَّقُّوْرِ، وَابْنِ الخَشَّاب، وَشُهْدَةَ، وَجَمَاعَة.
وَسَمِعَ بِالقَاهِرَةِ مِنْ: عَلِيِّ بنِ نَصْرٍ
الأَرْتَاحِيّ الرَّاوِي عَنْ أَبِي عَلِيٍّ بنِ
نَبْهَانَ. وَأَجَاز لَهُ: هِبَة اللهِ بن أَبِي شَرِيْكٍ
الحَاسِب، وَأَبُو القَاسِمِ سَعِيْد ابْن البَنَّاءِ،
وَأَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ بِإِفَادَة خَالِهِ
المُحَدِّثِ حَمَّادٍ الحَرَّانِيِّ. سَافَرَ مُدَّةً،
وَسكنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ، وَصَارَ مُسْنِدَهَا.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن النَّجَّارِ، وَالمُنْذِرِيّ،
وَعَبْد المُنْعِمِ ابْن النَّجِيْب، وَأَبُو مُحَمَّدٍ
بنُ الشَّمْعَةِ، وَأَبُو العِزِّ بنُ مَحَاسِنَ، وَعَلِيّ
بن عَبْدِ اللهِ المَنْبِجِيُّ، وَعطيَّة بن مَاجِد،
وَكَافُوْر الصَّوَّاف، وَجَمَال الدِّيْنِ مُحَمَّد بن
أَحْمَدَ الشَّرِيْشِيّ. وَحَدَّثَنَا عَنْهُ مُحَمَّد بنُ
الحُسَيْنِ الفُوِّيُّ، وعلي بن أحمد الحسني، وَيَحْيَى بن
أَحْمَدَ الجُذَامِيّ. وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ
بِالإِجَازَةِ القَاضِي تَقِيّ الدِّيْنِ بن قُدَامَةَ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: شَيْخ، عَالِم، فَقِيْه
صَالِحٌ، كَثِيْر المَحْفُوْظ، ثِقَة، حَسَن الإِنصَات،
كَثِيْر السَّمَاع، وَأُصُوْله بِأَيدِي المُحَدِّثِيْنَ.
قُلْتُ: طَالَ عُمُرُهُ، ورحل إليه. تُوُفِّيَ فِي عَاشرِ
صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وست مائة.
(16/273)
5686- ابن غسان
1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ المُسْنِدُ الأَمِيْرُ سَيْفُ
الدَّوْلَةِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ غَسَّانَ
بنِ غَافِلِ بن نجاد ابن غَسَّانَ بنِ ثَامِرٍ
الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيّ، الحِمْصِيّ. وُلِدَ سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ.
قَدِمَ دِمَشْق، وَهُوَ صَبِيّ، فَسَمِعَ كَثِيْراً مِنْ
أَبِي المُظَفَّرِ الفَلَكِيِّ، وَعَلِيِّ ابن أَحْمَدَ
الحَرَسْتَانِيِّ، وَأَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلاَلٍ،
وَعَبْدِ الخالق بن أسد، والصائن بن عَسَاكِرَ،
وَأَخِيْهِ؛ أَبِي القَاسِمِ الحَافِظِ، وَغَيْرِهِم.
وَتَفَرَّد بِأَجزَاءَ، وَكَانَ يَعِيْش مِنْ عِقَاره،
وَيُوَاظبُ غَالِباً عَلَى الجَمَاعَات.
حَدَّثَ عَنْهُ الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَابْن
النَّابُلُسِيِّ، وَابْن الصَّابُوْنِيِّ، وَسَعْدُ
الخَيْرِ النَّابُلُسِيُّ وَأَخُوْهُ، وَعَلِيُّ بنُ
عُثْمَانَ اللَّمْتُوْنِيّ، وَأَبُو الفَضْلِ ابنُ
عَسَاكِر، وَأَحْمَد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُنْقِذِيّ،
وَمُحَمَّد بن حَازِمٍ، وَأَحْمَد ابْن العِمَادِ،
وَسُلَيْمَان بن كسا، والمؤيد علي بن إبراهيم القعرباني،
وَآخَرُوْنَ. وَآخِرُ أَصْحَابِه بِالحُضُوْرِ: بَهَاءُ
الدِّيْنِ القَاسِمُ الطَّبِيْبُ.
تُوُفِّيَ فِي ثَالِثَ عَشَرَ شَعْبَانَ، سَنَةَ اثنتين
وثلاثين وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 292".
(16/273)
الرشيدي، ابن مندة:
5687- الرشيدي 1:
الشيخ أبو الحسن علي بن أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ
أَحْمَدَ بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ البَغْدَادِيُّ،
الظَّفَرِيُّ، البَزَّازُ. وَيُعْرَفُ: بِالرَّشِيْدِيِّ.
ذَكَرَ أَنَّ جَدَّهُم كَانَ مُحْتَسِبَ بَغْدَادَ زَمَنَ
الرَّشِيْدِ.
سَمِعَ: عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ الحُسَيْنِ البَارِزِيَّ،
وَيَحْيَى بنَ ثَابِتٍ.
رَوَى عَنْهُ ابْنُ النَّجَّارِ. وَقَالَ: كَانَ صَالِحاً،
دَيِّناً، أَدِيباً، لَهُ نَظْمٌ وَنَثْرٌ.
مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ نَاهزَ
التِّسْعِيْنَ.
5688- ابْنُ مَنْدَةَ 2:
الشَّيْخُ الأَصِيلُ المُعَمَّرُ مُسْنِدُ أَصْبَهَانَ
أَبُو الوَفَاءِ مَحْمُوْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
سُفْيَانَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ ابْنِ الشَّيْخِ أَبِي
عَمْرٍو عَبْدِ الوَهَّابِ ابْنِ حَافِظِ المَشْرِقِ أَبِي
عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَةَ العَبْدِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ، وَقِيْلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَبَكَّرَ بِهِ أَبُوْهُ فَسَمَّعَهُ مِنْ أَبِي الخَيْرِ
مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَاغبَانِ، وَمِنْ أَبِي
رَشِيْدٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الفِيْجِ، وَمَسْعُوْدٍ
الثَّقَفِيِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الرُّسْتَمِيِّ،
وَعَبْدِ المُنْعِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدوَيْه،
وَأَبِي المطهر الصيدلاني، وعدة.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاء، وَابْن النَّجَّارِ،
وَالشَّيْخ عَبْد الصَّمَدِ بن أَحْمَدَ بنِ أَبِي
الجَيْش، وَالكَمَال عَبْد الرَّحْمَنِ الفُوَيْرِه،
وَجَمَاعَةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ القَاضِيَان شِهَابُ الدِّيْنِ
الخُوَيِّيُّ، وَتَقِيُّ الدِّيْنِ الحَنْبَلِيُّ، وَأَبُو
الفَضْلِ ابنُ عَسَاكِر، وَأَبُو الحُسَيْنِ
اليُوْنِيْنِيّ، وَالعِمَادُ ابْن البطال، وَإِبْرَاهِيْمُ
ابْنُ الحُبُوْبِيِّ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ،
وَالشَّيْخُ عَلِيُّ بنُ هَارُوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ
مُشَرِّفٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي الحَسَنِ
المُخَرِّمِيُّ، وَعِزِّيَّةُ بِنْتُ غَنَائِمَ
الكَفْرَبَطْنَانِيَّةُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعَ كِتَابَ "المختصرين"،
وَكِتَاب "الرِّقَّةِ"، وَكِتَاب "المَوْت"، وَكِتَاب
"التَّهجُّد"، وَكِتَاب "حِلْمِ مُعَاوِيَة" لابْنِ أَبِي
الدُّنْيَا، وَسَمِعَ كِتَاب "الإِيْمَان" لابْنِ مَنْدَة.
وَقَرَأْتُ أَنَا بِخَطّ أَبِي الوَفَاء: وَمِنْ
مَسْمُوْعَاتِي كِتَاب "مَعْرِفَة الصَّحَابَة" لِلإِمَامِ
جَدِّي، سَمِعته مِنْ أَبِي الخَيْرِ فِي سَنَةِ سِتٍّ
وَخَمْسِيْنَ.
قُلْتُ: أَكْثَر سَمَاعَاته فِي الخَامِسَة، فَإِنَّهُ
كَتَبَ: وَمَوْلِدِي فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ.
مَاتَ شَهِيداً، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
وَلَقَبُهُ: جَمَالُ الدِّيْنِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: أَسْمَعَهُ وَالِدُهُ الكَثِيْرَ
مِنْ: أَبِي الخَيْرِ البَاغبَانِ، وَالرُّسْتمِيِّ،
وَمَسْعُوْدٍ، وَجَمَاعَةٍ.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1458".
2 ترجمته في تذكرة الحافظ "4/ 1458، 1459"، والنجوم
الزاهرة "6/ 292"، وشذرات الذهب "5/ 155، 156".
(16/274)
5689- ابن شداد
1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ قَاضِي القُضَاةِ
بَقِيَّةُ الأَعْلاَمِ، بهاء الدين، أبو العز، وأبو
المَحَاسِنِ يُوْسُفُ بنُ رَافِعِ بنِ تَمِيْمِ بنِ
عُتْبَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَتَّابِ الأَسَدِيُّ،
الحَلَبِيُّ الأَصْلِ وَالدَّارِ، المَوْصِلِيُّ
المَوْلِدِ وَالمَنْشَأِ، الفَقِيْهُ، الشَّافِعِيُّ
المُقْرِئُ، المَشْهُوْرُ: بِابْنِ شَدَّادٍ؛ وَهُوَ
جَدُّهُ لأُمِّهِ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَلاَزَمَ يَحْيَى بنَ سَعْدُوْنَ القُرْطُبِيَّ، فَأَخَذَ
عَنْهُ القِرَاءاتِ وَالنَّحْوَ وَالحَدِيْثَ. وَسَمِعَ
مِنْ: حَفَدَةَ العَطَّارِيِّ، وَابْنِ يَاسِرٍ
الجَيَّانِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ
الطُّوْسِيِّ، وَأَخِيْهِ خَطِيْبِ المَوْصِلِ أَبِي
عَبْدِ اللهِ، وَالقَاضِي سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
الشَّهْرُزُوْرِيِّ، وَيَحْيَى الثَّقَفِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ فَسَمِعَ مِنْ شُهْدَةَ
الكَاتِبَةِ، وَجَمَاعَةٍ، وَتَفَقَّهَ، وَبَرَعَ،
وَتَفَنَّنَ، وَصَنَّفَ، وَرَأَسَ، وَسَادَ.
حَدَّثَ بِمِصْرَ، وَدِمَشْقَ، وَحَلَبَ، حَدَّثَ عَنْهُ:
أَبُو عَبْدِ اللهِ الفَاسِيُّ، وَالمُنْذِرِيّ،
وَالعَدِيْمِي، وَابْنه؛ مَجْد الدِّيْنِ، وَأَبُو حَامِدٍ
ابْن الصَّابُوْنِيّ، وَسَعْدُ الخَيْرِ ابْنُ
النَّابُلُسِيِّ، وَأَخُوْهُ، وَأَبُو صَادِقٍ محمد بن
الرشيد، وأبو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيّ، وَسُنْقُرُ
القَضَائِيُّ، وَالصَّاحب مُحْيِي الدِّيْنِ ابْن
النَّحَّاسِ سِبْطه، وَجَمَاعَة.
وَبِالإِجَازَةِ قَاضِي القُضَاةِ تَقِيّ الدِّيْنِ
سُلَيْمَان، وَأَبُو نَصْرٍ ابْن الشِّيْرَازِيّ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: كَانَ ثِقَةً، حُجَّةً،
عَارِفاً بِأُمُوْر الدِّيْنِ، اشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَسَارَ
ذِكْرُهُ، وكان صَلاَحٍ وَعِبَادَةٍ، كَانَ فِي زَمَانِهِ
كَالقَاضِي أَبِي يُوْسُفَ فِي زَمَانِهِ، دَبَّرَ
أُمُوْرَ المُلْكِ بِحَلَبَ، وَاجتمعتِ الأَلْسُنُ عَلَى
مَدْحِهِ، أَنشَأَ دَارَ حَدِيْثٍ بِحَلَبَ، وَصَنَّفَ
كِتَابَ "دَلاَئِل الأَحكَامِ" فِي أَرْبَع مجلدات.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ ترجمة 842"،
وتذكرة الحفاظ "4/ 1459"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي
"6/ 292"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 158، 159".
(16/275)
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: انْحدرَ ابْنُ
شَدَّاد، إِلَى بَغْدَادَ، وَأَعَاد بِهَا، ثُمَّ مَضَى
إِلَى المَوْصِل، فَدرَّس بِالكَمَاليَّة، وَانتفع بِهِ
جَمَاعَة، ثُمَّ حَجَّ سَنَةَ 583، وَزَار الشَّامَ،
فَاسْتحضرَهُ السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ وَأَكْرَمَهُ،
وَسَأَلَهُ عَنْ جُزء حَدِيْث ليسمع مِنْهُ، فَأَخَرَجَ
لَهُ "جُزْءاً" فِيْهِ أَذكَارٌ مِنَ البُخَارِيِّ،
فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ جَمَعَ كِتَاباً
مُجَلَّداً فِي فَضَائِل الجِهَاد وَقَدَّمه لَهُ
وَلاَزَمه فَوَلاَّهُ قَضَاءَ العَسْكَرِ، ثُمَّ خَدَمَ
بَعْدَهُ وَلدَهُ المَلِكَ الظَّاهِرَ غَازِياً،
فَوَلاَّهُ قَضَاءَ مَمْلَكَتِهِ وَنَظَرَ الأَوقَافَ
سَنَةَ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ. وَلَمْ يُرْزَق ابْناً،
وَلاَ كَانَ لَهُ أَقَاربُ، وَاتَّفَقَ أَنَّ الْملك
الظَّاهِر أَقطعه إِقطَاعاً يَحصُل لَهُ مِنْهُ جُمْلَةٌ
كَثِيْرَةٌ، فتصمد له مال كثير فَعَمَّرَ مِنْهُ
مَدْرَسَةً سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّ مائَةٍ وَدَارَ
حَدِيْثٍ وَتُربَة. قَصَدهُ الطَّلبَةُ وَاشْتَغَلُوا
عَلَيْهِ لِلْعِلْمِ وَللدُّنْيَا، وَصَارَ المُشَارَ
إِلَيْهِ فِي تَدبِيرِ الدَّوْلَةِ بِحَلَبَ، إِلَى أَنِ
اسْتولتْ عَلَيْهِ البرودَات والضعف، فكان يتمثل:
من يتمن العمر فلبدرع ... صَبْراً عَلَى فَقْدِ
أَحْبَابِهِ
وَمَنْ يُعَمَّرْ يَلْقَ فِي نَفْسِهِ ... مَا قَدْ
تَمَنَّاهُ لأَعْدَائِهِ
قَالَ الأَبَرْقُوْهِيُّ: قَدِمَ مِصْرَ رَسُوْلاً غَيْرَ
مَرَّةٍ، آخِرُهَا القدْمَة الَّتِي سَمِعْتُ مِنْهُ
فِيْهَا.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ يُكْنَى أَوَّلاً بِأَبِي
العِزِّ، ثُمَّ غَيَّرَهَا بِأَبِي المَحَاسِنِ. قَالَ:
وَقَالَ فِي بَعْضِ تَوَالِيفِه: أَوَّلُ مَنْ أَخذتُ
عَنْهُ شَيْخِي صَائِنُ الدِّيْنِ القُرْطُبِيّ، لاَزمتُ
القِرَاءةَ عَلَيْهِ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَرَأْت
عَلَيْهِ مُعْظَمَ مَا رَوَاهُ مِنْ كُتُبِ القِرَاءاتِ
وَالحَدِيْثِ وَشُروحِه وَالتَّفْسِيْرِ. وَمِنْ
شُيُوْخِي: سِرَاجُ الدِّيْنِ الجَيَّانِيُّ؛ قَرَأْتُ
عَلَيْهِ "صَحِيْحَ مُسْلِمٍ" كُلَّهُ، وَ"الوَسِيطَ"
لِلوَاحِدِيِّ سَنَة تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ بِالمَوْصِلِ.
