سير أعلام النبلاء، ط الحديث

الطبقة الثانية والثلاثون:
ابن كامل، ابن الخريف:
5388- ابن كامل 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ أَبُو الفُتُوْحِ يُوْسُفُ ابْنُ المُحَدِّثِ أَبِي بَكْرٍ المُبَارَكِ بنِ كَامِلِ بنِ أَبِي غَالِبٍ البَغْدَادِيُّ، الخَفَّافُ، المُقْرِئُ.
سَمَّعَهُ أَبُوْهُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ القَاضِي، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّاز، وَإِسْمَاعِيْل ابْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وَيَحْيَى ابْن الطّرَاح، وَخَلْق.
حَدَّثَ عنه: ابن الدبيثي، وابن خليل، والضياء، وابن النَّجَّارِ، وَاليَلْدَانِيّ، وَالنَّجِيْبُ، وَأَخُوْهُ؛ العِزّ عَبْد العَزِيْزِ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَازَ لِلزكِيّ المُنْذِرِيّ، وَالفَخْر عَلِيّ، وَالشَّيْخ شَمْس الدِّيْنِ.
وَكَانَ أُمِّيّاً لاَ يَكتب، قَالَهُ ابن النجار، وقال: هو صالح، حافظ لكتاب الله، ولا يعرف شيئًا من الفقه، عسر في الرواية، سيء الْخلق، مُتَبَرِّمٌ بِالسَّمَاع، كُنَّا نلقَى مِنْهُ شِدَّة، وَكَانَ فَقيراً مُدْقعاً، وَكَانَ مِنْ فُقَهَاء النّظامِيَة، وَكَانَ يأْخذ عَلَى الرِّوَايَة. وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَسَمِعَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
مَاتَ فِي الخَامِسِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إحدى وست مائة.
3589- ابن الخريف 2:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ أَبُو عَلِيٍّ ضِيَاءُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ ابْنِ الخُرَيْفِ السَّقْلاَطُوْنِيُّ، النَّجَّارُ.
مُكْثِرٌ عن قاضي المارستان.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ ابْنِ الفَرَّاءِ، وَابْن السَّمَرْقَنْدِي، وَكَانَ أُمِّياً.
حَدَّثَ عَنْهُ: الدُّبَيْثِيّ، وَابْن النَّجَّارِ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالنَّجِيْب، وَأَخُوْهُ العِزّ.
وَأَجَازَ لِلْفخر عليّ.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: يُوْسُف بن كَامِلٍ الخَفَّاف، وَمُحَمَّد بن حَمْدٍ الأرتاحي، وشميم الحلي، ومحمد بن الخصيب.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 188"، وشذرات الذهب "5/ 6".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 191"، وشذرات الذهب لابن المبارك "5/ 8".

(16/8)


البستنبان، القصري، ابن خطيب الموصل:
5390- البستنبان 1:
الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَيُّوْبَ الحَرْبِيُّ، الفَلاَّحُ، البَقْلِيُّ، البُسْتَنْبَان، وَتَفْسِيْرُه النَّاطور.
سَمِعَ مِنْ: هِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وتفرد بالسماع من أبي العز بن كَادش. وَعَاشَ سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَرَوَى عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء مُحَمَّد، وَالنَّجِيْب عَبْد اللَّطِيْفِ، وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَة ابْن أَبِي الخَيْرِ، وَالفَخْر عليّ.
مَاتَ فِي رَبِيْع الأَوَّلِ، سَنَةَ إحدى وست مائة.
5391- القصري:
العَلاَّمَةُ الزَّاهِدُ العَابِدُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الجَلِيْل بنُ مُوْسَى الأَنْصَارِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، القَصْرِيُّ، مِنْ أَهْلِ قَصْرِ عَبْدِ الكَرِيْمِ.
رَوَى عَنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ حُنَيْنٍ، وَفتح بن مُحَمَّدٍ المُقْرِئ.
قَالَ الأَبَّار: كَانَ مُتَقَدِّماً فِي علم الكَلاَم، مشَاركاً فِي فُنُوْن، عمل "تَفْسِيْر القُرْآن"، وَكِتَاب "شعب الإيمان"، وكتاب "المسائل والأجوبة"، وأشياء، وكان صاحب زهد وتبتل.
أَجَازَ لأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ حَوْط اللهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتّ مائَةٍ.
5392- ابْنُ خَطِيْب المَوْصِلِ:
الشَّيْخُ الخَطِيْبُ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ ابْنُ خَطِيْبِ الموصل عبد الله بن أحمد بن محمد الطُّوْسِيُّ، ثُمَّ المَوْصِلِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: جدّه أَبِي نَصْرٍ الخَطِيْب، وَأَبِي البَرَكَاتِ بن خَمِيْس، وَبِبَغْدَادَ مِنْ عَبْدِ الخَالِقِ اليُوْسُفِيّ، وَغَيْرِهِ، وَوَلِيَ خِطابة المَوْصِل زَمَاناً، وَخِطابَة حِمْص مُدَيدَة، وَرجع وَحَدَّثَ هو وأبوه وجده وعمه عبد الرحمن، وأخو عبد الرحمن عَبْد الوَهَّابِ، وَعَبْد المُحْسِنِ أَخُو هَذَا.
رَوَى عَنْهُ ابْن خَلِيْلٍ، وَالتَّقِيُّ اليَلْدَانِيّ. وَأَجَازَ: لابْنِ أَبِي الخَيْرِ، وَغَيْرهِ.
مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتّ مائَةٍ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ. وَقِيْلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 188"، وشذرات الذهب "5/ 3".

(16/9)


التقي الأعمى، الفراء، سبط الشهرزوري:
5393- التَّقِيُّ الأَعْمَى 1:
مُدَرِّسُ الأَمِينِيَّة، إِمَامٌ، مُفتٍ، خَبِيرٌ بِالمَذْهَبِ، ابْتُلِي بِأَخْذِ مَالِهِ، فَاتَّهَمَ بِهِ شَخْصاً يَقرَأُ عَلَيْهِ وَيَقوده، فَنَالَ النَّاس مِنْهُ، فَتَسَوْدَنَ، وَشَنَقَ نَفْسَه بِالمئذنَةِ الغربيَة، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتّ مائَةٍ. وَدرَّس بِالأَمِينِيَّةِ الْجمال المِصْرِيّ بَعْدَه.
5394- الفَرَّاءُ:
مُفْتِي أَصْبَهَان، أَبُو المَفَاخِرِ خَلَفُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمْدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، الفَرَّاءُ، الشَّافِعِيُّ.
سَمِعَ: إِسْمَاعِيْل بن الإِخشيذ، وَابْن أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِيّ.
وَعَنْهُ ابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء.
وَأَجَازَ لِلشَّيْخِ، وَلابْنِ البُخَارِيّ، وابن شيبان.
مَاتَ فِي شَعْبَان، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتّ مائَةٍ، وله أربع وثمانون سنة.
5395- سبط الشهرزوري:
المُفْتِي شَرَفُ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ شَيْخِ الشَّافِعِيَّةِ جَمَالِ الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ المُسَلَّم السُّلَمِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ، مُدَرِّس الأَمِينِيَّة، وَيُعْرَف جدّه أَبُو الحَسَنِ: بِابْنِ بِنْت الشَّهْرُزُوْرِيّ. وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي العشَائِر الكُرْدِيّ، وَحَمْزَة ابْن الحُبُوْبِيِّ، وَخَالِهِ الصَّائِن ابْن عَسَاكِرَ، وَبِبَغْدَادَ مِنْ شُهْدَة.
وَحَدَّثَ بِمِصْرَ وَبِبَغْدَادَ، وَكَانَ طَوِيْل البَاع فِي المُنَاظرة، فَصِيْحاً، بَلِيْغاً.
رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالقُوْصِيُّ.
قَالَ القُوْصِيُّ: أَخْبَرَنَا مُفْتِي الشَّام شَرَف الدِّيْنِ بِمَدْرَسَته الأَمِينِيَّة.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: سَكَنَ حِمْص مُنْذُ أُخرج مِنْ دِمَشْقَ، وَكَانَ مُدَرِّس الأَمِينِيَّة وَالزَّاويَة المقَابلَة لِلبَرَادَة، وَكَانَ عَالِماً بِالمَذْهَب وَالخلاَف، مَاهراً.
قُلْتُ: مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ اثنتين وست مائة، بحمص غريبًا.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 7".

(16/10)


محمد بن كامل، الماكسيني:
5396- محمد بن كامل:
ابن أحمد بن أسد، الشَّيْخُ، أَبُو المَحَاسِنِ التَّنُوْخِيُّ، المَعَرِّيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ الشَّاهدُ.
سَمِعَ مِنْهُ: الفَخْر ابْن البُخَارِيِّ الجُزْء السَّادِس مِنَ "الحِنائِيَات" فِي الخَامِسَة، بِسَمَاعه فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ مِنْ طَاهِر بن سهل.
وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً ابْن خَلِيْل، وَالضِّيَاء، وَجَمَاعَة.
مَاتَ فِي رَبِيْع الأَوَّلِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائة، وله ثمان وسبعون سنة.
5397- الماكسيني 1:
العَلاَّمَةُ إِمَامُ العَرَبِيَّة صَائِنُ الدِّيْنِ أَبُو الحُرَمِ مَكِّيُّ بنُ رَيَّانَ بنِ شَبَّةَ بنِ صَالِحٍ المَاكِسِيْنِيُّ، ثُمَّ المَوْصِلِيُّ، المُقْرِئُ، الضَّرِيرُ.
عمِي وَلَهُ ثَمَانِ سِنِيْنَ، وَسَارَ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ أَنْ تَلاَ بِالسَّبْع، وَتَأَدّب عَلَى يَحْيَى بنِ سَعْدُوْنَ القُرْطُبِيّ، فَمهر فِي النَّحْوِ عَلَى: ابْنِ الخَشَّاب، وَعَلَى: أَبِي الحَسَنِ بنِ الْعصار، وَالكَمَال الأَنْبَارِيّ، وَتَقدّم فِي الآدَاب؛ تخرّج بِهِ عُلَمَاء المَوْصِل.
وَكَانَ ذَا تَقوَى وَصلاَح، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَتعصّب لأَبِي العَلاَءِ المَعَرِّيّ؛ لاتِّفَاقِهِمَا فِي الأَدب والعمى بالجدري.
قَدِمَ فِي أَوَاخِرِ عُمُره وَحَدَّثَ بِدِمَشْقَ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ السَّخَاوِيّ كِتَاب "أَسرَار العَرَبِيَّة" لِشيخه كَمَال الدِّيْنِ، وَكَانَ مَعَ برَاعته فِي القِرَاءات وَاللُّغَة يَدْرِي الفِقْه وَالحسَاب وَأَشيَاء. كَانَ أَحَدَ الأَذكيَاء.
رَوَى عَنْهُ القُوْصِيّ، وَضِيَاء الدِّيْنِ، وَابْن أَخِيْهِ؛ الفَخْر عَلِيّ، وَتَلاَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَات وَالِد المُوَفَّق الكواشي.
توفي بالموصل، في شوال سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ نَاهز السَّبْعِيْنَ.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 738"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 11".

(16/11)


5398- عَبْدُ الرَّزَّاقِ 1:
ابْنُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ عَبْدُ القَادِرِ بنُ أَبِي صَالِحٍ، الشيخ الإمام المحدث أَبُو بَكْرٍ الجِيْلِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ الحَنْبَلِيُّ الزَّاهِدُ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: القَاضِي أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ صِرْمَا، وَابْن نَاصِر، وَأَبِي الكَرَمِ ابْنِ الشَّهْرُزُوْرِيِّ، وَعُنِي بِهَذَا الشَّأْن، وَكَتَبَ الكَثِيْر.
حدث عنه: ابن الدبيثي، وابن النجار، والضياء، وَالتَّقِيّ اليَلْدَانِيّ، وَالنَّجِيْب عَبْد اللَّطِيْفِ، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ لِلشَّيْخِ شَمْس الدِّيْنِ، وَأَحْمَد بن شَيْبَان، وَخَدِيْجَة بِنْت رَاجِح، وَالفَخْر عَلِيّ.
وَيُقَالُ لَهُ: الحَلْبِيُّ؛ نِسبَة إِلَى مَحَلَّة الحَلْبَةِ.
وَقَالَ الضِّيَاء: لَمْ أَرَ بِبَغْدَادَ فِي تيقُّظه وَتحرِّيه مِثْله.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ زَاهِداً، عَابِداً، ثِقَة، مُقْتَنِعاً بِاليَسِيْر.
وَقَالَ ابْن النَّجَّارِ: كتب لِنَفْسِهِ كَثِيْراً، وَكَانَ خطّه رديئاً. قَالَ: وَكَانَ حَافِظاً، مُتْقِناً، ثِقَة، حسن المَعْرِفَة، فَقِيْهاً، وَرِعاً، كَثِيْر العِبَادَة، مُنْقَطِعاً فِي مَنْزِلِهِ، لاَ يَخْرُج إلَّا إِلَى الجُمُعَةِ، وَكَانَ مُحِبّاً لِلرِّوَايَةِ، مكرماً لِلطَّلبَة، سخيّاً بِالفَائِدَة، ذَا مُروءة، مَعَ قلّة ذَات يَده، صابرًا على فقره على منهاج السلف، وَكَانَتْ جِنَازَته مَشْهُوْدَة، وَحُمِلَ عَلَى الرُّؤُوس، رَحِمَهُ الله.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ، فِي سَادِسِه سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمَاتَ فِيْهَا: أَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَمُحَمَّد بن مَعْمَر بن الفَاخِرِ، وَمَكِّيّ بن ريان الماكسيني.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1116"، والنجوم الزاهرة "6/ 192"، وشذرات الذهب "5/ 9، 10".

(16/12)


صاحب الروم، ابن الفاخر:
5399- صاحب الروم:
السُّلْطَانُ رُكْنُ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ ابْنُ السُّلْطَانِ قِلْج أَرْسَلاَن بنِ مَسْعُوْدِ بنِ قِلْج أَرْسَلاَن بنِ سُلَيْمَانَ السَّلْجُوْقِيُّ.
مرض بِالقُوْلَنْج فَهَلكَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سِتّ مائَة، وَكَانَتْ دَوْلَته ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ قَبْل مَوْته بِأَيَّام قَدْ غدر بِأَخِيْهِ صَاحِب أَنقرَة الَّتِي يُقَالُ لَهَا الآنَ أَنكورِيَة.
قَالَ المُؤَيَّد الحَمْوِيّ: كَانَ يَمِيْل إِلَى مَذْهَب الفَلاَسِفَة، وَيُقَدِّمهُم.
وَملّكُوا بَعْدَهُ وَلده قِلْج أَرْسَلاَن، فَلَمْ يَتمّ ذَلِكَ.
5400- ابْنُ الفَاخِرِ 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الفَقِيْهُ المُحَدِّثُ الأَدِيْبُ الكَامِل بَقِيَّة المشايخ، مخلص الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مَعْمَرِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الفَاخِرِ القُرَشِيُّ، العَبْشَمِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ.
وُلِدَ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ فَاطِمَة الجُوْزْدَانِيَّة حُضُوْراً، وَمِنْ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَإِسْمَاعِيْل الإِخشيذ، وَابْن أَبِي ذَرٍّ، وَإِسْمَاعِيْل بن أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّن، وَالحُسَيْن بن عَبْدِ المَلِكِ الخَلاَّل، وَزَاهِر الشَّحَّامِيّ، وَعِدَّة.
وَأَملَى بِبَغْدَادَ، وَكَانَ رَئِيْساً، مُحْتَشِماً، مُحَدِّثاً، مُفِيْداً، مُتَفَنِّناً، بَصِيْراً بِمَذْهَب الشَّافِعِيّ، لَهُ صُوْرَة كَبِيْرَة فِي الدَّوْلَة.
رَوَى عَنْهُ: ابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء، وَأَبُو مُوْسَى ابْنُ الحَافِظِ، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ لِلبُرْهَان ابْن الدَّرَجِيِّ، وَابْن البُخَارِيِّ.
مَاتَ بَشِيْرَاز، فِي رَبِيْع الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ لا يجيز المناكير والموضوعات.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 193"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 11".

(16/13)


الصيدلاني، حنبل:
5401- الصيدلاني 1:
الشَّيْخُ الصَّدُوْقُ المُعَمَّرُ مُسْنِدُ الوَقْتِ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ نَصْرِ بنِ أَبِي الفَتْحِ حُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ خَالويه الأَصْبَهَانِيُّ، الصَّيْدَلاَنِيُّ، سِبْطُ حُسَيْنِ بنِ مَنْدَةَ.
وَلد لَيْلَة النَّحْر، سَنَة تِسْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ حُضُوْراً فِي الثَّالِثَة شَيْئاً كَثِيْراً مِنْ أَبِي عَلِيٍّ، وَكَانَ يُمكنه السَّمَاع مِنْهُ، فَمَا اتَّفَقَ. وَحَضَرَ: مَحْمُوْدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ الأَشْقَرَ، وَعَبْدَ الكَرِيْمِ بنَ عَلِيٍّ فَورجَة، وَحَمْزَةَ بنَ العَبَّاسِ، وَعَبْدَ الجَبَّارِ بن الفضل الأموي، وجعفر ابن عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيَّ، وَأَبَا عَدْنَان مُحَمَّدَ بنَ أَبِي نِزَارٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: فَاطِمَة بِنْت عَبْدِ اللهِ "المُعْجَم الكَبِيْر" لِلطَّبَرَانِيِّ بكمَاله، وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَتَفَرَّد بِالرِّوَايَة عَنِ المَذْكُوْرِيْنَ سِوَى فَاطِمَة.
وَكَانَ يُعرف بِسِلَفَةَ.
رَوَى عَنْهُ الشَّيْخ الضِّيَاء فَأَكْثَر، وَبَالَغَ، وَمُحَمَّد بن عُمَرَ العُثْمَانِيّ، وَعَبْد اللهِ ابْن الحَافِظِ، وَبَدَل التَّبْرِيْزِيّ، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ الزَّنْجَانِيّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَحَسَن بن يُوْنُسَ سِبْط دَاوُد بن مَعْمَرٍ، وَعَبْد اللهِ بن يُوْسُفَ ابْن اللَّمْطِ، وَأَبُو الخَطَّابِ بن دحية، وخلق.
وَأَجَازَ لابْنِ الدَّرَجِيِّ، وَابْن البُخَارِيِّ، وَابْن شَيْبَان، وَطَائِفَة.
تُوُفِّيَ فِي سَلْخِ رَجَب، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ، فِيمَا قَرَأْت بِخَطِّ الضِّيَاء.
5402- حَنْبَلُ 2:
ابن عَبْدِ اللهِ بنِ فَرَجِ بنِ سَعَادَةَ، بَقِيَّةُ المُسْنَدينَ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الوَاسِطِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الرُّصَافِيُّ، المُكَبِّرُ، رَاوِي "المُسْنَدِ" كُلِّهِ عَنْ هِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ، وَسَمَاعُهُ لَهُ بِقِرَاءةِ ابْنِ الخَشَّابِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. وَسَمِعَ أَحَادِيْث مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ المُؤَمِّلِ، وَكَانَ يُكبِّرُ بِجَامِعِ المَهْدِيِّ، وَيُنَادِي فِي الأَملاَكِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَأَبُو الطَّاهِرِ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ، وَالتَّاجُ القُرْطُبِيُّ، وَالمُوَفَّقُ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الأَبارِيُّ، وَالصَّدْرُ البَكْرِيُّ، وَخَطِيْبُ مردا، والتقي بن أبي
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 193"، وشذرات الذهب "5/ 10، 11".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 195"، وشذرات الذهب "5/ 12".

(16/14)


اليُسْرِ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَالشَّيْخُ الفَخْرُ، وَغَازِي ابْنُ الحَلاَوِيِّ، وَزَيْنَبُ بنت مكي، وخلق كثير.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ فَقِيراً جِدّاً، رَوَى "المُسْنَدَ" بِإِرْبِلَ، وَبِالمَوْصِلِ، وَدِمَشْقَ، وَكَانَ يَمرض بِالتخم، كَانَ السُّلْطَانُ يَعملُ لَهُ الأَلوَانَ.
وَقَالَ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ: كَانَ أَبُوْهُ قَدْ وَقَفَ نَفْسَه عَلَى مصَالِحِ المُسْلِمِيْنَ، وَالمَشْيِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِم، وَكَانَ أَكْثَرَ هَمِّهِ تَجهيزُ المَوْتَى عَلَى الطُّرُقِ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ بِدِمَشْقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَنْبَلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا وُلِدتُ، مَضَى أَبِي إِلَى الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ الجِيْلِيِّ، وَقَالَ لَهُ: قَدْ وُلِدَ لِيَ ابْنٌ، مَا أُسَمِّيْهِ? قَالَ: سَمِّهِ حَنْبَلَ، وَإِذَا كَبِرَ سَمِّعْهُ "مُسْنَدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ". قَالَ: فَسمَّانِي كَمَا أَمرَهُ، فَلَمَّا كَبِرْتُ، سَمَّعَنِي "المُسْنَدَ"، وَكَانَ هَذَا مِنْ بَركَةِ مَشُوْرَةِ الشَّيْخِ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: كَانَ دَلاَّلاً فِي بَيعِ الأَملاَكِ، سُئِلَ عَنْ مَوْلِدِه، فَذَكَرَ مَا يَدلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَوْ إِحْدَى عَشْرَةَ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَتُوُفِّيَ بَعْد عَوْدِه مِنَ الشَّامِ، فِي لَيْلَةِ الجُمُعَةِ، رَابِع مُحَرَّمٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ: سَمِعْتُ مِنْهُ جَمِيْعَ "المُسْنَدِ" بِبَغْدَادَ، أَكْثَرُهُ بِقِرَاءتِي عَلَيْهِ، فِي نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ مَجْلِساً، وَلَمَّا فَرغْتُ، أَخذتُ أُرَغِّبُهُ فِي السَّفَرِ إِلَى الشَّامِ، فَقُلْتُ: يَحصلُ لَكَ مَالٌ، وَيُقْبِلُ عَلَيْكَ وُجُوهُ النَّاسِ وَرُؤَسَاؤُهُم. فَقَالَ: دَعْنِي؛ فَوَاللهِ مَا أُسَافرُ لأَجْلِهِم، وَلاَ لِمَا يَحصلُ مِنْهُم، وَإِنَّمَا أسافر خدمَةً لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْوِي أَحَادِيْثَه فِي بَلَدٍ لاَ تُرْوَى فِيْهِ.
قَالَ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ: اجْتَمَعَ لَهُ جَمَاعَةٌ لاَ نَعلمُهَا اجْتَمَعتْ فِي مَجْلِسِ سَمَاعٍ قَبْلَ هَذَا بِدِمَشْقَ، بَلْ لَمْ يَجتمعْ مِثْلُهَا لأَحدٍ مِمَّنْ رَوَى "المُسْنَدَ".
قُلْتُ: أَسْمَعُهُ مَرَّة بِالبَلَدِ، وَمرَّةً بِالجَامِعِ المُظَفَّرِيِّ.
وَفِيْهَا: مَاتَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ سُلْطَانَ المُقْرِئُ، وَسِتُّ الكَتَبَةِ بِنْتُ الطَّرَّاحِ.

(16/15)


5403- ابن القارص 1:
الشَّيْخُ المُعَمَّرُ العَالِمُ المُقْرِئُ المُسْنِدُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ أَبِي نَصْرٍ بنِ حَسَنِ بن هبة الله ابن أَبِي حَنِيْفَةَ الحَرِيْمِيُّ، الضَّرِيرُ، المَعْرُوفُ: بِابْنِ القَارِصِ.
قال ابن الدبيثي: هو آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْ هِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ شَيْئاً مِنَ "المُسْنَدِ"، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ أَبِي حَنِيْفَةَ الإِمَامِ، وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّازِ، وَأَبِي عَلِيٍّ الخَزَّازِ، وَأَضَرَّ بِأَخَرَةٍ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالشَّيْخُ الضِّيَاءُ. وَأَجَازَ: لِلْفَخْرِ ابْنِ البُخَارِيِّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قرَأَ بِالرِّوَايَاتِ على المبارك بن أحمد بن الناعورة، وَسَمِعَ أَكْثَرَ "المُسْنَدِ" مِنِ ابْنِ الحُصَيْنِ، وَكَانَ صَالِحاً، حَسَنَ الأَخْلاَقِ.
تُوُفِّيَ فِي التَّاسِعِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَعْبَان، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ تسعون سنة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 196، 197"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 14".

(16/15)


ست الكتبة، عبد الواحد:
5404- ست الكتبة 1:
اسْمُهَا نِعْمَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ ابْنِ الطَّرَّاحِ.
سَمِعَتْ مِنْ: جَدِّهَا كِتَابَ "الكِفَايَةِ" لِلْخَطِيْبِ، وَكِتَابَ "البُخَلاَءِ" لَهُ، وَكِتَابَ "الجَامِعِ"، وَكِتَابَ "السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ"، وَكِتَابَ "القُنُوْتِ"، وَأَشيَاءَ.
وَسَمِعَتْ من: أبي شجاع البِسْطَامِيِّ. وَأَجَازَ لَهَا: مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِيُّ، وَالفُرَاوِيّ.
حَدَّثَ عَنْهَا: الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَاليَلْدَانِيّ، وَالمُنْذِرِيّ، وَابْن أَبِي عُمَرَ، والفخر علي، وجماعة.
وَلدت سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ، وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ.
وَتُوُفِّيَتْ بِدِمَشْقَ، فِي الثَّامن وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
5405- عَبْدُ الوَاحِدِ:
ابن أبي المطهر القاسم بن الفضل، الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُسْنِدُ، الرّحلَةُ، أَبُو القَاسِمِ الأَصْبَهَانِيُّ، الصيدلاني.
__________
1 ترجمتها في النجوم الزاهرة "6/ 195"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 12".

(16/16)


سَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَجَعْفَر بن عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيّ، وَفَاطِمَة الجُوْزْدَانِيَّة، وَإِسْمَاعِيْل الإِخشيذ، وَابْن أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِيّ. وَسَمِعَ حُضُوْراً مِنْ: عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّشْتَج صَاحِب أَبِي نُعَيْمٍ، وَعُمِّرَ دَهْراً، فَإِنَّ مولده في ذي الحجة، سنة أربع عشرة وَخَمْسِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظَان؛ الضِّيَاء وَابْن خَلِيْلٍ، وَجَمَاعَة. وَأَجَازَ: لِلشَّيْخِ شَمْس الدِّيْنِ عَبْد الرحمن، وَالكَمَال عَبْد الرَّحِيْمِ، وَأَحْمَد بن أَبِي الخَيْرِ، وَأَحْمَد بن شَيْبَان، وَالفَخْر عَلِيّ.
تُوُفِّيَ بِأَصْبَهَانَ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ كتابة عن عبد الواحد بن القَاسِم، أَنَّ عَبْد الوَاحِدِ بن مُحَمَّد أَخْبَرَهُم فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ فِي آخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الخَطْمِيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْب، قَالَ: دُعِي عَبْد اللهِ بن يَزِيْدَ إِلَى طَعَامٍ، فَلَمَّا جَاءَ، رَأَى البَيْتَ مُنَجَّداً، فَقعد خَارِجاً، وَبَكَى، وَقَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَطَالَعَتْ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا ثَلاَثاً -أَيْ أَقْبَلَتْ ". ثُمَّ قَالَ: "أَنْتُمْ خَيْرٌ أَمْ إِذَا غَدَتْ عَلَيْكُمْ قَصْعَةٌ وَرَاحَتْ أُخْرَى، وَيَغْدُو أَحَدُكُم فِي حلَّةٍ وَيَرُوْحُ فِي أُخْرَى، وَتَسْتُرُوْنَ بُيُوْتَكُم كَمَا تُسْتَرُ الكَعْبَةُ". قَالَ عَبْدُ اللهِ: أَفَلاَ أَبْكِي؟ وَقَدْ رَأَيتكُم تَسْتُرُوْنَ بيوتكُم كَمَا تُسْتر الكَعْبَة.
النَّسَائِيُّ فِي "اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ"، عَنْ هِلاَلِ بنِ العَلاَءِ، عَنْ عَفَّانَ.

(16/17)


5406- ابن المنجى 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ شَيْخُ الحَنَابِلَة، وَجِيْهُ الدِّيْنِ أَبُو المَعَالِي أَسَعْدُ بنُ المُنَجَّى بنِ أَبِي المُنَجَّى بَرَكَاتِ بنِ المُؤَمَّلِ التَّنُوْخِيُّ، المَعَرِّيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ أَنْ تَفَقَّهَ على شرف الإسلام عبد الوهاب ابن الحَنْبَلِيِّ، فَتَفَقَّهَ أَيْضاً عَلَى: الشَّيْخ عَبْد القَادِرِ، وَالشَّيْخ أَحْمَد الحَرْبِيّ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ، وَأَنُوشْتِكِيْن الرَّضْوَانِيّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ العَبَّاسِيّ. وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: نَصْر بن مُقَاتِل، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ الشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ ابْن قُدَامَةَ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء، وَالزَّكِيّ المُنْذِرِيّ، وَالشِّهَاب القُوْصِيّ، وَابْن أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْر ابْن البُخَارِيِّ، وَجَمَاعَة.
وَلأَجْلِهِ بَنَى الرَّئِيْس مِسْمَار مَدْرَسَته، وَوقفهَا عَلَيْهِ وَعَلَى ذُرِّيَته.
وَلَهُ شعر جَيِّد، وَمَعْرِفَة تَامَّة، وَجَلاَلَة وَافرَة.
أَلَّفَ كِتَاب "النِّهْايَةِ فِي شَرْحِ الهِدَايَةِ" فِي عِدَّةِ مُجَلَّدَاتٍ، وَكِتَاب "الخُلاَصَةِ فِي المَذْهَبِ"، وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَفِي أَوْلاَدِهِ عُلَمَاء وَكُبَرَاء.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ حرَّان فِي دَوْلَةِ الْملك نُوْر الدِّيْنِ.
وَمَاتَ أَخُوْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ عَنْ غَيْر عَقِبٍ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ. رَوَى عَنْهُ الفَخْرُ ابْنُ البُخَارِيِّ، عن ابن مقاتل.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 18، 19".

(16/17)


5407- المندائي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ القَاضِي المُعَمَّرُ مُسْنِدُ العِرَاقِ أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ ابْنُ القَاضِي أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ بختيَار بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ المَنْدَائِيُّ، الوَاسِطِيُّ.
وُلِدَ بِوَاسِطَ، فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ.
وَاعْتَنَى بِهِ أَبُوْهُ، وَقَدِمَ بِهِ، فَسَمِعَ مِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ كَثِيْراً، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ البَارِعِ، وَهِبَةِ اللهِ بنِ الطَّبَرِ، وَأَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ المُجْلِي، وَالحَافِظِ أَبِي عَامِرٍ العَبْدَرِيِّ، وَمكِيِّ البُرُوْجِرْدِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ البَيْهَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ المَزْرَفِيِّ، وَقَاضِي المَارستَانِ، وَأَبِي منصور القزاز، وأبي منصور بن خيرون، وعدة.
وَقَدْ وَلِيَ أَبُوْهُ قَضَاءَ الكُوْفَةِ، فَسَمَّعَهُ بِهَا مِنْ أَبِي البَرَكَاتِ عُمَرَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الزَّيْدِيِّ. وَبِوَاسِطَ مِنْ: أَبِي الكَرَمِ نَصْرِ اللهِ بنِ الجَلَخْتِ، وَالقَاضِي مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الجُلاَّبِيِّ، وَالمُبَارَكِ ابن نَغُوْبَا. وَتَلاَ بِهَا عَلَى: أَحْمَدَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الآمِدِيِّ، وَابْنِ تركَانَ. وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى: أَبِي مَنْصُوْرٍ ابْن الرَّزَّاز، وَتَأَدَّبَ عَلَى: أَبِي منصور ابن الجواليقي.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الطَّاهِرِ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ نُقْطَةَ، وَفُتُوْحُ بنُ نُوْحٍ الجُوَيْنِيُّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَعِدَّةٌ.
وَأَجَازَ لابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْرِ عَلِيٍّ، وَالقَاضِي عَبْدِ الوَاحِدِ الأَبْهَرِيِّ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: كَانَ حَسَنَ المَعْرِفَةِ، جَيِّدَ الأُصُوْلِ، صَحِيْحَ النَّقْلِ، متيقِّظاً، صَارَ أَسنَدَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَنِعْمَ الشَّيْخُ كَانَ، عَقْلاً وَخُلُقاً وَمَوَدَّةً.
وَقَالَ الحَافِظُ عَبْدُ العَظِيْمِ: كَانَ بَقِيَّةَ السَّلَفِ، وَشَيْخَ القُضَاةِ وَالشُّهُودِ، وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ بـ"المُسْنَدِ" كَامِلاً، وَكَانَ يَعرف مَا يُقرَأُ عَلَيْهِ.
وَسُئِلَ عَنْ مَعْنَى المَاندَائِيِّ، فَقَالَ: كَانَ أَجدَادِي قَوْماً مِنَ العجَمِ تَأَخَّرَ إِسلاَمُهُم، فَسُمُّوا بِذَلِكَ، وَهُوَ البَاقِي بِالفَارِسيَّةِ.
مَاتَ فِي ثَامنِ شَعْبَان، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بدَارِهِ، وَخُتمت عِنْدَهُ عِدَّةَ خِتَمٍ -رَحِمَهُ الله- وَقَدْ نَابَ مُدَّةً فِي قَضَاءِ وَاسِطَ.
كتبَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الحَازِمِيُّ، وَحَدَّثَ عَنْهُ بِبَغْدَادَ بِالكَثِيْرِ، وثقه ابن النجار.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 196"، وشذرات الذهب "5/ 17".

(16/18)


5408- ابن مشق 1:
الإِمَامُ الفَاضِلُ المُحَدِّثُ مُفِيْدُ بَغْدَادَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ البَغْدَادِيُّ، البَيِّعُ، عُرِفَ بِابْنِ مَشِّق.
وُلِدَ سَنَةَ "533"، وَسَمَّعَهُ وَالِدُهُ، ثُمَّ طَلَبَ بِنَفْسِهِ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بنَ الأَشْقَرِ، وَالقَاضِي مُحَمَّدَ بنَ عُمَرَ الأُرْمَوِيَّ، وَسَعِيْدَ ابْنَ البَنَّاءِ، وَسَعْدَ الخَيْرِ الأَنْدَلُسِيَّ، فَمَنْ بَعْدَهُم.
رَوَى عَنْهُ ابْنُ النَّجَّارِ، وَالضِّيَاءُ، وَالنَّجِيْبُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ، وَطَائِفَةٌ. وَأَجَازَ: لِلْفخرِ عَلِيٍّ، وَلإِسْمَاعِيْلَ العَسْقَلاَنِيِّ، وَكَانَ صَدُوْقاً، مُتودِّداً، جَمِيْلَ السِّيرَةِ.
قَالَ الدُّبَيْثِيُّ: لَمْ يَرْوِ إلَّا اليَسِيْرَ، وَقَدْ عَملَ "المُعْجَمَ"، وَبلغَتْ أَثبَاتُهُ سِتَّ مُجَلَّدَاتٍ، وَاختلطَ قَبْلَ مَوْتِهِ بنَحْوٍ مِنْ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، حَتَّى كَانَ لاَ يَأْتِي بِشَيْءٍ عَلَى وَجهِ الصِّحَّةِ، فَتركَهُ النَّاسُ.
مَاتَ فِي حَادِي عشرَ شَعْبَان، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمَاتَ فِيْهَا: أَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ، وَالقَاضِي صَدْرُ الدِّيْنِ ابْنُ دِرْبَاسٍ، وَشَيْخُ القُرَّاءِ أَبُو الجُودِ اللَّخْمِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ أَبِي نَصْرٍ الحَرِيْمِيُّ ابْنُ القَارصِ، وَعبدُ الوَاحِد بنُ أَبِي المطهِّر الصَّيْدَلاَنِيّ، وَعبدُ الله بن أبي الحسن الجبائي.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 196"، وشذرات الذهب "5/ 18".

(16/19)


5409- حمزة بن علي 1:
ابن حمزة بن فارس الإِمَامُ شَيْخُ القُرَّاءِ أَبُو يَعْلَى ابْنُ القُبَّيْطِيِّ الحَرَّانِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، أَخُو المُحَدِّثِ أَبِي الفَرَجِ مُحَمَّدٍ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى: أَبِيْهِ، وَسِبْط الخَيَّاطِ، وَأَبِي الكرم الشهرزوري، وعمر بن ظفر، وعلي ابن أَحْمَدَ اليَزْدِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّازِ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ تَوْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ السَّلاَّلِ، وَعَلِيِّ بن الصَّبَّاغِ، وَأَبِي سَعْدٍ البَغْدَادِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَكَتَبَ وَتعبَ وَحصَّلَ الأُصُوْلَ، لَكِنِ احترقَتْ كتُبُهُ، وَكَانَ مليحَ الكِتَابَةِ، مُتْقِناً، إِمَاماً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وابن خليل، وعدة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: أَكْثَرتُ عَنْهُ، وَلاَزمتُهُ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ مِنْ كُتُبِ القِرَاءاتِ وَالأَدبِ، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، نبيلاً، مَوْصُوَفاً بِحُسْنِ الأَدَاءِ، وَطيبِ النَّغْمَةِ، يَقصُدُهُ النَّاسُ فِي التَّرَاويحِ، مَا رَأَيْتُ قَارِئاً أَحلَى نَغمَةً مِنْهُ، وَلاَ أَحْسَنَ تَجويداً، مَعَ عُلُوِّ سِنِّهِ، وَانقلاعِ ثَنِيَّتِهِ، وَكَانَ تَامَّ المَعْرِفَةِ بوُجُوهِ القِرَاءاتِ وَعِلَلِهَا، وَحَفِظَ أَسَانِيْدَهَا وَطُرُقهَا، وَكَانَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ حَسَنَة بِالحَدِيْثِ، وَكَانَ دَمِثاً، لطيفاً، متودِّداً، وَكَانَ فِي صِبَاهُ مِنْ أَحْسَنِ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَظرفِهِم، مَعَ صيَانَةٍ وَنزَاهَةٍ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ الشُّيُوْخِ صُوْرَةً، وَقَدْ أَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ فِي وَصْفِهِ؛ فَأَنْشَدَنِي يَحْيَى بنُ طَاهِرٍ، أَنْشَدَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الكَاتِبُ لِنَفْسِهِ فِي حَمْزَةَ بنِ القُبَّيْطِيِّ:
تَمَلَّكَ مُهْجَتِي ظبيٌ غريرٌ ... ضَنِيتُ بِهِ وَلَمْ أَبْلُغْ مُرَادِي
فَتَصْحِيْفُ اسْمِهِ فِي وَجْنَتَيْهِ ... وَمِنْ ريقٍ بِفِيْهِ وَفِي فُؤَادِي
قَرَأْتُ عَلَى حَمْزَةَ بنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ تَوبَةَ، حَدَّثَنَا الخَطِيْبُ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
تُوُفِّيَ فِي ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: الضِّيَاءُ بنُ الخُرَيفِ، وَسُلْطَانُ غزنة الشهاب الغوري.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 191"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 7"، ووقع عنده [ابن القسطى] بالسين المهملة بدل [ابن القبيطي] .

(16/20)


ابن الخصيب، عبد الغني:
5410- ابن الخصيب 1:
الشيخ العالم الفقيه أبو المفضل مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَبِي الرِّضَا بنِ الخصيب بن زيد القرشي، الدمشقي، الشافعي.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: جَمَالِ الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ، وَأَبِي طَالِبٍ عَلِيِّ بنِ أَبِي عَقِيْلٍ الصُّوْرِيِّ، وَنَصْرِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَقْدِسِيُّ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ الكَافِي، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَبِي بَكْرٍ الوَاعِظُ الحَمْوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُسَلَّمِ بنِ أَبِي الخوفِ، وَيُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ القُوْصِيُّ، وَخَالِدٌ النَّابلسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَيَّانَ العَامِرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَازَ لأَحْمَدَ بنِ سَلاَمَةَ الحَدَّادِ، وَالفَخْرِ ابْنِ البُخَارِيِّ، وَالكَمَالِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ.
وَثَّقَهُ بَعْضُهُم، وَضَعَّفَهُ ابْنُ خَلِيْلٍ، وَمَا فَسَّرَ، وَقَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتَّ مائَةٍ، فِي ثَالِثِ المُحَرَّمِ، وَكَانَ يُعرَفُ قَدِيْماً بِسِبْطِ زِيدٍ المُحْتَسِبِ.
5411- عبد الغني 2:
الإِمَامُ العَالِمُ الحَافِظُ الكَبِيْرُ الصَّادِقُ القُدْوَةُ العَابِدُ الأثري المتبع عَالِمُ الحُفَّاظِ تَقِيُّ الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الغني بن عبد الواحد بن علي بن سُرُوْرِ بنِ رَافِعِ بنِ حَسَنِ بنِ جَعْفَرٍ المَقْدِسِيُّ الجَمَّاعِيْليُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ المَنْشَأ الصَّالِحيُّ الحَنْبَلِيُّ، صَاحِبُ "الأَحكَامِ الكُبْرَى"، وَ"الصُّغْرَى".
قَرَأْتُ سِيرتَهُ في جزئين جَمْعِ الحَافِظِ ضِيَاءِ الدِّيْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ المَقْدِسِيِّ، عَلَى الشَّيْخِ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ أَحْمَدَ البَنَّاءِ، بِسَمَاعِهِ عَامَ سِتَّةٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ من المؤلف، فعامة ما أورده فمنها.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 188"، وشذرات الذهب "5/ 6".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1112"، وشذرات الذهب "4/ 345، 346".

(16/21)


قَالَ: وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِجُمَّاعِيلَ، أَظنُّهُ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، قَالَتْ وَالِدتِي: هُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَخِيْهَا الشَّيْخِ المُوَفَّقِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَالمُوَفَّقُ وُلِدَ فِي شَعْبَان.
سَمِعَ الكَثِيْرَ بِدِمَشْقَ، وَالإِسْكَنْدَرِيَّةَ، وَبَيْتَ المَقْدِسِ، وَمِصْرَ، وَبَغْدَادَ، وَحَرَّانَ، وَالمَوْصِلَ، وَأَصْبَهَانَ، وَهَمَذَانَ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ.
سَمِعَ: أَبَا الفَتْحِ ابْنَ البَطِّيِّ، وَأَبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بنَ رَبَاحٍ الفَرَّاءَ، وَالشَّيْخَ عَبْدَ القَادِرِ الجِيْلِيَّ، وَهِبَةَ اللهِ بنَ هِلاَلٍ الدَّقَّاقَ، وَأَبَا زُرْعَةَ المَقْدِسِيَّ، ومعمر بن الفاخر، وأحمد بن المقرب، ويحيى بن ثابت، وأبا بكر بن النَّقُّوْرِ، وَأَحْمَدَ بنَ عَبْدِ الغَنِيِّ البَاجِسْرَائِيَّ، وَعِدَّةً بِبَغْدَادَ، وَالحَافِظَ أَبَا طَاهِرٍ السِّلَفِيَّ، فَكَتَبَ عَنْهُ نَحْواً مِنْ أَلفِ جزءٍ، وَبِدِمَشْقَ أَبَا المَكَارِمِ بنَ هِلاَلٍ، وَسَلْمَانَ بنَ عَلِيٍّ الرَّحَبِيَّ، وَأَبَا المَعَالِي بنَ صَابرٍ، وَعِدَّةً. وَبِمِصْرَ: مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الرَّحَبِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ بَرِّيٍّ، وَطَائِفَةً، وَبِأَصْبَهَانَ الحَافِظَ أَبَا مُوْسَى المَدِيْنِيَّ، وَأَبَا الوَفَاءِ مَحْمُوْدَ بنَ حَمَكَا، وَأَبَا الفَتْحِ الخِرَقِيَّ، وَابْنَ يَنَال التُّرْك، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الوَاحِدِ الصَّائِغَ، وَحَبِيْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الصُّوْفِيَّ، وَبِالمَوْصِلِ أَبَا الفَضْلِ الطُّوْسِيَّ، وَطَائِفَةً. وَلَمْ يَزَلْ يَطلبُ وَيَسْمَع وَيَكْتُبُ، وَيسهَرُ، وَيدأَبُ، وَيَأْمرُ بِالمَعْرُوفِ وَيَنَهى عَنِ المُنْكَرِ، وَيَتقِي اللهَ، وَيَتعبَّدُ وَيَصُوْمُ، وَيَتهجَّدُ، وَيَنشرُ العِلْمَ إِلَى أَنْ مَاتَ. رَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ مرَّتينِ، وَإِلَى مِصْرَ مرَّتينِ؛ سَافرَ إِلَى بَغْدَادَ هُوَ وَابْنُ خَالِهِ الشَّيْخُ المُوَفَّقُ فِي أَوَّلِ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ، فَكَانَا يَخْرُجَانِ مَعاً وَيَذْهَبُ أَحدُهُمَا فِي صُحْبَة رفِيقِهِ إِلَى دَرْسِهِ وَسَمَاعِهِ، كَانَا شَابَّيْنِ مُخْتَطّين، وَخوَّفَهُمَا النَّاسُ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، وَكَانَ الحَافِظُ مَيْلُهُ إِلَى الحَدِيْثِ وَالمُوَفَّقُ يُرِيْدُ الفِقْهَ، فَتفقَّهَ الحَافِظُ وَسَمِعَ المُوَفَّقُ مَعَهُ الكَثِيْرَ، فَلَمَّا رَآهُمَا العُقَلاَءُ عَلَى التَّصَوُّنِ وَقِلَّةِ المُخَالَطَةِ أَحَبُّوهُمَا، وَأَحْسَنُوا إِلَيهُمَا، وَحصَّلاَ عِلْماً جمّاً، فَأَقَامَا بِبَغْدَادَ نَحْوَ أَرْبَعِ سِنِيْنَ، وَنَزَلاَ أَوَّلاً عِنْد الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ فَأَحْسَنَ إِلَيهِمَا، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ قُدُومِهِمَا بخَمْسِيْنَ لَيْلَةً، ثُمَّ اشْتَغَلاَ بِالفِقْهِ والخلاف عَلَى ابْنِ المنِّي. وَرَحَلَ الحَافِظُ إِلَى السِّلَفِيِّ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ، فَأَقَامَ مُدَّةً، ثُمَّ رحل أيضًا إلى السلفي سنة سَبْعِيْنَ. ثُمَّ سَافرَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً، وَحَصَّلَ الكتُبَ الجيِّدَةَ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَكَانَ لَيْسَ بِالأَبيضِ الأَمهَقِ، بَلْ يَمِيْلُ إِلَى السُّمرَةِ، حسن الشَّعْرِ، كَثّ اللِّحْيَةِ، وَاسِع الجبينِ، عَظِيْم الخَلْقِ، تَامّ القَامَةِ، كَأَنَّ النُّوْر يَخْرُجُ مِنْ وَجهِهِ، وَكَانَ قَدْ ضعُفَ بصرُهُ مِنَ البُكَاءِ وَالنَّسْخِ وَالمُطَالَعَةِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ، وَالحَافِظُ عِزُّ الدِّيْنِ مُحَمَّدٌ، وَالحَافِظُ أَبُو مُوْسَى عَبْدُ

(16/22)


اللهِ، والفَقِيْهُ أَبُو سُلَيْمَانَ أَوْلاَدُهُ، وَالحَافِظُ الضِّيَاءُ، وَالخَطِيْبُ سُلَيْمَانُ بنُ رَحْمَةَ الأَسْعَرْدِيُّ، وَالبَهَاءُ عَبْدُ الرحمان، والشيخ الفقيه محمد اليونيني، والزين بن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَأَبُو الحَجَّاجِ بنُ خَلِيْلٍ، وَالتَّقِيُّ اليَلْدَانِيُّ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ القَلاَنسِيُّ، وَالوَاعِظُ عُثْمَانُ بنُ مَكِّيٍّ الشَّارعِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَامِدٍ الأَرْتَاحِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ القوِيِّ بنِ عَزُّوْنَ، وَأَبُو عِيْسَى عَبْدُ اللهِ بنُ عَلاَّقٍ الرَّزَّازُ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُم مَوْتاً سَعْدُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ مُهَلْهَلٍ الجينِيُّ.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ شَيْخُنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ الحَدَّادُ.
تَصَانِيْفُهُ:
كِتَابُ "المِصْبَاح فِي عُيونِ الأَحَادِيْثِ الصِّحَاحِ" مشتمل على أحاديث "الصَّحِيْحَيْنِ"، فَهُوَ مُسْتخرَجٌ عَلَيْهِمَا بِأَسَانِيْدِهِ، فِي ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ جُزْءاً، كِتَابُ "نِهَايَة المُرَادِ" فِي السُّنَنِ، نَحْوُ مائَتَيْ جزءٍ لَمْ يَبَيِّضْهُ، كِتَابُ "اليَواقيت" مُجَلَّدٌ، كِتَابُ "تُحْفَة الطَّالبينَ فِي الجِهَادِ وَالمُجَاهِدِيْنَ" مُجَلَّدٌ، كِتَابُ "فَضَائِل خَيْرِ البرِيَّةِ" أَرْبَعَةُ أَجزَاءٍ، كِتَابُ "الرَّوْضَة" مُجَلَّدٌ، كِتَابُ "التَّهجُّد" جُزْآنِ، كِتَابُ "الفَرَج" جزآنِ، كِتَابُ "الصِّلاَت إِلَى الأَمْوَاتِ" جزآنِ، "الصِّفَات" جزآنِ، "مِحْنَة الإِمَامِ أَحْمَدَ" جُزْآنِ، "ذَمّ الرِّيَاءِ" جُزْء، "ذَمّ الغِيبَةِ" جُزْء، "التَّرغِيب فِي الدُّعَاءِ" جُزْء، "فَضَائِل مَكَّةَ" أَرْبَعَةُ أَجزَاءٍ، "الأَمْر بِالمَعْرُوفِ" جزءٌ، "فَضل رَمَضَانَ" جُزْء، "فَضل الصَّدَقَةِ" جُزْء، "فَضل عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ" جزءٌ، "فَضَائِل الحَجِّ" جزءٌ، "فَضل رَجَب"، "وَفَاة النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" جزءٌ، "الأَقسَام الَّتِي أَقسمَ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، كِتَابُ "الأَرْبَعِيْنَ" بِسندٍ وَاحِدٍ، "أَرْبَعِيْنَ مِنْ كَلاَمِ رَبِّ العَالِمِينَ"، كِتَابُ "الأَرْبَعِيْنَ" آخرُ، كِتَابُ "الأَرْبَعِيْنَ" رَابعُ، "اعْتِقَاد الشَّافِعِيِّ" جزءٌ، كِتَابُ "الحِكَايَاتِ" سَبْعَةُ أَجزَاءٍ، "تَحَقِيْق مُشْكِلِ الأَلْفَاظِ" مجلَّدَيْنِ، "الجَامِعُ الصَّغِيْرِ فِي الأَحكَامِ" لَمْ يَتِمَّ، "ذِكْر القُبُوْرِ" جزءٌ، "الأَحَادِيْث والحكايات" كان يَقرؤهَا لِلْعَامَّةِ، مائَة جزءٍ، "مَنَاقِب عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ" جزءٌ، وَعِدَّةُ أَجزَاءٍ فِي "مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ"، وَأَشيَاءَ كَثِيْرَةً جِدّاً مَا تَمَّتْ، وَالجَمِيْعُ بِأَسَانِيْدِهِ، بِخَطِّهِ المَلِيْحِ الشَّدِيدِ السُّرعَةِ، وَ"أَحكَامه الكُبْرَى" مُجَلَّدٌ، وَ"الصَّغرَى" مُجَيْلِيْدٌ، كِتَابُ "دُرَر الأَثرِ" مُجَلَّدٌ، كِتَابُ "السَّيرَة" جزءٌ كَبِيْرٌ، "الأَدعيَة الصَّحيحَة" جزءٌ، "تَبيين الإِصَابَةِ لأَوهَامٍ حصلَتْ لأَبِي نُعَيْمٍ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ" جُزْآنِ، تَدُلُّ عَلَى برَاعتِهِ وَحفظِهِ، كِتَابُ "الكَمَال فِي مَعْرِفَةِ رِجَالِ الكُتُبِ السِّتَّةِ" فِي أَرْبَعَةِ أَسفَارٍ، يَرْوِي فِيْهِ بأسانيده.

(16/23)


فِي حِفْظِهِ:
قَالَ ضِيَاءُ الدِّيْنِ: كَانَ شَيْخُنَا الحَافِظُ لاَ يَكَادُ يُسْأَلُ عَنْ حَدِيْثٍ إلَّا ذَكَرَهُ وَبَيَّنَهُ، وَذَكَرَ صِحَّتَهُ أَوْ سقمَهُ، وَلاَ يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ إلَّا قَالَ: هُوَ فُلاَنُ بنُ فُلاَنٍ الفُلاَنِيُّ وَيذكرُ نسبَهُ، فَكَانَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ الحَافِظِ أَبِي مُوْسَى، فَجرَى بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ منَازعَةً فِي حَدِيْثٍ، فَقَالَ: هُوَ فِي "صَحِيْحِ البُخَارِيِّ". فَقُلْتُ: لَيْسَ هُوَ فِيْهِ، قَالَ: فَكَتَبَهُ فِي رُقْعَةٍ، وَرفعهَا إِلَى أَبِي مُوْسَى يَسْأَلُهُ، قَالَ: فَنَاوَلَنِي أَبُو مُوْسَى الرُّقْعَةَ، وَقَالَ: مَا تَقُوْلُ? فَقُلْتُ: مَا هُوَ فِي "البُخَارِيِّ"، فَخجِلَ الرَّجُلُ.
قَالَ الضِّيَاءُ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ بِمَرْوَ كَأَنَّ البُخَارِيَّ بَيْنَ يَدَي الحافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ، يَقرَأُ عَلَيْهِ مِنْ جزءٍ وَكَانَ الحَافِظُ يَردُّ عَلَيْهِ، أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ.
وَسَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ ظَفَرٍ يَقُوْلُ: قَالَ رَجُلٌ لِلْحَافِظ عَبْدِ الغني: رَجُلٌ حلفَ بِالطَّلاَقِ أَنَّكَ تَحفَظُ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ، فَقَالَ: لَوْ قَالَ أَكْثَرَ لصدَقَ!
وَرَأَيْتُ الحَافِظَ عَلَى المِنْبَرِ غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُوْلُوْنَ لَهُ اقرَأْ لَنَا مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ، فِيقرَأُ أَحَادِيْثَ بأسانيده من حفظه.
وسمعت ابنه عبد الرحمن يَقُوْلُ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِنَا يَقُوْلُ: إِنَّ الحَافِظَ سُئِلَ: لِمَ لاَ تَقرَأُ مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ? قَالَ: أَخَافُ العُجْبَ.
وَسَمِعْتُ خَالِي أَبَا عُمَرَ أَوْ وَالِدِي، قَالَ: كَانَ الملِكُ نُوْرُ الدِّيْنِ بنُ زَنْكِي يَأْتِي إِلَيْنَا، وَكُنَّا نَسْمَعُ الحَدِيْثَ، فَإِذَا أَشْكَلَ شَيْءٌ عَلَى القَارِئ قَالَهُ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ، ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى السِّلَفِيِّ، فَكَانَ نُوْرُ الدِّيْنِ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَيْنَ ذَاكَ الشَّابُّ? فَقُلْنَا: سَافرَ.
وَسَمِعْتُ عَبْدَ العَزِيْز بنَ عَبْدِ المَلِكِ الشَّيْبَانِيّ، سَمِعْتُ التَّاجَ الكِنْدِيَّ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِثْلُ الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ.
وَسَمِعْتُ أَبَا الثَّنَاءِ مَحْمُوْدَ بنَ هَمَّامٍ، سَمِعْتُ الكِنْدِيَّ يَقُوْلُ: لَمْ يَرَ الحَافِظُ مِثْلَ نَفْسِهِ.
شَاهَدْتُ بِخَطِّ أَبِي مُوْسَى المَدِيْنِيِّ عَلَى كِتَابِ "تَبيينِ الإِصَابَةِ" الَّذِي أَملاَهُ عَبْدُ الغَنِيِّ -وَقَدْ سَمِعَهُ أَبُو مُوْسَى، وَالحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ الصَّائِغُ، وَأَبُو العَبَّاسِ التّرك: "يَقُوْلُ أَبُو مُوْسَى عفَا اللهُ عَنْهُ: قَلَّ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا يَفهَمُ هَذَا الشَّأْنَ كفَهْمِ الشَّيْخِ الإِمَامِ ضِيَاءِ الدِّيْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الغَنِيِّ المَقْدِسِيِّ، وَقَدْ وُفِّقَ لِتبيينِ هَذِهِ الغلطَات، وَلَوْ كَانَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَمثَالُهُ فِي الأَحْيَاءِ لَصَوَّبُوا فَعلَهُ، وَقَلَّ مَنْ يَفهَمُ فِي زَمَانِنَا مَا فَهِمَ، زَادَهُ الله علمًا وتوفيقًا".

(16/24)


قَالَ أَبُو نِزَارٍ رَبِيْعةُ الصَّنْعَانِيُّ: قَدْ حضَرْتُ الحَافِظَ أَبَا مُوْسَى، وَهَذَا الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ، فَرَأَيْتُ عَبْدَ الغَنِيِّ أَحْفَظَ مِنْهُ.
سَمِعْتُ عَبْدَ الغَنِيِّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ الجَوْزِيِّ فَقَالَ: وُرَيْرَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الغَسَّانِيُّ، فَقُلْتُ: إِنَّمَا هُوَ وَزِيْرَةُ. فَقَالَ: أَنْتُم أَعْرفُ بِأَهْلِ بلدِكُم.
فِي إِفَادَتِهِ وَاشتِغَالِهِ:
قَالَ الضِّيَاءُ: وَكَانَ -رحمَهُ اللهُ- مُجْتَهِداً عَلَى الطَّلَبِ، يُكرِمُ الطَّلبَةَ، وَيُحسِنُ إِلَيْهِم، وَإِذَا صَارَ عِنْدَهُ طَالبٌ يَفهَمُ أَمرَهُ بِالرِّحلَةِ، وَيَفرحُ لَهُم بِسَمَاعِ مَا يَحصِّلُونَهُ، وَبسَبَبه سَمِعَ أَصْحَابُنَا الكَثِيْرَ.
سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَافِظَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ الحَدِيْثَ فِي الشَّامِ كُلِّهِ إلَّا بِبركَةِ الحَافِظِ، فَإِنَّنِي كُلَّ مَنْ سَأَلتُهُ يَقُوْلُ: أَوَّلُ مَا سَمِعْتُ عَلَى الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ، وَهُوَ الَّذِي حَرَّضَنِي.
وَسَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى ابْنَ الحَافِظِ يَقُوْلُ عِنْدَ مَوْتِهِ: لاَ تُضَيِّعُوا هَذَا العِلْمَ الَّذِي قَدْ تَعِبْنَا عَلَيْهِ.
قُلْتُ: هُوَ رَحَّلَ ابْنَ خَلِيْلٍ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَرَحَّلَ ابْنَيْهِ العِزَّ مُحَمَّداً، وَعَبْدَ اللهِ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ صغِيراً، وَسَفَّرَ ابْنَ أُخْتِهِ مُحَمَّدَ بنَ عُمَرَ بنِ أَبِي بكر، وابن عمه علي ابن أَبِي بَكْرٍ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَحرَّضَنِي عَلَى السَّفَرِ إِلَى مِصْرَ، وَسَافَرَ مَعَنَا ابْنُهُ أَبُو سُلَيْمَانَ عبد الرحمن ابْنُ عشرٍ، فَبَعَثَ مَعَنَا "المُعْجَمَ الكَبِيْرَ" لِلطَّبَرَانِيِّ، وَكِتَابَ "البُخَارِيِّ"، وَ"السِّيرَةَ"، وَكَتَبَ إِلَى زَيْنِ الدين علي بن نجيا يُوصِيهِ بِنَا، وَسَفَّرَ ابْنَ ظَفَرٍ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَزوَّدَهُ، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى هَذَا.
قَالَ الضِّيَاءُ: لَمَّا دخلنَا أَصْبَهَانَ فِي سفرتِي الثَّانِيَةِ كُنَّا سَبْعَةً، أَحَدُنَا الفَقِيْهُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَافِظِ، وَكَانَ طِفْلاً، فَسمِعنَا عَلَى المَشَايِخِ، وَكَانَ المُؤَيَّدُ ابْنُ الإِخْوَةِ عِنْدَهُ جُمْلَةٌ مِنَ المَسْمُوْعَاتِ، وَكَانَ يَتشدَّدُ عَلَيْنَا، ثُمَّ تُوُفِّيَ، فَحَزِنْتُ كَثِيْراً، وَأَكْثَرَ مَا ضَاقَ صَدْرِي لثَلاَثَةِ كُتُبٍ: "مُسْنَدِ العَدَنِيِّ"، وَ"مُعْجَمِ ابْنِ المُقْرِئ"، وَ"مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى"، وَقَدْ كُنْتُ سَمِعْتُ عَلَيْهِ فِي النَّوبَةِ الأُوْلَى "مُسْنَدَ العَدَنِيِّ" لَكِنْ لأَجْلِ رِفْقَتِي، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ الحَافِظَ عَبْدَ الغَنِيِّ قَدْ أَمسَكَ رَجُلاً وَهُوَ يَقُوْلُ لِي: أُمَّ هَذَا، أُمَّ هَذَا، وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ ابْنُ عَائِشَةَ بِنْتِ مَعْمَرٍ. فَلَمَّا استيقظْتُ قُلْتُ: مَا هَذَا إلَّا لأَجْلِ شَيْءٍ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّهُ يُرِيْدُ الحَدِيْثَ، فَمضيتُ إِلَى دَارِ بَنِي مَعْمَرٍ، وَفتَّشْتُ الكُتُبَ، فَوَجَدْتُ "مُسْنَدَ العَدَنِيِّ" سَمَاع عَائِشَةَ مِثْلَ ابْنِ الإِخْوَةِ، فَلَمَّا

(16/25)


سَمِعْنَاهُ عَلَيْهَا قَالَ لِي بَعْضُ الحَاضِرِيْنَ: إِنَّهَا سَمِعَتْ "مُعْجَمَ ابْنِ المُقْرِئ" فَأَخذنَا النُّسْخَةَ مِنْ خَبَّازٍ، وَسَمِعنَاهُ، وَبعدَ أَيَّامٍ نَاولنِي بَعْضُ الإِخْوَانِ "مسند أبي يعلى" سماعها، فسمعناه.
مَجَالِسُهُ:
كَانَ -رَحِمَهُ الله- يَقرَأُ الحَدِيْثَ يَوْمَ الجُمُعَةِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ وَليلَة الخَمِيْسِ، وَيَجْتَمِع خلق، وَكَانَ يَقرَأُ وَيَبْكِي وَيُبْكِي النَّاسَ كَثِيْراً، حَتَّى إِنَّ مَنْ حَضَرَه مَرّة لاَ يَكَاد يَتركه، وَكَانَ إِذَا فَرَغَ دَعَا دُعَاءً كَثِيْراً.
سَمِعْتُ شَيْخَنَا ابْنَ نَجَا الوَاعِظ بِالقَرَافَةِ يَقُوْلُ عَلَى المِنْبَرِ: قَدْ جَاءَ الإِمَامُ الحَافِظُ، وَهُوَ يُرِيْد أَنْ يَقرَأَ الحَدِيْثَ، فَاشْتَهَى أَنْ تَحضرُوا مَجْلِسه ثَلاَث مَرَّات، وَبعدهَا أَنْتُم تَعرفُوْنَهُ وَتحصل لَكُم الرّغبَة، فَجَلَسَ أَوّل يَوْم، وَحَضَرتُ، فَقَرَأَ أَحَادِيْث بِأَسَانِيْدهَا حِفْظاً، وَقرَأَ جُزْءاً، فَفَرح النَّاس بِهِ، فَسَمِعْتُ ابْنَ نَجَا يَقُوْلُ: حَصَلَ الَّذِي كُنْت أُرِيْده فِي أَوَّلِ مَجْلِس.
وَسَمِعْتُ بَعْضَ مِنْ حضَر يَقُوْلُ: بَكَى النَّاس حَتَّى غُشِيَ عَلَى بَعْضهِم، وَكَانَ يَجلسُ بِمِصْرَ بِأَمَاكن.
سَمِعْتُ مَحْمُوْدَ بنَ هَمَّامٍ الأَنْصَارِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الفَقِيْهَ نَجْمَ بنَ عَبْدِ الوَهَّابِ الحَنْبَلِيَّ يَقُوْلُ وَقَدْ حضَر مَجْلِس الحَافِظ: يَا تَقِيّ الدِّيْنِ، وَاللهِ لَقَدْ حَملتَ الإِسْلاَم، وَلَوْ أَمكننِي مَا فَارقتُ مَجْلِسك.
أَوْقَاتُهُ:
كَانَ لاَ يُضيِّع شَيْئاً مِنْ زَمَانه بِلاَ فَائِدَة، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الفَجْر، وَيلقّن القُرْآن، وَرُبَّمَا أَقرَأَ شَيْئاً مِنَ الحَدِيْثِ تلقيناً، ثُمَّ يَقوم فَيَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي ثَلاَث مائَة رَكْعَة بِالفَاتِحَة وَالمعوّذتين إِلَى قَبْل الظُّهْر، وَيَنَام نَوْمَة ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْر، وَيَشتغل إِمَّا بِالتّسمِيْع، أَوْ بِالنّسخ إِلَى المَغْرِب، فَإِنْ كَانَ صَائِماً أَفطر، وَإِلاَّ صَلَّى مِنَ المَغْرِب إِلَى العشَاء، وَيُصَلِّي العشَاء، وَيَنَام إِلَى نِصْف اللَّيْل أَوْ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَامَ كَأَنَّ إِنْسَاناً يُوقظه، فَيُصَلِّي لَحْظَةً ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي إِلَى قُرب الفَجْر، رُبَّمَا تَوضَأَ سَبْع مَرَّاتٍ أَوْ ثَمَانِياً فِي اللَّيْلِ، وَقَالَ: مَا تَطِيبُ لِي الصَّلاَة إلَّا مَا دَامت أَعضَائِي رطبَة، ثُمَّ يَنَام نَوْمَة يَسِيْرَة إِلَى الفَجْر، وَهَذَا دَأْبُهُ.
أَخْبَرَنِي خَالِي مُوَفَّق الدِّيْنِ قَالَ: كَانَ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ جَامِعاً للعلم والعمل، وكان رفيقي في الصبا، وفي طَلَبِ العِلْمِ، وَمَا كُنَّا نَسْتَبِق إِلَى خَيْر إلَّا سبقنِي إِلَيْهِ إلَّا القَلِيْل، وَكمّل الله فَضِيْلته بَابتلاَئِه بِأَذَى أَهْل البدعَة وَعدَاوتهِم، وَرِزْقِ العِلْم، وَتحصيل الكُتُب الكَثِيْرَة، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يعمر.

