أخبار أبي حنيفة
وأصحابه أَخْبَار إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن أبي
حنيفَة
أخبرنَا أَبُو عبيد الله مُحَمَّد بن عمرَان بن مُوسَى
المرزباني قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن أَحْمد الْكَاتِب قَالَ
ثَنَا أَبُو العيناء مُحَمَّد بن الْقَاسِم قَالَ حضر
إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن أبي حنيفَة جَنَازَة امْرَأَة
من العلويين بِالْكُوفَةِ وَهُوَ قاضيها فازدحم النَّاس
عَلَيْهَا وتمسحوا بهَا فَدَنَا من إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد
رجل فَقَالَ أصلحك الله أما ترى مَا يصنع هَؤُلَاءِ
الْجُهَّال فَقَالَ اسْكُتْ لَو كَانَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حَيا لعزى بِهَذِهِ
حَدثنَا المرزباني قَالَ ثَنَا الحكيمي قَالَ ثَنَا
مُحَمَّد بن الْقَاسِم قَالَ لما عزل إِسْمَاعِيل ابْن
حَمَّاد بن أبي حنيفَة عَن قَضَاء الْبَصْرَة شيعه يحيى بن
أَكْثَم وَكَانَ هُوَ الصَّارِف لَهُ فَدَعَا لَهُ النَّاس
وَقَالُوا عففت عَن أَمْوَالنَا وَعَن دمائنا فَقَالَ
إِسْمَاعِيل وَعَن أَبْنَائِكُم يعرض بِيَحْيَى فِي اللواط
حَدثنَا المرزباني قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن أَحْمد
الْكَاتِب قَالَ ثَنَا أَبُو العيناء مُحَمَّد بن
الْقَاسِم قَالَ قَالَ إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن أبي
حنيفَة مَا ورد عَليّ مثل امْرَأَة تقدّمت إِلَيّ فَقَالَت
أَيهَا القَاضِي ابْن عمي زَوجنِي من هَذَا وَلم أعلم
فَلَمَّا علمت رددت قَالَ قلت لَهَا وَمَتى مَا رددت
قَالَت وَقت مَا علمت قلت وَمَتى علمت قَالَت وَقت مَا
رددت قَالَ فَمَا رَأَيْت مثلهَا
(1/143)
حَدثنَا المرزباني قَالَ ثَنَا الحكيمي
قَالَ ثَنَا أَبُو العيناء قَالَ قَالَ رجل لإسماعيل بن
حَمَّاد قد ذهب نصفك قَالَ لَو بقيت مني شَعْرَة لبقي
فِيهَا مَا يقْضِي عَلَيْك
حَدثنَا المرزباني قَالَ أنبأ الصولي قَالَ حَدثنِي
الْمبرد قَالَ حَدثنِي التوزي قَالَ كنت أسمع إِسْمَاعِيل
بن حَمَّاد يتَمَثَّل كثيرا بِهَذِهِ الأبيات فَيَقُول
(فَمَا تزَود مِمَّا كَانَ يجمعه ... سوى حنوط غَدَاة
الْبَين مَعَ خرق)
(وَغير نفحة أَعْوَاد تشب لَهُ ... وَقل ذَلِك من زَاد
لمنطلق)
(بِأَيّ بَلْدَة تقدر منيته ... إِن لَا يسير إِلَيْهَا
طَائِعا يسق)
حَدثنَا المرزباني قَالَ ثَنَا الحكيمي قَالَ ثَنَا ابْن
أبي خَيْثَمَة قَالَ أَخْبرنِي سُلَيْمَان بن أبي شيخ
قَالَ أَنْشدني إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد
(يَا وَيْح ميت لم يبكه أحد ... أجل وَلم يفتقده مفتقد)
(لَا أم أَوْلَاده بكته وَلم ... يبك عَلَيْهِ لفقده ولد)
(وَلَا ابْن أُخْت بَكَى وَلَا ابْن أَخ ... وَلَا قريب
رقت لَهُ كبد)
(بل زَعَمُوا أَن أَهله فَرحا ... لما أَتَاهُم نعيه
سجدوا)
حَدثنَا أَبُو عبيد الله مُحَمَّد بن عمرَان بن مُوسَى
قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم قَالَ ثَنَا عبد الله
بن أبي سعد الْوراق عَن مُحَمَّد بن عمرَان قَالَ حَدثنِي
عمار بن أبي مَالك الْجَنبي قَالَ ثَنَا إِسْمَاعِيل بن
حَمَّاد بن أبي حنيفَة قَالَ سَأَلَ عِيسَى بن مُوسَى بن
أبي ليلى وَابْن شبْرمَة عَن مَسْأَلَة فَأصَاب ابْن
شبْرمَة وهم ابْن أبي ليلى فَقَالَ ابْن شبْرمَة
(لم يطيقواأن ينزلُوا فنزلنا ... وأخو ألحرب من أطَاق
النزولا) ثمَّ سَأَلَهَا بعد عَن مَسْأَلَة فَأَخْطَأَ
ابْن شبْرمَة وَأصَاب ابْن أبي ليلى فَقَالَ ابْن أبي ليلى
(1/144)
(وَابْن اللَّبُون إِذا مَا لز فِي قرن ...
