محض الصواب في
فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الباب الثالث
والثلاثون: خضابه
...
الباب الثالث والثلاثون: في خضابه - رضي الله عنه -
قال أنس بن مالك: "خضب1 عمر بالحناء والكتم2"3.
وفي الصحيح أنا أنساً سئل عن خضاب النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: "إنه لم يبلغ ما يخضب، ولكن أبا بكر وعمر خضبا
بالحناء والكتم" 4.
وفي رواية: "لم يبلغ ذلك ولكن أبا بكر وعمر خضبا بالحناء
والكتم"5.
وقد اشتهر الحديث بخضاب أبي بكر وعمر بالحناء والكتم.
وفي بعض الأحاديث الواردة في الخضاب: "أنّ أبا بكر الصديق
رضي الله عنه كان أكثرهم شيباً فكان أكثرهم خضاباً"، فلهذا
الحديث في الخضاب في أكثر6، وبعده عمر كان أكثر شيباً من
النبي صلى الله عليه وسلم فكانت الأحاديث فيه أقل من أبي
بكر7، والنبي صلى الله عليه وسلم كان أقلّهم شيباً فلهذا
لم يرد أنه
__________
1 خضب: لوّن. (القاموس ص 103).
2 الكُتْمان بالضمن: نبت يخلط بالحنّاء، ويخضب به الشعر
فيبقى لونه، وأصله إذا طبخ بالماء. (القاموس ص 1488).
3 مسلم: الصّحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1821.
4 مسلم: الصّحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1821، رقم: 2341.
5 مسلم: الصّحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1821.
6 انظر: مسلم: الصّحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1821، أبو
داود: السنن 4/86، أحمد: المسند 3/100، 3/108، الطبراني:
المعجم الكبير رقم: 17، 18، 19، 20، 22، 23، 24، أبو نعيم:
معرفة الصحابة رقم: 79، 80، 81، 82، 83، ابن سعد: الطبقات
3/189، 191.
7 انظر: مسلم: الصّحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1821، أبو
داود: السنن4/86، أحمد: المسند 3/100، 108، ابن سعد:
الطبقات 3/189، الطبراني: المعجم الكبير رقم: 18، 19، 20،
أبو نعيم: معرفة الصحابة رقم: 173، 174، 175، 176، 177،
178.
(1/330)
خضب [إلا]1 في أحاديث يسيرة2، ولعله فعل
ذلك مرة أو مرتين تشريعاً لأمته صلى الله عليه وسلم.
والمراد بالخضاب هنا في اللحية، وذلك مستحب نص عليه أحمد،
قيل له: "ألا تستحيي أن تخضب؟"، فقال: سبحان الله، سنة
رسول الله، والله إني لأرى الشيخ المخضوب فأفرح به"3.
ويستحب بالحمرة والصفرة4.
قال أصحابنا: "ويستحب بالحناء والكتم"5.
وهل يكون بالسواد؟ تارة يكون في الحرب، وتارة لا، فإن كان
في الحرب لم يكره، وإن كان في غير الحرب / [37 / ب]6 كره7.
وأمّا خضاب الرأس فإنه كذلك، وكذلك في حق المرأة8.
وأما خضاب غير الشعر كالإخضاب9 في اليدين والرجلين، فأما
الرجل فإن كان ثم حاجة أبيح، وإلا فقال بعض أصحابنا:
"يكره"10، وقال بضعهم: "هو
__________
1 سقط من الأصل.
2 انظر: البخاري: الصحيح، رقم: 5557، 5558.
3 الخبر بنحوه في ابن قدامة: المغني 1/125، والسفاريني:
غذاء الألباب 1/417.
4 انظر: ابن قدامة: المغني 1/127، ابن مفلح: الفروع 1/136،
المرداوي: الإنصاف 1/123.
5 انظر: ابن قدامة: المغني 1127، ابن مفلح: الفروع 1/131،
المرداوي: الإنصاف 1/123، الحجاوي: الإقناع 1/20.