وَمِنْهُم فَخْر الدِّيْنِ أَبُو الرِّضَا ابْن
الشَّهْرُزُوْرِيّ سَمِعْتُ عَلَيْهِ "مُسْنَدَ أَبِي
عَوَانَةَ" وَ"مُسْنَدَ أَبِي دَاوُدَ"، وَ"مُسْنَدَ
الشَّافِعِيِّ"، وَ"جَامِعَ التِّرْمِذِيِّ" ... إِلَى
أَنْ قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: أَخذتُ عَنْهُ كَثِيْراً،
وَكَتَبَ إِلَيْهِ صَاحِبُ إِرْبِلَ فِي حَقِّي وَحقِّ
أَخِي، فَتفضَّلَ وَتَلقَّانَا بِالقَبُولِ وَالإِكرَامِ
وَلَمْ يَكُنْ لأَحدٍ مَعَهُ كَلاَم، وَلاَ يَعمل
الطّوَاشِي طُغْرِيْل شَيْئاً إلَّا بِمشُوْرَتِهِ.
وَكَانَ لِلْفُقَهَاءِ بِهِ حُرمَةٌ تَامَّةٌ ... إِلَى
أَنْ قَالَ: أَثَّرَ الهَرَمُ فِيْهِ، إِلَى أَنْ صَارَ
كَالفَرْخِ. وَكَانَ يَسلكُ طَرِيْق البَغَاددَة فِي
أَوضَاعهِم، وَيلبس زِيَّهُم، وَالرُّؤَسَاءُ يَنْزِلُوْنَ
عَنْ دَوَابِّهِم إِلَيْهِ. وَقَدْ سَارَ إِلَى مِصْرَ
لإِحضَار بِنْتِ السُّلْطَانِ الكَامِلِ إِلَى زَوْجِهَا
المَلِكِ العَزِيْزِ، ثُمَّ اسْتَقلَّ العَزِيْزُ
بِنَفْسِهِ، فَلاَزمَ القَاضِي بَيْتَه، وَأَسْمَعَ
الحَدِيْثَ إِلَى أَنْ مَاتَ وَهُوَ عَلَى القَضَاءِ.
قَالَ: وَظهرَ عليه الخوف، وَعَادَ لاَ يَعرِفُ مَنْ كَانَ
يَعرِفُهُ، وَيَسْأَلُهُ عَنِ اسْمِهِ وَمَنْ هُوَ، ثُمَّ
تَمرَّضَ وَمَاتَ يَوْمَ الأَرْبعَاءِ، رَابِعَ عَشَرَ
صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ،
وَلَهُ ثَلاَثٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
(16/276)
5690- ابن
روزبة 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ المُعَمَّرُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ
بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ رُوْزْبَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ
البَغْدَادِيُّ، القَلاَنسِيُّ، العَطَّارُ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ "صَحِيْح البُخَارِيِّ" وَ"جُزْء ابْن العَالِي"
مِنَ الشَّيْخِ أَبِي الوَقْتِ.
وَرَوَى "الصَّحِيْح" بحلب، وبغداد، وحران، ورأس عين،
وازدحموا عَلَيْهِ، وَكَانَ عَزْمه عَلَى دِمَشْقَ،
فَخوَّفُوهُ بِحَلَبَ مِنْ حِصَار دِمَشْق، فَرَدَّ،
فَطَالَبَه بَعْضُ الدَّمَاشِقَةِ بِمَا كَانَ أَعْطَاهُ،
فَأَعْطَاهُ البَعْضَ وَمَاطلَ.
وَقَدْ أَضَرَّ بِأَخَرَةٍ، وَنَاطحَ التِّسْعِيْنَ.
وَكَانَ حَسَنَ الهَيْئَةِ، مليح الشيبة، حلو الكلام، قوي
الهمة برِبَاطِ الخِلاَطِيَّةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عِزُّ الدِّيْنِ عَبْدُ الرزاق
الرَّسْعَنِيُّ، وَشَرَفُ الدِّيْنِ ابْنُ النَّابُلُسِيّ،
وَكَمَالُ الدِّيْنِ يَحْيَى بنُ الصَّيْرَفِيِّ،
وَالقَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ العِمَادِ، وَنَصْر
اللهِ بنُ حوَارِيّ، وَعِزّ الدِّيْنِ الفَارُوْثِيّ،
وَجَمَال الدِّيْنِ الشَّرِيْشِيّ، وَأَمِيْن الدِّيْنِ
ابْن الأَشْتَرِيِّ، وَتَاج الدِّيْنِ الغَرَّافِيّ،
وَأَبُو الغَنَائِمِ الكَفَرَابِيّ، وَالجمَال عُمَر بن
العقيمِيِّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ فَضَائِلَ الحَلَبِيُّ،
وَعَلِيُّ بنُ تَيْمِيَةَ، وَالتَّاج ابْن أَبِي
عَصْرُوْنَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ سُنْقُرُ القَضَائِيُّ،
وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَةِ أَبُو نَصْرٍ ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ،
وَسَعْد الدِّيْنِ بن سَعْدٍ، وَالبَهَاء بن عَسَاكِرَ،
وَالشِّهَاب ابْن الشِّحْنَةِ.
قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيّ: جَاوَزَ التِّسْعِيْنَ،
وَتُوُفِّيَ فُجَاءةً لَيْلَة خَامِسِ رَبِيْعٍ الآخِرِ،
سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: الجمَال أَبُو حَمْزَةَ أَحْمَد بن
عُمَرَ ابْن الشَّيْخ أَبِي عُمَرَ، وَزُهْرَةُ بِنْتُ
مُحَمَّدِ بن حَاضِرٍ، وَالمُقْرِئُ سُلَيْمَانُ بنُ
أَحْمَدَ بنِ المُغَرْبِلِ الشَّارِعِيُّ، وَالوَجِيْه
عَبْد الخَالِقِ بن إِسْمَاعِيْلَ التِّنِّيْسِيّ، وَعَبْد
الرَّحْمَنِ بن عمر النساج الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو
الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ ابْن الرَّمَّاحِ،
وَمُحَمَّد بن مُحَمَّد بنِ أَبِي المَفَاخِرِ
المَأْمُوْنِيُّ، وَصَاحِبُ المَغْرِبِ يَحْيَى بن
إِسْحَاقَ بنِ غَانِيَة الصِّنْهَاجِيّ المَيُوْرقِيّ،
وَيُوْسُف بن جِبْرِيْل اللَّوَاتِيّ بِمِصْرَ، وَأَبُو
الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
فِتْيَانَ، وَعُمَر بن يَحْيَى بنِ شَافع المُؤَذِّن،
وَخَطِيْب زَمْلَكَا عَبْد الكَرِيْمِ.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1423"، والنجوم الزاهرة "6/
296"، وشذرات الذهب "5/ 160".
(16/277)
5691- ابن دحية
1:
الشَّيْخُ العَلاَّمَةُ المُحَدِّثُ الرَّحَّالُ
المُتَفَنِّنُ مَجْدُ الدِّيْنِ أبو الخطاب عمر ابن حَسَنِ
بنِ عَلِيِّ بنِ الجُمَيِّلِ -وَاسْمُ الجُمَيِّلِ
مُحَمَّدٌ- بنِ فَرَحِ بنِ خَلَفِ بنِ قُوْمِسَ بن
مَزْلاَلِ بنِ مَلاَّلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ بَدْرِ بنِ
دِحْيَةَ بنِ خَلِيْفَةَ الكَلْبِيُّ، الدَّانِيُّ ثُمَّ
السَّبْتِيُّ.
هَكَذَا سَاق نَسبَه، وَمَا أَبعدَه مِنَ الصّحَّةِ
وَالاتِّصَالِ! وَكَانَ يَكتب لِنَفْسِهِ: ذُو
النِّسْبَتَيْنِ بَيْنَ دِحيَةَ وَالحُسَيْنِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبَّارُ: كَانَ يَذكرُ
أَنَّهُ مِنْ وَلَدِ دحية -رضي الله عنه، وَأَنَّهُ سِبْطُ
أَبِي البَسَّامِ الحُسَيْنِيِّ. سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بن
الجَدِّ، وَأَبَا القَاسِمِ بن بَشْكُوَالَ، وَأَبَا
عَبْدِ اللهِ بنَ المُجَاهِد، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ
زَرْقُوْنَ، وَأَبَا القَاسِمِ بن حُبَيْش، وَأَبَا
مُحَمَّد بنَ عُبَيْدِ اللهِ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ
بُونُه. وَحَدَّثَ بِتُوْنُسَ بِـ "صَحِيْح مُسْلِم" عَنْ
طَائِفَة، وَرَوَى عَنْ آخرِيْنَ مِنْهُم أَبُو عَبْدِ
اللهِ بنُ بَشْكُوَالَ، -وَقَالَ: سَمِعْتُ مِنْهُ كِتَاب
"الصِّلَةِ"، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ المُنَاصِفِ،
وَأَبُو القَاسِمِ بنُ دَحْمَانَ، وَصَالِح بن عَبْدِ
المَلِكِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بنُ قُرْقُوْل، وَأَبُو
العَبَّاسِ بنُ سِيْده، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنِ
عَمِيْرَةَ، وَأَبُو خَالِدٍ بن رِفَاعَةَ، وَأَبُو
القَاسِمِ بنُ رُشْدٍ الوَرَّاقُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ
القُبَاعِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مُغَاوِرٍ.
قَالَ: وَكَانَ بَصِيْراً بِالحَدِيْثِ، معتنيًا بتقييده،
مكبًا على سماعه، حسن الحظ، مَعْرُوْفاً بِالضَّبْط، لَهُ
حَظّ وَافر مِنَ اللُّغَة وَمشَاركَة فِي العَرَبِيَّة
وَغَيْرهَا. وَلِيَ قَضَاءَ دَانِيَة مَرَّتَيْنِ، وَصُرفَ
لِسِيرَةٍ نُعِتَتْ عَلَيْهِ، فَرَحَلَ، وَلقِيَ
بِتِلِمْسَانَ أَبَا الحَسَنِ بنَ أَبِي حَيُّوْنَ،
فَحَمَلَ عَنْهُ، وَحَدَّثَ بِتُوْنُسَ فِي سَنَةِ 595،
ثُمَّ حَجَّ، وَكَتَبَ بِالمَشْرِق: بِأَصْبَهَانَ،
وَنَيْسَابُوْر عَنْ أَصْحَابِ الحَدَّاد والفراوي، وعاد
إلى مصر فاستأدبه الملك العاجل لابْنِهِ الكَامِل وَلِيِّ
عَهْدِهِ، وَأَسكنه القَاهِرَة فَنَالَ بِذَلِكَ دُنْيَا
عرِيضَة، وَكَانَ يُسَمِّعُ وَيُدرِّس. وَلَهُ تَوَالِيف،
مِنْهَا: كِتَابُ "إِعلاَمِ النَّصِّ المُبِين، فِي
المُفَاصَلَةِ بَيْنَ أَهْلِ صِفِّيْن".
قُلْتُ: سَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ البُوْصِيْرِيّ
بِمِصْرَ، وَمِنْ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ
بِأَصْبَهَانَ، وَمِنْ: مَنْصُوْر الفُرَاوِيّ
بِنَيْسَابُوْرَ؛ سَمِعَ بِهَا "صَحِيْح مُسْلِم"
عَالِياً، بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ نَازلاً، وَحَدَّثَ
بِدِمَشْقَ وَسَمِعَ بِهَا، وَسَمِعَ بِوَاسِط مِنْ أَبِي
الفَتْحِ المَنْدَائِيِّ، سَمِعَ مِنْهُ "مُسْنَدَ أحمد".
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 497"،
وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1136"، والنجوم الزاهرة "6/ 295،
296"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 160، 161".
(16/278)
رَوَى عَنْهُ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ،
فَقَالَ: كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ حَسَنَةٌ بِالنَّحْوِ
وَاللُّغَةِ، وَأَنَسَةٌ بِالحَدِيْثِ، فَقِيْهاً عَلَى
مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَكَانَ يَقُوْلُ: إِنَّهُ حَفِظَ "صحيح
مسلم" جميعه، وإنه قرأه شَيْخٍ بِالمَغْرِبِ مِنْ
حِفْظِهِ، وَيَدَّعِي أَشيَاءَ كَثِيْرَةً.
ولابن عتين فِيْهِ:
دِحْيَةُ لَمْ يُعْقِبْ فَلِمْ تَعْتَزِي ... إِلَيْهِ
بِالبُهْتَانِ وَالإِفْكِ
مَا صَحَّ عِنْدَ النَّاسِ شَيْءٌ سِوَى ... أَنَّكَ مِنْ
كَلْبٍ بِلاَ شَكِّ
قُلْتُ: كَانَ هَذَا الرَّجُلُ صَاحِبَ فُنُوْنٍ وَتَوسُّع
وَيد فِي اللُّغَة، وَفِي الحَدِيْثِ عَلَى ضَعْفٍ فِيْهِ.
قَالَ ابْنُ مَسْدِيٍّ: رَأَيْت بِخَطِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ
قَبْل سَنَة سَبْعِيْنَ مِنْ جَمَاعَة؛ كَأَبِي بَكْرٍ بنِ
خَلِيْل، وَاللَّوَاتِيّ، وَابْن حُنَيْن. قَالَ: وَلَيْسَ
يُنكر عَلَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يسمع حَتَّى سَمِعَ
مِنْ أَقْرَانِهِ، وَحَصَّلَ مَا لَمْ يُحَصِّلْهُ
غَيْرُهُ.
قَالَ الضِّيَاء: لَقِيْتُهُ بِأَصْبَهَانَ، وَلَمْ
أَسْمَعْ مِنْهُ، وَلَمْ يُعْجِبنِي حَاله؛ كَانَ كَثِيْرَ
الوقيعَة فِي الأَئِمَّة. وَأَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيْم
السَّنْهُوْرِيُّ بِأَصْبَهَانَ: أَنَّهُ دَخَلَ
المَغْرِبَ، وَأَنَّ مَشَايِخ المَغْرِبِ كَتَبُوا لَهُ
جَرْحه وَتَضْعِيْفَه.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَقَدْ رَأَيْتُ مِنْهُ غَيْرَ شَيْءٍ،
مِمَّا يَدلُّ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ مَوْصُوَفاً بِالمَعْرِفَة
وَالفَضْلِ وَلَمْ أَرَهُ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَدَّعِي
أَشيَاءَ لاَ حَقِيْقَةَ لَهَا، ذكر لِي أَبُو القَاسِمِ
بنُ عبد السلام ثقة، قال: نزل عِنْدنَا ابْنُ دِحْيَةَ
فَكَانَ يَقُوْلُ: أَحْفَظُ "صَحِيْحَ مُسْلِمٍ"
وَ"التِّرْمِذِيَّ" قَالَ: فَأَخَذتُ خَمْسَةَ أَحَادِيْثَ
مِنَ التِّرْمِذِيِّ، وَخَمْسَةً مِنَ "المُسْنَدِ"
وَخَمْسَةً مِنَ المَوْضُوْعَاتِ، فَجَعَلْتُهَا فِي
جُزْءٍ، ثُمَّ عَرَضتُ عَلَيْهِ حَدِيْثاً مِنَ
التِّرْمِذِيِّ، فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيْحٍ، وَآخَرَ،
فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ، وَلَمْ يَعرِفْ مِنْهَا شَيْئاً!
