أخبار أبي حنيفة وأصحابه

ذكر مَا رُوِيَ فِي حسن جوَار أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ

أخبرنَا احْمَد بن مُحَمَّد الصَّيْرَفِي قَالَ ثَنَا أَبُو بكر احْمَد بن مُحَمَّد المسكي قَالَ ثَنَا عَليّ ابْن مُحَمَّد النَّخعِيّ قَالَ ثَنَا حَمَّاد بن عَليّ السراج قَالَ ثَنَا أَبُو بِلَال الْأَشْعَرِيّ عَن أبي يُوسُف قَالَ كَانَ لأبي حنيفَة جَار وَكَانَ يشرب فِي الحانة ثمَّ يرجع بِاللَّيْلِ يتَغَنَّى وَيَقُول
(أضاعوني وَأي فَتى أضاعوا ... ليَوْم كريهة وسداد ثغر)
قَالَ فَرجع ذَات لَيْلَة فَأَخذه الطَّائِف فحبسه ففقد أَبُو حنيفَة صَوته فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل لَهُ حَبسه الطَّائِف فَتكلم فِيهِ ابو حنيفَة حَتَّى أطلق ثمَّ قَالَ لَهُ يَا فَتى رَأَيْتنَا أضعناك
أخبرنَا أَبُو حَفْص عمر بن إِبْرَاهِيم المقرىء قَالَ ثَنَا مكرم بن أَحْمد قَالَ حَدثنِي عَليّ بن صَالح الْبَغَوِيّ قَالَ حَدثنِي جدي عبد الله بن الْعَبَّاس قَالَ ثَنَا أَحْمد بن مُؤَمل قَالَ ثَنَا بشر بن الْوَلِيد عَن بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة من أهل الْكُوفَة قَالَ كَانَ لأبي حنيفَة جَار إسكاف وَكَانَ كثيرا مَا يعْمل بِاللَّيْلِ وينشد هَذِه الأبيات

(1/51)


ويرددها
(أضاعوني وَأي فَتى أضاعوا ... ليَوْم كريهة وسداد ثغر)
(كَأَنِّي لم أكن فيهم وَسِيطًا ... وَلم تَكُ نسبتي فِي آل عَمْرو)
(أجرر فِي المجامع كل يَوْم ... فيالله من ظلمي وصبري)
وَكَانَ أَبُو حنيفَة يقوم يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فَيسمع صَوته يردد هَذِه الأبيات فَفَقدهُ لَيْلَة أَو لَيْلَتَيْنِ فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل أَخذه السُّلْطَان وحبسه فَصَارَ أَبُو حنيفَة إِلَى الْوَالِي يشفع فِيهِ وَقَالَ لَهُ جاري وَله حق الْجوَار قد أَخذه العسس قَالَ فَمَا اسْمه قَالَ لَا أعلم غير أَنه إسكاف فَقَالَ الْوَالِي اطلقوا لأبي حنيفَة كل من أَخذ اللَّيْلَة فَلَمَّا أَطْلقُوهُ جَاءَ الإسكاف إِلَى أبي حنيفَة يشكره فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفَة يَا فَتى مَا أضعناك
أخبرنَا احْمَد بن مُحَمَّد الصَّيْرَفِي قَالَ ثَنَا عَليّ بن عَمْرو الحريري قَالَ ثَنَا ابْن كأس القَاضِي قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن عَفَّان قَالَ ثَنَا إِسْمَاعِيل بن يُوسُف الشنبري قَالَ سَمِعت أَبَا يُوسُف يَقُول كَانَ أَبُو حنيفَة لَا يكَاد يسْأَل حَاجَة إِلَّا قَضَاهَا فَجَاءَهُ رجل فَقَالَ لَهُ إِن لفُلَان عَليّ خَمْسمِائَة دِرْهَم وَأَنا مضيق فسله يصبر عَليّ ويؤخرني بهَا فَكلم أَبُو حنيفَة صَاحب المَال فَقَالَ صَاحب المَال هِيَ لَهُ قد أَبرَأته مِنْهَا فَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق لَا حَاجَة لي فِيهَا فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَيست الْحَاجة لَك إِنَّمَا الْحَاجة لي ولي قضيت
ذكر مَا رُوِيَ فِي تَهَجُّده بِاللَّيْلِ وقيامه وقراءته وتضرعه

أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد الْبَزَّاز قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ ابْن الْعَبَّاس الْبَزَّاز قَالَ قَالَ بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف بَينا أَنا أَمْشِي مَعَ أبي

(1/52)


حنيفَة إِذْ سمع الصّبيان يصيحون هَذَا أَبُو حنيفَة الَّذِي لَا ينَام اللَّيْل فَقَالَ لي يَا أَبَا يُوسُف أما ترى مَا يَقُوله هَؤُلَاءِ الصّبيان فَللَّه عَليّ أَن لَا أَضَع جَنْبي بفراش حَتَّى ألْقى الله تَعَالَى
أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن الْبَزَّار قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا أَحْمد بن عَطِيَّة قَالَ ثَنَا ثَابت الزَّاهِد قَالَ ثَنَا مسعر قَالَ كنتأنظر إِلَى أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ يُصَلِّي الْغَدَاة ثمَّ يجلس فِي مذاكرة الْعلم إِلَى الْعَصْر وَلَا يحدث وضُوءًا وَلَا طَعَاما وَلَا شرابًا ثمَّ يجلس بعد صَلَاة العصرإلى الْمغرب ثمَّ يجلس فِي مذاكرة الْعلم إِلَى عشَاء الْآخِرَة فَقلت فِي نَفسِي مَتى يتفرغ هَذَا لِلْعِبَادَةِ لأتعاهدنه بِاللَّيْلِ قَالَ فتعاهدته فَلَمَّا صلى الْعشَاء الْآخِرَة دخل منزله فَلَمَّا هدأ النَّاس وَأخذُوا مضاجعهم خرج إِلَى الْمَسْجِد فانتصب فَكَانَ يُصَلِّي اللَّيْل كُله فَلَمَّا كَانَ فِي الْوَقْت الَّذِي يَتَحَرَّك النَّاس فِيهِ دخل منزله وَخرج فِي ذَلِك الْوَقْت الَّذِي خرج فِيهِ وَقد تهَيَّأ وسرح لحيته ثمَّ صلى الْفجْر ثمَّ قعد يذاكر الْعلم يَوْمه أجمع قَالَ فَقلت لَعَلَّ هَذَا شَيْء جعله على نَفسه أَيَّامًا فَلَزِمته حَتَّى مَاتَ فَمَا رَأَيْته بِالنَّهَارِ مُفطرا وَلَا بِاللَّيْلِ نَائِما وَكَانَ يخْفق قبل الظّهْر خفقة حفيفة قَالَ ثَابت وَأخذ مسعر قبل مَوته فيالعبادة وَالِاجْتِهَاد حَتَّى مَاتَ سَاجِدا
أخبرنَا عمر بن أبراهيم المقرىء قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا أَحْمد قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن سَمَّاعَة وَبشر بن الْوَلِيد ومُوسَى بن سُلَيْمَان الْجوزجَاني قَالُوا ثَنَا أَبُو يُوسُف قَالَ كَانَ أَكثر فُقَهَاء الْكُوفَة يصلونَ اكثر الصَّلَوَات فِي مَسْجِد الْجَامِع وَكَانُوا يصلونَ صَلَاة السحر فِي مَسْجِد الْجَامِع وَكَانَ مسعر يظْهر عَدَاوَة ابي حنيفَة ويحث على الوقيعة فِيهِ قَالَ فَانْصَرف لَيْلَة فَمر بِأبي حنيفَة وَهُوَ ساجد فَوضع على ثَوْبه حَصَيَات من حَيْثُ لَا يعلم وَخرج وَكَانَ أَبُو حنيفَة يَقُول يجب على الْفَقِيه ان يَأْخُذ نَفسه من عمله بِشَيْء لَا يرَاهُ النَّاس وَاجِبا وَكَانَ يَقُول إِذا خالط الْقُلُوب النّوم وَجب