(16/26)


قَالَ أَخُوْهُ الشَّيْخ العِمَاد: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشدّ محَافِظَة عَلَى وَقته مِنْ أَخِي.
قَالَ الضِّيَاء: وَكَانَ يَسْتَعْمَل السّوَاك كَثِيْراً حَتَّى كَأَنَّ أَسْنَانه البَرَدُ.
سَمِعْتُ مَحْمُوْدَ بنَ سَلاَمَةَ التَّاجِر الحَرَّانِيّ يَقُوْلُ: كَانَ الحَافِظُ عَبْد الغَنِيِّ نَازلاً عِنْدِي بِأَصْبَهَانَ، وَمَا كَانَ يَنَام مِنَ اللَّيْلِ إلَّا قَلِيلاً، بَلْ يُصَلِّي وَيَقرَأُ وَيَبْكِي.
وَسَمِعْتُ الحَافِظَ يَقُوْلُ: أَضَافَنِي رَجُلٌ بِأَصْبَهَانَ، فَلَمَّا تَعَشَّينَا، كَانَ عِنْدَهُ رَجُل أَكل مَعَنَا، فَلَمَّا قُمْنَا إِلَى الصَّلاَةِ لَمْ يصل، فَقُلْتُ: مَا لَهُ? قَالُوا: هَذَا رَجُل شَمْسِيّ. فَضَاق صَدْرِي، وَقُلْتُ لِلرَّجُلِ: مَا أَضفتَنِي إلَّا مَعَ كَافِر! قَالَ: إِنَّهُ كَاتِب، وَلَنَا عِنْدَهُ رَاحَة، ثُمَّ قُمْت بالليل أصلي، وذاك يَسْتَمع، فَلَمَّا سَمِعَ القُرْآن تَزَفَّر، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْد أَيَّام، وَقَالَ: لَمَّا سَمِعتك تَقرَأُ، وَقَعَ الإِسْلاَم فِي قَلْبِي.
وَسَمِعْتُ نَصْر بن رِضْوَان المُقْرِئ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً عَلَى سِيرَةِ الحَافِظ، كَانَ مُشْتَغِلاً طول زَمَانه.
قِيَامُهُ فِي المُنْكَرِ:
كَانَ لاَ يَرَى مُنْكراً إلَّا غَيَّرَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ، وَكَانَ لاَ تَأْخُذُه فِي اللهِ لَوْمَة لاَئِم. قَدْ رَأَيْتُهُ مرَّة يهرِيق خمراً، فَجبذ صَاحِبُهُ السَّيْف فَلَمْ يَخَفْ مِنْهُ، وَأَخَذَهُ مَنْ يَدِهِ، وَكَانَ قَوِيّاً فِي بَدَنِهِ، وَكَثِيْراً مَا كَانَ بِدِمَشْقَ يُنكِرُ وَيَكسر الطَّنَابِيرَ وَالشَّبابَات.
قَالَ خَالِي المُوَفَّق: كَانَ الحَافِظ لاَ يَصبر عَنْ إِنْكَار المُنْكَر إِذَا رَآهُ، وَكُنَّا مرَّة أَنْكَرنَا عَلَى قَوْم، وَأَرقنَا خمرهُم، وَتضَارَبْنَا، فَسَمِعَ خَالِي أَبُو عُمَرَ، فَضَاق صَدْره، وَخَاصمنَا، فَلَمَّا جِئْنَا إِلَى الحَافِظِ طَيَّبَ قُلُوْبنَا، وَصوّب فِعلنَا وَتَلاَ: {وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان: 17] .
وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَحْمَدَ الطَّحَّان، قَالَ: كَانَ بَعْض أَوْلاَد صَلاَح الدِّيْنِ قَدْ عُملت لَهُم طنَابِير، وَكَانُوا فِي بُستَان يَشربُوْنَ، فَلقِي الحَافِظ الطّنَابِير، فَكسرهَا. قَالَ: فَحَدَّثَنِي الحَافِظ، قَالَ: فَلَمَّا كُنْت أنَا وَعَبْد الهَادِي عِنْد حمَّام كَافُوْر، إِذَا قَوْم كَثِيْر مَعَهُم عصيّ، فَخففت المشِي، وَجَعَلت أَقُوْل: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيْلُ، فَلَمَّا صرت عَلَى الجِسْر، لحقُوا صَاحِبِي، فَقَالَ: أَنَا مَا كسرت لَكُم شَيْئاً، هَذَا هُوَ الذي كسر. قال: فإذا فارس يركض، فَترَجَّل، وَقبَّل يَدِي، وَقَالَ: الصِّبْيَان مَا عَرَفُوك. وَكَانَ قَدْ وَضَع الله لَهُ هَيْبَة فِي النفوس.

(16/27)


سَمِعْتُ فَضَائِلَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سُرُوْرٍ المَقْدِسِيَّ يَقُوْلُ: سمِعتهُم يَتحدثُونَ بِمِصْرَ أَنَّ الحَافِظ كَانَ قَدْ دَخَلَ عَلَى العَادل، فَقَامَ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ اليَوْم الثَّانِي، جَاءَ الأُمَرَاء إِلَى الحَافِظ مِثْل سركس وَأُزكش، فَقَالُوا: آمنَّا بِكَرَامَاتك يَا حَافِظ.
وذكرُوا أَنَّ العَادل قَالَ: مَا خفتُ مِنْ أَحَد مَا خفت مِنْ هَذَا. فَقُلْنَا: أَيُّهَا الْملك، هَذَا رَجُل فَقِيْه. قَالَ: لَمَّا دَخَلَ مَا خُيّل إِلَي إلَّا أَنَّهُ سَبعٌ.
قَالَ الضِّيَاء: رَأَيْت بِخَطِّ الحَافِظ: وَالملك العَادل اجْتَمَعت بِهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْهُ إلَّا الجَمِيْل، فَأَقْبَل عَلَيّ، وَقَامَ لِي، وَالتزَمَنِي، وَدعوت لَهُ، ثُمَّ قُلْتُ: عِنْدنَا قصُوْر هُوَ الَّذِي يُوجب التَّقْصِير. فَقَالَ: مَا عِنْدَك لاَ تَقصِيْر وَلاَ قصُوْر، وَذَكَرَ أَمر السّنَّة، فَقَالَ: مَا عِنْدَك شَيْء تُعَاب بِهِ لاَ فِي الدِّيْنِ وَلاَ الدُّنْيَا، وَلاَ بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حَاسدين.
وَبَلَغَنِي بَعْد عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ بِالشَّامِ وَلاَ مصر مِثْل فُلاَن، دَخَلَ عليّ، فَخُيّل إِلَيَّ أَنَّهُ أَسد، وَهَذَا بِبركَة دعَائِكم وَدُعَاء الأَصْحَاب.
قَالَ الضِّيَاء: كَانُوا قَدْ وَغَروا عَلَيْهِ صدر العَادل، وَتَكلّمُوا فِيْهِ، وَكَانَ بَعْضهُم أَرْسَل إِلَى العَادل يَبذل فِي قتل الحَافِظ خَمْسَة آلاَف دِيْنَار.
قُلْتُ: جرّ هَذِهِ الفِتْنَة نَشْر الحَافِظ أَحَادِيْث النُّزَول وَالصِّفَات، فَقَامُوا عَلَيْهِ، وَرَمَوْهُ بِالتّجسيم، فَمَا دَارَى كَمَا كَانَ يُدَارِيهِم الشَّيْخ المُوَفَّق.
سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابنَا يَحكِي عَنِ الأَمِيْر دِرباس: أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ الحَافِظ إِلَى الْملك العَادل، فَلَمَّا قضَى الْملك كَلاَمه مَعَ الحَافِظ، جَعَلَ يَتَكَلَّم فِي أَمر مَارْدِيْن وَحصَارهَا، فَسَمِعَ الحَافِظ، فَقَالَ: أَيش هَذَا، وَأَنْت بَعْدُ تُرِيْد قِتَال المُسْلِمِيْنَ، مَا تَشكر الله فِيمَا أَعْطَاك، أَمَا ... أَمَا?! قَالَ فَمَا أَعَاد ولا أبدى. ثم قام الحَافِظُ وَقُمْت مَعَهُ، فَقُلْتُ: أَيش هَذَا? نَحْنُ كُنَّا نخَاف عَلَيْك مِنْ هَذَا، ثُمَّ تَعْمَل هَذَا الْعَمَل? قَالَ: أَنَا إِذَا رَأَيْت شَيْئاً لاَ أَقدر أَن أَصْبِر، أَوْ كَمَا قَالَ.
وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ ابْنَ الطَّحَّانِ، قَالَ: كَانَ فِي دَوْلَةِ الأَفْضَلِ جَعَلُوا المَلاَهِي عِنْد الدَّرَجِ، فَجَاءَ الحَافِظ فَكسّر شَيْئاً كَثِيْراً، ثُمَّ صعد يَقرَأُ الحَدِيْث، فَجَاءَ رَسُوْل القَاضِي يَأْمره بِالمشِي إِلَيْهِ لينَاظره فِي الدُّفّ وَالشَّبَّابَة، فَقَالَ: ذَاكَ عِنْدِي حَرَام، وَلاَ أَمْشِي إِلَيْهِ، ثُمَّ قرَأَ الحَدِيْث. فَعَاد الرَّسُول، فَقَالَ: لاَ بُدَّ مِنَ المشِي إِلَيْهِ، أَنْتَ قَدْ بطّلت هَذِهِ الأَشيَاء عَلَى السُّلْطَان. فَقَالَ الحَافِظُ: ضَرَبَ الله رقبته وَرقبَة السُّلْطَان. فَمَضَى الرَّسُول وَخفنَا، فَمَا جَاءَ أحد.

(16/28)


وَمِنْ شَمَائِله:
قَالَ الضِّيَاء: مَا أَعْرف أَحَداً مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ رَآهُ إلَّا أَحَبّه وَمَدَحَهُ كَثِيْراً؛ سَمِعْتُ مَحْمُوْد بن سَلاَمَةَ الحَرَّانِيّ بِأَصْبَهَانَ، قال: كان الحافظ يصطف الناس فِي السُّوق يَنظُرُوْنَ إِلَيْهِ، وَلَوْ أَقَامَ بِأَصْبَهَانَ مُدَّة وَأَرَادَ أَنْ يَملكهَا، لملكهَا.
قَالَ الضِّيَاء: وَلَمَّا وَصل إِلَى مِصْرَ، كُنَّا بِهَا، فَكَانَ إِذَا خَرَجَ لِلْجمعَة لاَ نَقدر نَمْشِي مَعَهُ مِنْ كَثْرَة الْخلق، يَتبركُوْن بِهِ، وَيَجْتَمِعُوْنَ حَوْلَهُ، وَكُنَّا أَحَدَاثاً نَكْتُب الحَدِيْث حَوْلَهُ، فَضحكنَا مِنْ شَيْءٍ، وَطَال الضحك، فَتبسَّم وَلَمْ يَحْرَد عَلَيْنَا، وَكَانَ سخيّاً، جَوَاداً، لاَ يَدّخر دِيْنَاراً وَلاَ دِرْهَماً مهمَا حصَّل أَخْرَجَهُ، لَقَدْ سَمِعْتُ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَخْرُج فِي اللَّيْلِ بِقفَاف الدّقيق إِلَى بيُوت مُتَنَكِّراً فِي الظّلمَة، فَيُعْطِيهم وَلاَ يُعرَف، وَكَانَ يُفتح عَلَيْهِ بِالثِّيَاب، فَيُعْطِي النَّاس وَثَوْبه مرقّع.
قَالَ خَالِي الشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ: كَانَ الحَافِظ يُؤثر بِمَا تَصل يَده إِلَيْهِ سِرّاً وَعَلاَنِيَّة، ثُمَّ سرد حِكَايَات فِي إِعطَائِهِ جُمْلَةَ دَرَاهِمَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ بدر بن مُحَمَّدٍ الجَزَرِيّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكرم مِنَ الحَافِظ؛ كُنْت أَسْتدين يَعْنِي لِأطْعم بِهِ الفُقَرَاء، فَبقِي لِرَجُلٍ عِنْدِي ثَمَانِيَة وَتِسْعُوْنَ دِرْهَماً، فَلَمَّا تَهَيَّأَ الوَفَاء، أَتَيْتُ الرَّجُل، فَقُلْتُ: كَمْ لَكَ؟ قَالَ: مَا لِي عِنْدَك شَيْء! قُلْتُ: مَنْ أَوَفَاهُ؟ قَالَ: قَدْ أُوفِي عَنْكَ، فَكَانَ وَفَّاهُ الحَافِظُ وَأَمره أَنْ يَكتم عَلَيْهِ.
وَسَمِعْتُ سُلَيْمَان الأَسْعَرْدِيّ يَقُوْلُ: بعثَ الأَفْضَل ابْن صَلاَح الدِّيْنِ إِلَى الحَافِظ بنفقَة وَقمح كَثِيْر، فَفَرَّقه كُلّه.
وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ العِرَاقِيّ؛ حَدَّثَنِي مَنْصُوْرٌ الغَضَارِيُّ، قَالَ: شَاهَدْتُ الحَافِظَ فِي الغَلاَءِ بِمِصْرَ وَهُوَ ثَلاَث لَيَالٍ يُؤثر بعشائه ويطوي. رَأَيْت يَوْماً قَدْ أُهدِيَ إِلَى بَيْت الحَافِظ مشْمش فَكَانُوا يفرقُون، فَقَالَ مِنْ حِينه، فَرِّقُوا: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] .
وَقَدْ فُتح لَهُ بِكَثِيْر مِنَ الذَّهب وَغَيْرِهِ، فَمَا كَانَ يَترك شَيْئاً حَتَّى قَالَ لِي ابْنه أَبُو الفَتْحِ: وَالِدِي يُعطِي النَّاس الكَثِيْر، وَنَحْنُ لاَ يَبعثَ إِلَيْنَا شَيْئاً، وَكُنَّا بِبَغْدَادَ.

(16/29)


مَا ابْتُلِيَ الحَافِظُ بِهِ:
قَالَ الضِّيَاء: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْد الرَّحْمَانِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ، سَمِعْتُ الحَافِظَ يَقُوْلُ: سَأَلت الله أَنْ يَرْزُقنِي مِثْل حَال الإِمَام أَحْمَد، فَقَدْ رزقنِي صلاَته قَالَ: ثُمَّ ابْتُلِي بَعْدَ ذَلِكَ، وَأُوذِي.
سَمِعْتُ الإِمَام عَبْد اللهِ بن أَبِي الحَسَنِ الجُبَّائِيّ بِأَصْبَهَانَ يَقُوْلُ: أَبُو نُعَيْمٍ قَدْ أَخَذَ عَلَى ابْنِ مَنْدَةَ أَشيَاء فِي كِتَابِ "الصَّحَابَة"، فَكَانَ الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى يَشتهِي أَنْ يَأْخذ عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ فِي كِتَابِهِ الَّذِي فِي الصَّحَابَة، فَمَا كَانَ يَجسر، فَلَمَّا قَدِمَ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، أَشَارَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، قَالَ: فَأَخَذَ عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ نَحْواً مِنْ مائَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ مَوْضِعاً، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ الصَّدْر الخُجَنْدِيّ، طلب عَبْد الغَنِيِّ، وَأَرَادَ هَلاَكه، فَاخْتَفَى.
وَسَمِعْتُ مَحْمُوْد بن سَلاَمَةَ يَقُوْلُ: مَا أَخرجنَا الحَافِظ مِنْ أَصْبَهَان إلَّا فِي إِزَار، وَذَلِكَ أَن بَيْت الخُجَنْدِيّ أَشَاعِرَة، كَانُوا يَتعصّبُوْنَ لأَبِي نُعَيْمٍ، وَكَانُوا رُؤسَاء البَلَد.
وَسَمِعْتُ الحَافِظَ يَقُوْلُ: كُنَّا بِالمَوْصِل نَسْمَع "الضُّعَفَاء" لِلْعُقَيْلِيّ، فَأَخذنِي أَهْل المَوْصِل وَحَبَسُونِي، وَأَرَادُوا قتلِي مِنْ أَجْل ذكر شَيْء فِيْهِ، فَجَاءنِي رَجُلٌ طَوِيْل وَمَعَهُ سَيْف، فَقُلْتُ: يَقتلنِي وَأَسْترِيح. قَالَ: فَلَمْ يَصنع شَيْئاً، ثُمَّ أَطلقونِي، وَكَانَ يَسْمَع مَعَهُ ابْنُ البَرْنِيِّ الوَاعِظ، فَقلع الْكرَّاس الَّذِي فِيْهِ ذَلِكَ الشَّيْء، فَأَرْسَلُوا، وَفتشُوا الكِتَاب، فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئاً، فَهَذَا سَبَب خَلاَصه.
وَقَالَ: كَانَ الحَافِظ يَقرَأُ الحَدِيْث بِدِمَشْقَ، وَيَجْتَمِع عَلَيْهِ الْخلق، فَوَقَعَ الْحَسَد، فَشرعُوا عَملُوا لَهُم وَقتاً لقِرَاءة الحَدِيْث، وَجَمَعُوا النَّاس، فَكَانَ هَذَا يَنَام وَهَذَا بِلاَ قَلْب، فَمَا اشتفَوْا، فأمروا الناصح ابن الحنبلي بِأَنْ يَعظ تَحْت النّسر يَوْمَ الجُمُعَةِ وَقت جُلُوْس الحَافِظ. فَأَوّل ذَلِكَ: أَنَّ النَّاصح وَالحَافِظ أَرَادَا أَنْ يَخْتلفَا الوَقْت، فَاتفقَا أَنَّ النَّاصح يَجْلِس بَعْد الصَّلاَة، وَأَنْ يَجْلِس الحَافِظ الْعَصْر، فَدسُّوا إِلَى النَّاصح رَجُلاً نَاقص العَقْل مِنْ بَنِي عَسَاكِر، فَقَالَ لِلنَّاصح فِي المَجْلِسِ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّك تَقُوْلُ الْكَذِب عَلَى المِنْبَرِ. فَضُرِبَ، وَهَرَبَ، فَتمت مكيدتهُم، وَمَشَوا إِلَى الوَالِي، وَقَالُوا: هَؤُلاَءِ الحَنَابِلَة قصدهُم الفِتْنَة، وَاعْتِقَادهُم يُخَالِف اعْتِقَادنَا ... ، وَنَحْو هَذَا. ثُمَّ جَمعُوا كبرَاءهُم، وَمضُوا إِلَى القَلْعَة إِلَى الوَالِي، وَقَالُوا: نشتهِي أَنْ تحضر عَبْد الغَنِيِّ، فَانحدر إِلَى المَدِيْنَةِ خَالِي المُوَفَّق، وَأَخِي الشَّمْس البُخَارِيّ، وَجَمَاعَة، وَقَالُوا: نَحْنُ ننَاظرهُم. وَقَالُوا لِلْحَافِظ: لاَ تَجِئْ، فَإِنَّك حدّ، نَحْنُ نَكفِيك. فَاتَّفَقَ أَنَّهُم أَخذُوا الحَافِظ وَحْدَه، وَلَمْ يَدر أَصْحَابنَا، فَنَاظروهُ، وَاحتدّ، وَكَانُوا قَدْ كَتَبُوا شَيْئاً مِنَ الاعْتِقَاد، وَكتبُوا

(16/30)


خُطُوطهُم فِيْهِ، وَقَالُوا لَهُ: اكْتُبْ خطّك. فَأَبَى، فَقَالُوا لِلوَالِي: الفُقَهَاء كلّهُم قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ يُخَالِفهُم. وَاسْتَأَذنوهُ فِي رفع مِنْبَره، فَبَعَثَ الأَسرَى، فَرفعُوا مَا فِي جَامِع دِمَشْق مِنْ مِنْبَر وَخزَانَة وَدَرَابزِين، وَقَالُوا: نُرِيْد أَنْ لاَ تَجعل فِي الجَامِع إلَّا صَلاَة الشَّافِعِيَّة. وَكسّرُوا مِنْبَر الحَافِظ، وَمَنَعونَا مِنَ الصَّلاَةِ، فَفَاتتنَا صلاة الظهر. ثُمَّ إِنَّ النَّاصح جمع البَنَويَّة، وَغَيْرهُم، وَقَالُوا: إِنْ لَمْ يخلونَا نُصَلِّي بِاخْتِيَارهِم، صلّينَا بِغَيْرِ اخْتيَارهِم. فَبَلَغَ ذَلِكَ القَاضِي، وَكَانَ صَاحِبَ الفِتْنَة، فَأَذن لَهُم، وَحمَى الحَنَفِيَّة مقصُوْرتهُم بِأَجنَاد، ثُمَّ إِنَّ الحَافِظ ضَاق صَدْره وَمَضَى إِلَى بَعْلَبَكَّ، فَأَقَامَ بِهَا مُدَّة، فَقَالَ لَهُ أَهْلهَا: إِنِ اشْتهيت جِئْنَا مَعَكَ إِلَى دِمَشْقَ نؤذِي مَنْ آذَاكَ، فَقَالَ: لاَ. وَتوجّه إِلَى مِصْرَ، فَبقِي بِنَابُلُسَ مُدَّة يقرأُ الحَدِيْث، وَكُنْتُ أَنَا بِمِصْرَ، فَجَاءَ شَابّ مِنْ دِمَشْقَ بِفَتَاو إِلَى صَاحِب مِصْر الْملك العَزِيْز وَمَعَهُ كتب أَنَّ الحَنَابِلَة يَقُوْلُوْنَ كَذَا وَكَذَا مِمَّا يُشنِّعُوْنَ بِهِ عَلَيْهِم. فَقَالَ -وَكَانَ يَتصيد: إِذَا رَجَعنَا أَخرجنَا مِنْ بلاَدنَا مَنْ يَقُوْلُ بِهَذِهِ المَقَالَة. فَاتَّفَقَ أَنَّهُ عدَا بِهِ الْفرس، فَشب بِهِ، فَسَقَطَ، فَخُسِف صَدْره، كَذَلِكَ حَدَّثَنِي يُوْسُفُ بنُ الطُّفَيْل شَيْخنَا وَهُوَ الَّذِي غسّله، فَأُقيم ابْنه صَبِيّ، فَجَاءَ الأَفْضَل مِنْ صَرْخَدُ، وَأَخَذَ مِصْر، وَعَسْكَر، وَكرّ إِلَى دِمَشْقَ، فَلقِي الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ فِي الطَّرِيْق، فَأَكْرَمَه إِكرَاماً كَثِيْراً، وَنفّذ يُوصي بِهِ بِمِصْرَ، فَتُلُقِّي الحَافِظ بِالإِكرَام، وَأَقَامَ بِهَا يُسْمِع الحَدِيْث بِموَاضِع، وَكَانَ بِهَا كَثِيْر مِنَ المخَالفِيْن، وَحصر الأَفْضَل دِمَشْق حصراً شدِيداً، ثُمَّ رَجَعَ إلى مصر، فسار العَادل عَمُّه خَلفه، فَتملّك مِصْر، وَأَقَامَ، وَكثر المخَالفُوْنَ عَلَى الحَافِظ، فَاسْتُدعِي، وَأَكْرَمَهُ العَادل، ثُمَّ سَافر العَادل إِلَى دِمَشْقَ، وَبَقِيَ الحَافِظ بِمِصْرَ، وَهُم يَنَالُوْنَ مِنْهُ، حَتَّى عزم الْملك الكَامِل عَلَى إِخرَاجه، وَاعْتُقِل فِي دَار أُسْبُوْعاً، فَسَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا وَجَدْت رَاحَة فِي مِصْر مِثْل تِلْكَ اللَّيَالِي. قَالَ: وَكَانَتِ امرَأَة فِي دَار إِلَى جَانب تِلْكَ الدَّار، فَسمِعتهَا تَبْكِي، وَتَقُوْلُ: بِالسِّرِّ الَّذِي أودعته قلب موسى حتى قوي عَلَى حمل كَلاَمك. قَالَ: فَدعوت بِهِ، فَخلصتُ تِلْكَ اللَّيْلَة.
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الغَنِيِّ، حَدَّثَنِي الشُّجَاع بن أَبِي زكرِي الأَمِيْر، قَالَ: قَالَ لِي الْملك الكَامِل يَوْماً: هاهنا فَقِيْه قَالُوا إِنَّهُ كَافِر. قُلْتُ: لاَ أَعْرفه، قَالَ: بَلَى، هُوَ مُحَدِّث، قُلْتُ: لَعَلَّهُ الحَافِظُ عَبْد الغَنِيِّ؟ قَالَ: هَذَا هُوَ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا الْملك، العُلَمَاء أَحَدهُم يَطلب الآخِرَة، وَآخر يَطلب الدُّنْيَا، وَأَنْت هُنَا بَاب الدُّنْيَا، فَهَذَا الرَّجُل جَاءَ إِلَيْك أَو تَشَفَّع يطْلب شَيْئاً؟ قَالَ: لاَ. فَقُلْتُ: وَاللهِ هَؤُلاَءِ يَحسدُوْنَهُ، فَهَلْ فِي هَذِهِ البِلاَد أَرْفَع مِنْكَ؟ قَالَ: لاَ. فَقُلْتُ: هَذَا الرَّجُل أَرْفَع العُلَمَاء كَمَا أَنْتَ أَرْفَع النَّاس، فَقَالَ: جَزَاكَ اللهُ خَيراً كَمَا عَرَّفْتَنِي، ثُمَّ بعثَتُ رقعَة إِلَيْهِ أُوصيه بِهِ، فَطَلبنِي فَجِئْت، وَإِذَا عِنْدَهُ شَيْخ الشُّيُوْخِ ابْن حَمُّوَيْه، وعز

(16/31)


الدِّيْنِ الزّنجَارِيّ، فَقَالَ لِي السُّلْطَان: نَحْنُ فِي أَمر الحَافِظ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْملك، القَوْم يَحسدُوْنَهُ، وَهَذَا الشَّيْخ بَيْنَنَا -يَعْنِي: شَيْخ الشُّيُوْخِ- وَحلفته هَلْ سَمِعْتَ مِنَ الحَافِظ كَلاَماً يُخْرِج عَنِ الإِسْلاَم؟ فَقَالَ: لاَ وَاللهِ، وَمَا سَمِعْتُ عَنْهُ إلَّا كُلَّ جَمِيْلٍ، وَمَا رَأَيْتهُ. وَتَكلّم ابْن الزّنجَارِيّ فَمدح الحَافِظ كَثِيْراً وَتَلاَمِذته، وَقَالَ: أَنَا أَعْرفهُم، مَا رَأَيْتُ مِثْلهُم، فَقُلْتُ: وَأَنَا أَقُوْل شَيْئاً آخر: لاَ يَصل إِلَيْهِ مكروهٌ حَتَّى يُقْتَل مِنَ الأَكرَاد ثَلاَثَة آلاَف، قَالَ: فَقَالَ: لاَ يُؤذَى الحَافِظ، فَقُلْتُ: اكْتُبْ خطّك بِذَلِكَ، فكتب.
وَسَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابنَا يَقُوْلُ: إِنَّ الحَافِظ أُمِر أَنْ يَكتبَ اعْتِقَادَه، فَكَتَبَ: أَقُوْل كَذَا؛ لِقَوْل الله كَذَا، وَأَقُوْل كَذَا؛ لِقَوْل الله كَذَا ولِقَوْل النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَذَا، حَتَّى فَرغ مِنَ المَسَائِل الَّتِي يُخَالِفُوْنَ فِيْهَا، فَلَمَّا رَآهَا الكَامِل قَالَ: أَيش أَقُوْل فِي هَذَا يَقُوْلُ بقول الله وَقول رَسُوْله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! ?
قُلْتُ: وَذَكَرَ أَبُو المُظَفَّرِ الوَاعِظ فِي "مِرَآة الزَّمَانِ"، قَالَ: كَانَ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ يَقرَأُ الحَدِيْث بَعْد الجُمُعَة، قَالَ: فَاجْتَمَعَ القَاضِي مُحْيِي الدِّيْنِ، وَالخَطِيْب ضِيَاء الدِّيْنِ، وَجَمَاعَة، فَصعدُوا إِلَى القَلْعَة، وَقَالُوا لوَالِيهَا: هَذَا قَدْ أَضلّ النَّاس، وَيَقُوْلُ بالتّشبيه، فَعقدُوا لَهُ مَجْلِساً، فَنَاظرهُم، فَأَخذُوا عَلَيْهِ موَاضِع مِنْهَا: قَوْلُهُ: لاَ أُنزهه تَنزِيهاً يَنفِي حَقِيْقَة النُّزَول، وَمِنْهَا: كَانَ اللهُ وَلاَ مَكَان، وَلَيْسَ هُوَ اليَوْم عَلَى مَا كَانَ، وَمِنْهَا: مَسْأَلَة الْحَرْف وَالصّوت، فَقَالُوا: إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا كَانَ فَقَدْ أَثْبَت لَهُ المَكَان، وَإِذَا لَمْ تنَزهه عَنْ حقِيْقَة النُّزَول فَقَدْ جوزت عَلَيْهِ الانتقَالَ، وَأَمَّا الْحَرْف وَالصّوت فَلَمْ يَصحَّ عَنْ إِمَامك، وَإِنَّمَا قَالَ إِنَّهُ كَلاَم اللهِ، يَعْنِي غَيْر مَخْلُوْق، وَارتفعت الأَصوَات، فَقَالَ وَالِي القَلْعَة الصَّارم برغش: كُلّ هَؤُلاَءِ عَلَى ضلاَلَة وَأَنْت عَلَى الحَقِّ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَمر بِكسّر مِنْبَره.
قَالَ: وَخَرَجَ الحَافِظ إِلَى بَعْلَبَكَّ، ثُمَّ سَافر إِلَى مِصْرَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَفتَى فُقَهَاء مِصْر بِإِباحَة دَمه، وَقَالُوا: يُفسد عقَائِد النَّاس، وَيذَكَرَ التّجسيم، فَكَتَبَ الوَزِيْر بنفِيه إِلَى المَغْرِب، فَمَاتَ الحافظ قبل وصول الكتاب.
قَالَ: وَكَانَ يُصَلِّي كُلّ يَوْم وَليلَة ثَلاَث مائَة رَكْعَة، وَيَقوم اللَّيْل، وَيَحْمِل مَا أَمكنه إِلَى بيُوت الأَرَامل وَاليتَامَى سرّاً، وَضَعف بَصَره مِنْ كَثْرَة البُكَاء وَالمُطَالَعَة، وَكَانَ أَوحد زَمَانه فِي علم الحَدِيْث.
وَقَالَ أَيْضاً: وَفِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ كَانَ مَا اشْتُهِرَ مِنْ أَمر الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ وَإِصرَاره عَلَى مَا ظهر مِنِ اعْتِقَاده وَإِجمَاع الفُقَهَاء عَلَى الفُتْيَا بتكفِيره،

(16/32)


وَأَنَّهُ مُبْتَدِع لاَ يَجُوْزُ أَنْ يُترك بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ، فَسَأَلَ أَنْ يُمهل ثَلاَثَة أَيَّام لِيَنْفَصِل عَنِ البَلَد فَأُجيب.
قُلْتُ: قَدْ بلوتُ عَلَى أَبِي المُظَفَّرِ المجَازفَة وَقِلَّة الوَرَع فِيمَا يُؤرّخه -وَاللهُ الموعدُ- وَكَانَ يَترفّض، رَأَيْت لَهُ مُصَنّفاً فِي ذَلِكَ فِيْهِ دَوَاهٍ، وَلَوْ أَجْمَعت الفُقَهَاء عَلَى تَكفِيره -كَمَا زَعَم- لَمَا وَسعهُم إِبقَاؤُه حيّاً، فَقَدْ كَانَ عَلَى مقَالَته بِدِمَشْقَ أَخُوْهُ الشَّيْخ العِمَاد وَالشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ، وَأَخُوْهُ القُدْوَةُ الشَّيْخ أَبُو عُمَرَ، وَالعَلاَّمَة شَمْس الدِّيْنِ البُخَارِيّ، وَسَائِر الحَنَابِلَة، وَعِدَّة مِنْ أَهْلِ الأَثر، وَكَانَ بِالبَلَدِ أَيْضاً خلق مِنَ العُلَمَاءِ لاَ يُكفّرُوْنَهُ، نَعم، وَلاَ يُصرّحُوْنَ بِمَا أَطْلَقَهُ مِنَ العبَارَة لَمَّا ضَايقوهُ، وَلَوْ كَفّ عَنْ تِلْكَ العبَارَات، وَقَالَ بِمَا وَردت بِهِ النّصوص لأَجَاد وَلسلم، فَهُوَ الأَوْلَى، فَمَا فِي تَوسيع العبَارَات المُوهِمَة خَيْر، وَأَسوَأ شَيْء قَالَهُ أَنَّهُ ضللَ العُلَمَاء الحَاضِرِيْنَ، وَأَنَّهُ عَلَى الحَقِّ، فَقَالَ كلمَة فِيْهَا شَرّ وَفسَاد وَإِثَارَة لِلبلاَء، رَحِمَ اللهُ الجَمِيْع وَغفر لَهُم، فَمَا قصدهُم إلَّا تَعَظِيْم البَارِي -عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الطّرفِيْن، وَلَكِنَّ الأَكمل فِي التعَظِيْم وَالتنزِيه الوُقُوْف مَعَ أَلْفَاظ الكِتَاب وَالسّنَّة، وَهَذَا هُوَ مَذْهَب السَّلَف -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
وَبِكُلِّ حَال فَالحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ مِنْ أَهْلِ الدِّيْنِ وَالعِلْم وَالتَأَلّه وَالصّدع بِالْحَقِّ، وَمَحَاسِنه كَثِيْرَة، فَنَعُوذ بِاللهِ مِنَ الهَوَى وَالمِرَاء وَالعصبيَّة وَالافترَاء، وَنبرَأُ مِنْ كُلِّ مُجَسِّم وَمُعطِّل.
مِنْ فِرَاسَةِ الحَافِظِ وَكَرَامَاتِهِ:
قَالَ الحَافِظُ الضِّيَاء: سَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا مُوْسَى بن عَبْدِ الغَنِيِّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ وَالِدِي بِمِصْرَ، وَهُوَ يذكر فَضَائِل سُفْيَان الثَّوْرِيّ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إِن وَالِدِي مِثْله، فَالْتَفَت إِلَيَّ، وَقَالَ: أَيْنَ نَحْنُ مِنْ أَولئك؟
سَمِعْتُ نَصْر بن رِضْوَان المُقْرِئ يَقُوْلُ: كَانَ مِنْبَر الحَافِظ فِيْهِ قِصَر، وَكَانَ النَّاسُ يُشرفُوْنَ إِلَيْهِ، فَخطر لِي لَوْ كَانَ يُعَلَّى قَلِيْلاً، فَترك الحَافِظ القِرَاءة مِنَ الجُزْء، وَقَالَ: بَعْضُ الإِخْوَان يَشتهِي أَنْ يُعَلَّى هَذَا المِنْبَر قَلِيْلاً، فزادوا في رجليه.
سَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى ابْنَ الحَافِظِ، حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَخُو اليَاسَمِيْنِيّ، قَالَ: كُنْتُ يَوْماً عِنْد وَالِدك، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَشتهِي لَوْ أَنَّ الحَافِظ يُعْطِينِي ثَوْبه حَتَّى أُكفَّن فِيْهِ. فَلَمَّا أَردت القِيَام خلع ثَوْبه الَّذِي يَلِي جَسَده وَأَعْطَانِيه، وَبَقِيَ الثَّوْب عِنْدنَا كُلُّ مَنْ مَرِضَ تركوه عليه فيعافى.

(16/33)


سمعت الرضي عبد الرحمن المَقْدِسِيّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ الحَافِظ بِالقَاهِرَةِ، فَدَخَلَ رَجُل، فَسَلَّمَ، وَدفعَ إِلَى الحَافِظ دِيْنَارَيْنِ، فَدَفَعهُمَا الحَافِظ إِلَيَّ، وَقَالَ: مَا كَأَنَّ قَلْبِي يَطيب بِهِمَا، فَسَأَلت الرَّجُل: أَيش شغلك؟ قَالَ: كَاتِب عَلَى النّطرُوْنَ، يَعْنِي وَعَلَيْهِ ضمَان.
حَدَّثَنِي فَضَائِل بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سُرُوْر بِجَمَّاعِيْل، حَدَّثَنِي ابْنُ عَمِّي بَدْرَان بن أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ الحَافِظ -يَعْنِي: فِي الدَّار الَّتِي وَقفهَا عَلَيْهِ يُوْسُف المسجّف- وَكَانَ المَاء مَقْطُوْعاً، فَقَامَ فِي اللَّيْلِ، وَقَالَ: امْلأْ لِي الإِبرِيق، فَقضَى الحَاجَة، وَجَاءَ فَوَقَفَ، وَقَالَ: مَا كُنْت أَشتهِي الوُضُوْء إلَّا مِنَ البركَةِ، ثُمَّ صَبَر قَلِيْلاً فَإِذَا المَاء قَدْ جرَى، فَانْتظر حَتَّى فَاضت البركَة، ثُمَّ انْقَطَع المَاء، فَتَوَضَّأَ، فَقُلْتُ: هَذِهِ كرَامَة لَكَ، فَقَالَ لِي: قل أَسْتَغْفِرُ اللهَ، لَعَلَّ المَاء كَانَ محتبساً، لاَ تقل هذا!
وسمعت الرضي عبد الرحمن يَقُوْلُ: كَانَ رَجُل قَدْ أَعْطَى الحَافِظ جَامُوْساً في البحرة فقال لي: جئ به وَبِعْهُ، فَمضيت فَأَخَذتهُ فَنفر كَثِيْراً وَبَقِيَ جَمَاعَة يَضحكُوْن مِنْهُ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ بِبركَة الحَافِظ سهّل أَمره فَسُقته مَعَ جَامُوْسَيْنِ، فَسهُل أَمره، وَمَشَى فَبعته بقَرْيَة.
وَفَاتُهُ:
سَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى يَقُوْلُ: مَرِضَ أَبِي فِي رَبِيْع الأَوَّلِ مرضاً شدِيداً مَنعه مِنَ الكَلاَم وَالقِيَام، وَاشتدَّ سِتَّةَ عشرَ يَوْماً، وَكُنْت أَسْأَلُهُ كَثِيْراً: مَا يَشتهِي؟ فَيَقُوْلُ: أَشتهِي الجَنَّة، أَشتهِي رَحْمَة الله، لاَ يَزِيْد عَلَى ذَلِكَ، فَجِئْته بِمَاء حَارّ فَمدَّ يَده فَوضأته وَقت الفَجْر، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ قُمْ صلّ بِنَا وَخفّف، فَصَلَّيْت بِالجَمَاعَة، وَصَلَّى جَالِساً، ثُمَّ جلَسْت عِنْد رَأْسه، فَقَالَ: اقْرَأْ يس، فقرأتها، وجعل يدعو وَأَنَا أُؤمّن، فَقُلْتُ: هُنَا دَوَاء تَشْرَبُهُ، قَالَ: يَا بُنَيَّ! مَا بَقِيَ إلَّا المَوْت. فَقُلْتُ: مَا تَشتهِي شَيْئاً؟ قَالَ: أَشتهِي النَّظَر إِلَى وَجه الله -سُبْحَانه. فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ عَنِّي رَاض؟ قَالَ: بَلَى وَاللهِ، فَقُلْتُ: مَا تُوصي بِشَيْءٍ؟ قَالَ: مَا لِي عَلَى أَحَد شَيْء، وَلاَ لأَحدٍ عَلَيَّ شَيْء، قُلْتُ: تُوصينِي؟ قَالَ: أُوصيك بتَقْوَى الله وَالمحَافِظَة عَلَى طَاعته، فَجَاءَ جَمَاعَة يَعُوْدُوْنَهُ، فَسلّمُوا، فَردّ عَلَيْهِم، وَجَعَلُوا يَتحدثُونَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ اذكرُوا الله، قَوْلُوا لاَ إِلَهَ إلَّا الله، فَلَمَّا قَامُوا جَعَلَ يذَكَرَ الله بِشفتيه، وَيُشِيْر بِعَيْنَيْهِ، فَقُمْت لأنَاول رَجُلاً كِتَاباً مِنْ جَانب المَسْجَد فَرَجَعت وَقَدْ خَرَجت روحه، -رَحِمَهُ الله، وَذَلِكَ يَوْم الاثْنَيْنِ الثَّالِث والعشرين من ربيع الأول، سنة ست مائَةٍ، وَبَقِيَ لَيْلَة الثُّلاَثَاء فِي المَسْجَدِ وَاجْتَمَعَ الْخلق مِنَ الغَدِ، فَدَفَنَّاهُ بِالقرَافَة.

(16/34)


قَالَ الضِّيَاء: تَزَوَّجَ الحَافِظ بِخَالتِي رَابِعَة ابْنَة خَاله الشَّيْخ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَة، فَهِيَ أُمّ أَوْلاَده مُحَمَّد وَعَبْد اللهِ وَعَبْد الرحمن وَفَاطِمَة، ثُمَّ تسرَّى بِمِصْرَ.
قُلْتُ: أَوْلاَده عُلَمَاء: فَمُحَمَّدٌ هُوَ المُحَدِّثُ الحَافِظُ الإِمَام الرَّحَّال عِزّ الدِّيْنِ أَبُو الفَتْحِ، مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ كَهْلاً، وَكَانَ كَبِيْرَ القَدْرِ.
وَعَبْد اللهِ هُوَ المُحَدِّثُ الحَافِظُ المُصَنِّف جَمَال الدِّيْنِ أَبُو مُوْسَى، رَحل وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ كُلَيْبٍ وَخَلِيْلٍ الرَّارَانِيِّ، مَاتَ كَهْلاً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سنة تسع وعشرين.
وعبد الرحمن هُوَ المُفْتِي أَبُو سُلَيْمَانَ ابْنُ الحَافِظِ، سَمِعَ مِنَ البُوْصِيْرِيّ وَابْن الجَوْزِيِّ، عَاشَ بِضْعاً وَخَمْسِيْنَ سنة، تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
مِن المَنَامَاتِ:
أَوْرَد لَهُ الشَّيْخ الضِّيَاء عِدَّة مَنَامَات، مِنْهَا: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يُوْنُسَ المَقْدِسِيّ الأَمِيْن يَقُوْلُ: رَأَيْتُ كَأَنِّيْ بِمسجد الدَّيْرِ وَفِيْهِ رِجَال عَلَيْهِم ثِيَابٌ بِيْضٌ، وَقَعَ فِي نفسي أنهم ملائكة، فدخل الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، فَقَالُوا بِأَجْمَعهِم: نشْهد بِاللهِ إِنَّك مِنْ أَهْلِ اليَمِين مرَّتين أَوْ ثَلاَثاً.
سَمِعْتُ الحَافِظَ عَبْد الغَنِيِّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ وَأَنَا أَمْشِي خَلفه إلَّا أَنّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ رَجُلاً.
سَمِعْتُ الرَّضِيَّ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد يَقُوْلُ: رَأَيْتُ كَأَنَّ قَائِلاً يَقُوْلُ: جَاءَ الحَافِظ مِنْ مِصْرَ، فَمضيتُ أَنَا وَالشَّيْخ أَبُو عَمْرٍو العِزّ ابْن الحَافِظِ إِلَيْهِ، فَجِئْنَا إِلَى دَار فَفُتِحَ الباب، فإذا الحافظ وعلى وَجهه عَمُود مِنْ نور إِلَى السَّمَاءِ، وَإِذَا وَالِدته فِي تِلْكَ الدَّار.
سَمِعْتُ الشَّيْخ الصَّالِح غشيم بن نَاصِر المِصْرِيّ قَالَ: لَمَّا مَاتَ الحَافِظ كُنْت بِمَكَّةَ، فَلَمَّا قَدمتُ، قُلْتُ: أَيْنَ دُفِنَ؟ قِيْلَ: شرقِي قَبْر الشَّافِعِيّ، فَخَرَجت، فَلقيت رَجُلاً، فَقُلْتُ: أَيْنَ قَبْر عَبْد الغَنِيِّ؟ قَالَ: لاَ تسَأَلنِي عَنْهُ، مَا أَنَا عَلَى مَذْهَبه وَلاَ أُحبّه، فَتركته، وَمشيت، وَأَتيت قَبْر الحَافِظ، وَترددت إِلَيْهِ، فَأَنَا بَعْضُ الأَيَّام فِي الطَّرِيْق فَإِذَا الرَّجُل فَسَلَّمَ عليّ وَقَالَ: أَمَا تَعرفنِي؟ أَنَا الَّذِي لَقِيتك مِنْ مُدَّة وَقُلْتُ لَكَ كَذَا وَكَذَا، مَضَيْت تِلْكَ اللَّيْلَة فَرَأَيْت قَائِلاً يَقُوْلُ لِي: يَقُوْلُ لَكَ فُلاَن وَسَمَّانِي: أَيْنَ قَبْر عَبْد الغَنِيِّ؟ فَتَقُوْلُ: مَا قُلْت؟! وَكرّر القَوْل عَلَيَّ، وَقَالَ: إِنْ أَرَادَ الله بِك خَيراً فَأَنْت تَكُوْن عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: فَلَو كُنْت أَعْرف مَنْزِلك لأَتيتك.

(16/35)


سَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى ابْنَ الحَافِظِ، حَدَّثَنِي صنِيعَة الْملك هِبَة اللهِ بن حَيْدَرَةَ قَالَ: لَمَّا خَرَجت لِلصَّلاَة عَلَى الحَافِظ لَقِيَنِي هَذَا المَغْرِبِيُّ فَقَالَ: أَنَا غَرِيْب، رَأَيْت البَارِحَة كَأَنِّيْ فِي أَرْض بِهَا قَوْم عَلَيْهِم ثِيَاب بيض، فَقُلْتُ ما هَؤُلاَءِ؟ قِيْلَ: مَلاَئِكَة السَّمَاء نَزلُوا لِمَوتِ الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ، فَقُلْتُ: وَأَيْنَ هُوَ؟ فَقِيْلَ لِي: اقعدْ عِنْد الجَامِع حَتَّى يَخْرُج صنِيعَة الْملك فَامض مَعَهُ، قَالَ: فَلقيته وَاقفاً عِنْد الجَامِع.
سَمِعْتُ الفَقِيْه أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الغني سنة اثنتي عشرة يقول: رأيت البارحة أَخَاك الكَمَال عَبْد الرَّحِيْمِ -وَكَانَ تُوُفِّيَ تِلْكَ السّنَة- فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: يَا فُلاَنُ أَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: فِي جَنَّة عدن، فَقُلْتُ: أَيُّمَا أَفْضَلُ الحَافِظُ أَوِ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ؟ فَقَالَ: مَا أَدْرِي، وَأَمَّا الحَافِظ فُكُلُّ لَيْلَة جُمُعَة يُنْصب لَهُ كُرْسِيّ تَحْت الْعَرْش، وَيُقْرَأُ عَلَيْهِ الحَدِيْث، وَيُنْثَرُ عَلَيْهِ الدُّرُّ وَالجَوْهَر، وَهَذَا نَصِيْبِي مِنْهُ، وَكَانَ فِي كُمِّه شَيْء.
سَمِعْتُ الشَّيْخ عَبْد اللهِ بن حَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الكُرْدِيّ بِحَرَّانَ يَقُوْلُ: قَرَأْت فِي رَمَضَانَ ثَلاَثِيْنَ ختمَة، وَجَعَلت ثوَاب عشر مِنْهَا لِلْحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: ترَى يَصل هَذَا إِلَيْهِ؟ فَرَأَيْت فِي النَّوْمِ كَأَنَّ عِنْدِي ثَلاَثَة أَطباق رطب، فَجَاءَ الحَافِظ وَأَخَذَ وَاحِداً مِنْهَا. وَرَأَيْتهُ مرَّة فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ مُتَّ؟ قَالَ: إِنَّ اللهَ بقَى عَلَيَّ وِرْدِي مِنَ الصَّلاَةِ، أَوْ نَحْو هَذَا.
سَمِعْتُ القَاضِي الإِمَام عُمَر بن عَلِيٍّ الهَكَّارِيّ بِنَابُلُسَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ الحَافِظَ كَأَنَّهُ قَدْ جَاءَ إِلَى بَيْت المَقْدِسِ، فَقُلْتُ: جِئْتَ غَيْرَ رَاكِبٍ، فَعل اللهُ بِمَنْ جِئْتِ مِنْ عِنْدِهِم! قَالَ: أَنَا حَمَلَنِي النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا الإِمَامُ عَبْد الحَافِظِ بن بَدْرَانَ بِنَابُلُسَ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الفَقِيْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا الحَافِظُ عَبْد الغَنِيِّ بن عَبْدِ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَسْعُوْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ السُّوْذَرْجَانِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدَانَ الحبَّال، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الفَابَجَانِيّ، حَدَّثَنَا جَدِّي عِيْسَى بن إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا آدَم بن أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ حَيَّان، عَنِ الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السُّجُوْدَ، فَسَجَدَ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، وَيَقُوْلُ: يَا وَيْلَهُ! أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُوْدِ، فَسَجَدَ، فَلَهُ الجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُوْدِ، فَعَصَيْتُ، فلي النار".

(16/36)


ابن الساعاتي، عبد المجيب:
5412- ابن الساعاتي 1:
عَيْنُ الشُّعَرَاءِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ رُسْتُمٍ، بَهَاءُ الدِّيْنِ الخُرَاسَانِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، ابْنُ السَّاعَاتِيِّ.
كَانَ أَبُوْهُ يَعملُ السَّاعَاتِ، فَتَجنَّدَ بَهَاءُ الدِّيْنِ وَمدحَ المُلُوْكَ وَسَكَنَ مِصْرَ، وَقَالَ النَّظْمَ الفَائِقَ، وَهُوَ أَخُو الطَّبِيْبِ الأَوحدِ فَخْرُ الدِّيْنِ رَضْوَانُ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ. بلغَ "دِيْوَانُ البَهَاءِ" مجلدتين، وانتخب منه ديوانًا صغيرًا. وَهُوَ القَائِلُ:
وَالطَّلُّ فِي سِلْكِ الغُصُوْنِ كلؤلؤٍ ... رطبٍ يُصَافِحُهُ النَّسِيْمُ فَيَسْقُطُ
وَالطَّيْرُ تقرأُ وَالغَدِيْرُ صحيفةٌ ... وَالرِّيْحُ تَكْتُبُ وَالغَمَامُ يُنَقِّطُ
تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً.
وَأَمَّا أَخُوْهُ فَتَقَدَّمَ بِالطِّبِّ إِلَى أَنْ وَزَرَ لِلملكِ المُعْظَّمِ، وَكَانَ يُنَادِمُهُ بِلَعِبِ العود.
5413- عبد المجيب 2:
ابن أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ اللهِ بنِ زُهَيْرِ بنِ زُهَيْرٍ، المَوْلَى الكَبِيْرُ، الصَّالِحُ، أَبُو مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ.
سَمَّعَهُ عَمُّهُ عَبْدُ المُغِيْثِ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ اليُوْسُفِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَعَبْدِ الصَّبُوْرِ الهَرَوِيِّ، وَقَدِمَ رَسُوْلاً عَلَى العَادلِ سَنَةَ سِتِّ مائَةٍ، وَزَارَ البَيْتَ المُقَدَّسِ، وَكَانَ كثير التلاوة، يتلو في اليوم ختمة.
رَوَى عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالدُّبَيْثِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالنَّجِيْبُ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَغَيْرُهُم.
تُوُفِّيَ بحَمَاةَ، فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سبع وسبعون سنة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 478"، وشذرات الذهب "5/ 13، 14".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 195"، وشذرات الذهب "5/ 12، 13".

(16/37)


أبو الجود، ابن درباس:
5414- أبو الجود 1:
الإِمَامُ المُحَقِّقُ شَيْخُ المُقْرِئِينَ أَبُو الجُودِ غِيَاثُ بنُ فَارِسِ بنِ مَكِّيٍّ اللَّخْمِيُّ، المُنْذِرِيُّ، المِصْرِيُّ، الفَرَضِيُّ، النَّحْوِيُّ، العَرُوضِيُّ، الضَّرِيرُ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى: الشَّرِيْفِ الخَطِيْبِ أَبِي الفُتُوْحِ الزَّيْدِيِّ، وَسَمِعَ مِنْهُ وَمِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ رِفَاعَةَ. وَتَلاَ أَيْضاً عَلَى: اليَسَعِ بنِ حَزْمٍ الغَافِقِيِّ بِمَا فِي "التَّيْسِيْرِ"، عَنْ أَبِيْهِ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ بنِ نَجَاحٍ. وَتَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ دَهْراً، وَانتشرَ أَصْحَابُهُ، مِنْهُم: الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّيْنِ السَّخَاوِيُّ، وَعَبْدُ الظَّاهِرِ بنُ نشوَانَ، وَالفَقِيْهُ زِيَادَةُ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ الحاجب، والمنتجب الهمذاني، وَعَلَمُ الدِّيْنِ القَاسِمُ بنُ أَحْمَدَ اللُّورَقِيُّ، وَالكَمَالُ العَبَّاسِيُّ الضَّرِيرُ، وَأَبُو عَلِيٍّ مَنْصُوْرُ بنُ عَبْدِ الله الضرير، والتقي عبد الرحمن بن مرهف الناشري، وأبو الفتح عبد الرحمن بنُ مرهفٍ النَّاشرِيُّ، وَأَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ هِبَةِ اللهِ المِلَنْجِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
ذَكَرَهُ الحَافِظُ عَبْدُ العَظِيْمِ فِي "الوفَياتِ" فَقَالَ: أَقرَأَ النَّاسَ دَهْراً، وَرُحِلَ إِلَيْهِ، وَأَكْثَرُ المتصدِّرِيْنَ لِلإِقْرَاءِ بِمِصْرَ أَصْحَابُهُ، وَأَصْحَابُ أَصْحَابِهِ، سَمِعْتُ مِنْهُ، وَقَرَأْتُ القِرَاءاتِ فِي حيَاتِهِ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَلَمْ يَتيسَّرْ لِي القِرَاءةُ عَلَيْهِ، وَكَانَ دَيِّناً، فَاضِلاً، بارعاً فِي الأَدبِ، حَسَنَ الأَدَاءِ، لَفَّاظاً، مُتَوَاضِعاً، كَثِيْرَ المُروءةِ، لاَ يُطْلَبُ مِنْهُ قَصْدُ أَحَدٍ فِي حَاجَةٍ إلَّا يُجِيبُ، وَرُبَّمَا اعتذرَ إِلَيْهِ المشفوعُ إِلَيْهِ وَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ يُطْلَبُ مِنْهُ العَوْدُ إِلَيْهِ فَيَعُوْدُ إِلَيْهِ، تَصَدَّرَ بِالجَامِعِ العَتِيْقِ بِمِصْرَ، وَبمسجدِ الأَمِيْرِ مُوسك وَبِالفَاضِليَّةِ، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي تَاسعِ رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ، رَحِمَهُ الله.
5415- ابن درباس 2:
قَاضِي الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ الإِمَامُ الأَوْحَدُ صَدْرُ الدِّيْنِ أبو القاسم عبد الملك ابن عِيْسَى بنِ دِرباسِ بنِ فِيْرِ بنِ جَهْمِ بنِ عَبْدُوْسٍ المَارَانِيُّ الكُرْدِيُّ الشَّافِعِيُّ.
مَوْلِدُهُ بِأَعْمَالِ المَوْصِلِ، فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ تَقَرِيْباً.
وَبَنُو مَارَانَ إِقَامتُهُم بِالمرُوجِ، تَحْت الموصل.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 196"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 17".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 196".

(16/38)


رَحَلَ فِي طَلَبِ الفِقْهِ، وَاشْتَغَلَ بِحَلَبَ عَلَى أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ سُلَيْمَانَ المُرَادِيِّ، وَسَمِعَ مِنْهُ. وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ بنِ البُنِّ الأَسَدِيِّ، وَالحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَبِمِصْرَ مِنْ: عَلِيٍّ ابْنِ بِنْتِ أَبِي سَعْدٍ، وَخَرَّجَ لَهُ الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ بنُ المُفَضَّلِ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً.
رَوَى عَنْهُ الحَافِظُ زَكِيُّ الدِّيْنِ المُنْذِرِيُّ، وَقَالَ: كَانَ مَشْهُوْراً بِالصَّلاَحِ وَالغَزْوِ، وَطَلَب العِلْمَ، يُتَبَرَّكُ بآثَارِهِ لِلمَرْضَى.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاءِ وَفضلاَئِهِم، وَفِي أَقَارِبِهِ وَذُرِّيَّتِهِ جَمَاعَةٌ فَضلاَءُ، وَروَاةٌ.
تُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ فِي خَامِسِ شَهْرِ رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ مِنْ أبناء التسعين.
وَأَخُوْهُ: القَاضِي ضِيَاءُ الدِّيْنِ عُثْمَانُ بنُ عِيْسَى، مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، نَابَ فِي الحُكْمِ بِالقَاهِرَةِ، وَتَفَقَّهَ بِإِرْبِلَ عَلَى: الخَضِرِ بنِ عَقِيْلٍ، وَبِدِمَشْقَ عَلَى ابْنِ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَبَرَعَ فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ، وَشرحَ "المُهَذَّبَ" شَرْحاً شَافِياً فِي عِشْرِيْنَ مُجَلَّداً، لَكِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَات إِلَى آخرِهِ، وَشَرَحَ كِتَابَ "اللُّمَعِ"، وَأَفتَى، وَدرَّسَ. تُوُفِّيَ فِي: ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّ مائَةٍ، وَهُوَ وَالِدُ المُحَدِّثِ الرَّحَّالِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عثمان بن درباس.

(16/39)


الجلياني، ابن أبي ركب:
5416- الجلياني:
العَلاَّمَةُ الطَّبِيْبُ الزَّاهِدُ المتَصَوُّفُ الأَدِيْبُ أَبُو الفَضْلِ عَبْدِ المُنْعِمِ [بنِ] عُمَرَ بنِ عَبْدِ اللهِ الغَسَّانِيُّ، المَغْرِبِيُّ.
وَجِلْيَانة: مِنْ قُرَى غَرْنَاطَةَ.
سَكَنَ دِمَشْقَ، وَنَزَلَ بِنظَامِيَّةِ بَغْدَادَ، وَدَخَلَ فِي علُوْمِ البَاطِنِ، وَلَهُ شِعْرٌ رَائِقٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ بسِرِّهِ.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى السَّبْعِيْنَ.
5417- ابْنُ أَبِي ركب 1:
العَلاَّمَةُ اللُّغَوِيُّ إِمَامُ النَّحْوِ أَبُو ذَرٍّ مُصْعَبُ بنُ مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الخُشَنِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، الجَيَّانِيُّ، النَّحْوِيُّ، المَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي رُكَبٍ.
أَخَذَ عَنْ وَالِدِهِ الأُسْتَاذ أَبِي بَكْرٍ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ طَاهِرٍ الخِدَبّ، وَسَمِعَ مِنْهُمَا، وَمِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ حُنَيْنٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ النُّمَيْرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ، وَأَجَازَ لَهُ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ.
أَقرَأَ العَرَبِيَّةَ دَهْراً، وَلَهُ مصَنَّفٌ فِي شَرْحِ غَرِيْبِ "السِّيْرَةِ"، وَمصَنَّفٌ كَبِيْرٌ فِي شرحِ "سِيْبَوَيْه"، وَكِتَابُ "شرحِ الإِيضَاحِ"، وَ"شَرْح الجُمَلِ"، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَكَانَ مُحْتَشِماً، مَهِيْباً، وَقُوْراً، مليح الشكل، كان الوُزَرَاءُ وَالأَعيَانُ يَمشُوْنَ إِلَى مَجْلِسِهِ، وَإِذَا رَكِبَ مَشَوا مَعَهُ، يُقرِئُ النَّهَارَ كُلَّهُ، وَبَعْضَ اللَّيْلِ.
قَالَ الأَبَّارُ: أَخَذَ عَنْهُ جِلَّةٌ، وَكَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ القُرْطُبِيُّ يُنْكِرُ سَمَاعَهُ مِنَ النُّمَيْرِيِّ، وَلِيَ خطَابَةَ إِشْبِيْلِيَةَ، ثُمَّ قَضَاءَ جَيَّانَ، ثُمَّ سَكَنَ فَاسَ مُدَّةً، وَبَعُدَ صِيْتُهُ.
وَقِيْلَ: عُزِلَ مِنْ قَضَاءِ جَيَّانَ، وَأُهِيْنَ لِتِيهِهِ، وَيُقَالُ: ارْتشَى.
مَاتَ بفَاس، فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، عن سبعين سنة، وله نظم جيد.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 14".