لم يسْتَطع صولة البزل القناعيس)
حَدثنَا المرزباني قَالَ ثَنَا الحكيمي قَالَ ثَنَا أَبُو
العيناء كَانَ قَالَ إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد يُسمى
الْأُمَنَاء الكمناء
أخبرنَا القَاضِي عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ ثَنَا أَبُو
بكر الدَّامغَانِي الْفَقِيه قَالَ ثَنَا أَبُو جَعْفَر
الطَّحَاوِيّ سَمِعت ابْن أبي عمرَان يَقُول سَمِعت
مُحَمَّد بن مَرْوَان الْخفاف يَقُول وَكَانَ من فُقَهَاء
أَصْحَابنَا قَالَ سَمِعت إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن أبي
حنيفَة يَقُول كَانَ لي على رجل صك بِثمَانِيَة آلَاف
دِرْهَم فقضاني مِنْهَا سِتَّة آلَاف وَبقيت لي عَلَيْهِ
ألفا دِرْهَم فجحدني وَالْقَاضِي يَوْمئِذٍ شريك بن عبد
الله فقدمته إِلَيْهِ وَقلت أعز الله القَاضِي لي على
هَذَا الرجل صك بِثمَانِيَة آلَاف دِرْهَم وَأَنا أطالبه
مِنْهَا بألفي دِرْهَم فَقَالَ لي شريك مَا هَذَا
الْكَلَام وَأَنت يَا ابْن أبي حنيفَة تدع لأحد
دِرْهَمَيْنِ فأقامني فَأتيت الْقَاسِم بن معن فَأَخْبَرته
بقضيتي فَقَالَ لي الْقَاسِم كلفت شَرِيكا مَا لَا يفهم
أَنا أكفيكه فَلَقِيَهُ ففهمه ذَلِك ثمَّ لَقِيَنِي
فَأمرنِي بالتقدم إِلَيْهِ فتقدمت إِلَيْهِ فادعيت كَمَا
ادعيت أول مرّة فَقَالَ لي نعم هَكَذَا يَا ابْن أبي
حنيفَة ثمَّ دَعَاني بِالْبَيِّنَةِ فأحضرته شهودي فَحكم
لي وَقد كنت عِنْدَمَا أردْت التَّقَدُّم إِلَيْهِ منعت
حَتَّى وهبت للَّذي يقوم على رَأسه دَرَاهِم فَقَدَّمَنِي
ثمَّ أتيت الْقَاسِم بن معن فَأَخْبَرته بذلك كُله وَقلت
لَهُ رَأَيْت فِي مَجْلِسه مُنْكرا رَأَيْت الَّذِي يقوم
على رَأسه يقدم من شَاءَ وَيُؤَخر من شَاك وَأَنا مِمَّن
قدمه بِدَرَاهِم أَخذهَا مني فَقَالَ لي وَأَنت أَيْضا يَا
إِسْمَاعِيل قد كَانَ مِنْك أَمر مُنكر لِأَنَّك أَعْطَيْت
دَرَاهِم حَتَّى أخر عَنْك من كَانَ يجب أَن يقدم عَلَيْك
فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك عزل شريك من الْقَضَاء وَولى
الْقَاسِم بن معن ثمَّ ولى إِسْمَاعِيل أَيْضا بعده فقضوا
هَؤُلَاءِ جَمِيعًا على الْكُوفَة وَزَاد عَلَيْهِم فَقضى
على جَوَانِب بَغْدَاد كلهَا وعَلى الْبَصْرَة فَلم يزل
بهَا حَتَّى أَصَابَهُ الفالج فَكتب يسْتَأْذن فِي
الإنصراف فَأذن لَهُ