(1/53)


الْوضُوء فَخرج مسعر ثمَّ رَجَعَ وَقد أذن لصَلَاة الصُّبْح فَوجدَ أَبَا حنيفَة على حَاله يبكي وَيَدْعُو ثمَّ قَامَ فَرجع رَكْعَتي الْفجْر وابتهل حَتَّى أُقِيمَت الصَّلَاة فصلى الْغَدَاة على وضوء أول اللَّيْل فَلَمَّا أصبح أَخذ مسعر بيد جمَاعَة من أَصْحَابه وَصَارَ إِلَيْهِ وَقَالَ إِنِّي تائب إِلَى الله من ذكري لَك فَاجْعَلْنِي فِي حل فَقَالَ أَبُو حنيفَة كل من اغتابني من أهل الْجَهْل فَهُوَ فِي حل وَمن كَانَ من أهل الْعلم فَهُوَ فِي حرج حَتَّى يَتُوب فَإِن غيبَة الْعلمَاء تبقى شينا فِي الْخلق وَأما أَنا فقد جعلتك فِي حل فَكيف بِطَلَب الله إياك بِمَا نهاك عَنهُ فِي كِتَابه وَسنة نبيه قَالَ فَكَانَا بعد ذَلِك متواخيين حَتَّى مَاتَا
أخبرنَا عمر بن إِبْرَاهِيم المقرىء قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا احْمَد قَالَ ثَنَا أَحْمد ابْن كاسب قَالَ قَالَ لي عبد الْمجِيد بن أبي راود مَا رَأَيْت أَصْبِر على الطّواف وَالصَّلَاة والفتيا بِمَكَّة من أبي حنيفَة إِنَّمَا كَانَ كل اللَّيْل وَالنَّهَار فِي طلب الْآخِرَة لنَفسِهِ والنجاة للمعاد صبورا على تَعْلِيم من يَجِيئهُ وَيطْلب الْعلم لقد شاهدته عشر لَيَال فَمَا رَأَيْته نَام بِاللَّيْلِ وَلَا هدأ سَاعَة من نَهَار من طواف اَوْ صَلَاة اَوْ تَعْلِيم علم
أخبرنَا عمر قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا احْمَد بن يُونُس قَالَ سَمِعت زَائِدَة يَقُول صليت مَعَ أبي حنيفَة فِي مَسْجده عشَاء الْآخِرَة وَخرج النَّاس وَلم يعلم أَنِّي فِي الْمَسْجِد وَأَرَدْت أَن أسأله عَن مَسْأَلَة من حَيْثُ لَا يراني أحد قَالَ فَقَامَ فَقَرَأَ وَقد افْتتح حَتَّى بلغ إِلَى هَذِه الْآيَة {فَمن الله علينا ووقانا عَذَاب السمُوم} فأقمت فِي الْمَسْجِد انْتظر فَرَاغه فَلم يزل يُرَدِّدهَا حَتَّى أذن الْمُؤَذّن لصَلَاة الْفجْر
أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد الْمعدل قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا احْمَد بن عَطِيَّة قَالَ ثَنَا مليح قَالَ حَدثنِي أبي عَن أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ مَا فِي الْقُرْآن سُورَة إِلَّا قد أوترت بهَا

(1/54)


أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا أَحْمد قَالَ ثَنَا منْجَاب قَالَ ثَنَا شريك قَالَ رَأَيْت حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وعلقمة بن مرْثَد ومحارب بن دثار وَعون ابْن عبد الله بن عتبَة وَعبد الْملك بن عُمَيْر وَأَبا همام السَّلُولي ومُوسَى بن طَلْحَة وَأَبا حنيفَة رَضِي الله عَنْهُم فَمَا رَأَيْت فِي الْقَوْم أحسن لَيْلًا من أبي حنيفَة وَلَقَد كنت مَعَه سنة فَمَا رَأَيْته وضع جنبه على فرَاش
أخبرنَا عمر بن إِبْرَاهِيم قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا أَحْمد قَالَ ثَنَا ابْن سَمَّاعَة قَالَ سَمِعت أَبَا يُوسُف يَقُول كَانَ أَبُو حنيفَة يخْتم الْقُرْآن كل يَوْم وَلَيْلَة ختمة فَإِذا كَانَ شهر رَمَضَان ختم فِيهِ مَعَ لَيْلَة الْفطر وَيَوْم الْفطر اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ ختمة وَكَانَ سخيا بِالْمَالِ صبورا على تَعْلِيم الْعلم شَدِيد الِاحْتِمَال لما يَنَالهُ فِيهِ بعيد الْغَضَب اثْنَيْنِ وَكَانَ أَصْحَابنَا يَقُولُونَ إِنَّه كَانَ يُصَلِّي الْغَدَاة على طهر أول اللَّيْل شهدته أَنا عشْرين سنة وَكَانَ من صَحبه قبلنَا يَقُولُونَ انه صلى الْغَدَاة على طهُور اول اللَّيْل أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَ دَاوُد الطَّائِي يفعل ذَلِك ويفعله بِالصبرِ على الْفقر
أخبرنَا عمر قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا أَحْمد قَالَ ثَنَا الْحمانِي قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ صَحِبت أَبَا حنيفَة قَرِيبا من سنة فَمَا رَأَيْته نَهَارا مُفطرا وَلَا لَيْلًا إِلَّا قَائِما وَلَا يدْخل إِلَى جَوْفه لقْمَة من مَال اُحْدُ وَكَانَ يُصَلِّي الْغَدَاة على طهُور أول اللَّيْل وَكَانَ يخْتم كل لَيْلَة عِنْد طُلُوع الْفجْر الأول وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ عِنْد طُلُوع الْفجْر الثَّانِي وَكَانَ يقطع اللَّيْل كُله بِالْعبَادَة
أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْحلْوانِي قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا أَحْمد قَالَ سَمِعت أَبَا نعيم يَقُول لقِيت الْأَعْمَش ومسعرا وَحَمْزَة الزيات وَمَالك بن مغول وَإِسْرَائِيل وَعَمْرو بن ثَابت وشريكا وَجَمَاعَة من الْعلمَاء لَا أحصيهم فَصليت مَعَهم فَمَا رَأَيْت رجلا احسن صَلَاة من أبي حنيفَة وَلَقَد كَانَ قبل الدُّخُول فِي الصَّلَاة يَدْعُو وَيسْأل ويبكي فَيَقُول الْقَائِل هَذَا وَالله يخْشَى الله

(1/55)


أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد الْبَزَّاز قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا أَحْمد بن عَطِيَّة قَالَ ثَنَا ابْن سَمَّاعَة قَالَ سَمِعت ابا يُوسُف يَقُول اخْتلفت إِلَى أبي حنيفَة تسع عشرَة سنة فرأيته يُصَلِّي الْغَدَاة على وضوء أول اللَّيْل وَمَا رَأَيْت أحرص مِنْهُ على علم يعْمل بِهِ ويعلمه النَّاس وَلَقَد مَاتَ لي ابْن فِي حَيَاة ابي حنيفَة فَأمرت من يَتَوَلَّاهُ ويدفنه وَلم أدع مجْلِس ابي حنيفَة قلت يفوتني يَوْم من أبي حنيفَة
أخبرنَا عمر بن إِبْرَاهِيم المقرىء قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا احْمَد قَالَ ثَنَا احْمَد بن يُونُس قَالَ ثَنَا الْمعَافي بن عمرَان قَالَ سَمِعت أَبَا الجويرية يَقُول صَحِبت حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان ومحارب بن دثار وعلقمة بن مرْثَد وَعون بن عبد الله وَسَلَمَة بن كهيل وَعَطَاء وطاوسا وَسَعِيد بن جُبَير رَضِي الله عَنْهُم ورأيتهم وَرَأَيْت أَبَا حنيفَة وَهُوَ حدث فَمَا رَأَيْت فِي الْقَوْم أحدا أحسن لَيْلًا من أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ
أخبرنَا احْمَد بن مُحَمَّد الصَّيْرَفِي قَالَ ثَنَا عَليّ بن عَمْرو الحريري قَالَ ثَنَا النَّخعِيّ القَاضِي قَالَ ثَنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْبَلْخِي قَالَ ثَنَا إِبْرَاهِيم بن رستم الْمروزِي قَالَ سَمِعت خَارِجَة بن مُصعب يَقُول ختم الْقُرْآن فِي رَكْعَة أَرْبَعَة من الْأَئِمَّة عُثْمَان بن عَفَّان وَتَمِيم الدَّارِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وَأَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنْهُم
أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد الصَّيْرَفِي قَالَ ثَنَا أَبُو بكر المسكي قَالَ ثَنَا عَليّ بن مُحَمَّد بن كأس قَالَ ثَنَا البخْترِي بن مُحَمَّد قَالَ ثَنَا ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ حَدثنِي الْقَاسِم بن معن ان ابا حنيفَة قَامَ لَيْلَة بِهَذِهِ الْآيَة {بل السَّاعَة موعدهم والساعة أدهى وَأمر} يُرَدِّدهَا ويبكي ويتضرع
أخبرنَا احْمَد بن مُحَمَّد الصراف قَالَ ثَنَا أَبُو بكر احْمَد بن مُحَمَّد المسكي قَالَ ثَنَا ابْن كأس قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْفَقِيه المراوحي قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن رَاشد الحبال عَن

(1/56)


بكر العابد قَالَ رَأَيْت أَبَا حنيفَة لَيْلَة يُصَلِّي ويبكي ويتضرع وَيَدْعُو وَيَقُول رب ارْحَمْنِي يَوْم تبْعَث عِبَادك وقني عذابك واغفر لي ذُنُوبِي يَوْم يقوم الأشهاد
أخبرنَا عبد الله بن الشَّاهِد قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن أَحْمد السدُوسِي قَالَ حَدثنِي أَبُو يُوسُف مُحَمَّد بن بكر قَالَ سَمِعت أَبَا عَاصِم النَّبِيل يَقُول كَانَ أَبُو حنيفَة يُسمى الوقد لِكَثْرَة صلَاته
أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ اخبرني عبد الصَّمد بن عبيد الله الدَّلال عَن مُحَمَّد بن عَامر الْأَشْعَرِيّ عَن عبد الله بن لبيد الأخنسي قَالَ كَانَ أَبُو حنيفَة إِذا دخل شهر رَمَضَان تفرغ لقِرَاءَة الْقُرْآن فَإِذا كَانَ الْعشْر الْأَوَاخِر فقليل مَا يُوصل إِلَى كَلَامه
ذكر مَا رُوِيَ فِي سماحة أبي حنيفَة وسخائه وبذله

