محض الصواب في
فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الباب السادس
والثلاثون: أن الرسول بشره بالجنة
...
الباب السادس والثلاثون: في ذكر أن الرسول بشره بالجنة
روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال "يطّلع عليكم رجل من أهل الجنة فاطلع أبو بكر، ثم
قال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فاطلع عمر".
قال: "حديث غريب من حديث ابن مسعود"1.
وسبقت قصة المنام: أن الرسول رأى له قصراً في الجنة ورؤيا
الأنبياء وحي2.
وذكر ابن الجوزي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "عمر بن الخطاب سراج الجنة" 3.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة" 4.
ويأتي حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن
أهل الدرجات ليراهم من تحتهم كما يرى الكوكب وإن أبا بكر
وعمر منهما وأنعما" 5.
وتقدم حديث أبي هريرة: لما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم
[نعلاه]6، وقال: "من
__________
1 الترمذي: السنن 5/622، وعبد الله بن أحمد في زوائده على
فضائل الصحابة لأحمد 1/104، وفيه محمّد بن حُميد الرازي
حافظ ضعيف. (التقريب ص 475)، والحديث ضعّفه الألباني.
(ضعيف سنن الترمذي ص 494).
2 سبق تخريجه ص 244، 245، 247.
3 سبق تخريجه ص 223، 231، 233.
4 أبو نعيم: الحلية 6/333، وفيه الواقدي: وانظر ص 223،
231، 233.
5 سبق تخريجه ص 1122، 1123.
6 سقط من الأصل.
(1/338)
لقيك يشهد أن لا إله إلا الله بشّره
بالجنة". فلقيه عمر1.
وعن أم مبشر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا
يدخل النار إن شاء الله أحد من أصحاب الشجرة الذين بايعوا
تحتها" 2.
وفي الصحيحين عن أبي موسى: كنت مع النبي صلى الله عليه
وسلم في حائط من حيطان المدينة، فجاء رجل فاستفتح، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: "افتح له وبشّره بالجنة" ،
ففتحت له، فإذا أبو بكر، فبشّرته بما قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: "افتح له وبشّره بالجنة" ، ففتحت له
فإذا عمر، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد
الله، ثم استفتح رجل، فقال لي: "افتح له وبشّره بالجنة على
بلوى تصيبه" ، فإذا عثمان، فأخبرته، بما قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم فحمد الله، ثم قال: "الله المستعان"3.
وفي مسلم: "اللهم صبراً والله المستعان"4.
وفيهما عن أبي موسى: أنه توضّأ يوماً في بيته ثم خرج،
فقلت: لألزمنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكونن معه
يومي هذا، قال: فجاء المسجد فسأل عن النبي صلى الله عليه
وسلم قالوا: "خرج وجه ها هنا"، فخرجت على إثره، أسأل عنه،
حتى دخل بئر أريس، فجلست عند الباب، وبابها من جريد، حتى
قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فتوضّأ، فقمت
إليه، فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسّط قُفَّها5، وكشف عن
ساقيه ودَلاَّهما في البئر، فسلّمتُ عليه، ثم انصرفت فجلست
__________
1 سبق تخريجه ص 300.
2 سبق تخريجه ص 236.
3 البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 3/1350، رقم: 3490.
4 مسلم: الصّحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1867، رقم: 2403.
5 القفّ: الداكة التي تجعل حول البئر، أصله ما غلظ من
الأرض وارتفع. (لسان العرب 9/288، فتح الباري 7/36).
(1/339)
عند الباب، فقلت: لأكوننّ بوّاباً للنبي
صلى الله عليه وسلم اليوم، فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت:
من هذا؟ فقال: "أبو بكر"، فقلت: على رسلك، ثم ذهبت، فقلت:
يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال: "ائذن له وبشّره
بالجنة" ، فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول الله صلى
الله عليه وسلم يبشّرك بالجنة، فدخل أبو بكر فجلس على يمين
رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القُفّ، ودلى رجليه
في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وكشف عن ساقيه.
ثم جلست، وقد تركت أخي يتوضّأ ويلحقني، فقلت: إن يرد الله
بفلان - يريد أخاه - خيراً يأت به، فإذا إنسان يحرّك
الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: "عمر بن الخطاب"، فقلت: على
رسلك، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه
فقلت: "هذا عمر بن الخطاب يستأذن، فقال: "ائذن له وبشّره
الجنة" ، فجئت فقلت: ادخل، وبشّرك رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالجنة، فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في القفّ عن يساره، ودلّى رجليه في البئر.