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ الحَمَوِيّ: كَانَ ابْنُ دِحْيَةَ
-مَعَ فَرطِ مَعْرِفَته بِالحَدِيْثِ وَحِفْظِهِ
الكَثِيْرِ لَهُ- مُتَّهَماً بِالمُجَازفَةِ فِي النَّقلِ،
وَبَلَغَ ذَلِكَ الْملك الكَامِل فَأَمره أَنْ يُعلِّقَ
شَيْئاً عَلَى كِتَابِ الشِّهَابِ، فَعلَّقَ كِتَاباً
تَكَلَّمَ فِيْهِ عَلَى أَحَادِيْثِه وَأَسَانِيْدِهِ،
فَلَمَّا وَقَفَ الكَامِلُ عَلَى ذَلِكَ خَلاَّهُ
أَيَّاماً وَقَالَ: ضَاعَ ذَاكَ الكِتَابُ فَعَلِّقْ لِي
مثله. ففعل، فجاء الثاني فيه منتقضة لِلأَوَّلِ، فَعَلِمَ
السُّلْطَانُ صِحَّةَ مَا قِيْلَ عَنْهُ، وَنَزَلت
مَرْتَبَتُهُ عِنْدَهُ، وَعَزلَهُ مِنْ دَارِ الحَدِيْثِ
التي أنشأها آخرًا، وولاها أخا أبا عمرو.
(16/279)
قَرَأْت بِخَطِّ ابْنِ مَسْدِيٍّ فِي
"مُعْجَمِهِ"، قَالَ: كَانَ وَالِدُ ابْنِ دِحْيَةَ
تَاجراً يُعرَفُ بِالكَلْبِيِّ -بَيْنَ الفَاء وَالبَاء-
وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ بِدَانِيَةَ، وَكَانَ أَبُو
الخَطَّابِ أَوَّلاً يَكتبُ: الكَلْبِيّ مَعاً، إِشَارَةً
إِلَى المَكَانِ وَالنَّسَبِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُعرف
بِابْنِ الجُمَيِّلِ؛ تَصَغِيْرُ جَمَلٍ. قَالَ: وَكَانَ
أَبُو الخَطَّابِ عَلاَّمَةَ زَمَانِه، وَقَدْ وَلِيَ
أَوَّلاً قَضَاءَ دَانِيَةَ.
قُلْتُ: وَذَكَرَ أَنَّ سَبَبَ عَزْلِ ابْنِ دِحْيَةَ
أَنَّهُ خَصَى مَمْلُوْكاً لَهُ، فَغَضِبَ الْملك،
وَهَرَبَ ابْنُ دِحْيَةَ. وَلفظ ابْن مَسْدِيٍّ، قَالَ:
كان له مملوك يسمى ريحان، فجبه واستأصل أنثييه وزيه
وَأَتَى بِزَامِرٍ فَأَمَرَ بِثَقْبِ شَدْقِهِ، فَغَضِبَ
عَلَيْهِ المَنْصُوْرُ، وَجَاءهُ النَّذِيْرُ، فَاخْتَفَى،
ثُمَّ سَارَ مُتَنَكِّراً.
قُلْتُ: وَكَانَ مِمَّنْ يَترخص فِي الإِجَازَة، وَيطلق
عَلَيْهَا "حَدَّثَنَا". وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ أَبُو
عَمْرٍو بنُ الصَّلاَحِ "المُوَطَّأَ" بُعيدَ سَنَةِ سِتِّ
مائَةٍ. وَأَخْبَرَهُ بِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُم: أَبُو
عَبْدِ اللهِ بنُ زَرْقُوْنَ بِإِجَازتِه مِنْ أَحْمَد بن
مُحَمَّد الخَوْلاَنِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو
القيشطَالِيّ سَمَاعاً، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيْسَى يَحْيَى
بنُ عَبْدِ اللهِ. وَقَالَ ابْنُ دِحْيَةَ مَرَّةً
أُخْرَى: حَدَّثَنِي القَاضِي عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ
اللَّوَاتِيّ، وَابْن زَرْقُوْنَ قَالاَ: حَدَّثَنَا
الخَوْلاَنِيُّ.
وَقَدْ قَرَأْتُ بِخَطِّ الحَافِظِ عَلَمِ الدِّيْنِ
القَاسِمِ أَنَّهُ قرَأَ بِخَطِّ ابْنِ الصَّلاَحِ:
سَمِعْتُ "المُوَطَّأَ" عَلَى الحَافِظِ ابْنِ دِحْيَةَ،
وَحَدَّثَنَا بِهِ بِأَسَانِيْدَ كَثِيْرَةٍ جِدّاً،
وَأَقْرَبُهَا مَا حَدَّثَهُ بِهِ الفَقِيْهَانِ أَبُو
الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ حُنَيْنٍ الكِنَانِيُّ،
وَالمُحَدِّثُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
اللهِ بنِ خَلِيْلٍ القَيْسِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّد بنُ فَرَجِ بنِ الطَّلاَّعِ، وَأَبُو بَكْرٍ
خَازِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ
عَبْدِ اللهِ بنِ مُغِيْثٍ.
قَالَ ابْنُ الذَّهَبِيِّ: لَمْ يَلق ابْنُ دِحْيَةَ
هَذَيْنِ، وَبِالجُهْدِ أَنْ تكون روايته عنهما إجازة،
وكان بِبلاَد العَدْوَة، لَمْ يَكُوْنَا بِالأَنْدَلُسِ،
فَكَانَ القَيْسِيُّ بِمَرَّاكُش، وَكَانَ ابْنُ حُنَيْنٍ
بِفَاسَ، وَلِمُتَأَخِّرِي المغَاربَةِ مَذْهَبٌ فِي
إِطلاَقِ: حَدَّثَنَا عَلَى الإِجَازَةِ، وَهَذَا تدليس.
قَالَ التَّقِيُّ عُبَيْدٌ: أَبُو الخَطَّابِ ذُو
النَّسَبَيْنِ صَاحِب الفُنُوْنِ وَالرحلَة الوَاسِعَة،
لَهُ المُصَنَّفَات الفَائِقَة وَالمَعَانِي الرَّائِقَة،
كَانَ مُعَظَّماً عِنْد الخَاص وَالعَام، سُئِلَ عَنْ
مَوْلِده فَقَالَ: سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ. وَحُكِيَ عَنْهُ فِي مَوْلِدِهِ غَيْرُ ذَلِكَ.
قُلْتُ: فَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ شَيْخَانَا؛ شَرَفَا الدِّيْنِ
أَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنِيُّ، وَابْنُ خَوَاجَا
إِمَامٌ، وَغَيْرُهُمَا.
(16/280)
قَرَأْت بِخَطِّ الحَافِظِ الضِّيَاءِ:
أَنَّ ابْنَ دِحْيَةَ تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الثُّلاَثَاءِ،
رَابِعَ عَشَرَ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَدِمَ عَلَيْنَا وَأَملَى مِنْ
حِفْظِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنِ ابْنِ الجَوْزِيّ
وَسَمِعَ بِأَصْبَهَانَ "مُعْجَم الطَّبَرَانِيِّ" مِنَ
الصَّيْدَلاَنِيّ، وَسَمِعَ بِنَيْسَابُوْرَ وَبِمَرْوَ
وَوَاسِطَ، وَأَنَّهُ سَمِعَ مِنْ جَمَاعَةٍ
بِالأَنْدَلُسِ، غَيْرَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ
مُجمِعِينَ عَلَى كَذِبِه وَضَعْفِه وَادِّعَائِهِ مَا
لَمْ يَسْمَعْهُ، وَكَانَتْ أَمَارَاتُ ذَلِكَ لاَئِحَةً
عَلَى كَلاَمِه وَفِي حَركَاتِه، وَكَانَ القَلْب يَأْبَى
سَمَاعَ كَلاَمِه. سَكَنَ مِصْرَ، وَصَادفَ قَبُولاً مِنَ
السُّلْطَانِ الكَامِلِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ إِقبالاً
عَظِيْماً، وسمعت أنه كان يسوي له المداس حِيْنَ يَقومُ.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَنَسَبُهُ لَيْسَ بِصَحِيْحٍ، وَكَانَ
حَافِظاً مَاهِراً، تَامَّ المَعْرِفَةِ بِالنَّحْوِ
واللغة، ظاهري المذهب، كثير الوقيعة في السَّلَفِ،
أَحْمَقَ، شَدِيدَ الكِبْر، خَبِيثَ اللِّسَانِ،
مُتَهَاوِناً فِي دِيْنِهِ، وَكَانَ يَخْضِبُ
بِالسَّوَادِ.
حكَى ابْنُ النَّجَّارِ فِي "تَارِيْخِهِ"، وَابْنُ
العَدِيْمِ فِي "تَارِيخِ حَلَبَ"، وَأَبُو صَادِقٍ
مُحَمَّدُ بنُ العَطَّارِ، وَابْنُ المُسْتَوْفِي فِي
"تَارِيْخِهِ" عَنْهُ أَشْيَاءَ تُسقِطه.
(16/281)
5692- الإربلي
1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ فَخْر الدِّيْنِ أَبُو عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُسَلَّمِ بنِ سَلْمَانَ
الإِرْبِلِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقَالَ مَرَّةً: فِي
أَوَّلِ سَنَةِ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى بنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ
النَّقُّوْرِ، وَشُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَعَلِيِّ بنِ
عَسَاكِرَ المُقْرِئِ، وَالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ
البَطَلْيَوْسِيِّ، وَهِبَةِ اللهِ بنِ يَحْيَى
الوَكِيْلِ، وَخمرتَاش فَتَى ابْنِ رَئِيْس الرُّؤَسَاءِ،
وَتَجَنِّي عَتِيْقَةِ ابْنِ وَهْبَانَ وَغَيْرِهِم،
وَلَهُ عَنْهُم جُزءٌ سَمِعْنَاهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَامِدٍ ابْنُ الصَّابُوْنِيّ،
وَالجمَالُ الدِّيْنَوَرِيّ الخَطِيْب، وَالعِمَاد
يُوْسُفُ ابْن الشَّقَارِيِّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ ابْن
اليُوْنِيْنِيّ، وَأَبُو العباس ابن الظَّاهِرِيِّ،
وَأَبُو الفَضْلِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَعَلِيّ بن بَقَاءٍ
الملقِّنُ، وَالعِمَاد بن سَعْدٍ، وَعَلِيّ وَعُمَر
وَأَبُو بَكْرٍ بَنُو ابْنِ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَعُمَرُ
بن طَرْخَانَ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ مُؤْمِنٍ،
وَمُحَمَّد بن يُوْسُفَ الإِرْبِلِيّ الذَّهَبِيّ،
وَعِيْسَى بن أَبِي مُحَمَّدٍ المَغَارِيّ، وَمُحَمَّد بن
أَبِي الذِّكْرِ القُرَشِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ
اللهِ ابْن خَطِيْب الأبار، وعبد المنعم ابن عَسَاكِرَ،
وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَمِنْ بَقَايَاهُم: عِيْسَى بن عَبْدِ
الرَّحْمَنِ المُطَعِّمُ، وَالقَاسِمُ بنُ عَسَاكِرَ،
وَالقَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ.
قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ سَامَة: لَقَبُهُ
قَنْوَرُ.
وَقَرَأْت بِخَطِّ ابْنِ مَسْدِيٍّ: إِنَّهُ يُعرفُ
بِالقَنْوَرِ. قَالَ: وَكَانَ لاَ يَتحقّقُ مَوْلِدَهُ،
وَلِهَذَا امْتَنَعُوا مِنَ الأَخْذِ عَنْهُ بِإِجَازَات
أَقْوَامٍ مَوْتُهُم قَدِيْمٌ.
قَالَ ابْنُ الصَّلاَحِ: لاَ نَسْمَع بِهَذِهِ
الإِجَازَات؛ لأَنَّه يذكر مَا يَدلّ عَلَى أَنَّ
مَوْلِدَهُ بَعْد تَارِيخهَا.
وَقَالَ شَيْخنَا ابْنُ الظَّاهِرِيِّ، وَهُوَ مِنْ
أَصْحَابِهِ: تُوُفِّيَ بِإِرْبِل فِي رَمَضَانَ أَوْ
شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَوجدت بِخَطِّ السَّيْفِ ابْنِ المَجْدِ، قَالَ: رَأَيْتُ
أَصْحَابنَا وَمَشَايِخنَا يَتَكَلَّمُوْنَ فيه بسبب قلة
الدين والمروءة، وكن سماعه صحيحًا.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1423"، وشذرات الذهب "5/
161".
(16/281)
5693- نصر بن عَبْدُ الرَّزَّاقِ 1:
ابْنُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ عَبْدُ القَادِرِ بنُ أَبِي
صَالِحٍ، الإمام العالم الأوحد قَاضِي القُضَاةِ عِمَاد
الدِّيْنِ أَبُو صَالِحٍ وَلَدُ الحَافِظِ الزَّاهِدِ
أَبِي بَكْرٍ، الجِيْلِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ
الأَزَجِيُّ الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ
فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، فَأَجَاز لَهُ وَهُوَ ابْنُ شَهْرٍ
أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ البَطِّيِّ، وَالمُبَارَكُ
بنُ مُحَمَّدٍ البَادرَائِي، وَطَائِفَةٌ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبَوَيْهِ، وَعَلِيّ بن عَسَاكِرَ
البَطَائِحِيّ، وَخَدِيْجَة بِنْت النُّهْرُوَانِيِّ،
وَشُهْدَة الكَاتِبَة، وَمُسْلِم بن ثَابِتٍ، وَعَبْد
الحَقِّ بن يُوْسُفَ، وَأَحْمَد بن المُبَارَكِ
المُرَقَّعَاتِيّ، وَعِيْسَى بن أَحْمَدَ الدُّوْشَابِيّ،
وَمُحَمَّد بن بَدْرٍ الشِّيْحِيّ، وَفَاطِمَة بِنْت أَبِي
غَالِبٍ المَاوَرْدِيِّ، وَأَبِي شَاكِر
السَّقْلاَطُوْنِيِّ، وَتَفَقَّهَ عَلَى وَالِدِه، وَأَبِي
الفَتْحِ ابْنِ المَنِّيِّ. وَدرَّس، وَأَفتَى، وَنَاظرَ
وَسَادَ.
حدث عنه: ابن الدبيثي، وابن النجار، وأبو المُظَفَّرِ ابْن
النَّابُلُسِيّ، وَالشَّمْس بن هَامِلٍ، وَأَبُو
العَبَّاسِ الفَارُوْثِيّ، وَالتَّاج الغَرَّافِيّ،
وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّد بنُ أَحْمَدَ الشَّرِيْشِيُّ،
وَمُحَمَّد بن أَبِي الفَرَجِ ابْن الدَّبَّابِ، وَأَبُو
الحَسَنِ ابْنُ بَلْبَانَ، وَأَبُو المعالي الأبرقوهي،
وعدة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1423"، وشذرات الذهب "5/
161، 162".