أخبرنَا أَبُو حَفْص عمر بن إِبْرَاهِيم المقرىء قَالَ ثَنَا مكرم بن أَحْمد قَالَ ثَنَا احْمَد ابْن مُحَمَّد بن مغلس قَالَ ثَنَا الْحسن بن الرّبيع قَالَ كَانَ قيس بن الرّبيع يحدثني عَن أبي حنيفَة انه كَانَ يبْعَث بالبضائع إِلَى بَغْدَاد فيشتري بهَا الْأَمْتِعَة ويحملها إِلَى الْكُوفَة وَيجمع الأرباح عِنْده من سنة إِلَى سنة فيشتري بهَا حوائج اشياخ الْمُحدثين وأقواتهم وكسوتهم وَجَمِيع حوائجهم ثمَّ يدْفع بَاقِي الدَّنَانِير والأرباح إِلَيْهِم ثمَّ يَقُول أَنْفقُوا فِي حَوَائِجكُمْ وَلَا تحمدوا إِلَّا الله فَإِنِّي مَا أُعْطِيكُم من مَالِي وَلَكِن من فضل الله عَليّ فِيكُم وَهَذِه أرباح بضائعكم فانه هُوَ وَالله مَا يجريه الله لكم على يَدي فَمَا فِي رزق الله حق لغيره
أخبرنَا احْمَد بن مُحَمَّد الصَّيْرَفِي قَالَ ثَنَا عَليّ بن عَمْرو الحريري قَالَ ثَنَا ابْن كأس

(1/57)


النَّخعِيّ قَالَ ثَنَا عبد الله بن أَحْمد بن بهْلُول الْكُوفِي قَالَ ثَنَا الْقَاسِم بن مُحَمَّد البَجلِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن أبي حنيفَة ان ابا حنيفَة حِين حذق حَمَّاد ابْنه سُورَة الْحَمد وهب للمعلم خَمْسمِائَة دِرْهَم
أخبرنَا احْمَد بن مُحَمَّد الصَّيْرَفِي قَالَ ثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد المسكي قَالَ ثَنَا عَليّ بن مُحَمَّد القَاضِي قَالَ ثَنَا أَحْمد بن عمار بن أبي مَالك الْجَنبي عَن أَبِيه عَن الْحسن بن زِيَاد قَالَ رأى أَبُو حنيفَة على بعض جُلَسَائِهِ ثيابًا رثَّة فَأمره فَجَلَسَ حَتَّى تفرق النَّاس وَبَقِي وَحده فَقَالَ لَهُ ارْفَعْ الْمصلى وَخذ مَا تَحْتَهُ فَرفع الرجل الْمصلى فَكَانَ تَحْتَهُ ألف دِرْهَم فَقَالَ لَهُ خُذ هَذِه الدَّرَاهِم فَغير بهَا حالك قَالَ الرجل إِنِّي مُوسر وَأَنا فِي نعْمَة وَلست أحتاج إِلَيْهَا فَقَالَ لَهُ مَا بلغك الحَدِيث إِن الله يحب ان يرى أثر النِّعْمَة على عَبده فَيَنْبَغِي لَك ان تغير حالك حَتَّى لَا يغتم بك صديقك
أخبرنَا عمر بن إِبْرَاهِيم المقرىء قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا أَحْمد بن عَطِيَّة قَالَ ثَنَا مليح قَالَ ثَنَا أبي قَالَ جَاءَ رجل إِلَى أبي حنيفَة فَقَالَ احتجت إِلَى ثَوْبَيْنِ أُرِيد ان تحسن إِلَيّ فيهمَا فَإِنِّي أُرِيد ان اتجمل بهما عِنْد رجل قد صاهرني فَقَالَ اصبر لي جمعتين فَصَبر لَهُ ثمَّ عَاد فَقَالَ لَهُ عد إِلَيّ غَدا فَأخْرج إِلَيْهِ من الْغَد ثَوْبَيْنِ قيمتهمَا أَكثر من عشْرين دِينَارا ومعهما دِينَار فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ بعثت ببضاعة بإسمك إِلَى بَغْدَاد وضمنت خطر الطَّرِيق فبيعت وَرفعت لَك هذَيْن الثَّوْبَيْنِ فجَاء رَأس المَال ودينار فَإِن قبلت ذَلِك وَإِلَّا بعتهما وتصدقت عَنْك بثمنهما وَالدِّينَار فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ إِنَّه قَالَ لي أحسن إِلَيّ وَإِن عَطاء حَدثنِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِذا قَالَ الرجل لِأَخِيهِ الْمُسلم أحسن إِلَيّ فقد أئتمنه على سره وَأحب رفقه بِكُل شَيْء قدرت عَلَيْهِ من الاحسان إِلَيْهِ وأحببت أَن يسلم مَالِي بِمَا سَأَلَني من الْإِحْسَان إِلَيْهِ