(1/145)
أَخْبَار أبي مُوسَى عِيسَى ابْن ابان بن
صَدَقَة رَضِي الله عَنهُ
قد تقدم فِي أَخْبَار مُحَمَّد بن الْحسن رَحمَه الله
السَّبَب فِي تفقه عِيسَى بن أبان وَأَن مُحَمَّد بن
سَمَّاعَة حمله إِلَى مُحَمَّد بن الْحسن كرها فَلَمَّا
شَاهده وَسمع كَلَامه لزمَه وتفقه عَلَيْهِ
أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد الْأَسدي قَالَ أنبأ أَبُو
بكر الدَّامغَانِي الْفَقِيه قَالَ ثَنَا أَحْمد ابْن
مُحَمَّد بن سَلمَة بن سَلامَة قَالَ سَمِعت أَبَا خازم
يَقُول إِنَّمَا لزم عِيسَى بن أبان مُحَمَّد بن الْحسن
سِتَّة أشهر ثمَّ كَانَ يكاتبه إِلَى الرقة
أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ أنبأ أَبُو بكر
الدَّامغَانِي الْفَقِيه قَالَ أنبأ الطَّحَاوِيّ قَالَ
ثَنَا أَبُو خازم قَالَ ثَنَا عبد الرَّحْمَن ين نائل
قَالَ كَانَ عِيسَى بن هَارُون الْهَاشِمِي ترب
الْمَأْمُون وَكَانَ سمع الحَدِيث مَعَه وَمَعَ الْأمين
لما كَانَ هَارُون أشخص النَّاس إِلَيْهِمَا من الْبلدَانِ
حَتَّى يسمعا مِنْهُم قَالَ فَجمع عِيسَى بن هَارُون هَذَا
أَحَادِيث مِقْدَار كتاب فَوَضعه بَين يَدي الْمَأْمُون
فَقَالَ لَهُ أصلح الله امير الْمُؤمنِينَ هَذِه احاديث
سَمعتهَا مَعَك من الْمَشَايِخ الَّذين كَانَ الرشيد
يختارهم لَك فقد صَارَت غاشية مجلسك الَّذين يخالفون هَذِه
الْأَحَادِيث مِنْهُم إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد وَبشر بن
الْوَلِيد وَبشر بن غياث وَمُحَمّد بن سَمَّاعَة وَيحيى بن
أَكْثَم وَذكر مَعَهم جمَاعَة من أمثالهم فَإِن كَانَ مَا
هَؤُلَاءِ عَلَيْهِ هُوَ الْحق فقد كَانَ الرشيد فِيمَا
كَانَ يخْتَار لَك على خطأ
(1/147)
وَإِن كَانَ الرشيد على صَوَاب فَيَنْبَغِي
لَك أَن تَنْفِي عَنْك أَصْحَاب الْخَطَأ فَأخذ
الْمَأْمُون الْكتاب وَقَالَ لعيسى لَعَلَّ للْقَوْم حجَّة
وَأَنا سائلهم عَن ذَلِك فَكَانَ أول من دخل عَلَيْهِ
إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد فَأخْبر الْمَأْمُون الْخَبَر
فَقَالَ إِسْمَاعِيل أَنا أكفيك هَذَا الْكتاب يَا أَمِير
الْمُؤمنِينَ وأوضح لَك الْحجَّة فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون
فشأنك بهَا وَدفع إِلَيْهِ الْكتاب فَأَقَامَ عِنْده
مُدَّة ثمَّ جَاءَهُ بِهِ وقرأه الْمَأْمُون فَإِذا هُوَ