(16/40)


الميرتلي، ابن الشيخ:
5418- الميرتلي:
الإِمَامُ العَارِفُ زَاهِدُ الأَنْدَلُسِ أَبُو عِمْرَانَ مُوْسَى بنُ حُسَيْنِ بنِ مُوْسَى بنِ عِمْرَانَ القَيْسِيُّ، المِيْرتُليُّ، صَاحِبُ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ المُجَاهِدِ.
قَالَ الأَبَّارُ: كَانَ مُنْقَطِعَ القَرِيْن فِي الزُّهْدِ وَالعِبَادَةِ وَالوَرَعِ وَالعُزْلَةِ، مشَاراً إِلَيْهِ بِإِجَابَةِ الدَّعوَةِ، لاَ يُعدَلُ بِهِ أَحَدٌ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ آثَارٌ مَعْرُوْفَةٌ، مَعَ الحظِّ الوَافرِ مِنَ الأَدبِ وَالنَّظمِ فِي الزُّهْدِ وَالتَّخويفِ، وَكَانَ مُلاَزِماً لمسجدِهِ بِإِشْبِيْلِيَةَ، يُقرِئُ وَيُعَلِّمُ وَمَا تَزَوَّجَ.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: أَبُو سُلَيْمَانَ بنُ حَوْطِ اللهِ، وَبَسَّامُ بن أحمد، وأبو زيد بن مُحَمَّدٍ، وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. تُوُفِّيَ سَنَةَ أربع وست مائة.
5419- ابن الشيخ:
الإِمَامُ القُدْوَةُ المُجَابُ الدَّعوَةِ أَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُفُ بن محمد بن عبد الله ابن غَالِبٍ البَلَوِيُّ المَالقِيُّ المَعْرُوفُ بِابْنِ الشَّيْخِ.
حملَ القِرَاءاتِ عَنِ ابْن الفَخَّارِ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَمِنَ: السُّهَيْلِيِّ، وَابْنِ قرْقُول، وَالسِّلَفِيِّ، وَعَبْدِ الحَقِّ الأَزْدِيِّ، وَالعُثْمَانِيِّ.
وَعَنْهُ أَبُو الرَّبِيْعِ بنُ سَالِمٍ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ قطرَالٍ، وَابْنُ حَوْطِ اللهِ. وَكَانَ رَبَّانِيّاً، مُتَأَلِّهاً، قَانِتاً للهِ، كَثِيْرَ الغَزْوِ، يُعَدُّ مِنَ الأَبْدَالِ، وَفحُوْلِ الرِّجَالِ.
تَلاَ بِالسَّبْعِ، وَأَقرَأَ وَأَفَادَ.
تُوُفِّيَ بِمَالَقَةَ، عَنْ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، فِي رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.

(16/40)


النفيس، ابن سناء الملك:
5420- النفيس 1:
القُطْرُسِيُّ الشَّاعِرُ صَاحِبُ "الدِّيْوَان" أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بن عبد الغني ابن أَحْمَدَ اللَّخْمِيُّ، المِصْرِيُّ، المَالِكِيُّ.
مِنْ فُحُوْلِ الشُّعَرَاءِ، وَلَهُ فِقهٌ وَيدٌ فِي علُوْمِ الفلاسفَةِ، وَهُوَ القَائِلُ:
يَا رَاحِلاً وَجَمِيْلُ الصَّبْرِ يَتبَعُهُ ... هَلْ مِنْ سبيلٍ إِلَى لُقيَاكَ يَتَّفِقُ
مَا أَنْصَفَتْكَ جُفُونِي وَهِيَ داميةٌ ... وَلاَ وَفَى لَكَ قَلْبِي وَهُوَ يَحترقُ
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ بقوص.
5421- ابن سناء الملك 2:
القَاضِي الأَثيرُ البَلِيْغُ المُنشِئُ أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ ابْنِ القَاضِي سنَاءِ المُلْكِ مُحَمَّدِ بنِ هِبَةِ اللهِ المِصْرِيُّ، الشَّاعِرُ المَشْهُوْرُ.
قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى الشَّرِيْفِ أَبِي الفُتُوْحِ، وَالنَّحْوَ على ابن بري، وَسَمِعَ مِنَ السِّلَفِيِّ، وَلَهُ "دِيْوَانٌ" مَشْهُوْرٌ، وَمُصَنَّفَاتٌ أدبية، وكتب في ديوان التوسل مُدَّةً.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: هُوَ هِبَةُ اللهِ ابْنُ القَاضِي الرَّشِيْدِ أَبِي الفَضْلِ جَعْفَرِ ابْنِ المعتمدِ سنَاءِ المُلْكِ السَّعْدِيِّ، كَانَ أَحَدَ الرُّؤَسَاءِ النُّبَلاَءِ، وَكَانَ كَثِيْرَ التَّنَعُّمِ، وَافرَ السَّعَادَةِ، لَهُ رَسَائِل دَائِرَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القَاضِي الفَاضِلِ، وَهُوَ القَائِلُ:
وَلَوْ أَبصرَ النَّظَّامُ جَوْهَرَ ثَغْرِهَا ... لَمَا شَكَّ فِيْهِ أَنَّهُ الجَوْهَرُ الفَرْدُ
وَمَنْ قَالَ إِنَّ الخَيْزُرَانَةَ قَدُّهَا ... فَقُوْلُوا لَهُ: إِيَّاكَ أَنْ يَسْمَعَ القَدُّ
وَلَهُ:
ومليّةٍ بِالحُسْنِ يسخرُ وَجْهُهَا ... بِالبَدْرِ يهزأُ رِيْقُهَا بِالقَرْقَفِ
لاَ شَيْءَ أَحْسَنَ مِنْ تَلَهُّبِ خَدِّهَا ... بِالمَاءِ إلَّا حُسْنُهَا وَتعَفُّفِي
والقلب يحلف أن سيسلو ثمّ لا ... يسلو وَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَحْلِفِ
تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ سنة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "1/ ترجمة 66".
2 ترجمته في وفيات الأعيان "6/ ترجمة 777"، والنجوم الزاهرة "6/ 204"، وشذرات الذهب "5/ 33-36".

(16/41)


5422- عفِيفَةُ 1:
بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حسن بن مِهْرَان، الشَّيْخَةُ الجَلِيْلَةُ، المُعَمَّرَةُ، مُسْنِدَةُ أَصْبَهَانَ، أُمُّ هَانِي الأَصْبَهَانِيَّةُ، الفَارفَانِيَّةُ -بفَائَيْنِ.
وُلِدت سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَتْ آخر مَنْ حَدَّثَ بِالسَّمَاعِ عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدٍ الدَّشْتَجِ، وَسَمِعَتْ أَيْضاً مِنْ: حَمْزَةَ بنِ العَبَّاسِ العَلَوِيِّ، وَإِسْحَاقَ بنِ أَحْمَدَ الأُشناني، وَفَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةِ؛ سَمِعَتْ مِنْهَا "المُعْجَمَ الكَبِيْرَ" بكمَالِهِ، وَ"المُعْجَمَ الصَّغِيْرَ"، وَ"الفِتَنَ" لنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَأَجَازَ لَهَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ.
وَسَمِعْتُ أَيْضاً مِنْ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيِّ، وَانْتَهَى إِلَيْهَا عُلُوُّ الإِسْنَادِ.
وَقَدْ أَجَازَ لَهَا مِنْ بَغْدَادَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ المَهْدِيِّ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَأَبُو سَعْدٍ ابْنُ الطُّيُوْرِيِّ، وَأَبُو طَالِبٍ اليُوْسُفِيُّ، وطائفة.
حَدَّثَ عَنْهَا: أَبُو مُوْسَى بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ، وَالشَّيْخُ الضِّيَاءُ، وَالرَّفِيعُ إِسْحَاقُ الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ نُقْطَةَ، وَقَالَ: سَمِعْتُ مِنْهَا "المُعْجَمَ الكَبِيْرَ"، وَ"الفِتَنَ" لِنُعَيْمٍ، وَغَيْرَ ذَلِكَ.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهَا بِالإِجَازَةِ أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَالبُرْهَان ابْنُ الدَّرَجِيِّ، وَابْنُ شَيْبَانَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ الشِّهَابِ بنِ رَاجِحٍ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وُلِدت فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ عَشْرٍ، وَمَاتَتْ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: تُوُفِّيَتْ فِي رَبِيْعٍ الآخَرِ، أَوْ جُمَادَى الأُوْلَى.
أَنْبَأَنَا ابْنُ سَلاَمَةَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، عَنْ عفِيفَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ سَنَةَ 517، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ سَنَةَ 429، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ العَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "لَبَّيْكَ" بِحجَّة وَعُمْرَةٍ مَعاً.
__________
1 ترجمتها في النجوم الزاهرة "6/ 200"، وشذرات الذهب "5/ 19، 20".

(16/42)


أبو هريرة، ابن الإخوة:
5423- أَبُو هُرَيْرَةَ:
وَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ الهَمَذَانِيُّ المُؤَذِّنُ.
رَجُلٌ صَالِحٌ، مِنْ أَصْحَابِ أَبِي العَلاَءِ العَطَّارِ.
سَمِعَ مِنْ: هِبَةِ اللهِ ابْنِ أُخْتِ الطَّوِيْلِ، والأرموي، وابن ناصر.
مَاتَ بِالكَرَجِ، فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائة.
5424- ابن الإخوة 1:
الشَّيْخُ العَالِمُ المُسْنِدُ المُؤَيَّدُ أَبُو مُسْلِمٍ هِشَامُ ابن المحدث عبد الرحيم بن أحمد بن محمد ابْنِ الإِخْوَةِ البَغْدَادِيُّ، ثُمَّ الأَصْبَهَانِيُّ المُعَدَّلُ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَبَكَّرَ بِهِ وَالِدُهُ أَبُو الفَضْلِ، فَسَمَّعَهُ حُضُوْراً مِنْ: مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِيُّ، وَزَاهِرٍ الشَّحَّامِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ، وَالحُسَيْنِ الخَلاَّلِ، وَمُحَمَّدِ بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدُوْيَه. وَسَمِعَ مِنْ: غَانِمِ بنِ خَالِدٍ، وَطَائِفَةٍ وَبِهَمَذَانَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ هِبَةِ اللهِ بنِ الفَرَجِ، وَنَصْرِ بنِ المُظَفَّرِ. وَبِبَغْدَادَ مِنَ: القَاضِي الأُرْمَوِيِّ، وَهِبَةِ اللهِ الحَاسِبِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ العِزِّ، وَجَمَاعَةٌ، وَبِالإِجَازَةِ: ابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَابْنُ الدَّرَجِيِّ، وَالكَمَالُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَعِدَّةٌ. وَعَاشَ تِسْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَمِنْ مَسْمُوْعَاتِهِ "مُسْنَد أَبِي يَعْلَى"، وَ"مُسْنَد العَدَنِيِّ"، وَ"مُسْنَد الرُّوْيانِيِّ"، وَلَكِنْ غَالِبُ ذَلِكَ حضور، وكان ثقةً في نفسه.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: المُعَمَّرُ إِدْرِيْسُ بنُ مُحَمَّدٍ آل وَالوَيه العَطَّارُ الأَصْبَهَانِيُّ -يَرْوِي عَنِ: ابْنِ أَبِي ذَرٍّ- وَشَيْخُ الحَنَابِلَةِ القَاضِي وَجِيْهُ الدِّيْنِ أَسَعْدُ بنُ المُنَجَّى التَّنُوْخِيُّ بِدِمَشْقَ، وَشَيْخُ الأُصُوْليَّةِ العَلاَّمَةُ فَخْرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ حُسَيْنٍ الرَّازِيُّ المُتَكَلِّم ابْن خَطِيْبِ الرَّيِّ، وَالعَلاَّمَةُ مَجْدُ الدِّيْنِ المُبَارَكُ بنُ الأَثِيْرِ الجَزَرِيُّ، وَإِمَامُ جَامِعِ أَصْبَهَانَ مَحْمُوْدُ بنُ أَحْمَدَ المُضَرِيُّ، عَنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً -يَرْوِي عَنِ ابْنِ أَبِي ذَرٍّ والخلال- والمعمرة عفيفة الفارفانية.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 199"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 23".

(16/43)


ابن مماتي، ابن الربيع:
5425- ابن مماتي 1:
القَاضِي أَبُو المُكَارِمِ أَسَعْدُ ابْنُ الخَطيرِ مُهَذَّبِ بنِ مِينَا ابْنِ مَمَّاتِي، المِصْريُّ، الكَاتِبُ، نَاظرُ النُّظَّارِ بِمِصْرَ.
لَهُ مُصَنَّفَاتٌ عِدَّةٌ، وَنظمٌ رَائِقٌ، فَنظمَ "كَلِيْلَةَ وَدِمْنَةَ"، وَنظمَ سِيرَةَ صَلاَحِ الدِّيْنِ، خَاف مِنِ ابْنِ شُكُرٍ، فَسَارَ إِلَى حَلَبَ، وَلاَذَ بِمَلِكِهَا، فَتُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ، في جمادى الأولى.
وَمَاتَ أَبُوْهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَكَانَ ناظر الجيش.
5426- ابن الربيع 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ ذُو الفُنُوْنِ مَجْدُ الدِّيْنِ، أَبُو عَلِيٍّ يَحْيَى ابْنُ الإِمَامِ الفَقِيْهِ أَبِي الفَضْلِ الرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ حَرَّازٍ العُمَرِيُّ، الوَاسِطِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الأُصُوْلِيُّ، مُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ.
وُلِدَ بِوَاسِطَ، سَنَة ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ.
وَقرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى جدِّهِ لأُمِّهِ أَبِي يَعْلَى مُحَمَّدِ بنِ سَعْدِ بنِ تُركَانَ، وَعلَّقَ الخلاَفَ بِبلدِهِ عَنِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى ابْنِ الفَرَّاءِ الصَّغِيْرِ، إِذْ وَلِيَ قَضَاءَ وَاسِطَ. وَسَمِعَ فِي صِغَرِهِ كَثِيْراً مِنْ: أَبِي الكَرَمِ بنِ الجَلَخْتِ، وَالقَاضِي مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الجُلاَّبِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الآمِدِيِّ. وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ، فَتفَقَّهَ بِهَا عَلَى: مُدَرِّسِ النِّظَامِيَّةِ أَبِي النَّجِيْبِ، وَتَفَقَّهَ أَيْضاً عَلَى: أَبِيْهِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ هِبَةِ اللهِ بنِ البُوْقِيِّ. وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ: مِنِ ابْنِ نَاصِرٍ، وَأَبِي الوَقْتِ، وَعَبْدِ الخَالِقِ بنِ يُوْسُفَ. وَسَارَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فَتفقَّهَ عِنْدَ محمد بن يحيى، وبرع فِي العِلْمِ. وَسَمِعَ مِنْ أَبِي البَرَكَات ابْن الفُرَاوِيِّ، وَعَبْدِ الخَالِقِ ابْن الشَّحَّامِيِّ. وَمَضَى رَسُوْلاً مِنَ الدِّيْوَانِ إِلَى صَاحِبِ غَزْنَةَ، فَحَدَّثَ هُنَاكَ، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، وَبلغَ مِنَ الحِشْمَةِ والجاه رتبة عالية.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 91"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 178"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 20" ووقع عنده [ابن ميناس] بدل [ابن مينا] .
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 199"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 23، 24".

(16/44)


قَالَ الدُّبَيْثِيُّ: كَانَ ثِقَةً، صَحِيْحَ السَّمَاعِ، عَالِماً بِالمَذْهَبِ، وَبِالخلاَفِ، وَالتَّفْسِيْرِ، وَالحَدِيْثِ، كَثِيْرَ الفُنُوْنِ.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ عَالِماً بِالتَّفْسِيْرِ، وَالمَذْهَبِ، وَالأَصْلَيْنِ، وَالخلاَفِ، دَيِّناً، صَدُوْقاً.
وَقَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: كَانَ مُعِيْدَ ابْنِ فَضلاَنَ، وَكَانَ أَبرعَ وَأَقومَ بِالمَذْهَبِ، وَعِلْمَ القُرْآنَ مِنِ ابْنِ فَضلاَنَ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا صُحْبَةٌ جَمِيْلَةٌ، لَمْ أَرَ مِثْلَهَا بَيْنَ اثْنَيْنِ قَطُّ؛ فَكُنَّا نَسْمَعُ الدَّرْسَ مِنَ الشَّيْخِ فَلاَ نَفهمُهُ لَكَثْرَةِ فَرَاقِعِهِ، ثُمَّ نَقومُ إِلَى ابْنِ الرَّبِيْعِ فَكمَا نَسْمَعَهُ نَفهمُهُ، وَكَانَتِ الفُتْيَا تَأْتِي ابْنَ فَضلاَنَ، فَلاَ يَكتُبُ حَتَّى يُشَاور ابْنَ الرَّبِيْعِ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ الرَّبِيْعِ تدرِيسَ النِّظَامِيَّةِ، وَنُفِّذَ رَسُوْلاً إِلَى خُرَاسَانَ، فَمَاتَ فِي الطَّرِيْق.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَأَجَازَ لِلشَّيْخِ، وَلِلْفَخْرِ عليٍّ.
وَتُوُفِّيَ فِي أَوَاخِرِ شَهْرِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ إِجَازَةٌ مِنْ زاهر ابن طاهر.

(16/45)


الجبائي، ابن الأثير:
5427- الجبائي 1:
الإِمَامُ القُدْوَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الحَسَنِ بنِ أَبِي الفَرَجِ الشَّامِيُّ، الجُبَّائِيُّ، [مِنْ قَرْيَة الجُبَّةِ] ، مِنْ أَعْمَالِ طَرَابُلسَ.
كَانَ أَبُوْهُ نَصْرَانِيّاً، فَأَسْلَمَ هُوَ فِي صِغَرِهِ، وَحفظَ القُرْآنَ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ إِحْدَى وَعِشْرُوْنَ سَنَةً، فَصحِبَ الشَّيْخَ عَبْدَ القَادِرِ. وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ الطّلاَيَةِ، وَابْنِ نَاصِرٍ، وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ أَبِي الخَيْرِ البَاغْبَانِ، وَمَسْعُوْدٍ الثَّقَفِيِّ، وَخَلْقٍ. وَحصَّلَ الأُصُوْلَ، ثُمَّ اسْتَوْطَنَ أَصْبَهَانَ. وَكَانَ ذَا قبولٍ وَمَنْزِلَةٍ، وَصِدْقٍ، وَتَأَلُّهٍ، وَهُوَ مِنْ جُبَّةِ بشَرّى.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ، رَوَى الكَثِيْرَ.
5428- ابْنُ الأَثِيْرِ 2:
القَاضِي الرَّئِيْسُ العَلاَّمَةُ البَارِعُ الأَوحدُ البَلِيْغُ مَجْدُ الدين أبو السعادات المُبَارَكُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الشَّيْبَانِيُّ، الجَزَرِيُّ، ثُمَّ المَوْصِلِيُّ، الكَاتِبُ، ابْنُ الأَثِيْرِ، صَاحِبُ "جَامِعِ الأُصُوْلِ"، و"غريب الحديث"، وغير ذلك.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب "5/ 15، 16".
2 ترجمته في وفيات الأعيان "4/ ترجمة 552"، وشذرات الذهب "5/ 22، 23".

(16/45)


مَوْلِدُهُ بجَزِيْرَةِ ابْنِ عُمَرَ، فِي أَحَدِ الرَّبِيْعَيْنِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَنَشَأَ بِهَا، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى المَوْصِلِ، وَسَمِعَ مِنْ: يَحْيَى بن سعدُوْنَ القُرْطُبِيِّ، وَخَطِيْبِ المَوْصِلِ، وَطَائِفَةٍ.
وَرَوَى الكُتُبَ نَازلاً، فَأَسنَدَ "صَحِيْحَ البُخَارِيِّ"، عَنِ ابْنِ سرَايَا، عَنْ أَبِي الوَقْتِ، وَ"صَحِيْحَ مُسْلِمٍ"، عَنْ أَبِي يَاسِرٍ بنِ أَبِي حَبَّةَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، عَنِ التُّنْكُتِيِّ، عَنْ أَبِي الحُسَيْنِ عَبْدِ الغَافِرِ. ثُمَّ عَنِ ابْنِ سُكَيْنَةَ إِجَازَةً عَنِ الفُرَاوِيِّ، وَ"المُوَطَّأَ"، عَنِ ابْنِ سَعدُوْنَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَتَّابٍ، عَنِ ابْنِ مُغِيْثٍ، فَوَهِمَ، وَ"سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ وَالتّرْمِذِيَّ" بِسَمَاعِهِ مِنِ ابْنِ سُكَيْنَةَ، وَ"سُنَنَ النَّسَائِيِّ"، أَخْبَرَنَا يَعِيْشُ بنُ صَدَقَةَ، عَنِ ابْنِ مَحْمُوَيْه.
ثُمَّ اتَّصَلَ بِالأَمِيْرِ مُجَاهِدِ الدِّيْنِ قَيْمَاز الخَادِم، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ مَخْدُومَهُ، فَكَتَبَ الإِنشَاءَ لِصَاحِبِ المَوْصِلِ عِزِّ الدين مسعود الأتابكي، وولي ديوان الإِنشَاءِ، وَعَظُمَ قدرُهُ، وَلَهُ اليَدُ البيضَاءُ فِي التَّرَسُّلِ، وَصَنَّفَ فِيْهِ. ثُمَّ عَرَضَ لَهُ فَالِجٌ فِي أَطرَافِهِ، وَعجِزَ عَنِ الكِتَابَةِ، وَلَزِمَ دَارَهُ، وَأَنشَأَ رِبَاطاً فِي قَرْيَة وَقَفَ عَلَيْهِ أَملاَكَهُ، وَلَهُ نَظْمٌ يَسيرٌ.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو شَامَةَ: قرَأَ الحَدِيْثَ وَالعِلْمَ وَالأَدبَ، وَكَانَ رَئِيْساً مُشَاوَراً، صَنَّفَ "جَامِعَ الأُصُوْلِ"، وَ"النِّهَايَةَ"، وَ"شرحاً لمُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ" وَكَانَ بِهِ نَقرسٌ، فَكَانَ يُحْمَلُ فِي مَحَفَّةٍ، قرَأَ النَّحْوَ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ سَعِيْدِ ابْنِ الدَّهَّانِ، وَأَبِي الحرَمِ مَكِّيٍّ الضَّرِيرِ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَمَّا حَجَّ سَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنِ ابْنِ كُلَيْبٍ، وَحَدَّثَ، وَانتفعَ بِهِ النَّاسُ، وَكَانَ وَرِعاً، عَاقِلاً، بَهِيّاً، ذَا بِرٍّ وَإِحسَانٍ. وَأَخُوْهُ عِزُّ الدِّيْنِ عليٌّ صَاحِبُ "التَّارِيْخِ"، وَأَخُوْهُمَا الصَّاحبُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ، مُصَنِّفُ كِتَاب المَثَلِ السَّائِرِ.
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: لمَجْدِ الدِّيْنِ كِتَابُ "الإِنصَافِ فِي الْجمع بَيْنَ الكَشْفِ وَالكَشَّافِ" تَفسيرَي الثَّعْلَبِيِّ وَالزَّمَخْشَرِيِّ، وَلَهُ كِتَابُ "المُصْطَفَى المُخْتَارِ فِي الأَدعيَةِ وَالأَذكَارِ"، وَكِتَابٌ لطيفٌ فِي صِنَاعَةِ الكِتَابَةِ، وَكِتَابُ "البَدِيْعِ فِي شرحِ مقدِّمَةِ ابْنِ الدَّهَّانِ"، وَلَهُ "دِيْوَانُ رَسَائِلَ".
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَالإِمَامُ تَاجُ الدِّيْنِ عَبْدُ المُحْسِنِ بنُ محمد بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَامضِ شَيْخُ البَاجربقِيّ وَطَائِفَةٌ. وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: الشَّيْخُ فَخْرُ الدين ابن البخاري.
قَالَ ابْنُ الشَّعَّارِ: كَانَ كَاتِبُ الإِنشَاءِ لدولَةِ صَاحِبِ المَوْصِلِ نُوْرِ الدِّيْنِ أَرْسَلاَن شَاه بنِ مَسْعُوْدِ بنِ مَوْدُوْدٍ، وَكَانَ حَاسِباً، كَاتِباً، ذكيّاً، إِلَى أَنْ قَالَ: وَمِنْ تَصَانِيْفِهِ كِتَابُ "الفرُوْقِ فِي الأَبنِيَةِ"، وَكِتَابُ "الأَذوَاءِ وَالذَّوَاتِ"، وَكِتَابُ "المُخْتَارِ فِي مَنَاقِبِ الأَخيَارِ"، وَ"شرحُ غَرِيْبِ الطِّوَالِ" قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَشدِّ النَّاسِ بُخلاً.

(16/46)


قُلْتُ: مَنْ وَقَفَ عقَارَهُ للهِ فَلَيْسَ بِبخيلٍ، فَمَا هُوَ بِبخيلٍ، وَلاَ بجَوَادٍ، بَلْ صَاحِبُ حزمٍ وَاقتصَادٍ رَحِمَهُ الله.
عَاشَ ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ بِالمَوْصِلِ.
حكَى أَخُوْهُ العِزُّ، قَالَ: جَاءَ مَغْرِبِيٌّ عَالَجَ أَخِي بِدُهْنٍ صَنَعَهُ، فَبَانَتْ ثَمَرَتهُ، وَتَمَكَّنَ مِنْ مَدِّ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ لِي: أَعْطِهِ مَا يُرْضِيهِ وَاصرِفْهُ قُلْتُ: لِمَاذَا وَقَدْ ظَهَرَ النُّجْحُ؟ قَالَ: هُوَ كَمَا تَقُوْلُ، وَلَكِنِّي فِي رَاحَةٍ مِنْ تَرْكِ هَؤُلاَءِ الدَّوْلَةِ، وَقَدْ سَكَنَتْ نَفْسِي إِلَى الانقطَاعِ وَالدَّعَةِ، وَبِالأَمسِ كُنْتُ أُذَلُّ بِالسَّعِي إِلَيْهِم، وَهنَا فَمَا يَجيئونِي إلَّا فِي مشُوْرَةٍ مُهِمَّةٍ، وَلَمْ يَبْقَ مِنَ العمرِ إلَّا القَلِيْلُ.

(16/47)


5429- ابن روح 1:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ الجَلِيْلُ المُعَمَّرُ مُسْنِدُ أَصْبَهَانَ أَبُو الفخر أسعد بن سعيد ابن مَحْمُوْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ رَوْحٍ الأَصْبَهَانِيُّ التَّاجِرِ، ابْن أَبِي الفُتُوْحِ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ: فَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةِ "مُعْجَمَ الطَّبَرَانِيِّ الكَبِيْرَ" بفَوَتٍ، وَ"المُعْجَمَ الصَّغِيْرَ"، فَكَانَ آخر أَصْحَابِهَا مَوْتاً، وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: سَعِيْدِ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ، وَزَاهِرٍ الشَّحَّامِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَالضِّيَاءُ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ العِزِّ، وَالجمال أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ أَبِي بَكْرٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَأَجَازَ لِلبُرْهَان ابْنِ الدَّرَجِيِّ، وَابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَالكَمَالِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَابْنِ شَيْبَانَ، وَعَبْدِ الرحمن ابْنِ الزَّينِ، وَالفَخْرِ عَلِيٍّ، وَالتَّقِيِّ ابْنِ الوَاسِطِيِّ.
قَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ نُقْطَةَ: أَبُو الفَخْرِ أَسَعْدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مَحْمُوْدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرِ بنِ رَوْحِ بنِ الفَرَجِ التَّاجِرُ، أَرَانَا مَوْلِدَهُ وَهُوَ فِي ثَانِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، قَالَ: وَكَانَ شَيْخاً صَالِحاً، صَحِيْحَ السَّمَاعِ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي رَابعِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، بِأَصْبَهَانَ، وَانغلَقَ بِوَفَاتِهِ بَابُ عُلُوِّ حَدِيْثِ الطَّبَرَانِيِّ، وَكَانَ آخِر مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّيْنِ إِبْرَاهِيْمُ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَقَدْ أَكْثَرَ عَنْهُ الحَافِظُ الضياء في تواليفه.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 203"، وشذرات الذهب "5/ 24، 25".

(16/47)


أبو المجد، منصور بن عبد المنعم:
5430- أبو المجد 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ الصَّالِحُ المُسْنِدُ المُعَمَّرُ أَبُو المَجْدِ زاهر بن أبي طاهر أحمد بن حامد بنِ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ.
وُلِدَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ حُضُوْراً مِنْ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيِّ، وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ أَبِي ذَرٍّ صَاحِبِ أَبِي طَاهِرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ الصَّيْرَفِيِّ، وَزَاهِرٍ الشَّحَّامِيِّ، وَالحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الخَلاَّلِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ الحَافِظِ، وَرَوَى الكَثِيْرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاءُ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ العِزِّ، وَالجمال أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ، وَعِدَّةٌ.
وَأَجَازَ لِلْكمَالِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَلِلشَّيْخِ، وَلابْنِ شَيْبَانَ، وَابْنِ الدَّرَجِيِّ، وَالفَخْرِ عَلِيٍّ، وَالتَّقِيِّ ابْنِ الوَاسِطِيِّ، وَغَيْرِهِم.
وَلَهُ إِجَازَةٌ مِنْ فَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ شَيْخاً، صَالِحاً، أَضرَّ عَلَى كِبَرٍ، وَكَانَ صَبُوْراً لِلطَّلبَةِ، مُكْرِماً لَهُم.
قُلْتُ: سَمِعَ "مُسْنَدَ" أَبِي يَعْلَى المَوْصِلِيِّ مِنْ طرِيقِ ابْنِ المُقْرِئِ عَلَى الخَلاَّلِ، وَ"مُسْنَدَ الرُّوْيَانِيِّ".
تُوُفِّيَ فِي الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمَاتَ فِيْهَا: أَبُو الفَخْرِ أَسَعْدُ بنُ سَعِيْدٍ بِأَصْبَهَانَ، وَأَبُو أَحْمَدَ بن سُكَيْنَةَ بِبَغْدَادَ، وَالشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ المَقْدِسِيُّ الزَّاهِدُ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَصَاحِبُ المَوْصِلِ نُوْرُ الدِّيْنِ أَرْسَلاَن الأَتَابكِيُّ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ مَعْمَرٍ.
5431- مَنْصُوْرُ بنُ عَبْدِ المنعم 2:
ابن عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ، الشَّيْخُ الجَلِيْلُ العَدْلُ المُسْنِدُ أَبُو الفَتْحِ وَأَبُو القَاسِمِ، ابْنُ مُسْنِدِ وَقتِهِ أَبِي المَعَالِي ابْنِ المُحَدِّثِ أَبِي البَرَكَاتِ ابْنِ فَقِيْهِ الحرَمِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصَّاعدِيُّ الفُرَاوِيُّ ثم النيسابوري.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 202"، وشذرات الذهب "5/ 25".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 204"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 34".

(16/48)


مَوْلِدُهُ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ أَبَاهُ وَجدَّهُ، وَأَكْثَرَ عَنْ جدِّ أَبِيْهِ، وَعَبْدَ الجَبَّارِ بنَ مُحَمَّدٍ الخُوَارِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيَّ، وَوَجِيْهَ الشَّحَّامِيَّ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَالزَّكِيُّ البِرْزَالِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَحِ، وَالشَّرَفُ المُرْسِيُّ، وَالرَّضِيُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ البرهان، وعبد العزيز بن هلالة، وجماعة.
وَأَجَازَ لِلْجمَالِ يَحْيَى ابْنِ الصَّيْرَفِيِّ، وَللزَّكِيِّ عَبْدِ العَظِيْمِ، وَللشَّمْسِ بنِ عَلاَّنَ، وَلِلْفَخْرِ عليٍّ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ شَيْخاً، ثِقَةً، مُكْثِراً، صَدُوْقاً، سَمِعْتُ مِنْهُ "صَحِيْحَ البُخَارِيِّ" بِسَمَاعِهِ مِنْ وَجيهٍ الشَّحَّامِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيِّ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بنِ شَاه، وَ"صَحِيْحَ مُسْلِمٍ"، وَسَمِعَهُ مرَاراً، وَرَأَيْتُ سَمَاعَهُ بِالمُجَلَّدِ الأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ بـ "صَحِيْحِ مُسْلِمٍ"، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِيْنَ وَخَمْسَةِ أَشْهُرٍ.
وَحَدَّثَنِي رَفِيقُنَا ابْنُ هِلاَلَةَ، قَالَ: كَانَ شَيْخُنَا مَنْصُوْرٌ يَرْوِي "غَرِيْبَ الحَدِيْثِ" لِلْخطَّابِيِّ عَنْ جَدِّهِ بفَوَتٍ، فَقرَأْنَاهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلتُ إِلَى سَمَرْقَنْدَ -أَوْ قَالَ: بُخَارَى- وَجَدْتُ بَعْضَ نُسْخَةٍ بـ "غَرِيْبِ الخَطَّابِيِّ"، وَفِيْهَا القدرُ الَّذِي يَفوتُ مَنْصُوْر، وَفِيْهِ سَمَاعُهُ بِغَيْرِ تِلْكَ القِرَاءةِ، وَغَيْرِ التَّارِيْخِ، وَهَذَا مِمَّا يَدلُّ عَلَى صِدْقِ الشَّيْخِ، وَأَنَّهُ أَكْثَرَ مِنَ الكُتُبِ المُطَوَّلَةِ عَنْ جَدِّهِ.
قَالَ: وَسَمِعَ "تَفْسِيْرَ الثَّعْلَبِيِّ" مِنْ عَبَّاسَةَ العَصَّارِيِّ.
وَقَالَ لِي ابْنُ هِلاَلَةَ: رَأَيْتُ أَصلَ البَيْهَقِيِّ بـ "السُّنَنِ الكَبِيْرِ"، وَقَدْ ذَهَبَتْ مِنْهُ أَجزَاءٌ متفرِّقَةٌ، فَجَمِيْعُ مَا وَجَدْتُ قرَأتهُ عَلَيْهِ، وَبَاقِي الكِتَابِ بِالإِجَازَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعاً.
ثُمَّ قَالَ: وَمَوْلِدُهُ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ.
قُلْتُ: وَقَدْ حَجَّ، وحدث ببغداد مع والده.
قَرَأْتُ وَفَاتَهُ فِي ثَامنِ شَعْبَان، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ، بِخَطِّ الحَافِظِ الضِّيَاءِ، لَيْلَةَ وُصُوْلِهِ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فَفَاتَهُ الأَخْذُ عَنْهُ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أحمد بن الحسن بن أبي البقاء العاقولي، وَالخَضِرُ بنُ كَامِلٍ السَّرُوْجِيُّ المُعَبِّرُ، وَالقُدْوَةُ الشَّيْخُ عُمَرُ البَزَّازُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ نُوْحٍ الغَافِقِيُّ المُقْرِئُ، وَالعِمَادُ مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَنَعَةَ المَوْصِلِيُّ، وَالقَاضِي هِبَةُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ سنَاءِ المُلْكِ الأَدِيْبُ، وَيُوْنُسُ بنُ يَحْيَى الهَاشِمِيُّ بِمَكَّةَ، وَالقُدْوَةُ عَبْدُ الجَلِيْلِ بن موسى القصري.

(16/49)


صاحب الموصل، الجزولي، ابن يونس:
5432- صاحب الموصل 1:
المَلِكُ العَادِلُ نُوْرُ الدِّيْنِ أَرْسَلاَنُ شَاه ابْنُ عز الدين مسعود بن مودود ابن الأَتَابكِ زَنْكِي.
كَانَتْ دَوْلَتُهُ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ شَهْماً، مَهِيْباً، فِيْهِ عَسْفٌ وَشُحٌّ. تَحَوَّلَ شَافِعِيّاً، وَبَنَى مَدْرَسَةً كَبِيْرَةً مزخرفَةً، مرِضَ مُدَّةً، وَمَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَكَانَ سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، فِيْهِ دهَاءٌ، وَلَهُ سَطوَةٌ عَلَى الأُمَرَاءِ، وَكَانَ مَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ الأَثِيْرِ مُلاَزِماً لَهُ، فَيَأْمرُهُ بِالخَيْرِ، فَيُطيعُهُ، وَصَيَّرَ مَمْلُوْكَهُ لؤلؤًا أستاذ داره.
5433- الجزولي 2:
إِمَامُ النَّحْوِ أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ يَلَلْبَختِ بنِ عِيْسَى اليَزْدَكَنْتِيُّ، الجُزُولِيُّ، البَرْبَرِيُّ، المَرَّاكُشِيُّ.
حَجَّ وَلاَزَمَ ابْنَ بَرِّيٍّ، وَأَتقنَ عَنْهُ العَرَبِيَّةَ وَاللُّغَةَ، وَسَمِعَ "صَحِيْحَ البُخَارِيِّ" مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَتَصَدَّرَ بِالمَرِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّةٌ. وَكَانَ إِمَاماً لاَ يُجَارَى، اعْتَنَى بـ "مُقَدِّمَتِهِ" الأَذكيَاءُ، وَشرحوهَا.
تُوُفِّيَ بِأَزمُورٍ مِنْ عمَلِ مَرَّاكش سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقِيْلَ سَنَةَ سِتٍّ. وَوَلِيَ خطَابَةَ مَرَّاكش، وَكَانَ فِي طلبِهِ بِمِصْرَ فَقيراً، يَخْرُجُ إِلَى القُرَى، فَيُصَلِّي بِهِم، وَأَخَذَ مَذْهَبَ مَالِك بِمِصْرَ، عَنِ الفَقِيْهِ ظَافرٍ، وَقَدْ طوَّلْتُ تَرْجَمَتَهُ فِي "التاريخ". وقيل: بقي إلى سنة عشر.
5434- ابن يونس 3:
شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ عِمَادُ الدِّيْنِ أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَنَعَةَ الإِرْبِلِيُّ، ثُمَّ المَوْصِلِيُّ.
تَفقَّهَ بِأَبِيْهِ، وَبِبَغْدَادَ عَلَى أَبِي المحاسن بن بندا، وَطَائِفَةٍ. وَسَمِعَ، وَعلاَ صِيتُهُ، وَصَنَّفَ، وَتَخَرَّجَ بِهِ خَلْقٌ، وَصَنَّفَ "المحيطَ"، وَأَشيَاءَ، وَكَانَ وَرِعاً، نَزِهاً، قَشِفاً، شَدِيدَ الوُسوَاسِ.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ وَلَهُ ثَلاَثٌ وَسَبْعُوْنَ سنة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "1/ ترجمة 82"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 200"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 24".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 513"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 26".
3 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 601"، وشذرات الذهب "5/ 34".

(16/50)


الأصبهاني، بنت معمر:
5435- الأصبهاني:
الإِمَامُ المُتَفَنِّنُ الوَاعِظُ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ عبد الرحمن مَجْدُ الدِّيْنِ، المَغْرِبِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ المَوْلِدِ، المَعْرُوفُ بِالأَصْبَهَانِيِّ لإِقَامتِهِ بِهَا خَمْسَةَ أَعْوَامٍ، فَقَرَأَ الفِقْهَ لِلشَّافِعِيِّ، وَالخِلاَفَ، وَالجَدَلَ، وَالتَّصَوُّفَ، وَالأُصُوْلَ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بنَ مَاشَاذَة، وَأَبَا رُشْدٍ بنَ خَالِدٍ، والسلفي، وتحول في الأندلس، وسكن غرناطة.
قَالَ ابْنُ مُسْدِيّ: قرَأَ عَلَيَّ جزءَ "عروسِ الأَجزَاءِ" مِمَّا سَمِعَهُ بِأَصْبَهَانَ، وَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ تَكُوْنُ لَكَ رِحلَةٌ وَجَولاَن. قَالَ: وَسَمَاعُهُ مِنْ مَسْعُوْدٍ الثَّقَفِيِّ سَنَةَ سِتِّيْنَ، وَلَمَّا نَزلَ غَرْنَاطَةَ تركَ الوعظَ، وَلَهُ تَعليقَةٌ فِي الخلاَفِ بَيْنَ أَبِي حَنِيْفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَقُحِطْنَا، فَنَزَلَ الأَمِيْرُ إِلَى شيْخِنَا هَذَا وَقَالَ: تُذَكِّرُ النَّاسَ، فَلَعَلَّ اللهَ يُفرِّجُ، فَوَعَظَ فَورَدَ عَلَيْهِ وَارِدٌ، فَسَقَطَ، وَحُمِلَ، فَمَاتَ بَعْدَ سَاعَةٍ، فَلَمَّا أُدْخِلَ حفرتَهُ، انفتحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَسَالَتِ الأَوديَةُ أَيَّاماً.
قُلْتُ: مَاتَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ بغرناطة.
5436- بنت معمر 1:
الشَّيْخَةُ المُعَمَّرَةُ المُسْنِدَةُ أُمُّ حَبِيْبَةَ عَائِشَةُ بِنْتُ الحَافِظِ مَعْمَرِ بنِ الفَاخِرِ القُرَشِيَّةُ، العَبْشَمِيَّةُ، الأَصْبَهَانِيَّةُ.
سَمِعَتْ حُضُوْراً مِنْ فَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةَ، وَسَمَاعاً كَثِيْراً من زاهر بن طَاهِرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهَا: ابْنُ نُقْطَةَ، وَالشَّيْخُ الضِّيَاءُ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ العِزِّ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَازَتْ لِلشَّيْخِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَابْنِ شَيْبَانَ، وَالكَمَالِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَالفَخْرِ عَلِيٍّ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ نُقْطَةَ: سَمِعْنَا مِنْهَا "مسند أبي يعلى الموصلي" بسماعها من سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي، وكان سماعها صحيحا بِإِفَادَةِ أَبيهَا.
تُوُفِّيَتْ عَائِشَةُ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخَرِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ بِضْعٍ وثمانين سنةً.
__________
1 ترجمتها في النجوم الزاهرة "6/ 202"، وشذرات الذهب "5/ 25".

(16/51)


فخر الدين، ابن سكينة:
5437- فخر الدين 1:
العَلاَّمَةُ الكَبِيْرُ ذُو الفُنُوْنِ فَخْرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بن عمر بن الحسين القرشي البَكْرِيُّ الطَّبَرَستَانِيُّ، الأُصُوْلِيُّ، المُفَسِّرُ، كَبِيْرُ الأَذكيَاءِ وَالحُكَمَاءِ وَالمُصَنِّفِيْنَ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَاشْتَغَلَ عَلَى أَبِيْهِ الإِمَامِ ضِيَاءِ الدِّيْنِ خَطِيْبِ الرَّيِّ، وَانتشرَتْ تَوَالِيفُهُ فِي البِلاَدِ شرقاً وَغرباً، وَكَانَ يَتوَقَّدُ ذكَاءً، وَقَدْ سُقْتُ تَرْجَمَتَهُ عَلَى الوَجْهِ فِي "تَارِيخِ الإِسْلاَمِ". وَقَدْ بدَتْ مِنْهُ فِي تَوَالِيفِهِ بلاَيَا وَعظَائِمُ وَسِحْرٌ وَانحرَافَاتٌ عَنِ السُّنَّةِ، وَاللهُ يَعْفُو عَنْهُ، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ عَلَى طرِيقَةٍ حَمِيدَةٍ، وَاللهُ يَتولَّى السّرَائِرَ.
مَاتَ بِهَرَاةَ، يَوْمَ عِيْدِ الفِطْرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ بِضْعٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً، وَقَدِ اعترَفَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ حَيْثُ يَقُوْلُ:
لقد تَأَمَّلْتُ الطُّرُقَ الكَلاَمِيَّةَ، وَالمنَاهجَ الفلسفِيَّةَ، فَمَا رَأَيَّتُهَا تشفِي عليلاً، وَلاَ تروِي غليلاً، وَرَأَيْتُ أَقْرَبَ الطُّرُقِ طرِيقَةَ القُرْآنِ، أَقرَأُ فِي الإِثْبَاتِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ} [فاطر: 10] ، وأقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، وَمَنْ جَرَّبَ مِثْلَ تَجرِبَتِي عرفَ مِثْلَ مَعْرِفَتِي.
5438- ابن سكينة:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ الفَقِيْهُ المُحَدِّثُ الثِّقَةُ المُعَمَّرُ القُدْوَةُ الكَبِيْرُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ مَفْخَرُ العِرَاقِ ضِيَاءُ الدِّيْنِ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الوَهَّابِ ابْن الشَّيْخِ الأَمِيْنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ عَلِيُّ بنُ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ سُكَيْنَةَ البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وَسُكَيْنَةُ هِيَ وَالِدَةُ أَبِيْهِ.
مَوْلِدُهُ فِي شَعْبَان، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ أَبِيْهِ، فَرَوَى عَنْهُ "الجَعْدِيَّاتِ"، وَهِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ، يَرْوِي عَنْهُ "الغَيْلاَنِيَّاتِ"، -وَأَبِي غَالِبٍ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ المَاوَرْدِيِّ، وَزَاهِرٍ الشَّحَّامِيِّ، وَقَاضِي المَارستَانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَمُّوَيْه الجُوَيْنِيِّ الزَّاهِدِ، وَعِدَّةٍ، بإِفَادَةِ ابْنِ نَاصِرٍ. ثُمَّ لاَزمَ أَبَا سَعْدٍ البغدادي
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "4/ ترجمة 600"، والنجوم الزاهرة "6/ 197، 198".

(16/52)


المُحَدِّثَ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ. وَسَمِعَ مَعَهُ مِنْ: أَبِي منصور القزاز، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ تَوْبَةَ، وَشَيْخِ الشُّيُوْخِ أَبِي البَرَكَاتِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَحْمَدَ، -وَهُوَ جدُّهُ لأُمِّهِ، وَعِدَّةٍ.
وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ عنَايَةً قويَّةً، وَبِالقِرَاءاتِ، فَبَرَعَ فِيْهَا، وَتَلاَ بِهَا عَلَى: أَبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الخَيَّاطِ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ مَحْمُوَيْه، وَأَبِي العَلاَءِ الهَمَذَانِيِّ. وَأَخَذَ الْمَذْهَب وَالخلاَفَ عَنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ ابْن الرَّزَّاز، وَالعَرَبِيَّة عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخَشَّابِ. وَصَحِبَ جدَّهُ أَبَا البَرَكَاتِ، وَلَبِسَ مِنْهُ، وَلاَزَمَ ابْنَ نَاصِرٍ، وَأَخَذَ عَنْهُ عِلْمَ الأَثرِ، وَحفظَ عَنْهُ فَوَائِدَ غزِيْرَةً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: شَيْخُنَا ابْنُ سُكَيْنَةَ شَيْخُ العِرَاقِ فِي الحَدِيْثِ، وَالزُّهْدِ، وَحُسْنِ السَّمْتِ، وَمُوَافِقَةِ السُّنَّةِ وَالسَّلَفِ، عُمِّرَ حَتَّى حَدَّثَ بِجَمِيْعِ مَرْوِيَّاتِهِ، وَقصدَهُ الطُّلاَّبُ مِنَ البِلاَدِ، وَكَانَتْ أَوقَاتُهُ مَحْفُوْظَةٌ، لاَ تَمضِي لَهُ سَاعَةٌ إلَّا فِي تِلاَوَةٍ، أَوْ ذِكْرٍ، أَوْ تَهجُّدٍ، أَوْ تَسْمِيْعٍ، وَكَانَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ مَنَعَ مِنَ القِيَامِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَكَانَ كَثِيْرَ الحَجِّ وَالمُجَاوِرَةِ وَالطَّهَارَةِ، لاَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا لِحُضُوْرِ جُمُعَةٍ أَوْ عيدٍ أَوْ جَنَازَةٍ، وَلاَ يَحضُرُ دورَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فِي هَنَاءٍ وَلاَ عَزَاءٍ، يُدِيمُ الصَّوْمَ غَالِباً، وَيستعملُ السُّنَّةَ فِي أَمورِهِ، وَيُحِبُّ الصَّالِحِيْنَ، وَيُعَظِّمُ العُلَمَاءَ، وَيَتوَاضَعُ لِلنَّاسِ، وَكَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُوْلُ: أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُمِيتَنَا مُسْلِمِيْنَ، وَكَانَ ظَاهِرَ الخشوعِ، غزِيْرَ الدَّمعَةِ، وَيَعتذرُ مِنَ البُكَاءِ، وَيَقُوْلُ: قَدْ كَبِرْتُ وَلاَ أَملِكُهُ. وَكَانَ اللهُ قَدْ أَلْبَسَهُ رِدَاءً جَمِيْلاً مِنَ البَهَاءِ وَحُسْنِ الخِلْقَةِ وَقَبُولِ الصُّوْرَةِ، وَنورِ الطَّاعَةِ، وَجَلاَلَةِ العِبَادَةِ، وَكَانَتْ له في القلوب مَنْزِلَةٌ عَظِيْمَةٌ، وَمَنْ رَآهُ انتفَعَ برُؤْيتِهِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ كَانَ عَلَيْهِ البَهَاء وَالنُّوْر، لاَ يُشْبَعُ مِنْ مُجَالَسَتِهِ. لَقَدْ طُفْتُ شرقاً وَغرباً وَرَأَيْتُ الأَئِمَّةَ وَالزُّهَّادَ فَمَا رَأَيْتُ أَكملَ مِنْهُ وَلاَ أَكْثَرَ عبَادَةً وَلاَ أَحْسَنَ سَمْتاً، صَحِبتُهُ قَرِيْباً مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً ليلاً وَنَهَاراً، وَتَأَدَّبْتُ بِهِ، وَخَدَمْتُهُ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ بِجَمِيْعِ رِوَايَاتِهِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ أَكْثَرَ مَرْوِيَّاتِهِ وَكَانَ ثِقَةً حُجَّةً نبيلاً عَلَماً مِنْ أَعْلاَمِ الدِّينِ! سَمِعَ مِنْهُ الحُفَّاظُ: عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الزَّيْدِيُّ، وَالقَاضِي عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ، وَالحَازِمِيُّ، وَطَائِفَةٌ مَاتُوا قَبْلَهُ.
وَسَمِعْتُ ابْنَ الأَخْضَرِ غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَبْقَ مِمَّنْ طَلَبَ الحَدِيْثَ وَعُنِيَ بِهِ غَيْرُ عَبْدِ الوَهَّابِ ابْن سُكَيْنَة.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ نَاصِرٍ يَجْلِسُ فِي دَارِهِ عَلَى سرِيرٍ لطيفٍ، فُكُلُّ مَنْ حضَرَ عِنْدَهُ يَجْلِسُ تَحْت، إلَّا ابْن سُكَيْنَةَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ القَاسِمِ مُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ فِي ذِكْرِ مَشَايِخِهِ: ابْنُ سُكَيْنَةَ كَانَ عَالِماً عَامِلاً، دَائِمَ التَّكرَارِ لِكِتَابِ "التَّنْبِيْهِ" فِي الفِقْهِ، كَثِيْرَ الاشتغَالِ بـ "المهذب"،

(16/53)


وَ"الوسيطِ"، لاَ يُضيِّعُ شَيْئاً مِنْ وَقتِهِ، وَكُنَّا إِذَا دَخَلْنَا عَلَيْهِ يَقُوْلُ: لاَ تَزِيدُوا عَلَى "سَلام عَلَيْكم" مَسْأَلَةً؛ لَكَثْرَةِ حِرْصِهِ عَلَى المُبَاحثَةِ، وَتَقرِيرِ الأَحكَامِ.
وَقَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: سَمِعَ بِنَفْسِهِ، وَحصَّلَ المَسْمُوْعَاتِ، ثُمَّ سَمَّى فِي شُيُوْخِهِ: أَبَا البَرَكَاتِ عُمَرَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الزَّيْدِيَّ، وَأَبَا شجاع البسطامي.
قَالَ: وَحَدَّثَ بِمِصْرَ وَالشَّام وَالحِجَاز، وَكَانَ ثِقَةً، فَهْماً، صَحِيْحَ الأُصُوْلِ، ذَا سَكِيْنَةٍ وَوقَارٍ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ، وَابْنُ الصَّلاَحِ، وَأَبُو مُوْسَى ابْنُ الحَافِظِ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ غَنِيْمَةَ الإسكاف، ومحمد بن عسكر الطبيب، وَالعِمَادُ مُحَمَّدُ ابْنُ السُّهْرَوَرْدِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ السَّاوجِيُّ، وَبَكْرُ بنُ مُحَمَّدٍ القَزْوِيْنِيُّ، وَعَامِرُ بن مكي، وعبد الله، وعبد الرحمن ابْنَا عَلِيِّ بنِ أَبِي الدَّينَةِ، وَالمُوَفَّقُ عَبْدُ الغَافِر بنُ مُحَمَّدٍ القَاشَانِيُّ، وَعَبْدُ الغَنِيِّ بنُ مَكِّيٍّ، وَمَكِّيُّ بنُ عُثْمَانَ بنِ الهُبْرِيِّ، وَيُوْنُسُ بنُ جَعْفَرٍ الأَزَجِيُّ، وَالنَّجِيْبُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
وَبِالإِجَازَةِ ابْنُ شَيْبَانَ، والفخر علي، والكمال عبد الرحمن بنُ عَبْدِ اللَّطِيْفِ ابْنِ المُكَبِّرِ.
وَقَدْ قَدِمَ ابْنُ سُكَيْنَةَ دِمَشْقَ رَسُوْلاً فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ، وَسَمِعَ مِنْهُ: التَّاجُ ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو شَامَةَ: وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ تُوُفِّيَ ابْنُ سُكَيْنَةَ، وَحضرَهُ أَربَابُ الدَّوْلَةِ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ مِنَ الأَبْدَالِ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: مَاتَ فِي تَاسِعَ عَشَرَ رَبِيْعٍ الآخَرِ، رَحِمَهُ الله.

(16/54)


5439- ابن الزنف:
الشَّيْخُ تَاجُ الدِّيْنِ أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ ابْنُ الفَقِيْهِ أَبِي القَاسِمِ وَهْبِ بنِ سَلْمَانَ بنِ أَحْمَدَ ابْنِ الزَّنْفِ السُّلَمِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: نصر الله المصيصي، وأبي الدر ياقوت الرومي.
وَعَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، -لَقِيَهُ بِبَغْدَادَ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالزَّكِيُّ المُنْذِرِيُّ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَالفَخْرُ ابْنُ البُخَارِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَان، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.

(16/54)


صاحب غزنة، صاحب الجزيرة، ابن طبرزذ:
5440- صاحب غزنة:
السُّلْطَانُ غِيَاثُ الدِّيْنِ مَحْمُوْدُ ابْنُ السُّلْطَانِ الكَبِيْرِ غياث الدين محمد ابن سَامٍ الغُوْرِيُّ.
مِنْ كِبَارِ مُلُوْكِ الإِسْلاَمِ، اتَّفَقَ أَنَّ خُوَارِزْمشَاه عَلاَء الدِّيْنِ هزمَ الخَطَا مَرَّاتٍ، ثُمَّ وَقَعَ فِي أَسرِهم مَعَ بَعْضِ أُمَرَائِهِ، فَبَقِيَ يَخدُمُ ذَلِكَ الأَمِيْرَ كَأَنَّهُ مَمْلُوْكهُ، ثُمَّ قَالَ الأَمِيْرُ لِلَّذِي أَسرَهُمَا: نَفِّذْ غِلْمَانَكَ إِلَى أَهْلِي لِيَفْتَكُّونِي بِمَالٍ. فَقَالَ: فَابْعَثْ مَعَهُم غُلاَمَكَ هَذَا لِيَدُلَّهُم، فَبعثَهُ وَنجَا عَلاَء الدِّيْنِ بِهَذِهِ الحيلَةِ، وَقَدِمَ، فَإِذَا أَخُوْهُ عَلِيٌّ شَاه نَائِبُهُ على خراسان قد هم بالسلطنة، فَفَزع، فَهَرَبَ إِلَى غِيَاثِ الدِّيْنِ، فَبَالَغَ فِي إِكرَامِهِ، فَجَهَّزَ عَلاَء الدِّيْنِ مُقَدَّماً، اسْمُهُ أَمِيْر ملك، فَحَارَبَ غِيَاث الدِّيْنِ إِلَى أَنْ نَزَلَ إِلَيْهِ بِالأَمَانِ، فَجَاءَ الأَمْرُ بِقَتْلِهِ وَبِقَتْلِ عَلِيّ شَاه، فَقُتِلاَ مَعاً بَغْياً وَعُدْوَاناً، سَنَةَ خَمْسٍ وست مائة.
5441- صاحب الجزيرة:
المَلِكُ مُعِزُّ الدِّيْنِ سَنْجَر ابْنُ المَلِكِ غَازِي بن مودود بن الأتابك زنكي ابن آقْسُنْقُر، صَاحِبُ جَزِيْرَةِ ابْنِ عُمَرَ.
كَانَ ظَالِماً غَاشماً لِلرَّعِيَّةِ وَللجُنْدِ، وَالحرِيْمِ، سجنَ أَوْلاَدَهُ بِقَلْعَةٍ، فَهَرَبَ وَلَدُهُ غَازِي إِلَى المَوْصِلِ، فَأَكْرَمَهُ صَاحِبُهَا، وَقَالَ: اكْفِنَا شَرَّ أَبيكَ، فَرَجَعَ وَاخْتَفَى، ثُمَّ تَسَلَّقَ وَاخْتَفَى عِنْدَ سُرَيَّةٍ، فَسترَتْ عَلَيْهِ، وَسَكِرَ أَبُوْهُ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ ابْنُهُ فِي الخلاَءِ، فَقَتَلَهُ، فَلَمْ يُمَلِّكُوهُ، بَلْ مَلَّكُوا أَخَاهُ مَحْمُوْداً، وَدخلُوا عَلَى غَازِي فَمَانَعَ عَنْ نَفْسِهِ، فَقتلُوْهُ وَرُمِيَ، وَتَمَكَّنَ مَحْمُوْدٌ فَقتَلَ أَخَاهُ الآخرَ مَوْدُوْداً. وَقِيْلَ: بَلْ تَملَّكَ غَازِي يَوْماً وَاحِداً، ثُمَّ أُخِذَ.
وَيُحْكَى مِنْ عُسْفِ سَنْجَر وَقِلَّةِ دِيْنِهِ عَجَائِبَ، طَالَتْ أَيَّامُهُ، وَقُتِلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
5442- ابن طبرزذ 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ الكَبِيْرُ الرِّحْلَةُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بن محمد بن معمر بن أَحْمَدَ بنِ يَحْيَى بنِ حَسَّانٍ البَغْدَادِيُّ، الدَّارَقَزِّيُّ، المُؤَدِّبُ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ طَبَرْزَذَ.
وَالطَّبَرْزَذ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ هُوَ السُّكَّر.
مَوْلِدُهُ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 499"، والنجوم الزاهرة "6/ 201"، وشذرات الذهب "5/ 26".

(16/55)


وَسَمَّعَهُ أَخُوْهُ المُحَدِّثُ المُفِيْدُ أَبُو البَقَاءِ مُحَمَّدٌ كَثِيْراً. وَسَمِعَ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَحصَّلَ أُصُوْلاً، وَحفظهَا. سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ الحُصَيْنِ، وَأَبَا غَالِب ابْن البَنَّاءِ، وَأَبَا المَوَاهِبِ بنَ مُلُوْكٍ، وَأَبَا القَاسِمِ هِبَةَ اللهِ الشُّرُوْطِيَّ، وَأَبَا الحَسَنِ ابْنَ الزَّاغُوْنِيِّ، وَهِبَةَ اللهِ بنَ الطَّبَرِ، وَالقَاضِي أَبَا بَكْرٍ، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ القَزَّازَ، وَابْنَ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَابْنَ خَيْرُوْنَ، وَأَبَا البدْرِ الكَرْخِيَّ، وَأَبَا سَعْدٍ الزَّوْزَنِيَّ، وَعَبْدَ الخَالِقِ بنَ البَدِن، وَأَبَا الفَتْحِ مُفْلِحاً الدُّومِيَّ، وَعَلِيَّ بنَ طِرَادٍ، وَخَلْقاً سِوَاهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ، وَالضِّيَاءُ مُحَمَّدٌ، وَالزَّكِيُّ عَبْدُ العظيم، وَالصَّدْرُ البَكْرِيُّ، وَالكَمَالُ ابْنُ العَدِيْمِ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّدٌ، وَالجمال مُحَمَّدُ بنُ عَمرُوْنَ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَأَخُوْهُ عُمَرُ، وَالمَجْدُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالتَّقِيُّ بنُ أَبِي اليُسْرِ، وَالجمال البَغْدَادِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الكَهَفِيُّ، وَالقُطْبُ بنُ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَالفَقِيْهُ أَحْمَدُ بنُ نِعمَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ يلكويه الكَاتِبُ، وَالمُؤَيَّدُ أَسَعْدُ بنُ القَلاَنسِيُّ، وَالبَهَاءُ حَسَنُ بنُ صَصْرَى، وَطَاهِرٌ الكَحَّالُ، وَالجمال يَحْيَى ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَالكَمَالُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَأَحْمَدُ بنُ شَيْبَانَ، وَغَازِي الحَلاَوِيُّ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ ابْنُ خَطيبِ المِزَّةِ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ المُحَسَّنِ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ عَسَاكِرَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيٍّ، وَشَامِيَّةُ بِنْتُ البَكْرِيِّ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ شُكر، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ رَاجِحٍ، وَسِتُّ العربِ الكِنْديَّةُ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. وَبِالإِجَازَةِ: ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَالكَمَالُ الفُويره.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: سَمِعَ "السُّنَنَ" مِنْ أَبِي البَدرِ الكَرْخِيِّ بَعْضَهَا، وَمِنْ مُفلِحٍ الدُّومِيِّ بَعْضَهَا، قَالاَ: أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، وَسَمِعَ "الجَامِعَ": مِنْ أَبِي الفَتْحِ الكَرُوْخِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مُكْثِرٌ، صَحِيْحُ السَّمَاعِ، ثِقَةٌ فِي الحَدِيْثِ، تُوُفِّيَ فِي تَاسعِ رَجَبٍ سَنَةَ سَبْعٍ، وَدُفِنَ بِبَابِ حربٍ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: وَردَ دِمَشْقَ، وَازدحَمَتِ الطَّلَبَةُ عَلَيْهِ، وَتَفَرَّدَ بِعِدَّةِ مَشَايِخَ، وَكَتَبَ كُتُباً وأجزاء، وكان مسند أهل زمانه.
وَقَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: كَانَ سَمَاعُهُ صَحِيْحاً عَلَى تخلِيطٍ فِيْهِ، سَافرَ إِلَى الشَّامِ، وَحَدَّثَ فِي طرِيقِهِ بِإِرْبِلَ، وَبِالمَوْصِلِ، وَحَرَّانَ، وَحلبَ، وَدِمَشْقَ، وَعَاد إِلَى بَغْدَادَ، وَحَدَّثَ بِهَا، وَجَمَعْتُ لَهُ "مَشْيَخَةً" عَنْ ثَلاَثَةٍ وَثَمَانِيْنَ شَيْخاً، وَحَدَّثَ بِهَا مرَاراً، وَأَملَى مَجَالِسَ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، وَعَاشَ تِسْعِيْنَ سَنَةً وَسَبْعَةَ أَشهرٍ.
قُلْتُ: يُشيرُ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ بِالتَّخليطِ إِلَى أَنَّ أَخَا ابْنِ طَبَرْزَذ ضَعِيْفٌ، وَأَكْثَرُ سَمَاعَاتِ عُمَرَ بقِرَاءةِ أَخِيْهِ، وَفِي النَّفْسِ مِنْ هَذَا.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: تُوُفِّيَ ابْنُ طَبَرْزَذ، وَكَانَ خليعاً، مَاجناً، سَافرَ بَعْدَ حَنْبَلٍ إِلَى الشام،

(16/56)


وَحصَلَ لَهُ مَالٌ بِسَبَبِ الحَدِيْثِ، وَعَادَ حَنْبَلٌ فَأَقَامَ يَعمل تَجَارَةً بِمَا حصَّلَ، فَسلَكَ ابْنُ طَبَرْزَذ سَبِيلَهُ فِي استعمَالِ كَاغَدٍ وَعتَّابِيٍّ، فَمَرِضَ مُدَّةً، وَمَاتَ وَرجعَ مَا حصَلَ لَهُ إِلَى بَيْتِ المَالِ كحَنْبَلٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: هُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ الحُصَيْنِ، وَابْنِ البَنَّاءِ، وَابْنِ مُلُوْكٍ، وَهِبَةِ اللهِ الوَاسِطِيِّ، وَابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؛ ابْنَي أَحْمَدَ بنِ دُحْرُوجٍ، وَعَلِيِّ بنِ طِرَادٍ، وَطُلِبَ مِنَ الشَّامِ فَتوجَّهَ إِلَيْهَا، وَأَقَامَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً طَوِيْلَةً، وَحصَّلَ مَالاً حسناً، وَعَادَ إِلَى بَغْدَادَ، فَأَقَامَ يُحَدِّثُ، سَمِعْتُ مِنْهُ الكَثِيْرَ، وَكَانَ يَعرِفُ شُيُوْخَهُ وَيذكُرُ مَسْمُوْعَاتِهِ، وَكَانَتْ أُصُوْلُهُ بِيَدِهِ، وَأَكْثَرُهَا بِخَطِّ أَخِيْهِ، وَكَانَ يُؤدِّبُ الصِّبْيَانَ، وَيَكْتُبُ خَطّاً حسناً، وَلَمْ يَكُنْ يَفهَمُ شَيْئاً مِنَ العِلْمِ، وَكَانَ مُتَهَاوِناً بِأُمُوْرِ الدِّينِ، رَأَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ يَبولُ مِنْ قيام، فَإِذَا فَرغَ مِنَ الإِرَاقَةِ، أَرْسَلَ ثَوْبَهُ وَقَعَدَ مِنْ غَيْرِ اسْتنجَاءٍ بِمَاءٍ وَلاَ حجرٍ.
قُلْتُ: لَعَلَّهُ يُرَخِّصُ بِمَذْهَبِ مَنْ لاَ يُوجِبُ الاستنجَاءَ.
قَالَ: وَكُنَّا نَسْمَعُ مِنْهُ يَوْماً أَجْمَع، فَنصلِّي وَلاَ يُصَلِّي مَعَنَا، وَلاَ يَقومُ لِصَلاَةٍ، وَكَانَ يَطلبُ الأَجرَ عَلَى رِوَايَةِ الحَدِيْثِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سوءِ طرِيقتِهِ، وَخَلَّفَ مَا جمعَهُ مِنَ الحُطَامِ، لَمْ يُخْرِجْ مِنْهُ حَقّاً للهِ -عَزَّ وَجَلَّ.
وَسَمِعْتُ القَاضِي أَبَا القَاسِمِ ابْنَ العَدِيْمِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ العَزِيْز بنَ هِلاَلَةَ يَقُوْلُ، -وَغَالِبُ ظَنِّي أَنَّنِي سَمِعتُهُ مِنِ ابْنِ هِلاَلَةَ بِخُرَاسَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بنَ طَبَرْزَذ فِي النَّوْمِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَزرقُ، فَقُلْتُ لَهُ: سَأَلتُكَ بِاللهِ مَا لَقِيْتَ بَعْدَ مَوْتِكَ؟ فَقَالَ: أَنَا فِي بَيْتٍ مِنْ نَارٍ، دَاخِلَ بَيْتٍ مِنْ نَارٍ. فَقُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: لأخذ الذهب عَلَى حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَ الذَّهَبَ وَكنَزَهُ وَلَمْ يُزَكِّهِ، فَهَذَا أَشَدُّ مِنْ مُجَرَّدِ الأَخْذِ، فَمَنْ أَخَذَ مِنَ الأُمَرَاءِ وَالكِبَارِ بِلاَ سُؤَالٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ، فَهَذَا مغتَفَرٌ لَهُ، فَإِنْ أَخَذَ بِسُؤَالٍ رُخِّصَ لَهُ بِقَدْرِ القُوْتِ، وَمَا زَادَ فَلاَ، وَمَنْ سَأَلَ وَأَخَذَ فَوْقَ الكِفَايَةِ ذُمَّ، وَمَنْ سَأَلَ مَعَ الغِنى وَالكفَايَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ الأَخْذُ، فَإِنْ أَخَذَ المَالَ وَالحَالَة هَذِهِ وَكَنَزَهُ وَلَمْ يُؤَدِّ حقَّ اللهِ فَهُوَ مِنَ الظَّالِمِينَ الفَاسِقينَ، فَاسْتَفْتِ قَلْبَكَ، وَكُنْ خَصْماً لِرَبِّكَ عَلَى نَفْسِكَ.
وَأَمَّا تركُهُ الصَّلاَةَ فَقَدْ سَمِعت مَا قِيْلَ عَنْهُ، وَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ ابْنَ الظَّاهِرِيِّ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ طَبَرْزَذ لا يصلي.
وَأَمَّا التَّخليطُ مِنْ قَبيلِ الرِّوَايَةِ، فَغَالِبُ سَمَاعَاتِهِ مَنُوطٌ بِأَخِيْهِ المُفِيْدِ أَبِي البقَاءِ، وَبقِرَاءتِهِ وَتسمِيْعِهِ لَهُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَالَ عُمَرُ بنُ المُبَارَكِ بنِ سهلاَنَ: لَمْ يَكُنْ أَبُو البَقَاءِ بنُ طَبَرْزَذ ثِقَةً، كَانَ كَذَّاباً يَضعُ لِلنَّاسِ أَسْمَاءهُم فِي الأَجزَاءِ، ثُمَّ يَذْهَبُ فَيَقْرَأُ عَلَيْهِم، عَرَفَ بِذَلِكَ شَيْخُنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَاصِرٍ وَغَيْرُهُمَا.
قُلْتُ: عَاشَ أَبُو البَقَاءِ نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ أَبُو حَفْصٍ بنُ طَبَرْزَذ فِي تَاسعِ رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِبَابِ حربٍ، -وَاللهُ يُسَامحُهُ- فَمعَ مَا أَبدَيْنَا مِنْ ضَعْفِهِ قَدْ تَكَاثرَ عَلَيْهِ الطَّلَبَةُ، وَانتشرَ حَدِيْثُهُ فِي الآفَاقِ، وَفرِحَ الحُفَّاظُ بعَوَالِيْهِ، ثُمَّ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي تَزَاحمُوا عَلَى أَصْحَابِهِ، وَحَمَلُوا عَنْهُم الكَثِيْرَ، وَأَحْسَنُوا بِهِ الظن، والله الموعد، ووثقه ابن نقطة.