(16/282)
وَجَمَعَ "الأَرْبَعِيْنَ" لِنَفْسِهِ،
وَدرَّسَ بِمَدْرَسَةِ جَدِّه، وَبِالمَدْرَسَةِ
الشَّاطِئَةِ وَتَكلّم فِي الْوَعْظ، وَأَلَّف فِي
التَّصَوُّف، وَوَلِيَ القَضَاءَ لِلظَّاهِر بِأَمْرِ
اللهِ، وَأَوَائِل، دَوْلَة المُسْتَنْصِر، ثُمَّ عُزِلَ.
قَالَ الضِّيَاءُ: هُوَ فَقِيْهٌ، كَرِيْمُ النَّفْسِ،
خَيِّرٌ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأَ الخلافات عَلَى أَبِي
مُحَمَّدٍ بنِ أَبِي عَلِيٍّ النُّوْقَانِيِّ
الشَّافِعِيِّ، وَبُنِيت لَهُ دَكَّة بِجَامِعِ القَصْرِ
لِلْمُنَاظَرَة، وَوَعَظَ، فَكَانَ لَهُ قبولٌ تَامٌّ،
وَأُذِنَ لَهُ فِي الدُّخُول عَلَى الأَمِيْرِ أَبِي
نَصْرٍ مُحَمَّدِ ابْنِ النَّاصِرِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ
لِسَمَاعِ المُسْنَدِ بِإِجَازته مِنَ النَّاصِر وَالِدِه
فَأَنِسَ بِهِ، فَلَمَّا اسْتُخلِفَ لُقِّبَ بِالظَّاهِرِ
فَقلَّدَ القَضَاءَ أَبَا صَالِحٍ سنة اثنتين وعشرين، فستر
السِّيرَةَ الحَسَنَةَ، وَسَلكَ الطَّرِيقَةَ
المُسْتَقِيمَةَ، وَأَقَامَ نَامُوسَ الشرع، ولم يحاب
أحدًا، لا مَكَّنَ مِنَ الصِّيَاحِ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَكَانَ يَمضِي إِلَى الجُمُعَةِ مَاشِياً، وَيَكْتُب
الشُّهُودُ مِنْ دَوَاتِه في الجلس، فَلَمَّا اسْتُخلفَ
المُسْتَنْصِرُ أَقرَّهُ أَشْهُراً وَعَزَلَهُ. وَرَوَى
الكَثِيْرَ، وَكَانَ ثِقَةً، مُتحرِّياً، لَهُ فِي
المَذْهَبِ اليَدُ الطُّوْلَى، وَكَانَ لَطِيفاً
مُتَوَاضِعاً، مَزَّاحاً كَيِّساً، وَكَانَ مِقْدَاماً
رَجُلاً مِنَ الرِّجَالِ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي
دَارِ الوَزِيْرِ القُمِّيِّ، وَهُنَاكَ جَمَاعَةٌ، إذ دخل
رجل ذو هيبة، فَقَامُوا لَهُ وَخَدَمُوْهُ، فَقُمْتُ
وَظننتُه بَعْض الفُقَهَاء، فَقِيْلَ: هَذَا ابْنُ كَرَمٍ
اليَهُوْدِيُّ عَامِلُ دَارِ الضَّرْبِ، فَقُلْتُ لَهُ:
تَعَالَ إِلَى هُنَا، فَجَاءَ، وَوَقَفَ، فَقُلْتُ:
وَيْلَكَ! تَوَهَّمْتُكَ فَقِيْهاً فَقُمْتُ إِكرَاماً
لَكَ، وَلَسْتَ -وَيْلَكَ- عِنْدِي بِهَذِهِ الصِّفَةِ،
ثُمَّ كَرَّرتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَائِمٌ يَقُوْلُ:
اللهُ يَحفظُكَ! اللهُ يُبقِيكَ! ثُمَّ قُلْتُ لَهُ:
اخْسَأْ هُنَاكَ بَعِيداً عَنَّا، فَذَهَبَ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ: أَنَّهُ رُسِمَ لَهُ
بِرِزْقٍ مِنَ الخَلِيْفَةِ، وَأَنَّهُ زَارَ يَوْمَئِذٍ
قَبْرَ الإِمَامِ أَحْمَدَ، فَقِيْلَ لِي: دُفِعَ رَسْمُكَ
إِلَى ابْنِ تُوْمَا النَّصْرَانِيِّ، فَامضِ إِلَيْهِ
فَخُذْهُ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لاَ أَمضِي وَلاَ أَطلبه.
فَبقِي ذَلِكَ الذَّهَبُ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ قُتِلَ
-إِلَى لَعنَةِ اللهِ- فِي السَّنَةِ الأُخْرَى، وَأُخِذَ
الذَّهَبُ مِنْ دَارِهِ، فَنفذ إِلَيَّ.
تُوُفِّيَ أَبُو صَالِحٍ فِي سَادِسَ عَشَرَ شَوَّالٍ سنة
ثلاث وثلاثين وست مائة، وَدُفِنَ عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ
حَنْبَلٍ، فَقِيْلَ: إِنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ،
فَعَلَ ذَلِكَ الرَّعَاعُ، فَقُبِضَ عَلَى مَنْ فَعَل
ذَلِكَ وَعُوقِبَ وَحُبِسَ، ثُمَّ نُبِشَ أَبُو صَالِحٍ
لَيلاً بَعْدَ أَيَّامٍ وَدُفِنَ -رَحِمَهُ اللهُ-
وَحْدَهُ.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ بالإجازة: الفخر بن عَسَاكِرَ،
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ حَاتِمٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ
سُلَيْمَانَ، وَالقَاضِي الحَنْبَلِيُّ، وَسَعْدُ
الدِّيْنِ، وَعِيْسَى المُطَعِّمُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ
عَبْدِ الدَّائِمِ، وَأَبُو العَبَّاسِ ابْنُ الشِّحْنَةِ،
وَأَبُو نَصْرٍ ابْنُ الشيرَازِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ
بِقِرَاءتِي: أَخْبَرَكُم نَصْرُ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ،
أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ الوقَايَاتِيِّ
سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، قَالَتْ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُظَفَّرِ التَّمَّارُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ الحُرْفِيُّ، أَخْبَرَنَا
حَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الدِّهْقَانُ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ
بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحِلٌّ
الضَّبِّيُّ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بنَ حَاتِمٍ يُحَدِّثُنَا
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: "اتقوا النار بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ
تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ" 1.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "1413"، ومسلم "1016" "68"،
والنسائي "5/ 74، 75".
(16/283)
ابن ياسين، الناصح:
5694- ابن ياسين 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ الأَمِيْنُ الحَجَّاجُ أَبُو
مَنْصُوْرٍ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَاسِيْنَ بنِ
عَبْدِ المَلِكِ بنِ مُفَرِّجٍ البَغْدَادِيُّ البَزَّازُ
السَّفَّارُ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَطِّيِّ، وَجَعْفَرِ
بنِ عَبْدِ الله ابن الدَّامَغَانِيِّ، وَأُخْتِهِ
تُركُنَازَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخُ عِزُّ الدِّيْنِ
الفَارُوْثِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ بَلْبَانَ.
وَبِالإِجَازَةِ القاضيان؛ ابن الخوبي وَالحَنْبَلِيِّ،
وَالفَخْرُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالقَاسِمُ ابْنُ عَسَاكِرَ،
وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ ابْنُ
الشِّيْرَازِيِّ.
قَالَ ابْنُ أَنْجَبَ فِي تَارِيْخِهِ: حَجَّ تِسْعاً
وَأَرْبَعِيْنَ حَجَّةً.
قُلْتُ: أُسْقِطَتْ شَهَادَتُهُ لِسُوْءِ طَرِيْقَتِهِ
وَظُلْمِهِ.
تُوُفِّيَ فِي خَامِسِ صَفَرٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وثلاثين
وست مائة.
5695- الناصح 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُفْتِي الأَوْحَدُ الوَاعِظُ
الكَبِيْرُ نَاصِحُ الدين أبو الفرج عبد الرحمن بنُ نَجْمِ
ابنِ الإِمَامِ شَرَفِ الإِسْلاَمِ أَبِي البِرَكَاتِ
عَبْدِ الوَهَّابِ ابنِ الشَّيْخِ الكَبِيْرِ أَبِي
الفَرَجِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ
الأَنْصَارِيُّ، السَّعْدِيُّ، العُبادِيُّ،
الشِّيْرَازِيُّ الأَصْلِ، الشَّامِيُّ، المَقْدِسِيُّ،
ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وخمس مائة.
وَتَفَقَّهَ، وَبَرَعَ فِي الوَعْظِ، وَارْتَحَلَ،
وَسَمِعَ مِنْ شهدة الكاتبةـ وتجني الوهبانية، وأبي
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 298"،
وشذرات الذهب "5/ 164".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 298"، وشذرات الذهب "5/
164-166".
(16/284)
شَاكِرٍ يَحْيَى السَّقْلاَطُوْنِيِّ،
وَعَبْدِ الحَقِّ اليُوْسُفِيِّ، وَمُسْلِمِ بنِ ثَابِتٍ
وَنِعْمَةَ بِنْتِ القَاضِي أَبِي خَازِمٍ بنِ الفَرَّاءِ،
وَطَائِفَةٍ بِبَغْدَادَ، وَمِنْ أَبِي مُوْسَى
المَدِيْنِيِّ، وَأَبِي العَبَّاسِ التُّركِ
بِأَصْبَهَانَ، وَمِنْ عَبْدِ الغَنِيِّ بنِ أَبِي
العَلاَءِ بِهَمَذَانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَالضِّيَاءُ
وَالبِرْزَالِيُّ وَالمُنْذِرِيُّ وَأَبُو حَامِدٍ
الصابوني، والشمس بن حازم، والعز ابن العِمَادِ،
وَالتَّقِيُّ بنُ مُؤْمِنٍ، وَنَصْرُ اللهِ بنُ عَيَّاشٍ،
وَعَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بطّيخٍ،
وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّبَّاغُ، وَالشِّهَابُ
بنُ مُشَرَّف، ومحمد بن علي ابن الواسطي، وأبو بكر بن عبد
الدائم.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ القَاضِيَانِ ابْنُ
الخُوَيِّيِّ وَابْنُ حمزة، والبهاء بن عَسَاكِرَ.
وَدَرَّسَ، وَأَفْتَى، وَصَنَّفَ، وَكَانَ رَئِيْسَ
الحَنَابِلَةِ فِي وَقْتِهِ بِدِمَشْقَ، وَكَانَ لَهُ
قَبولٌ زَائِدٌ. حَدَّثَ وَوَعظَ بِمِصْرَ وَبِدِمَشْقَ.
لَهُ خُطَبٌ وَمَقَامَاتٌ، وَكِتَابُ "تَارِيخِ
الوُعَّاظِ". وَكَانَ حُلوَ الإِيرَادِ، صَارِماً،
مَهِيْباً، شَهْماً، كَبِيْرَ القَدْرِ.
تُوُفِّيَ فِي ثَالِث المُحرَّم، سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً.
قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ، أَخْبَرَنَا الحَافِظُ أَبُو
مُوْسَى، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ،
أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحافظ، حدث أَبُو إِسْحَاقَ
بنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ "ح". قَالَ أَبُو
نُعَيْمٍ: وَحَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ محمد بن رزين
الخياط، حدثا البَاغَنْدِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ
بنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن
بن صَابِرٍ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بنُ قَيْسٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبو
عَامِرٍ وأَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ -وَاللهِ مَا
كَذَبَنِي: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلَّم- يَقُوْلُ: "لَيَكُوْنَنَّ فِي أُمَّتِي
أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّوْنَ الحَرِيْرَ والخمر والمعازف،
ولنزلن أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَروحُ عَلَيْهِم
بسارحةٍ فيأتيهم رجل لحاجة فيقولون له: ارجع إلينا غدا
فيبيتهم الله -تعالى، ويضع العلم عليهم، وَيُمسَخُ
آخَرُوْنَ قِرَدَةً وَخَنَازِيْرَ" 1.
أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ تَعلِيقاً لِهِشَامٍ، وَرَوَاهُ
ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ فِي "تَارِيْخِهِ" عَنِ الناصح.
__________
1 صحيح: علقه البخاري "5590"، ووصله أبو داود "4039"،
والطبراني "3417"، والبيهقي "10/ 221"، وقد سبق لنا تخريج
هذا الحديث في هذا المجلد السادس عشر.
(16/285)
أخوه، القطيعي:
5696- أخوه 1:
الشَّيْخُ الفَقِيْهُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ
نَجْمٍ، تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَلَهُ سَبْعٌ وَسَبْعُوْنَ
سَنَةً.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي تَمِيْمٍ سَلْمَانَ الرَّحَبِيِّ،
وَالكَمَالِ ابنِ الشَّهْرُزُوْرِيِّ وَالحَيْصَ بَيْصَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الصَّفِيُّ خَلِيْلٌ المراغي في "مشيخته".
5697- القطيعي 2:
الشَّيْخُ العَالِمُ المُحَدِّثُ المُفِيْدُ المُؤَرِّخُ
المُعَمَّرُ مُسْنِدُ العِرَاقِ -شَيْخُ
المُسْتَنْصِرِيَّةِ أَوَّلَ مَا فُتِحَتْ- أَبُو الحَسَنِ
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ بنِ حُسَيْنٍ
البَغْدَادِيُّ، ابْنُ القَطِيْعِيِّ.
وُلِدَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
سَمَّعَهُ وَالِدُهُ الفَقِيْهُ أَبُو العَبَّاسِ
القَطِيْعِيُّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ،
وَنَصْرِ بنِ نَصْرٍ العُكْبَرِيِّ، وَأَبِي جعفر أحمد بن
محمد العباس، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، فَرَوَى
عَنْهُ "الصَّحِيْحَ"، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ الخَلِّ
الفَقِيْهِ، وَسَلْمَانَ الشَّحَّامِ، وَطَائِفَةٍ.
ثُمَّ طَلبَ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَارْتَحَلَ، فَسَمِعَ
بِالمَوْصِلِ مِنْ يَحْيَى بنِ سَعدُوْنَ القُرْطُبِيِّ،
وَخَطِيْبِهَا أَبِي الفَضْلِ الطُّوْسِيِّ، وَبِدِمَشْقَ
مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الكِنَانِيِّ،
وَأَبِي المَعَالِي بنِ صَابِرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ
القُرَشِيِّ. وَقَدْ لَزِمَ الشَّيْخَ أَبَا الفَرَجِ
ابْنَ الجَوْزِيِّ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَأَخَذَ
عَنْهُ الوَعْظَ، وَجَمَعَ "ذَيْلَ التَّارِيْخِ"
لِبَغْدَادَ، وَمَا تَمَّمَهُ، وَخَدَمَ فِي بَعْضِ
الجِهَاتِ، وَنَابَ عَنِ الصَّاحبِ مُحْيِي الدِّيْنِ
ابْنِ الجَوْزِيِّ فِي الحِسْبَةِ، وَفترَ عَنِ
الحَدِيْثِ، بَلْ تَرَكَهُ، ثُمَّ طَالَ عُمُرُهُ، وَعَلاَ
سَنَدُهُ، وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ، فَأُعْطِيَ مَشْيَخَةَ
المُسْتَنْصِرِيَّةِ. وَكَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ،
ثُمَّ تَرَكَهُ وَكَانَ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ بِبَلدِهِ
"بِالصَّحِيْحِ" كَامِلاً عَنْ أَبِي الوَقْتِ،
وَتَفَرَّدَ بِعِدَّةِ أَجزَاءَ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: هُوَ شَيْخٌ صَالِحُ السَّمَاعِ،
صَنَّفَ لبَغْدَادَ "تَارِيخاً" إلَّا أَنَّهُ مَا
أَظَهْرَهُ.