(1/58)


أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد الْبَزَّاز قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا أَحْمد قَالَ ثَنَا بشر بن الْوَلِيد قَالَ سَمِعت أَبَا يُوسُف يَقُول كَانَ أَبُو حنيفَة شَدِيد الْبر بِكُل من عرفه وَكَانَ يهب للرجل الْخمسين دِينَارا أَو أَكثر فَإِذا شكره بِحَضْرَة قوم غمه ذَلِك وَقَالَ تشكر لي وَإِنَّمَا بهو رزق سَاقه الله إِلَيْك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أوتيكم شَيْئا وَلَا امنعكموه وَإِنَّمَا أَنا خَازِن أَضَع حَيْثُ أمرت
أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ ثَنَا مكرم بن أَحْمد قَالَ ثَنَا أَحْمد قَالَ ثَنَا عَليّ بن حَكِيم قَالَ سَمِعت شَرِيكا يَقُول كَانَ أَبُو حنيفَة طَوِيل الصمت كثير الْفِكر دَقِيق النّظر فِي الْفِقْه لطيف الاستخراج فِي الْعلم وَالْعَمَل والبحث وَكَانَ يصبر على من يُعلمهُ وَإِن كَانَ فَقِيرا أغناه وأجرى عَلَيْهِ وعَلى عِيَاله حَتَّى يتَعَلَّم فَإِذا تعلم قَالَ لَهُ قد وصلت إِلَى الْغنى الْأَكْبَر بِمَعْرِِفَة الْحَلَال وَالْحرَام وَكَانَ كثير الْعقل قَلِيل المجادلة للنَّاس قَلِيل المحادثة لَهُم
أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد الْحلْوانِي قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا أَحْمد بن عَطِيَّة قَالَ ثَنَا بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف قَالَ كَانُوا يَقُولُونَ أَبُو حنيفَة زينه الله بالفقه وَالْعلم وَالْعَمَل والسخاء والبذل وأخلاق الْقُرْآن الَّتِي كَانَت فِيهِ
أخبرنَا عمر بن إِبْرَاهِيم قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا أَحْمد قَالَ ثَنَا أَبُو غَسَّان قَالَ سَمِعت إِسْرَائِيل يَقُول كَانَ مسعر يَقُول كَانَ ابو حنيفَة إِذا اشْترى لِعِيَالِهِ شَيْئا انفق على شُيُوخ الْعلمَاء مثل مَا أنْفق على عِيَاله وَإِذا اكتسى ثوبا فعل مثل ذَلِك وَإِذا جَاءَت الْفَاكِهَة وَالرّطب وكل شَيْء يُرِيد أَن يَشْتَرِيهِ لنَفسِهِ ولعياله لَا يفعل ذَلِك حَتَّى يَشْتَرِي لشيوخ الْعلمَاء مثله ثمَّ يَشْتَرِي بعد ذَلِك لِعِيَالِهِ وَكَانَ إِذا اشْترى للصدقة أَو لبر إخوانه شَيْئا اجود مَا يقدر عَلَيْهِ وَكَانَ يتساهل فِيمَا يَشْتَرِيهِ لنَفسِهِ ولعياله

(1/59)