ثم رجعت فجلست، فقلت: إن يرد الله بفلان خيراً يأت به،
فجاء إنسان يحرّك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: "عثمان بن
عفان"، فقلت: على رسلك، وجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم
/ [39 / أ] فأخبرته، فقال: "ائذن له، وبشّره بالجنة على
بلوى تُصيبه" ، فجئته فقلت له: ادخل، وبشّرك رسول الله صلى
الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك، فدخل فوجد القفّ قد
ملئَ، فجلس وجاهَه من الشقّ الآخر"، قال شريك1: "قال سعيد
بن المسيب: "فأولتها قبورهم"2.
__________
1 شريك بن عبد الله بن أبي نمر، المدني، صدوق يخطئ، توفي
في حدود أربعين ومئة. (التقريب ص 266).
2 البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 3/1343، 1344، رقم:
3471.
(1/340)
ولهذا الحديث طرق عديدة في الصحيحين1،
واللفظ هنا لفظ البخاري.
ولمسلم كذلك إلا أن فيه: "مع بلوى تصيبه" ، فقلت له: ادخل،
وبشّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة مع بلوى
تصيبك"، بدل: "على"2.
وعن سعيد بن زيد بن عمرو، قال: "سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان
في الجنة، وعليّ في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبد
الرحمن في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة" ،
وتاسع المسلمين لو شئت سمّيته، فرَجّ3 المسلمون وناشدوه،
فقال: "لولا أنكم ناشدتموني ما أخبرتكم، أنا تاسع
المسلمين، ورسول الله العاشر، ثم قال: لمشهد رجل مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يغبر فيه وجهه خير من عمل أحدكم
ولو عُمِّرَ عُمُر نوح عليه السلام"4.
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "يطلع من تحت هذا الصور رجل من أهل الجنة" ، فطلع
أبو بكر فهنيناه بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يطلع من تحت هذا الصور
رجل من أهل الجنة" ، فطلع عمر، فهنيناه بما قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يطلع من تحت هذا الصور رجل من أهل الجنة، ثم قال: اللهم
إن شئت جعلته عليّاً" ، فطلع عليّ - رضي الله عنهم -"5 .
__________
1 انظر: البخاري: الصحيح رقم: 3490، 3492، 5862، 6684،
6834، ومسلم: الصحيح 4/167، 1868، 1869.
2 مسلم: الصّحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1868، رقم: 2403.
3 الرجّ: التّحرّك والاهتزاز. (القاموس ص 243).
4 سبق تخريجه ص 235.
5 أحمد: المسند 3/356، وفضائل الصحابة 1/191، 209،
والحاكم: المستدرك 3/34، كلهم من طريق عبد الله بن محمّد
بن عقيل، صدوق في حديثه لين. (التقريب ص 321).
وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي في تلخيصه،
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/57،: "رواه أحمد والطبراني
في الأوسط ورجال أحد أسانيد أحمد رجال موثقون".
(1/341)
وروى الترمذي والنسائي عن عبد الرحمن بن
عوف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر في
الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعليّ في الجنة،
وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في
الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة بن
الجراح في الجنة" 1.
وروى الشيخ موفق الدين في (المنهاج)، عن سعيد بن زيد أنه
قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة، فقال:
"أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وطلحة
في الجنة، وسعد في الجنة، وعبد الرحمن في الجنة ". فقيل
له: "من التاسع"، قال: "أنا"2.
وعنه قال: "أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أني
سمعته يقول: "أثبت حَراء3 إنّما عليك نبيّ وصدّيق أو شهيد"
، وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر،
وعثمان، وعليّ، وطلحة، والزبير، وسعد، وابن عوف، وسعيد بن
زيد". رواه داود والنسائي والترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح
"4.
__________
1 الترمذي: السنن 5/647، والنسائي: السنن الكبرى (فضائل
الصحابة) رقم: 59، وأحمد: المسند 3/136، رقم: 1675،
والفضائل1/229، أبو يعلى: المسند 2/147، 148، ابن حبان:
الصحيح (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان) 9/71، وأبو نعيم:
معرفة الصحابة 1/146، 147، كلهم من طريق عبد العزيز بن
محمّد الداروردي وهو صدوق كان يحدث من كتب غيره يخطئ.