6 ق37/أ، فيها بياض من أصل المخطوطة، وليس ثمة نقص فالكلام
متصل بالمخطوطة.
7 انظر: ابن قدامة: المغني 1/127، ابن مفلح: الفروع 1/131،
والآداب الشرعية 3/353، السفاريني: غذاء الألباب 1/417،
418، المرداوي: الإنصاف 1/123.
8 انظر: ابن مفلح: الفروع 1/136، السفارينين: غذاء الألباب
1/418.
9 في الأصل: (كالإخضا)، والزيادة يقتضيها السياق.
10 لم أجده.
(1/331)
من تشبه الرجل بالمرأة"، هل يحرم أو يكره؟
على قولين"1.
وأما الخضاب للمرأة فتارة تكون ذات زوج، وتارة لا، فإن
كانت غير ذات زوج، فقال بعض أصحابنا: "يكره"، وقال بعضهم:
"يباح"، وإن كانت ذات زوج فإن كان بإذنه أبيح2، وإن كان
بغير إذنه وهو حاضر أبيح، وإن كان غائباً فقال بعضه
أصحابنا: "يكره"، وقال بعضهم: "يباح"3.
وأما النقش والتكتيب ونحوه، فإنه يكره مطلقاً عند بعض
أصحابنا4، وعند بعضهم يباح بإذن الزوج5.
والحنّاء: هو ورق شجر الفاغية، وهو بارد مجفف يذهب القروح
ونحوها، وينفعها6، وقد أطلنا الكلام عليه في (فضائل أبي
بكر رضي الله عنه".
__________
1 لم أجده.
2 انظر: ابن مفلح: الفروع 1/136.
3 انظر: المصدر السّابق نفسه.
4 انظر: ابن مفلح: الفروع 1/136، السفاريني: غذاء الألباب
1/430، 431، المرداوي: الإنصاف 1/126، الحجاوي: الإقناع
1/22.
5 انظر: المصادر السّابقة نفسها.
6 انظر: البغدادي: الطب من الكتاب والسنة ص 96، ابن القيم:
زاد المعاد 4/89، السفاريني: غذاء الألباب 1/416.
(1/332)
الباب الرابع
والثلاثون: خاتمه
...
الباب الرابع والثلاثون: في خاتمه - رضي الله عنه -
عن جعفر بن محمّد عن أبيه قال: "كان عمر يتختم في
اليسار"1.
وقال أبو القاسم الأصفهاني: "قيل: كان نقش خاتم عمر: كفى
بالموت واعظاً"2.
وكذلك ذكر ابن رجب3 في كتاب الخواتم4.
قال أبو عبد الله محمّد بن سلامة5 في كتاب: (عيون
المعارف): "كان في يده خاتم رسول الله صلى الله عليه
وسلم"6.
وفي الصحيحين عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أعد خاتماً من ذهب أو فضة، وجعل فصَّه7 مما يلي
باطن كفّه، ونقش فيه: (محمّد رسول الله)، فاتخذ الناس
مثله، فلما رآهم قد اتخذوها رمى به، وقال: "لا ألبسه
أبداً" ، ثم اتخذ خاتماً من فضة، فاتخذ الناس خواتيم
الفضة. قال
__________
1 الخبر في ابن أبي شيبة: المصنف 8/472، بنحوه.
2 أبو القاسم: سيف السلف ص 187، والخبر في أبي نعيم:
المعرفة 1/229، والسيوطي: تاريخ الخلفاء ص 136، ونسبه
للمزني في التهذيب.
3 عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي، الدمشقي، الحنبلي،
صنف كتباً كثيرة، منها: (شرح علل الترمذي)، و(جامع العلوم
والحكم)، وغيرهما، توفي سنة خمس وتسعين وسبع مئة. (الدرر
الكامنة 2/321، شذرات الذهب 6/339).
4 ابن رجب: أحكام الخواتم، ص 99.