(16/57)


5443- الشيخ أبو عمر 1:
الإِمَامُ العَالِمُ الفَقِيْهُ المُقْرِئُ المُحَدِّثُ البَرَكَةُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ محمد بنِ مِقْدَامِ بنِ نَصْرٍ المَقْدِسِيُّ الجَمَّاعِيْلِيُّ الحَنْبَلِيُّ الزَّاهِدُ، وَاقِفُ المَدْرَسَةِ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِقَرْيَةِ جَمَّاعِيْلَ مِنْ عَمَلِ نَابُلُسَ، وَتَحَوَّلَ إِلَى دِمَشْقَ هُوَ وَأَبُوْهُ وَأَخُوْهُ وَقَرَابَتُهُ مُهَاجِرِيْنَ إِلَى اللهِ، وَتَرَكُوا المَالَ وَالوَطَنَ لاسْتِيْلاَءِ الفِرَنْجِ، وَسَكَنُوا مُدَّةً بِمَسْجِدِ أَبِي صَالِحٍ بِظَاهِرِ بَابِ شَرْقِي ثَلاَثَ سِنِيْنَ، ثُمَّ صَعَدُوا إلى سفح قاسيون، وبنوا الدير المبارك وَالمَسْجِدَ العَتِيْقَ، وَسَكَنُوا ثَمَّ، وَعُرِفُوا بِالصَّالِحِيَّةِ نِسْبَةً إِلَى ذَاكَ المَسْجِد.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا المَكَارِمِ بنَ هِلاَلٍ، وَسَلْمَانَ بنَ عَلِيٍّ الرَّحَبِيَّ، وَأَبَا الفَهْمِ بنَ أَبِي العَجَائِزِ، وَعِدَّةً، وَبِمِصْرَ: ابْنَ بَرِّيّ، وَإِسْمَاعِيْلَ الزَّيَّاتَ، وَكَتَبَ وَقَرَأَ، وَحَصَّلَ وَتَقَدَّمَ، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ، وَمِنَ الأَوْلِيَاءِ المُتَّقِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَخُوْهُ؛ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ، وَابْنَاهُ؛ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالزَّكِيُّ المُنْذِرِيُّ، وَالقُوْصِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَطَائِفَةٌ.
وَقَدْ جَمَعَ لَهُ الحَافِظُ الضِّيَاءُ "سِيْرَةً" فِي جُزْءيْنِ، فَشَفَى وَكَفَى، وَقَالَ: كَانَ لاَ يَسْمَعُ دُعَاءً إلَّا وَيَحْفَظُهُ فِي الغَالِبِ، وَيَدْعُو بِهِ، وَلاَ حَدِيْثاً إلَّا وَعَمِلَ بِهِ، وَلاَ صَلاَةً إلَّا صَلاَّهَا، كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي النِّصْفِ مائَةَ رَكْعَةٍ وَهُوَ مُسِنٌّ، وَلاَ يَتْرُكُ قِيَامَ اللَّيْلِ مِنْ وَقْتِ شُبُوبِيَتِهِ. وَإِذَا رَافَقَ نَاساً فِي السَّفَرِ نَامُوا وَحَرَسَهُم يُصَلِّي.
قُلْتُ: كَانَ قُدْوَةً، صَالِحاً، عَابِداً، قَانِتاً للهِ، ربانيًا، خاشعًا، مخلصًا، عديم النظر، كَبِيْرَ القَدْرِ، كَثِيْرَ الأَوْرَادِ وَالذِّكْرِ، وَالمُرُوْءَةِ وَالفُتوّةِ والصفات الحميدة، قل أن ترى العيون
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 201، 202"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 27-30".

(16/58)


مِثْلَهُ. قِيْلَ: كَانَ رُبَّمَا تَهَجَّدَ، فَإِنْ نَعَسَ ضَرَبَ عَلَى رِجْلَيْهِ بِقَضِيْبٍ حَتَّى يَطِيْرَ النُّعَاسُ. وَكَانَ يُكْثِرُ الصِّيَامَ، وَلاَ يَكَادُ يَسْمَعُ بِجَنَازَةٍ إلَّا شَهِدَهَا، وَلاَ مَرِيْضٍ إلَّا عَادَهُ، وَلاَ جِهَادٍ إلَّا خَرَجَ فِيْهِ، وَيَتْلُو كُلَّ لَيْلَةٍ سُبعاً مُرَتَّلاً فِي الصَّلاَةِ، وَفِي النَّهَارِ سُبعاً بين الصلاتين، وإذا صلى الفَجْرَ تَلاَ آيَاتِ الحَرْسِ وَيس وَالوَاقِعَةَ وَتَبَارَكَ، ثُمَّ يُقْرِئُ وَيُلَقِّنُ إِلَى ارْتفَاعِ النَّهَارِ، ثُمَّ يُصَلِّي الضُّحَى، فَيُطِيْل وَيُصَلِّي طَوِيْلاً بَيْنَ العِشَائَينِ، وَيُصَلِّي صَلاَةَ التَّسْبِيْحِ كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ، وَيُصَلِّي يَوْمَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ بِمائَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، فَقِيْلَ: كَانَتْ نَوَافِلُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ رَكْعَةً. وَلَهُ أَذْكَارٌ طَوِيْلَةٌ، وَيَقْرَأُ بَعْدَ العِشَاءِ آيَاتِ الحَرْسِ، وَلَهُ أَوْرَادٌ عِنْدَ النَّوْمِ وَاليَقَظَةِ، وَتَسَابِيْحُ، وَلاَ يَتْرُكُ غُسْلَ الجُمُعَةِ، وَيَنْسَخُ الخِرَقِيَّ مِنْ حِفْظِهِ، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ بالفقه وَالفَرَائِضِ. وَكَانَ قَاضِياً لِحَوَائِجِ النَّاسِ، وَمَنْ سَافَرَ مِنَ الجَمَاعَةِ يَتَفَقَّدُ أَهَالِيْهِم، وَكَانَ النَّاسُ يَأْتُوْنَهُ فِي القَضَايَا فَيُصْلِحُ بَيْنَهُم، وَكَانَ ذَا هَيْبَةٍ وَوَقْعٍ فِي النُّفُوْسِ.
قَالَ الشَّيْخُ المُوَفَّقُ: رَبَّانَا أَخِي، وَعَلَّمَنَا، وَحَرَصَ عَلَيْنَا، كَانَ لِلْجَمَاعَةِ كَالوَالِدِ يَحْرِصُ عَلَيْهِم وَيَقومُ بِمَصَالِحِهِم، وَهُوَ الَّذِي هَاجَرَ بِنَا، وَهُوَ سَفَّرَنَا إِلَى بَغْدَادَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَقُوْمُ فِي بِنَاءِ الدَّيْرِ، وَحِيْنَ رَجَعْنَا زَوَّجَنَا، وَبَنَى لَنَا دُوْراً خَارِجَ الدَّيْرِ، وَكَانَ قَلَّمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ غَزَاةٍ.
قَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ: لَمَّا جَرَى عَلَى الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ مِحْنَتَهُ، جَاءَ أَبَا عُمَرَ الخَبَرُ، فَخَرَّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، فَلَمْ يُفقْ إلَّا بَعْدَ سَاعَةٍ، وَكَانَ كَثِيْراً مَا يَتَصَدَّقُ بِبَعْضِ ثِيَابِهِ، وَتَكُوْنُ جُبَّتُهُ فِي الشِّتَاءِ بِلاَ قَمِيْصٍ، وَرُبَّمَا تَصَدَّقَ بِسَرَاوِيْلِهِ، وَكَانَتْ عامته قُطْعَةً بِطَانَةً، فَإِذَا احْتَاجَ أَحَدٌ إِلَى خِرقَةٍ، قَطَعَ لَهُ مِنْهَا، يَلْبَسُ الخَشِنَ، وَيَنَامُ عَلَى الحَصِيْرِ، وَرُبَّمَا تَصَدَّقَ بِالشَّيْءِ وَأَهْلُهُ مُحْتَاجُوْنَ إِلَيْهِ، وَكَانَ ثَوْبُهُ إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ، وَكُمُّهُ إِلَى رُسْغِهِ، سَمِعْتُ أُمِّي تَقُوْلُ: مَكَثْنَا زَمَاناً لاَ يَأْكُلُ أَهْلُ الدَّيْرِ إلَّا مِنْ بَيْتِ أَخِي أبي عمر، وكان يقول: إذا لم تَتَصَدَّقُوا مَنْ يَتَصَدَّقُ عَنْكُم، وَالسَّائِلُ إِنْ لَمْ تُعْطُوْهُ أَنْتُم أَعْطَاهُ غَيْرُكُم، وَكَانَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي خَيْمَةٍ عَلَى حِصَارِ القُدْسِ فَزَارَهُ المَلِكُ العَادِلُ، فَلَمْ يَجِدْهُ، فَجَلَسَ سَاعَةً، وَكَانَ الشَّيْخُ يُصَلِّي فَذَهَبُوا خَلْفَهُ مَرَّتَيْنِ فَلَمْ يَجِئْ، فَأَحْضَرُوا لِلْعَادِلِ أقراصاُ فَأَكَلَ وَقَامَ وَمَا جَاءَ الشَّيْخُ.
قَالَ الصَّرِيْفِيْنِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ لَيْسَ عِنْدَهُ تَكَلُّفٌ غَيْرَ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ.
قَالَ الشَّيْخُ العِمَادُ: سَمِعْتُ أَخِي الحَافِظَ يَقُوْلُ: نَحْنُ إِذَا جَاءَ أَحَدٌ اشْتَغَلنَا بِهِ عَنْ عَمَلِنَا، وَإِنّ خَالِي أَبُو عُمَرَ فِيْهِ لِلدُّنْيَا وَالآخِرَة يُخَالِطُ النَّاسَ وَلاَ يُخلي أَوْرَادَهُ.
قُلْتُ: كَانَ يَخْطُبُ بِالجَامِعِ المُظَفَّرِيِّ، وَيُبْكِي النَّاسَ، وَرُبَّمَا أَلَّفَ الخُطْبَةَ، وَكَانَ يَقْرَأُ الحَدِيْثَ سَرِيعاً بِلاَ لَحْنٍ، وَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يَرْجِع مِنْ رِحلَتِه إلَّا وَيَقرَأُ عَلَيْهِ شَيْئاً مِنْ سَمَاعِه، وَكَتَبَ

(16/59)


الكَثِيْرَ بِخَطِّه المَلِيْحِ كَـ "الحِلْيَةِ"، وَ"إِبَانَةِ ابْنِ بَطَّةَ"، وَ"مَعَالِم التَّنْزِيلِ"، وَ"المُغْنِي"، وَعِدَّة مَصَاحِف. وَرُبَّمَا كَتَبَ كرَّاسَينِ كِبَاراً فِي اليَوْمِ، وَكَانَ يَشفعُ بِرقَاع يَكتُبُهَا إِلَى الوَالِي المُعْتَمِد وَغَيْرِهِ. وَقَدِ اسْتَسقَى مَرَّة بِالمَغَارَةِ فَحِيْنَئِذٍ نَزَلَ غَيث أَجرَى الأَوديَة. وَقَالَ: مُذْ أَمَمْتُ مَا تركتُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ.
وَقَدْ سَاق لَهُ الضِّيَاءُ كَرَامَاتٍ وَدَعَوَاتٍ مُجَابَاتٍ، وَذَكَرَ حِكَايَتَيْنِ فِي أَنَّهُ قُطِّبَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ. وَكَانَ إِذَا سَمِعَ بِمُنكَرٍ اجْتهدَ فِي إِزَالَتِه، ويكتب فيه إِلَى المَلِكِ، حَتَّى سَمِعنَا عَنْ بَعْضِ المُلُوْكِ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا الشَّيْخُ شَرِيكِي فِي مُلكِي.
وَكَانَ لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ، صَبِيْحَ الوَجْهِ، كَثَّ اللِّحْيَةِ، نَحِيْفاً، أَبيضَ، أَزرقَ العَينِ، عَالِي الجَبهَةِ، حَسَنَ الثَّغْرِ، تَزَوَّجَ فِي عُمُرِه بِأَرْبَع، وَجَاءهُ عِدَّةُ أَوْلاَدٍ أَكْبَرهُم عُمَرُ، وَبِهِ يُكْنَى، وَأَصْغَرهُم عَبْد الرَّحْمَنِ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ. وَمِنْ شِعْرِهِ:
أَلَمْ تَكُ مَنْهَاةً عَنِ الزّهو أَنَّنِي ... بَدَا لِي شَيْبُ الرَّأْسِ وَالضَّعْفُ وَالأَلَمْ
أَلَمَّ بِيَ الخَطْبُ الَّذِي لَوْ بَكَيْتُهُ ... حَيَاتِيَ حَتَّى يَنْفَدَ الدَّمْعُ لَمْ أُلَمْ
وَقَدْ مَاتَ ابْنُه عُمَرُ، فَرَثَاهُ بِأُرْجُوزَةٍ حَسَنَةٍ.
تُوُفِّيَ أَبُو عُمَرَ، فَقَالَ الصَّرِيْفِيْنِيُّ: حَزَرْتُ الجَمْعَ بِعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
قُلْتُ: وَرَثَاهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ ابْنُ المَزْدَقَانِيِّ. وَتُوُفِّيَ إِلَى رِضْوَانِ اللهِ: عَشِيَّةَ الاثْنَيْنِ، فِي الثَّامنِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدِ اسْتَوْفَيْتُ سِيْرَتَهُ فِي "تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ".

(16/60)


5444- ابن القبيطي 1:
الإِمَامُ الصَّدُوْقُ أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بن حمزة بن فارس، ابن القُبَّيْطِيِّ البَغْدَادِيُّ، الكَاتِبُ، أَخُو حَمْزَةَ.
وُلِدَ سَنَةَ 528، وَسَمِعَ الحُسَيْن سِبْط الخَيَّاط، وَأَخَاهُ الإِمَام أَبَا مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ ابْنِ السَّلاَّلِ، وَعَلِيّ ابْن الصَّبَّاغِ، وَأَبَا سَعْد ابْن البَغْدَادِيّ، وَالأُرْمَوِيّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً، وَتَفَرَّد، وَحَدَّثَ بِالكَثِيْرِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْت عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَكَانَ صَدُوْقاً، مَرضيّاً، حُفَظَةً لِلْحِكَايَات وَالأَشعَار.
مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سنة تسع وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 207"، وشذرات الذهب "5/ 38" ووقع عنده [ابن القسطي] بالسين المهملة بدل [ابن القبيطي] .

(16/60)


ابن كامل، المعبر:
5445- ابن كامل 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ الفَقِيْهُ المُعَمَّرُ أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ كَامِلٍ البَغْدَادِيُّ، الوَكِيْلُ.
وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي غَالِبٍ ابْنِ البَنَّاءِ، وَأَبِي القَاسِمِ هِبَة اللهِ بن عَبْدِ اللهِ الشُّرُوْطِيّ، وَبدر الشِّيْحِيّ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ بن خَيْرُوْنَ. وَلَهُ إِجَازَة ابْن الحُصَيْن.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، والضياء، واليلداني، والنجيب الحراني، وَأَخُوْهُ العِزّ عَبْد العَزِيْزِ، وَجَمَاعَةٌ. وَأَجَاز: لابْنِ شَيْبَان، وَالفَخْر عَلِيّ، وَالكَمَال ابْن المُكَبِّر. وَكَانَ بَصِيْراً بِالحكوَمَاتَ، صَاحِب قبُول وَشُهرَة بِذَلِكَ.
مَاتَ فِي خَامِس رَجَب، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
5446- المعبر 2:
الشَّيْخُ العَالِمُ المُسْنِدُ أَبُو العَبَّاسِ الخَضِرُ بنُ كَامِلِ بنِ سَالِمِ بنِ سُبَيْعٍ الدِّمَشْقِيُّ، السَّرُوْجِيُّ، الدَّلاَلُ، المُعَبِّرُ.
سَمِعَ مِنَ: الفَقِيْهِ نَصْرِ اللهِ المَصِّيْصِيِّ، وَأَبِي الدُّرّ يَاقُوْت الرُّوْمِيّ، وَبِبَغْدَادَ، مِنَ: الحسين بن علي بن سِبْط الخَيَّاط. وَرَوَى الكَثِيْر.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالزّكيَّان: البِرْزَالِيّ وَالمُنْذِرِيّ، وَالقُوْصِيّ، وَاليَلْدَانِيّ، وَالفَخْر عَلِيّ.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وست مائة، وهو في عشر التسعين.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 202"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 30".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 205"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 33".

(16/61)


القصري، يونس بن يحيى:
5447- القصري:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ العَارِفُ القُدْوَةُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أبو محمد عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مُوْسَى بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ الأَنْصَارِيُّ الأَوْسِيّ، الأَنْدَلُسِيّ، القُرْطُبِيّ، المَشْهُوْرُ بِالقَصْرِيِّ؛ لِنُزولِه بقَصْر عَبْد الكَرِيْمِ، وَهُوَ قَصْر كتَامَة؛ بلد بِالمَغْرِبِ الأَقْصَى.
رَوَى المُوَطَّأ عَنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ حُنَيْنٍ صَاحِب ابْن الطّلاع، وَصَحِبَ بِالقَصْر أبا الحَسَن بن غَالِبٍ الزَّاهِد وَلاَزمه، وَسَاد فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ، وَكَانَ مُنْقَطِع القَرِيْنِ.
صَنّف "التَّفْسِيْر" وَ"شرح الأَسْمَاء الحُسْنَى"، وَكِتَاب "شُعب الإِيْمَان". وَكَلاَمه فِي الحَقَائِق رفِيع، بَدِيْع، مَنُوط بِالأَثر فِي أَكْثَر أَموره، وَرُبَّمَا قَالَ أَشيَاء باجْتِهَاده وَذوقه، وَاللهِ يغْفر لَهُ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ الزُّبَيْرِ: كَلاَمه فِي طرِيقَة التَّصَوُّف سهل مُحَرَّر مَضْبُوْط بِظَاهِرِ الكِتَاب وَالسّنَّة، وَلَهُ مشَاركَة فِي عُلُوْم وَتَصرّف فِي العَرَبِيَّة، خُتِم بِهِ التَّصَوُّف بِالمَغْرِبِ وَرُزقَ مِنْ عَلِيِّ الصِّيتِ وَالذِّكر الجَمِيْل مَا لَمْ يُرْزَق كَبِيْر أَحَد.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ الغَافِقِيّ، وَغَيْرهُمَا.
قَالَ: وَتُوُفِّيَ بِسبتَة، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
5448- يُوْنُسُ بنُ يَحْيَى 1:
الهَاشِمِيُّ الأَزَجِيُّ القَصَّارُ المُجَاوِرُ.
سَمِعَ الأُرْمَوِيَّ، وَابْن الطَّلاَّيَةِ، وابن ناصر، وعدة. وروى بأماكن.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء مُحَمَّد، وَالتَّاج ابْن القَسْطَلانِيِّ، وَيَعْقُوْب بن أَبِي بَكْرٍ الطَّبَرِيّ.
تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ، سَنَة ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 36".

(16/62)


ابن عات، ربيعة بن الحسن:
5449- ابن عات 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الحَافِظُ البَارِعُ القُدْوَةُ الزَّاهِدُ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرِ بنِ عَاتٍ النَّفْزِيُّ، الشَّاطِبِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَاهُ العَلاَّمَة أَبَا مُحَمَّدٍ، وَأَبَا الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ، وَالحَافِظ عُلَيْم بن عَبْدِ العَزِيْزِ، وَالحَافِظ أَبَا طَاهِرٍ السِّلَفِيّ بِالثَّغْرِ، وَأَبَا الطَّاهِر بن عَوْف، وَعَاشر بن مُحَمَّدٍ، وَعِدَّة.
وَكَانَ مِنْ بَقَايَا الحُفَّاظ المُكْثِرِيْنَ.
كَانَ الحَافِظ عَلِيّ بن المُفَضَّلِ يذكرهُ بكثرة الحفظ والميل إلى تحصيل المعارف.
قَالَ الأَبَّارُ: كَانَ أَحَدَ الحُفَّاظِ، يَسْرُدُ المتُوْنَ، وَيَحْفَظُ الأَسَانِيْدَ عَنْ ظَهْرِ قَلْب، لاَ يخلّ مِنْهَا بِشَيْءٍ مَوْصُوَفاً بِالدّرَايَة وَالرِّوَايَة، غَالِباً عَلَيْهِ الوَرَع وَالزُّهْد، يَلْبَس الْخشن، وَيَأْكُل الجَشِب2، وَرُبَّمَا أَذّن فِي المَسَاجِدِ، لَهُ تَصَانِيْف دَالَّة عَلَى سعَة حَفِظه مَعَ حظّ مِنَ النّظم وَالنَّثْر. أَجَاز لِي، وَحدّثونَا عَنْهُ. قَالَ: وَتُوُفِّيَ غَازِياً، فَشهد وَقْعَة العِقَاب الَّتِي أَفضت إِلَى خرَاب الأَنْدَلُس بِالدَّائِرَة عَلَى المُسْلِمِيْنَ فِيْهَا، فَعُدم أَبُو عُمَرَ فِي صَفَرٍ سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: رَبِيْعَة اليَمَنِيّ المُحَدِّث، وَأَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ المُعَزّمِ، وَشَيْخ النَّحْو أَبُو الحَسَنِ بنُ خَرُوْف الإِشْبِيْلِيّ، وَأَبُو الفَرَجِ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ ابْن القُبَّيْطِيّ، وَالقُدْوَة مَحْمُوْد بن عُثْمَانَ النَّعَّال.
5450- رَبِيْعَةُ بنُ الحسن 3:
ابن علي بن عبد الله بن يحيى، الإِمَامُ الفَقِيْهُ الأَوْحَدُ المُحَدِّثُ الرَّحَّالُ الثِّقَةُ، أَبُو نِزَار الحَضْرَمِيُّ، اليَمَنِيُّ، الصَّنْعَانِيُّ، الذِّمارِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
مَوْلِدُهُ في سنة خمس وعشرين وخمس مائة.
تَفقّه بظفَار عَلَى الفَقِيْه مُحَمَّد بن حَمَّادٍ، وغيره.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1118"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 36، 37"، ووقع عنده [النقرى] بضم النون والقاف بدلا من [النفزى] بالنون والفاء الموحدة الفوقية.
2 الجشب: هو الغليظ الخشن من الطعام. وقيل غير المأدوم. وكل بشع الطعام جشب.
3 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1120"، والنجوم الزاهرة "6/ 207"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 37".

(16/63)


وَركب البَحْر إِلَى كيش وَالبَصْرَة، وَارْتَحَلَ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَأَقَامَ بِهَا مُدَّة، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي السعادات الفقه. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي المُطَهَّر القَاسِم بن الفَضْلِ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَرَجَاء بن حَامِد، وَإِسْمَاعِيْل بن شَهْرَيَار، وَعَبْد اللهِ بن عَلِيٍّ الطَّامِذِيّ، وَمُحَمَّد بن سَهْلٍ المُقْرِئ، وَعَبْد الجَبَّارِ بن مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِيُّ، وَهِبَة اللهِ بن حَنَّةَ، وَمَعْمَر بن الفَاخِرِ، وَعِدَّة. وَبِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخَشَّابِ، وَشُهْدَة، وَبِالثَّغْر مِنَ: السِّلَفِيّ، وَبِمَكَّةَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ المُبَارَك بن الطَّبَّاخِ.
وَحَدَّثَ بِدِمَشْقَ وَبِمِصْرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيّ، وَالمُنْذِرِيّ، وَالشِّهَاب القُوْصِيّ، وَالتَّقِيّ اليَلْدَانِيّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ النُّشبِيّ، وَجَمَاعَة.
قَالَ المُنْذِرِيّ: كَانَتْ أُصُوْله أَكْثَرهَا بِاليَمَنِ، وَهُوَ أَحَد مَنْ يَفهَم هَذَا الشَّأْن مِمَّنْ لَقِيْتُهُ، وَكَانَ عَارِفاً بِاللُّغَةِ مَعْرِفَة حَسَنَة، كَثِيْر التِلاَوَة، كَثِيْر التّعبد وَالانْفِرَاد.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: كان أبو نزار إمامًا عالمًا ثِقَةً أَديباً شَاعِراً حَسَن الخطّ ذَا دين وَورع. مَوْلِدُهُ بِشِبَامَ مِنْ قُرَى حضَرموت. مَاتَ فِي ثَانِيَ عَشَرَ جُمَادَى الآخِرَة سَنَة تِسْعٍ وست مائة.
وَقَالَ القُوْصِيّ: أَنْشَدَنَا أَبُو نِزَار لِنَفْسِهِ:
بِبَيْتِ لِهْيَا بِسَاتِيْنٌ مُزَخْرَفَةٌ ... كَأَنَّهَا سُرِقَتْ مِنْ دَارِ رِضْوَانِ
أَجْرَتْ جَدَاوِلُهُ ذَوْبَ اللُّجينِ عَلَى ... حَصَىً مِنَ الدُّرِّ مخلُوْطٍ بِعِقْيَانِ
وَالطَّيرُ تَهتِفُ فِي الأَغصَانِ صَادحَةً ... كضَارِبَاتِ مَزَامِيْرٍ وَعِيدَانِ
وَبَعْدَ هَذَا لِسَانُ الحَالِ قَائِلَةٌ: ... مَا أَطْيَبَ العَيشَ فِي أَمْنٍ وَإِيْمَانِ
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي نِزَار بِالإِجَازَةِ: أحمد بن سلامة، والفخر علي.

(16/64)


الحصار، زاهر بن رستم:
5451- الحصار 1:
الإمام المقرئ الوَقْتِ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى بنِ عَوْنِ اللهِ الدَّانِيُّ، ثُمَّ المُرْسِيُّ، الحَصَّارُ.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ. وَذَكَرَ أَنَّهُ تَلاَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدٍ. وَرَحَلَ، فَتلاَ بِالسَّبْع عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ، وَسَمِعَ مِنْهُ الكَثِيْر، وَمِنِ ابْنِ النِّعمَة، وَابْن سعَادَة.
تَلاَ عَلَيْهِ مُحَمَّد بن جوبر، وَالعَلَمُ أَبُو القَاسِمِ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ مُشِليُوْن، وَعِدَّة.
مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَة تسع وست مائة.
لَيَّنَهُ أَبُو الرَّبِيْعِ الكَلاَعِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: سَمِعَ فِي صغره مِنْ أَبِي الوَلِيْدِ ابْنِ الدَّبَّاغِ، وَجَمَعَ السَّبْع عَلَى ابْنِ سَعِيْد.
وَقَالَ الأَبَّارُ: لَمْ يَكُنْ أَحَد يُدَانِيه فِي الضَّبْط وَالتّجويد، أَخَذَ عَنْهُ الآبَاء وَالأَبْنَاء، اضْطَرَب بِأَخَرَةٍ، فَأَسند عَنْ جَمَاعَةٍ أَدْركهُم، وَكَانَ بَعْض شُيُوْخنَا يُنكر عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ مُشِليُوْن: كَانَ الحَصَّارُ يَنسخ "التَّيْسِيْر" فِي أُسْبُوْع، وَيَقتَات بِثمنِهِ، وَكَانَ وَرِعاً.
قُلْتُ: أَكْثَر عَنْهُ الأَبَّار، وَقوَّاهُ، لَكنّه مَا سَمَّى فِي شُيُوْخه ابْنَ سَعِيْدٍ الدَّانِيّ.
5452- زاهر بن رستم 2:
ابن أبي الرجاء، الإِمَامُ العَالِمُ المُفْتِي المُقْرِئُ المُجَوِّدُ القُدْوَةُ أَبُو شُجَاعٍ الأَصْبَهَانِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الصُّوْفِيُّ، المُجَاوِرُ، إِمَامُ المَقَامِ.
تَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ سِبْط الخَيَّاط، وَعَلَى أَبِي الكَرَمِ صَاحِب "المِصْبَاح".
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيِّ، وَأَبِي الفَتْحِ الكَرُوْخِيّ، وَأَبِي غَالِبٍ مُحَمَّد ابْن الدَّايَةِ، وَسِبْط الخَيَّاط، وَطَائِفَة.
وَتَفَقَّهَ، وَصَحِبَ الزُّهَّاد، وَجَاور مُدَّة، ثُمَّ انْقَطَع وَعجز.
قَالَ ابْنُ نُقْطَة: ثِقَة، صَحِيْح الأَخْذِ لِلْقِرَاءات وَالحَدِيْث.
قَالَ الزَّكِيّ المُنْذِرِيّ: لَمْ يَتفق لِي السَّمَاع مِنْهُ، وَأَجَاز لِي، وَتُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّ مائة.
قلت: حدث عنه ابن الدبيثي، وابن خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء مُحَمَّد، وَالنَّجِيْب عَبْد اللَّطِيْفِ، وابن القسطلاني التاج، وآخرون.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1390"، والنجوم الزاهرة "6/ 207"، وشذرات الذهب "5/ 36".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1390"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 207"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 37".

(16/65)


ابن نوح، صاحب الروم، ابن شنيف:
5453- ابن نوح 1:
الإِمَامُ شَيْخُ القُرَّاءِ القَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْب بنِ نُوْحٍ الغَافِقِيُّ، البَلَنْسِيُّ.
تَلاَ عَلَى: ابْنِ هذِيل. وَسَمِعَ مِنْ جَمَاعَة، وَتَفَقَّهَ بِابْنِ عِقَال، وَحفظ "المُدَوَّنَة"، وَأَخَذَ النَّحْو عَنِ: ابْنِ النِّعمَة. وَأَجَاز لَهُ أَبُو مَرْوَانَ بنُ قُزْمَانَ، وَالسِّلَفِيّ. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّة، خطب ببلنسية، وكان ذا دعابة.
تَلاَ عَلَيْهِ بِالسَّبْع: أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبَّارُ، وَعَلَم الدِّيْنِ اللورقِيّ، وَطَائِفَة.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَسَبْعُوْنَ سنة، وكان صاحب فنون.
5454- صاحب الروم:
السُّلْطَانُ غِيَاثُ الدِّيْنِ كيخسرو بنِ قِلْج رسلاَنَ السَّلْجُوْقِيُّ، قَتله ملك الأَشكرِيِّ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ ابْنه كيكَاوس.
وَكَانَتْ أَيَّام كيخسرو تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَبعد أَرْبَع سِنِيْنَ، أَسرت التُّرُكْمَان ملك الأشكرِي، وَأَتَوا بِهِ إِلَى كيخسرو، فَأَرَادَ قَتله، فَبذل فِي نَفْسِهِ أَمْوَالاً وقلاعًا لم يملكا المسلمون قط فقبل ذلك.
5455- ابن شنيف 2:
الشَّيْخُ العَالِمُ الصَّادِقُ الخَيِّرُ المُسْنِدُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ سَعِيْدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ شنيف بن محمد الدارقزي، الأمين.
وُلِدَ سَنَةَ 525. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَمِنْ هِبَة اللهِ ابْن الطَّبَرِ، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الأَنْصَارِيّ، وَإِسْمَاعِيْل ابْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وَعَبْد المَلِكِ بن عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زُرَيْقٍ، وَجَمَاعَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن دبيثي، وَابْن النَّجَّارِ، وَالضِّيَاء، وَالنَّجِيْب الحَرَّانِيّ، وَالخَطِيْب شرف بن قَارُوْنَ الهَاشِمِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَاز لِلْفخر عَلِيّ، وَللكمَال الفُوَيْرِه. وَكَانَ أَمِيناً لِلْقُضَاةِ بِمحلّته وَمَا يَلِيهَا هُوَ وَأَبُوْهُ، وَكَانَ مِنْ صلحَاء الحَنَابِلَة.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: كَانَ ثِقَةً مِنْ بَيْت حَدِيْث، أَخذتُ عَنْهُ، وَنِعْمَ الشَّيْخ كَانَ، تُوُفِّيَ فِي ثَالِثَ عَشَرَ المُحَرَّمِ، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 204، 205"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 34".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1395"، وشذرات الذهب "5/ 42".

(16/66)


ابن المعزم، العاقولي، ابن مندويه:
5456- ابن المعزم 1:
الفقيه أبو الفَضْلِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ أَبِي زَيْدٍ بنِ المُعَزِّمِ الهَمَذَانِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي عَلِيٍّ، وَالبَدِيْع أَحْمَد بن سَعْدٍ العِجْلِيّ، وَهِبَة اللهِ ابْن أُخْت الطَّوِيْل، وَعِدَّة. وَانْفَرَدَ عَنِ العِجْلِيّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَة، وَالرَّفِيع الهَمَذَانِيّ، وَالشَّرَف المُرْسِيّ، وَالصَّدْر البكري، وعدة.
توفي سنة ثمان وست مائة.
5457- العاقولي 2:
الإِمَامُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَبِي البَقَاءِ العَاقُوْلِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
تَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى أَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُزُوْرِيّ، وَتَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ، وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّاز، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ بن خَيْرُوْنَ، وَعِدَّة.
رَوَى عَنْهُ: ابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء، وَالنَّجِيْب، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَغَيْرهُم.
مَاتَ يَوْم التّرويَة، سَنَة ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللهُ.
5458- ابن مندويه 3:
الشَّيْخُ الإِمَامُ شَيْخُ القُرَّاءِ، بَقِيَّة السَّلَفِ، أَبُو مسعود عبد الجليل بن أَبِي غَالِبٍ بنِ أَبِي المَعَالِي بنِ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ مَنْدَوَيْه الأَصْبَهَانِيُّ، السَّريجَانِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. وَسَمِعَ فِي كبره مِنْ: نَصْر بن المُظَفَّر، وَمِنْ أَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ. وَحَدَّثَ "بِالصَّحِيْحِ" وَبأَجزَاءٍ عَالِيَةٍ بِدِمَشْقَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الزَّكِيَّانِ؛ البِرْزَالِيُّ وَالمُنْذِرِيُّ، وَابْنُ خليل، والضياء، واليلداني،
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1390"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 37".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 205"، وشذرات الذهب "5/ 32".
3 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 209"، وشذرات الذهب "5/ 42".

(16/67)


وَالقُوْصِيّ، وَالمُحْيِي بن عَصْرُوْنَ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عُمَرَ المِزِّيّ، وَعَلِيّ بن أَبِي بَكْرٍ بنِ صَصْرَى، وَالفَخْر عَلِيّ وَبِالإِجَازَةِ: أَبُو حَفْصٍ ابْن القَوَّاس.
قَالَ ابْنُ نُقْطَة: ثِقَة صَالِحٌ، صَحِيْح السَّمَاع، سَمِعْتُ مِنْهُ بِدِمَشْقَ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الجُمُعَةِ سَابِعَ عَشَرَ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: مَا علمت عَلَى مَنْ قرَأَ، وَكَانَ يَدْرِي القِرَاءات. وَبَعْضُهُم قيّد السُّرِيْجَانِيّ بِضم السّين، وَكسر الرَّاء، وَنُوْنَ سَاكنَة، فَاللهُ أَعْلَم.
وَفِيْهَا مَاتَ: تَاجُ الأُمَنَاءِ أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَسَاكِرَ، وَخَطِيْبُ قُرْطُبَة أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الحِمْيَرِيّ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ، والفخر إسماعيل بن علي الزجي الحَنْبَلِيّ المُتَكَلِّم المُصَنِّف غُلاَم ابْن المنِّيّ، وَزَيْنَب بِنْت إِبْرَاهِيْم القَيْسِيَّة زَوْجَة الدَّوْلَعِيّ، وَالوَزِيْر مُعِزّ الدين سَعِيْد بن حَدِيْدَةَ الأَنْصَارِيّ البَغْدَادِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ هَبَل الطَّبِيْب مُهَذَّب الدين.

(16/68)


5459- عَيْنُ الشَّمْسِ 1:
بِنْتُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الفَرَجِ، أُمُّ النُّوْرِ الثَّقَفِيَّةُ. الأَصْبَهَانِيَّةُ، مُسْنِدَةُ وَقْتِهَا.
سَمِعَتْ حُضُوْراً فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ الإِخْشِيْذِ، وَسَمِعَتْ "جُزْءَ أَبِي الشَّيْخِ" مِنْ: مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِيُّ، وَتَفرّدت فِي الدُّنْيَا عَنْهُمَا. وَكَانَتْ صَالِحَة، عفِيفَة، مِنْ بَيْت الرِّوَايَة وَالإِسْنَاد.
حَدَّثَ عَنْهَا: الضِّيَاء مُحَمَّد، وَالزَّكِيّ البِرْزَالِيّ، وَالتَّقِيّ ابْن العِزّ، وَعِدَّة.
وَبِالإِجَازَةِ: الشَّمْس عَبْد الوَاسِع الأَبْهَرِيّ، وَالفَخْر عَلِيّ، وَالشَّمْس ابْن الزَّيْنِ، وَطَائِفَة، وَعَاشَتْ تِسْعِيْنَ عَاماً.
تُوُفِّيَت فِي نِصْفِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
أَنْبَأَنِي عَبْدُ الوَاسِعِ، عَنْ عَيْنِ الشَّمْسِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي ذَرٍّ سَنَةَ 526، أَخْبَرْنَا ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ القَبَّابُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ هَارُوْنَ الأَشْعَرِيّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ القَادِسِيّ بِعُكْبَرَا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَمَّادٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بنِ سُلَيْمَانَ، بِخَبَرٍ مَوْضُوْعٍ.
وَمِنْ سَمَاعهَا عَلَى ابْنِ أَبِي ذَرٍّ كِتَاب "الدِّيَاتِ" لابْنِ أَبِي عاصم، وَ"التَّوبَة"، وَ"عَوَالِي القَبَّابِ"، وَ"أَحَادِيْث بَكْر بن بَكَّارٍ"، وَ"جُزْء أَبِي الزُّبَيْرِ عن غير جابر"، وأشياء.
__________
1 ترجمتها في النجوم الزاهرة "6/ 209"، وشذرات الذهب "5/ 42".

(16/68)


ابن نغوبا، التجيبي:
5460- ابن نغوبا:
الشَّيْخُ أَبُو المُظَفَّرِ عَلِيُّ بنُ عَلِيِّ بنِ المُبَارَكِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ نَغُوْبَا الوَاسِطِيُّ، مِنْ أَوْلاَدِ المَشَايِخِ.
سَمِعَ: نَصْر اللهِ بن الجَلَخْت، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ الجُلاَّبِيّ، وَبِبَغْدَادَ مِنَ الأُرْمَوِيّ، وَعَبْد البَاقِي بن أَحْمَدَ ابْنِ النَّرْسِيّ، وَجَمَاعَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: حَدَّثَنَا، وَكَانَ صَدُوْقاً مِنَ المُعَدَّلِيْنَ بِوَاسِطَ، مَاتَ بِهَا فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: ابْنُ المُفَضَّلِ الحَافِظ، وَابْن الأَخْضَرِ الحَافِظ، وَمُحَمَّد بن مَعَالِي بن غَنِيْمَةَ الحَنْبَلِيّ، وعبد اللطيف الخوارزمي وآخرون.
5461- التجيبي:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ الحَافِظُ المُحَدِّثُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سليمان التجيبي، المرسي، محدث تلمسان.
أَخَذَ القِرَاءات وَجَوَّدَهَا عَنْ: أَبِي أَحْمَدَ بنِ مُعْطٍ المُرْسِيّ، وَأَبِي الحَجَّاجِ الثَّغْرِيّ، وَابْن الفَرَسِ، وَحَجَّ، وَطَوَّل الغَيْبَةَ، وَأَكْثَر عَنْ أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَكَتَبَ عَنْ مائَةٍ وَثَلاَثِيْنَ نَفْساً، وَعَمِلَ "المُعْجَم"، وَكَانَ يَقُوْلُ: دَعَا لِي السِّلَفِيُّ بِطُولِ العُمُرِ، وَقَالَ لِي: تَكُوْنُ مُحَدِّثَ المَغْرِبِ، إِنْ شَاءَ اللهُ.
وَسَمِعَ بِمَكَّةَ مِنْ: عَلِيِّ بنِ عمار "صحيح البخاري"، وسمع بجاية مِنْ عَبْدِ الحَقِّ الحَافِظِ.
ارْتَحَلَ إِلَيْهِ الطَّلَبَةُ، وَأَكْثَرُوا عَنْهُ.
قَالَ الأَبَّارُ: كَانَ عَدْلاً، خَيِّراً، حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ، ضَابطاً، وَغَيْرُهُ أَضْبَطُ مِنْهُ، رَوَى عَنْهُ أَكَابِر أَصْحَابنَا وَبَعْض شُيُوْخنَا لِعُلُوِّ إِسْنَادِهِ وَعَدَالَتِهِ، وَأَجَاز لِي، وَأَلَّفَ "أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً فِي الموَاعِظ"، وَ"أَرْبَعِيْنَ فِي الفَقْر وَفضله"، وَ"أَرْبَعِيْنَ فِي الْحبّ للهِ"، وَ"أَرْبَعِيْنَ فِي الصَّلاَةِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، وَتَصَانِيْفَ أُخَرَ.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ سبعين سنة.

(16/69)


ابن خروف، تاج الأمناء، أبو جعفر ابن يحيى:
5462- ابن خروف:
إمام النحو أبو الحسن عل بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ خَرُوْفٍ الإِشْبِيْلِيُّ، مُصَنِّفُ "شَرْحِ سِيْبَوَيْه" وَغَيْر ذَلِكَ.
تَخَرَّجَ عَلَى ابْنِ طَاهِرٍ الخِدَبّ، وَتَصَدَّرَ لِلإِفَادَة.
مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقِيْلَ: سَنَةَ تِسْعٍ. وَهُوَ مِنْ نُظَرَاءِ الجُزُوْلِيِّ، كَبِرَ، وَأَسَنَّ.
5463- تَاجُ الأُمَنَاءِ 1:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ هِبَةِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ.
رَوَى عَنْ: عَمَّيْهِ؛ الصَّائِنِ وَالحَافِظِ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البن، ونصر ابن مُقَاتِل، وَأَبِي العشَائِر الكُرْدِيّ، وَأَبِي المُظَفَّرِ الفَلَكِيّ، وَأَبِي المَكَارِمِ بن هِلاَلٍ، وَخَرَّجَ لِنَفْسِهِ مَشْيَخَةً، وَكَانَ عَالِماً، جَلِيْلاً، وَلِي مَنَاصِبَ كِبَاراً.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ العِزّ النَّسَّابَة، وَالضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، والقوصي، وَالمُسَلَّم بن عَلاَّنَ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ ثَمَان وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَهُوَ جَدُّ شَيْخِنَا أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ الله.
5464- أبو جعفر ابن يحيى:
خطيب قرطبة وعالمها أو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ يَحْيَى الحِمْيَرِيُّ، الكُتَامِيُّ، القُرْطُبِيُّ.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عِشْرِيْنَ.
وَرَوَى عَنْ: يُوْنُسَ بنِ مُغِيْثٍ، وَجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَكِّيٍّ، وَشُرَيحِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ المَازَرِيِّ إِجَازَةً، وَسَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ مَكِّيٍّ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ نَجَاحٍ، وَحَمَلَ السَّبْعَ عَنْ عَيَّاشِ بنِ فَرَجٍ وَغَيْرِهِ، وَتَفَرَّدَ، وَتَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ مُدَّةً، وَكَانَ إِمَاماً فِي العَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
رَوَى عَنْهُ ابْنُ مُسْدِيّ بِالإِجَازَةِ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ الوَزْغِيِّ.
وَمَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ تسعون سنة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 210"، وشذرات الذهب "5/ 40".

(16/70)


المطرزي، غلام ابن المني:
5465- المطرزي 1:
شَيْخُ المُعْتَزِلَةِ أَبُو الفَتْحِ نَاصِرُ بنُ عَبْدِ السَّيِّدِ بنِ عَلِيٍّ الخُوَارِزْمِيُّ، الحَنَفِيُّ، النَّحْوِيُّ، صَاحِبُ "المُقَدِّمَةِ اللَّطيفَةِ".
كَانَ رَأْساً فِي فُنُوْنِ الأَدبِ، دَاعِيَةً إِلَى الاعتزَالِ.
أَخَذَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَالمُوَفَّقِ بنِ أَحْمَدَ خَطِيْبِ خُوَارِزْمَ. وَسَمِعَ مِنْ: مُحَمَّدِ ابن أَبِي سَعْدٍ التَّاجِرِ، وَجَمَاعَةٍ.
وَلَهُ عِدَّةُ تَصَانِيْف، مِنْهَا: "شرحُ المَقَامَاتِ".
حَملُوا عَنْهُ، وَبَعُدَ صِيتُهُ.
وُلِدَ عَامَ تُوُفِّيَ الزَّمَخْشَرِيّ.
وَمَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَرُثِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ قصيدَةٍ.
5466- غُلاَمُ ابْنِ المَنِّيِّ 2:
العَلاَّمَةُ الأُصُوْلِيُّ الفَيْلَسُوْفُ فَخْرُ الدِّيْنِ، إِسْمَاعِيْلُ بنُ علي بن الحسين الأَزَجِيُّ، المَأْمُوْنِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، صَاحِبُ العَلاَّمَةِ نَاصِحِ الإِسْلاَمِ، ابْن المَنِّيِّ.
مَوْلِدُهُ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ المَنِّيِّ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَسَمِعَ "مَشْيَخَةَ شُهْدَةَ" مِنْهَا، وَسَمِعَ مِنْ لاَحِقِ بنِ كَارِهٍ، وَأَشغلَ بِمسجدِ المَأْمُوْنِيَّةِ بَعْدَ شَيْخِهِ، وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ بِجَامِعِ القَصْرِ، لِلنَّظَرِ، وَكَانَ يَتوَقَّدُ ذكَاءً.
لَهُ تَصَانِيْفُ فِي المَعْقُوْلِ، وَتعليقَةٌ فِي الخلاَفِ، وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَابُ، وَرُتِّبَ ناظرًا في ديوان المطيق، فَذُمَّتْ سِيرتُهُ، فَعُزِلَ، وَبَقِيَ محبوساً مُدَّةً، وَأُخْرِجَ، وَتَمرَّضَ أَشْهُراً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: برَعَ الفَخْرُ إِسْمَاعِيْلُ فِي المَذْهَبِ وَالأَصْلينِ وَالخلاَفِ، وَكَانَ حَسَنَ العبَارَةِ، مقتدراً عَلَى ردِّ الخُصُوْمِ، كَانَتِ الطَّوَائِفُ مجمعَةً عَلَى فَضلِهِ وَعلمِهِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ فِي دِيْنِهِ بِذَاكَ، حَكَى لِي ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ فِي معرِضِ المدحِ لَهُ: أَنَّهُ قرَأَ المنطقَ وَالفَلْسَفَةَ عَلَى ابْنِ مرقشٍ النَّصْرَانِيِّ، فَكَانَ يَتردَّدُ إِلَى البَيْعَةِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ منْ أَثقُ بِهِ أَنَّ الفَخْرَ صَنَّفَ كِتَاباً سَمَّاهُ "نوَامِيسُ الأَنْبِيَاءِ"، يذكرُ فِيْهِ أَنَّهُم كَانُوا حُكمَاءَ كهُرمسَ وَأَرِسْطُو، فَسَأَلتُ بَعْضَ تلامذته الخصيصين عَنْ ذَلِكَ فَمَا أَنْكَرَهُ، وَقَالَ: كَانَ مُتَسَمِّحاً في دِيْنِهِ، متلاعباً بِهِ، وَلَمَّا ظهرَتِ الإِجَازَةُ لِلنَّاصِرِ لِدِيْنِ اللهِ، كتبَ ضَرَاعَةً يَسْأَلُ فِيْهَا أَنْ يُجَازَ، فَوَقَّعَ النَّاصِرُ فِيْهَا: لاَ يَصلُحُ لِلرِّوَايَةِ، فَطَالَ مَا كَانَتِ السّعَايَاتُ بِالنَّاسِ تَصَدُرُ مِنْهُ إِلَيْنَا. ثُمَّ شُفِعَ فِيْهِ، فَأُجِيْزَ لَهُ، وَكَانَ دَائِماً يَقعُ فِي رُوَاةِ الحَدِيْثِ، وَيَقُوْلُ: هُم جُهَّالٌ لاَ يَعرفُوْنَ العُلُوْمَ العَقليَّةَ، وَلاَ معَانِي الحَدِيْثِ الحَقِيْقيَّةِ، بَلْ هُم مَعَ اللَّفْظِ الظَّاهِرِ، سَمِعَ مِنْهُ جَمَاعَةٌ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ، وَلاَ كلمته، مَاتَ فِي ثَامنِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: أَخَذَ عَنْهُ الشَّيْخُ مَجْدُ الدين ابن تيمية.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "5/ ترجمته 758".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 210"، وشذرات الذهب "5/ 40، 41".

(16/71)


ابن جرج، ابن الأخضر:
5467- ابن جرج:
المُعَمَّرُ المُسْنِدُ أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي المطرف ابن سَعِيْدِ بنِ جرجٍ القُرْطُبِيُّ، الَّذِي سَمِعَ "مصَنَّفَ النَّسَائِيَّ" مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ البِطْرَوْجِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الطَّيْلَسَانِ، وَأَجَازَ لابْنِ مَسْدِيّ، وَعَاشَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّسَائِيِّ أَرْبَعَةُ أنفس.
5468- ابن الأخضر 1:
الإِمَامُ العَالِمُ المُحَدِّثُ الحَافِظُ المُعَمَّرُ مُفِيْدُ العِرَاقِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي نَصْرٍ مَحْمُوْدِ بنِ المُبَارَكِ بنِ مَحْمُوْدٍ الجُنَابَذِيُّ الأَصْلِ، البَغْدَادِيُّ، التَّاجِرُ، البَزَّازُ، ابْنُ الأَخْضَرِ.
وُلِدَ سَنَةَ 524، وَسَمِعَ فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ.
سَمِعَ: القَاضِي أَبَا بَكْرٍ، وَأَبَا القَاسِمِ ابْنَ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَيَحْيَى ابْنَ الطّرَاحِ، وَعَبْدَ الجَبَّارِ بنَ تَوبَةَ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيَّ، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بنَ خَيْرُوْنَ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَبَا سَعْدٍ ابْنَ البَغْدَادِيِّ، وَأَبَا الفَضْلِ الأُرْمَوِيَّ، وَأَبَا الفَضْلِ بنَ نَاصِرٍ، وَابْنَ البَطِّيِّ.
وَصَنَّفَ وَجَمَعَ وَكَتَبَ عَنْ أَقرَانِهِ، وَحَدَّثَ نَحْواً مِنْ سِتِّيْنَ عَاماً، وَكَانَ ثِقَةً، فهمًا، خيرًا، دينًا، عفيفًا.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1115"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 211"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 46، 47".

(16/72)


قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: لَمْ أَرَ فِي شُيُوْخِنَا أَوفرَ شُيُوْخاً مِنِ ابْنِ الأَخْضَرِ، وَلاَ أَغزَرَ سماعًا، حدث بجامع القصر سنين كثيرة.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، مَأْمُوْناً، كَثِيْرَ السَّمَاعِ، صَحِيْحَ الأُصُوْلِ، مِنْهُ تَعلَّمْنَا، وَاسْتفدْنَا، وَمَا رَأَينَا مِثْلَهُ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالبِرْزَالِيُّ وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَزَيْنُ الدِّيْنِ خَالِدٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرِ بنِ عبد الرزاق، وعلي بن ميران، والعفيفعلي بنُ عدلاَنَ المَوْصِلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ الدَّارِيُّ الخَلِيْلِيّ، وَالجمَالُ يَحْيَى ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَالنَّجِيْبُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ، وَأَخُوْهُ العِزُّ، وَالمِقْدَادُ بنُ أَبِي القَاسِمِ القَيْسِيُّ، وَعَلَمُ الدِّيْنِ أَبُو القَاسِمِ الأَنْدَلُسِيُّ، وَإِسْرَائِيْلُ بنُ أَحْمَدَ القُرَشِيُّ، وَابْنُهُ عَلِيُّ ابْنُ الأَخْضَرِ.
وَأَجَازَ لِلْكمَالِ الفُوَيره.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمَّعَهُ أبوه من جماعة، وأول طلبه من بن نَاصِرٍ وَالأُرْمَوِيِّ، وَمَا زَالَ يَسمَعُ حَتَّى قرَأَ عَلَى شُيُوْخِنَا. كتبَ كَثِيْراً لِنَفْسِهِ، وَتورِيقاً لِلنَّاسِ فِي شبَابِهِ، قَرَأْتُ عَلَيْهِ كَثِيْراً فِي حَلْقَتِهِ، وفي حانوته للبر فِي خَانِ الخَلِيْفَةِ، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، نبيلاً، مَا رَأَيْتُ فِي شُيُوْخِنَا مِثْلَهُ فِي كَثْرَةِ مَسْمُوْعَاتِهِ، وَحُسْنِ أُصُوْلِهِ، وَحفظِهِ وَإِتقَانِهِ، وَكَانَ أَمِيناً ثخينَ السَّتْرِ، مُتَدَيِّناً ظرِيفاً، مَاتَ فِي سَادسِ شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: أَلَّفَ كِتَاباً فِيْمَنْ حَدَّثَ هُوَ وَابْنُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكِتَاب "مَنْ حَدَّثَ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ" مُجَلَّدٌ، وَكِتَاب "مَشْيَخَة" لأَبِي القَاسِمِ البَغَوِيِّ فِي مجلد، وحدث بذلك.

(16/73)


5469- ابن منينا 1:
الصَّالِح الخَيِّرُ مُسْنِدُ العِرَاقِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العزيز بن معالي بن غنيمة ابن الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ، الأُشْنَانِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: القَاضِي أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ آخِرَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ مَوْتاً بِبَغْدَادَ، وَمِنْ: عَبْدِ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الخَيَّاطِ، وَأَبِي البدرِ الكَرخِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ ابن الدُّبَيْثِيُّ، وَقَالَ: كَانَ خَيِّراً، صَحِيْحَ السَّمَاعِ.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ البِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالجمَال يَحْيَى ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ النَّنِّ، وَعِدَّةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ الكَمَالُ الفُوَيره، وَطَائِفَةٌ.
مَاتَ فِي الثَّامنِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ قَارَبَ التِّسْعِيْنَ.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1389"، والنجوم الزاهرة "6/ 215"، وشذرات الذهب "5/ 50".

(16/73)


5470- الكندي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ المُفْتِي، شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ، وَشَيْخُ العَرَبِيَّةِ، وَشَيْخُ القِرَاءاتِ، وَمُسْنِدُ الشَّامِ، تَاجُ الدِّيْنِ، أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن سَعِيْدِ بنِ عصْمَةَ بنِ حِمْيَرٍ الكِنْدِيُّ، البَغْدَادِيُّ، المُقْرِئُ، النَّحْوِيُّ، اللُّغَوِيُّ، الحَنَفِيُّ.
وُلِدَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَحفظَ القُرْآنَ وَهُوَ صَغِيْرٌ مُمَيِّزٌ، وَقرَأَهُ بِالرِّوَايَاتِ العَشْرِ، وَلَهُ عَشْرَةُ أَعْوَامٍ، وَهَذَا شَيْءٌ مَا تَهَيَّأَ لأَحدٍ قَبْلَهُ، ثُمَّ عَاشَ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ فِي القِرَاءاتِ وَالحَدِيْثِ؛ فَتلاَ عَلَى أُسْتَاذِهِ وَمُعَلِّمِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الخَيَّاطِ، ثُمَّ قرَأَ عَلَى أَقْوَامٍ، فَصَارَ فِي دَرَجَةِ سِبْطِ الخَيَّاطِ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، فَتلاَ بـ "الكفَايَةِ فِي القِرَاءاتِ السِّتِّ" عَلَى المُعَمَّرِ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الطَّبَرِ مِنْ تَلاَمِذَةِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُوْسَى الخَيَّاطِ، وَتَلاَ بـ "المفتاح" على مُؤلِّفِهِ ابْنِ خَيْرُوْنَ، وَتَلاَ بِالسَّبْعِ عَلَى خَطِيْبِ المُحَوَّلِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ المُهْتَدِي بِاللهِ. وَسَمِعَ مِنَ القَاضِي أَبِي بَكْرٍ الأَنْصَارِيِّ، وَابْنِ الطَّبَرِ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّازِ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ تَوْبَةَ، وَأَخِيْهِ عَبْدِ الجَبَّارِ، وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَطَلْحَةَ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَالحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ سِبْطِ الخَيَّاطِ وَعَلِيِّ بنِ عَبْدِ السَّيِّدِ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي القَاسِمِ الكَرُوْخِيِّ، وَالمُبَارَكِ بنِ نَغُوْبَا، وَأَبِي القَاسِمِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ اليُوْسُفِيِّ، وَيَحْيَى ابْنِ الطَّرَّاحِ، وَأَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَيْضَاوِيِّ، وَعِدَّةٍ. خَرَّجَ لَهُ عَنْهُم مَشْيَخَةً المُحَدِّثُ أَبُو القَاسِمِ عليٌّ حَفِيْدُ ابْنِ عَسَاكِرَ.
وَقرَأَ النَّحْوَ عَلَى أَبِي السَّعَادَاتِ ابْنِ الشَّجَرِيِّ، وَسِبْطِ الخَيَّاطِ، وَابْنِ الخَشَّابِ. وأخذ اللغة عن: أبي منصور بن الجَوَالِيْقِيِّ. وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الحديدِ، وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ غَالِبِ شُيُوْخِهِ، وَأَجَازَ لَهُ عَدَدٌ كَثِيْرٌ، وتردد إلى البلاد، وإلى مصر والشام،
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1402"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 249"، والنجوم الزاهرة "6/ 216"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 54، 55".