قُلْتُ: وَكَانَ لَهُ أُصُوْلٌ يَرْوِي مِنْهَا، وَكَانَ
يَتَعَاسَرُ فِي الرِّوَايَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ
النَّجَّارِ، وَالسَّيْفُ ابْنُ المَجْدِ، وَالجَمَالُ
الشَّرِيْشِيُّ، وَالعِزُّ الفَارُوْثِيُّ، وَالعَلاَءُ
بنُ بَلْبَانَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ ابنِ الكَسَّارِ،
وَالفَقِيْهُ سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ الطِّيْبِيُّ،
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 119".
2 ترجمته في لسان الميزان "5/ ترجمة 160"، وشذرات الذهب
لابن العماد "5/ 162، 163 و168".
(16/286)
والمجد عبد العزيز ابن الخَلِيْلِيِّ،
وَالشِّهَابُ الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَالتَّاجُ
الغَرَّافِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَبِالإِجَازَةِ القاضيان
الخوبي والحنبلي، والفخر بن عَسَاكِرَ وَابْنُ عَمِّهِ
البَهَاءُ، وَسَعْدُ الدِّيْنِ ابْنُ سَعْدٍ، وَعِيْسَى
المُطَعِّمُ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو
نَصْرٍ ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: جَمعَ "تَارِيْخاً"، وَلَمْ
يَكُنْ مُحَقِّقاً فِيمَا يَنقُلهُ وَيَقُوْلُهُ، عَفَا
اللهُ عَنْهُ. وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ،
أَذْهَبَ عُمُرَهُ فِي "التَّارِيْخِ" الَّذِي عَمِلَه،
طَالعتُهُ فَرَأَيْتٌ فِيْهِ كَثِيْراً مِنَ الغَلَط
وَالتَّصحيفِ، فَأَوْقَفتُه عَلَى وَجهِ الصَّوَابِ فِيْهِ
فَلَمْ يَفْهَم، وَقَدْ نَقَلْتُ عَنْهُ، مِنْهُ أَشيَاءُ
لاَ يَطمئنُّ قَلْبِي إِلَيْهَا، وَالعُهدَة عَلَيْهِ.
وَسَمِعْتُ عَبْدَ العَزِيْز بنَ دُلَفٍ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ الوَزِيْر أَبَا المُظَفَّرِ بنَ يُوْنُسَ
يَقُوْلُ لأَبِي الحَسَنِ ابْنِ القَطِيْعِيِّ: وَيْلَك!
عُمُرَكَ تَقرَأُ الحَدِيْث، وَلاَ تُحسنُ تَقرَأُ
حَدِيْثاً وَاحِداً صَحِيْحاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَكَانَ لحنةً، قيل المَعْرِفَةِ
بِأَسْمَاءِ الرِّجَالِ، أَسَنَّ وَعُزِلَ عَنِ
الشَّهَادَةِ، وَأُلْزِمَ مَنْزِلَه.
تُوُفِّيَ فِي رَابعِ أَوْ خَامِسِ رَبِيْعٍ الآخِرِ،
سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: الْملك المُحْسِنُ أَحْمَدُ ابنُ
السُّلْطَانِ صَلاَحِ الدِّيْنِ يُوْسُفَ، وَالشَّيْخ
إِسْحَاق بن أَحْمَدَ العَلْثِيُّ الزَّاهِدُ،
وَالمُحَدِّث وَجِيْهُ الدِّيْنِ بَرَكَاتُ بنُ ظافر بن
عساكر المصري، والموفق حمد ابن أَحْمَدَ بنِ صُدَيْقٍ
الحَرَّانِيُّ الحَنْبَلِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ خَلِيْل بن
أَحْمَدَ الجَوْسَقِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ ابن
يَاسِيْنَ، وَالحَافِظُ أَبُو الرَّبِيْعِ الكَلاَعِيُّ،
وَالضَّحَّاكُ بنُ أَبِي بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ،
وَالنَّاصِحُ ابْنُ الحَنْبَلِيِّ، وَأَبُو البَرَكَاتِ
عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القُبَّيْطِيِّ،
وَالنَّاصحُ عَبْدُ القَادِرِ بنُ عَبْدِ القَاهِرِ
الحَرَّانِيُّ الحَنْبَلِيُّ، وَالشَّرَفُ عَبْدُ
القَادِرِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ ثُمَّ
المِصْرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ ابْنُ شَاعِرِ
العِرَاقِ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ ابْن
التَّعَاوِيْذِيِّ، وَعَبْد الوَاحِدِ بن نِزَارٍ ابْنُ
الجَمَالِ، وَأَبُو عَمْرٍو عُثْمَان بن حَسَنِ بنِ
دِحْيَةَ اللُّغَوِيُّ السَّبْتِيُّ، وعلي بن محمد بن كبة،
وَالكَمَالُ عَلِيّ بن أَبِي الفَتْحِ الكُنَارِيّ
الطَّبِيْب بِحَلَبَ، وَصَاحِب الرُّوْم كيقبَاد بن
كيخسرو، وَالصَّاحب مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ مُهَاجِرٍ
بِدِمَشْقَ، وَصَاحِب حَلَب الْملك العَزِيْز مُحَمَّد
ابْن الظَّاهِر، وَخَطِيْب شُقْر أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ وَضَّاحٍ المُقْرِئ، وَالمُحْتَسِبُ
فَخْر الدِّيْنِ مَحْمُوْدُ بن سيمَا، وَمُرْتَضَى بنُ
العَفِيْف، وَأَبُو بَكْرٍ هِبَةُ اللهِ بنُ كَمَالٍ،
وَيَاسَمِينُ بِنْتُ البَيْطَارِ.
(16/287)
مرتضى، ابن كمال:
5698- مرتضى 1:
ابن العَفِيْفِ أَبِي الجُوْدِ حَاتِمِ بنِ المُسَلَّمِ
بنِ أَبِي العَرَبِ، الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُقْرِئُ،
المُحَدِّثُ، أَبُو الحَسَنِ الحَارِثِيُّ، المِصْرِيُّ،
الحَوْفِيُّ.
مَوْلِدُهُ بِالحَوْفِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ تَقْرِيْباً.
وَقَرَأَ بِالسَّبْعِ عَلَى " ... "2. وَسَمِعَ مِنْ أَبِي
طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَالقَاضِي مُحَمَّد بن عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الحَضْرَمِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن قَاسمٍ
الزَّيَّاتِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَرِّيٍّ، وَسَلامَةَ ابن
عَبْدِ البَاقِي، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ
المُنْذِرِيُّ، وَحَفِيْدُهُ حَاتِمُ بنُ حُسَيْنِ بن
مرتضى، وأحمد بن عبد الكريم المنذرين وَالتَّاج
الغَرَّافِيُّ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ،
وَعِدَّةٌ. وَبِالإِجَازَةِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَآخِرُ مَنْ
رَوَى عَنْهُ حُضُوْراً الجَمَالُ مُحَمَّدُ بنُ مُكَرَّمٍ
الكَاتِبُ.
قَالَ المُنْذِرِيُّ: كَانَ عَلَى طَرِيقَةٍ حَسَنَةٍ،
كَثِيْرَ التِّلاَوَةِ لَيْلاً وَنَهَاراً، وَأَبُوْهُ
أَحَدُ المُنْقَطِعِيْن المَشْهُوْرِيْنَ بِالصَّلاَحِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ مُرْتَضَى بِدِمَشْقَ، وَكَانَ عِنْدَهُ
فِقْهٌ وَمَعْرِفَةٌ وَنَبَاهَةٌ. كَتَبَ بِخَطِّهِ
الكَثِيْرِ.
وَقَالَ التَّقِيُّ عبيد: كَانَ فَقِيراً صَبُوْراً لَهُ
قبولٌ، يَخْتِم فِي الشَّهْر ثَلاَثِيْنَ ختمَةً. وَلَهُ
فِي رَمَضَانَ سِتُّوْنَ ختمَةً، رَحِمَهُ اللهُ.
تُوُفِّيَ بِالشَّارِعِ، فِي التَّاسعِ وَالعِشْرِيْنَ
مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ، وَكَانَ شَافِعِيّاً.
قُلْتُ: مَا ذَكَرَ المُنْذِرِيُّ على من تلا بالسبع.
5699- ابن كمال 3:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ الخَاشِعُ أَبُو بَكْرٍ هِبَةُ اللهِ
بن عُمَرَ بنِ حَسَنٍ الحَرْبِيُّ، البَغْدَادِيُّ،
القَطَّانُ، الحلاج، المعروف بابن كمال.
حَدَّثَ عَنْ: هِبَة اللهِ بنِ أَحْمَدَ الشِّبْلِيِّ،
وَكَمَالِ بِنْت الحَافِظِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ
السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَأَبِي المَعَالِي بنِ اللَّحَّاسِ.
وَتَفَرَّد فِي وَقْتِهِ، وَكَانَ مِنَ الأَخيَارِ.
أَخَذَ عَنْهُ: ابْنُ المَجْدِ، وَالكَمَالُ ابْن
الدّخميسِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ بَلْبَانَ،
وَطَائِفَة.
وَبِالإِجَازَةِ: الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَالفَخْرُ ابْنُ
عَسَاكِرَ وَابْنُ عَمِّهِ البَهَاءُ، وَالمُطَعِّمُ،
وَابْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ الشِّيْرَازِيّ، وَابْنُ
الشِّحنَةِ، وَعِدَّةٌ.
مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عشر التسعين.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1419، 1420"، والنجوم
الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 299"، وشذرات الذهب لابن
العماد "5/ 168".
2 فراغ في الأصل.
3 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1420"، والنجوم الزاهرة لابن
تغري بردي "6/ 299"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 169".
(16/288)
ياسمين، الأنجب:
5700- ياسمين 1:
الشَّيخَةُ المُعَمَّرَةُ المُبَارَكَةُ أُمُّ عَبْدِ
اللهِ يَاسَمِينُ بِنْتُ سَالِمِ بنِ عَلِيِّ بنِ
سَلاَمَةَ ابْنِ البَيْطَارِ الحَرِيْمِيَّةُ، أُخْتُ
المُسْنِدِ ظَفَرِ الدِّيْنِ الَّذِي رَوَى لَنَا عَنْهُ
الأَبَرْقُوْهِيُّ.
رَوَتْ جُزْءاً عَنْ أَبِي المُظَفَّرِ هِبَة اللهِ ابْنِ
الشِّبْلِيِّ، تَفَرَّدَتْ بِهِ.
حَدَّثَ عَنْهَا: تَقِيُّ الدِّيْنِ ابْنُ الوَاسِطِيِّ،
وَابْنُ الزَّينِ، وَجَمَالُ الدِّيْنِ أَبُو بَكْرٍ
الشَّرِيْشِيُّ، وَابْنُ بَلْبَانَ، وَجَمَاعَةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: القَاضِي، وَابْنُ سَعْدٍ،
وَالمُطَعِّمُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ،
وَالبَهَاءُ ابن عساكر، وابن الشحنة وآخرون.
تُوُفِّيَت يَوْمَ عَاشُورَاءَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائة، في عشر التسعين.
5701- الأنجب 2:
ابن أَبِي السَّعَادَاتِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، المُسْنِدُ،
الصَّدُوْق، المُكْثِرُ، أَبُو مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ،
الحَمَّامِيُّ، وَيُسَمَّى أَيْضاً مُحَمَّداً.
وُلِدَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ شَيْئاً
كَثِيْراً، وَمِنْ: أَبِي المَعَالِي بنِ اللَّحَّاسِ،
وَأَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ
المُقَرِّبِ، وَيَحْيَى بنِ ثَابِتٍ، وَسَعْدِ اللهِ ابْنِ
الدَّجَاجِيِّ. وَأَجَاز لَهُ مِنْ أَصْبَهَان: مَسْعُوْدٌ
الثَّقَفِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الرُّسْتَمِيُّ.
__________
1 ترجمتها في تذكرة الحفاظ "4/ 1420"، وشذرات الذهب لابن
العماد "5/ 169".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 301"،
وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 170".
(16/289)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ،
وَعِزُّ الدِّيْنِ الفَارُوْثِيُّ، وَكَمَالُ الدِّيْنِ
الشَّرِيْشِيُّ، وَجَمَالُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ ابنُ
الدَّبَّابِ، وَتَقِيُّ الدِّيْنِ ابْنُ الوَاسِطِيِّ،
وَعَلاَءُ الدِّيْنِ ابْنُ بَلْبَانَ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ
ابنُ الزَّينِ، وَمُحَمَّد بن مَكِّيٍّ، وَأَبُو
المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ سُنْقُر
القَضَائِيُّ، وَعَبْد اللهِ بن أَبِي السَّعَادَاتِ،
وَالمُجَاوِر أَحْمَد بن أَبِي طَالِبٍ بن أَبِي بَكْرٍ
بنِ مُحَمَّدٍ الحَمَّامِيّ، وَعِدَّةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: القَاضِي الحَنْبَلِيّ، وَالفَخْر بن
عَسَاكِرَ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَالمُطَعِّمُ، وأبو العباس
ابن الشحنة، وأبو نصر ابن الشيرازي وجماعة.
وَمِنْ مَسْمُوْعَاتِه "حِلْيَةُ الأَوْلِيَاءِ" كُلّه
عَلَى ابْنِ البطي، و"المنتقى" من سبعة أجزاء،
و"المُخَلِّص" سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ اللَّحَّاسِ، وَ"سُنَن
ابْنِ مَاجَه" عَلَى أَبِي زُرْعَةَ، وَ"مُسْنَدُ
الحُمَيْدِيِّ": أَخْبَرْنَا ابْنُ الدَّجَاجِيّ. وَكَانَ
شَيْخاً حَسَناً مُحِباً لِلرِّوَايَةِ طَيِّبَ
الأَخْلاَقِ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ سَمَاعُهُ صَحِيْحاً.
قَالَ المُنْذِرِيّ: تُوُفِّيَ بِالمَارستَان العَضُدِيّ،
فِي تَاسِعَ عَشَرَ رَبِيْع الآخِرِ، سَنَةَ خَمْسٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ فِي جِوَار شَيْخنَا ابْنِ
مَشِّقْ فَأَسْمَعَهُ الكَثِيْرَ، وَكَانَ شَيْخاً لَا
بَأْسَ بِهِ، حَسَنَ الأخلاق، صورًا، عزيز النفس مع فقره.
(16/290)
5702- ابن
اللتي 1:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ المُسْنِدُ المُعَمَّر رحلَة الوَقْت
أَبُو المنجى عبد الله بن عمر بن علي بنِ زَيْدٍ ابنُ
اللَّتِّيِّ البَغْدَادِيُّ الحَرِيْمِيُّ الطَّاهِرِيُّ
القَزَّاز.