(التقريب ص 358)، وصحّحه أحمد شاكر (المسند 3/136)،
والألباني في صحيح الترمذي 3/218، وشرح العقيدة الطحاوية ص
487، رقم: 728، ومشكاة المصابيح رقم: 6110.
2 موفق الدين ابن قدامة: منهاج القاصدين ق 15/أ-ب، وابن
ماجه: السنن 1/48، وصحّحه الألباني، (صحيح سنن ابن ماجه
رقم: 133، وصحيح الترمذي رقم: 4041).
3 حراء: جبل من جبال مكة على ثلاثة أميال، وقد وصله الآن
البنيان، ويسمي جبل النور. (معجم البلدان ص 233، معجم
معالم الحجاز 2/248).
4 أبو داود: السنن 4/211، النسائي: فضائل الصحابة من السنن
الكبرى رقم: 101، الترمذي: السنن 5/651، وأخرجه أحمد:
المسند 3/110، رقم: 1630، وابن ماجه: السنن 1/48، ابن حبان
في صحيحه (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان) 9/69، وابن أبي
عاصم: السنة 2/618، وابن أبي شيبة: المصنف 12/14،
الطيالسي: المسند 33، والحاكم: المستدرك 3/450، كلهم من
طريق عبد الله بن ظالم التميمي. قال: الحافظ: "صدوق لينه
البخاري". (التقريب ص 308، قال الترمذي: "هذا حديث حسن
صحيح"، وقال أحمد شاكر: "إسناده صحيح"، تخريج المسند رقم:
1630، وقال الألباني: "صحيح". (صحيح الترمذي 3/221، وصحيح
ابن ماجه 1/28، رقم: 134).
(1/342)
وروى الشيخ موفق الدين عن عبد الله بن
عمرو1، رضي الله عنه "كان مع النبي صلى الله عليه وسلم
فجاء أبو بكر فاستأذن، قال: "من هذا؟" ، قال: "أبو بكر"،
قال: "ائذن له وبشّره بالجنة" ، ثم جاء عمر فاستأذن، فقال:
"من هذا؟" ، فقال: "عمر"، فقال: "ائذن له، وبشّره بالجنة"
، قال: فقال عبد الله بن عمرو: "أين أنا يا رسول الله؟"،
قال: "أنت مع أبيك" 2.
وروى أبو القاسم الرازي3 في (فوائده)، عن ابن عمر، قال:
قال: / [40/ أ]4 رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عشرةٌ من
قريش في الجنة: [أبو بكر في الجنة، و عمر في الجنة، وعثمان
في الجنة، وعليّ في الجنة، والزبير في الجنة،
__________
1 في الأصل: (عمر)، والتصويب من المسند.
2 موفق الدين ابن قدامة: منهاج القاصدين ق 17/ ب، وأخرجه
أحمد: المسند 2/165، وابن أبي عاصم: السنة 2/623، البخاري:
التاريخ الكبير 1/172، وأورده الهيثمي: مجمع الزوائد 9/56،
مطولاً، وقال: "رواه الطبراني واللفظ له، وأحمد باختصار،
بأسانيد وبعض رجال الطبراني وأحمد رجال الصحيح". وقال أحمد
شاكر: "إسناد صحيح"، تخريج المسند رقم: 6548.
3 تمام بن محمّد البجليّ الرازيّ ثم الدمشقي، كان ثقة
حافظاً، خرّج (الفوائد)، في مجلّدة انتقا من يدي الحديث،
توفي سنة أربع عشرة وأربع مئة. (سير أعلام النبلاء
(17/289، الرسالة المستطرفة ص 71).
4 هذه الورقة وردت في مكانها الصحيح، وقد أوردت الترتيب
الصحيح كما بدا لي، ونصفها بياض وليس ثمة نقص فالكلام متصل
بالمخطوطة.
(1/343)
وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي
وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن
الجراح في الجنة" 1.