ضرب من السب فَلم يحفل بِهِ وَقَالَ لَيْسَ هَذَا من
جَوَاب الْقَوْم فِي شَيْء ثمَّ أَخذ مِنْهُ الْكتاب فَدخل
إِلَيْهِ بشر بن غياث فَأخْبرهُ الْخَبَر فَقَالَ بشر أَنا
أكفيك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأَخذه ثمَّ جَاءَ بعد
ذَلِك بِكِتَاب فَقَالَ هَذَا جَوَابه فقرأه الْمَأْمُون
فَإِذا فِيهِ دفع قبُول خبر الْوَاحِد فَقَالَ لَهُ
الْمَأْمُون لَيْسَ هَذَا من جَوَاب الْقَوْم فِي شَيْء
إِن أَصْحَابك يحتجون بِهِ فِي بعض مسائلهم وَيَصْدُرُونَ
كتبهمْ بِخَبَر الْوَاحِد فَإِن كَانَ خبر الْوَاحِد
مِمَّا يجوز الْعَمَل بِهِ فِي شَيْء جَازَ الْعَمَل بِهِ
فِي أَمْثَال ذَلِك الشَّيْء وَإِن كَانَ لَا يجوز
الْعَمَل بِهِ فِي شَيْء فَلم وضعوه فِي كتبهمْ ثمَّ أَخذ
مِنْهُ الْكتاب الَّذِي كَانَ دَفعه إِلَيْهِ فَكَانَ أول
من دخل إِلَيْهِ بعد ذَلِك يحيى بن أَكْثَم فَأخْبرهُ
الْمَأْمُون الْخَبَر فَقَالَ لَهُ ادفعه إِلَيّ وَأَنا
أكفيكه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَدفعهُ إِلَيْهِ
فَأَقَامَ فِيهِ دهرا طَويلا كلما سَأَلَهُ الْمَأْمُون
قَالَ لم أفرغ فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون إِن هَذَا الْأَمر
طَوِيل فَمَا توجب لَك الْحِكْمَة هَذَا عِنْدِي لَو أَقمت
الْحجَّة لِأَن مخالفك إِنَّمَا بَين خِلافك وَالْحجّة
عَلَيْك فِي كتاب وَاحِد ولعلك أَنْت لَا تحتج عَلَيْهِ
فِي مائَة كتاب فَبلغ ذَلِك عِيسَى بن أبان وَلم يكن يدْخل
على الْمَأْمُون قبل ذَلِك فَوضع كتاب الْحجَّة الصَّغِير
فابتدأ فِيهِ بِوُجُوه الْأَخْبَار وَكَيف نقل وَمَا يجب
قبُوله مِنْهَا وَمَا يجب رده وَمَا يجب علينا وَمَا إِذا
سمعنَا المتضاد مِنْهَا وكشف الْأَحْوَال فِي ذَلِك ثمَّ
وضع لتِلْك الْأَحَادِيث أبوابا وَذكر فِي كل بَاب حجَّة
أبي حنيفَة ومذهبه وَمَا لَهُ فِيهِ من الْأَخْبَار وَمَا
لَهُ فِيهِ من الْقيَاس حَتَّى استقصى ذَلِك استقصاء حسنا
وَعمل فِي كِتَابه حَتَّى صَار إِلَى يَد الْمَأْمُون
فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ هَذَا جَوَاب الْقَوْم اللَّازِم
لَهُم ثمَّ أنشأ يَقُول
(حسدوا الْفَتى إِذْ لم ينالوا سَعْيه ... فالقوم أَعدَاء
لَهُ وخصوم
(1/148)
(كضرائر الْحَسْنَاء قُلْنَ لوجهها ...
