محض الصواب في
فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الباب الرابع والسبعون: قوله عليه السّلام:
ما طلعت الشّمس على رجل خير من عمر
...
الباب الرابع والسبعون: في قوله عليه السّلام: "ما طلعت
الشّمس على رجل خير من عمر"
عن جابر بن عبد الله قال: قال عمر لأبي بكر: "يا خير الناس
بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: "أما إنك
إن قلتَ ذلك، فلقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: "ما طلعت الشّمس على رجل خير من عمر" . وقال: "حديث
غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بذاك"1.
وهذا الحديث ليس على ظاهره، فإنه يوجب أن يكون أفضل من أبي
بكر، ومن الأنبياء.
فإن قال قائل: "هذا يدل على أنه أفضل من أبي بكر، والمراد
ما طلعت على أحد من هذه الأمة، فخرج الأنبياء".
__________
1 الترمذي: السنن 5/618، والحاكم: المستدرك 3/90،
والعقيلي: الضعفاء 3/4، ومن طريقه ابن الجوزي في الواهيات
1/190، وابن عساكر: تاريخ دمشق ج 13 / ق 29 / أ.
والحديث موضوع مداره على عبد الله بن داود الواسطي، قال
ثنا عبد الرحمن بن أخي محمّد بن المكندر عن محمّد بن
المنكدر عن جابر. وعبد الله بن داود ضعيف. وعبد الرحمن
مجهول. (التقريب رقم: 3298، 4051).
قال الحاكم: "صحيح الإسناد، لكن تعقبه الذهبي بقوله: عبد
الله ضعّفوه، وعبد الرحمن متكلم فيه، الحديث شبه الموضوع".
وقال في الميزان 3/415 بعد أن ساق الحديث: "هذا كذب".
وقال ابن الجوزي: "هذا الحديث لا يصحّ عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ولا يتابع عبد الرحمن عليه، ولا يعرف إلا
به، وأما عبد الله بن داود، فقال ابن حبان: "منكر الحديث
جداً، ويروي المناكير عن المشاهير، لا يجوز الاحتجاج
بروايته".
وقال الألباني: "موضوع. ثم إن الحديث ظاهر البطلان.
لمخالفته لما هو مقطوع به: أن خير من طلعت عليه الشمس إنما
هو نبينا محمّد صلى الله عليه وسلم ثم الرسل والأنبياء، ثم
أبو بكر". (سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/533، ضعيف سنن
الترمذي ص 493، ضعيف الجامع الصغير 5/100).
(3/786)
قيل: "هذا الحديث يحمل على غير أبي بكر،
وغير الأنبياء، جمعاً بينه وبين سائر الأحاديث الواردة،
فإن جميع الأحاديث الصحيحة التي هي أصح من هذا الحديث قد
وردت أن أفضل هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو
بكر الصديق رضي الله عنه، ويحتمل أن يكون ذلك الخطاب من
النبي صلى الله عليه وسلم ورد في حقّ جماعة رأى معهم عمر
عند طلوع الشمس، فقال: "ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر"
. وأبو بكر الصديق رضي الله عنه لم يكن فيهم. والله أعلم.
(3/787)
الباب الخامس والسبعون: قوله عليه السلام:
لو كان بعدي نبيّ لكان عمر
...
الباب الخامس والسبعون: في قوله عليه السلام: "لو كان بعدي
نبيّ لكان عمر" .
روى الترمذي عن عقبة بن عامر، قال: قال النبي صلى الله
عليه وسلم: "لو كان بعدي نبيّ لكان عمر بن الخطّاب". وقال:
"حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث مشرح بن هاعان"12.
وذكر ابن الجوزي عن عقبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "لو كان بعدي نبيّ لكان عمر بن
الخطّاب" 3.
وروى الرُّوياني في مسنده ثنا [أبو] عبد الله العسقلاني4،
ثناعبد الله بن يزيد المقرئ5، ثنا حيوة بن شريح6، عن بكر
بن عمرو المعافري7، عن مِشْرَح بن
__________
1 مِشرح بن هَاعَان المعافري، مقبول، من الرابعة، توفي سنة
ثمان وعشرين ومئة. (التقريب ص 532).