وروى أبو الحسن السكري في (فوائده)، عن رياح بن الحارث،
قال: "كنت قاعداً عند المغيرة بن شعبة في مسجد الكوفة،
وعنده أهل الكوفة، فجاء سعيد بن زيد فرحب به المغيرة
وحياه، وأقعده عند رجله على السرير، فجاء رجل من أهل
الكوفة يقال له: قيس بن علقمة، فاستقبله فسب وسب، فقال
سعيد: "يا مغيرة من يسب هذا الرجل؟"، قال له: "يسبّ
عليّاً"، قال له سعيد: "يا مغيرة ألا أرى أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم يسبون عندك ثم لا تُغير ولا تنكر؟!،
أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - وإني لغني
أن أقول ما لم يقل فيسألني عنه إذا لقيته -: "أبو بكر في
الجنة، وعمر في الجنة، وعليّ في الجنة، وعثمان في الجنة،
وسعد بن مالك في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة،
وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وتاسع المسلمين في
الجنة" ، ولو شئت سمّيته، قال: فرجّ الناس وناشدوه يا صاحب
رسول الله: "من التاسع؟"، قال: "لولا أنكم ناشدتموني ما
خبرتكم، أنا تاسع المسلمين ورسول الله صلى الله عليه وسلم
يتم العاشر". قال: ثم قال: لمشهد رجل منهم مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم يُغَبّرُ فيه وجهه خير من عمل
__________
1 تمام الرازي: الفوائد 1/345، رقم: 883، وفي إسناده عبد
الله بن يزيد البكري، قال أبو حاتم: "ضعيف الحديث ذاهب
الحديث". (الجرح 5/201)، وأخرجه بإسناد آخر الطبراني:
المعجم الصغير 29، وقال: "لم يروه عن حبيب عن ابن عمر إلا
سعيد، لا عن سعيد إلا سفيان، تفرد به حامد بن يحيى"، وحبيب
بن أبي ثابت ثقة، لكنه مدلس، وهنا لم يصرح بالسماع. (انظر:
التقريب ص 150).
(1/344)
أحدكم ولو عُمِّرَ عُمُر نوح". كذا رواه
ابن مالك1، وقد ضرب عليه. / [39/ب]2، وصوابه: ابن أبي
وقاص"3 " "4 ".
__________
1 سعد بن أبي وقاص.
2 هذه الورقة وردت في مكانها الصحيح، وقد أوردت الترتيب
الصحيح كما بدا لي، ونصفها بياض وليس ثمة نقص فالكلام متصل
بالمخطوطة.
3 في ص 235: "وعليها ضرب وفي جميع كتب المحدّثين سعد بن
أبي وقاص".
4 سبق تخريجه ص 235.
(1/345)
الباب السابع
والثلاثون: جمعه الناس في التراويح على إمام
...
الباب السابع والثلاثون: في ذكر جمعه الناس في التراويح
على إمام
ذكر ابن الجوزي عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أن عائشة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم خرج ليلة في جوف1 الليل، فصلى في المسجد،
فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدّثون بذلك، فاجتمع أكثر
منهم، فخرج في الليلة الثانية فصلى رجال بصلاته، وأصبح
الناس يتحدّثون بذلك وكثر أهل2 المسجد في الليلة الثالثة،
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى وصلوا بصلاته،
فلما كانت الليلة الرابعة عَجز المسجد عن أهله فلم يخرج
إليه فطفق رجال يقولون: الصلاة فلم يخرج إليه حتى خرج
لصلاة الفجر فلما قضى الصلاة أقبل على الناس بوجهه، فتشهد
ثم قال: "أما بعد، فإنه لم يَخْفَ عليَّ شأنكم الليلة،
ولكنّي خشيت أن تفرض عليكم، فتعجزوا عنها" 3.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغبهم في قيام رمضان
من غير أن يأمرهم بعزيمة أمر فيه. . . . 4، ويقول: "من قام
رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". وتوفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان على
ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وصدراً من خلافة عمر
رضي الله عنه5.
__________
1 أي: ثلثه الآخر. (القاموس ص 1031).
2 في الأصل: (أكثر)، وهو تحريف.
3 ابن الجوزي: مناقب ص 63، 64، والحديث أخرجه البخاري:
الصحيح، كتاب صلاة التراويح 2/708، رقم: 1908، ومسلم:
الصّحيح، كتاب صلاة المسافرين وقصرها 1/524، رقم: 761.