وُلِدَ بِشَارع دَار الرَّقيق فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ
خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَسَمَّعَهُ
عَمُّهُ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ سَعِيْد بن أَحْمَدَ ابْنِ
البَنَّاءِ حُضُوْراً فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الوَقْت السِّجْزِيِّ كَثِيْراً
"كَالدَّارِمِيّ" وَ"مُنْتَخَب مُسْنَدِ عَبْدٍ"
وَأَشيَاءَ. وَمِنْ: أَبِي الفتوح الطائي، وأبي المعالي
ابن اللحاس، وَأَبِي الفَتْحِ ابْن البَطِّيِّ، وَعُمَر بن
عَبْدِ اللهِ الحَرْبِيّ، وَالحَسَن بن جَعْفَرٍ
المُتَوَكّلِيّ، وَأَحْمَد بن المُقَرَّبِ، وَمُقْبل ابْنِ
الصَّدْرِ، وَعُمَر بنِ بنيمان، ومسعود بن شنيف، وجماعة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 301"، وشذرات الذهب "5/
171".
(16/290)
وَأَجَازَ لَهُ: المُفْتِي أَبُو عَبْدِ
اللهِ الرُّسْتَمِيُّ، ومسعود الثقفي، ومحمود فورجه،
وإسماعيل ابن شَهْرَيَارَ، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ
اللّبَّادُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ
الصَّيْدَلاَنِيّ، وَعِدَّة.
وَرَوَى الكَثِيْر: بِبَغْدَادَ، وَبِحَلَبَ، وَدِمَشْقَ،
وَالكَرَك. وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَبَعُدُ صِيْتُهُ.
وَرَوَى عَنْهُ خَلاَئِقُ، مِنْهُم: ابْنُ النَّجَّارِ،
وَابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ
النَّابلسِيِّ، وَابْنُ هَامِلٍ، وَابْنُ الصَّابُوْنِيِّ،
وَالشِّهَابُ ابْنُ الخرزِيِّ، وَابْنُ الظَّاهِرِيِّ،
وَأَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنِيُّ، وَالمَجْدُ بنُ
المِهتَارِ، وَبَهَاءُ الدين ابن النحاس، وأبو حامد الكبر،
وَعِيْسَى المُطَعِّمُ، وَعَلِيُّ بنُ هَارُوْنَ،
وَالفَخْرُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَايْمَازَ،
وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الإِرْبِلِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ
ابْنُ الحُبُوبِيِّ، وَعُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
العَقْربَائِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مَكتُوْمٍ، وَعَبْدُ
الأَحَدِ بنُ تَيْمِيَةَ، وَالقَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ،
وَهَدِيَّةُ بِنْتُ عَسْكَرٍ، وَالقَاسِمُ بنُ عَسَاكِرَ،
وَزَيْنَبُ بِنْتُ شكرٍ، وَأَحْمَدُ ابن أَبِي طَالِبٍ
الدَّيرمُقَرنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَازر، وَخَلْقٌ سواهم.
سَمِعْتُ مِنْ نَحْو ثَمَانِيْنَ نَفْساً مِنْ
أَصْحَابِهِ، وَكَانَ شَيْخاً صَالِحاً، مُبَارَكاً،
عَامِّياً عَرِيّاً مِنَ العِلْمِ!
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: بِهِ خُتِمَ حَدِيْث القاسم
البغوي بعلو، وكان سماعه صحيحًا.
قتل: أَقدمه مَعَهُ المُحَدِّثُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ
ابنُ الجَوْهَرِيِّ، وَأَكْثَر عَنْهُ شَيْخنَا أَبُو
عَلِيٍّ ابْن الحَلاَّلِ بِقَرْيَةِ جديَا، وَحَدَّثَ
بِالبَلَدِ، وَبِالجَامِع المُظَفَّرِيِّ، وَبِالكَرَكِ،
وَأَمَاكنَ، وَسكنَ الكَرَك أَشْهُراً، وَحَدَّثَ بِحَلَبَ
فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَسَارَ إِلَى
بَغْدَادَ بَعْدَ إقَامَتِهِ بِالشَّامِ سَنَةً وَشَهْراً،
وَحَصَّلَ جُمْلَةً مِنَ الهِبَاتِ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَة: سَمَاعُه صَحِيْحٌ، وَلَهُ أَخ زوَّر
لأَخِيه عَبْد اللهِ إجازات من ابن ناصر وغيه، وَإِلَى
الآنَ مَا عَلمته رَوَى بِهَا شَيْئاً وَهِيَ إِجَازَة
بَاطِلَة، وَأَمَّا الشَّيْخ فَشيخ صَالِح لاَ يَدْرِي
هَذَا الشَّأْن أَلبتَّةَ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ، فِي رَابِعَ عَشَرَ
جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ، وَمَا رَوَى مِنَ المزور له شيئًا.
(16/291)
الملك المحسن، ابن
طراد، ابن سكينة:
5703- الملك المحسن 1:
المُحَدِّثُ العَالِمُ الزَّاهِدُ ظَهِيْر الدِّيْنِ
أَحْمَدُ ابْن السُّلْطَانِ صَلاَحِ الدِّيْنِ يُوْسُفَ
بنِ أَيُّوْبَ.
رَوَى عَنْ: يَحْيَى الثَّقَفِيِّ، وَابْنِ صَدَقَةَ،
وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَقَرَأَ، وَأَحْسَن إِلَى طَلبَة
الحَدِيْث كَثِيْراً.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: سُنْقُر القَضَائِيُّ، وَقِيْلَ:
لَقَبُهُ يَمِيْنُ الدِّيْنِ.
مَاتَ فِي المُحرَّم، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً.
وَمَاتَ أَخُوْهُ الزَّاهر دَاوُد: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَثَلاَثِيْنَ.
وَمَاتَ أَخُوْهُمَا المُفَضَّلُ قُطْبُ الدِّيْنِ مُوْسَى
سَنَةَ إِحْدَى وثلاثين وست مائة.
5704- ابن طراد 2:
الشَّرِيْفُ الجَلِيْلُ المُعَمَّرُ أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ
اللهِ بنُ المُظَفَّرِ ابْنِ الوَزِيْرِ الكَبِيْرِ أَبِي
القَاسِمِ عَلِيِّ ابنِ النَّقِيْب أَبِي الفَوَارِسِ
طِرَادِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ،
العَبَّاسِيُّ، الزَّيْنَبِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ فِي
الخَامِسَةِ، وَمِنْ يَحْيَى بنِ ثَابِتٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ السَّكَن، وَشُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَأَبِي
بَكْرٍ بنِ النَّقُّوْرِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ بنُ بَلْبَانَ، وَجَمَال
الدِّيْنِ الشَّرِيْشِيُّ، وَعِزُّ الدِّيْنِ
الفَارُوْثِيُّ، وَطَائِفَةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: القَاضِي الحَنْبَلِيّ، وَالفَخْر بن
عَسَاكِرَ، وَسَعْد الدِّيْنِ، وَعِيْسَى المُطَعِّمُ،
وَابْن الشِّيْرَازِيّ، وَأَبُو العَبَّاسِ ابْنُ
الشِّحنَة، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ فِي سَادِسَ عَشَرَ رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائة.
5705- ابن سكينة 3:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ المَهِيْب شَيْخُ الشُّيُوْخِ صَدْرُ
الدِّيْنِ أبو الفضل عَبْدُ الرَّزَّاقِ ابنُ أَبِي
أَحْمَدَ عَبْدِ الوَهَّابِ ابْنِ الأَمِيْنِ عَلِيِّ بنِ
عَلِيِّ بنِ سُكَيْنَةَ البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ
وَخَمْسِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَطِّيِّ
حُضُوْراً، وَمِنْ شُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَمِنْ جَدِّهِ
لأمه عبد الرحيم ابن أبي سعد.
حدث بدمشق وبعداد؛ رَوَى عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَسَعْدُ
الخَيْرِ ابْنُ النَّابلسِيِّ، وَابْنُ بَلْبَانَ، وَأَبُو
الفَضْلِ بنُ عَسَاكِر. وَبِالإِجَازَةِ: أبو نصر ابن
الشيرازي.
وَنُفِّذَ رَسُوْلاً. مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ
وَسِتِّ مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 298"، وشذرات الذهب "5/
162".
2 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 171".
3 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 301"،
وشذرات الذهب "5/ 171".
(16/292)
ابن رئيس الرؤساء،
محمد بن يوسف هود:
5706- ابن رئيس الرؤساء 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ الصَّدْر أَبُو مُحَمَّدٍ الحُسَيْنُ
بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ هِبَةِ اللهِ ابْنِ
رَئِيْسِ الرُّؤَسَاءِ ابْنِ المُسْلِمَةِ الصُّوْفِيُّ،
النَّاسخُ.
سَمِعَ: أَبَا الفَتْحِ ابْنَ البَطِّيِّ، وَأَحْمَدَ بنَ
المُقَرَّبِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ حَسَنَ
الطّرِيْقَةِ، مُتَدَيِّناً، يُوَرِّق لِلنَّاسِ. مَاتَ:
فِي رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: مَوْلِدُهُ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى
وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخُ عِزُّ الدِّيْنِ
الفَارُوْثِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ بَلْبَانَ.
وَبِالإِجَازَةِ: فَاطِمَةُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو
نَصْرٍ ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ، وَطَائِفَةٌ.
مَاتَ فِي ثَالِثِ رَجَبٍ.
5707- مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ هُودٍ:
الأَنْدَلُسِيُّ السُّلْطَانُ أَبُو عَبْدِ اللهِ.
قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي الوَلِيْدِ بنِ الحَاجِّ، قَالَ:
لَمَّا قضى الله -تعالى- بهلاك المُوَحِّدِيْنَ
بِالأَنْدَلُسِ، وَذَلِكَ أَنَّهُم ابْتُلُوا بِالصَّلاَحِ
فِي الظَّاهِرِ، وَالأَعْمَالِ الفَاسِدَةِ فِي البَاطِنِ،
فَأَبْغَضَهُمُ النَّاسُ بُغْضاً شَدِيْداً، وَتَرَبَّصُوا
بِهِمُ الدَّوَائِرَ، إِلَى أَنْ نَجَمَ ابْنُ هُودٍ فِي
سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ بِشَرقِ
الأَنْدَلُسِ فَقَامَ النَّاسُ كُلُّهُم بِدَعْوَتِهِ،
وَتَعَصَّبُوا مَعَهُ، وَقَاتَلُوا المُوَحِّدِيْنَ فِي
البُلْدَانِ، وَحَصَرُوهُم فِي القِلاعِ، وَقَهَرُوهُم،
وَقَتلُوا فِيهِم، وَنُصِرَ عَلَى المُوَحِّدِيْن،
وَخَلُصَت الأَنْدَلُسُ كُلُّهَا لَهُ، وَفَرِحَ النَّاسُ
بِهِ فَرَحاً عَظِيْماً، فَلَمَّا تَمَهَّدَ أَمْرُهُ أنشأ
غزوة للفرنج على مدينة
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 301"، وشذرات الذهب لابن
العماد "5/ 170".
(16/293)
مَارِدَةَ بِغَربِ الأَنْدَلُسِ،
وَاسْتَدعَى النَّاسَ مِنَ الأَقْطَارِ، فَانْتدبَ
الخَلْقُ لَهُ بِجِدٍّ وَاجْتِهَادٍ وَخُلُوصِ نِيَّةِ
المُرْتَزِقَة وَالمُطّوعَة، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ
الأَنْدَلُسِ كُلُّهُم، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ حَبَسَهُ
العُذْرُ، فَدَخَلَ بهم إلى الإفرنج، فلما تراءى الجمعان
وقت الهَزِيْمَةُ عَلَى المُسْلِمِيْنَ أَقبحَ هَزِيْمَةٍ
فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، وَكَانَتْ
تِلْكَ الأَرْضُ مَدْيَسَةً بِمَاءٍ وَعَزْقٍ تَسَمَّرَت
فِيْهَا الخَيْل إِلَى آباطهَا، وَهَلَكَ الخَلْقُ،
وَأَتبعهُم الفِرَنْجُ بِالقَتْلِ وَالأَسْرِ وَلَمْ
يَبْقَ إلَّا القَلِيْلُ، وَرَجَعَ ابْنُ هُودٍ فِي
أَسْوَأِ حَالٍ إِلَى إِشْبِيْلِيَةَ، فَنَعُوذُ بِهِ مِنْ
سُوْءِ المُنْقَلَبِ، فَلَمْ تَبق بُقعَة مِنَ الأَنْدَلُس
إلَّا وَفِيْهَا البُكَاءُ وَالصِّيَاح العَظِيْم
وَالحُزْن الطَّوِيْل، فَكَانَتْ إِحْدَى هَلَكَات
الأَنْدَلُس، فَمَقَتَ النَّاسُ ابْنَ هود، وَصَارُوا
يُسَمّونه المَحْرُومَ، وَلَمْ يَقدر أَنْ يَفعلَ مَعَ
الفِرَنْج كَبِيْر فَعل قَطُّ إلَّا مرَّة أَخَذَ لَهُم
غَنَماً كَثِيْرَةً جِدّاً، ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ شُعَيْب
بن هِلاَلَة بِلَبْلَة، فَصَالَحَ ابْنُ هود الأَدفوش
عَلَى مُحَاصرَة لَبْلَةَ وَمُعَاونته عَلَى أَنْ
يُعْطِيَهُ قُرْطُبَةَ، وَاتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ
لَهُ: لاَ يَسُوغ أَنْ يَدخلهَا الفِرَنْج عَلَى
البَدِيْهَةِ، وَإِنَّمَا تُهمِلُ أَمرَهَا، وَتُخلِيهَا
مِنْ حرس، وَوَجِّهْ أَنْتَ الفِرَنْج يَتَعَلَّقُوْنَ
بِأَسوَارِهَا بِاللَّيْلِ وَيَغدرُوْنَ بِهَا، فَفَعلُوا
كَذَلِكَ. وَوَجَّه ابْنُ هُوْدٍ إِلَى وَالِيهِ
بِقُرْطُبَةَ فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ، وَأَمره بِضِيَاعهَا
مِنْ حَيِّزِ الشَّرْقِيَّة فَجَاءَ الفِرَنْجُ
فَوَجَدُوْهُ خَالِياً، فجعلوا السلام وَاسْتوَوا عَلَى
السُّوْر فَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّة إلَّا بِاللهِ.