(16/74)


يَتَّجِرُ، ثُمَّ اسْتَوْطَنَ دِمَشْقَ، وَرَأَى عِزّاً وَجَاهاً، وَكثُرَتْ أَمْوَالُهُ، وَازدحَمَ عَلَيْهِ الفُضَلاَءُ، وَعُمِّرَ دَهْراً. وَكَانَ حَنْبَليّاً، فَانْتقلَ حَنَفِيّاً، وَبَرَعَ فِي الفِقْهِ، وَفِي النَّحْوِ، وَأَفتَى وَدرَّسَ وَصَنَّفَ، وَلَهُ النَّظْمُ وَالنَّثْرُ، وَكَانَ صَحِيْحَ السَّمَاعِ، ثِقَةً فِي نَقلِهِ، ظرِيفاً، كَيِّساً، ذَا دُعَابَةٍ، وَانطبَاعٍ.
قرَأَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَاتِ عَلَمُ الدِّيْنِ السَّخَاوِيَّ، وَلَمْ يُسنِدْهَا عَنْهُ، وَعَلَمُ الدِّيْنِ القَاسِمُ بنُ أَحْمَدَ الأَنْدَلُسِيُّ، وَكَمَالُ الدِّيْنِ ابْنُ فَارِسٍ، وَعِدَّةٌ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ، وَالحَافِظُ عَبْدُ القَادِرِ، وَالشَّيْخُ المُوَفَّقُ، وَابْنُ نُقْطَةَ، وَابْنُ الأَنْمَاطِيِّ، وَالضِّيَاءُ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالزَّيْنُ خَالِدٌ، وَالتَّقِيُّ بنُ أَبِي اليُسْرِ، وَالجمَالُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، وَالقَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ العِمَادِ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ وَمُؤَمِّلُ البَالِسِيُّ، وَالصَّاحِبُ كَمَالُ الدِّيْنِ العَدِيْمِيُّ، وَمُحْيِي الدِّيْنِ عُمَرُ بنُ عَصرُوْنَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَالشَّمْسُ ابْنُ الكَمَالِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَيُوْسُفُ ابْنُ المُجَاوِرِ، وَسِتُّ العربِ بِنْتُ يَحْيَى مَوْلاَهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ ابْن القَوَّاسِ.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ أَبَوَا حَفْصٍ: ابْنُ القَوَّاسِ، وَابْنُ العَقِيمِيِّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: أَسلمَهُ أَبُوْهُ فِي صِغَرِهِ إِلَى سِبْطِ الخَيَّاطِ، فَلقَّنَهُ القُرْآنَ، وَجَوَّدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ حَفَّظَهُ القِرَاءاتِ وَلَهُ عشرُ سِنِيْنَ، قَالَ: وَسَافَرَ عَنْ بَغْدَادَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ، فَأَقَامَ بِهَمَذَانَ سِنِيْنَ يَتَفَقَّهُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيْفَةَ عَلَى سَعْدٍ الرَّازِيِّ بِمَدْرَسَةِ السُّلْطَانِ طُغْرل، ثُمَّ إِنَّ أَبَاهُ حَجَّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ، فَمَاتَ فِي الطَّرِيْقِ، فَعَادَ أَبُو اليُمْنِ إِلَى بَغْدَادَ، ثُمَّ تَوجَّهَ إِلَى الشَّامِ، وَاسْتَوْزَرَهُ فَرُّوخشَاه ثُمَّ بَعْدَهُ اتَّصَلَ بِأَخِيْهِ تَقِيِّ الدِّيْنِ عُمَرَ، وَاختصَّ بِهِ، وَكثُرَتْ أَمْوَالُهُ، وَكَانَ المَلِكُ المُعَظَّمُ يَقرَأُ عَلَيْهِ الأَدبَ، وَيَقصدُهُ فِي مَنْزِلِهِ وَيُعَظِّمُهُ. قَرَأْتُ عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَكَانَ يَصلُنِي بِالنَّفَقَةِ، مَا رَأَيْتُ شَيْخاً أَكملَ مِنْهُ عَقْلاً وَنُبْلاً وَثِقَةً وَصِدقاً وَتَحَقِيْقاً وَرزَانَةً مَعَ دمَاثَةِ أَخلاَقِهِ، وَكَانَ بَهِيّاً وَقُوْراً، أَشْبَهَ بِالوُزَرَاءِ مِنَ العُلَمَاءِ؛ لِجَلاَلَتِهِ وَعُلُوِّ مَنْزِلتِهِ، وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالنَّحْوِ، أَظنُّهُ يَحفظُ "كِتَابَ سِيْبَوَيْه"، مَا دَخَلتُ عَلَيْهِ قَطُّ إلَّا وَهُوَ فِي يَدِهِ يُطَالِعُهُ، وَكَانَ فِي مُجَلَّدٍ وَاحِدٍ رفِيعٍ يَقْرَؤُهُ بِلاَ كُلْفَةٍ، وَقَدْ بلغَ التِّسْعِيْنَ، وَكَانَ قَدْ مُتِّعَ بِسَمْعِهِ وَبصرِهِ قوته، وَكَانَ مليحَ الصُّوْرَةِ، ظرِيفاً، إِذَا تَكَلَّمَ ازدَادَ حَلاَوَةً، وَلَهُ النَّظْمُ وَالنَّثْرُ وَالبَلاغَةُ الكَامِلَةُ. إِلَى أَنْ قَالَ: تُوُفِّيَ وَحَضَرتُ الصَّلاَةَ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: كَانَ يَرْوِي كُتُباً كِبَاراً مِنْ كُتُبِ العِلْمِ. وَرَوَى عَنْهُ "كِتَابَ سِيْبَوَيْه": عَلَمُ الدِّيْنِ القَاسِمُ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَردَ مِصْرَ، وَكَانَ أَوحدَ الدَّهْرِ، فَرِيْدَ العصرِ، فَاشتملَ عَلَيْهِ عِزُّ الدِّيْنِ

(16/75)


فَرُّوخشَاه، ثُمَّ ابْنُهُ الأَمجدُ، وَتردَّدَ إِلَيْهِ بِدِمَشْقَ الملكُ الأَفْضَلُ، وَأَخُوْهُ المُحْسِنُ وَابْنُ عَمِّهِ المُعَظَّم.
قَالَ ضِيَاءُ الدِّيْنِ ابْنُ أَبِي الحَجَّاجِ الكَاتِبُ عَنِ الكِنْدِيِّ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ القَاضِي الفَاضِلِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَرُّوخشَاه فَجرَى ذِكْرُ شَرْحِ بَيْتٍ مِنْ دِيْوَانِ المتنبِّي، فَذَكَرْتُ شَيْئاً فَأَعْجَبَهُ، فَسَأَلَ القَاضِي عَنِّي، فَقَالَ: هَذَا العَلاَّمَةُ تَاجُ الدِّيْنِ الكِنْدِيُّ، فَنهضَ وَأَخَذنِي مَعَهُ، وَدَامَ اتِّصَالِي بِهِ. قَالَ: وَكَانَ المُعَظَّم يَقرَأُ عَلَيْهِ دَائِماً، قرَأَ عَلَيْهِ: "كِتَابَ سِيْبَوَيْه"، فَصّاً وَشرحاً، وَكِتَابَ "الحمَاسَةِ" وَكِتَابَ "الإِيضَاحِ" وَشَيْئاً كَثِيْراً، وَكَانَ يَأْتيه مَاشياً مِنَ القَلْعَةِ إِلَى دربِ العجَمِ، وَالمُجَلَّدُ تَحْتَ إِبِطِهِ.
وَنَقَلَ ابْنُ خَلِّكَانَ أَنَّ الكِنْدِيَّ قَالَ: كُنْتُ قَاعِداً عَلَى بَابِ ابْنِ الخَشَّابِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَهُوَ يَمْشِي فِي جَاون خشب، سَقَطت رِجْلُهُ مِنَ الثَّلْجِ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ الكِنْدِيُّ مُكْرِماً لِلْغربَاءِ، حسن الأخلاق، وكان مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا المُشْتَغِلينَ بِهَا، وَبإِيثَارِ مُجَالَسَةِ أَهْلِهَا، وَكَانَ ثِقَةً فِي الحَدِيْثِ وَالقِرَاءاتِ، سَامَحَهُ اللهُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ المُوَفَّقُ: كَانَ الكِنْدِيُّ إِمَاماً فِي القِرَاءةِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ، وَانْتَقَلَ إِلَى مَذْهَبِهِ لأَجْلِ الدُّنْيَا، إلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلَى السُّنَّةِ وَصَّى إِلَيَّ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ، وَالوُقُوْفِ عَلَى دفنِهِ، فَفَعَلتُ.
وَقَالَ القِفْطِيُّ: آخرُ مَا كَانَ الكِنْدِيُّ بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ، وَسَكَنَ حَلَبَ مُدَّةً، وَصَحِبَ بِهَا الأَمِيْرَ حسنَ ابْنَ الدَّايَةِ النُّوْرِيَّ وَالِيَهَا. وَكَانَ يَبتَاعُ الخلي مِنَ الملبُوسِ وَيَتَّجِرُ بِهِ إِلَى الرُّوْمِ. ثُمَّ نَزلَ دِمَشْقَ، وَسَافَرَ مَعَ فَرُّوخشَاه إِلَى مِصْرَ، وَاقتنَى مِنْ كُتُبِ خَزَائِنهَا عِنْدَمَا أُبِيعَتْ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ ليِّناً فِي الرِّوَايَةِ، مُعْجَباً بِنَفْسِهِ فِيمَا يذكرهُ وَيَرْوِيْهِ، وَإِذَا نُوظِرَ جَبَهَ بِالقبيحِ، وَلَمْ يَكُنْ موفَّقَ القلَمِ، رَأَيْتُ لَهُ أَشيَاءَ بَارِدَةً، وَاشْتُهِرَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صحيح العقيدة.
قلت: مت علمْنَا إلَّا خَيراً، وَكَانَ يُحبُّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ وأهل الخير، وشاهدت له فتيا في القرآن عَلَى خَيْرٍ وَتَقرِيرٍ جَيِّدٍ، لَكنَّهَا تُخَالِفُ طرِيقَةَ أَبِي الحَسَنِ، فَلَعَلَّ القِفْطِيّ قصدَ أَنَّهُ حَنْبَلِيُّ العَقْدِ، وَهَذَا شَيْءٌ قَدْ سَمُجَ القَوْلُ فِيْهِ، فُكُلُّ مَنْ قصدَ الحَقَّ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ فَاللهُ يغفرُ لَهُ، أَعَاذنَا اللهُ مِنَ الهَوَى وَالنَّفْسِ.
وَقَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: اجْتَمَعتُ بِالكِنْدِيِّ، وَجَرَى بَيْنَنَا مُبَاحثَات، وَكَانَ شَيْخاً بَهِيّاً ذكيّاً مُثْرِياً، لَهُ جَانبٌ مِنَ السُّلْطَانِ، لَكنَّهُ كَانَ مُعْجَباً بِنَفْسِهِ، مُؤذِياً لِجليسِهِ.

(16/76)


قُلْتُ: أَذَاهُ لِهَذَا القَائِل أَنَّهُ لقَّبَهُ بِالمَطْحن.
قَالَ: وَجَرَتْ بَيْنَنَا مبَاحثَات، فَأَظهرنِي اللهُ عَلَيْهِ فِي مَسَائِل كَثِيْرَةٍ، ثُمَّ إِنِّيْ أَهملْتُ جَانبَهُ.
وَمِنْ شعرِ السَّخَاوِيِّ فِيْهِ:
لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِ عَمْرٍو مِثْلُهُ ... وَكَذَا الكِنْدِيُّ فِي آخِرِ عَصْرِ
فَهُمَا زَيْدٌ وَعَمْرٌو إِنَّمَا ... بُنِيَ النَّحْوُ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرِو
وَلأَبِي شُجَاعٍ ابْنِ الدَّهَّانِ فِيْهِ:
يَا زَيْدُ زَادَكَ رَبِّي مِنْ مَوَاهِبِهِ ... نُعْمَى يُقَصِّرُ عَنْ إِدرَاكِهَا الأَمَلُ
لاَ بَدَّلَ اللهُ حَالاً قَدْ حَبَاكَ بِهَا ... مَا دَارَ بَيْنَ النُّحَاةِ الحَالُ وَالبَدَلُ
النَّحْوُ أَنْتَ أَحقُّ العَالِمِينَ بِهِ ... أَلَيْسَ باسْمِكَ فِيْهِ يُضْرَبُ المَثَلُ?
وَمِنْ شِعْرِ التَّاجِ الكِنْدِيِّ:
دَعِ المُنَجِّمَ يَكبُو فِي ضَلاَلَتِهِ ... إِنِ ادَّعَى عِلْمَ مَا يَجرِي بِهِ الفَلَكُ
تَفَرَّدَ اللهُ بِالعِلْمِ القَدِيْمِ فَلاَ الـ ... إِنْسَانُ يَشْرَكُهُ فِيْهِ وَلاَ المَلَكُ
أَعدَّ لِلرِّزْقِ مِنْ أَشرَاكِهِ شَرَكاً ... وَبِئسَتِ العُدَّتَانِ: الشِّرْكُ وَالشَّرَكُ
وَلَهُ:
أَرَى المَرْءَ يَهْوَى أَنْ تَطُولَ حَيَاتُهُ ... وَفِي طُولِهَا إِرهَاقُ ذلٍّ وَإِزهَاقُ
تَمَنَّيْتُ فِي عصرِ الشَّبِيْبَةِ أَنَّنِي ... أُعَمَّرُ وَالأَعَمَّارُ لاَ شَكَّ أَرزَاقُ
فَلَمَّا أَتَى مَا قَدْ تَمَنَّيْتُ سَاءنِي ... مِنَ العُمْرِ مَا قَدْ كُنْتُ أَهوَى وَأَشتَاقُ
يُخَيَّلُ فِي فِكرِي إِذَا كُنْتُ خَالياً ... رُكُوبِي عَلَى الأَعْنَاقِ وَالسَّيْرُ إِعنَاقُ
وَيُذْكِرُنِي مرُّ النَّسِيْمِ وَرَوُحُهُ ... حفَائِرَ تَعْلُوهَا مِنَ التُّربِ أَطْبَاقُ
وَهَا أَنَا فِي إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ حِجَّةً ... لَهَا فِيَّ إِرعَادٌ مَخُوفٌ وَإِبرَاقُ
يَقُوْلُوْنَ تِرْيَاقٌ لِمِثْلِكَ نَافِعٌ ... وَمَالِيَ إلَّا رَحْمَةُ اللهِ تِرْيَاقُ
وَمِنْ شعره قوله:

(16/77)


لَبِسْتُ مِنَ الأَعَمَّارِ تِسْعِيْنَ حِجَّةً ... وَعِنْدِي رَجَاءٌ بِالزِّيَادَةِ مُولَعُ
وَقَدْ أَقْبَلَتْ إِحْدَى وَتِسْعُوْنَ بَعْدَهَا ... وَنَفْسِي إِلَى خَمْسٍ وَسِتٍّ تَطَلَّعُ
وَلاَ غَرْوَ أَنْ آتِي هُنَيْدَةَ سَالِماً ... فَقَدْ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ مَا يَتَوَقَّعُ
وَقَدْ كَانَ فِي عَصْرِي رِجَالٌ عَرَفْتُهُم ... حَبَوْهَا وَبِالآمَالِ فِيْهَا تَمَتَّعُوا
وَمَا عَافَ قَبْلِي عَاقِلٌ طُولَ عُمْرِهِ ... وَلاَ لاَمَهُ مَنْ فِيْهِ لِلْعَقْلِ مَوْضِعُ
قَالَ الأَنْمَاطِيُّ: تُوُفِّيَ الكِنْدِيُّ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، سَادِسَ شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَأَمَّهُم عَلَيْهِ قَاضِي القُضَاةِ جَمَالُ الدين ابن الحرستاني، ثم أَمَّهُم بِظَاهِرِ بَابِ الفَرَادِيْسِ: شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ جَمَالُ الدِّيْنِ الحَصِيْرِيُّ، ثُمَّ أَمَّ بِالجَبَلِ: مُوَفَّقُ الدِّيْنِ شَيْخُ الحَنْبَليَّةِ، وَشَيَّعَهُ الخَلْقُ، وَدُفِنَ بِتُرْبَةٍ لَهُ، وَعُقِدَ لَهُ العَزَاءُ تَحْتَ النَّسْرِ يَوْمَيْنِ.

(16/78)


5471- ابن حوط الله 1:
الحَافِظُ الإِمَامُ مُحَدِّثُ الأَنْدَلُسِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ بنِ حَوْطِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، الحَارِثِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، الأُنْدِيُّ، أَخُو الحَافِظِ أَبِي سُلَيْمَانَ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائة.
وتلا بالسبع على أبيه، وسع مِنِ ابْنِ هُذَيْلٍ بَعْضَ "الإِيْجَازِ" فِي قِرَاءةِ وَرْشٍ. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ حُبَيْشٍ، وَالسُّهَيْلِيِّ، وَابنِ الجَدِّ، وَابْنِ زَرْقُوْنَ وَابْنِ بَشْكُوَالَ، وَخَلْقٍ.
وَأَجَازَ لَهُ أَبُو الطَّاهِرِ بنُ عَوْفٍ مِنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَأَبُو طَاهِرٍ الخُشُوْعِيُّ مِنْ دِمَشْقَ.
رَوَى شَيْئاً كَثِيْراً، وَأَلَّفَ كِتَاباً فِي رِجَالِ الكُتُبِ الخَمْسَةِ: خَ م د ت س. وَكَانَ مُنشِئاً، خَطِيْباً، بَلِيْغاً، شَاعِراً، نَحْويّاً، تَصَدَّرَ لِلْقِرَاءاتِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَأَدَّبَ أَوْلاَدَ المَنْصُوْرِ بِمَرَّاكُش، وَنَالَ عِزّاً وَدُنْيَا وَاسِعَةً، وَوَلِيَ قَضَاءَ قُرْطُبَةَ وَأَمَاكِنَ، وَحُمِدَ.
تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عشرة وست مائة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1123"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 50".

(16/78)


5472- العز ابن الحافظ 1:
الإِمَامُ العَالِمُ الحَافِظُ المُفِيْدُ الرَّحَّالُ عِزُّ الدِّيْنِ أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ ابْنُ الحَافِظِ الكَبِيْرِ تَقِيِّ الدِّيْنِ عَبْدِ الغَنِيِّ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سُرُوْرٍ الجَمَّاعِيْليُّ، المَقْدِسِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الصَّالِحِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
مَوْلِدُهُ بِالدَّيْرِ الصَّالِحِيِّ، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي أَحَدِ الرَّبِيْعَيْنِ.
وَارْتَحَلَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ شَاتيلَ، وَنَصْرِ اللهِ القَزَّاز، وَمَنْ بَعْدَهُمَا. وَتَفَقَّهَ عَلَى: نَاصِحِ الإِسْلاَمِ ابْنِ المَنِّيِّ، وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ أَبِي المَعَالِي بنِ صَابِرٍ، وَمُحَمَّدِ بن أبي الصقر، والخضر بن طاووس، وَأَقدَمُ شَيْخٍ لَهُ أَبُو الفَهْمِ بنُ أَبِي العَجَائِزِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْنَا مِنْهُ وَبِقِرَاءتِهِ كَثِيْراً، وَكَتَبَ كَثِيْراً، وَحَصَّلَ الأُصُوْل وَاسْتَنسَخَ، وَكَانَ يُعِيرُنِي الأُصُوْلَ، وَيُفِيدُنِي، وَيَتَفَضَّلُ إِذَا زُرْتُهُ، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ مَتْناً وَإِسْنَاداً، عَارِفاً بِمَعَانِيهِ وَغَرِيْبِهِ، مُتْقِناً لِلأَسْمَاءِ مَعَ ثِقَةٍ وَعِدَالَةٍ، وَأَمَانَةٍ وَدِيَانَةٍ، وَكيس وَتَودُّدٍ، وَمُسَاعِدَةٍ لِلْغُربَاءِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ: كَانَ حَافِظاً، فَقِيْهاً، ذَا فُنُوْنٍ، وَكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ قِرَاءةً وَأَسْرَعَهَا، وَكَانَ غَزِيْرَ الدَّمعَةِ عِنْدَ القِرَاءةِ، ثِقَةً، مُتْقِناً، سَمْحاً، جَوَاداً.
قُلْتُ: وَارْتَحَلَ بِأَخِيْهِ أَبِي مُوْسَى، فَسَمِعَا بِأَصْبَهَانَ مِنْ مَسْعُوْدٍ الجَمَّالِ، وَعَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ محمد الكاغد، وَأَبِي المَكَارِمِ اللَّبَّانِ، وَعِدَّةٍ.
وَقَالَ الضِّيَاءُ: سَافَرَ العِزُّ مَعَ عَمِّهِ الشَّيْخِ العِمَادِ، وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ عَشرَ سِنِيْنَ، فَاشْتَغَلَ بِالفِقْهِ وَالنَّحْوِ وَالخِلاَفِ، وَكَانَ يَقرَأُ لِلنَّاسِ الحَدِيْثَ كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ بِمَسْجِدِ دَارِ بطِّيْخٍ، ثُمَّ انتَقَلَ إِلَى الجَامِعِ، إِلَى مَوْضِعِ أَبِيْهِ، فَكَانَ يَقرَأُ يَوْمَ الجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ. وَطُلِبَ إِلَى المَلِكِ المُعَظَّمِ، فَقَرَأَ لَهُ فِي "المُسْنَدِ" عَلَى حَنْبَلٍ وَأَحَبَّهُ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي أَذِنَ لَهُ فِي المَجْلِسِ بِالجَامِعِ، وَطَلَبَ مِنْهُ مَكَاناً لِلْحَنَابِلَةِ بِالقُدْسِ، فَأَعْطَاهُ مَهْدَ عِيْسَى، وَكَانَ يُسَارِعُ إِلَى الخَيْرِ، وَإِلَى مَصَالِحِ الجَمَاعَةِ، وَكَانَ لاَ يَكَادُ بَيْتُهُ يَخلُو مِنَ الضُّيُوفِ.
ثُمَّ سَرَدَ لَهُ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ عِدَّةَ مَنَامَاتٍ رُؤِيَتْ لَهُ، تَدُلُّ عَلَى فَوزِهِ.
وَقَدْ رَثَاهُ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ.
وَمَاتَ فِي تَاسِعَ عَشَرَ شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَالقُوْصِيُّ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ.
وَسَمِعنَا بِإِجَازَتِهِ عَلَى أَبِي حَفْصٍ ابْنِ القَوَّاسِ، وَخَطُّهُ كَبِيْرٌ مَلِيحٌ رَشِيقٌ، لِي جَمَاعَةُ أَجزَاءٍ بِخَطِّهِ، رَحِمَهُ اللهُ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَصَاحِبُ حَلَبَ المَلِكُ الظَّاهِرُ، وَالقَاضِي ثِقَةُ المُلْكِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُجَلِّي المِصْرِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيٍّ الزُّهْرِيُّ الإِشْبِيْلِيُّ صَاحِبُ شُرَيْحٍ، وَالصَّائِنُ عبد الواحد بن إسماعيل الدمياطي.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1126"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 218"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 56، 57".

(16/79)


5473- ابن واجب 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ المُحَدِّثُ المُتْقِنُ القُدْوَةُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبُو الخَطَّابِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ الإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ وَاجِبِ بنِ عُمَرَ بنِ وَاجِبٍ القَيْسِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، البَلَنْسِيُّ، المَالِكِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَجَاز لَهُ: القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ العَرَبِيِّ، وَالحَافِظُ يُوْسُفُ ابْنُ الدَّبَّاغِ، وَلَحِقَ أَبَا مَرْوَانَ، بنَ قُزْمَانَ فَسَمِعَ مِنْهُ، وَأَكْثَرَ عَنْ جَدِّهِ، وَعَنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ -وَتَلاَ عَلَيْهِ- وَأَبِي الحَسَنِ بنِ النِّعْمَةِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ سَعَادَةَ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ الفَرَسِ، وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنِ بَشْكُوَالَ، وَابْنِ زَرْقُوْنَ، وَعِدَّةٍ.
قَرَأْت فِي "فَهْرَسَةٍ" عَلَيْهَا خَطُّ أَبِي الخَطَّابِ بنِ واجب: تلوت "بالتيسير" وقرأته، ولم أقرأ بما فيه مم الإِدغَامِ الكَبِيْرِ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ، وَقَرَأْت عَلَيْهِ "إِيْجَازَ البَيَانِ"، وَ"التَّلْخِيْصَ"، وَ"المُحْتَوَى"، وَعِدَّةَ كُتُبٍ فِي القِرَاءاتِ لِلدَّانِيِّ. وَسَمِعْتُ عَلَيْهِ: كِتَابَ "جَامِعِ البَيَانِ"، وَكِتَابَ "طَبَقَاتِ القُرَّاءِ" لَهُ، وَكَانَ وَقتُ تِلاَوَتِي عَلَيْهِ يَمْتَنِعُ مِنَ الإِقْرَاءِ بِالإِدْغَامِ الكَبِيْرِ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ الأَبَّارِ: هُوَ حَامِلُ رَايَةِ الرِّوَايَةِ بِشَرقِ الأَنْدَلُسِ، حَصَّلَ العَرَبِيَّةَ عَلَى ابْنِ النِّعْمَةِ، وَكَانَ مُتْقِناً، ضَابِطاً، مُتَقلِّلاً مِنَ الدُّنْيَا، عَالِيَ الإِسْنَادِ، وَرِعاً، قَانِتاً، تَعلُوْهُ خَشْيَةٌ لِلمَوَاعِظِ، مَعَ عِنَايَةٍ كَامِلَةٍ بِصِنَاعَةِ الحَدِيْثِ، وَبصرٍ بِهِ، وَذِكْرٍ لِرِجَالِهِ، وَمُحَافِظَةٍ عَلَى نَشْرِهِ، وَكَانَتِ الرِّحلَةُ إِلَيْهِ، وَلِيَ قَضَاءَ بَلَنْسِيَةَ وَشَاطِبَةَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَجَمَعَ مِنْ كُتُبِ الحَدِيْثِ وَالأَجزَاءِ شَيْئاً كَثِيْراً، وَرُزِقتُ مِنْهُ قَبُولاً، وَبِهِ اخْتِصَاصاً، فَمُعْظَمُ رِوَايَتِي قَدِيماً عَنْهُ. تُوُفِّيَ بِمَرَّاكُش فِي رِحْلَتِهِ إِلَيْهَا لاسْتِدْرَارِ جَارٍ لَهُ مِنْ بَيْتِ المَالِ انْقَطَعَ فَتُوُفِّيَ فِي سَادِسِ رَجَبٍ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: أَكْثَر عَنْهُ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُشليون، وَمُحَمَّدُ بنُ جوبر، وَابْنُ عَمِّيْرَةَ المَخْزُوْمِيُّ، وَابْنُ مَسْدِيّ المُجَاوِرُ وَتُوُفِّيَ وَهُوَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ، رَحِمَهُ الله.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 221"، وشذرات الذهب "5/ 75".

(16/80)


5474- ابن جبير 1:
العَلاَّمَةُ أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جبير بن محمد بن جبير الكناني، البَلَنْسِيُّ، ثُمَّ الشَّاطِبِيُّ، الكَاتِبُ البَلِيْغُ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ الإِمَامِ الرَّئِيْسِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الأَصِيْلِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي العَيْشِ المُقْرِئِ صَاحِبِ أَبِي دَاوُدَ، وَحَمَلَ عَنْهُ القِرَاءاتِ. وَلَهُ إِجَازَة أَبِي الوَلِيْدِ ابْنِ الدَّبَّاغِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ.
نَزَلَ غَرْنَاطَةَ مُدَّةً، ثُمَّ حَجَّ، وَرَوَى بِالثَّغْرِ وَبِالقُدْسِ.
قَالَ الأَبَّارُ: عُنِيَ بِالآدَابِ، فَبَلَغَ فِيْهَا الغَايَةَ، وَبَرَعَ فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ، وَدُوِّنَ شِعرُه، وَنَال دُنْيَا عَرِيضَةً، وَتَقدَّمَ، ثُمَّ زَهِدَ، لَهُ ثَلاَثُ رِحلاَتٍ إِلَى المَشْرِقِ، مَاتَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: الزَّكِيُّ المُنْذِرِيُّ، وَالكَمَالُ الضَّرِيْرُ، وَأَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ المِلَنْجِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الخَلِيْلِيّ، وَطَائِفَةٌ. وَقَدْ سَمِعَ بِمَكَّةَ مِنَ المَيَانَجِيِّ، وَبِبَغْدَادَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ بنِ سُكَيْنَةَ.
وَمِنْ نَظْمِهِ:
تَأَنَّ فِي الأَمْرِ لاَ تَكُنْ عَجِلاً ... فَمَنْ تَأَنَّى أَصَابَ أَوْ كَادَا
وَكُنْ بِحَبْلِ الإِلَهِ مُعْتَصِماً ... تَأْمَنُ مِنْ بَغْيِ كَيْدِ مَنْ كَادَا
فَكَمْ رَجَاهُ فَنَالَ بُغْيَتَهُ ... عَبْدٌ مُسِيْءٌ لِنَفْسِهِ كَادَا
وَمَنْ تَطُلْ صُحْبَةُ الزَّمَانِ لَهُ ... يَلْقَ خطوبًا به وأنكادا
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 221"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 60، 61".

(16/81)


5475- العماد 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ الزَّاهِدُ القُدْوَةُ الفَقِيْهُ بَرَكَةُ الوَقْتِ عِمَادُ الدِّيْنِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سُرُوْرٍ المَقْدِسِيُّ الجَمَّاعِيْليُّ، نَزِيْلُ سَفْحِ قَاسِيُوْنَ، وَأَخُو الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ.
وُلِدَ بِجَمَّاعِيْلَ، سَنَةَ 543. وَهَاجَرُوا بِهِ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، وَلَهُ ثَمَانِ سِنِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلاَلٍ، وَسَلْمَانَ بنِ عَلِيٍّ الرَّحَبِيِّ، وَأَبِي المَعَالِي بنِ صَابِرٍ، وَارْتَحَلَ فَسَمِعَ مِنْ: صَالِحِ ابْن الرّخلَةِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخَشَّابِ، وَشُهْدَةَ، وَعَبْدِ الحَقِّ، وَعِدَّةٍ، وَبِالمَوْصِلِ مِنْ أَبِي الفَضْلِ الخَطِيْبِ. وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى: ابْنِ المَنِّيِّ، وَتبصَّرَ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.
حَدَّثَ عَنْهُ البرزالي، والضياء، وابن خليل، والمنذري، والقوصي، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالتَّاجُ عَبْدُ الوَهَّابِ ابْنُ زَيْنِ الأُمَنَاءِ، وَوَلَدُهُ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ ابْنُ العِمَادِ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ وَالشَّمْسُ مُحَمَّدُ ابْنُ الكَمَالِ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ: كَانَ لَيْسَ بِالآدَمِ كَثِيْراً، وَلاَ بِالطَّوِيْلِ، وَلاَ بِالقَصِيْرِ، وَاسِعَ الجَبْهَةِ، مَعرُوْقَ الجَبِيْنِ، أَشهَلَ العَيْنِ، قَائِمَ الأَنْفِ، يَقُصُّ شَعْرَهُ، وَكَانَ فِي بَصَرِهِ ضَعْفٌ. سَافَرَ إِلَى بَغْدَادَ مَرَّتَيْنِ، وَحَفِظَ القُرْآنَ، وَ"غَرِيْبَ" العُزَيْرِيِّ -فِيْمَا قِيْلَ- وَحَفِظَ الخِرَقِيَّ، وَأَلقَى الدَّرسَ مِنَ "التَّفْسِيْرِ"، وَمِنَ "الهِدَايَةِ"، وَاشْتَغَلَ فِي الخِلاَفِ، شَاهَدتُهُ يُنَاظِرُ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَكَانَ عَالِماً بِالقِرَاءاتِ وَالنَّحْوِ وَالفَرَائِضِ، قرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ عَسَاكِرَ البَطَائِحِيِّ، وَأَقرَأ بِهَا، وَصَنَّفَ "الفُرُوْقَ فِي المَسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ"، وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي الأَحكَامِ لَمْ يُتِمَّهُ، وَلاَ كَانَ يَتفرَّغُ لِلتَّصْنِيفِ مِنْ كَثْرَةِ اشتِغَالِهِ وَإِشْغَالِهِ. أَقَامَ بِحَرَّانَ مُدَّةً فَانْتَفَعُوا بِهِ، وكان يشغل الجبل إِذَا كَانَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ بِالمَدِيْنَةِ، فَإِذَا صَعِدَ المُوَفَّقُ، نَزَلَ هُوَ وَأَشْغَلَ، فَسَمِعْتُ الشَّيْخَ المُوَفَّقَ يَقُوْلُ: مَا نَقدِرُ نَعمَلُ مِثْلَ العِمَادِ، كَانَ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ، وَرُبَّمَا كَرَّرَ عَلَى الطَّالِبِ مِنْ سَحَرٍ إِلَى الفَجْرِ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَكَانَ يَجلِسُ فِي جَامِعِ البَلَدِ مِنَ الفَجْرِ إِلَى العشاء، ولا يخرج إلَّا لحاجة،
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 220"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 53، 54".

(16/82)


يُقْرِئُ القُرْآنَ وَالعِلْمَ، فَإِذَا فَرَغُوا اشْتَغَلَ بِالصَّلاَة، فَسَأَلْتُ الشَّيْخَ مُوَفَّقَ الدِّيْنِ عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ من خيار أصحابنا، وأعظمهم نَفْعاً، وَأَشَدِّهِم وَرَعاً، وَأَكْثَرِهِم صَبْراً عَلَى التَّعْلِيْمِ، وَكَانَ دَاعِيَةً إِلَى السُّنَّةِ، أَقَامَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً يُعلِّمُ الفُقَرَاءَ وَيُقْرِئُهُم، وَيُطْعِمُهُم، وَيَتَوَاضَعُ لَهُم، كَانَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ تَوَاضُعاً، وَاحْتِقَاراً لِنَفْسِهِ، وَخَوْفاً مِنَ اللهِ، مَا أَعْلَمُ أَنَّنِي رَأَيْتُ أَشدَّ خَوْفاً مِنْهُ، وَكَانَ كَثِيْرَ الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ للهِ، يُطِيلُ السُّجُوْدَ وَالرُّكُوْعَ، وَلاَ يَقبَلُ مِمَّنْ يَعْذُلُهُ، وَنُقِلَتْ لَهُ كَرَامَاتٌ.
ثُمَّ قَالَ الضِّيَاءُ: لَمْ أر أحدًا أحسن صلاة من وَلاَ أَتَمَّ، بِخُشُوْعٍ وَخُضُوْعٍ، قِيْلَ: كَانَ يُسبِّحُ عَشْراً يَتَأَنَّى فِيْهَا، وَرُبَّمَا قَضَى فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ صَلَوَاتٍ عِدَّةٍ، وَكَانَ يَصُوْمُ يَوْماً، وَيُفْطِر يومًا، وكان إذا دعا كان يَشْهَدُ بِإِجَابَة دُعَائِهِ مِنْ كَثْرَةِ ابْتِهَالِهِ وَإِخْلاَصِهِ، وَكَانَ يَمضِي يَوْمَ الأَرْبعَاءِ إِلَى مَقَابِرِ بَابِ الصغير عند الشهداء، فيدعو وَيَجْتَهِدُ سَاعَةً طَوِيْلَةً.
وَمِنْ دُعَائِهِ المَشْهُوْرِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَقْسَانَا قَلْباً، وَأَكْبَرِنَا ذَنْباً، وَأَثْقَلِنَا ظَهْراً، وَأَعْظَمِنَا جُرْماً".
وَكَانَ يَدْعُو: "يَا دَلِيلَ الحَيَارَى، دُلَّنَا عَلَى طَرِيْقِ الصَّادِقِيْنَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِيْنَ".
وَكَانَ إِذَا أَفْتَى فِي مَسْأَلَة، يَحتَرِزُ فِيْهَا احتِرَازاً كَثِيْراً.
قَالَ: وَأَمَّا زُهْدُهُ، فَمَا أَعْلَم أَنَّهُ أَدخَلَ نَفْسَه فِي شَيْءٍ مِنْ أَمر الدُّنْيَا، وَلاَ تَعرَّضَ لَهَا، وَلاَ نَافَسَ فِيْهَا، وَمَا عَلِمْتُ أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى سُلْطَانٍ وَلاَ وَالٍ، وَكَانَ قَوِيّاً فِي أَمْرِ اللهِ، ضَعِيْفاً فِي بدنه، لاَ تَأْخُذُه فِي اللهِ لَوْمَة لاَئِم، أَمَّاراً بِالمَعْرُوف، لاَ يَرَى أَحَداً يسيء صلاته، إلَّا قال له وعلمه.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ أَتَى فُسَّاقاً، فَكَسَرَ مَا مَعَهُم، فَضَرَبُوهُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، فَأَرَادَ الوَالِي ضَرْبَهُم، فَقَالَ: إِنْ تَابُوا وَلاَزمُوا الصَّلاَةَ، فَلاَ تُؤْذِهِم، وَهُم فِي حِلٍّ، فَتَابُوا.
قَالَ الضِّيَاءُ: سَمِعْتُ خَالِي مُوَفَّقَ الدِّيْنِ يَقُوْلُ: مِنْ عُمُرِي أَعْرِفُهُ -يَعْنِي: العِمَادَ- مَا عَرَفْتُ أَنَّهُ عَصَى اللهَ مَعْصِيَةً.
وَسَمِعْتُ الإِمَامَ مَحَاسِنَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ يَقُوْلُ: كَانَ الشَّيْخُ العِمَادُ جَوْهَرَةَ العَصرِ.
ثُمَّ قَالَ الضِّيَاءُ: أَعْرفُ وَأَنَا صَغِيْرٌ أَنَّ جَمِيْعَ مَنْ كَانَ فِي الجَبَلِ يَتَعَلَّمُ القُرْآنَ كَانَ يَقرَأُ عَلَى العِمَادِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَكَانَ يَبعثُ بِالنَّفَقَةِ سِرّاً إِلَى النَّاسِ، وَيَأْخُذُ بِقَلْبِ الطَّالِبِ، وَلَهُ بِشْرٌ دَائِمٌ.

(16/83)


وَحَدَّثَنِي الشَّيْخُ المُقْرِئُ عَبْدُ اللهِ بنُ حَسَنٍ الهَكَّارِيُّ بِحَرَّانَ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ قَائِلاً يَقُوْلُ لِي: العِمَادُ مِنَ الأَبْدَالِ، فَرَأَيْتُ خَمْسَ لَيَالٍ كَذَلِكَ.
وَسَمِعْتُ التَّقِيَّ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ ابْن الحَافِظِ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ الشَّيْخَ العِمَادَ فِي النَّوْمِ عَلَى حِصَانٍ، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي الشَّيْخَ، إِلَى أَيْنَ? قَالَ: أَزُورُ الجَبَّارَ -عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ فِي "المِرْآةِ": كَانَ الشَّيْخُ العماد يحضر مجلسي دَائِماً، وَيَقُوْلُ: صَلاَحُ الدِّيْنِ يُوْسُفُ فَتَحَ السَّاحِلَ، وَأَظهَرَ الإِسْلاَمَ، وَأَنْتَ يُوْسُفُ أَحيَيتَ السُّنَّةَ بِالشَّامِ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: يُشير أَبُو المُظَفَّرِ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يُورد فِي الوَعْظِ كَثِيْراً مِنْ كَلاَمِ جَدِّهِ وَمِنْ خُطَبِهِ مَا يَتَضمَّنُ إِمْرَارَ الصِّفَاتِ وَمَا صَحَّ مِنَ الأَحَادِيْثِ عَلَى مَا وَردَ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ إِلَى تَأْوِيْلٍ وَلاَ تَشْبِيهٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ، وَمَشَايِخُ الحَنَابِلَةِ العُلَمَاءُ هَذَا مُخْتَارُهُم، وَهُوَ جَيِّدٌ، وَشَاهَدتُ العِمَادَ مُصَلِّياً فِي حَلْقَةِ الحَنَابِلَةِ مِرَاراً وَكَانَ مُطِيلاً لأَرْكَانِ الصَّلاَةِ قِيَاماً وَرُكُوْعاً وَسُجُوداً، كَانَ يُصَلِّي إِلَى جُرَانتين، ثُمَّ عَمِلَ المِحْرَابَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ الضِّيَاءُ: تُوُفِّيَ العِمَادُ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ- لَيْلَةَ الخَمِيْسِ، سَابِعَ عَشَرَ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَشَاءَ الآخِرَةِ، فَجْأَةً وَكَانَ صَلَّى المَغْرِبَ بِالجَامِعِ وَكَانَ صَائِماً، فَذَهَبَ إِلَى البَيْتِ، وَأَفطَرَ عَلَى شَيْءٍ يَسِيرٍ، وَلَمَّا أُخْرِجَتْ جِنَازَته، اجْتَمَعَ خَلْقٌ، فَمَا رَأَيْتُ الجامع إلَّا وكأنه يَوْمُ الجُمُعَةِ مِنْ كَثْرَةِ الخَلْقِ، وَكَانَ الوَالِي يَطْرُدُ الخَلْقَ عَنْهُ، وَازْدَحَمُوا حَتَّى كَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَهْلِكَ، وَمَا رَأَيْتُ جَنَازَةً قَطُّ أَكْثَرَ خَلْقاً مِنْهَا.
وَحُكِي عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا جَاءهُ المَوْتُ جَعَلَ يَقُوْلُ: يَا حَيُّ يَا قَيُّوْمُ، لاَ إِلَهَ إلَّا أَنْتَ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيْثُ، واستقبل القبلة، وتشهد.
قَالَ: وَزَوْجَاتُهُ أَرْبَعٌ، مِنْهُنَّ غَزِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ البَاقِي، وَلَدَتْ لَهُ: قَاضِي مِصْرَ شَمْسَ الدِّيْنِ، والعماد أحمد.

(16/84)


ابن الجلاجلي، ابن الصقيل، يحيى بن ياقوت:
5476- ابن الجلاجلي 1:
التَّاجِرُ الرَّئِيْسُ المُقْرِئُ كَمَالُ الدِّيْنِ أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُبَارَكِ البَغْدَادِيُّ، ابْنُ الجَلاَجِلِيِّ.
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ هِبَة اللهِ بنِ أَبِي شَرِيْكٍ، وَابْنِ البَطِّيِّ، وَتَلاَ بِرِوَايَاتٍ عَلَى أَبِي الحَسَنِ البَطَائِحِيِّ، وَأَبِي السَّعَادَاتِ الوَكِيْلِ؛ تِلْمِيْذِ أَبِي البَرَكَاتِ الوَكِيْلِ. وَسَمِعَ مِنَ: السِّلَفِيِّ، وَجَال مِنْ مِصْرَ إِلَى الهِنْدِ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ فِي التِّجَارَةِ، وَكَانَ صَادِقاً كَيِّساً، مُحْتَشِماً، حُفَظَةً لِلْحِكَايَاتٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالقُوْصِيُّ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَابْنُ البُخَارِيِّ، وَابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَابْنُ الزَّيْنِ، ومحمد بن مؤمن، وعدة.
وتوفي فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عشرة وست مائة، رحمه الله.
5477- ابن الصيقل 2:
الشَّرِيْفُ أَبُو القَاسِمِ مُوْسَى بنُ سَعِيْدٍ الهَاشِمِيُّ، ابْنُ الصَّيْقَلِ.
سَمِعَ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ ابْنِ الطَّرَائِفِيِّ، وَالأُرْمَوِيِّ.
وَعَنْهُ: الدُّبَيْثِيُّ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالمِقْدَادُ القَيْسِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَوَلِيَ نَقَابَةَ العَبَّاسِيِّيْنَ بِالكُوْفَةِ، وَوَلِيَ حِجَابَةَ بَابِ النُّوْبِيِّ.
مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
5478- يَحْيَى بنُ ياقوت 3:
الشَّيْخُ أَبُو الفَرَجِ الفَرَّاشُ.
سَمِعَ: إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَعَبْدَ الجَبَّارِ بنَ تَوْبَةَ، وَيَحْيَى ابْنَ الطَّرَّاحِ، وَابْنَ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَجَاوَرَ، وَرَتَّبَ شَيْخاً بِالحَرَمِ وَمِعْمَاراً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَوْدُوْدٍ نَزِيْلُ مِصْرَ، وَعِدَّةٌ.
ثُمَّ عَادَ إِلَى بَغْدَادَ، وَبِهَا مَاتَ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، عن سن عالية.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1389"، ووقع عنده [الحلاحلي] بحاءين مهملتين، بدل [الجلاجلي] بجيمين معجمتين. والنجوم الزاهرة "6/ 215"، وشذرات الذهب "5/ 53".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1389"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 53".
3 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1389"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 214"، وشذرات الذهب "5/ 53".

(16/85)


ابن مجلي، الزهري، عبد السلام:
5479- ابن مجلي:
الإِمَامُ القَاضِي ثِقَةُ الملكِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ ابْنُ القَاضِي الإِمَامِ أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُجَلِّي بنِ حُسَيْنٍ الرَّمْلِيُّ، ثُمَّ المِصْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الخَطِيْبُ.
سَمِعَ: ابْنَ رِفَاعَةَ، وَأَبَا الفُتُوْحِ الخَطِيْبَ، وَنَاب فِي القَضَاءِ.
مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
رَوَى عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَشَرَفُ الدِّيْنِ عُمَرُ بنُ صَالِحٍ السُّبْكِيُّ، وَمُحَمَّدُ ابْن الخِيَمِيّ الشَّاعِرُ، وَآخَرُوْنَ.
5480- الزهري:
مسند الأندلس أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الزُّهْرِيُّ، الإِشْبِيْلِيُّ.
سَمِعَ "البُخَارِيَّ" مِنْ أَبِي الحَسَنِ شُرَيْحِ بنِ مُحَمَّدٍ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَعُمِّرَ، وَتَفَرَّدَ، وَتَنَافَسُوا فِي الأَخْذِ عَنْهُ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ سَيِّدِ النَّاسِ الحَافِظُ.
تُوُفِّيَ فِي آخِرِ سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ. وَقِيْلَ: بَقِيَ إِلَى سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَلَمْ يَصِحَّ.
وَشَيخُهُ يَرْوِي الصَّحِيْحَ عَنْ وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الحَافِظِ.
5481- عَبْدُ السَّلاَمِ 1:
ابْنُ الفَقِيْهِ عَبْدِ الوَهَّابِ ابْنِ الشيخ عبد القادر الجيلي. الركن، أبو مَنْصُوْرٍ، الفَاسِدُ العَقيدَةِ، الَّذِي أُحرِقَتْ كُتُبُه، وَكَانَ خِلاًّ لِعَلِيِّ ابْنِ الجَوْزِيِّ يَجْمَعهُمَا عَدَمُ الوَرَعِ!
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: جَدِّهِ، وَابْنِ البَطِّيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ المُقَرّبِ، وَمَا سَمِعُوا مِنْهُ شَيْئاً. دَرَّسَ بِمَدْرَسَةِ جَدِّهِ، وَوَلِيَ أَعْمَالاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: ظَهَرَ عَلَيْهِ بِخَطِّهِ بتَخيُّرِ الكَوَاكِبِ وَمُخَاطَبَتِهَا بِالإِلَهِيَّةِ، وَأَنَّهَا مُدبِّرَةٌ، فَأُحضِرَ، فَقَالَ: كَتَبتُهُ تَعجُّباً لاَ مُعْتَقِداً، فَأُحرِقَتْ مَعَ كُتُبِ فَلسَفِيَّةٍ بِخَطِّهِ فِي مَلأٍ عَظِيْمٍ، سَنَةَ 588، وَأُعْطِيَتْ مَدَارِسُه لابْنِ الجَوْزِيِّ، فَهَذَا كَانَ السَّبَبَ فِي اعتِقَالِ ابْنِ الجَوْزِيِّ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ بِوَاسِطَ؛ وَلِيَ وَزِيْرٌ شِيْعِيٌّ، فَمكَّنَ الرُّكْنَ مِنِ ابْنِ الجَوْزِيِّ، وَبَعدَ سَنَةِ سِتِّ مائَةٍ أُعِيدَ إِلَى الرُّكْنِ الْمدَارِس، ثُمَّ رتّب عَمِيداً بِبَغْدَادَ وَمُسْتَوْفِياً لِلمكس، وَتَمَكَّنَ، فَظَلَمَ وَعَسَفَ، ثُمَّ حُبِسَ وَخَمَلَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ ظَرِيفاً، لَطِيفَ الأَخْلاَقِ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ فَاسِدَ العَقِيدَةِ.
مَاتَ فِي رَجَبٍ، سنة إحدى عشرة وست مائة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 45، 46".

(16/86)


5482- السائح 1:
الزَّاهِدُ الفَاضِلُ الجَوَّالُ الشَّيْخُ عَلِيُّ بنُ أَبِي بكر الهروي الذي طوف غَالِبَ المَعْمُور، وَقَلَّ أَنْ تَجِدَ مَوْضِعاً مُعْتَبَراً إلَّا وَقَدْ كَتَبَ اسْمَهُ عَلَيْهِ.
مَوْلِدُهُ بِالمَوْصِلِ، وَاسْتَوْطَنَ فِي الآخِر حَلَبَ، وَلَهُ بِهَا رِبَاطٌ. وَجَمَعَ تَوَالِيفَ وَفَوَائِدَ وَعَجَائِبَ. وَكَانَ حَاطِبَ لَيْلٍ، دَخَلَ فِي السِّحْرِ وَالسِّيمِيَاءِ، وَنفقَ عَلَى الظَّاهِر صَاحِبِ حَلَبَ، فَبَنَى لَهُ مَدْرَسَةً، فَدرَّسَ بِهَا، وَخَطَبَ بِظَاهِرِ حَلَبَ، وَكَانَ غَرِيْباً مُشَعْوِذاً، حُلْوَ المُجَالَسَةِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَادَ أَنْ يُطبِقَ الأَرْض بِالدَّوَرَانِ بَرّاً وَبَحْراً وَسَهْلاً وَوَعْراً، حَتَّى ضُرِبَ بِهِ المَثَلُ، فَقَالَ ابْنُ شَمْسِ الخِلاَفَةِ فِي رَجُلٍ:
أَوْرَاقُ كِذْبَتِهِ فِي بَيْتِ كُلِّ فَتَىً ... عَلَى اتِّفَاقِ مَعَانٍ وَاخْتِلاَفِ رَوِي
قَدْ طَبَّقَ الأَرْضَ مِنْ سَهْلٍ إِلَى جَبَلٍ ... كَأَنَّهُ خَطُّ ذَاكَ السَّائِحِ الهَرَوِيّ
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: كَانَ عَارِفاً بِأَنْوَاعِ الحِيَلِ وَالشَّعْبَذَةِ، أَلَّفَ خُطَباً وَقدَّمهَا لِلنَّاصِرِ لِدِيْنِ اللهِ، فَوَقَّعَ لَهُ بِالحُسبَةِ فِي سَائِرِ البِلاَدِ، فَبقِيَ لَهُ شَرَفٌ بِهَذَا التَّوقِيعِ مَعَهُ، وَلَمْ يُباشرْ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ.
قُلْتُ: سَمِعَ مِنْ عَبْدِ المُنْعِمِ ابْنِ الفُرَاوِيِّ سُبَاعِيَّاتِهِ. وَرَأَيْتُ لَهُ كِتَاب المَزَارَاتِ وَالمَشَاهِدِ الَّتِي عَايَنَهَا، وَدَخَلَ إِلَى جَزَائِرِ الفِرَنْجِ، وَكَادَ أَنْ يُؤْسَرَ. وَقَبرُهُ فِي قُبَّةٍ بِمَدْرَسَتِهِ بِظَاهِرِ حَلَبَ.
مَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائة، وقد شاخ.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "3/ ترجمة 459"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 49".

(16/87)


ابن الصباغ، ابن البناء:
5483- ابن الصباغ 1:
الشَّيْخُ القُدْوَةُ الزَّاهِدُ الكَبِيْرُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ حُمَيْد ابْن الصَّبَّاغِ الصَّعِيْدِيُّ.
انتَفَعَ بِهِ خَلقٌ، وَكَانَ حَسَنَ التَّربِيَةِ لِلمُرِيْدِين، يَتفقَّدُ مَصَالِحهم الدِّينِيَّةَ، وَلَهُ أَحْوَالٌ وَمَقَامَاتٌ وَتَأَلُّهٌ.
قَالَ الحَافِظُ زَكِيُّ الدِّيْنِ المُنْذِرِيُّ: اجْتَمَعْتُ بِهِ بِقَنَا، وَتُوُفِّيَ بِهَا، وَهِيَ مِنْ صَعِيدِ مِصْرَ، فِي نِصْفِ شعبان، سنة عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، رَحِمَهُ اللهُ.
5484- ابْنُ البَنَّاءِ 2:
الشَّيْخُ الزَّاهِدُ العَالِمُ نُوْرُ الدِّيْنِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي المَعَالِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهُوْبِ بنِ جَامِعِ بنِ عَبْدُوْنَ البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ، ابْنُ البَنَّاءِ.
صَحِبَ الشَّيْخَ أَبَا النَّجِيْبِ. وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ نَاصِرٍ، وَأَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُوزُرِيِّ، وَأَبِي بكر ابن الواغوني، ونصر بن نصر، وعدة.
وَحَدَّثَ بِمَكَّةَ، وَمِصْرَ، وَالشَّامِ، وَبَغْدَادَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ خَلِيْلٍ، وَالقُوْصِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ بلكويه، وَالجمَالُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَالقُطْبُ الزُّهْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَابْنُ البُخَارِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَازَ لِشَيخِنَا عُمَرُ ابْنُ القَوَّاسِ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: شَيْخٌ حَسَنٌ كَيِّسٌ، صَحِبَ الصُّوْفِيَّةَ، وَتَأَدَّبَ بِهِم، وَسَمِعَ كَثِيْراً، وَقَالَ لِي: وُلِدْتُ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَجَاوَرَ بِمَكَّةَ زَمَاناً، ثُمَّ تَوجَّهَ إِلَى مِصْرَ، ثُمَّ إِلَى دِمَشْقَ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ مِنْ أَعيَانِ الصُّوْفِيَّةِ وَأَحْسَنِهِم شَيْبَةً وَشَكلاً لاَ يَمَلُّ جَلِيسُهُ مِنْهُ.
مَاتَ فِي مُنْتَصَفِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، بِالسُّمَيْسَاطِيَّةِ، وكتب بخطه أجزاء عديدة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1389"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 215"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 52، 53".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1389"، والنجوم الزاهرة "6/ 215"، وشذرات الذهب "5/ 53".

(16/88)


الملنجي، ابن ظاهر:
5485- الملنجي:
المُحَدِّثُ المُفِيْدُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي القَاسِمِ المِلَنْجِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، القَطَّانُ، المؤدب.
وُلِدَ نَحْوَ سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ الحَمامِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي نَصْرٍ بنِ هَاجَرَ، وَحَجَّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ المُفَضَّلِ الحَافِظُ -وَمَاتَ قَبْلَهُ- وَالحَافِظُ الضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ. وَأَجَاز لابْنِ البُخَارِيِّ.
وَكَانَ حَافِظاً، مُكْثِراً، مُكرِماً لِلطَّلبَةِ، ذَا مُرُوءةٍ، مُحِبّاً لِلرِّوَايَةِ.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمِلَنْجَةَ: مَحلَّةٌ، أو قرية من أصبهان.
5486- ابن ظافر:
صَاحِبُ كِتَابِ "الدُّوَلِ المُنْقَطِعَةِ" العَلاَّمَةُ البَارِعُ، جَمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ ابْنُ العَلاَّمَةِ أَبِي منصور ظَافِرِ بنِ الحُسَيْنِ الأَزْدِيُّ، المِصْرِيُّ، المَالِكِيُّ، الأُصُوْلِيُّ، المُتَكَلِّمُ، الأَخْبَارِيُّ.
أَخَذَ الفِقْهَ وَالكَلاَمَ عَنْ أَبِيْهِ، وَجَوَّدَ العَرَبِيَّةَ، وَشَاركَ فِي الفَضَائِلِ. وَكَانَ فَطِناً، طَلِقَ العِبَارَةِ، سَيَّالَ الذِّهنِ، جَيِّدَ التَّصَانِيْفِ، درَّسَ بِمَدْرَسَةِ المَالِكِيَّةِ بِمِصْرَ بَعْدَ وَالِدِه، وَترسَّلَ إِلَى الخليفة، ووزر للملك الأشرف مُدَّةً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِصْرَ، وَوَلِيَ وَكَالَةَ السُّلْطَانِ، وَلَهُ كِتَابُ "الدُّوَلِ المُنْقَطِعَةِ"، فَأَتَى فِيْهِ بِنفَائِس، وَلَهُ كِتَابُ "بَدَائِعِ البَدَائِهِ"، وَكِتَابُ "أَخْبَارِ الشَّجْعَانِ"، وَ"أَخْبَارِ آلِ سَلْجُوْقٍ"، وَكِتَابُ "أَسَاسِ السِّيَاسَةِ"، وَلَهُ نَظْمٌ حَسنٌ.
أَخَذَ عَنْهُ المُنْذِرِيُّ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَأَقْبَلَ فِي الآخَرِ عَلَى الحَدِيْثِ، وَأَدمَنَ النَّظَرَ فِيْهِ.
عَاشَ ثَمَانِياً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.

(16/89)


ابن صاحب الأحكام، الجاجرمي:
5487- ابن صاحب الأحكام:
العَدْلُ العَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ الأَنْصَارِيُّ، الغَرْنَاطِيُّ.
مَاتَ فِي رجب، فجاءة من سنة أربه عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
قَالَ الأَبَّارُ: رَوَى عَنْ أَبِي الحَسَنِ شُرَيْحِ بن محمد، وأبي الحكم عبد الرحمن بنِ غَشَلْيَانَ، وَابْن رِضَى -يَعْنِي: إِجَازَةً.
وَقَالَ ابن مسدي: هو أحد الأعلان بِبِلاَدِه، قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ خَلَفِ بنِ يَبْقَى، وَأَجَاز لَهُ: ابْنُ العَرَبِيِّ.
قُلْتُ: لابْنِ غَشَلْيَانَ إِجَازَةٌ مِنَ الخِلَعِيِّ، وَقَدْ أَجَازَ ابْنُ صَاحِبِ الأَحْكَامِ هَذَا لأَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ الطَّنْجَالِيِّ شَيْخِ أَثِيْرِ الدِّيْنِ أَبِي حَيَّانَ.
قَالَ ابْنُ مَسْدِي: سَمِعْتُ مِنْهُ أَجزَاءً، وَأَخَذَ عِلمَ الوَثَائِقِ عَنْ خَالِهِ؛ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى البَكْرِيِّ.
ابْنُ مَسْدِي: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ سَنَةَ 611، أَخْبَرْنَا ابْنُ يَبْقَى، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الجَلِيْلِ الغَسَّانِيُّ بِالقَيْرَوَانِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ القَابِسِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ مِسْكِيْنٍ، حَدَّثَنَا سحْنُوْن، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بِحَدِيْث، ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَسْدِي: هَذَا أَعْلَى الأَسَانِيْدِ إِلَى القَابِسِيِّ.
قُلْتُ: صَدقَ إِنْ لم يكن سقط رجل?!
5488- الجاجرمي 1:
العَلاَّمَةُ مُصَنِّفُ "الكِفَايَةِ" أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي الفَضْلِ السَّهْلِيُّ، الشَّافِعِيُّ، مُعِيْنُ الدِّيْنِ، مُفْتِي نَيْسَابُوْرَ.
وَلَهُ كِتَاب "إِيْضَاحِ الوَجِيْزِ"، مجلدان.
تخرج به أئمة.
وَمَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائة.
وبليدة جاجرم بين جرجان ونيسابور.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "4/ ترجمة 602"، وشذرات الذهب "5/ 56".

(16/90)


أبو تراب، البندنيجي:
5489- أبو تراب:
الفَقِيْهُ أَبُو تُرَابٍ يَحْيَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي تُرَابٍ الكَرْخِيُّ، اللَّوْزِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الرَّافضِيُّ. وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ عَلَى أبي الحسن ابن الخل. وسمع من: الأموي، وَالكَرُوْخِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ، وَجَمَاعَةٍ. وَحَدَّثَ بِدِمَشْقَ، وَبَغْدَادَ.
روى عنه: ابن الدبيثي، وابن خليل، وَالقُوْصِيُّ، فَقَالَ القُوْصِيُّ: أَخْبَرَنَا المُفْتِي قَوَامُ الدِّيْنِ يَحْيَى مُعِيْدُ العِمَاد الكَاتِب، أَخْبَرْنَا ابْنُ الزَّاغُوْنِيِّ -فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: دَخَلتُ عَلَيْهِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، فَرَأَيْتُهُ مُختلاًّ؛ زَعَمَ أَنَّ المَلاَئِكَةَ تَنزِلُ عَلَيْهِ بِثِيَابٍ خُضْرٍ، فِي هَذَيَانٍ طَوِيْلٍ وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا ضَجِرَ لَمَّا قُرِئَ عَلَيْهِ "التِّرْمِذِيّ" يَشتمهُم بِفُحشٍ.
وَحَدَّثَنِي ابْنُ هِلاَلَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أبي تراب، فقال: من أين أَنْتَ? قُلْتُ: مِنَ المَغْرِبِ. فَبَكَى، وَقَالَ: لاَ رَضِيَ اللهُ عَنْ صَلاَحِ الدِّيْنِ، ذَاكَ فَسَادُ الدِّيْنِ، أَخرجَ الخُلَفَاءَ مِنْ مِصْرَ وَجَعَلَ يَسُبُّهُ، فَقُمْتُ.
مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وست مائة.
5490- البندنيجي 1:
الحَافِظُ مُفِيْدُ بَغْدَادَ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ كَرَمٍ البَنْدَنِيْجِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الأَزَجِيُّ، المُعَدَّلُ، أَخُو المُحَدِّثِ تَمِيْمٍ.
وُلِدَ سنة إحدى وأربعين وخمس مائة.
وسمع من: ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ المَادِحِ، وَهَلُمَّ جَرَّا.
وَكَتَبَ العَالِي وَالنَّازِلَ، وَبَالَغَ عَنْ غَيْرِ إِتْقَانٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وابن النجار، والزكي، البرزالي، وَاليَلْدَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَلَهُ عِنَايَةٌ بِالأَسْمَاءِ، وَنَظَرٌ فِي العَرَبِيَّةِ، وَكَانَ فَصِيْحاً، طَيِّبَ القِرَاءةِ، امْتُحِنَ بِأَنْ شَهِدَ فِي سِجلٍّ بَاطِلٍ، فَصُفِعَ عَلَى حِمَارٍ، وَحُبِسَ مُدَّةً فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ، وَخَمَلَ.
وَكَانَ أَخُوْهُ تَمِيْمٌ قَدِ اسْتَجَازَ لِلإِمَامِ النَّاصِرِ جَمَاعَةً، فَأَظهرَ الإِجَازَةَ، فَأَنْعَمَ عَلَيْهِ، فَتَكَلَّمَ فِي أَخِيْهِ، وَأَنَّهُ مَا شَهِدَ بِزُوْرٍ مَحْضٍ، بَلْ رَكنَ إِلَى قَوْلِ القَاضِي مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ العَبَّاسِيِّ، وَأَنَّ الأُسْتَاذَ دَارَ ابْنَ يُوْنُسَ تَعصَّبَ عَلَيْهِ، فَأَعَادَهُ النَّاصِرُ إِلَى العَدَالَةِ، وَقَبِلَهُ القَاضِي أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ ابْنُ الدَّامَغَانِيِّ بِلاَ تَزْكِيَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَكُنْتُ أَرَاهُ كَثِيْرَ التَّحَرِّي لاَ يُسَامِحُ فِي حَرْفٍ. قَالَ: وَمَعَ هَذَا فَكَانَتْ أُصُوْلُه مُظْلِمَةً، وَكَذَا خَطُّهُ وَطِبَاقُهُ، وَكَانَ سَاقِطَ المُرُوءةِ، وَسِخَ الهَيْئَةِ، يَدُلُّ حَالُهُ عَلَى تَهَاوُنِهِ بِالأُمُوْرِ الدِّيْنِيَّةِ، وَتُحْكَى عَنْهُ قَبَائِحُ، فَسَأَلْتُ شَيْخَنَا ابْنَ الأَخْضَرِ عنه وعن أخيه، فصرح بكذبهما.
أخوه:
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 226"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 62".

(16/91)


أبو القاسم تميم، علي بن المفضل:
5491- أبو القاسم تميم 1:
ابن أبي بكر أحمد بن أحمد الزجي مُفِيْدُ الجَمَاعَةِ، كَانَ أَصْغَرَهُمَا. وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وأربعين.
وسمع كأخيه من: ابن الواغوني، وَأَبِي الوَقْتِ، وَهِبَة اللهِ الشِّبْلِيِّ، وَمَنْ بَعْدَهُم. وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَأَفَادَ الغُربَاءَ، وَكَانَ خَبِيْراً بِالمَرْوِيَّات وَبِالشُّيُوْخِ، وَلَهُ فَهْمٌ، وَلَيْسَ بِذَاكَ المُتْقِنِ.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِيُّ، وَاليَلْدَانِيُّ.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، كَهْلاً.
وَمَاتَ الأَوَّلُ شَيْخاً، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وست مائة.
5492- علي بن المفضل 2:
ابن عَلِيِّ بنِ مُفَرِّجِ بنِ حَاتِمِ بنِ حَسَنِ بن جعفر، الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُفْتِي، الحَافِظُ، الكَبِيْرُ، المُتْقِنُ، شَرَفُ الدِّيْنِ، أَبُو الحَسَنِ ابْنُ القَاضِي الأَنْجَبِ أَبِي المكارم المقدسي، ثم الإسكندراني، المالكي.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 180"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 329".
2 ترجمته في وفيات الأعيان "3/ ترجمة 431"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1119"، والنجوم الزاهرة "6/ 212"، وشذرات الذهب لابن العماد "6/ 47، 48".