4 مطموس في الأصل بمقدار كلمة، ولم أتبينها، ولعلها:
(إيجاب).
5 البخاري: الصحيح، كتاب صلاة التروايح 2/708، رقم: 1905،
ومسلم: الصّحيح، كتاب صلاة المسافرين وقصرها 1/523، رقم:
759.
(1/346)
قال عروة: "فأخبرني عبد الرحمن بن [عبدٍ]1
القاري2 وكان من عمال عمر، وكان يعمل مع عبد الله بن
الأرقم3 على بيت مال المسلمين: أن عمر خرج4 ليلة في رمضان
وهو معه، فطاف في المسجد وأهل المسجد أوزاع5 متفرِّقون،
يصلي الرجل بنفسه6، ويصلي الرجل بصلاته الرهط، فقال عمر:
"إني والله لأظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل"،
ثم عزم على أن يجمعهم على قارئ واحدٍ فأمر أبي بن كعب رضي
الله عنه أن يقوم / [40 / ب] لهم رمضان فخرج عمر رضي الله
عنه والناس يصلون بصلاة قارئهم، ومعه عبد الرحمن بن عبد
القاري فقال له عمر: "نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها
أفضل من التي يقومون"، يريد آخر الليل وكان الناس يقومون
أوّله"7.
وعن أبي عثمان8: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعا ثلاثة
قراء في شهر رمضان، فأمر أسرعهم قراءة9 [أن]10 يقرأ ثلاثين
آية، وأمر
__________
1 سقط من الأصل.
2 عبد الرحمن بن عبدٍ القاري، يقال له: رؤية، وذكره العجلي
في ثقات التابعين، توفي سنة ثمان وثمانين. (التقريب ص
345).
3 الزهري، صحابي، ولاّه عمر بيت المال، وتوفي في خلافة
عثمان. (التقريب ص 295).
4 في الأصل: (أن خرج عمر).
5 الأوزاع: الجماعات. (القاموس ص 995).
6 في البخاري: (لنفسه).
7 أخرجه البخاري: الصحيح، كتاب صلاة التراويح 2/707، رقم:
1906، بنحوه، وعبد الرزاق: المصنف 4/259.
8 عبد الرحمن بن ملّ النهدي.
9 قوله: (قراءة) تكرر في الأصل.
10 سقط من الأصل.
(1/347)
أوسطهم أ يقرأ بخمس وعشرين آية، وأمر
أبطأهم أن يقرأ عشرين آية"1.
وعن عبد الله بن عكيم الجهني2، قال: ": كان عمر بن الخطاب
رضي الله عنه إذا دخل شهر رمضان، صلى للناس صلاة المغرب،
ثم تشهد بخطبة خفيفة، ثم قال: "أما بعد: فإن هذا شهر كتب
عليكم صيامه ولم يكتب عليكم قيامه، من استطاع منكم أن يقوم
فإنها من نوافل الخير3 التي قال الله عزوجل، ومن لم يستطع
منكم أن يقوم فلينم على فراشه، وليتق إنسان منكم أن يقول:
أصوم إن صام فلان، وأقوم إن قام فلان، من صام منكم أو قام
فليجعل ذلك لله عزوجل، وأقلوا اللغو في بيوت الله، واعلموا
أن أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة، ألا لا يتقدم الشهر
منكم أحد ثلاث مرات، ألا لا تصوموا حتى تروه ثم صوموا حتى
تروه، ألا وإن غمّ عليكم فلن يغمّ عليكم العدد فعدّوا
ثلاثين، ثم أفطروا، ألا ولا تفطروا حتى تروا الغسق4 على
الظراب5، 6.
__________
1 عبد الرزاق: المصنف 4/161، وسنده صحيح، وابن نصر: قيام
الليل ص 192.
2 الجهني، أبو معبد الكوفي، مخضرم، وقد سمع كتاب النبي صلى
الله عليه وسلم إلى جهينة، مات في إمارة الحجاج. (التقريب
ص 314).
3 يشير إلى قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ
بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ
مَقَاماً مَحْمُوداً} ، [الإسراء: 79].
4 الغَسَق: ظلمة أوّل الليل. (القاموس ص 1181).
5 الظَرِب بكسر الراء: واحد الظِراب، هي الروابي الصغار.
(الصحاح 1/174).