وَكَانَتْ قُرْطُبَة مَدينَتَيْنِ: إِحدَاهُمَا
الشَّرْقِيَّةُ وَالأُخْرَى المَدِيْنَة العُظْمَى،
فَقَامَتِ الصَّيْحَة وَالنَّاس فِي صَلاَةِ الفَجْر،
فَرَكِبَ الجُنْد وَقَالُوا لِلوَالِي: اخْرُج بِنَا
لِلمُلْتَقَى، فَقَالَ: اصْبِرُوا حَتَّى يضحِي النَّهَار،
فَلَمَّا أَضْحَى رَكِبَ وَخَرَجَ مَعَهُم، فَلَمَّا
أَشْرَفَ عَلَى الفِرَنْج قَالَ: ارجعُوا حَتَّى أَلبس
سلاَحِي! فَرَجَعَ بِهِم وَهُم يُصَدِّقُونه، وَذَا أَمرٌ
قَدْ دُبر بِليلٍ، فَدَخَلَ الفِرَنْج عَلَى أَثرِهِم،
وَانْتَشَرُوا، وَهَرَبَ النَّاسُ إِلَى البَلَدِ،
وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ الشُّيُوْخ وَالولدَان وَالنسوَان،
وَنُهِبَ لِلنَّاسِ مَا لَا َيُحْصَى، وَانحصرت
المَدِيْنَة العُظْمَى بِالخَلْقِ فَحَاصَرَهُم الفِرَنْج
شُهُوْراً، وَقَاتلوهُم أَشَدّ القِتَال، وَعدم أَهْلُهَا
الأَقوَات، وَمَاتَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ جُوْعاً، ثُمَّ
اتَّفَقَ رَأْيُهُم مَعَ أَدفونش -لَعَنَهُ اللهُ- عَلَى
أَنْ يُسلموهَا وَيَخْرُجُوا بِأَمتعتِهِم كُلّهَا،
فَفَعَل، وَوَفَّى لَهُم، وَوصّلهُم إِلَى مَأْمَنِهِم فِي
سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَلَمْ يُمتّع بَعْدهَا ابْن هُود، بَلْ أَخَذَهُ
اللهُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ، فَكَانَتْ دَوْلَتُه تِسْعَةَ
أَعْوَامٍ وَتِسْعَةَ أَشهر وَتِسْعَةَ أَيَّام، وَهَلَكَ
بِالمَرِيَّةِ جُهّز عَلَيْهِ مَن غَمَّهُ وَهو نَائِم،
وَحُمِلَ إِلَى مُرْسِيَة فَدُفِنَ هُنَاكَ، وَلَمْ يَمت
حَتَّى قَوِيَ أَمرُ المُوَحِّدِيْن وَقَامَ بَعْدَهُ
مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ نَصْر ابْن الأَحْمَر، وَدَامَ
الْملك فِي ذُرِّيَته. وَقَدِمَ عَلَيْنَا دِمَشْق ابْن
أَخِيْهِ الزَّاهِدُ الكَبِيْرُ بَدْر الدِّيْنِ بن هُود،
وَرَأَيْتُهُ، وَكَانَ فَلسفِيَّ التَّصَوُّف يَشْرَب
الخَمْر، أخذه الأعوان مخمورًا!
(16/294)
الرعيني، صاحب الروم:
5708- الرعيني 1:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ المُتْقِن الرَّحَّالُ أَبُو
مُوْسَى عِيْسَى بن سليمان الرعيني، الأندلسي، الرندي.
سَمِعَ بِمَالَقَةَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ القُرْطُبِيِّ،
وَأَبِي العَبَّاسِ بنِ الجَيَّارِ، وَبأَصْطبَّةَ مِنْ
إِبْرَاهِيْمَ بن عَلِيٍّ الخَوْلاَنِيّ. وَحَجّ وَأَكْثَر
بِدِمَشْقَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ البُنِّ، وَأَبِي
القَاسِمِ بنِ صَصْرَى، وَالطَّبَقَة.
ذكره الأَبَّارُ، فَقَالَ: كَانَ ضَابِطاً مُتْقِناً، كتبَ
الكَثِيْرَ، ثُمَّ امتُحِنَ فِي صَدَرِهِ بأَسر العَدُوِّ،
فَذَهَبَ أَكْثَر مَا جَلب، وَوَلِيَ خطَابَة مَالَقَة،
وَأَجَاز لِي مَرْوِيَّاتِه. تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ،
وَلَهُ إِحْدَى وَخَمْسُوْنَ سَنَةً.
وَذكره رفِيقُه عُمَر بن الحَاجِب، فَقَالَ: كَانَ
حَافِظاً مُتْقِناً، أَدِيْباً نَبِيْلاً، سَاكِناً
وَقُوْراً، نَزِهاً. قَالَ لِي الحَافِظ الضِّيَاءُ: مَا
فِي الطّلبَة مِثْله. وَقَالَ لِي الزَّكِيّ
البِرْزَالِيُّ: ثِقَةٌ ثَبْتٌ، حَدَّثَنَا مِنْ حِفْظِهِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيٍّ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ قُزْمَانَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ الطَّلاَّعِيُّ بِحَدِيْثٍ مِنَ
"المُوَطَّأِ".
وَذَكَرَهُ ابْنُ مَسْدِي، فَقَالَ: أَخَذَ بِمَكَّةَ عَنْ
يُوْنُسَ القَصَّارِ الهَاشِمِيّ، وَأَقَامَ بِتِلْكَ
البِلاَدِ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ ضَابطاً،
نقادًا، عارفًا بالرجال، أَلَّفَ "مُعْجَمَه" وَكِتَاباً
فِي الصَّحَابَة، أَخَذَ عَنْهُ: ابْنُ فُرتُوْنَ
بِسَبْتَةَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الطّنّجَالِيُّ.
5709- صاحب الروم 2:
السُّلْطَان عَلاَء الدِّيْنِ كيقُباذ ابْن السُّلْطَان
كيخسرو ابْن السُّلْطَان قِلِج أَرْسَلاَن ابْن
السُّلْطَان مَسْعُوْد ابْن السُّلْطَان قِلِج أَرْسَلاَن
ابْن السُّلْطَان سُلَيْمَانَ بن قُتُلمشَ
السَّلْجُوْقِيُّ، أَصْحَاب مَمْلَكَة الرُّوْمِ.
كَانَ شُجَاعاً، مَهِيْباً، وَقُوْراً، سَعِيْداً، هَزَمَ
خُوَارِزْم شَاه، وَاسْتَوْلَى عَلَى عِدَّةِ مَدَائِنَ،
وَتَزَوَّجَ بِابْنَةِ العَادلِ، فَوُلِدَ لَهُ مِنْهَا.
وَكَانَ قَبْلَهُ قَدْ تَملَّكَ أَخُوْهُ كِيكَاوس،
فَاعْتقل أَخَاهُ هَذَا مُدَّة، فَلَمَّا نَزل بِهِ
المَوْت أَحْضَرَ كيقُباذ وَفَكَّ قَيْدَهُ وَعَهِدَ
إِلَيْهِ بِالسَّلْطَنَةِ، وَوصَّاهُ بِأَطفَالِهِ،
فَطَالَتْ أَيَّامُهُ، وَكَانَ فِيْهِ عَدْل وَإِنْصَاف
فِي الجُمْلَةِ.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ. وَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ وَلدُهُ غِيَاثُ
الدِّيْنِ كيخسرو، وَكَانَتْ دولة كيقباذ تسع عشرة سنة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1154"، وشذرات الذهب
"5/ 156".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 297، 298"، وشذرات الذهب
"5/ 168".
(16/295)
الدولعي، ابن
البغدادي:
5710- الدولعي 1:
خَطِيْبُ دِمَشْق المُفْتِي جَمَالُ الدِّيْنِ مُحَمَّد بن
أَبِي الفَضْلِ بنِ زَيْدِ بنِ يَاسِيْنَ التَّغْلِبِيُّ،
الأرقمي، الدولعي.
وُلِدَ بِالدَّولعيَة مِنْ قُرَى المَوْصِل، وَقَدِمَ
دِمَشْق، فَتَفَقَّهَ بِعَمِّه خَطِيْبِ دِمَشْق ضِيَاء
الدِّيْنِ. وَرَوَى عَنِ ابْنِ صَدَقَة الحَرَّانِيّ،
وَجَمَاعَة. وَوَلِيَ بَعْد عَمِّه مُدَّة.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الحُلوَانِيَّة، وَالجَمَال ابْن
الصَّابُوْنِيّ، وَخَادمُهُ سُلَيْمَان بن أَبِي الحَسَنِ.
وَدَرَّسَ مُدَّة بِالغَزَّاليَة. وَكَانَ فَصِيْحاً،
مَهِيْباً، شَدِيداً عَلَى الرَّافِضَّةِ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: مَنَعَهُ المُعَظَّمُ مِنَ الفَتْوَى
مُدَّةً، وَلَمْ يَحُجّ لِحِرْصِهِ عَلَى المَنْصِب، مَاتَ
فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ
وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً،
وَوَلِيَ الخَطَابَة أَخٌ لَهُ جَاهِل.
قُلْتُ: لَمْ يُطَوِّل أَخُوْهُ، وَدُفِنَ الدَّوْلَعِيُّ
بِجيروْنَ بِمَدْرَسَتِه، وَكَانَ من أعيان الشافعية.
5711- ابن البغدادي:
الإِمَامُ المُفْتِي شَرَفُ الدِّيْنِ عَبْدُ القَادِرِ بن
مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ ابْن البَغْدَادِيِّ المِصْرِيُّ،
الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ بِدِمَشْقَ عَلَى القُطْب النَّيْسَابُوْرِيّ،
وَبِمِصْرَ عَلَى الشِّهَاب الطُّوْسِيّ. وَدَرَّسَ
بِجَامِع السَّرَّاجين وَبِالقُطْبِيَّة، وَكَانَ يُشَار
إِلَيْهِ بِالتَّقْوَى وَبِالفَتْوَى.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ الأَغْلاَقِيّ، وَابْن
مَسْدِي.
وَرَوَى عَنْهُ: بِالإِجَازَةِ القَاضِي شِهَاب الدِّيْنِ
ابْن الخُوَيِّيّ، وَأَحْمَد بن المُسَلَّم بن عَلاَّنَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ عَسَاكِرَ.
وَقَالَ المُنْذِرِيّ فِي "مُعْجَمِهِ": كَانَ فَقِيْهاً
حَسَناً، مِنْ أَهْلِ الدِّيْنِ وَالعَفَاف، طَارِحاً
لِلتَّكَلُّفِ، مُقْبِلاً عَلَى مَا يَعْنِيْهِ.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ، سنة أربع وثلاثين وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 302"،
وشذرات الذهب "5/ 174".
(16/296)
أخو ابن دحية، ابن
سني الدولة:
5712- أخو ابن دحية 1:
اللُّغَوِيُّ العَلاَّمَة المُحَدِّثُ أَبُو عَمْرٍو
عُثْمَان بن حَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ فَرْح
الجُمَيّلُ، السَّبْتِيُّ.
سَمِعَ مَعَ أَخِيْهِ أَبِي الخَطَّابِ المَذْكُوْر،
وَمُنْفَرِداً الكَثِيْرَ مِنِ: ابْنِ بَشْكُوَالَ،
وَأَبِي بَكْرٍ بنِ الجَدِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ
زَرْقُوْنَ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ خَيْر، وَأَبِي القَاسِمِ
السُّهَيْلِيّ، -لَكِنَّهُ أَبَى أَنْ يَرْوِي عَنْهُ
وَذمَّهُ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ بُوْنُهْ، وَعَبْد
المُنْعِمِ بن الخَلُوْف. وَحَجّ، وَنَزَلَ عَلَى أَخِيْهِ
بِمِصْرَ، ثُمَّ ولي مَشْيَخَة الكَامِليَة، وَكَانَ
يَتَقَعَّرُ فِي رَسَائِله، وَيُلْهِج بوحشِي اللُّغَة
كَأَخِيْهِ.
سَمِعَ مِنْهُ: الجَمَال أَبُو مُحَمَّدٍ الجَزَائِرِيّ
كِتَاب "المُلَخَّص" لِلْقَابسِيِّ. قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ:
رَأَيْتُهُ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ لَمَّا قَدِمَ وَهُمْ
يَسْمَعُوْنَ مِنْهُ "التِّرْمِذِيّ" فَقُلْتُ لِرَجُلٍ:
أَمن أَصل? فَقَالَ: قَدْ قَالَ الشَّيْخُ: لاَ أَحتَاج
إِلَى أَصلٍ، اقرأوا فَإِنِّي أَحْفَظُه. ثُمَّ ظَهَرَ
مِنْهُ كَلاَم قَبِيْحٌ فِي ذَمِّ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ
وَغَيْرِهِمَا، فَتَرَكْتُ الاجتمَاعَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْدِيٍّ: أَرْبَى عَلَى أَخِيْهِ
بِكَثْرَة السَّمَاع، كَمَا أَرْبَى أَخُوْهُ عَلَيْهِ
بِالفِطْنَة وَكَرَمَ الطِّبَاع، وَكَانَ مُتَزَهِّداً،
لَمْ يَكُنْ لَهُ أُصُوْل، وَكَانَ شَيْخُه ابْن الجَدِّ
يَصِلُهُ وَيُعْطِيه، ثُمَّ نَهَدَ إِلَى أَخِيْهِ
فَنَزَلَ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ خَرِفَ أَخُوْهُ فِيمَا
أُنْهِيَ إِلَى الكَامِلِ فَجَعَله عوضه. أَلَّفَ
"مُنْتَخَباً" فِي الأَحكَام.
وَمَاتَ في جمادى الأولى، سنة أربع وثلاثين وست مائَةٍ،
عَنْ ثَمَان وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
5713- ابْنُ سَنِيِّ الدولة 2:
قَاضِي القُضَاةِ شَمْسُ الدِّيْنِ أَبُو البَرَكَاتِ
يَحْيَى ابْن سَنِيّ الدَّوْلَةِ هِبَة اللهِ بن يَحْيَى
الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ، مِنْ أَوْلاَد الخَيَّاطِ
الشَّاعِرِ صَاحِبِ "الديوان".
وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ بِالقَاضِي شَرَف الدِّيْنِ بن أَبِي
عَصْرُوْنَ، وَأَخَذَ الخلاَف عَنِ القُطْب
النَّيْسَابُوْرِيّ. وَسَمِعَ مِنْ: أَحْمَد بن حَمْزَةَ
بن المَوَازِيْنِيّ، وَيَحْيَى الثَّقَفِيّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَأَسْمَعَ وَلَدَهُ قَاضِي القُضَاةِ صَدْر الدِّيْنِ
أَحْمَدَ مِنَ الخُشُوْعِيّ. وَكَانَ وَقُوْراً،
مَهِيْباً، إِمَاماً، حَمِيدَ الأَحكَامِ.
حَدَّثَ بِالشَّامِ وَبِمَكَّةَ. رَوَى عَنْهُ أَبُو
الفَضْلِ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُ عَمِّهِ الفَخْر
إِسْمَاعِيْل، وَالبَهَاء الطَّبِيْب.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خمس وثلاثين وست مائة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1422".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 301"، وشذرات الذهب "5/
177، 178".
(16/297)
ابن الشواء، ابن
الباجي:
5714- ابن الشواء 1:
الأَدِيْبُ الشَّهير شَاعِرُ وَقته شِهَاب الدِّيْنِ أَبُو
المَحَاسِنِ يُوْسُف بنُ إِسْمَاعِيْلَ الكُوْفِيُّ، ثُمَّ
الحَلَبِيُّ، الشِّيْعِيُّ.
لَهُ "دِيْوَان" كَبِيْر فِي أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ.
تُوُفِّيَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ
وَسِتِّ مائة، وله ثلاث وسبعون سنة.
5715- ابن الباجي:
العَلاَّمَةُ القُدْوَةُ قَاضِي الجَمَاعَةِ أَبُو
مَرْوَانَ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ
عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَحْمَدَ ابنِ
مُحَدِّثِ الأَنْدَلُسِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ شَرِيعَةَ اللَّخْمِيُّ،
البَاجِيُّ، ثُمَّ الإِشْبِيْلِيُّ، المَالِكِيُّ.
مِنْ بَيْت كَبِيْر شَهِيْر، وَلِيَ خطَابَة إِشْبِيْلِيَة
زَمَاناً، ثُمَّ اسْتَقضَاهُ العَادل عَلَيْهَا، ثُمَّ
أُضِيْفَ إِلَيْهِ قَضَاءُ الجَمَاعَة فِي أَوَّلِ مُدَّة
المَأْمُوْنِ، فَلَمْ يُطَوِّلْ. وَكَانَ عَدْلاً فِي
الأَحكَامِ، حَسَنَ التِّلاَوَةِ، سَرِيعَ السَّرْدِ
لِلْحَدِيْثِ، لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالرِّجَالِ.