حسدا وبغيا إِنَّه لدميم)
ثمَّ سَأَلَ عَن وَاضع ذَلِك الْكتاب وَعَن أَحْوَاله
فَأخْبر بِهِ فَأمر بِهِ مُنْذُ يَوْمئِذٍ فَصَارَ يحضر
مَعَ الْفُقَهَاء
أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ أنبأ أَبُو بكر
الدَّامغَانِي الْفِقْه قَالَ ثَنَا الطَّحَاوِيّ قَالَ
سَمِعت أَبَا خازم القَاضِي يَقُول مَا رَأَيْت لأهل
بَغْدَاد حَدثا أذكى من عِيسَى بن أبان وَبشر بن الْوَلِيد
وَقَالَ أَبُو خازم كَانَ عِيسَى رجلا سخيا جدا وَكَانَ
يَقُول وَالله لَو أتيت بِرَجُل يفعل فِي مَاله كفعلي فِي
مَالِي لحجرت عَلَيْهِ قَالَ وَقدم إِلَيْهِ رجل مُحَمَّد
بن عباد المهلبي فَادّعى عَلَيْهِ أَرْبَعمِائَة دِينَار
فَسَأَلَهُ عِيسَى عَمَّا ادّعى عَلَيْهِ فَأقر لَهُ بذلك
فَقَالَ لَهُ الرجل احبسه لي فَقَالَ لَهُ عِيسَى أما
الْحَبْس فَوَاجِب لَك وَلَكِنِّي لَا أرى حبس أبي عبد
الله وَأَنا أقدر على فدائه من مَالِي فغرمها عَنهُ عِيسَى
من مَاله
أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد الْأَسدي قَالَ ثَنَا أَبُو
بكر الدَّامغَانِي الْفَقِيه قَالَ ثَنَا الطَّحَاوِيّ
قَالَ سَمِعت ابْن أبي عمرَان يَقُول سَمِعت أَبَا عبد
الله مُحَمَّد بن عبد الله الْكَلْبِيّ الْفَقِيه قَالَ
حضرت عِيسَى بن أبان وَهُوَ يَمُوت فَقَالَ لي يَا كَلْبِي
احص مَا لي من المَال فأحصيت فَإِذا مَال كثير ثمَّ قَالَ
لي إحص مَا عَليّ من الدّين فأحصيت فَإِذا هُوَ قريب من
مَاله فَقَالَ لي كَانُوا يحبونَ ان أَن يعيشوا عَيْش
الْأَغْنِيَاء ويموتوا موت الْفُقَرَاء
أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ أنبأ أَبُو بكر
الدَّامغَانِي الْفَقِيه قَالَ ثَنَا الطَّحَاوِيّ قَالَ
سَمِعت أَبَا خازم يَقُول سَمِعت بكرا يَقُول مَا رَأَيْت
أحدا قطّ فتمنيت أَن أكون مثله إِلَّا مُحَمَّد بن
سَمَّاعَة وَمَا رَأَيْت قطّ فقيهين متواخيين كل وَاحِد
مِنْهُمَا يُوجب لصَاحبه كإيجابه لنَفسِهِ غير مُحَمَّد بن
سَمَّاعَة وَعِيسَى بن أبان
أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ ثَنَا أَبُو بكر
الدَّامغَانِي قَالَ ثَنَا الطَّحَاوِيّ قَالَ ثَنَا أَبُو
بكرَة بكار بن قُتَيْبَة قَالَ سَمِعت هِلَال بن يحيى
يَقُول مَا ولى الْبَصْرَة مُنْذُ كَانَ
(1/149)
الْإِسْلَام وَإِلَى وقتنا هَذَا قَاض أفقه
من عِيسَى بن أبان
أخبرنَا عبيد الله بن مُحَمَّد قَالَ ثَنَا الدَّامغَانِي
قَالَ ثَنَا الطَّحَاوِيّ قَالَ سَمِعت إِبْرَاهِيم ابْن
حميد الْبَصْرِيّ الْمَعْرُوف بالكلابزي يَقُول سَمِعت أبي
يَقُول كُنَّا نخاصم إِلَى عِيسَى بن أبان وَهُوَ قَاضِي
الْبَصْرَة فِي ضيعتنا الْمَعْرُوفَة بالكلابزية وَفِي
الشَّرَائِط الَّتِي هُوَ مَوْقُوفَة عَلَيْهَا فَكَانَ