أخبرنَا عمر بن إِبْرَاهِيم قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا أَحْمد بن عَطِيَّة قَالَ ثَنَا مليح بن وَكِيع قَالَ ثَنَا أبي قَالَ كَانَ أَبُو حنيفَة قد جعل على نَفسه ان لَا يحلف بِاللَّه فِي عرض حَدِيثه إِلَّا تصدق بدرهم فَحلف فَتصدق بدرهم ثمَّ جعل على نَفسه ان لَا يحلف بِاللَّه إِلَّا تصدق بِربع دِينَار فَحلف فَتصدق بِربع دِينَار فَجعل على نَفسه إِن حلف ان يتَصَدَّق بِدِينَار فَكَانَ إِذا حلف صَادِقا فِي عرض الْكَلَام تصدق بِدِينَار وَكَانَ إِذا انفق على عِيَاله بِنَفَقَة تصدق بِمِثْلِهَا وَكَانَ إِذا اكتسى ثوبا جَدِيدا كسا بِقدر ثمنه شُيُوخ الْعلمَاء وَكَانَ إِذا وضع بَين يَدَيْهِ الطَّعَام أَخذ مِنْهُ فَوَضعه على الْخبز حَتَّى يَأْخُذ مِنْهُ بِقدر مَا يَأْكُل فيضعه على الْخبز ثمَّ يُعْطِيهِ لانسان فَقير فَإِن كَانَ فِي الدَّار فِي عِيَاله إِنْسَان يحْتَاج إِلَيْهِ دَفعه إِلَيْهِ وَإِلَّا اعطاه مِسْكينا
اُخْبُرْنَا عبد الله بن مُحَمَّد الشَّاهِد قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي عبد الله الْخُرَاسَانِي قَالَ ثَنَا عَليّ بن مُوسَى الرَّازِيّ عَن عَليّ بن الْجَعْد قَالَ أهْدى الْحَاج إِلَى أبي حنيفَة ألف نعل فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك أَرَادَ ان يَشْتَرِي نعلا فَقيل لَهُ مَا فعلت بِتِلْكَ النِّعَال فَقَالَ مَا دخل بَيْتِي مِنْهَا شَعْرَة وهبتها كلهَا لِأَصْحَابِنَا
أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا ابْن مغلس قَالَ ثَنَا ابْن كاسب قَالَ سَمِعت ابْن عُيَيْنَة يَقُول كَانَ أَبُو حنيفَة كثير الصَّلَاة وَالصِّيَام كثير الصَّدَقَة فَكَانَ كل مَال يستفيده لَا يدع مِنْهُ شَيْئا إِلَّا أخرجه وَلَقَد وَجه إِلَيّ بِهَدَايَا

(1/60)


استوحشت من كثرتها فشكوت ذَلِك إِلَى بعض أَصْحَابه فَقَالَ لي كَيفَ لَو رَأَيْت هَدَايَا بعث بهَا إِلَى سعيد بن أبي عرُوبَة وَمَا كَانَ يدع أحدا من الْمُحدثين إِلَّا بره برا وَاسِعًا
أخبرنَا عمر بن إِبْرَاهِيم قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا ابْن مغلس قَالَ ثَنَا سعيد بن مَنْصُور قَالَ سَمِعت فُضَيْل بن عِيَاض يَقُول كَانَ أَبُو حنيفَة مَعْرُوفا بِكَثْرَة الأفضال وَقلة الْكَلَام وإكرام الْعلم وَأَهله
أخبرنَا عمر بن إِبْرَاهِيم قَالَ ثَنَا مكرم قَالَ ثَنَا أَحْمد قَالَ ثَنَا مليح قَالَ ثَنَا ابي عَن أبي حنيفَة قَالَ ماملكت أَكثر من أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم مُنْذُ أَكثر من أَرْبَعِينَ سنة إِلَّا أخرجته وَإِنَّمَا امسكها لقَوْل عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم فَمَا دونهَا نَفَقَة وَلَوْلَا اني أَخَاف ان ألجأ إِلَى هَؤُلَاءِ مَا تركت مِنْهَا درهما وَاحِدًا