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ، وَتَلاَ بِالسَّبْعِ
وَيَعْقُوْبَ عَلَى أَبِي عَمْرٍو بنِ عَظِيْمَة، وَسَمِعَ
"صَحِيْح البُخَارِيِّ" مِنْ أَبِي بَكْرٍ بن الجَدِّ،
وَقَرَأَ عَلَيْهِ عِدَّة كتب، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي عَبْدِ
اللهِ بنِ المُجَاهِد. وَقَدِمَ دِمَشْق مِنْ مِيْنَاء
عَكَّا، وَحَدَّثَ بِهَا بـ "المُوَطَّأ"، ثُمَّ حَجَّ
وَمَاتَ عَقِيْب حَجِّهِ بِمِصْرَ، سَنَةَ خَمْسٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَشَيَّعَهُ أُمَمٌ،
وَتَبَرَّكُوا بِهِ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ قُبَّةً فِي يوم
واحد.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ ترجمة 580"،
وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 178".
(16/298)
ابن بهروز، ابن
الشيرازي:
5716- ابن بهروز 1:
الشَّيْخُ الفَاضِلُ المُسْنِدُ المُعَمَّر الطَّبِيْب
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ بَهْرُوْزَ
البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ بِإِفَادَة خَالِه يَحْيَى ابْنِ الصَّدْر مِنْ
أَبِي الوَقْت السِّجْزِيِّ ثَلاَثَة كتب: "مُسْنَد عَبْد"
وَكِتَاب "الدَّارِمِيّ"، وَ"ذَمّ الكَلاَم". وَسَمِعَ
مِنْ: أَبِي الفَتْحِ ابْن البَطِّيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ
بن طَاهِر، وَأَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ المُعَمَّرِ
العَلَوِيِّ، وَتَفَرَّدَ بِبَغْدَادَ بِالسَّمَاعِ مِنْ
أَبِي الوَقْتِ وَقْتاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو المُظَفَّرِ ابْنُ النَّابلسِي،
وَابْن بَلْبَانَ، وَالشَّرِيْشِيُّ، وَالفَارُوْثِيُّ،
وَالغَرَّافِيُّ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّد، وَأَحْمَد بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْن الأَشْقَر الخَطِيْب
بِالحَرِيْمِ، وَمُحَمَّد بن علي بن علي ابن أَبِي
البَدْر، وَأُخْته سِتّ المُلُوْك، وَعَبْد اللهِ بن أَبِي
السَّعَادَاتِ، وَيُوْسُف بن صَعْنِيْنَ وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَةِ: القَاضِي الحَنْبَلِيّ، وَابْن سَعْدٍ،
وَالمُطَعِّم، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ،
وَابْن الشِّحنَة، وَعِدَّة. وَكَانَ جَدُّهُ بَهْرُوْز
مِنْ أَهْلِ العَجَم. قَدِمَ بغداد للاشتغال في علم الطب.
مَاتَ أَبُو بَكْرٍ فِي مُسْتهلِّ رَمَضَان، سَنَةَ خَمْسٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى
التِّسْعِيْنَ.
وَفِيْهَا مَاتَ: قَاضِي القُضَاةِ شَمْس الدِّيْنِ
يَحْيَى بن هِبَةِ اللهِ بنِ سَنِيّ الدَّوْلَة
الشَّافِعِيّ بِدِمَشْقَ، وَالشَّاعِر المُجِيْد صَاحِب
"الدِّيْوَان" شِهَابُ الدِّيْنِ يُوْسُف بن إِسْمَاعِيْلَ
ابْن الشّوَّاء الحَلَبِيُّ، وَخَطِيْب دِمَشْق جَمَال
الدِّيْنِ مُحَمَّد بن أَبِي الفَضْلِ التَّغْلِبِيُّ
الدَّوْلَعِيُّ وَاقفُ الدَّولعيَّةِ، وَالمُبَارَك بن
عَلِيٍّ المُطَرِّز، وَالشَّرَف مُحَمَّد بن نَصْرٍ
القُرَشِيُّ ابن أخي أبي البيان، وعبد الرزاق ابن عَبْدِ
الوَهَّابِ ابْن سُكَيْنَةَ الصُّوْفِيُّ، وَالرَّضِيّ
عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ
المُقْرِئ، وَعَبْد اللهِ بن المُظَفَّر ابْن الوَزِيْر
عَلِيِّ بن طِرَادٍ، وَقَاضِي حَلَب زَيْنُ الدِّيْنِ
عَبْدُ اللهِ ابْنُ الأُسْتَاذِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ
الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ ابْنِ رَئِيْسِ الرُّؤَسَاءِ،
وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ ابن الزبال الواعظ ببغداد.
5717- ابن الشيرازي 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ المُفْتِي المُسْنِدُ
الكَبِيْرُ جَمَالُ الإِسْلاَمِ القَاضِي شَمْس الدِّيْنِ
أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ ابْنُ العَدْل الإِمَامِ هِبَة
اللهِ بن مُحَمَّدِ بن هبة الله بن يَحْيَى بنِ بُنْدَار
بن مَمِيْل الشيرازي، ثم الدمشقي، الشافعي.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 302"،
وشذرات الذهب "5/ 173، 174".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 302"،
وشذرات الذهب "5/ 173، 174".
(16/299)
وُلِدَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة تِسْعٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَجَاز لَهُ: أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، وَنَصْرُ بنُ
سَيَّار الهَرَوِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي يَعْلَى حَمْزَةَ ابْن الحُبُوبِيِّ،
وَالخَطِيْب أَبِي البَرَكَاتِ الخَضِر بن عَبْدٍ
الحَارِثِيِّ، وَأَبِي طَاهِرٍ بن الحصْنِيِّ، وَالصَّائِن
ابْن عَسَاكِرَ وَأَخِيْهِ الحَافِظ، وَعَلِيّ بن
مَهْدِيٍّ الهِلاَلِيِّ، وَأَبِي المَكَارِمِ بن هِلاَلٍ،
وَمُحَمَّد بن حَمْزَةَ ابْن المَوَازِيْنِيِّ، وَمُحَمَّد
بن بَرَكَةَ الصِّلْحِيّ، وَالحَسَنِ بنِ
البَطَلْيَوْسِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَلَهُ "مَشْيَخَةٌ"
بِانتقَاء النَّجِيْب الصَّفَّارِ سَمِعْنَاهَا.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَابْنُ خَلِيْل،
وَالمُنْذِرِيُّ، وَابْنُ النَّابُلُسِيُّ، وَابْنُ
الصَّابُوْنِيِّ، وَشُيُوْخنَا: أَبُو الحُسَيْنِ
اليُوْنِيْنِيّ، وَمُحَمَّد بن أَبِي الذِّكْرِ،
وَخَدِيْجَة بِنْت غَنمَة، وَعَبْد المُنْعِمِ بن
عَسَاكِرَ، وَمُحَمَّد بن يُوْسُفَ الإِرْبِلِيّ، وَأَبُو
مُحَمَّدٍ ظَافر النَّابلسِيّ، وَالشِّهَاب ابْنُ
مُشَرِّفٍ، وَالعزُّ ابْن العِمَاد، وَأَبُو حَفْصٍ ابْن
القَوَّاس، وَبَهَاء الدِّيْنِ ابْن عَسَاكِرَ،
وَحَفِيْدُهُ أَبُو نَصْرٍ محمد ابن مُحَمَّدٍ،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ المُنْذِرِيُّ: وَلِيَ القَضَاءَ بِبَيْتِ
المَقْدِسِ وَغَيْرهُ، وَدَرَّسَ وَأَفتَى، وَهُوَ آخِرُ
مَنْ حَدَّثَ عَنْ أَبِي البَرَكَاتِ وَالصَّائِنِ
وَالحصْنِيِّ، وَانْفَرَدَ بِرِوَايَةٍ أَكْثَر مِنْ
مائَتَيْ جُزْء مِنْ "تَارِيْخِ دِمَشْقَ". وَمَمِيْل:
بِالفَارِسيَة هُوَ مُحَمَّد.
وَقَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: هُوَ أَحَدُ قُضَاة الشَّامِ
اسْتَقلاَلاً بَعْد نيابة.
قُلْتُ: اسْتَقلَّ بِالقَضَاء مَعَ مُشَاركَة غَيْره لَهُ
مُدَيْدَة، ثُمَّ لَمَّا اسْتَقلَّ بِالقَضَاء الشَّمْسَان
ابْن سني الدولة والخوبي، عُرِضَتْ عَلَيْهِ النِّيَابَةُ
فَامْتَنَعَ، ثُمَّ عُزِلاَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ
وَعِشْرِيْنَ بِالعِمَادِ ابْنِ الحَرَستَانِيِّ، ثُمَّ
عُزِلَ العِمَادُ وَأُعيدُ ابْنُ سَنِيِّ الدَّوْلَة.
دَرَّسَ أَبُو نَصْرٍ بِمَدْرَسَة العِمَاد الكَاتِب ثُمَّ
تَرَكَهَا، ثُمَّ دَرَّسَ بِالشَّامِيَّة الكُبْرَى.
وَكَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- رَئِيْساً جَلِيْلاً، مَاضِي
الأَحكَام، عَدِيْم المُحَابَاة، سَاكناً وَقُوْراً،
مَلِيْحَ الشَّكل، مُنَوَّر الوَجْه، أَكْثَر وَقته فِي
نشر العِلْمِ وَالرِّوَايَة وَالتَّدْرِيس. تَفَقَّهَ
بِالقُطْب النَّيْسَابُوْرِيّ، وَأَبِي سَعْدٍ بنِ أَبِي
عَصْرُوْنَ وَغَيْرهُمَا، وَفِي ذُرِّيَته كُبَرَاء
وَعُدُول.
تُوُفِّيَ فِي ثَانِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمَاتَ وَلده تَاج الدِّيْنِ أَبُو المَعَالِي أَحْمَد
سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: مِنَ الفَضْل ابْن البَانْيَاسِيّ، وَعَبْد
الرَّزَّاقِ.
أَخْبَرَنَا الحَافِظُ أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ
مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
مُؤْمِن، وَعُمَر بن
(16/300)
عَبْدِ المُنْعِمِ، وَعَبْد المُنْعِمِ
ابْن زَين الأُمَنَاءِ، وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ المِزِّيّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا
القَاضِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ
الفَقِيْهُ، وَأَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ
المُعَدَّل، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ الشَّافِعِيّ،
وَالحَسَن بن عَلِيٍّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِن، وَسِتُّ الفَخْر
بِنْتُ الشِّيْرَازِيّ، قَالُوا: أَخْبَرَتْنَا كَرِيْمَة
بِنْت عَبْدِ الوَهَّاب، وَأَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ ابْن
الحَلاَّل، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ يُوْسُفَ، قَالاَ: أخبرنا
مكرم بن أبي الصَّقر، وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ
السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا أبو القاسم بن صَصْرَى،
قَالُوا: أَخْبَرَنَا حَمْزَة بن عَلِيٍّ الثَّعْلَبِيُّ،
وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
البَرَكَاتِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ الخَلِيْلِ "ح". وَأَخْبَرَنَا
السُّلَمِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ صَصْرَى، أَخْبَرَنَا
أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ الأَسَدِيُّ،
قَالُوا جَمِيْعاً: أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ
بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ أَبِي نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي
ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ
بنُ سُوَيْدٍ عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
"نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَنِ نَبِيذِ الجَرِّ"1.
أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طريق إسحاق بن سويد، هذا.
__________
1 صحيح: ورد عن عائشة بلفظ: "نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الدباء والحنتم والنقير
والمزفت" أخرجه البخاري "5595"، ومسلم "1995" "38"،
والنسائي "8/ 305".
وورد عن عبد الله بن عمر بلفظ: "نَهَى رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ نبيذ الجر"
أخرجه أحمد "2/ 29 و35" وابن أبي شيبة "8/ 127"، ومسلم
"1997"، والترمذي "1867"، والنسائي "8/ 302 و304، 305" عن
طاووس، عن ابن عمر، به.
وورد عن أبي أوفى: عند البخاري "5596"، والنسائي "8/ 304"،
وأحمد "4/ 353".
(16/301)
5718- مكرم بن
محمد 1:
ابن حَمْزَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَلاَمَةَ
بنِ أَبِي جَمِيْل بنِ أَبِي الصَّقْرِ، الشَّيْخُ
الأَمِيْن، المُسْنِدُ، المُعَمَّرُ، أَبُو المُفَضَّل،
نَجْمُ الدِّيْنِ، وَلَدُ الإِمَامُ المُحَدِّثِ العَدْلِ
أَبِي عَبْدِ اللهِ ابْنِ الشَّيْخ أَبِي يَعْلَى
القُرَشِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، التَّاجِرُ، السَّفَّارُ.
وُلِدَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: حَسَّان بن تَمِيْم الزَّيَّات، وَحَمْزَة
ابْنِ الحُبُوبِيِّ، وَحَمْزَةَ بنِ كَرَوَّسٍ، وَأَبِي
المُظَفَّرِ الفَلَكِيِّ، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ بنِ
مُقَاتِلٍ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبِي الحَسَنِ
الدَّارَانِيِّ، وَالصَّائِنِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَعَلِيِّ
بنِ أَحْمَدَ الحَرَسْتَانِيِّ، وَأَبِي المَعَالِي بن
صابر، وغيرهم.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 302"، وشذرات الذهب "5/
174، 175".
(16/301)
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَابْنُ
خَلِيْل، وَالضِّيَاءُ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالجَمَال ابْن
الصَّابُوْنِيِّ، وَالشَّرَف ابْن النَّابلسِيّ، وَابْن
هَامِل، وَمَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ العَدِيْمِ، وَأَبُو
عَلِيٍّ بن الحلال، والفخر ابن عَسَاكِرَ، وَابْنُ عَمِّهِ
الشَّرَفُ، وَابْنُ عَمِّهِ عَبْدُ المُنْعِمِ،
وَالمُؤَيَّدُ عَلِيّ ابْن خَطِيْبِ عَقْربا، وَعَلِيّ ابن
عُثْمَانَ اللَّمْتُوْنِيّ، وَمُحَمَّد بن أَبِي
الذِّكْرِ، وَأَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنِيّ، وَمُحَمَّد
بن يُوْسُفَ الإِرْبِلِيُّ، وَالشِّهَابُ بنُ مُشَرِّفٍ،
وَسُنْقُرُ الحَلَبِيُّ، وَالبَهَاءُ أَيُّوْبُ ابْنُ
النَّحَّاسِ، وَالصَّدْرُ بنُ مَكْتُوْمٍ، وَمُوْسَى بنُ
عَلِيٍّ الحُسَيْنِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَحَدَّثَ بِمِصْرَ،
وَحَلَبَ، وَبَغْدَادَ، وَدِمَشْقَ.
قال المنذري: كان يقدم مصر كثيرًا المتجارة.
وقال ابن الحاحب: كَانَ يُوَاظبُ عَلَى الخَمْس فِي
جَمَاعَةٍ، وَكَانَ كَثِيْرَ المُجُوْنِ مَعَ أَصْحَابِهِ،
وَلَمْ يَكُنْ مُكْرِماً لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ بَلْ
يَتعَاسرُ عَلَيْهِم.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي ثَانِي رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ عَلَى وَالِدِه
بِمَقْبَرَةِ بَابِ الصَّغِيْرِ.
(16/302)
|