يرددنا فِي ذَلِك فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْم من الْأَيَّام
تقدمنا إِلَيْهِ فَقُلْنَا أَيهَا القَاضِي قد طَال أمرنَا
فِي هَذِه الضَّيْعَة واحتجنا إِلَى أَن يفصل القَاضِي
بَيْننَا فَأَنا لَا نَدْرِي إِلَى من نرْجِع سواهُ قَالَ
فَمد يَده فَأخذ طويلته من رَأسه ثمَّ قَالَ وَالله مَا
يحسن القَاضِي جَوَاب مسألتكم هَذِه فَإِن صَبَرْتُمْ
إِلَى أَن يفتح الله فِيهَا شَيْئا لي وَلكم وَإِن لم
تَفعلُوا فشأنكم
أخبرنَا القَاضِي عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ ثَنَا أَبُو
بكر الدَّامغَانِي الشَّيْخ الْفَقِيه قَالَ أنبأ
الطَّحَاوِيّ قَالَ سَمِعت بكار بن قُتَيْبَة يَقُول تقدم
رجل إِلَى عِيسَى بن أبان وَهُوَ يَلِي الْقَضَاء عندنَا
بِالْبَصْرَةِ فِي خصومه فَأمر بِهِ يوجأ قَفاهُ فَفعل
ذَلِك وَادّعى ذهَاب بَصَره وَخرج إِلَى المعتصم رَافعا
عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ إِلَى من تحب أَن نكتب لَك من أهل
الْبَصْرَة فَقَالَ إِلَى عبد الله بن مُحَمَّد بن
عَائِشَة التَّيْمِيّ فَأمر لَهُ بِالْكتاب إِلَيْهِ فِي
النّظر بَينه وَبَين عِيسَى فِي ذَلِك فأوصل الرجل الْكتاب
إِلَى ابْن عَائِشَة لما قدم فَبعث ابْن عَائِشَة إِلَى
عِيسَى فَأعلمهُ ذَلِك فوعده بالحضور إِلَى الْمَسْجِد
الْأَعْظَم للنَّظَر فِي ذَلِك فَسبق ابْن عَائِشَة وَجلسَ
إِلَى سَارِيَة من سواري الْمَسْجِد ثمَّ جَاءَ عِيسَى
وَكنت يَوْمئِذٍ مَعَه وَمَعَهُ أمناؤه وَأَصْحَابه فَلم
يتهيأ لَهُ الدُّخُول من بَاب من أَبْوَاب الْمَسْجِد لما
فِيهِ من النَّاس فَدخل ودخلنا مَعَه من حَيْثُ يدْخل
المؤذنون يَوْم الْجُمُعَة فَعمد عِيسَى إِلَى سَارِيَة
الحكم الَّتِي كَانَ يجلس عِنْدهَا للْحكم وَيجْلس
الْحُكَّام عِنْدهَا قبله فَجَلَسَ عِنْدهَا فَجعل ابْن
عَائِشَة ينتظره أَن يتَحَوَّل إِلَيْهِ وَقد كَانَ عِيسَى
لما بعث إِلَيْهِ ابْن عَائِشَة يُعلمهُ مَا كتب بِهِ
إِلَيْهِ أَجَابَهُ أَنه لَا يحضر إِلَّا بعد حُضُور
الْأَمِير وَصَاحب الْبَرِيد فَحَضَرَ الْأَمِير وَصَاحب
الْبَرِيد فَلَمَّا طَال الْأَمر على ابْن عَائِشَة بعث
إِلَى عِيسَى إِن الرجل قد حضر يَعْنِي الْخصم وَإِنَّا
منتظروك فَبعث إِلَيْهِ عِيسَى إِنِّي لم أصرف عَن
الْعَمَل وَالْعَمَل إِلَيّ كَمَا كَانَ والسارية الَّتِي
أَنا
(1/150)
فِيهَا هِيَ السارية الَّتِي تعرف بجلوس
الْحُكَّام عِنْدهَا فَإِن يكن إِلَيْك شَيْء مِمَّا إِلَى
الْحُكَّام فَعندهَا يكون جلوسك فَلَمَّا سمع ابْن
عَائِشَة ذَلِك الْكَلَام علم أَنه قد أَخطَأ وأنف أَن
يقوم من مقَامه الَّذِي كَانَ بِهِ إِلَى الْمَكَان
الَّذِي فِيهِ عِيسَى فرأيته وَقد زحف يتَوَارَى عَنَّا
حَتَّى صَار إِلَى الْموضع الَّذِي جلس فِيهِ وَحضر الْخصم