(16/92)


مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ بِالثَّغْرِ عَلَى: الفَقِيْهِ صَالِحِ ابْنِ بِنْتِ مُعَافَى، وَأَبِي الطَّاهِرِ بنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ السَّلاَمِ بنِ عَتِيْقٍ السَّفَاقُسِيِّ، وَأَبِي طَالِبٍ أَحْمَدَ بنِ المُسَلَّمِ اللَّخْمِيِّ. وَبَرَعَ فِي المَذْهَبِ، وَسَمِعَ منهم، ومن الحافظ أبي طاهر السِّلَفِيّ، وَلَزِمَه سَنَوَاتٍ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَانقطَعَ إِلَيْهِ، وأسمع ولده محمدًا منه، ة سمع أَيْضاً مِنَ القَاضِي أَبِي عُبَيْدٍ نِعْمَةَ بنِ زِيَادَةِ اللهِ الغِفَارِيِّ؛ حَدَّثَهُ بِأَكْثَرِ "صَحِيْحِ البُخَارِيِّ"، عَنْ عِيْسَى بنِ أَبِي ذَرٍّ الهَرَوِيِّ ثُمَّ السَّرْوِيِّ، وَسَمَاعُهُ مِنْهُ "لِلصَّحِيْحِ" سِوَى قِطعَةٍ مِنْ آخِرِهِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. وَسَمِعَ مِنْ: بَدْرٍ الخُذَادَاذِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ خَلَفِ اللهِ المُقْرِئِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَرِّيٍّ النَّحْوِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ هِبَةِ اللهِ الكَامِلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الرَّحْبِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ بِالثَّغْرِ وَمِصْرَ وَالحَرَمَيْنِ.
وَجَمَعَ وَصَنَّفَ وَتَصَدَّرَ لِلإِشْغَالِ، وَنَابَ فِي الحُكمِ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ مُدَّةً، ثُمَّ درَّسَ بِمَدْرَسَتِهِ الَّتِي هُنَاكَ مُدَّةً، ثُمَّ إِنَّهُ تَحَوَّلَ إِلَى القَاهِرَةِ، وَدرَّسَ بِالمَدْرَسَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا الصَّاحِبُ ابْنُ شُكْرٍ، وَإِلَى أَنْ مَاتَ. وَكَانَ مُقَدَّماً فِي المَذْهَبِ، وَفِي الحَدِيْثِ؛ لَهُ تَصَانِيْفُ مُحرَّرَةٌ، رَأَيْتُ لَهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ كِتَابَ "الصِّيَامِ" بِالأَسَانِيْدِ، وَلَهُ "الأَرْبَعُوْنَ فِي طَبَقَاتِ الحُفَّاظِ"، وَلَمَّا رَأَيْتُهَا تَحَرَّكتْ هِمَّتِي إِلَى جَمْعِ الحُفَّاظِ وَأَحْوَالِهِم.
وَكَانَ ذَا دِيْنٍ وَوَرَعٍ وَتَصَوُّنٍ وَعَدَالَةٍ وَأَخلاَقٍ رَضِيَّةٍ وَمُشَاركَةٍ فِي الفَضْلِ قَوِيَّةٍ.
ذَكَرَهُ تِلْمِيْذُهُ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيُّ، وَبَالَغَ فِي تَوقِيْرِهِ وَتَوْثِيْقِهِ، وَقَالَ: رَحَلَ إِلَى مِصْرَ فِي سَنَةِ أربع وسبعين، فسمع محمد بن علي الرَّحْبِيَّ، وَسَمَّى جَمَاعَةً، وَكَانَ مُتوَرِّعاً، حَسَنَ الأَخْلاَقِ، جَامِعاً لِفنُوْنٍ، انْتَفَعتُ بِهِ كَثِيْراً.
قُلْتُ: لَوْ كَانَ ارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ وَالمَوْصِلِ، لَلَحِقَ جَمَاعَةَ مُسْنَدِيْنَ، وَمَتَى خَرَجَ عَنِ السِّلَفِيِّ نَزَلَتْ رِوَايَتُهُ وَقَلَّتْ.
أَجَاز لَهُ مِنَ المَغْرِب مُسْنِدُ وَقْتِهِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ حُنَيْنٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ، قَالَ بَعْضُ الفُضَلاَءِ لِمَا مَرُّوا بِنَعْشِهِ: رَحِمَك الله أَبَا الحَسَنِ، قَدْ كُنْتَ أَسْقَطْتَ عَنِ النَّاس فُرُوضاً -يُرِيْدُ: لِنُهُوضِهِ بِفنُوْنٍ مِنَ العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: المُنْذِرِيُّ، وَالرَّشِيْدُ الأُرْمَوِيُّ، وَزَكِيُّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيُّ، وَمَجْدُ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ وَهْبٍ القُشَيْرِيُّ، وَالعَلَمُ عَبْدُ الحَقِّ ابْن الرَّصاصِ، وَالشَّرَفُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ نَصْرٍ الفِهْرِيُّ اللُّغَوِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ بلكويه الصُّوْفِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عُثْمَانَ القَابِسِيُّ المُحْتَسِبُ، وَالجَمَالُ

(16/93)


مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الهَوَارِيّ، وَالقَاضِي شَرَفُ الدِّيْنِ أَبُو حَفْصٍ السُّبْكِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُرْتَضَى بنِ أَبِي الجُوْدِ، وَالشِّهَابُ إِسْمَاعِيْلُ القُوْصِيُّ، وَالنَّجِيْبُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ السَّفَاقُسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الخَالِقِ بنِ طَرْخَانَ الأُرْمَوِيُّ، وَالمُحْيِي عَبْدُ الرَّحِيْمِ ابْنُ الدَّمِيْرِيِّ، وَعِدَّةٌ.
وَرَوَى لِي عَنْهُ بِالإِجَازَةِ يُوْسُفُ ابْن القَابِسِيِّ: لَمْ أُدْرِكْ أَحَداً سَمِعَ مِنْهُ فِي رِحلَتِي.
قَالَ زَكِيُّ الدِّيْنِ المُنْذِرِيُّ: تُوُفِّيَ فِي مُسْتَهَلِّ شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِسَفْحِ المُقَطَّمِ.
قُلْتُ: وَتُوُفِّيَ فِيْهَا: شَيْخُ الحَنَابِلَةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَعَالِي بنِ غَنِيْمَةَ البَغْدَادِيُّ ابْنُ الحَلاَوِيِّ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سنة، ومسند الأندلس أبو القاسم أحمد ابن مُحَمَّدِ بنِ أَبِي المُطَرِّفِ بنِ جَرْجٍ القُرْطُبِيُّ وَلَهُ تِسْعُوْنَ سَنَةً، -سَمِعَ "سُنَنَ النَّسَائِيِّ" بِكَمَالِه مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ البِطْرَوْجِيِّ عَالِياً- وَالحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ ابْن القُرْطُبِيِّ الأَنْصَارِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ، سَمِعَ ابْنَ الجَدِّ، وَالحَافِظُ عَبْدُ العَزِيْزِ ابْنُ الأَخْضَرِ، وَأَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ البَلِّ الوَاعِظُ، وَالشَّيْخُ عَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ السَّائِحُ الهَرَوِيُّ.
وَمِنْ نَظْمِ ابْنِ المُفَضَّلِ:
أبا نَفْسُ بِالمَأْثُوْرِ عَنْ خَيْرِ مُرْسَلٍ ... وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِيْنَ تَمَسَّكِي
عَسَاكِ إِذَا بَالَغْتِ فِي نَشْرِ دِينِهِ ... بِمَا طَابَ مِنْ نَشْرٍ لَهُ أَنْ تَمَسَّكِي
وَخَافِي غَداً يَوْمَ الحِسَابِ جَهَنَّماً ... إِذَا نَفَحَتْ نيرانها أن تمسك

(16/94)


5493- ابن القرطبي 1:
الإِمَامُ الحَافِظُ المُحَدِّثُ البَارِعُ الحُجَّةُ النَّحْوِيُّ المُحَقِّقُ أَبُو بَكْرٍ عَبْد اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ يَحْيَى الأَنْصَارِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، المَالقِيُّ، المَشْهُوْرُ: بِابْنِ القُرْطُبِيِّ.
وُلِدَ سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائة، واختص بأبي زيد السهيلي، ولازمه.
وَسَمِعَ أَيْضاً: أَبَاهُ الإِمَام أَبَا عَلِيٍّ، وَأَبَا بَكْرٍ، بن الجَدِّ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ زَرْقُوْنَ، وَأَبَا القَاسِمِ بن حُبَيْش، وَطَبَقَتهُم، فَأَكْثَر وَجَوَّد.
وَأَجَاز لَهُ أَبُو مَرْوَانَ بنُ قُزْمَانَ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ هُذَيْل، وَطَائِفَة، وَعنِي بِهَذَا الشَّأْن.
قَالَ الأَبَّارُ: كَانَ مِنْ أَهْلِ المَعْرِفَة التَّامَّة بصنَاعَة الحَدِيْث وَالبصر بِهَا، وَالإِتْقَان، وَالحِفْظ لأَسْمَاء الرِّجَال، وَالتَّقَدُّم فِي ذَلِكَ، مَعَ المَعْرِفَة بِالقِرَاءات، وَالمشَاركَة فِي العَرَبِيَّة، وَقَدْ نُوْظِر عَلَيْهِ فِي "كِتَاب سِيْبَوَيْه". وَرِث برَاعَة الحَدِيْث عَنْ أَبِيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَد يُدَانِيه فِي الحِفْظِ وَالجرح وَالتعديل إلَّا أَفرَاد مِنْ عصره.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَوْط اللهِ: المُحَدِّثُونَ بِالأَنْدَلُسِ ثَلاَثَة: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ القُرْطُبِيّ: وَأَبُو الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ، وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِث، فَيَرَوْنَهُ عَنَى نَفْسه.
قُلْتُ: لَمْ يَكُنْ أَبُو القَاسِمِ المَلاَّحِيّ الحَافِظ بِدُونِهِمْ، وَقَدْ كَانَ ابْنُ القُرْطُبِيّ ذَا عَظَمَة فِي النُّفُوْس عِنْد الخَاصَّة وَالعَامَّة، أَخَذَ النَّاس عَنْهُ، وَانتفعُوا بِهِ.
مَاتَ بِمَالَقَة، خَطِيْباً بِهَا، فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وست مائة.
__________
1 ترجمة في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1122"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 48".

(16/94)


5494- الرهاوي 1:
الإِمَامُ الحَافِظُ المُحَدِّثُ الرَّحَّالُ الجَوَّالُ مُحَدِّثُ الجَزِيْرَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ القَادِرِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ الرُّهَاوِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، السَّفَّارُ، مِنْ مَوَالِي بَعْضِ التُّجَّارِ.
وُلِدَ بِالرُّهَا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. وَنَشَأَ بِالمَوْصِلِ. ثُمَّ أَعتقه مَوْلاَهُ، وَحُبّب إِلَيْهِ سَمَاع الحَدِيْث، وَلقِي بقايا المسندين، وأكثر عنهم، وتميز، صنف، وَكَانَ رَدِيء الكِتَابَة، لَمْ يُتْقِن وَضْعَ الخطّ.
سَمِعَ مِنْ: مَسْعُوْد بن الحَسَنِ الثَّقَفِيّ، وَالحَسَن بن العَبَّاسِ الرُّسْتمِيّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنٍ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَرَجَاء بن حَامِدٍ المَعْدَانِيّ، وَمَحْمُوْد بن عَبْدِ الكَرِيْمِ فُورجَة، وَعَلِيّ بن عَبْدِ الصَّمَدِ بن مَرْدَوَيْه، وَمَعْمَر بن الفَاخِرِ، وَإِسْمَاعِيْل بن شَهْرَيَار، وَأَبِي مَسْعُوْدٍ عَبْد الرَّحِيْمِ الحَاجِّيّ وخلق بِأَصْبَهَانَ، وَعَبْد الجَلِيْل بن أَبِي سَعْدٍ المُعَدَّل بهَرَاة، وَهُوَ أَكْبَر شَيْخ لَهُ. وَقَعَ حَدِيْث البَغَوِيّ وَابْن صَاعِد عَالِياً، وَسَمِعَ بِهَمَذَانَ مِنْ: أَبِي زُرْعَةَ طَاهِر بن مُحَمَّدِ بنِ طَاهِر المَقْدِسِيّ، وَمُحَمَّد بن بُنَيْمَانَ، وَالحَافِظ أَبِي العَلاَءِ العَطَّار، وَطَائِفَة. وَبِمَرْوَ مِنْ: مَسْعُوْد بن مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيّ وَغَيْره. وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيّ. وَبسِجِسْتَان مِنْ: أَبِي عَرُوْبَةَ عَبْدُ الهَادِي بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الزَّاهِد. وَبِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الرَّحْبِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخشاب، وفخر النساء شهدة، وخلق. وبواسط
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1117"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 214"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 50، 51".

(16/95)


من: هبة الله ابن مَخْلَد الأَزْدِيّ، وَأَبِي طَالِبٍ الكَتَّانِيّ. وَبِالمَوْصِل مِنْ: خَطِيْبهَا أَبِي الفَضْلِ عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ ابْنِ الطُّوْسِيِّ، وَيَحْيَى بن سعدُوْنَ القُرْطُبِيّ المُقْرِئ. وَبِدِمَشْقَ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ بَرَكَةَ الصِّلْحِيّ وَأَبِي القَاسِمِ عَلِيّ بن الحَسَنِ الحَافِظ. وَبِالإِسْكَنْدَرِيَّة مِنَ: الحَافِظ أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيّ. وَبِمِصْرَ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الرَّحْبِيّ، وَعَبْد اللهِ بن بَرِّيّ النَّحْوِيّ. وَعَمِلَ "أَرْبَعِي البُلْدَان" المتبَاينَة الأَسَانِيْد وَلوَاحقهَا وَمتعلقَاتهَا، فَجَاءت فِي مُجَلَّدَيْنِ دلّت عَلَى حِفْظِهِ وَنُبله، وَلَهُ فِيْهَا أَوهَام: تكرر عليه أبو إسحاق السبيعي وسعيد ابن مُحَمَّدٍ البَحَيْرِيّ، وَجَمَعَ كِتَاباً كَبِيْراً سَمَّاهُ "المَادح وَالممدوح" فِيْهِ ترَاجم جَمَاعَة مِنَ الحُفَّاظِ وَالأَئِمَّة، أَصله تَرْجَمَة شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الهَرَوِيّ.
ذكره ابْن نُقْطَة فَقَالَ: كَانَ عَالِماً، ثِقَة، مأمونًا، صالحًا، إلَّا أنه كان عسرًا غي الرِّوَايَة، لاَ يُكثر عَنْهُ إلَّا مَنْ أَقَامَ عِنْدَهُ.
وَقَالَ أَبُو الحَجَّاجِ بن خَلِيْل: كَانَ حَافِظاً، ثَبْتاً، كَثِيْر السَّمَاع، كَثِيْر التَّصنِيف، مُتْقِناً، خُتِمَ بِهِ علمُ الحَدِيْث.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيّ: كَانَ ثِقَةً، حَافِظاً، رَاغِباً فِي الانْفِرَاد عَنْ أَربَاب الدُّنْيَا.
وَقَالَ شِهَاب الدِّيْنِ أَبُو شَامَةَ: كَانَ صَالِحاً، مَهِيْباً، زَاهِداً، نَاسِكاً، خشن العيش، ورعًا.
وأثنى عليه بن النَّجَّارِ، وَعظّمه، وَتَرْجَمَه.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَة، وَزَكِيّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيّ، وَضِيَاء الدِّيْنِ المَقْدِسِيّ، وَأَحْمَد بن سَلاَمَةَ النَّجَّار، وَشَمْس الدِّيْنِ ابْن خَلِيْلٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الصَّرِيْفِيْنِيّ، وَشِهَاب الدِّيْنِ القُوْصِيّ، وَجمَال الدِّيْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن سَالِمٍ الأَنْبَارِيّ، وَزَيْن الدِّيْنِ بن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَجمَال الدِّيْنِ يَحْيَى ابن الصَّيْرَفِيّ، وَعَبْد اللهِ بن الوَلِيْدِ المُحَدِّثُ البَغْدَادِيّ، وَعَامِر القَلْعِيّ، وَعَبْد العَزِيْزِ بن الصَّيْقَلِ، وَخَلْق آخِرُهُم مَوْتاً المُعَمَّر العَلاَّمَة نَجْم الدِّيْنِ أَبُو عبد الله ابن حَمْدَان، وَمَعَ فَضله وَحفظه فَغَيْرُه أَحْفَظ مِنْهُ وأتقن.
حدث قديمًا، وولي مشيخة الحديث.
وَتُوُفِّيَ بِحَرَّانَ، فِي ثَانِي شَهْر جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَهُ سِتٌّ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: شَيْخ الصّعيد الإِمَامُ القُدْوَةُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ حُمَيْدٍ ابْن الصَّبَّاغ، وَمُسْنَد العِرَاق أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مَعَالِي بن مَنِيْنَا، وَالشَّيْخ كَمَال الدِّيْنِ أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّد بن

(16/96)


عَلِيٍّ ابْن الجَلاَجِلِيّ السَّفَّار، وَمُسْنَد مَكَّة يَحْيَى بن يَاقُوْت الفَرَّاش، وَالمُسْنَدُوْنَ، بِبَغْدَادَ: أَبُو العَبَّاسِ أحمد بن يحيى ابن الدَّبِيْقِيّ البَزَّاز، وَأَحْمَد بن إِبْرَاهِيْمَ ابْن السَّبَّاك الصُّوْفِيّ، وَأَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ المَنْصُوْرِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ مُوْسَى بن سَعِيْدِ بنِ الصَّيْقَلِ الهَاشِمِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ سُلَيْمَان بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ المَوْصِلِيّ -رَحِمَهُمُ الله.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْهُ فِي كِتَابِهِ أَخْبَرَنَا الحَافِظ عَبْد القَادِرِ بن عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّيَّان وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ السِّمْسَار، قَالاَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّاجِر، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَذْعُور، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِر، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَتيت أَبَا بَكْرٍ أَسأله فَمنعنِي، ثُمَّ أَتيته أَسْأَله فَمنعنِي، فَقُلْتُ: إِمَّا أَنْ تَبخل وَإِمَّا أَنْ تعطينِي. فَقَالَ: أَتُبَخِّلنِي! وَأَيُّ دَاءٍ أَدوَأ مِنَ البُخْل?! مَا أَتيتَنِي مِنْ مرَّة إلَّا وَأَنَا أُرِيْد أَنْ أَعْطيك أَلْفاً، قَالَ: فَأَعْطَانِي أَلْفاً وَأَلفاً وَأَلفاً. إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ.
قَرَأْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ أَبِي بَكْرٍ البُحْتُرِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن ركَاب المُعَلِّم: أَخْبَرَكُمَا أحمد بن عب الدائم، أخبرنا بن عَبْدِ الدَّائِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ القَادِرِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ العَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عَبْد الوَهَّابِ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ كُوْفِيّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ وَاقِدٍ الطَّائِيّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: "صَلَّيْت أَنَا وَيَتيم كَانَ عِنْدَنَا خلف رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمّ سليم من ورائنا".

(16/97)


5495- ابن البل 1:
الإِمَامُ الوَاعِظُ الكَبِيْرُ أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ نَصْرِ بنِ البَلِّ الدُّوْرِيُّ.
وُلِدَ بِالدُّور، مِنْ نوَاحِي دُجَيْل، وَقَدِمَ بَغْدَادَ، وَاشْتَغَل، وَتَفنّن.
وَسَمِعَ مِنْ: عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الهَرَوِيّ بِالدّور فِي سَنَةِ 531، وَمِنِ: ابْن الطَّلاَّيَةِ، وَسَعِيْد ابْن البَنَّاءِ، وَابْن نَاصِر، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ ابْن النَّجَّارِ، وَقَالَ: صَارَ شَيْخ الوعَّاظ، وَكثر لَهُ الْقبُول، وَوعظ عِنْد قَبْر مَعْرُوف، وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْن الجَوْزِيِّ منَافرَات، وَلِكُلّ مِنْهُمَا متعصبُوْنَ وَأَتْبَاع، وَلَمْ يَزَلِ الدُّوْرِيّ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ خَاصم وَلدُهُ غُلاَماً لأُمّ النَّاصِر، وَبدَا مِنَ الشَّيْخ مَا اشتدَّ بِهِ الأَمْر،
فمنع من الوعظ، وأمر بلزوم بيته، فَبقِي كَذَلِكَ إِلَى حِيْنَ وَفَاته، وَكَانَ فَاضِلاً، مُتَدَيِّناً، صَدُوْقاً، أَنْشَدَنِي لِنَفْسِهِ:
يَتُوبُ عَلَى يَدِي قَوْمٌ عُصَاةٌ ... أَخَافَتْهُم مِنَ البَارِي ذُنُوبُ
وَقَلْبِي مُظْلِمٌ مِنْ طٌولِ مَا قَدْ ... جَنَى فَأَنَا عَلَى يَدِ مِنْ أَتُوبُ?
كَأَنِّيْ شَمْعَةٌ مَا بَيْنَ قَوْمٍ ... تُضِيءُ لَهُم وَيَحْرِقُهَا اللَّهِيبُ
كَأَنِّيْ مِخْيَطٌ يَكسُو أُنَاساً ... وَجِسْمِي مِنْ مَلاَبِسِه سَليبُ
مَاتَ فِي ثَانِي عَشَر شَعْبَان، سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
وَمَاتَ ابْنُ أَخِيْهِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ ابْن البَلِّ المُجَلِّدُ سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ قَبْله، سَمَّعَهُ مِنِ: ابْن الطَّلاَّيَةِ، وَابْن ناصر، وجماعة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 48".

(16/97)


5496- العميدي:
العَلاَّمَةُ رُكْنُ الدِّيْنِ صَاحِب "الجُسْتِ" وَالطَّرِيقَة، أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَقِيْلَ: اسْمُه أَحْمَدُ، العَمِيْدِيُّ، السَّمَرْقَنْدِيُّ، الحَنَفِيُّ.
كَانَ مُبرزاً فِي الخلاَف وَالنَّظَر، وَهُوَ أَحَد الأَرْبَعَة الَّذِيْنَ اشتهرُوا مِنْ تَلاَمِذَة الرَّضِيّ النَّيْسَابُوْرِيّ: هَذَا، وَالرُّكْن الطَّاوُوْسِيّ، وَالرُّكْن زَادَا، وَالرُّكْن فُلاَن -نَسِيْنَا اسْمَهُ.
وَصَنَّفَ العَمِيْدِيُّ "جُسْتَهُ" المَشْهُوْر، وَكِتَاب "الإِرْشَاد"، وَاعْتَنَى بِشَرْحِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: القَاضِي شَمْس الدِّيْنِ أَحْمَد الخوئِي، وَالبَدْرُ المَرَاغِيّ الطَّوِيْل، وَأَوْحَد الدِّيْنِ الدُّوْنِيّ، وَنَجْم الدِّيْنِ ابْن المَرَندِيّ.
وَتَخَرَّجَ بِالعَمِيْدِيِّ الأَصْحَاب، مِنْهُم: نظَام الدِّيْنِ أَحْمَد ابْن الشَّيْخ جَمَال الدين محمود الحصيري، وكان طيب لأخلاق، مُتَوَاضِعاً.
مَاتَ بِبُخَارَى، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خمس عشرة وست مائة، وليس علمه من زاد المعاد.

(16/98)


القاهر، ابن سيدهم، ست الشام:
5497- القاهر 1:
صَاحِبُ المَوْصِلِ المَلِكُ القَاهِرُ عِزُّ الدِّيْنِ أَبُو الفَتْحِ مَسْعُوْدُ ابْنُ السُّلْطَانِ أَرْسَلاَن شَاه بنُ مَسْعُوْدِ بنِ مَوْدُوْدِ بنِ زَنْكِي.
تَسَلَّطن بَعْد أَبِيْهِ سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَهُوَ أَمرد، وَكَانَ ذَا كرمٍ وَحلمٍ.
مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَة خَمْسَ عَشْرَةَ، وَلَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ فِي "تَارِيْخِهِ": أَخذته حمى، ثم فارقته، ثم عاودته بقيء كَثِيْر وَكرب متتَابع، ثُمَّ برد، ثُمَّ مَاتَ، وَكَانَ حليماً، كَافّاً عَنِ الأَذَى، مُقْبِلاً عَلَى لذَّاته، تَأَلَّم النَّاس لِمَوْتِهِ، وَأَوْصَى بِالمُلْكِ إِلَى ابْنِهِ نُوْر الدِّيْنِ رسلاَن شَاه، وَلَهُ عشر سِنِيْنَ، وَمُدبّر دَوْلَته بَدْر الدِّيْنِ لُؤْلُؤ، فَتعلّل مُدَّة وَمَاتَ فِي العَامِ، فَأَقَامَ لُؤْلُؤ أَخَاهُ صغِيراً لَهُ ثَلاَث سِنِيْنَ، وَبَقِيَ هُوَ الكُلّ.
5498- ابن سيدهم 2:
الشَّيْخُ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سيدهم بن هبة الله بن سرايا الأنصاري، الدمشقي، ابن لهراس، الوَكِيْلُ، الجَابي.
سَمَّعَهُ وَالِده مِنْ أَبِي الفَتْحِ نصر الله المصيصي، ونصر الله بن مُقَاتِل.
رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء، وَاليَلْدَانِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيّ، وَالشَّيْخ شَمْس الدِّيْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ، وَالفَخْر عَلِيّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
5499- سِتُّ الشَّامِ 3:
خَاتُوْنُ أُخْتُ السَّلاَطِيْنِ أَوْلاَدِ نَجْمِ الدِّيْنِ أَيُّوْبَ بنِ شاذي، واقفة المَدْرَسَتين، فَدُفنت بِالبَرَّانِيَة.
لهَا برّ، وَصَدَقَات، وَأَمْوَالٌ، وَخَدَمٌ. وَهِيَ شَقِيْقَةُ المُعَظَّم تُوْرَانْشَاه.
تُوُفِّيَت فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 225"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 62، 63".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 246"، وشذرات الذهب "5/ 66".
3 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 246"، وشذرات الذهب "5/ 67".

(16/99)


ابن حمويه، ابن الحرستاني:
5500- ابن حمويه 1:
العَلاَّمَةُ المُفْتِي صَدْرُ الدِّيْنِ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بن أَبِي الفَتْحِ عُمَرَ بنِ عَلِيّ ابْنِ العَارِفِ مُحَمَّدِ بنِ حَمُّوَيْه الجُوَيْنِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ بجُوَين، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ مَحْمُوْد بن عَلِيٍّ الأَصْبَهَانِيّ صَاحِب "التّعليقَة"، وَبِدِمَشْقَ عَلَى القُطْب النَّيْسَابُوْرِيّ، وَبَرَعَ فِي المَذْهَب، وَأَفتَى. وَتَزَوَّجَ بِابْنَة القطب فأولدها الأمراء الكبراء: عماد لدين عُمَر، وَفَخْر الدِّيْنِ يُوْسُف، وَكَمَال الدِّيْنِ أَحْمَدَ، وَمُعِيْن الدِّيْنِ حسن. درّس بِالشَّافِعِيّ، وَمشهد الحُسَيْن، وترسل عن الكمال إِلَى الخَلِيْفَة، فَمَرِضَ بِالمَوْصِلِ، وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
رَوَى عَنْ: أَبِي الوَقْت، وَنَصْر بن نَصْرٍ العُكْبَرِيّ، وَالحَسَن بن أَحْمَدَ المُوسيَابَادِيِّ، وَعَاشَ أَرْبَعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ حَسَنَ السّمْت، كَثِيْر الصَّمْت، كَبِيْرَ القَدْرِ، غزِيْر الفَضْل، صاحب أوراد وحلم وأناة.
5501- ابن الحرستاني 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ المُفْتِي المُعَمَّر الصَّالِح مُسْنِدُ الشَّامِ شَيْخُ الإِسْلاَمِ قَاضِي القُضَاةِ جَمَالُ الدِّيْنِ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الصَّمَد بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الفَضْل بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الأَنْصَارِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ ابْنُ الحَرَسْتَانِيِّ، مِنْ ذُرِّيَّة سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وُلِدَ فِي أَحَد الرَّبِيْعين، سَنَة عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ، وَبعدهَا، مِنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ بن حَمْزَةَ، وَطَاهِر بن سَهْلٍ، وَجَمَال الإِسْلاَمِ عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، وَالفَقِيْه نَصْر اللهِ بن مُحَمَّدٍ، وَهِبَة اللهِ بن طَاوُوْس، وَعَلِيّ بن قُبَيْس المَالِكِيّ، وَمَعَالِي ابْن الحُبُوْبِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البُنِّ الأَسَدِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ المُرَادِيّ، وَجَمَاعَة. وَلَهُ "مَشْيَخَة" فِي جُزْء مروِيّ.
وَقَدْ أَجَاز لَهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الفرَاوِي، وَهِبَةُ اللهِ بنُ سَهْلٍ السيدي، وزاهر ابن طَاهِر، وَعَبْد المُنْعِمِ ابْن الأُسْتَاذ أَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيّ، وَإِسْمَاعِيْل القَارِئ، وَطَائِفَة.
وَحَدَّثَ "بدَلاَئِل النُّبُوَّة" للبيهقي، و"بصحيح مسلم"، وأشياء.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 251"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 77".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 220"، وشذرات الذهب "5/ 60".

(16/100)


وَبَرَعَ فِي المَذْهَب، وَأَفتَى وَدرّس، وَعُمَّر دَهْراً، وَتَفَرَّد بِالعَوَالِي.
حَدَّثَ عَنْهُ أَبُو المَوَاهِبِ بن صصرَى، وَعَبْد الغَنِيِّ المَقْدِسِيّ، وَعَبْد القَادِرِ الرُّهَاوِيّ، وَالضِّيَاء، وَابْن النَّجَّارِ، وَالبِرْزَالِيّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالقُوْصِيّ، وَالزَّكِيّ عَبْد العَظِيْمِ، وَكَمَال الدِّيْنِ ابْن العَدِيْم، وَالنَّجِيْب نَصْر اللهِ الصَّفَّار، وَزَيْن الدِّيْنِ خَالِد، وَالجمَال عَبْد الرَّحْمَنِ بن سَالِمٍ الأَنْبَارِيّ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَأَبُو حَامِدٍ ابْن الصَّابُوْنِيّ، وَالبُرْهَان ابْن الدَّرَجِيِّ، وَيُوْسُف بن تَمَّام، وَأَبُو بَكْرٍ ابْن الأَنْمَاطِيّ، وَمُحَمَّد وَعُمَر ابْنَا عَبْد المُنْعِمِ القَوَّاس، وَمُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ العَامِرِيّ، وَالفَخْر عَلِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَرْخَان، وَالشَّمْس عَبْد الرَّحْمَنِ ابْن الزِّين، وَالشَّمْس ابْن الزِّين، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عُمَرَ المِزِّيّ، وَالقَاضِي شَمْس الدِّيْنِ مُحَمَّد بن العِمَادِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ ابْن الوَاسِطِيّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: العِمَاد عَبْد الحَافِظِ بن بَدْرَانَ، وَعَائِشَة بِنْت المجْد.
وَكَانَ إِمَاماً فَقِيْهاً، عَارِفاً بِالمَذْهَبِ، ورعًا، صالحًا، محمود الأحكام، حَسَن السِّيْرَةِ، كَبِيْرَ القَدْرِ. رَحَلَ إِلَى حَلَب، وَتَفَقَّهَ بِهَا عَلَى المُحَدِّث الفَقِيْه أَبِي الحَسَنِ المُرَادِيّ، وَوَلِيَ القَضَاءَ بِدِمَشْقَ، نِيَابَة عَنْ أَبِي سَعْدٍ بنِ أَبِي عَصْرُوْنَ، ثُمَّ إِنَّهُ وَلِيَ قَضَاءَ القُضَاةِ اسْتَقلاَلاً فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَة: هُوَ أَسندُ شَيْخ لقينَا مِنْ أَهْلِ دِمَشْق، حسن الإِنصَات، صَحِيْح السَّمَاع.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: دَخَلَ بِهِ أَبُوْهُ مِنْ حرستَا، فَنَزَلَ بِبَابِ تُوْمَا يؤمّ بِمسجد الزَّيْنَبِيّ، ثُمَّ أَمّ فِيْهِ ابْنه جَمَال الدِّيْنِ، ثُمَّ انْتقل جَمَالُ الدِّيْنِ فَسَكَنَ بدَاره بِالحُوَيرَة، وَكَانَ يُلاَزم الجَمَاعَة بِمَقْصُوْرَة الخضِر، وَيُحَدِّث هُنَاكَ، وَيَجْتَمِع خلق، مَعَ حسن سَمْته، وَسكونه وَهيبته. حَدَّثَنِي الشَّيْخ عِزّ الدِّيْنِ بن عَبْدِ السَّلاَمِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَفْقَه مِنْهُ، وَعَلَيْهِ كَانَ ابْتدَاء اشتغَاله، ثُمَّ صَحِبَ فَخْر الدِّيْنِ ابن عساكر، فسألته عنهما فرجع ابْن الحَرَسْتَانِيّ، وَكَانَ حَفِظ "الْوَسِيط" لِلْغزالِيّ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَلَمَّا وَلِي مُحْيِي الدِّيْنِ القَضَاء لَمْ يَنب ابْن الحَرَسْتَانِيّ عَنْهُ، وَبَقِيَ إِلَى أَنْ وَلاَّهُ العَادل القَضَاء، وَعزل الطَّاهِر، وَأَخَذَ مِنْهُ العَزِيْزِية، وَالتَّقويَّة، فَأَعْطَى العَزِيْزِية ابْن الحَرَسْتَانِيّ مَعَ القَضَاء، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ العَادل، وَكَانَ يحكم المجاهدية، وناب عنه ولد العِمَاد، ثُمَّ ابْن الشِّيْرَازِيّ، وَشَمْس الدِّيْنِ ابْن سَنِيّ الدَّوْلَة، وَبَقِيَ سَنَتَيْنِ وَسَبْعَة أَشهر، وَمَاتَ، وَكَانَتْ لَهُ جَنَازَة عَظِيْمَة، وَقَدِ امْتَنَع مِنَ القَضَاء، فَأَلحُّوا عَلَيْهِ، وَكَانَ صَارِماً عَادِلاً، عَلَى طريقة السلف في لباسه وعفته.
وَقَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: كَانَ زَاهِداً، عَفِيْفاً، وَرِعاً، نَزِهاً، لاَ تَأْخذه فِي اللهِ لُوْمَة لاَئِم، اتفق

(16/101)


أَهْلُ دِمَشْقَ عَلَى أَنَّهُ مَا فَاتته صَلاَة بِجَامِع دِمَشْق فِي جَمَاعَةٍ إلَّا إِذَا كَانَ مَرِيْضاً، ثُمَّ سَاق حِكَايَات مِنْ مَنَاقِبه وَعدله فِي قضَايَاه، وَأُتِيَ مرَّة بِكِتَاب، فَرمَى بِهِ، وَقَالَ: كِتَابُ اللهِ قَدْ حكم عَلَى هَذَا الكِتَاب، فَبَلَغَ العَادل قَوْله، فَقَالَ: صدق، كِتَاب اللهِ أَوْلَى مِنْ كِتَابِي، وَكَانَ يَقُوْلُ لِلْعَادل: أَنَا مَا أَحكم إلَّا بِالشّرع، وَإِلاَّ فَأَنَا ما سألتك القضاء، فإن فَأَبصر غَيْرِي.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: ابْنه العِمَاد هُوَ الَّذِي أَلحّ عَلَيْهِ حَتَّى تَولَّى القَضَاء. وَحَدَّثَنِي ابْنه قَالَ: جَاءَ إِلَيْهِ ابْن عُنَيْن، فَقَالَ: السُّلْطَان يُسلّم عَلَيْك وَيُوْصِي بِفُلاَن، فَإِنَّ لَهُ محَاكمَة. فَغَضِبَ، وَقَالَ: الشّرع مَا يَكُوْن فِيْهِ وَصيَّة.
قَالَ المُنْذِرِيّ: سَمِعْتُ مِنْهُ، وَكَانَ مَهِيْباً، حَسَن السّمت، مَجْلِسه مَجْلِس وَقَار وَسَكِيْنَة، يُبَالِغ فِي الإِنصَات إِلَى مَنْ يَقرَأ عَلَيْهِ.
تُوُفِّيَ فِي رَابع ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَهُوَ فِي خَمْس وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: القُدْوَة الشَّيْخ العِمَاد المَقْدِسِيّ، وَأَبُو الخَطَّابِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ وَاجِبٍ البَلَنْسِيُّ، وَالشَّيْخ ذِيَال الزَّاهِد، وَالمُحَدِّث عَبْد اللهِ بن عَبْدِ الجَبَّارِ العُثْمَانِيّ، وَعَبْد الخَالِقِ بن صَالِحِ بنِ ريْدَان المِسكِيّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جُبَيْرٍ الكِنَانِيّ، وَالمُعَمَّر مُحَمَّد بن عبد العزيز بن سعادة الشَّاطِبِيّ، وَأَبُو الغَنَائِمِ هِبَة اللهِ بن أَحْمَدَ الكهفِيّ، وَالفَقِيْهُ أَبُو تُرَاب يَحْيَى بن إِبْرَاهِيْمَ الكرخي.

(16/102)


5502- العطار 1:
الشَّيْخُ الأَمِيْرُ المُسْنِدُ الدَّيِّنُ أَبُو القَاسِمِ شَمْسُ الدين أحمد بن عبد الله ابن عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ السُّلَمِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الصَّيْدَلاَنِيُّ، العَطَّارُ.
وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وَابْن البَطِّيِّ. وَحَدَّثَ "بِالصَّحِيْحِ"، وَ"عَبْد"، وَ"الدَّارِمِيّ"، وَكَانَ يذكر أَنَّهُ مِنْ وَلد أَبِي عبد الرحمن السُّلَمِيّ، سَكَنَ دِمَشْقَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ له داكن بِظَاهِر بَاب الفَرَادِيْس لِلْعطر، وَكَانَ صَدُوْقاً، مُتَدَيِّناً، مرضِيّ الطّرِيقَة.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَة: شَيْخ صَالِحٌ، ثِقَة، صَدُوْقٌ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: هُمَا، وَالضِّيَاء، وَالمُنْذِرِيّ، وَالقُوْصِيّ، وَالزَّيْن خَالِد، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ النشبي، والرشيد العامري، والمحيي بن عصرُوْنَ، وَالفَخْر عَلِيّ ابْن البُخَارِيِّ، وَالشَّمْس ابْن الكَمَال، وَالجمَال ابْن الصَّابُوْنِيّ، وَالعَلاَء بن صَصْرَى، وَالتَّقِيّ ابْن الوَاسِطِيّ، وَعِدَّة. وظَهْر لِشيخنَا العِزِّ أَحْمَد ابْن العِمَادِ بَعْد مَوْته بَعْض كِتَاب "الدَّارِمِيّ" سَمِعَهُ مِنْهُ حُضُوْراً.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: عُمَر بن القَوَّاس.
مَاتَ فِي سَابِعَ عَشَرَ شَعْبَان، سَنَة خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بقَاسِيُوْن.
وَفِيْهَا مَاتَ: الرُّكْن العَمِيْدِيّ صَاحِب "الجُسْت" وَ"الطّرِيقَة" تِلْمِيْذ الرَّضِيّ النَّيْسَابُوْرِيّ، اسْمه: أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيّ الحَنَفِيّ -وَالمَلِك العَادل، وَصَاحِب المَوْصِل المَلِك القَاهِر مَسْعُوْد، وَصَاحِب الرُّوْم كيكَاوس، وَالشِّهَاب فِتيَان بن عَلِيٍّ الشَّاغُوْرِيّ الشَّاعِر صَاحِب "الدِّيْوَان"، وَزَيْنَب الشَّعْرِيَّة، وأبو الفتوح البكري، وآخرون.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 226"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 62".

(16/102)


5503- الشعرية 1:
الشَّيْخَةُ الجَلِيْلَةُ مُسْنَدَةُ خُرَاسَانَ أُمّ المُؤَيَّد حُرَّة ناز زينب بنت أبي القاسم عبد الرحمن ابن الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَهْلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدُوْسٍ الجُرْجَانِيَّة الأَصْلِ، النَّيْسَابُوْرِيَّةُ، الشَّعْرِيَّةُ.
سَمِعْتُ مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي القَاسِمِ بنِ أَبِي بَكْرٍ القَارِئِ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ زَعْبَل، وَعَبْد المُنْعِمِ ابْن القُشَيْرِيّ، وَزَاهِر بن طَاهِر، وَأَخِيْهِ؛ وَجيه، وَأَبِي المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيّ، وَعبدُ الجَبَّار بن مُحَمَّدٍ الخُوَارِيّ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن شَاه، وَفَاطِمَة بِنْت خلف الشَّحَّامِيّ، وَعَبْد اللهِ ابْن الفُرَاوِيّ، وَعَبْد الرَّزَّاقِ الطَّبَسِيّ.
وَأَجَاز لَهَا عَبْد الغَافِر بن إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبُو القَاسِمِ الزَّمَخْشَرِيّ النَّحْوِيّ.
وَسَمِعَتِ "الصَّحِيْح" مِنَ الفَارِسِيّ وَوَجِيْه.
حَدَّثَ عَنْهَا: ابْنُ هِلاَلَة، وَابْن نُقْطَة، وَالبِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء، وَابْن الصَّلاَح، وَالمُرْسِيّ، وَإِبْرَاهِيْم الصَّرِيْفِيْنِيّ، وَمُحَمَّد بن سَعْدٍ الهَاشِمِيّ، وَالصَّدْر البَكْرِيّ، وَابْن النَّجَّارِ.
وَسَمِعْتُ بِإِجَازتهَا مِنْ جَمَاعَة. وَكَانَتْ صَالِحَة، مُعَمَّرة، مكَثْرَة.
تُوُفِّيَت فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سنة خمس عشرة وست مائة، بنيسابور.
__________
1 ترجمتها في وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 251"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 226"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 63".

(16/103)


5504- ابن الدهان 1:
العَلاَّمَةُ وَجِيْه الدِّيْنِ أَبُو بَكْرٍ المُبَارَكُ بنُ المبارك بن أبي الأزهر سعيد بن أَبِي السَّعَادَاتِ الوَاسِطِيُّ، النَّحْوِيُّ، الضَّرِيْرُ.
حفظ القُرْآن، وَتَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى جَمَاعَة.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ شَابّاً، فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيّ، وَيَحْيَى بن ثَابِتٍ، وَأَحْمَد بن المُبَارَكِ المُرَقَّعَاتِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخَشَّابِ، وَلزمه فِي العَرَبِيَّة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: قرَأَ الأَدبَ عَلَى أَبِي سَعِيْدٍ نَصْر بن مُحَمَّدٍ المُؤَدِّب، وَقَدِمَ بَغْدَادَ مَعَ وَالِده، فَسكنهَا، وَقرَأَ الأَدب عَلَى ابْنِ الخَشَّاب، وَقرَأَ جُمْلَةً مِنْ كُتُب النَّحْو وَاللُّغَة وَالشّعر عَلَى أَبِي البَرَكَاتِ الأَنْبَارِيّ مِنْ حِفْظِهِ، وَذَكَرَ لِي أَنَّهُ قرَأَ نِصْف "كِتَاب سِيْبَوَيْه" مِنْ حِفْظِهِ عَلَيْهِ أَيْضاً، وَأَنَّهُ كَانَ يَحْفَظ فِي كُلِّ يَوْم كُرَّاساً فِي النَّحْوِ وَيَفهمه وَيُطَارح فِيْهِ، حَتَّى بَرَعَ، وَكَانَ يَتردَّد إِلَى مَنَازِل الصُدُوْر لإِقْرَاء الأَدب، وَكَانَ شَدِيد الذّكَاء، ثَاقب الفَهم، كَثِيْر المَحْفُوْظ، مُضطلعاً بعلُوْم كَثِيْرَة: النَّحْو، وَاللُّغَة، وَالتّصرِيف، وَالعروض، وَمعَانِي الشّعر، وَالتَّفْسِيْر، وَيَعْرِف الفِقْه وَالطِّبّ وَعلم النُّجُوْم وَعُلُوْم الأَوَائِل.
قُلْتُ: لَوْ جهل هَذَيْنِ الْعلمين لَسَعِدَ.
قَالَ: وَلَهُ النّظم والنثر، وينشيء الْخطب وَالرَّسَائِل بِلاَ كلفَة وَلاَ رويَّة، وَيَتكلَّم بِالتّركيَّة وَالفَارِسيَّة وَالرومِيَّة وَالأَرْمَنِيَّة وَالحَبَشِيَّة وَالهنديَّة وَالزّنجيَّة بكلام فَصيح عِنْد أَهْل ذَلِكَ اللِّسَان، وَكَانَ حليماً بَطِيء الغَضَب، مُتَوَاضِعاً، دَيِّناً، صَالِحاً، كَثِيْر الصَّدَقَة، متفقّداً لِلْفُقَرَاء وَالطّلبَة؛ تَفَقَّهَ أَوَّلاً لأَبِي حَنِيْفَةَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ شَافِعِيّاً بَعْد عُلُوِّ سنّه، وَوَلِيَ تدرِيس النَّحْو بِالنّظَامِيَّة، إِلَى أَنْ مَاتَ، قَرَأْت عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَتح فَمِي بِالعِلْمِ، لأَنْ أُمِّي أَسلمتَنِي إِلَيْهِ وَلِي عشر سِنِيْنَ، فَكُنْت أَقرَأُ عَلَيْهِ القُرْآن وَالفِقْه وَالنَّحْو، وَأُطَالع لَهُ ليلاً وَنَهَاراً، وَإِذَا مَشَى، كُنْت آخذاً بِيَدِهِ، وَكَانَ ثِقَةً نبيلاً، أَنْشَدَنِي لِنَفْسِهِ:
أَيُّهَا المَغْرُوْر بِالدُّنْيَا انتبِه ... إِنَّهَا حَالٌ ستفنَى وَتحوْلُ
وَاجتهِدْ فِي نِيلِ مُلْكٍ دَائِمٍ ... أَيُّ خَيْرٍ فِي نَعيمٍ سَيَزُولُ
لَوْ عَقلْنَا مَا ضَحِكْنَا لَحْظَةً ... غَيْر أَنَّا فُقِدَتْ مِنَّا العُقُوْلُ
__________
1 ترجمته في الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمته 555"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 214"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 53".

(16/104)


قَالَ: مَوْلِدُهُ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَمَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَكُنْت بِنَيْسَابُوْرَ.
قُلْتُ: فِيْهِ نَظم المُؤَيَّد ابْن التَّكرِيتِيّ:
وَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي الوَجِيْهَ رِسَالَةً ... وَإِنْ كَانَ لاَ تُجْدِي لَدَيْهِ الرَّسَائِلُ
تَمَذْهَبْتَ لِلنُّعْمَانِ بَعْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ ... وَذَلِكَ لَمَّا أَعْوَزَتْك المآكِلُ
وَمَا اخْتَرتَ رَأْي الشَّافِعِيّ دِيَانَةً ... وَلَكِنَّمَا تَهوَى الَّذِي هُوَ حَاصِلُ
وَعَمَّا قَلِيْلٍ أَنْتَ لاَ شَكَّ صَائِرٌ ... إِلَى مَالِكٍ فَافْطَنْ لما أنا قائل!
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: تخرّج بِالوَجِيْه جَمَاعَة فِي النَّحْوِ وَكَانَ هُذَرَة، كَتَبْتُ عَنْهُ أَنَاشيد.
قُلْتُ: وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ الزَّكِيّ البِرْزَالِيّ. وَأَجَاز لِشيخنَا أحمد بن سلامة.

(16/105)


5505- البكري 1:
الشَّرِيْفُ العَالِمُ الصَّالِحُ الزَّاهِدُ فَخْرُ الدِّيْنِ بَقِيَّةُ المَشَايِخِ أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْروك القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، البَكْرِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
لَوْ سَمِعَ عَلَى قدر سنّه لَلَحِق إِسْنَاداً عَالِياً؛ فَإِنَّ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ وَهُوَ كَبِيْر مِنْ أبي الأسعد هبة الرحمن ابْن القُشَيْرِيّ. وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنَ: الحُسَيْن بن خمسي المَوْصِلِيّ. وَبِالثَّغْر مَعَ وَلده مِنْ أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ.
وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ، وَبِمَكَّةَ، وَمِصْر، وَدِمَشْق، وَجَاور مُدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ البِرْزَالِيّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيّ، وَحَفِيْده صَدْر الدِّيْنِ أَبُو عَلِيٍّ، وَإِبْرَاهِيْم ابْن الدَّرَجِيِّ، وَابْن أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْر عَلِيّ، وَالشَّمْس ابْن الكَمَال، وجماعة.
تُوُفِّيَ فِي حَادِي عشر جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
وَمَاتَ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ رفِيقُه الشَّيْخ مُحَمَّد بن عَبْدِ الغَفَّارِ الهَمَذَانِيّ، وَلَهُ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، حَدَّثَ عَنِ السِّلَفِيّ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 226".

(16/105)


ابن ملاعب، العكبري:
5506- ابن ملاعب 1:
الشَّيْخُ الفَاضِلُ المُسْنِدُ رَبِيْبُ الدِّيْنِ أَبُو البَرَكَاتِ دَاوُدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ ثَابِتِ بنِ مُلاعِبٍ البَغْدَادِيُّ، الأَزَجِيُّ، الوَكِيْلُ عِنْدَ القُضَاةِ.
وُلِدَ فِي أَوَّلِ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: القَاضِي أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ، وَنَصْر بن نَصْرٍ العُكْبَرِيّ، وَالحَافِظ ابْن نَاصِر، وَأَبِي بَكْرٍ ابْن الزَّاغُوْنِيّ، وَأَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وَأَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُزُوْرِيّ، وَأَحْمَد بن بختيَار المَنْدَائِيّ، وَطَائِفَة، وَسَكَنَ دِمَشْق.
حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخ المُوَفَّق، وَالضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيّ، وَالسَّيْف أَحْمَد ابْن المَجْدِ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْن الأَنْمَاطِيّ، وَالفَخْر عَلِيّ بن أَحْمَدَ، وَالشَّمْس ابْن الكَمَال، وَالشَّمْس ابْن الزِّين، وَالتَّقِيّ ابْن الوَاسِطِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن حَمْدٍ، وَعِدَّة.
وَبِالإِجَازَةِ: عُمَرُ ابْن القَوَّاس، وَالعِمَادُ بنُ بَدْرَانَ.
وَسَمَاعُهُ صَحِيْحٌ، لَكِنَّ غَالِبه فِي السَّنَةِ الخَامِسَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ أَبُوْهُ دِيْوَانِياً، فَاعْتَنَى بِهِ، وكان متيقظًا، متوددًا، صحيح السماع، له مُروءة وَنَفْس حَسَنَة يُحَدِّث مِنْ أُصُوْله.
مَاتَ فِي الخَامِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِسَفْحِ قَاسِيُوْن.
5507- العكبري 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ النَّحْوِيُّ البَارِعُ مُحِبُّ الدِّيْنِ أَبُو البَقَاءِ عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَبِي البَقَاءِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ العُكْبَرِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ الأَزَجِيُّ الضَّرِيْرُ النَّحْوِيُّ الحَنْبَلِيُّ الفَرَضِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قرَأَ بِالرِّوَايَات عَلَى عَلِيِّ بنِ عَسَاكِرَ البَطَائِحِيّ، وَالعَرَبِيَّة عَلَى ابْنِ الخَشَّاب، وَأَبِي البَرَكَاتِ
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 246"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 67".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 349"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 246"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 67-69".

(16/106)


ابن نَجَاح. وَتَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى الصَّغِيْر مُحَمَّد بن أَبِي خَازِم، وَأَبِي حِكِيْمٍ النَّهْروانِيّ، وَبَرَعَ فِي الفِقْه وَالأُصُوْل، وَحَاز قَصب السّبق فِي العَرَبِيَّة.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ ابْن البَطِّيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ النَّقُّوْرِ، وَجَمَاعَة. وَتخرّج بِهِ أَئِمَّة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْت عَلَيْهِ كَثِيْراً مِنْ مُصَنّفَاته، وَصَحِبته مُدَّة طَوِيْلَة، وَكَانَ ثِقَةً، مُتَدَيِّناً، حَسَن الأَخلاَق، مُتَوَاضِعاً، ذكر لِي أَنَّهُ أَضرّ فِي صِبَاهُ مِنَ الجُدَرِيّ.
ذِكْرُ تَصَانِيْفِهِ:
صَنَّفَ "تَفْسِيْرَ القُرْآن"، وكتاب "إعراب القرآن"، وكتاب "إعراب الشَّواذ"، وَكِتَابَ "مُتَشَابه القُرْآن"، وَ"عدد الْآي"، وَ"إِعرَاب الحَدِيْث" جُزْء، وَلَهُ "تَعليقَة فِي الخلاَف"، وَ"شرح لهِدَايَة أَبِي الخَطَّابِ"، وَكِتَاب "المرَام فِي المَذْهَب"، وَمصَنّف فِي الفَرَائِضِ، وَآخر، وَآخر، وَ"شرح الفَصِيْح"، وَ"شرح الحمَاسَة"، وَ"شرح المَقَامَات"، وَ"شرح الْخطب"، وَأَشيَاء سماها ابن النجار وتركتها.
حدث عنه: بن الدبيثي، وابن النجار، والضياء المقدسي، والجمال ابن الصَّيْرَفِيّ، وَجَمَاعَة.
قِيْلَ: كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يصنِّف كِتَاباً، جمع عِدَّة مُصَنّفَات فِي ذَلِكَ الفنّ، فَقُرِئت عَلَيْهِ، ثُمَّ يُمْلِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَانَ يُقَالُ: أَبُو البَقَاءِ تِلْمِيْذ تَلاَمِذته؛ يَعْنِي هُوَ تَبع لَهُم فِيمَا يقرؤُونَ لَهُ وَيَكْتُبونه.
وَقَدْ أَرَادُوْهُ عَلَى أَنْ يَنْتقل عَنْ مَذْهَب أَحْمَد، فَقَالَ، وَأَقسم: لَوْ صببتُم الذَّهب الذَّهب عليَّ حَتَّى أَتوَارَى بِهِ، مَا تركتُ مَذْهَبِي.
تُوُفِّيَ العَلاَّمَة أَبُو البَقَاءِ فِي ثَامن رَبِيْع الآخِرِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَكَانَ ذَا حظّ مِنْ دين وَتعبُّد وَأَورَاد.

(16/107)


5508- ابن الناقد 1:
شيخ القراء أبو محمد عبد العزيز بن أَبِي الرِّضَا، أَحْمَد بن مَسْعُوْدٍ، ابْنُ النَّاقِدِ، البغدادي، الجصاص.
تلا بالروايات عَلَى أَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُزُوْرِيّ، وَعُمَر الحَرْبِيّ. وَسَمِعَ مِنْ أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيِّ، وَأَبِي سَعْدٍ ابْن البَغْدَادِيّ، وَابْن نَاصِر، وَأَمَّ بِمسجد الفَاعُوس.
تَلاَ عَلَيْهِ بِالعَشْر عَبْد الصَّمَدِ بن أَبِي الجَيْش، وَغَيْرهُ.
وَرَوَى عَنْهُ الضِّيَاء المَقْدِسِيّ، وَالنَّجِيْب الحَرَّانِيّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ صَدُوْقاً، فَاضِلاً، صَالِحاً، سَدِيْد السّيرَة، حَسَن الأَخلاَق، قَالَ لِي: وُلِدْتُ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، رَحِمَهُ اللهُ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 247"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 69".

(16/107)


ابن سيدهم، ريحان:
5509- ابن سيدهم 1:
الشَّيْخُ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سيدهم بن هبة الله بن سرايا الأنصاري، الدِّمَشْقِيُّ، الوَكِيْلُ، الجَابِي، ابْن الفَرَّاش.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ نَصْرِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيّ، ونصر الله بن مُقَاتِل.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاء، وَالزَّكِيّ المُنْذِرِيّ، وَالتَّقِيّ اليَلْدَانِيّ، وَابْن أَبِي عُمَرَ، وَابْن البُخَارِيِّ.
وَأَجَاز لِشيخنَا عُمَرُ ابْنُ القَوَّاسِ، وَكَانَ مِنْ بقايا المشيخة.
مَاتَ فِي ثَالِثَ عَشَرَ شَعْبَان، سَنَة سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
5510- ريحان 2:
شَيْخُ القُرَّاءِ أَبُو الخَيْرِ رَيْحَانُ بنُ تِيْكَانَ بنِ مُوْسَكَ الكُرْدِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الحَرْبِيُّ، الضَّرِيْرُ.
كَانَ يمكنهُ السَّمَاع مِنِ ابْنِ الحُصَيْن.
تَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ اللهِ الحَرْبِيّ.
وَسَمِعَ مِنِ: ابْن الطَّلاَّيَةِ، وَالمُبَارَك بن أَحْمَدَ الكِنْدِيّ، وَجَمَاعَة.
وَعَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَالضِّيَاء، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البِرْزَالِيّ، وَابْن الصَّيْرَفِيّ، وَأَجَاز لِلْكمَال عَبْد الرحمن المُكَبِّر، فَتَفَرَّد بِإِجَازته.
مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَقَدْ قَارب المائَة.
__________
1 سبقت ترجمته قريبا برقم ترجمة عام "5498"، وبتعليقنا رقم "85".
2 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 67".

(16/108)


الشقوري، ابن الرزاز:
5511- الشقوري:
الإِمَامُ المُقْرِئُ المُسْنِدُ المُعَمَّرُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ بنِ عِيْسَى الغَافِقِيُّ، القرطبي، الشقوري.
أَجَاز لَهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَهُوَ صَغِيْر أَبُو بَكْرٍ بنُ العَرَبِيِّ، وَالقَاضِي عِيَاض، وَالمُفَسِّرُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عَطِيَّةَ، وَجَمَاعَة تَفَرَّد عَنْهُم.
وَتَلاَ بِالسبع عَلَى أَبِيْهِ، وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ عَمِّهِ مُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْزِ، وَتَأَدّب بشَقُوْرَةَ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي يدَاس، وَتَلاَ عَلَيْهِ أَيْضاً بِالرِّوَايَات، وَعُمِّر وَرَحَلَ إِلَيْهِ الطلية، وَنَزَلَ قُرْطُبَة.
قَالَ الأَبَّارُ: كَانَ ثِقَةً، صَالِحاً، كَفّ بِأَخَرَةٍ، وَمَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْدِي، وَغَيْرهُ: روى الكثير بالإجازة، وعزمت إلى الرّحلَة إِلَيْهِ، فَبَلَغَنِي مَوْته، فَعدلت إِلَى إِشْبِيْلِيَة، وَمَاتَ بِمَوْته بِالأَنْدَلُسِ إِسْنَاد كَبِيْر.
قُلْتُ: عَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَلقِي أَبُو حَيَّانَ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ بِالإِجَازَةِ.
وَمَاتَ فِيْهَا: أَحْمَد بن سَلْمَانَ بن الأَصْفَر الحَرِيْمِيّ، وَالخَاتُوْن سِتّ الشَّام ابْنَة العادل واقفة الشامية، وعبد الرحمن بن مُحَمَّدِ بنِ يَعِيْش الأَنْبَارِيّ الكَاتِب، وَالتَّقِيّ عبد الرحمن بن نَسِيم الدِّمَشْقِيّ المُحَدِّث، وَمُدَرِّس المَالِكِيَّة برْهَان الدِّيْنِ عَلِيّ بن علوش بِدِمَشْقَ، وَحَفِيْد ابْن عَسَاكِرَ الإِمَامُ الحَافِظُ عِمَاد الدِّيْنِ عَلِيّ بن القَاسِمِ ابْن الحَافِظ جرِيحاً بَعْد عَوْدِهِ مِنْ خراسان، وآخرون.
5512- ابن الرزاز 1:
العَدْلُ الجَلِيْلُ أَبُو مَنْصُوْرٍ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ ابن شيخ الشافعية أبي منصور سَعِيْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ ابْن الرَّزَّازِ البَغْدَادِيُّ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ "الصَّحِيْح" مِنْ أَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وَسَمِعَ مِنْ: نَصْر بن نَصْرٍ العُكْبَرِيّ، وَأَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ.
رَوَى عَنْهُ ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البِرْزَالِيّ، وَنَجِيْب الدِّيْنِ المِقْدَاد، وَجَمَاعَة.
وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنِ المِقْدَاد عَنْهُ.
مَاتَ فُجَاءةً، فِي ثَانِي المُحَرَّم، سَنَة سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، بِبَغْدَادَ.
وَسَمِعْتُ "الصَّحِيْح" بكمَاله مِنَ الحَافِظ الكَبِيْر أَبِي الحَجَّاجِ يُوْسُف ابْن الزَّكِيّ الكَلْبِيّ بِسَمَاعه مِنَ النجيب القيسي، عنه.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 246"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "5/ 67".

(16/109)


العميدي، ابن شاش:
5513- العميدي:
العَلاَّمَةُ سَيْفُ النَّظرِ رُكْنُ الدِّيْنِ أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ أَوْ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ السمرقندي، العميدي، الحنفي، مصنف كتاب "الجست".
كَانَ بارِعاً فِي الخلاَفِ، لَهُ طرِيقَةٌ مَشْهُوْرَةٌ فِي المُبَاحَثَةِ.
اشْتَغَل عَلَى الرَّضِيّ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَلَهُ كِتَاب "الإِرْشَاد" شَرحه جَمَاعَة.
اشْتَغَل عَلَيْهِ نَظَام الدِّيْنِ ابْن الحَصِيْرِيّ، وَغَيْرهُ.
مَاتَ بِبُخَارَى، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَيْسَ علمه مِنْ زَادِ المعَاد.
5514- ابْنُ شَاسٍ 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ شَيْخُ المَالِكِيَّة جَلاَلُ الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ نَجْمِ بنِ شَاسِ بنِ نِزَارِ بنِ عَشَائِرَ بنِ شَاسٍ الجُذَامِيُّ السَّعْدِيُّ المِصْرِيُّ المَالِكِيُّ مُصَنِّفُ كِتَابِ "الجَوَاهِر الثَّمِينَةِ فِي فِقْهِ أَهْل المَدِيْنَةِ".
سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ بَرِّي النَّحْوِيّ، وَدرَّس بِمِصْرَ، وَأَفتَى، وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَاب، وَكِتَابه المَذْكُوْر وَضَعه عَلَى تَرْتِيْب "الوجِيْز" لِلْغزَالِيّ.
وَجَوَّده وَنقَّحه، وَسَارَتْ بِهِ الرُّكبَان، وَكَانَ مُقْبِلاً عَلَى الحَدِيْث، مُدمناً لِلتفقُّه فِيْهِ، ذَا وَرع، وَتحرٍّ، وَإِخْلاَص، وَتَأَلّه، وَجِهَاد. وَبعد عَوْده مِنَ الحَجّ امْتَنَع مِنَ الفَتْوَى إِلَى حِيْنَ وَفَاته، وَكَانَ مِنْ بَيْت حشمة وإمرة.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظ المُنْذِرِيّ، وَوصفه بِأَكْثَر مِنْ هَذَا، وَقَالَ: مَاتَ غَازِياً بِثغر دِمْيَاط، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، أَوْ فِي رَجَبٍ، سَنَة سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ الوزِيْرِيّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَظِيْمِ الحَافِظ، أَخْبَرْنَا ابْنُ شَاس، أَخْبَرْنَا ابْنُ بَرِّيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو صَادِق المَدِيْنِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا العَبَّاسُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ الغَسُوْلِيّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُسَاوِر الوَرَّاق، عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرِو بنِ حُرَيْث، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: "رَأَيْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِمَامَةً سَوْدَاء"2. أَخْرَجَهُ: ت ق، عَنْ رِجَالِهِمَا، عَنْ سُفْيَانَ بنِ عيينة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 337"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 69".
2 صحيح: أخرجه مسلم "1359"، وأبو داود "4077"، والترمذي في "الشمائل" "108"، والنسائي "8/ 211"، وابن ماجه "1104" و"2821" من طريق مساور الوراق، به.