5 في الأصل: (أسامة)، وهو تحريف.
6 محمّد بن سلامة: عيون المعارف ق 55 / أ.
7 فَصُّ الخاتم وفِصّه، بالفتح والكسر: المُرَكَّب فيه.
(لسان العرب 7/66).
(1/333)
ابن عمر: "فلبس الخاتم بعد النبي صلى الله
عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان حتى وقع من عثمان رضي
الله عنه في بئر أريس"1، 2.
وعن ه قال : اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من
ورق، وكان في يده ثم كان بعده في يد أبي بكر، ثم كان بعد
في يد عمر، ثم كان بعد في يد عثمان - رضي الله عنهم - حتى
وقع في بئر أريس"3.
وعن أنس قال: "كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في يده،
وفي يد أبي بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبي بكر، قال: فلما
كان عثمان، جلس على بئر أريس، قال: فأخرج الخاتم فجعل يعبث
به فسقط، قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان، فتنْزح4
البئر فلم نجده"5.
فهذا الحديث يدل على أن خاتم النبي صلى الله عليه وسلم كان
عند عمر مدة خلافته، وقد اشتهر عنه أنه كان له خاتم نقشه:
كفى بالموت واعظاً، والجمع بينهما أن كان له خاتمان؛ خاتم
النبي صلى الله عليه وسلم الذي ورثه بعد أبي بكر، وهو خاتم
الخلافة، وخاتم اتخذه هو / [38 / أ] نقشه: كفى بالموت
واعظاً، وإنما نقشه هذا ليتذكر الموت كلما نظر إليه فيزجره
عما أراد فإن اليد يكثر النظر إليها فيكثر ذكره للموت
فيزداد
__________
1 بئر أريس، بفتح الهمزة وكسر الراء، وبالسين المهملة ووزن
عظيم: وهي في حديقة بالقرب من مسجد قباء. (فتح الباري
10/319، معجم معالم الحجاز 1/89).
2 البخاري: الصحيح، كتاب اللباس 5/2202، رقم: 5528، مسلم:
الصّحيح، كتاب اللباس 3/1655، رقم: 2019.
3 البخاري: الصحيح، كتاب اللباس 5/2204، رقم: 5535، مسلم:
الصّحيح، كتاب اللباس والزينة 3/1656، رقم: 2091.
4 في البخاري: (فننزح).
5 البخاري: الصحيح، كتاب اللباس 5/2205، 2206، رقم: 5540.
(1/334)
تيقظاً كما قال الحسن: "لو فارق ذكر الموت
قلبي لفسد"1.
وهنا عدة فوائد:
الأولى: أن خاتم الذهب يحرم على الرجال2.
الثانية: أن خاتم الفضة يباح، وهو أحد أقوال العلماء، وذهب
بعضهم إلى الاستحباب، وبعضهم إلى الكراهة، وبعضهم قال:
يباح للملوك دون غيرهم3.
الثالثة: لا يكره نقش الخاتم، ويجوز أن يكتب عليه القرآن
والذكر ونحو ذلك4.
الرابعة: يستحب أن يكون في اليسار، نص عليه أحمد وعليه
أكثر الأحاديث. وعنه يكون في اليمين وقد ورد ذلك في بعض
الأحاديث وضعّفه الأكثر، وهذه الرواية هي الأصح عندي5.
الخامسة: أن فصّ الخاتم يستحب أن يكون في باطن الكفّ؛ أي:
يكون مما يلي باطن الكف هذا هو الصحيح، وعليه أكثر
الأحاديث. وقيل:
__________
1 لم أجده.
2 انظر: ابن مفلح: الفروع 2/276، ابن رجب: أحكام الخواتم ص
46.
3 انظر: ابن مفلح: الفروع 2/469، 470، ابن رجب: أحكام
الخواتم ص 23، 30، 34، المرداوي: الإنصاف 3/142، النووي:
شرح صحيح مسلم 14/67.