مَا أدعى بمحضرهم جَمِيعًا فَقَالَ ابْن عَائِشَة لعيسى
مَا تَقول فِيمَا ذكره هَذَا الرجل فَقَالَ عِيسَى مَا
أَقُول حرفا إِلَّا مَا يَكْتُبهُ كَاتب الْأَمِير وَكَاتب
صَاحب الْبَرِيد وكاتبي ثمَّ قَالَ عِيسَى فِي ذَلِك مَا
قَالَ وكتبوه جَمِيعًا مَا وَنفذ الْكتاب فَلم يكن عِنْده
شَيْء مِمَّا قدره ابْن عَائِشَة وَلَا مِمَّا قدره الْخصم
وَعَاد الْأَمر إِلَى مَحْبُوب عِيسَى فَذكرت ذَلِك لأبي
خازم القَاضِي فَعرفهُ وَصدق بكارا على جَمِيع مَا حَدثنِي
بِهِ وَقَالَ لي مَعَ ذَلِك لقد حَدثنِي طَبِيب كَانَ
بِالْبَصْرَةِ مِمَّن يرجع إِلَى قَوْله وَلَا يتهم خَبره
إِنَّه كَانَ فِي دَار ابْن عَائِشَة بعد مَا نفذ كِتَابه
بِمَا نفذ بِهِ فِي هَذَا الْأَمر قَالَ فَإِنِّي لفي
صحنها إِذْ رَأَيْت ظهرا فَأَخَذته فَإِذا فِيهِ نُسْخَة
مَا عمله ابْن عَائِشَة وَكتب بِهِ إِلَى المعتصم فِي
هَذَا الْأَمر فوقفت فِيهَا على تزيد مِنْهُ كثير لم يكن
جرى بَينه وَبَين عِيسَى ثمَّ رَجعْنَا إِلَى حَدِيث بكار
فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك خَاصم قوم من الهاشميين ابْن
عَائِشَة فِي شَيْء كَانَ يَأْخُذهُ من وقف لَهُم وَكَانَت
أمه مِنْهُم وَكَانَ يَأْخُذهُ بِأُمِّهِ لِأَن الْوَقْف
كَانَ عَلَيْهِم وعَلى أَوْلَادهم وَأَوْلَاد أَوْلَادهم
فَقَالُوا لَهُ أَنْت رجل من بني تيم فَلَيْسَ لَك أَن
تَأْخُذ من وقفنا الَّذِي علينا وعَلى أَوْلَادنَا وَنحن
قوم من بني هَاشم وخاصموه فِي ذَلِك إِلَى عِيسَى بن أبان
فَدَعَا عِيسَى بِالْحجَّةِ فِي أَخذه من وقفهم مَا
يَأْخُذهُ فَقَالَ أَخَذته بأمي لِأَن الْوَاقِف جدهم
الَّذِي يرجعُونَ إِلَيْهِ بآبائهم وَهُوَ جدي لأمي أرجع
إِلَيْهِ بهَا كَمَا يرجعُونَ إِلَيْهِ بآبائهم فَقَالَ
لَهُ عِيسَى مَا أرى لَك فِي ذَلِك حَقًا إِنَّمَا هُوَ
لأَوْلَاد أَوْلَاد الْوَاقِف الَّذين يرجعُونَ إِلَيْهِ
بآبائهم لَا بأمهاتهم فَقَالَ لَهُ ابْن عَائِشَة قد كنت
آخذه على أَيدي جمَاعَة من
(1/151)
الْقُضَاة فَذكر اسماعيل بن حَمَّاد
وَمُحَمّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ وَيحيى بن أَكْثَم
فَقَالَ لَهُ عِيسَى الْقَضَاء من هَؤُلَاءِ الْقُضَاة
الَّذين ذكرتهم بذلك فَإِن كَانَ مَعَك بذلك حجَّة من
وَاحِد مِنْهُم بِقَضَائِهِ بذلك أنفذته لَك وجعلتك من أهل
هَذَا الْوَقْف وَإِن لم يكن ذَلِك مَعَك فَإِنَّمَا هَذَا
تعدى من أمنائهم فِي دفعهم إِلَيْك مَا كَانُوا يدفعونه من
غلاته وَلَو خوصموا إِلَيّ فِي ذَلِك لضمنتهم إِيَّاه
قَالَ فَأخْرجهُ من الْوَقْف ورده إِلَى الهاشميين دونه
فَكَانَ ذَلِك سَببا لفقره
قَالَ بكار فَكَانَ أَصْحَابنَا هِلَال وَغَيره يَقُولُونَ
إِن عِيسَى قد خرج بِقَضَائِهِ بذلك من قَول أَصْحَابه