(16/110)


5515- الإفتخار 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ كَبِيْرُ الحَنَفِيَّة افْتِخَارُ الدِّيْنِ أبو هاشم عبد المطلب ابن الفضل عبد المطلب بن الحسين بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ صَالِحِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، البلخي، ثم الحلبي، الحنفي.
تَفقّه بِمَا وَرَاء النَّهْرِ، وَسَمِعَ بِسَمَرْقَنْدَ، وَبَلْخَ، وَتِلْكَ الدِّيَارِ مِنَ: القَاضِي عُمَر بن عَلِيٍّ المَحْمُوْدِيّ، وَأَبِي الفَتْحِ عَبْد الرَّشِيْد الولوَالجِي، وَالأَدِيْب أبي عُمَر بن عَلِيٍّ الكَرَابِيْسِيّ، وَأَبِي عَلِيٍّ الحَسَن بن بِشْرٍ البَلْخِيّ النَّقَّاش، وَالإِمَام أَبِي شُجَاع البِسْطَامِيّ، وَطَائِفَة.
وَأَفتَى، وَنَاظر، وَصَنَّفَ، وَقَدْ درّس بِالحلاَويَّة، وَصَنَّفَ شرحاً "لِلْجَامِع الكَبِيْر" فِي المَذْهَب. وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَئِمَّة، وَكَانَ شَرِيْفاً، سَرِيّاً، وَرِعاً، دَيِّناً، وَقُوْراً، صَحِيْح السَّمَاع، عَلِيّ الإِسْنَاد.
حَدَّثَ عَنْهُ: خلق، مِنْهُم: تَقِيّ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بن عَبْدِ الوَاحِدِ الحَوْرَانِيّ الزَّاهِد، وَالبِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء، وَالعِمَاد أحمد بن يوسف، وَالمُؤَيَّد إِبْرَاهِيْم بن يُوْسُفَ القِفْطِيّ، وَأَبُو المَكَارِمِ إسحاق بن عبد الرحمن ابْن العَجَمِيّ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّد، وَابْن عَمِّهِ القُطْب مُحَمَّد، وَالعُوْنُ سُلَيْمَان ابْن العَجَمِيّ، وَالمُحَدِّث عُبَيْد اللهِ بن عُمَرَ ابْن العَجَمِيّ، وَالكَمَال أَحْمَد ابْن النَّصِيْبِيّ، وَعَبْد اللهِ بن الأَوْحَدِ الزُّبَيْرِيّ، وَعِدَّة.
مَاتَ بِحَلَبَ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَرّخه: الشَّيْخ الضِّيَاء. وسمعت على زينب الكندية بإجازته.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 69".

(16/111)


ابن الجراح، اليونيني:
5516- ابن الجراح 1:
الأَدِيْبُ المُنْشِئُ تَاجُ الدِّيْنِ يَحْيَى بنُ مَنْصُوْر ابْن الجَرَّاحِ المِصْرِيُّ، صَاحِبُ الخَطِّ الأَنِيقِ، وَالتَّرسُّلِ البديع.
خدم مُدَّة، وَرَوَى عَنِ السِّلَفِيّ، وَلَهُ لغزٌ: ماشي قلبه حجر، ووجه قمر، إِن نُبِذَ اعْتَزل البَشَر، وَإِن أَجعتَه رضِي بِالنّوَى، وَانطوَى عَلَى الخوَى، وَإِن أَشْبَعْتَهُ قَبَّل الْقدَم وَصَحِبَ الْخَدَم، وَإِن غلَّفتَه ضَاع، وَإِنْ أَدَخَلته السُّوق أَبَى أَنْ يُبَاع، وَإِن شدّدت ثَانِيَة وَحذفت رَابعه كدرَ الحَيَاة وَخفّف الصلاة وأحدث وقت العصر الضجر ووقت الفَجْر الْخدر، وَإِنْ فَصلتَه دَعَا لَكَ وَبقَّى، مَا إِن ركبته هَالكَ وَرُبَّمَا كثّر مَالك، وَأَحْسَن بعُوْن المسَاكين مآلك.
قَوْله: قَلْبه حجر أَي جَلْمَد، وَالمسَاكين أَهْل السَّفِيْنَة فِي البَحْر.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائة، وله خمس وسبعون سنة.
5517- اليونيني 2:
الزَّاهِدُ العَابِدُ أَسَدُ الشَّامِ الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ جَعْفَرٍ اليُوْنِيْنِيُّ.
كَانَ شَيْخاً طَوِيْلاً مَهِيْباً شُجَاعاً حَادّ الحَال، كَانَ يَقوم نِصْف اللَّيْل إِلَى الفُقَرَاء، فَمَنْ رَآهُ نَائِماً وَلَهُ عصَا اسْمهَا العَافِيَة ضربَه بِهَا، وَيَحْمِل الْقوس وَالسِّلاَح، وَيلبس قُبعاً مِنْ جِلْدِ مَاعز بصوفه، وكان أمارًا بالمعروف لا يهاب المُلُوْك، حَاضِر القَلْب، دَائِم الذّكر، بعيد الصِّيْت. كَانَ مِنْ حدَاثته يَخْرُج وَيَنطرح فِي شَعْرَاء يُونِيْن فِيردّه السّفَّارَة إِلَى أُمّه، ثُمَّ تَعبّد بِجَبل لُبْنَان، وَكَانَ يَغْزُو كَثِيْراً.
قَالَ الشَّيْخُ عليّ القَصَّار: كُنْت أَهَابه كَأَنَّهُ أَسد، فَإِذَا دَنَوْت مِنْهُ وَدِدْت أَنْ أَشقّ قَلْبِي وَأَجعله فِيْهِ.
قِيْلَ: إِنَّ العَادل أَتَى وَالشَّيْخ يَتوضَأَ، فَجَعَلَ تَحْتَ سجَادته دَنَانِيْر، فَرَدَّهَا وَقَالَ: يَا أَبُو بَكْرٍ كَيْفَ أَدْعُو لَكَ وَالخُمُوْر دَائِرَة فِي دِمَشْق، وَتبيع المَرْأَة وَقيَة يُؤْخَذ مِنْهَا قرطيس? فَأَبطل ذَلِكَ.
وَقِيْلَ: جلس بَيْنَ يَدَيْهِ المُعَظَّمُ، وَطلب الدُّعَاء مِنْهُ، فَقَالَ: يَا عِيْسَى، لا تكن نحس مثل أبيك، أظهر الزعل، وافسد على الناس المعاملة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "6/ ترجمة 810"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 71، 72".
2 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "5/ 73-75".

(16/112)


حكَى الشَّيْخ عَبْد الصَّمَدِ، قَالَ: وَاللهِ مُذْ خدمت الشَّيْخ عَبْد اللهِ، مَا رَأَيْتهُ اسْتند وَلاَ سَعَل وَلاَ بَصَق.
قد طوّلت هَذِهِ التَّرْجَمَة فِي "التَّارِيْخ الكَبِيْر" وَفِيْهَا كَرَامَات لَهُ وَرِيَاضَات وَإِشَارَات، وَكَانَ لاَ يَقوم لأَحدٍ تَعْظِيْماً للهِ وَلاَ يَدّخر شَيْئاً؛ لَهُ ثَوْب خَام، وَيلبس فِي الشِّتَاء فَرْوَة، وَقَدْ يُؤثِر بِهَا الْبرد، وَكَانَ رُبَّمَا جَاع وَيَأْكُل مِنْ وَرق الشجر.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: كَانَ الشَّيْخ شُجَاعاً، مَا يُبالِي بِالرِّجَال قلُّوا أَوْ كثرُوا، وَكَانَ قَوْسه ثَمَانِيْنَ رطلاً، وَمَا فَاتته غَزَاة. وَقِيْلَ: كَانَ يَقُوْلُ لِلشَّيْخِ الفَقِيْه تِلْمِيْذه: فِيَّ وَفِيك نَزلت: {إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [التَّوبَة: 34] .
تُوُفِّيَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَهُوَ صَائِم، وَقَدْ جَاوَزَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وَلأَصْحَابِهِ فِيْهِ غُلُوّ زَائِد، وَقَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً، وَالشَّيْخ أَبُو عُمَرَ أَجَلّ الرجلين.

(16/113)


5518- الغزنوي:
الوَاعِظُ أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الغَزْنَوِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ 532.
وَسَمَّعَهُ أَبُوْهُ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ صِرْمَا، وَالأُرْمَوِيِّ، وَأَبِي الفَتْحِ الكَرُوْخِيّ، وَأَبِي سَعْدٍ ابْن البَغْدَادِيّ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: لَمْ يحبّ الرِّوَايَة لمِيْله إِلَى غَيْر ذَلِكَ وَشنآنه، وَلَمْ يَكُنْ مَحْمُوْد الطريقة.
وقال ابن النجار: كان فاسد القعيدة، يعظ ونال مِنَ الصَّحَابَةِ، شَاخَ وَافتقر وَهَجره النَّاسُ، وَكَانَ ضجوراً عسراً مُبِغضاً لأَهْل الحَدِيْث، انْفَرد برِوَايَة "جَامِع التِّرْمِذِيّ"، وَ"بِمَعْرِفَة الصَّحَابَة" لابْنِ مَنْدَة، وَكَانَ يُسَمِّع بِالأُجْرَة.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ لَيْث ابْن نُقْطَة، وَمُحَمَّد بن الْهَنِي، وَمُحَمَّد بن مَسْعُوْدٍ العَجَمِيّ المَوْصِلِيّ، وَالشَّيْخ عَبْد الصَّمَدِ بن أَبِي الجَيْش.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَة: هُوَ مَشْهُوْر بَيْنَ العوَام برذَائِل وَنقَائِص مِنْ شَرِبَ وَرفض، ثُمَّ سُئِلَ وَأَنَا أَسْمَعُ عَمَّنْ يَقُوْلُ: القُرْآن مَخْلُوْق، فَقَالَ: كَافِر، وَعَمَّنْ يَسُبّ الصَّحَابَة، فَقَالَ: كَافِر، وَعَمَّنْ يَسْتَحلّ شرب الخَمْر -وَقِيْلَ: إِنَّهُم يَعنونك بِذَلِكَ، فَقَالَ: أَنَا برِيْء مِنْ ذَلِكَ، وَكَتَبَ خطّه بِالبَرَاءة.
قُلْتُ: لَعَلَّهُ تَابَ وَارعوَى.
وَمِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ كَثِيْراً الشَّيْخ جَمَال الدِّيْنِ يَحْيَى ابْن الصَّيْرَفِيّ. تُوُفِّيَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثماني عشرة وست مائة.

(16/113)


5519- الطوسي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُقْرِئُ المُعَمَّرُ مُسْنِدُ خُرَاسَانَ رَضِيُّ الدين أَبُو الحَسَنِ المُؤَيَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ حَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي صَالِحٍ الطُّوْسِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ "صَحِيْح مُسْلِم" فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ مِنَ الفُرَاوِيّ. وَسَمِعَ "صَحِيْح البُخَارِيِّ" مِنْ: وَجيه، وَأَبِي المَعَالِي الفَارِسِيّ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن شَاه. وَ"المُوَطَّأ" مِنْ: هِبَة اللهِ السَّيِّدِيّ سِوَى الفَوَت العَتِيْق، وَسَمِعَ "تَفْسِيْر الثَّعْلَبِيّ" مِنْ: عبَّاسَة العَصَّارِيّ، وَأَكْثَر "الْوَسِيط" لِلوَاحِدِي مِنْ عَبْدِ الجَبَّارِ الخُوَارِيّ، وَ"الغَايَة" لابْنِ مهرَان مِنْ زَاهِر بن طَاهِر، وَ"الأَرْبَعِيْنَ" لِلْحَسَنِ بنِ سُفْيَانَ مِنْ فَاطِمَة بِنْت زَعْبَل، وَ"جُزْء ابْن نَجيد"، وَأَشيَاء تَفَرَّد بِهَا، وَرُحِلَ إِلَيْهِ مِنَ الأَقطَار. وَكَانَ ثِقَةً، خَيّراً، مُقْرِئاً جَلِيْلاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: العَلاَّمَةُ جَمَالُ الدِّيْنِ مَحْمُوْدُ ابْنُ الحَصِيْرِيّ، وَابْنُ الصَّلاَح، وَالقَاضِي الخُوئِي، وَابْنُ نُقْطَة، والبرزالي، وابن النجار، والضياء، والموسي، وَالصَّرِيْفِيْنِيُّ، وَالمَجْدُ الإِسْفَرَايِيْنِيّ، وَعَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ الصُّوْرِيّ، وشمس الدين البيلقاني، ومفضل القرشي، وأحمد ابن عُمَرَ البَاذَبِينِيُّ، وَالكَمَالُ بنُ طَلْحَة، وَخَلْقٌ.
وَبِالإِجَازَةِ تَاج الدِّيْنِ العَصْروِيّ، وَابْن عَسَاكِرَ، وَعَبْد الوَاسِع الأَبْهَرِيّ، وَزَيْنَب الكِنْدِيَّة.
تُوُفِّيَ فِي العِشْرِيْنَ مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
وَقَدْ أَجَاز لَهُ مِنْ بَغْدَادَ قَاضِي المَارستَان، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّاز.
وَفِيْهَا مَاتَ: الزَّاهِد الشَّيْخ عَبْد الله اليونيني، وعبد الرحمن بن أَحْمَدَ بنِ هديَّة الوَرَّاق، وَالمُحَدِّث عَبْد العَزِيْزِ بن هِلاَلَة، وَعَبْد العَظِيْمِ بن عَبْدِ اللَّطِيْفِ الشَّرابِيّ، وَأَمِيْر مَكَّة قَتَادَة بن إِدْرِيْسَ الحَسَنِيّ، وَخُوَارِزْم شَاه عَلاَء الدِّيْنِ مُحَمَّد بن تِكِش، وَصَاحِب حَمَاة المَنْصُوْر بن مُحَمَّدِ بنِ تَقِيّ الدِّيْنِ عُمَر، وَوزِيْر العِرَاق النَّصِيْر بن مَهْدِيٍّ العَجَمِيّ، وَالأَمِيْر عِمَاد الدِّيْنِ ابْن المَشْطُوب.
حكَى الأَشرف أَحْمَد ابْن القَاضِي الفَاضِل: حَدَّثَنِي المُحِبّ عَبْد العَزِيْزِ بن هِلاَلَة، قَالَ: رَأَيْتُ كَأنَّ المُؤَيَّد الطُّوْسِيّ قَدْ مَاتَ وَدَفَنَّاهُ، فَلَمَّا انْصرف النَّاس وَشق القَبْر وَخَرَجَ مِنْهُ النَّار وَهُوَ يُنَادِي: يَا مُحِبّ مَا تبصر مَا أَنَا فِيْهِ? قُلْتُ: وَلِمَ يُفْعَلْ بِك هَذَا? قال: لأخذ الذهب عَلَى حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم حدث المحب بمنام رآه لابن طبرزذ هو في "تاريخ ابن العديم".
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 752"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 251"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 78".

(16/114)


5520- السمعاني 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ المُفْتِي المُحَدِّثُ فَخْرُ الدِّيْنِ أَبُو المُظَفَّرِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ ابْنُ الحَافِظِ الكَبِيْرِ أَبِي سَعْدٍ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرِ ابْن السَّمْعَانِيِّ المَرْوَزِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي ذِي القَعْدَةِ، وَاعْتَنَى بِهِ أَبُوْهُ اعتنَاء كليّاً، وَرَحَلَ بِهِ، وَأَسمَعَهُ مَا لاَ يُوْصَف كَثْرَة.
وَسَمِعَ بِعُلُوّ "صَحِيْحِ البُخَارِيِّ" وَ"سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ"، وَ"جَامِعِ أَبِي عِيْسَى"، وَ"سُنَن النَّسَائِيّ"، وَ"مُسْنَد أَبِي عَوَانَةَ"، وَ"تَارِيْخ الفَسَوِيّ". وَسَمِعَ: "الحِلْيَة"، وَ"مُسْنَد الهَيْثَم"، وَ"صَحِيْح مُسْلِم" وَكَثِيْراً مِنْ "مُسْنَد السَّرَّاج".
وَخَرَّجَ أَبُوْهُ لَهُ عَوَالِي فِي سِفْرَيْنِ، وَأَشغله بِالفِقْه وَالحَدِيْث وَالأَدب، وَحصّل مِنْ كُلِّ فَنّ، وَانتهت إِلَيْهِ رِيَاسَة الشَّافِعِيَّة بِبلده، وَكَانَ مُعَظَّماً محترماً، قَالَهُ ابْن النَّجَّارِ.
قَالَ: وَعَمِلَ لَهُ أَبُوْهُ "مُعْجَماً" فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ جُزْءاً.
قُلْتُ: أَعْلَى شَيْخ لَهُ أَبُو تَمَّام أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ المُخْتَارِ العَبَّاسِيّ التَّاجِر، حَدَّثَهُ "بصفَة المُنَافِق" بِنَيْسَابُوْرَ، عَنْ أبي جعفر ابن المسلمة.
وَسَمِعَ مِنَ: الرَّئِيْس أَسَعْد بن عَلِيٍّ المهروِي، وَوَجِيْه الشَّحَّامِيّ، وَالحُسَيْن بن عَلِيٍّ الشَّحَّامِيّ، وَأَبِي الفُتُوْح عَبْد اللهِ بن عَلِيٍّ الخَركوشِيّ، وَالجُنَيْد القَايِنِيّ، وَأَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وَأَبِي الأَسْعَد ابْن القُشَيْرِيّ، وَجَامع السَّقَّاء، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ بن أبي صالح
__________
1 ترجمته في الميزان "2/ ترجمة 5032"، ولسان الميزان "4/ ترجمة 10"، وشذرات الذهب "5/ 75".

(16/115)


المُؤَذِّن، وَمُحَمَّد بن مَنْصُوْرٍ الحُرْضِيّ، وَأَبِي طَاهِرٍ مُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَأَبِي الفَتْحِ مُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكُشمهينِيّ، وَمُحَمَّد بن الحَسَنِ بنِ تَمِيْمٍ الطَّائِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي سَعْدٍ الشِّيْرَازِيّ، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ الشَّامَاتِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الوَاحِدِ المَغَازِلِيّ، وَمُحَمَّد بن جَامِعٍ خَيَّاط الصُّوف، وَالحَسَن بن مُحَمَّدٍ السَّنْجَبَسْتِيّ، وَسَعِيْد بن عَلِيٍّ الشُّجَاعِيّ، وَأَبِي البَرَكَاتِ عَبْد اللهِ بن الفُرَاوِيّ، وَعَبْد السَّلاَمِ الهَرَوِيّ بكبرَة، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ عَبْدِ الخَالِقِ بن الشَّحَّامِيّ، وَعُمَر بن أَحْمَدَ الصَّفَّار، وَعُثْمَان بن عَلِيٍّ البِيْكَنْدِيّ، وَخَلْق بِبُخَارَى، وَسَمَرْقَنْد، وَهرَاة، وَنَيْسَابُوْر، وَمرو، وَأَمَاكن عِدَّة.
وَحَجّ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ، فَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ، وَرجع.
رَوَى الكَثِيْر، وَرَحَلَ الطّلبَة إِلَيْهِ.
سَمِعَ مِنْهُ: الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الحَازِمِيّ -وَمَاتَ قَبْلَهُ بدَهْر، وَالبِرْزَالِيّ، وَابْن الصَّلاَح، وَالضِّيَاء، وَابْن النَّجَّارِ، وَابْن هِلاَلَة، وَالشَّرَف المُرْسِيّ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ الْمُحسن الغرافي، وجماعة.
وَبِالإِجَازَةِ تَاج الدِّيْنِ ابْن عصرُوْنَ، وَالشَّرَف ابْن عَسَاكِرَ، وَزَيْنَب الكِنْدِيَّة.
وَكَانَ صَدْراً مُعَظَّماً مُكَمَّلاً، بَصِيْراً بِالمَذْهَبِ، لَهُ أَنسَةٌ بِالحَدِيْثِ.
قَالَ ابْنُ الصَّلاَح: قَرَأْت عَلَيْهِ فِي "أَرْبَعِيْنَ" ابْن الفُرَاوِيّ فِي حَدِيْث كَأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ البُخَارِيّ، فَقَالَ: ليس لك بعال، ولكنه للبخاري نَازل.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمَاعَاته بخُطُوط المَعْرُوْفِيْن صَحِيْحَة، فَأَمَّا مَا كَانَ بِخَطِّهِ، فَلاَ يَعتمد عَلَيْهِ، كَانَ يَلحق اسْمه فِي الطّباق.
قُلْتُ: عُدم فِي دُخُوْل التَّتَار فِي آخِرِ سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ، أَوْ فِي أَوَّلِ سَنَة ثَمَانِي عَشْرَةَ، وَكَانَ أَخُوْهُ الصَّدْر أَبُو زَيْد مُحَمَّد رَسُوْلاً مِنْ جِهَةِ خُوَارِزْم شَاه إِلَى الخَلِيْفَة.

(16/116)


ابن الصفار، محمد بن مكي:
5521- ابن الصفار 1:
الإِمَامُ الفَقِيْهُ المُسْنِدُ الجَلِيْلُ أَبُو بَكْرٍ القَاسِمُ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي سَعْدٍ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الفَقِيْهِ عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، ابْنُ الصَّفَّارِ، الشَّافِعِيُّ، مُفْتِي خُرَاسَانَ.
مَوْلِدُهُ فِي رَبِيْعٍ الآخرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ: جدّه، وَمِنْ وَجيه الشَّحَّامِيّ وَعَبْد اللهِ ابْن الفراوي، ومحمد ابن منصور الحرضي، وهبة الرحمن ابن القيشري، وإسماعيل بن عبد الرحمن العصَائِدِيّ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن إِسْمَاعِيْلَ الصَّيْرَفِيّ، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء، وَالصَّرِيْفِيْنِيّ، وَابْن الصَّلاَح، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايِيْنِيّ، وَالمُرْسِيّ، وَالبَكْرِيّ، وَعُمَر الكَرْمَانِيّ، وَجَمَاعَة.
وَبِالإِجَازَةِ أَبُو الفَضْلِ ابْن عَسَاكِرَ، وَابْن أَبِي عَصْرُوْنَ، وَزَيْنَب بِنْت كندِي.
وَمِنْ مَسْمُوْعَاته: "مُسْنَد أَبِي عَوَانَةَ" مِنْ أَبِي الأَسْعَد ابْن القُشَيْرِيّ، وَكِتَاب "الزُّهرِيات" لِلذُّهلِيّ مِنْ وَجيه.
وَنقَلْتُ مَنْ خطّ الإِسْفَرَايِيْنِيّ: أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُفْتِي خُرَاسَان شِهَاب الدِّيْنِ القَاسِم ابْن الصَّفَّار، فَذَكَرَ حَدِيْثاً، ثُمَّ قَالَ: مَا رَأَيْتُ فِي خُرَاسَان مِنَ المَشَايِخ مِثْل شِهَاب الدِّيْنِ هَذَا حلماً وَعلماً وَمَعْرِفَة بِالمَذْهَبِ. سَمِعْتُ أَنَّهُ درّس "الْوَسِيط" لِلْغزَالِيّ أَرْبَعِيْنَ مرَّة دَرْسَ العَامَّة سِوَى درْس الخَاصَّة.
قَالَ: وَدَخَلت التّرك نَيْسَابُوْر فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَمْ يَتمكنُوا مِنْ دُخُوْلهَا، قُتل مقدمهُم بِسهم غرْب، فَرجعُوا عَنْهَا، ثُمَّ عَادُوا، إِلَيْهَا فِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ وأخذوها وأخربوها، وقتلوا رجالها ونسائها إلَّا مَنْ شَاءَ الله، وَاسْتُشْهِدَ شَيْخنَا القَاسِم ابن الصفار فيهم.
5522- محمد بن مكي 2:
ابن أبي الرجاء، الفَقِيْهُ الإِمَامُ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيُّ الحنبلي، مفيد أصبهان.
سَمِعَ أَبَا الخَيْرِ البَاغَبَان، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الرُّسْتُمِيّ، وَمَسْعُوْد بن الحَسَنِ الثَّقَفِيّ، وَمَحْمُوْداً فورجَة، وَأَبَا المُطَهَّر الصَّيْدَلاَنِيّ، وَطَبَقَتهُم.
وَكَتَبَ الكَثِيْر، وَجَمَعَ، وَخَرَّجَ، وَحَدَّثَ.
رَوَى عَنْهُ: ضِيَاء الدِّيْنِ المَقْدِسِيّ، وَزَكِيّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيّ، وَطَائِفَة مِنَ الرّحَّالَة.
وَأَجَاز لابْنِ شَيْبَان، وَالفَخْر ابْن البُخَارِيِّ، وَالبُرْهَان ابْن الدّرَجِيِّ.
مَاتَ فِي المُحَرَّم، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائة، وقد شاخ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 253"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 81، 82".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1395"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 42، 43".

(16/117)


5523- نجم الدين الكبرى 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ القُدْوَةُ المُحَدِّثُ الشَّهِيْدُ شَيْخُ خُرَاسَانَ نَجْمُ الكُبَرَاءِ، وَيُقَالُ: نَجْمُ الدِّيْنِ الكُبْرَى، الشيخ أبو الجناب أحمد بن عمر ابن مُحَمَّدٍ الخُوَارِزْمِيُّ الخِيْوَقِيُّ الصُّوْفِيُّ، وَخِيْوَق: مِنْ قُرَى خُوَارِزْم.
طَاف فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَأَبِي العَلاَءِ الهَمَذَانِيّ العَطَّار، وَمُحَمَّد بن بُنَيْمَانَ، وَعَبْد المُنْعِمِ ابْن الفُرَاوِيّ، وَطَبَقَتهم، وَعُنِي بِالحَدِيْثِ، وَحصّل الأُصُوْل.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ هِلاَلَة، وَخَطِيْب دَارَيَّا شَمخ، وناصر بن منصور العرضي، وشيف الدِّيْنِ البَاخَرْزِيّ تِلْمِيْذه، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَة: هُوَ شَافعِيّ، إِمَام فِي السُّنَّةِ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: طَاف البِلاَد، وَسَمِعَ، وَاسْتَوْطَنَ خُوَارِزْم، وَصَارَ شَيْخ تِلْكَ النَّاحيَة، وَكَانَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ وَسُنَّة، ملجَأ لِلْغربَاء، عَظِيْم الجَاه، لاَ يَخَاف فِي اللهِ لُوْمَة لاَئِم.
وَقَالَ ابْنُ هِلاَلَة: جلَسْتُ عِنْدَهُ فِي الخلوَة مرَاراً، وَشَاهِدت أُمُوْراً عَجِيْبَة، وَسَمِعْتُ مَنْ يُخَاطبنِي بِأَشيَاء حَسَنَة.
قُلْتُ: لاَ وُجُوْد لِمَنْ خَاطبك فِي خَلْوَتِك مَعَ جُوعِك الْمُفرط، بَلْ هُوَ سَمَاع كَلاَم فِي الدِّمَاغ الَّذِي قَدْ طَاش وَفَاش وَبَقِيَ قَرعَة كَمَا يتمّ لِلمُبَرْسَم وَالمغمور بِالحُمَّى وَالمَجْنُوْن، فَاجزِم بِهَذَا، وَاعَبد اللهِ بِالسُّنَن الثَّابتَة، تُفْلِح!
وَقِيْلَ: إِنَّهُ فَسّر القُرْآن فِي اثْنَيْ عَشَرَ مُجَلَّداً، وَقَدْ ذهب إِلَيْهِ فَخْر الدِّيْنِ الرَّازِيّ صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، وَنَاظر بَيْنَ يَدَيْهِ فَقِيْهاً فِي مَعْرِفَةِ الله وَتوحيده، فَأَطَالاَ الجِدَال، ثُمَّ سَأَلاَ الشَّيْخ عَنْ علم المَعْرِفَة، فَقَالَ: هِيَ وَاردَات ترد عَلَى النُّفُوْس، تَعجز النُّفُوْس عَنْ ردّهَا، فَسَأَلَهُ فَخْر الدِّيْنِ: كَيْفَ الوُصُوْل إِلَى إِدرَاك ذَلِكَ? قَالَ: بِتَرْكِ مَا أَنْتَ فِيْهِ مِنَ الرِّئَاسَة، وَالحظوظ. قَالَ: هَذَا مَا أَقْدِر عَلَيْهِ. وَأَمَّا رفيقه فزهد، وتجرد، وصحب الشيخ.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 79، 80".

(16/118)


نَزَلَتِ التَّتَارُ عَلَى خُوَارِزْم فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، فَخَرَجَ نَجْم الدِّيْنِ الكُبْرَى فِيْمَنْ خَرَجَ لِلْجِهَاد، فَقَاتلُوا عَلَى بَابِ البَلَد حَتَّى قتلُوا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وَقُتِلَ الشَّيْخ وَهُوَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ.
وَفِي كَلاَمه شَيْء مِنْ تَصُوف الحكمَاء.
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ نَافِع الهندِيّ، أَخْبَرَنَا مَوْلاَيَ سَعِيْد بن المُطَهَّر، أَخْبَرَنَا أَبُو الجَنَّابِ أَحْمَد بن عُمَرَ سَنَة 615، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي العَلاَءِ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بنُ سَالِمٍ، عَنْ نُوْح بن أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ هَذِهِ الآيَة: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ، قَالَ: "لِلَّذِيْن أَحْسَنُوا العَمَلَ فِي الدُّنْيَا الحُسْنَى، وَهِيَ الجَنَّة، وَالزِّيَادَة: النَّظَر إِلَى وَجه الله الكريم".
نوح تالف، وسلم ضعفوه.
وَفِيْهَا مَاتَ: الوَاعِظ أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الغَزْنَوِيّ صَاحِب الكَرُوْخِيّ، وَطَاغوت الإِسْمَاعِيْلِيَّة ضلاَل الدِّيْنِ حَسَن بن عَلِيٍّ الصَّبَّاحِيّ بِالألموت، وَالشِّهَاب مُحَمَّد بن رَاجِحٍ الحَنْبَلِيّ، وَأَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَاسِطِيُّ التَّاجِر، وَمُوْسَى بن عَبْدِ القَادِرِ الجِيْلِيّ، وَهِبَة اللهِ بن الخَضِر بن طَاوُوْس، وَالقَاسِم بن عَبْدِ اللهِ ابْن الصَّفَّار، وَمُسْنِد هَرَاة أَبُو رَوْحٍ عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ.

(16/119)


5524- أبو روح 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ الصَّدُوْقُ المُعَمَّرُ مُسْنِدُ خُرَاسَانَ حَافِظُ الدِّيْنِ أَبُو رَوْحٍ عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَسَعْدَ بنِ صَاعِدٍ السَّاعِدِيُّ الخُرَاسَانِيُّ الهَرَوِيُّ البَزَّازُ الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بهَرَاة.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَبعدهَا مِنْ: جدّه لأُمِّهِ عُبَيْد اللهِ بن أَبِي عَاصِمٍ، وَتَمِيْم بن أَبِي سَعِيْدٍ الجُرْجَانِيّ، وَزَاهِر بن طَاهِر، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ الفُضَيْلِيّ، وَيُوْسُف بن أَيُّوْبَ الهَمَذَانِيّ الزَّاهِد، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ المُضَرِيّ، وَعَبْد الرَّشِيْد حَفِيْد أَبِي عُمَرَ المَلِيْحِيّ، وَعِدَّة. وَلَهُ "مَشْيَخَة" فِي جُزْء. وَقَدْ حضَر فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الفَامِيّ. وَسَمِعَ "صَحِيْح البُخَارِيِّ" مِنْ: خَلَف بن عَطَاءٍ، بِسَمَاعه مِنْ أَبِي عُمَرَ المليحي.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَة: سَمِعَ "مُسْنَد أَبِي يَعْلَى" من تميم، قال لي يحيى ابن عَلِيٍّ المَالقِيّ: كَانَ لَهُ فَوت فِيْهِ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ خَوْلَة مِنَ الهِنْد إِلَى هَرَاة، فَأَخْرَجَ لَنَا المُجَلَّدَة الَّتِي فِيْهَا سَمَاعه، فَتَمَّ لَهُ الكِتَاب.
قَالَ: وَيَرْوِي كِتَاب "الأَنْوَاع وَالتّقَاسيم".
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ البِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء، وَابْن النَّجَّارِ، وَالمُرْسِيّ، وَالبَكْرِيّ، وَعَبْد الحَقِّ المَنْبِجِي، وَالصَّرِيْفِيْنِيّ، وَمَشْهُوْر النِّيرَبَانِي. وَسَمِعْتُ بِإِجَازته مِنْ جَمَاعَة، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوّ الإِسْنَادِ.
قَالَ الضِّيَاء: قتلته التّركُ، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتّ مائة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 81".

(16/119)


5525- العادل وبنوه 1:
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ المَلِكُ العَادِل سَيْفُ الدِّيْنِ أَبُو الملوك وأخو الملوك أبو بَكْرٍ مُحَمَّد ابْنُ الأَمِيْرِ نَجْمِ الدِّيْنِ أَيُّوْبَ بنُ شَاذِي بنِ مَرْوَانَ بنِ يَعْقُوْبَ الدُّوِيْنِيُّ الأَصْل، التَّكرِيتِيُّ، ثُمَّ البَعْلَبَكِّيّ المَوْلِد. وُلِدَ بِهَا إِذْ وَالِده يَنوب بِهَا لِلأَتَابَك زَنْكِي بن آقْسُنْقُر فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
كَانَ أَصْغَر مِنْ أَخِيْهِ صَلاَح الدِّيْنِ بعَامَيْنِ، -وَقِيْلَ: بَلْ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ- فَاللهُ أَعْلَم.
نشَأَ فِي خدمَة المَلِك نُوْر الدِّيْنِ، ثُمَّ شَهِدَ المَغَازِي مَعَ أَخِيْهِ. وَكَانَ ذَا عقل وَدَهَاء وَشجَاعَة وَتؤدة وَخبرَة بِالأُمُوْر، وَكَانَ أَخُوْهُ يَعتمدُ عَلَيْهِ وَيَحترمه، اسْتنَابه بِمِصْرَ مُدَّة ثُمَّ ملّكه حَلَب، ثُمَّ عوّضه عَنْهَا بِالكَرَك وَحرَّان، وَأَعْطَى حَلَب لوَلَده الظَّاهِر.
قِيْلَ: إِنَّ العَادل لَمَّا سَارَ مَعَ أَخِيْهِ، قَالَ: أَخذت مِنْ أَبِي حُرْمدَان، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِذَا أَخذتم مِصْر امْلَأْهُ لِي ذهباً. فلما جاء إلى مصر، قال: وأبن الحرمدَان? فَملأته درَاهِم، وَجَعَلت أَعلاَهُ دَنَانِيْر، فَلَمَّا قَلَّبَهُ، قَالَ: فَعَلت زَغَل المِصْرِيّين.
وَلَمَّا نَاب بِمِصْرَ اسْتحبّه صَلاَح الدِّيْنِ فِي الحَمْل، حَتَّى قَالَ: يُسَيِّر الحَمْل مِنْ مَالنَا أَوْ مِنْ مَاله، فَشقّ عَلَيْهِ، وَحكَاهَا لِلْقَاضِي الفَاضِل، فَكَتَبَ جَوَابه: وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ السُّلْطَان، فَتلك لفظَة ما المقصود بها من الممالك النجعة بل قصد به الكَاتِب السَّجعَة، وَكم مِنْ كلمَةٍ فَظَّة وَلفظَة
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 693".

(16/120)


فيها غلظة جبرت عي الأقلام، وسدت [خلل] الكلام، وعلى الملوك الضَّمَان فِي هَذِهِ النُّكْتَة، وَقَدْ فَات لِسَان القَلَم أَيّ سَكْتَة.
قُلْتُ: وَكَانَ سَائِساً، صَائِب الرَّأْي، سعيداً، اسْتولَى عَلَى البِلاَد، وَامتدت أَيَّامه، وَحكم عَلَى الحِجَاز، وَمِصْر، وَالشَّام، وَاليَمَن، وَكَثِيْر مِنَ الجَزِيْرَة، وَدِيَار بَكْرٍ، وَأَرْمِيْنيَةَ. وَكَانَ خَلِيقاً لِلمُلك، حَسَن الشّكل، مَهِيْباً، حليماً، دَيِّناً، فِيْهِ عِفَّة وَصَفح وَإِيثَار فِي الجُمْلَةِ. أَزَال الخُمُوْر والفاحشة ف بَعْضِ أَيَّام دَوْلَته، وَتَصدَّق بِذَهَب كَثِيْر فِي قَحط مِصْر حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ كَفَّن مِنَ الموتَى ثَلاَث مائَة أَلْف، وَالعُهدَة عَلَى سِبْط الجَوْزِيّ فِي هَذِهِ.
وَسيرته مَعَ أَوْلاَد أَخِيْهِ مَشْهُوْرَة، ثُمَّ لَمْ يزَلْ يرَاوَغهم وَيلقِي بَيْنهُم حَتَّى دحَاهُم، وَتَمَكَّنَ وَاسْتَوْلَى عَلَى مَمَالِك أَخِيْهِ، وَأَبعد الأَفْضَل إِلَى سُمَيسَاط، وَودَع الظَّاهِر وَكَاسر عَنْهُ لَكُوْن بِنْته زَوجته، وَبَعَثَ عَلَى اليَمَنِ حَفِيْده المَسْعُوْد أَطسز ابْن الكَامِل، وَنَاب عَنْهُ بِمَيَّافَارِقِيْن ابْنه الأَوْحَدُ، فَاسْتولَى عَلَى أَرْمِيْنِيَةَ. ثُمَّ إِنَّهُ قسّم المَمَالِك بَيْنَ أَوْلاَده، وَكَانَ يصيّف بالشام غالبً وَيَشتو بِمِصْرَ.
جَاءته خِلَع السّلطنَة مِنَ النَّاصِر لِدِيْنِ اللهِ وَهِيَ: جُبَّة سَوْدَاء بِطرز ذهب وجواهر في الطوق، وعمامة سوداء مذهبة، وطرق، وسيف، وحصان بِمركب ذهب، وَعَلَم أَسود، وَعِدَّة خلع لبنِيه مَعَ السُّهْرَوَرْدِيّ، فَقُرِئ تَقليده عَلَى كُرْسِيّ، قرَأَه وَزِيْره، وَخوطب فِيْهِ: بِالعَادل شَاه أَرمن ملك المُلُوْك خَلِيْل أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ.
وَخَافَ مِنَ الفِرَنْج فَصَالَحَهُم، وَهَادَنَهُم، وَأَعْطَاهُم مَغَلّ الرَّملَة وَلدّ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِم يَافَا، فَقَوِيَتْ نُفُوْسهُم، فَالأَمْر للهِ.
ثُمَّ أَمَرَ بِتَجْدِيْدِ قَلْعَة دِمَشْق، وَأَلْزَمَ كُلّ مَلك مِنْ آلِهِ بِعِمَارَةِ بُرْج فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَعَمَّرَ عِدَّةَ قِلاعٍ.
قَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: كَانَ أَعْمَق إِخْوَته فِكْراً، وَأَطولهُم عُمْراً، وَأَنظرهُم فِي الْعَوَاقِب، وَأَحبهُم لِلدِّرْهَمِ، وَكَانَ فِيْهِ حِلْمٌ وَأَنَاةٌ وَصَبْرٌ عَلَى الشَّدَائِدِ، سَعِيْد الجَدّ، عَالِي الكَعْب، مُظَفَّراً، أَكُوْلاً، نَهِماً، يَأْكُلُ مِنَ الحَلْوَاء السُّكَّرِيَّة رَطْلاً بِالدِّمَشْقِيّ، وَكَانَ كَثِيْرَ الصَّلاَةِ، وَيَصُوْمُ الخَمِيْس، يُكْثِرُ الصَّدَقَة عِنْد نَزول الآفَات، وَكَانَ قَلِيْلَ الْمَرَض، لَقَدْ أُحضر إِلَيْهِ أَرْبَعُوْنَ حملاً مِنَ الْبِطِّيخ فَكسر الجَمِيْع وَبَالَغَ فِي الأَكل فَحمّ يَوْماً. وَكَانَ كَثِيْرَ التّمتع بِالجَوَارِي، وَلاَ يَدخل عَلَيْهِنَّ خَادِماً إلَّا دُوْنَ البلوَغ.
نجب لَهُ عِدَّةُ أَوْلاَد سلطنهُم، وَزوّج بنَاته بِمُلُوْك الأَطرَاف.

(16/121)


وَقَدِ اُحْتِيلَ عَلَى الْفَتْك بِهِ مَرَّات، وَيُسَلِّمُهُ الله.
وَكَانَ شَدِيدَ المُلاَزَمَة لخدمَة أَخِيْهِ صَلاَح الدِّيْنِ، وَمَا زَالَ يَتحيّل حَتَّى أَعْطَاهُ العَزِيْز دِمَشْق، فَكَانَتِ السَّبَب فِي أَنْ تَملّك البِلاَد، وَلَمَّا جَاءهُ بِمَنْشُوْرهَا ابْن أَبِي الحَجَّاجِ أَعْطَاهُ أَلف دِيْنَار، ثُمَّ جرت أُمُوْر يَطول شرحهَا وَقِتَال عَلَى المُلك، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ التّعب وَالحَرْب جهادًا للْفرنج لأَفلح.
وَتملّك ابْنه الأَوْحَدُ خِلاَط، فَقتل خلقاً مِنْ عَسْكَرهَا.
قَالَ المُوَفَّقُ: فَقَالَ لِي بَعْض خواصة: إِنَّهُ قَتَل فِي مُدَّةٍ ثَمَانِيَةَ عشرَ أَلْفاً مِنَ الخَواص كَانَ يَقتلهُم ليلاً وَيلقيهم فِي الْآبَار، فَمَا أُمهِلَ وَاختل عقلُه وَمَاتَ. وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْهِ أَبُوْهُ مُعَزِّماً ظنَّه جُنَّ. فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ الأَشرف إِلَى أَنْ قَالَ: وَرَدَ العَادل وَرمَاح الفِرَنْج فِي أَثره حَتَّى وَصل دِمَشْق وَلَمْ يَدخلهَا، وَشجعه المُعْتَمِد. وَأَمَّا الفِرَنْج فَظنُّوا هزِيمته مكيدَة فَرجعُوا بَعْدمَا عَاثُوا وَقصدُوا دِمْيَاط. وَقِيْلَ: عرض لَهُ ضَعْف وَرعشَة، وَاعْتَرَاهُ وَرم الأُنثيين، فَمَاتَ بِظَاهِر دِمَشْق.
كَانَتْ خزانته بجعبر ورها وَلدُه الحَافِظ ثُمَّ نَقلهَا إِلَى دِمَشْقَ، فَحصلت فِي قبضَة وَلده المُعَظَّم، وَكَانَ قَدْ مكر وَحسّن لأَخِيه العصيَان فَفَعَل، فَبَادر أَبُوْهُ وَحَوَّل الأَمْوَال.
وَقَدْ حَدَّثَ العَادل بِجُزْء السَّابِع مِنْ "المَحَامِلِيَّات" عَنِ السِّلَفِيّ، رَوَاهُ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ الصَّالِح إِسْمَاعِيْل، وَالشِّهَاب القُوْصِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْن النُّشبِيّ، وَمَاتَ وَفِي خزَانته سَبْع مائَة أَلْف دِيْنَار عيناً.
تُوُفِّيَ بعَالقين فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ خمس عشرة وست مائة، ودفن بِالقَلْعَة أَرْبَع سِنِيْنَ فِي تَابوت ثُمَّ نَقل إِلَى تُرْبَته.
وَخَلَّفَ عِدَّةَ أَوْلاَد: الكَامِل صَاحِب مِصْر، وَالمُعَظَّم صَاحِب دِمَشْق، وَالأَشرف صَاحِب أَرْمِيْنِيَةَ ثُمَّ دِمَشْق، وَالصَّالِح عِمَاد الدِّيْنِ، وَشِهَاب الدِّيْنِ غَازِياً صَاحِب مَيَّافَارِقِيْن، وَآخرُ مَنْ مَاتَ مِنْهُم: تَقِيّ الدِّيْنِ عَبَّاس، وَعَاشَتْ بِنْته مُؤنسَة بِنْت العَادل بِمِصْرَ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَحدثت بِإِجَازَة عفِيفَة.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ مَائِلاً إِلَى العُلَمَاء، حَتَّى لصَنف لَهُ الرَّازِيّ كِتَاب "تَأسيس التَّقْدِيس"، فَذَكَر اسْمه فِي خطبته.

(16/122)


5526- المعظم 1:
السُّلْطَانُ المَلِكُ المُعَظَّم ابْنُ العَادِلِ المَذْكُوْر، هُوَ شَرَفُ الدِّيْنِ عِيْسَى بنُ مُحَمَّدٍ الحَنَفِيُّ، الفَقِيْهُ، صاحب دمشق.
مَوْلِدُهُ بِالقَصْر مِنَ القَاهِرَة، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَنَشَأَ بِدِمَشْقَ، وَحفظ القُرْآن، وَبَرَعَ فِي المَذْهَب، وَعُنِي "بِالجَامِع الكَبِيْر"، وَصَنَّفَ لَهُ شرحاً كَبِيْراً بِمعَاونَة غَيْره، وَلاَزَمَ التَّاج الكِنْدِيّ، وَتردّد إِلَيْهِ إِلَى درب الْعَجم مِنَ القَلْعَة، وَتحت إِبطه الكِتَاب، فَأَخَذَ عَنْهُ "كِتَاب سِيْبَوَيْه"، وَكِتَاب "الحُجَّة فِي القِرَاءات"، وَ"الحمَاسَة"، وَحفظ عَلَيْهِ "الإِيضَاح"، وَسَمِعَ "مُسند الإِمَامِ أَحْمَد بنِ حَنْبَلٍ"، وَلَهُ "دِيْوَان شعر" سَمِعَهُ مِنْهُ القُوْصِيّ فِيمَا زَعَمَ. وَلَهُ مصَنّف فِي الْعرُوض، وَكَانَ رُبَّمَا لاَ يُقيم الْوَزْن، وَكَانَ يَتعصّب لمَذْهَبه، قَدْ جَعَلَ لِمَنْ عرض المُفَصّل، مائَة دِيْنَارٍ صُوْرِيّة وَلِمَنْ عرض "الجَامِع الكَبِيْر" مائَتَيْ دِيْنَار.
وَحَجّ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَأَنشَأَ البِرَك، وَعَمِلَ بِمُعَان دَار مَضيف وَحمَّاماً. وَكَانَ يَبحث وَيُنَاظر، وَفِيْهِ دَهَاء وَحزم، وَكَانَ يُوْصَف بِالشَّجَاعَة وَالكرم وَالتَّوَاضع؛ سَاق مرَّة إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّة فِي ثَمَانِيَة أَيَّام عَلَى فَرَس وَاحِد، وَاعد القُصَّاد وَأَصْحَاب الأَخْبَار، وَكَانَ عَلَى كَتِفِهِ الفِرَنْج، فَكَانَ يظلم، وَيدير ضمَان الخَمْر لِيَسْتَخْدِمَ بِذَلِكَ، وَكَانَ يَرْكَب وَحْدَه مرَاراً ثُمَّ يَلحقه ممَاليكه يَتطَاردُوْنَ، وَكَانَ يُصَلِّي الجُمُعَة فِي تربَة عَمّه صَلاَح الدِّيْنِ، ثُمَّ يَمْشِي مِنْهَا يَزور قَبْر أَبِيْهِ.
قَرَأْت بِخَطّ الضِّيَاء الحَافِظ: كَانَ المُعَظَّم شُجَاعاً فَقِيْهاً يَشرب الْمُسكر، وَأَسّس ظلماً كَثِيْراً، وَخرب بَيْت المَقْدِسِ.
وَقَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: وَكَانَ عَالِماً بِعِدَّة عُلُوْم، نَفق سُوْق العِلْم فِي أيامه، وَقصدهُ الفُقَهَاء، فَأَكْرَمَهُم، وَأَعْطَاهُم، وَلَمْ يسمع مِنْهُ كلمَة نَزقَة، وَيَقُوْلُ: اعْتِقَادِي فِي الأُصُوْلِ مَا سطّره الطَّحَاوِيّ، وَأَوْصَى أَنْ لاَ يُبْنَى عَلى قَبْرِهِ، وَلَمَّا مرض، قَالَ: لِي فِي قَضِيَّة دِمْيَاط مَا أَرْجُو بِهِ الرَّحْمَة.
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: كَانَ جُنْده ثَلاَثَة آلاَف فَارِس فِي نِهَايَة التَّجَمُّل، وَكَانَ يُقَاوم بِهِم إِخْوَته، وَكَانَ الكَامِل يَخَافه، مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَخطب لِلْكَامِل فِي بلاَده وَيَضرب السّكة باسمه. وَكَانَ لاَ يَرْكَب فِي غَالِب أَوقَاته بِالعصَائِب، وَيلبس كلوتَة صَفْرَاء بِلاَ عِمَامَة، وَرُبَّمَا مَشَى بَيْنَ العوَام حتى كاد يُضرب المَثَل بِفعله، فَمَنْ فَعل شَيْئاً بِلاَ تَكلّف، قِيْلَ: هَذَا بِالمُعَظَّمِيِّ. وَتردد مُدَّة فِي الفِقْه إِلَى الحَصِيْرِيّ حَتَّى تَأَهّل لِلْفُتْيَا.
تُوُفِّيَ فِي سَلْخِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ لَهُ دِمَشْق وَالكَرَك وَغَيْر ذلك، وحلفوا بعده لابنه الناصر داود.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 515"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 267، 268"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 115، 116".

(16/123)


5527- الأشرف 1:
صَاحِبُ دِمَشْقَ السُّلْطَانُ المَلِكُ الأَشْرَفُ مُظَفَّرُ الدِّيْنِ أَبُو الفَتْحِ مُوْسَى شَاه أَرْمَنَ ابْنُ العَادِلِ.
وُلِدَ بِالقَاهِرَةِ، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ، فَهُوَ مِنْ أَقرَانِ أَخِيْهِ المُعَظَّمِ.
وَرَوَى عَنِ ابْنِ طَبَرْزَد.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: أَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنَيُّ.
وحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: القُوْصِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ".
وَسَمِعَ "الصَّحِيْحَ" فِي ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْدِيِّ.
تَملَّكَ القُدْسَ أَوَّلاً، ثُمَّ أَعْطَاهُ أَبُوْهُ حَرَّانَ وَالرُّهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَملَّكَ خِلاَطَ، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَحْوَالُ، ثُمَّ تَملَّكَ دِمَشْقَ بَعْدَ حِصَارِ النَّاصِرِ بِهَا، فَعَدَلَ، وَخَفَّف الجَوْرَ، وَأَحَبَّتْهُ الرَّعِيَّةُ. وَكَانَ فِيْهِ دِينٌ وَخَوفٌ مِنَ اللهِ عَلَى لَعِبِهِ. وَكَانَ جَوَاداً، سَمحاً، فَارِساً شُجَاعاً، لَديهِ فَضِيْلَةٌ. وَلَمَّا مرَّ بِحَلَبَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ تَلقَّاهُ الملكُ الظَّاهِرُ ابْنُ عَمِّهِ وَأَنْزَلَه فِي القَلْعَةِ، وَبَالَغَ فِي الإِنفَاقِ عَلَيْهِ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ يَوْماً، فَلَعَلَّهُ نَابَهُ فِيْهَا لأَجله خَمْسُوْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، ثُمَّ قَدَّمَ لَهُ تَقدِمَةً وَهِيَ: مائَة بُقْجَةٍ مَعَ مائَةِ مَمْلُوْكٍ فِيْهَا فَاخِرُ الثِّيَابِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُوْنَ رَأْساً مِنَ الخيلِ، وَعِشْرُوْنَ بَغلاً وَقطَارَان جِمَال، وَعِدَّة خِلَعٍ لِخوَاصِّه وَمائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأَشيَاءُ سِوَى ذَلِكَ.
وَمِنْ سَعَادتِه أَنَّ أَخَاهُ الملكَ الأَوْحَدَ صَاحِبَ خِلاَطٍ مرض، فعاده الأشرف، فَأَسَرَّ الطَّبِيْبُ إِلَيْهِ: إِنَّ أَخَاكَ سَيَمُوتُ. فَمَاتَ بعد يوم، واستولى الأشرف على أرمينية.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "5/ ترجمة 749"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 300، 301"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 175-177".

(16/124)


وَكَانَ مَلِيْحَ الهَيْئَةِ، حُلوَ الشَّمَائِلِ. قِيْلَ: مَا هُزِمتْ لَهُ رَايَةٌ. وَكَانَ لَهُ عُكُوفٌ عَلَى المَلاَهِي وَالمُسْكِرِ -عفَا الله عَنْهُ- وَيُبَالغ فِي الخُضوعِ لِلْفُقَرَاءِ وَيَزورُهُم وَيُعْطِيهِم، وَيُجِيْزُ عَلَى الشِّعرِ، وَيَبعثُ فِي رَمَضَانَ بِالحلاَوَات إِلَى أَمَاكنِ الفُقَرَاءِ، وَيُشَاركُ فِي صَنَائِعَ، وَلَهُ فَهْمٌ وَذَكَاءٌ وَسِيَاسَةٌ. أَخرَبَ خَانَ العُقَيْبَة، وَعَمِلَهُ جَامِعاً.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: فَجلَسْتُ فِيْهِ، وَحَضرَ الأَشْرَفُ وَبَكَى وَأَعتقَ جَمَاعَةً. وَعَمِلَ مَسْجِدَ بَابِ النَّصْرِ، وَدَارَ السَّعَادَةِ، وَمَسجدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَجَامِعَ جَرَّاحٍ، وَدَاري الحَدِيْثِ بِالبَلَدِ وَبِالسَّفحِ وَالدَّهشَةِ، وَجَامِعَ بَيْت الأَبَّارِ.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: كَانَ الأَشْرَف يَحضُرُ مَجَالِسِي بِحَرَّانَ، وَبِخِلاَطٍ، وَدِمَشْقَ، وَكَانَ مَلِكاً عَفِيْفاً، قَالَ لِي: مَا مَددتُ عَيْنِي إِلَى حَرِيْمِ أَحَدٍ وَلاَ ذكر ولا أنثى، جائتني عَجُوْزٌ مِنْ عِنْدِ بِنْتِ صَاحِبِ خِلاَطٍ شَاه أَرْمَن بِأَنَّ الحَاجِبَ عَلِيّاً أَخَذَ لَهَا ضَيعَةً فَكَتَبتُ بِإِطلاَقهَا. فَقَالَتِ العَجُوْزُ: تُرِيْدُ أَنْ تَحضُرَ بَيْنَ يَدَيْكَ. فَقُلْتُ: بِاسْمِ اللهِ، فَجَاءتْ بِهَا، فَلَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْ قَوَامهَا، وَلاَ أَحْسَنَ مِنْ شَكلِهَا، فَخَدَمَت، فَقُمْتُ لَهَا، وَقُلْتُ: أَنْتَ في هذا البلد وأنا لا أَدْرِي? فَسَفرتْ عَنْ وَجْهٍ أَضَاءتْ مِنْهُ الغُرفَةُ، فَقُلْتُ: لاَ، اسْتَترِي. فَقَالَتْ: مَاتَ أَبِي وَاسْتَوْلَى عَلَى المَدِيْنَةِ بُكْتَمر، ثُمَّ أَخَذَ الحَاجِب قرِيتِي، وَبقيت أَعيش مِنْ عَمل النّقش وَفِي دَار بِالكرَاء. فَبكيت لَهَا، وَأَمرت لَهَا بِدَار وَقمَاش، فَقَالَتِ العَجُوْز: يَا خوند إلَّا تَحْظَى اللَّيْلَة بِك? فَوَقَعَ فِي قَلْبِي تغَيُّر الزَّمَان وَأَنَّ خِلاَط يَملكهَا غَيْرِي، وَتَحْتَاج بِنْتِي أَنْ تَقعد هَذِهِ القعدَة، فَقُلْتُ: مَعَاذَ اللهِ مَا هَذَا مِنْ شيمتِي. فَقَامَتِ الشَّابة بَاكيَة تَقُوْلُ: صَان الله عواقبك. وَحَدَّثَنِي أَن غُلاَماً لَهُ مَاتَ فَخلّف ابْناً كَانَ مليح زَمَانه، وَكُنْت أُتَّهم بِهِ، وَهُوَ أَعزّ مِنْ وَلد، وَبلغ عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ ضَرَبَ غُلاَماً لَهُ فَمَاتَ، فاستغاث أولياؤه، فاجتمع عليه ممَاليكِي، حَتَّى بذلُوا لَهُم مائَة أَلْف فَأَبوا إلَّا قَتله، فَقُلْتُ: سلّمُوْهُ إِلَيْهِم، فَسلمُوْهُ فَقتلُوْهُ.
وَقضيته مَشْهُوْرَة بِحَرَّانَ؛ أَتَاهُ أَصْحَاب الشَّيْخ حَيَاة وَبدّدُوا الْمُسكر مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَسَكَتَ، وَكَانَ يَقُوْلُ: بِهَا نصرت. وَقَدْ خلع عليّ مرَّة، وَأَعْطَانِي بَغْلَة وَعَشْرَة آلاَف دِرْهَم.
وَحَدَّثَنِي الفَقِيْه مُحَمَّد اليُوْنِيْنِيّ، قَالَ: حَكَى لِي فَقير صَالِح، قَالَ: لَمَّا مَاتَ الأَشْرَف، رَأَيْتهُ فِي ثِيَاب خُضر، وَهُوَ يَطير مَعَ الأَوْلِيَاء.
وَلَهُ شعر فِيْمَا قِيْلَ.
قَالَ: وَكُنْت أَغشَاه فِي مَرَضِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: اسْتَعدَّ لِلقَاء الله فَمَا يَضر، فَقَالَ: لاَ وَاللهِ بَلْ يَنفع، فَفَرَّق البِلاَد، وَأَعتق ممَاليكه نَحْو مائَتَيْنِ، وَوَقَفَ دَار السعَادَة والدهشة على بنته.

(16/125)


وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: خَلَّف بِنْتاً فَتَزَوَّجَهَا المَلِكُ الجَوَاد، فَلَمَّا تَسَلْطن عمّهَا الصَّالِح فَسخ نِكَاحهَا، ولأنه حلف بطلاقها إلى شَيْءٍ فَعله، ثُمَّ زوّجهَا بِوَلَدِهِ المَنْصُوْر مُحَمَّد، فَدَامت فِي صُحبته إِلَى اليَوْمِ.
وَكَانَ لِلأَشرف مَيْل إِلَى المُحَدِّثِيْنَ وَالحَنَابِلَة؛ قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: وَقعت فِتْنَة بَيْنَ الشَّافِعِيَّة وَالحَنَابِلَة بِسَبَب العقَائِد. قال: وتعصب الشيخ عز الدين ابن عَبْدِ السَّلاَمِ عَلَى الحَنَابِلَة، وَجَرَتْ خَبطَة، حَتَّى كتب عِزّ الدِّيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ- إِلَى الأَشْرَف يَقع فِيهِم، وَأَنَّ النَّاصح سَاعِد عَلَى فَتح بَاب السَّلاَمَة لعَسْكَر الظَّاهِر وَالأَفْضَل عِنْدَمَا حَاصرُوا العَادل، فَكَتَبَ الأَشْرَف: يَا عِزّ الدِّيْنِ، الفِتْنَة سَاكنَة لَعَنَ اللهُ مثيرهَا، وَأَمَّا بَاب السَّلاَمَة فَكمَا قِيْلَ:
وَجُرْم جَرَّهُ سُفَهَاء ُقَوْمٍ ... فَحَلَّ بغير جانبه العَذَابُ
وَقَدْ تَابَ الأَشْرَف فِي مَرَضِهِ وَابتهل، وَأَكْثَر الذّكر وَالاسْتِغْفَار.
قُلْتُ: مرض مَرَضَيْنِ مُخْتَلِفيْن فِي أَعلاَهُ وَأَسفله، فَقِيْلَ: كَانَ الجرَائِحِي يُخْرِج مِنْ رَأْسِهِ عِظَاماً، وَهُوَ يَحمد الله.
وَلَمَّا احتُضِر، قَالَ لابْنِ موسك: هَاتِ وَديعتِي، فَجَاءَ بِمئزر صُوْف فِيْهِ خِرقٌ مِنْ آثَار المَشَايِخ، وَإِزَار عَتِيْق، فَقَالَ: يَكُوْن هَذَا عَلَى بَدَنِي أَتقِي بِهِ النَّار، وَهَبَنِيه إِنْسَان حَبَشِيّ مِنَ الأَبْدَال كَانَ بِالرُّهَا.
وَقَالَ ابْنُ حَمُّوَيْه: كَانَ بِهِ دمَامل فِي رَأْسه وَمَخْرَجِه، وَتَأَسّف الْخلق عَلَيْهِ.
قُلْتُ: كَانَ يُبَالِغ فِي تَعْظِيْم الشَّيْخ الفقيه، توضأ الفقيه يومًا، فوثب الأَشْرَف، وَحلّ مِنْ تَخْفِيْفَته وَرمَاهَا عَلَى يَدِي الشَّيْخ ليُنَشِّف بِهَا، رَأَى ذَلِكَ شَيْخنَا أَبُو الحُسَيْنِ، وَحكَاهُ لِي.
مَاتَ فِي رَابع المُحَرَّم، سَنَة خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ آخر كَلاَمه لاَ إِلَهَ إلَّا الله فِيْمَا قِيْلَ.

(16/126)


5528- الكامل 1:
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ المَلِكُ الكَامِلُ نَاصِرُ الدُّنْيَا وَالدِّيْنِ، أَبُو المَعَالِي، وَأَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ ابْنُ المَلِكِ العَادِلِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَيُّوْبَ صَاحِب مِصْرَ وَالشَّامِ وَمَيَّافَارِقِيْنَ وَآمد وَخِلاَط وَالحِجَازَ وَاليَمَن وَغَيْر ذَلِكَ.
وُلِدَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَهُوَ مِنْ أَقرَان أَخويه المُعَظَّم وَالأَشْرَف، وَكَانَ أَجلّ الثَّلاَثَة وَأَرْفَعهم رُتْبَة.
أَجَاز لَهُ عَبْد اللهِ بن بَرِّيّ النَّحْوِيّ.
وَتملّك الدِّيَار المِصْرِيَّة أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، شطرهَا فِي أَيَّامِ وَالِده، وَكَانَ عَاقِلاً، مَهِيْباً، كَبِيْرَ القَدْرِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: مَال عِمَاد الدِّيْنِ ابْن الْمَشْطُوبَ وَأُمَرَاء إلى خلع الكَامِل وَقت نَوْبَة دِمْيَاط وَسلطنَة أَخِيْهِ إِبْرَاهِيْم الفَائِز، وَلاَح ذَلِكَ لِلْكَامِل فَدَارَى حَتَّى قَدِمَ إِلَيْهِ المُعَظَّم فَأَفضَى إِلَيْهِ بسرّه، فَجَاءَ المُعَظَّم يَوْماً إِلَى خيمَة ابْن الْمَشْطُوبَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ، وَخضعَ، فَقَالَ: ارْكَبْ نَتحدّث. فَرَكِبَ وَتحدثَا حَتَّى أَبعد بِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا فُلاَن هَذِهِ البِلاَد لَكَ، فَنرِيْد أَنْ تَهبهَا لَنَا، وَأَعْطَاهُ نَفَقَة وَوكّل بِهِ أَجنَاداً إِلَى الشَّامِ، ثُمَّ جهَّز الفَائِز ليطْلب عَسْكَر الجَزِيْرَة نَجدَة، فَتُوُفِّيَ الفَائِز بِسِنْجَار.
قَالَ ابْنُ مَسْدِي: كَانَ مُحِبّاً فِي الحَدِيْثِ وَأَهْله، حرِيصاً عَلَى حِفْظِهِ وَنقله، وَلِلْعلم عِنْدَهُ سُوْق قَائِمَة عَلَى سُوْق، خَرَّج لَهُ الشَّيْخ أَبُو القَاسِمِ ابْن الصَّفْرَاوِيّ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً سَمِعَهَا مِنْهُ جَمَاعَة.
وَحَكَى عَنْهُ مكرم الكاتب: أن أباه استجاز له السلفي.
قال ابْنُ مَسْدِي: وَقفت أَنَا عَلَى ذَلِكَ، وَأَجَاز لِي وَلابْنِي.
وَقَالَ المُنْذِرِيّ: أَنشَأَ الكَامِل دَار الحَدِيْث بِالقَاهِرَةِ، وَعَمَّر قُبَّة عَلَى ضَرِيْح الشَّافِعِيّ، ووقف على أنواع البر، وله الموافق المَشْهُوْرَة فِي الجِهَادِ بدِمْيَاط المُدَّة الطَّوِيْلَة، وَأَنفق الأَمْوَال، وَكَافح الفِرَنْج برّاً وَبَحْراً، يعرف ذَلِكَ منْ شَاهده، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَعزّ الله الإِسْلاَم، وَخذل الكُفْر. وَكَانَ مُعَظِّماً لِلسُنَّة وَأَهْلهَا، رَاغِباً فِي نشرهَا وَالتّمسك بِهَا، مُؤثراً لِلاجتمَاع بِالعُلَمَاء وَالكَلاَم مَعَهُم حضَراً وَسفراً.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ شَهْماً، مَهِيْباً، عَادِلاً، يَفهَم وَيبحث. قِيْلَ: شكَا إِلَيْهِ ركبدَار أَنْ أُسْتَاذه اسْتخدمه سِتَّة أَشْهُرٍ بِلاَ جَامكيَة، فَأَمر الجُنْدِي بخدمَة الرّكبدَار وَحَمَلَ مَدَاسه سِتَّة أَشْهُرٍ. وَكَانَتِ الطّرق آمِنَة فِي زَمَانِهِ لِهَيْبَتِهِ. وَقَدْ بَعَثَ ابْنه المَسْعُوْد فَافْتَتَحَ اليَمَن، وَجَمَعَ الأَمْوَال ثُمَّ حج، فمات، وحملت خزائنه إلى الكامل.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 694"، والنجوم الزاهرة "6/ 227"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "5/ 171-173".