2 الترمذي: السنن 5/619، وإسناده حسن. وأحمد: المسند
4/154، والقطيعي: الفوائد المنتقاة كما في الصحيحة 1/582،
وزوائده على فضائل الصحابة 1/356، والفسوي: المعرفة
والتاريخ 2/500، والحاكم: المستدرك 3/85، وصححه ووافقه
الذهبي. وحسّنه الألباني، وقال: "وهذا سند حسن رجاله لكهم
ثقات، وفي مشرح كلام لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن. وقد
وثّقه ابن معين". (سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/582، وصحيح
سنن الترمذي 3/204).
3 ابن الجوزي: مناقب ص 29.
4 الحسن بن عمران العسقلاني، أبو علي أو أبو عبد الله، لين
الحديث من السابعة. (التقريب ص 163).
5 المكي، أصله من البصرة، ثقة فاضل، من التاسعة، توفي سنة
ثلاث عشرة ومئة (التقريب ص 330).
6 التُّجيبي، المصري، ثقة ثبت فقيه زاهد، من السابعة، توفي
سنة ثمان - وقيل: تسع - وخمسين ومئة. (التقريب ص 185).
7 في الأصل: (المغفاري)، وهو تحريف. وهو: بكر بن عمرو
المغافري المصري، إمام جامعها، صدوق عابد، من السادسة،
توفي في خلافة أبي جعفر المنصور بعد الأربعين ومئة.
(التقريب ص 127).
(3/788)
هاعان قال: سمعت عقبة بن عامر أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: "أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص"،
يقول: / [112 / ب] لو كان بعدي نبيّ لكان عمر بن الخطّاب".
كذا ذكره"1.
فصل
هذا من جملة الأدلة على أنه لا نبيّ بعد النبيّ صلى الله
عليه وسلم وكذا قوله لعلي: "أنت منِّي بمنزلة هارون من
موسى إلاّ أنه لا نبيّ بعدي" 2.
ومما يدل عليه قوله عزوجل: {وَلَكِن رَّسُولَ الله
وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40].
وقد ادّعى النّبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من
الكفرة، والفجرة، كمسيلمة الكذاب، وسجاح وغيرهما3.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى
يخرج ثلاثون
__________
1 الرُّوياني: المسند ج 1 / ق / 48 / أ، وفي إسناده أبو
عبد الله العسقلاني وهو لين الحديث، وأخرجه أحمد في:
المسند 4/55، من طريق المقرئ ثنا ابن لهيعة حدّثني مشرح بن
هاعان قال: سمعت عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: "أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص" ،
وإسناده حسن، وأخرجه الترمذي من طريق المقرء عن حيوة عن
بكر بن عمرو بن عمرو عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "لو كان بعدي نبيّ لكان عمر بن
الخطاب" . وقد سبق تخريجه.
وأخرج القسم الأول من الحديث عن قتيبة بن لهيعة. قال
الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة
عن مِشرح بن هاعان، وليس إسناده بالقوي". وقال الألباني:
"إسناده حسن". (صحيح سنن الترمذي ص 204، 236، والصحيحة
1/238).
2 البخاري: الصحيح، كتاب المغازي 4/1602، رقم: 4154، مسلم:
الصّحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1870، رقم: 2404.
3 الطبري: التاريخ 3/267، 275، 281، 301، ابن كثير 3/324،
345.
(3/789)
دجّالون1 كذابون، كلّهم يزعم أنه رسول
الله" 2.
فمن ادّعى النّبوة بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم فلا
يتابع، ولا يصدق، وقد كفر بأشياء منها: أنه كذّب الله
ورسوله، فإن الله أخبر أنه خاتم النّبيّين، وهو قال: "لا
نبيّ بعدي".
__________
1 دجّالون، أي: كذّابون مموهون. (لسان العرب 11/237).
2 البخاري: الصحيح، كتاب المناقب 3/1320، رقم: 3413، مسلم:
الصّحيح، كتاب الفتن 4/2239، رقم: 2923.
(3/790)
|