4 انظر: ابن مفلح: الفروع 2/473، المرداوي: الإنصاف 3/145،
النووي: شرح صحيح مسلم 14/68.
5 انظر: ابن مفلح: الفروع 2/471، ابن رجب: أحكام الخواتم ص
131، المرداوي: الإنصاف 3/143، السفاريني: غذاء الألباب
1/294، البهوتي: كشاف القناع 2/236، النووي: شرح صحيح مسلم
14/73، ابن النجار: منتهى الإرادات 1/197.
(1/335)
يستحب أن يكون إلى ظاهر الكف1.
السادسة: يستحب أن يكون الخاتم2 في الخنصر أو البنصر،
والأولى أن يكون في الخنصر، ويكره في الوسطى والسبابة3.
السابعة: إذا دخل الخلاء فإن كان الخاتم في يمناه أدار
فصّه، إن كان عليه كتابه إلى بطن كفّه وقبض يده عليه، وإن
كان في يسراه فإن كان لا يستجمر ولا يستنجي بها فعل به
كذلك، وإن كان يستجمر أو يستنجي بها خلعه ووضعه في موضع4.
الثامنة: إذا توضأ فإن5 كان خاتمة واسعاً ودخل الماء تحته
أجزأ، وإن كان ضيقاً حركه ليدخل الماء تحته6.
التاسعة: يكره الخاتم من الحديد والرصاص والنحاس ونحوهم7.
العاشرة: المرأة يباح لها الخاتم من الفضة والذهب. والله
أعلم8.
__________
1 انظر: ابن مفلح: الفروع 2/470، ابن رجب: أحكام الخواتم ص
162، ابن النجار: منتهى الإرادات 1/197.
2 في الأصل: (اخاتم)، وهو تحريف.
3 انظر: ابن مفلح: الفروع 2/471، ابن رجب: أحكام الخواتم ص
160، المرداوي: الإنصاف 3/143، 144، السفاريني: غذاء
الألباب 1/294، 295، ابن النجار: منتهى الإرادات 1/197.
4 انظر: ابن قدامة: المغني 1/228، ابن رجب: أحكام الخواتم
ص 173، 174، السفاريني: غذاء الألباب 1/297، النووي:
المجموع 2/77.
5 سقط من الأصل سوى: (فإ).
6 انظر: ابن قدامة: المغني 1/153، ابن رجب: أحكام الخواتم
ص 177.
7 انظر: ابن مفلح: الفروع 2/481، ابن رجب: أحكام الخواتم ص
67، السفاريني: غذاء الألباب 1/292، 293، ابن النجار:
منتهى الإرادات 1/198.
8 انظر: ابن مفلح: الفروع 2/477، السفاريني: غذاء الألباب
1/293.
(1/336)
الباب الخامس
والثلاثون: دعاء الرسول له أن يخرج من صدره الغل
...
الباب الخامس والثلاثون: في دعاء الرسول أن يخرج الله من
صدره الغلّ
عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر
حين أسلم ثلاث مرات وهو يقول: "اللهم أخرج ما في صدره من
غلٍّ وأبدله إيماناً"، يقولها ثلاثاً. ذكره الذهبي في
التذهيب1.
وذكره شارح العمدة من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ضرب صدر عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين أسلم
ثلاث مرات وهو يقول: "اللهم أخرج ما في صدره من غلٍّ
وأبدله إيماناً". ورواه غيرهما من الأئمة أيضاً، وهو حديث
مشهور2. والله أعلم.
__________
1 تهذيب التهذيب 3 / ق 177 / أ.
2 لم أجده في ابن الملقن: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام،
والحديث في الحاكم: المستدرك 3/84، وقال: "صحيح مستقيم
الإسناد"، وتعقبه الذهبي بقوله: "خالد له مناكير"، قال
الحافظ: "خالد بن أبي بكر المدني، فيه لين". (التقريب ص
187).
(1/337)
|