(16/127)


قَالَ البَهَاء زُهَيْر:
وَأُقْسِمُ إِنْ ذَاقَتْ بَنُو الأَصْفَرِ الكَرَى ... لَمَا حَلُمَتْ إلَّا بِأَعْلاَمِكَ الصُّفْرِ
ثَلاَثَة أَعْوَامٍ أَقَمْتَ وَأَشْهُراً ... تُجَاهِدُ فِيْهِ لاَ بِزَيْدٍ وَلاَ عَمْرو
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: اسْتَوْزَر صَفِيّ الدِّيْنِ أَوَّلاً، فَلَمَّا مَاتَ، لَمْ يَسْتَوْزِر أَحَداً، كَانَ يَتولَّى الأُمُوْر بِنَفْسِهِ. وَكَانَ مَهِيْباً، حَازِماً، مدبّراً، عَمَرت مِصْر فِي أَيَّامِهِ، وَكَانَ عِنْدَهُ مَسَائِل مِنَ الفِقْه وَالنَّحْو يُوردهَا، فَمَنْ أَجَابَ فِيْهَا حظِي عِنْدَهُ. وَجَاءته خلع السّلطنَة على بد السُّهْرَوَرْدِيّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَالتقليد بِمِصْرَ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، وَهِيَ: جُبَّة وَاسِعَة الكُم بِطرز ذهب، وَعِمَامَة، وَطوق وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ. وَمِنْ همّته أَنَّ الفِرَنْج لَمَّا أَخذُوا دِمْيَاط أَنشَأَ عَلَى برِيْد مِنْهَا مدينَة المَنْصُوْرَة وَاسْتوطنهَا مُرَابِطاً حَتَّى نَصره الله، فَإِنَّ الفِرَنْج طمعُوا فِي أَخْذِ مِصْر، وَعَسْكَرُوا بِقُرْبِ المَنْصُوْرَة، وَالْتَحَمَ القِتَال أَيَّاماً، وَأَلحّ الكَامِل عَلَى إِخْوَته بِالمجِيْء، فَجَاءهُ أَخوَاهُ الأَشْرَف وَالمُعَظَّم فِي جَيْش لجب، وَهَيْئَة تَامَّة، فَقوِي الإِسْلاَم، وَضَعفت نُفُوْس الفِرَنْج وَرسلهُم تَتردد، وَبَذَلَ لَهُم الكَامِل قَبْل مجِيْء النّجدَة القدس وطبرية وعسقلان وجبلة واللاذقية وأشياء على أيَردّوا لَهُ دِمْيَاط فَأَبَوا، وَطَلَبُوا مَعَ ذَلِكَ ثَلاَث مائَة أَلْف دِيْنَار ليعمرُوا بِهَا أَسوَار القُدْس، وَطَلَبُوا الكَرَك، فَاتّفقَ أَن جَمَاعَة مِنَ المسلمين، فجروا من النيل ثلمة على نزلة العَدُوّ، فَأحَاط بِهِم النِّيل فِي هيجَانه، وَلاَ خِبرَة لَهُم بِالنِّيل، فَحَال بَيْنهُم وَبَيْنَ دِمْيَاط، وَانقطعت المِيْرَة عَنْهُم، وَجَاعُوا وَذلوا، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِ الأَمَان عَلَى تَسْلِيم دِمْيَاط، وَعَقدَ هدنَة، فَأُجيبُوا، فَسلمُوا دِمْيَاط بَعْد اسْتَقرَارهم بِهَا ثَلاَث سِنِيْنَ، فَلله الْحَمد.
وَلَمَّا بلغَ الكَامِل مَوْتُ أَخِيْهِ المُعَظَّم جَاءَ وَنَازل دِمَشْق، وَأَخَذَهَا مِنَ النَّاصِر، وَجَعَلَ فِيْهَا الأَشْرَف، وَلَمَّا مَاتَ الأَشْرَف، بَادر الكَامِل إِلَى دِمَشْقَ وَقَدْ غلب عَلَيْهَا أَخُوْهُ إِسْمَاعِيْل، فَانْتزعهَا مِنْهُ، وَاسْتقر بِالقَلْعَة، فَمَا بلع رِيقَه حَتَّى مَاتَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ، تَعلّل بسعَال وَإِسهَال، وَكَانَ بِهِ نِقْرِسٌ، فَبُهِتَ الخَلْقُ لَمَّا سَمِعُوا بِمَوْته، وَكَانَ عَدْلُه مشوباً بِعُسف؛ شنقَ جَمَاعَة مِنَ الجُنْد فِي بطيحَة شعير.
وَنَازل دِمَشْق فَبَعَثَ صَاحِبُ حِمْص لَهَا نَجدَة خَمْسِيْنَ نَفْساً، فَظَفِرَ بِهِم، وَشنقهُم بِأَسرهِم.
قَالَ الشَّرِيْف العِمَاد البصروِيّ: حُكيَ لِي الخَادِم قَالَ:
طلب مِنِّي الكَامِل طَستاً ليتقيّأ فِيْهِ، فَأَحضَرته وَجَاءَ لناصر دَاوُد، فَوَقَفَ عَلَى البَابِ

(16/128)


ليعُوْده، فَقُلْتُ: دَاوُد عَلَى البَابِ، فَقَالَ: يَنْتظر مَوْتِي?! وَانزعج، وَخَرَجتُ، فَنَزَلَ دَاوُد إِلَى دَار سَامَة، ثُمَّ دَخَلتُ إِلَى السُّلْطَانِ، فَوَجَدته قَدْ مات وهو مكبوب على المخدة.
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: حَكَى لِي طبِيْبهُ، قَالَ: أَخَذَه زكَام، فَدَخَلَ الحَمَّام، وَصبّ عَلَى رَأْسه مَاء شَدِيد الحرَارَة اتِّبَاعاً لما قَالَ ابْنُ زَكَرِيَّا الرَّازَيّ: إِن ذَلِكَ يَحلّ الزُّكمَة فِي الحَال، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إِطلاَقه، قَالَ: فَانصَب مِنْ دِمَاغه إِلَى فَمِ المَعِدَةِ مَادَةٌ فَتورمت وَعرضت الحُمَّى، وَأَرَادَ القيءَ، فَنَهَاهُ الأَطبَّاء، وَقَالُوا: إِنْ تَقيَّأ هَلَكَ، فَخَالف وَتَقيَّأ.
وَقَالَ الرَّضِيّ الحَكِيْم: عرضت لَهُ خوَانِيق انفقأَت، وَتَقيَّأ دماً وَمِدَّة، ثُمَّ أَرَادَ الْقَيْء ثَانِياً، فَنَهَاهُ وَالِدِي، وَأَشَارَ بِهِ آخر، فَتقيَّأ، فَانصب ذَلِكَ إِلَى قصبَة الرِّئَة سدّتهَا، فَمَاتَ.
قَالَ المُنْذِرِيّ: مَاتَ بِدِمَشْقَ، فِي الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَجَب، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ فِي تَابوت.
قُلْتُ: ثُمَّ بَعْد سَنَتَيْنِ عُمِلت لَهُ التُّرْبَة، وَفتح شُبَّاكهَا إِلَى الجَامِع. وَخلّف ابْنَيْنِ: العَادل أَبَا بَكْرٍ، وَالصَّالِح نَجْم الدِّيْنِ، فَملّكُوا العَادل بِمِصْرَ، وَتَملّك الجَوَاد دِمَشْق، فَلَمْ تَطل مُدّتهُمَا.

(16/129)


5529- الأوحد:
الملك الأوحد نجم الدنيا والدين أيوب بن المَلِكِ العَادِلِ.
تَمَلَّكَ خِلاَط وَنَوَاحيهَا خَمْس سِنِيْنَ فظلم وعسف وسفك الدماء، فابتلي بِأَمْرَاضٍ مُزَمَنَةٍ، فَتمنَّى المَوْت فَمَاتَ قَبْلَ الكُهُوْلَة فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَاسْتَوْلَى عَلَى مَمْلَكته أَخُوْهُ الأَشْرَف.
وَقَدْ مرّ مِنْ أَخْبَاره فِي تَرْجَمَة أَبِيْهِ، وَأَنَّهُ قتل ثَمَانِيَةَ عشرَ أَلف نسمَة بِخِلاَط، مَاتَ ملكُهَا بَلْبَان، فَسَارَ الأَوْحَدُ مِنْ مَيَّافَارقين، وَافتَتَح مُوش، وَكَسَر بَلْبَان، فَاسْتنجد بصَاحِب أَرْزَن الرُّوْم طُغْرِل شَاه، وَهزمَا الأَوْحَد، لَكِن غدر طُغْرِل بِبلبَان فَقَتَلَهُ، وَقصد خِلاَط، فَقَاتلُوْهُ فَردّ خَائِباً، فَكَاتَبوا الأَوْحَد، فَسَارَ، وَتَسَلَّمَ البِلاَد، وَتَمَكَّنَ، فَلَمَّا مَاتَ تَملّك أَرْمِيْنِيَةَ أَخُوْهُ الأَشْرَف، فَعَدَلَ، وَأَحْسَن السِّيْرَةِ.
مَاتَ الأَوْحَدُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ، وَكَانَ طَاغِيَة الكُرْج قَدْ حَاصر خِلاَط سَنَة سِتٍّ، وَركب سكرَاناً فِي عِشْرِيْنَ نَفْساً، وَتَقرّب إِلَى البَلَد فَأُسر فِي الحَال، فَذلّ، وَبَذَلَ فِي نفسه عدة قلاع ومئة أَلْف دِيْنَار وَإِطلاَق خَمْسَة آلاَف أَسير وَشرط أَنْ يَزوّج بِنْته بِالأَوْحَد، وَعقدت الهدنَة بَيْنهُمَا ثلاثين سنة.

(16/129)


الحافظ، المظفر:
5530- الحافظ:
المَلِكُ الحَافِظُ نُوْرُ الدِّيْنِ أَرْسَلاَن شَاه ابْنُ المَلِكِ العَادِلِ سَيْفِ الدِّيْنِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ صَاحِب قَلْعَة جَعْبَر.
أَقَامَ بجَعْبَر مُدَّة، وَكَانَ كَثِيْرَ الأَمْوَال، خَاف فِي أَوَاخِرِ أيامه من الخُوَارِزْمِيَّة؛ لأَنَّهُم أَغَارُوا مَرَّات عَلَى أَعْمَاله فَسَلَّمَ جَعْبَر لِصَاحِب حَلَب المَلِك العَزِيْز، وَعوَّضه عَنْهَا بعِزَاز مِنْ أَعْمَالِ حَلَب، فَقَدِمَ حَلَب عَلَى أُخْته الصَّاحبَة، ثُمَّ إِنَّهُ مَاتَ بعِزَاز فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ كَهْلاً، وَنُقِلَ فَدُفِنَ بِالفِرْدَوْس بِظَاهِر حَلَب، فَمَاتَتْ أُخْته الصَّاحبَة الخَاتُوْن ضَيْفَة بِنْت المَلِك العَادل وَزَوْجَة المَلِك الظَّاهِر غَازِي ابْن عَمِّهَا، وَوَالِدَة صَاحِب حَلَب المَلِك العَزِيْز، وَكَانَتْ نبيلَة مُعَظَّمَة نَافذَة الأَوَامر، تُوُفِّيَت سَنَة أَرْبَعِيْنَ بِحَلَبَ عَنْ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، وَبِحَلَبَ وُلدت حِيْنَ تَملّكهَا وَالِدهَا، وَقَدْ تَزَوَّجَ الظَّاهِر قَبْلهَا بِأُخْتهَا السّت غَازِيَة، فَأَولدهَا أَيْضاً، وَمَاتَتْ، وَكَانَتِ الصَّاحبَة ديّنَة عَادلَة سَائِسَة تبَاشر الْملك بِنَفْسِهَا لصِغَر وَلدهَا وَكَانَتْ كَثِيْرَة البِرّ وَالصَّدَقَات.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَت الجهَة الأَتَابَكيَّة تُركَان بِنْت صَاحِب المَوْصِل عِزّ الدِّيْنِ مَسْعُوْد بن مَوْدُوْد بنِ زَنْكِي زَوْجَة السُّلْطَان المَلِك الأَشْرَف بِدِمَشْقَ، وَدفنت بِتربتهَا عِنْد الجسْر الأَبيض.
وَفِيْهَا مَاتَتِ السّت الفِيروزجيَّة عَائِشَة أُخْت الإِمَام المُسْتَضِيء، وَعَمّة الإِمَام النَّاصِر، عَاشت ثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَتْ فِي ذِي الحِجَّةِ، فِي أَوَّلِ دَوْلَة ابْن ابْن ابْن ابْن أَخِيْهَا المُسْتَعْصِم ابْن المُسْتَنْصِر ابْن الظاهر ابن الناصر.
5531- المظفر 1:
السُّلْطَانُ المَلِكُ المُظَفَّر شِهَابُ الدِّيْنِ غَازِي ابْنُ الملك العادل أبي بكر ابن أَيُّوْبَ صَاحِب خِلاَط وَمَيَّافَارقين وَحصن مَنْصُوْر وَغَيْر ذَلِكَ.
وَكَانَ ملكاً جَوَاداً، حَازِماً، شَهْماً، شُجَاعاً، مَهِيْباً، حُلْو المحَاضَرَة، حَسَن الجُمْلَة، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، وَقَدْ حَجَّ فِي تَجمّل زَائِد عَلَى درب العِرَاق.
مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ، فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ ابْنه المَلِك الكَامِل نَاصِر الدِّيْنِ مُحَمَّد بن غَازِي الشَّهِيْد.
وَإِنَّمَا جمعت هُنَا بَيْنَ هَؤُلاَءِ المُلُوْك اسْتطِرَاداً، وَإِلاَّ فَطَبَقَاتهُم متبَاينَة، وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَتَلَ هولاَكو نَاصِر الدِّيْنِ هَذَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ عتُوّاً وَغَدراً، -فرَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فَلَقَدْ كَانَ دَيِّناً وَمُجَاهِداً، ثَبْتٌ فِي الحصَار إِلَى أَنْ تَفَانت رِجَاله، وَأَهْلكهُم الْجُوع، وَقَاتلت مَعَهُ النِّسَاء، وَستَأْتِي تَرْجَمَته، إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 233".

(16/130)


5532- الصالح:
السُّلْطَانُ المَلِكُ الصَّالِحُ عِمَادُ الدِّيْنِ أَبُو الخِيَشِ إسماعيل ابن الملك العادل محمد بن أيوب بنِ شَاذِي صَاحِب دِمَشْقَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ بِالسَّابِعِ مِنْ "المَحَامِلِيَّاتِ"، قَرَأَهُ عَلَيْهِ: السَّيْفُ ابْنُ المَجْدِ، وَكَانَ لَهُ مَيْلٌ إِلَى المقَادسَةِ وَإِحسَانٌ.
تَمَلَّكَ بُصْرَى وَبَعْلَبَكَّ، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَحْوَالُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى دِمَشْقَ أَعْوَاماً، فَحَارَبَهُ صَاحِبُ مِصْرَ ابْنُ أَخِيْهِ، وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْرٌ طَوِيْلَةٌ، مَا بَيْنَ ارْتفَاعٍ وَانخفَاضٍ.
وَكَانَ قَلِيْلَ البَخْتِ بَطَلاً شُجَاعاً مَهِيْباً شَدِيدَ البَطشِ، مَلِيْحَ الشَّكلِ، كَانَ فِي خدمَة أَخِيْهِ الأَشْرَف، فَلَمَّا مَاتَ الأَشْرَف، تَوثَّبَ عَلَى دِمَشْقَ، وَتَملَّكَ، فَجَاءَ أَخُوْهُ السُّلْطَان الملكُ الكَامِلُ، وَحَاصَرَهُ، وَأَخَذَ مِنْهُ دِمَشْقَ، وَرَدَّهُ إِلَى بَعْلَبَكَّ. فَلَمَّا مَاتَ الكَامِلُ، وَتَمَلَّكَ الجَوَادُ ثُمَّ الصَّالِحُ نَجْمُ الدِّيْنِ، وَسَارَ نَجْمُ الدِّيْنِ يَقصِدُ مِصْرَ، هجمَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيْلُ بِإِعَانَةِ صَاحِبِ حِمْصَ المُجَاهِد، فَتَمَلَّكَ دِمَشْقَ ثَانِياً فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ، فَبقِيَ بِهَا إِلَى سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ، وَحَارَبَهُ الصَّالِحُ بِالخُوَارِزْمِيَّةِ، وَاسْتعَانَ هُوَ بِالفِرَنْجِ، وَبَذَلَ لَهُم الشَّقِيْفَ وَغَيْرَهَا فَمُقِتَ لِذَلِكَ. وَكَانَ فِيْهِ جور. وَاسْتقضَى عَلَى النَّاسِ الرَّفِيْعَ الجِيْلِيَّ، وَتَضَرَّرَ الرعية دمشق فِي حِصَارِ الخُوَارِزْمِيَّةِ حَتَّى أُبيع الخُبز رِطل بِسِتَّةِ دَرَاهِم، وَالجبن وَاللَّحْم بِنسبَة ذَلِكَ، وَأَكلُوا المَيْتَةَ، وَوَقَعَ فِيهِم وَبَاء شَدِيد.
قَالَ المُؤَيَّدُ فِي "تَارِيْخِهِ": سَارَ الصَّالِحُ نَجْمُ الدِّيْنِ مِنْ دِمَشْقَ ليَأْخُذَ مِصْرَ، فَفَرّ إِلَيْهِ عَسْكَر مِنَ المصريين، وكان استتاب بِدِمَشْقَ وَلدَهُ المُغِيْث عُمَر، وَكَاتَبَ عَمَّهُ إِسْمَاعِيْل يَسْتَدعيه مِنْ بَعْلَبَكَّ، فَاعْتذَرَ وَأَظهَرَ أَنَّهُ مَعَهُ، وَهُوَ عَمَّال فِي السرِّ عَلَى دِمَشْقَ، وَفَهِم ذَلِكَ نَجْمُ الدِّيْنِ أَيُّوْب، فَبَعَثَ طَبِيْبَهُ سَعْد الدِّيْنِ إِلَى بَعْلَبَكَّ متفرِّجاً، وَبَعَثَ مَعَهُ قَفَص حمام نابلسي، ليبطق إِلَيْهِ بِأَخْبَار إِسْمَاعِيْل فَعَلِمَ إِسْمَاعِيْل بِمجيئِهِ، فَاسْتحضَرَهُ وَاحْتَرَمه، وَاختلس الحَمَامَ مِنَ القَفَصِ، وَوَضَعَ مَكَانهَا مِنْ حمَام بَعْلَبَكَّ، ثُمَّ صَارَ الطَّبِيْب يُبْطق: إِنَّ عَمّك قَدْ جمع وَعَزَمَ

(16/131)


عَلَى قصد دِمَشْق، فَيُرسل الطَّير، فَيقع فِي الحَال بِالقَلْعَة، وَيقرأُ ذَلِكَ إِسْمَاعِيْل، ثُمَّ يَكتب عَلَى لِسَانِ الطَّبِيْب: إِن عَمّك قَدْ جمع ليُعَاضِدَك وَهُوَ قَادِمٌ إِلَيْكَ، وَيُرسل ذَلِكَ مَعَ طيرٍ نَابُلُسِيٍّ فَيفرح نَجْم الدِّيْنِ وَيَعرِضُ عَنْ مَا يَسْمَع، إِلَى أَنْ رَاحت مِنْهُ دِمَشْق. وَأَمَّا الصَّالِح إِسْمَاعِيْل فَترك دِمَشْق بَعْد ذَاكَ الحصَار الطَّوِيْل، وَقنع بِبَعْلَبَكَّ.
وَفِي "مُعْجَمِ" القُوْصِيِّ فِي تَرْجَمَة الأَشْرَاف: فَأَخُوْهُ إِسْمَاعِيْل نَصَرَ الكَافِرِيْنَ وَسلَّم إِلَيْهِم القِلاع، وَاسْتَوْلَى عَلَى دِمَشْقَ سرقَةً، وَحَنَثَ فِي يَمِيْنه، وَقَتَلَ مِنَ المُلُوْك وَالأُمَرَاء مَنْ كَانَ يَنفع فِي الجِهَادِ، وَصَادَرَ عَلَى يَدِ قُضَاتِهِ العِبَاد، وَخَرَّبَ الأَملاَك، وَطَوَّلَ ذَيلَ الظُّلم، وَقَصَّر ذَيلَ العَدْلِ، وَظَنَّ أَنَّ الفَلَك لَهُ مُسْتمِر، فَسَقَطَ الدَّهْر لِغَفْلَتِه، وَأَرَاهُ بَلاَيَا ... ، وَطَوَّل القُوْصِيُّ.
ثُمَّ ذَهَبت مِنْهُ بَعْلَبَكَّ وَبُصْرَى، وَتلاشَى أَمرُه، فَمَضَى إِلَى حَلَب، وَافداً عَلَى ابْنِ ابْنِ أُخْتِه، وَصَارَ مِنْ أُمَرَائِهِ، وَأَتَى بِهِ فَتملّكُوا دِمَشْق، فَلَمَّا سَارُوا ليَأْخذُوا مِصْرَ غُلِبَ الشَّامِيُّوْنَ، وَأُسِرَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم المَلِك الصَّالِح، في سنة ثمان وأربعين، فسجن القاهرة، وَمَرُّوا بِهِ عَلَى تُربَة السُّلْطَان نَجْم الدِّيْنِ أَيُّوْب فَصَاحت البَحْرِيَّةُ يَا خَوَنْد أَيْنَ عينُك تَنظر إِلَى عَدوك?!
قَالَ الخَضِرُ بنُ حَمُّوَيْه: وَفِي سَلْخِ ذِي القَعْدَةِ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ أَخرجُوا الصَّالِح ليلاً، وَمَضَوْا بِهِ إِلَى الْجَبَل، فَقتلُوْهُ، وَعُفِيَ أَثرُهُ.
قُلْتُ: كُفِّر عَنْهُ بِالقتل.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: لَمَّا أَتَوا بِالصَّالِح بُكْرَة الوَاقعَة، أُوْقِف إِلَى جَانبِ المُعِزِّ، فَقَالَ لِحُسَامِ الدِّيْنِ ابْن أَبِي عَلِيٍّ: يَا خَوَنْد، أَمَا تُسَلِّم عَلَى المَوْلَى الْملك الصَّالِح?! قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ، وَسَلَّمتُ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: رَأَيْتُ الصَّالِح يَوْم دُخُوْل الجَيْش مَنْصُوْرِيْنَ وَهُوَ بَيْنَ يدي المعز، فحكى لي أن ابْنُ أَبِي عَلِيٍّ قَالَ: قُلْتُ لِلصَّالِحِ: هَلْ رَأَيْت القَاهِرَة قَبْل اليَوْم? قَالَ: نَعَمْ، وَأَنَا صَبِيٌّ، ثُمَّ اعتقلُوْهُ أَيَّاماً، فَقِيْلَ: خنقوهُ كَمَا خَنَقَ الجَوَاد.
وَكَانَ مَلِكاً شَهْماً، مُحْسِناً إِلَى جُنْدِه، كَثِيْرَ التَّجَمُّل، وَكَانَ أَبُوْهُ العَادل يُحبّ أن هَذَا، وَلَهَا تربَة وَمَدْرَسَة بِدِمَشْقَ.
وَمِنْ أَوْلاَده: الملكُ المَنْصُوْر مَحْمُوْد الَّذِي سَلْطَنَهُ أَبُوْهُ بِدِمَشْقَ، وَالملك السَّعِيْد عَبْد المَلِكِ وَالِد الْملك الكَامِل، وَالملك المَسْعُوْد وَالِد صَاحِبنَا نَاصِر الدِّيْنِ.
وَوزر لَهُ أَمِيْنُ الدَّوْلَة أَبُو الحَسَنِ بنُ غَزَال السَّامرِيّ ثُمَّ المُسلمَانِيِّ الطَّبِيْب وَاقف أَمِينِية بَعْلَبَكَّ، وَكَانَ رقيقَ الدِّيْنِ، ظَلُوْماً، يَتَفَلْسَفُ، شُنِقَ بِمِصْرَ فِي هَذِهِ الفِتْنَة، وَتركَ أَمْوَالاً عَظِيْمَةً، وَمِنَ الكُتُبِ نَحْو عَشْرَة آلاَف مُجَلَّدٍ.

(16/132)


5533- صاحب الروم:
السُّلْطَانُ المَلِكُ الغَالِب عِزُّ الدِّيْنِ كيكَاوس ابْنُ السلطان كيخسرو بن قِلْج رِسْلاَنَ السَّلْجُوْقِيُّ، التُّرُكْمَانِيُّ، القِتِلْمِشِيُّ، صَاحِب قُوْنِيَةَ وَأَقْصَرَا وَمَلَطْيَةَ.
وَهُوَ أَخُو السُّلْطَان كَيْقُبَاذ.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: كَانَ جَبَّاراً، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، كَسَرَهُ الملكُ الأَشْرَف لَمَّا قَدِمَ ليَأْخذ حَلَب وَقتَ مَوْت الْملك الظَّاهِر غَازِي، فَاتَّهَم أُمَرَاءهُ أَنَّهُم مَا نصحُوا فِي القِتَال، وَكَذَا جَرَى فَسَلَق جَمَاعَة فِي الْقُدُور، وَحرَّق آخرِيْنَ، فَأَخَذَهُ الله فُجَاءةً وَهُوَ مَخْمُوْر، وَقِيْلَ: ابْتُلِي وَتَقطّع بدنُه. وَكَانَ أَخُوْهُ كَيْقُبَاذ فِي سجنه، فَأَخرجُوهُ وَملَّكوهُ. فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقِيْلَ: هُوَ الَّذِي طَمَّعَ الفِرَنْجَ فِي دِمْيَاطَ.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: لَمَّا قصد كيكَاوس حَلَب، أَشَارُوا عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعين بِالأَفْضَل صَاحِب سُمَيْسَاطَ، فَإِنَّهُ يَخطب لَكَ، فَطَلَبَهُ فَحَضَرَ فَاحْتَرَمه، وَاتَّفَقَ مَعَهُ عَلَى أَنَّ مَا تَملَّكَاهُ مِنْ حَلَب لِلأَفْضَل، ثُمَّ يَقصدَان حَرَّان، وَالرُّهَا وَغَيْرَهُمَا، فَتكُوْن لِكيكَاوس، وَتحَالفَا عَلَى ذَلِكَ فَملكَا أَوَّلاً قَلْعَة رعبان وتسلمها الأفضل، ونازلا تل باشر، فأخوها، فَلَمْ يُسلمهَا كيكَاوس لِلأَفْضَل، فَنفر مِنْهُ وَلَمْ يَثِق بِهِ، وَأنجدَ الأَشْرَف أَهْل حَلَب فِي عرب طَيء، وَكَاتَبَ كيكَاوس أُمَرَاء حَلَب وَاسْتمَالَهُم، وَانضمَّ إِلَى الأَشْرَف مَانِعٌ فِي عَرَبِ الشَّامِ.
قُلْتُ: مَانع هُوَ وَالِدُ جَدِّ مُهَنَّا بنِ عِيْسَى بنِ مُهَنَّا بنِ مَانِعٍ.
ثُمَّ أَخَذَ كيكَاوس مَنْبِج، فَوَقَعت الْعَرَب عَلَى مُقَدِّمَة كيكَاوس، فانهزم الرُّوْمِيُّوْنَ، فَطَار لُبُّ كيكَاوس، وَانْهَزَم، فَتبعه الأَشْرَف يَتخطَّف جُنْده وَاسْترد رعبَان وَتل بَاشر.
وَقِيْلَ: مَاتَ كيكَاوس بِالخوَانِيق، فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وست مائة.

(16/133)


5534- خوارزمشاه 1:
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ عَلاَءُ الدِّيْنِ خُوَارِزْمشَاه مُحَمَّدُ ابْنُ السُّلْطَانِ خُوَارِزْمشَاه إِيْل رِسْلاَن ابْنِ خُوَارِزْمشَاه أَتْسِزَ ابْنِ الأَمِيْرِ مُحَمَّدِ بنِ نُوشْتِكِيْن الخُوَارِزْمِيُّ.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: نَسَبُ عَلاَء الدِّيْنِ يَنْتهِي إِلَى إِيلتَكين مَمْلُوْك السُّلْطَان أَلب أَرْسَلاَن بن جغرِيبك السَّلْجُوْقِيّ.
قُلْتُ: قَدْ سُقت مِنْ أَخْبَاره فِي "التَّارِيْخ الكَبِيْر" فِي الحوَادث، وَأَنَّهُ أَبَاد ملوكاً، وَاسْتَوْلَى عَلَى عِدَّة أَقَالِيم، وَخَضَعَت لَهُ الرِّقَاب، وَقَدْ حَارب الخَطَا غَيْرَ مَرَّةٍ، فَانْهَزَم جَيْشُهُ فِي نَوْبَة وَثبتَ هُوَ، فَأُسر هُوَ وَأَمِيْر؛ أَسَرَهُمَا خَطائِيّ، فَصَيَّرَ نَفْسَهُ مَمْلُوْكاً لِذَلِكَ الأَمِيْر، وَبَقِيَ يَقف فِي خِدْمَته، فَقَالَ الأَمِيْر لِلْخَطَائِيِّ: ابْعَثْ رَسُوْلَكَ مَعَ غُلاَمِي هَذَا إِلَى أَهْلِي لِيُرسلُوا مَالاً فِي فكَاكِي، فَفَعَل وَتَمَّت الحِيلَة، وعاد خوارزمشاه إلى ملكه، ثم عرف الخطَائِي فَسَارَ مَعَ ذَلِكَ الأَمِيْر إِلَى خدمَة السُّلْطَان فَأَكْرَمَه وَأَعْطَاهُ أَشيَاء.
قَالَ عِزّ الدِّيْنِ عَلِيّ ابْن الأَثِيْرِ: كَانَ صَبُوْراً عَلَى التَّعب وَإِدمَان السَّير، غَيْر مُتَنَعِّم وَلاَ مُتَلَذِّذٍ، إِنَّمَا نَهمَته الْملك، وَكَانَ فَاضِلاً، عَالِماً بِالفِقْه وَالأُصُوْل، مُكرِماً لِلْعُلَمَاء يُحبّ منَاظرتهُم، وَيَتبرّك بِأَهْلِ الدِّيْنِ، قَالَ لِي خَادم الحُجْرَة النَّبويَّةِ: أَتيتُه فَاعْتنقنِي، وَمَشَى لِي وَقَالَ: أَنْتَ تخْدم حُجْرَة النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ? قُلْتُ: نَعم، فَأَخَذَ يَدِي وَأَمَرَّهَا عَلَى وَجهه، وَأَعْطَانِي جُمْلَةً.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: أَفنَى مُلُوْكَ خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهْر، وَأَخلَى البِلاَد وَاسْتقلَّ بِهَا فَكَانَ سَبَباً لِهَلاَكه، وَلَمَّا نَزل هَمَذَانَ كَاتَبَ ابْنُ القُمِّيّ نَائِبُ الوزَارَة أُمَرَاءهُ وَوعدَهُم بِالبِلاَد، فَرَامُوا قَتله، فَعرفَ وَسَارَ إِلَى مَرْو وَكَانَ مَعَهُ مِنَ الخَطَا سَبْعُوْنَ أَلْفاً، وَكَانَ خَاله مِنْهُم، فَنمَّ عَلَيْهِ فَاخْتَفَى فَنهبُوا خَزَائِنه، فَيُقَالُ: كَانَ فِيْهَا عشرة آلاف ألف دِيْنَار، وَلَهُ عَشْرَة آلاَف مَمْلُوْك، فَرَكِبَ إِلَى جَزِيْرَةٍ هَارباً.
قُلْتُ: تَسَلَّطن فِي سَنَةِ 596.
وَقَالَ المُوَفَّقُ: كَانَ أَبُوْهُ تِكش أَعْوَر قمِيئاً، كَثِيْر اللّعب بِالملاَهِي، بَعَثَ بِرَأْس طُغْرِل إِلَى بَغْدَادَ، وَطلب السّلطنَة، فَتحركت الخَطَا، فَاحتَاج أَنْ يَرِدَ خُوَارِزْمَ، فَتولَّى بَعْدَهُ ابْنه مُحَمَّد، وَكَانَ مُحَمَّدٌ شُجَاعاً، شَهْماً، مغوَاراً، غَزاءً، سعيداً، يَقطع المسَافَات الشاسعة بسرعة، وكان
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 248".

(16/134)


هجامًا، فَاتكاً، أُتِيَ بِرَأْس أَخِيْهِ فَلَمْ يَكترث، وَكَانَ قَلِيْلَ النّوم، طَوِيْل النّصب، يَخدم أَصْحَابه، وَيَحرس، وَثيَابه وَعِدَّة فَرسه لاَ تَبلغ دِيْنَاراً، وَكَانَ كَثِيْرَ الإِنفَاق، لَهُ مُشَاركَة لِلْعُلَمَاء، صَحِبَ الفَخْر الرَّازِيّ قَبْل المُلْكِ، وَلَكِنَّهُ أَفسده العُجْب، وَالثِّقَة بِالسَّلاَمَة، وَاسْتهَانَ بِالأَعْدَاء، وَكَانَ يَقُوْلُ: "مُحَمَّدٌ يَنْصر دِينَ مُحَمَّدٍ"، قطع خُطبَة الخَلِيْفَة وَجَاهر، وَأَرَادَ أن يشتبه بِالإِسْكَنْدَر، وَأَيْنَ الوَلِيّ مِنْ رَجُلٍ تُركِيّ، فُكُلُّ ملك لاَ يَكُوْن قصدهُ إِقَامَة الحَقّ فَهُوَ وَشيك الزّوَال، جَاهر هَذَا أُمَّة الخَطَا، فَنَازلهُم بِأُمَّة التّتر وَاسْتَأْصلهُم إلَّا مَنْ خدم مَعَهُ، ثُمَّ انْتقل إِلَى التّتر.
ثُمَّ ذَكَرَ المُوَفَّق أَشيَاء، وَقَالَ: فَكَانَتْ بلاَد مَا وَرَاء النَّهْر فِي طَاعَة الخَطَا، وَمُلُوْك بُخَارَى وَسَمَرْقَنْد يُؤدُّوْنَ الأَتَاوَة إِلَى الخَطَا، وَكَانَتْ هَذِهِ الأُمَمُ سَدّاً بَيْنَ تُرك الصّين وَبيننَا، فَفَتَحَ هَذَا السَّد الْوَثِيق وَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَنْ يُقَاوِمُه، فَانْتقلَ إِلَى كِرْمَان، ثُمَّ العِرَاق، ثُمَّ أَذْرَبِيْجَان، وَطمع فِي الشَّام وَمِصْر، وَكَانَ عَلَيْهِ سهلاً لَوْ قدّر. بَات صَاحِب حَلَب ليله مَهْمُوْماً لما اتَّصل بِهِ مِنْ أَخْبَار هَذَا وَطمعه فِي الشَّام، وَقِيْلَ عَنْهُ: إِنَّهُ يَبْقَى أَرْبَعَة أَيَّام عَلَى ظَهْرِ فَرسه لاَ يَنْزِل إِنَّمَا يَنْتقل مِنْ فَرَس إِلَى فَرَس وَيطوِي البِلاَد ويهجم المدينة في نفر يسير، ثم يصحبه من عسكره عشر آلاَف وَيُمسِّيه عِشْرُوْنَ أَلْفاً، وَرُبَّمَا هَجَمَ البَلَد فِي مائَة، فَيقضِي الشُّغل قَبْلُ. قتل عِدَّة مُلُوْك، وَإِنَّمَا أَخْذُه البِلاَد بِالرُّعْبِ وَالهَيْبَةِ. وَبعد موت الظاهر غازي جاء رَسُوْله إِلَى حَلَب، فَقَالَ: سُلْطَانُ السَّلاَطِيْن يُسلِّم عَلَيْكُم وَيَعتب إِذْ لَمْ تُهنِّئوهُ بِفَتح العِرَاق وَأَذْرَبِيْجَان، وَإِنَّ عدد جَيْشه سَبْعُ مائَةِ أَلْفٍ، ثُمَّ تَوجّه رَسُوْله إِلَى العَادل بِدِمَشْقَ يَقُوْلُ: تعَالَ إِلَى الخدمَة فَقَدِ ارْتضينَاك أَنْ تَكُوْن مقدم الركاب! فبقي الناس يهرؤون مِنْهُ. وَسَمِعنَا أَنَّهُ جَعَلَ صَاحِب الرُّوْم أَمِيْر عَلَم لَهُ وَالخَلِيْفَة خَطِيْباً لَهُ! وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَة أَوْلاَد: جَلاَل الدِّيْنِ الَّذِي قَامَ بَعْدَهُ، وَغِيَاث الدِّيْنِ تترشَاه، وَقُطْب الدِّيْنِ أَزلاغ، وَرُكْن الدِّيْنِ غُورشَاه يَحْيَى، وَكَانَ أَحْسَنهُم، وَضُربت النَّوبَة بِأَمره لَهُم فِي أَوقَات الصَّلَوَات الخَمْس، عَلَى عَادَة المُلُوْك السَّلْجُوْقيَّة، وَانْفَرَدَ هُوَ بنَوْبَة الإِسْكَنْدَر، فَيَضرب وَقت المَطْلع وَالمَغِيب، وَكَانَتْ سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ دبدبَة مِنَ الذّهب الْمُرَصَّع بِالجَوْهَر. وَأَمَّا المُلُوْك الَّذِيْنَ كَانُوا فِي خِدْمَته فَكَانَ يُذلهم وَيُهينهُم، وجعلهم يضربون به طبُول الذَّهَب. ثُمَّ إِنَّهُ نَزل بِهَمَذَانَ وَانتشرت جُمُوْعه، فَاختلت عَلَيْهِ بلاَد مَا وَرَاء النَّهْر، فَرَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَهْلكهُم الثَّلج، وَلَمَّا أَبَاد أُمَّتَيّ الخَطَا وَالتَّتَر وَهُم أَصْحَاب تُركستَان وَجَنْد وَتَنْكُت ظَهرت أُمَّة يُسَمَّوْنَ التّتر أَيْضاً، وَهُم صنفَان، وَطمعُوا فِي البِلاَد، فَجمعَ، وَعَزَمَ عَلَى لقائهم، فوقع جنكزخان رَأْس الطمغَاجيَّة عَلَى كَمِينه، فَطَحنوهُ، وَانْهَزَم جَلاَل الدِّيْنِ ابْنه إِلَيْهِ، وَخيل إِلَيْهِ تَعس الجدّ أَنَّ فِي أُمَرَائِهِ مُخَامِرِيْنَ، فَمسَّكهُم، وَضربَ مَعَ التَّتَار مَصَافّاً بَعْد آخر،

(16/135)


فَتطحطح، وَردّ إِلَى بُخَارَى مُنْهَزِماً. ثُمَّ جَاءَ مِنْ بُخَارَى ليجْمَع العَسَاكِر بِنَيْسَابُوْرَ، فَأَخَذت التَّتَار بُخَارَى، وَهجمُوا خُرَاسَان، فَفَرَّ، فَمَا وَصلَ إِلَى الرَّيِّ إلَّا وَطلاَئِعُهُم عَلَى رَأْسه، فَانْهَزَم إِلَى قَلْعَة بَرَجِيْنَ، وَمَعَهُ ثَلاَث مائَة فَارِس عُرَاة مضهم الجوع فاستطعموا من أكراد فلم يَحتفلُوا بِهِم، ثُمَّ أَعْطوهُم شَاتين وَقصعتِي لَبَن، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى نهَاوَنْد، ثُمَّ إِلَى مَازِندرَان وَقعقعَة سلاَحهُم قَدْ ملأَت سَمْعَهُ وَبصره، فَنَزَلَ بِبحيرَة هُنَاكَ فَانسَهَلَ، وَطَلَبَ دوَاءً، فَأَعوزه الخُبز، وَمَاتَ.
وَقِيْلَ: كَانَ عِدَّة جَيْشه فِي الدِّيْوَان ثَلاَث مائَة أَلْف فَارِس، وَقِيْلَ: إِنَّهُ اسْتولَى عَلَى نَحْو أَرْبَع مائَة مدينَة، وَكَانَتْ أُمُّه تُرْكَانُ فِي عظمَةٍ مَا سُمِعَ قَطُّ بِمِثْلِهَا، وفي جبروت، فأسرها جنكزخان، وَذَاقت ذُلاًّ وَجُوعاً، وَفِي الآخَرِ دَاخَلَهُ رُعب زَائِد مِنَ التَّتَارِ، كَبَسَهُ التَّتَار، فَبَادر إِلَى مركب فَوَقَعت عِنْدَهُ سهَامهُم وَخَاضُوا فَمَا قدرُوا، وَكَانَ هُوَ فِي علَّة ذَات الْجنب:
أَتَتْهُ المَنِيَّةُ مُغْتَاظَةً ... وَسَلَّتْ عَلَيْهِ حُسَاماً ثَقِيلا
فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُ حُمَاةُ الرِّجَالِ ... وَلَمْ يُجْدِ فِيل عَلَيْهِ فَتِيلا
كَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالشَّامِتِينَ ... وَيُفْنِيهِمُ الدَّهْرُ جيلاً فَجِيلا
مَاتَ فِي الجَزِيْرَةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكُفِّن فِي عِمَامَةٍ لفِرَّاشِهِ.
وَكَانَتْ أُمُّه تُجيد الخَطَّ، وَتُعَلِّم، اعْتَصَمْت بِاللهِ وَحْدَه، وَحُكمهَا يُسَاوِي حكم ابْنهَا، فَمنْ أَلْقَابِهَا: عِصْمَةُ الدُّنْيَا وَالدِّيْنِ أَلْغِ تُرْكَان سَيِّدَةُ نِسَاء العَالِمِينَ. وَكَانَتْ سَفَّاكَةً لِلدّمَاء وَهِيَ مِنْ بنَات مُلُوْك التُّرك، وَلَهَا مِنَ الأَمْوَال وَالجَوَاهِر مَا يَقصر الوَصْف عَنْهُ، فَأخذت التَّتَار الجَمِيْع، وَمِمَّا أخذُوا لابنهَا صُنْدُوْقين كَانَ هُوَ يَقُوْلُ: فِيْهِمَا ما يساوي خراج الأرض.

(16/136)


5535- فتيان 1:
الأَدِيْبُ الأَوْحَدُ شَاعِرُ دِمَشْقَ شِهَابُ الدِّيْنِ فِتْيَانُ بن علي بن فتيان الدمشقي الشاغوري.
حَدَّثَ عَنِ: الحَافِظِ أَبِي القَاسِمِ ابْنِ عَسَاكِرَ.
رَوَى عَنْهُ: القُوْصِيُّ، وَاليَلْدَانِيُّ، وَبِالإِجَازَةِ عُمَرُ ابْنُ القَوَّاسِ.
وَكَانَ حَنَفِيّاً، أَدَّبَ بَعْضَ أَوْلاَد المُلُوْك، وَمَدَحَ الكِبَارَ.
وَمَاتَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَهُوَ القَائِلُ:
قَدْ أَجْمَدَ الخَمْرَ كَانُوْنٌ بِكُلِّ قَدَحْ ... وَأَخْمَدَ الجَمْرَ فِي الكَانُوْنِ حِيْنَ قَدَحْ
يَا جَنَّةَ الزَّبَدَانِي أَنْتِ مُسْفِرَةٌ ... بِحُسْنِ وَجْهٍ إِذَا وَجْهُ الزَّمَانِ كَلَحْ
فَالثَّلجُ قُطْنٌ عَلَيْكِ السُّحب تَنْدِفُهُ ... وَالجَوُّ يَحْلُجُهُ وَالقَوْسُ قَوْسُ قُزَحْ
وَلَهُ مِنْ قصيدَةٍ طَوِيْلَةٍ بَدِيْعَةٍ:
يَا رُبَّ بِيضٍ سَلَلْنَ البِيضَ مِنْ حَدَقٍ ... سُودٍ وَمِسْنَ كَأَعْطَافِ القَنَا الذُّبُلِ
هِيفِ الخُصُوْرِ نَقِيَّاتِ الثُّغُوْرِ أَثِيـ ... ـثَاتِ الشُّعُورِ هَجَرْنَ الكُحْلَ لِلْكَحَلِ
مِثْلَ الشُّمُوسِ انْجَلَى عَنْهَا الغَمَامُ إذا ... غازلننا من وراء السجف والكلل
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 526"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 226"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 63، 64".

(16/136)


السامري، العماد ابن عساكر:
5536- السامري 1:
شَيْخُ الحَنَابِلَةِ قَاضِي سَامرَّاءَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيْسَ بنِ سُنَيْنَةَ السَّامَرِّيُّ، صَاحِبُ "المُسْتوعِبِ".
مِنْ كِبَارِ الفُقَهَاءِ، صَنَّفَ، وَأَشغلَ. وَسَمِعَ مِنْ أَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَطِّيِّ، لَكِنْ لَمْ يَرْوِ شَيْئاً، وَلِيَ قَضَاءَ سَامرَّاءَ مُدَّةً، وَتَركَهُ.
مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ إِحْدَى وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
5537- العِمَادُ ابْنُ عَسَاكِرَ 2:
الحَافِظُ المُفِيْدُ المُحَدِّثُ عِمَادُ الدِّيْنِ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ ابْنُ الحَافِظِ بَهَاءِ الدِّيْنِ القَاسِمِ ابْنِ الحَافِظِ الكَبِيْرِ أَبِي القَاسِمِ ابْنِ عَسَاكِرَ الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
ولد سنة إحدى وثمانين.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 70، 71".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 246"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 69، 70".

(16/137)


وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الخِرَقِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ الجَنْزَوِيِّ، وَالأَثِيْرِ بنِ بُنَان، وَالمُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ، وَعَبْدِ المُعِزِّ الهَرَوِيِّ. وَارْتَحَلَ إِلَى العِرَاقِ وَإِلَى خُرَاسَانَ، وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ، وَخَرَّجَ "المَشْيَخَة" لأَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، وَكَانَ مُجدّاً فِي الطَّلَبِ، أَدْرَكَهُ الأَجَلُ بعد عوده من خراسان؛ خَرَجتْ عَلَيْهِ حَرَامِيَّةٌ وَجُرِحَ وَمَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ بِبَغْدَادَ.
وَأَقَامَ بِخُرَاسَانَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَقَدْ خَرَّجَ "الأَرْبَعِيْنَ" لِنَفْسِهِ، وَحَدَّثَ بِهَا سَنَة سِتِّ مائَةٍ.
سَمِعَ مِنْهُ: تَاجُ الأُمَنَاءِ، وَأَخُوْهُ؛ الفَقِيْهُ فَخْرُ الدين عبد الرحمن، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالتَّاجُ ابْنُ القُرْطُبِيِّ، وَقَدْ رَثَاهُ العِزُّ النَّسَّابَةُ بِأَبيَاتٍ مِنْهَا:
صَاحِبِي هَذِهِ دِيَارُ سُعَادٍ ... فَتَرَفَّقْ وَمُنَّ بِالإِسْعَادِ
عُجْ عَلَيْهَا نَقْضِي لبَانَاتِ قَلْـ ... ـبٍ مُسْتَهَامٍ أَصْمَاهُ حُبُّ سُعَادِ
قَرَأْتُ بِخَطِّ عُمَرَ بنِ الحَاجِبِ: سَأَلتُ العِزَّ ابْن عَسَاكِرَ عَنِ العِمَادِ، فَقَالَ: كَانَ يَتشيَّعُ، وَكُنْت أَنقمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلاَ جَرَمَ أَنَّهُ قُصِفَ.
قُلْتُ: عَاشَ خَمْساً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللهُ، وَسَامَحَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَخِي عَبْدُ المَلِكِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِيْهِ الحَسَنِ بِحَدِيْثٍ مِنْ "صَحِيْحِ البُخَارِيِّ".

(16/138)


5538- صاحب حماة 1:
المَلِكُ المَنْصُوْرُ نَاصِرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ ابْنُ المَلِكِ المظفر تقي الدين عمر ابن شاهنشاه بن أيوب بن شاذي صاحب حماة، وَأَبُو مُلُوكِهَا.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي الطَّاهِر بنِ عوف بالثغر مع عمر أَبِيْهِ صَلاَحِ الدِّيْنِ، وَأَلَّفَ "تَارِيخاً" كَبِيْراً فِي مُجَلَّدَات. وَكَانَ شُجَاعاً، مُحِبّاً لِلْعُلَمَاءِ يُقَرِّبُهُم وَيعْطِيهِم.
رَوَى عَنْهُ القُوْصِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَكَانَتْ دَوْلَته ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَقَدْ هَزَمَ الفِرَنْجَ مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ زوج بِنْت السُّلْطَان الْملك العَادل، وَجَاءته مِنْهَا أَوْلاَده، وَمَاتَتْ، فَبَالغَ فِي حُزنه عَلَيْهَا، حَتَّى إِنَّهُ لَبِسَ عِمَامَةً زَرقَاءَ.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: وَلَمَّا وَرد السَّيْف الآمِدِيّ حَمَاةَ، بَالغَ فِي إكرامه، واشتغل عليه، وألف "طبقات الشعراء"، وكاتب "مِضْمَارِ الحَقَائِقِ" نَحْوَ عِشْرِيْنَ مُجَلَّدَةً، وَجَمَعَ فِي خزائنه مِنَ الكُتُبِ مَا لاَ مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِي خِدْمَتِه مَا يُنَاهزُ مائَتَي مُعَمَّمٍ مِنَ الفُقَهَاءِ وَالأُدَبَاءِ وَالنُّحَاةِ وَالمُنَجِّمِينَ وَالفَلاَسِفَةِ وَالكَتَبَةِ، وَكَانَ كَثِيْرَ المُطَالَعَةِ وَالبحث. بَنَى سوراً لِحَمَاةَ وَلِقَلعَتِهَا، وَكَانَ مَوْكِبُه جَلِيْلاً تُجْذَبُ بَيْنَ يَدَيْهِ السُّيوفُ الكَثِيْرَةُ، يُضَاهِي مَوْكِبَ عَمِّه العَادِلِ. وَجُمِعَ نَظْمُهُ فِي "دِيْوَانٍ"، ثُمَّ أَوْرَد مِنْهُ ابْن وَاصِلٍ قَصَائِدَ جَيِّدَةً.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ ابْنُه قِلْج رِسْلاَنَ تِسْعَةَ أَعْوَامٍ، وَتَلقَّبَ بِالملكِ النَّاصِرِ. وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ المَلِكِ المُعَظَّمِ، فَعَزَلَهُ الكَامِلُ وَوَلَّى أَخَاهُ المَلِكَ المُظَفَّر، وَسَجَنَ قِلْجَ رِسْلاَنَ حتى مات بمصر.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 250"، وشذرات الذهب "5/ 77، 78".

(16/138)


الصلاح، ابن وهبان:
5539- الصلاح:
العلامة المفتي صلاح الدين عبد الرحمن بنُ عُثْمَانَ بنِ مُوْسَى الكُرْدِيُّ، الشَّهْرُزُوْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، وَالِدُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّيْنِ أَبِي عَمْرٍو بنِ الصَّلاَحِ.
تَفقَّهَ عَلَى أَبِي سَعْدٍ بنِ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَغَيْرِهِ، وَبَرَعَ، وَدرَّسَ بِالأَسَدِيَّةِ بِحَلَبَ.
تَفقَّه بِهِ وَلدُهُ، وَغَيْرُهُ.
مَاتَ بِحَلَبَ، فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ بضع وستين سنة.
5540- ابن وهبان 1:
الإِمَامُ الحَافِظُ المُفِيْدُ الفَقِيْهُ الشَّاعِرُ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ النَّفِيْسِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ وَهْبَانَ السُّلَمِيُّ، الحَدِيْثِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا الفَتْحِ بنَ شَاتيلَ، وَنَصْرَ اللهِ القَزَّازَ، وَفَارِساً الحَفَّارَ، وَأَبَا الفَتْحِ المَنْدَائِيَّ، وَالمُؤَيَّدَ الطُّوْسِيَّ، وَأَبَا رَوْحٍ، وَأَبَا اليُمْنِ الكِنْدِيَّ، وَبِمِصْرَ وَأَصْبَهَانَ، وَخُرَاسَانَ.
رَوَى عَنْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيُّ، وَقَالَ: كَانَ حَادَّ القَرِيْحَةِ، فَقِيْهاً، أَدِيْباً، شَاعِراً، وُلِدَ بحدثة النورة، بقرب هيت.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ حَافِظاً، ثِقَةً، مُتْقِناً، ظَرِيْفاً، كَيِّساً، مُتَوَاضِعاً، لَهُ النَّظمُ وَالنَّثرُ، اصطَحَبْنَا مُدَّةً، وَأَفَادَنِي الكَثِيْرَ، سَكَنَ خُوَارِزْمَ إِلَى أَنْ أَحرَقَهَا التَّتَارُ، وَعُدِمَ خَبَرُهُ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، كَتَبْتُ عَنْهُ بِمَرْو، وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ سَبْعِيْنَ.
قُلْتُ: وَفِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ أَسرتِ التَّتَارُ الحَافِظَ المُفِيْدَ عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ تَمِيْمٍ الشَّيْبَانِيَّ الدِّمَشْقِيَّ أَحَدَ الطَّلَبَةِ المشهورين، وعدم خبره.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "5/ 80، 81".

(16/139)


ياقوت، موسى:
5541- ياقوت 1:
الكبير صَاحِبُ الخطِّ الفَائِقِ أَمِيْنُ الدِّيْنِ المَوْصِلِيُّ المَلِكِيُّ مِنْ مَوَالِي السُّلْطَانِ مَلِكْشَاه بنِ سَلْجُوْقِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَلِكْشَاه السَّلْجُوْقِيُّ.
بَرَعَ فِي العَرَبِيَّة، وَتَقدَّمَ فِيْهَا، وَانْتَهَى إِلَيْهِ حُسن الكِتَابَةِ، نَسَخَ بِـ "الصِّحَاح" عِدَّة نُسَخٍ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَوْلاَد الرؤساء، ثم شاخ، وتغير خطه.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ مَنْ يُؤَدِّي طَرِيقَةَ ابْنِ البَوَّابِ مِثْلَهُ.
مَاتَ بِالمَوْصِلِ، فِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، ومدحه النجيب الواسطي بقصيدة.
5542- موسى 2:
ابْنُ الشَّيْخِ الإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ القَادِرِ بن أَبِي صَالِحٍ الجِيْلِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، ضِيَاء الدِّيْنِ، أَبُو نَصْرٍ، نَزِيْلُ دمشق.
ولد في ربيع الأول، تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي القَاسِمِ ابْنِ البَنَّاءِ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، وَأَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَطِّيِّ، وَكَانَ يَسكُنُ بِالعُقَيْبَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَعُمَرُ بنُ الحَاجِبِ، وَالسَّيْفُ أَحْمَدُ بنُ المَجْدِ، وَالقُوْصِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَالشَّمْسُ ابْنُ الكَمَالِ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ، وَأَحْمَدُ بن علي بن سبط الحَقِّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ نُوْرٍ، وَالصَّفِيُّ إِسْحَاقُ الشَّقْرَاوِيُّ، وَيُوْسُفُ الغَسُوْلِيُّ، وَالعِزُّ أَحْمَدُ بنُ العِمَادِ، وَالعِمَادُ عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَخَلْقٌ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَتَبْتُ عَنْهُ بِدِمَشْقَ، وَكَانَ مَطْبُوْعاً لاَ بَأْسَ بِهِ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ خَالياً مِنَ العلم.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: كَانَ ظرِيفاً، رَقَّ حاله، استولى عَلَيْهِ المَرضُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، أَوَّلَ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ آخِرَ أَوْلاَدِ أبيه وفاة، وكان يرمى برذائل لا تلقي بِمِثْلِهِ، قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ البِرْزَالِيُّ: عِنْدَهُ دُعَابَةٌ.
قُلْتُ: سَمِعْتُ مِنْ طَرِيقِه المُنْتَقَى مِنْ أَجزَاءِ "المُخَلِّصِ"، وَالثَّانِي مِنْ "حَدِيْثِ زغبَةَ"، وَمُنتقَى مِنْ "مُسْنَدِ عَبْدِ بنِ حُمَيْدٍ"، وَ"جزء أبي الجهم".
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمته 788"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 283".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 252"، وشذرات الذهب "5/ 82، 83".

(16/140)


5543- ابن طاووس 1:
الشَّيْخُ المُعَمَّرُ المُسْنِدُ الأَمِيْنُ سَدِيْدُ الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي طَالِبٍ الخَضِرِ بنِ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاوُوْسٍ البَغْدَادِيُّ الأَصْلِ، الدِّمَشْقِيُّ.
مِنْ بيت العلم والرواية.
ولد سن سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ. وَسَمِعَ فِي الخَامِسَة مِنَ: الفَقِيْهِ نَصْرِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ: نَاصِرِ بنِ مُحَمَّدٍ القُرَشِيِّ، وَالخَضِرِ بنِ عَبْدَانَ، وَعَلِيِّ بنِ سُلَيْمَانَ المُرَادِيِّ، وَنَصْرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِلٍ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البُنِّ، وَأَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ ارْتَحَلَ إِلَيْهِ.
وَكَانَ عَسِراً فِي الرِّوَايَة، لاَ يُحَدِّثُ إلَّا مِنِ أصلٍ، وَكَانَ كَثِيْرَ التِّلاَوَةِ، ولم يكن يدري فن الحديث.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن النَّجَّارِ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ النُّشبِيُّ، وَالعِمَادُ مُحَمَّدُ بنُ صَصْرَى، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَطَائِفَةٌ.
وَسَمِعْنَا بِإِجَازَتِهِ مِنْ أَبِي حَفْصٍ ابْنِ القَوَّاسِ.
مَاتَ فِي سَابِعِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانِ عشرة وست مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 252"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 83".

(16/141)


أخوه، ثابت بن مشرف:
5544- أَخُوْهُ 1:
الشَّيْخُ أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ الخَضِرِ الصُّوْفِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَحَمْزَةَ بنِ كَرَوَّس، وَابْنِ عَسَاكِرَ، وَكَانَ قَلِيْلَ العِلْمِ.
رَوَى عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَالجَمَالُ ابْنُ الصَّابُوْنِيِّ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَابْنُ المُجَاوِرِ، وَعَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانُ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائة.
5545- ثابت بن مشرف 2:
ابن أَبِي سَعْدٍ ثَابِتِ، أَوْ مُحَمَّدِ، بنِ إِبْرَاهِيْمَ، الشيخ، المسند، أبو سعد البَغْدَادِيُّ، الأَزَجِيُّ، المِعمارُ، البَنَّاءُ، وَيُعْرَفُ: بِابْنِ شِسْتَانَ.
وُلِدَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ، وَسَعِيْدِ ابْنِ البَنَّاءِ، وَأَبِي الفَتْحِ الكَرُوْخِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ نَاصِرٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ العَبَّاسِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ التُّرَيْكِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ الوَاثِقِ، وَنَصْرِ بنِ نَصْرٍ العُكْبَرِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ نَاقَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الرُّطَبِيِّ.
وَسَمِعَ بِإِفَادَة أَبِيْهِ، وَبِنَفْسِه.
وَأَجَاز لَهُ وَجِيْهٌ الشَّحَّامِيُّ، وَأَبُو البَرَكَاتِ ابْنُ الفُرَاوِيِّ، وَكَانَ عَمُّهُ عَلِيُّ بنُ أَبِي سَعْدٍ الخَبَّازُ مِنْ أَعْيَانِ الطَّلبَةِ بِبَغْدَادَ.
وَشِسْتَان: بِكَسرِ أَوَّلِه، وَرَأَيْتُ بَعضَهُم ضَمَّهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالصَّاحِبُ عُمَرُ بن العديم، وولده؛ عبد الرحمن، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي الفَرَجِ بنِ الدَّبَّابِ، وَالكَمَالُ أحمد بن النَّصِيْبِيِّ، وَطَائِفَةٌ؛ حَدَّثَ بِحَلَبَ وَبِدِمَشْقَ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ صَعبَ الأَخْلاَقِ، ظَاهِرَ العَامِيَّةِ، سَمِعْتُ عَامَّةَ الطَّلبَةِ يذمُّونه.
قَالَ المُنْذِرِيُّ: مَاتَ فِي خَامِسِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "6/ 270"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 116".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 254"، وشذرات الذهب لابن العماد "5/ 84، 85".

(16/142)


5546- مسمار بن عمر 1:
ابن محمد بن عيسى الشَّيْخُ العَالِمُ المُقْرِئ الصَّالِحُ الخَيِّرُ المُسْنِدُ أَبُو بَكْرٍ ابْنُ العُوَيْسِ النَّيَّار، بَغْدَادِيٌّ مَشْهُوْرٌ.
نَزلَ المَوْصِلَ، وَأَقرَأ القُرْآنَ، وَحَدَّثَ، وَسَمِعَ الكَثِيْر مِنْ: أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيِّ، وَابْنِ نَاصِرٍ، وَسَعِيْدِ ابْنِ البَنَّاءِ، وَأَبِي بَكْرٍ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ، وَابْنِ نَاقَةَ، قِيْلَ: اسْمُهُ مُحَمَّدٌ، وَإِنَّ الوَزِيْرَ ابْنَ هُبَيْرَةَ لَقَّبَهُ بِمِسْمَارٍ؛ كَانَ يَجلسُ لِلسَّمَاعِ وَهُوَ صَبِيٌّ لاَ يَكَادُ يَتحرَّكُ، فَقَالَ: كَأَنَّهُ مِسمَارٌ، وَكَانَ مَشْهُوْراً بِالخَيْرِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَالضِّيَاءُ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَرُكْنُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ قرطَاي الإِرْبِلِيُّ، وَعَبَّاسُ بنُ بَزْوَانَ، وَالشَّيْخُ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مَنْصُوْرٍ الأَثَرِيُّ، وَسَيِّدَةُ بِنْتُ دِرْبَاسٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَأَجَازَ لِلْعِمَادِ بنِ سَعْدٍ، وَلِعَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الدَّائِمِ.
مَاتَ بِالمَوْصِلِ، فِي ثَانِي عَشَرَ شَعْبَانَ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وفيها مات: شيخ اليونسية الزاهد بونس بنُ يُوْسُفَ بنِ مُسَاعِدٍ القُنَبِّيُّ المَارْدِيْنِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو طَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَدِيْدٍ الكِنَانِيُّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، وَابْنُ الأَنْمَاطِيِّ المُحَدِّثُ، وَثَابِتُ بنُ مُشَرِّفٍ، وَالمُقْرِئُ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ أَبِي رَجَاءٍ البَلَوِيُّ الوَاديَاشِيُّ، وَالشَّيْخُ عَلِيُّ بنُ إِدْرِيْسَ البَعْقُوْبِيُّ الزَّاهِدُ، وَالكَمَالُ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ ابْن النَّبِيْهِ المِصْرِيُّ الشَّاعِرُ صَاحِب "الدِّيْوَانِ"، وَالحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الغَافِقِيُّ المَلاحِيُّ، وَالإِمَامُ أَبُو الفتوح ابن الحصري.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1403"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "6/ 253".

(16/143)