لأَنهم كَانُوا يرَوْنَ أَوْلَاد الْبَنَات فِي ذَلِك
كأولاد الْبَنِينَ يَقُولُونَ إِنَّمَا حمله على ذَلِك مَا
كَانَ من ابْن عَائِشَة فِي الْقِصَّة الَّتِي بدأنا
بذكرها وَذكر ذَلِك لعيسى فَقَالَ مَا خرجت من قَول
أَصْحَابنَا وَهَذَا القَوْل الَّذِي قضيت بِهِ هُوَ قَول
مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ بكار وَمَا عرفنَا ذَلِك من قَول
مُحَمَّد بن الْحسن وَلَا عرفه هِلَال وَلَا أُولَئِكَ
الْفُقَهَاء الَّذين أَنْكَرُوا على عِيسَى قَضَاءَهُ
فَذكرت أَنا ذَلِك لأبي خازم فَعرفهُ وَقَالَ مَا صَنَعُوا
شَيْئا قد صدق عِيسَى فِي هَذِه الرِّوَايَة على مُحَمَّد
هِيَ فِي كِتَابه الْكَبِير من السّير فِي الْحَرْبِيّ
إِذا أومن على نَفسه وعَلى وَلَده وَولد وَلَده أَنه لَا
يدْخل فِي ذَلِك أَوْلَاد بَنَاته فَرَجَعت أَنا إِلَى
كتاب السّير فَوَجَدته كَمَا قَالَ أَبُو خازم
قَالَ الطَّحَاوِيّ وَقد قَالَ لي أَبُو عبد الرَّحْمَن
الْبَصْرِيّ السَّاجِي وَكَانَ من وُجُوه من جَاءَنَا من
الْبَصرِيين وَكَانَ متحققا بالفرائض فَقَالَ لي قد كَانَ
ابْن عَائِشَة بعد قصَّته مَعَ عِيسَى شخص إِلَى الحضرة
فَكَانَ هُنَاكَ مُدَّة وَبهَا سمع البغداديون مِنْهُ مَا
سمعُوا ثمَّ قدم الْبَصْرَة
قتل أَبُو خازم لما أَرَادَ ابْن عَائِشَة الرُّجُوع إِلَى
الْبَصْرَة قَالَ لَهُ ابْن أبي دؤاد عِنْد وداعه هَل لَك
من حَاجَة يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن نقضي لَك قَالَ نعم
ولَايَة حكم
(1/152)
الْبَصْرَة فَقَالَ لَهُ ابْن أبي دؤاد
لَيْسَ وَالله إِلَى عزل أبي مُوسَى سَبِيل وَلَكِن سل مَا
سوى ذَلِك فَلم يسْأَل شَيْئا
أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ ثَنَا أَبُو بكر
الدَّامغَانِي الْفَقِيه قَالَ أنبأ الطَّحَاوِيّ قَالَ
ثَنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يُونُس الْبَصْرِيّ
قَالَ سَمِعت عِيسَى بن أبان وَهُوَ على بَاب مَسْجده
يُرِيد ددخوله للصَّلَاة فَقَالَت لَهُ امْرَأَة أَيهَا
القَاضِي الله الله فيل أَمْرِي سل عَن قصتي الْفُقَهَاء
قبل أَن تقضي عَليّ سل عَن ذَلِك هلالا فَسَمعته يَقُول
لَهَا أيتها الْمَرْأَة مَا بِنَا إِلَى هِلَال من فاقة
(1/153)
طَبَقَات أَصْحَاب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ إِلَى
وقتنا هَذَا رَحِمهم الله
قَالَ القَاضِي أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن عَليّ
الصَّيْمَرِيّ رَحمَه الله قد ذكرنَا أَخْبَار الْأَعْلَام
من أَصْحَاب أبي حنيفَة وَقد أَخذ عَن أبي حنيفَة الْعلم
عدد كثير من النَّاس غير أَنه لم يتَّفق لَهُ من
الشُّهْرَة وَكَثْرَة الْأَصْحَاب والتقدم عِنْد
السُّلْطَان مَا اتّفق لمن ذَكرْنَاهُ |