6 عبد الرزاق: المصنف 4/265، ابن نصر: قيام الليل ص 88،
وفيه عبد الله بن ملاَذ الأشعري، وهو مجهول. (انظر:
التقريب ص رقم: 301، 326)، وأورده ابن الجوزي: مناقب ص 65.
(1/348)
وعن أبي إسحاق الهمداني1، قال: "خرج عليّ
رضي الله عنه أوّل ليلة من شهر رمضان فسمع القراءة من
المسجد، ورأى القناديل تزهر، قال: "نور الله لعمر بن
الخطاب في قبره كما نوّر مساجدنا بالقرآن"2.
وعن مجاهد3، قال: "خرج عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ذات
ليلة في شهر رمضان فسمع تهافت4 الناس بقراءة القرآن في
المساجد، فقال عليّ: "نوّر الله على عمر قبره كما نوّر
مساجدنا"5.
فصل
لا يتوهم متوهم أن التراويح من وضع عمر، ولا أنه أوّل من
وضعها، بل كانت موضوعة من زمن النبي صلى الله عليه وسلم
ولكن عمر رضي الله عنه أوّل من جمع الناس على قارئ، واحدٍ
فيها، فإنهم كانوا يصلون لأنفسهم فجمعهم على قارئ واحد.
والتراويح سنة مؤكّدة6، وهي قيام رمضان، قال أحمد وأصحابه:
"(. . . .) 7، يستحب أن تكون في جماعة، وأن يوتر بعدها في
الجماعة ما لم
__________
1 عمرو بن عبد الله السبيعي، الهمداني، ثقة مكثر عابد،
اختلط بأخرة، توفي سنة تسع وعشرين ومئة. (التقريب ص 422).
2 ابن الجوزي: مناقب ص 65، ابن قدامة: المغني 2/606.
3 مجاهد بن جبْر المخزومي مولاهم، ثقة إمام في التفسير وفي
العلم، توفي سنة إحدى - أو اثنتين أو ثلاث أو أربع - ومئة.
(التقريب ص 520).
4 في الأصل: (سهاور)، وهو تحريف. قال ابن منظور: "تهافتوا
عليه: تتابعوا". (لسان العرب 2/104).
5 ابن الجوزي: مناقب ص 65.
6 انظر: ابن قدامة: المغني 2/601، ابن مفلح: الفروع 1/546،
المرداوي: الإنصاف 3/180.
7 الفراغ كلمة لم أتبينها ورسمها: (وعر).
(1/349)
يكن له تهجد، فإن كان له تهجد فإن أحب
متابعة الإمام أوتر معه، وإذا سلّم شفعها بأخرى، وإن أحب
لم يوتر معه"1
وسميت التراويح: لأنهم يستريحون فيها بعد كلّ أربع2.
ويستحب أن يسلّم فيها من كلّ ركعتين ويذكر الله بعد كلّ
أربع في جلوس الراحة3.
ويكره التّطوّع بين التراويح4.
وهل يكره بعد التراويح والوتر في جماعة من غير فصل بنوم أو
ذهاب، على روايتين عن الإمام أحمد رحمه الله5.
وصلاة التراويح في أوّل الليل في الجماعة أفضل من تأخيرها
إلى آخر الليل ويصليها وحده. والله أعلم6. / [41 / أ].
__________
1 انظر: أبا يعلى: كتاب الروايتين والوجهين 1/162، ابن
قدامة: المغني 2/598، 605، 607.
2 انظر: ابن منظور: لسان العرب 2/462، ابن مفلح: الفروع
1/548، المرداوي: الإنصاف 2/181.
3 انظر: ابن قدامة: المغني 2/589، ابن القيم: زاد المعاد
1/330.
4 انظر: ابن قدامة: المغني 2/607، ابن مفلح: الفروع 1/549،
ابن النجار: منتهى الإرادات 1/100، المرداوي: الإنصاف
2/183.
5 انظر: أبا يعلى: كتاب الروايتين والوجهين 1/161، ابن
قدامة: المغني 2/607، 608، ابن مفلح: الفروع 1/549،
المرداوي: الإنصاف 2/183.
6 انظر: ابن قدامة: المغني 2/605، ابن مفلح: الفروع 1/547،
548، ابن النجار: منتهى الإرادات 1/100، المرداوي: الإنصاف
2181.
(1/350)
|